كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يُخْرِجُوا الْفِطْرَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلًّى ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } وَالْأَمْرُ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى { وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُخْرِجُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى } ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ ) لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ .
وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ .
وَقَالَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا ) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَالِ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَالْفِطْرَةُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَبَاعَدَتْ وَكَذَا بِالِافْتِقَارِ إذَا افْتَقَرَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهَلَاكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يُسْقِطُهَا كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَكِنْ يَنْتَقِلُ الْوُجُوبُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ

لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ فَقُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَازِمَةٌ لَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصِّغَارِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ عَدَمِ الصَّوْمِ مِنْهُمْ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ الصَّوْمِ عَنْ الْبَالِغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الصَّوْمِ ) إنَّمَا أَخَّرَهُ مَعَ أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ { بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أَيْ إمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ ثُمَّ لِلصَّوْمِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ فَصَوْمُ الْعُمُومِ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنْ الْآثَامِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ صَوْمُ الْقَلْبِ عَنْ الْهُمُومِ الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( الصَّوْمُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَنَفْلٌ ) وَفِي شَرْحِهِ الصَّوْمُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ صَوْمٌ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَصَوْمٌ فِي الذِّمَّةِ كَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمٌ هُوَ نَفْلٌ .
( قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ مِنْهُ ضَرْبَانِ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ

فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفُهُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتُ الزَّوَالِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ النِّيَّةُ وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ اللَّيْلِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَقَدْ لَا يَسْتَبِينُ لَهُ الْفَجْرُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْفَجْرَ فَلِهَذَا جَازَ التَّقْدِيمُ وَكَمَا جَازَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا فِيمَا كَانَ عَيْنًا مِنْ الصِّيَامِ دُونَ مَا كَانَ دَيْنًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ وَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُغْمًى عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ أَيَّامٍ جَازَ صَوْمُهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَوَاهُ فِي لَيْلَتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَوْمَ الْغَدِ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَنْوِي أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ حِينِ نَوَى لَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا ثُمَّ النِّيَّةُ هِيَ مَعْرِفَتُهُ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَوْمٍ يَصُومُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا بِلِسَانِهِ فَيَقُولُ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَقُولُ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ .
وَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ الْكَلَامَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَذَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ مِنْ اللَّهِ

فَلَا يَصِيرُ مُبْطِلًا لِلنِّيَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَمَلُ اللِّسَانِ فَيُبْطِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا النِّيَّةُ فَعَمَلُ الْقَلْبِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِاللِّسَانِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ لَمْ يَكُنْ مُفْطِرًا حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَكَذَا إذَا نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ أَكَلَ لَمْ تَفْسُدْ نِيَّتُهُ وَلَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ لَيْلًا ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهَا ثُمَّ إنَّمَا تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ نَاسِيًا لَمْ تَجُزْ النِّيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالسُّحُورُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَكَذَا إذَا تَسَحَّرَ لِصَوْمٍ آخَرَ كَانَ نِيَّةً لَهُ وَإِنْ تَسَحَّرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصْبِحُ صَائِمًا لَا يَكُونُ نِيَّةً وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ تَكْفِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ ثُمَّ صَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقٍ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ .

( قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ) يَعْنِي مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانُ مُلْحَقَةٌ بِالْكَفَّارَاتِ .

( قَوْلُهُ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ ) يَعْنِي مُسْتَحَبَّهُ وَمَكْرُوهَهُ ( يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ .

( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ ) أَيْ يَجِبُ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسُوا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الْعِدَّةِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ } فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْ ذِمَّتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّكِّ وَأَمَّا صَوْمُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ عَادَتُهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَصُومَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ الْخَوَاصُّ وَالْمُفْتُونَ وَيَأْمُرُونَ الْعَوَامَّ بِالتَّلَوُّمِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ الْإِفْطَارُ قَالُوا هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِفْطَارُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ كَانَ يَضَعُ كُوزًا فِيهِ مَاءٌ بَيْن يَدَيْهِ يَوْمَ الشَّكِّ فَإِذَا اسْتَفْتَاهُ مُسْتَفْتٍ شَرِبَ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَفْتِي وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُهُ تَطَوُّعًا وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا } .

( قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ ) لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِمَا عَلِمَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا إذَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي رُؤْيَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَمْ يُفْطِرْ لِغَلَبَةِ الْخَطَأِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَيَجِبُ فَإِنْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَرَأَى مَا لَيْسَ بِهِلَالٍ فَظَنَّهُ هِلَالًا فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلِلِاحْتِيَاطِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ ) ( كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ ) أَيْ غُبَارٌ أَوْ سَحَابٌ ( قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ ) ( رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ) وَإِطْلَاقُ هَذَا الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ إلَى الْقَاضِي وَفِي الْخُجَنْدِيِّ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَلَا تُقْبَلُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا حُكْمُ الْحَاكِمِ بَلْ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ الْأَخْبَارَ حَتَّى لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَسَمِعَ رَجُلٌ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ أَنْ يَصُومَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ وَهَلْ يَسْتَفْسِرُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إنَّمَا يُقْبَلُ إذَا فَسَّرَ بِأَنْ قَالَ رَأَيْته خَارِجَ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْبَلَدِ بَيْنَ خِلَالِ السَّحَابِ أَمَّا بِدُونِ التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ بِدُونِ هَذَا وَلَوْ تَفَرَّدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ لَهَا قَاضٍ وَلَمْ يَأْتِ مِصْرًا لِيَشْهَدَ وَهُوَ ثِقَةٌ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَآهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ وَلَا يُفْطِرُ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَيَقَّنَ أَفْطَرَ سِرًّا وَكَذَا غَيْرُ الْقَاضِي إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا فَإِنْ أَفْطَرَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ

الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مَعَ الْغَيْمِ وَصَامُوا بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ هَلْ يُفْطِرُونَ فَعِنْدَهُمَا لَا يُفْطِرُونَ وَيَصُومُونَ يَوْمًا آخَرَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ .
وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَقَدْ أَفْطَرُوا إذْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ قَالَ إنِّي لَا أَتَّهِمُ الْمُسْلِمَ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا عِنْدَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ ) لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْمٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ لِلْوَاحِدِ النَّظَرُ وَقَوْلُهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ قَالَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ تَقْدِيرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِثْلُ الْقَسَامَةِ وَقِيلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقِيلَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ .

( قَوْلُهُ وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } .
( قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ إلَى آخِرِهِ ) هَذَا هُوَ حَدُّ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْحَدُّ يَنْتَقِضُ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا طَرْدًا فَفِي أَكْلِ النَّاسِي وَجِمَاعِهِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بَاقٍ وَالْإِمْسَاكُ فَائِتٌ وَأَمَّا عَكْسًا فَهُوَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ وَالصَّوْمُ فَائِتٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَعْدُومٌ فِي النَّاسِي فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ الشَّرْعِيَّ مَوْجُودٌ فِي أَكْلِ النَّاسِي لِأَنَّ الشَّارِعَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى اللَّهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَعْدُومًا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ الْأَكْلُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْإِمْسَاكُ وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الْحَائِضِ فَقَدْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْحَدِّ بِأَنْ يُقَالَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ .
( قَوْلُهُ مَعَ النِّيَّةِ ) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } .

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك بِخِلَافِ الْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مَذْكُورَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْيَانُ فِيهَا وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجِزْهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ نَاسِيًا إذْ لَوْ أَكَلَ مُكْرَهًا أَوْ جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِ النَّائِمِ فَسَدَ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْمُكْرَهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَكَلَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا فَالْمُخْطِئُ هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ لَهُ إنَّك صَائِمٌ أَوْ هَذَا رَمَضَانُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ ارْتَفَعَ حِينَ ذُكِّرَ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا هَلْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنْهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَلَا .
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ سَبَقَ الذُّبَابُ إلَى حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَإِنْ تَثَاوَبَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ قَطْرَةٌ مِنْ الْمَطَرِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارُ الطَّاحُونَةِ أَوْ غُبَارُ الْعَدَسِ وَأَشْبَاهُهُ أَوْ الدُّخَانُ أَوْ مَا سَطَعَ مِنْ غُبَارِ التُّرَابِ بِالرِّيحِ أَوْ

بِحَوَافِرِ الدَّوَابِّ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى إلَى صَائِمٍ بِحَبَّةِ عِنَبٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَقَعَتْ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَقَوْلُهُ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ ذَكَرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَبَقِيَ وَلَمْ يَنْزِعْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ خَشِيَ الْمَجَامِعُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ فَأَمْنَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُفْطِرْ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُخَالِطٌ فَنَزَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا لَا يُفْطِرُ .
وَقَالَ زُفَرُ فِيهِمَا يُفْطِرُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّاسِي لَا يُفْطِرُ وَفِي الْآخَرِ يُفْطِرُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ آخِرَ الْفِعْلِ يُعْتَبَرُ بِأَوَّلِهِ وَفِي الْفَجْرِ أَوَّلُهُ عَمْدٌ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَفِي النِّسْيَانِ أَوَّلُهُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَفْسُدُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ هَذَا يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُسْتَثْنَى كَانْتِزَاعِ النَّاسِي بَعْدَ مَا تَذَكَّرَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ } وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ ) سَوَاءٌ نَظَرَ إلَى الْوَجْهِ أَوْ إلَى الْفَرْجِ أَوْ إلَى غَيْرِهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى وَلَوْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ .
( قَوْلُهُ أَوْ أَدْهَنَ لَمْ يُفْطِرْ ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الدُّهْنِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا ( قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الْكُحْلِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ .
( قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَ لَمْ يُفْطِرْ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى وَيَعْنِي بِالْمَعْنَى الْإِنْزَالَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَلَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْجِنَايَةِ نِهَايَتَهَا وَلَمْ تَبْلُغْ نِهَايَتَهَا لِأَنَّ نِهَايَتَهَا الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمَسَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ الْبَدَنِ وَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَرَارَةَ الْبَدَنِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَنْزَلَ إذَا كَانَ الْحَائِلُ ضَعِيفًا وَعَلَى هَذَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ قَبَّلَتْ الصَّائِمَةُ زَوْجَهَا فَأَنْزَلَتْ أَفْطَرَتْ وَكَذَا إذَا أَنْزَلَ هُوَ وَإِنْ أَمَذَى أَوْ أَمَذَتْ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَإِنْ عَمِلَ امْرَأَتَانِ السَّحْقَ إنْ أَنْزَلَتَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عَالَجَ ذَكَرَهُ بِيَدِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَفْطَرَ إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ ) ( بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ ) أَيْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ ) وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُفْسِدُ الصَّوْمَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ قَاسَهُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ } وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ كَرَيْحَانَةٍ أَحَدُكُمْ يَشُمُّهَا } وَأَمَّا الْقُبْلَةُ الْفَاحِشَةُ فَتُكْرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ وَقِيلَ إنَّ الْمُبَاشَرَةَ تُكْرَهُ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ ) أَيْ سَبَقَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مِلْءَ الْفَمِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ ثُمَّ مِلْءُ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُعَدُّ خَارِجًا وَمَا كَانَ خَارِجًا إذَا أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ وَالثَّالِثَةُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَهُوَ الْإِدْخَالُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمِلْءِ ، وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ الْمِلْءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ بِصُنْعِهِ وَلَا مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِيمَا إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ إنَّ صَوْمَهُ لَا يُفْسِدُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ فِيمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ أَعَادَهُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصُّنْعِ

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْمِلْءِ وَإِنْ أَعَادَهُ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُفْطِرْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا مَلْءَ فِيهِ أَفْطَرَ ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْطِرُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَإِنْ عَادَ لَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ سَبْقِ الْخُرُوجِ وَلَا يَتَأَتَّى قَوْلُ مُحَمَّدٍ هَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ بِخُرُوجِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) لِعَدَمِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَا أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِابْتِلَاعِ لِأَنَّ الْمَضْغَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ وَإِنَّمَا أَفْطَرَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى وَهُوَ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ هَا هُنَا أَظْهَرَ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ سِوَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ قُلْنَا عَدَمُ دُعَاءِ الطَّبْعِ إلَيْهِ يُغْنِي عَنْ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ زَاجِرًا كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي شُرْبِ الدَّمِ وَالْبَوْلِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَلَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً يَابِسَةً أَوْ قِشْرَ الْجَوْزِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْزَةً يَابِسَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَمْضُغَهَا حَتَّى يَصِلَ إلَى لُبِّهَا فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ قِشْرَ الْبِطِّيخِ الْيَابِسِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا طَرِيًّا فَقَدْ قِيلَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ وَرَقَ الشَّجَرِ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مَعَهَا هَكَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَصَلَ تُفْرُوقُهَا إلَى الْجَوْفِ أَوَّلًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَضَغَهَا فَلَا كَفَّارَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى .

( قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شِبَعٌ وَالشِّبَعُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَنْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ تَمْرَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّبَعُ كَذَلِكَ هَذَا وَإِنْ جَامَعَ مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَإِنْ أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى الْجِمَاعِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَاللَّذَّةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَهُ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَالِانْتِشَارُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ أَكْرَهَهَا هُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ الْمَأْثَمَ وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ وَلَا إثْمَ هَا هُنَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ابْتَدَأَ الْجِمَاعَ وَقَدْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا .
أَمَّا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَجَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ لَا يَجِبُ التَّكْفِيرُ بِالْإِفْطَارِ إذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَالِاخْتِلَافُ يُورِثُ شُبْهَةً وَالْكَفَّارَةُ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فِي وَسَطِ الْجِمَاعِ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ بَعْدَمَا صَارَتْ مُفْطِرَةً

وَلَوْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا وَكَذَا إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَرِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ سَافَرَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ جَرَحَ نَفْسَهُ فَمَرِضَ مِنْهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ عَقْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ .
وَلَوْ أَكَلَ قَوَائِمَ الذُّرَةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَضَارَّ قَالَ الزَّنْدُوسِيُّ أَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ فِيهِ حَلَاوَةً وَيَلْتَذُّ بِهِ كَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي إيضَاحِهِ وَإِنْ أَكَلَ الطِّينَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا أَكَلَ الطِّينَ الْأَرْمَنِيَّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَإِنْ أَكَلَ الْمِلْحَ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَ قَدْ صَارَ فِيهِ الدُّودُ وَأَنْتَنَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يُدَوِّدْ وَلَمْ يُنْتِنْ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَتْ وَكُرِهَتْ لِأَجْلِ الشَّرْعِ لَا لِأَجْلِ الطَّبْعِ فَصَارَتْ كَأَكْلِ الطَّعَامِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَثْرُودِ بِمَرَقَةٍ نَجِسَةٍ وَإِنْ شَرِبَ دَمًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ

لَحْمًا نِيئًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا عَلَى الرِّيقِ أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ .
وَأَمَّا إذَا أَخَرَجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ وَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْخَارِجِ وَابْتَلَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ أَفْطَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَجِبُ وَإِنْ مَضَغَهَا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَلَا تَصِلُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ لَحْمًا مَرْبُوطًا بِخَيْطِ ثُمَّ انْتَزَعَ الْخَيْطَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَإِنْ انْفَصَلَ الْخَيْطُ أَفْطَرَ وَإِنْ فَتَلَ الْخَيَّاطُ الْخَيْطَ وَبَلَّهُ بِرِيقِهِ ثُمَّ أَمَرَّهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَ ذَلِكَ الرِّيقَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَ رِيقَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَلَوْ سَالَ لُعَابُ الصَّائِمِ إلَى ذَقَنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُ نَائِمٍ فَابْتَلَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ لَا يُفْطِرُ .
( قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) أَحَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الظِّهَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِرَارًا إنْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَيْنِ لَزِمَهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ فِي

رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَأَفْطَرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بَيَانُهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَجَازَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ وَإِنْ جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَعَلَيْهِ لِلْجِمَاعِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى انْجَبَرَتْ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى فَصَادَفَ جِمَاعُهُ الثَّانِي حُرْمَةً أُخْرَى كَامِلَةً فَلَزِمَهُ لِأَجْلِهَا الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ فِي سَنَةٍ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ جِمَاعٍ كَفَّارَةٌ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ لِكُلِّ شَهْرٍ حُرْمَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ تَجْزِيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّائِمِ الْكَفَّارَةُ فَسَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّ هَذَا الْعُذْرَ مِنْ قِبَلِهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) أَمَّا الْقَضَاءُ فَلِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى وَهُوَ الْإِنْزَالُ وَلَا كَفَّارَةَ لِانْعِدَامِهِ صُورَةً وَهُوَ الْإِيلَاجُ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ ) لِأَنَّهُ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ وَالشَّهْرِ وَفِي غَيْرِهِ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ لَا غَيْرُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَرَ أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقَطْرَ فِي أُذُنَيْهِ أَفْطَرَ ) الْوَجُورُ صَبُّ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ وَقَوْلُهُ احْتَقَنَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ صَبُّ الدَّوَاءِ فِي الدُّبُرِ فَإِنْ أَوْجَرَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ طَائِعًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَعَطَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الصُّورَةِ يَعْنِي فِي الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ يَعْنِي الدَّوَاءَ وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ الدُّهْنِ .

( قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ) الْجَائِفَةُ الْجُرْحُ فِي الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ الْجُرْحُ فِي أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ الدِّمَاغُ وَقَوْلُهُ بِدَوَاءٍ رَطْبٍ بِخِلَافِ الْيَابِسِ .
وَفِي الْمُصَفَّى الِاعْتِبَارُ بِالْوُصُولِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُ الرَّطْبِ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ عَلِمَ وُصُولَ الْيَابِسِ أَفْطَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ ) إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الْمَثَانَةِ أَمَّا إذَا بَقِيَ فِي الْقَصَبَةِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَلَوْ أَقْطَرَ فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ تُفْطِرُ إجْمَاعًا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفِيهِ لَمْ يُفْطِرْ ) لِعَدَمِ الْمُفْطِرِ صُورَةً وَمَعْنًى .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذَّوْقِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ يُبَاحُ لِلْعُذْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَعْرِيضٌ عَلَى الْإِفْطَارِ فَإِذَا كَانَ الْإِفْطَارُ فِيهِ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَكْرُوهًا وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ التَّرَشُّشُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِنْقَاعُ فِيهِ وَصَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالِالْتِحَافُ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ بِالصَّوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَفِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ } .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ السِّوَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا أَوْ مَبْلُولًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ الْمَبْلُولُ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ ) بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا صَغِيرٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَضْغِ .
( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ ) صِيَانَةً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُفْطِرُ إذَا خَافَتْ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَمَضْغُ الْعِلْكِ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْفَسَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ وَالْعِلْكُ هُوَ الْمَصْطَكَى وَقِيلَ اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى ) الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ أَنْ تَزْدَادَ حُمَّاهُ شِدَّةً بِالصَّوْمِ أَوْ عَيْنَاهُ وَجَعًا أَوْ رَأْسَهُ صُدَاعًا أَوْ بَطْنَهُ اسْتِطْلَاقًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَكَذَا إذَا كَانَ إذَا صَامَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْبُرْءُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ بَرِيءَ مِنْ الْمَرَضِ وَبَقِيَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَثَرِهِ فَخَافَ إنْ صَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ الْمَرَضُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْخَوْفَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ وَإِنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ إنْ صَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْجَمَاعَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْطَرَ وَقَضَى جَازَ ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْمَشَقَّةِ ثُمَّ السَّفَرُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ حَتَّى إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَمَا أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ صَائِمًا لِأَنَّ السَّفَرَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَرَضُ عُذْرٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَذَا مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَمَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ ) وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَمَّا إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعْوِيضُهَا بِالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ مُؤَجَّلٌ إلَى حِينِ الْقُدْرَةِ فَبِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ هَذَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَصُمْ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ أَمَّا لَوْ صَامَ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ .

( قَوْلُهُ وَقَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَقَّهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } لَكِنَّ الْمُتَابَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ جِنْسَ الصِّيَامَاتِ كُلِّهَا أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ وَأَرْبَعَةٌ إنْ شَاءَ تَابَعَهَا وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهَا وَثَلَاثَةٌ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ فَالْأَرْبَعَةُ الْمُتَتَابِعَةُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ } وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ثَبَتَتْ مُتَتَابِعًا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ { صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَجَبَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعَيَّنٌ وَمُطْلَقٌ فَالْمُعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا وَيُعَيِّنُهُ أَوْ صَوْمُ أَيَّامٍ يُعَيِّنُهَا فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ أَوْ لَا فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ قَضَاهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ لَزِمَهُ وَكَذَا إذَا نَوَاهُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ اسْتَقْبَلَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِي ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى

التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ .
( قَوْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَخَّرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ .

( قَوْلُهُ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا ) وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِرْضَاعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَمَّا الْأُمُّ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ لِأَنَّهَا إذَا امْتَنَعَتْ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُخْرَى .

( قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ ) الْفَانِي الَّذِي قَرُبَ إلَى الْفِنَاءِ أَوْ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَكَذَا الْعَجُوزُ مِثْلُهُ .
فَإِنْ قُلْت مَا الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ قَدْرَ الْإِطْعَامِ قُلْت يُفِيدَانِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّغْذِيَةِ وَالتَّعْشِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ) وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ يُشَارِكُهُ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالصَّلَاةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّ صَلَاةٍ بِانْفِرَادِهَا مُعْتَبَرَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْوَتْرُ صَلَاةٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعِمُوا عَنْهُ لَهَا فَأَعْطَوْا فَقِيرًا وَاحِدًا جُمْلَةً ذَلِكَ صَارَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُمَا قَضَاهُمَا ) سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِفْسَادُ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ حَتَّى إذَا حَاضَتْ الصَّائِمَةُ تَطَوُّعًا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيُبَاحُ لِلْعُذْرِ وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ إلَى الْعَصْرِ وَأَمَّا لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ فَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ عُذْرًا وَلَوْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَقْضِيَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ { قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ عَلَى طَعَامٍ يَشْتَهِيه } قَالَ فِي الْإِيضَاحِ إذَا صَامَ تَطَوُّعًا وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ إلَى طَعَامِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْطِرَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفَيْ يَوْمٍ } .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ يُفْطِرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَمَّا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُكْرَهُ أَنْ تَصُومَ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ

وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَصُومَا تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَيْفَ مَا كَانَ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ صَامَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُفْطِرَ الْمَرْأَةَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُفْطِرَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَعْتَقَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَإِنْ نَهَاهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مِلْكُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا ) وَهَلْ الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ مُسْتَحَبٌّ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَصَامَا بَعْدَهُ ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِيَا مَا مَضَى مِنْهُ وَلَا يَوْمَهُمَا ) لِعَدَمِ الْخِطَابِ ثُمَّ قَوْلُهُ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَالْإِمْسَاكُ لَا غَيْرُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَفِي الصَّبِيِّ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ تَطَوُّعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْكَافِرِ إذَا نَوَى لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ) يَعْنِي بِالنَّهَارِ ( لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ .
( قَوْلُهُ وَقَضَى مَا بَعْدَهُ ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ فِيهِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَمَنْ جُنَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ لَمْ يَقْضِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَضَى مَا مَضَى مِنْهُ ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ ) وَكَذَا إذَا نَفِسَتْ وَهَلْ تَأْكُلُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا قِيلَ سِرًّا وَقِيلَ جَهْرًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّشَبُّهُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا ) هَذَا إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ مَا نَوَى لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ وَأَمَّا الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَنَوَتْ لَمْ يَكُنْ صَوْمًا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ لَا يَتَجَزَّأُ وَقَوْلُهُ أَمْسَكَا أَيْ عَلَى الْإِيجَابِ هُوَ الصَّحِيحُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَتَشَبَّهْ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ التَّشَبُّهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) فَقَوْلُهُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الرَّأْيِ لَا مِنْ الرُّؤْيَةِ أَيْ يَظُنُّ ظَنَّا غَالِبًا قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ حَتَّى لَوْ كَانَ شَاكًّا أَوْ أَكْثَرَ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَالثَّانِي أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْأَدَاءَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ ظَنًّا غَالِبًا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ أَمَّا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَكَلَ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِلْفِطْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَإِنَّ إفْطَارَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فَكَانَ مُتَيَقِّنًا لِلنَّهَارِ شَاكًّا فِي اللَّيْلِ ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا .
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ السُّنَّةِ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْإِفْطَارِ سُنَّةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّحُورَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً

} السُّحُورُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي وَقْتِ السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ إضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةً وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي أَدَاءِ الصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ نَيْلُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِأَكْلِ السُّحُورِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَعَمَلِهِ بِمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحُورِ } .

( قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ ) فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْطِرُ سِرًّا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا غَيْرَ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ عِبَادَةٍ فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُقُوقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الدِّينِيِّ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ ) فِي هِلَالِ الْفِطْرِ ( إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( بَابُ الِاعْتِكَافِ ) أَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُهُ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَكَذَلِكَ وَضْعًا كَمَا قُدِّمَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَحَاسِنُ الِاعْتِكَافِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ فِيهِ تَسْلِيمَ الْمُعْتَكِفِ كُلِّيَّتَهُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ لِطَلَبِ الزُّلْفَى وَتَبْعِيدَ النَّفْسِ عَنْ شُغْلِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مَانِعَةٌ عَمَّا يَسْتَوْجِبُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْقُرْبَى وَلِهَذَا كُرِهَ إحْضَارُ السِّلَعِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَيْضًا اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ وَالصَّائِمُ ضَيْفُ اللَّهِ فَالْأَلْيَقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَالِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعُكُوفِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ وَالْحَبْسُ وَالْمَنْعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أَيْ مَمْنُوعًا عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَهُوَ الْحَرَمُ مَوْضِعُ نَحْرِهِ وَفِي الشَّرْع هُوَ اللَّبْثُ وَالْقَرَارُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ ) يَعْنِي فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ أَمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ } وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ يَا عَجَبًا لِلنَّاسِ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ الصَّوْمُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ تَفْرِيغُ الْقَلْبِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى بَارِئِهَا وَالتَّحَصُّنُ بِحِصْنٍ حَصِينٍ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ وَاللَّبْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُكْثُ .
( قَوْلُهُ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ ) أَمَّا اللَّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّ وُجُودَهُ بِهِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَشَرْطُهُ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً

وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ } فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ سَاعَةً فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْعُدَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ كَالصَّوْمِ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ مَعْلُومٍ وَأَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ مَأْمَنُ الْخَلْقِ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ وَمَنْزِلُ الرَّحْمَةِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي كَثُرَ جَمَاعَتُهَا فَكُلُّ مَسْجِدٍ كَثُرَتْ جَمَاعَتُهُ فَهُوَ أَفْضَلُ وَالِاعْتِكَافُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالنَّفَلُ يَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُعْتَكِفًا بِقَدْرِ مَا أَقَامَ فَإِذَا خَرَجَ انْتَهَى اعْتِكَافُهُ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الصَّوْمِ .

( قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الْوَطْءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَيْضًا .
قِيلَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلِهَذَا قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ .
( قَوْلُهُ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ ) لِأَنَّهُمَا مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَا عَلَيْهِ إذْ الْوَطْءُ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ .
فَإِنْ قِيلَ لَمْ حَرُمَتْ الْقُبْلَةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ دُونَ الصَّائِمِ قِيلَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي الِاعْتِكَافِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحًا فَحُرِّمَتْ دَوَاعِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ فِيهِ دَلَالَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } لَمَّا خَصَّ اللَّيْلَ بِالْحِلِّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ بِالنَّهَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ لَا يَحْرُمُ بِالصَّوْمِ وَيَحْرُمُ بِالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي بَابِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْلًا وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ إذَا ثَبَتَتْ بِالنَّهْيِ تَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي كَحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ } وَإِذَا ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بِالْأَمْرِ لَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَحَالَةِ

الصَّوْمِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } بَعْدَ ذِكْرِ الْمُفَطِّرَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنْ قَبَّلَ الْمُعْتَكِفُ أَوْ لَمَسَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ وَإِنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ) وَهِيَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَجْلِهَا وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهُورِ فَإِنْ مَكَثَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْمُكْثُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَفِي نِصْفِ يَوْمٍ رِوَايَتَانِ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً لِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْخُرُوجِ عَفْوٌ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ رُكْنُ الِاعْتِكَافِ هُوَ الْمُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجُ ضِدُّهُ فَيَكُونُ مُفَوِّتًا رُكْنَ الْعِبَادَةِ فَالْكَثِيرُ فِيهِ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطَّهَارَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ الْجُمُعَةُ ) لِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ .
فَإِنْ قِيلَ الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ مِنْ السَّفَرِ وَالرِّقِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ تَسْقُطَ بِهَذَا الْعُذْرِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْقُطَ الْجُمُعَةُ لِصِيَانَةِ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ دُونَهَا وُجُوبًا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَالْجُمُعَةُ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسْقِطَهُ بِإِيجَابِهِ بِنَذْرِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْجُمُعَةُ يَخْرُجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتِّ رَكَعَاتٍ فَالْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَيَمْكُثُ بَعْدَهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعًا فَإِنْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ لَا يَفْسُدُ وَيُكْرَهُ وَإِنَّمَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ إلَّا أَنَّهُ

يُكْرَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَيْضًا وَلَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَلَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ الدَّفْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا دُعِيَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي مَنْ يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ غَيْرُهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَا يَخْرُج فَإِنْ خَرَجَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُعْتَكِفُ فَصَعِدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كُرْهًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْخُرُوجِ فَصَارَ عَفْوًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا إذْ الْمُعْتَكَفُ مَسْجِدٌ تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَهْدُومِ فَكَانَ عُذْرًا فِي التَّحَوُّلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَأْكُلُ الْمُعْتَكِفُ وَيَنَامُ فِي مُعْتَكَفِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ

( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ ) يَعْنِي مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُنَزَّهٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ فَمَكْرُوهٌ لَلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَكِفَ أَشَدُّ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَشْغَالُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ كَتَحْبِيلِ الْقَعَائِدِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالتَّعْلِيمِ إنْ كَانَ يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ أَوْ يَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُرَاجِعَ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ ) هَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَكِفَ وَغَيْرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُعْتَكِفِ أَشَدُّ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ ) يَعْنِي صَمْتًا يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا أَمَّا الصَّمْتُ عَنْ مَعَاصِي اللِّسَانِ فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ) أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَلَكِنْ لَا يَفْسُدْ صَوْمُهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الِاعْتِكَافِ مُذَكِّرَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّ هَيْئَةَ الْمُحْرِمِينَ مُذَكِّرَةٌ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيَّامٍ لِيَحْتَرِزَ مِمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَعْتَكِفُ يَوْمَهُ وَيَصُومُهُ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمَانِهِ بِلَيْلَتَيْهِمَا وَيَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ غَرُبَتْ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ وَفَّى بِنَذْرِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلَةَ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ وَفِي دُخُولِ اللَّيْلَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمْعِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ } وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ دُونَ لَيْلَتَيْهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَيَوْمُهُمَا وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ .
( قَوْلُهُ وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ

التَّتَابُعَ فِيهَا ) لِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفْرِيقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفْرِيقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً فِي الِاعْتِكَافِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ مُتَتَابِعٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِي إيجَابِهِ أَوْ لَا وَتَعْيِينُ ذَلِكَ الشَّهْرِ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ نَذْرَهُ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَيَخْرُجُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَا نَوَاهُ فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَلَوْ نَوَى عِنْدَ النَّذْرِ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ شَهْرٌ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ النَّذْرِ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ خَاصَّةً إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ نَوَيْت النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صُدِّقَ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَقَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ خَاصَّةً صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْحَجِّ ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الدِّينِ عَظِيمٍ وَالْعِبَادَاتُ ثَلَاثٌ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ شَرَعَ فِي الْمُرَكَّبِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْحَجُّ وَاجِبٌ ) أَيْ فَرْضٌ مُحْكَمٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَعَمُّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ فَرْضًا .
وَالْمَشْرُوعَاتُ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَنَافِلَةٌ فَالْفَرِيضَةُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالسُّنَّةُ هِيَ طَرِيقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِإِحْيَائِهَا وَالنَّافِلَةُ هِيَ مَا شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَلَا يَلْحَقُ تَارِكَهَا مَأْثَمٌ وَلَا عِقَابٌ فَالْحَجُّ فَرْضٌ مُحْكَمٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } الْآيَةَ وَهَلْ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ السَّلَامَةَ أَمَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ الْمَوْتَ إمَّا بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَوْ الْهَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَهُ كَانَ آثِمًا وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا } وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَحَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

سَنَةَ عَشْرٍ وَلَوْ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُؤَخِّرْهُ وَالْجَوَابُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَكَانَ آمِنًا مِنْ فَوَاتِهِ .
( قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى بِمُنْفَرِدٍ بَلْ يُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ } فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى وَجَبَا عَلَيْهِ دُونَ الْحَجِّ قِيلَ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْحَجِّ يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَقُدِّمَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِافْتِقَارِ الْعَبْدِ وَغِنَى اللَّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يَتَأَدَّيَانِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَا يَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا ( قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ ) احْتِرَازًا عَنْ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ ( قَوْلُهُ الْعُقَلَاءِ ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَجَانِينِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ } .
( قَوْلُهُ الْأَصِحَّاءِ ) أَيْ أَصِحَّاءِ الْبَدَنِ وَالْجَوَارِحِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالزَّمِنِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا مَا دَامَ الْعَجْزُ بَاقِيًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْمَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَيَجِبُ فِي مَالِهِ

وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَزَادًا وَرَاحِلَةً وَمَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْعَجْزُ بِالْمَرَضِ إنْ كَانَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ ( قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ) يَعْنِي بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا فِيمَا دُونَهَا لَا تُشْتَرَطُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ وَعِيَالَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إلَى عَوْدِهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ مَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قِيلَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُسِيءُ خُلُقَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْوَاحِدَةُ بِسَبْعِمِائَةٍ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَمْشِي فِي حَجِّهِ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ إلَى جَنْبِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ .
وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَفِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ

الْكَمَالِ فَلَزِمَتْهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ ( قَوْلُهُ فَاضِلًا ) انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ( قَوْلُهُ عَنْ مَسْكَنِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) كَالْخَادِمِ وَالْأَثَاثِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَقِيلَ فَاضِلًا عَنْ أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ ) يَعْنِي نَفَقَةَ وَسَطٍ لَا نَفَقَةَ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَكَذَا عَنْ نَفَقَةِ خَدَمِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِاعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي السَّفَرِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ ( قَوْلُهُ وَكَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا ) يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ وَقِيلَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ .

( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ يَحُجُّ بِهَا أَوْ زَوْجٌ ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالرَّحِمِ أَوْ بِالصُّهُورِيَّةِ أَوْ بِالرَّضَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي تُشْتَهَى كَالْبَالِغَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ يَجُوزُ لَهُنَّ السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَالْمَحْرَمُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً فَلَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا اكْتِسَابُ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ فَلَهُ مَنْعُهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى الْحَجِّ إلَّا بِهِ كَمَا يَلْزَمُهَا شِرَاءُ الرَّاحِلَةِ الَّتِي لَا تَتَوَصَّلُ إلَّا بِهَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا قَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا بِالنَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ بِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ { لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ } وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَيَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً لِرَجُلٍ أَوْ مَحْرَمًا أُخْرَى لَهُ فَصَاعِدًا فَإِنْ حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ جَازَ حَجُّهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَلْ الْمَحْرَمُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَمْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ .
.

( قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ فَمَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ) لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ فَإِنْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَالْعَبْدُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ فَإِذَا جَدَّدَ الصَّبِيُّ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَالْعَبْدُ إذَا جَدَّدَ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ فَلَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَلِأَنَّ إحْرَامَ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَإِذَا حَجَّ الْفَقِيرُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّهِ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِإِثْبَاتِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَكَانَ سُقُوطُ الْحَجِّ عَنْهُ نَظِيرُ سُقُوطِ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ بِمَكَّةَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ .

( قَوْلُهُ وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا ) يَعْنِي لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى مَكَّةَ أَمَّا إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ( قَوْلُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَمْسِ الْعُلُومِ ( قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ ) وَقَدْ نَظَمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَيْتَيْنِ فَقَالَ عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيِّ وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ لِلشَّامِ جُحْفَةُ إنْ مَرَرْت بِهَا وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ وَمَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ فَوَقْتُهُ إذَا حَاذَى مَوْضِعًا مِنْ الْبَرِّ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَّا مُحْرِمًا وَكَذَا إذَا سَافَرَ فِي الْبَرِّ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَهْلِ مِصْرَ مُحَاذَاةُ الْجُحْفَةِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى مِيقَاتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ جَازَ ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ إذَا أَمِنَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ ) يَعْنِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ حَرَجٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادُوا النُّسُكَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ دُخُولُهَا إلَّا بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَتَّفِقُ أَحْيَانًا فَلَا حَرَجَ ( قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ وَعَرَفَةُ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ لَهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُسَمَّى نُعَيْمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَبَلٌ يُسَمَّى نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ وَلَوْ تَرَكَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتَهُ وَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ فِي الْحِلِّ وَلِلْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ) سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا وَالْغُسْلُ هُنَا لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ حَتَّى أَنَّهُ تُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَسُمِّيَ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الْمُبَاحَاتِ قَبْلَهُ مِنْ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ ) وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْآثَامِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ عَلَى الْغَسِيلِ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ( قَوْلُهُ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ وَلَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْهَدْيِ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا ابْتِدَاءُ الطِّيبِ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ كَالْحَلْقِ وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يَخْلَعْهُ بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْله تَعَالَى { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ( قَوْلُهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْحَجَّ يُؤَدَّى فِي أَزْمِنَةٍ

مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ ) فَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .
.

( قَوْلُهُ وَالتَّلْبِيَةُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك ) وَهَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّلْبِيَةِ تَسْبِيحٌ أَوْ تَهْلِيلٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَنَوَى بِهِ الْإِحْرَامَ صَارَ مُحْرِمًا ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ) لِأَنَّهَا تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ فِيهَا جَازَ ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَمَّا فِي خِلَالِهَا فَلَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا لَبَّيْكَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا ( قَوْلُهُ فَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ ) يَعْنِي لَبَّى وَنَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الذِّكْرِ .

( قَوْلُهُ فَلْيَتَّقِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ ) الرَّفَثُ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } وَقِيلَ هُوَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَأَصْلُ الرَّفَثِ الْفُحْشُ وَالْقَوْلُ الْقَبِيحُ وَالْفُسُوقُ جَمِيعُ الْمَعَاصِي وَهِيَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً وَالْجِدَالُ أَنْ تُجَادِلَ رَفِيقَك حَتَّى تُغْضِبَهُ أَوْ يُغْضِبَك ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } أَيْ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ وَحُرُمٌ جَمْعُ حَرَامٍ وَالصَّيْدُ هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ ( قَوْلُهُ وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ ) أَيْ بِيَدِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ بِلِسَانِهِ لَا يَقُولُ فِي مَوْضِعِ فُلَانٍ صَيْدٌ فَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ وَلَوْ قَالَ مُحْرِمٌ لِحَلَالٍ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ صَيْدٌ فَإِذَا هِيَ صُيُودٌ كَثِيرَةٌ فَأَخَذَهَا وَقَتَلَهَا فَعَلَى الدَّالِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى مِنْ الصَّيْدِ وَاحِدًا فَدَلَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ صُيُودٌ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَى الدَّالِّ إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتَّبِعَهُ فِي أَثَرِهِ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَلَمْ يَتَّبِعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ فَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ الْأَوَّلِ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ بِشَيْءٍ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى قَوْسٍ وَنُشَّابٍ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ .
وَلَوْ اسْتَعَارَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ سِكِّينًا لِيَذْبَحَ بِهَا صَيْدًا مَعَهُ

فَأَعَارَهُ فَذَبَحَ الصَّيْدَ فَلَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ ( قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ ) يَعْنِي اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أَوْ ارْتَدَى بِالسَّرَاوِيلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ مَا شَاءَتْ مِنْ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا } وَلِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ يَتَعَذَّرُ فَلِذَلِكَ جُوِّزَ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ .
( قَوْلُهُ وَلَا عِمَامَةً وَلَا قَلَنْسُوَةً وَلَا قَبَاءً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ ) لُبْسُ الْقَبَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهُمَا جَازَ وَالْكَعْبُ هُنَا هُوَ النَّاتِئُ فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ ) يَعْنِي التَّغْطِيَةَ الْمَعْهُودَةَ أَمَّا لَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ عَدْلُ بُرٍّ وَشِبْهُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الِارْتِفَاقِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا ) وَكَذَا لَا يَدْهُنُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ الْمُبَخَّرَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ تَطَيُّبًا وَيُكْرَهُ لَهُ شَمُّ الرَّيْحَانِ وَالطِّيبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكُحْلُ مُطَيَّبًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُضَاجِعَهَا ( قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بَدَنِهِ )

لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ الْحَرَمَ وَيَعْلَمَ أَنَّ هَدْيَهُ قَدْ ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى وَالنُّورَةِ وَالنَّتْفُ وَالْقَلْعُ بِالْأَسْنَانِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَضَاءُ التَّفَثِ هُوَ قَصُّ الشَّعْرِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقِيلَ التَّفَثُ الْوَسَخُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَقَضَاؤُهُ إزَالَتُهُ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا بِعُصْفُرٍ ) وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ وَلَا يَنَامَ عَلَيْهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ نَعَمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { ابْنَ عُمَرَ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحُمْرَةِ وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ } وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ ) أَيْ لَا تَفُوحُ رَائِحَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ صَبْغُهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ ) وَلِأَنَّ الْغُسْلَ طَهَارَةٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا ( قَوْلُهُ وَيَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ ) لِأَنَّ الْمَحْمَلَ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ ( قَوْلُهُ وَيَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَشُدَّ الْمِنْطَقَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهَا إذَا شَدَّهَا بِإِبْزِيمٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ كَمَنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ وَزِرُّهُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ ) فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْخِطْمِيَّ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَهُوَ كَالْحِنَّاءِ وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ التَّفَثَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْوَسَخَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا غَسَلَهُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي اجْتِنَابِ الطِّيبِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَفْعَلُهُمَا دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ .

( قَوْلُهُ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ } فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ هُوَ ثَجُّ الدِّمَاءِ بِالذَّبْحِ أَيْ إسَالَتُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرْضًا .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ الْفَائِتَاتِ وَالنَّوَافِلِ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ( قَوْلُهُ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا ) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا ( قَوْلُهُ أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رُكْبَانًا ) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ لِلِانْتِقَالِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَكَذَا عِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ ( قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ ) خَصَّهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) سُمِّيَتْ مَكَّةُ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تُذْهِبُهَا وَتُسَمَّى أَيْضًا بَكَّةُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا أَيْ يَزْدَحِمُونَ فِي الطَّوَافِ وَقِيلَ بَكَّةُ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَمَكَّةُ اسْم لِلْبَلَدِ وَالْمُسْتَحَبُّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك جِئْتُك هَارِبًا مِنْك إلَيْك لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضْوَانَك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْخَائِفِينَ عُقُوبَتَك أَسْأَلُك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتُدْخِلَنِي فِي رَحْمَتِك وَتَتَجَاوَزَ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينَنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْ عَذَابِك وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَوْلُهُ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَعْنِي بَعْدَ مَا حَطَّ أَثْقَالَهُ لِيَكُونَ قَلْبُهُ فَارِغًا وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ نَهَارًا فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ الْمُسْتَجِيرِ بِك مِنْ النَّارِ فَوَفِّقْنِي لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى .
( قَوْلُهُ فَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ هَلَّلَ وَكَبَّرَ ) أَيْ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ مُسْتَجَابٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ ) وَيَقُولُ عِنْدَ مَشْيِهِ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَجَرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَفِيهِ أَدْعِيَةٌ غَيْرُ هَذِهِ ( قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ) الرَّفْعُ هُنَا مِنْ السَّبْعِ

الْمَوَاطِنِ وَيَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ إلَى الْحَجَرِ ( قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ ) صُورَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ جَعَلَ كَفَّيْهِ نَحْوَهُ وَقَبَّلَ كَفَّيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ لِلطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ لِلصَّلَاةِ يَبْتَدِئُ فِيهِ الرَّجُلُ طَوَافَهُ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيُبْعَثَنَّ هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ بِالْحَقِّ } .
( قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا ) لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْبِيلَهُ وَلَا مَسَّهُ بِيَدِهِ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ مِنْ عُرْجُونٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَهَذَا الِاسْتِقْبَالُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا عَنْ يَمِينِ الْحَجَرِ فَإِنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ الطَّوَافُ الْمَنْكُوسُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ اضْطَبَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ) أَيْ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَطِّيَ الْأَيْسَرَ وَهُوَ سُنَّةٌ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا لِإِبْدَاءِ ضَبْعِهِ وَهُوَ عَضُدُهُ ( قَوْلُهُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) يَبْدَأُ بِالشَّوْطِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ( قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ مَوْضِعٌ يَصُبُّ فِيهِ الْمِيزَابُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَسُمِّيَ الْحِجْرُ أَيْضًا

لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ وَيُسَمَّى حَظِيرَةُ إسْمَاعِيلَ وَفِي الْحَدِيثِ { مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ } ( قَوْلُهُ وَيَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ) الرَّمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ الْكَتِفَيْنِ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَهُوَ السُّنَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْعَفَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ كَالْإِخْفَاءِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَانَ لِتَشْوِيشِ الْكَفَرَةِ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِمْ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هَيْنَتِهِ ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عَلَى رَسْلِهِ وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ تَزَاحَمَتْ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ وَلَا يَطُوفُ بِدُونِ الرَّمَلِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلُهُ ( قَوْلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا رُكْنُ الْيَمَانِيِّ وَرُكْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْقَوَاعِدُ هُنَّ أَسَاسُ الْبَيْتِ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ ( قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ ) يَعْنِي مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ حِينَ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ وَالْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُ الْقِيَامِ وَبِضَمِّهَا مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ .
( قَوْلُهُ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ ) أَيْ عِنْدَ الْمَقَامِ ( أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ ) وَهُمَا وَاجِبَتَانِ عِنْدَنَا فَإِنْ تَرَكَهُمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِ مَكَّةَ جَازَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَسِيَهُمَا وَصَلَّاهُمَا بِذِي طُوًى ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآمَنِينَ } كَذَا فِي الشِّفَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فَإِذَا فَرَغَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلِّيهِمَا إلَّا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَلِكَ السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الطَّوَافِ سَعْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ ) وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ) حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ مِنْهُمْ وَكَذَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ بَابُ بَنِي مَخْزُومٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةً عِنْدَنَا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَسُمِّيَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَتَاهُ قَالَ ارْحَبْ يَا صَفِيَّ اللَّهِ ( قَوْلُهُ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا ) أَيْ يَصْعَدُ بِحَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ ( قَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَوْلُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ إنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا فَإِنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فَمَحْرُومٌ مَنْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ .
( قَوْلُهُ وَيَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ : رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَاهْدِنِي لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّك تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي

سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ وَهُمَا شَيْئَانِ مَنْحُوتَانِ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا أَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْ الْجِدَارِ وَسَمَّاهُمَا أَخْضَرَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَحْمَرُ وَلَمْ يَكُنْ الْيَوْمُ بَطْنَ وَادِي لِأَنَّهُ قَدْ كَبَسَتْهُ السُّيُولُ فَجُعِلَ هُنَاكَ مِيلَانِ عَلَامَةً لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَطْنُ الْوَادِي ( قَوْلُهُ حَتَّى يَأْتِي الْمَرْوَةَ ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ نُصِبَ لَأَفْهَمَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ) يَعْنِي مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ وَالرَّفْعِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا شَوْطٌ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالصَّفَا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَرَّةً وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ { قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ } وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَإِنَّمَا قَالَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ لِيُنَبِّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ يَفُوتُهُمْ الطَّوَافُ إذَا رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا تَفُوتُهُمْ الصَّلَاةُ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَفُوتُهُمْ الْأَمْرَانِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ ) وَهُمَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ

مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ أَوْ شَفْعٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مَرْتَبَتَانِ عَلَى الطَّوَافِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَمَّا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ النَّاسَ خُطْبَةً ) يَعْنِي يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ .
وَفِي النِّهَايَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ ( قَوْلُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ ) وَإِنَّمَا جَمَعَ عَرَفَاتٍ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثَةُ سِكَكٍ بَيْنهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ وَفِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ خُطْبَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى يَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ .
وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَكُلُّ هَذِهِ الْخَطْبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُكْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِيهَا أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ خَرَجَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ إلَى مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ

وَيَكُونُ مُسِيئًا ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى عَرَفَاتٍ أَقَامَ بِهَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ) وَلَا يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ ( قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ ) قَائِمًا وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ .
وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْلِيمُ النَّاسِ وَتَبْلِيغُهُمْ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ لَهَا إقَامَةً إعْلَامًا لِلنَّاسِ بِهَا وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِغَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعِيدُهُ وَتُجْزِئُهُ الْإِقَامَةُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ أَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تُفْصَلُ وَلَا يُعَادُ الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا بِشَرْطٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ حَتَّى

لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ .
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الْعَصْرِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يَقِفُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى شَرَائِطِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِمَامَ عِنْدَهُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا ( قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْأَكْبَرَ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ لَكِنْ لَا مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُنْفَرِدِ ( قَوْلُهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ ) لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا يَخْتَلُّ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَقَعَ الْوُقُوفُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ لِيَكُونَ أَفْضَلَ قُلْنَا

تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهِ إنَّمَا هُوَ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لَا لِأَجْلِ رِعَايَةِ امْتِدَادِ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ وَاقِفٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ ) يَعْنِي الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ .
( قَوْلُهُ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ ) وَهُوَ يُسَمَّى جَبَلُ الرَّحْمَةِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْمَوْقِفِ وَعَلَيْهِ وَقَفَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ انْتَشَرُوا وَوَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَيْثُ شَاءَ وَيُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيُسَبِّحُونَ بِخُشُوعٍ وَتَذَلُّلٍ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَدْعُونَ بِحَوَائِجِهِمْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ ( قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ عَرَفَةَ وَقَفَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَعُرَنَةُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ .

( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ فَإِذَا كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ قَاعِدًا ( قَوْلُهُ وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ فَيَقِفُونَ إلَى الْغُرُوبِ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ حَوَائِجَهُمْ فَإِنَّهُ وَقْتٌ مَرْجُوٌّ فِيهِ الْإِجَابَةُ وَيُكْثِرُ الْوَاقِفُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ فَهَذَا الْيَوْمُ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَقْصُودُهُ وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ ذَلِكَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ قَالَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّمْيِ ( قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الِاغْتِسَالُ سُنَّةٌ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ جُنُبًا جَازَ وَكَذَا لَوْ وَقَفَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَجْزَأَهُمَا ( قَوْلُهُ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { اُدْعُوا رَبَّكُمْ

تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } وَلَوْ الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لَمْ يُجْزِهِمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ وَحَجُّهُمْ تَامٌّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حَجُّكُمْ يَوْمَ تَحُجُّونَ } .

( قَوْلُهُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَيْنَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ ) وَلَا يَدْفَعُ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ إنْ جَاوَزَ حَدَّ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاوَزَهَا قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ الدَّمُ إذَا عَادَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ الْإِمَامِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ اللَّيْلُ دَفَعُوا قَبْلَهُ لِأَنَّ وَقْتَ الدَّفْعِ قَدْ حَصَلَ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهَا وَقَوْلُهُ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ فَيَنْزِلُونَ بِهَا وَسُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةُ لِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهِ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا مِنْهَا ( قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلُوا بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَقِيدَةُ ) أَيْ يُوقِدُ عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ النَّارَ ( قَوْلُهُ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ وَيُحْتَرَزُ عَنْ النُّزُولِ فِي الطَّرِيقِ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } إلَى أَنْ قَالَ { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ ) لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرَدُ لَهُ إقَامَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأُفْرِدَ

بِالْإِقَامَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ هُنَا أَدَاءً لَا قَضَاءً وَصِفَتُهُ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَقَامَ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُتْبِعُهَا الْعِشَاءَ بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَشَاغَلُ بِشَيْءٍ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ خَشِيَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُ الْجَمْعِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَقَوْلُهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَعَادَهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ الْمُعَادَةُ هِيَ الْفَرْضُ وَانْقَلَبَتْ الْمَغْرِبُ الْأُولَى نَافِلَةً وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ انْقَلَبَتْ إلَى الْجَوَازِ فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ ) إنَّمَا قَدَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرَ هُنَا لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ بِالْوُقُوفِ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ مَعَهُ ) فَدَعَا إلَى أَنْ يُسْفِرُوا جِدًّا وَيَتَضَرَّعُونَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي عَرَفَةَ وَهَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ .
( قَوْلُهُ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ مُزْدَلِفَةَ عَنْ يَسَارِهَا وَقَفَ فِيهِ إبْلِيسُ مُتَحَسِّرًا ( قَوْلُهُ ثُمَّ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى ) الْإِفَاضَةُ مَعَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ وَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك رَغِبْت وَمِنْك رَهِبْت فَاقْبَلْ نُسُكِي وَعَظِّمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُلَبِّي فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ ( قَوْلُهُ فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ

الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَرْمِيَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْمِي بِحَصَاةٍ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَا قُبِلَ مِنْ الْحَصَى يُرْفَعُ وَلِأَنَّهَا حَصَاةُ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ وَلَوْ رَمَى بِهَا جَازَ وَقَدْ أَسَاءَ وَوَقْتُ الرَّمْيِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءً وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ رَمَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْغَدِ رَمَى وَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ عِنْدَنَا وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ وُجُودِ الِاسْتِهَانَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ مَكَانَ حَصَاةٍ جَازَ عِنْدَنَا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِالطِّينِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يَعْنِي مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْحَصَى عِنْدَ الْجَمْرَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَعِيدًا لَمْ يَجُزْ وَحَدُّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ وَفِيهِ أَدْنَى رَمْيٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ

أَوْ الْبَعْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا غَيْرُ ( قَوْلُهُ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ ) الْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ إنَّهُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ ثُمَّ وَقَعَتْ هِيَ بِنَفْسِهَا عَلَى الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخَذَهَا الرَّجُلُ وَوَضَعَهَا لَمْ يَجُزْ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَاةَ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَمُسَبِّحَتِهِ وَيَرْمِيَ بِهَا .
وَفِي الْهِدَايَةِ يَضَعُ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ .
( قَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ) وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَيُرْوَى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا وَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ مِثْلَ مَا قُلْت } ( قَوْلُهُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَا غَيْرُ ( قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ ) فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ التَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا فِي

مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُحْصَرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنْ زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ يُؤْتَى بِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَبْقَ الْإِحْرَامُ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَمِرِ وَالْمُعْتَمِرُ يَقْطَعُهَا إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِحَالِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إبَاحَةِ النِّسَاءِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالذَّبْحِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ ) هَذَا دَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ قَدَّمَ الذَّبْحَ عَلَى الْحَلْقِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ الْمُقَصِّرِينَ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ كَمَا فِي قَضَاءِ التَّفَثِ وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ تَقْصِيرٍ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ وَيَكْفِي فِي الْحَلْقِ رُبُعُ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَفْضَلُ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ أَوْ عِلَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى وَلَا يَصِلَ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرًا مَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاجِبٌ وَلَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ

التَّحَلُّلُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ ( قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ ) وَكَذَا تَوَابِعُ الْوَطْءِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الطَّوَافِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ وَلَا يَنْوِي الطَّوَافَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَالطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّ جِهَةَ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِهِ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ طَوَافًا كَانَ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ شِئْت قُلْت لِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ يَقَعُ فِي نَفْسِ الْإِحْرَامِ فَنِيَّةُ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهَا لَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَضَابِطُهُ ( ر ذ ح ط ) فَالرَّاءُ : الرَّمْيُ

، وَالذَّالُ : الذَّبْحُ ، وَالْحَاءُ : الْحَلْقُ ، وَالطَّاءُ : الطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَيَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ } .
فَإِنْ أَخَلَّ بِالطَّهَارَةِ كَانَ طَوَافُهُ جَائِزًا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَنَّ الطَّهَارَةَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ كَالْوُقُوفِ وَإِنْ طَافَ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَافَ وَقَدْ انْكَشَفَ مِنْ عَوْرَتِهِ قَدْرُ مَا لَا تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَلْوِيثٌ لِلْمَسْجِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَشْفُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانٌ } وَإِذَا اخْتَصَّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِالطَّوَافِ أَوْجَبَ نُقْصَانَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ جُبْرَانُهُ وَلَوْ طَافَ زَحْفًا عَلَى دُبُرِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ وَهَلْ يُجْزِئُ الْحَامِلُ عَنْ طَوَافِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ أَوْجَبَ

عَلَى نَفْسِهِ الطَّوَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا فَإِنْ طَافَ زَحْفًا كَمَا أَوْجَبَهُ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَطُوفُ أَوْ يَسْعَى يَتْرُكُهُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَ السَّعْيَ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَا الرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَلَوْ طَافَ تَطَوُّعًا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّعْيَ هُوَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ يَتَرَتَّبُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ الْمَنَاسِكِ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَيْسِيرًا وَمَنْ شَرْطِ تَقْدِيمِهِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ ) إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } وَالرُّكْنُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ لِتَتِمَّةِ الرُّكْنِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشَّوْطَ الْوَاحِدَ مَفْرُوضٌ بِالْكِتَابِ ، وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ اُحْتُمِلَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهَا بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ فَعَلَهَا ابْتِدَاءً فَجَعَلْنَاهُ فِي النِّصْفِ بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَجَعَلْنَا النِّصْفَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالِاحْتِمَالَيْنِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَتُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ .
( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ

) ( أَخَّرَ الْحَلْقَ ) يَعْنِي إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ فَإِنْ فُقِدَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَزِمَهُ دَمٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَعِنْدَ زُفَرَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ أَيْنَمَا كَانَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا ) يَعْنِي بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا فَرَغَ مِنْهُ يَرْجِعُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ بَاتَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ ) وَلَوْ رَمَاهُنَّ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ) وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عَقِيبَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَيَبْلُغُ بِهِمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ وَيَقِفُ عِنْدَهَا ) أَيْ عِنْدَ الْجَمْرَةِ ( فَيَدْعُو ) لِأَنَّهُ رَمْيٌ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ الْوُقُوفُ بَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ هَذِهِ الْجَمْرَةَ وَالثَّانِيَةَ مَاشِيًا ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي

تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا ) لِمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ) لِأَنَّهُ رَمْيٌ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَلِكَ ) أَيْ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ فَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْقَاتَ الرَّمْيِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فَفِي الْأَوَّلِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَسْنُونٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَمُبَاحٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْغُرُوبِ مَسْنُونٌ وَمِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ وَعِنْدَهُمَا وَقْتُهُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَاسَهُ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ فَسَقَطَ فِعْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلسُّقُوطِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ نَفَرَ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ الرُّجُوعُ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّانِي يَوْمُ الْقَرِّ بِالْقَافِ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِرُّونَ فِيهِ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ النَّفْرُ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الرَّابِعِ أَمَّا إذَا طَلَعَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَيَوْمُ الرَّابِعِ يُسَمَّى يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَيَوْمُ الرَّابِعِ هُوَ يَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ فَمَتَى طَلَعَ الْفَجْرُ فِيهِ وَهُوَ بِمِنًى لَزِمَهُ الْوُقُوفُ لِلرَّمْيِ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ بِمِنًى لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَفَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَهُمَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } أَيْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ) يَعْنِي يَوْمَ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ لَيَالِي مِنًى إلَّا بِمِنًى وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَبْرَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ

وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ ) ثَقَلَهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ مَتَاعُهُ وَخَدَمُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ سُنَّةِ الرَّمْيِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ قَلْبَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ قَلْبَهُ حَيْثُ رَحْلُهُ وَمَتَاعُهُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ ) وَهُوَ الْأَبْطُحُ يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَمَضَى إلَى مَكَّةَ أَتَى وَادِيَ الْأَبْطَحِ وَوَقَفَ فِيهِ سَاعَةً عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدْعُو وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَالنُّزُولُ بِهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَزَلَ بِهِ قَصْدًا .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا ) لِأَنَّهُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِهِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَتَكَرَّرُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الصَّدَرِ ) وَيُسَمَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيُصْدَرُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ إذَا حَلَّ لَهُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ) لِأَنَّهُ يَجِبُ لِمُفَارَقَةِ الْبَيْتِ وَتَوْدِيعِهِ وَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ جَوَازِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنَّمَا كَانَ طَوَافُ الصَّدَرِ وَاجِبًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِهِ

الطَّوَافُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بَعْدَهُ إلَى الْعِشَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِيَكُونَ مُوَدِّعًا لِلْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لَمْ يَرْجِعْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِخَوْفِ الْمَلَلِ وَقِلَّةِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْهَيْبَةِ وَخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا عَظِيمُ الْقُبْحِ أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بَلْ هِيَ أَفْضَلُ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ ( قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِتَرْكِ السُّنَنِ لَا يَجِبُ الْجَابِرُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ ) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِهَا أَوْ جَاهِلًا وَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَفَاضَ مِنْ سَاعَتِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ الْوُقُوفَ إلَى بَعْدِ الْغُرُوبِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ وَقَفَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ امْتِدَادٌ ( قَوْلُهُ وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْوُقُوفِ ) وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُفِيقٌ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَالَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ إجْمَاعًا لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَلَا يَمْنَعُهُ الْإِغْمَاءُ وَالنَّوْمُ كَرُكْنِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَّ مِنْهُ النِّيَّةُ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَأَهَلَّ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَوَقَفَهُ بِالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَوْ ضَاقَ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِحَيْثُ لَا يَتَّسِعُ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ وَكَانَ يَخْشَى إذَا اشْتَغَلَ

بِالصَّلَاةِ فَاتَهُ إتْيَانُ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إلَى عَرَفَةَ لِأَنَّ أَدَاءَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ آكَدَ فَفِي فَوَاتِ الْحَجِّ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي قَضَائِهِ إلَى مَالٍ كَثِيرٍ خَطِيرٍ وَسَفَرٍ بَعِيدٍ وَعَامٍ قَابِلٍ بِخِلَافِ فَوْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَضَاءَهَا يَسِيرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } .

( قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ كَالرِّجَالِ ( قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا ) لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْإِحْرَامُ لَا يُبِيحُ كَشْفَ الْعَوْرَاتِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْمَخِيطَ وَالْخِمَارَ وَالْخُفَّ ( قَوْلُهُ وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا } وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ جَازَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ ) لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهَا ( قَوْلُهُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ ) أَيْ لَا تَرْمُلُ فِي بَطْنِ الْوَادِي لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَلَكِنْ تُقَصِّرُ ) لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي النِّسَاءِ مِثْلُهُ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي الرِّجَالِ وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مُمَاسَّتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الْقِرَانِ ) هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ اقْتِرَانِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَفْعَالِهِمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِفْرَادَ مِنْ حَيْثُ التَّرَقِّي مِنْ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْقِرَانُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ { أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُنْت آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفَيَّ وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا } كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ زِيَادَةَ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ } وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمَا وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ .
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَوْ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ إنَّ أَرْبَعًا أَفْضَلُ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِأَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَتَيْنِ لَا غَيْرُ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا جَمِيعًا أَمَّا

إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَكُونُ أَفْضَلُ ( قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ ) قَدَّمَ الْعُمْرَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } وَلِأَنَّ أَفْعَالَهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي ) أَيْ اقْطَعْ مَوَانِعَهُمَا عَنِّي ( قَوْلُهُ وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ ) لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ( قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَهَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى ) كَمَا قُلْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَلَا يَحْلِقُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ طَافَ الْقَارِنُ وَسَعَى أَوَّلًا لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ فَالْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْحَجِّ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ مَعًا لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَعْيَيْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ

وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ قَطْعًا لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

( قَوْلُهُ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعَ بَقَرَةٍ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ ) فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْأَفْضَلُ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ شَاةٌ قِيلَ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ بِالْكَثْرَةِ يَكْثُرُ نَفْعُ الْمَسَاكِينِ فَلَوْ أَنَّ الْقَارِنَ حَلَقَ أَوَّلًا ثُمَّ ذَبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ ثُمَّ يَحْلِقَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ عِنْدَنَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ لَا دَمَ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَهُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ ) وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّوْمِ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إذَا كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَا بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْهَدْيِ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ ) أَيْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الدَّمُ

أَيْ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ وَتَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَالِ صَوْمِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الصَّوْمِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ مَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْخُلْفِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَصُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ صَوْمُ السَّبْعَةِ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهَا مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ كَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ وَالْوُصُولِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى رَجَعْتُمْ أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْفَرَاغَ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَجَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ ) هَذَا إذَا تَوَجَّهَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَمَّا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ طَافَ لَهَا وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا وَيَكُونُ قَارِنًا وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى حَالِهِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى ثُمَّ إنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَبَيْنَ هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوْجِيهُ هُنَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا ( قَوْلُهُ وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ صَارَ كَالْمُفْرِدِ وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا ) يَعْنِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ بِشُرُوعِهِ فِيهَا أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ التَّمَتُّعِ ) قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالتَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ التَّرَفُّهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهَا أَوْ أَكْثَرِ أَفْعَالِهَا وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ بِأَهْلِهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( التَّمَتُّعُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا فِي حَقِّ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُفْرِدُ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَالسَّفَرُ الْوَاقِعُ لِلْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ السَّفَرِ الْوَاقِعِ لِلسُّنَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا .

( قَوْلُهُ وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٍ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِلْمَامِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِلْمَامُ هُوَ النُّزُولُ بِأَهْلِهِ وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ فَاسِدٌ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ) وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ قُلْتُ لِمَ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلَا طَوَافُ الصَّدَرِ قُلْت أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْبَيْتِ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ قُدُومِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَأَتَى بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ وَمَا هُوَ مُعْظَمُ رُكْنٍ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ ) يَعْنِي عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا ) إلَى وَقْتِ إحْرَامِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهَا شَيْءٌ

( قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ ) هَذَا الْوَقْتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْمُسَارَعَةِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْعِبَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ ( قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَلِكَ هَذَا وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ) أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا جَازَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ ) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ زَائِدٌ وَتَقْدِيمُ الذَّاتِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الصِّفَاتِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فَفِيهِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرُ مَعَهُ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ ) أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ } فَثَبَتَتْ شَرْعِيَّةُ التَّقْلِيدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّجْلِيلُ مَا ثَبَتَ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً بَلْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَعَانٍ أُخَرُ وَهِيَ دَفْعُ الذُّبَابِ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالتَّقْلِيدُ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ وَصُورَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةً مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ وَالْمَعْنَى بِهِ أَنَّ هَذَا أُعِدَّ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَيَصِيرُ جِلْدَةً عَنْ قَرِيبٍ مِثْلَ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْجِلْدِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهُ يَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَلِهَذَا لَا يُقَلَّدُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُلَبِّيَ ثُمَّ يُقَلِّدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ

مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ التَّلْبِيَةِ أَوْلَى لِيَكُونَ شُرُوعُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِهَا لَا بِالتَّقْلِيدِ ( قَوْلُهُ وَيُشْعِرُ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ) وَلَا يُسَنُّ الْإِشْعَارُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بِإِبْرَةٍ أَوْ سِنَانٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ السَّنَامَ بِذَلِكَ إعْلَامًا لِلنَّاسِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْبَهُ الْأَيْسَرُ أَيْ الْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ مُقْبِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْخِلُ بَيْنَ كُلِّ بَعِيرَيْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ وَكَانَ الرُّمْحُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ يَقَعُ طَعْنُهُ أَوَّلًا عَلَى يَسَارِ الْبَعِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ صَعْبَةً جَازَ أَنْ يَشُقَّ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ وَلَا يُؤْذِيَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدَّ إذَا ضَلَّ فَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَحِلُّ أَوْ تَسْقُطُ وَالْإِشْعَارُ لَا يُفَارِقُهَا فَكَانَ أَلْزَمَ لَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُبَايِنٌ لَهَا يَحْتَمِلُ الْمُزَايَلَةَ وَالْإِشْعَارُ مُتَّصِلٌ بِهَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِصَالَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقَالَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَعَ

التَّعَارُضُ بِكَوْنِهِ مُثْلَةً وَكَوْنِهِ سُنَّةً فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ } وَهَذَا إيلَامٌ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ مُبَاحًا فَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ مَا كَانَ مَحْظُورًا فَلَا وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَكَذَا بَعْدَهُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى ) أَوَّلًا وَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ هَذَا لِلْعُمْرَةِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَازَ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ ) وَكُلَّمَا عَجَّلَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ) وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا ) أَيْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ جَمِيعًا .

قَوْلُهُ ( وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ ) وَكَذَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ ثَمَنَ الْهَدْيِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً ) وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ قِرَانُهُ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ وَالْإِلْمَامُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ يُبْطِلُ تَمَتُّعَهُ فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ ) لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفَرَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وُجُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَوْدُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقِيلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ

بَعْدَمَا حَلَقَ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِنَّ تَمَتُّعَهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءَ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وَجَدَ الْأَكْثَرَ فِيهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ) لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالْأَقَلَّ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهَا حَصَلَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الَّذِي يُتَمِّمُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فِي الْأَشْهُرِ ( قَوْلُهُ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ) .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قِيلَ إقَامَةً لِأَكْثَرِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَهَلْ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَعَمْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ فَائِتَةً مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَرُكْنُ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَلَّمَهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ

عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ ) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا .
( قَوْلُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَشْهُرِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ وَعِنْدَنَا شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَأَلَمَّ بِهِمْ حَلَالًا ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ خَرَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ لُحُوقُهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْهَا عَادَ إلَى

غَيْرِ أَهْلِهِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ وَالْغُسْلُ هُنَا لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ النَّظَافَةُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ ) فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ بَدَأَ بِمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ وَالْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمٍ وَهُوَ الْغَصْبُ وَالْجِنَايَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) ذَكَرَ الْكَفَّارَةَ مُجْمَلًا حَيْثُ ذَكَرَ الطِّيبَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعُضْوٍ دُونَ عُضْوٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ هَذَا الْمُجْمَلِ فَقَالَ ( وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) الْعُضْوُ الْكَامِلُ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ .
وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا طَيَّبَ رُبُعَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ ثُمَّ وَاجِبُ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ نَذْكُرُهُمَا فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا كَفَتْهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ كُلَّ عُضْوٍ فِي مَجْلِسٍ عَلَى حِدَّةٍ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ لِكُلِّ عُضْوٍ كَفَّارَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِلثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَاحِشًا فَعَلَيْهِ

الدَّمُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَاعْتَبَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ الطِّيبِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ .
وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا فَهُوَ كَثِيرٌ وَتَكُونُ الْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا فَلَزِقَ بِيَدِهِ مِقْدَارُ عُضْوٍ كَامِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَالطِّيبُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالْخِطْمِيُّ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَكَذَا الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُزِيلُ الشُّعْثَ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ جِنَايَةً بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيَجِبُ الدَّمُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِطِيبٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا وَهُوَ قَتْلُ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةُ الشُّعْثِ وَهُوَ جِنَايَةٌ قَاصِرَةٌ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ صَدَقَةٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِزَالَةِ الشُّعْثِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَدَنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَثِ وَالشُّعْثِ أَنَّ التَّفَثَ هُوَ الْوَسَخُ وَالشُّعْثَ انْتِشَارُ الشَّعْرِ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْخَالِصِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ أَمَّا الْمُطَيَّبُ فَيَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ الرَّيْحَانَ وَالطِّيبَ فَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ طِيبٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْحِنَّاءُ طِيبٌ وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلطِّيبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ

جَامِدًا غَيْرَ مَائِعٍ وَهَذَا إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَكَذَا إذَا غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ يَجِبُ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا دَمٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عُضْوٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي تَطَيُّبِهِ الدَّمَ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ) الْمَخِيطُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَبَاءِ وَهَذَا إذَا لَبِسَهُ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَهُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ أَيَّامًا إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا كَفَاهُ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ الدَّمَ ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسِهِ مُبْتَدَأً وَإِنْ نَزَعَهُ وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ وَيَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ لَمْ يَجِبْ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ) وَكَذَا إذَا غَطَّاهُ لَيْلَةً كَامِلَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَسَوَاءٌ غَطَّاهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا وَمَعْنَاهُ إذَا غَطَّاهُ التَّغْطِيَةَ الْمُعْتَادَةَ أَمَّا إذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إجَّانَةً أَوْ عَدْلَ بُرٍّ أَوْ جُوَالِقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبُعَ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ قَالَ فِي قَاضِي خان وَلَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا

عَارِضَهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَإِنْ غَطَّى رُبُعَ وَجْهِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ وَتُغَطِّيَ وَجْهَهَا فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهَا دَمٌ وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَكَذَا لِلْمُحْرِمَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِهِ إنْ لَبِسَ نِصْفَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ) وَكَذَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ لِحْيَتِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الرَّأْسِ إنْ حَلَقَ أَكْثَرَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ عَانَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ نَتَفَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ فَصَدَقَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَحْلِقَ لَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا وَإِنْ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ وَهُوَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الدَّمَ وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ عَانَتِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ صَدْرَهُ أَوْ سَاقَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ غَيْرِهِ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمَحْلُوقُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَالِقِ لِأَنَّهُ قَدْ نَالَ بِهِ الرَّاحَةَ وَالزِّينَةَ وَإِنْ أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ قَمْلًا عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَلَالِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَقَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمُحْرِمِ إذَا أَلْبَسَ مُحْرِمًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْبِسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ مِنْ الرَّقَبَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَدَقَةٌ )

وَهُوَ صَفْحَتَا الْعُنُقِ وَمَا بَيْنَ الْكَاهِلَيْنِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَلَوْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْحَلْقَ الْمِحْجَمَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِغَيْرِ الْهَاءِ وَالْمَحْجَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الْمِحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَأَمَّا إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ الرُّبُعَ لَمْ يَجِبْ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الرَّأْسَ مُتَّحِدٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ) إقَامَةً لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) أَيْ لِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ .
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةِ أَظَافِيرَ مِنْهَا لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلَنَا أَنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وَجَبَ بِقَصِّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدُ الْوَاحِدَةُ رُبُعُ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَمَالِ كَرُبُعِ الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدَّمُ ) كَمَا لَوْ حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةُ وَالتَّقْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَشِينُهُ وَلَا رَاحَةَ فِيهِ وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُمَا فَذَلِكَ فِي كُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ حِينَئِذٍ مَا شَاءَ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَتَعَلَّقَ فَقَلَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَ عَنْ حَدِّ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ

بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ يَنْمُو فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارُهُ أَوْ خَلَعَ جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ بِشَعْرِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } فَالصَّوْمُ يُجْزِئُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَيُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَكَذَا الصَّدَقَةُ تُجْزِئُهُ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْلِيكُ وَأَمَّا النُّسُكُ وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ كَالتَّضْحِيَةِ أَوْ مَكَانِ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَرَمُ ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ سُرِقَتْ الْمَذْبُوحَةُ وَقَدْ ذُبِحَتْ فِي الْحَرَمِ أَوْ هَلَكَتْ بِآفَةٍ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَفِي قَاضِي خَانْ اشْتِرَاطُ الْإِنْزَالِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِاللَّمْسِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى وَكَذَا الِاحْتِلَامُ ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ يَحْصُلُ لَهَا كَمَا يَحْصُلُ لَهُ وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ .
( قَوْلُهُ مَنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَدَنَةٌ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ سَوَّى بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَالْفَرْجِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْفَرْجِ لِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمَةَ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ كَانَ الْمَجَامِعُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَفَسَادِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ ) لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِهِ أَوْ بِالْإِحْصَارِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْوَاجِبِ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِحَالِهِ فَإِنْ جَامَعَ جِمَاعًا آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا

شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ إذَا حَجَّ بِهَا فِي الْقَضَاءِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَحْرَمَا افْتَرَقَا وَقَالَ مَالِكٌ إذَا خَرَجَا مِنْ بَلَدِهِمَا افْتَرَقَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ افْتَرَقَا وَالْمُرَادُ بِالْفُرْقَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ) لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهَا فَإِنْ جَامَعَ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حُرْمَةِ إحْرَامٍ مَهْتُوكٍ فَيَكْفِيهِ شَاةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالطِّيبِ فَخُفِّفَتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ وَكَذَا بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ بَاقٍ عَلَى الْإِحْرَامِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَفْسَدَهَا وَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً فَتَجِبُ فِيهَا الشَّاةُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا ) لِأَنَّ حَالَةَ الْحَجِّ مُذَكِّرَةٌ وَلَهُ أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ الشُّعْثُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْوَطَنِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نِسْيَانُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ يَسْتَوِي فِيهِ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ لِأَنَّ حَالَتَهَا مُذَكِّرَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً .

( قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَحُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَحُكْمِ الْجُنُبِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهَا .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا شَرَعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ ( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ ( قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ وَكَذَا لَوْ طَافَ أَكْثَرَهُ مُحْدِثًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَتُجْبَرُ بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْجَنَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ الطَّوَافِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْحَدَثِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ أَوْجَبْنَا الْبَدَنَةَ وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ .
فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا يُقَامُ أَكْثَرُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَلَا

صَوْمُ أَكْثَرِ النَّهَارِ مَقَامَ كُلِّهِ وَهُنَا يُقَامُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ قِيلَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَعَدَّدُ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ تُؤَدَّى فِي مَكَان وَاحِدٍ وَالْمَشَقَّةُ فِيهَا يَسِيرَةٌ فَلَمْ يَقُمْ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا مَقَامَ الْكُلِّ وَالْحَجُّ أَفْعَالُهُ مُتَعَدِّدَةٌ وَتُؤَدَّى فِي أَمْكِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُقِيمَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَسَادِ وَأَمْنًا مِنْ الْفَوَاتِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } وَكَذَا إذَا حَلَقَ أَكْثَرَ الرَّأْسِ صَارَ مُتَحَلِّلًا كَمَا إذَا حَلَقَ كُلَّهُ وَعَلَى هَذَا الطَّوَافِ كَيْفَ وَقَدْ أُقِيمَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يَجْعَلُ اقْتِدَاءَهُ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ كَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِهَا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَكَذَا الْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ يَجْعَلُ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَفِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا لِقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى شُبْهَةُ النُّقْصَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْوَجِيزِ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا إنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ

بَعْدَهَا لَزِمَهُ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَنَةُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بِبَدَنَةٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْعَوْدَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا إنْ أَعَادَ فَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ إذْ هُوَ مُحْرِمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَقَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ الثَّانِي جَابِرًا لَهُ أَوْ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْفَسِخُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيِّ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدَرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ دُونُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) هَذَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ أَمَّا إذَا أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَهَا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ شَاةً وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا ) يَعْنِي مِنْ النِّسَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ) وَكَذَا إذَا تَرَكَهُ كُلَّهُ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِأَنَّ دَمَ السَّعْيِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ فَإِنْ سَعَى جُنُبًا أَوْ سَعَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَالسَّعْيُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْوُقُوفِ وَكَذَا لَوْ سَعَى بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ وَكَذَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ ( قَوْلُهُ وَحَجُّهُ تَامٌّ ) اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ السَّعْيَ عِنْدَهُ فَرْضٌ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) يَعْنِي قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ أَمَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَدَّ بِهِ بَعِيرُهُ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ يَعْنِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ ) وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ فَإِنْ أَعَادَهُ بِاللَّيْلِ عَقِيبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ مِنْ الْغَدِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ) يَعْنِي لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ دَمٌ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِأَنَّ كُلَّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ بِنِصْفِ صَاعٍ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ مَا شَاءَ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ) وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَهَذَا فِي الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَلَا كَذَلِكَ الْمُفْرِدُ فَإِنَّهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي

تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَطَهُرَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا حَاضَتْ مِنْ قَبْلِ أَيَّامِ النَّحْرِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَامِلًا ) إنَّمَا قَالَ قَتَلَ وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحَ لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ لَا تُسَمَّى ذَبِيحًا وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ الْبَرِّيُّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَقَوْلُنَا الْمُمْتَنِعُ احْتِرَازًا مِنْ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ وَقَوْلُنَا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَجَمِيعِ الْهَوَامِّ وَقَوْلُنَا الْمُتَوَحِّشُ احْتِرَازًا مِنْ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَقَوْلُنَا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازًا عَمَّا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَوْلُنَا الْبَرِّيُّ احْتِرَازًا مِنْ صَيُودِ الْبَحْرِ وَمَمْلُوكُ الصَّيْدِ وَمُبَاحُهُ سَوَاءٌ وَالسِّبَاعُ كُلُّهَا صَيُودٌ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ .
وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ وَفِي السِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ رِوَايَتَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا الْجَزَاءُ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا جَزَاءَ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ وَفِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْبُومِ الْجَزَاءُ وَقَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَى الصَّيْدِ لَا يَرَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى دَلَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمَ الصَّيْدِ إلَّا بِدَلَالَتِهِ .
أَمَّا إذَا كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ دَلَالَتِهِ أَوْ يَعْلَمُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْقَى الدَّالُّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَدْلُولُ أَمَّا لَوْ تَحَلَّلَ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَدْلُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ أَمَّا إذَا انْفَلَتَ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَلَا

شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ ( قَوْلُهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي ) أَيْ النَّاسِي لِإِحْرَامِهِ وَكَذَا الْخَاطِئُ مِثْلُ النَّاسِي ( قَوْلُهُ وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ ) أَيْ الْمُبْتَدِئُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْعَائِدُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ آخَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَائِدِ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } ذَكَرَ الِانْتِقَامَ وَسَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ وَيُجَابُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ بِأَوَّلِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا عَمْدًا سُئِلَ هَلْ قَتَلَتْ قَبْلَهُ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْتُلْ شَيْئًا يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ثَانِيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالْجَزَاءِ وَيَمْلَأُ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَعِنْدَنَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا ( قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ ) لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ لَحْمًا وَلَا يُعْتَبَرُ صِنَاعَةً وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْبَازِي وَالْحَمَامِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ .
( قَوْلُهُ يُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ ) الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْمُثَنَّى بِالنَّصِّ ( قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ ) إنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا ) ثَنِيًّا مِنْ الْمَعْزِ أَوْ جَذَعًا مِنْ الضَّأْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَتَصَدَّقُ

بِقِيمَتِهِ أَوْ يَصُومُ وَالْهَدْيُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَيَجُوزُ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا وَعَنْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا ) وَهَلْ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى قَرَابَةِ الْأَوْلَادِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا ) لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا أَوْ يَرْبُوعًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ الْوَاجِبَ فِيهِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْتَارَ الصَّوْمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } وَحَرْفُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظِيرِ الْقِيمَةُ بَلْ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ نَظِيرِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ النَّظِيرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ مِثْلُ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ

إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ ) الْعَنَاقُ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَهِيَ مَا لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْجَفْرَةِ وَدُونَ الْجَذَعِ وَالْجَفْرَةُ مَا تَمَّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ أَيْضًا وَالْيَرْبُوعُ دُوَيْبَّةٍ أَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرَةِ لَهُ كَوَّتَانِ إذَا سَدُّوا عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا خَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى .

( قَوْلُهُ وَمَنْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ أَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً وَهَذَا أَيْضًا إذَا بَقِيَ لِلْجُرْحِ أَثَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ أَمَّا إذَا نَبَتَ أَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ فَنَبَتَتْ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنُهُ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ بَرِئَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ وَالْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجَزَاءَ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) وَكَذَا إذَا شَوَاهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَذِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مَذِرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ حَلَبَ ظَبْيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ وَكَذَا إذَا جَزَّ صُوفَ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ قَتَلَهَا حَامِلًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَ الصَّيْدِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ

عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَزَاءُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ كِلَابَهُ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } فَلَوْ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الضَّمَانَ لَمْ يَكُنْ ذَائِقًا وَبَالَ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِإِزَاءِ مَا أَخْرَجَهُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَالْمُحْرِمُ إذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَمَّا الْبَيْضُ إذَا شَوَاهُ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَيْضَ إنَّمَا لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ بِإِتْلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَيْضَ لَوْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ مَذِرًا لَمْ يَجِبْ بِإِتْلَافِهِ شَيْءٌ .
وَإِذَا كَانَ الْبَيْضُ إنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي وَبِالشَّيِّ قَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتْلَفَ بَيْضًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ ضَمَانُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الْجَزَاءِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْكَلْبِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ جَزَاءٌ ) الْمُرَادُ مِنْ الْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَمَّا الْعَقْعَقُ وَغُرَابُ الزَّرْعِ فَفِيهِمَا الْجَزَاءُ وَكَذَا لَا شَيْءَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجُعَلَانِ لِأَنَّهَا هَوَامُّ لَا صَيُودُ وَأَمَّا الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالضَّبُّ فَفِيهِمْ الْجَزَاءُ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَفِي الْبُومِ الْجَزَاءُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ ) مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ كَسْرَةٍ مِنْ خُبْزٍ هَذَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَمَّا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْأَرْضِ فَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَتَلَ الْقَمْلَةَ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَتَلَ قَمْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ بِكَفٍّ مِنْ طَعَامٍ وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَتَلَ عَشْرًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ الْقَمْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتُلَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْقَمْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ أَوْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ فَمَاتَ الْقَمْلُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ لَا لِيَمُوتَ الْقَمْلُ بَلْ لِلتَّجْفِيفِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى حَلَالٍ لِيَقْتُلَ قَمْلَهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الْجَزَاءُ وَلَوْ أَشَارَ إلَى قَمْلَةٍ فَقَتَلَهَا الْمَدْلُولُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهَا وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فِي الْقَمْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدًا لِأَنَّهُ حَادِثٌ مِنْ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ فَفِي إزَالَتِهِ إزَالَةُ

الشُّعْثِ فَلَزِمَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إزَالَةِ الشُّعْثِ ( قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ ) لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ ( قَوْلُهُ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ ) إنَّمَا قَالَ هَذَا تَبَرُّكًا بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا وَكَانُوا مُحْرِمِينَ فَسَأَلُوا كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ جَرَادَةٍ دِرْهَمًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَا أَكْثَرَ دَرَاهِمَكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوهَا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالضَّبُعِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوَهَا يَعْنِي سِبَاعَ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَشَبَهِهِمَا ( قَوْلُهُ لَا يَتَجَاوَزُ بِقِيمَتِهَا شَاةً ) وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَبْلُغُ فَوْقَ شَاةٍ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ جَزَاءُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ فِيهِمَا شَاتَانِ عِنْدَنَا وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ وَقَوْلُهُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ بِالرَّفْعِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سِيرَ بِزَيْدٍ فَرْسَخَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَ السَّبْعُ عَلَى مُحْرِمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) وَكَذَا إذَا صَالَ الصَّيْدُ .
وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الْجَزَاءُ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ قُلْنَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي قَتْلِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْهُ الْأَذَى كَمَا فِي الْفَوَاسِقِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَحَقِّقِ أَوْلَى وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ لَحْمِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) ثُمَّ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَزَاءَ حَتَّى أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَيَتَدَاخَلَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى الْجَزَاءَ ثُمَّ أَكَلَ وَجَبَ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ وَصَيْدٍ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيُكَفِّرُ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى مَيْتَةٍ وَإِلَى صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَالَ مُسْلِمٍ ذَبَحَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْخُذُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَكَذَا إذَا وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ إنْسَانٍ يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَلَا يَتَنَاوَلُ لَحْمَ الْإِنْسَانِ فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ كَلْبٍ يَأْكُلُ الْكَلْبَ وَيَدْعُ الصَّيْدَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا اضْطَرَّ إلَى مَالِ مُسْلِمٍ وَمَيْتَةٍ يَأْكُلُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَيَتْرُكُ الْمَيْتَةَ لِأَنَّهُ يُبَاحُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَتُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا وَمَالُ الْغَيْرِ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ لَوْلَا حَقُّ مَالِكِهِ فَإِذَا أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ كَانَ تَنَاوُلُهُ أَوْلَى مِنْ تَنَاوُلِ الْمَحْظُورِ فِي الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ الْمُحْرِمُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّجَاجَ وَالْبَطَّ الْكَسْكَرِيَّ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الْكِبَارُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَمَّا الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ وَقَيَّدَ بِالْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ كِبَارُ الْإِوَزِّ احْتِرَازًا عَنْ بَطِّ غَيْرِ الْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ وَكَسْكَرُ نَاحِيَةٌ مِنْ نَوَاحِي بَغْدَادَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا أَوْ طَيْرًا مُسْتَأْنَسًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ ) لِأَنَّهُمَا مُتَوَحِّشَانِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ وَالْمُسَرْوَلَةُ فِي رِجْلَيْهَا رِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ ( قَوْلُهُ وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا ) وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا كَالسَّمَكِ فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِذَلِكَ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِينَ دُونَ الْحَلَالِ فَزَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِأَحَدٍ ( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ ) أَيْ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ( قَوْلُهُ وَذَبَحَهُ ) أَيْ ذَبَحَهُ الْحَلَالُ ( قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَدُلُّهُ الْمُحْرِمُ وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ ) وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ وَلَكِنْ الْحَلَالُ اصْطَادَهُ لِلْمُحْرِمِ قَصْدًا فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَسَوَاءٌ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ فِيهِ صُنْعٌ .
( قَوْلُهُ وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ الْجَزَاءُ ) إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَتْ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ .
أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا تَظْهَرُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ

قِيمَةِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلدَّمِ فِي الْغَرَامَاتِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمْلِيكُ مِنْ الْمُحْتَاجِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَأَدَّى جَزَاءَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا هُوَ مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا يَحِلُّ قَطْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَوَاحِدٌ لَا يَحِلُّ قَطْعُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَالثَّلَاثَةُ كُلُّ شَجَرٍ يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ وَالْوَاحِدُ كُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَبَتَتْ أُمُّ غِيلَانٍ بِنَفْسِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهَا وَقِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الشَّجَرِ إلَّا فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطَانِ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَيَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ كَمَا إذَا قَلَعَ شَجَرًا نَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْمَالِكِ وَقِيمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَبِهَذَا قَالَ الْمَكِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَوَابُهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْبِتٍ لِيُحْتَرَزَ مِمَّا إذَا نَبَتَ مَا لَيْسَ بِمُنْبِتٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ .
وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ يَعْنِي الرَّطْبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا قَطَعَ الْيَابِسَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا أَدَّى الْقِيمَةَ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ صَيْدٍ

اصْطَادَهُ مُحْرِمٌ وَلَا بَيْعُ صَيْدِ الْحَرَمِ أَصْلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمَنِ بِتَفْوِيتِ الْآمَنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى حَشِيشَ الْحَرَمِ دَوَابَّهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرَةِ ( قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَى الْقَارِنِ فِيهِ دَمَانٍ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ ) وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَهَذَا إنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدَرِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَذَا إذَا مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ وَلَمْ يَعُدْ أَمَّا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَجَدَّدَ التَّلْبِيَةَ وَالْإِحْرَامَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ خِلَافًا لِزُفَرَ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ كَامِلًا ) سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ ) لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجْرِي مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَقَارِنٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْحَلَالِ النِّصْفُ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهُمْ غَيْرُ مُحْرِمِينَ فَعَلَيْهِمْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الصَّوْمُ وَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ) وَعَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَزَاؤُهُ إذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ وَهَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يَأْتِيك فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالْإِرْسَالِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَإِنْ اصْطَادَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسِلٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْحِلِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الْإِحْصَارِ ) الْإِحْصَارُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالدَّمِ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُضِيِّ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ ) ذِكْرُ الْعَدُوِّ يَنْتَظِمُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالسَّبْعَ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ بِحَبْسٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَكَذَا إذَا مَاتَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَكَذَا إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ مَاتَتْ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَهُ ابْعَثْ بِشَاةٍ تُذْبَحُ بِالْحَرَمِ ) أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فِي الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَذَبَحَ مَكَانَهُ حَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَذْبَحْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ فِيهِ فَحَلَّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَذْبَحَ عَنْهُ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَالْآخَرُ يَكُونُ تَطَوُّعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِ الْآخَرِ .
( قَوْلُهُ وَوَاعَدَ بِهَا مَنْ يَحْمِلُهَا لِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ ) إنَّمَا يُوَاعَدُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ يَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي

يُوسُفَ قِيلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا وَالتَّحَلُّلُ يَقَعُ بِالذَّبْحِ عِنْدَنَا وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي شَرْحِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ فَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يَجِدَهُ أَوْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ يُقَوَّمُ الْهَدْيُ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا فَإِنْ أَدْرَكَ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ بَعْدَمَا بَعَثَ بِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ بَعَثَ هَدْيَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُبِحَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يُذْبَحْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَكَذَا بَعْدَهُ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِمُحْصَرٍ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ ) اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } فَخَصَّهُ بِمَكَانٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ ( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الذَّبْحُ مَتَى شَاءَ ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا

يَخْتَصُّ التَّحَلُّلُ مِنْهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَخْتَصُّ هَدْيُ الْإِحْصَارِ فِيهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ .

( قَوْلُهُ وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ) هَذَا إذَا قَضَى الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ أَمَّا إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ ) لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْهَا مُتَحَقِّقٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ لَنَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا فَحَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ } فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قُلْت ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَحْلِقُ لِأَنَّ الْحَلْقَ عِنْدَهُمَا مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحْصَرًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ ( قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَالثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرُنْ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَرَنَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَإِذَا بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ فَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ دُونَ الْحَجِّ تَحَلَّلَ ) بِذَبْحِ الْهَدْيِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15