كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ وَكَذَا الْمُنَقِّلَةُ ، وَالْآمَّةُ يَتَعَذَّرُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ تَنْتَهِي السِّكِّينُ إلَيْهِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ إلَّا فِي السِّمْحَاقِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا إجْمَاعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا إذْ لَيْسَ فِيهَا كَسْرُ عَظْمٍ وَلَا خَوْفُ هَلَاكٍ غَالِبًا فَيُسْبَرُ غَوْرُ الْجِرَاحَةِ بِمِسْمَارٍ ثُمَّ تُعْمَلُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَيَنْفُذُهَا فِي اللَّحْمِ إلَى آخِرِهَا فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ ، وَأَمَّا السِّمْحَاقُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشُقَّ جِلْدَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى جَلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَرَجَعَ إلَى الْأَرْشِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا قِصَاصَ فِي بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ ) هَذَا بِعُمُومِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ ) تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَلَيْسَ بِهِ هَذِهِ الشَّجَّةُ وَيُقَوَّمُ وَهِيَ بِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرٍ فَرُبْعُ عُشْرٍ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ اعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ الشَّجَّةِ الَّتِي هِيَ السِّمْحَاقُ فِي الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِذَا أَوْجَبْنَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ أَوْجَبْنَا فِي السِّمْحَاقِ أَكْثَرَ

مِمَّا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ : تَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَدْنَى شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَهِيَ الْمُوضِحَةُ فَإِنْ كَانَ هَذَا نِصْفَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ ، وَالْأَدْوِيَةِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعًا مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَدَّرُوا فِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ ثَلَاثٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَفِي الْبَاضِعَةِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ بَعِيرَيْنِ ، وَفِي الدَّامِيَةِ الْكُبْرَى الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ اثْنَيْ عَشَرَ مِثْقَالًا وَنِصْفًا قِيمَةُ بَعِيرٍ وَرُبْعٍ ، وَفِي الدَّامِيَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي يَلْتَحِمُ فِيهَا الدَّمُ وَلَا يَسِيلُ سِتَّةُ مَثَاقِيلَ ، وَفِي الْحَارِصَةِ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ، وَفِيمَا دُونَهَا أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْمُوضِحَةِ إذَا كَانَتْ خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ) وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الرَّجُلِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْمَرْأَةِ وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْإِبِلِ أَدَّى فِي مُوضِحَةِ الرَّجُلِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ ، وَفِي الْمَرْأَةِ نِصْفَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ ) وَهُوَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِنْ الْإِبِلِ عَشْرٌ ، وَفِي الْمَرْأَةِ نِصْفُ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ )

وَهُوَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَمِنْ الْإِبِلِ خَمْسَةَ عَشَرَ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) ، وَفِي ثَلَاثِ آمَّاتٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، وَفِي أَرْبَعٍ دِيَةٌ وَثُلُثٌ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ) وَهِيَ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ الشِّجَاجِ ، وَالْجَائِفَةُ مَا تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ الصَّدْرِ أَوْ مَا يَتَوَصَّلُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرَابُ كَانَ مُفْطِرًا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَالذَّكَرِ حَتَّى تَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ثُمَّ مَا كَانَ أَرْشُهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا فِي الْخَطَأِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إجْمَاعًا وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَفِي مَالُ الْجَانِي وَهَذَا فِي الرَّجُلِ أَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ نَفَذَتْ فَهُمَا جَائِفَتَانِ فَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ ) قَضَى بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قَوْلُهُ : ( وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فَكَانَ فِي الْخَمْسِ نِصْفُ الدِّيَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لَهَا إذْ الْبَطْشُ إنَّمَا هُوَ بِهَا ، وَلَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ ، وَفِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَفِيهِ دِيَةُ الْأَصَابِعِ لَا غَيْرُ ، وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا لَا أَصَابِعَ فِيهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ يَتْبَعُهَا الْكَفُّ ، وَالتَّبَعُ لَا يُسَاوِي الْمَتْبُوعَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ ، وَالْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ ، وَفِي السَّاعِدِ حُكُومَةٌ ) هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَفِّ ، وَالْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ أَوْ الرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ ، وَالْقَدَمِ فِيهِ حُكُومَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَفِّ ، وَالْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمَنْكِبِ فَهُوَ عَلَى هَذَا .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ لَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا زِينَةَ وَكَذَا السِّنُّ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا .

قَوْلُهُ : ( وَفِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صِحَّةَ ذَلِكَ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِي اللِّسَانِ بِالْكَلَامِ ، وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ ، وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَقِيلَ فِي مَعْرِفَةِ عَيْنِ الصَّبِيِّ إذَا قُوبِلَ بِهَا الشَّمْسُ مَفْتُوحَةً إنْ دَمَعَتْ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ ، وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ ، وَالْخَصِيِّ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ ، وَفِي سِنِّ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَثْغَرْ إذَا نَبَتَ لَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا حُكُومَةٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَفِيهَا دِيَةُ السِّنِّ كَامِلَةً ، وَفِي أُذُنِ الصَّغِيرِ وَأَنْفِهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَفِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ حُكُومَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَمْشِ وَلَمْ يَقْعُدْ وَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا أَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ ذَلِكَ ، وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ حُكُومَةٌ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الذَّاهِبِ نُورُهَا ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ الْقَائِمَةِ ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ ، وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ ، وَالذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ ، وَالْأَنْفِ الْمَقْطُوعِ الْأَرْنَبَةِ حُكُومَةٌ وَكَذَا ثَدْيُ الْمَرْأَةِ الْمَقْطُوعِ الْحَلَمَةِ ، وَالْكَفِّ الْمَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ ، وَالْجَفْنِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ فِيهِ حُكُومَةٌ ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فِي مَكَانِهَا وَنَبَتَ اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ وَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ ، وَفِي الظُّفْرِ إذَا نَبَتَ كَمَا كَانَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ ) فَلَمْ يَنْبُتْ ( دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ ) وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ : أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ يَعْنِي جَمِيعَهُ أَمَّا إذَا تَنَاثَرَ بَعْضُهُ أَوْ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ وَذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِلَى الْحُكُومَةِ فِي الشَّعْرِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُ رَأْسِهِ أَمَّا إذَا نَبَتَ وَرَجَعَ كَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَعَ الْجِنَايَةِ مَوْتٌ أَمَّا إذَا حَصَلَ سَقَطَ الْأَرْشُ وَيَكُونُ عَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَفِي مَالِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ سَوَاءٌ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا فَفِيهِمَا الْأَرْشُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى ، وَالْأَرْشُ فِي الْأُخْرَى ) وَعَلَى هَذَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْهَا عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعَقْلِ ، وَالشَّعْرِ إذَا لَمْ يَمُتْ وَيَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ دَخَلَ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ وَمَتَى وَقَعَتْ فِي عُضْوَيْنِ وَكَانَتْ خَطَأً لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَوَّلِ ، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِي كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ ، وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَدَمَتْ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ فَنَبَتَتْ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ إجْمَاعًا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّهُ فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَيَنْبُتُ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِزَوَالِ الشَّيْنِ ، وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِالشِّينِ فَإِذَا زَالَ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ وَمُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يَجِبُ بِهِ الْأَرْشُ كَمَا لَوْ لَطَمَهُ فَآلَمَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ ) وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ مُحَمَّدٌ : عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ ) لِأَنَّ الْجُرْحَ مُعْتَبَرٌ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ فَرُبَّمَا يَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيُوجِبُ حُكْمَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْيَدِ ) مَعْنَاهُ قَتَلَهُ خَطَأً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي النَّفْسِ ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَسَقَطَ حُكْمُ الْيَدِ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتَصَّ لَهُ بِهَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ قُلْنَا : إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ ، وَمَاتَ ضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تُقْطَعُ يَدُهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قَتَلَهُ .

قَوْلُهُ : ( وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةٍ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ) يَعْنِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ أَوْ عَشَرَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا وَأَحَدُهُمْ أَبُوهُ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ جَمِيعًا عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُهَا وَذَلِكَ الْعُشْرُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَجِبُ فِي مَالِهِمْ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .

قَوْلُهُ : ( وَكُلُّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ ) وَيَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ وَكُلُّ مَالٍ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَهُوَ حَالٌّ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ الْأَجَلُ كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأَصْلُهُ .
قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا } .
قَوْلُهُ : وَلَا عَبْدًا أَيْ إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا جَنَى يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَبْدًا خَطَأً يَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْخَبَرِ .
قَوْلُهُ : وَلَا صُلْحًا أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ قِصَاصًا فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا أَوْ خَطَأً فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَإِنْ صَالَحَهُ جَازَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : وَلَا اعْتِرَافًا أَيْ وَلَا إقْرَارًا إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ) ، وَلَوْ اشْتَرَكَ الْأَبُ ، وَالْأَجْنَبِيُّ فِي قَتْلِ الِابْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا اشْتَرَكَ عَامِدَانِ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَعَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْآخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْقَطَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَارَ كَأَنَّ جَمِيعَ النَّفْسِ مُسْتَوْفَاةٌ بِفِعْلِهِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ .

قَوْلُهُ : ( وَكُلُّ جِنَايَةٍ اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي فَهِيَ فِي مَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) وَتَكُونُ فِي مَالِهِ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ الْتَزَمَهُ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ التَّأْجِيلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ .

قَوْلُهُ : ( وَعَمْدُ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ ، وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ تَلِفَ فِيهَا بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ ) لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانُ مَالٍ وَضَمَانُ الْمَالِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ وَحَافِرُ الْبِئْرِ لَيْسَ بِقَاتِلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ ، وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ فِيهَا إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ ، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَعَمَّقَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ لَمْ يُعَمِّقْهَا وَلَكِنْ وَسَّعَ رَأْسَهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ، وَلَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا فِي قَعْرِ الْبِئْرِ فَسَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ .
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ سَدَّ رَأْسَهَا أَوْ كَبَسَهَا فَجَاءَ رَجُلٌ وَفَتَحَ رَأْسَهَا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَبَسَهَا بِالتُّرَابِ أَوْ الْحِجَارَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي وَإِنْ كَبَسَهَا بِالْحِنْطَةِ ، وَالدَّقِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ غَمًّا أَوْ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ مَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَضْمَنُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَنَحَّاهُ آخَرُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ التَّعَدِّيَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ بِفِعْلِ الثَّانِي وَأَلْقَاءُ الْخَشَبَةِ ، وَالتُّرَابِ ، وَالطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرُوهَا فِي غَيْرِ

مِلْكِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْحَافِرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَافِرُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ عَلِمَ ضَمِنَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً يَحْفِرُونَ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَيَسْقُطُ الرُّبْعُ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ أَصْحَابِهِ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الدَّاخِلُ الَّذِي هُوَ فِي الْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا ضَمِنَ النِّصْفَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّ الطَّرَفَيْنِ أَصَابَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِلشَّكِّ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ وَإِنْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَهُ فَإِذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَوْمَ الرِّيحِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ فَجُعِلَ كَمُبَاشَرَتِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ صَاحِبُ الدَّارِ الْأُجَرَاءَ لِإِخْرَاجِ الْجُنَاحِ وَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ سَقَطَ مِنْ

أَيْدِيهِمْ آجُرٌّ أَوْ حِجَارَةٌ أَوْ خَشَبٌ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ وَجَبَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَاتِلٍ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَيَتَعَثَّرُ بِالْحَجَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْفَاعِلِ بِذَلِكَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ ؛ وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّهُ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي مِلْكِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَالرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ ) وَمَا أَصَابَتْ ( بِيَدِهَا أَوْ كَدَمَتْ ) بِفَمِهَا وَكَذَا مَا صَدَمَتْهُ بِرَأْسِهَا أَوْ صَدْرِهَا دُونَ ذَنَبِهَا فَيَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ ، وَالْوَصِيَّةَ وَهُوَ قَاتِلٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ صَارَتْ لَهُ كَالْآلَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَاطِبُ بِذَلِكَ عَبْدًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا لِأَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ أَصَابَتْ مَالًا فَأَتْلَفَتْهُ وَجَبَ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَإِذَا أَصَابَتْ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ كَانَ أَرْشُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَفِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِذَنَبِهَا ) هَذَا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مَعَ السَّيْرِ أَمَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ ، وَالذَّنَبِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ وَإِنْ أَثَارَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ غُبَارًا فَفَقَأَتْ عَيْنَ إنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ كَبِيرًا ضَمِنَ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَعْرَى عَنْهُ ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا هُوَ بِتَعَسُّفِ الرَّاكِبِ وَشِدَّةِ ضَرْبِهِ لَهَا ، وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالرَّاكِبِ وَكُلُّ شَيْءٍ ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ ، وَالْقَائِدُ إلَّا أَنَّ عَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ فِيمَا أَوْطَأَتْهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ ، وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ ، وَالْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُبَاشِرَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحِلِّ شَيْءٌ وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ فِيمَا وَرَاءَ الْإِيطَاءِ وَأَمَّا فِي الْإِيطَاءِ فَالرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ

الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَيُحْرَمُ الرَّاكِبُ الْمِيرَاثَ ، وَالْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ بِخِلَافِ السَّائِقِ ، وَالْقَائِدِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِيقَافِ فَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَعَطِبَ إنْسَانٌ بِرَوْثِهَا أَوْ بِبَوْلِهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَخَسَ دَابَّةً وَعَلَيْهَا رَاكِبٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَوَثَبَتْ فَأَلْقَتْ الرَّاكِبَ فَالنَّاخِسُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ تُلْقِهِ وَلَكِنْ جَمَحَتْ بِهِ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَهُ النَّاخِسُ فَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَقَتَلَتْهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ ، وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا ، وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا ) ، وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأًى مِنْ عَيْنِ السَّائِقِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إنَّ السَّائِقَ لَا يَضْمَنُ بِالنَّفْحَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَ ) لِأَنَّهُ مُقَرِّبٌ لَهُ إلَى الْجِنَايَةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَوَّلُ الْقِطَارِ وَآخِرُهُ فَإِنْ وَطِئَ بَعِيرُ إنْسَانٍ ضَمِنَ دِيَتَهُ وَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ ، وَالْقَائِدٌ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صِيَانَةُ الْقِطَارِ مِنْ رَبْطِ غَيْرِهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَهَذَا إذَا رَبَطَ ، وَالْقِطَارُ يَسِيرُ أَمَّا إذَا رَبَطَ ، وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا ضَمِنَ الْقَائِدُ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ أَوْ اللِّجَامُ أَوْ سَائِرُ الْأَدَوَاتِ أَوْ الْحِمْلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الرَّبْطِ ، وَالْأَحْكَامُ فِيهِ وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا إنْسَانًا أَوْ شَيْئًا ضَمِنَهُ وَإِنْ أَرْسَلَ طَائِرًا وَأَصَابَ شَيْئًا فِي فَوْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ ، وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَمُوتُ مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحْتَمَلَ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ سَبُعٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَأَصَابَهُ حَجَرٌ رَمَتْ بِهِ الرِّيحُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُجْعَلُ

الْبَاقِي كُلُّهُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَدَرٌ ، وَالْأُخْرَى مَضْمُونَةٌ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ ثُمَّ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ الثُّلُثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ ، وَفِي عَيْنِ غَيْرِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَكَذَا فِي عَيْنِ الْبَغْلِ ، وَالْحِمَارِ ، وَالْفَرَسِ لِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ ، وَالرُّكُوبِ ، وَالْحِرَاثَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتَ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا .

( مَسَائِلُ ) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ ، وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَأَمَّا الدِّيَةُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ اقْطَعْ يَدٍ أَوْ افْقَأْ عَيْنِي فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ : اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَتَلَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيَهُ ) قَيَّدَ بِالْخَطَأِ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ ثُمَّ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ هُوَ الدَّفْعُ دُونَ الْفِدَاءِ ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجَبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ نَقَلَ الْحَقَّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ الْمَوْلَى قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَأَعْشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى إلَى أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مِقْدَارُ الْأَرْشِ كَانَ اخْتِيَارُهُ بَاطِلًا وَكَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالًّا فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الدَّفْعِ ، وَالْفِدَاءِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حُكْمَ الْأُولَى ) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا فَدَاهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْجِنَايَةَ عَنْ رَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهَا

لَمْ تَكُنْ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى : إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُ تَعَلُّقُ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَةَ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ الْآخَرِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ نِصْفُ أَرْشِ النَّفْسِ وَكَذَا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ أُرُوشِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رَقَبَةً تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ فَلَمْ يَتْلَفْ بِالْعِتْقِ سِوَاهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا أَوْ دَبَّرَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ ) وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ قَامَ مَقَامَهُ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَطِبَ بِالْخِدْمَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا اخْتِيَارًا فَإِنْ أَجَّرَهُ نَقَضَ الْحَاكِمُ الْإِجَارَةَ ، وَقَالَ لِلْمَوْلَى : ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَالرَّهْنُ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارٍ ، وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ

كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا ) اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ تَكُونُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةً وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ قَتِيلًا خَطَأً أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرِ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ : ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا ، وَفِي الْمُدَبَّرِ الثُّلُثَانِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَقَدْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ .
قَوْلُهُ : ( يَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ) فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاحِدٌ وَيَتْبَعُ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَلَا يَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ يَسْتَنِدُ ضَمَانُهَا إلَى التَّدْبِيرِ السَّابِقِ الَّذِي صَارَ الْمَوْلَى بِهِ مَانِعًا فَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءٍ فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ سَلَّمَ لِلْأَوَّلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ

وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَدُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ فِيهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ حَتَّى تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ مَالٌ لَمْ يَضْمَنْ ) وَهَذَا إذَا كَانَ بِنَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِهِ مُسْتَوِيًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا ، وَالْمَيْلُ حَصَلَ لِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ ، وَأَمَّا إذَا بَنَاهُ فِي ابْتِدَائِهِ مَائِلًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ سَوَاءٌ طُولِبَ بِهَدْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَا تَلِفَ مِنْ نَفْسٍ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا تَلِفَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ فِي مَالِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَطُولِبَ صَاحِبُهُ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَالْمُسْتَعِيرِ ، وَالسَّاكِنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَقْضَ الْحَائِضِ وَيَصِحُّ التَّقْدِيمُ إلَى الرَّاهِنِ ، وَالْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَهْدِمَهُ وَكَذَا الْمُؤَجِّرُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ لِلْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْأَبِ ، وَالْوَصِيِّ وَأُمِّ الْيَتِيمِ فِي هَدْمِ حَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى انْهَدَمَ وَحَصَلَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلصَّغِيرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا يَلْزَمُ فِي مَالِ الْبَالِغِ فَهُوَ لَازِمٌ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا لِأَنَّ النَّقْضَ إلَيْهِ ثُمَّ التَّالِفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ

نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَصُورَةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَائِلٌ أَوْ مَخُوفٌ أَوْ مُتَصَدِّعٌ فَانْقُضْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ وَيُتْلِفَ شَيْئًا وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ وَاهِيًا أَوْ مَخُوفًا .
وَقِيلَ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْهَدَمَ لَزِمَهُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ تَحَرُّزًا عَنْ الْجُحُودِ كَمَا فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ .
وَقَوْلُهُ : ضَمِنَ مَا تَلِفَ أَيْ مَا تَلِفَ مِنْ النُّفُوسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ مِنْ الرَّجُلِ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ عُشْرَ دِيَتِهَا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ الْعُرُوضِ فَفِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي

مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ : فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى نَقْضِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ فَرَّطَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَكِنْ ذَهَبَ يَطْلُبُ مَنْ يَهْدِمُهُ فَكَانَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَأَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَسَقَطَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ بِتُرَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَإِنَّمَا هُوَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا هَدَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَلَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْحَائِطِ فَيَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ .
قَوْلُهُ : ( وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ) لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ

شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُكَاتَبًا كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ سَوَاءٌ سَكَنُوهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دِيَةُ الْآخَرِ ) هَذَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْخَطَأِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ فَالْمَوْتُ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَيَكُونُ مُلْزَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَمَّا إذَا اصْطَدَمَا عَمْدًا فَمَاتَا فَإِنَّهُمَا مَاتَا بِفِعْلَيْنِ مَحْظُورَيْنِ وَقَدْ مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مَدَّا حَبْلًا وَجَذَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَفْسِهِ فَانْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى ظُهُورِهِمَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا وَيَكُونَانِ هَدَرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَوْ أَثَّرَ فِعْلُ صَاحِبِهِ فِيهِ لَجَذَبَهُ إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمَا فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجَذْبِ الْآخَرِ وَقُوَّتِهِ وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدِيَةُ السَّاقِطِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ .
وَأَمَّا الَّذِي سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ قَطَعَ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا قَاطِعٌ غَيْرُهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْهُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ أَبِيهِ جَذَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَدِهِ ، وَالْأَبُ يُمْسِكُهُ حَتَّى مَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى الْجَاذِبِ وَيَرِثُهُ أَبُوهُ لِأَنَّ الْأَبَ مُمْسِكٌ لَهُ بِحَقٍّ وَالْجَاذِبُ مُتَعَدٍّ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ صَبِيًّا وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَالْآخَرُ

يَدَّعِي عَبْدَهُ فَمَاتَ مِنْ جَذْبِهِمَا فَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ دِيَتُهُ لِأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْوَلَدِ إذَا زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبُوهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ فَصَارَ إمْسَاكُهُ بِحَقٍّ وَجَذْبُ الثَّانِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ ثَوْبٌ وَتَشَبَّثَ بِهِ آخَرُ فَجَذَبَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ يَدِهِ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ الْمُمْسِكُ نِصْفَ الْخَرْقِ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ فَجَذَبَ ذِرَاعَهُ مِنْ فَمِهِ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ وَذَهَبَ لَحْمُ ذِرَاعِ الْآخَرِ فَالْأَسْنَانُ هَدَرٌ وَيَضْمَنُ الْعَاضُّ أَرْشَ الذِّرَاعِ لِأَنَّ الْعَضَّ ضَرَرٌ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجَذْبِ فَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مِنْ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ لَا يَضْمَنُهُ ، وَلَوْ جَلَسَ رَجُلٌ بِجَنْبِ رَجُلٍ فَجَلَسَ عَلَى ثَوْبِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَامَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَانْشَقَّ ثَوْبُهُ مِنْ جُلُوسِ هَذَا ضَمِنَ نِصْفَ الشَّقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا وَقَدْ حَصَلَ التَّلَفُ مِنْ الْجُلُوسِ ، وَالْجَذْبِ فَانْقَسَمَ الضَّمَانُ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَجَذَبَ الْآخَرُ يَدَهُ فَسَقَطَ الْجَاذِبُ فَمَاتَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيُصَافِحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَعْصِرَهَا فَأَذَاهُ فَجَذَبَهَا ضَمِنَ الْمُمْسِكُ لَهَا دِيَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا صَافَحَهُ كَأَنْ جَذَبَ لَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَصَارَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْصِرَهَا فَهُوَ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَزِمَ الْمُمْسِكَ الضَّمَانُ وَإِنْ انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُمْسِكِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَاذِبُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَرْخِيِّ .

( مَسْأَلَةٌ ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْقَارِصَةِ ، وَالْوَاقِصَةِ ، وَالْقَامِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا ذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ كُنَّ يَلْعَبْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ الْأُخْرَى فَجَاءَتْ الثَّالِثَةُ فَقَرَصَتْ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ الْمَرْكُوبَةُ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّ عُنُقُهَا فَجَعَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْقَارِصَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَعَلَى الْقَامِصَةِ الثُّلُثَ وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ لِأَنَّ الْوَاقِصَةَ أَعَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَشَرَةً مَدُّوا نَخْلَةً فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ فَقَضَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُشْرِ الدِّيَةِ وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَهُمَا أَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِ آدَمِيٍّ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ : إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إنَّمَا قُدِّرَ النُّقْصَانُ بِهَا لِأَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الشَّرْعِ مِنْ تَقْدِيرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ ، وَالْمَهْرِ .

قَوْلُهُ : ( وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذِهِ دِيَةُ الْحُرَّةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا يَنْقُصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهَا أَنَّ دِيَةَ الْحُرَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَاعْتُبِرَ فِي الْأَمَةِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ آلَافٍ كَانَ اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ خَمْسَةً .

قَوْلُهُ : ( وَفِي يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ ) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا كَانَتْ خَمْسَةَ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهٌ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ لَا ضَمَانَ الْآدَمِيَّةِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ، وَالْحُرُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَأَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ إمَّا الْغَاصِبَ وَإِمَّا الْقَاتِلَ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ) يَعْنِي أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الْحُرِّ الدِّيَةُ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ الْقِيمَةُ وَمَا وَجَبَ فِي الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ

ثُمَّ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَى الْعَبْدُ لَا مَا جُنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُمْ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ) أَيْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَعْدَ مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْدَ خَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ } وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُمْ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا سَوَاءٌ وَخَمْسُمِائَةٍ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ عِنْدَنَا فِي سَنَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ مِنْ مَغْرُورٍ فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا فَيَجِبُ مَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ وَلَا يَكُونُ لِلْأُمِّ خَاصَّةً ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لِلْأُمِّ ، وَلَوْ كَانَ الضَّارِبُ وَارِثًا لَا يَرِثُ هَذَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ، وَالْكَفَّارَةُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ) ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَغُرَّةٌ ) الدِّيَةُ بِقَتْلِ الْأُمِّ ، وَالْغُرَّةُ بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ تَجِبُ دِيَتَانِ وَتَرِثُ الْأُمُّ .
مِنْ دِيَتِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ ) وَتَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ وَجَبَ دِيَتَانِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ ، وَالْبَدَلُ عَنْ الْمَقْتُولِ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ حَيًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا لَا يَرِثُ وَيُورَثُ .

وَفِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ أَرْبَعَةٌ لَا يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ الْمُكَاتَبُ ، وَالْمُرْتَدُّ ، وَالْجَنِينُ ، وَالْقَاتِلُ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجِبُ غُرَّتَانِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ، وَالْآخَرُ خَرَجَ مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةٌ وَعَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا وَإِنْ خَرَجَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا تَجِبُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ وَسُمِّيَتْ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُقَدَّرٍ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ غُرَّتُهُ كَمَا يُقَالُ لِأَوَّلِ الشَّهْرِ غُرَّةُ الشَّهْرِ .

قَوْلُهُ ( وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى ) وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَنِينِ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ حَيًّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَيَجِبُ دِينَارٌ كَامِلٌ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي الْأَرْشِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّفْضِيلُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا وَقَدْ جَاءَتْ التَّسْوِيَةُ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا التَّفْضِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النَّشْوِ لَا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ لَا مَالِكِيَّةَ فِي الْجَمِيعِ ، وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النَّشْوِ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ أَسْرَعَ نَشْوًا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ، وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَعْنِي الْمَمْلُوكَةَ ، وَالْمُدَبَّرَةَ أَمَّا جَنِينُ أُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ : مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَإِنَّ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الرِّقِّ فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمَانُهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ بِحَالٍ وَلَا كَفَّارَةٌ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ ، وَالْجَنِينُ نَاقِصٌ بِدَلِيلِ نُقْصَانِ دِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا

تَجِبُ بِالْقَتْلِ ، وَالْجَنِينُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا جَازَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ .

قَوْلُهُ : ( وَالْكَفَّارَةُ فِي شَبَهِ الْعَمْدِ ، وَالْخَطَأُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) وَلَا يَجْزِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى شَيْئًا لَمْ يَجْزِيه مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّ لَا يُبْصِرُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يَجْزِي فِيهَا الْإِطْعَامُ ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ ، وَالصَّوْمَ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( بَابُ الْقَسَامَةِ ) قَالَ ( وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ) ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَاللَّوْثُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةٌ لِلْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةِ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جُمْلَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا يَحْلِفُ مَا قَتَلْنَا لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَكَانَ قَدْ قَتَلَ مَعَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي شَاهَانْ هَذَا فِي الْعَمْدِ .
أَمَّا فِي الْخَطَإِ إذَا نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ ، وَلَوْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تَجِبُ ) ( الدِّيَةُ مَعَ الْأَيْمَانِ ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَتْ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئَةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمَةً وَلَنَا { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أَخِي قُتِلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ مِنْهُمْ

خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ أَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي غَيْرُ هَذَا قَالَ بَلَى وَلَك مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ } .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا وَغَرَّمَهُمْ الدِّيَةَ ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الْأَزْمَعِ غَرٌّ أَنَغْرَمُ أَيْمَانَنَا وَأَمْوَالَنَا قَالَ نَعَمْ فَبِمَ بَطَلَ دَمُ هَذَا فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا الدِّيَةَ حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا قَوْلُهُ ( وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِالْجِنَايَةِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَوْ أُعْطَى النَّاسُ بِدَعَاوِيهِمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا ) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا .

قَوْله ( وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا مُكَاتَبٌ ) أَمَّا الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ، وَالْيَمِينُ قَوْلٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ ، وَالْعَبْدُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ الْأَعْمَى ، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَحْلَفَانِ فِي الْحُقُوقِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ ، وَالْأَثَرُ أَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ بَدَنِ الْقَتِيلِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ فَمِهِ ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَنْفِهِ رُعَافٌ وَمِنْ دُبُرِهِ عِلَّةٌ وَمِنْ فَمِهِ قَيْءٌ وَسَوْدَاءُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ فَهُوَ قَتِيلٌ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ) لِأَنَّ دَابَّتَهُ فِي يَدِهِ كَدَارِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا .
قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ فَتُكَرَّرُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ .

قَوْلُهُ ( وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا ) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ .

قَوْلُهُ ( وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ ، وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ) بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ وَزَالَتْ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الدَّارِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ ) وَقَوْمُهُ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّارِ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ ، وَالْمَلَّاحِينَ ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا ) لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِمَسْجِدِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ فِيهَا سَائِحٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَمَّا إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ فَالْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهَا .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا الْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ ) هَذَا إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُسْمَعُ فَهُوَ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ ) لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ إلَيْهِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ ) ، وَالْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إبْرَاءٌ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ ( وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ ، وَالدِّيَةُ ) لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُمْ قَوْلُهُ ( وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ فَالشَّاهِدُ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي الْمِصْرِ أَوْ نَهَارًا فِي الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ ، وَالْعَصَا وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ لَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْمَعَاقِلِ ) هُوَ جَمْعُ مَعْقِلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ ، وَالْعَاقِلَةُ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْقَاتِلِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ، وَالْخَطَإِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَمَّا تَجِبُ بِالصُّلْحِ .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ ) وَهُوَ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمْ الْعَشِيرَةُ .
قَوْلُهُ : ( تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ) الْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ ، وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَاجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ كَانَ فِي سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ فَفِي سَنَةٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّهِ نِصْفًا ثُمَّ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّصْفِ مِثَالُهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْمُلَةِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا بِالسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ

الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ ، وَلَوْ خَرَجَ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ .

قَوْلُهُ ( وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ وَتُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ وَيُنْقَصُ مِنْهُمْ ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ .
وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ ( فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا ) يَعْنِي نَسَبًا وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ الْأُخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَأَمَّا الْآبَاءُ ، وَالْبَنُونَ فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ : لَا يَدْخُلُونَ .
قَوْلُهُ : ( وَيَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ، وَالذُّرِّيَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ ، وَالصِّبْيَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ .

قَوْلُهُ ( وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ ) مِنْ أَهْلِ نُصْرَتِهِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ عَقْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } .

قَوْلُهُ ( وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ ) لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ .

قَوْلُهُ ( وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا ) لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ ثُمَّ الْعَاقِلَةُ إذَا حَمَلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ قَبِيلَةٌ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ نُصَّارُهُ فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْحِرْفَةِ فَعَلَى الْمُحْتَرِفِينَ الَّذِينَ هُمْ أَنْصَارُهُ كَالْقَصَّارِينَ ، وَالصَّفَّارِينَ بِسَمَرْقَنْدَ ، وَالْأَسَاكِفَةِ بِإِسْبِيجَابَ ، .
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مُلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ قَبِيلَةُ أُمِّهِ فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ قَوْلُهُ : ( وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي ) يَعْنِي مَا نَقَصَ أَرْشُهُ عَنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ كَانَ عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ ) يَعْنِي إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْحُرِّ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا تُعْقَلُ الْجِنَايَةُ الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ ) فَإِنْ قُلْت قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي الدِّيَاتِ فَلِمَ أَعَادَهُ هُنَا قُلْت ذَكَرَ هُنَاكَ كُلَّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ ، وَالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُنَا قَالَ وَلَا تَعْقِلُ مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي فَلَا تَكْرَارَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ هُنَا بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأٍ وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى قَوْلُهُ ( وَلَا تَعْقِلُ مُلْزَمًا بِالصُّلْحِ ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ .

قَوْلُهُ ( وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) يَعْنِي عَاقِلَةَ الْجَانِي وَمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْحُدُودِ ) الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَكَذَا سُمِّيَ حَدُّ الدَّارِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ حَدًّا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ مَا حُدَّ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْفِعْلِ سُمِّيَ ذَلِكَ حَدًّا ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ كُلُّ عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَسْتَوْفِي حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا وَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ ، وَالِاعْتِيَاضَ عَنْهُ وَكَذَا التَّعْزِيرُ لَا يُسَمَّى حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَالْإِقْرَارِ ) الْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصِفَةُ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْعَارِي عَنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِمَا وَيَتَجَاوَزُ الْخِتَانُ الْخِتَانَ هَذَا هُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا شُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مُلَامَسَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الْحَجِّ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ : الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ الْوَطْءُ الْحَرَامُ الْخَالِي عَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطْءِ الْمَمْلُوكِ بَعْضَهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ بِزِنًا وَكَذَا وَطْءُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضٍ ، وَالنُّفَسَاءِ ، وَالْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ وَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ، وَالْجَارِيَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ مَا أُحْرِزَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ

أُخْتَيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ فَوَطِئَهَا ، وَقَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يُحَدُّ فِي كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ كَوَطْءِ مَحَارِمِهِ ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَعَقْدُ النِّكَاحِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ أَنْ يَقُولَ : ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ .
قَوْلُهُ ( فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا ) فَإِنْ قِيلَ الْقَتْلُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ قُلْنَا لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ .
إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا مُسْلِمِينَ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ شَهِدَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ جَمِيعًا حَدَّ الْقَذْفِ إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ فَقَالَ : رَأَيْت أَقْدَامًا بَادِيَةً وَنَفَسًا عَالِيًا ، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَرَأَيْت رِجْلَيْهَا عَلَى عَاتِقِهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَفْضَحْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّ الثَّلَاثَةَ .
وَكَذَا إذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ فَشَهِدُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ

وَاحِدٍ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبِلَ الشَّهَادَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَجْلَسَ الْمُغِيرَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ قَالَ ذَهَبَ رُبْعُك يَا مُغِيرَةُ فَلَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ ذَهَبَ نِصْفُك فَلَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِك وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَفْتِلُ شَارِبَهُ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ فَلَمَّا قَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ قَالَ لَهُ عُمَرُ : قُمْ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَوْنَهُ كَانَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ فَشَبَّهَهُ بِهِ وَقِيلَ : وَصَفَهُ بِالشَّجَاعَةِ لِأَنَّ الْعُقَابَ إذَا سَلَحَ عَلَى طَائِرٍ أَحْرَقَ جَنَاحَهُ وَأَعْجَزَهُ عَنْ الطَّيَرَانِ فَكَذَلِكَ كَانَ زِيَادٌ فِي مُقَابَلَةِ أَقْرَانِهِ وَهَذَا مَدْحٌ ، وَالْأَوَّلُ ذَمٌّ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فِي هَتْكِ سِتْرِ صَاحِبِهِ وَتَحْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ ، فَقَالَ زِيَادٌ لَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنِّي رَأَيْتُهُمَا يَضْطَرِبَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ كَاضْطِرَابِ الْأَمْوَاجِ وَرَأَيْت نَفَسًا عَالِيًا ، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ وَضَرَبَ الثَّلَاثَةَ حَدَّ الْقَذْفِ ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ ، وَقَالُوا : لَا نَعْرِفُهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ : إذَا شَهِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ قَبْلَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَجَاءَ بِثَلَاثَةٍ سِوَاهُ يَشْهَدُونَ فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَإِنْ جَاءَ هُوَ وَثَلَاثَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهَا قَدْ زَنَتْ وَلَمْ يَعْدِلُوا دُرِئَ عَنْهَا وَعَنْهُمْ الْحُدُودُ وَدُرِئَ عَنْ الزَّوْجِ

اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَذُكِرَ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْقَذْفِ فِي بَابِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ ، وَلَوْ جَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَلَمْ يَعْدِلُوا فَهُوَ قَاذِفٌ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا أُسْقِطَتْ تَعَلَّقَ بِقَذْفِ اللِّعَانِ .
قَوْلُهُ : ( فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ ) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ ، وَفِيهِ الْحَقِيقَةُ ، وَالْمَجَازُ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ ، وَالْيَدَانِ يَزْنِيَانِ ، وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ ، وَالْفَرْجُ يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ } وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُمْ كَيْفَ زَنَى لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
قَوْلُهُ : ( وَأَيْنَ زَنَى ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي عَسَاكِرِ الْبُغَاةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ يَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيهِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَتَى زَنَى ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَنَى وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ الَّذِي يُسْقِطُ الْحَدَّ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ فِيهِ وَقْتًا وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ عَايَنُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ .
قَوْلُهُ : ( وَبِمَنْ زَنَى ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَرُبَّمَا إذَا سُئِلُوا قَالُوا لَا نَعْرِفُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً وَقَدْ تَكُونُ جَارِيَةَ ابْنِهِ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ ) أَوْ كَالْقَلَمِ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ كَالرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا : تَعَمَّدْنَا

النَّظَرَ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَاهُ تَلَذُّذًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ ، قَوْلُهُ : ( سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا فِي السِّرِّ ، وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } قَالَ فِي الْأَصْلِ : يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَحْسِبُهُ وَقَدْ قِيلَ : ادْرَءُوا الْحُدُودَ وَلَيْسَ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ .
قِيلَ : إنَّمَا حُبِسَ تَعْزِيرًا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا لِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَوُجِدُوا فُسَّاقًا وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ عُمْيَانًا فَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْعُمْيَانَ لَا يَرَوْنَ مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ فَتَحَقَّقْنَا كَذِبَهُمْ فَكَانُوا قَذَفَةً وَأَمَّا الْعَبِيدُ ، وَالْمَحْدُودُونَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانُوا قَذَفَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ فِي السِّرِّ ، وَالْعَلَانِيَةِ التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ فَالْعَلَانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ ، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هُوَ الَّذِي عَدَلْته ، وَالسِّرُّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يَكْتُب تَحْتَ اسْمِهِ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السِّتْرِ أَوْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا كَانَ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ

الْمَرْأَةَ ، وَالْعَبْدَ ، وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ .
قَوْلُهُ : ( وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُهُ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ حَتَّى يَتَوَارَى مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَالِثًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إلَّا أَنَّ فِي السَّرِقَةِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ ، وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ .
وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَهُوَ يُنْكِرُ ثُمَّ أَقَرَّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ إجْمَاعًا وَيُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ ،

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا فَجَحَدَتْ فَحُدَّ الرَّجُلُ وَهُوَ مَحْمُولٌ } عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ مَحِلِّهِ ، وَالزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ وَإِنْكَارُهَا حُجَّةٌ لِنَفْيِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَقِّهَا فَاقْتَضَى النَّفْيُ عَنْ الرَّجُلِ ضَرُورَةً فَعَارَضَ النَّفْيَ الْإِقْرَارُ فَسَقَطَ الْحَدُّ وَلِأَنَّا صَدَّقْنَاهَا حِينَ جَحَدَتْ وَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ زِنًا فِي حَقِّهَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا غَائِبَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِي نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا ، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ لِأَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَادَّعَتْ التَّزْوِيجَ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ زِنًا ، وَفِي إيجَابِ الْمَهْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِّ ، وَالْمَهْرِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، قَوْلُهُ : ( فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ كَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مَتَى زَنَى لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْإِقْرَارِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ ) الْمُحْصَنُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الْبُلُوغُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالْإِسْلَامُ ، وَالْحُرِّيَّةُ ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ ، وَالدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ ، وَالدُّخُولَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَنَا .
قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ } .
وَأَمَّا الدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُ إذَا حَصَلَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أُعْتِقَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا وَطِئَ الْكَافِرَةَ صَارَ بِهَا مُحْصَنًا عِنْدَهُ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا كَالزِّنَا ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا ، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ يَعْنِي إذَا بَقِيَ الْمَرْجُومُ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا أَخَذُوا فِي رَجْمِهِ إنْ كَانَ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ لَا يُتْبَعُ وَكَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا فَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ اُتُّبِعَ وَلَا يُخْلَى سَبِيلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ قَوْلُهُ : ( يُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ ) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِرَجْمِهِ ، وَكَيْلَا يُصِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُمْ يَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ إذَا أَرَادُوا رَجْمَهُ وَكُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَيُقَدَّمُ آخَرُونَ وَرَجَمُوا وَلَا يُحْفَرُ لَهُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَكِنَّهُ

يَقُومُ قَائِمًا وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ حَفَرَ لَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَسْتَرُ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْفِرْ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الرُّجُوعُ بِالْهَرَبِ .

قَوْلُهُ : ( وَتَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ بُدِئَ بِهِمْ امْتِحَانًا لَهُمْ فَرُبَّمَا اسْتَعْظَمُوا الْقَتْلَ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ : ثُمَّ الْإِمَامُ اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ ) وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ وَكَذَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ أَيْضًا وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ بَعْضُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قُذِفَ فَضُرِبَ الْحَدَّ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ بِدَايَتَهُمْ شَرْطٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَكَذَا إذَا عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوْ ارْتَدُّوا فَهَذَا كُلُّهُ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانُوا مَرْضَى أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا لَهُ مَقْتَلًا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ ، وَقَدْ قَالُوا : ابْنُ الِابْنِ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَقُتِلَ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَمَى الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ ، وَقَالَ : ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ وَكَانَتْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ وَيُفْطَمَ الْوَلَدُ لِأَنَّ رَجْمَهَا يُتْلِفُ الْوَلَدَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى وَأَشْكَلَ أَمْرُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا ، وَقَالَتْ أَنَا بِكْرٌ أَوْ رَتْقَاءُ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّهُ بَانَ كَذِبُهُمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِمْ أَوْجَبْنَاهُ لِقَوْلِ النِّسَاءِ ، وَالْحُدُودُ لَا تَجِبُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ رُجِمَ وَلَا يُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ لِأَنَّ الرَّجْمَ يُهْلِكُهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ اُنْتُظِرَ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَحِقَهُ الضَّرَرُ بِالضَّرْبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا .
اُنْتُظِرَ زَوَالُ ذَلِكَ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَرَضٌ وَرُوِيَ { أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ : هُوَ هَذَا قَدْ وَلَدْته فَقَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِهِ ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَقَالَتْ : هُوَ هَذَا قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ

النَّاسَ بِرَجْمِهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَافْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَشَتَمَهَا ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ .
ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى } .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ .

قَوْلُهُ : ( وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ ، وَقَالَ فِي مَاعِزٍ { لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ } وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ فِي حَالَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُهُ فَمَا كَانَ أَسْرَعُ كَانَ أَوْلَى .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ) أَيْ لَا شَوْكَ وَلَا عُقَدَ وَلَا شَمَارِيخَ .
قَوْلُهُ : ( ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا ) أَيْ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَغَيْرَ الْمُؤْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ .
قَوْلُهُ : ( وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ ) يَعْنِي مَا خَلَا الْإِزَارَ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } .
قَوْلُهُ : ( وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُهْلِكُهُ ، وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ لَا مُهْلِكٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ الْأَلَمُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا وَصَلَتْ إلَيْهَا اللَّذَّةُ قَوْلُهُ : ( إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْجَلَّادِ { اتَّقِ الْوَجْهَ ، وَالرَّأْسَ ، وَالْمَذَاكِيرَ } وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ فَرُبَّمَا يَخْتَلُّ بِالضَّرْبِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ وَيَجْتَنِبُ الصَّدْرَ ، وَالْبَطْنَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا أَوْ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُشَدُّ يَدَاهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحَدُّ قَاعِدَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَتُلَفُّ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا وَتُرْبَطُ الثِّيَابُ وَيَتَوَلَّى لَفَّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ ، وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ الْمَجْلُودِ نَجَاسَةٌ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي جُلِدَ عَلَيْهَا الْحُرُّ مِنْ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَاتِّقَاءِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَفَرْجِهِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ ) بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ ، وَالْقَذْفُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ : ( وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ وَيَقُولُ لَهُ لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت ) أَوْ لَعَلَّك وَطِئْتهَا بِالشُّبْهَةِ أَوْ يَقُولُ : أَبِك خَبَلٌ ؟ أَبِك جُنُونٌ ؟ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلشَّهَادَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ قَوْلُهُ : ( وَالرَّجُلُ ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ) يَعْنِي فِي صِفَةِ الْحَدِّ وَقَبُولِ الرُّجُوعِ .
قَوْلُهُ : ( غَيْرَ أَنَّ ) ( الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوَ ، وَالْحَشْوَ ) لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ عَوْرَتِهَا وَتُضْرَبُ جَالِسَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَوْلُهُ : ( وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثَدْيِهَا ، وَالْحَفْرُ لَهَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا إلَى الصَّدْرِ وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْجُمُعَةُ ، وَالْفَيْءُ ، وَالْحُدُودُ ، وَالصَّدَقَاتُ } وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَلِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ الرَّجْمِ ضُرِبُوا الْحَدَّ وَسَقَطَ الرَّجْمُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ) هَذَا قَوْلُهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ صَحَّتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ فِي حَقِّهِ فَسَقَطَتْ ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حُدُّوا جَمِيعًا عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ قُلْنَا كَلَامُهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً لِلِاتِّصَالِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ وَأَمَّا إذَا كَانَ جَلْدًا فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ خَاصَّةً إجْمَاعًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاجِعِ فِي أَثَرِ السِّيَاطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ .
قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْجَلْدُ إنْ يَجْرَحْ فَقَالَ وَاحِدٌ كَذَبْتُ لَا يَضْمَنُ هَذَا الشَّاهِدُ صُورَتُهُ " أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الرَّاجِعُ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ جُلِدَ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ : لَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَمَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَنَا أَنَّ

الرَّاجِعَ صَارَ قَاذِفًا عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ وَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ ، وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا ضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ ، وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَقْطَعُ جَمِيعَ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ وَهُمْ خَمْسَةٌ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ رُبْعَ الدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا هُمْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا : عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَلَكِنَّهُمْ يُعَزَّرُونَ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَعَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا : عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَزَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذْ ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ بَلْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إجْمَاعًا ، وَلَوْ قَالَ الْمُزَكِّي : أَخْطَأْت فِي التَّزْكِيَةِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ : عَلِمْت أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَتَعَمَّدْت ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ حُدُّوا ) لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ .

قَوْلُهُ : ( وَشَرْطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِالْأَمَةِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطْءٌ حَتَّى زَنَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَقَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْصَانٍ لِمَقْذُوفٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ خَمْسِ شَرَائِطَ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْبُلُوغُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالْإِسْلَامُ ، وَالْحُرِّيَّةُ ، وَالْعِفَّةُ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا وَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ النِّكَاحِ ، وَالدُّخُولِ .

( مَسْأَلَةُ ) الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ قُلْنَا الْقَتْلُ يَثْبُتُ بِالزِّنَا وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ فَلَوْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الذُّكُورِيَّةِ فِيهِ كَمَا وَجَبَ فِي الزِّنَا لَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ هُوَ النِّكَاحُ ، وَالْبُلُوغُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالْإِسْلَامُ ، وَالدُّخُولُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ ، وَالرَّجْمِ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ ، وَالنَّفْيِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً فَيُعَزِّرُ بِهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَرَاهُ ) مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ فَعَلَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ لَنَا قَوْله تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَهَذَا بَيَانٌ لِجَمِيعِ الْحَدِّ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ التَّغْرِيبُ مَعَهُ حَدًّا لَكَانَتْ الْغَايَةُ بَعْضَ الْحَدِّ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَعْلُومَةُ الْمَقَادِيرِ وَلَيْسَ لِلنَّفْيِ مِقْدَارٌ فِي مَسَافَةِ الْبُلْدَانِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدُ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ ) كَيْ لَا يُفْضِي لِلْهَلَاكِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا اُنْتُظِرَ بِهِ زَوَالُ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ فَحَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا ) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : تَتَعَالَى وَهُوَ سَهْوٌ ، وَالصَّوَابُ تَتَعَلَّى بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجَ مِنْهُ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ وَتُجْلَدُ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ بِمَرَضٍ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ فِي النِّفَاسِ ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِي وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إذَا كَانَ الزِّنَا ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَقْبُولٌ فَلَا يُفِيدُ الْحَبْسُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً ) يَعْنِي إذَا شَهِدُوا بِسَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ فِي السَّرِقَةِ الْمَالَ وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ ، وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ ، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا كُلُّهُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ .
بِالتَّقَادُمِ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فِي الْبَيِّنَةِ ، وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا وَإِنْ جَاءُوا بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ تَذْهَبُ الرَّائِحَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَامِلَةُ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَمْنَعُ وَفَائِدَتُهُ إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عُزِّرَ ) لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا .

قَوْلُهُ : ( وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ نَشَأَتْ عَلَى دَلِيلٍ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ نَوْعَانِ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ فَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ ، وَالْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي جَدًّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ هَؤُلَاءِ وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ فَفِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فِي الْعِدَّةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ ، وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا ادَّعَاهُ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ

لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ إذْ أَثَرُ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ ، وَالْحَبْسِ ، وَالنَّفَقَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا ، وَالْمُخْتَلِعَةُ ، وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامُ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ لَمْ يُحَدَّ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْعَارِيَّةُ ، وَالْمُسْتَعَارَةُ لِلْخِدْمَةِ ، الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ الْحَدُّ فِيهِنَّ مُطْلَقًا وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ جَارِيَةَ أُمِّهِ مِرَارًا وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ فَإِنْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ ) لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمَا فِي الْمَوْطُوءَةِ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ أَيْضًا ) لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرٍ لِأَنَّ لَهُ تَبَسُّطًا فِي مَالِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ يَأْكُلُ مِنْهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ : ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي ، وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ الْحِلَّ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ فَأَيُّهُمَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي دُرِئَ عَنْهُمَا الْحَدُّ حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا أَنَّهُمَا قَدْ عَلِمَا أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ زَنَى بِجَارِيَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهٍ أَوْ جَدَّتِهِ ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي ، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ إنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا إجْمَاعًا ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ بِأَنْ قَالَتْ الْأَمَةُ : ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَقَالَ هُوَ عَلِمْت أَنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ أَيْضًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَدُرِئَ عَنْهَا وَقَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْنَهُ مِنْ هَذَا .
الْوَطْءِ فَإِنْ مَلَكَ الصَّبِيَّ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَانَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ مِنْ الْغَانِمِينَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ ، وَقَالَتْ النِّسَاءُ : إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ) يَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ) لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الزِّفَافِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ جَاهِلٌ بِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزِّفَافِ وَلَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِ هَذِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ ، وَقَالَتْ : أَنَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ وَهِيَ كَالْمَزْفُوفَةِ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ) وَيُعَزَّرُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ فَيَلْغُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ الزِّنَا فِي شَرِيعَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ أَبَاحَ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ ) وَيُودَعُ فِي السَّجْنِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ كَالزِّنَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ فِعْلُهُ فِي زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ فِي رَجُلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْغُلَامِ أَمَّا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا يُحَدُّ إجْمَاعًا ، وَلَوْ فَعَلَهُ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ لَا يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ وَيُعَزَّرُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى ، وَالِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رَجْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ جُلِدَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى اللِّوَاطِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَهُمَا كَالزِّنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قُتِلَ الْفَاعِلُ ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحْصَنَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا وَقَوْلُهُ : وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا ، وَلَوْ مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ قِرْدًا مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا كَانَ حُكْمُهَا كَإِتْيَانِ الرَّجُلِ الْبَهِيمَةَ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُحَدُّ لَنَا أَنَّهُ زَنَى فِي مَوْضِعٍ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِيهِ فَلَمْ يُحَدَّ وَلَا يُقَامُ بَعْدَمَا أَتَانَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ ، وَالْحَرْبِيَّةَ الْمُسْتَأْمَنَةَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ ، وَالْغَائِبَةِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ ، وَالْمَجْنُونَةِ ، وَالصَّبِيِّ ، وَالصَّبِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ ، وَالذِّمِّيَّةِ بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ ، وَالذِّمِّيَّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَلَا تُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهَا كَالْغَائِبَةِ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ غَابَتْ يُحَدُّ الرَّجُلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْمَجْنُونَةِ فَصَارَ كَعَاقِلٍ زَنَى بِمَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ ، وَلَوْ زَنَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَهُوَ كَغَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُحَدُّ الذِّمِّيَّةُ أَوْ الْمُسْلِمَةُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَمَجْنُونِ زَنَى بِعَاقِلَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ بِالشُّبْهَةِ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَمَتَى سَقَطَ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُكْرَهًا ثُمَّ

حَدُّ السَّرِقَةِ ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُقَامُ عَلَيْهِ وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدُّ الْقَذْفِ ، وَالْقِصَاصِ يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَهُوَ فِيمَا سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ كَالْمُسْلِمِ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا .
وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَإِذَا زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً إجْمَاعًا لَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَهِيَ مَوْطُوءَةً وَمُزْنًى بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلُّقُ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قُبْحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ أَثِمَ بِمُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِذَا زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا حُدَّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِهَا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهَا أَوْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْهَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَوْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَصَبَ حُرَّةً ثَيِّبًا فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ دِيَةُ الْحُرَّةِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ أَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الدِّيَةِ .
وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَلَكِنْ ذَهَبَ

بَصَرُهَا غَرِمَ الْقِيمَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الْأَمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَيَصِيرُ كَمِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا يُمْلَكُ بُضْعَهَا بِالنِّكَاحِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا إذَا زَنَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ ) قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ ) مَعَهُ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ ( فَشَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ ) ( فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ مَعَهُ وَسَوَاءٌ شَرِبَ مِنْ الْخَمْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِنَّمَا شُرِطَ وُجُودُ رِيحِهَا مَعَهُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مُتَقَادِمٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدِيمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا لَمْ يُحَدَّ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُحَدُّ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا ، وَالسُّكْرِ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُحَدُّ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالزَّمَانِ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا مَعَهُ أَوْ سَكْرَانَ فَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَتْ الرَّائِحَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِهِ حُدَّ إجْمَاعًا .
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخِيهِ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ : إنَّ هَذَا ابْنُ أَخِي وَإِنَّهُ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِي ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَقَرَّ فَقَالَ لِعَمِّهِ : بِئْسَ كَافِلُ الْيَتِيمِ أَنْتَ إنَّكَ لَمْ تُحْسِنْ أَدَبَهُ وَلَا سَتَرْت عَلَيْهِ جَرِيمَتَهُ ثُمَّ قَالَ تَرْتِرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رِيحًا فَاجْلِدُوهُ .
التَّرْتَرَةُ أَنْ يُحَرَّكَ وَيُسْتَنْكَهَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ شَرْطٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ ، وَقَوْلُهُ مَزْمِزُوهُ بِالزَّايِ أَيْ حَرِّكُوهُ وَأَقْبِلُوا بِهِ وَأَدْبِرُوا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ ) إنَّمَا شُرِطَ السُّكْرُ لِأَنَّ شُرْبَهُ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِشُرْبِ قَلِيلِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ السُّكْرِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى شُرْبِهَا بِاخْتِيَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أُكْرِهَ أَوْ شَرِبَهَا فِي حَالِ الْعَطَشِ مُضْطَرًّا لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الشَّكِّ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ النَّبِيذِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ أَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ مُكْرَهًا فَلَا يُحَدُّ بِالشَّكِّ قَوْلُهُ : ( وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ ) لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ نُطْقًا وَلَا جَوَابًا وَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْلِطُ كَلَامَهُ وَإِلَى هَذَا مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ قِرَاءَتَهَا وَإِلَّا حُدَّ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيَحْتَالُ الدَّرْءَ بِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدُ فَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً لَهُ ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشَّكِّ .

قَوْلُهُ : ( وَحَدُّ الْخَمْرِ ، وَالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا ) يَجُوزُ فِي السُّكْرِ ضَمُّ السِّينِ وَفَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ الْكَافِ وَبِفَتْحِ السِّينِ وَتَحْرِيكِ الْكَافِ فَإِذَا قَالَ بِفَتْحَتَيْنِ يَكُونُ الْعَصِيرُ وَإِذَا قَالَ بِالسُّكُونِ وَضَمِّ السِّين يَكُونُ حَدُّ الْخَمْرِ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ وَحَدُّ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ حُصُولِ السُّكْرِ وَالشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَالَ إلَى السُّكُونِ ، وَالضَّمِّ قَوْلُهُ : ( يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الزِّنَا ) وَيُجْتَنَبُ الْوَجْهُ ، وَالرَّأْسُ وَيُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُجَرَّدُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا ) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ .

قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَالسُّكْرِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ فَقُبِلَ فِيهِ الرُّجُوعُ كَحَدِّ الزِّنَا ، وَالسَّرِقَةِ ، وَالسَّكَرُ هَهُنَا بِفَتْحَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ .

( وَيَثْبُتُ ) حَدُّ الشُّرْبِ ( بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ ) ( شَهَادَةُ النِّسَاءٍ مَعَ الرِّجَالِ ) لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ ) الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةَ ، وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ الرَّمْيِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ ، وَالْكُفْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي ، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا ) بِأَنْ قَالَ : يَا زَانِي أَوْ أَنْتَ زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانِي أَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَإِنَّمَا قَالَ بِصَرِيحِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْكِنَايَةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ صَدَقْت لَا حَدَّ عَلَى الَّذِي قَالَ صَدَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ .
قَوْلُهُ : ( فَطَالَبَهُ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ ) بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الزِّنَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِتَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ أَوْ بِأَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي خِلَالِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَدِّ .
قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ أُطْلِقَتْ شَهَادَتُهُ وَأُجِيزَتْ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ زِنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، وَالضَّرْبُ الَّذِي لَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ، وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَإِنْ قِيلَ النَّصُّ وَرَدَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ فَكَيْفَ أَشْرَكْتُمْ الْمُحْصَنِينَ مَعَهُنَّ قُلْنَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِيهِنَّ فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ

الْوُجُوبَ لِدَفْعِ الْعَارِ وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي الْأَعَمِّ لَهُنَّ قَوْلُهُ : ( حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ ، وَحَقَّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ ثُمَّ عَفَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَبَانَ لَنَا أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ مُخْتَلِطٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَأَصْحَابُنَا مَالُوا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَضَمَّنُ عَدَدًا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ فَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا ، وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُورَثْ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَالَ فِيهِ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الْقَاذِفُ : أَنَا عَبْدٌ فَحُدَّنِي حَدَّ الْعَبْدِ ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ : أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي قَذْفِك حَدٌّ ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ : أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ أَيْضًا ، وَلَوْ كَرَّرَ

الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَرْخِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ : وَالْمُلَاعِنُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ ، وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَخَاصَمُوا ضُرِبَ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا خَاصَمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَحُدَّ فَالْحَدُّ يَكُونُ لَهُمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا عَلَى الْقَاذِفِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يُحَدَّ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدُّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا حُدَّ الْقَاذِفُ وَفَرَغَ مِنْ حَدِّهِ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدٌّ آخَرُ ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ ضُرِبَ السَّوْطَ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلثَّانِي ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْحَدِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا قَذَفَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ دَعْوَى حَدٍّ كَحَدِّ الزِّنَا ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُسْتَحْلَفُ وَيَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَذْفِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى قَذْفِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ أَتَى بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ جَازَ قَوْلُهُ : ( يُفَرَّقُ الضَّرْبُ

عَلَى أَعْضَائِهِ ) لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَلَيْسَ التَّلَفُ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ ، وَالرَّأْسَ قَوْلُهُ : ( وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ ) بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ الثِّيَابُ وَإِنَّمَا يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ ، وَالْحَشْوُ .
قَوْلُهُ : ( غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ ، وَالْحَشْوُ ) لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْأَلَمِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلْقَى عَنْهُ الرِّدَاءُ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ ) لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } فَمِنْ أَيْنَ جُعِلَ حَدُّ الْعَبْدِ أَرْبَعِينَ قُلْنَا مُرَادُ الْآيَةِ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } ، وَالْعَبْدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ .

قَوْلُهُ ( وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا ) هَذِهِ خَمْسُ شَرَائِطَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ ، وَالْعَفِيفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِالشُّبْهَةِ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَهُ الِابْنُ بِحَدِّهَا حُدَّ الْقَاذِفُ ) هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً مُحْصَنَةً كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ : لَيْسَ هَذَا أَبَاك فَإِنْ قَالَهُ فِي رِضًا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَزْحُ وَإِنْ قَالَهُ فِي غَضَبٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ ، وَإِنْ قَالَ : لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت لِأُمِّك لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْصُولٌ وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأُمِّك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ تَلِدْك أُمُّك وَكَذَا إذَا قَالَ : لَسْت لِأَبَوَيْك لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ : لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِأُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ حُرًّا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ أُمَّهُ لَيْسَتْ مُحْصَنَةً وَيُعَزَّرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ : مَيِّتَةٌ لِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَطَلَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَتَيْنِ وَكَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُبَالِي إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً ، وَالْأُمُّ كَافِرَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ : يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِنْ قَالَ : يَا ابْنَ أَلْفِ زَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ الْأُمَّ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَقَذْفُ الْأُمِّ يَكْفِي فِي إيجَابِ الْحَدِّ ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ لَمْ يُحَدَّ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْقَحْبَةَ قَدْ تَكُونُ الْمُتَعَرِّضَةَ

لِلزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا صَرِيحُ قَذْفٍ وَكَذَا إذَا قَالَ : يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ ابْنَ الْفَاسِقَةِ ، وَلَوْ قَالَ : يَا قَوَّادُ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوَّادُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ ) وَهُوَ الْوَلَدُ ، وَالْوَالِدُ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِ لِمَكَانِ الْحُرِّيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ ، وَالْأَعْمَامُ ، وَالْأَخْوَالُ وَأَوْلَادُهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِأَنَّ حَالَ مَا طَرَحَهُ الْأَبُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إنَّمَا كَانَ نُطْفَةً وَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ ، وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ ) .
وَقَالَ زُفَرُ : لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَذْفَ يَتَنَاوَلُهُمَا لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ مُحْصَنَةً .

قَوْلُهُ : ( وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ مَوْلَاهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِأُمِّ الْمَمْلُوكِ وَلَدٌ حُرٌّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ كَانَ لَهُمَا الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ ) لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيٌّ لَمْ يُحَدَّ ) لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمَ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا ، وَالنَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَكَذَا إذَا قَالَ : لَسْت بِعَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْن الْخَيَّاطِ أَوْ يَا ابْنَ الْأَعْوَرِ وَلَيْسَ أَبُوهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا ، وَلَوْ قَالَ : لَسْت بِابْنِ آدَمَ أَوْ لَسْت بِإِنْسَانٍ أَوْ لَسْت بِرَجُلٍ أَوْ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ يُقَالُ رَجُلٌ عَلَّامَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي بِغَيْرِ الْهَاءِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَأَتْ حُدَّ وَإِنْ قَالَ زَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ حُدَّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ عَمَل وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ عَمَلُ اسْمُ خَالِهِ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْنَا فِي الشَّبَهِ ، وَالْهِلَّوْفُ الثَّقِيلُ الْجَافِي الْعَظِيمُ اللِّحْيَةِ ، وَالْوَكِلُ الْعَاجِزُ الَّذِي يَكِلُ أَمْرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادُ أَوَّلِهِمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا وَحَالَةُ الْغَضَبِ ، وَالْمُشَاتَمَةِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزَةِ أَوْ قَالَ زَنَأَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ زَنَأَتْ عَلَى الْجَبَلِ لَمْ يُحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا ،

وَقِيلَ يُحَدُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَيَّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ قَاذِفٌ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ : يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ حِينَ قَالَتْ : زَنَيْت وَقَذَفَتْهُ بِقَوْلِهَا بِك فَسَقَطَ حُكْمُ قَذْفِهِ وَبَقِيَ حُكْمُ قَذْفِهَا ، وَلَوْ قَالَ : يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ : لَا بَلْ أَنْتِ الزَّانِي حُدَّا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَلَمْ يُوجَدُ مِنْ الْمَقْذُوفِ تَصْدِيقٌ ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت مَعَك فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهَا زَنَيْت تَصْدِيقٌ وَقَوْلَهَا مَعَك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ أَوْ شَاهِدٌ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا ، وَلَوْ قَالَ : يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَلَيْسَتْ هِيَ بِقَاذِفَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَا ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا رَأَيْت زَانِيًا خَيْرًا مِنْك أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُخَاطَبِينَ خَيْرًا مِنْ الزُّنَاةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الزِّنَا .

، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ لِأَنَّ الزِّنَا يَصِحُّ مِنْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخْذُك أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَى فَرْجُك فَهُوَ قَاذِفٌ وَإِنْ قَالَ زَنَى بِك فُلَانٌ بِأُصْبُعِهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ وُطِئْت وَطْئًا حَرَامًا لِأَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ أَعْتَقَتْ أَوْ لِكَافِرَةٍ قَدْ أَسْلَمَتْ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا ، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالَ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ .

، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ : يَا زَانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَلَا حَدَّ عَلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ وَلَمْ .
يَقْذِفْ ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا وَأَمَّا الرَّسُولُ فَإِنْ قَذَفَ قَذْفًا مُطْلَقًا حُدَّ وَإِنْ قَالَ لَهُ : إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك كَذَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِلْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ : زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ عَنَيْت فُلَانًا مَعَك شَاهِدًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ عَطَفَ فُلَانًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي زَنَيْت فَاقْتَضَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ .

وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى مَنْ يَكُونُ مِنْهُ الْوَطْءُ فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَطِئَك حِمَارٌ أَوْ ثَوْرٌ وَإِنْ قَالَ : زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهُوَ قَاذِفٌ لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا يَكُونُ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا لِأُنْثَى فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْعِوَضِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ : زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِنَاقَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ زَانِيًا وَإِنْ قَالَ زَنَيْت بِأَمَةٍ حَدّ وَإِنْ قَالَ : زَنَيْت بِثَوْرٍ أَوْ بِبَعِيرٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ ، وَالْكَرَمِ ، وَالصَّفَاءِ وَلِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِجَدِّ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } وَإِسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لَهُ ، وَفِي الْحَدِيثِ { الْخَالُ أَبٌ } وَزَوْجُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا لِلتَّرْبِيَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ ) قُيِّدَ بِغَيْرِ الْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْوَاطِئِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُشْبِهُ الزِّنَا وَهُوَ كَمَنْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَهَذَا وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَوَطِئَهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَمَةً قَدْ وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا مِلْكَهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ ، وَالْمَجُوسِيَّةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ : لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ وَطْئِهَا بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُحَدُّ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَإِنْ لَمَسَ امْرَأَةً لِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفَةُ عِنْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ حَتَّى

أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ .

قَوْلُهُ : ( ، وَالْمُلَاعَنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا ) لِأَنَّ وَلَدَهَا غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا وَإِنْ قَذَفَهَا قَاذِفٌ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ حُدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاعَنَةً بِغَيْرِ وَلَدٍ فَقَذَفَهَا قَاذِفٌ حُدَّ وَإِنْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ، وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ وَحَدُّ السَّرِقَةِ ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا ، وَالسَّرِقَةِ بِالْإِجْمَاعِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ قَذَفَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا ) عُزِّرَ وَيُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتُهُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ قَوْلُهُ : ( أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ : يَا فَاسِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ عُزِّرَ ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي هَذَا بَلْ يَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيُعَزِّرُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَكَذَا إذَا قَالَ : يَا فَاجِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرِ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَالَ : يَا فَاسِقُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَكَذَا إذَا قَالَ يَا آكِلَ الرَّبَّا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عُزِّرَ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَالَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ ) وَكَذَا إذَا قَالَ : يَا كَلْبُ أَوْ يَا قِرْدُ أَوْ يَا ثَوْرُ أَوْ يَا ابْنَ الْكَلْبِ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ .
وَلِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَتَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ يُقَالُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَبًّا وَقِيلَ : إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَحْسَنُ ، وَلَوْ قَالَ : يَا لَاهِي يَا مَسْخَرَةُ أَوْ يَا ضَحْكَةُ أَوْ يَا مُقَامِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ ، وَإِنْ قَالَ يَا بَلِيدُ عُزِّرَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ يَا سَفَلَةُ عُزِّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْكَافِرُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُقَامِرُ ، وَاللَّاعِبُ بِالطُّنْبُورِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْأَفْعَالَ الدَّنِيئَةَ ، وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى الطَّعَامِ أَكَلَ وَحَمَلَ .

قَوْلُهُ : ( ، وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ ) لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ الِانْزِجَارُ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَتَى حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ } ، وَالْأَرْبَعُونَ حَدٌّ فِي الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَيَسْتَوِي فِي التَّعْزِيرِ الْحُرُّ ، وَالْعَبْدُ ، وَالْمَرْأَةُ ، وَالرَّجُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِانْزِجَارُ قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ) اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَأَقَلُّ حَدٍّ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، وَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَنْقُصُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْوَاطٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - كَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عُقْدَةً فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ عَقَدَ وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ عُقْدَةً ثُمَّ لَمْ يَعْقِدْ فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعُ جَلَدَاتٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسًا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَدْنَى حَدِّهِ أَرْبَعُونَ فَيَنْقُصُ خَمْسَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ الْعَبْدُ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي ثُمَّ التَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ ، وَالْقُوَّادِ وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ ، وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ فَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي : بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ

كَالسُّوقَةِ الْإِعْلَامُ ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي ، وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ الْجَرُّ ، وَالضَّرْبُ ، وَالْحَبْسُ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ ، وَالْقِصَاصِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّدْعُ ، وَالزَّجْرُ فَإِذَا رَأَى أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَرْتَدِعُ بِالضَّرْبِ حَبَسَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ لَا يَحْبِسُهُ .

قَوْلُهُ : ( وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ ) لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ : ( ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَمُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } .
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقِّنٌ .
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ : وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ شِدَّةِ التَّعْزِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ : يُجْمَعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الشِّدَّةُ مِنْ حَيْثُ الضَّرْبُ ، وَفِي حُدُودِ الْأَصْلُ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ ، وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ ، وَفِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَقْصَاهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى حَدِّ .
السَّرِقَةِ وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِذَا بَرِئَ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَجْمٌ يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ يُرْجَمُ وَيَبْطُلُ مَا عَدَاهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ وَيَلْغُو مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ ) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي الْقَذْفِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } وَلِأَنَّهُ أَذَى الْمَقْذُوفَ بِلِسَانِهِ فَسَلَبَهُ اللَّهُ ثَمَرَةَ لِسَانِهِ مُجَازَاةً لَهُ وَثَمَرَةُ اللِّسَانِ نَفَاذُ الْأَقْوَالِ فَلَوْ قُبِلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ قَذْفَهُ كَانَ صِدْقًا فَيَنْهَتِكُ عِرْضُ الْمُسْلِمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قُلْنَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْفِسْقِ دُونَ الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ الْفِسْقَ وَسُقُوطَ الشَّهَادَةِ فَبِالتَّوْبَةِ يَزُولُ عَنْهُ اسْمِ الْفِسْقِ وَيَبْقَى الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ اللَّهَ أَكَّدَ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ بِالتَّأْبِيدِ فَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ تُقْبَلُ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ التَّأْبِيدِ مَعْنًى فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ حَدًّا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا فَحُدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ لَهُ نَوْعُ شَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَلَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ رَجُلًا فِي حَالِ الرِّقِّ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ لَهُ عَدَالَةٌ لَمْ تُخْرَجْ وَهِيَ عَدَالَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْحَدَّ حَصَلَ وَلَهُ شَهَادَةٌ فَبَطَلَتْ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ وَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ حُدَّ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فِيمَ يُصَادِفُ الْحَدَّ شَهَادَةً تُبْطِلُهَا ، وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ إسْلَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى لَوْ تَابَ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُهُ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلشَّهَادَةِ هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْبَاقِي وَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ سَوْطًا وَاحِدًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ، وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ قَذَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حُدَّ كُلَّ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ ضُرِبَ الْمُسْلِمُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي

ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعُهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلُّ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ شَهَادَةُ الرَّامِي بِسَوْطٍ تُهْدَرُ وَجَاءَ عَنْهُ إذْ يُقَامُ الْأَكْثَرُ وَجَاءَ عَنْهُ الرَّدُّ حِينَ تَمَّمَا وَذَاكَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ فَاعْلَمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ ) السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ عَلَى الْخِفْيَةِ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ يَعْنِي لَيْلًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَهَارًا اُشْتُرِطَ الِابْتِدَاءُ ، وَالِانْتِهَاءُ .
وَأَمَّا شُرِطَ الْأَخْذُ عَلَى الْخِفْيَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى غَيْرِ الْخِفْيَةِ يَكُونُ نَهْبًا وَخِلْسَةً وَغَصْبًا ، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهَرَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْغَوْثُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا ) ( سَرَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ) يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ إذَا كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَأَنْ يَكُون الْمَسْرُوقُ نِصَابًا كَامِلًا وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رُبْعُ دِينَارٍ ، وَقَالَ مَالِكٌ : ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ .
قَوْلُهُ : ( أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةٌ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ فَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا عِبْرَةَ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْأَخْذِ وَإِذَا سَرَقَ الْمَالَ فِي بَلَدٍ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا .
قَوْلُهُ : ( مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ

الْمَضْرُوبَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تِبْرًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ .
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا كَنِصَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بِدَلِيلِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةٍ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْوَزْنِ فِيهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ نُقْرَةً وَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ ، وَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادًا قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَسَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ قَوْلُهُ : ( مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ ) الْحِرْزُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ انْتَهَبَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ سَرَقَ مَالًا ظَاهِرًا كَالثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ الْحَيَوَانِ فِي الْمُرَاعِي لَا يَجِبُ الْقَطْعُ ، وَالْحِرْزُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَبْنِيُّ لِحِفْظِ الْمَالِ ، وَالْأَمْتِعَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ خَيْمَةً أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ صُنْدُوقًا ، وَالْحِرْزُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَكَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَجَعَلَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا لِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ نَائِمًا حِينَ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فَإِنْ دَخَلَ السَّارِقُ الدَّارَ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ ، وَالسَّارِقُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَلَيْسَ بِخِفْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ دَخَلَ اللِّصُّ لَيْلًا وَصَاحِبُ

الدَّارِ فِيهَا إنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ قُطِعَ وَقَوْلُهُ : لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْحِرْزِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .

قَوْلُهُ : ( وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ وَكَذَا الرَّجُلُ ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ لِلْآيَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ : ( أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ) وَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْطَعْ وَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَقَدْرِهَا لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَيُعْتَبَرُ فِي إقَامَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حُضُورُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتُهُ بِإِقَامَتِهِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ إجْمَاعًا .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَطْعُ لَهُمْ جَمِيعًا ، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى سَاحَتِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا خَرَجَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَفِي طَرَفِهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ ، وَالْحَشِيشِ ، وَالْقَصَبِ ، وَالسَّمَكِ ، وَالصَّيْدِ ، وَالطَّيْرِ ) وَكَذَلِكَ الزِّرْنِيخُ ، وَالْمَغْرَةُ ، وَالْمَاءُ ، وَالتَّافِهُ هُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ ، وَالْإِوَزُّ ، وَالْحَمَامُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ ، وَالتُّرَابَ ، وَالسِّرْقِينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحِجَارَةِ ، وَالْكُحْلِ ، وَالْمِلْحِ ، وَالْقُدُورِ ، وَالْفَخَّارِ وَكَذَا اللَّبِنُ ، وَالْآجُرُّ ، وَالزُّجَاجُ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزُّجَاجِ الْقَطْعُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اقْطَعْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا ، وَاللُّؤْلُؤِ ، وَالْيَاقُوتِ ، وَالزُّمُرُّدِ ، وَالْفَيْرُوزَجِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَافِهًا فَصَارَ كَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ وَقَوْلُهُ : كَالْخَشَبِ يَعْنِي مَا سِوَى السَّاجِ ، وَالْقَنَا ، وَالْأَبَنُوسِ ، وَالصَّنْدَلِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ ، وَاللَّبَنِ ، وَاللَّحْمِ ، وَالْبِطِّيخِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ } ، وَالْكَثَرُ هُوَ الْجُمَّارُ ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ وَهُوَ النَّخْلُ الصِّغَارُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلَوْ سَرَقَ شَاةً مَذْبُوحَةً أَوْ ذَبَحَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَحْمًا وَلَا قَطْعَ فِيهِ ، وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ مِثْلُ الْعِنَبِ ، وَالسَّفَرْجَلِ ، وَالتُّفَّاحِ ، وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا قَطْعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْدُودَةً فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُقْفَلٌ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْيَابِسَةُ كَالْجَوْزِ ، وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُحْرَزَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي بَقْلٍ وَلَا بَاذِنْجَانَ وَلَا رَيْحَانَ وَيُقْطَعُ فِي الْحِنَّاءِ ، وَالْوَسْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ .

قَوْلُهُ : ( ، وَالْفَاكِهَةُ عَلَى الشَّجَرِ ، وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ ) يَعْنِي لَا قَطْعَ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَأَمَّا إذَا قُطِعَتْ الْفَاكِهَةُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِهَا وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَجُعِلَ فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثِّيَابِ الَّتِي بُسِطَتْ لِلتَّجْفِيفِ وَإِنْ سَرَقَ شَاةً مِنْ الْمَرْعَى أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَعِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَاعٍ فَإِنْ آوَاهَا بِاللَّيْلِ إلَى حَائِطٍ قَدْ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ فَكَسَرَ الْبَابَ وَدَخَلَ وَسَرَقَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَهَا وَهُوَ يَقُودُهَا أَوْ يَسُوقُهَا أَوْ رَاكِبٌ عَلَيْهَا قُطِعَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَابٌ مُغْلَقٌ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إغْلَاقُ الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ مِنْ طَبْعِهَا النُّفُورُ أَمَّا الْحِنْطَةُ فِي الْحَظِيرَةِ وَسَائِرُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِغْلَاقُ وَيُقْطَعُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا ، وَالْأَدْهَانِ ، وَالطِّيبِ ، وَالْعُودِ وَالْمِسْكِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْقُطْنِ ، وَالْكَتَّانِ ، وَالصُّوفِ ، وَالدَّقِيقِ ، وَالسَّمْنِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَالْعَسَلِ ، وَالْمَلْبُوسِ ، وَالْمَفْرُوشِ ، وَالْأَوَانِي مِنْ الْحَدِيدِ ، وَالصُّفْرِ ، وَالرَّصَاصِ ، وَالْأُدْمِ ، وَالْقَرَاطِيسِ ، وَالسَّكَاكِينِ ، وَالْمَقَارِيضِ ، وَالْمَوَازِينِ وَالْارسان وَلَا يُقْطَعُ فِي الْأُشْنَانِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ ، وَالطَّرَبُ النَّشَاطُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْفُقَاعِ ، وَالدِّبْسِ ، وَالْخَلِّ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخُبْزِ ، وَالثَّرِيدِ قَوْلُهُ : ( وَلَا فِي ) ( الطُّنْبُورِ وَكَذَا الدُّفُّ ، وَالْمِزْمَارُ ) لِأَنَّهُ لِلْمَلَاهِي .
قَوْلُهُ : ( وَلَا فِي ) ( سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ ) تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَنَاوُلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً ، وَالْحِلْيَةُ إنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَة الْآنِيَةِ تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَالنَّحْوِ ، وَاللُّغَةِ ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَوْ سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَبْقَى أَوْ لَبَنٌ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا فِي الْإِنَاءِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْإِنَاءِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا فِي صَلِيبِ الذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي كَسْرِهِ وَكَذَا الصَّنَمُ مِنْ الذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الَّتِي عَلَيْهَا التَّمَاثِيلُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلْعِبَادَةِ ، وَلَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ خَمْرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا نَاقِصٌ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا فِي الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لِلْمَلَاهِي .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَالْحِلْيَةُ تَبَعٌ لَهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا ، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ أَمَّا إذَا كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ كَثِيرَةٌ لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ جِرَابًا فِيهِ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ جَوَالِقَ فِيهَا مَالٌ قُطِعَ لِأَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْمَالِ ، وَالْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ الْمَالُ دُونَ الْوِعَاءِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ غَصْبًا لَا سَرِقَةً قَوْلُهُ : ( وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْبَالِغِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ النَّحْوِ ، وَالْفِقْهِ ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِسَرِقَتِهَا مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ الْحِسَابِ وَهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَرِقُ دُونَ مَا فِيهَا ، وَالْوَرِقُ مَالٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ دَفَاتِرُ قَدْ مَضَى حِسَابُهَا مَا إذَا لَمْ يَمْضِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ غَرَضَهُ مَا فِيهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ التُّجَّارِ فَفِيهَا الْقَطْعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْوَرِقُ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ فِي مَالِيَّتِهِمَا قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ كَلْبًا ، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقُ ذَهَبٍ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَرِقَةُ الْكَلْبِ وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ إذْ لَوْ أَرَادَ سَرِقَةَ الطَّوْقِ لَقَطَعَهُ مِنْ عُنُقِ الْكَلْبِ وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ : ( وَلَا دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا مِزْمَارٍ ) لِأَنَّ هَذِهِ مَعَازِفُ قَدْ نُدِبَ إلَى كَسْرِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْلِ طَبْلُ اللَّهْوِ أَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ أَيْضًا .

قَوْلُهُ : ( وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ ، وَالْقَنَا ، وَالْأَبَنُوسِ ، وَالصَّنْدَلِ ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ عَزِيزَةٌ مُحْرَزَةٌ قَوْلُهُ : ( وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِي أَوْ أَبْوَابٌ قُطِعَ فِيهَا ) لِأَنَّهَا بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ وَلَا يُقْطَعُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ .
وَلَوْ سَرَقَ فُسْطَاطًا إنْ كَانَ مُرَكَّبًا مَنْصُوبًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْحَصِيرِ وَيُوَارِي الْقَصَبَ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ ) وَهُمَا اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ قَوْلُهُ : ( وَلَا نَبَّاشٍ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ الدُّخُولَ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ ، وَفِيهِ مَيِّتٌ ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا قَوْلُهُ : ( وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ ) الِانْتِهَابُ هُوَ الْأَخْذُ عَلَانِيَةً قَهْرًا ، وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَخْطَفَ الشَّيْءَ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ وَأَمَّا الطَّرَّارُ إذَا طَرَّ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَحَلَّ الْعُقْدَةَ وَأَخَذَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ خَارِجٍ فَحَلَّهُ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ سَوَاءٌ طَرَّ مِنْ الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ سَقَطَتْ فِي الْكُمِّ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُقْطَعْ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ مَالٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ : ( وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ ) لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي بَعْضِ الْمَالِ شُبْهَةٌ ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَسَرَقَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يُقْطَعْ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ ، وَالْحَالُ ، وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَخَذْته رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ الَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغَرِيمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْخِلَافَ وَيُعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ يُورِثُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَإِنْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ ، وَالْمُعَاوَضَةِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ مَوْلَاهُ أَوْ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ حَقَّ قَبْضَ دُيُونِهِ إلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي دُيُونِهِمَا فَإِنْ لَمْ

يَكُنْ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَسَرَقَ مِنْ غَرِيمِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ عَبْدِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ دَيْنَ عَبْدِهِ مَالُهُ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ ) وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ قُطِعَ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا وَحْشَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا .

قَوْلُهُ : ( وَكَذَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَرَقَ هُوَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَانَتْ بِغَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُقْطَعْ قَوْلُهُ : ( أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ .
سَيِّدَتِهِ أَوْ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ سَرَقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعْ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا قَوْلُهُ : ( وَكَذَا السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ ) لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا .

قَوْلُهُ : ( وَالْحِرْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ ، وَالدُّورِ ) وَيُسَمَّى هَذَا حِرْزًا بِالْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْفَسَاطِيطُ ، وَالْحَوَانِيتُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَافِظٌ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ مَالِكِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ ) كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا ، وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَقَوْلُهُ بِالْحَافِظِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَافِظُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَيْسَ بِحَافِظٍ قَالَ مَشَايِخُنَا : كُلُّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ الدَّابَّةَ مِنْ الْإِصْطَبْلِ أَوْ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِذَا سَرَقَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْحُلِيَّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْطَعُ ، وَفِي الْكَرْخِيِّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ نَوْعٍ حَتَّى جَعَلُوا شَرِيحَةَ الْبَقَّالِ وَقَوَاصِرَ التَّمْرِ حِرْزًا لِلدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ ، وَاللُّؤْلُؤِ .
قَالَ : وَهُوَ الصَّحِيحُ الشَّرِيحَةُ الْجِرَارُ أَوْ الوشحة ، وَلَوْ سَرَقَ الْإِبِلَ مِنْ الطَّرِيقِ مَعَ حِمْلِهَا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْجَوَالِقَ بِعَيْنِهَا أَمَّا

إذَا شَقَّ الْجَوَالِقَ فَأَخْرَجَ مَا فِيهَا إنْ كَانَ صَاحِبُهَا هُنَاكَ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ) يَعْنِي مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتَى مَنْزِلًا آخَرَ فَسَرَقَ مِنْهُ دِرْهَمًا آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ .
قَوْلُهُ : ( وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ ) لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى خَادِمِ الْقَوْمِ إذَا سَرَقَ مَتَاعَهُمْ وَلَا أَجِيرً سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ عَلَى رَجُلٍ فَسَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ عَلَى حِدَةٍ قُطِعَ السَّارِقُ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ صَارَ أَخَصَّ بِالْحِرْزِ مِنْ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ مُفْرَدٍ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْحِرْزِ وَلَا فِي الْمَالِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ أَوْ الْأُخْتَانِ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلْخَتَنِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْبِنْتِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصِّهْرِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلزَّوْجَةِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا ، وَلَوْ سَرَقَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْعِدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْتِ الْعَدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ وَدَخَلَ فَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَكَذَا الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَاوَلَهُ قَامَتْ يَدُ الثَّانِي مَقَامَ يَدِهِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ قُطِعَا جَمِيعًا ، وَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ رَمَى بِهِ إلَى صَاحِبٍ لَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةٍ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ سَرَقَ سَرِقَةً وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ ) وَهَذَا إذَا رَمَى بِهِ فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِذَا خَرَجَ وَأَخَذَهُ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ : فَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّضْيِيعَ لَا السَّرِقَةَ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَا سَارِقًا .
قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ وَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ ) يَعْنِي أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدُهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ : وَسَاقَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ حَتَّى خَرَجَ الْحِمَارُ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لُؤْلُؤًا عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَطَيَّرَهُ قُطِعَ وَإِنْ طَارَ بِنَفْسِهِ لَا قَطْعَ

عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ إحْرَاقٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَمْ يُقْطَعْ ، وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ لُؤْلُؤًا فَابْتَلَعَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَضَعَهَا مَعَ الْغَائِطِ ، وَلَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا ثُمَّ جَاءَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَدَخَلَ وَأَخَذَ شَيْئًا إنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ قَدْ عَلِمَ بِالنَّقْبِ وَلَمْ يَسُدَّهُ أَوْ كَانَ النَّقْبُ ظَاهِرًا يَرَاهُ الْمَارُّونَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُطِعَ وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ الْحِرْزِ فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرْزِ نَهْرٌ جَارٍ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ الْمَاءُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكٍ قُطِعَ ، وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حِرْزٍ فَدَخَلَ آخَرُ وَحَمَلَ السَّارِقَ ، وَالْمَالُ مَعَ السَّارِقِ قُطِعَ الْمَحْمُولُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْحَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا لِطَبَقٍ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ الْحِرْزِ دَفْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ سَدَّ النَّقْبَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي يَكُونُ سَرِقَةً أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ عَرْضًا قُطِعَ إذَا كَانَ بَعْدَ الشَّقِّ يُسَاوِي نِصَابًا وَإِنْ شَقَّهُ طُولًا فَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الشَّقَّ بِالطُّولِ اسْتِهْلَاكٌ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَلَمَّا كَانَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ

بِالضَّمَانِ فَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ قُطِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الثَّوْبَ لَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا سَقَطَ الْقَطْعُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ إجْمَاعًا لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزُ جَمَاعَةً فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا ) يَعْنِي إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةً ، وَقَالَ زُفَرُ : يُقْطَعُ الْآخِذُ وَحْدَهُ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ ، وَالْكَمَالُ فِي الدُّخُولِ ، وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ فَإِنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ أَوْ فِي كُمِّ غَيْرِهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هَتْكُ الصُّنْدُوقِ ، وَالْكُمِّ إلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تُتَمَّمْ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ .

قَوْلُهُ : ( وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ ) وَهُوَ الْمِعْصَمُ وَكَانَ الْقِيَاسُ .
يَتَنَاوَلُ الْيَدَ كُلَّهَا إلَى الْمَنْكِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ .
قَوْلُهُ : ( وَتُحْسَمُ ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُحْسَمْ أَدَّى إلَى التَّلَفِ وَصُورَةُ الْحَسْمِ أَنْ تُجْعَلَ يَدُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي دُهْنٍ قَدْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّ مِنْهُ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ السَّرِقَةُ قَالُوا : وَلَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ) لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السَّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ ) أَوْ يَمُوتَ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ وَاحِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْطَعَانِ جَمِيعًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ تُقْطَعْ الزَّائِدَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قُطِعَا جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِأَحَدِهِمَا قُطِعَتْ الْبَاطِشَةُ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَا تُقْطَعُ هَذِهِ الزَّائِدَةُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْإِبْهَامِ أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ مِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَذَا إذَا كَانَتْ شَلَّاءَ وَإِنْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْمِفْصَلِ فَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ : اقْطَعْ يَمِين هَذَا فِي سَرِقَةٍ فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَدَلٍ وَهِيَ الْيُمْنَى فَأَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ .
وَقَالَ زُفَرُ : يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً ، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَيْ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قُلْنَا : إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَطْعُ لِلسَّرِقَةِ أَمْ لَا ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : لَا يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْحَدَّادُ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ اجْتَهَدَ ، وَقَالَ

الْقَطْعُ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا .
وَفِي الْمُصَفَّى إذَا قَطَعَهَا خَطَأً لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ قَالَ : وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَ يَدِ السَّارِقِ الْيُسْرَى بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَة ، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ فِي الْيُمْنَى وَيَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَالَ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبَ بِالسَّرِقَةِ ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّ عِنْدَنَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةٍ لِلْمُسْتَوْدِعِ ، وَالْمُسْتَعِيرِ ، وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَالْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُضَارِبِ الْمُسْتَبْضِعِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَذَا بِخُصُومَةٍ مِمَّنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْغَاصِبِ .
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرَ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ أَوْ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَدٌ ضَائِعَةٌ لَا حَافِظَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَالِ ، وَلَوْ دُرِئَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ قُطِعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا دُرِئَ عَنْهُ تَعَلَّقَ بِأَخْذِهِ الضَّمَانَ وَيَدُ الضَّامِنِ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَإِزَالَتُهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ وَيَصِيرُ السَّارِقُ الْأَوَّلُ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ قَالُوا هَلْ لِلسَّارِقِ أَنْ يُطَالِبَ بِرَدِّ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ إلَى يَدِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ .
الْمَالِكُ الضَّمَانَ وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَتَخَلَّصَ السَّارِقُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ

الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا حَقَّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ سَقَطَ الْقَطْعُ ، وَالْمَعْنَى فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ التَّرَافُعِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ ، وَلَوْ رَدَّ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ ، وَلَوْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَعَفَا عَنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ : شَهِدَتْ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي أَوْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ ، وَالْمُطَالَبَةُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنْ دَفَعَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُمْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ قُطِعَ وَقِيلَ : إنْ دَفَعَهُ إلَى وَالِدَيْهِ أَوْ جَدَّيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ : وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا وَإِنْ دَفَعَهَا لِي مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا وَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ ) .
وَقَالَ زُفَرُ يُقْطَعُ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدنَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ أَيْضًا ثَانِيًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ إذَا سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْهُ ، وَفِي الزِّنَا إذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ إنْ كَانَتْ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا إذَا غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا انْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْغَزْلِ ، وَلَوْ سَرَقَ نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ، وَالدَّرَاهِمُ ، وَالدَّنَانِيرُ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، وَالتَّضْمِينُ مُتَعَذِّرٌ لِأَجْلِ قَطْعِ يَدِهِ إذْ الْقَطْعُ ، وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلسَّارِقِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُؤْخَذُ الثَّوْبُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَخَذَ مِنْهُ نَاقِصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَجَعَلَهَا آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ ، وَقَالَا يُقْطَعُ

لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَهُمَا .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا ) وَكَذَا إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ السَّارِقِ فِيهَا بَاطِلٌ وَكَذَا إذَا فَعَلَ هَذَا بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْغَيْرِ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ ، وَالْقَطْعُ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ غَيْرُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُودَعُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ لِأَحَدِهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حُصِرَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ حُصِرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِحَضْرَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إجْمَاعًا فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً ) مَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ ، وَالْقَطْعَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ إقْرَارًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَنْكَرَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ ، وَلَوْ قَالَ : سَرَقْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُقْطَعْ وَضَمِنَ الْمَالَ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً ) وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا ، وَلَوْ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ ، وَالنِّسَاءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَطْعَ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا ، وَالنِّسَاءُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَرْبِ لَا يَقْتُلْنَ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْطَعْ أَيْدِيَهُنَّ وَلَا أَرْجُلَهُنَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الرِّجَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ ) وَإِنَّمَا وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ ، وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى أَخْذِ الْمَالِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِزِيَادَةِ قَطْعِ رِجْلِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى ، وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَمِنْ شَرْطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ أَمَّا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْغَوْثُ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْخِيَانَةَ وَإِنْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا ) أَيْ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْلُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا إلَى الْقَتْلِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَانْحَتَمَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ : ( حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُمْ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا ، وَقَوْلُهُ : وَإِنْ قَتَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ صَلْبًا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلْبِ وَحْدَهُ وَلَا يَقْطَعُ الْأَيْدِي ، وَالْأَرْجُلَ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُعْفِيهِ مِنْ الصَّلْبِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ ، وَفِي الْكَرْخِيِّ : أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي الْمَنْظُومَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ : ( وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَيُصْلَبُونَ أَحْيَاءً ثُمَّ تُبْعَجُ بُطُونُهُمْ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتُوا ) وَكَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطُ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتَ .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الصَّلْبَ حَيًّا مُثْلَةٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْذِيبِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ صَلْبَهُ حَيًّا أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ ، وَالزَّجْرِ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ

الْمَوْتِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يُصْلَبُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ فَإِذَا صُلِبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خُلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَمَزَّقَ جِلْدُهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ بَاشَرَ الْأَخْذَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ بَاشَرَهُ الْعُقَلَاءُ الْبَالِغُونَ حُدُّوا وَلَمْ يُحَدَّ الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ ، وَالْمَجْنُونَ إذَا بَاشَرُوا فَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ ، وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَتْبُوعِ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِي بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْمُخْطِئِ ، وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ لِذِي الرَّحِمِ شُبْهَةٌ فِي مَالِ ذِي الرَّحِمِ بِدَلَالَةِ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ إنْ وَلِيَتْ الْقَتْلَ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الرِّجَالُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَأَفْعَلُ بِهِمْ مَا أَفْعَلُ بِالْمُحَارِبِينَ وَلَا أَقْتُلُ الْمَرْأَةَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَقْتُلُهَا إنْ قَتَلَتْ وَأُضَمِّنُهَا الْمَالَ إنْ أَخَذَتْهُ وَلَا أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَلَكِنْ أُوجِعُهُمْ ضَرْبًا وَأَحْبِسُهُمْ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُخْطِئِ ، وَالْعَامِدِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ : مَنْ بَاشَرَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا الطَّرِيقَ ، وَالتِّسْعَةَ مِنْهُمْ قِيَامٌ ، وَالْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ فَإِنَّهُمْ

يُقْتَلُونَ فَإِنْ تَابُوا ثُمَّ أُخِذُوا يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ : ( وَصَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا ) يَعْنِي إنْ شَاءُوا قَتَلُوا مَنْ قَتَلَ وَهُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَقَدْ قَتَلَ بِحَدِيدٍ أَمَّا إذَا قَتَلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ ) يَعْنِي مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا لَزِمَ الْمُبَاشِرَ فَهُوَ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَطَلَبَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ .
وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ إنْ كَانَ قَتَلَ وَاقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ جَرَحَ وَرَدَّ الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ كَانَ قَتَلَ اُعْتُبِرَتْ الْآلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى أَصْلِهِ ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَالسَّرِقَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ ) الْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ : الْخَمْرُ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ ) يَعْنِي النِّيءَ مِنْهُ ( إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ ) مِنْ دُونِ أَنْ يُطْبَخَ .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ ) وَيُسَمَّى الطِّلَاءُ .
قَوْلُهُ : ( وَنَقِيعُ التَّمْرِ إذْ اشْتَدَّ وَغَلَى ) وَيُسَمَّى السَّكَرُ ( وَ ) نَقِيعُ ( الزَّبِيبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ ) ، وَالْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا ، وَالثَّانِي فِي حَدِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْقَذْفَ بِالزَّبَدِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ ، وَالثَّالِثُ إنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا رِجْسٌ ، وَالرِّجْسُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ ، وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً كَالْبَوْلِ ، وَالْخَامِسُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا ، وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا ، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ ، وَالسَّابِعُ : حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجِسِ حَرَامٌ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ ، وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَاجْتَنِبُوهُ } ، وَالثَّامِنُ : أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {

مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ } .
وَالتَّاسِعُ : أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا بَعْدَ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً وَهَذَا قَدْ طُبِخَ ، وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ .

وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ فَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ ، وَالْمُنَصَّفُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ يُسَمَّى السَّكَرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ فَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ : الْأَشْرِبَةُ ثَمَانِيَةٌ الْخَمْرُ ، وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ ، وَالْفَضِيخُ ، وَالْبَاذِقُ ، وَالطِّلَاءُ ، وَالْجُمْهُورِيُّ فَالْخَمْرُ : هُوَ النِّيءُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ ، وَالسَّكَرُ : وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا غَلَى مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَائِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الْخِلَافِ ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ ، وَالْفَضِيخُ : وَهُوَ الْبُسْرُ يُدَقُّ وَيُكْسَرُ وَيُنْقَعُ فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ وَيُقْذَفَ بِالزَّبَدِ ، وَالْبَاذِقُ وَهُوَ الْعَصِيرُ إذْ طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ ، وَالطِّلَاءُ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ شُمِّسَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ، وَالْجُمْهُورِيُّ : هُوَ الطِّلَاءُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بَعْدَ ذَلِكَ أَدْنَى طَبْخٍ وَصَارَ مُسْكِرًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاذَقِ ثُمَّ الْخَمْرُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا قَلِيلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّ إلَى الْجَوْفِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَلَوْ خَلَطَ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ وَشَرِبَهَا إنْ كَانَ الْخَمْرُ

غَالِبًا أَوْ مِثْلَهُ حُدَّ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ إذَا وَصَلَ جَوْفَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يُسْكِرَ وَشُرْبُ ذَلِكَ حَرَامٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ ، وَالنَّجَاسَةُ إذَا خَالَطَتْ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ ، وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فِيهِ فَلَا يُزِيلُهَا الطَّبْخُ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَتِهَا كَطَبْخِ الْخِنْزِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُبَاحَةٍ فَتَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الْعَصِيرِ فَحَدَثَتْ الشِّدَّةُ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَصِيرٍ فَلِذَلِكَ حَلَّ ، وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ ، فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّبْخِ ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْعِنَبَ إذَا طُبِخَ فَالْعَصِيرُ قَائِمٌ فِيهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَطَبْخُهُ قَبْلَ الْعَصِيرِ كَطَبْخِهِ بَعْدَ الْعَصِيرِ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ ، وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ ، وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخِهِ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَاهُ .

قَوْلُهُ : ( وَنَبِيذُ التَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخٍ ) أَيْ حَتَّى يَنْضَجَ ( فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ حَرَامٌ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّقَوِّي فِي الطَّاعَةِ أَوْ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ أَوْ لِلتَّدَاوِي وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ : ( وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَ التَّمْرِ وَمَاء الزَّبِيبِ وَيُطْبَخَانِ أَدْنَى طَبْخٍ وَقِيلَ هُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ ، وَالْعِنَبِ أَوْ التَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ وَيُعْتَبَرُ فِي طَبْخِهِمَا ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ ، وَلَوْ سَقَى الشَّاةَ خَمْرًا ثُمَّ ذَبَحَهَا إنْ ذَبَحَهَا مِنْ سَاعَتِهَا تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَعْدَ يَوْمٍ فَصَاعِدًا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، وَلَوْ بَلَّ الْحِنْطَةَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهَا تُغْسَلُ فَإِذَا جَفَّتْ وَطُحِنَتْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَعْمُ الْخَمْرِ وَلَا رَائِحَتُهَا حَلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ .

قَوْلُهُ : ( وَنَبِيذُ الْعَسَلِ ، وَالْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالذُّرَةِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الدَّخَنِ ، وَالْإِجَّاصِ ، وَالْمُشَمَّسِ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ ، وَالنَّخْلَةِ } ثُمَّ قِيلَ : يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ لِإِبَاحَتِهِ وَقِيلَ : لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي شُرْبِ الْمُتَّخَذٍ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ : لَا يُحَدُّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ثُمَّ إذَا سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَاهِبِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي أَمَّا إذَا شَرِبَهُ لِلَّهْوِ ، وَالطَّرَبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِجْمَاعِ .

قَوْلُهُ : ( وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : حَرَامٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّي لَا يَحِلُّ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ : حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ هَذَا إذَا طُبِخَ كَمَا هُوَ عَصِيرٌ أَمَّا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ ثُمَّ طُبِخَ لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ .

قَوْلُهُ : ( وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ ، وَالْحَنْتَمِ ، وَالْمُزَفَّتِ ، وَالنَّقِيرِ ، وَالْمُقَيَّرِ ) الدُّبَّاءُ : الْقَرْعُ ، وَالْحَنْتَمُ : بِفَتْحِ الْحَاءِ ، وَالتَّاءِ وَكَسْرِهِمَا لُغَتَانِ هُوَ جِرَارٌ خُضْرٌ .
وَالْمُزَفَّتُ : الْإِنَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقِيرُ وَقِيلَ : بِالشَّمْعِ وَقِيلَ : بِالضَّفَاعِ ، وَالنَّقِيرُ عُودٌ مَنْقُورٌ ، وَالْمُقَيَّرُ الْمَطْلِيُّ بِالْقِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِأَنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ .

قَوْلُهُ : ( وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ حَلَّتْ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ طُرِحَ فِيهَا ) مِثْلُ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا الْمِلْحَ أَوْ يُصَبَّ فِيهَا الْمَاءُ الْحَارُّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ : لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَقَالَاتِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ : ( وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا ) ، .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُكْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْبَنْجِ ، وَالْحَشِيشَةِ ، وَالْأَفْيُونِ وَذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْلَ حَتَّى يَصِيرَ الرَّجُلُ فِيهِ خَلَاعَةٌ وَفَسَادٌ وَيَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ لَكِنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ دُونَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ كَمَا إذَا شَرِبَ الْبَوْلَ وَأَكَلَ الْغَائِطَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ) الصَّيْدُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُصَادُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ قَالَ الشَّاعِرُ : صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْتَ فَصَيْدُك الْأَبْطَالُ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ لَهُ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ ، وَالذَّبَائِحُ : جَمْعُ ذَبِيحَةٍ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ ، وَالْفَهْدِ الْمُعَلَّمِ ، وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ ) مِثْلُ الْأَسَدِ ، وَالنَّمِرِ ، وَالدُّبِّ ، وَالْفَهْدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالذِّئْبِ ، وَالْأَسَدِ لِأَنَّ الْأَسَدَ لَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ ، وَالذِّئْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِخِيَانَتِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ مِنْ التَّعْذِيبِ تَهْذِيبُ الذِّئْبِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعْلِيمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } أَيْ مُسَلِّطِينَ ، وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ لِلِاصْطِيَادِ سَبُعِ شَرَائِطَ أَرْبَعٌ فِي الْمُرْسَلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَكُونَ ذَا جَارِحَةٍ غَيْرَ نَجِسَ الْعَيْنِ وَأَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي وَأَنْ يُمْسِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُرْسِلِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا يَعْقِلُ الْإِرْسَالَ ، وَالثَّانِي التَّسْمِيَةُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ ، وَالثَّالِثُ : أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ ، وَالتَّوَارِي .

قَوْلُهُ : ( وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ بَلْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الصَّائِدِ ثُمَّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا الرَّابِعُ وَعِنْدَهُ يُؤْكَلُ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا قَدَّرَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ، وَقَدْ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْخَضِرِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ { إنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي } قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَنْ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرْبَحْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا صَادَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فِي الظَّاهِرِ فَصَادَ بِهِ صَاحِبُهُ صُيُودًا ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا صَادَهُ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ بَعْدَ هَذَا حَتَّى يُعَلَّمَ تَعْلِيمًا فَيَصِيرُ مُعَلَّمًا وَمَا كَانَ قَدْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّيُودِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَحِلُّ أَكْلُهَا قَوْلُهُ : ( وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ إذَا دَعَوْته ) وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ .
وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ : تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ بُزَاةٌ ، وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَهُ أَوْ صَقْرَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ ) وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَقْتَ الرَّمْيِ ، وَالْإِرْسَالِ فَإِنْ رَمَى وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا فَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسِيًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ رَمَى ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتُ الْإِرْسَالِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ .
وَقَوْلُهُ : وَجَرَحَهُ الْجَرْحُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُكْتَفَى بِهِ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَدَنِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَقْدِ التَّعْلِيمِ فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ عِلْمه حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ قَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا جَازَ أَكْلُ الْبَاقِي وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ وَقَدْ صَارَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ صَاحِبُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَهُ الْكَلْبُ وَأَخَذَ صَيْدًا غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَخْطَأَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ أُكِلَ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى ظَبْيٍ فَأَخَذَ طَيْرًا أَوْ عَلَى طَيْرٍ فَأَخَذَ ظَبْيًا أُكِلَ ، وَالطَّيْرُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ

الْكَلْبِ وَإِنْ انْفَلَتَ كَلْبٌ عَلَى صَيْدٍ وَلَا مُرْسِلَ لَهُ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ وَسَمَّى فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَمَا أَخَذَ فِي ذَلِكَ الْفَوْرِ مِنْ الصُّيُودِ فَقَتَلَهُ أُكِلَ كُلُّهُ وَإِنْ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا الْبَازِي عَلَى هَذَا إذَا أَخَذَ فِي فَوْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ إرْسَالِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ كَمَنَ الْكَلْبُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الصَّيْدُ فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ أُكِلَ لِأَنَّ كُمُونَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ فَلَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْإِرْسَالِ وَكَذَا الْبَازِي إذَا أُرْسِلَ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ طَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أُكِلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَلَى الشَّيْءِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ طَوِيلًا وَكَذَا الرَّامِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَمَا أَصَابَ فِي سَنَنِهِ ذَلِكَ أُكِلَ حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ أُكِلُوا جَمِيعًا فَإِنْ أَمَالَتْ الرِّيحُ السَّهْمَ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ قَوْلُهُ : ( وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ الْأَكْلِ .

قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ ) .
لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَلَمْ يُذْبَحْ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ سِكِّينٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَا أَيْضًا لَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَمَا عَقَرَهُ السَّبُعُ أَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لَا يَعِيشُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَذَكَّاهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَوْ بَقِيَ فَهُوَ كَالْمَوْقُوذَةِ ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ كَانَ يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ بَقَاءِ الْمَذْبُوحِ فَذُبِحَ أُكِلَ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لَوْ ذُبِحَ الْمَجْرُوحُ حَلَّ إنْ عَلِمْ حَيَاتَهُ يَوْمًا لَوْ الذَّبْحُ عُدِمْ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ كَذَا الثَّانِي وَفِي قَوْلِ الْأَخِيرِ فَوْقَ مَا يَحْيَى الذَّكِيُّ وَفَسَّرَ حَافِظُ الدِّينِ الْجُرْحَ فِي هَذَا بِأَنْ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهُ ، وَلَوْ قَطَعَ شَاةً بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ ، وَالرَّأْسُ يَتَحَرَّكُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهَا وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَتَلَهَا .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ ) وَكَذَا لَوْ صَدَمَهُ بِصَدْرِهِ أَوْ بِجَبْهَتِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِنَابٍ وَلَا بِمِخْلَبٍ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَرُ الدَّمَ فَصَارَ كَالْخَنْقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ فَأَدْمَاهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا .

قَوْلُهُ : ( وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ) يَعْنِي عَمْدًا ( لَمْ يُؤْكَلْ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك } .
وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى ظَبْيٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ فَهُوَ كَالشَّاةِ ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ أَوْ رَمَى إلَيْهِ سَهْمًا فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حِسَّ شَاةٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ حَلَّ مَا اصْطَادَهُ .
وَقَالَ زُفَرُ : إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ رَمْيَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ كَانَ حِسَّ آدَمِيٍّ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مُتَغَلِّظُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ السِّبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحِسَّ حِسَّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَصَابَ لِأَنَّ الْحَظْرَ ، وَالْإِبَاحَةَ تَسَاوَيَا فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى ذِئْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَصَابَ طَيِّبًا أُكِلَ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15