كتاب : الجوهرة النيرة
المؤلف : أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي اليمني

فِي الْعَلَانِيَةِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُعَدِّلِ : هَذَا الَّذِي عَدَّلْته فِي السِّرِّ فَإِنْ قَالَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : نَعَمْ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقِيلَ : صِفَةُ التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ : إنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيُّ الْقَوْلِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ : لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : هُوَ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَشَهَادَتُهُ لَا تَجُوزُ وَقِيلَ : يَكْفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَقُولُ فِي تَعْدِيلِهِ : مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَلَوْ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ عَدَّلَهُ وَزَكَّاهُ وَالتَّزْكِيَةُ كَانَتْ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ عَلَانِيَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي السِّرِّ تَزْكِيَةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صُلَحَاءَ وَكَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَخَافُ الْأَذِيَّةَ مِنْ الشُّهُودِ إذَا جَرَّحَهُمْ وَفِي زَمَانِنَا تُرِكَتْ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ وَاكْتُفِيَ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَالْأَذِيَّةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُؤْذُونَ الْجَارِحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا رَأَى الْمُزَكِّي رَجُلًا حَافِظًا لِلْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ رِيبَةً قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ فَجَاءَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَعَدَّلَاهُ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَتَعْدِيلُ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ يَعْنِي إذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ وَاحِدًا وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشُّهُودِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ

فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَهُمَا يَقُولَانِ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا تَزْكِيَةَ مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ وَعَلَى هَذَا فَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا تَعْدِيلُ الْأَعْمَى وَالْمَمْلُوكِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .

( قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ) وَأَمَّا إذَا سَمِعَ الْحَاكِمَ يَقُولُ : حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَيَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ ) هَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّرِيحِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الْبَيْعِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ شَهِدَ عَلَى الْبَيْعِ جَازَ وَفِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ : أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي ) لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ .
وَلَوْ فَسَّرَهُ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الرَّجُلِ وَلَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِحَقٍّ وَقَالَ لِقَوْمٍ : اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّكِّ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ .
( قَوْلُهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ) فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ

مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّجَمُّلِ وَلَمْ يُوجَدْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْطَعْ بِشَهَادَتِهِ حَقًّا فَإِذَا صَحَّ هَذَا قُلْنَا مَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ .
( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُحَمِّلْهُ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِرَجُلٍ : أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ : فَاشْهَدْ بِمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا شَهِدْت بِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يَقُولَ : اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ بِالشَّهَادَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّحْمِيلِ وَهَذَا الْمَأْمُورُ لَمْ يُعَايِنْ إقْرَارَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا أَشْهَدَهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِنَابَةٌ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِ وَإِشْهَادٌ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ ) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ : لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ

أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ لِأَنَّ مَا فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَخْبُوءًا عِنْدَهُ أَوْ عَلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسَعُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ فِي التَّقْوِيمِ قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى ) وَكَذَا قَضَاؤُهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ شَهَادَتُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ تَحَمَّلَهَا وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ أَعْمَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ إلَّا مُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا صَحَّ تَحَمُّلُهُ جَازَ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بَصِيرٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَمَنَعَ الْأَدَاءَ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ حَالَةَ الْأَدَاءِ آكَدُ مِنْ حَالَةِ التَّحَمُّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّحَمُّلَ يَصِحُّ فِي حَالٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْأَدَاءُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَإِنَّ تَحَمُّلَهُ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَ الْأَدَاءَ وَالثَّانِي إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا بَقَاءُ الشُّهُودِ عَلَى حَالِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ حَتَّى إذَا ارْتَدُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَذَا إذَا عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ بَطَلَتْ يَعْنِي فِي الْمَالِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا غَابَتْ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الرَّجْمُ أَيْضًا بِمَوْتِهِمْ وَلَا بِغَيْبَتِهِمْ وَقَدْ قَالُوا : إنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا .
وَقَالَ زُفَرُ : تُقْبَلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةَ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا

طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَمَا يَقَعُ لِلْبَصِيرِ .

( قَوْلُهُ وَلَا الْمَمْلُوكِ ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } فَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ هَذَا لِأَنَّ عَلَيْهِ خِدْمَةَ مَوْلَاهُ يَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَإِنْ تَابَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ الْحُدُودِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } قُلْنَا : الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ الْفِسْقُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي إبْطَالِهَا إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلَّ لَا تَسْقُطُ وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ قَدْ حَدَثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُ الْحَدِّ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهَا هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ

الْإِسْلَامِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ .

( قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ ) لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَبِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ .
( قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ ) لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ بِالْوِلَادَةِ وَالْمَنَافِعُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِمْ التُّهْمَةُ .

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلٌ عَادَةً فَيَكُونُ مُتَّهَمًا .

( قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ مِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى .
( قَوْلُهُ وَلَا لِمُكَاتَبِهِ ) لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ } وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً .

( قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِ فَإِنْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ لِلشَّاهِدِ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ عَنْهُ مَغْرَمًا لَا تُقْبَلُ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تَجْلِبُ لَهُ مَغْنَمًا فَتَجُورُ وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً فَجَاءَهُ مُدَّعٍ فَادَّعَاهَا فَشَهِدَ لَهُ الْمُودَعَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا دَفَعَا بِهَا مَغْرَمًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ بِالرَّهْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ الرَّاهِنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعٌ بَلْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّهِمَا مِنْ الْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا عَلَى اثْنَيْنِ فَادَّعَى مُدَّعٍ تِلْكَ الْعَيْنَ فَشَهِدَا بِهَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا مَغْرَمًا وَهُوَ إبْطَالُ الثَّمَنِ عَنْهُمَا فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ .

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهٍ ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِيَ مُتَحَيِّزَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَبَسُّطٌ فِي مَالِ الْآخَرِ .

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُخَنَّثٍ ) يَعْنِي إذَا كَانَ رَدِيءَ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ أَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَفْعَلْ الْفَوَاحِشَ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ

( قَوْلُهُ وَلَا نَائِحَةٍ ) يَعْنِي الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَشَهَادَتُهَا مَقْبُولَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا خَيْرَ فِي النَّائِحَةِ لِأَنَّهَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَتَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى دَمْعِهَا وَتُحْزِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ .

( قَوْلُهُ وَلَا مُغَنِّيَةٍ ) لِأَنَّهَا مُرْتَكِبَةٌ حَرَامًا فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ } .

( قَوْلُهُ وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ ) يَعْنِي شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَمَّا الْخَمْرُ فَشُرْبُهَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَهْوٍ وَالْإِدْمَانُ الْمُدَاوَمَةُ وَالْمُلَازَمَةُ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَأَمَّا مَنْ يُتَّهَمُ بِالشُّرْبِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَالَةِ قَبْلَ ظُهُورِ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَا مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ .

( قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ ) وَهُوَ الْمُغَنِّي وَكَذَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ وَالْحَمَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ غَفْلَةً وَقَدْ يَقِفُ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ سَطْحِهِ إذَا أَرَادَ تَطْيِيرَ الْحَمَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُهَا وَلَا يُطَيِّرُهَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا بِقِمَارٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ ) لَا يُقَالُ فِي هَذَا تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُغَنِّيَةَ قُلْنَا : ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا عَامٌّ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي التَّغَنِّي مُطْلَقًا وَهَذَا فِي التَّغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِالتَّغَنِّي لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُغَنِّي لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يُغَنِّي لِنَفْسِهِ أَحْيَانَا لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى بَيْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَمِعَ عُمَرَ يَتَرَنَّمُ فِي بَيْتِهِ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ عُمَرُ خَجَلًا فَقَالَ لَهُ : أَسَمِعْتنِي يَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ لَهُ : إنَّا إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُ النَّاسُ أَتَدْرِي مَا كُنْت أَقُولُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ إنِّي قُلْت لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَفِ الْعُلَا إلَّا التَّعَرُّضُ لِلْحُتُوفِ فَلَأَرْمِيَنَّ بِمُهْجَتِي بَيْنَ الْأَسِنَّةِ وَالسُّيُوفِ .

( قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ ) أَيْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا وَالْكَبِيرَةُ مَا كَانَتْ حَرَامًا مَحْضًا شُرِعَ عَلَيْهَا عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : الْكَبَائِرُ سَبْعٌ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْقَتْلُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : تِسْعٌ وَلَعَلَّهُ زَادَ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْإِيَاسَ مِنْ رُوحِ اللَّهِ أَوْ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزِّنَا وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هُنَّ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَقِيلَ : هُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ أَرْبَعٌ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَأَرْبَعٌ فِي اللِّسَانِ التَّلَفُّظُ بِالْكُفْرِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَثَلَاثٌ فِي الْبَطْنِ أَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَاثْنَانِ فِي الْفَرْجِ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَاثْنَانِ فِي الْيَدِ الْقَتْلُ وَالسَّرِقَةُ وَوَاحِدَةٌ فِي الرِّجْلِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَوَاحِدَةٌ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَمِنْ الْكَبَائِرِ السِّحْرُ وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَطْعُ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَسَبُّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْخِيَانَةُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَخْذُ الرِّشْوَةِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَامْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ وَالْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِغَيْرِ اضْطِرَارٍ وَالْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالْغَيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالنِّيَاحَةُ وَالْحَسَدُ وَالْكِبْرُ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ

يَأْكُلَ مَعَهُ وَالْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَتَحْقِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَالظِّهَارُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : كُلُّ ذَنْبٍ أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَالصَّغَائِرُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَهِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْعَبَثُ فِي الصَّلَاةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامُ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالتَّغَوُّطُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَمُسَافَرَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالنَّجْشُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَتَلَقِّي الْجِلْدِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَالِاحْتِكَارُ وَبَيْعُ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَالصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالسُّكُوتُ عِنْدَ سَمَاعِ الْغَيْبَةِ وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ .

( قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ مُسْتَقْبَحٌ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذَا مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِسِرْوَالٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا آكِلِ الرِّبَا ) لِأَنَّهُ مُتَأَكِّدُ التَّحْرِيمِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ الشُّهْرَةُ فِي أَكْلِ الرِّبَا وَكَذَا أَكْلُ مَنْ اشْتَهَرَ بِأَكْلِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ .

( قَوْلُهُ وَلَا الْمُقَامِرِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ ) بِشَرْطِ الْقِمَارِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ أَمَّا الْقِمَارُ فَحَرَامٌ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ وَفِي شَرْحِهِ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ وَلَا ذِكْرِ فَاحِشَةٍ وَلَا تَرْكِ صَلَاةٍ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَأَمَّا اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَسَائِرِ مَا يَلْعَبُ بِهِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ بِخِلَافِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ .

( قَوْلُهُ وَلَا ) ( مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبَحَةَ ) كَالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِي عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَمَّا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ الْفُولَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا تَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّخَّاسِ وَهُوَ الدَّلَّالُ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا لَا يَكْذِبُ وَلَا يَحْلِفُ

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ الصَّالِحِ ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجُمُعَةِ رَغْبَةً عَنْهَا لِأَنَّ تَارِكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَاسِقٌ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اشْتَهَرَ بِتَرْكِ زَكَاةِ مَالِهٍ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ الْفَاحِشِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْخَيْرُ فِيهِ أَغْلَبُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَيُرْوَى أَنَّ وَزِيرَ هَارُونَ الرَّشِيدِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَقَالَ لَهُ هَارُونُ : مَا مَنَعَك مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا قَالَ : سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لَك فِي مَجْلِسِك أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَشَهَادَةُ الْعَبْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَالْكَذِبُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ .

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ ) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ نُسِبُوا إلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَقَدْ قَتَلَهُ الْأَمِيرُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ .

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ ( قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ ) وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَأُعْطُوا الذِّمَّةَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ .

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ ) يَعْنِي بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى هَذَا الْإِرْثُ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ وَيَمْنَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُحِقٌّ فِي عَدَاوَتِهِ لِلذِّمِّيِّ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَالذِّمِّيُّ مُبْطِلٌ فِي عَدَاوَتِهِ لِلْمُسْلِمِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ ) هَذَا هُوَ حَدُّ الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَقِّي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَبَعْدَ تَوَقِّيهَا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَمَنْ كَثُرَتْ مَعَاصِيهِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَمَنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ الْكُلِّ سَدَّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ دُونِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا يَخْلُو مِنْ ارْتِكَابِ خَطِيئَةٍ فَلَوْ وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَصْلًا لَتَعَذَّرَ وُجُودُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَسُومِحَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَعْنِي الصَّغَائِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ .

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلشُّبْهَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا تَرَكَ الِاخْتِتَانَ مِنْ عُذْرٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَاسْتِهَانَةً بِالسُّنَّةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ .
( قَوْلُهُ وَالْخَصِيِّ ) لِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا قَوْلُهُ ( وَوَلَدِ الزِّنَا ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ فِسْقَ الْوَالِدَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا ، وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَا لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ كَمِثْلِهِ فَيُتَّهَمُ قُلْنَا : الْعَدْلُ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدْلِ ( قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى جَائِزَةٌ ) الْمُرَادُ الْمُشْكِلُ وَحُكْمُهُ فِي الشَّهَادَةِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِكُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ أَنْ تُطَابِقَ الدَّعْوَى فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ .
( قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَ الْمَعْنَى .

( قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : تُقْبَلُ بِالْأَلْفِ ) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ أَمَّا إذَا ادَّعَى أَلْفًا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا : الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِطَلْقَةٍ وَوَاحِدٌ بِطَلْقَتَيْنِ وَشَاهِدٌ بِثَلَاثٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ يَقَعُ ثِنْتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْأُولَى اتَّفَقُوا فِيهَا جَمِيعًا وَالِاثْنَيْنِ اتَّفَقَ فِيهِمَا شَاهِدُهُمَا وَشَاهِدُ الثَّلَاثِ فَصَارُوا ثَلَاثًا

( قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ فَالْأَلْفُ جُمْلَةٌ وَالْخَمْسُمِائَةِ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَهَا فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِيهَا فَلَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إنَّمَا ادَّعَى أَلْفًا لَا غَيْرَ لَمْ تُقْبَلْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ عَطْفٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ : هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ دَعْوَى فِي مَالٍ كَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ آخَرُ : قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِأَلْفٍ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ( وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ) أَنَّهُ قَضَاهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ فَرْدٍ ( إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنَّهُ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا لَهُ عَلَى الظُّلْمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي يَجِبُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ زَيْدًا قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ : إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ فِي مَكَانَيْنِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْأَقْوَالُ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ فَتُقْبَلُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوْلُ وَالْأَقْوَالُ يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ وَتُكَرَّرَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ثُبُوتِهِ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ وَقَعَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جُرْحٍ وَلَا نَفْيٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ ) وَهُوَ أَنْ يُجَرِّحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَيَقُولُ إنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَا نَفْي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَقْرُونًا بِالْإِثْبَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى أَنَّهُ يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النَّفْيِ مَسْمُوعَةٌ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذَا الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ ضَحَّى بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالتَّضْحِيَةُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يُعْتَقُ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ : لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ قُلْنَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تُسْمَعَ وَلَكِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ وَجَرَّحَهُ آخَرُ فَسَأَلَ الْقَاضِي آخَرَ فَإِنْ عَدَّلَهُ قَضَى بِذَلِكَ وَإِنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ عَدَّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفٌ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقِيلَ : فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُفَسِّرُهَا أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ : أَنَا أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَصَرَ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُحِ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا وَهَذَا يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الْعُصُورِ وَالدُّهُورِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ المرغيناني : لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ .

( قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ) احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ .
( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) لِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَلَا تَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ .

( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ إلَّا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ شَاهِدَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ وَاحِدٍ وَصُورَتُهُ شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُمَا بِعَيْنِهِمَا شَهِدَا أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ شَاهِدَانِ وَعَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ شَاهِدَانِ غَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ جَمِيعًا يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ .

( قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ : اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ ) إنَّمَا يَقُولُ : وَأَشْهَدَنِي إذَا كَانَ الْمُقِرُّ أَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ سَمِعَهُ وَلَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ : أَقَرَّ عِنْدِي وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي التَّحْمِيلِ : اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ كَفَى وَإِنْ قَالَ فَاشْهَدْ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ أَوْ كَمَا شَهِدْت أَوْ عَلَى مَا شَهِدْت لَا يَصِحُّ حَتَّى يَقُولَ : فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ جَازَ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْأَصْلِ وَالنَّاقِلِ .
( قَوْلُهُ وَيَقُولُ شَاهِدُ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ : أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي : اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَفْظِ التَّحْمِيلِ وَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ شُهُودِ الْأَصْلِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ فَسَقَا أَوْ عَمِيَا أَوْ خَرِسَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ .

( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ ) لِأَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ كَالْبَدَلِ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْبَدَلُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ بِدَلَالَةِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودُ الْأَصْلِ شُهُودَ الْفَرْعِ جَازَ ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَرْعَ هُمْ الْمُزَكُّونَ لِلْأُصُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَقْلَهُمْ لِشَهَادَتِهِمْ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ تَعْدِيلِهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْدِيلِهِمْ وَتَعْدِيلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ تَصْحِيحَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَهَادَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ وَالْعَدَالَةَ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ تَعْدِيلُهُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازَ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ ) لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَدَالَتُهُمْ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ تُعَدِّلْ شُهُودُ الْفَرْعِ شُهُودَ الْأَصْلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا فِيهِمْ لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلْ ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا شَهِدُوا وَهُمْ عُدُولٌ وَسَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِ أُصُولِهِمْ سَأَلَ الْحَاكِمُ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ فَإِنْ عَدَّلُوا حُكِمَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ

يَعْلَمْ الْحَاكِمُ بِحَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ سَأَلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ فِي السِّرِّ وَزَكَّاهُمْ فِي الْعَلَانِيَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَإِذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فَأَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يُحْكَمُ بِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ : اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنِ هَذَا الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ سِجْنِهِ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْرَاجُ لِلشَّهَادَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ يَعْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَعْدِيلِ الشَّاهِدِ قَبْلَ طَعْنِ الْخَصْمِ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ : يُقْبَلُ الْوَاحِدُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَثْبُتُ بِالرِّسَالَةِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ وَلَا يَفْتَقِرُ تَعْدِيلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا إلَى أَرْبَعَةٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَعْدِيلِ السِّرِّ أَمَّا تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا : يُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي التُّرْجُمَانِ إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ عَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ عِنْدَهُمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهَا فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ أَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ

وَالْعِلَّةُ هِيَ الشَّهَادَةُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ التَّزْكِيَةُ وَيَقُولُ الْمُزَكِّي : هُوَ عَدْلٌ رِضًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَلِي لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : هُوَ عَدْلٌ رِضًا فَهُوَ عَدْلٌ عَلَيْهِ وَلَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا احْتَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إخْرَاجِ الشُّهُودِ إلَى مَوْضِعِ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ دَوَابَّ لِلرُّكُوبِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ أَكَلُوا مِنْ طَعَامِهِ فِي الطَّرِيقِ قُبِلَتْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .
وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى : لَا بَأْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِلشَّاهِدِ دَابَّةً إذَا كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ .
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : إنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ مَا يَسْتَكْرُونَ بِهِ دَابَّةً فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ ) بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ شَهَادَةٌ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ قَالُوا : لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ ( مَسَائِلُ ) إذَا شَهِدَ الْفَاسِقَانِ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ تَابَا وَأَنَابَا ثُمَّ جَاءَا فَشَهِدَا بِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِمَا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الْكَافِرُ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ ثُمَّ عَادُوا فَشَهِدُوا بِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَالَ أَدَائِهَا وَلَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ صَارُوا مِنْ أَهْلِهَا فَزَالَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ فَلِهَذَا قُبِلُوا .

( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ : أُشْهِرُهُ فِي السُّوقِ وَلَا أُعَزِّرُهُ ) أَيْ وَلَا أَضْرِبُهُ وَتَفْسِيرُ الشُّهْرَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَبْعَثُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سُوقِيًّا بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعُ مَا يَكُونُ وَيَقُولُ إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكُمْ : أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ سَوَاءٌ ثُمَّ إذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ فَشَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَادِثَةٍ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ فَاسِقًا ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِسْقَهُ زَالَ بِالتَّوْبَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مُدَّةَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مُقَدَّرَةٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالثَّانِي إنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا فِي الْحُكْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَشَاهِدُ الزُّورِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ وَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ ثُمَّ يَجِيءُ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا حَتَّى يَثْبُتَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ أَمَّا إذَا قَالَ أَخْطَأْت فِي الشَّهَادَةِ أَوْ غَلِطْت لَا يُعَزَّرُ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ بِشَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى عُزِّرَ وَسَخِمَ وَجْهُهُ وَطِيفَ بِهِ وَحُبِسَ قُلْنَا : هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُعَزَّرُ وَلِهَذَا جَمَعَ عُمَرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ وَالتَّسْخِيمَ وَالشُّهْرَةَ وَالْحَبْسَ

( كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) هَذَا الْبَابُ لَهُ رُكْنٌ وَشَرْطٌ وَحُكْمٌ فَرُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا وَالضَّمَانُ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُتْلِفُوا بِهَا شَيْئًا .
( قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَدِّي فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ

( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ أَيُّ حَاكِمٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ الَّذِي حَكَمَ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ خُصُومَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ التَّسَبُّبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا فِي الْيَدِ وَقَدْ تَسَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقُّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الرَّاجِعِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ ) لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ ( قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَى النِّسْوَةِ رُبُعُ الْحَقِّ ) لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبُعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ مِثْلُ مَا انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا الْمَالَ أَسْدَاسًا .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةٍ وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ دُونَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَاهِدٍ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ النِّصْفَ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا عِنْدَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنَانِ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَيْهِ الثُّلُثَانِ وَعَلَيْهَا الثُّلُثُ وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَيْهِ النِّصْفُ وَعَلَيْهِنَّ النِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خُمُسَا الْمَالِ وَعَلَيْهِنَّ أَخْمَاسُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ الْمَرْأَتَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ يَحْفَظَانِ الْمَالَ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلَانِ وَبَقِيَ الْمَرْأَتَانِ فَالْمَرْأَتَانِ قَامَتَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ نِصْفُ الْمَالِ وَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَبَقِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِ

وَالْمَرْأَةِ رُبُعُ الْمَالِ أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ الضَّمَانُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ عَيْنَ مَالٍ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا النُّقْصَانَ ) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا عَنْ مِلْكِهَا مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْمَالُ يَلْزَمُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى ذَلِكَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى : إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى مِائَةٍ وَقَالَتْ : هِيَ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مِائَةٍ وَقُضِيَ لَهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنَانِ لَهَا تِسْعَمِائَةٍ بِنَاءً عِنْدَهُمَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَكَانَ يُقْضَى لَهَا بِأَلْفٍ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا تِسْعَمِائَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا .

( قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا ) لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَالْإِتْلَافِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ هَذَا النِّكَاحُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَاطِنِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعٍ بِمِثْلِ الْقِيمَة أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا ) لِأَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا مِثْلُ مَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى .
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالسُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَضَمِنَ الْمُتْعَةَ رَجَعَ بِهَا أَيْضًا عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ لَهُ وَالْمَهْرُ يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ هَذِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهَا الِاسْتِيلَادُ وَالْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَتْ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا أَمَةً لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِشَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَجِبُ ضَمَانُهَا لِلْوَرَثَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إكْرَاهٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ثُمَّ عِنْدَنَا يَكُونُ ضَمَانُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الِاعْتِرَافَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِأَنْ كَانَا وَلَدَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ ) ( رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ ( وَقَالُوا : لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا ) ( فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالُوا : أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا ) هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرُوا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِنْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَعِنْدَهُمَا الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ أَوْ الْأُصُولَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ : كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ ) لِأَنَّ مَا أَمْضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَاهِدَانِ بِالْإِحْصَانِ فَرَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَمْ يَضْمَنُوا ) لِأَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ غَيْرُ مُوجِبِينَ لِلرَّجْمِ وَإِنَّمَا الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَلِأَنَّ الرَّجْمَ عُقُوبَةٌ وَالْإِحْصَانُ لَا يَجُوزُ الْعِقَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ الْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهَذِهِ مَعَانٍ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِالزِّنَا لَا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ قَبْلَ الزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلرَّجْمِ فَلَمَّا وُجِدَ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ رَجْمٌ لَمْ يَضْمَنُوا بِالرُّجُوعِ

( قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا شَهَادَةَ الشُّهُودِ شَهَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّزْكِيَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَصُورَتُهُ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزَكَّوْا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا : عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الشُّهُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صُدِّقُوا فِي ذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ : الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا : هُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا : هُمْ عُدُولٌ فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ وَدُخُولُ الدَّارِ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ فَهُمْ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا فَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ بِالْيَمِينِ لَا بِالدُّخُولِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ ضَرَبَك فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فُلَانٌ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الضَّارِبُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِيَمِينِ مَوْلَاهُ لَا بِالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي ) الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ لِأَنَّ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةً عَظِيمَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ ) وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُوَلَّى بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي لِيَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ لَهُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِلْقَاضِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ فِيهِ نُفُوذُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا الْمَوْثُوقُ بِعَفَافِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَيَعْرِفُ نَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ ) وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَاجْتَنَبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِيهِ أَحْوَطُ وَأَسْلَمُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ وَالْأَمْرِ الْمَخُوفِ .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَاف الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ فِيهِ ) قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَقَضَى بِمَا عَلِمَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ جَهِلَ فَقَضَى بِمَا جَهِلَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَلِمَ فَقَضَى بِغَيْرِ مَا عَلِمَ فَهُوَ فِي النَّارِ } .

( قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا ) أَيْ لَا يَطْلُبُهَا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْأَلُهَا بِلِسَانِهِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ وَلِّنِي وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ : لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ مَدِينَةِ كَذَا لَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَيُقَلِّدُهُ الْقَضَاءَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلِكٌ يُسَدِّدُهُ } .

( قَوْلُهُ وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ ) وَهِيَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالصُّكُوكُ وَنُصُبُ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقِوَامُ بِأَمْوَالِ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَسْجُونِينَ ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ فَمَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَمَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَعْزُولُ إنِّي حَبَسْته بِحَقٍّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ النَّاسِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِي عَلَيْهِ وَيَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ ) وَصُورَةُ النِّدَاءِ أَنْ يُنَادَى فِي مَجْلِسِهِ أَيَّامًا مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَهُ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْكَفِيلَ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَثَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ .
( قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَفِي ارْتِفَاعَاتِ الْوُقُوفِ ) أَيْ غَلَّاتِ الْوُقُوفِ ( فَيَعْمَلُ عَلَى ) حَسَبِ ( مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ) وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ فِي ذَلِكَ

( قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ الْحَاكِمُ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ ) كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْخُصُومِ مُفَرِّغًا نَفْسَهُ لَهُمْ فَإِنْ دَخَلَهُ هَمٌّ أَوْ ضَجَرٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ غَضَبٌ كَفَّ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ فَلَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ الْخُصُومِ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ أَوْ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ أَوْ حَابِسٌ أَوْ مَرِيضٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ قَلْبَهُ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَلَا يَرْتَشِي لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ } وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذ كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالصَّلَاحِ وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَى مَا يَكْتُبُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْكَاتِبُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى شَهَادَتِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَقْبَلُ وَكَذَا الْمُهْدِي إذَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً ) وَهِيَ الَّتِي مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا يَعْمَلُهَا وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ : فِي تَفْسِيرِهَا وَقِيلَ : هِيَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَمْ يَعْمَلْهَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ .
وَفِي الْهِدَايَةِ لَا يُجِيبُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ

( قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ وَمِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ فَلَا يَمْنَعُ الْقَضَاءُ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَهُوَ أَفْضَلُ الْحُكَّامِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ التَّسْوِيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُضَيِّفَهُمَا جَمِيعًا لِوُجُودِ التَّسْوِيَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا حَضَرَا سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِقْبَالِ ) وَكَذَا فِي النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالْكَلَامِ مَعَهُمَا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَدْخُلُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَى الْقَاضِي فَإِنْ سَلَّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ سَلَامِهِ فَإِنْ أَرَادَ جَوَابَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَيُسَلِّمُ الشَّاهِدُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَكَمَ بِهَا وَلَا يَنْتَظِرُ عَوْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُسَارِرْ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً ) لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الْآخَرِ وَإِضْعَافًا لَهُ وَكَذَا لَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَرْفَعْهُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُدْهِشُهُ وَرُبَّمَا تَحَيَّرَ وَتَرَكَ حَقَّهُ وَكَذَا لَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ

( قَوْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ ) لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ حَتَّى يُثْبِتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا طَمِعَ الْحَاكِمُ فِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا وَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَعَلَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ أَوْ يُعْلِمُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُونَ فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَحْبِسُهُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ ) كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ .
( إذَا قَالَ : إنِّي فَقِيرٌ ) إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسُهُ حِينَئِذٍ .
( قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَيْسَ تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِلَازِمٍ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ

وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَفُوِّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ أَوْ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي أُخْرَى وَهِيَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَبْسِهِ ثُمَّ إذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِإِعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَقَالَ الطَّالِبُ : هُوَ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ .

قَوْلُهُ ( وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ فَإِنْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا .

( قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهَا وَيُحْبَسُ أَيْضًا فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ وَالْحَبْسُ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الظُّلْمِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا لِأَجْلِ دَيْنِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْحَبْسَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَلَدُ عَلَى وَالِدَيْهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } وَالْحَبْسُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ) إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ الْوَلَدِ وَالنَّفَقَةُ لَا تُسْتَدْرَكُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحْبَسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُون صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي الْوَلِيَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ .

( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) اعْتِبَارًا لِشَهَادَتِهَا .

( قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي آخَرَ وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا شَرْطُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ يَعْنِي بِالْحُقُوقِ وَيَرْوِي بِهِ عِنْدَهُ أَيْ بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ .
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَقُومُ مَقَامَ خِطَابِهِ وَخِطَابُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ لِأَنَّ خِطَابَهُ قَدْ بَطَلَ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ ثُمَّ مَاتَ الْكَاتِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عُزِلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ عُزِلَ وَوَلِيَ غَيْرُهُ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ وَكُتِبَ بِحُكْمِهِ ) صُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ يَكْتُبُ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَهُ فَيَأْخُذُهُ بِالْكِتَابِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ ) أَيْ إنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ

وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ كَانَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ .
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ ) أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ ( ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا شَرْطٌ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَفْتَحُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا فِي الْكِتَابِ وَيَقُولُ هَلْ قَرَأَهُ عَلَيْكُمْ وَهَلْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنْ قَالُوا : لَا أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَلَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا أَوْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا لَا يَفْتَحُهُ وَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا فَتَحَهُ حِينَئِذٍ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمُدَّعٍ وَخَصْمٍ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَضَّهُ حِينَئِذٍ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَيْ فِي مَجْلِسٍ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي شَاهَانْ وَقَوْلُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا : ذَلِكَ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا

كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي قَبِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا : قَرَأَهُ عَلَيْنَا .

( قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي شُبْهَةٌ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَاضِي وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ .

( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ ) لِأَنَّهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ فِيهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إذَا قِيلَ : لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَهُنَا إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ : وَلِّ مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا جُعِلَ إلَيْهِ فَإِنْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ بِمَحْضَرِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُضَاةَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْأُمَرَاءِ وَلَا الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ وَلَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ آخَرَ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ) مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ مِثْلُ الْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ كَحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ مِثْلُ تَجْوِيزِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ لَهُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ) كَالْوَكِيلِ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحْكِيمِ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُخَاصَمَةٌ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَقَالَ زَيْدٌ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَآتِيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحُكْمُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت عَنْهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي بَلْ أَحْلِفُ فَقَالَ أُبَيٌّ بَلْ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا وَنُصَدِّقُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا حَكَّمَاهُ لِفِقْهِهِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ فِيهِمْ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَيُقَبِّلُ زَيْدٌ يَدَهُ وَيَقُولُ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَأَمَّا وَضْعُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ لِعُمَرَ فَامْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ } وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَحْسِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ فِي هَذَا لَيْسَ كَالْقَاضِي فَبَيَّنَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ الذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ .

( قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا ) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا .
( قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا ) يَعْنِي إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَفَائِدَةُ إمْضَائِهِ هَهُنَا أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي النَّقْضُ فِيمَا أَمْضَاهُ هَذَا الْقَاضِي .
( قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا .

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَنُقْصَانُ وِلَايَةِ الْمُحَكَّمِ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ تَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَا فِي دَمِ الْخَطَأِ فَقَضَى الْحَاكِمُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ ) وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ .

( قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ ) أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَالْمُوَلَّى جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ الْقِسْمَةِ ) الْقِسْمَةُ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهَا قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَإِنَّمَا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْكَافَّةَ فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ غُرْمًا بِغُنْمٍ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ .

( قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُون عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ ) يَعْنِي عَدْلًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمِينًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَصَلَ مِنْهُ الْحَيْفُ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ ) أَيْ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّ فِي إجْبَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَيَتَقَاعَدُ بِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ ) لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا تَحَكَّمُوا عَلَى النَّاسِ فِي الْأَجْرِ وَتَقَاعَدُوا عَنْهُمْ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَتَرْخُصُ الْأُجْرَةُ .

( قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَرُبَّمَا يَتَصَعَّبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ قُلْنَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ : الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَا لِلْقِسْمَةِ قِيلَ : هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لَهَا فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَقَوْلُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا وَأَمَرَ إنْسَانًا لِيَكِيلَهُ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ زِيَادَةٌ يَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَيُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ إذَا ادَّعُوهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَقْسِمُهَا وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى .
وَأَمَّا الْعَقَارُ فَهُوَ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ ) وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُمْ فِي الْحَالِ الظَّاهِرِ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ هُوَ مِلْكٌ مُسْتَأْنَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعٍ بِعَيْبٍ فَإِذَا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا عَلَيْهِمْ وَلَا يَكُونُ تَصَرُّفًا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ فِيهِ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ الْوَارِثُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ بِالْعَيْبِ فَالْقِسْمَةُ فِيهَا تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَدَّقُونَ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( قَوْلُهُ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ

أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمَةِ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَمَتَى كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْمَيِّتِ وَبِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا تَبِينَ امْرَأَتُهُ وَلَا يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ مَوْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا عَلِمْنَاهُ بِإِقْرَارِهِمْ وَإِقْرَارُهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مِمَّا سِوَى الْعَقَارِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ) يَعْنِي إذَا كَانَ عُرُوضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ حِفْظًا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ فَإِذَا قَسَمَ حَفِظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَصَلَ لَهُ وَالْعَقَارُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي أَيْدِيهِمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَلَا يَدَّعُونَ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَقْسِمُهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُ يَتَضَرَّرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنْتَفِعٌ بِهِ فَاعْتُبِرَ طَلَبُهُ وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ

وَلَكِنْ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمْ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَضَرَّرُ لَمْ يَقْسِمْ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا ) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا وَيَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا .

( قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ كَالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يَقْسِمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَانِ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا ) لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ ) يَعْنِي بِانْفِرَادِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ قَسَمَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنَّمَا لَا يَقْسِمُ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِتَرَاضِيهِمْ جَازَ .
( قَوْلُهُ وَلَا الْجَوَاهِرَ ) الْمُتَفَاوِتَةَ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ لِأَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا يَنْقَسِمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ جِنْسٌ مِنْهَا فَالتَّعْدِيلُ فِيهِ يُمْكِنُ فَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ ضَبْطُ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُبْتَغَاةَ مِنْهُمْ الْعَقْلُ وَالْفَطِنَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالِاحْتِمَالُ وَالْوَقَارُ وَالصِّدْقُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْوَفَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارُوا كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا إلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ سِوَاهُ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا قَسَمَ وَأَدْخَلَ فِيهِ الرَّقِيقَ تَبَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَرَاضِي الْمُلَّاكِ بِذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَقْسِمُ الرَّقِيقَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ قُلْنَا : رَقِيقُ الْمَغْنَمِ

إنَّمَا قُسِمَ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ تَبَعٌ فَافْتَرَقَا .

( قَوْلُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ ) وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لِاشْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا .

( قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَنَصَّبَ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ ) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ لَهُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ ) وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ( وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَقْسِمْ ) لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ اسْتِحْقَاقًا لِيَدِ الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ وَلَا خَصْمَ هُنَا .
( قَوْلُهُ وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ ) وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَالْغَائِبُ صَغِيرًا نَصَّبَ الْقَاضِي لِلصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ الدُّورَ الْمُخْتَلِفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا ) لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ أَصْلَ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَفِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ فِي مَحَالَّ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قَسَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الدَّارَ وَالضَّيْعَةَ جِنْسَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَا يُقْسَمُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ .
وَفِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ .

( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ يَعْنِي يَكْتُبُ عَلَى كُلِّ كَاغِدَةٍ : نَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا وَنَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا لِيَرْفَعَ تِلْكَ الْكَاغَدَةَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ .
وَفِي الْحَوَاشِي مَعْنَاهُ يُصَوِّرُ مَا يَقْسِمُهُ قِطَعًا وَيُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ وَيَعْتَبِرُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهُ أَسْدَاسًا وَإِنْ كَانَ رُبُعًا جَعَلَهُ أَرْبَاعًا لِيُمْكِنَ الْقِسْمَةُ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ سُدُسٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِلْآخَرِ نِصْفٌ جَعَلَهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا وَيَكْتُبُ أَسَامِيهِمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً وَيُلْقِيهَا فِي كُمِّهِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَفِي بِسَهْمِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَاحِبَ السُّدُسِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ .
( قَوْلُهُ وَيُعَدِّلَهُ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْقِيمَةُ أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ وَيَذْرَعَهُ ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ .
( قَوْلُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُقَوِّمُ الْبِنَاءَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ إذْ الْبِنَاءُ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ فَيُقَوَّمُ حَتَّى إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بِالْمِسَاحَةِ وَوَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ يَعْرِفُ قِيمَةَ الدَّارِ لِيُعْطِيَ الْآخَرَ مِثْلَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الثَّانِي بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ ) فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً ثُمَّ يُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ

وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ وَعَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجُ الْقُرْعَةَ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي ) وَالْقُرْعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَطْيِيبِ الْأَنْفُسِ وَسُكُونِ الْقَلْبِ وَلِنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ

( قَوْلُهُ وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ ) لِأَنَّ إدْخَالَ ذَلِكَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً وَالْمُعَاوَضَةُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَصُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ وَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُون عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُون عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ وَيُسَيِّلَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَصِيرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ فَلِهَذَا فُسِخَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاسِمُ شَرَطَ فِيهَا أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الطَّرِيقَ وَالْمَسِيلَ فِي حَقِّ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قَوَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقَسَمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا يَعْتَبِرُ بِغَيْرِ ذَلِكَ ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ بِالذِّرَاعِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ سُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوٌّ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ عُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ أَيْ عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ أَيْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذِّرَاعِ هِيَ الْأَصْلُ فَيُصَارُ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرًا أَوْ إصْطَبْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذِّرَاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ .
بَيَانُهُ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْبِنَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا السَّاحَةُ فَتُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ فَذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : ذِرَاعٌ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا السُّكْنَى وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ أَنْقَصُ مِنْ مَنْفَعَةِ السُّفْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ السُّكْنَى وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ أَوْتَادًا وَمِرْبَطًا لِلدَّوَابِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا السُّكْنَى لَا غَيْرَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ السُّفْلِ وَمَنْفَعَةُ السُّفْلِ

تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلُوِّ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْسِمَانِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ( مَسَائِلُ ) بَيْتٌ كَامِلٌ وَهُوَ سُفْلٌ وَعُلُوٌّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَةَ ذَلِكَ بِالتَّعْدِيلِ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ بَيْتِ الْكَامِلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ لِأَنَّ ذِرَاعًا مِنْ عُلُوِّهِ بِذِرَاعٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُلُوِّ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ هَذَا بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوِّ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : ذِرَاعٌ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ فَإِنْ كَانَ سُفْلٌ وَبَيْتٌ كَامِلٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ مِائَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَخَمْسُونَ مِنْ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ عُلُوٌّ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ) هَذَا قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا تُقْبَلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفِي شَرْحِهِ إنْ قَسَمَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَسَمَا بِأُجْرَةٍ لَا تُقْبَلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَأَمَّا إذَا قَسَمَا بِالْأَجْرِ فَإِنَّ لَهُمَا مَنْفَعَةً إذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ .
وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَقَدْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا .

( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ : اسْتَوْفَيْت حَقِّي ثُمَّ قَالَ : أَخَذْت بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَمَامِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِيفَائِهِ لِنَصِيبِهِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا عَلَى خَصْمِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ : أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ لَمْ يُقِرَّ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ لَا فِي جَمِيعِ الدَّارِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ مُشَاعًا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَبْطُلْ احْتَجْنَا إلَى الْقِسْمَةِ لِمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُسْتَحَقِّ فَيَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ فَيَتَضَرَّرُ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا مَقْسُومًا فَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَفَرَّقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ يَرْجِعُ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ وَهَذَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مُشَاعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : هُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ الْإِكْرَاهِ ) الْإِكْرَاهُ اسْمٍ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا خَافَ الْمُكْرَهُ تَحْقِيقَ مَا تُوُعِّدَ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَادِرِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَوْلُنَا فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْإِتْلَافِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ كَامِلًا بِأَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْقَطْعِ فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَيَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ لِتَحَقُّقِ الْإِلْجَاءِ إذْ الْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ يَضْطَرُّهُ إلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَقْدِرْ الْمُكْرَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ وَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْحَبْسِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَجَعَ بِالْمَبِيعِ ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْعُقُودِ التَّرَاضِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا ثَبَتَ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَا يُفْسَخُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى أَبْعَاضِهَا وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ

وَالْأَلْفَ الثَّانِيَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا ابْتَدَأَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْله ( وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ ) وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ ) يَعْنِي الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى

قَوْلُهُ ( وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ ) وَإِنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ إنْ شَاءَ ) فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ

قَوْلُهُ ( وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ) أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ ( إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ) وَمِثْلُ هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِهِ مَا تَوَعَّدُوهُ بِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَهُ تَنَاوُلُهُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ ) لِأَنَّ الْمَيْتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَمَنْ وَجَدَ طَعَامًا مُبَاحًا فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِمًا

( قَوْلُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِإِكْرَاهٍ حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ ) وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَذْفِ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ أَوْ شَتْمِهِمَا قَوْلُهُ ( فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ ) إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ فَاعِلُوهُ قَوْلُهُ ( فَإِذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَكْرَهُوهُ حَتَّى قَالَ فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرًّا فَلَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ أَكْرَهُونِي حَتَّى قُلْت فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقُلْت فِيك شَرًّا قَالَ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ لَا إلَى الْكُفْرِ } وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوَاتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً وَإِنْ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ وَقَالَ كُنْت مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يُصَدَّقْ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُهُ ( وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا ) أَيْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا حَبِيبَ بْنَ عَدِيٍّ فَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَذْكُرَنَّ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ وَتَشْتُمُ مُحَمَّدًا فَكَانَ يَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَيَذْكُرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرٍ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ وَسَمَّاهُ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ }

قَوْلُهُ ( وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَاف مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ) لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجَاعَةِ وَالْإِكْرَاهِ ضَرُورَةٌ قَوْلُهُ ( وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ

قَوْلُهُ ( وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَا يَسَعُهُ قَتْلُهُ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَقْتُلَ فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا وَيُعَزَّرُ ) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا قَوْلُهُ ( وَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَعَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمَأْمُورِ .
وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ هَذَا قَتْلَ عَمْدٍ تَحَوَّلَ مَالًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْآلَةِ فَكَأَنَّهُ أُخِذَ بِيَدِ الْمُكْرَهِ وَفِيهَا سَيْفٌ فَقَتَلَهُ بِهِ وَقُيِّدَ بِالْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ إجْمَاعًا وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ لَا يُحْرَمُ الْمُكْرَهُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَقَالَ لَهُ فُلَانٌ إنْ قَتَلْتنِي فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَمِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَهُوَ آثِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَجِبُ دِيَتُهُ فِي مَالِ الْآمِرِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ مِثْلِ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَلِلْقَاتِلِ الْوَارِثِ أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي أَكْرَهَهُ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ مُنِعَ الْمِيرَاثَ وَإِنْ

قَالَ لَهُ رَجُلٌ لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْطَعَنَّ يَدَك وَسِعَهُ قَطْعُ يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِقَطْعِهَا إلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ

قَوْلُهُ ( وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ) هَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِكْرَاهُ لَا يَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْفَيْءِ فِيهِ وَالْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ فَأَعْتَقَ صَحَّ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عِنْدَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مُسَمًّى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ جَازَ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ مِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا سَمَّيَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ حَتَّى أَنَّهُ يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَوْلُهُ ( وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ تَمَامِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ هَذَا كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمِلْكِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ السِّعَايَةَ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْعِتْقِ قَوْلُهُ ( وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى رَجَعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى

الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ إذْ الْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَهْرُ وَالْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا تَأَكَّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ فَأَتْلَفَهُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ كَامِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ وَهُوَ لَا يَكُونُ مَعَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ اللَّذَّةِ وَسُكُونِ النَّفْسِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فَكَأَنَّهُ زَنَى بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تُحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا التَّمْكِينُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ الْإِكْرَاهِ ، وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُمْكِنُ مُغَالَبَتُهُ وَلَا التَّظَلُّمُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْفِرَاشِ وَضَيَاعَ النَّسْلِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ ) وَيُعَزَّرُ سَوَاءٌ أَكْرَههُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ فَيَصِحُّ الْإِكْرَاهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو مِنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْقَيْدَ إكْرَاهٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ فَأَمَّا الْمَحْظُورَاتُ فَلَا إكْرَاهَ فِيهَا إلَّا بِمَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا فِي الظَّاهِرِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكُونُ مُسْلِمًا إنْ أَخْلَصَ الْإِيمَانَ وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَرِثُ مِنْ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ أُكْرِهَ كَافِرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَهَذَا إكْرَاهٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( كِتَابُ السِّيَرِ ) هُوَ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَا يَخْتَصُّ بِسِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغَازِيهِ وَالسِّيَرُ هَا هُنَا هُوَ الْجِهَادُ لِلْعَدُوِّ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْكُمْ وقَوْله تَعَالَى { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } أَيْ لَا يَكُونَ شِرْكٌ { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْفَرِيقِ كِفَايَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِمْ كِفَايَةٌ فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بُطْلَانِ الزِّرَاعَةِ وَمَنَافِعِ الْمَعِيشَةِ

قَوْلُهُ ( وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا ) لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَوْ وُقِفَ عَلَى مُبَادَأَتِهِمْ لَنَا لَكَانَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ إذَا حَصَلَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْأَذِيَّةُ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ مُخَالِفٌ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا وَالْعَبْدُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْمَرْأَةُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الْجُمُعَةِ فَسُقُوطُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْهَا أَوْلَى وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالْأَقْطَعُ عَاجِزُونَ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُمْ فَرْضُ الْحَجِّ وَسَوَاءٌ كَانَ أَقْطَعَ الْأَصَابِعِ أَوْ أَشَلَّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى يَدٍ يَضْرِبُ بِهَا وَيَدٍ يَتَّقِي بِهَا فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي الْقِتَالِ خَرَجَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ

قَوْلُهُ ( فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوهُمْ كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ) يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ احْتِرَازًا عَنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قَوْلُهُ ( فَإِنْ بَذَلُوهَا ) أَيْ قَبِلُوهَا ( فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ ) أَيْ يَكُونُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ كَدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ قَوْلُهُ ( وَإِنْ امْتَنَعُوا قَاتَلُوهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَعْذَرُوا إلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَوَجَبَ قِتَالُهُمْ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ ) فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمُوا وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَالَ الْيَنَابِيعُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ فَمَا مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَان إلَّا وَقَدْ بَلَغَهُ بَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ جَهْرًا وَخُفْيَةً قَوْلُهُ ( وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ ) لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ أَيْ غَافِلُونَ وَنَعَمُهُمْ تَسْتَقِي عَلَى الْمَاءِ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَبَوْا اسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ لِأَعْدَائِهِ قَوْلُهُ ( وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ ) أَيْ يَنْصِبُونَهَا عَلَى حُصُونِهِمْ وَيَهْدِمُونَهَا كَمَا نَصَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ قَوْلُهُ ( وَحَرَّقُوهُمْ ) لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ } وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فِيهِ نَخْلٌ .
قَوْلُهُ ( وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَعُوا شَجَرَهُمْ وَأَفْسَدُوا زَرْعَهُمْ ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ كُرُومِهِمْ } قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ ) يَعْنِي يَرْمِيهِمْ

بِالنُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْمَنْجَنِيقِ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلُ التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ قَوْلُهُ ( فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَتْلِهِ فَإِنْ أَصَابُوا أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْأُسَارَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ .
قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ عَسْكَرٌ عَظِيمٌ يُؤْمَنُ مَعَهُمْ ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصَاحِفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمُقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ وَقَدْ { كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنْت أُصْلِحُ لَهُمْ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ بِالْمَرْضَى وَكَذَلِكَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَاتَلَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْهُ } .
( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ النِّسَاءِ لِلضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَخَوْفَ السَّبْيِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَكَذَلِكَ الْمَصَاحِفُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِي الْكُفَّارُ فَيَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً

لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ }

قَوْلُهُ ( وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ

قَوْلُهُ ( وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا ) الْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَالْخَفْرِ بِالْأَمَانِ وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَالْخِيَانَةُ فِيهِ بِأَنْ يُمْسِكَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمِ وَالْغُلُولُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي الْخُفْيَةِ قَوْلُهُ ( وَلَا يُمَثِّلُوا ) وَهُوَ أَنْ يَقْطَعُوا أَطْرَافَ الْأُسَارَى أَوْ أَعْضَاءَهُمْ كَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالْأُصْبُعِ ثُمَّ يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْطَعُوا رُءُوسَهُمْ وَيَشُقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَيَقْطَعُوا مَذَاكِيرَهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْمُثْلَةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَوْلُهُ ( وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدًا ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا أَوْ حَرَّضُوا عَلَى الْقِتَالِ وَكَانُوا مِمَّنْ يُطَاعُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْخًا فَانِيًا يَعْنِي الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ قُتِلَ ثُمَّ إذَا قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ .
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْسَرُوا وَيُحْمَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا تُرِكْنَ تَقَوَّى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَا الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَكَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُتْرَكُونَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَطَئُونَ النِّسَاءَ فَيَنْسِلُونَ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ عَدَدِ الْكُفَّارِ ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلُ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُلَقِّحُ فَإِنْ

شَاءُوا أَسَرُوهُ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْكُفَّارِ فِيهِ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا بِنَسْلِهِ وَكَذَا الْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى وِلَادَتُهَا إنْ شَاءُوا أَسَرُوهَا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهَا وَيَجُوزُ قَتْلُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَأَقْطَعِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِيَمِينِهِ وَيُمْكِنُ الْآخَرَ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ يَجُوزُ قَتْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ صَارَتْ كَالرَّجُلِ قَوْلُهُ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِمُقَاتَلَتِهِ فَلِهَذَا يُقْتَلُ قَوْلُهُ ( أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِلْكَهُ ) لِأَنَّ فِي قَتْلِهَا تَفْرِيقًا لِجَمْعِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ مِلْكُهُمْ صَبِيًّا صَغِيرًا فَأَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ الْوَقْعَةَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ تَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ .
قَوْلُهُ ( وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلَانِ إلَّا مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ أَبَاهُ الْحَرْبِيَّ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَفِي قَتْلِهِ مُنَاقَضَةٌ لِذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَهُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ قَوَائِمَ فَرَسِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ فَأَمَّا مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْأَبِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا

عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَلِكَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ خَالَهُ الْعَاص بْن هِشَامٍ يَوْمَ بَدْرٍ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ) لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ إذَا كَانَتْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونُوا أَقْوَى مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ وَمُوَادَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ } أَيْ لَا تَضْعُفُوا عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَتَدْعُوهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ بِمَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ مِنْ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنْتُمْ الْغَالِبُونَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطْلُبَ الْمُسْلِمُونَ مُوَادَعَةَ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَالًا عَلَى ذَلِكَ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ مَالًا لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ } .
قَوْلُهُ ( فَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى أَنَّ نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ ) أَيْ طَرَحَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ فَسَخَ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ وَقَدْ كَانَ { النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْظُرَ فِي عُهُودِهِمْ فَيُقِرَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَهْدِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ وَيَحُطَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُ

أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَرْفَعَ عَهْدَ مَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ تَعَالَى { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } إلَى تَمَامِ عَشْرِ آيَاتٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ مُجْتَمَعُهُمْ وَيَنْبِذَ إلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا يُبَلِّغُ عَنْك إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِك فَبَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ لَهُ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ الْآيَاتِ فَسَارَ حَتَّى لَحِقَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْكُمْ فَقَالُوا بِمَاذَا قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَحُجَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ .
وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَإِنَّ أَجَلَهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَرَأَ { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } إلَى آخِرِ الْآيَاتِ } وَالْبَرَاءَةُ هِيَ رَفْعُ الْعِصْمَةِ وَقَوْلُهُ { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ } أَيْ فَسِيرُوا فِيهَا عَلَى الْمَهْلِ وَأَقْبِلُوا وَأَدْبِرُوا آمَنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ مِنْ قَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ وَلَا نَهْبٍ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ

فَإِنَّكُمْ وَإِنْ أُجِّلْتُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَنْ تُعْجِزُوا اللَّهَ { وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ { وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } أَيْ وَإِعْلَامٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ { أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } بَرِيءٌ مِنْهُمْ { فَإِنْ تُبْتُمْ } مِنْ الشِّرْكِ { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضْتُمْ { فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ } وقَوْله تَعَالَى { إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } وَهْم حَيٌّ مِنْ كِنَانَةَ عَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا وَلَا يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَذًى فَلَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمَالِئُوا عَلَيْكُمْ عَدُوًّا وَكَانَ بَقِيَ لَهُمْ مِنْ عَهْدِهِمْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ إلَى مُدَّتِهِمْ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } أَيْ إذَا مَضَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي حُرِّمَ الْقِتَالُ فِيهَا بِالْعَهْدِ { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ { وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ } وَامْنَعُوهُمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ { وَاقْعُدُوا } لِقِتَالِهِمْ كُلَّ طَرِيقٍ يَأْخُذُونَ فِيهِ إلَى الْبَيْتِ أَوْ إلَى التِّجَارَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بِتَضْيِيقِ السُّبُلِ عَلَيْهِمْ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَلَيْسَتْ هِيَ الْأَرْبَعَةُ الْحُرُمُ الْمَعْرُوفَةُ

قَوْلُهُ ( فَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَصِيرُونَ نَاقِضِي الْعَهْدِ وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَمَضَى الْوَقْتُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَهْدُ بِغَيْرِ نَبْذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغِيرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ دَخَلَ إلَيْنَا بِتِلْكَ الْمُوَادَعَةِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَعُودَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا سَبْيُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } قَوْلُهُ ( وَإِذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَزُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمِينَ لِمَوَالِيهِمْ وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا هُنَاكَ وَلَمْ يَخْرُجُوا إلَيْنَا وَظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِمْ كَانُوا أَحْرَارًا وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ ) كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ ذَلِكَ بِالْحَاجَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَعَامِ خَيْبَرَ { كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا } وَكَذَا لَا يَبِيعُوا مِنْهُ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ .
قَوْلُهُ ( وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيَسْتَعْمِلُوا الطِّيبَ قَوْلُهُ ( وَيَدْهُنُوا بِالدُّهْنِ ) يَعْنِي الدُّهْنَ الْمَأْكُولَ مِثْلَ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَهُوَ السَّلِيطُ ، وَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدْهُنُوا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلزِّينَةِ فَهُوَ كَالثِّيَابِ وَإِنْ دَخَلَ التُّجَّارُ مَعَ الْعَسْكَرِ لَا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ لَمْ

يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ إلَّا بِالثَّمَنِ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ عَلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ ، وَأَمَّا الْعَسْكَرُ فَلَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوا عَبِيدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا مِثْلَهُمْ ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَأْكُلُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ دَخَلَ النِّسَاءُ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَالْمَرْضَى أَكَلْنَ وَعَلَفْنَ وَأَطْعَمْنَ رَقِيقَهُنَّ لِأَنَّ لَهُنَّ حَقًّا فِي الْغَنِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُنَّ فَصِرْنَ كَالرِّجَالِ وَلَوْ أَنَّ الْعَسْكَرَ ذَبَحُوا الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْإِبِلَ فَأَكَلُوا اللَّحْمَ رَدُّوا الْجُلُودَ إلَى الْمَغْنَمِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالْعَلَفِ فَهِيَ كَالثِّيَابِ قَوْلُهُ ( وَيُقَاتِلُونَ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ ) يَعْنِي إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ انْقَطَعَ سَيْفُهُ أَوْ انْكَسَرَ رُمْحُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَكَذَا إذَا دَعَتْهُ حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِ فَرَسٍ مِنْ الْمَغْنَمِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِذَا زَالَتْ الْحَاجَةُ رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ شَيْئًا لِيَقِيَ بِهِ دَابَّتَهُ وَثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إيَّاكُمْ وَرِبَا الْغُلُولِ وَلِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَكِنْ لَيَصُونَ ثِيَابَهُ وَفَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْغَانِمِينَ .
قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ ) يَعْنِي لِكَيْ يَتَمَوَّلُوهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِطَعَامٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا يَبِيعُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ { وَسُئِلَ

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَالَ لَا حَتَّى السَّهْمِ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِ بَعِيرٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا فَوْقَهُ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَارٌ وَشَنَارٌ }

قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا قَوْلُهُ ( وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ } .
( قَوْلُهُ أَوْ وَدِيعَةٍ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ مُحْرَزٌ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا صَحِيحَةً مُحْتَرَمَةً فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ إذْ يَدُ مُودِعِهِ يَدٌ لَهُ ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَيْسَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ قَوْلُهُ ( فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ ) لِأَنَّ الْعَقَارَ بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً وَالزَّرْعُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْصُودٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَقَارِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ مَا كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ لَهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَلَا يَكُونُ فَيْئًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى ، وَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَحْصُودِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَنْقُولُ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا قَوْلُهُ ( وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ ( وَحَمْلُهَا فَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِأُمِّهِ فَهُوَ كَعُضْوٍ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَقُلْنَا هُوَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلْأَبِ فِي الْإِسْلَامِ وَرَقِيقٌ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ فَإِنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ قَوْلُهُ ( وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ

؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُكْمِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ الْحَرْبِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاع السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَرْبِ وَكَذَا الْحَدِيدُ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَيْنَا وَكَذَا لَا يُبَاع مِنْهُمْ رَقِيقُ أَهْلِ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا فَاشْتَرَى سِلَاحًا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إدْخَالِهِ إلَيْهِمْ قَوْلُهُ ( وَلَا يُفَادَوْنَ بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي لَا يُفَادَى أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِأُسَارَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا وَدَفْعَ شَرِّ حَرْبِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْفَاذِ أَسِيرِنَا قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ ، وَأَمَّا مُفَادَاةُ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَصَارَ كَبَيْعِ السِّلَاحِ مِنْهُمْ بِالْمَالِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْفَانِيَةُ بِالْمَالِ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى مِنْهُمَا الْوَلَدُ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَا يُفَادَى بِهِمْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَا قِتَالَ فِيهِ وَلَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ فِي رَدِّهِ إلَيْهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَفِي رَدِّهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَالنِّسَاءَ يَلِدْنَ فَيَكْثُرُ نَسْلُهُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ إذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ فَطَلَبُوا مُفَادَاتَهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ

ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مَعُونَةً لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ ) ( الْمَنُّ عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى الْأُسَارَى بِأَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَلَا جِزْيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَأَمَّا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي الطَّبَرَانِيَّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ قَوْلُهُ ( وَإِذَا ) ( فَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا عَنْوَةً ) أَيْ قَهْرًا ( فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ) كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ قَوْلُهُ ( وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَسِّمَهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَأَنْ يَتْرُكَ قِسْمَتَهَا عِنْدَ عَدَمِ حَاجَتِهِمْ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ ( وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ ) إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا لِأَنَّ فِي قَتْلِهِمْ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا يَخَافُ مِنْ غَدْرِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ ( وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ ) سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْعَرَبِ وَأَيُّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوا وَقَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قَسَّمَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ بَاعَهُمْ حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ فَإِنْ قَتَلَهُمْ قَاتِلٌ غَرِمَ قِيمَتَهُمْ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَتَلَهُمْ خَطَأً لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالْبَيْعَ تَقْرِيرٌ لِلرِّقِّ فِيهِمْ وَإِسْقَاطٌ لِحُكْمِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ فَصَارَ الْقَاتِلُ جَانِيًا كَمَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ

عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ حُرِّمَ دَمُهُ وَقُسِّمَ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الِاسْتِرْقَاقَ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ ) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا ) لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ ، وَأَمَّا تَحْرِيقُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِقَطْعِ مَنْفَعَةِ الْكُفَّارِ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَلَا يَعْقِرُهَا ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ قَوْلُهُ ( وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا ) مَعْنَاهُ لَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا مَعْقُورَةً وَلَا يَتْرُكُهَا ابْتِدَاءً بِدُونِ الْعَقْرِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ لَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَعْقِرُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَعْقِرُهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتْرُكُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ وَلَا ذَبْحٍ وَمَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ حَرَقَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ يُكَسِّرُ آنِيَتَهُمْ وَأَثَاثَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُرَاقُ جَمِيعُ أَدْنَانِهِمْ وَجَمِيعُ الْمَائِعَاتِ مُغَايَظَةً لَهُمْ ، وَأَمَّا السَّبْيُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ فِي أَرْضٍ مُضَيِّعَةٍ لِيَهْلِكُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَيَكْسِرُونَ أَنْيَابَ الْحَيَّةِ وَلَا يَقْتُلُونَهُمَا قَطْعًا لِضَرَرِهِمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ) الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهَا هُنَاكَ

قَوْلُهُ ( وَالرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ سَوَاءٌ ) الرِّدْءُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ يُقَالُ فُلَانٌ رِدْءُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَنْصُرُهُ وَيَشُدُّ ظَهْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا } أَيْ عَوْنًا وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الْقِتَالَ قَوْلُهُ ( فَإِنْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوا الْغَنِيمَةَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا ) هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ ( وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا ) وَكَذَا لَا يُسْهِمُ لِلتَّاجِرِ وَلَا لِلْأَجِيرِ فَإِنْ قَاتَلَ التَّاجِرُ مَعَ الْعَسْكَرِ أُسْهِمَ لَهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا الْأَجِيرُ إنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ وَقَاتَلَ مَعَ الْعَسْكَرِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخِدْمَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَمَنْ دَخَلَ لِيُقَاتِلَ فَلَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ سَهْمُهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا إذَا دَخَلَ مُقَاتِلًا فَأُسِرَ ثُمَّ تَخَلَّصْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُهُ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَمِنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ ) أَمَّا أَمَانُ الرَّجُلِ لِوَاحِدٍ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ } أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَمَعْنَى تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أَنَّ دَمَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَيْ يُقَاتِلُونَ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَأَمَّا أَمَانُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ { زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانَهَا } فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت وَرُوِيَ أَنَّ { أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَجَازَتْ حَمَوَيْنِ لَهَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَتَفَلَّتَ أَخُوهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا وَقَالَ أَتُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ لَا تَقْتُلُهُمَا حَتَّى تَقْتُلَنِي قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَغْلَقَتْ دُونَهُ الْبَابَ وَمَضَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أَبِي وَأُمِّي وَذَكَرَتْ لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مِنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت } قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَهَنٌ وَمَذَلَّةٌ كَانَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمَّنَهُمْ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَالْمُرَاهِقُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعُقُودَ وَالْأَمَانُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارَ كَلِمَتِهِمْ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ وَلَا الْأَسِيرِ وَلَا التَّاجِرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ ) وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَضْطَرُّونَ إلَى مَا يُرِيدُهُ الْكُفَّارُ لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ فَهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ ) أَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانَ الْأَمَانَ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدٌ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا الْكَلَامَ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا ) يَعْنِي أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَرَقُّوا أَوْلَادَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ قُطِعَ حَقُّ الْأَوَّلِينَ عَنْهَا فَصَارَتْ مَالًا لَهُمْ وَكَذَا إذَا غَلَبَ الرُّومُ عَلَى التُّرْكِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَالتُّرْكِيُّ حَرْبِيٌّ مِثْلُ الرُّومِيِّ قَوْلُهُ ( فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ صُلْحُنَا مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكْنَاهُ فَكَذَا إذَا غَلَبْنَاهُمْ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَرَاهِم مَلَكُوهَا ) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَغْلِبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِهَا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ } وَإِنْ غَلَبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَنْفَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهَا فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا وَهُوَ قَوْلُهُ ( فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا ) ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ قَوْلُهُ ( وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَالِكُهُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ

التَّاجِرُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) لِأَنَّ التَّاجِرَ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ مَجَّانًا ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ فِيهِ فَكَانَ أَعْدَلَ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ ) لِأَنَّ أَحْرَارَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكُوا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَذَا بِالسَّبْيِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَمُدَبَّرُونَا وَمُكَاتَبُونَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِنَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِمْ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ فَكَذَا لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ مِلْكِهِمْ قَوْلُهُ ( وَإِذَا أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ زَالَتْ يَدُ مَوْلَاهُ عَنْهُ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَبْقَى يَدُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَحَصَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِذَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَتْ مَعْصُومَةً فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ فَصَارَ كَالْبَعِيرِ أَوْ الْفَرَسِ إذَا نَدَّ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ بَعِيرٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَإِذَا أَخَذُوهُ صَارُوا آخِذِينَ لَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ مَلَكُوهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَصَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ أَوْ مَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَخْرَجَهُ إلَيْنَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ

دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مُقَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ تَخْلِيصُنَا لَهُ كَمَا تُقَامُ ثَلَاثُ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَعْتِقُ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنِيمَةَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ ) لَا قِسْمَةَ تَمْلِيكٍ ( لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا مِنْهُمْ وَيَقْسِمُهَا ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً حَمَلَ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالٌ لَهُمْ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَمُولَةٌ حَمَلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِلْغَانِمَيْنِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى دَوَابِّهِمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ بَلْ يَسْتَأْجِرُهَا مِنْهُمْ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهَا .
وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا بِالْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَمْلِهِ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ إيدَاعٍ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يَجِدُونَ الدَّوَابَّ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا كَانُوا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَالشُّيُوخَ فِي الطَّرِيقِ لِيَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ وَيُحَرِّقُهَا بِالنَّارِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ كَمَنْ أَبَاحَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ

قَوْلُهُ ( وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِالْقِسْمَةِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا قَوْلُهُ ( وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهَا

قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفِلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِالنَّفْلِ عَلَى الْقَتْلِ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ التَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } أَيْ رَغِّبْهُمْ وَالتَّحْرِيضُ التَّرْغِيبُ فِي الشَّيْءِ وَالتَّنْفِيلُ نَوْعُ تَحْرِيضٍ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الشُّجْعَانَ يَرْغَبُونَ فِي ذَلِكَ فَيُخَاطِرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُقْدِمُونَ عَلَى الْقِتَالِ قَوْلُهُ ( فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ ) مِنْكُمْ ( قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ التَّنْفِيلُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَا تَحْرِيضَ ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا أَنْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَمَّا إذَا قَالَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا دَخَلَ الْإِمَامُ تَحْتَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا دَخَلَ هُوَ حَتَّى لَوْ قَتَلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَهُ سَلَبُهُ .
وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ ثُمَّ إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَقَتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ سَلَبُ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ قَتَلُوا رَجُلًا فَإِنَّك تَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَارِزًا يُقَاوِمُ كُلًّا مِنْهُمْ كَانَ لَهُ سَلَبُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاوِمُهُمْ صَارَ عَاجِزًا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ سَلَبَهُ وَيَكُونُ غَنِيمَةً لِجَمِيعِ الْجَيْشِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا

يَقُولُ هَذَا لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا جَلَادَةَ فِي قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قَتِيلًا سَمَّاهُ قَتِيلًا وَهُوَ حَيٌّ اعْتِبَارًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { قَالَ أَحَدُهُمَا إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } وَإِنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَئُولُ إلَى الْخَمْرِ سُمِّيَ خَمْرًا وَلَوْ قَتَلَهُ رَجُلَانِ اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ فَإِنْ بَدَا أَحَدُهُمَا فَضَرَبَهُ ثُمَّ أَجْهَزَهُ الْآخَرُ إنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ أَثْخَنَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا يُعِينَ بِقَوْلٍ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ لَمْ يُصَيِّرْهُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ { مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ مَرْحَبًا فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ وَضَرَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُنُقَهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَتْلَهُ لَقَتَلْته وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَذِّبَهُ كَمَا عَذَّبَ أَخِي فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ } وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ لَا يُقَاتِلُ وَلَا يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فَقَتَلَ رَجُل قَتِيلًا فَسَلَبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ ( أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ ) أَيْ بَعْدَ مَا يَرْفَعُ الْخُمْسَ وَكَذَا إذَا قَالَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمْسِ أَوْ النِّصْفُ بَعْدَ الْخُمْسِ مَعْنَاهُ أَنْتُمْ مُنْفَرِدُونَ بِالرُّبْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ خُمْسُ ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَا سُمِّيَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْخُمْسِ وَمَا زَادَ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَسْكَرَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ فَلَكُمْ الرُّبْعُ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمْسِ لَمْ يُخَمَّسْ الرُّبْعُ وَصَارَ لَهُمْ النَّفَلُ بِخَمْسَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لَمْ

يُخَمِّسْ الْأَسْلَابَ وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ بَعْدَ الْخُمْسِ خَمَّسَ الْأَسْلَابَ

قَوْلُهُ ( وَلَا يُنْفِلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمْسِ ) لِأَنَّهَا إذَا أُحْرِزَتْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ جَمِيعِ الْجَيْشِ ، وَأَمَّا الْخُمْسُ فَلَا حَقَّ لِلْجَيْشِ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّنْفِيلُ مِنْهُ قَوْلُهُ ( وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَتَلَ كَافِرًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ فَلَهُ سَلَبُهُ قَوْلُهُ ( وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ ) وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَمَا مَعَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ ، وَأَمَّا جَنِيبُهُ وَغُلَامُهُ وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ آخَرَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَلَبٍ وَهُوَ غَنِيمَةٌ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ وَإِنَّ هَذَا بَلَغَ مَالًا عَظِيمًا وَإِنَّا نَأْخُذُ خُمْسَهُ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ قَدْ ارْتَفَعَتْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ التَّنَاوُلُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ ( وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ فَإِنْ انْتَفَعُوا بِشَيْءٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ عَلَفٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ فِي الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَدَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ الْغَنِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ يَعْذُرُ إيصَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَيَرُدُّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَمُوجِبُهُ التَّصَدُّقُ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلتَّصَدُّقِ ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ

قَوْلُهُ ( وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } قَوْلُهُ ( وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ ( وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ ( وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْفَارِسِ ثَلَاثُ أَسْهُمٍ ) مَعْنَاهُ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْآدَمِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَرَسِ ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ كَالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَالنَّصْلِ وَإِنَّمَا تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلْخَبَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي بَعْضِهَا أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ } وَرُوِيَ { أَنَّهُ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةً } فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ أُسْقِطَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَأُثْبِتَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْفَارِسِ أَعْظَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْفَرَسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرَسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُقَاتِلُ وَالْفَارِسَ بِانْفِرَادِهِ يُقَاتِلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالْفَرَسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِصَاحِبِهِ .
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فَضْلَ لِبَهِيمَةٍ عَلَى إنْسَانٍ وَرُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ وَأَلْفٌ وَمِائَتَا رَاجِلٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا } وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَنَّكَ تَقُولُ الرَّجَّالَةُ اثْنَا عَشَرَ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا كُلَّ

مِائَةٍ سَهْمًا وَتَقُولُ الْفُرْسَانُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَتَجْعَلُهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعَدَدِ كُلُّ مِائَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ تُضَعِّفُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةً وَتَضُمُّهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ لَلْفُرْسَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلِلرَّجَّالَةِ الثُّلُثَانِ قَوْلُهُ ( وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى فَرَسَيْنِ أَحَدُهُمَا يَرْكَبُهُ وَالْآخَرُ يَكُونُ جَنِيبَهُ فَإِذَا أَعْيَا الَّذِي تَحْتَهُ رَكِبَ الْآخَرَ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَلَهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّ { الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَضَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ } وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ عَلَى فَرَسَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً .
قَوْلُهُ ( وَالْبَرَاذِينُ وَالْعُتَّاقُ سَوَاءٌ ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْإِرْهَابُ مُضَافٌ إلَى جَمِيعِ جِنْسِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } وَاسْمُ الْخَيْلِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعُتَّاقِ وَالْهَجِينِ وَالْمُقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا وَلِأَنَّ الْعَتِيقَ إذَا كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمْ مَنْفَعَةٌ فَاسْتَوَى الْبِرْذَوْنُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَالْعَتِيقُ الَّذِي لَا دَنَاءَةَ فِيهِ لَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بَلْ كِلَاهُمَا عَرَبِيَّانِ وَالْهَجِينُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَالْمُقْرِفُ دَنِيءُ الْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَا أَعْجَمِيَّيْنِ وَفِي الصِّحَاحِ الْمُقْرِفُ هُوَ الدَّنِيءُ الْهُجْنَةِ مِنْ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ

لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَافَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ

قَوْلُهُ ( وَلَا يُسْهِمُ لِرَاحِلَةٍ وَلَا بَغْلٍ ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ بَعِيرٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ حِمَارٌ فَهُوَ وَالرَّاجِلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْخَيْلِ مَعْدُومٌ فِيهِمْ .
( قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ ) وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَنَفَقَ أَيْ مَاتَ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ وَمَاتَ الْإِنْسَانُ وَتَنْبَلَ الْبَعِيرُ كُلُّهُ بِمَعْنَى هَلَكَ وَسَوَاءٌ بَقِيَ فَرَسُهُ مَعَهُ حَتَّى حَصَلَتْ الْغَنِيمَةُ أَوْ مَاتَ حِينَ دَخَلَ بِهِ أَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ أَوْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا مَاتَ فَرَسُهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ رَاجِلٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ وَعِنْدَهُ حَالَةُ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ وَقُلْنَا الْمُجَاوَزَةُ نَوْعُ قِتَالٍ ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعَارَهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَبْطُلُ سَهْمُ الْفَرَسِ وَيَأْخُذُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالَ فَارِسًا وَلِأَنَّ بَيْعَهُ لَهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا نَفَقَ فَرَسُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ دُخُولُهُ فَارِسًا وَبَيْعُ الْفَرَسِ كَمَوْتِهِ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَرَسِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ

فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ قَوْلُهُ ( وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ ) وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِحَالَةِ الدُّخُولِ وَقَالَ الْحَسَنُ إذَا دَخَلَ رَاجِلًا وَاشْتَرَى فَرَسًا أَوْ وُهِبَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمَ الْعَسْكَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَاتَلَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى غَنِمُوا ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدُّخُولِ الْقِتَالُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَالَةَ الْقِتَالِ أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَالَةَ الدُّخُولِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا فَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَعَارَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ سَقَطَ سَهْمُ فَرَسِهِ فَإِنْ اشْتَرَى مَكَانَهُ آخَرَ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ

قَوْلُهُ ( وَلَا يُسْهَمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى ) وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ عَاجِزَانِ وَالْعَبْدَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا قَاتَلَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى أَمَّا إذَا دَخَلَتْ لِخِدْمَةِ زَوْجِهَا أَوْ الْعَبْدُ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَبْدِ قَتْلٌ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ مُدَاوَاةٌ وَلَا نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَرْضَخُ لَهُمْ أَصْلًا وَكَذَا الذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهُمْ وَخِيَانَتُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا حَضَرُوا وَقَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يَبْلُغُ لِرَجَّالَتِهِمْ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ وَلَا لِفُرْسَانِهِمْ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِنُقْصَانِ مَنْزِلَتِهِمْ وَانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ

قَوْلُهُ ( فَأَمَّا الْخُمْسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْفَقْرُ قَوْلُهُ ( وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ ) وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ قَوْلُهُ ( وَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ ) أَيْ أَيْتَامُ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَمَسَاكِين ذَوَى الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْ ذَوَى الْقُرْبَى كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ ذَوِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ ( وَيُقَدَّمُونَ ) أَيْ يُقَدَّمُ ذَوُو الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الْآيَةِ فَقَالَ تَعَالَى { وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } قَوْلُهُ ( وَلَا يَدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ قَوْلُهُ ( فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ الْخُمْسِ فَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ ) وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلُ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَوْلُهُ ( وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّصْرَةِ ) وَبِمَوْتِهِ زَالَتْ النُّصْرَةُ .
قَوْلُهُ ( وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ ) يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَكَانَ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةً هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً لِمَا رُوِيَ أَنَّ { جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ

بَنِي نَوْفَلٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَسَمْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِإِخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا وَقَرَابَتُنَا مِثْلُ قَرَابَتِهِمْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا وَحَمَلْنَاهُمْ كِبَارًا } وَرُوِيَ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَتَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ فَقَالَ إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا هُوَ بِالنُّصْرَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ هِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً ، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَصَابَهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُخَمَّسُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى طَرِيقِ التَّلَصُّصِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ بِظَهْرِهِ لَا بِالتَّلَصُّصِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ لَهُمْ مَنْعَةٌ فَأَخَذُوا شَيْئًا خُمِّسَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ الْإِمَامُ ) لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَهَا مَنْعَةٌ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَنِيمَةً وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً لَا مَنَعَةَ لَهُمْ وَدَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَتْ بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ وَهَؤُلَاءِ كَاللُّصُوصِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَسِرُّونَ بِمَا يَأْخُذُونَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَمَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ بِالِاسْتِئْمَانِ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا قَوْلُهُ ( وَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَكَانَ مَحْظُورًا فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي دَارِنَا وَقَفَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ قَطْعُ الْجَلَبِ وَسَدُّ بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمِيرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ هِيَ السَّنَةُ وَالْيَسِيرَةُ مَا دُونَهَا قَوْلُهُ ( وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إذَا أَقَمْت تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ وَتُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ عَلَى مَا يُرَى وَيَكُونُ دُونَ السَّنَةِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَيَقُولُ لَهُ إذَا جَاوَزَتْهَا جَعَلْتُك ذِمِّيًّا وَوَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَصَارَ ذِمِّيًّا وَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بَعْدَ هَذَا صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ فَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ صَارَ ذِمِّيًّا وَالذِّمِّيّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ

قَوْلُهُ ( فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ ( وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ حَظَرَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَزَوَالُ الْحَظْرِ عَنْ دَمِهِ لَا يُزِيلُ الْحَظْرَ عَنْ مَالِهِ فَبَقِيَ مَالُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا ) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ الْيَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ

قَوْلُهُ ( وَمَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ) أَيْ أَسْرَعُوا إلَى أَخْذِهِ ( مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ ) الْإِيجَافُ هُوَ الْإِسْرَاعُ وَالْإِزْعَاجُ لِلْغَيْرِ وَالْوَجِيفُ نَوْعٌ مِنْ السَّيْرِ فَوْقَ التَّقْرِيبِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ مِثْلُ الْأَرَضِينَ الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا لَا خُمْسَ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ

قَوْلُهُ ( وَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عَشْرٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ إلَى حَدِّ الشَّامِ ) الْعُذَيْبُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ وَقَوْلُهُ حَجَرٍ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدُ الْأَحْجَارِ مَهْرَةُ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ مُسَمَّاةٌ بِمَهْرَةَ بْنِ حَيْدَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ قَوْلُهُ ( وَالسَّوَادُ كُلُّهَا أَرْضٌ خَرَاجٍ ) يَعْنِي سَوَادَ الْعِرَاقِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزَرْعِهِ وَسَوَادُ الْعِرَاقِ أَرَاضِيهِ .
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سَوَادُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ قُرَاهُمَا قَوْلُهُ ( وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ وَمِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ ) عَقَبَةُ حُلْوَانَ حَدُّ سَوَادِ الْعِرَاقِ عَرْضًا وَالْعَلْثُ قَرْيَةٌ بِالْعِرَاقِ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ وَعَبَّادَانُ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَطُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَقِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ قَوْلُهُ ( وَأَرْضُ السَّوَادِ كُلُّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا ) لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِمْ وَالْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَبَقِيَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُمْ

قَوْلُهُ ( وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ ) يَعْنِي مَا سِوَى أَرْضِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ وَالْعَشْرُ أَلْيَقُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ طُهْرَةٌ وَعِبَادَةٌ وَكَذَلِكَ مَا سِوَى أَرْضِ السَّوَادِ قَوْلُهُ ( وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ وَهَذَا إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَإِنَّمَا تُسْقَى بِعَيْنٍ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا سَقَتْهُ مَاءُ السَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَاءُ الْعَيْنِ فِي مَعْنَى مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ }

قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيْزِهَا ) أَيْ بِقُرْبِهَا وَالْحَيْزُ الْقُرْبُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُحْيِي لَهَا مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَوْلُهُ ( وَالْبَصْرَةُ عِنْدَنَا عُشْرِيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) لِمَا بَيَّنَّاهُ .
( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَحْيَاهَا بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ وَمَاءُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ .
قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ ) يَزْدَجْرِدُ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِهِمْ قَوْلُهُ ( وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ فِي كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمُ ) الْخَرَاجِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَرَاجُ مُقَاطَعَةٍ وَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فَخَرَاجُ الْمُقَاطَعَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ هُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا وَمَنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ رَأَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمْ جُزْءًا مِنْ

الْخَرَاجِ أَمَّا نِصْفُ الْخَرَاجِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْعُشْرِ وَيُوضَعُ ذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمْسِ ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْجَرِيبُ أَرْضٌ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الذِّرَاعَ الْمُعْتَبَرَ سَبْعٌ قَبَضَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ وَقَوْلُهُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ هُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ مِثْلُ الصَّاعِ الْحِجَازِيِّ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَكُونُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ مَعْنَاهُ يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ وَزْنِ سُبْعِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا .
قَوْلُهُ ( وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ) الْمُتَّصِلُ مَا لَا يُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ تَحْتَهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً وَالزَّرْعُ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرَّطْبَةُ بَيْنَهُمَا وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرَّطْبَةِ أَوْسَطُهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ ( وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ ) مَعْنَاهُ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ عُمَرُ الطَّاقَةَ فِي الْمُوَظَّفِ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ

يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّصْفَ عَيْنُ الْأَنْصَافِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَفِي جَرِيب الزَّعْفَرَانِ الْخَرَاجُ قَدْرَ مَا يُطِيقُ إنْ كَانَ يَبْلُغُ قَدْرَ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ خَرَاجِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ غَلَّةَ الرَّطْبَةِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ خَرَاجٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ زَرَعَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرٌ إلَّا بِوُجُودِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ .
قَوْلُهُ ( فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَقَصَهَا الْإِمَامُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّقْصُ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ فَجَائِزَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَرَاضِيهمْ تَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ قَدْرَ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ وَإِنْ أَخْرَجَتْ مِثْلَيْ الْخَرَاجِ أُخِذَ الْخَرَاجُ كُلُّهُ وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ

قَوْلُهُ ( وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ نَزَّةً أَوْ سَبِخَةً وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي إذَا ذَهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ قَفِيزَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْخَارِجِ فَيَحْسِبُ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالِاصْطِلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَمَّا إذَا بَقِيَ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي سَمَاوِيَّةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالِاحْتِرَاقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ وَهَلَاكَهُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يُسْقِطُهُ وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُ الْأَرْضِ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي زَكَاةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَسْقُطُ قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَ الزِّرَاعَةَ وَهَذَا إذَا كَانَ

الْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَمَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا تَتَجَزَّأَ الظُّلْمَةُ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ

قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ ) لِأَنَّ الْأَرْضَ اتَّصَفَتْ بِالْخَرَاجِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ

قَوْلُهُ ( وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَا غَيْرَ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجْتَمِعُ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحَلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ فَقَوْلُهُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَالثَّانِي مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَقَوْلُهُ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْخَرَاجِ الذِّمَّةُ وَمَحَلَّ الْعُشْرِ الْخَارِجُ وَقَوْلُهُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ النَّمَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ وُجُودُ الْخَارِجِ وَسَبَبُ الْخَرَاجِ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ } وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ أَرْضُ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

قَوْلُهُ ( وَالْجِزْيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ ) كَمَا { صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ } وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بِوَضْعِهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ) وَالظَّاهِرُ الْغِنَاءِ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عَشْرَةَ آلَافٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِهَا فَقِيرًا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَرِضَ أَكْثَرَ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ وَكَذَا إذَا مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَالْمُسْقِطَ تَسَاوَيَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْعُقُوبَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْقِطِ كَالْحُدُودِ فَإِنْ صَحَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ .
( قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ ) الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْعَمَلِ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا قَوْلُهُ ( وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلٍّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ ) الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْحِرْفَةَ أَصْلًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيُكْتَفَى بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَمِلٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا

قَوْلُهُ ( وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِيِّ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَدِّينَ ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ مَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بِالرِّقِّ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ

قَوْلُهُ ( وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَوْلُهُ ( وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا عَلَى أَعْمًى ) وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَنَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ .
( قَوْلُهُ وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ ) وَكَذَا لَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ قَوْلُهُ ( وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِيهِمْ مَوْجُودَةٌ وَهْم الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ

قَوْلُهُ ( وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا مَاتَ ذِمِّيًّا وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَا مَضَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي إذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ كَافِرًا

قَوْلُهُ ( وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ الْجِزْيَةُ ) يَعْنِي تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَيُقْتَصَرُ عَلَى جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ تُؤْخَذْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّنَةُ الْأُخْرَى وَوَجَبَتْ جِزْيَةٌ أُخْرَى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْحُدُودِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدُّيُونِ وَالْخَرَاجِ وَالْأُجْرَةِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا

قَوْلُهُ ( وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذْنَاهُمْ بِنَقْضِهَا كَانَ فِيهِ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ ( وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا ) إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ }

قَوْلُهُ ( وَيُؤْخَذُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِهِمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَجْدِفُوا بَرَاذِينَهُمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَجُوزُ مُوَالَاتُهُ وَلَا تَعْظِيمُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ زِيُّهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نُوَالِيَهُمْ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ } فَإِذَا لَمْ نَعْرِفْهُمْ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ غَيْر مُتَمَيِّزٍ بِزِيِّهِ فَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ فِي لِبَاسِهِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا فِي مَرْكَبِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَلْبَسُوا لِبَاسًا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذُوا حَتَّى يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَهُوَ خَيْطٌ عَظِيمٌ مِنْ الصُّوفِ يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ وَيَكُونُ فِي الْغِلَظِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي وَيَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ مِنْ اللِّبَدِ يُعْرَفُ بِهَا لَا تُشْبِهُ قَلَانِسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُجْعَلُ عَلَى بُيُوتِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ قَوْلُهُ ( وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّا لَا نَأْمَنُ إذَا

فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فَيَعُودُوا إلَى حَرْبِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً وَلَا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا قُرَاهُمْ ؛ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَلَا يَحِلُّ إظْهَارُ الْفِسْقِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَظْهَرُوهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ تَأْلَفَهُ الْمُسْلِمُونَ

قَوْلُهُ ( وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ ) أَمَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَمْكَنَ الْإِمَامَ أَخْذُهَا مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَمْكَنَ الْإِمَامَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَلِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْرِي مَجْرَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهْم يَسُبُّونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَقُولُونَ لَهُ وَلَدٌ قَوْلُهُ ( وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَا ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ لَهُ ) لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا ارْتَدَّ الْبَالِغُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ مَكَانَهُ وَمَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ وَتَابَ وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْ يُؤَجَّلَ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ قَوْلُهُ ( وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ ) هَذَا إذَا اسْتَمْهَلَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْهَالُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْهِلْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمْهَالَ فَيُحْتَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ وَالْكُفْرُ يُبِيحُ الدَّمَ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ

قَوْلُهُ ( وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْبَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيُفَوَّضُ ضَرْبَهَا وَتَأْدِيبَهَا إلَيْهِ وَلَا يَطَؤُهَا وَكَيْفِيَّةُ حَبْسِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَحْبِسَهَا الْقَاضِي ثُمَّ يُخْرِجُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا أَسْوَاطًا ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ حَبَسَهَا يَفْعَلُ بِهَا هَكَذَا كُلَّ يَوْمٍ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَالْعَبْدُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاكْتِسَابُهُ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَإِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَارْتِدَادُهُ ارْتِدَادٌ عِنْدَهُمَا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ حَتَّى لَا يَرِثَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ

قَوْلُهُ ( وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْلَاكِهِ بِرِدَّتِهِ ) زَوَالًا مُرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ أَمْلَاكُهُ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا ) يَعْنِي أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا كِلَا الْكَسْبَيْنِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ التَّوْرِيثُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ جُعِلَتْ مَوْتًا حُكْمًا فَكَانَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ حُكْمًا فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْمُسْلِمُ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَسْبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَسْبُ مُبَاحِ الدَّمِ وَلَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَإِنَّمَا احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ عَنْ الْمُكَاتَبِ إذَا ارْتَدَّ وَاكْتَسَبَ مَالًا فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ حَالُ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بِيَوْمِ ارْتِدَادِهِ لَا بِيَوْمِ مَوْتِهِ وَلَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمئِذٍ وَرِثَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا لَمْ يَرِثْ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ يَمُوتَ لَمْ يَرِثْ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

وَمُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ أَوْ يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوَارِثِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ يَزُولُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ كَمَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَكَمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ حَالِ وَارِثِ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ حَالُ وَارِثِ الْمُرْتَدِّ يَوْمَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا فَارَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ

قَوْلُهُ ( وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَحَلَّتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ مُرَاعًى وَالْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِاللَّحَاقِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ فِيهِ ، وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ فَيُؤَدِّي مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ كَمَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ بِاللَّحَاقِ حَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَوْلُهُ ( وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَهْم أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ ( وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدُّيُونِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ) يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ قَوْلُ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَهُ كُلَّهَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ تَفِ كَانَ الْبَاقِي فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ

قَوْلُهُ ( وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَمُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتَصَرُّفَاتُهَا كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ ( وَإِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَمَّنْ يَمْلِكُهُ فَصَارَ كَمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا زَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ عَلَى ظَاهِرِ مِلْكِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَلَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ

قَوْلُهُ ( وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا جَازَ تَصَرُّفُهَا ) لِأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ هِيَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ كَانَ مَالُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا وَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ حِينَئِذٍ يَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

قَوْلُهُ ( وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ ) وَهْم قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ بِقُرْبِ الرُّومِ طَلَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَقَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَوْكَةٌ نَأْنَفُ مِنْ ذُلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا الْجِزْيَةَ فَإِنَّا نَلْحَقُ بِأَعْدَائِك بِأَرْضِ الرُّومِ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَكَ ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُضَاعَفَةِ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتُوضَعُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ .
وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَلَنَا أَنَّ أَخْذَ مُضَاعَفَةِ الزَّكَاةِ تَخْفِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ فَالْمَوْلَى فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا قَوْلُهُ ( وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ شَيْءٌ ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ .
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَعْنِي الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَكَذَا

يُضَعَّفُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعُشْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ ( وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ وَالْجِزْيَةِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ ) الثَّغْرُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ وَإِمْكَانُ دُخُولِ الْعَدُوِّ مِنْهُ قَوْلُهُ ( وَتُبْنَى بِهِ الْقَنَاطِرُ وَالْجُسُورُ ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ قَوْلُهُ ( وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَدٌّ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا إلَى الْقِتَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ الظَّنُّ عَلَى أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ وَقِيلَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ

قَوْلُهُ ( وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى جَمَاعَتِهِمْ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ ) يَعْنِي يَسَالُهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ ظُلْمٍ أَزَالَهُ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا وَادَّعَوْا الْوِلَايَةَ فَهُمْ بُغَاةٌ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُعِينُوا السُّلْطَانَ وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } أَيْ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ الْبَغْيِ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالصُّلْحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْبَغْيُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْعُدُولُ عَنْ الْحَقِّ وَعَمَّا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ ( وَلَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ ) هَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ قَوْلُهُ ( فَإِنْ بَدَءُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } قَوْلُهُ ( فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا قُتِلَ مُدْبِرُوهُمْ إذَا انْهَزَمُوا وَهَرَبُوا وَأُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ أَيْ أُسْرِعَ فِي قَتْلِهِ وَالْإِجْهَازُ الْإِسْرَاعُ وَيُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَزُولَ بَغْيُهُمْ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُخَلِّيَ الْأَسِيرَ خَلَّاهُ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهمْ ) لِانْدِفَاعِ شَرِّهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ قَوْلُهُ ( وَلَا تُسْبَى لَهُمْ

ذُرِّيَّةٌ وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَوْلُهُ لَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ مَعْنَاهُ لَا يُسْبَى لَهُمْ نِسَاءٌ وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ يُقْتَلُ الْأَسِيرُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ .
قَوْلُهُ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَاتَلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ ) وَالْكُرَاعُ كَذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا رَدَّ عَلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ وَكُرَاعَهُمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ لَا يُمْلَكُ بِالْغَلَبَةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِذَا زَالَ بَغْيُهُمْ رُدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ ( وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ ) إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ وَقَدْ تَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ وَمَا أَصَابَ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْهُمْ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَاتٍ أَوْ مَا اسْتَهْلَكَهُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ ، وَأَمَّا مَا فَعَلُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ أُخِذُوا بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ يُدْفَنُونَ بِدِمَائِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ ، وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15