كتاب : العدة شرح العمدة
المؤلف : عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي

باب الرهن
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا ولا يلزم إلا بالقبض وهو نقله إن كان
ـــــــ
باب الرهنمسألة: "وكل ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا"؛ لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يحصل مما يجوز بيعه, فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد لأن مقصود الرهن لا يحصل منه.
مسألة: "ولا يصح إلا بالقبض" لقوله سبحانه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} 1؛ ولأنه عقد
ـــــــ
1 - آية 283 سورة البقرة.

منقولا والتخلية فيما سواه وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى, ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف, وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه
ـــــــ
إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض, وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياسا على البيع والمذهب الأول لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض.
مسألة: "وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه" وذلك لأن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة, فإن كان منقولا فقبضه نقله أو كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك, والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله لقوله عليه السلا م: "إذا سميت فكل" 1. وإن كان موزونا فقبضه بالوزن وقال ابن عمر: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. متفق عليه2. وأما العقار والثمار على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار ويسلم إليه مفاتيحها.
مسألة: "وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه"؛ لأنه وكيله ونائبه واستدامة القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآ ية, وعنه أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن.
مسألة: "والرهن أمانة عند المرتهن وعند أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى" فإن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه لأنه أمين فأشبه المودع.
مسألة: "ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن إلا ما كان مركوبا أو محلوبا فيحلب ويركب بقدر العلف" متحريا للعدل في ذلك سواء تعذر الإنفاق من المالك أم لم يتعذر؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرهن يركب بنفقته ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة". رواه البخاري3, وفي لفظ: "فعلى المرتهن علفها ولبن الدر ويشرب وعلى الذي يشرب نفقته ويركب".
مسألة: "وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه"؛ لأنه نماء ملكه فأشبه غير المرهون, "لكنه يكون رهنا معه" لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع, وقال عليه السلام: "الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه ".
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في التجارات: حديث رقم 2230.
2 - سبق تخريجه.
3 - رواه البخاري في الرهن: حديث رقم 2512.

لكن يكون رهنا معه وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنا مكانه, وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه وما قبض بسببه فهو رهن وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته فإن فداه فهو رهن
ـــــــ
مسألة: "وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات" ويلزمه جميع نفقته من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه" 1, وهذا من غرمه لأنه ملكه فكانت عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إن مات كما يلزمه في الذي في يده.
مسألة: "وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهنا" فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضرارا بالمرتهن وإسقاط حقه اللازم له فإن فعل نفذ عتقه نص عليه؛ لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك كالمحبوس على ثمنه وتؤخذ منه قيمته تكون رهنا مكانه؛ لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمه قيمته كما لو قتله.
مسألة: وأما إذا وطىء جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن, وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة؛ لأنه يفضي بذلك إلى أن يخرجها من الرهن فيفوت حق المرتهن, فإن وطئها فلا حد عليه لأنها ملكه فإن كانت بكرا فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهنا وإن شاء جعله قضاء من الحق, فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها وإن ولدت فولده حر وتصير أم ولد له؛ لأنه أحبلها في ملكه وتخرج من الرهن موسرا كان أو معسرا كما لو أعتقها وعليه قيمتها يوم أحبلها؛ لأنها وقت إتلافها تجعل رهنا وكذلك إن تلفت بسبب الحمل.
مسألة: "وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه وما قبض بسببه فهو رهن" فإن كانت الجناية عليه موجبة للقصاص فلسيده الاقتصاص وله أن يعفو؛ لأنه مالكه فإن اقتص فعليه قيمة أقلها قيمة من العبد الجاني والعبد المرهون, فإن كانت قيمة المرهون عشرة وقيمة الجاني مائة لم يلزمه إلا عشرة؛ لأنه إنما فوت على المرتهن عشرة وإن كانت قيمة المرهون مائة وقيمة الجاني عشرة لم يلزمه إلا عشرة؛ لأن هذا هو المقدار الذي فوته على المرتهن يجعل ذلك رهنا مكانه في أحد الوجهين؛ لأنه أتلف مالا بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال. والوجه الثاني: لا شيء عليه لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه أو ورثته.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.

بحاله, وإذ حل الدين فلم يوفه الراهن بيع وأوفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه وأبى الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو
ـــــــ
مسألة: وإن عفا السيد عن مال أو كانت الجناية موجبة للمال فاقتص منه جعل رهنا مكانه؛ لأنه بدل عنه فقام مقامه وإن عفا السيد عن السيد عن مال لم يصح عفوه عنه كما لو قبضه المرتهن ويلزمه العفو في حقه فإذا فك الرهن رد إلى الجاني, وقال أبو الخطاب: يصح عفو السيد عن المال ويؤخذ منه قيمته تكون رهنا؛ لأنه أتلفه بعفوه. وقال القاضي: تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية.
مسألة: وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد فإن قلنا أحد شيئين فهو كالعفو عن المال وإن قلنا القصاص فهو كالاقتصاص وفيه وجهان.
مسألة: "وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته"؛ وقدم على الحق المرتهن؛ لأنه فداؤه فإن يقدم على المالك فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه. "فإن فداه فهو رهن بحاله" فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع أراد الراهن فداءه فله ذلك؛ لأنه حق المجني عليه في قيمته لا في عينه ولسيده الخيار بين أن يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبين أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته؛ لأنه لا يلزمه أكثر من قيمة العبد ولا أكثر من الجناية, فإن كانت قيمته عشرين وأرش الجناية عشرة أو قيمته عشرة وأرش الجناية عشرين لم يلزمه أكثر من عشرة؛ لأنها أقل الأمرين منهما لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته, وعنه يلزمه أرش جنايته كلها أو تسليمه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني عليه فإن فداه فهو رهن بحاله؛ لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني عليه؛ لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن وإن سلمه بطل الرهن لما ذكرنا.
مسألة: "وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفى الحق من ثمنه وباقيه للراهن", وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله فإن كان أذن المرتهن في بيعه أو للعدل الذي هو في يده باعه ووفى الدين؛ لأن هذا هو المقصود من الرهن وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه فيصح كما في غير الرهن وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه؛ لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز للحاكم ذلك كما لو أذن فيه.
مسألة: "وإذا شرط المرتهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى الضمين أن يضمن خير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين", وذلك أن البيع بهذا الشرط

إقامته بلا رهن ولا ضمين.
ـــــــ
صحيح والشرط صحيح أيضا لأنه من مصلحة العقد غير مناف لمقتضاه ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوما فيشترط معرفة الرهن والضمين معا إما بالمشاهدة أو الصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم, ويتعين القبض ويعرف الضمين بالإشارة إليه أو تعريفه بالاسم والنسب ولا يصح بالصفة بأن يقول رجل غني من غير تعيين؛ لأن الصفة لا تأتي عليه بخلاف الرهن, ولو قال بشرط رهن أو ضمين لكان فاسدا؛ لأن ذلك يختلف وليس له عرف ينصرف إليه بالإطلاق. إذا ثبت هذا فإن المشتري إذا وفى بالشرط وسلم الرهن أو ضمن له الضمين لزم البيع, وإن امتنع الراهن من تسليم الرهن أو أبى الضامن أن يضمن عنه فللبائع الخيار بين فسخ البيع -لأنه إنما بذل ماله بهذا الشرط فإذا لم يسلم له استحق الفسخ كما لو لم يأته بالثمن- وبين إتمامه أو الرضى به بلا رهن, ولا ضمين لأن ذلك حقه وقد أسقطه فيلزمه البيع عند ذلك كما لو لم يشترطه

باب الصلح
ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم يجعل وفاء الباقي شرطا في الهبة والإبراء أو يمنعه حقه إلا بذلك أو يضع بعض المؤجل ليعجل لو الباقي ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق والورق عن الذهب إذا
ـــــــ
باب الصلحمسألة: "ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز ما لم يجعل وفاء الباقي شرطا في الهبة والإبراء أو يمنعه حقه إلا بذلك" وذلك لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه. قال أحمد: ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشرط, وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر, ويجوز للقاضي فعل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, ولو قال للغريم أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته -أو على أن توفيني باقيه- لم يصح؛ لأنه جعل إبراءه عوضا عن إعطاءه فيكون معاوضا لبعض حقه ببعض ولا تصح بلفظ الصلح لأن معنى صالحني عن المائة بخمسين أي بعني وذلك غير جائز لما ذكرناه ولأنه ربا.
مسألة: "أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي" يعني لو صالح عن المؤجل ببعضه حالا مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين حالة لم يجز؛ لأنه ربا وهو بيع بعض ماله ولأن بيع الحلول غير جائز.
مسألة: "ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس", وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان فهذا صرف يعتبر له شروط

أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس ومن كان له دين على غيره لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شئ جاز وإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح في حقه باطل ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز
ـــــــ
الصرف من القبض في المجلس وسائر شروطه.
مسألة: "ومن كان له على غيره حق لا يعلمه المدعى عليه فصالحه على شيء جاز, فإن كان أحدهما يعلم كذبه في نفسه فالصلح باطل" في حقه, وهذا هو الصلح على الإنكار وهو أن يدعي على إنسان عينا في يده أو دينا في ذمته لمعاملة أو جناية أو إتلاف أو غصب أو تفريط في وديعة أو مضاربة ونحو ذلك فينكره ويصالحه بمال فيصح إذا كان المنكر معتقدا بطلان الدعوى فيدفع إليه المال افتداء ليمينه ودفعا للخصومة عن نفسه, والمدعي يعتقد صحتها فيأخذه عوضا عن حقه الثابت له لأنه صلح يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار ويكون بيعا في حق المدعي لأنه يأخذ المال عوضا عن حقه فيلزمه حكم إقراره حتى لو كان العوض شقصا وجبت الشفعة, وإن وجد به عيبا فله رده ويكون إبراء في حق المنكر لاعتقاده أن ملكه المدعي لم يتجدد بالصلح وإنما يدفع المال افتداء ليمينه لا عوضا, فلو كان المدعي شقصا لم تجب فيه الشفعة ولو وجد فيه عيبا لم يملك رده كمن اشترى عبدا ذقد أقر بحريته فإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح باطل في الباطن وما يأخذه بالصلح حرام لأنه يأكل مال أخيه بباطله ويستخرجه منه بشره وهو في الظاهر صحيح لأن ظاهر حال المسلمين الصحة والحق.
مسألة: "ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز"؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فإذا اتفقا عليه جاز كما لو اتفقا على أن يتبارآ.

باب الوكالة
وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك
ـــــــ
باب الوكالةمسألة: "وهي جائزة في كل ما تجوز النيابة فيه إذا كان الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه" تجوز الوكالة بإجماع الأمة في الجملة وتجوز في الشراء والبيع والنكاح؛ لأن النيابة تدخلها بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد دينارا وأمره أن يشتري به شاة, وقال الله سبحانه وتعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ}. وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}, فجوز العمل عليها. وقال جابر بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أريد الخروج إلى خبير فقال:

منه وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وفسخه لها وجنونه والحجر عليه لسفه, وكذلك في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظا أو عرفا وليس له توكيل غيره ولا
ـــــــ
"ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشرة وسقا فإذا ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته", وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة, وتجوز الوكالة بشرط أن تكون فيما تدخله النيابة كالبيع والشراء والنكاح لما سبق وتجوز في الرهن والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والوصية والهبة والوقف والصدقة؛ لأنها كلها تدخلها النيابة وهي في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه ولا نعلم في شيء من ذلك خلافا, ويشترط أن يكون الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه بنفسه؛ لأن من لا يصح تصرفه بنفسه فكيف يصح بنائبه.
مسألة: "وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما وجنونه والحجر عليه لسفه" لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف ويبطل بفسخ كل واحد منهما؛ لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل الطعام.
مسألة: "وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة" لذلك.
مسألة: "وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظا أو عرفا"؛ لأن الإنسان ممنوع من التصرف في حق غيره وإنما أبيح لوكيله التصرف فيه بإذنه فيجب اختصاص تصرفه فيما تناوله إذنه إما لفظا كقوله بع ثوبي بعشرة, وإما عرفا كبيعه الثوب بعشرة وزيادة إما من جنس العشرة كبيعه بأحد عشر وما زاد عليها أو من غير جنسها كعشرة وثوب؛ لأن الزيادة تنفعه ولا تضره وكل أحد يريد ذلك ويرضاه بحكم العرف.
مسألة: "وليس" للوكيل "توكيل غيره" وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن ينهاه الموكل عن التوكيل فلا يجوز له ذلك رواية واحدة؛ لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز له كما لو لم يوكله. الثاني: أذن له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة لأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك كما لو أذن له في البيع ولا نعلم في هذين خلافا. الثالث: أطلق الوكالة فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة فإنه يجوز له التوكيل فيها؛ لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل بنفسه عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة به فيه. الحال الثاني: أن يكون عملا لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعله جميعه فإنه يجوز له التوكيل فيه أيضا لما ذكرنا الحال الثالث أن يكون

الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن موكله وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز وإلا لزم من اشتراه, والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي, وإذا قضى الدين بغير بينة ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل ويجوز التوكيل بجعل وبغيره, فلو قال بع هذا بعشرة فما زاد فلك صح
ـــــــ
مما لا يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه لأنه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه عنه؛ ولأنه استئمان فإذا استأمنه فيما يمكنه النهوض به لم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه كالوديعة, وعنه له أن يوكل فيه لأن الوكيل يملك التصرف بنفسه فيملكه بنائبه كالملك وكما لو وكله فيما لا يتولى مثله بنفسه.
مسألة: وليس للوكيل "الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن"؛ لأن العرف في العقد أن يعقده مع غيره فحمل التوكيل عليه, ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان يجز كما لو نهاه عنه, وعنه يجوز لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح كما لو كان من أجنبي وإنما يصبح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء أو يوكل من يبيع ويكون هو أحد المشترين لتنتفي التهمة. قال القاضي: ويحتمل أن لا يشترط ذلك لأنه قد امتثل أمره فأما إذا أذن له في ذلك فقد عمل بمقتضى التوكيل.
مسألة: "وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز"؛ لأن المشتري في الذمة لا ينصرف في حق المشتري له إنما ينصرف في ذمة نفسه فتحصيل شيء له موقوف على إجازته ورضاه, فإن أجازه كان له وإن رده "لزم من اشتراه" لأنه ألزم بت.
مسألة: "والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد"؛ لأنه نائب والمالك أشبه المودع "والقول قوله في الرد والتلف ونفي التعدي" لذلك.
مسألة: "وإن قضى الدين بغير بينة" وأنكره الغريم "ضمن"؛ لأن الموكل لا يقبل قوله على الغريم فكذلك وكيله.
مسألة: "إلا أن يكون قضاه بحضرة الموكل" فلا ضمان عليه لأن التفريط من الموكل حيث لم يشهد وإن قضاه في غيبته ولم يشهد ضمن؛ لأنه أذن له في قضاء مبرم ولم يوجد وعن أحمد رحمه الله لا يضمن إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل لم يضمن الوكيل وإن كذبه فالقول قول الوكيل؛ لأنه أمينه فيقبل قوله عليه في تصرفه كما يقبل قوله في البيع والقبض.
مسألة: "ويجوز التوكيل بجعل وبغيره" لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه كرد الآبق "فإذا قال: بع بعشرة فما زاد فهو لك صح" وله الزيادة لأن ابن عباس رضي الله عنه كان لا يرى بذلك بأسا.

باب الشركة
وهي على أربعة أضرب: "شركة العنان": وهي أن يشتركا بماليهما وبدنيهما. "وشركة الوجوه": وهي أن يشتركا فيما يشتريان بجاهيهما. "والمضاربة": وهي أن يدفع
ـــــــ
باب الشركةمسألة: "وهي على أربعة أضرب: شركة العنان وهي أن يشتركا بماليهما وبدنيهما" وربحه لهما فينفذ تصرف كل واحد منهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه وهي جائزة بالإجماع, ذكره ابن المنذر. وإنما اختلف في بعض شروطها وسميت شركة العنان لأنهما يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيهما يكونان سواء, ولا تصح إلا بشرطين: "أحدهما": أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير ولا خلاف في صحة الشركة بهما لأنهما أثمان البياعات وقيم الأموال.
مسألة: ولا يصح بالعروض وهو ظاهر المذهب لأن هذه الشركة لا تخلو إما أن تقع على الأعيان أو قيمتها أو أثمانها لا يجوز وقوعها على الأعيان؛ لأنها تقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال ولا مثل لها فيرجع إليه وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح وتنقص قيمته فيؤدي إلى مشاركة الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح ولا على أثمانها؛ لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها ولأنها تصير عند من يجوزها شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان, ولا يجوز أن تكون واقعة على قيمتها لأن القيمة غير متحققة المقدار فيفضي إلى التنازع ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في ثمن العين التي هي ملكه. وعنه يجوز وتجعل قيمتها وقت العقد برأس المال ودليله أن مقصود الشركة أن يملك كل واحد منهما نصف مال الآخر وينفذ تصرفهما وهذا موجود في العروض فصحت الشركة فيها كالأثمان. "الشرط الثاني": أن يشترطا لكل واحد منهما جزءا من الربح مشاعا معلوما ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ولأن استحقاق المضارب للربح بعمله فجاز ما يتفقان عليه من قليل وكثير كالأجرة في الإجارة وكالجزء من الثمرة في المساقاة والمزارعة.
الضرب الثاني: "شركة الوجوه وهو أن يشتركا فيما يشتريان بجاههما" وثقة التجار بهما فما ربحا فهو بينهما؛ لأن مبناها على الوكالة والكفالة لأن كل واحد منهما وكيل

أحدهما إلى الآخر مالا يتجر فيه ويشتركان في ربحه. "وشركة الأبدان": وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح: إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه؛ لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم آت أنا وعمار بشيء.
والربح في جميع ذلك على ما شرطاه والوضيعة على قدر المال, ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين والحكم في المساقاة والمزارعة
ـــــــ
صاحبه فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك والملك بينهما على ما شرطاه نصفين أو أثلاثا أو أرباعا, والوضيعة على قدر ملكيهما فيه ويبيعان فما رزق الله تعالى فهو بينهما على ما شرطاه فهو جائز ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما وهما في جميع تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما في إقرارهما وخصومتهما بمنزلة شريكي العنان على ما سبق.
الضرب الثالث. "المضاربة وهو أن يدفع أحدهما ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما" ويسمى مضاربة وقراضا: وينعقد بلفظهما وكل ما يؤدي معناهما؛ لأن القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة. ذكره ابن المنذر. ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا؛ ولأن بالناس حاجة إليها فإن الدراهم والدنانير لا تنمو إلا بالتقليب والتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسن له رأس مال فاحتيج إليها من الجانبين فشرعها الله سبحانه لدفع الحاجتين.
الضرب الرابع "شركة الأبدان وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما من المباح: إما بصناعة أو احتشاش أو اصطياد ونحوه" كالاحتطاب والتلصص على دار الحرب وفي المعادن وسائر المباحات فهي صحيحة. لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجيء أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين. رواه أبو داود1 واحتج به أحمد.
مسألة: "والربح في جميع ذلك على ما شرطاه"؛ لأن الحق لا يخرج عنهما, "والوضيعة على قدر المال" وهي الخسارة على كل واحد منهما بقدر ماله: إن كان متساويا تساويا في الخسران وإن كان أثلاثا كان أثلاثا ولا نعلم فيه خلافا.
مسألة: "ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين" لأن ذاك
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في البيوع: حديث رقم 3388.

كذلك وتجبر الوضيعة من الربح وليس لأحدهما البيع بنسيئة ولا أخذ شيء من الربح إلا بإذن الآخر.
و تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم والمزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما
ـــــــ
يفضي إلى جهل حق كل واد منهما من الربح ومن شرط المضاربة كون ذلك معلوما فيفسد بها العقد؛ لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأفسد العقد كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا ويخرج في ذلك روايتان: إحداهما لا يبطل به عقد الشركة؛ لأنه إذا حذف من الشرط بقي الإذن بحاله والأخرى يبطل العقد؛ لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضا به ففسد كالشروط الفاسدة في البيع.
مسألة: "والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك" يعني أن ذلك عقد جائز يشترط له من الشروط ما يشترط للمضاربة ويفسده ما يفسدها, وسيأتي ذكرها إن شاء الله.
مسألة: "وتجبر الوضيعة من الربح" لأن الربح الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح وهذا لا نعلم فيه خلافا.
مسألة: "وليس لأحدهما البيع نسيئة" لأن فيه تغريرا بالمال وفيه وجه آخر يجوز لأن عادة التجار البيع نسأ والربح فيه أكثر.
مسألة: "وليس له أن يأخذ من الربح شيئا إلا بإذن الآخر" لأنه إذا أخذ من الربح شيئا يكون قرضا في ذمته فلا يجوز إلا بإذن كما في الوديعة.
مسألة: "وتجوز المساقاة في كل شجر له ثمر بجزء من ثمره مشاع معلوم" لما روى عبد الله بن عمر قال: عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع, متفق عليه. وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي, ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع.
مسألة: وتجوز "المزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما" لحديت " ابن عمر وفي لفظ: على أن يعمروه من أموالهم" ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. "وعلى العامل ما جرت العادة بعمله" في المساقاة والمزارعة من الحرث والزبار والتلقيح وإصلاح طرق الماء والحصاد والدراس والذرى؛ لأن لفظهما يقتضي ذلك وموضعها أن العمل من العامل وأصل المال وما يتعلق ببقائه من رب المال فيلزمه ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء الأنهار وعمل الدولاب وما يديره وشراء ما يلقح بت, فإذا أطلق العقد فعلى كل واحد منهما ما ذكرنا وإن شرطا ذلك كان تأكيدا.

لقول ابن عمر: عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وثمر. وفي لفظ: على أن يعمروها من أموالهم, وعلى العامل ما جرت العادة بعمله ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك.
ـــــــ
مسألة: "ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك" لأنه يشبه ما لو دفع ماله إلى من يتجر فيه والربح بينهما, ويشترط أن يكون ما بينهما معلوما كالمضاربة

باب إحياء الموات
وهي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك فمن أحياها ملكها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها"
ـــــــ
باب إحياء المواتمسألة: "وهي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك", وهي نوعان: أحدهما أرض لم يجر عليه ملك فهذه تملك بالإحياء؛ لما روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له". أخرجه الترمذي, وقال: حديث حسن صحيح. النوع الثاني: ما كان فيها من آثار الملك ولا يعلم لها مالك ففيها روايتان: إحداهما تملك بالإحياء للخبر ولما روى طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد". رواه أبو عبيد في الأموال, ولأنه في دار الإسلام فيملك كاللقطة. والثانية: لا تملك لأنها إما لمسلم أو ذمي أو بيت المال فلم يجز إحياؤها كما لو تعين مالكها.
مسألة: "وإحياؤها عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها" والمرجع في ذلك إلى العرف فما تعارفه الناس أنه إحياء فهو إحياء؛ لأن الشرع ورد به ولم يثبته فيرجع فيه إلى العرف كما رجعنا إلى ذلك في القبض والإحراز فإذا ثبت هذا فإن الأرض تحيا دارا للسكنى أو حظيرة ومزرعة. فأما الدار فأن يبني حيطانها وسقفها لأنها لا تكون للسكنى إلا كذلك, وإن أرادها حظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها وإن أرادها للزراعة فأن يحوط عليها بتراب أو غيره مما تتميز به عن غيرها ويسوق إليها ماء من نهر وبئر فإنها تصير محياة وإن لم يزرعها وإن كانت من الأرض التي لا تحتاج إلى ماء فأن يعمل فيها ما تتهيأ به للزراعة من قلع أحجارها وأشجارها وتمهيدها وذكر القاضي رواية أخرى في صفة الإحياء وهو أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء لما روى ابن عبد البر في كتابه عن سعيد وغيره من أصحاب قتادة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحاط حائطا على أرض فهي له" رواه أبو داود وأحمد في المسند ومثله عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء أشبه ما لو جعلها للغنم حظيرة.

كالتحويط عليها وسوق الماء إليها إن أرادها للزرع وقلع أشجارها وأحجارها المانعة من غرسها وزرعها وإن حفر فيها بئرا فوصل إلى الماء ملك حريمه وهو خمسون ذراعا من كل جانب إن كانت عادية, وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا
ـــــــ
مسألة: "وإن حفر بئرا فوصل إلى الماء ملك حريمه وهو خمسون ذراعا من كل جانب إن كانت عادية وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا"؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعا وحريم العادي خمسون ذرعا".

باب الجعالة
وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا فمن فعل ذلك استحق الجعل؛ لما روى أبو سعيد: أن قوما لدغ رجل منهم فأتوا أصحاب رسول الله فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لا حتى تجعلوا لنا شيئا, فجعلوا لهم قطيعا من الغنم فجعل رجل منهم يقرأ بفاتحة الكتاب ويرقي ويتفل حتى برأ فأخذوا الغنم وسألوا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وما يدريكم أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم بسهم". ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه
ـــــــ
باب الجعالةمسألة: "وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا فمن فعل ذلك استحق الجعل", لقوله سبحانه وتعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} 1, وروى أبو مسعود أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن ويجمع ريقه وبتفل فبرأ الرجل,فأتوهم بالشاء فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما يدريك أنها رقية خذوها واضربوا لي فيها بسهم". متفق عليه2. ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالأجرة.
مسألة: "ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه"؛ لأنه يجب عليه ردها إذا وجدها فلا يجوز له الأخذ على الواجب.
ـــــــ
1 - آية 72 سورة يوسف.
2 - رواه البخاري في فضائل القرآن: حديث رقم 5007. ومسلم في السلام: حديث رقم 65, 66.

باب اللقطة
وهي على ثلاثة أضرب: "أحدها": ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به من غير تعريف لقول جابر: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به. "الثاني": الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوها فلا يجوز أخذها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال: "ما لك ولها؟ دعها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها". ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه ولم يبرأ إلا بدفعه إلى نائب الإمام. "الثالث": ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من كل صغار السباع, فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة.
ـــــــ
باب اللقطةمسألة: "وهي على ثلاثة أضرب: أحدها ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به" كالسوط والشسع والرغيف فيملك "بلا تعريف"؛ لما روى "جابر" قال: "رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به", رواه أبو داود1. "الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل" والبقر والبغال "فلا يجوز" التقاطها, لقوله عليه السلام لما "سأل عن ضالة الإبل" في حديث زيد بن مالك: "ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها". متفق عليه2.
مسألة: "ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه" لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع له فهو كالغاصب.
"الثالث: ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من صغار السباع فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولا في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه بغير بينة"؛ لما روى زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال: "اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه". الحديث متفق عليه3.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في اللقطة: حديث رقم 1717.
2 - رواه البخاري في العلم: حديث رقم 91. ومسلم في اللقطة: حديث رقم 1, 2.
3 - المصدر عاليه.

وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو مثله. إن كان قد هلك وإن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة أو شيئا يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه, ثم يعرفه لما روى زيد بن خالد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال: "اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه" وسأله عن الشاة فقال: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب". وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها
"فصل في اللقيط" هو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته وإسلامه وما وجد عنده من المال فهو له وولايته لملتقطه إذا كان مسلما عدلا ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه وما خلفه فهو فيء,
ـــــــ
مسألة: "وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو مثله إن كان قد هلك" لحديث زيد.
مسألة: "وإن كان حيوانا يحتاج إلى مؤنة أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه" لأن في حديث زيد وسأله عن الشاة فقال: "خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب".
مسألة: "وإن هلكت اللقطة فى حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها" لأنها عنده أمانة فهي كالمودع.
"فصل في اللقيط: وهو الطفل المنبوذ وهو محكوم بحريته"؛ لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري أنه سمع شبيبا أبا جميلة قال: وجدت ملقوطا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال عريفي: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم, فقال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته, أو قال: رضاعه, وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر؛ ولأن الأصل في الآدميين الحرية فيكون حرا.
مسألة: "ويحكم بـ "إسلامه" في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها.
مسألة: "ومما يوجد عنده من المال فهو له" وكذلك ما يوجد عليه من الثياب والحلي أو تحته من فراش أو سرير أو غيره لأنه آدمي حر فأشبه البالغ.
مسألة: "وولايته لملتقطه إذا كان مسلما عدلا" لحديث أبي جميلة يعني: ولاية حفظه والإنفاق عليه "ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه" لذلك.
مسألة: "وما خلفه فهو فيء" وذلك أن ميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال إن لم

ومن ادعى نسبه ألحق به إلا إن كان كافرا ألحق به نسبا لا دينا, ولم يسلم إليه.
ـــــــ
يخلف وارثا معروفا كغيره من المسلمين. وأما حديث أبي جميلة وقول عمر: ولاؤه لك, فقال ابن المنذر: هو رجل مجهول وما يقوم بحديثه حجة, يعني: أبا جميلة, ويحتمل أن عمر عنى لك ولاية حفظه والقيام به. وحديث واثلة: "تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه" لا يثبت أيضا فيكون حكمه في الميراث حكم من ثبت نسبه وانقرض أهله, يدفع ميراثه إلى بيت المال.
مسألة: "ومن ادعى نسبه ألحق به" مسلما كان أو كافرا لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر له بمال, ويتبع الكافر نسبا لا دينا لأنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يزول ذلك بدعوى كافر.
مسألة: "ولم يدفع إليه" يعني إلى الكافر لأنه لا ولاية لكافر على مسلم.

باب السبق
تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها, ولا تجوز بجعل إلا في الخيل والإبل والسهام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر". فإن كان لجعل من غير المستبقين جاز وهو للسابق منهما وإن كان من أحدهما فسبق
ـــــــ
باب السبقمسألة: "وتجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها" الدواب والأقدام والسفن والمزاريق وغيرها؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع, وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق", متفق عليه1. وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه, وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يربعون حجرا أي يرفعونه ليعلم الشديد منهم فلم ينكر عليهم.
مسألة: "ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام"؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر". رواه أبو داود2, فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعا بينه وبين ما سبق من الأحاديث, والمراد بالحافر الخيل خاصة وبالخف الإبل وبالنصل السهام, فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه وملاعبة أهله ورميه بقوسه ونبله"؛ ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر ولا للفر في القتال, وغير السهام لا يعتاد الرمي بها فلم تجز المسابقة بها كالبقر.
مسألة: "فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز وهو للسابق منهما"؛ لأنه إخراج مال
ـــــــ
1 - رواه البخاري في الجهاد: حديث رقم 2869. ومسلم في: الإمارة: حديث رقم 95.
2 - رواه أبو داود في الجهاد: حديث رقم 2474.

المخرج أو جاءا معا أحرز سبقه ولا شيء له سواه وإن سبق الآخر أخذه وإن أخرجا جميعا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار, ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار". فإن سبقهما أحرز سبقيهما وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه, ولا بد من تحديد المسافه وبيان الغاية وقدر الإصابة وصفتها وعدد الرشق
ـــــــ
لمصلحة فجاز أن يكون من غيرهما كارتباط الخيل في سبيل الله عز وجل, ويكون للسابق منهما لأنه ليس بقمار.
مسألة: "وإن كان" العوض "من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معا أحرز سبقه ولا شيء له سواه" أما إذا جاءا معا فلا شيء لهما؛ لأنه لم يسبق واحد منهما وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئا لأنه لو أخذ شيئا كان قمارا.
مسألة: "وإن سبق الآخر" أحرز سبق صاحبه لأنه ليس بقمار.
مسألة: "وإن أخرجا جميعا لم يجز" لأنه يكون قمارا "إلا أن يدخلا بينهما محللا", وهو ثالث لم يخرج "يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما"؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار, ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار". رواه أبو داود, فجعله قمارا إذا أمن أن يسبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يؤمن أن يسبق لم يكن قمارا؛ لأن كل واحد لا يخلو من ذلك.
مسألة: "فإن سبقهما أحرز سبقيهما" بالاتفاق, "وإن سبق" أحد المستبقين وحده "أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه" ولم يأخذ من المحلل شيئا, وإن سبق أحد المستبقين والمحلل الثالث أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين.
مسألة: "ولا بد من تحديد المسافة والغاية" بما جرت به العادة؛ لأن الغرض معرفة أسبقهما وأرماهما ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية؛ ولأن أحدهما قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في انتهائه وقد يكون بالضد فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه.
مسألة: ويشترط معرفة عدد "الإصابة وصفتها وعدد الرشق", الرشق: بكسر الراء عبارة عن عدد الرمي الذي يتفقان عليه, والرشق: بفتح الراء الرمي نفسه مصدر رشقت رشقا أي رميت رميا, اشترط معرفة عدده لأن الحذق في الرمي لا يعلم إلا بذلك, وعدد الإصابة ينبغي أن يكون معلوما فيكون الرشق مثلا عشرين والإصابة خمسة فيقولان أينا سبق إلى

وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد
ـــــــ
خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق اشترط ذلك ليبين أحذقهما.
مسألة: وأما صفة الإصابة فإن أطلقاها تناولها على أي صفة كانت؛ لأنها إصابة فإن قالا: "خواصل" كانت تأكيدا لأنه اسم لها كيف ما كانت, وتسمى الإصابة أيضا "القرع" ويقال: "قرطس" إذا أصاب ومن أسماء الإصابة الموارق, وهو ما نفذ الغرض ووقع من الجانب الآخر, ويسمى "الصادر" أيضا ومن أسمائها "خواسق" وهو ما خرق الغرض وثبت فيه و "خوارق" وهو ما خرق الغرض ولم يثبت فيه, و "خواصر" وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض, ومنه الخاصرة: لأنها في جانب الإنسان, فإن عينا شيئا من ذلك تقيدت المفاضلة به لأن المرجع في ذلك إلى شرطها.
مسألة: "وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد"؛ لأن المقصود منها الإصابة وليس البعد مقصودا.

باب الوديعة
وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى وإن لم يحفظها في حرز مثلها أو مثل الحرز الذي أمر بإحرازها فيه
ـــــــ
باب الوديعة"وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى" سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب, وعنه إن ذهبت من بين ماله غرمها؛ لما روي عن عمر بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله, ودليل الأولى أن الله سبحانه سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة, ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المودع ضمان" . ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة؛ ولأن المستودع يحفظها لصاحبها متبرعا فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع فيضربهم لحاجتهم إليها, وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه. فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه.
مسألة: "ويلزمه حفظها في حرز مثلها فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن"؛ لأن الإيداع يقتضي الحفظ فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق والخشب في الحضائر والغنم في الصير.
مسألة: "فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن"؛ لأن صاحبها لم يرضه وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن؛ لأن من رضي شيئا رضي مثله وفوقه وقيل

أو تصرف فيها لنفسه أو خلطها بما لا تتميز منه أو أخرجها لينفقها ثم ردها أو كسر ختم كيسها أو جحدها ثم أقر بها, أو امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها, وإن قال ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه, وإن قال: ما لك عندي شيء ثم ادعى ردها أو تلفها قبل, والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعي
ـــــــ
يضمن لأنه خالف أمره لغير حاجة أشبه ما لو نهاه.
مسألة: "وإن تصرف فيها لنفسه" فركب الدابة لغير نفعها أو لبس الثوب فتلف "ضمن"؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه.
مسألة: "وإن خلطها بما لا تتميز منه" فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها, فوجب أن "يضمنها" كما لو ألقاها في مهلكة.
مسألة: "وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن"؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر.
مسألة: "وإن كسر ختم كيسها" ضمن لذلك.
مسأله: "وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها"؛ لأنه بجحده بطل استئمانه عليها.
مسألة: وإن "امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها"؛ لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب.
مسألة: "وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه"؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.
مسألة: "وإن قال ما لك عندي شيء ثم ادعى ردها أو تلفها قبل"؛ لأن من تلفت الوديعة عنده من غير تفريط من حرزه فلا شيء لمالكها عنده.
مسألة: "والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير"؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته عام حجة الوداع: "العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم". وروى صفوان ابن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا, فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة". رواه أبو داود.

كتاب الإجارة
باب الإجارات...
كتاب الإجارةوهي عقد على المنافع لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها ولا تنفسخ بموته ولا جنونه, وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها, وللمستأجر فسخها بالعيب قديما كان أو حادثا, ولا تصح إلا على نفع معلوم إما بالعرف كسكنى دار أو بالوصف كخياطة ثوب معين أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضع
ـــــــ
باب الإجارات
"وهي عقد على المنافع" كسكنى الدار والحمل إلى مكان معين وخدمة الإنسان قال الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}, وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ}؛ ولأن الحاجة تدعو إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز عقد البيع على الأعيان وجب أن يجوز عقد الإجارة على المنافع.
مسألة: "وهي عقد لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها"؛ لأنها عقد بيع أشبهت بيوع الأعيان.
مسألة: "ولا تنفسخ بموته ولا جنونه" كالبيع "وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها", كما لو تلف المكيل قبل قبضه وكذلك إذا تعيبت كدار استأجرها فانهدمت أو أرض انقطع ماؤها؛ لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت فأشبه تلف العبد, وفيه وجه آخر لا تنفسخ لأنه يمكن الانتفاع به بالسكنى في خيمة أو يجمع فيها حطبا أو متاعا لكن له الفسخ لأنها تعيبت.
مسألة: "ولا تصح الإجارة إلا على نفع معلوم إما بالعرف كسكنى الدار وإما بالوصف كخياطة ثوب معين, أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضع معين وضبط ذلك بصفاته" فيشترط أن يكون النفع معلوما؛ لأنه المعقود عليه فأشبه المبيع ويحصل العلم بالعرف كسكنى الدار شهرا والأرض عاما وبناء حائط يصف طوله وعرضه وارتفاعه. "كما يشترط معرفة الأجرة" ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع.

معين وضبط ذلك بصفاته أو معرفة أجرته وإن وقعت على عين فلا بد من معرفتها ومن استأجر شيئا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه وإن استأجر أرضا لزرع فله زرع ما هو أقل منه ضررا فإن زرع ما هو أكثر منه ضررا أو يخالف ضرره ضرره فعليه أجرة المثل وإن اكترى إلى موضع
ـــــــ
مسألة: "وإن وقعت" الإجارة "على عين فلا بد من معرفتها", وإجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن يكون على مدة كإجارة الدار شهرا أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة فيشترط معرفتها؛ لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها. القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين أو دراس زرع فتشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف كيلا يفضي إلى التنازع والاختلاف كما قلنا في المبيع.
مسألة: "ومن استأجر شيئا فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه" فإذا اكترى دارا فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر؛ لأنه لم يزد على استيفاء حقه ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضررا منه لأنه يأخذ فوق حقه.
مسألة: "وإن استأجر أرضا لزرع فله زرع ما هو أقل ضررا منه" فإذا استأجر أرضا لزرع حنطة فله أن يزرع شعيرا أو باقلاء, وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه كالدخن والذرة والقطن؛ لأن ضررها أكثر ولا يملك الغرس ولا البناء لأنه أضر من الزرع.
مسألة: ولا يجوز له أن "يخالف ضرره ضرره" مثل القطن والحديد إذا اكترى لأحدهما لم يملك حمل الآخر؛ لأن ضررهما يختلف فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله والقطن يتجافى وتهب فيه الريح فينصب الظهر, فإن فعل شيئا من ذلك فعليه أجرة المثل لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها فلزمه "أجرة المثل", كما لو استأجر أرضا لزرع شعير فزرعها قمحا أو كما لو حمل عليها من غير استئجار.
مسألة: "وإن اكترى إلى موضع فجاوزه" كمن يكتري دابة إلى حمص فركبها إلى حلب "أو لحمل شيء فيزيد عليه" كمن اكترى لحمل قنطار فحمل قنطارا ونصفا, "فعليه" الأجرة المذكورة "وأجرة المثل للزائد"؛ لأنها غير مأذون فيها فلزمه أجرتها كما لو غصبها في الجميع. وقال أبو بكر: عليه أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى والأول أجود؛ لأنه إنما عدل في الزيادة لا غير فنقول فعل المعقود عليه وزاد فلزمته الأجرة المذكورة للمعقود عليه وأجرة المثل للزيادة لأنها غير مأذون فيها أشبه ما لو استأجر أرضا فزرعها وزرع أخرى.

فجاوزه أو لحمل شيء فزاد عليه فعليه أجرة المثل للزائد وضمان العين إن تلفت, وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه, ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط, ولا على حجام أو ختان أو طبيب إذا عرف منه حذق في الصنعة ولم تجن أيديهم
ـــــــ
مسألة: "و" يلزمه "ضمان العين إن تلفت" بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن؛ لأنها تلفت بالجناية عليها وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه وهو ساكت فإن الضمان يلزمه.
مسألة: "وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه" لأنه غير متعد.
مسألة: "ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط", والإجارة على ضربين: خاص ومشترك فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية شهرا أو سنة أو أكثر سمي خاصا لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل أن تهلك الماشية معه أو تنكسر آله الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد لأنه أمين فلم يضمن من غير تعد كالمودع والتعدي أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها حتى تبعد منه بعدا فاحشا فيأكلها الذئب, أو يضرب الشاة ضربا كثيرا فيضمن بعدوانه. والضرب الثاني: الأجير المشترك وهو الذي يقع العقد معه على عمل معين كخياطة ثوب أو بناء حائط سمي مشتركا لأنه يعمل للمستأجر وغيره يتقبل أعمالا كثيرة في وقت واحد فيشتركون في منفعته فيضمن ما جنت يده مثل أن يدفع إلى حائك عملا فيفسد حياكته أو القصار يخرق الثوب بدقه أو عصره والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه, والخباز في خبزه لما روى جلاس بن عمرو أن عليا رضي الله عنه كان يضمن الأجير ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق وكان ضامنا لها كالمستعير.
مسألة: "ولا" ضمان "على حجام ولا ختان أو طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم" إذا فعل هؤلاء ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين: أحدهما أن يكونوا ذوي حذق وبصارة في صنعتهم ومعرفة بها. والثاني: ألا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما أمروا به لأنهم إذا كانوا كذلك فقد فعلوا فعلا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق أو فعلا مباحا مأمورا به أشبه ما ذكرنا.
مسألة: فأما إذا لم يعرف منهم حذق الصنعة فلا يحل لهم مباشرة القطع فإن قطعوا مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء, وإن كانوا حذاقا إلا أن أيديهم جنت مثل أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو بعضها أو يقطع في غير محل القطع أو

ولا على الراعي: إذا لم يتعد ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف حرزه.
ـــــــ
في وقت لا يصلح القطع فيه فإنه يضمن؛ لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ, ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.
مسألة: "ولا" ضمان "على الراعي إذا لم يتعد" لأنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد كالمودع والتعدي أن ينام عنها أو يتركها حتى تبعد عنه كثيرا, وشبه ذلك إذا فعل هذا ضمن لأنه تلف بعدوانه.
مسألة: "ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه", وذلك أن القصار إذا أتلف الثوب بقوة الدق والعصر والخياط بخياطته فإنه يضمن لأنه قبض العين لمنفعته فأشبه المستعير فأما إن تلفت من حرزه فلا يضمن لأنه أمين فأشبه المودع.

باب الغصب
وهو استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق.
من غصب شيئا فعليه رده وأجرة مثله إن كان له أجرة مدة مقامه في يده, وإن نقص فعليه أرش نقصه, وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه سواء جنى على سيده أو أجنبي وإن جنى عليه أجنبي فلسيده تضمين من شاء منهما
ـــــــ
باب الغصبوهي الاستيلاء على مال غيره بغير حق:
مسألة: "ومن غصب شيئا فعليه رده", لقوله عليه السلام: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". "و" عليه "أجرة مثله مدة مقامه في يده"؛ لأنه فوت عليه منفعته, والمنافع لها قيمة فيضمنها كالأعيان.
مسألة: "وإن نقص فعليه أرش نقصه"؛ لأنه يلزمه ضمان جميع المغصوب لو تلف فيلزمه ضمان بعضه بقيمته قياسا للبعض على الكل.
مسألة: "وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه", يعني: على الغاصب, "سواء جنى على سيده أو أجنبي"؛ لأنه نقص في حق العبد لكونه يتعلق برقبته فكان مضمونا على الغاصب كسائر نقصه.
مسألة: "وإن جنى عليه أجنبي فلسيده تضمين من شاء منهما", الجاني: لأنه أتلف, والغاصب: لأن نقص العبد حصل وهو في يده فلزمه ضمانه كما لو كان هو المتلف؛ لأن

وإن زاد المغصوب رده بزيادته سواء كانت متصلة أو منفصلة وإن زاد أو نقص رده بزيادته وضمن نقصه سواء زاد بفعله أو بغير فعله فلو نجر الخشبة بابا أو عمل الحديد إبرا ردهما بزيادتهما وضمن نقصهما إن نقصا, ولو غصب قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو ثوبا فقصره أو فصله وخاطه أو حبا فصار زرعا أو نوى فصار شجرا أو بيضا فصار فراخا فكذلك, وإن غصب عبدا فزاد في بدنه أو بتعليمه ثم ذهبت الزيادة رده وقيمة الزيادة, وإن تلف المغصوب أو تعذر رده فعليه مثله إن كان مكيلا أو موزونا وقيمته إن لم يكن كذلك ثم إن قدر على رده رده ويأخذ القيمة
ـــــــ
الجناية إن كانت غير مقدرة كشجة دون أرش الموضحة لزم فيها ما نقص من قيمته, وإن كانت على شيء مقدر كقطع يده أو قلع عينه فكذلك في إحدى الروايتين؛ لأنه ضمان مال أشبه ضمان البهيمة وفي الأخرى يجب نصف قيمته ويخرج أن يجب أكثر الأمرين منهما؛ لأن سبب ضمان كل واحد منهما قد وجد فوجب أكثرهما فإن ضمن الغاصب أكثر الأمرين رجع على الجاني بنصف قيمته لا غير؛ لأن ضمانه ضمان الجناية وإن ضمن الجاني ضمنه نصف القيمة لأن جنايته لا توجب أكثر من ذلك ويطالب الغاصب بتمام النقص كما لو أتلفه.
مسألة: "وإن زاد المغصوب" أو نقص "رده بزيادته سواد كانت" الزيادة "متصلة" كالسمن وتعلم صنعة "أو منفصلة", كالورد والكسب؛ لأن ذلك نماء ملكه, ويضمن النقص لما سبق, و "سواء" كانت الزيادة بفعل الغاصب "أو بغير فعله" كمن "نجر الخشبة بابا أو عمل الحديد إبرا" لأن ذلك غير ماله فيلزمه "رده بزيادته" كما لو زاد بسمن أو تعلم صنعة "ويضمن النقص" لما سبق.
مسأله: "ولو غصب قطنا فنسجه أو ثوبا فقصره أو فصله وخاطه أو حبا فصار زرعا أو نوى فصار شجرا أو بيضا فصار فراخا فكذلك" لذلك.
مسألة: "وإن غصب عبدا فزاد في بدنه أو بتعليمه ثم ذهبت الزيادة رده وقيمة الزيادة"؛ لأنها زادت على ملك المغصوب منه فلزمه ضمانها كما لو كانت موجودة حال الغصب.
مسألة: "وإن تلف المغصوب أو تعذر رده فعليه مثله إن كان مكيلا أو موزونا وقيمته إن لم يكن كذلك". أما إذا تلف المغصوب فعليه مثله. قال ابن عبد البر: كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته وإن لم يكن كذلك فعليه قيمته؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل". متفق عليه1. فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق ولم يأمر
ـــــــ
1 -رواه البخاري في العتق: حديث رقم 2524. ومسلم في العتق: حديث رقم 1.

وإن خلط المغصوب بما لا يتميز به من جنسه فعليه مثله منه وإن خلطه بغير جنسه فعليه مثله من حيث شاء, وإن غصب أرضا فغرسها أخذ بقلع غرسه وردها وأرش نقصها وأجرتها, وإن زرعها وأخذ الغاصب الزرع ردها وأجرتها وإن أدرك
ـــــــ
بالمثل, وأما إذا تعذر رده مع وجوده فعليه مثله أو قيمته لذلك. "ثم إن قد ر على رده" بعد ذلك "رده" لأنه غير مال فيلزمه رده كما لو لم يتعذر رده, "ويأخذ القيمة"؛ لأن المالك أخذها على سبيل العوض عن ملكه فإذا رجع إليه ملكه ردها كما لو لم يكن أخذ شيئا.
مسألة: "وإن خلط المغصوب بما لا يتميز به من جنسه فعليه مثله منه" في أحد الوجهين, وهو قول ابن حامد لأنه قدر على دفع ماله إليه فلم ينتقل إلى البدل في الجميع كما لو غصب شيئا فتلف بعضه وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله, وفي الوجه الآخر يلزمه مثله من حيث شاء وهو قول القاضي لأنه تعذر رد عينه أشبه ما لو أتلفه كله.
مسألة: "وإن خلطه بغير جنسه فعليه مثله حيث شاء" لذلك.
مسألة: "وإن غصب أرضا فغرسها أخذ بقلع غرسه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" 1. ويلزمه "ردها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتى تؤدي". "و" يلزمه "أرش نقصها" لأنها لو تلفت جميعا لزمه قيمتها فإذا نقصت لزمه البعض كما يلزمه ضمان الجملة, ويلزمه الأجرة لأنه شغل ملك الغير بغير إذنه أشبه غصب الدابة.
مسألة: "وإن زرعها وأخذ الغاصب الزرع ردها وأجرتها" لذلك.
مسألة: "وإن أدرك الزرع قبل حصاده خير بين ذلك" يعني بين تركه بالأجرة لما سبق "وبين أخذ الزرع بقيمته"؛ لما روى رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وعليه نفقته". رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن.
مسألة: "وإن غصب جارية فوطئها وأولدها لزمه الحد"؛ لأنه زان لكونها ليست زوجته ولا ملك يمين "و" يلزمه "ردها", لقوله صلى الله عليه وسلم: "على كل يد ما أخذت حتى تؤدي". "ورد ولدها" لأنه نماء غير ملكه "و" يلزمه "مهر مثلها" سواء كانت مكرهة أو مطاوعة؛ لأن هذا حق للسيد فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها.
مسألة: "و" يجب "أرش نقصها" إن نقصت بالولادة كما يلزمه أرش نقص الأرض إذا زرعها.
ـــــــ
1 - رواه مالك في: الأقضية: رقم 26.

مالكها الزرع قبل حصاده خير بين ذلك وبين أخذ الزرع بقيمته, وإن غصب جارية فوطئها وأولدها لزمه الحد وردها ورد ولدها ومهر مثلها وأرش نقصها وأجرة مثلها, وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها وقيمة ولدها إن أولدها وأجرة مثلها ويرجع بذلك كله على الغاصب.
ـــــــ
مسألة: ويجب عليه "أجرة مثلها" لكونه شغل ملك الغير بغير إذنه وإن كانت بكرا لزمه أرش بكارتها مع المهر؛ لأنه بدل آخر منها وإنما اجتمعا لأن كل واحد منهما يضمن منفردا بدليل أنه لو وطئها ثيبا وجب مهرها ولو افتضها بإصبعه وجب أرش بكارتها, وعنه لا يلزمه مهر الثيب لأنه لم ينقصها ولم يؤلمها أشبه ما لو قبلها.
مسألة: "وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها"؛ لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح وإن ولدت منه فهو حر؛ لأن اعتقاده أنه يطأ مملوكته منع انخلاق الولد رقيقا أو يلحقه نسبه. وعليه فداؤه لأنه فوت رقه على سيده باعتقاده حل الوطء ويفديه ببدله يوم الوضع. قال الخرقي: يفديه بمثله يعني في السن والجنس والصفات وقد نص عليه أحمد رحمه الله. وقال أبو الخطاب: يفديه يقيمته لأن الحيوان ليس بمثله ووجه قول الخرقي أنهم أحرار والحر لا يضمن بقيمته.
مسألة: ويلزمه "أجرة مثلها" كما لو غصب بهيمة "ويرجع بذلك على الغاصب"؛ لأن المشتري دخل على أن يتمكن من الوطء بغير عوض, وأن يسلم له الأولاد فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره فيرجع إليه كالمغرور بتزويج الأمة على أنها حرة.

باب الشفعة
وهو استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها: البيع فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع.
ـــــــ
باب الشفعةمسألة: "وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها".
مسألة: "ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها البيع فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق" بشرط أن تكون الشفعة في مبيع؛ لما روى جابر قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به. أخرجه مسلم1. فجعله أحق به إذا باع وأما إذا انتقل بغير عوض كالموهوب والموصى به والموقوف فلا
ـــــــ
1 -رواه مسلم في المساقاة: حديث رقم 134.

ولا صداق. "الثاني": أن يكون عقارا أو ما يتصل به من البناء والغراس. "الثالث": أن يكون شقصا مشاعا فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه لقول جابر: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. "الرابع": أن يكون مما ينقسم فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه
ـــــــ
شفعة فيه؛ لأنه انتقل بغير بدل أشبه الموروث ولا شفعة فيما عوضه عن المال كالخلع والصداق والصلح عن دم العمد؛ لأنه انتقل بغير مال أشبه الموهوب ولأنه لا يمكن الأخذ بمثل العوض أشبه الموروث. وقال ابن حامد: فيه الشفعة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويأخذ الشقص بقيمته.
الشرط: "الثاني: أن يكون عقارا أو ما يتصل به من البناء والغراس"؛ لحديث جابر في أول الباب ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" 1. وفي حديث: "إذا قسمت الأرض وحددت فلا شفعة فيها". رواه أبو داود2, وهذا يختص العقار فتختص الشفعة بت.
"الثالث: أن يكون شقصا مشاعا فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه"؛ للأحاديث المذكورة مع حديث جابر.
الشرط "الرابع: أن يكون مما ينقسم فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه" كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراض الضيقة, فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما لا شفعة فيها: والأخرى فيها الشفعة لعموم الحديث في ذلك؛ ولأنه عقار مشترك فتجب فيه الشفعة كالذي يمكن قسمته؛ ولأن الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة والضرر في هذا النوع أكثر؛ لأنه يتأبد ضرره والرواية الأولى ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة". وهو الطريق الضيق. رواه أبو الخطاب في رءوس المسائل, وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل3؛ ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر البائع لأنه لا يمكنه التخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة, وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيضر بالبائع وقد يمتنع البيع لتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى انتفائها, وأيضا فإن الشفعة تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج من إحداث المرافق الخاصة وهذا لا يوجد فيما لا يقسم.
ـــــــ
1- رواه البخاري في الشركة: حديث رقم 2495, 2496. ومالك في الشفعة: حديث رقم 1, 4.
2 -رواه أبو داود في البيوع: حديث رقم 3515.
3 - رواه مالك في الشفعة: حديث رقم 4.

الخامس: أن يأخذ الشقص كله فإن طلب بعضه سقطت شفعته ولو كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك. السادس: إمكان أداء الثمن فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته وإذا كان الثمن مثليا فعليه مثله, وإن لم يكن مثليا فعليه قيمته, وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه. السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم فإن أخرها بطلت شفعته.
ـــــــ
"الخامس: أن يأخذ الشقص كله فإن طلب بعضه بطلت شفعته" لأن أخذه لبعضها ترك للبعض الآخر فتسقط الشفعة فيه فإذا سقط بعضها سقط جميعها لأنها لا تتبعض فتسقط كلها كالقصاص.
مسألة: "فإن كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما" في ظاهر المذهب؛ لأنه حق يستحق بسبب الملك فيسقط على قدره كالأجرة, وعنه على عدد الرؤوس اختارها ابن عقيل لأن كل واحد منهما يأخذ الكل لو انفرد فإذا اجتمعوا تساووا كسراية العتق.
مسألة: "فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو الترك"؛ لأن في أخذ البعض تفريق صفقة المشتري فيتضرر بذلك. قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على ذلك.
"السادس: إمكان أداء الثمن"؛ لقوله عليه السلام في حديث جابر: "فهو أحق به بالثمن" رواه الجوزجاني. "فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته"؛ لأن أخذه المبيع من غير دفع الثمن أو بعضه إضرار بالمشتري, وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". ولأن ثبوت الشفعة لدفع الضرر عن الشفيع والضرر لا يدفع بالضرر فإن عجز عنه أو عن بعضه بطلت الشفعة؛ لأن من شروط ثبوت الشفعة القدرة على الثمن لما ذكرنا.
مسألة: "وإن كان الثمن مثليا" كالأثمان والحبوب والأدهان "فعليه مثله وإن لم يكن مثليا أعطاه قيمته": لما ذكرنا في الغصب.
مسألة: "وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه"؛ لأنه علم بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة وعلى المشتري اليمين؛ لأن دعوى البائع محتملة.
"السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم فإن أخرها بطلت شفعته" 1 في
ـــــــ
1 - رواه ابن في: الشفعة: حديث رقم 2500. وإسناده ضعيف.

إلا أن يكون عاجزا عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته, فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة فأكثر فله مطالبة من شاء منهم فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني.
ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء للمشتري أعطاه الشفيع قيمته إلا أن يختار المشتري قلعه من غير ضرر فيه.
ـــــــ
الصحيح من المذهب لقول عمر رضي الله عنه: الشفعة كحل العقال. رواه ابن ماجه.
ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري كالرد بالعيب. لكونه يستقر ملكه على المبيع فلا يتصرف فيه خوفا من أخذه بالشفعة. و قال القاضي:يتقيد بالمجلس لأنه كله كحالة العقد. و عنه أنها على التراخي و المذهب الأول.
مسألة: "إلا أن يكون عاجزا عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها" [لأن من لا يقدر على الشيء عاجز عنه فلا يكلف فوق وسعه و لا نعلم فيه خلافا] "إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته" كما لو ترك الطلب مع حضوره.
مسألة: "فإن لم يعلم حتى تبايع" ذلك "ثلاثة أو أكثر فله مطالبة من شاء منهم فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني" فمتى تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع فتصرفه صحيح, لأنه ملكه إلا أن الشفيع ملك عليه أن يتملكه وذلك لا يمنع من تصرفه كما لو كان الثمن معينا فتصرف المشتري في المبيع فإن تصرفه صحيح, وإن ملك عليه الرجوع فيه إذا ثبت هذا فإن المشتري إذا باع الشقص المشفوع وباعه المشتري الثاني للثالث فللشفيع أن يفسخ العقدين الآخرين ويأخذ بالأول وله أن يفسخ الثالث وحده ويأخذ بالثاني, وله أن يقر الجميع ويأخذ بالثالث فإذا أخذ من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به ولم يرجع على أحد وإن فسخ العقد الثالث وأخذ من الثاني دفع إليه الثمن الذي اشترى به ورجع الثالث على الثاني بالثمن الذي أخذ منه, وإن فسخ العقدين الآخرين وأخذ من الأول دفع إليه ما اشترى به ورجع الثاني على الأول بما أخذ منه, والثالث على الثاني فإذا كان ثمن العقد الأول عشرة والثاني عشرين والثالث ثلاثين فإنه يأخذ من الأول بعشرة ويدفعها إليه ثم يعود الثاني على الأول بعشرين ويرجع الثالث على الثاني بثلاثين لا نعلم في هذا خلافا.
مسألة: "ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء أعطاه الشفيع قيمته", ويملكه لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرار". رواه أحمد وابن ماجه ولا يزول عنهما الضرر إلا بذلك.
مسألة: "إلا أن يختار المشتري قلعه" فله ذلك لأنه ملكه فملك نقله ولا يلزمه ضمان

وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد أو الجذاذ وإن اشترى شقصا وسيفا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته
ـــــــ
نقص الأرض لأنه غير متعد. وقال الخرقي: له ذلك إذا لم يكن في أخذه "ضرر" فيحتمل كلامه أن يلزمه ضمان النقص لأنه قلعه من ملك غيره لتخليص ملكه أشبه ما لو كسر محبرة إنسان لتخليص ديناره منها.
مسألة: "وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد والجذاذ"؛ لأنه زرعه بحق فوجب إبقاؤه كما لو باع الأرض المزروعة والشجر الذي عليه ثمر باد.
مسألة: "وإن اشترى شقصا وسيفا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته" من الثمن ويحتمل أن لا يجوز لما فيه من تبعيض الصفقة على المشتري, وعن مالك تثبت الشفعة فيهما لئلا تتبعض الصفقة على المشتري ولنا أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة كما لو أفرده وما يلحق المشتري من الضرر فهو ألحقه بنفسه بجمعه بين ما ثبتت فيه الشفعة وما لا تثبت فيه, ولأن في أخذ الكل ضررا به لأنه ربما كان غرضه في السيف فيكون أخذه منه إضرارا به من غير سبب يقتضيه.

كتاب الوقف
مدخل...
كتاب الوقفوهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائما مع بقاء عينها ولا يصح في غير ذلك مثل الأثمان والمطعومات والرياحين ولا يصح إلا على بر أو معروف مثل ما روي عن عمر أنه قال: يا رسول الله إني أصبت مالا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني فيه؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث". قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه.
ـــــــ
كتاب الوقف
"وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة".
مسألة: "ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائما مع بقاء عينها" كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح فما لا يجوز بيعه لا يصح وقفه, كأم الولد والكلب لأنه نقل للملك فيهما فلم يجز كالهبة. "وما لا ينتفع به دائما مع بقائه لا يصح وقفه كالمطعومات والرياحين" لأنه يتنافى.
مسألة: "ولا يصح إلا على بر أو معروف, مثل ما روى" عبد الله بن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره, فقال: "يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيها؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث". قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف, لا جناح على من وليها أن يأكل منها" أو يطعم صديقا "بالمعروف" غير متأثل فيه أو- "غير متمول فيه" متفق عليه1. وقال
ـــــــ
1 - رواه البخاري في الوصايا: حديث رقم 2772. ومسلم في الوصية: حديث رقم 15. 16.

ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن في الصلاة فيه أو سقاية ويشرعها للناس, ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه بالكلية فيباع ويشتري
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". رواه مسلم1.
مسألة: "ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن في الصلاة فيه أو سقاية ويشرعها للناس"؛ لأن العرف جار به وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول وجرى مجرى من قدم طعاما لضيافه أو نثر نثارا أو صب في خوابي السبيل ماء, وعنه لا يصح إلا بالقول وألفاظه ست: ثلاث صريحة وثلاث كناية فالصريح: وقفت وحبست وسبلت متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار وقفا من غير انضمام أمر زائد؛ لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس يفهم الوقف منها عند الإطلاق, وانضم إلى ذلك الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها" فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التطليق, وأما الكناية فهي: تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة؛ لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات, والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان, ويكون تحريما على نفسه أو على غيره والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف, ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يحصل الوقف بمجردها فإن ضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها: أحدها أن ينضم إليها أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول: صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة. الثاني: أن يصفها بصفات الوقف فيقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث؛ لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك. الثالث: أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى ليصير وقفا في الباطن فإن اعترف بما نواه لزم الحكم لظهوره. ولو قال: ما أردت الوقف فالقول قوله؛ لأنه أعلم بما نوى. وظاهر كلام أحمد وظاهر المذهب أن الوقف يحصل بالفعل مع القرينة مثل: أن يبنى مسجدا ويأذن في الصلاة فيه, وذكر القاضي عنه ما يدل على أنه لا يصح إلا بالقول وهو مذهب الشافعي, ودليله أن هذا تحبيس أصل على وجه القربة فوجب أن يفتقر إلى اللفظ كالوقف على الفقراء, والأول أولى لما سبق, وأما الوقف على الفقراء فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان بشيء جرت به العادة ودلت عليه الحال لكان هكذا.
مسألة: "ولا يجوز بيعه" لحديث عمر "إلا أن تتعطل منافعه بالكلية فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه" لما روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال
ـــــــ
1 - رواه مسلم في الوصية: حديث رقم 14.

به ما يقوم مقامه. والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى به ما يصلح للجهاد, والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به.
ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها -وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه- إلى شرط الواقف فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان الذكر والأنثى بالسوية, إلا أن يفضل بعضهم فإذا لم يبق منهم
ـــــــ
بالكوفة: أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل, وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه ووجه الحجة منه أنه أمره بنقله من مكانه فدل على جواز نقل الوقف من مكانه وإبداله بمكان آخر, وهذا معنى البيع؛ ولأن فيما ذكرنا استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته فوجب كما لو استولد الموقوف عليه الجارية الموقوفة أو قتلها فإنه يجب قيمتها وتصرف في شراء مثلها, وعنه: لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر؛ لأن المقصود يحصل بنقلها لحديث عمر "ولا يباع أصلها".
مسألة: "والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد" إجماعا.
مسألة: "والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به" لحديث عمر رضي الله عنه.
مسألة: "ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها, وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه" وسائر أحواله "إلى شرط الواقف"؛ لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن عمر رضي الله عنه وقف أرضه على الفقراء وذوي القربى وفي الرقاب وابن السبيل والضيف وجعل لمن وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا, ووقف الزبير على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها.
مسألة: "فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان للذكر والأنثى بالسوية" وإنما كان جميعهم بالسوية؛ لأن الجميع أولاده فلفظه يقتضي ذلك ولا يدخل فيه ولد البنات؛ لأنهم ليسوا من ولده قال الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأجانب
و "إن فضل بعضهم فله ذلك"؛ لأنه ثبت بشرطه "فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين"؛ لأنه جعل المساكين بعد ولده بقوله ثم على المساكين

أحد رجع إلى المساكين. وإن كان الوقف على من يمكن حصرهم لزم استيعابهم به والتسوية بينهم, إلا أن يفضل بعضهم وإن لم يمكن حصرهم جاز تفضيل بعضهم على بعض, وتخصيص واحد منهم به
ـــــــ
مسألة: "وإن كان الوقف على من يمكن حصرهم لزمه استيعابهم به والتسوية بينهم"؛ لأن اللفظ يقتضي ذلك وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه, كقوله سبحانه: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}, إنه يجب تعميم الإخوة من الأم والتسوية بينهم؛ ولأن اللفظ يقتضي التسوية أشبه ما لو أقر لهم. "إلا أن يفضل بعضهم" فله ذلك لأنه ثبت بلفظه.
مسألة: "وإن لم يمكن حصرهم" كالمساكين وبني هاشم "جاز تفضيل بعضهم على بعض وتخصيص واحد منهم به"؛ لأنه لا يمكن تعميمهم فلا تجب إجماعا؛ لأنه لا يدخل تحت الوسع ويجوز التفضيل؛ لأن من جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه ويجوز الاقتصار على واحد منهم كما قلنا في الزكاة ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلثه بناء على القول في الزكاة.

باب الهبة
وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها, وتلزم بالقبض
ـــــــ
باب الهبة"وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض":
مسألة: "وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها", فالإيجاب أن يقول: وهبتك أو ملكتك أو أعطيتك أو لفظ يؤدي هذا المعنى, والقبول أن يقول: قبلت أو رضيت أو نحو هذا إذا لم يوجد قبض فأما مع القبض فلا يفتقر إلى ذلك؛ لأن الأخذ قام مقام القبول في الدلالة على الرضا به وقبوله, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه ويهب ويوهب له, وكذلك الصحابة رضي الله عنهم, ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو استعملوه لنقل إلينا نقلا شائعا, ولم ينقل إلا المعاطاة والتفرق عن تراض فكان ذلك كافيا.
مسألة: "وتلزم بالقبض" وهو إجماع الصحابة؛ لأن ذلك روي عن أبي بكر وعمر ولم يعرف لهم مخالف, وروي عن عائشة أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما مرض قال: يا بنية إني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك كنت حزتيه أو قبضتيه وهو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله عز وجل؛ ولأنها هبة غير مقبوضة فلا تلزمه كما لو مات قبل أن يقبض ولأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما يلزم قبل القبض كالبيع.

ولا يجوز الرجوع فيها, إلا الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده". والمشروع في عطية الأولاد أن يسوى بينهم على قدر ميراثهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وإذا قال لرجل:
ـــــــ
مسألة: "ولا يجوز الرجوع فيها" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه", وفي لفظ: "كالكلب يعود في قيئه ليس لنا مثل السوء". متفق عليه1.
مسألة: "إلا الأب" لما روى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده". [إذا لم يتعلق به حق لأحد] قال الترمذي: حديث حسن2, وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد من ولده" 3.
مسألة: "والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم"؛ لأن التسوية بينهم واجبة والتسوية الواجبة المأمور بها هي القسمة بينهم على قدر ميراثهم؛ لأنه تعجيل لما يصل إليهم بعد الموت فأشبه الميراث, فإن خص بعضهم فعليه بالتسوية بالرجوع وإعطاء الآخر حتى يستووا لما روى النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي بعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى يشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهد على صدقتي فقال: "أكل ولدك أعطيت مثله"؟ قال: لا. قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة. وفي لفظ: "لا تشهدني على جور" وفي لفظ: "فاردده" وفي لفظ: "فارجعه". وفي لفظ: "فأشهد على هذا غيري", وفي لفظ: "سو بينهم". وهو يدل على التحريم؛ لأنه سماه جورا وأمر برده والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأن تخصيص بعضهم يورث بينهم العداوة وقطيعة الرحم فيمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وخالتها.
مسألة: "وإذا قال لرجل: أعمرتك داري أو هي لك" عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر "ولورثته من بعده"؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا". متفق عليه4, وفي لفظ: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له. متفق عليه5.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في الهبة: حديث رقم 2589. ومسلم في الهبات: حديث رقم 7, 8.
2 - رواه الترمذي في البيوع: حديث رقم 1299.
3 - رواه أبو داود في البيوع: حديث رقم 3539.
4 - رواه مسلم في الهبات: حديث رقم 26.
5 - رواه البخاري في الهبة: حديث رقم 2625. ومسلم في الهبات: حديث رقم25.

أعمرتك داري أو هي لك عمرى فهي له ولورثته من بعده, وإن قال: سكناها لك عمرك فله أخذها متى شاء.
ـــــــ
ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافيا لحكم الأملاك. وعنه ترجع بعد موته إلى المعمر لما روى جابر قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك, فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها, متفق عليه.
مسألة: "وإن قال: سكناها لك عمرى فله أخذها متى شاء"؛ لأن الموهوب هاهنا المنفعة وإنما تملك بمضي الزمان شيئا فشيئا فله أخذها لأنها لا تقع لازمة فهي بمنزلة العارية.

باب عطية المريض
تبرعات المريض مرض الموت المخوف ومن هو في الخوف كالمريض كالواقف بين الصفين عند التقاء القتال ومن قدم ليقتل, وراكب البحر حال هيجانه ومن وقع الطاعون ببلده إذا اتصل بهم الموت -حكمها حكم وصيته في ستة أحكام: أحدها: أنها لا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث, ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة؛ لما روي أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم
ـــــــ
باب عطية المريضمسألة: "تبرعات المريض مرض الموت المخوف ومن هو في الخوف كالمريض" - مثل "الواقف بين الصفين عند" التحام الحرب "ومن قدم ليقتل وراكب البحر عند هيجانه ومن وقع الطاعون ببلده إذا اتصل بهم الموت -حكمها حكم وصيته في ستة أحكام", والمرض المخوف كالبرسام وذات الجنب والرعاف الدائم والقيام المتدارك والفالج في ابتدائه والسل في انتهائه, وما قال عدلان من أهل الطب إنه مخوف وكذلك من هو في الخوف فعطاؤهم كالوصية في ستة أحكام: "أحدها: أنها لا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث ولا لوارث شيء إلا بإجازة الورثة؛ لما روى" عمران بن حصين "أن رجلا أعتق ستة" أعبد له "عند موته لم يكن له مال غيرهم" فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم "فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء" فأقرع بينهم "فأعتق اثنين وأرق أربعة" وقال قولا شديدا, رواه مسلم1. ولأنه في هذه الحال لا يأمن الموت فجعل كحال الموت. "الثاني: أن الحرية تجمع في بعض العبيد بالقرعة إذا لم يف الثلث بالجميع للخبر. الثالث: أنه إذا أعتق عبدا غير معين أو معينا
ـــــــ
1 - رواه مسلم في الإيمان: حديث رقم 56.

النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا فأعتق اثنين وأرق أربعة. الثاني: أن الحرية تجمع في بعض العبيد بالقرعة إذا لم يف الثلث بالجميع للخبر. الثالث: أنه إذا أعتق عبدا غير معين أو معينا فأشكل أخرج بالقرعة. الرابع: أنه يعتبر خروجها من الثلث حال الموت فلو أعتق عبدا لا مال له سواه أو تبرع به ثم ملك عند الموت ضعف قيمته تبينا أنه عتق كله حين إعتاقه وكان ما كسبه بعد ذلك له وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء, ولا يصح تبرعه به ولو وصى له بشيء فلم يأخذه الموصى له زمانا قوم عليه وقت الموت لا وقت الأخذ. الخامس: أن كونه وارثا يعتبر حالة الموت فيهما فلو أعطاه أخاه أو وصى له ولا ولد له فولد له ابن صحت العطية والوصية ولو كان له ابن فمات بطلت. السادس: أنه لا يعتبر رد الورثة وإجازتهم إلا بعد الموت فيهما.
ـــــــ
فأشكل أخرج بالقرعة" للخبر. [و أنه لا طريق إلى تعيين المعتق إلا بالقرعة فيصار إليها للخبر] "الرابع: أنه يعتبر خروجها من الثلث حال الموت فلو أعتق عبدا لا مال له سواه أو تبرع به ثم ملك عند الموت ضعف قيمته تبينا أنه أعتق كله حين إعتاقه وكان ما كسبه بعد ذلك له" لخروجه من الثلث عند الموت.
مسألة: "وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء" لأن الدين يقدم على الوصية؛ لما روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية. "ولا يصح تبرعه به" لأنه تبرع به عند الموت فينزل بمنزلة الوصية والدين يقدم عليها لحديث علي رضي الله عنه.
مسألة: "ولو وصى له بشيء فلم يأخذه الموصى له زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ"؛ لأن الاعتبار بقيمة الموصى به وخروجه من الثلث وعدم خروجه منه بحالة موت الموصي لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها لا نعلم في ذلك خلافا, فينظر فإن كان الموصى به وقت الموت ثلث التركة في القيمة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له ولو زادت قيمته بعد ذلك حتى يصير معادلا لسائر المال ولو هلك جميع المال سواه كان للموصى له وإن كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له نصفه فإن نقص الموصى به بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر التركة أو زاد فليس للموصى له إلا ما خرج عن الثلث. [حال الموت لذلك] "الخامس: أن كونه وارثا يعتبر حالة الموت فيهما فلو أعطاه أخاه أو أوصى له ولا ولد له فولد له ابن صحت العطية والوصية"؛ لأنه عند الموت صار غير وارث, "ولو كان له ابن" وقت العطية "فمات" الابن "بطلت"؛ لأنه صار عند الموت وارثا لأن اعتبار الوصية بالموت لا خلاف في ذلك نعلمه. "السادس: أنه لا يعتبر رد الورثة

وتفارق العطية الوصية في أحكام أربعة: أحدها: أن العطية تنفذ من حينها فلو أعتق عبدا أو أعطاه إنسانا صار المعتق حرا وملكه المعطي وكسبه له ولو وصى به أو دبره لم يعتق ولم يملكه الموصى له إلا بعد الموت وما كسب أو حدث فيه من نماء منفصل فهو للورثة. الثاني: أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح والوصية لا يعتبر قبولها ولا ردها إلا بعد موت الموصي. الثالث: أنها تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع فيها والوصية له الرجوع فيها متى شاء. الرابع: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها والوصية يسوى بين الأول منها والآخر ويدخل النقص على كل واحد بقدر
ـــــــ
وإجازتهم إلا بعد الموت فيهما" وما قبل ذلك لا عبرة به لأنه لا حق للوارث قبل الموت فلم يصح إسقاطه كما لو أسقط الشفعة قبل البيع وكما لو أسقطت المرأة نفقتها قبل التزويج.
مسألة: "وتفارق العطية الوصية في أحكام أربعة: أحدها أن العطية تنفذ من حينها فلو أعتق عبدا أو أعطاه إنسانا صار المعتق حرا وملكه المعطي وكسبه له" يعني إن خرج من الثلث عند الموت فكسبه له إن كان معتقا وللموهوب له إن كان موهوبا, وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده عتق نصفه [و نصف كسبه] وله [نصفه و] نصف كسبه ويحصل للورثة نصفه ونصف كسبه وذلك مثل ما أعتق منه, ولا يمكن أن يسترق منه ثلثاه لأنه لو استرق ثلثاه تبعه ثلثا الكسب فيصير من مال الميت ينتقل إلى الورثة فيجب أن يحتسب على الورثة ويعتق من العبد بقدره ولا يحتسب على العبد بما حصل له من الكسب؛ لأنه ملكه بجزئه الحر لا من جهة السيد ولم يدخل ذلك في ملك السيد بحال فيستخرج بالجبر فيقال: عتق من العبد شيء وله من كسبه مثله شيء آخر بقي العبد والكسب للورثة إلا شيئين, ويجب أن يكون ذلك مثل ما جاز فيه العتق فيكون إذا شيئين؛ لأن العتق إنما جاز في شيء فقد حصل للورثة شيئان وللعبد شيئان شيء من عتقه وشيء من كسبه فصار لهم مثل ما له فله النصف من نفسه وكسبه ولهم النصف, ولو كسب مثلي قيمته قلت: عتق منه شيء وتبعه من كسبه شيئان وللورثة شيئان فصار العبد وكسبه يقابل خمسة أشياء له منها ثلاثة فيعتق منه ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس من كسبه ولهم الخمسان منهما, ولو كان العبد موهوبا فللموهوب له منه بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه وأما الموصى به أو بعتقه فلا يملكه الموصى له به ولا يعتق إلا بعد الموت لأن ذلك إنما يلزم بالموت لما سبق وما كسب من شيء أو حدث فيه من نماء فإنه يكون للورثة لأنه إلى حين الموت باق على ملك السيد فيرثه ورثته بعد موته. "الثاني: أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح والوصية لا يعتبر قبولها وردها إلا بعد موت الموصي"؛ لأن العطية هبة منجزة فاعتبر لها القبول عند وجودها.

وصيته سواء كان فيها عتق أو لم يكن وكذلك الحكم في العطايا إذا وقعت دفعة واحدة
ـــــــ
كعطية الصحيح بخلاف الوصية فإنه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت؛ لأنها عطية بعد الموت "الثالث: أنها تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع فيها" وإن كثرت لأنها هبة منجزة اتصل بها القبض أشبهت هبة الصحيح. "بخلاف الوصية فإن له الرجوع فيها متى شاء"؛ لأنها عطية معلقة على شرط أشبهت الهبة. [المعلقة على الشرط] "الرابع: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها"؛ لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط بما بعده. "والوصية يسوى بين الأول منها والآخر ويدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته سواء كان فيها عتق أو لم يكن"؛ لأنها توجد عقب موته دفعة واحدة فتساوت كلها وعنه يقدم العتق لأنه مبني على السراية والتغليب فكان آكد من غيره.
مسألة: "وكذا الحكم في العطايا إذا وقعت دفعة واحدة" لما ذكرنا.

كتاب الوصايا
مدخل...
كتاب الوصاياروي عن سعد قال: قلت: يا رسول الله قد بلغ بي الجهد ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا". قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: فالثلث؟. قال: "الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". ويستحب لمن ترك خيرا الوصية بخمس ماله.
ـــــــ
كتاب الوصايا
وهي الأمر بالتصرف بعد الموت والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت فروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". متفق عليه1. وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه سعيد وأبو داود. والترمذي وقال: حديث حسن صحيح20 "وروي عن سعد" بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي فـ "قلت: يا رسول الله قد بلغ بي الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي" أفأتصدق بمالي كله؟ "قال: لا.قال: بالثلثين؟ قال: لا.قلت: فبالشطر" يا رسول الله؟ "قال : لا.قلت: بالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" 3, يعني يطلبون من الناس بأكفهم. متفق عليه.
مسألة: "ويستحب لمن ترك خيرا الوصية بخمس ماله", ودليل استحبابها قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} 4. نسخ الوجوب وبقي
ـــــــ
1 - رواه البخاري في الوصايا: حديث رقم 2738. ومسلم في الوصية: حديث رقم 1, 4.
2 - رواه أبو داود في الوصايا: حديث رقم 2870. والترمذي في الوصايا: حديث رقم 2120.
3 - رواه البخاري في الجنائز: حديث رقم 1295. ومسلم في الوصية: حديث رقم 5, 8.
4 - آية 180 سورة البقرة.

وتصح الوصية والتدبير من كل من تصح هبته ومن الصبي العاقل
ـــــــ
الاستحباب وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا ابن ادم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك به وأزكيك". وقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}. الخير: المال الكثير فأما الفقير فلا يستحب له وصية, لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس". وقال: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". وقال رجل لعائشة رضي الله عنها: إن لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي؟ فقالت: اجعل الثلاثة للأربعة ولأن الله سبحانه إنما كتب الوصية على من ترك خيرا فلما نسخ الوجوب بقي الاستحباب في محل الوجوب لا يعدوه, واختلفوا في القدر الذي إذا ملك لا يستحب معه الوصية فروي عن أحمد رحمه الله: من ترك دون الألف لا يستحب له الوصية, وعن علي: أربعمائة دينار, وقال ابن عباس: من ترك ستين دينارا لم يترك خيرا, وقال طاوس: الخير ثمانون دينارا, وقال النخعي: ألف وخمسمائة.
"فصل": والأفضل أن لا يستوعب الثلث بالوصية لقوله عليه السلام: "الثلث والثلث كثير". وأكثرهم على استحباب الوصية بالخمس, وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه, وعن علي قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع, وروى سعيد عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع, وعن العلاء قال: أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتابعوا على الخمس.
مسألة: "وتصح الوصية والتدبير من كل من تصح هبته" لأنها تبرع أشبهت الهبة.
مسألة: "و" تصح "من الصبي والعاقل". قال أبو بكر: لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح, وأما بين السبع والعشر على روايتين. وقال ابن إسحاق: إذا بلغ اثنتي عشرة سنة. وحكاه ابن المنذر عن أحمد, وروى شعبة أن صبيا من غسان له عشر سنين أوصى لأخواله فرفع ذلك إلى عمر فأجاز وصيته ولا يعرف له مخالف. وروى مالك في الموطأ أن عمرو بن سليم أخبر أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان ورثته بالشام وهو ذو مال وليس له هاهنا إلا ابنة عم, فقال عمر: فليوص لها, فأوصى لها بمال يقال له بئر حسم. قال عمرو: فبعت ذلك المال بثلاثين ألفا, وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمرو بن سليم. قال أبو بكر: وكان الغلام ابن عشر أو اثنتي عشرة, ولأنه محض نفع للصبي تصح منه كالصلاة؛ لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد استغنائه عن ملكه ولا يلحقه ضرر بها في الدنيا, بخلاف الهبة والعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما هو محتاج إليه فإذا ردت رجع إليه.

والمحجوز عليه لسفه ولكل من تصح الهبة له وللحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية له, وتصح بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وبما فيه نفع من النجاسات, وبالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته وتصح بما لا يقدر على تسليمه
ـــــــ
مسألة: "و" تصح من "المحجور عليه لسفه"؛ لأنه بمنزلة الصبي العاقل, وقال أبو الخطاب: في وصيته وجهان: أحدهما: لا تصح لأنه محجور عليه في تصرفاته أشبه الهبة. والثاني: تصح لأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله له وليس في وصيته إضاعة لماله؛ لأنه إن عاش فهو له وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب وقد حصل له.
مسألة: "و" تصح "لكل من تصح الهبة له" من مسلم وذمي ومرتد وحربي نص عليه؛ لأن هؤلاء لو وهبهم لصحت الهبة لهم فكذلك الوصية.
مسألة: "و" تصح "للحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية له" بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيدها يطأها, ولأقل من أربع سنين إن لم تكن كذلك في أحد الوجهين وفي الآخر لأقل من سنتين, ولا نعلم في الوصية للحمل خلافا لأنها أوسع من الميراث لأنها تصح للكافر وللعبد, والحمل يرث فتصح الوصية له بطريق الأولى, فإن وضعته ميتا بطلت الوصية لاحتمال أنه لم يكن حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية بالشك, وإن وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حين الوصية. قال الخرقي: إذا أتت به لأقل من ستة أشهر منذ تكلم بالوصية وليس ذلك مشترطا مطلقا لكن إن كانت فراشا لزوج أو لسيدها فأتت به لستة أشهر فما دونها علمنا وجوده حين الوصية, وإن كان لأكثر منها لم تصح الوصية له لاحتمال حدوثه بعد الوصية وإن كانت بائنا فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة لم تصح الوصية وإن أتمت به لأقل من أربع سنين من حين الفرقة صحت الوصية؛ لأن الولد يعلم وجوده إن كان لستة أشهر فما دون ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين الفرقة.
مسألة: "وتصح الوصية بكل ما فيه نفع مباح ككلب الصيد والغنم وما فيه نفع من النجاسات", كالزيت النجس لأنه يجوز اقتناؤه والانتفاع به فجاز نقل اليد إليه بالوصية.
مسألة: "و" تصح "بالمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته" لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية.
مسألة: "وتصح بما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء", واللبن في الضرع لأن الموصى له يخلف الموصي في الموصى به كخلافة الورثة في باقي المال والوارث يخلفه في هذه الأشياء كذلك الموصى له.

كالطير في الهواء والسمك في الماء وبما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها وبغير معين كعبد من عبيده ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا, وبالمجهول كحظ من ماله أو جزء ويعطيه الورثة ما شاءوا وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيبا يزاد على الفريضة, فلو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع, فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر وزدت عليها بمثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين, ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض
ـــــــ
مسألة: "و" تصح "بما لا يملكه كمائة درهم لا يملكها" كما تصح بحمل أمته أو شجرته, فإن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإلا بطلت؛ لأن الموصى به عدم والوصية كالهبة فلما عدم الموهوب بطلت الهبة فكذلك الوصية.
مسألة: "و" تصح "بغير معين كعبد من عبيده ويعطيه الورثة منهم ما شاءوا"؛ لأنه يتناوله الاسم سواء كان صحيحا أو معيبا أو ذكرا أو أنثى, كما لو أوصى له بحظ أو نصيب, وعنه يستحق أحدهم بالقرعة إذا خرج من الثلث وإلا ملك منه بقدر الثلث؛ لأنه يستحق واحد غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم غير معين.
مسألة: "وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته فله مثل أقلهم نصيبا يزاد على الفريضة"؛ فلو خلف ابنا وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهما, لكل امرأة سهم وللموصى له سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين سهما: للموصى له سهم, ولكل امرأة سهم, وما بقي فهو للابن, وإنما جعل له أقل أنصبائهم لأنه المتعين وما زاد مشكوك فيه, ولو كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم يزاد على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم. وأما إن كانوا يتفاضلون جعل له مثل ما لأقلهم نصيبا يزاد على الفريضة لما ذكرناه.
مسألة: "ولو خلف ثلاثة بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم فله الربع" لذلك. "فإن كان معهم ذو فرض كأم صححت مسألة الورثة بدون الوصية من ثمانية عشر وزدت عليها مثل نصيب ابن فصارت من ثلاثة وعشرين"؛ لأن له مثل نصيب ابن فزاد على الفريضة فكان له خمسة من ثلاثة وعشرين ولكل ابن خمسة وللأم ثلاثة.
مسألة: "ولو وصى بمثل نصيب أحدهم ولآخر بسدس باقي المال جعلت صاحب سدس الباقي كذي فرض وصححتها كالتي قبلها" وطريق ذلك بالنصيب أنا نجعل المال كله ستة أسهم ونصيبا فندفع النصيب للموصى له به وندفع إلى الآخر سهما من ستة يبقى خمسة أسهم نقسمها على ثلاثة بنين نخرج لكل ابن سهما وثلثا سهم وذلك هو النصيب

وصححتها كالتي قبلها, فإن كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا سواء, ثم زدت عليها مثليها فتصير تسعة وستين تعطي صاحب السدس سهما واحدا والباقي بين البنين والوصي الآخر أرباعا.
وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب سدس الباقي بقدر زيادتهم فإن كانوا أربعة أعطيته مما صحت منه المسألة سهمين وإن كانوا خمسة فله ثلاثة
ـــــــ
فيكون المال جميعه سبعة أسهم وثلثي نصيب نضربها في ثلاثة ليزول الكسر فيكون ثلاثة وعشرين: للموصى له بالنصيب خمسة, ولآخر سدس باقي المال ثلاثة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة.
مسألة: "وإن كانت وصية الثاني بسدس باقي الثلث صححتها كما قلنا" يعني: من ثلاثة وعشرين, "ثم" تزيد "عليها مثليها فتصير تسعة وستين تعطي صاحب السدس سهما واحدا, والباقي بين البنين" والموصى له على أربعة, والطريق في ذلك بالنصيب أنا نجعل المال كله ثمانية عشر سهما وثلاثة أنصباء فيكون الثلث ستة أسهم ونصيبا فتدفع للموصى له بالنصيب نصيبا وللموصى له الآخر سهما لأنه سدس باقي الثلث يبقى معنا سبعة عشر سهما ونصيبان ندفع النصيبين لابنين, يبقى سبعة عشر سهما هي للابن الآخر فعلم أن النصيب سبعة عشر, فإذا جمعنا ثلاثة أنصباء إلى سبعة عشر كان الجميع تسعة وستين لصاحب السدس منها سهم ويبقى الباقي على البنين والموصى له أرباعا لكل واحد سبعة عشر كما ذكر.
مسألة: "وإن زاد البنون على ثلاثة زدت صاحب سدس الباقي بقدر زيادتهم, فإذا كانوا أربعة أعطيته مما صحت منه المسألة سهمين" وذلك لما ذكرناه من أنا نجعل المال ثمانية عشر سهما وثلاثة أنصباء فإذا دفعنا إلى الموصى له بالنصيب نصيبا وإلى ابنين نصيبين وإلى الموصى له بالسدس سهما بقي سبعة عشر على اثنين فيكون النصيب ثمانية ونصفا, فإذا جمعنا ذلك كان ثلاثة وأربعين ونصفا فنحتاج أن نضرب ذلك في اثنين ليزول الكسر فيصير كل من له شيء من ثلاثة وأربعين ونصف مضروبا في اثنين وصاحب السدس له سهم مضروب في اثنين باثنين.
مسألة: "و" لو كان "البنون خمسة فله ثلاثة"؛ لأنا نحتاج أن نقسم السبعة عشر على ثلاثة بنين يخرج النصيب خمسة أسهم وثلثي سهم, فإذا جمعنا السبعة عشر إلى ثمانية عشر كان المجموع خمسة وثلاثين: للموصى له بالسدس سهم ويبقى أربعة وثلاثون على ستة لكل واحد خمسة أسهم وثلثا سهم فنضرب ذلك في ثلاثة ليزول الكسر يصير المجموع مائة وخمسة, ثم كل من له شيء من خمسة وثلاثين مضروب في ثلاثة وصاحب السدس له سهم مضروب في ثلاثة فيصير له ثلاثة كما ذكر.

وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنون أربعة فله سهم واحد, وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهما, وإن وصى بضعف نصيب وارث أو ضعفيه فله مثلا
ـــــــ
مسألة: "وإن كانت الوصية بثلث باقي الربع والبنون أربعة فله سهم واحد", وذلك أنه يكون قد خلف أربعة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وللآخر بثلث باقي الربع فالطريق أنا نجعل المال كله اثني عشر سهما وأربعة أنصباء نعطي الموصى له بالنصيب نصيبا وللموصى له الآخر ثلث باقي الربع سهما يبقى معنا ثلاثة أنصباء وأحد عشر سهما, نعطي كل ابن نصيبا ويبقى أحد عشر سهما هي للابن الرابع فبان أن النصيب أحد عشر فيكون المال كله ستة وخمسين سهما للموصى له بالنصيب أحد عشر ولصاحب ثلث باقي الربع سهم صار الجميع اثني عشر ويبقى أربعة وأربعون على أربعة بنين لكل واحد أحد عشر "وإن زاد البنون على أربعة زدته بكل واحد سهما"؛ لأنهم إذا كانوا خمسة والموصى له بالنصيب صاروا ستة ومعنا أربعة أنصباء واثنا عشر إذا أخذ الموصى له بالنصيب نصيبا وكل ابن نصيبا وأخذ الموصى له بثلث باقي الربع سهما بقي أحد عشر سهما وبقي من البنين اثنان فتبين أن النصيب خمسة ونصف فإذا ضربنا المسألة وهي أربعة وثلاثون في اثنين صار كل من له شيء من ذلك مضروبا في اثنين وصاحب ثلث الربع له سهم مضروب في اثنين فيصير له اثنان, وإن زاد البنون واحدا على خمسة ضربنا في ثلاثة في المسألة وهي ستة وعشرون وثلثان ثم كل من له شيء منها مضروب في ثلاثة والموصى له بثلث باقي الربع له منها سهم في ثلاثة فتصح له ثلاثة وكلما زاده واحدا زاد نصيبه واحدا كما ذكر, إلى أن يصير البنون أربعة عشر ابنا فإن المسألة تصح من ستة عشر سهما فيكون للموصى له بالنصيب سهم وللموصى له بثلث باقي الربع سهم ولكل ابن سهم لأنا إذا فرضنا المال جميعه أربعة أنصباء أو اثنا عشر سهما فإنا نعطي الموصى له بمثل النصيب نصيبا, والآخر لثلاثة بنين ويبقى أحد عشر على أحد عشر لكل واحد سهم فبان أن النصيب سهم وصحت من ستة عشر لأنها لم تحتج إلى ضرب. والله تعالى أعلم.
مسألة: "فإن وصى بضعف نصيب وارث أو بضعفيه فله" مثله مرتين "وإن وصى" بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله. قال شيخنا: هذا هو الصحيح عندي؛ لأن الله سبحانه قال: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}. وقال: {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}, وقال عطاء: أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين. وقال عكرمة: تحمل كل عام مرتين وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثال, فإن أهل العربية لا يعرفون في كلامهم غير ذلك, وروى ابن الأنباري بإسناده عن هشام ابن معاوية النحوي قال: العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه يريدون مثليه. قال: وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن, وقال أصحابنا: ضعفاه ثلاثة أمثاله, وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله, كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة, فالضعف ضم مثله إليه والضعفان ضم مثليه إليه, وقال أبو عبيدة: ضعف الشيء هو ومثله, وضعفاه هو ومثلاه, وقال في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} يعني: يجعل العذاب ثلاثة

نصيبه وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثاله ,وإن وصى بجزء مشاع كثلث أو ربع أخذته من مخرجه وقسمت الباقي على الورثة, وإن وصى بجزءين أخذتهما من مخرجهما وهو اثنا عشر وقسمت الباقي على الورثة, فإن ردوا جعلت سهام الوصية ثلث المال وللورثة ضعف ذلك, وإن وصى بمعين من ماله فلم يخرج من الثلث فللموصى له قدر الثلث إلا أن يجيز الورثة, وإن زادت الوصايا على المال كرجل
ـــــــ
أعذبة, والأول أولى. قال ابن عرفة: لا أحب قول أبي عبيدة في: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}؛ لأن الله سبحانه قال في الآية الأخرى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}, فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين.
مسألة: "وإن وصى بجزء مشاع كثلث أو ربع أخذته من مخرجه وقسمت الباقي على الورثة" إن انقسم وإلا ضربت مسألة الورثة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح, مثاله خلف ابنين ووصى بثلث ماله لرجل, فالمخرج ثلاثة ندفع للموصى له سهما ويبقى سهمان لكل ابن سهم, وإن كان البنون ثلاثة بقي سهمان على ثلاثة لا تصح ولا توافق تضربها في مخرج الوصية ثلاثة تصير تسعة للموصى له بالثلث سهم مضروب في ثلاثة بثلاثة, ويبقى ستة على ثلاثة لكل ابن سهمان, وإن كان البنون أربعة بقي سهمان على أربعة لا تصح ولا توافق بالنصف فتضرب اثنين في ثلاثة بستة للموصى له سهمان ولكل ابن سهم.
مسألة: "وإن وصى بجزأين كثلث وربع أخذتهما من مخرجهما وقسمت الباقي على الورثة" على ما مر "وإن رد" الورثة جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال ودفعت الثلثين إلى الورثة" فإذا وصى بثلث المال وربعه وخلف ابنين أخذت ذلك من مخرجه سبعة من اثني عشر يبقى للابنين خمسة إن أجازا وإن ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحد وعشرين للموصى لهما سبعة لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل ابن سبعة.
مسألة: "وإن وصى بمعين من ماله" مثل إن وصى له بعبد معين "فلم يخرج من الثلث فللموصى له" من ذلك العبد مقدار الثلث مثاله: أوصى بعبد يساوي مائتين وله غيره بمائة فله نصفه لأن ذلك قدره الثلث "إلا أن يجيز الورثة" فيأخذ العبد كله.
مسألة: "وإن زادت الوصايا على المال كرجل" أوصى بماله كله "لرجل ولآخر" بثلث ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث وقسمت المال بينهما على أربعة إن أجيز لهما والثلث على أربعة إن رد عليهما" ومثاله في الفرائض في مسائل العول امرأة خلفت زوجا وأختا وأما فإن الزوج والأخت لو انفردا أخذا المال كله فجاءت الأم وفرضها ها هنا الثلث فتزيده على المال فيصير لها الربع وكذلك الوصية بجميع المال وثلثه فإن رد الورثة.

وصى بثلث ماله لرجل ولآخر بجميعه ضممت الثلث إلى المال فصار أربعة أثلاث وقسمت التركة بينهما على أربعة إن أجيزت لهما والثلث على أربعة إن رد عليهما ولو وصى بمعين لرجل ثم وصى به لآخر أو أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر فهو بينهما وإن قال ما أوصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول.
فصل
إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة فلو وصى أن يشترى عبد زيد بمائة فيعتق فمات أو لم يبعه سيده فالمائة للورثة, وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة
ـــــــ
جعلنا ثلث المال أربعة فيصير المال كله اثني عشر: للموصى لهما أربعة ولصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث سهم.
مسألة: "وإن وصى بمعين لرجل ثم أوصى به لآخر" فهو بينهما ولا يكون رجوعا عن وصية الأول لاحتمال أن يكون ناسيا أو قاصدا للتشريك بينهما وقد ثبتت وصية الأول يقينا فلا نبطلها بالشك.
مسألة: "وإن أوصى إلى رجل ثم أوصى إلى آخر" فهما وصيان كالتي قبلها لذلك.
مسألة: "فإن قال: ما وصيت به للأول فهو للثاني بطلت وصية الأول"؛ لأنه صرح بالرجوع.
مسألة: ويجوز الرجوع في الوصية بإجماع منهم لأنها عطية تتنجز بالموت فجاز له الرجوع فيها قبل تنجزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل تقبيضه.
"فصل: إذا بطلت الوصية أو بعضها رجع إلى الورثة فلو وصى أن يشترى عبد زيد بمائة فيعتق فمات أو لم يبعه سيده فالمائة للورثة" وذلك أنه متى تعذر شراؤه لامتناع سيده من بيعه أو لموته أو لكونه يعجز الثلث عن ثمنه أو أن المائة لا تبلغ ثمنه فالثمن للورثة؛ لأن الوصية بطلت لتعذر العمل بما أمر به أشبه ما لو وصى لرجل فمات الموصى له, ولا يلزمهم أن يشتروا عبدا آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره. وأما إذا اشتروه بأقل فالباقي للورثة لأن المقصود بالوصية عتقه وقد حصل.
مسألة: "وإن وصى بمائة تنفق على فرس حبيس فمات الفرس فهي للورثة", وهذه المسألة كالتي قبلها وعلتها علتها ولو أنفق بعض المائة ثم مات الفرس فالباقي للورثة, كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه يرجع ثمنه إلى الورثة كذا هاهنا

ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة, وإن قال الموصى له: أعطوني الزائد على نفقة الحج لم يعط شيئا ولو مات الموصى له قبل موت الموصي أو رد الوصية ردت إلى الورثة ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية, ولو وصى لوارثه ولأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويوقف سدس الوارث على الإجازة
ـــــــ
مسألة: "ولو وصى أن يحج عنه زيد بألف فلم يحج فهي للورثة" لذلك "وإن قال الموصى له أعطوني الزائد على نفقة الحج" فإنه موص لي بت, "لم يعط شيئا" لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يفعل لم يوجد الشرط فلم يستحق شيئا.
مسألة: "ولو مات الموصى له قبل موت الموصي رد إلى الورثة"؛ لأن الوصية عطية بعد الموت فإذا صادفت حال العطية ميتا لم تصح كما لو وهب ميتا أو أوصى له.
مسألة: وإن "رد" الموصى له "الوصية" بعد موت الموصي "بطلت أيضا" لا نعلم في ذلك خلافا؛ لأنه أسقط حقه في حال تملك قبوله وأخذه والمطالبة به فأشبه الشفيع بعفو عن الشفعة بعد البيع وإذا بطلت الوصية رجع إلى الورثة كالمسائل التي قبلها.
مسألة: "ولو وصى لحي وميت فللحي نصف الوصية"؛ لأنه لم يوص له إلا بالنصف بدليل ما لو كان الآخر حيا, هذا إذا لم يعلم موته فإن علم موته فالكل للحي لأنه شرك بين من يستحق ومن لا يستحق عالما بأنه لا يستحق فيدل ذلك على أنه جعل الكل لمن يستحق وهو الحي.
مسألة: "وإن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ماله فللأجنبي السدس ويقف سدس الوارث على الإجازة"؛ لأنه أوصى لكل واحد منهما السدس فلم يصح له إلا ذلك كما لو كانت الوصية لأجنبيين وإن اجازوا للوارث جاز كما لو أجازوا لأجنبي بزيادة على الثلث.

باب الموصى إليه
تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث بما يجوز للموصي
ـــــــ
باب الموصى إليه"وتجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث بما يجوز للموصي فعله: من قضاء ديونه وتفريق وصيته والنظر في أمر أطفاله" فأما الوصية إلى المسلم العاقل العدل فتصح إجماعا ولا تصح وصية مسلم إلى كافر بغير خلاف, ولا الوصية إلى المجنون والطفل لأنهما ليسا من أهل التصرف فى أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على المسلم.

فعله: من قضاء ديونه وتفريق وصيته, والنظر في أمر أطفاله ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت ولايته عليهم ونفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ: من البيع والشراء وقبول ما يوهب لهم والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مؤنته بالمعروف والتجارة لهم ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح وإن اتجر لهم
ـــــــ
مسألة: وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثرهم, لما روي أن عمر وصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة أشبهت الرجل فهؤلاء تصح الوصية إليهم فيما ذكرنا من قضاء ديونه واقتضائها وتفريق وصيته ورد ودائعه لأنه يجوز له فعل ذلك بنفسه فجاز توصيته لأنه أقامه مقام نفسه.
مسألة: فأما الفاسق فلا تصح الوصية إليه, وعنه ما يدل على صحتها. وقال الخرقي: إذا كان الوصي خائنا ضم إليه أمين لأنه عاقل بالغ فصحت الوصية إليه كالعدل, ولأنه من أهل التصرف وله نظر وتصح استنابته في حال الحياة فكذلك بعد الموت ويمكن تحصيل نظره مع حفظ المال بأمين ووجه الأولى أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلا تجوز الوصية إليه كالمجنون.
مسألة: أما النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار فله أن يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم بحفظها والتصرف لهم فيها, وإن لم يكن ذا ولاية عليهم كالعقلاء الراشدين أو ممن لا ولاية له كالأخ والعم وسائر من عدا الأب لم تصح وصيته بذلك عليهم, ولا نظر له في أموالهم في الحياة فكذلك لا نظر لنائبه بعد الممات وهذا لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم.
مسألة: "ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت له ولايتهم وينفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ: من البيع والشراء وقبول ما يوهب لهم والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مؤنته بالمعروف والتجارة لهم ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح"؛ لأنه إنما يتصرف لمصلحتهم وهذا من مصلحتهم ولأن العقلاء البالغين يفعلون ذلك لأنفسهم فكذلك هذا لهؤلاء.
مسألة: "إن اتجر لهم بنفسه فليس له من الربح شيء", وذلك أنه يستحب لمن ولي يتيما أن يتجر بماله؛ لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ولي يتيما فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة". رواه الترمذي, وروي ذلك عن عمر وهو أصح من المرفوع ولأن ذلك أحفظ لليتيم لتكون نفقته من فاضله لما يفعل البالغون في أموالهم, وإذا اتجر لهم فالربح كله لليتيم لأن الولي وكيل اليتيم بالشرع وتصرف الوكيل نفع للموكل ولا يستحق الوكيل من الربح شيئا إلا أن يجعل له.

بنفسه فليس له من الربح شيء وله أن يأكل من مالهم عند الحاجة بقدر عمله ولا غرم عليه ولا يأكل إذا كان غنيا لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}. وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به ولا أن يبيع ويشتري من مالهم لنفسه, ويجوز ذلك للأب فلا يلي مال الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم.
فصل
ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان بالتصرف ليختبر رشده والرشد هنا الصلاح في المال فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ وأشهد عليه ذكرا كان أو
ـــــــ
مسألة: "وله أن يأكل من مالهم عند حاجته بقدر عمله, ولا غرم عليه ولا يأكل إذا كان غنيا" لقوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}, فله أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته؛ لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه كلاهما, فإذا أكل منه ذلك القدر ثم أيسر فإن كان أبا لم يلزمه عوضه رواية واحدة وإن كان غير الأب فهل يلزمه؟ على روايتين: إحداهما يلزمه لأنه استباحه بالحاجة من مال غيره فلزمه قضاؤه كمن اضطر إلى طعام غيره, والأخرى لا يقضي لأن الله سبحانه أمر بالأكل ولم يذكر عوضا؛ ولأنه عوض جعل له عن عمله فلم يلزمه بدله كالأجير والمضارب.
مسألة: "وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به"؛ لأنه تصرف بولاية فلم يكن له التفويض كالوكيل, ويخالف الأب لأنه يلي بغير تولية وعنه له أن يوصي إلى غيره؛ لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب.
مسألة: "و" ليس للوصي "أن يبيع ويشتري لهم من مالهم لنفسه" كما لا يجوز ذلك للوكيل, ولأنه متهم في ذلك. "ويجوز ذلك للأب" لأنه غير متهم فيه.
مسألة: "فلا يلي مال الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم" فيلي الأب مال أولاده الصغار والمجانين لكمال شفقته عليهم وحسن نظره ووصيه قائم مقامه وبعدهما الحاكم لأن ولايته عامة
"فصل: ولوليهم أن يأذن للمميز من الصبيان في التصرف ليختبر رشده فمن آنس رشده دفع إليه ماله إذا بلغ, وأشهد عليه ذكرا كان أو أنثى"؛ لقوله سبحانه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}, فاشترط إيناس الرشد والبلوغ فلا يجوز الدفع إليهم بدونهما ولم يفرق بين الذكر والأنثى.

أنثى فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه ولا يقبل إقراره في المال ويقبل في الحدود والقصاص والطلاق, فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه دون إعتاقه
ـــــــ
مسألة: "فإن عاود السفه أعيد عليه الحجر"؛ لأن ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم, وروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فأتى الزبير فقال: قد ابتعت بيعا وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي, فقال الزبير: أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فقال: إن ابن جعفر قد ابتاع بيعا فاحجر عليه فقال الزبير: أنا شريكه في البيع. فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف وهذه قصة يشتهر مثلها ولم يخالف ذلك أحد فكان إجماعا؛ ولأن هذا سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ سفيها فإن العلة التي اقتضت الحجر عليه سفهه وهي موجودة؛ ولأن التبذير لو قارن البلوغ منع دفع المال إليه فإذا حدث أوجب انتزاع المال منه كالمجنون.
مسألة: "ولا ينظر في ماله إلا الحاكم"؛ لأن الحجر يفتقر إلى حكم حاكم وزواله يفتقر إلى ذلك فكذلك النظر في ماله.
مسألة: "ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه"؛ لأنه حجر بحكمه فلا ينفك إلا به ولأنه يحتاج إلى تأمل في معرفة رشده وزوال بتدبيره وفارق الصبي والمجنون فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه.
مسألة: "ولا يقبل إقراره في المال" لأن المقصود من الحجر عليه منعه من التصرف في المال ليحفظ عليه ماله, ولو قبلنا إقراره في المال لزال المقصود الذي جعل الحجر من أجله؛ ولأنه محجور عليه لحفظه ولا يقبل إقراره بالمال كالصبي فإذا فك الحجر عنه لزمه إقراره لا يكلف أمرا بما لا يلزمه في الحال فلزم بعد فك الحجر عنه كالعبد يقر بدين والراهن يقر على الرهن بجناية ونحوها.
مسألة: "ويقبل" إقراره "في الحداد والقصاص والطلاق". قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان إقراره بزنا أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل, وإن الحدود تقام عليه وذلك أنه غير متهم في حق نفسه, والحجر إنما تعلق بماله فيقبل إقراره على نفسه بما لا يتعلق بالمال, وإن طلق نفذ طلاقه لأنه ليس بتصرف في المال ولا يجري مجراه فلا يمنع منه, كالإقرار بالحد والقصاص ودليل أنه لا يجري مجرى المال أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال.
مسألة: "فإن طلق أو أعتق نفذ طلاقه" لما سبق ولا ينفذ عتقه؛ لأنه تصرف في المال

فصل
وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه, وإن رآه سيده أو وليه يتصرف فلم ينهه لم يصر بهذا مأذونا له
ـــــــ
فلا ينفذ كما لو أقر بمال وذكر أبو الخطاب عنه رواية يصح عتقه؛ لأنه عتق من مال مكلف أشبه الراهن.
"فصل: وإذا أذن السيد لعبده في التجارة صح بيعه وشراؤه وإقراره ولا ينفذ تصرفه إلا في قدر ما أذن له فيه" لا نعلم فيه خلافا, ولا يصح فيما زاد نص عليه لأنه متصرف بالإذن فاختص تصرفه بمحل الإذن كالوكيل, وما يلزمه من الذي يتعلق بذمة السيد رواية واحدة؛ لأنه إذا أذن له في التجارة فقد غر الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامنا كما لو قال لهم داينوه.
مسألة: "وإن رأه سيده يتصرف ولم ينهه لم يصر بهذا مأذونا له" لأنه إذا رآه يتصرف فسكت يحتمل أن يكون إذنا ويحتمل غير ذلك فلا يثبت له الإذن بالشك, ولأن الإذن إنما يحصل بقوله أذنت لك في كذا أو ما يدل عليه والسكوت ليس بقول فلا يدل عليه لما ذكرنا.

كتاب الفرائض
مدخل...
كتاب الفرائضوهي قسمة الميراث والوارث ثلاثة أقسام: ذو فرض وعصبة وذو رحم فذو الفرض عشرة: الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنات وبنات الابن والأخوات والإخوة من الأم, فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد فإن كان لها ولد فله الربع ولها الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن له ولد فإن كان له ولد فلهن الثمن
ـــــــ
كتاب الفرائض
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وهي أول ما ينسى". رواه ابن ماجه. ولفظه: "تعلموا الفرض وعلموه فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي" 1. وعن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" 2. وقال عمر رضي الله عنه: إذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض وإذا لهوتم فالهوا بالرمي والأصل في الفرائض ثلاث آيات في سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, والآية التي في آخرها ومعناها "قسمة" المواريث "والوارث ثلاثة أقسام: ذو فرض وعصبة وذو رحم فذو الفرض عشرة: الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنات وبنات الابن والأخوات والإخوة من الأم فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد فإن كان لها ولد" أو ولد ابن "فله الربع ولها الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن له ولد" أو ولد ابن "فإن كان له" معه "ولد فلهن الثمن" الواحدة والأربع سواء بإجماع من أهل العلم والأصل فيه قوله سبحانه: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في الفرائض: حديث رقم 2719. وإسناده ضعيف.
2 - رواه الترمذي في الفرائض: حديث رقم 2091. وقال: فيه اضطراب.

"فصل": وللأب ثلاثة أحوال: حال له السدس وهي مع ذكور الولد وحال يكون عصبة وهي مع عدم الولد وحال له الأمران مع إناث الولد
فصل
والجد كالأب في أحواله وله حال رابع وهو مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب فله الأحظ من مقاسمتهم كأخ أو ثلث جميع المال فإن كان معهم ذو فرض
ـــــــ
أَزْوَاجُكُمْ} -إلى قوله- {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}, وإنما جعل للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرضي الزوج.
"فصل: وللأب ثلاثة أحوال: حال له السدس وهو مع ذكور الولد", لقوله سبحانه: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} 1, "وحال يكون عصبة وهي مع عدم الولد" لقوله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}, أضاف المال إليهما ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب "وحال له الأمران" يعني يجتمع له الفرض والتعصيب, وهي "مع إناث الولد" أو ولد الابن فله السدس؛ لقوله: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}, ولهذا كان للأم السدس مع البنت بإجماع, ثم يأخذ الأب ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر". متفق عليه2. والأب أولى رجل ذكر بعد الابن وابنه وأجمع أهل العلم على هذا فليس فيه اختلاف نعلمه.
"فصل: والجد كالأب في أحواله" يعني الجد أبا الأب لأنه بمنزلة الأب "وله حال رابع وهو مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب فله الأحظ من مقاسمتهم كأخ أو ثلث جميع المال" وهذا مذهب زيد بن ثابت رحمه الله فعلى هذا إن كان الإخوة اثنين أو أربع أخوات أو أخا أو أختين فالثلث والمقاسمة سواء فأعطه ما شئت منهما, وإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به وإن زادوا فالثلث خير له فأعطه إياه وسواء كانوا من أب أو أبوين.
مسألة: "فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم كان للجد الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال". أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيره أولى. وأما إعطاء ثلث الباقي إذا كان أحظ له
ـــــــ
1 - آية 11 سورة النساء.
2 - رواه البخاري في الفرائض: حديث رقم 6732. ومسلم في الفرائض: حديث رقم 2, 3.

أخذ فرضه ثم كان الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال, وولد الأبوين كولد الأب في هذا إذا انفردوا فإن اجتمعوا عادوا ولد الأبوين الجد بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ النصف وما فضل فلولد الأب فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس أخذه الجد وسقط الإخوة إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة فتصح من سبعة وعشرين ولا يعول من مسائل الجد سواها, ولا يفرض لأخت مع جد في غيرها ولو لم يكن فيها زوج كان للأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة رضي الله عنهم
ـــــــ
فلأن له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ بالفرض فكأنه ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة جميع المال, وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها فعلى هذا متى زاد الإخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث فلا حظ له في المقاسمة, ومتى نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث ما بقي ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث ما بقي وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس.
مسألة: "وولد الأبوين كولد الأب في هذا إذا انفردوا فإن اجتمعوا عادوا ولد الأبوين الجد بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ" منهم تمام "نصف" المال, ثم "ما فضل" فهو لهم ولا يمكن إن يفضل لهم أكثر من السدس لأن أولى ما للجد الثلث وللأخت النصف فالباقي بعدهما هو السدس.
مسألة: "وإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس أخذه الجد وسقط الإخوة إلا في الأكدرية وهي: زوج وأم وأخت وجد, فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما عن ثلاثة فتصح من سبعة وعشرين ولا يعول من مسائل الجد سواها ولا يفرض لأخت مع جد في غيرها"
مسألة: "وإن لم يكن فيها زوج كان للأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها", وكان فيها كثرة الأقوال: خرقها الصديق ومن وافقه: تسقط الأخت وقول زيد وموافقيه: للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وقول علي: للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس, وقول عثمان: المال بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ثلث وعن عمر وعبد الله: للأخت النصف وللأم السدس والباقي الجد وعن عبد الله رواية أخرى للأخت النصف والباقي بين الجد والأم نصفان فتكون من أربعة وهي:

فيها, ولو كان معهم أخ أو أخت لأب صحت من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد فإن كان معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد ولا خلاف في إسقاط الإخوة من الأم وبني الأخوة.
فصل
وللأم أربعة أحوال: حال لها السدس وهي مع الولد أو "الاثنين فصاعدا من
ـــــــ
إحدى مربعات ابن مسعود وهي مثلثة عثمان.
مسألة: "ولو كان معهم أخ أو أخت لأب لصحت من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد" وهي أن تكون أم وأخت لأبوين وأخ وأخت لأب وجد فللأم السدس من ستة يبقى خمسة للجد ثلثها فتضرب المسألة في ثلاثة تكون ثمانية عشر: للأم ثلاثة وللجد خمسة وللأخت للأبوين تسعة ويبقى سهم للأخ وللأخت على ثلاثة فتصح من أربعة وخمسين. وتسمى مختصرة زيد لأنه لو قاسم الجد الأخ والأخت لانتقلت إلى ستة وثلاثين ثم يبقى سهمان عن ثلاثة لا تصح فتضربها في ستة وثلاثين تصير مائة وثمانية ثم ترجع بالاختصار إلى أربعة وخمسين فلذلك سميت مختصرة زيد.
مسألة: "فإن كان معهم أخ آخر" أو أختان "من أب صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد" وهي أن تكون أم وأخت لأبوين وأخوات وأخت لأب وجد أصلها من ستة للأم سهم فيبقى خمسة للجد ثلثها فتنتقل إلى ثمانية عشر للأم وثلاثة وللجد خمسة وللأخت للأبوين تسعة, ويبقى سهم الأخوين والأخت من الأب على خمسة تضربها في ثمانية عشر تكن تسعين فلهذا سميت تسعينية زيد.
مسألة: "ولا خلاف في إسقاط الأخوة من الأم وبني الأخوة".
"فصل: وللأم أربعة أحوال: حال لها السدس وهي مع الولد أو الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات" لقوله سبحانه: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ}, ثم قال: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}, والحال الثاني: "لها ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين وهي مع الأب وأحد الزوجين", وهي أن يكون زوج وأبوان أو زوجة وأبوان قضى فيها عمر رضي الله عنه بأن لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين وتسمى العمريتين لذلك واتبعه على ذلك عثمان وعبد الله بن مسعود وزيد وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. الحال الثالث: "لها ثلث المال وهي فيما عدا ذلك" يعني أن لها الثلث بشرطين أحدهما عدم الولد وولد الابن, والثاني: عدم الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم " الـ "حال" الـ "رابع وهي إذا كان ولدها منفيا

الإخوة والأخوات وحال لها ثلث الباقي بعد فرض أحد الزوجين وهي مع الأب وأحد الزوجين وحال لها ثلث المال وهي فيما عدا ذلك, وحال رابع وهي إذا كان ولدها منفيا باللعان أو كان ولد زنا فتكون عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبة.
فصل
وللجدة -إذا لم تكن أم- السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين فإن كان
ـــــــ
باللعان أو ولد زنا فتكون عصبة له فإن لم تكن فعصبتها عصبة"؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها, رواه أبو داود1. وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب2؛ ولأنها قامت مقام أبيه في انتسابه إليها فقامت مقامه في حيازتها ميراثه؛ ولأن أقارب الأم قرنوا بها فلا يرثون معها كأقارب الأب معه, وعنه أن عصبته عصبة أمه اختارها الخرقي يروى ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر" 3. وأولى الرجال به أقارب أمه, وعن عمر أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه, وعن علي أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى جناية فعليكم حكاه أحمد عنه؛ ولأن الأم لو كانت عصبة كأبيه لحجبت إخوته ولأنه لما كان مولاها مولى أولادها كذا يجب أن تكون عصبتها عصبتهم كالأب.
فصل: "وللجدة -إذا لم تكن أم- السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين". قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميتة أم, وروى قبيصة ابن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تطلب ميراثها فقال: ما لك في كتاب الله شيء وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا, ولكن ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال: هل معك غيرك؟ فشهد لي محمد بن مسلمة فأمضاه لها أبو بكر رضي الله عنه فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى فقال: ما لك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضى به أبو بكر إلا في غيرك, وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها. رواه مالك في موطئه وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في الفرائض: حديث رقم 2907.
2 - رواه الترمذي في الفرائض: حديث رقم 2115.
3 - سبق تخريجه.

بعضهن أقرب من بعض فهو لقرباهن. وترث الجدة وابنها حي
ـــــــ
صحيح1 وقوله: "واحدة كانث أو أكثر" يعني أن ميراثهن السدس وإن كثرن وذلك إجماع منهم ووجهه الحديث المذكور وأن عمر شرك بينهما فيه, وروي نحوه عن أبي بكر فروى سعيد حدثنا سفيان وهشيم عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب, فقال له عبد الرحمن بن سهل بن حارثة -وكان شهد بدرا-: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت التي إن ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها, فجعل أبو بكر رضي الله عنه السدس بينهما, وقوله: "إذا تحاذين" يعني إذا كانتا في القرب سواء فلا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه في توريثهما كأم الأم وأم الأب, وقد دل عليه ما تقدم من الحديث مثال ذلك أم أم وأم أب السدس بينهما إجماعا أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس بين الثلاث الأول وسقطت الأخرى لأنها تدلي بغير وارث.
مسألة: "فإن كان بعضهن أقرب من بعض فهو لقرباهن"؛ لأنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم فإنه لا خلاف بينهم علمناه في أن الجدات إذا كان بعضهن أقرب من بعض وكانت إحداهما أم الأخرى أن الميراث للقربى؛ ولأن الجدات أمهات يرثن ميراثا واحدا من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء والأبناء والإخوة والبنات وكل قبيل إذا اجتمعوا فالميراث لأقربهم مسائل من ذلك: أم أم وأم أم أب المال للأولى لأنها أقرب أم أب وأم أم أم المال للأولى في قول الخرقي وفي الرواية الأخرى بينهما أم أب وأم أم وأم جد المال للأوليين أم أم وأم أب وأم أم أم وأم أبي أب المال للأوليين في قول الجميع.
مسألة: "وترث الجدة وابنها حي" وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد رحمه الله وعنه لا ترث ولا خلاف في توريثها مع ابنها إذا كان عما أو عم أب؛ لأنها لا تدلي به ووجه ذلك أنها تدلي به فلا ترث معه كأم الأم مع الأم ودليل الرواية الأولى ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس الجدة مع ابنها وابنها حي, أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور ولفظه إن أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها, ورواه الثوري وغيره عن أشعث عن ابن سيرين قال: أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أب مع ابنها, مسائل من ذلك: أم أب وأب لها السدس والباقي له, وعلى الرواية الأخرى المال له دونها أم أم وأم أب وأب السدس بينهما وعلى القول الآخر السدس لأم.
ـــــــ
1 - رواه مالك في الفرائض: حديث رقم 4. وأبو داود في الفرائض: حديث رقم 2894. وابن ماجه في: الفرائض: حديث رقم 2734. والترمذي في الفرائض: حديث رقم 2100, 2101.

ولا يرث أكثر من ثلاث جدات: أم الأم وأم الأب وأم الجد, ومن كان من أمهاتهن وإن علون ولا ترث جدة تدلي بأب بين أمين ولا بأب أعلى من الجد فإن خلف جدتي أمه وجدتي أبيه سقطت أم أبي أمه والميراث للثلاث الباقيات.
فصل
وللبنت النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان
ـــــــ
الأم والباقي للأب ثلاث جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على الأولى وهو لأم أم الأم على الصحيح من القول. الثاني: وعلى الوجه الآخر لأم أم الأم ثلث السدس والباقي للأب.
مسألة: "ولا يرث أكثر من ثلاث جدات" متحاذيات "أم الأم وأم الأب وأم الجد", وروى ابن عبد البر بإسناده حديثا عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم, وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات, وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أب الأم ويحتمله كلام الخرقي؛ لأنه سمى ثلاث جدات متحاذيات, ثم قال: وإن كثرن فعلى ذلك واحتجوا بأن هذه الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب أن ترث كالثلاث مسائل من ذلك: أم أم وأم أب السدس بينهما إجماعا أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وأم أب أم السدس للثلاث الأول أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب وأم أبي أب أب وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم وأم أبي أب وأم أبي أم أم أب السدس للثلاث الأول عند الإمام أحمد والأربع عند آخرين ولا يرث من قبل الأم إلا واحدة ولا يرث من قبل الأب إلا اثنتان.
مسألة: "ومن كان من أمهاتهن وإن علون" يرثن للخبر.
مسألة: "ولا ترث جدة تدلي بأب بين أمين" لأنه أب غير وارث, "ولا ترث" جدة تدلي "بأب أعلى من الجد" للخبر الذي رواه ابن عبد البر عن إبراهيم.
مسألة: "فإن خلف جدتي أمه وجدتي أبيه سقطت أم أبي أمه"؛ لأنها أدلت بأب غير وارث وإنما هو من ذوي الأرحام "والميراث للثلاث الباقيات" لما سبق.
"فصل: وللبنت النصف" إجماعا إذا انفردت لقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}, وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف.
مسألة: "وللابنتين فصاعدا الثلثان" أجمعوا على ذلك سوى رواية شاذة عن ابن عباس أن فرضهما النصف والصحيح الأول وإن كثرن لقوله سبحانه: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ

وبنات الابن بمنزلتهن إذا عدمن فإن اجتمعن سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي, وإن كانت بنت واحدة وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن -واحدة كانت أو أكثر من ذلك- السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي,
ـــــــ
فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}, وفوق زائدة كقوله سبحانه {َاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} 1, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أرسل إلى أخي سعد بن الربيع فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك, وهذا تفسير الآية وتبيين لمعناها وقال سبحانه في الأخوات: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}, فالبنتان أولى.
مسألة: "وبنات الابن بمنزلتهن إذا عدمن" أجمعوا على ذلك في إرثهن وحجبهن لمن تحجبه البنات وجعل الأخوات معهن عصبة, وإذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن إلا أن يكون معهن ذكر والأصل قوله سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, وولد البنين أولاد قال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ} - {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} "فإن اجتمعن سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي" أجمع أهل العلم على أن بنات الصلب متى استكملن الثلثين سقط بنات الابن ما لم يكن بإزائهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن والأصل في ذلك أن الله سبحانه لم يفرض للأولاد إذا كن نساء إلا الثلثين, وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن أولادا نساء وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شيء ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فكان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} , فهؤلاء قد دخلوا في عموم هذا اللفظ ولهذا تناولهم الاسم لو لم يكن بنات وإن كل ذكر وأنثى يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض وجب أن يقتسما الفاضل عنه كالابن والبنت للصلب.
مسألة: "وإن كانت بنت واحدة وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن - واحدة كانت أو أكثر من ذلك - السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي" أما كونها إذا كانت واحدة فلها النصف فمجمع عليه لقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}, وأما إذا كان مع البنت الواحدة بنت ابن أو بنات ابن فلهن السدس فلأن الله سبحانه قال: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}, ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان.
ـــــــ
1 - الآية 12 سورة الأنفال.

فصل
والأخوات من الأبوين كالبنات في فرضهن والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء ولا يعصبهن إلا أخوهن
ـــــــ
بفرض الكتاب واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والاسم متناول لها حقيقة فيبقى لبنت الابن تمام الثلثين فلهذا قال الفقهاء: يكملن الثلثين وهذا مجمع عليه أيضا وروى هزيل بن شرحبيل الأزدي قال: سأل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال: للابنة النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود فسأله وأخبره بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين, ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكمله الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم, متفق عليه. بنحو من هذا المعنى قال: إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن وهذا متفق عليه أيضا لم يخالف فيه إلا ابن مسعود رضي الله عنه فقال: لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس أقل من الحاصل لهن بالمقاسمة فلهن السدس وإن كانت المقاسمة أضر بهن وأقل من السدس فلهن المقاسمة ولنا أنه يقاسمهما لو لم يكن غيرهما فيقاسمهما وإن كان معهن بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضر عليهن.
فصل: "والأخوات للأبوين كالبنات في فرضهن" يعني للواحدة النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعدا الثلثان؛ لقوله سبحانه: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.
مسألة: "والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء"؛ لأنهن في معناهن فإن الله سبحانه فرض للأخوات كما فرض للبنات: للواحدة النصف وللاثنتين الثلثان والمراد بالآية ولد الأبوين أو ولد الأب بإجماع أهل العلم وأما سقوط الأخوات من الأب باستكمال الأخوات من الأبوين الثلثين فلأن الله سبحانه إنما فرض للأخوات الثلثين, فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرض الله سبحانه للأخوات شيء يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من أبوين فلها النصف كالبنت الواحدة بنص الكتاب ويبقى من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات من الأب كبنات الابن مع البنات من الصلب ولذلك قال الفقهاء: تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكورا أو إناثا فالباقي بينهم لقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها ومن هو أنزل منها, والأخت من الأب لا يعصبها إلا أخوها.

والأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة لقول ابن مسعود رضي الله عنه في بنت وبنت ابن وأخت: أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت.
فصل
والإخوة والأخوات من الأم سواء ذكرهم وإناثهم لواحدهم السدس وللاثنين السدسان فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث.
ـــــــ
مسألة: "والأخوات مع البنات عصبة كالإخوة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة"؛ لقوله سبحانه: {إِِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}, فشرط في فرضها عدم الولد فاقتضى أن لا يفرض لها مع وجوده ولما سبق من حديث الهزيل وهي فتيا ابن مسعود رضي الله عنه التي قضى فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, متفق عليه بمعناه.
فصل: "والإخوة والأخوات من الأم سواء ذكرهم وأنثاهم لواحدهم السدس وللاثنين الثلث فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث"؛ لقوله سبحانه: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}, يعني ولد الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة عبد الله وله أخ أو أخت من أم.

باب الحجب
يسقط ولد الأبوين بثلاثة: بالابن وابنه والأب ويسقط ولد الأب بهؤلاء
ـــــــ
باب الحجب"ويسقط ولد الأبوين بثلاثة: بالابن وابنه والأب" لأن الله سبحانه شرط في توريثهم عدم الولد بقوله سبحانه: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}, فلم يجعل لها مسمى مع الولد وإنما أخذت الفاضل عن البنات والابن لا يفضل عنه شيء فتسقط بت, وكذلك ابنه لأنه ابن ويسقطون بالأب لأنهم يدلون به وكل من أدلى بشخص سقط به إلا ولد الأم والجدة جهة الأب.
مسألة: "ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة" لذلك "وبالأخ من الأبوين"؛ لما روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قضى بالدين قبل الوصية وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه ولأمه دون أخيه لأمه. أخرجه الترمذي1.
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في الفرائض: حديث رقم 2094.

الثلاث وبالأخ من الأبوين ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد ذكرا أو أنثى وولد الابن والأب والجد ويسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه.
ـــــــ
مسألة: "ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد" لأن الله سبحانه: شرط في توريثهم كون الموروث كلالة بقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} 1, والكلالة من لا ولد له في قول بعضهم وفي قول هو اسم لمن عدا الوالد والولد من الوارث فيدل على أنهم لا يرثون مع والد ولا ولد.
مسألة: "ويسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه" لأنه يدلي به كما تسقط الجدات بالأم لكونهن أمهات يدلين بها ويسقط ولد الابن بالابن لأنه يدلي به إن كان أباه وإن كان عمه فهو أقرب منه فيكون أولى بالميراث لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" 2.
ـــــــ
1 - آية 12 سورة النساء.
2 - سبق تخريجه.

باب العصبات
وهم كل ذكر يدلي بنفسه أو بذكر آخر إلا الزوج والمعتقة وعصباتها وأحقهم بالميراث أقربهم وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأب ثم أبوه وإن علا ما لم يكن إخوة ثم بنو الأب ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يرث بنو أب أعلى من بني أب أدنى منه وإن نزلوا
ـــــــ
باب العصبات"وهم كل ذكر يدلي بنفسه أو بذكر آخر إلا الزوج والمعتقة وعصباتها وأحقهم بالميراث أقربهم" ويسقط به من بعده لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" "وأقربهم الابن وابنه وإن نزل" لأن الله سبحانه بدأ بهم بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}, والعرب تبدأ بالأهم فالأهم "ثم الأب"؛ لأن سائر العصبات يدلون به ثم الجد أبو الأب "وإن علا ما لم يكن إخوة" فإن اجتمعوا فقد مضى ذكرهم في فصل أحوال الجد "ثم بنو الأب" وهم الإخوة "ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو الجد" وهم الأعمام "ثم بنوهم وإن نزلوا ثم بنو" جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن نزلوا وكذلك أبدا "لا يرث بنو أب أعلى من بني أب" أقرب "منه وإن" نزلت درجتهم"؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أبقت الفرائض فللأولى رجل ذكر".

وأولى كل بني أب أقربهم إليه فإن استوت درجاتهم فأولاهم من كان لأبوين وأربعة منهم يعصبون أخواتهم ويقتسمون ما ورثوا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, وهم: الابن وابنه والأخ من الأبوين أو من الأب ومن عداهم ينفرد الذكور بالميراث كبني الإخوة والأعمام وبنيهم وإذا انفرد العصبة ورث المال كله فإن كان معه ذو فرض بدأ به وكان الباقي للعصبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر", فإن استغرقت الفروض المال سقط العصبة كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين, فللزوج النصف وللأم السدس وللإخوة للأم الثلث ويسقط الإخوة للأبوين وتسمى المشتركة والحمارية ولو كان مكانهم أخوات لكان لهن الثلثان
ـــــــ
مسألة: "وأولى كل بني أب أقربهم إليه" للخبر.
مسألة: "فإن استوت درجتهم فأولاهم من كان لأبوين" لحديث علي رضي الله عنه.
مسألة: "وأربعة" من الذكور "يعصبون أخواتهم" فيمنعونهن الفرض "ويقتسمون ما ورثوا: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين أو من الأب"؛ لقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}, وقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.
مسألة: "ومن" عدا هؤلاء من العصبات "ينفرد الذكور بالميراث" دون الإناث "كبني الإخوة والأعمام وبنيهم" لأن أخواتهم من ذي الأرحام.
مسألة: "وإن انفرد العصبة ورث المال كله" لقوله عليه السلام: "ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر".
مسألة: "وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة" للخبر, "فإن استغرقت الفروض المال سقط العصبة كزوج وأم وإخوة لأم وإخوا لأب وأم أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من الأبوين"؛ لأنهم عصبة وقد تم المال بالفروض "وتسمى المشتركة"؛ لأن عمر رضي الله عنه شرك بين ولد الأم وولد الأبوين في الثلث فقسم بينهم بالسوية "و" تسمى "الحمارية"؛ لأنه قيل: هب أن أباهم كان حمارا فما زادهم ذلك إلا قربا, روي أن ذلك قيل لعمر بعدما أسقطهم فشرك بينهم.
مسألة: "ولو كان مكانهم أخوات كان لهن الثلثان وتعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ"؛ لأنها عالت بثلثيها وهي أن يكون زوج وأم وإخوة لأم وأخوات لأبوين أو لأب أصلها من ستة فيكون للزوج النصف ثلاثة وللأم سدس سهم وللأخوة من الأم الثلث سهمان وللأخوات الثلثان أربعة صارت عشرة

وتعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ, وإذا كان الولد خنثى اعتبر بمباله فإن بال من ذكره فهو رجل وإن بال من فرجه فهو امرأة, وإن بال بينهما واستويا فهو مشكل له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى, وكذلك الحكم في ديته وجراحه وغيرهما ولا ينكح بحال.
ـــــــ
فصل : "وإذا كان الولد خنثى اعتبر بمباله" وينقسم إلى مشكل وغيره فالذي تتبن فيه علامات الذكور أو علامات الإناث فيكشف حاله ويعلم أنه رجل أو امرأة ليس بمشكل والذي لا علامة فيه مشكل فيعتبر بمباله قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول, إن بال من حيث يبول الرجل "فهو رجل وإن بال من" حيث تبول المرأة "فهو امرأة", وفي حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يورث الخنثى من حيث يبول". ولأن خروج البول أعم العلامات لأنها توجد من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر مثل نبات اللحية وخروج المني والحيض "فإن بال منهما جميعا واستويا فهو مشكل له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى". قاله ابن عباس ولأن حالتيه تساويا فوجب التسوية بين حكمهما كما لو تداعى نفسان دارا في أيديهما ولا بينة لهما, "وكذلك الحكم في ديته" يعني أنه إذا قتل خطأ وجب فيه نصف دية ذكر ونصف دية أنثى, "وكذلك جراحه ولا ينكح بحال"؛ لأنه ليس برجل فينكح امرأة ولا امرأة فتنكح رجلا.
مسألة: فإن كان مع الخنثى بنت وابن جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة, وقال أصحابنا: تعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى ثم تضرب إحدى المسألتين في الأخرى إن تباينتا أو وفقهما إن اتفقتا أو تجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا, ثم تضرب ذلك في اثنين لأجل الحالين فما بلغ فمنه تصح ثم لك في القسمة طريقان: أحدهما أن تجمع سهام كل واحد من المسألتين ثم تدفع إليه نصف ذلك. الطريق الثاني: أن نضرب ما لأحدهما من مسألة الذكورية في مسألة الأنوثية أو في وفقها وما له من مسألة الأنوثية في مسألة الذكوربة أو في وفقها وإن تماثلتا جمعت ما له منهما وإن تناسبتا فله نصيبه من أكثرهما بغير ضرب ونصيبه من أقلهما مضروبا في مخرج نسبة إحداهما إلى الأخرى مثاله: ابن وولد خنثى مسألة الذكورية من اثنين ومسألة الأنوثية من ثلاثة تضربها في اثنين تكن ستة ثم في اثنين تكن اثني عشر, فإذا أردت القسمة فقل لو كان الخنثى ذكرا كان له ستة ولو كان أنثى كان له أربعة فله نصفهما خمسة وللابن ثمانية لو كان الخنثى أنثى, وستة إذا كان ذكرا فله نصف ذلك سبعة وبالطريق الأخرى للخنثى من مسألة الذكورية سهم في مسألة الأنوثية ثلاثة وله سهم من مسألة الأنوثية في مسألة الذكورية اثنان صار له خمسة, وكذلك يفعل في الابن وإنما كان كذلك لأن للابن النصف بيقين وللخنثى الثلث بيقين يبقى سهمان يتداعيانهما فتقسم بينهما نصفين, وكان الثوري في هذا الفصل يجعل للذكر أربعة وللأنثى اثنين وللخنثى ثلاثة, فإن كان ابن وولد خنثى فهي من سبعة وإن كانت بنت وولد خنثى فهي من خمسة فإن كان معهم عم فله السدس وهو قول لا بأس به.

باب ذوي الأرحام
وهم كل قرابة ليس بعصبة ولا ذي فرض ولا ميراث لهم مع عصبة ولا ذي فرض إلا مع أحد الزوجين, فإن لهم ما فضل عنه من غير حجب ولا معاولة
ـــــــ
باب ذوي الأرحام"وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة" وهم أحد عشر صنفا: ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم والعمات من جميع الجهات والأخوال والخالات وأبو الأم, وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوي الأرحام, "ولا ميراث لهم مع ذي فرض ولا عصبة إلا مع أحد الزوجين فإن لهم ما فضل عنه من غير حجب ولا معاولة", ويقسم الباقي بينهم كما لو انفردوا لأن الله سبحانه فرض للزوج والزوجة ونص عليهما, فلا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير منصوص عليهم مثاله: زوج وبنت بنت وبنت أخ, للزوج النصف والباقي بينهما نصفان, كما لو انفردا وقيل يقسم بينهم على قدر سهام من يدلون به مع أحد الزوجين على الحجب والعول, ثم يفرض للزوج فرضه كاملا من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم ومثاله في هذه المسألة أن تقول: للزوج الربع وللبنت سهمان ولبنت الأخ سهم ثم تفرض للزوج النصف والنصف الآخر بينهما على ثلاثة وتصح من ستة وإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن يدلي بعصبة, وأما إن أدلى جميعهم بذي فرض أو عصبة فلا فرق, زوجة وابنتا ابنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي الابنتين ثلثا الباقي والباقي لبنتي الأختين تصح من ثمانية وعلى القول الآخر تصح من ستة وخمسين للزوجة ربعها أربعة عشر ولبنتي البنتين اثنان وثلاثون والأخريين عشرة أصلها من أربعة وعشرين للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان ولبنتي الأختين خمسة ثم تدفع للزوجة الربع وتقسم الباقي على سهام المدلى بهم وهي أحد وعشرون للبنتين ستة عشر وللأختين خمسة فالأحد وعشرون ثلاثة أرباع فكملها بأن تزيد عليها ثلثها سبعة صارت ثمانية وعشرين إلا أن خمسة على الأختين لا تصح فتضربها في ثمانية وعشرين صارت ستة وخمسين [للزوجة ربعها أربعة عشر ولبنتي البنتين اثنان وثلاثون وللآخرين عشرة].

ويرثون بالتنزيل فيجعل كل إنسان منهم بمنزلة من أدلى به فولد البنات وولد بنات الابن والأخوات بمنزلة أمهاتهم وبنات الإخوة والأعمام وبنو الإخوة من الأم كآبائهم والعمات والعم من الأم كالأب والأخوال والخالات وأبو الأم كالأم, فإن كان معهم اثنان فصاعدا من جهة واحدة فأسبقهم إلى الوارث أحقهم فإن استووا قسمت المال بين من أدلوا به وجعلت مال كل واحد منهم لمن أدلى به وساويت بين الذكور والإناث إذا استوت جهاتهم منه, فلو خلف ابن بنت وبنت بنت أخرى وابنا وبنت بنت أخرى, قسمت المال بين البنات على ثلاثة ثم جعلته لأولادهن للابن الثلث وللبنت الثلث وللابن والبنت الأخرى الثلث الباقي بينهما نصفين, وإن خلف ثلاث عمات متفرقات وثلاث خالات متفرقات فالثلث بين الخالات على خمسة
ـــــــ
مسألة: "ويورثون بالتنزيل فيجعل كل إنسان منهم بمنزلة من أدلى به فولد البنات وبنات الابن والأخوات كأمهاتهم وبنات الإخوة والأعمام وولد الإخوة من الأم كآبائهم والعمات والعم من الأم كالأب". وعنه كالعم "والأخوال والخالات وآباء الأم كالأم", ثم يجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به ودليل أن العمة بمنزلة العم أنه روي عن علي ودليل أنها بمنزلة الأب ما روى الإمام أحمد بإسناده عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الخال إذا لم يكن بينهما أم". ولأن الأب أقوى جهاتها فنزلت بمنزلته كما أن بنت الأخ تدلي بأبيها لا بأخيها وبنت العم تدلي بأبيها لا بأخيها وقد قيل العمة بمنزلة الجد وقيل بمنزلة الجدة وإنما صار هذا الاختلاف لإدلائها بأربعة جهات وارثات: فالأب والعم أخواها والجد والجدة أبواها والصحيح الأول لما سبق.
مسألة: "فإن كان معهم اثنان فصاعدا من جهة واحدة فأسبقهم إلى الوارث أحقهم" مثاله: خالة وأم أبي أم الميراث للخالة لأنها تلقي الأم بأول درجة.
مسألة: "وإن استووا قسمت المال بين من أدلوا به وسويت بين الذكر والأنثى إذا استوت جهاتهم منه فلو خلف ابن بنت وبنت بنت أخرى وابنا وبنت بنت أخرى قسمت المال بين البنات على ثلاثة ثم جعلته لأولادهن للابن الثلث وللبنت الثلث وللابن والبنت الأخرى الثلث الباقي بينهما نصفين" أصلها من ثلاثة وتصح من ستة, وإنما استوى الذكر والأنثى من ذوي الأرحام في الميراث؛ لأنهم يرثون بالرحم المحض فاستوى الذكر والأنثى كولد الأم وعنه {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} لأن ميراثهم يعتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض؛ لأن ذوي الأرحام يأخذون المال كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون الإناث فثبت أنهم يعتبرون بالأقرب من العصبات ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بذوي الفروض وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد وهذا إذا كان أبوهم واحدا.

والثلثان بين العمات على خمسة وتصح من خمسة عشر, وإن اختلفت جهات ذوي الأرحام نزلت البعيد حتى يلحق بوارثه ثم قسمت على ما ذكرنا. والجهات ثلاث: البنوة والأمومة والأبوة.
ـــــــ
وأمهم واحدة وقال الخرقي: يسوى بينهم إلا الخال والخالة فإن للخال الثلثين وللخالة الثلث, روي ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه, "فإن خلف ثلاث عمات متفرقات وثلاث خالات متفرقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات على خمسة وتصح من خمسة عشر"؛ لأن أصلها من ثلاثة: للخالات سهم وللعمات سهمان إلا أن سهم الخالات بينهن على خمسة لأنهن أخوات الأم للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة وللخالة التي من قبل الأب سهم وللأخرى سهم بالفرض والرد وسهم على خمسة لا يصح وكذا العمات من أخوات الأب والثلثان بينهن على نحو الثلث بين الخالات بالفرض والرد فصارت سهامهن كأنها رؤوس تنكسر عليها سهامها وخمسة تجزئ عن خمسة فتضرب خمسة في أصل المسألة وهي ثلاثة تكن خمسة عشر: للخالات خمسة على ثلاثة للتي من قبل الأب والأم ثلاثة وللأخرى سهم, وللأخرى سهم وللعمات عشرة: للتي من قبل الأب والأم ستة وللأخرى سهمان وللأخرى سهمان
مسألة: "وإن اختلفت جهات ذوي الأرحام نزلت البعيد حتى يلحق بوارثه ثم قسمت على ما ذكرنا". مثاله: بنت بنت وابن أخت وثلاث خالات مفترقات فبنت البنت بمنزلة البنت لها النصف وابن الأخت بمنرلة أمه له النصف والثلاث خالات أخوات الأم لهن نصف السدس بينهن على خمسة وتصح من خمسة وثلاثين وإن كان معهم عمه أخذت الباقي وأسقطت ابن الأخت لأنها بمنزلة الأب وهو يسقط الإخوة ومن نزل العمة عما جعل لها الباقي لابن الأخت لأنها مع البنت عصبة وهي أقرب من العم ومن نزلها جدا صحت من تسعين للخالات السدس على خمسة والثلث بين الأخت والعمة على ثلاثة فتضرب ثلاثة في خمسة عشر ثم في ستة تكن تسعين ومن نزلها جدة لم يعطها شيئا لأن الخالات بمنزلة الأم وهي تسقط الجدة.
مسألة: "والجهات ثلاث: البنوة والأمومة والأبوة" وذكرها أبو الخطاب خمسة زاد العمومة والأخوة أما العمومة فلا تصلح جهة لأنا لو قلنا إنها جهة أفضى إلى تقديم بنت العمة وإن بعدت على بنت العم, وقد روي عن الإمام أحمد خلافه ويفضي إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم وهذا بعيد, فإن العم فرع للأب وبه قرب إلى الميت فهو كالجد وكالجدة مع الأم وأما الأخوة فلو قلنا إنها جهة لأفضى إلى إسقاط بنت الأخ ببنت العمة وبنت العم وإن بعدت فلا تكون جهة والله أعلم ذكر ذلك شيخنا في المذاكرة

باب أصول المسائل
وهي سبعة: فالنصف من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهده الأربعة لا عول فيها, وإذا كان مع النصف ثلث أو ثلثان أو سدس فهي من ستة وتعول إلى عشرة, وإن كان مع الربع أحد هذه الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول إلى سبعة عشر وإن كان مع الثمن سدس أو ثلثان فهي من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين.
ـــــــ
باب أصول المسائل"وهي سبعة: فالنصف" وحده "من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهذه الأربعة لا عول فيها, وإذا كان مع النصف ثلث أو ثلثان أو سدس فهي من ستة وتعول إلى عشرة, وإن كان مع الربع أحد هذه الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول إلى سبعة عشر, وإن كان مع الثمن سدس أو ثلثان فهي من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين", وجملة ذلك أن الفروض في كتاب الله ستة وهي نوعان: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس, وهي تخرج من سبعة أصول: أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل فرض انفرد فأصله من مخرجه وإن اجتمع معه فرض من جنسه فأصلها من مخرج أقلهما؛ لأن مخرج الكبير داخل في مخرج الصغير فإن اجتمع معه فرض من غير جنسه ضربت مخرج أحدهما في مخرج الآخر إن لم يتوافقا فما ارتفع فهو أصل لهما أو وفق أحدهما في جميع الأجزاء إن توافقا فلذلك صارت الأصول سبعة كما ذكرنا, فالأربعة الأول لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك ها هنا, وإن اجتمع مع الفرض من غير جنسه كالنصف يجتمع معه أحد الثلاثة السدس أو الثلث أو الثلثان فأصلها من ستة لأنك إذا ضربت مخرج النصف في مخرج الثلث صارت ستة ويدخل العول فى هذا الأصل لازدحام الفروض فيه, وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فأصلها من اثني عشر لأنك إذا ضربت مخرج الربع في مخرج الثلث أو وفق مخرج السدس كانت اثني عشر, وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين لما ذكرناه, وتعول هذه الأصول الثلاثة, ومعنى العول نقص الفروض لازدحامها وضيق المال عنها, وطريق العمل فيها أن تأخذ لكل واحد فرضا من أصل مسألته ثم تجمع السهام كلها فتقسم المال عليها فيدخل النقص على كل ذي فرض بقدر فرضه كما تصنع في الوصايا الزائدة على الثلث وفي قسمة مال المفلس على ديونه, وإذا ثبت هذا فأصل ستة يتصور عوله إلى عشرة ولا تعول إلى أكثر منها, ومثاله: أولاد زوج وأخت لأبوين وأخت لأب: للزوج النصف ثلاثة وللأخت للأبوين ثلاثة وللأخت لأب سهم, عالت إلى سبعة فإن كان مكان الأخت من الأب أم فلها الثلث فتعول إلى ثمانية فإن كان معها ثلاث أخوات مفترقات عالت إلى تسعة, وإن كان الأخوات ستا عالت إلى عشرة وأصل اثني عشر تعول إلى سبعة عشر لا غير, ومثاله: زوج وأم وابنتان أصلها من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر فإن كان معهم أب عالت إلى خمسة عشر فإن كن ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات لأم وثمانية لأب عالت إلى سبعة عشر لكل واحدة سهم, وأصل أربعة وعشرين تعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر من ذلك, ومثاله: زوجة وأبوان وابنتان للابنتين الثلثان ستة عشر ولكل واحد من الأبوين السدس أربعة وللزوجة الثمن ثلاثة وتسمى البخيلة لقلة عولها وتسمى المنبرية؛ لأن عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال: صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته.

باب الرد
وإن لم تستغرق الفروض المال ولم يكن عصبة فالباقي يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوجين فإن اختلفت فروضهم أخذت سهامهم من أصل مسألتهم ستة
ـــــــ
باب الرد"إذا لم تستغرق الفروض المال ولم يكن عصبة فالباقي يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوجين" فإن كان المردود عليه واحدا أخذ المال كله بالفرض والرد كأم وجد أو بنت أو أخت وإن كانوا جماعة من جنس واحد كجدات وأخوات قسمته عليهم على عددهم كالبنين والإخوة وسائر العصبات "فإن اختلفت فروضهم أخذت سهامهم من ستة ثم جعلت سهامهم أصل مسألتهم", مثاله: بنت وأم للبنت النصف ثلاثة وللأم السدس سهم فتصح من أربعة وإن كانت أخت وجدة فكذلك "فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم"؛ لأنها أصل مسألتهم وتنحصر مسائل أهل الرد في أربعة أصول: الأول أصل اثنين كجدة وأخ من أم للجدة السدس وللأخ السدس أصلها من اثنين يقسم المال عليهما فيصير لكل واحد نصف المال, وإن كانت الجدات ثلاثا فلهن سهم لا ينقسم عليهن أضرب عددهن في أصل المسألة وهو اثنان فتصير ستة للأخ من الأم النصف ثلاثة ولهن ثلاثة لكل واحدة سهم الثاني أصل ثلاثة مثاله: أم وأخ من أم من ثلاثة للأم سهمان وللأخ سهم ومثله أم وأخوات لأم فإن كان الإخوة ثلاثا ضربت عددهم في أصل المسألة, وهي ثلاثة تكن تسعة ومنها تصح جدة وأختان لأم الثالث أصل أربعة بنتان وأختان وأخت لأبوين وأخت لأب أو لأم بنت وبنت ابن فإن كانت بنات الابن أربعا فلهن سهم لا ينقسم عليهن أضربهن في أصل مسألتهن وهو أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح جدة وبنت جدة وأخت الأصل الرابع أصل خمسة أم وأخت لأبوين أخت لأبوين وأخت لأم وجدة أخت لأب وجدة وأخت لأم بنت وبنت ابن وأم أو جدة ثلاث أخوات مفترقات.

ثم جعلت عدد سهامهم من أصل مسألتهم فإن انكسر على بعضهم ضربته في عدد سهامهم وإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته سهمه من أصل مسألته وقسمت الباقي على مسألة أهل الرد فإن انقسم وإلا ضربت مسألة الرد في مسألة الزوج ثم تصحح بعد ذلك على ما سنذكره
وليس في مسألة يرث فيها عصبة عول ولا رد
ـــــــ
مسألة: "وإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته سهمه من أصل مسألته وقسمت باقي مسألته على مسألة أهل الرد فإن انقسم وإلا ضربت مسألة الرد في مسألة الزوج ثم تصحح على ما سنذكره". مثاله: زوجة وأم وأخت لأم: للزوجة الربع سهم ويبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة فيصح الجميع من أربعة زوجة وأم وأخوان لأم كذلك زوجة وأم وثلاث إخوة لأم لا تصح سهام الأخوة عليهم فيضرب عددهم في أربعة تكن اثني عشر, ومنها تصح وإن لم تنقسم فأصل مسألة الزوج على فريضة أهل الرد فاضرب فريضة أهل الرد في فريضة أحد الزوجين, فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة فلأحد الزوجين فريضة أهل الرد ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسألته مضروبة في فاضل فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقه فيما انتقلت إليه المسألة, وتصح على ما يأتي وينحصر ذلك في خمسة أصول: أحدها زوج وجدة وأخ لأم للزوج النصف أصلها من اثنين للزوج سهم يبقى سهم على مسألة الرد وهي اثنان فاضربها في اثنين تكن أربعة. الأصل الثاني: زوجة وجدة وأخ لأم أصلها من أربعة للزوجة الربع يبقى ثلاثة على اثنين لا تصح تضربها في أربعة فتصير ثمانية ولأصل الثالث زوج وبنت وبنت ابن وأم أو جدة: مسألة الزوج من أربعة للزوج سهم يبقى ثلاثة على أربعة لا تصح فتضربها في أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح الأصل الرابع زوجة وبنت وبنت ابن وأم أو جدة: مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى اثنين وثلاثين الأصل الخامس زوجة وبنت وبنت ابن وجدة أصلها من ثمانية ثم تنتقل إلى أربعين وفي جميع ذلك إذا انكسر على فريق منهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة, مثاله: أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتا وأربع عشرة جدة أصلها من ثمانية وتنتقل إلى أربعين: للزوجات فريضة الرد خمسة لا تصح عليهن ولا توافق عددهن وللبنات أربعة أسهم من فريضة الرد مضروبة في فاضل فريضة الزوجات وهي سبعة تكن ثمانية وعشرين توافق عددهن بالأسباع فيرجعن إلى اثنين والاثنان يدخلان في عدد الزوجات؛ لأنهن ضعفهن فتضرب أربعة في ثلاثة تكن اثني عشر في أربعين تكن أربعمائة وثمانين ومنها تصح فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أربعين مضروب في اثني عشر فما بلغ فهو نصيبه.
مسألة: "وليس في مسألة يرث فيها عصب عول ولا رد" لأن العصبة إذا انفرد أخذ المال كله وإن كان معه أحد من أصحاب الفروض أخذ الباقي إن فضل عن الفروض فلا يبقى رد.

باب تصحيح المسائل
إذا انكسر سهم فريق عليهم ضرب عددهم أو وفقه إن وافق سهامهم في أصل مسألتهم أو عولها إن عالت أو نقصها إن نقصت ثم يصير لكل واحد منهم مثل ما كان لجميعهم أو وفقه وإن انكسر على فريقين فأكثر وكانت مماثلة أجزأك أحدهما
ـــــــ
باب تصحيح المسائل"إذا انكسر سهم فريق عليهم ضربت عددهم أو وفقه إن وافق سهامهم في أصل مسألتهم أو عولها إن عالت أو نقصها إن نقصت ثم يصير لكل واحد منهم مثل ما كان لجماعتهم أو وفقه". مثاله: زوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم يبقى للإخوة سهمان لا ينقسم عليهم ولا يوافق فاضرب عددهم في أصل المسألة تكن ثمانية عشر سهما للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم سهم في ثلاثة بثلاثة وللإخوة سهمان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان فما كان لجماعتهم صار لواحدهم فإن كان الإخوة أربعة وافقهم سهامهم بالنصف فتضرب نصفهم وهو اثنان في المسألة تكن اثني عشر وعند القسمة تضرب سهام كل واحد من ستة في اثنين لأنه وفق عددهم وهو جزء السهم.
مسألة: "وإن انكسر على فريقين فأكثر" لم يخل من أربعة أقسام: أحدها أن يكونا متماثلين كثلاثة وثلاثة فيجزئك ضرب أحدهما في المسألة, مثاله: ثلاثة إخوة لأم وثلاثة لأب لولد الأم الثلث والثلث الباقي لولد الأب أصلها من ثلاثة وسهم على ثلاثة لا ينقسم وسهمان على ثلاثة لا ينقسم ولا يوافق فتضرب أحد العددين في أصل المسألة تصير تسعة: لولد الأم ثلاثة وستة للإخوة للأب ولو كان ولد الأب ستة وافقتهم سهامهم بالنصف فيرجع عددهم إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما سبق. القسم الثاني: أن يكون العددان متناسبين وهو أن ينسب أحدهما إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه أو ثلثه فيجزيك ضرب الأكثر منهما في المسألة, مثاله: جدتان وأربعة إخوة لأب للجدتين السدس وللإخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق سهامهم وعدد الجدات نصف عدد الإخوة فاجتزئ بالأكثر وهو أربعة تضربها في ستة تكن أربعة وعشرين سهما للجدات أربعة وللإخوة خمسة في أربعة وعشرين لكل واحد خمسة, ولو كان عدد الإخوة عشرين لوافقت سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة يدخل فيها عدد الجدات فتضرب الأربعة في ستة تكن أربعة وعشرين. القسم الثالث: أن يكون العددان متباينين تضرب بعضها في بعض فما بلغ ضربته في المسألة ويسمى جزء السهم. مثاله: أم وثلاثة إخوة لأم وأربعة إخوة لأب أصلها من ستة ولولد الأم سهمان لا يوافقهم ولولد الأب ثلاث كذلك فهما متباينان فتضرب أحدهما في الآخر تكن اثني عشر ثم في أصل المسألة تكن اثنين وسبعين ثم كل من

وإن كانت متناسبة أجزأك أكثرها فإن تباينت ضربت بعضها في بعض وإن توافقت ضربت وفق أحدهما في الآخر ثم وفقت بين ما بلغ وبين الثالث وضربته أو وفقه في الثالث ثم ضربته في المسألة ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة.
ـــــــ
له شيء من ستة مضروب في اثني عشر فما بلغ فهو له. القسم الرابع أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع فيجزئك ضرب وفق أحدهما في الآخر فما بلغ ضربته في المسألة, مثاله: أربع جدات وستة إخوة يتفقان بالنصف فيضرب نصف أحدهما في جميع الآخر يكن اثني عشر تضربها في المسألة تكن اثنين وسبعبن, وإن كان الكسر على ثلاثة أعداد كثمانية وعشرة واثني عشر فهذا يسمى الموقوف وفي عمله طريقان: أحدهما أن تضرب وفق أحد العددين في جميع الآخر ثم ما بلغ وافقت بينه وبين الثالث ثم ضربت وفق أحد العددين في جميع الآخر فما بلغ ضربته في المسألة الطريق الثاني أن يقف واحد من الثلاثة ثم توافق بينه وبين الآخر ثم تردهما إلى وفقيهما, ثم تعمل في الوفقين عملك في العددين الأصليين إن كانا متماثلين اجتزئت بأحدهما وإن كانا متناسبين اجتزئت بأكثرهما وإن كانا متباينين ضربت أحدهما في الآخر, وإن كانت متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ فهو جزء السهم تضربه في أصل المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة. مثاله: ست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما بالطريق الأول يوافق من الستة والتسعة فتضرب ثلث أحدهما في الآخر تكن ثمانية عشر توافق بينهما وبين الخمسة عشر وتضرب ثلث أحدهما في الآخر تكن تسعين وهو جزء السهم. وبالطريق الثاني توقف الستة وتوافق بينهما وبين التسعة فترجع إلى ثلاثة ثم توافق بينهما وبين الخمسة عشر فترجع إلى خمسة ثم تضرب ثلاثة في خمسة تكن خمسة عشر ثم في ستة الموقوفة تكن تسعين ثم تضرب تسعين في ستة وهي أصل المسألة تصير خمسمائة وأربعين.

باب المناسخات
إذا لم تقسم تركة الميت حتى مات بعض ورثته وكان ورثة الثاني يرثونه على
ـــــــ
باب المناسخات"إذا لم تقسم تركة الميت حتى مات بعض ورثته وكان ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول قسمت التركة على ورثة الثاني وأجزأك", وذلك بأن يكونوا عصبة لهما. مثاله: أربعة بنين وثلاث بنات مات بنت بنت ثم ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان وبنت فاقسم المسألة على خمسة وكذلك تقول في أبوين وزوجة وابن وبنتين مات ابن ثم ماتت الزوجة ثم ماتت بنت ثم مات الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين الابن

حسب ميراثهم من الأول قسمت التركة على ورثة الثاني وأجزأك وإن اختلف ميراثهم صححت مسألة الثاني وقسمت عليها سهامه من الأولى فإن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى وإن لم تنقسم ضربت الثانية أو وفقها في الأولى ثم كل من له شئ من الأولى أخذه مضروبا في الثانية أو وفقها ومن له شئ في الثانية أخذه مضروبا في سهام الميت الثاني أو وفقها ثم تفعل فيما زاد من المسائل كذلك أيضا.
ـــــــ
والبنت الباقيين ثلاثا واستغنيت عن عمل المسائل.
مسألة: "وإن اختلف ميراثهم صححت مسألة الثاني وقسمت عليها سهامه من الأولى فإن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى وإن لم تنقسم ضربت الثانية أو وفقها في الأولى ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية أو" في "وفقها ومن له شيء من الثانية مضروب في السهام" التي مات عنها "الميت الثاني" أو في "وفقها ثم تفعل فيما زاد من المسائل كذلك". مثال ما يصح: أم وعم مات العم عن بنت وعصبة الأولى من ثلاثة والثانية من اثنين وله من الأولى سهمان تصح على مسألته فصحت المسألتان من ثلاثة, ثلاث أخوات مفترقات ماتت الأخت من الأبوين خلفت ابنين ومن خلفت تصح المسألتان من خمسة, ومثال ما يوافق: أم وابنان وبنت مات أحد الابنين وخلف من خلف الأولى من ستة للابن منها سهمان وقد خلف جدته وأخاه وأخته فمسألتهم من ثمانية عشر يوافق سهميه بالنصف فاضرب نصف المسألة وهو تسعة في الأولى وهي ستة تكن أربعة وخمسين: للأم من الأولى سهم في تسعة وفق الثانية ولها من الثانية ثلاثة في سهم صارت اثني عشر وللابن الباقي سهمان في تسعة ومن الثانية عشرة في سهم صار له ثمانية وعشرون ولأخته أربعة عشر, ومثال ما لا يوافق: زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت الأولى من عشرة, والثانية من ستة وتصح من ستين وإن مات ثالث فصحح مسألته ثم انظر ما صار له من الأوليين فإن انقسم على مسألته فقد صحت الثلاث مما صحت منه الأوليان, وإن لم تنقسم وإلا ضربت مسألته أو وفقها فيما صحت منه الأوليان وعملت على ما ذكرنا وكذلك تصنع في الرابع والخامس وما بعده.

باب موانع الميراث
وهي ثلاثة: أحدها : اختلاف الدين فلا يرث أهل ملة أهل ملة أخرى لقول
ـــــــ
باب موانع الميراث"وهي ثلاثة: أحدها اختلاف الدين فلا يرث أهل ملة أهل ملة أخرى؛ لقول رسول

رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يتوارث أهل ملتين شتى". والمرتد لا يورث أحدا وإن مات فماله فيء. الثاني: الرق فلا يرث العبد أحدا ولا له مال يورث ومن كان بعضه حرا ورث وورث وحجب بقدر ما فيه من الحرية
ـــــــ
الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم". متفق عليه من حديث أسامة ابن زيد1.
مسألة: "والمرتد لا يورث أحدا" لأنه ليس بمسلم فيرث المسلمين ولا يثبت له حكم الدين الذي ينتقل إليه فيرث أهله ولا يرثه أحد لذلك. "فإن مات فماله فيء" في بيت مال المسلمين وهو قول ابن عباس وعن الإمام أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين روي ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي وابن مسعود رضي الله عنهما, ولأن ردته بمنزلة موته فيرثونه حين ارتد وينتقل إليهم بردته كما ينتقل ميراث الميت بموته, وعنه لأهل دينه الذي اختاره لأنه صار إلى دينهم فيرثونه كما يرثون من كان أصليا في دينهم, والصحيح الأول لما سبق من الحديث ولأنه كافر فلا يرثه المسلم كالكافر الأصلي, أو مال مرتد فلا يورث كالذي اكتسبه في حال ردته ولا يصح جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان.
"الثاني: الرق فلا يرث العبد أحدا ولا له مال يورث" وقد أجمعوا على أنه لا يورث فإنه لا مال له يورث عنه, ومن قال يملك بالتمليك فملكه غير مستقر يزول إلى سيده إذا زال ملكه عن الرقبة بدليل قوله عليه السلام: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع". وأكثرهم على أنه لا يرث روي ذلك عن علي وزيد وحكي عن طاووس أنه يرث ويكون لسيده كما لو أوصى له ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد, ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه والميراث لا يصح لمولاه فافترقا.
مسألة: "ومن كان بعضه حرا ورث وورث وحجب بقدر ما فيه من الحرية"؛ لما روى عبد الله بن أحمد بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يعتق بعضه: "يرث ويورث على مقدار ما عتق منه" 2. فإذا خلف أما وبنتا نصفها حر وأبا حرا فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث والسدس مع حرية البنت فقد حجبتها بحريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه ويبقى لها الربع لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب, وإن شئت نزلتهم أحوالا
ـــــــ
1 - رواه البخاري في الفرائض: حديث رقم 6764. ومسلم في الفرائض: حديث رقم 1.
2 - رواه النسائي في القسامة: 37- باب دية المكاتب.

الثالث : القتل فلا يرث القاتل المقتول بغير حق وإن قتله بحق كالقتل حدا أو قصاصا أو قتل العادل الباغي عليه فلا يمنع ميراثه
ـــــــ
كتنزيل الخناثي, فتقول: إن كانتا حرتين فالمسألة من ستة للبنت النصف ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي للأب, وإن كانتا رقيقتين فالمال للأب وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف وإن كانت الأم وحدها حرة فلها الثلث وكلها تدخل في الستة تضربها في الأربعة الأحوال تكن أربعة وعشرين للأم ثلاثة وهي الثمن وللبنت ستة وهي الربع والباقي للأب وترجع بالاختصار إلى ثمانية.
"والثالث: القتل فلا يرث القاتل المقتول بغير حق"؛ لما روى الإمام أحمد ومالك عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس لقاتل شيء" 1, وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, ورواهما ابن عبد البر في كتابه وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث", رواه الإمام أحمد, ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الولد ربما استعجل موت مورثه ليأخذ ماله, وأجمعوا على أن قاتل العمد لا يرث إلا شيئا شاذا يروى عن سعيد بن المسيب وابن جبير وهو رأي الخوارج, وأكثرهم يرى أن القاتل القتل الخطأ لا يرث المقتول روي عن جماعة من الصحابة وورثه قوم من المال دون الدية؛ لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة خصص منه قاتل العمدة بالإجماع فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضى المنصوص ولنا الأحاديث؛ ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والرقيق والعمومات مخصصة بما ذكرنا.
مسألة: "وإن قتله بحق كالقتل حدا أو قصاصا أو قتل العادل الباغي لم يمنع ميراثه"؛ لأنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه فمات ولأنه حرم في محل الوفاق كيلا يفضي إلى اتخاذ القتل المحرم وحرمان الميراث ها هنا ربما يمنع من استيفاء الحد الواجب, والتوريث لا يفضي إلى اتخاذ قتل محرم فهو ضد للأصل غير مساو له في معناه.
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في الفرائض: حديث رقم 2109. وأبو داود في الديات: حديث رقم 4564.

باب مسائل شتى
إذا مات عن حمل يرثه وقفت ميراث اثنين ذكرين إن كان ميراثهما أكثر وإلا
ـــــــ
باب مسائل شتى"إذا مات عن حمل يرثه وقفت له ميراث ذكرين إن كان ميراثهما أكثر وإلا ميراث

ميراث اثنين وتعطي كل وارث اليقين وتقف الباقي حتى يتبين, وإن كان في الورثة مفقود
ـــــــ
اثنيين فتعطي كل وارث اليقين وتقف الباقي حتى يتبين". مثاله: رجل مات وخلف أمة حاملا وبنتا يدفع للبنت الخمس ويوقف الباقي وهو نصيب ذكرين فإن كان بدل البنت ابن أعطي الثلث ويوقف الباقي أبوان وأمة حامل لهما السدسان ويوقف الباقي, ومتى زادت الفروض على الثلث كان نصيب الإناث أكثر. مثاله: امرأة حامل وأبوان تعطى الزوجة ثلاثة والأبوان ثمانية من سبعة وعشرين ويوقف الباقي, زوج وأم حامل من الأب يدفع للزوج ثلاثة من ثمانية ولللأم سهم ويوقف الباقي, امرأة حامل وأبوان وبنت يعطى للزوجة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية من سبعة وعشرين وهو أقل ميراثهم وتعطى البنت خمسا من ثلاثة عشر من أربعة وعشرين؛ لأنه أقل ميراثها فتضرب خمسة في أربعة وعشرين تكن مائة وعشرين لها منها ثلاثة عشر, فإذا أردنا أن نعطي الزوجة والأبوين وافقنا بين السبعة وعشرين وبين المائة وعشرين ثم ترد أحدهما إلى وفقهما تسعة ثم تضربها في الأخرى تكن ألفا وثمانين ثم تعطي الزوجة ثلاثة في وفق الأخرى, وهو أربعون مائة وعشرون وللأبوين ثمانية في أربعين تكن ثلاثمائة وعشرين كل واحد مائة وستون, وللبنت ثلاثة عشر في تسعة تكن مائة وسبعة عشر فإن ولدت ذكرين فقد أخذت البنت حقها وتزاد الزوجة مثل ثمن ما معها خمسة عشر فيصير معها ثمن كامل ويزاد الأبوان مثل ثمن ما معهما أربعين فيصير معهما ثلث كامل من ألف وثمانين وإن ولدت ذكرا وأنثى فسهم الزوجة والأبوين على حاله كما ولدت ذكرين وتزاد البنت مثل ربع ما معها تسعة وعشرين وربع يصير لها مائة وستة وأربعون وربع وإن ولدت ذكرا واحدا فسهم الزوجة والأبوين على حاله وتزاد البنت مثل ثلثي ما معها أعني المائة وسبعة عشر لأن لها ثلث الباقي وقد أخذت الخمس فهو بقية مال ذهب خمساه فيزاد عليه ثلثاه وهو ثمانية وسبعون صار لها مائة وخمسة وتسعون وإن ولدت أنثى واحدة فسهم الأبوين والزوجة من سبعة وعشرين على حاله وتأخذ البنت مثل سهم الأبوين وإن ولدت انثيين لم يتغير إلا سهم البنت يصير لها ثلث الستة عشر وهو خمسة وثلث في أربعين تكن مائتين وثلاثة عشر وثلث سهم, وإن لم تلد شيئا أخذت الزوجة ثمنا كاملا والأبوان ثلثا كاملا وللبنت نصف لا غير وفضل معها سهم تدفعه إلى الأب فيصير لها خمسة من أربعة وعشرين, وقد صحت كلها بعد كسر الأسهم: البنت فيه كسر ثلث سهم فيما إذا ولدت ابنتين وربع سهم فيما إذا ولدت ذكرا وأنثى فتضرب مخرج الثلث ثلاثة ومخرج الربع أربعة, فيصير اثني عشر تضربها في ألف وثمانين, وكل من له شيء من ألف وثمانين مضروب في اثني عشر فتصير المسألة كلها من اثني عشر ألفا وتسعمائة وستين سهما, والله أعلم.
مسألة: "وإن كان في الورثة مفقود لا يعلم خبره أعطيت كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يعلم حاله" وهي رواية عن الإمام أحمد ينتظر أبدا وهو محمول على أنه ينتظر.

لا يعلم خبره أعطيت كل وارث اليقين ووقفت الباقي حتى يعلم حاله إلا أن يفقد في مهلكة أو من بين أهله فينتظر أربع سنين ثم يقسم.
وإن طلق المريض في مرض الموت المخوف امرأته طلاقا يتهم فيه لقصد
ـــــــ
مدة لا يعيش في مثلها وهو قول أكثرهم, وهذا إذا كان في غيبة ظاهرها السلامة كالسفر للتجارة أو طلب علم وعنه ينتظر تمام تسعين سنة مع سنة من يوم ولد؛ لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا, وقيل مائة وعشرين وقيل سبعين.
مسألة: "إلا أن يفقد في مهلكة أو من بين أهله فينتظر أربع سنين"؛ لأنها أكثر مدة الحمل "فإن لم يظهر له خبر قسم ماله" واعتدت زوجته للوفاة ثم تزوجت نص عليه, وقال الشافعي رضي الله عنه: يوقف ماله أبدا حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها, ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته بعد أربع سنين, وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى؛ ولأن الظاهر هلاكه فجاز قسمة ماله كما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها, فإذا كان في الورثة مفقود دفعت إلى كل وارث اليقين ووقفت الباقي كما ذكرنا, فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت ثم تضرب إحداهما في الأخرى أو في وفقها إن اتفقتا, ثم تضرب ما لكل واحد من إحدى المسألتين في الأخرى أو في وفقها إن اتفقتا فتدفع إليه أقل النصيبين وتقف الباقي. مثاله: زوج وأم وجدة وأخت وأخ مفقود مسألة الوجود من ثمانية عشر, ومسألة العدم من سبعة وعشرين يتفقان بالاتساع فاضرب تسع إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين: للزوج من مسألة الوجود تسعة في ثلاثة سبعة وعشرون ومن مسألة العدم تسعة في سهمين ثمانية عشر تدفعها إليه؛ لأنها اليقين وللأم في مسألة الوجود ثلاثة في ثلاثة تسعة ومن مسألة العدم ستة في اثنين اثنا عشر فتدفع إليها تسعة؛ لأنها اليقين وللأخت من مسألة الوجود سهم في ثلاثة بثلاثة ومن مسألة العدم أربعة في اثنين ثمانية فتدفع إليها الثلث وللجد من مسألة الوجود ثلاثة في ثلاثة تسعة ومن مسألة العدم ثمانية فى اثنين ستة عشر فتدفع إليه التسعة يبقى خمسة عشر موقوفة, فإن بان الأخ حيا دفعت إليه ستة لأن له من مسألة الوجود اثنين مضروبا في وفق مسألة العدم ثلاثة ودفعنا إلى الزوج تسعة لأن له من مسألة الوجود سبعة وعشرين معه ثمانية عشر بقي له تسعة ونصيب الأم السدس لا غير, وقد أخذته وكذا الأخت وإن بان الأخ ميتا دفعنا إلى الأم ثلاثة وإلى الجد سبعة وإلى الأخت خمسة وعلى هذا العمل.
مسألة: "وإن طلق المريض في مرض الموت المخوف امرأته طلاقا يتهم فيه بقصد حرمانها الميراث" مثل أن طلقها ابتداء في مرضه بائنا ثم مات في مرضه ذلك, "ورثته ما دامت في العدة"؛ لما روي أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرض موته فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر

حرمانها عن الميراث لم يسقط ميراثها ما دامت في عدته وإن كان الطلاق رجعيا توارثا في العدة سواء كان في الصحة أو في المرض وإن أقر الورثة كلهم بمشارك لهم في الميراث فصدقهم أو كان صغيرا مجهول النسب ثبت نسبه وإرثه وإن أقر به بعضهم لم يثبت نسبه ومر له فضل ما في يد المقر عن ميراثه
ـــــــ
فكان إجماعا ولأنه قصد قصدا فاسدا في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل وهل ترث بعد انقضاء العدة؟ فيه روايتان: إحداهما ترثه لأن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء العدة, ولأنه فار من ميراثها فورثته كالمعتدة, والثانية لا ترثه لأن آثار النكاح زالت بالكلية فلم ترثه كما لو تزوجت ولأن ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع زوجات بأن تزوج أربعا بعد انقضاء عدة المطلقة وذلك غير جائز.
مسألة: "وإن كان الطلاق رجعيا توارثا في العدة سواء كان في الصحة أو في المرض"؛ لأن الرجعية زوجة.
مسألة: "وإن أقر الورثة كلهم بمشارك لهم في الميراث فصدقهم أو كان صغيرا مجهول النسب ثبت نسبه وإرثه"؛ لأن الورثة يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه وهذا من حقوقه وسواء كان الورثة واحدا أو جماعة ذكرا أو أنثى؛ لأنه حق ثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلا يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث.
مسألة: "وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه"؛ لأنه لا يرث المال كله ولو كان المقر عدلا لأنه إقرار من بعض الورثة فإن شهد منه عدلان أنه ولد على فراشه وإن الميت أقر به ثبت نسبه وشاركهما في الإرث؛ لأنهما لو شهدا على غير موروثهما قبل فكذلك على موروثهما.
مسألة: وعلى المقر أن يدفع إلى المقر "له فضل ما في يده عن ميراثه" فإذا أقر أحد الاثنين بأخ فله ثلث ما في يده, وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده لأن التركة بينهم أثلاثا أو أخماسا فلا يستحق المقر له مما في يده إلا الثلث أو الخمس كما لو ثبت نسبه ببينة؛ ولأنه إقرار بحق يتعلق بحصته وحصة أخيه فلا يلزمه أكثر مما يخصه كالإقرار بالوصية وكإقرار أحد الشريكين على مال الشركة بدين؛ ولأنه لو شهد معه أجنبي بالنسب ثبت ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجر بها نفعا إلى نفسه لكونه يسقط عن نفسه ببعض ما يستحقه عليه وفارق ما إذا غصب بعض الشركة وهما اثنان؛ لأن كل واحد منهما يستحق النصف من كل جزء من الشركة وها هنا يستحق الثلث فافترقا, فإن لم يكن في يده فضل فلا شيء للمقر له لأنه لم يقر له بشيء.

باب الولاء
الولاء لمن أعتق وإن اختلف بينهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق". وإن عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاء فله عليه الولاء وعن أولاده من حرة معتقة أو أمة, وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا ويرثهم إذا لم يكن له من يحجبه عن ميراثهم ثم عصباته من بعده.
ـــــــ
باب الولاءكل من "أعتق" عبدا أو "عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاء" أو وصية بعتقه "فله عليه الولاء"؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الولاء لمن أعتق". وروى: أنه نهى عن بيع الولاء وعن هبته. متفق عليهما1. وأجمعوا على أن من أعتق عبدا أو عتق عليه ولم يعتقه سابقه أن له عليه الولاء, "ويثبت الولاء للمعتق على المعتق "وعلى أولاده من زوجة معتقة أو أمة" أما ثبوت الولاء على المعتق مجمع عليه؛ لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" 2, وأما ثبوته على أولاده فلأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه, ولأنهم فرع والفرع يتبع الأصل بشرط أن يكونوا من زوجة معتقة أو من أمته فإن كانت أمهم حرة الأصل فلا ولاء على ولدها؛ لأنهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم الولاء وليس عليها ولاء, وإن كان أبوهم حر الأصل فلا ولاء عليهم أيضا ولكن يشترط أن لا يكون قد ثبت عليهم ملك مالك فإن كان قد ثبت عليهم ملك وعتقوا فولاؤهم لمن أعتقهم؛ لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق" 3. "و" يثبت له الولاء "على معتقي معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا" ؛ لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا أشبه ما لو باشرهم بالعتق.
مسألة: "ويرثهم إذا لم يكن له من يحجبه من ميراثهم ثم عصباته من بعده" فمتى كان للمعتق عصبة من أقاربه أو ذو فرض تستغرق فروضهم المال فلا شيء للمولى المنعم؛ لما روى سعيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الميراث للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى", وعنه أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى في مال؟. قال: "إن مات ولم يدع وارثا فهو لك". ولأن النسب أقوى من الولاء بدليل أنه لا يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة, ويتعلق ذلك بالنسب ولا نعلم في هذا خلافا ثم يرث به
ـــــــ
1- الأول: رواه البخاري في كتاب البيوع: 37- باب إذا اشترط شروطا في البيوع لا تحل. ومسلم في كتاب الطلاق: حديث رقم 8. والثاني: رواه البخاري في كتاب العتق: 10- باب بيع الولاء وهبته. ومسلم في كتاب العتق: حديث رقم 16.
2 - سبق تخريجه.
3 -سبق تخريجه.

ومن قال: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فعلى الآمر ثمنه وله ولاؤه وإن لم يقل عني فالتمني عليه والولاء للمعتق ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق, وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره وإذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما وإن كان أحدهما رقيقا تبع الولد الأم في حريتها ورقها فإن كانت الأم رقيقة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا يخرج عنهه بحال وإن كان الأب رقيقا والأم
ـــــــ
عصباته من بعده الأقرب فالأقرب فإذا مات العبد بعد موت مولاه ورثه أقرب عصبة مولاه دون ذوي الفروض؛ لأن الولاء كالنسب والنسب إلى العصبات ولأنه كنسب المولى من أخ أو عم فيرثه ابن المولى دون ابنته كما يرث عمه ويقدم الأقرب فالأقرب من العصبات؛ لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق", ولأن عصبات الميت يرث منهم الأقرب فالأقرب فكذلك عصبات المولى.
مسألة: "ومن قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فعلى الأمر ثمنه وله ولاؤه"؛ لأنه نائب عنه في العتق فهو كالوكيل.
مسألة: "وإن لم يقل عني فالثمن عليه والولاء للمعتق"؛ لأنه لم يعتقه عن غيره فأشبه ما لو لم يجعل له جعلا.
مسألة: "ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق"؛ لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق". "وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره"؛ لأنه عتق عليه فأشبه ما لو باشر عتقه.
مسألة: "وإذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما"؛ لما سبق في أول الباب ولأن حرية الأب تقطع الولاء عن موالي الأم بعد ثبوته فإذا كان حرا منع ثبوتها؛ لأن المنع أسهل من الرفع.
مسألة: "وإذا كان أحدهما رقيقا تبع الولد الأم في حريتها أو رقها" ؛ لأنه إن كانت أمهم رقيقة وأبوهم حر تبعوا الأم لأنهم عبيد لسيدها ونفقتهم عليه, وإن كان أبوهم رقيقا وأمهم حرة تبعوا أمهم في الحرية لأنهم يتبعونها في الرق ففي الحرية أولى, "فإن كانت الأم رقيقة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا يخرج عنه بحال"؛ لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق". "وإن كان الأب رقيقا والأم معتقة فولدها أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم"؛ لأنه ولي نعمتهم لأنهم عتقوا بسبب عتقه أمهم "فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه

معتقة فأولادها أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده, وإن اشترى أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته ويبقى ولاؤه لموالي أمه
ـــــــ
الولاء وجر إليه ولاء أولاده" عن مولى أمهم لأن الأب لما كان مملوكا لم يكن يصلح وارثا ولا واليا في النكاح ولا يعقل فكان ابنه كولد الملاعنة انقطع نسبه عن أبيه فثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها, فإذا أعتق العبد صلح الانتساب إليه وعاد وارثا عاقلا وليا فعادت النسبة إليه وإلى مواليه بمنزلة ما لو استلحق الملاعن ولده وهو قول جمهور الصحابة رضى الله عنهم.
مسألة: "وإن اشترى" أحد الأولاد "أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته" للخبر؛ ولأنه سبب الإنعام عليهم فكان له ولاؤهم كما لو باشرهم بالعتق, "ويبقى ولاؤه لموالي أمه لأنه لا يكون مولى نفسه" يعقل عنها ويرثها.
مسألة: "فإن اشترى أبوهم عبدا فأعتقه ثم مات الأب فميراثه بين أولاده" بالنسب "للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا مات عتيقه بعده فميراثه للذكور دون الإناث"؛ لأنهم أقرب عصبة موالاة فيرثونه دون ذوي الفروض لأن الولاء كالنسب والنسب إلى العصبات ولأنه كنسب المولى من أخ أو عم فيرثه ابن المولى دون ابنته كما يرث ابن عمه دون ابنة عمه ويرثه ابن أخيه دون ابنته.
مسألة: "ولو اشترى الذكور والإناث أباهم فعتق عليهم ثم اشترى أبوهم عبدا فأعتقه ثم مات الأب ثم مات عتيقه فميراثهما على ما ذكرنا في التي قبلها" ودليلها دليل التي قبلها.
مسألة: "وإن مات الذكور قبل موت العتيق ورث الإناث من ماله بقدر ما أعتقن من أبيهن ثم يقسم الباقي بينهن وبين معتق الأم فإن اشترين نصف الأب وكانوا ذكرين وانثيين فلهم خمسة أسداس الميراث ولمعتق الأم سدسه؛ لأن لهم نصف الولاء والباقي بينهم وبين معتق الأم أثلاثا"؛ لأن النصف الباقي كان للاثنين لكل واحد منهما الربع فلما مات الأول منهما كان نصيبه لمواليه وهم أختاه وأخوه وموالي أمه لكل واحد منهم ربعه, فلما مات الثاني منهما فنصيبه بينهم كذلك إلا أننا أسقطنا ذكر نصيب الميت الأول منهما قطعا للدور؛ ولأننا لو قسمنا سهمه لعاد إلى الأحياء من الموالي وهم الأختان وموالي الأم أثلاثا فقسمنا النصف الباقي بين الثلاثة أثلاثا لكل واحد منهم سدس فصار للأختين السدسان مع النصف الذي لهما وهي خمسة أسداس, ولموالي الأم سدس أصلها من أربعة وتصح من ثمانية وأربعين لأن الولاء بينهم على أربعة: للبنتين سهمان ولكل ابن سهم فإذا

لأنه لا يجر ولاء نفسه فإن اشترى أبوهم عبدا فأعتقه ثم مات الأب فميراثه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين وإذا مات عتيقه بعده فميراثه للذكور دون الإناث ولو اشترى الذكور والإناث أباهم فعتق عليهم, ثم اشترى أبوهم عبدا فأعتقه ثم مات الأب ثم مات عتيقه فميراثهما على ما ذكرنا في التي قبلها وإن مات الذكور قبل موت العتيق ورث الإناث من ماله بقدر ما أعتقن من أبيهن, ثم يقسم الباقي بينهم وبين معتق الأم فإن اشترين نصف الأب وكانوا ذكرين وأنثيين فلهن خمسة أسداس الميراث ولمعتق الأم السدس لأن لهن نصف الولاء والباقي بينهن وبين معتق الأم أثلاث, فإن اشترى ابن المعتقة عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه فأعتقه جر ولاء معتقه وصار كل واحد منهما مولى للآخر, ولو أعتق الحربي عبدا فأسلم وسباه العبد وأخرجه إلى دار الإسلام ثم أعتقه صار كل واحد منهما مولى الآخر.
ـــــــ
مات أحد الابنين عن سهم فهو مقسوم بين أخيه وأختيه وموالي أمه من أربعة لكل واحد الربع وسهم على أربعة لا يصح فتضرب أربعة في أربعة تكن ستة عشر: للبنتين عشرة وللأختين خمسة ولموالي الأم سهم, فإذا مات الأخ الآخر عن خمسة قسمناها على ثلاثة للأختين وموالي الأم تركنا ذكر سهم الميت أولا قطعا للدور, وخمسة على ثلاثة لا تصح فنضرب ثلاثة في ستة عشر تكن ثمانية وأربعين للأختين أربعون سهما منها أربعة وعشرون سهما النصف ولهما من ستة عشر اثنان في ثلاثة ستة صارت ثلاثين يبقى خمسة عشر لهما ولموالي الأم أثلاثا لهما عشرة ولموالي الأم خمسة ولهم ثلاثة أيضا صارت ثمانية وهي سدس والأربعون خمسة أسداس فصحت من ذلك.
مسألة: "فإن اشترى ابن المعتقة عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتق فأعتقه جر ولاء معتقه وصار كل واحد منهما مولى الآخر", وذلك أنه إذا أعتق صار له ولاؤه لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق". فإذا أعتق هذا العبد أبا معتقه صار له الولاء على معتقه بولائه على أبيه, "و" مثله ما "لو أعتق الحربي عبدا فأسلم ثم" أسر سيده و "أعتقه" فلـ "كل واحد منهما" ولاء صاحبه, وكما جاز أن يشتركا في النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه كذلك الولاء.

باب الميراث بالولاء
الولاء لا يورث وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق
ـــــــ
باب الميراث بالولاءمسألة: "الولاء لا يورث وإنما يرث به أقرب عصبة المعتق" فإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا يورث فهو باق للمعتق أبدا لا

ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتقه من أعتقن وكذلك كل فرض إلا الأب والجد لهما السدس مع الابن وابنه, والولاء للكبر فلو مات المعتق وخلف ابنين وعتيقه فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات عتيقه فماله لابن المعتق إن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم
ـــــــ
يزول بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق". وإنما يرث عصبة المولى مولى المولى بولاء معتقه لا نفس الولاء وهو قول الجمهور, وشذ شريح فقال: يورث كما يورث المال, ولنا ما روى سعيد بإسناده عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المولى أخ في الدين ومولى نعمة وأولى الناس بميراثه أقربهم من المعتق"؛ ولأنه إجماع الصحابة لم يظهر عنهم خلافه فلا يجوز مخالفته ولا يصح اعتبار الولاء بالمال؛ لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذو الفروض وإنما يورث به فينتظر أقرب الناس إلى سيده يوم موت المولى المعتق فيكون هو الوارث للمولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده, فلو مات المولى وخلف ابن مولاه وابن ابن مولاه كان ميراثه لابن مولاه لأنه أقرب عصبات سيده.
مسألة: "ولا يرث النساء بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن", وهذا ليس فيه خلاف بينهم وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, فإن عائشة لما أرادت شراء بريرة لتعتقها وأراد أهلها اشتراط ولائها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق". متفق عليه. وفي حديث: "تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه". قال الترمذي: حديث حسن؛ ولأن المعتقة منعمة بالإعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في الميراث وترث معتق معتقها؛ لأنها السبب في الإنعام عليه أشبه ما لو باشرته بالعتق, فأما من أعتقه أبوها فلا ترثه لأنه بمنزلة أخي أبيها أو عمه لا ترثه ويرثه أخوها.
مسألة: "وكذلك كل ذي فرض إلا الأب والجد لهما السدس مع الابن وابنه" الجد يرث الثلث مع الإخوة إذا كان أحظ له فإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه وابن معتقه فلأبي معتقه السدس وما بقي فللابن نص عليه, وكذلك في جد المعتق وابنه فإن ترك أخا معتقه وجد معتقه فالولاء بينهما نصفين فإن كانا أخوين فالولاء بينهما أثلاثا, للجد الثلث وإن كانوا أكثر من اثنين قسم بينهم مال المعتق كما يقسم مال المعتق لو مات؛ لأنه ميراث بين الجد والإخوة أشبه الميراث بالنسب فإن كان معهم أخوات لم يعتد بهن لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهم كالإخوة من الأم.
مسألة: "والولاء للكبر فلو مات المعتق وخلف ابنين وعتيق فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات عتيقه فماله لابن المعتق"؛ لأن الولاء لأقرب عصبة المعتق والابن أقرب من

لكل واحد عشرة وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها
ـــــــ
ابن ابن "وإن مات الابنان بعده وقبل مولاه وخلف" أحد الابنين "ابنا" وخلف آخر "تسعة" كان الولاء "بينهم على عددهم لكل واحد" منهم "عشرة", روي ذلك عن جماعة من الصحابة قالوا: الولاء للكبر. وتفسيره أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه يوم موت العبد. قال ابن سيرين: إذا مات المعتق نظر أقرب الناس إلى الذي أعتقه فيجعل ميراثه له, وإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته؛ لأن الولاء كالنسب لا يورث وإنما يورث به فهو باق للمعتق أبدا؛ لقوله عليه السلام: "إنما الولاء لمن أعتق".
مسألة: "وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها"؛ لما روى زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبدا ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام: "ميراثه لابن المرأة ". فقال أخوها: لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال: "نعم".

باب العتق
وهو تحرير العبد ويحصل بالقول والفعل فأما القول فصريحه لفظ العتق والتحرير وما تصرف منهما فمتى أتى بذلك حصل العتق وإن لم ينوه, وما عدا هذا من الألفاظ المحتملة للعتق كناية لا يعتق بها إلا إذا كان نوى وأما الفعل فمن ملك
ـــــــ
باب العتق"وهو" في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل والطير إلى خالصها وفي الشرع: "تحرير الرقبة" وتخليصها من الرق.
مسألة: "ويحصل بالقول والفعل: فأما القول فصريحه لفظ العتق والتحرير وما تصرف منهما" نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو أعتقتك؛ لأن هذين اللفظين وردا في الكتاب والسنة وهما يستعملان عرفا في العتق فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق فيه, "فمتى أتى" بشيء من هذه الألفاظ "حصل العتق وإن لم ينو" شيئا "وما عدا هذا من الألفاظ المحتملة للعتق كناية لا يعتق به إلا إذا نوى". نحو قوله: خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوه, كما قلنا في صريح الطلاق وكنايته "وأما الفعل فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه"؛ لما روى سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر". رواه أبو داود1. ولأنه ذو رحم فعتق عليه إذا ملكه كالولد, وعنه لا يعتق إلا عمود النسب بناء على أن نفقة غيرهم لا تجب.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في العتاق: حديث رقم 3949, 3959, 3951.

ذا رحم محرم عتق عليه ومن أعتق جزءا من عبد مشاعا أو معينا عتق كله وإن أعتق ذلك من عبد مشترك وهو موسر بقيمة نصيب شريكه عتق كله وقوم عليه نصيب شريكه وله ولاؤه, وإن كان معسرا لم يعتق إلا حصته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق". وإن ملك جزءا من ذي رحمه عتق عليه باقية إن كان موسرا إلا أن يملكه بالميراث فلا يعتق عليه إلا ما ملك.
فصل
وإذا قال لعبده أنت حر في وقت سماه أو علق عتقه على شرط يعتق إذا جاء ذلك الوقت أو وجد الشرط ولم يعتق قبله ولا يملك إبطاله بالقول وله بيعه وهبته
ـــــــ
مسألة : "ومن أعتق جزءا من عبده مشاعا أو معينا عتق كله" فإذا قال: ربع عبدي حر أو يده حرة عتق جميعه؛ لأنه موسر بما يسري إليه فأشبه ما لو أعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقية.
مسألة: "وإن أعتق ذلك من عبد مشترك وهو موسر بقيمة نصيب شريكه عتق كله وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه"؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركا له في عبد فإن كان له ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق". متفق عليه. وفي لفظ: "فكان له ما يبالغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتق". رواه أبو داود, وفي لفظ: "فقد عتق كله" 1.
مسألة: "وله ولاؤه" لقوله عليه السلام: "الولاء لمن أعتق". "وإن كان معسرا لم يعتق منه إلا حصته" للخبر.
مسألة: "وإن ملك جزءا من ذي رحم عتق عليه باقيه إن كان موسرا إلا أن يملكه بالميراث" فلا يعتق عليه إلا ما ملك وذلك أنه متى ملكه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله؛ لأنه عتق بسبب من جهته فأشبه إعتاقه بالقول.
مسألة: "وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك" موسرا كان أو معسرا؛ لأنه لا اختيار له في إعتاقه ولا بسبب من جهته, ونقل عن المروذي ما يدل على أنه يعتق عليه نصيب الشريك إذا كان موسرا لأنه ملك بعضه أشبه ما لو ملكه بالشراء.
"فصل: وإذا قال لعبده: أنت حر في وقت سماه أو علق عتقه على شرط عتق إذا جاء
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.

والتصرف فيه ومتى عاد إليه عاد الشرط وإن كانت الأمة حاملا حين التعليق أو وجد الشرط عتق حملها وإن حملت ووضعت فيما بينهما لم يعتق ولدها.
ـــــــ
الوقت أو وجد الشرط"؛ لأنه عتق بصفة فجاز كالتدبير "و" لا "يعتق قبل" وجود ذلك؛ لأنه حق علق على شرط فلا يثبت قبله كالجعل في الجعالة "ولا يملك إبطال ذلك بالقول؛ لأنه كالتدبير", "ويملك ما يزيل الملك فيه من البيع والهبة" والوقف كما ملك ذلك في المدبر فإن باعه ثم اشتراه عاد الشرط؛ لأن التعليق والصفة وجدا في ملكه فعتق كما لو لم يزل ملكه.
مسألة: "وإن كانت الأمة حاملة حين" وجود "التعليق أو وجود الشرط عتق حملها"؛ لأنه كعضو من أعضائها, "وإن حملت ووضعت فيما بينهما لم يعتق ولدها" في أحد الوجهين وفي الآخر يتبع أمه؛ لأنه نوع استحقاق للحرية فتبع الولد أمه فيه كالتدبير ودليل الأول أن التدبير أقوى من التعليق؛ لأن التعليق بصفة في الحياة يبطل بالموت والتدبير لا يبطل بالموت بل يتحقق مقصود منه.

باب التدبير
وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي أو قد دبرتك أو أنت مدبر, صار مدبرا يعتق بموت سيده إن حمله الثلث, ولا يعتق ما زاد إلا بإجازة الورثة.
ـــــــ
باب التدبيرمسألة: "وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي أو قد دبرتك أو أنت مدبر صار مدبرا يعتق بموت سيده إن حمله الثلث" والأصل فيه ما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا أعتق مملوكا عن دبر فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني"؟ فباعه من نعيم بن عبد الله بثمان مائة درهم فدفعها إلى الرجل, وقال: "أنت أحوج". متفق عليه1. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات -والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كان عليه دين, وإنفاذ وصاياه إن كان وصى وكان السيد بالغا جائز الأمر- أن الحرية تجب له أو لها ويعتبر من الثلث؛ لأنه تبرع بالمال بعد الموت فهو كالوصية, ونقل عنه حنبل أنه من رأس المال وليس عليه عمل, وذكر أبو بكر أنه كان قولا قديما رجع عنه. "ولا يعتق ما زاد" على الثلث "إلا بإجازة الورثة"؛ لأنه حقهم فلا يجوز بغير إجازتهم.
ـــــــ
1 -رواه البخاري في البيوع: حديث رقم 2141. ومسلم في الزكاة: حديث رقم 41.

ولسيده بيعه وهبته ووطء الجارية, ومتى ملكه بعد عاد تدبيره وما ولدت المدبرة والمكاتبة وأم الولد من غير سيدها فله حكمها ويجوز تدبير المكاتب وكتابة المدبر فإن أدى عتق وإن مات سيده قبل أدائه عتق إن حمل الثلث ما بقي عليه من كتابته وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتاب بقدر ما عتق وكان على الكتابة بما بقي وإن استولد مدبرته بطل تدبيرها وإن أسلم مدبر الكافر أو أم ولده حيل بينه وبينهما
ـــــــ
مسألة: "ولسيده بيعه" لخبر جابر. ويجوز "هبته" لأنها كالبيع. ويجوز "وطء الجارية" المدبرة لأنها مملوكته, وقد قال سبحانه: {إِِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 1, ولأن ثبوت العتق لها بالموت لا يمنع من وطئها كأم الولد.
مسألة: فإن باعه ثم "عاد" إليه عاد التدبير؛ لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه ثم اشتراه عادت الصفة كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه.
مسألة: "وما ولدت المدبرة والمكاتبة وأم الولد من غير سيدها فله حكمها"؛ لأن الولد جزء من الأم فيتبعها كبقية أجزائها.
مسألة: "ويجوز تدبير المكاتب" لا نعلم فيه خلافا لأنه تعليق عتق بصفة وهو يملك إعتاقه فيملك تعليقه, وإن كان التدبير وصية فهو وصية بما ملك وهو الإعتاق.
مسألة: وتجوز "كتابة المدبر", روى الأثرم بإسناده عن أبي هريرة وابن مسعود جوازه؛ ولأن التدبير إن كان عتقا بصفة لم يمنع الكتابة كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر ثم كاتبه, وإن كان وصية فالوصية للمكاتب جائزة. "فإن أدى عتق" كما لو لم يكن مدبرا, "وإن مات سيده قبل أدائه عتق" بالتدبير إن حمل "الثلث ما بقي من" كتابته ؛ لأنه لو أدى ما بقي من كتابته لعتق والمدبر يعتق من الثلث فإذا خرج من الثلث عتق كله وإذا عتق سقط ما عليه كما لو أعتقه سيده.
مسألة: "وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق وكان على الكتابة بما بقي"؛ لأن التدبير وصية والوصية تنفذ في الثلث فإذا عتق منه بقدر ثلث مال سيده سقط من الكتابة بقدر ما عتق؛ لأن ما عتق قد صار حرا بإعتاق سيده له وتبرعه به فلم يبق له عوض ويبقى على الكتابة ما بقي لبقاء الرق فيه.
مسألة: "وإن استولد مدبرته بطل تدبيرها" قد سبق أن له إصابة مدبرته لكونها ملكه
ـــــــ
1 - الآية 30 سورة المعارج.

وينفق عليهما من كسبهما وإن لم يكن لهما كسب أجبرعلى نفقتهما, فإن أسلم ردا إليه وإن مات عتقا, وإن دبر شركا له في عبد وهو موسر لم يعتق عليه سوى ما أعتقه وإن أعتقه في مرض موته وثلثه يحتمل باقيه عتق جميعه
ـــــــ
فإن أولدها بطل تدبيرها لأن مقتضى التدبير العتق بعد الموت من الثلث والاستيلاد يقتضي ذلك مع تأكده وقوته فإنها تعتق من رأس المال, وإن لم يملك غيرها وسواء كان عليه دين أو لم يكن فوجب أن يبطل التدبير كما أن النكاح يبطل بملك اليمين.
مسألة: "وإن أسلم مدبر الكافر حل بينه وبينه"؛ لأن الكافر لا يمكن من استدامة ملكه على مسلم مع إمكان بيعه وفيه وجه آخر لا يباع؛ لأنه استحق الحرية بالموت ولكن تزال يده عنه ويترك في يد عدل "وينفق عليه من كسبه", وما فضل فهو لسيده وإن أعوز ولم يكن ذا كسب فنفقته على سيده, "وكذلك الحكم في أم الولد إذا أسلمت" غير أنها لا تباع لأن الاستيلاد يمنع البيع.
مسألة: "فإن أسلم" السيد الكافر "ردا إليه"؛ لأنه إنما أخذا منه لكفره وقد زال الكفر, "وإن مات" الكافر "عتقا" كما لو كان مسلما.
مسألة: "وإن دبر شركا له في عبد وهو موسر لم يعتق منه سوى ما أعتقه"؛ لأن التدبير إما أن يكون تعليقا للعتق بصفة أو وصية وكلاهما لا يسري, ويحتمل أن يضمن لشريكه ويصير كله مدبرا لأنه سبب يوجب العتق بالموت فسرى كالاستيلاد.
مسألة: "وإن أعتقه في مرض موته وثلثه يحتمل باقيه عتق جميعه"؛ لأن للمريض التصرف في ثلثه كما أن للصحيح التصرف في جميع ماله, وعنه لا يعتق منه إلا ما ملك لأن حق الورثة تعلق بماله إلا ما استثناه من الثلث بتصرفه فيه؛ ولأنه بموته يزول ملكه إلى ورثته فلا يبقى له شيء يقضي منه للشريك.

باب المكاتب
الكتابة شراء العبد نفسه من سيده بمال في ذمته واذا ابتغاها العبد المكتسب
ـــــــ
باب المكاتبالكتابة شراء العبد نفسه من سيده بمال في ذمته وإذا ابتغاها العبد المكتسب الصدوق من سيده استحب له إجابته إليها لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} 1
ـــــــ
1 - الآية 33 سورة النور.

الصدوق من سيده استحب له إجابته إليها لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}, ويجعل المال عليه أنجما, فمتى أداها عتق ويعطى مما كوتب عليه الربع؛ لقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. قال علي رضي الله عنه: هو الربع والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا أنه يملك البيع والشراء
والسفر وكل ما فيه مصلحة ماله.
ـــــــ
مسألة: "ويجعل المال عليهم منجما" نجمين فصاعدا؛ لأن عليا رضي الله عنه قال: الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني, وقال ابن أبي موسى: يجوز فيه نجم واحد لأنه عقد شرط فيه التأجيل فجاز على نجم واحد كالسلم؛ ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك في النجم الواحد والأحوط نجمان فصاعدا؛ لقول علي رضي الله عنه؛ ولأنه أسهل على المكاتب ويجب أن تكون النجوم معلومة ويعلم في كل نجم قدر المؤدى وأن يكون العوض معلوما بالصفة؛ لأنه عوض في الذمة فوجب فيه العلم بذلك كالسلم.
مسألة: "فمتى أدى" ما كوتب عليه أو أبرىء منه "عتق"؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". رواه أبو داود, ومفهومه أنه إذا أدى جميع ما عليه أنه لا يبقى عبدا وأنه يصير حرا بالأداء, وقال أصحابنا: إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق؛ لأنه حق له فلا تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية لسيده عليه, وإن أبرأه سيده عتق لأنه لم يبق عليه شيء.
مسألة: "ويعطى مما كوتب عليه الربع؛ لقوله سبحانه: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. وروي عن "علي رضي الله عنه" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: "يحط عنه "الربع" ". أخرجه أبو بكر. وهذا نص, وروي عن علي رضي الله عنه موقوفا عليه, ويخير السيد بين وضعه عنه وبين أخذه منه ودفعه إليه لأن الله تعالى نص على الدفع عليه فنبه به على الوضع عنه لكونه أنفع من الدفع لتحقق النفع به في الكتابة.
مسألة: "والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم" لحديث عمرو بن شعيب "إلا أنه يملك البيع والشراء" بإجماع من أهل العلم؛ لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق لا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الأداء إلا باكتساب, والبيع والشراء من جملة الاكتساب بل قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة.
مسألة: "و" له "السفر" قريبا كان أو بعيدا. قال شيخنا: وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم الكتابة قبله كقولنا في منع الغريم من السفر الذي يحل عليه الدين قبل

وليس له التبرع ولا التزوج ولا التسري إلا بإذن سيده وليس لسيده استخدامه ولا أخذ شيء من ماله, ومتى أخذ منه شيئا أو جنى عليه أو على ماله فعليه غرامته ويجري الربا بينهما كالأجانب إلا أنه لا بأس أن يعجل لسيده ويضع عنه بعض
ـــــــ
قدومه منه ولم يذكر أصحابنا هذا بل قالوا له السفر مطلقا "و" له "كل ما فيه مصلحة ماله" من الإجارة والاستئجار والمضاربة وأخد الصدقة لأنه غارم.
مسألة: "وليس له التبرع إلا بإذن سيده"؛ لأن ذلك إتلاف المال على سيده فإن أذن له السيد جاز لأنه حقه.
مسألة: "وليس له التزوج"؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر". رواه أبو داود, ولأن عليه في ذلك ضررا لأنه يحتاج إلى أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه وربما عجز فرق فرجع إليه ناقص القيمة فإن أذن له سيده صح إجماعا, "و" ليس له "التسري إلا بإذن سيده"؛ لأن ملكه غير تام ولأن على السيد ضررا في ذلك لأنه ربما أحبلها وعجز وترجع إليه ناقصة لأن الحبل عيب في بنات آدم, فإن أذن له سيده جاز لأنه يجوز للعبد القن التسري بإذن سيده فالمكاتب أولى.
مسألة: "وليس لسيده استخدامه"؛ لأنه يشغله بذلك عن التكسب ولأن منافعه صارت مملوكة له بعقد الكتابة فلا يملك السيد استيفاءها.
مسألة: "ولا" يملك "أخذ شئ من ماله" كما لا يملك ذلك من الأجنبي, "ومتى أخذ شيئا منه أو جني عليه أو على ماله فعليه غرامته" لذلك.
مسألة: "ويجري الربا بينهما كالأجانب"؛ لأنه في باب المعاوضة كالأجنبي ولهذا لكل واحد منهما الشفعة على الآخر فيكون بيعه لسيده درهما بدرهمين كبيعه ذلك لأجنبي وهو الربا المحض.
مسألة: "إلا أنه لا بأس إن يعجل لسيده ويضع بعض كتابته" مثل إن كاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال: عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي جاز ذلك. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز لأنه بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية, ولهذا لا يبيعه درهما بدرهمين ولنا أن مال الكتابة غير مستقر وليس بدين صحيح فيحمل على أنه أخذ بعضا وأسقط بعضا, والدليل على أنه غير مستقر وليس بدين صحيح فيحمل على أنه أخذ بعضا وأسقط بعضا, والدليل على أنه غير مستقر أنه معرض للسقوط بالعجز ولا تجوز الكفالة به ولا الحوالة عليه, ولا تجب فيه زكاة بخلاف الدين على الأجنبي فإنه دين حقيقي والذي يحقق هذا أن المكاتب عبد للسيد وكسبه ينبغي أن يكون له, وذكر ابن أبي موسى أن الربا لا يجري بين المكاتب وسيده لأنه عبد في الأظهر عنه.

كتابته, وليس له وطء مكاتبته ولا بنتها ولا جاريتها فإن فعل فعليه مهر مثلها وإن ولدت منه صارت أم ولد, فإن أدت عتقت وإن مات سيدها قبل أدائها عتقت وما في يدها لها إلا أن تكون قد عجزت. ويجوز بيع المكاتب لأن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة وهي مكاتبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته فإن أدى عتق وولاؤه لمشتريه وإن عجز فهو عبد وإن اشترى
ـــــــ
مسألة: "وليس له وطء مكاتبته" إلا أن يشترط في قول أكثرهم؛ لأن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها ومنع ملك عوض منفعة البضع فيما إذا وطئت بشبهة فأزال حل وطئها كالبيع, فإن اشترط وطئها فله ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون عند شروطهم". ولأنه شرط منفعتها فصح كما لو شرط استخدامها فإن وطئها ولم يشترط فلها عليه المهر ولا تخرج بالوطء على الكتابة؛ لأنه عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطء كالإجارة, ويجب لها المهر لأنه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها, ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولو وطئها أجنبي كان لها المهر فكذلك السيد.
مسألة: "وكذلك الحكم في وطء ابنتها" لذلك "فإن ولدت منه صارت أم ولد له"؛ لأنها مملوكته علقت بجزء في ملكه وولده حر لأنه من مملوكته ولا يجب عليه قيمته؛ لأنها ولدته في ملكه ولا تبطل كتابتها لأنه عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه؛ لأنه لو وجد منفردا ثبت حكمه وانضمام غيره إليه يؤكده ولا ينافيه "فإن أدت عتقت" بالكتابة, وما فضل من كسبها له وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة ويبقى لها حكم الاستيلاد منفردا كما لو استولدها من غير مكاتبة, وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها.
مسألة: "ويجوز بيع المكاتب" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة جاءتها فقالت: يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني على كتابتي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "اشتريها". متفق عليه1. ولأنه سبب يجوز فسخه فلم يمنع البيع كالتدبير.
مسألة: "ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته فإن أدى عتق" كما لو أدى إلى سيده الذي كاتبه, "وولاؤه لمشتريه"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "اشتريها فإن الولاء لمن أعتق".
مسألة: "وإن عجز فهو عبد" لمشتريه كما لو عجز وهو في يد سيده وعنه لا يجوز.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.

المكاتبان كل واحد منها الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني فإن جهل الأول منهما بطل البيعان وإن مات المكاتب بطلت الكتابة, وإن مات السيد قبله فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة وولاؤه لمكاتبه والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها, وإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه وإذا جنى المكاتب بدىء بجنايته, وإن اختلف هو وسيده في الكتابة أو عوضها أو التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد مع يمينه
ـــــــ
بيع المكاتب لأن سبب العتق ثبت له على وجه لا يستقل السيد برفعه فيمنع البيع كالاستيلاد والأول أصح للخبر.
مسألة: "وإن اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول"؛ لأنه أهل للشراء والبيع فحل له أشبه ما لو اشترى عبدا, "ويبطل شراء الثاني" لأنه لا يصح أن يملك سيده إذ لا يكون مملوك مالكا لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا مولاك ولي ولاؤك فإن عجزت صرت لي عبدا, وفي هذا تناقض وإذا تنافى أن تملك المرأة زوجها ملك اليمين مع بقاء ملكه في النكاح عليها فها هنا أولى.
مسألة: "فإن جهل الأول منهما بطل البيعان" لأن العقد الصحيح فيهما مجهول فبطلا كما لو زوج الوليان وجهل السابق منهما فسد النكاحان.
مسألة: "وإن مات المكاتب بطلت الكتابة" لفوات محل الاستحقاق ويصير كما لو تلف الرهن أو العين المستأجرة فإن العقد يبطل كذا ها هنا.
مسألة: "وإن مات السيد قبل" المكاتب "فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة"؛ لأن الحق انتقل إليهم كما لو مات المؤجر. "وولاؤه لمكاتبه" لأن العتق والولاء لمن أعتق.
مسألة: "والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها" لأنها عقد معاوضة لا يقصد منه المال أشبه النكاح أو كان لازما كالبيع.
مسألة: "فإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه" لأن العوض تعذر في عقد معاوضة ووجد غير ماله فكان له الرجوع فيها كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل نقد ثمنها, وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان لأن ما بينهما محل لأداء الأول فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني, وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت لأنه يحتمل أن يتمكن من الأداء فيما بعد النجوم.
مسألة: "وإذا جنى المكاتب بدىء بجنايته" قبل كتابته لأن مال الجناية حق مستقر ومال الكتابة غير مستقر لما سبق.
مسألة: "وإن اختلف هو وسيده في الكتابة" فالقول قول من ينكرها لأن الأصل معه.
وإن اختلفا في قدر "عوضها" فالقول قول السيد؛ لأنهما اختلفا في عوضها فأشبه ما لو اختلفا في عقدها وعنه القول قول العبد لأن الأصل عدم الزيادة المختلف فيها, وعنه يتحالفان لأنهما اختلفا في قدر العوض فيتحالفان كما لو اختلفا في ثمن المبيع فإذا تحالفا قبل العتق فسخ العقد إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه, وإن كان التحالف بعد العتق رجع السيد على العبد بقيمته ويرجع العبد بما أداه إلى سيده وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول قول السيد لأن الأصل معه.
مسألة: وإن اختلفا في "التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد" لذلك.

باب أحكام أمهات الأولاد
إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد تعتق بموته, وإن لم يملك غيرها وما دام حيا فهي أمته أحكامها أحكام الإماء في حل وطئها وملك منافعها وكسبها وسائر الأحكام, إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها ولا سائر ما ينقل الملك فيها أو يراد له وتجوز الوصية لها وإليها.
ـــــــ
باب أحكام أمهات الأولادمسألة: "إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان صارت بذلك أم ولد تعتق بموته" من رأس المال؛ لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه". رواه ابن ماجه1؛ ولأنه إتلاف حصل الاستمتاع فحسب من رأس المال كإتلاف ما تأكله.
مسألة: "وما دام حيا فهي أمته أحكامها أحكام الإماء في حل وطئها ويملك منافعها وكسبها وسائر الأحكام"؛ لأنها مملوكته إنما تعتق بالموت بدليل حديث ابن عباس.
مسألة: "إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها ولاسائر ما ينتقل الملك فيها أو يراد له" كالرهن؛ لما روى سعيد بإسناده قال: خطب علي الناس فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته, فلما وليت رأيت أن أرقهن. قال عبيدة: فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده. وروي عنه أنه قال: بعث إلى علي وإلى شريح أن اقضوا بما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف.
مسألة: "وتجوز الوصية لها وإليها" لأن العبد تصح الوصية له وإليه "وإن قتلت سيدها
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في العتق: حديث رقم 2515. وفي سنده ضعف.

فإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص وإن قتلته خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الحالين, وإن وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملا عتق الجنين وله بيعها
ـــــــ
عمدا فعليها القصاص" كما لو لم تكن أم ولد "وإن قتلته خطأ فعليها قيمة نفسها"؛ لأنها جناية أم ولد فلم يلزمها أكثر من قيمتها كالجناية على أجنبي "وتعتق في الموضعين" لحديث ابن عباس.
مسألة: "وإن وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملا عتق الجنين" ولم تصر أم ولد؛ لأنها علقت بمملوك فإذا كان الولد مملوكا فأمه أولى.
مسألة: "وله بيعها" لأنها لم تصر أم ولد وعنه تصير أم ولد لحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أول الباب.

المجلد الثاني
كتاب النكاح

مدخل
...
كتاب النكاح
النكاح من سنن المرسلين وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل وقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة كوجهها وكفيها
ـــــــ
كتاب النكاح
"النكاح من سنن المرسلين". قال عليه السلام: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني" 1, وقال سعد: لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا, متفق عليه2.
مسألة: "وهو أفضل من التخلي منه" لحديث عثمان بن مظعون والذي قبله فإن أقل أحوالهما الندب إلى النكاح والكراهية لتركه إلا أن يكون لا شهوة له كالعنين والشيخ الكبير ففيه وجهان: أحدهما: النكاح له أفضل لدخوله في عموم الأخبار, والثاني: تركه أفضل لأنه لا تحصل منه مصلحة النكاح ويمنع زوجته من التحصين بغيره, ويلزم نفسه واجبات وحقوقا ربما عجز عنها, "وقال" عليه السلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء". فخاطب الشباب بذلك, متفق عليه3.
مسألة: "ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر منها عادة كوجهها وكفيها وقدميها"؛ لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". رواه أبو داود4, وينظر إلى
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1846.
2 - رواه البخاري في كتاب النكاح: حديث رقم 5073. ومسلم في النكاح: حديث رقم 6, 8.
3 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5065, 5066. ومسلم في النكاح: حديث رقم 1.
4 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2082.

وقدميها ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه, ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول: لا تفوتيني بنفسك وأنا في مثلك لراغب ونحو ذلك, ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه فيقول: أنكحتك أو زوجتك وقبول من الزوج أو نائبه فيقول قبلت أو تزوجت
ـــــــ
وجهها لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة.
مسألة: "ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه"؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك". متفق عليه1.
مسألة: "ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة"؛ لقوله سبحانه: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} 2 فوجه الحجة أن تخصيص التعريض بالإباحة دليل على تحريم التصريح, ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يأمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها بخلاف التعريض.
مسألة: "ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول: لا تفوتيني بنفسك وإني في مثلك لراغب, ونحو ذلك", ويجوز في عدة الوفاة وللبائن بطلاق ثلاث لقوله سبحانه: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} 3, وروت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تستفتي بنفسك", وفي لفظ: "إذا حللت فآذنيني", وفي لفظ: "لا تفوتينا بنفسك", وهذا تعريض بخطبتها في العدة.
مسألة: "ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه, فيقول: أنكحتك أو زوجتك"؛ لأن ما سواهما لا يأتي على معنى النكاح فلا ينعقد به كلفظ الإحلال, ولأن الشهادة شرط في النكاح وهي واقعة على اللفظ وغير هذا اللفظ ليس بموضوع النكاح وإنما يصرف إليه بالنية ولا شهادة عليها فيخلو النكاح على الشهادة ولا ينعقد مع الإيجاب إلا بالـ "قبول من الزوج أو نائبه فيقول: قبلت" هذا النكاح "أو تزوجت", وإن اقتصر على قبلت صح؛ لأن القبول يرجع إلى ما أوجبه الولي كما في البيع وإنما اشترط القبول لينعقد النكاح كما في البيع.
ـــــــ
1 - الأول رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5142. ومسلم في النكاح: حديث رقم 38. والثاني: رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5142. ومسلم في النكاح: حديث رقم 56.
2 - سورة البقرة: الآية 235.
3 - سورة البقرة 235.

ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله", ويقرأ ثلاث آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} الآية, {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}, الآية, و {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}, ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف للنساء
ـــــــ
مسألة: "ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود التي قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" ويقرأ ثلاث آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} الآية, {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} الآية,و {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}. رواه الترمذي1.
مسألة: "ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف" لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف". أو كما قال صلى الله عليه وسلم2.
ـــــــ
1 - رواه الترمذي في النكاح: حديث رقم 1105. وقال: حديث حسن.
2 - رواه الترمذي في النكاح: حديث رقم 1089. وقال: غريب حسن.

باب ولاية النكاح
لا نكاح إلا بولي
ـــــــ
باب ولاية النكاح"لا نكاح إلا بولي" لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي" 1. قال الإمام أحمد: هذا حديث صحيح, وعنه أن للمرأة تزويج معتقها وأمتها فيخرج منه صحة تزويج نفسها بإذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها, فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه أبو داود والترمذي2.
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2085. والترمذي في النكاح: حديث رقم 1101. وابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1879.
2 -رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2083. والترمذي في النكاح: حديث رقم 1102. وقال: هذا حديث حسن.

وشاهدين من المسلمين, وأولى الناس بتزويج الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا, ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل, ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها, ثم معتقها ثم الأقرب فالأقرب من عصباته, ثم السلطان وكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه.
ـــــــ
فمفهومه صحته بإذنه ولأن المنع لحقه فجاز بإذنه كنكاح العبد والأول المذهب لعموم الخبر ولأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال, بخلاف العبد فإن المنع لحق الولي خاصة, وإنما ذكر تزويجها بغير إذن وليها لأنه الغالب إذ لو رضي لكان هو المباشر له دونها.
مسألة: ولا ينعقد إلا بـ "شاهدين من المسلمين" لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". رواه أبو بكر الخلال وابن بطة بإسنادهما, وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدان". ولأنه يتعلق به حق لغير المتعاقدين -وهو الولد- فأشترطت فيه الشهادة لئلا يتجاحداه فيضيع نسبه, وتشترط في الشهود شروط: منها العدالة لقوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل". ومنها أن يكونا ذكرين لما روى أبو عبيدة في كتاب الأموال عن الزهري أنه قال: مضت السنة أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق, ومنها البلوغ لأن الصبي لا شهادة له, ومنها العقل لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة.
مسألة: "وأولى الناس بتزويج" المرأة "الحرة أبوها" لأنه أشفق عصباتها ويلي ما لها عند تمام رشدها, "ثم أبوه وإن علا" لأنه أب, "ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل" لأنه عدل من عصباتها فيلي نكاحها كأبيها وقدم على سائر العصبات لأنه أقربهم نسبا وأقواهم تعصيبا فقدم كالأب, ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها؛ لأن الأخ من الأبوين مقدم على الأخ من الأب في الميراث فكذلك في الولاية, وعنه يقدم الابن على الجد لأنه أقوى تعصيبا منه, وعنه التسوية بين الأخ والجد لاستوائهما في الإرث بالتعصيب, وعنه يقدم الأخ على الجد لأنه يدلي ببنوة الأب والبنوة أقوى, والمذهب الأول لأن الجد له التقدم إيلادا وتعصيبا فقدم عليه كالأب, ثم بنو الأخ وإن نزلوا ثم العم ثم ابنه, "ثم الأقرب فالأقرب من" العصبات على ترتيب الميراث؛ لأن الولاية لدفع العار عن النسب, والنسب في العصبات وقدم الأقرب فالأقرب لأنه أقوى فقدم كتقديمه في الإرث؛ ولأنه أشفق فيقدم كالأب, "ثم السلطان" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له".
مسألة: "ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه" وإن كان حاضرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة وعمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة؛ ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع.

ولا يصح تزويج أبعد مع وجود أقرب إلا أن يكون صبيا أو زائل العقل أو مخالفا لدينها أو عاضلا لها أو غائبا غيبة بعيدة.
ـــــــ
مسألة: "ولا يصح تزويج" الـ "أبعد مع وجود أقرب منه" لأنه نكاح لم تثبت أحكامه من الطلاق والخلع والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة, وعنه أنه موقوف على إجازة من له الإذن فإن أجازه جاز وإلا بطل لما ذكرناه في تصرف الفضولي في البيع؛ ولما روى ابن ماجه أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود, وقال: حديث مرسل رواه إلياس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا ابن عباس1.
مسألة: "إلا أن يكون صبيا أو زائل العقل أو مخالفا لدينها أو عاضلا لها أو غائبا غيبة بعيدة" يعني إن كان القريب على صفة من هذه الصفات زوج البعيد, أما الصبي فلا تصح ولايته لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال لأنها تفيد التصرف في حق الغير فاعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه فهو كالمرأة, وعنه لا يشترط البلوغ في الولي. قال الإمام أحمد: إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق ووجهه أنه يصح بيعه ووصيته فتثبت ولايته كالبالغ, وأما المجنون فليس من أهل الولاية وهو أيضا مولى عليه فلا يكون وليا كالطفل, وأما المخالف لدينها فإن كانت مسلمة وهو كافر فلا ولاية له عليها؛ لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2, وإن كانت كافرة وهو مسلم فلا ولاية له عليها لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3, إلا سيد الأمة فإنه يلي نكاحها لكونه مالكها أو ولي سيدها إذا كان سيدها صغيرا وفي تزويجها مصلحة أو السلطان فإنه يزوجها لأنه يقوم مقامها, وأما إذا عضلها القريب جاز للبعيد تزويجها لأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فوليها الأبعد كما لو فسق, وعنه يزوج الحاكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". والأول أولى والحديث دليل على أن السلطان يزوج من لا ولي لها وهذه لها ولي, وإن غاب القريب غيبة بعيدة زوج الأبعد لما ذكرناه والغيبة البعيدة ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة في المنصوص والمرجع في هذا إلى العرف وما جرت العادة بالانتظار فيه والمراجعة لصاحبه لعدم التحديد فيه من الشارع, وقال أبو الخطاب: يحتمل أن يحدها بما تقصر فيه الصلاة لأن الإمام أحمد قال: إذا كان الأب بعيد السفر يزوج الأخ والسفر البعيد في الشرع ما علق عليه رخص السفر.
ـــــــ
1 - رواه ابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1875. وأبو داود في النكاح: حديث رقم 2096.
2 - سورة التوبة: الآية 71.
3 - سورة الأنفال: الآية 73.

ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطانا أو سيد أمة.
فصل:
وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم
ـــــــ
مسألة: "ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطانا أو سيد أمة" لما سبق.
"فصل :وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم", أما الذكور فلما روي عن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا رواه الأثرم, ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية فملك تزويجه كابنته الصغيرة وسواء كان عاقلا أو معتوها لأنه إذا ملك تزويج العاقل فالمعتوه أولى, وأما تزويجه للإناث فإن "للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر" بغير خلاف؛ لأن الله سبحانه قال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}, فجعل للائي لم يحضن عده ثلاثه أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح فدل على أنها تزوج وتطلق ولا إذن لها فتعتبر. وزوج أبو بكر عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست ولم يستأذنها متفق عليه1. وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي. فأما البكر البالغ ففيها روايتان: إحداهما له إجبارها لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها صماتها" 2. وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر, والرواية الأخرى لا يجوز تزويجها إلا بإذنها لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" قيل: يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال: "تسكت". متفق عليه3. وعنه لا يجوز تزويج ابنة تسع إلا بإذنها لقوله عليه السلام: "تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها". رواه أبو داود4, واليتيمة من لم تبلغ وقد جعل لها إذنا وقد انتفى الإذن في حق من لم تبلغ تسعا بالاتفاق فيجب العمل به في حق بنت تسع لأن عائشة قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة, رواه الإمام أحمد في المسند5, ومعناه في حكم المرأة في الإذن والأحكام, وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه فأشبهت البالغة, فأما الثيب الصغيرة فهل له
ـــــــ
1 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5160. ومسلم في النكاح: حديث رقم 69.
2 - رواه البخاري في الحيل: حديث رقم 2122. ومسلم في النكاح: حديث رقم 64.
3 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5136. ومسلم في النكاح: حديث رقم 64.
4 -رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2093.
5 - لم أقف عليه في المسند والحديث رواه الترمذي في النكاح ب 19.

ويستحب استئذان البالغة وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنه وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة, ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها وإذن البكر الصمات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر
ـــــــ
تزويجها؟ على وجهين: أحدهما لا يجوز لعموم الأحاديث والآخر يجوز لأنها ولد صغير أشبهت الغلام.
مسألة: "ويستحب" له "استئذان" البكر "البالغة" لقوله عليه السلام: "لا تنكح البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت ". متفق عليه1.
مسألة: "وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم" لعموم قوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها صماتها" 2. فدل على اعتبار إذنها, وأما الذكر من بنيه البالغ فليس له تزويجه بغير إذنه لأنه ذكر بالغ فلا يجوز توليه تزويجه بغير إذنه كغير الأب.
مسألة: "وليس لسائر الأولياء تزويج صغير" لأنه لا ولاية لهم على ماله فكذلك نكاحه.
وأما الصغيرة ففيها ثلاث روايات: إحداهن ليس لهم تزويجها بحال لما روي أن قدامه بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها". والصغيرة لا إذن لها. والثانية: لهم تزويجها ولها الخيار إذا بلغت لما روت عائشة أن جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم, رواه أبو داود وقال: حديث مرسل3. والثالثة: لهم تزويجها إذا بلغت تسع سنين بإذنها, ولا يجوز قبل ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تستأمر البكر في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها". رواه أبو داود4.
مسألة: "و" ليس لهم "تزويج كبيرة إلا بإذنها" لقوله عليه السلام: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر" 5.
مسألة: "وإذن الثيب الكلام وإذن البكر" لما روى عدي الكندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صماتها". رواه الأثرم, ولا فرق
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2098. والترمذي في النكاح: حديث رقم 1108. وقال: حسن صحيح.
3 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2096, 2097.
4 - سبق تخريجه.
5 - سبق تخريجه.

تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وليس لولي امرأة تزويجها بغير كفئها والعرب بعضهم لبعض أكفاء وليس العبد كفئا لحرة ولا الفاجر كفئا لعفيفة
ـــــــ
بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم لشمول اللفظ لهما جميعا.
مسألة: "وليس لولي امرأة تزويجها بغير كفئها" بغير رضاها, وهل له تزويجها برضاها بغير كفء؟ فيه روايتان: إحداهما لا يصح؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء". وقال عمر: لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء؛ ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به فلم يصح كما لو زوجها وليها بغير رضاها. والثانية: يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج مولاه زيدا ابنة عمته زينب بنت جحش, وزوج ابنه أسامة فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية. وقالت عائشة: إن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هندا بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة, أخرجه البخاري. لكن إن لم ترض المرأة أو لم يرض بعض الأولياء ففيه روايتان إحداهما: العقد باطل؛ لأن الكفاءة حقهم تصرف فيه بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي. والثانية: يصح ولمن لم يرض الفسخ سواء كانوا متساويين في الدرجة أو متفاوتين فيزوج الأقرب, فلو زوج الأب بغير الكفء فرضيت الثيب كان للإخوة الفسخ؛ ولأنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة فملك الفسخ كالمتساويين.
مسألة: "والعرب بعضهم لبعض أكفاء" وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء؛ لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة بنت الزبير عم رسول صلى الله عليه وسلم, وزوج أبو بكر أخته للأشعث بن قيس الكندي, وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
مسألة: "وليس العبد كفئا لحرة"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت العبد, فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة فبالسابقة أولى؛ ولأن فيه نقصا في النصيب والاستمتاع والإنفاق ويلحق به العار فأشبه عدم المنصب, وعنه ليست الحرية شرطا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة حين عتقت تحت عبد فاختارت فرقته: "لو راجعتيه" قالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: "لا إنما أنا شفيع". ومراجعتها له ابتداء نكاح عبد لحرة.
مسألة: "ولا الفاجر كفئا لعفيفة" لقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1, ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولايات ناقص عند الله سبحانه وعند خلقه, فلا يجوز أن يكون كفئا للعفيفة ولا مساويا لها.
ـــــــ
1 - سورة السجدة: الآية 18.

ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها, وإن زوج أمته عبده الصغير جاز أن يتولى طرفي العقد, وإن قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة شاهدين ثبت العتق والنكاح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
فصل
وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذنهم, وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها, ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح وأيما عبد تزوج بغير إذن
ـــــــ
مسألة: "ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها"؛ لما روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم, فقال: قد تزوجتك؛ ولأنه صدر الإيجاب من الولي والقبول من الأهل فصح كما لو زوج الرجل عبده الصغير من أمته, وعنه لا يجوز حتى يوكل غيره في أحد الطرفين لما روي أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه؛ ولأنه وليها فجاز أن يتزوجها من وكيله كالإمام.
مسألة: "وإن زوج أمته عبده الصغير جاز أن يتولى طرفي العقد", وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها لحديث عبد الرحمن بن عوف.
مسألة: "وإذا قال لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة شاهدين ثبت العتق والنكاح" لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "أعتق صفية وجعل عتقها صداقها", متفق عليه1.
"فصل: وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذنهم" لأنه عقد على منافعهم فملكه كإجارتهم.
مسألة: "وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها" لأن المرأة لا تلي عقد النكاح فقام وليها مقامها فيه كقيام ولي الصغيرة مقامها في العقود التي هو وليها فيها.
مسألة: "ولا يملك إجبار عبده البالغ على النكاح" لأنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر.
مسألة: "وأيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" لأن النبي قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن مالكه فهو عاهر" 2. ولأن على السيد ضررا في ذلك لأنه يحتاج إلى المهر والنفقة.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5086. ومسلم في النكاح: حديث رقم 85.
2 - رواه ابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1959. قال في الزوائد: هذا إسناد حسن.

مواليه فهو عاهر, فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر, ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول, وإن أصابها فلها مهرها وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره, ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء, فإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق.
ـــــــ
مسألة: "فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه سيده بأقل من قيمته أو المهر" كما يفعل في جنايته.
مسألة: "ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم" أنها أمة "فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول" بها؛ لأنه عقد لم يرض به فكان له فسخه كما لو اشترى منه ثوبا على أنه كتان فبان قطنا أو فضة فبانت رصاصا أو ذهبا فبان نحاسا.
مسألة: "وإن أصابها فلها المهر" بما استحل من فرجها "وإن أولدها فولدها حر" بغير خلاف؛ لأنه اعتقد حريته فكان حرا كما لو اشترى أمة يظنها ملكا لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها.
مسألة: و "يفديه بقيمته" لقوله عليه السلام: "من أعتق شركا في عبد قوم عليه نصيب شريكه". ولأن الحيوان من المتقومات لا من ذوات الأمثال فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتلفه, وعنه يفديهم بمثلهم يوم ولادتهم قضى به عمر وعلي وابن عباس, وعنه ليس عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حر الأصل فلم يضمنه لسيد الأمة لأنه لا يملكه, والصحيح الأول لقضاء الصحابة ولأن الولد نماء للأم المملوكة فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها, وقد فوته باعتقاد الحرية فلزم ضمانه كما لو فوت رقه بفعله.
مسألة: "ويرجع بما غرم" من المهر وقيمة الولد: "على من غره". قال ابن المندز: كذلك قضى به عمر وعلي وابن عباس, وعنه لا يرجع بالمهر لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطء فلم يرجع به كما لو اشترى مغصوبا فأكله بخلاف قيمة الولد فإنه لم يحصل له في مقابلتها عوض؛ لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد للولد لا لأبيه.
مسألة: "ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء" لأنا تبينا أن النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه "وإن كان ممن يجوز له ذلك" وكانت شرائط النكاح مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح فإن اختار المقام "فما ولدت بعد" ذلك "فهو رقيق" لسيدها؛ لأن المانع من رقه مع الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم.

باب المحرمات في النكاح
وهن الأمهات والبنات والأخوات وبنات الإخوة وبنات الأخوات والعمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء والربائب المدخول بأمهاتهن
ـــــــ
باب المحرمات في النكاحوهن اللاتي ذكرهن الله سبحانه في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} 1, فهؤلاء محرمات بالنسب, فالأمهات كل امرأة انتسب إليها بولادة وهي الأم والجدات من جهة الأم وجهة الأب وإن علون, والبنات كل من انتسب إليك بولادة وهي ابنة الصلب وأولادها وأولاد البنين وإن نزلت درجتهن, والأخت من الجهات الثلاث والعمات كل من أدلت بالعمومة من أخوات الأب وأخوات الأجداد وإن علوا من جهة الأب والأم, والخالات كل من أدلت بالخئولة من أخوات الأم وأخوات الجدات وإن علون من جهة الأب والأم, وبنات الإخوة كل من انتسب ببنوة الأخ من أولاده وأولاد أولاده الذكور والإناث وإن نزلن, وبنات الأخت كذلك لأن الاسم ينطلق على القريب والبعيد؛ لقوله سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ} والمحرمات بالمصاهرة وهن: أمهات النسب لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}, فمتى عقد على امرأة حرم عليه جميع أمهاتها من النسب والرضاع وإن علون, سواء دخل بالمرأة أو لم يدخل بها لعموم اللفظ فيهن؛ ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل نكح امرأة دخل بها أم لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها" 2. رواه ابن ماجه, والثانية: حلائل آبائه وهن زوجات الأب القريب والبعيد من قبل الأب والأم من نسب أو رضاع يحرمن لقوله سبحانه: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 3, وسواء دخل بهن أو لم يدخل لعموم الآية فيحرمن من دون بناتهن فيحل له نكاح ربيبة ابنه وأبيه لقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 4. الثالث: حلائل الأبناء وهن زوجات أبنائه وأبناء أبنائه وبناته وإن سفلوا من نسب أو رضاع لقوله سبحانه: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} 5, فيحرمن بمجرد العقد لعموم الآية فيهن. الرابعة: الربائب وهن بنات النساء اللاتي دخل بهن فإن فارق أمها قبل أن يدخل بها حلت لها ابنتها لقوله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 6.
ـــــــ
1 - سورة النساء الآية 23.
2 - رواه الترمذي في النكاح: حديث رقم 1117. وقال: لا يصح من قبل إسناده.
3 - سورة النساء: الآية 22.
4 - سورة النساء: الآية 24.
5 - سورة النساء: الآية 23.
6 - سورة النساء: الآية 23.

ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب, وبنات المحرمات محرمات إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن محرمات إلا البنات والربائب وحلائل الآباء والأبناء. ومن وطئ امرأة -حلالا أو حراما- حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها
ـــــــ
مسألة: "ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" سواء, لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} 1, وقسنا عليهما سائر المحرمات بالنسب, وقال عليه السلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". متفق عليه2.
مسألة: "وبنات المحرمات محرمات" لتناول التحريم لهن فالأمهات يحرم بناتهن لأنهن أخوات أو عمات أو خالات, والبنات تحرم بناتهن لأنهن بنات ويحرم بنات الأخوات وبناتهن لأنهن بنات الأخوات وكذلك بنات بنات الإخوة لأنهن بنات إخوة.
مسألة: "إلا بنات العمات والخالات" فإنهن لا يحرمن بالإجماع لأنهن لم يذكرن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}, وقد أحلهن الله سبحانه صريحا لنبيه بقوله: {وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ}, ذكرهن فيما أحل له "وأمهات النساء" يعني أن بنات أمهات النساء حلال لأنهن غير مذكورات في المحرمات ولأنهن أخوات الزوجة فإنما يحرمن بالجمع لا غير "وحلائل الآباء والأبناء" لا تحرم بناتهن لأنهن حرمن لعلة نكاح الآباء والأبناء لهن ولم يوجد هذا المعنى في بناتهن ولا وجدت فيهن علة أخرى فاقتصر الحكم عليهن وحلت بناتهن.
مسألة: "وأمهاتهن محرمات" يعني أن المحرمات نكاحهن أمهاتهن أيضا محرمات بقوله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يتناول أمهاتهن لأن أم الأم أم فقد تناولها التحريم بالنص والأخوات أمهن أم أو زوجة أب وهما محرمتان وأمهات العمات أمهاتهن أيضا محرمات لأنهن زوجات أب فإن الجد أب وأمهات الخالات هن نساء الجد من الأم فهن محرمات أيضا وأمهات بنات الأخوات محرمات لأنهن أخوات.
مسألة: "إلا البنات والربائب" أمهاتهن حلال لأنهن زوجاته "وحلائل الآباء والأبناء" أمهاتهن حلال لأنهن أجنبيات.
مسألة: "وإن وطئ امرأة -حلالا أو حراما- حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها" أما إذا وطئ حلالا فقد حرمت على أبيه وابنه لأنها صارت من حلائل
ـــــــ
1 - سورة النساء: الآية 23.
2 - رواه البخاري في فرض الخمس: حديث رقم 1285. ومسلم في الرضاع: حديث رقم 1.

فصل
ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمها وخالتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بينها وبين خالتها". ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا للعبد أن يجمع إلا اثنتين, فإن جمع بين من لا يجوز
ـــــــ
الأبناء أو من زوجات الأب وتحرم عليه أمها لأنها من أمهات النساء وتحرم بنتها لأنها ربيبة, وأما إذا وطئها حراما فقد حرمت أيضا على أبيه وابنه وحرمت عليه أمهاتها وبناتها كما لو وطئها بشبهة أو بالقياس على الوطء الحلال, وقال الله سبحانه: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}, والوطء يسمى نكاحا.
مسألة: "ويحرم الجمع بين الأختين" لقوله سبحانه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}, وسواء كانتا من أبوين أو من أحدهما أو من نسب أو رضاع لعموم الآية في الجمع, ويحرم الجمع "بين المرأة وعمتها وخالتها" لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها". متفق عليه1. ولأنهما امرأتان لو كانت إحداهما ذكرا حرمت عليه الأخرى فحرم الجمع بينهما كالأختين؛ ولأنه يفضي إلى قطيعة الرحم المحرم لما بين الزوجات من التغاير والتنافس, والقريبة والبعيدة سواء في التحريم لتناول اللفظ لهما ولأن المحرمية ثابتة بينهما مع البعد فكذلك تحريم الجمع.
مسألة: "ولا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة" بغير خلاف لقوله سبحانه: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 2, يعني اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعا وفارق سائرهن". رواه الترمذي3.
مسألة: "و" ليس "للعبد أن يجمع إلا اثنتين"؛ لما روي عن الحكم بن عتبة أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح إلا اثنتين, وروى الإمام أحمد أن عمر سأل في ذلك فقال عبد الرحمن بن عوف: لا يتزوج إلا اثنتين, وهذا كان بمحضر من الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا.
مسألة: "فإن جمع بين من لا يجوز الجمع بينه في عقد واحد فسد" لأن إحداهما ليست أولى بالبطلان من الأخرى فبطل فيهما كما لو باع درهما بدرهمين.
ـــــــ
1 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5109. ومسلم في النكاح: حديث رقم 33.
2 - سورة النساء الآية 3.
3 - رواه الترمذي في النكاح: حديث رقم 1128. وابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1953.

الجمع بينه في عقد واحد فسد العقد وإن كان في عقدين لم يصح. الثاني منهما: ولو أسلم كافر وتحته أختان اختار منهما واحدة وإن كانتا أما وبنتا ولم يدخل بالأم فسد نكاحها وحدها, وإن كان قد دخل بها فسد نكاحهما وحرمتا على التأبيد, وإن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أمسك منهم أربعا وفارق سائرهن, وسواء كان أمسك منهن أول من عقد عليها أو آخرهن, وكذلك العبد إذا أسلم وتحته أكثر من اثنتين ومن طلق امرأة ونكح أختها أو خالتها أو خامسة في عدتها لم يصح سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا
ـــــــ
مسألة: "وإن كان في عقدين لم يصح الثاني منهما" لأنه اختص بالجمع.
مسألة: "ولو أسلم كافر وتحته أختان اختار منهما واحدة"؛ لما روى الضحاك ابن فيروز عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال: "طلق أيتهما شئت". رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما1؛ ولأن أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع في الإسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل إسلامه ثم أسلم والأخرى في حياله.
مسألة: "وإن كانتا أما وبنتها ولم يدخل بالأم فسد نكاحها وحدها" لأنها أم زوجته فتحرم لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}, فتدخل في عموم الآية. "وإن كان قد دخل بها فسد نكاحهما وحرمتا على التأبيد" الأم لأنها أم زوجته والبنت لأنها ربيبته من زوجته التي دخل بها. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم, والدخول بالأم وحدها كالدخول بهما لأن البنت تكون ربيبته مدخولا بأمها والأم تحرم بمجرد العقد على ابنتها, وإن دخل بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكاح الأم لأن البنت لا تحرم إلا بالدخول بأمها ولم يدخل بها والأم تحرم بمجرد العقد على بنتها.
مسألة: "وإن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا ويفارق سائرهن سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليها أو آخرهن"؛ لما سبق من حديث غيلان بن سلمة وروى قيس بن الحارث قال: أسلمت وتحتي ثماني نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال: "اختر منهن أربعا". رواه الإمام أحمد وأبو داود2.
مسألة: "وكذلك العبد إذا أسلم وتحته أكثر من اثنتين" وذلك أن حكم العبد فيما زاد على اثنتين حكم الحر فيما زاد على الأربع, فإن أسلم وتحته أكثر من اثنتين اختار منهن اثنتين كما قلنا في الحر إذا كان تحته أكثر من أربع يختار منهن أربعا.
مسألة: "ومن طلق امرأة فنكح أختها أو خالتها أو خامسة في عدتها لم يصح سواء
ـــــــ
1 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2243. وابن ماجه في النكاح: حديث رقم 1950.
2 - رواه أبو داود في النكاح: حديث رقم 2241.

ويجوز أن يملك أختين وله وطء إحداهما فمتى وطئها حرمت أختها حتى تحرم الموطوءة بتزويج أو إخراج عن ملكه ويعلم أنها غير حامل, فإذا وطئ الثانية ثم عادت الأولى إلى ملكه لم تحل له حتى تحرم الأخرى وعمة الأمة وخالتها في هذا كأختها وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كتابية كافرة, ولا لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن لا يجد طول حرة ولا ثمن أمة ويخاف العنت, وله نكاح أربع إذا كان الشرطان فيه قائمين
ـــــــ
كان الطلاق رجعيا أو بائنا" لأنه إذا تزوجها في عدة أختها كان قد جمع بينهما في النكاح لأن العدة من آثار النكاح وكذلك الخامسة إذا تزوجها في عدة الرابعة.
فصل: "ويجوز أن يملك أختين وله وطء إحداهما" أيتهما شاء لأنها ملكه, فإذا "وطئها حرمت" عليه "أختها حتى تحرم الموطوءة بتزويج أو إخراج عن ملكه ويعلم أنها غير حامل", لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش أو جامعا ماءه في رحم أختين, "فإذا وطئ الثانية ثم عادث الأولى إلى ملكه لم تحل له حتى تحرم الأخرى". لذلك "وعمة الأمة وخالتها في" ذلك "كأختها"، وعنه لا يحرم الجمع بين الأمتين في الوطء وإنما يكره لقوله سبحانه: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1, والمذهب الأول لأنه إذا حرم الجمع في النكاح لكونه طريقا إلى الوطء ففي الوطء أولى.
مسألة: "وليس للمسلم إن كان عبدا نكاح أمة وكتابية" لأن الله سبحانه قال: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وعنه يجوز لأنه له وطئها بملك اليمين فجاز بالنكاح كالمسلمة, ورد الخلال هذه الرواية وقال إنما توقف الإمام أحمد ولم ينفذ له قول.
مسألة: "ولا" يجوز "لحر" مسلم "نكاح أمة مسلمة إلا أن لا يجد طول حرة ولا ثمن أمة ويخاف العنت"؛ لقوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} -إلى قوله- {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 2 فاشترط شرطين: خوف العنت وعدم الطول بحرة فلا يجوز بدونهما.
مسألة: "وله نكاح أربع إذا كان الشرطان فيه قائمين", للآية
ـــــــ
1 - سورة النساء: الآية 3.
2 - سورة النساء: الآية 25.

كتاب الرضاع
مدخل...
كتاب الرضاعحكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية فمتى أرضعت المرأة طفلا
ـــــــ
كتاب الرضاع
مسألة: "حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية" لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" 1. متفق عليه. "فمتى أرضعت المرأة طفلا صار ابنا لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه" فإذا حملت من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت به طفلا صار ولدا لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية, وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وصارا أبويه وآباؤهما أجداده وجداته وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته؛ لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}, نص على هاتين في المحرمات فدل على ما سواهما وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة" 2. وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة: "لا تحل لي, يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة أخي من الرضاعة". متفق عليه3. وروت عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما أنزل الحجاب فقلت: والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أخيه قال: "إئذني له فإنه عمك تربت يمينك". متفق عليه4؛ ولأن اللبن حدث للولد والولد ولدهما فكان المرضع بلبنه ولدهما.
مسألة: "فيحرم عليه" يعني على المرتضع "كل من يحرم على ابنها من النسب" لذلك.
ـــــــ
1 - سبق تخريجه.
2 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5099. ومسلم في الرضاع: رقم 1.
3 - سبق تخريجه.
4 - رواه البخاري في النكاح: حديث رقم 5103. ومسلم في الرضاع: رقم 9.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6