كتاب : شرح العمدة في الفقه
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

الله عليه وسلم قال إذا أفضى أحدكم بيده إلى بيده رلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء رواه الشافعي وأحمد وقال أبو علي ابن السكن هذا من أجود ما روى في هذا الباب
وقد روى النقض به عن بضعة عشر من الصحابة عن النبي صلى الله عليه و سلم وجاء النقض بمسه عن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وزيد بن خالد والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك رضي الله عنهم وهو شيء لايدرك بالرأي والقياس فعلم أنهم قالوا عن توقيف من النبي صلى الله عليه و سلم ولا يعارض هذا أن يكون هو المتمسك باستصحاب الحال والبراءة الأصلية وأما حديث قيس

وأبي أمامة فعنه أجوبة أحدها تضعيفه فقد ضعفه أحمد ويحيى وقال أبو زرعة وأبو حاتم قيس لاتقوم به حجة وجعفر بن الزبير كذبه شعبة وقال البخاري والنسائى هو متروك
وثانيها أنه منسوخ لأن طلق بن علي الحنفي كان قدومه وهم يؤسسون المسجد رواه الدراقطني وتأسيس المسجد كان في السنة الأولى من الهجرة وأخبار الإيجاب من رواتها أبو هريرة وإنما أسلم ورأى النبي صلى الله عليه و سلم بعد خيبر في السنة السابعة من الهجرة وبسرة بنت صفوان أسلمت عام الفتح في السنة الثامنة
وثالثها أن أحاديثنا ناقلة عن الأصل وحديثهم مبقي على الأصل فإن كان الأمر به هو المنسوخ لزم التعبير مرتين وإن كان ترك الوضوء هو المنسوخ لم يلزم التعبير إلا مرة واحدة فيكون أولى وهذه قاعدة مستقرة أن الناقل أولى من المبقي لما ذكرنا
ورابعها أنه يمكن أن يكون المراد بحديث ترك الوضوء ما إذا لمسه من وراء حائل لأن في رواية النسائي عن طلق قال خرجنا وفدا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم فتابعناه وصلينا معه فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال يا رسول الله ما تقول في رجل مس ذكره في الصلاة قال

وهل هو إلا مضغة منك أو قال بضعة منك والمصلي في الغالب إنما يمسه من فوق ثيابه يويد ذلك أنه علل ذلك بأنه بضعة منك وهذا التعليل مساواته كسائر البضعات والمضغ وهذه التسوية متحققة فيما فوق الثوب فأما دون الثوب فيتميز الغسل وجوب والمهر والحد وفساد العبادات بايلاجه وتنجس الخارجات منه وغير ذلك فكيف يقاس بغيره
وخامسها أنا قدرنا التعارض أحاديثنا أكثر رواة وأصح إسنادا وأقرب إلى الاحتياط وذلك يوجب ترجيحها
مسألة
ومس ذكر غيره كمس ذكره وأولى لقول النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ من مس الذكر رواه أحمد والسنائى وذكر الصغير كذكر الكبير لعموم الحديث وذكر الميت كالحي في المنصوص من الوجهين وفي الآخر لا ينقض كمس الميتة والفرق بينهما أن الشهوة هناك معتبرة بخلاف مس الذكر من الميت وسواء مسه عمدا أو سهوا لشهوة أو غيرها في المشهور عنه وعنه إنما ينقض إذا تعمد مسه سواء ذكر الطهارة أو نسيها بخلاف ما وقعت يده عليه بغير قصد لقول علي عليه السلام إذا لم تتعمده فلا شيء عليك ذكره الإمام أحمد ولأن تعمد مسه مظنة حدوث الشهوة وعنه إن تعمد مسه لشهوة نقض وإلا فلا كمس النساء لأنه حينئذ يكون مظنة خروج الخارج والأول هو المذهب لعموم الحديث

من غير تفريق بين الحشفة وسائر القضيب لأن اسم الذكر يشمل ذلك هذا هو المشهور عنه وعنه لاينقض إلا مس الحشفة لأنه هو مخرج الحدث وبه تتعلق الطهارة الكبرى وسواء مسه ببطن يده أو ظهرها من الأصابع إلى الكوع في المشهور عنه وعنه إن النقض يختص ببطن الكف لأن اللمس المعهود به وعنه ينقض مسه بالذراع جمعيه لأن اليد في الوضوء هي اليد في المرفق والصحيح الأول لقوله إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه واليد المطلقة في الشرع تنتهي إلى الكوع كما في آية السرقة والمحاربة والتيمم وقوله إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده يعم ظهرها وبطنها كما عمها قوله يغمس يده وآية التيمم فأما مس الذكر بغير اليد فلا ينقض إلا إذا مسه بفرجه في المشهور من المذهب لأنه ادعى إدعى إلى الخروج من مس الذكر وأفحش وفيه وجه أنه لاينقض لأن الحكم في الأصل بعيد
وينتقض الوضوء بمس فرج المرأة في إحدى الروايتين منها ومن امرأة أخرى وفي الأخرى لاينقض لأن الأحاديث المشهورة من مس ذكره ومفهومها انتفاء ذلك عن غير الذكر
والأول أقوى لأن قوله مس فرجه يعم النوعين وذكر بعض الذكر وحده لايخالف لأن الخاص الموافق للعام لايخصصه بل يؤكده دلالة القدر الموافق منه ويبقى الباقي مدلولا عليه بالعموم فقط ومن قال من أصحابنا تخصيصه لحظ في ذلك أن يكون المفهوم مرادا والمفهوم هنا غير مراد لأن تخصيص

الذكر بالذكر لأن الخطاب كان للرجال ولهذا قلنا من مس ذكره وذكر غيره فإن قوله ذكره إنما خصه لأن الغالب أن الإنسان إنما يمس ذكر نفسه وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ رواه أحمد وفي مس حلفة الدبر روايتان إحداهما ينقض اختارها جماعة من أصحابنا لعموم قوله من مس فرجه ولأنه مخرج الحدث فينقض كالذكر والأخرى لاينقض واختارها بعضهم قال الخلال والعمل والأشيع في قوله وحجته أنه لايتوضأ من مس الدبر لأن الحديث المشهور من مس ذكره فيكون هو المراد بالفرج في اللفظ الآخر كما في وقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون وقوله سبحانه وتعالى ويحفظون فروجهم
ولا يمكن إلحاقه به لأن مسه ليس هو مظنة لخروج خارج أصلا بخلاف القبل ولا ينقض مس الفرج المقطوع المنفصل في أحد الوجهين وينقض في الآخر لأنه مس ذكره والأول أقيس لأنه بالانفصال لم يبق له جرم ولا مظنة لخروج خارج ولا يتعلق به شيء من أحكام الذكر فأشبه ما لو مس يدا

مقطوعة من امرأة ولا ينقض وضوء الملموس فرجه رواية أحمد وقيل فيه رواية أخرى وليس بشيء
ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الذكر من الأرفاع والانثيين وما بين الفرجين وغير ذلك ولا يمس فرج البهيمة سواء كان مأكولة أو محرمة كثيل الجمل وقنب الحمار وغير ذلك لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص
وأما الخنثى فتنبني على أربعة فصول مس النساء ومس الذكر ومس المرأة فرجها وانتقاض وضؤ الملموس وقد تقدم ذكر فمتى وجد في حقه ما يحمل النقض وعدمه لم ينتقضه اسما كيقين الطهارة ومتى وجد في حقه ما ينقض نفيناه بقضائه ووجه التقسيم أن اللمس إما أن يكون للفرجين أو لأحدهما أو للامس إما أن يكون هو الخنثى أو غيره أو هو وغيره وذلك الغير إما أن يكون رجلا أو امرأة أو خنثى والتفريع على انتقاض الوضوء في الأصول الأربعة لأن مع القول بعدم الإنتقاض لايبقى تفريع فمتى مس فرجيه هو أو غيره انتقض وضوء اللامس لأنه مس فرجا أصليا ولم ينتقض وضوء الملموس لجواز أن يكون من حنس واحد والملموس إنما ينتقض وضوؤه إذا مس الرجل المرأة والمرأة الرجل ولو مس أحد الفرجين لم ينقض بجواز أن يكون زائدا إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة والمرأة قبلها لشهوة لأن في هاتين الصورتين إن كان الملموس أصليا نقض وإن كان زائدا فقد وجد لمس لشهوة من غير الجنس ولاينتقض وضؤ الملموس لعدم اليقين فإن مس الرجل ذكره لشهوة والمرأة فرجها لشهوة انتقض وضوؤه هنا لتيقن أنه ملموس لشهوة من غير جنسه ولو كان مس أحدهما انتقض لشهوة وضوؤه فقط دون الخنثى والامس الأول فإن مسهما لغير شهوة

لم ينتقض وضؤ الخنثى وينتقض وضؤ أحدهما لابعينه وكل واحد منهما يبنى على يقين طهارته في المشهور وعنه يجب عليهما الوضوء ولو مس الرجل فرجه والمرأة ذكره فكذلك ولاينتقض وضوء الخنثى إلا أن يكون مسهما لشهوة وجميع ذلك في اللمس مباشرة فأما اللمس من وراء الحائل فلا ينقض لما تقدم

مسألة
ولمس المرأة بشهوة
ظاهر المذهب أن الرجل متى وقع شيء من بشرته على على بشرة انثى بشهوة انتقض وضوؤه وإن كان لغير شهوة مثل أن يقبلها رحمة لها أو يعالجها وهي مريضة أو تقع بشرته عليها سهوا وما أشبه ذلك لم ينقض وعنه ينقض اللمس مطلقا لعموم قوله أو لامستم النساء وقراءة حمزة والكسائي أو لمستم النساء وحقيقة الملامسة التقاء البشرتين لاسيما اللمس فإنه باليد أغلب كما قال
لمست بكفي كفه أطلب الغنى
ولهذا قال عمر وابن مسعود رضي الله عنهما القبله من اللمس وفيها الوضوء وقال عبد الله بن عمر قبلة الرجل امرأته وجسها بيده

من الملامسة ولأنه مس ينقض فلم تعتبر فيه الشهوة كمس الذكر ولأن مس النساء في الجملة مظنة خروج الخارج وأسباب الطهارة مما نيط الحكم فيها بالمظان بدليل الإيلاج والنوم ومس الذكر وعنه أن مس النساء لا ينقض بحال
لما روى حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل بعض نسائه ثم يصلي ولايتوضأ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ورواه ابراهيم التيمي عن عائشة أخرجه أبو داود والنسائي وقد احتج به أحمد في رواية حنبل وقد تكلم هو وغيره في الطريق الأولى بأن عروة المذكور هو عروة المزني كذلك قال سفيان الثوري ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني وعروة هذا لم يدرك عائشة وإن كان عروة بن الزبير فإن حبيبا لم يدركه قال اسحاق ابن راهويه لاتظنوا أن حبيبا لقى عروة وفي الثاني بأن ابراهيم

التيمي لا يصح سماعه من عائشة وجواب هذا أن عامة ما في الإسناد نوع إرسال وإذا أرسل الحديث من وجهين مختلفين اعتضد أحدهما بالآخر لاسيما وقد رواه البزاز بإسناد جيد عن عطاء عن عائشة رضي الله عنهما مثله
ورواه الامام أحمد عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة ولأنه مس فلم ينتقض كمس البهيمة والملامسة في الآية المراد بها الجماع كذلك قد فسرها علي وابن عباس قال سعيد بن جبير اختلف الموالي والعرب في الملامسه في الآية فقال عبيد بن عمير والعرب

هي الجماع وقال عطاء والموالي هي مادون الجماع فدخلت على ابن عباس فذكرت ذلك فقال أيهما كنت قلت في الموالي قال غلبت الموالى إن الله حي كريم يكني عما يشاء وإنه كنى بالملامسة عن الجماع وفي لفظ عنه قال اللمس والمباشرة والإفضاء والرفث في كتاب الله الجماع
ولأن اللمس كالمس وقد اريد به الجماع في وقله وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن والملامسة لا تكون إلا من اثنين فيجب حملها على الجماع والصحيح الأول لأن الله تعالى أطلق ذكر مس النساء والمفهوم من هذا في عرف أهل اللغة والشرع هو المس المقصود من النساء وهو اللمس للتلذذ وقضاء الشهوة فإن اللمس لغرض آخر لايفهم من تخصيص النساء بالمس إذ لا فرق بينهن وبين غيرهن في ذلك المس واللمس وإن كان عامدا لكن نسبته إلى النساء أوحت تخصيصه بالمقصود من مسهن كما خص في الطفلة وذوات المحارم ويدل على ذلك أن كل مس ومباشرة وإفضاء ذكر في القرآن فالمراد به ما كان مع الشهوة وجميع الأحكام بمسهن مثل تحريم ذلك على المحرم والمعتكف ورجوب الفدية في الإحرام وانتشار حرمة المصاهرة وحصول الرجعة عند من يقول بذلك إنما تثبت في مس الشهوة ولايقال مس النساء في الجملة هو مظنة أن يكون لشهوة فأقيم مقامه لأننا نقول إن

الحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة نيط الحكم بها دون مظنتها وهي هنا كذلك بدليل سائر الأحكام ولأن اللمس مع الشهوة هو المظنة لخروج المذي والمني فيقام مقامه كالنوم مع الريج بخلاف الخالي من الشهوة فإنه كنوم الجالس يسيرا ولو كان المراد به الجماع خاصة لاكتفي بذكره في قوله وإن كنتم جنبا فاطهروا ولو أعيد باسمه الخاص وهو الجنابة ليتميز به عن غيره وليعم الجنابة بالوطء وبالاختلاف وجميع المواضع المذكورة في القرآن فإن المراد بها المس لشهوة مطلقا من الجماع وما دونه كقوله ولا تباشروهن وقوله أحل لكم ليلة الصيام الرفث وقوله فمن فرض فيهن الحج فلا رفث
وقوله لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن وقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وحينئذ فيكون قوله أو لامستم النساء يعم نوعي الحدث الأكبر والأصغر كما قال ابن عمر ويفيد التيمم لها ويدل على الوضوء مع الشهوة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المجامع إذا لم يمن أن يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره حين كان لا ماء إلا من الماء لم يكن المس ينقض الوضوء لما أمر بذلك ثم بعد ذلك فرض الغسل وذلك زيادة على ما وجب أولا لا رفع له وروى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال جاء رجل فقال يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يصيب الرجل من المرأة إلا قد أصابه منها إلا أنه لم يجامعها فقال توضأ وضؤ حسنا ثم قم فصل قال فأنزل الله هذه

الاية وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل فقال معاذ أهي خاصة أم للمسلمين عامة قال بل هي للمسلمين عامة رواه أحمد والدارقطني فأمر بالوضوء مع المباشرة دون الفرج وحديث عائشة المتقدم أن صح محمول على أن اللمس كان يراد إكراما ورحمة وعطفا أو إنه قبل أن يؤمر بالوضوء من مس النساء كما قلنا في مس الذكر ويدل على أن مجرد اللمس لاينقض ما ورت عائشة رضي الله عنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجلاي في قبلته فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فقبضتها وإذا قام بسطتها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح رواه البخاري وأبو داود والنسائي وفي لفظ للنسائي رن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليوتر وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله
وروى الحسن قال كان رسول صلى الله عليه و سلم جالسا في مسجده في الصلاة فقبض على قدم عائشة غيرا متلذذ رواه اسحاق ابن راهويه والنسائي ومتى كان اللمس لشهوة فلا فرق بين الأجنبية وذوات

المحرم والكبيرة والصغيرة التي قد تشهتي فأما التي لاتشتهي أصلا فلا ينتقض لمسها لشهوة ولمس الميتة كلمس الحية عند القاضي كما أن جماعها سواء في إيجاب الغسل
وقال الشريف أبو جعفر وابن عقيل لاينقض لأنها ليست محلا للشهوة فلا ينقض لمسها كالشعر ومس البهيم بخلاف الجماع فإنه لا فرق بين محل ومحل وبين الشهوة وعدمها بدليل ما لو استدخلت المرأة ذكر نائم ولمس المرأة الرجل ينقض وضوؤها كلمسه لها في أصح الروايتين لأن لمسها أدعى إلى الحدث لفرط شهوتها والأخرى لاينقض لأن النص إنما جاء في لمس الرجل المفضي إلى المذي بخلاف المرأة وإذا قلنا بنقض وضوء اللامس فهل ينتقض وضؤ الملموس على روايتين فإذا قلنا ينقض اعتبرنا الشهوة في المشهور كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوؤه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس ولا ينقض اللمس من وراء حائل وإن كان لشهوة لأن اللمس لم يوجد ومجرد الشهوة لاتنقض الوضوء كما لو وجدت في لمس البهيمة أو بنظر أوبفكر ولا ينقض لمس شعر المرأة ولاظفرها ولا سنها كما لا ينقض لمسها بالشعر والظفر والسن ولامس الرجل الرجل وإن كان أمردا ولامس المرأة المرأة في المشهور المنصوص لأنه ليس محلا للشهوة في الأصل ويتخرج أن ينقض إذا كان لشهوة لأنه لمس آدمي لشهوة وقال القاضي ينقض لمس الرجل الرجل والمرأة المرأة لأنه مباشرة لأدمي حقيقة بخلاف الشعر والظفر

مسألة
والردة عن الاسلام
الذي عليه عامة الأصحاب أن الارتداد عن الإسلام ينقض الوضوء ولم يذكره القاضي في خصاله وجامعه وأبو الخطاب في الهداية من النواقض فمقتضى كلاهما عدم النقض بها كما فهمه بعض أصحابنا ويشبه والله أعلم أن يكونا تركا ذكرها لعدم ظهور فائدتها لأن المراد إذا لم يعد إلى الإسلام فلا معنى لنقض وضوئه وإن عاد إلى الأسلام وجب عليه الاغتسال في المنصوص وهو أكبر من الوضوء فيدخل فيه الوضوء ثم رأيت القاضي قد صرح في الجامع الكبير بذلك وقال لامعنى لجعلها من النواقض مع وجوب الطهارة الكبرى بالإسلام ويجاب عنه بأنه يظهر فائدته إذا عاد إلى الإسلام فإنا نوجب عليه الوضوء والغسل وإن نواهما بغسله أجزأه في المشهور كما إذا نقض وضوءه بغير الردة ومن لم ينقض وضوءه بالردة لم يوجب عليه إلا الفل ولو لبس الخف على هذه الطهارة ثم أسلم واغتسل في خفيه لم يكن المسح لأنه لبس الخف محدثا ولو قلنا هو طاهر لجاز له المسح لأنه لبسه على طهارة لم يحدث بعدها
وقد احتج جماعة من أصحابنا على ذلك بقوله سبحانه وتعالى لإن أشركت ليحبطن عملك بناء على أن الردة تحبط العمل بمجردها فإن الموت عليها في قوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر

شرط للخلود لا يحبط العمل والحجة على هذا الوجه فيها نظر فإن المشهور عن أكثر أصحابنا أن الردة لاتحبط العمل إلا بالموت عليها وبنوا على ذلك صحة الحج في الإسلام الأول وقضاء الفوائت فيه من الصلاة والزكاة والصوم وأيضا فإن الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل بدليل صحة صلاة من صلى خلفه في الإسلام الأول والتحقيق أن الردة إنما تقع بعد انقضاء العبادة وأحكامها أو بعد انقضائها وبقاء أحكامها أو في أثناء وجودها أما الأول فإنها إذا وقعت بعد انقضائها بالكلية فإنها لاتبطلها أصلا وإنما تحبط الثواب إما مطلقا أو بشرط الموت عليها على اختلاف أصحابنا وأما الثالث فإنها إذا وقعت في أثناء الصلاة والصيام والإحرام أفسدت العبادة وأما الثاني فهو الوضوء لان عمل الوضوء قد انقضى وإنما حكم الطهارة باق فهنا يبطل حكم هذه الطهارة وينقضها وليس هذا من الإحباط وإنما هو من الإبطال اللهم إلا أن يقال إذا كانت تحبط ثواب ما مضى فلأن يفسد الحاضر أولى وأحرى وذلك لأن الكفر ينافي العبادات بالكلية ودوام الوضوء عبادة لأنه مستحب مأمور به والكفر ينافي ذلك واحتج أبو الحسن الجزري على ذلك بقول النبي صلى الله عليه و سلم الطهور شطر الإيمان فإذا بطل الإيمان بالكلية فشطره أولى ولأن ما منع ابتداء الوضوء منع استدامته ما منع الكفر كانقضاء المدة والظهور القدم في حق الماسح ورؤية الماء في حق المتيمم ولأن ما منع الكفر ابتداءه منع دوامه كالنكاح وأولى لأن النكاح ليس بعبادة وعكسه ملك المال فإن الردة لما لم تمنع ابتداءه لم تمنع دوامه على المشهور وهذا لأن الكفر إنما منع نكاح المسلمة لأن الكافر ليس أهلا لملك أبضاع المسلمات وهذا لايستوى فيه الابتداء والدوام وكذلك الطهارة منع منها الكافر لأنه ليس من أهل الطهارة والقرب والعبادات وهذا يستوى فيه

الابتداء والدوام بل الدوام أولى لإنه هو المقصود من أفعال الوضوء ويقوى الشبه أن كلا من الوضوء والنكاح يستويان في مفارقة الابتداء والدوام بدليل ما لو حلف لا يتطهر وهو متطهر أولا يتزوج وهو متزوج لم يحنث وقد أبطل الكفر النكاح فكذلك يبطل الوضوء فأما الكلام المحرم كالقذف والكذب والاغتياب فيستحب منه الوضوء ولا يجب لما روى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من الطعام الطيب وروى عنه قال الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وحدث اللسان أشد من حدث الفرج ورواه ابن شاهين مرفرعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد حمله بعض أصحابنا على الردة إذ ليس في اللسان ما يوجب الوضوء غيرها ولعله أراد زن الحدث باللسان وهو الكلام المحرم يوجب الإثم والعقاب فهو أعظم مما يوجب الوضوء فقط وروى حرب عنه أن رجلين صليا مع النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر أو العصر وكانا صائمين فلما قضيا الصلاة قال أعيد وضوءكما وصلاتكما وامضيا في صومكم واقضيا يوما آخر قالا لم يا رسول الله قال اغتبتما فلانا وفي إسناده نوع جهالة ومعناه الاستحباب لأن إسباغ الوضوء يمحو الخطايا والذنوب فسن عند أسبابها كما تسن الصلاة وقد روى على ابن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم نفعني الله بما شاء وإذا حدثني غيره استخلفته فإذا لي صدقته وإن أبا بكر حدثني وصدق أبوبكر أنه

سمع النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له رواه أحمد
ولأن الوضوء عبادة فوجب تنزيهها عن الكلام الخبيث كالصيام والإحرام وأما انتقاض الوضوء منه فقال ابن المنذر أجمع من نحفظ قوله من علمماء الأمصار على أن القذف وقول الزور والكذب والغيبة لا توجب طهارة ولا تنقض وضوءا وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث وذلك استحباب عندنا ممن أمر به قال وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم يأمر فيه بوضؤ

فصل
ومن الكلام القهقهة فإنها لاتنقض الوضوء في الصلاة ولا خارج الصلاة لكنها تبطل الصلاة فقط كما يبطلها الكلام لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء رواه الدارقطني

وصححه ورواه مرفوعا بإسناد فيه مقال وذكر الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري مثله ولم يثبت عن صحابي خلافه لأنه لا ينقض خارج الصلاة فكذلك في الصلاة كالكلام المحرم وأولى من وجهين
أحدهما أن الكلام محرم في الموضعين والقهقهة محرمة في الصلاة خاصة
الثاني أن الصلاة تمنع الوضوء مما لا يمنع منه خارج الصلاة خشية إبطالها ولهذا نهي الشاك في وضوئه أن يبطل صلاته لأجل تجديد الوضوء ويستحب لمن شك في غير الصلاة والمتيمم إذا رأى الماء يبطل تيممه اتقافا إلا أن يكون في الصلاة ففيه خلاف وهل يستحب الوضوء من القههقة فيه وجهان
أحدهما يستحب لما روى أبو العالية قال جاء رجل في بصره سوء فدخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي فتردى في حفرة كانت في المسجد فضحك طوائف منهم فلما قضى صلاته أمر من كان ضحك أن يعيد الضوء والصلاة رواه الدارقطني وغيره مرسلا عن الحسن

وابراهيم والزهري ومراسيلهم كلها ترجع إلى أبي العالية ومراسيله قد ضعفت
وروي مسندا من وجوه واهية جدا وقد طعن فيه من جهة أن الصحابة كيف يظن بهم الضحك في الصلاة وهذا ضعيف فإن الذي ضحك بعضهم ولعلهم من الذين انفضوا من الجمعة لما جاءت العير وسمعوا اللهو ثم الضحك أمر غالب قد يعذر فيه بعض الناي ومثل هذا الحديث لايوجب شريعة ليس لها أصل ولانظير من غيره وإنما عملنا به في الاستحباب لثلاثة وجوه
أحدها أن المستحبات يحتج فيها بالأحاديث الضعاف إذا لم يكن فيها تغيير أصل لما روى الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال

من بلغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك
وثانيها أنه بتقدير صحته ليس فيها تصريح بانتقاض وضوئهم لعلهم أمروا بذلك لأن القهقهة في الصلاة ذنب وخطيئة فيستحب الوضوء والصلاة عقبها كما جاء في حديث أبي بكر المتقدم وكما أمر الذين اغتابا بأن يعيدا الوضوء والصلاة في حديث ابن عباس وكما قد حمل بعضهم حديث معاذ في الذي لمس المرأة وهذا لأن القهقهة في الصلاة استخفاف بها واستهانة فيستحب الوضوء منها كالوضوء من الكلام المحرم وهذا أقرب إلى قياس الأصول وأشبه بالسنة فحمل الحديث عليه أولى
الوجه الثاني لايستحب ولا يكره وهو ظاهر كلامه فإنه قال لا أرى عليه الوضوء فإن توضأ فذلك إليه إذ لا نص فيه والقياس لا يقتصيه ولو أزال من محل وضوئه ظفر أو شعرا ظهرت بشرته أو لم تظهر فإن

وضوءه بحاله نص عليه لأن الفرض متعلق بظاهر الشعر والظفر فظهور الباطن لايبطله كما لو انكشط جلده أو قطعت يده ولهذا لايجزئ غسل البشرة المستترة باللحية عن ظاهرها بخلاف قدم الماسح ورأسه وفرق أحمد بينهما بأن هذا شيء يسير فهو كما لو نتف شعرة وقد روى عن ابن عمر أنه قلم أظافره فقال له رجل ألا تتوضأ فقال أتوضأ إنك لأكيس ممن سنته زمه كيسان واستحسن بعض أصحابنا أن يتوضأ من ذلك أو يمر عليه عليه الماء لأن بعض السلف أوجب الوضوء من ذلك ففيه خروج من الاختلاف وقد روى حرب في مسائله أن عليا كان إذا قلم أظفاره وأخذ شاربه توضأ وإذا احتجم اغتسل والمنصوص عن أحمد والقاضي استحباب مسحه بالماء

مسألة
وأكل لحم الإبل
هذا هو المعروف في نصه ومذهبه وذكر جماعة من أصحابنا رواية أخرى أنه لا ينقض كسائر اللحوم والأطعمة لأنه الوضوء منه منسوخ بما روى جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله ص - ترك

الوضوء مما مسته النار رواه أبو داود والنسائي وقال عمر وابن عباس الوضوء مما خرج وليس مما دخل رواه سعيد في سننه
أو يكون الوضوء أريد به غسل اليد والفم فإنه يسمى وضوءا وهو وإن كان مستحبا في جميع الأطعمة لا سيما من الدسم فإن لحم الإبل فيه زيادة زهومه وحرارة كما حمل بعضهم الوضوء من مس ذكر على هذا لأنه مظنة تلوث اليد بمسه لا سيما من المستجمرين أو يحمل على الضوء لللصلاة استحبابا والصحيح الأول لما روى جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم توضأ من لحوم الإبل قال أصلي في مرابض الغنم قال نعم قال أصلي في مبارك الإبل قال لا رواه أحمد ومسلم
وعن البراء بن عازب قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال توضأ منها وسئل عن لحوم الغنم فقال لا تتوضأ منها وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال لاتصلوا فيها فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة

وعن جابر بن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم رواه ابن ماجة
وروى الإمام أحمد من حديث زسيد بن حضير وابنه عبد الله من حديث ذي الغرة وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر قال الإمام أحمد واسحاق صح في الباب حديثان عن رسول صلى الله عليه و سلم

وسلم حديث حابر بن سمرة وحديث البراء وهذه سنن صحيحه يتعين المصير إليها ولا يصح ادعاء نسخه لوجوه
أحدهما أنه لا فرق بينه وبين لحم الغنم فأمر بالوضوء من هذا ونهى عن الوضوء من هذا ولو كان هذا قبل النسخ لأمر بالوضوء منهما
وثانيهما أن لحكم الإبل ينقض الوضوء لكونه لحم الإبل لا لكونه ممسوسا بنار يقتضي الوضوء نيه ومطبوخه لكن كان النقض بمطبوخه لعلتين زالت إحداهما وبقيت الأخرى كما لو مس الرجل فرج امرأته لشهوة انتقض وضوؤه لسببين فلو زالت الشهوة بقي مجرد مس الفرج
وثالثها أنه لم يجيئ حديث بنسخه فإن قول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار إنما هو قضية عين وحكاية فعل النبي صلى الله عليه و سلم وذلك أنه توضأ من لحم مسته النار ثم أكل من لحم ولم يتوضأ وذاك كان لحكم غنم كما جاء مفسرا في روايات آخر فأخبر جابر رضي الله عنه أن ترك الوضوء منه كان آخر الآمرين وليس في هذا عموم ولم يحك عن النبي صلى الله عليه و سلم لفظا عاما وإنما يفيد هذا أن مسيس النار لا أثر له ولايصح أن يقال لا فرق بينهما بعد تصريح السنة بالفرق ومن حمع ما فرق الله بينه ورسوله كان بمنزلة من قال إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا وهذا قياس فاسد الوضع لمخالفة النص
ورابعها أنه لو فرضنا أنه جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم صفة عامة بترك الوضوء مما غيرت النار مع أن هذا لم يقع لكان عاما والعام لا ينسخ الخاص لا سيما الذي فرق بينه وبين غيره من أفراد العام بل يكون الخاص مفسرا للعام ومبينا له

وخامسها أنه لو اندرج في العموم قصدا لم يفد العموم إلا أنه لا يتوضأ منه من حيث مسته النار ولا يبقى المتوضئ من جهة أخرى كما لو نسخ التوضوء من مس الفرج لم ينف التوضىء من مس فرج المرأة لشهوة ولو كان الرجل مخالفا معتقا وقد نسخ ميراث المخالف لم ينسخ إرثه من حيث هو معتق
وسادسها أنه أمر بالتوضىء من لحمها مع نهيه عن الصلاة في مباركها في سياق واحد مع ترخصه في ترك الوضوء من لحم الغنم وإذنه في الصلاة في مرابضها وذلك اختصاص الإبل بوصف قابلت به الغنم استوجبت لأجله فعل التوضوء وترك الصلاة وهذا الحكم باق ثابت في الصلاة فكذلك يجب أن يكون في الوضوء
وسابعها أنه قد أشار صلى الله عليه و سلم في الإبل إلى أنها من الشياطين يريد والله أعلم أنها من جنس الشياطين ونوعهم فإن كل عات متمرد شيطان من أي الدواب كان كالكلب الأسود شيطان والإبل شياطين الأنعام كما للإنس شياطين وسجن شياطين ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أروكبوه برذونا فجعل يهملج به فقال إنما أركبوني شيطانا والتجالس والاجتماع ولذلك كان على كل ذروة بعير شيطان والغنم هي من السكينة والسكينة من أخلاق الملائكة فلعل الإسنان إذا أكل لحم الإبل أورثته نفارا وشماسا وحالا شبيها بحال الشيطان
والشيطان خلق من النار وإنما تطفى النار بالماء فأمر بالوضوء من لحومها كسرا لتلك الصورة وقمعا لتلك الحال وهذا لأن قلب الإنسان وخلقه يتغير

بالمطاعم التي يطعمها ولهذا حرم الله الخبائث حتى قيل إنه حرم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير لما في طباعها من البغي والعدوان فيورث بطباع آكلها مافي طباعها وهذه العلة وما يقاربها يدل عليه إيماء النبي صلى الله عليه و سلم
وأما دعوى كون الوضوء هو غسل اليد والفم ففاسد أيضا لوجوه
أحدها الوضوء المطلق في لسان الشرع هو وضوء الصلاة
وثانيها أنه يلزم منه أن يكون الأمر للاستحباب والأصل في الأمر الوجوب
وثالثها أنه ذكره في سياق الصلاة مبينا حكم الوضوء والصلاة في هذين النوعين والوضوء المقرون بالصلاة هو وضوءها لا غير
ورابعها أن جابر بن سمرة هو راوي الحديث ففهم منه وضوء الصلاة وأوجبه وهو أعلم بمعنى ما سمع
وهذه الوجود مع غيرها كما يقال في مس الذكر
وخامسها أنه فرق بينه وبين لحم الغنم ناهيا عن الوضوء من لحم الغنم أو مخيرا بين الوضوء وتركه وقد اجتمع الناس على استحباب غيل الفم واليد من لحممن الغنم وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه
فكيف يأذن في ترك غسل اليد والفمن من لحم الغنم وهو يلزم من ترك ذلك قال أصحابنا ما كان من المأكولات له رائحة أو زهومة ونحو ذلك فيستحب غسل اليد والفم منه وأما ما ليس له شيء من ذلك كالخبز والثمر فإن شاء غسل وإن شاء ترك

وسادسها أنه لو كان المراد بع غسل اليدين والفم لما فرق بينهما وكون الإبل مختصة بزيادة زهومة ودسومة لايوجب اختاصها بالأمر فإنه صلى الله عليه و سلم شرب لبنا فمضمض وقال إن له دسما
وسابعها أنه سيأتي أنه أمر بالوضوء من لبن الإبل ومعلوم أن دسمها دون دسم لحم الغنم فكيف يكون المراد به غيل اليد والغم وأما حمله على الاستحباب فبعيد لأنه أمر والأمر للإيجاب ولأنه ذكر الحكم في جواب السائل والحكم في مثل هذا لايفهم منه إلا الإيجاب كالوضوء من الصوت والريح ومس الذكر ولأنه فرق بينه وبين لحم الغنم والنهي في لحم الغنم إنما أفاد نفي الأيجاب فيجب أن يكون في لحم الأبل مفيدا للإيجالب ليحصل الفبرق ولأنه اثبت بذلك صفة في الإبل تقتضي الوضوء والأصل في الأسباب المتقتضية للوضوء أن تكون موجبة ولأن استحباب الوضوء من لحم الابل دون الغنم إحداث قول ثالث خارج عن قولي العلماء ولإن قاله قائل وعلل ذلك بالخروج من الخلاف وهذه علة اجتهادية ليست تصلح أن تكون علة لنفس الحكم والشارع فرق بينهما تفريقا يوجب اختصاص أحدهما بالحكم لمعنى اختلاف العلماء وذلك المعنى أن يوجب الوضوء أو لا يوجبه أو لا يقتضيه ثم لم يسلم اختصاص الإبل دون غيرها من الأنعام بوصف يستحب معه الوضوء بطلب جميع أدلتهم في المسألة من الجمع بينهما وبين غيرهما ولم يبق حينئذ دليل يوجب صرف الأمر عن الوجوب ويقال إن جاز أن يختص باستحباب الوضوء جاز أن يختص بوجوبه وهو المعقول من الكلام فلا وجه للعدول عنه ثم الجواب عن جميع هذه الأسئلة أنها احتمالات مرجوحة وتأويلات بعيدة لا يجوز حمل الكلام عليها إلا مع دليل قوي أقوى من تلك الدلالة يوجب الصرف عن الظاهر والمصير إلى الباطن وليس في عدم نقض الوضوء بلحوم دليل يقارب تلك الدلالة فضلا عن أن يكون أقوى منها وإنما هو استصحاب حال وقياس طردي يحسن اتباعها عند عدم

الدلالة بالكلية ولقد تعجب الإمام أحمد بمن يخالف هذا الحديث الصريح الصحيح وينقض الوضوء بالقهقهة مع أنها أبعد شيء عن العقول والأصول وحديثها من أوهى المراسيل ويترك العمل بهذا أو يعمل بحديث مس الذكر مع تعارض الأحاديث فيه وأن أحاديث النقض ليست مثل هذه الأحاديث في الصحة والظن فمن يخالفه من العلماء أنهم لم يستمعوه أو لم يبلغهم من وجه يصح عندهم فلم تقم عليهم به الحجة وكذلك في انتقاض وضوء الجاهل به روايتان
إحداهما ينتقض وضوء العالم والجاهل كسائر النواقض
والثانية لاينتقض وضوء الجاهل ولا يعيد ما صلى بعد أكله بوضوئه المتقدم قال الخلال ورعلى هذا استقر قول أبي عبد الله في هذا لأن هذا خبر واحد ورد في شيء يخالف القياس فعذر الجاهل به كما يعذر في الجهل بالزنا وشرب الخمر الحديث العهد بالإسلام والناشىء ببادية
بخلاف الوضوء من الخارج من السبيلين فإن المراد هنا هو من لم يسمح الحديث من العامة ونحوهم فأما إن كان قد بلغه الحديث فعنه يعيد وعنه لايعيد إذا تركه على التأويل وطالت المدة وعنه إذا طالت المدة وفحشت مثل عشر سنين لم يعد بخلاف ما إذا كانت قصيرة ولم يفرق بين العالم والجاهل فإن علم هذا قد انتشر يعم طرد هذا أن من كان لايرى النقض بخروج النجاسات أو بمس الذكر ثم رآه بعد ذلك لا يجب عليه إعادة ما كان صلاة وقيل عنه لايعيد إذا تركه متأولا بحال وكذلك من كان صلى بتقليد عالم وشبه ذلك لأن هؤلاء معذورون وكذلك يقال فيمن أخل ببعض أركان الصلاة أو شرائطها المختلفة فيها لعدم العلم بذلك حيث يعذر به اجتهاد أو تقليد ونحوه ثم علم فأما من يحكم بخطئه من المخالفين مثل من ترك الطمأنينة في الصلاة أو مسح على الخفين أكثر من الميقات الشرعي

تقليدا لحديث عمر فإن يعيد نص عليه لكونه قد خالف حديثا صحيحا لا معارض له من جنسه بخلاف ما اختلف فيه من الصحابة ولا نص عليه

فصل
وفي الوضوء من ألبانها إذا قلنا يتوضأ من لحمها روايتان
إحداهما ينقض الوضوء لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول توضأ من ألبان الإبل ولا توضأ من ألبان الغنم وعن أسيد بن حضير عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن ألبان الإبل فقال توضأ من ألبانها وسئل عن ألبان الغنم فقال لاتتوضأ من ألبانها رواهما أحمد وابن ماجة
وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال توضأ من لحوم الإبل وألبانها رواه الشالنجي بإسناد جيد
وروى أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأء من لحوم الإبل وألبانها وفيه جهالة

والثانية لا ينقض اختارها كثير من أصحابنا لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تمضمضوا من اللبن فإن له دسما رواه ابن ماجة وهذا يفيد الاكتفاء بالمضمضة في كل لبن وأن الأمر بها استحباب
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتى بلبن من ألبان الإبل فشرب فقيل له ألا تتوضأ فقال لا أباليه بالة إسمح يسمح لك ورواه سعيد وأمر النبي الأعراب الذين قدموا المدينة أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها مع كونهم حديثي عهد بجاهلية ولم يأمرهم بالوضوء وحديث أسيد فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف
وحديث عبد الله بن عمر فيه ببقية وهو ضعيف وقول أحمد واسحاق فيه حديثان صحيحان يدل على ضعف ما سواهما وليس فيهما اللبن ويمكن الجواب عن هذا كله أما المضمضة من اللبن فلا ينفي وجوب غيره وذلك لأن المضمضة مأمور بها عند الشرب لإزالة الدسم والوضوء إنما يجب عند القيام إلى الصلاة كالأمر بغسل اليد عند القيام من نوم الليل والأمر بالاستنشاق في الوضوء لأن ذلك لسبب وهذا لسبب وهذا لأن اللبن كاللحم واللحم تغسل منه اليد والفم ولا ينفي ذلك وجوب الوضوء منها والنجاسة الخارجة يغسل موضعها ولا يمنع ذلك وجوب الوضوء منها وأما حديث ابن عباس فهو رضي الله عنه لم تبلغه السنة في ذلك بلاغا تقوم عليه

به الحجة كما يبلغ عليا خبر بروع بنت واشق ولم يبلغ ابن عمر رضي الله عنهما خبر الذي وقصته راحلته ولم يبلغ ابن عباس رضي الله عنهما أحاديث المتعة والصرف وأشباه ذلك كثيرة
وأما حديث الأعرابي فقد كان في أول الهجرة وأحاديث الوضوء بعد ذلك لأن أكثر رواتها مثل عبد الله بن عمر وجابر بن سمرة لم يصحبا النبي ص - إلا في آخر حياته وقول أحمد واسحاق إنما أرادا بقولهما حديثان صحيحان على طريق أهل الحديث واصطلاحهم وأما الحسن فإنهم لايسمونه صحيحا مع وجوب العمل به وهذا كثير في كلام أحمد يضعف الحديث ثم يعمل به يريد أنه ضعيف عن درجة الصحيح ومع هذا فروايه مقارب وليس معارض فيجب العمل به وهو الحسن ولهذا يضعف الحديث بأنه مرسل مع أنه يعمل بأكثر المراسيل وأما بقية فثقة أخرج له مسلم وهو جليل إلا أنه يدلس عن رجال مجهولين والقياس يوافق هذه الرواية فإن اللبن متحلل من اللحم فوجب أن يعطى حكمه كما أعطى

حكه في التطهير والتنجيس ولو قيل إن البول كذلك لم يستبعد لأن اللبن مأكول معتاد بخلاف البول ونحوه وإنما قال أصحابنا إن البول والعرق والشعر لاينقض ولو فرضنا أن العلة التي أوجبت النقض باللحم لم يخلص لنا فإنه لابد له من سبب واللبن يشارك اللحم في عامة أحكامه
وفي النقض بالأجزاء التي لاتسمى لحما كالكبد والطحال والسنام والكرش والمصير والجلد وجهان وقيل فيها روايتان
لكن الظاهر أنهما مخرجتان من أصحابنا فمنهنم يطلقهما ومنهم من يبنيهما على اللبن إحداهما لاتنقض وإن قلنا بالنقض في اللحم واللبن إذ لا نص فيه قوي ولا ضعيف والقياس لايقتضيه
والثانية تنقض سواء إن قلنا ينتقض اللبن أولا لأن إطلاق اللحم في الحيوان يدخل في جميع أجزائه وإنما يذكر اللحم خاصة لأنه أغلب الأجزاء ولهذا دخلت في مطلق اسم الخنزير ولأنها أولى بالبعض من اللبن وقد جاء فيه الحديث ولأنه لما ذكر اللحم واللبن علم أنه أراد سائر الأجزاءولأنها جزء من الجزور فنقضت كاللحم وقياس الشبه لايفتقر إلى هاتين العلتين في الأصل فإن المشابهة بين اللحم والكب والسنام من أبين الاشباه ولهذا اشتركا في التحليل والتحريم والطهارة والنجاسة والدسومة والزهومة وقولهم الحكم بعيد إن أريد به هنا مجرد امتحان وابتلاء فلا يصح بعد إشارة النبي ص - إلى التعليل وإن أريد به إنا نحن لم نعتقد العلة فهذا مسلم لمن ادعاه لنفسه لكن لايمنع صحة قياس الشبه مع أننا أومأنا إلى التعليل فيما تقدم بما فهمناه من إيماء الشارع حيث ذكر أن الإبل حين خلقت من جن وأنها شياطين فأكل لحمها يورث ضربا من طباعها ونوعا من أحوالها والوضوء يزيل ذلك الأثر وهذا يشترك فيه اللحم وغيره من الأجزاء ولعله

والله أعلم كان قد شرع الوضوء مما مست النار إما إيجابا وإما استحبابا بالماء لما تكتسبه من تأثير النار التي خلقت منها الشياطيين لكن أثر النار عارض يزول ولا يبقي مع الإنسان بخلاف اللحم فإن تأثيره عن طبيعة وخليقة فيه فيحتاج إلى شيء يزيله فكذلك صار هنا واجبا دون ذلك
وفي انتقاض الوضوء باللحوم المحرمة روايتان
إحداهما تنقض نص عليها في لحم الخنزيز وخص أبو بكر النقض به لتغليط تحريمه وعمم غيره في جميع اللحوم والمحرمات لأنه أولى بالنقض من لحوم الإبل
والثانية لاتنقض حكاها جماعة من أصحابنا واختارها كثير منهم إذ لا نص فيه وليس القياس بالبين حتى تقاس على المنصوص وكذلك لاينقص بما يحرم من غير اللحوم وأما الوضوء من سائر المطاعم مباحا ومحرمها فليس بواجب ولا مستحب لكن يستحب غسل اليد والفم من الطعام كما يذكر إن شاء الله في موضعه إلا ما مسته النار ففي استحباب الوضوء منه وجهان
أحدهما يستحب لما روى أبو هرزيرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص - يقول توضأوا مما مست النار رواه الجماعة إلا البخاري ورواه مسلم من حديث عائشة وزيد بن ثابت ثم نسخ الوجوب منه أو صرف عن الوجوب لما روى ابن عباس وعمرو بن أبي

أمية وميمونة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه و سلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ متفق عليها وقوله ولاتتوضؤا من لحوم الغنم
وعن سويد بن النعمان قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء وهي من أدنى خيبر صلى بنا العصر ثم دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بسويق فأكلنا وشربنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ رواه أحمد والبخاري ويدل على أن ذلك هو الناسخ فعل الخلفاء الراشدين فإنهم كانوا لا يتوضأون مما غيرت النار وإذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون فإنهم أعلم بتأويلها وناسخها وإذا زال الوجوب بقي الإستحباب لاسيما وقد ذهب خلق الصحابة والتابعين إلى وجوب الوضوء منها وقال رجال من التابعين

الوضوء منها هو الناسخ ففي الوضوء احتياط وخروج من الخلاف
والوجه الثاني لايستحب لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يداوم على تركه أخيرا وهو لايداوم على ترك الأفضل وأيضا فإن الوضوء منه قديما لم يكن واجبا لأن أبا هريرة سمع الأمر به وإنما صحبه بعد فتح خيبر وحديث سويد بن النعمان في تركه كان في مخرجه إلى خبير فعلم أنه كان يأمر به استحبابا ويفعله ويتركه أحيانا ثم يترك بالكلية بدليل عمل الخلفاء الراشدين
فصل
كلام الشيخ رضي الله عنه يقتضي أن لا وضوء من غسل الميت وهو قوله وقول أبي الحسن التميمي وغيرهما لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس في عليكم فيميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم رواه الدراقطني وإسناده جيد ولم يتكلم في أحد منهم إلا في خالد بن مخلد القطواني وعمرو بن أبي عمرو وهما من رجال الصحيحين ولأنه لو يمه لم ينتقض وضؤوه فكذلك إذا غسله ولأنه آدمي

فلم ينتقض كغسل الحي وغسل نفسه وحملوا الآثار في المسألة على الاستحباب والمنصوص عنه أن عليه الوضوء وهو قول جمهور أصحابه قال أحمد من غسل ميتا عليه الوضوء وهو أقل ما فيه ولا بد منه وقال أرجو أن لايجب الغسل وأما الوضوء فأقل ما فيه وكذلك قال في مواضع أخر إنه لا بد من الوضوء
روى عطاء أن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وقال أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء وقال ابن عباس يكفي فيه الوضوء ولم ينقل عن غيرهم في تركه رخصة يؤيد ذلك أنهم اختلفوا في وجوب الاغتسال منه ومن لم يوجبه انتهت رخصته إلى الوضوء وكان الوضوء منه شائعا بينهم لم ينقل عنهم الإخلال به قال بكر بن عبد الله المزني حدثني علقمة بن عبد الله قال غسل أباك أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ممن بايع تحت الشجرة فما زادوا على أن حسروا على أيديهم وجعلوا ثيابهم في حجزهم فغسلوا ثم توضؤوا ثم خرجوا وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله زوحته أسماء

فغسلته ثم أرسلت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم هل علي من غسل قالوا لا فتوضأت رواهما سعيد في مسنده ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالاغتسال منه كما نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه
فظاهره يوجب الغسل والوضوء الذي هو بعضه فإذا قام الدليل على عدم وجوب ما زاد على الوضوء بقي الوضوء بحاله أو يقال الأمرا بالغسل أمر بالوضوء بطريق الأولى وفحوى الخطاب فإذا ترك دلالة المنطوف لم يجب أن نترك دلالة فحواه وقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أقل ما فيه الوضوء ويكفي فيه الوضوء دليل على أنه أقل ما يؤمر به والأمر للايجاب ولأنه وضوء مشروع لسبب ماض فكان واجبا كالوضوء من مس الذكر ومن قال هذا التزم أن لا وضوء من القهقهة ولا مامسته النار أو يقول وضوء متفق عليه أو مشروع من غير معارض ولأنه وضوء عن سبب ماض يشرع له الغسل فكان واجبا كوضوء المغمى عليه والمجنون والمستحاضة وهذا لأن شرع الغسل دليل على وقوة المقتضي للطهارة فإذا نزل إلى استحباب الغسل فلا أقل من أن يوجب الوضوء بخلاف الأسباب المستقبلة كغسل الإحرام والجمعة والعيدين فإن المراد بها النظافة فقط وهذا القياس من أقوى الأشتباه لمن تدبره ولأن بدن الميت صار في حكم الغرور بنفسه بدليل كراهة مسه والنظر إليه لا لحاجة وهو مظنة لخروج النجاسات فجاز أن يوجب الوضوء كمس الذكر ولا ينتقض بمسه من غير غسل لأن التعليل للنوع والجواز فلا ينتقض بأمهات المسائل ولأن لمس الناقض يفرق فيه بين ممسوس وممسوس فمس الفرج ينقض مطلقا ومس النساء إذا كان على وجه الشهوة ومس الميت إذا كان على وجه التغسيل له سواء مسه من وراء حائل أو باشره وهذا أجود من تعليل من علله من أصحابنا بأن الغاسل لا يسلم غالبا من مس ذكره

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما إن صح فمعناه والله أعلم حسبكم في إزالة ما يتوهم من نجاسته أن تغسلوا أيديكم فإنه ليس بنجس وإنما يخشى أن يكون قد خرج منه شيء أصاب اليد ويدل علي هذا شيئان
أحدهما أن ابن عباس هو رواوي الحديث وقد أفتي أن الذي يكفي منه الوضوء وهو أعلم بمعنى ما روى
وثانيهما أن قوله حسبكم أن تغسلوا أيديكم أي حمل على الاستحباب كأن معناه يكفيكم في الاستحباب غسل أيديكم وهو أيضا مما لا يقال به على ما ادعوه فإن الوضوء منه مشروع بل الاغتسال أيضا فيكون المعنى يكفيكم في إزالة ما يتوهم من الخبث والله أعلم
وما ذكروه من الأقيسه منعكس باستحباب الوضوء فإنهم لم يستحبوا الوضوء في تيممه ولا تغسيل الحي أو استحبوه هنا وجاءت به الآثار فكل معنى اقتضى الفرق في الاستحباب حصل الفرق به الايجاب لأنه وضوء جاء به الشرع مطلقا وكان واجبا كالوضوء من مس الذكر ولحم الجزور بل وأوكد من حيث أنه لم يجىء رخصة في ترك الوضوء منه ولا أثر يعارضه والله أعلم والغاسل هو الذي يقلبه ويباشره ويعين في ذلك ولو مرة فأما من يصيب الماء فقط من غير ملامسه للميت فليس بغاسل

فصل
ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما يتقين منهما سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة لما روى عبدالله بن زيد قال شكي إلى رسول الله ص - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال لا ينصرف حتى يسمع

صوتا أو يجد ريحا أخرجه الجماعة إلا الترمذي وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الشيطان يأتي أحدكم في الصلاة فيأخذ شعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه أحمد وأبو داود ولفظه إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له قد أحدثت فليقل له كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بإذنه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه مسلم والترمذي ورواه أحمد ولفظه حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا لا يشك فيه فلما نهاه عن قطع الصلاة وعن الخروج من المسجد مع الشك دل على جواز بناء الصلاة على طهارة مستصحبة مبنية على اليقين ولو كان يجب عليه الوضوء خارج الصلاة لجاز له أو لوجب عليه في الصلاة كسائر النواقض ولا فرق في ذلك بين أن يتساوى الأمران عنده أو يغلب على ظنه أحدهما لما ذكرنا من الأحاديث ولأن الظن إذا لم يكن له ضابط في الشرع وليس عليه إمارة شرعية أو عرضية لم يلتفت إليه كظن صدق أحد المتداعيين بخلاف القبلة والوقت ولأنه شك في بقاء زاول طهارته فيبني على اليقين كما لو شك في نجاسة الثوب والبدن والبقعة بعد تيقن الطهارة قال ابن أبي موسى بعد أن ذكر ذلك إن خيل إليه إله أنه قد أحدث وهو في

الصلاة لم يلتفت إليه ولم يخرج من الصلاة وإن خيل إليه ذلك وهو في غير الصلاة فالأحوط له أن يتوضأ ويصلي وهو كما قال فإنا وإن جوزنا له البناء على يقين الطهارة فإن الأفضل له أن يتطهر لما تردد لأن في ذلك خروجا من اختلاف العلماء فإن منهم من لا يجوز له الدخول في الصلاة بطهارة مشكوكة ولأن التجديد مع اليقين مستحب فمع الشك أولى ولأن عدم الطهارة فيها ريب وشبهة وليس في الاحتياط فيها مشقة ولا فتح لباب الوسوسة فكان الاحتياط لها أفضل لقوله صلى الله عليه و سلم دع ما يريبك إلى ما لايريبك وقوله فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه بخلاف الشك العارض في الصلاة فرن النبي صلى الله عليه و سلم قد نهى عن الخروج من أجله ولأن فيه إبطالا للصلاة بالريب والشبهة ومطاوعة الشيطان في ذلك فلذلك نهي عنه وقياس المذهب أن قطع الصلاة المفروضة لذلك محرم لأجل نهي النبي صلى الله عليه و سلم ولأن إبطال الفرض بعد الشروع فيه غير جائز
فصل
فإن تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما فهو على قسمين أحدهما إن تيقن أنه كان متطهرا أو أنه كان محدثا فيبني على خلاف حاله قبلهما إن كان متطهرا فهو محدث وإن كان محدثا فهو متطهر لأن الحال قبلهما إن كان طهارة مثلا فقد تيقن أنه وجد بعدها حدث وطهارة فزالت

تلك الطهارة بيقين والطهارة الثانية يجوز أن تكون هي الأولى دامت واستمرت ويجوز أن تكون حدثت بعد الحدث والحدث متيقن فلا يزول بالشك
الثاني يتيقن أنه تطهر عن حدث وأنه أحدث بعد طهارة فإن كان قبل هاتين الحالتين متطهرا فهو الآن متطهر وإن كان محدثا فهو الان محدث لأن الطهارة السابقة قد وجد بعدها حدث ناقض وذلك الحدث وجد بعد طهارة رافعة والأفضل بقاؤها فأما إن تيقن أنه تطهر وأنه أحدث لكن لا يدري هل كانت الطهارة بعد طهارة أو بعد حدث وذلك الحدث هل كان بعد طهارة أو بعد حدث فهذا كالقسم الأول يكون على خلاف حاله قبلهما ولو تيقن أنه ابتدأ الطهارة عن حدث وأنه كان أحدث ولايدري أفعل ذلك وهو محدث أو هو طاهر فهنا هو طاهر بكل حال وكذلك لو تيقن أنه أحدث عن طهارة وأنه توضأ لايدري أتجديدا أم رفعا فهو محدث بكل حال

باب الغسل
الغسل مصدر غسل الثوب والبدن يغسله غسلا والغسل بالضم اسم مصدر اغتسل يغتسل اغتسالا ولهذا كان الغالب في استعمال غسل الميت وغسل الثوب الفتح لأنك تريد الفعل المتعدي وتقول غسل الجنابة وغسل الجمعة بالضم لأنك تريد الاغتسال وهو الفعل اللازم ولو فتحت على نية أنه يغسل بدنه للجنابة والجمعة حسن أيضا والغسل بالضم أيضا الماء الذي يغتسل به والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه
والاغسال على قسمين واجبة ومستحبه
فالواجبة أربعة أنواع ولها ستة أسباب غسل الجنابة وغسل الحيض وغسل الميت وغسل الإسلام في المنصوص فأما غسل الحيض وغسل الميت فيذكران في بابهما
وأما الكافر إذا أسلم فإنه يجب عليه الغسل سواء كان أصليا أو مرتدا وسواء أجنب أو لم يجنب وسواء اغتسل قبل الإسلام من الجنابة أو عند إرادة الإسلام أو لم يغتسل هذا منصوص الإمام أحمد وقول عامة أصحابه
وذكره أبو بكر في التنبيه وقال في غير التنبيه ولايجب الغسل عليه بل يستحب إلا أن يكون أصابته جنابة أو حيض في حال كفره فيحب

أن يغتسل غسل الجنابة والحيض إذا أسلم سواء كان قد اغتسل في حال كفره أولا وسواء أوجبناه على المرأة الذمية أن تغتسل من الحيض لزوجها أم لا لأن الخلق الكثير أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاد إلى الإسلام من إرتد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فلو أوجب الإسلام غسلا لنقل ذلك نقلا متواترا ولأن الإسلام أحد التوبتين فلم يوجب غسلا كالتوبة من المعاصي ولنا ما روى قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يغتسل بماء وسدر رواه أحمد وأبو داود والسنائي والترمذي وقال حديث حسن
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ثمامة بن أثال أسلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم إذهبوا إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل رواه أحمد وقال كان ذلك مشهورا بينهم ولهذا لما أراد سعد بن زراره كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر قالا نغتسل ونشهد شهادة الحق وإنما

نقل الآحاد كما نقل غسل الحيض والنفاس الآحاد وذلك كاف ثم لعل النقل ترك حين انتشر الإسلام وقبل دخول الخلق الكثير جملة واحدة والموجب هو الكفر السابق بشرط الإسلام كما أن الموجب هو خروج دم الحيض بشرط الانقطاع لأن الكافر شر من الجنب في كثير من الأحكام وقد علل بعض أصحابنا بأن الكافر إذا أسلم لايخلو غالبا من جنابة سابقة وغسله في حال كفره لايصح وكونه غير مخاطب بالغسل إذ ذاك لايمنع ثبوت انعقاد سببه كنواقض الوضوء في حق الصبي والمجنون والكافر ويستحب له أن يغتسل بماء وسدر كما في الحديث وكما يستحب غسل الميت والحائض وقيل يجب ذلك لظاهر الأمر به وقال أحمد إذا أسلم يغسل ثيابه ويغتسل ويتطهر بماء وسدر لأن ثيابه مظنة ملاقاة النجاسة فاستحت تطهيرها ويستحب حلق شعره لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر رجلا أسلم فقال له ألق وفي لفظ أحلق عنك شعر الكفر واختتن رواه أبو داود
وإذا أجنب الكافرثم أسلم لم يجب علسه سواء غسل الإسلام علي المشهور لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينقل عنه أنه أمر أحدا من الكفار بغسل الجنابة مع كثرة من أسلم من البالغين المتزوجحين ولأنه قد وجب عليه الغسل بالكفر الذي هو مظنة الجنابة وغيرها فلم يجب عليه بالحقيقة غسل آخر كالنوم مع الحدث والوطء مع الإنزال وعلى قول أبي بكر يجب الغسل كما تقدم
وأما غسل الجنابة فهو قسمان كما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى

مسألة
والموجب له شيئان خروج المني وهو الماء الدافق والتقاء الختانين
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا إلى قوله تعالى أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
وقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا إلى قوله تعالى أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
يقال رجل جنب ورجلان جنبان ورجال جنب وربما قيل أجناب وجنبون واللغة المشهورة أجنب ويقال جنب يقال سمي بذلك لأن الماء جانب محله ويقال لأنه يجتنب الصلاة ومواضعها وما أشبهها من العبادات وتجتنبه الملائكة والجنب اسم يجمع المنزل الماء والواطىء أيضا والسنة فسرت ذلك أما الأول فقد تقدم حديث علي في المذي الوضوء وفي المني الغسل وعن أم سلمة قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال نعم إذا رأت الماء متفق عليه وسواء خرج المني من يقظة أو نوم عن تفكر أو نظر أو مس أو غير ذلك
وهذا من العلم العام الذي استفاضت به السنن واجتمعت عليه الأمة والمني هو الماء الدافق إذا خرج بشهوة وماء الرجل أبيض غليظ يشبه رائحة طلع النخل ورائحة العجين ومني المرأة أصفر رقيق فإن خرج بغير دفق

وشهوة مثل أن يخرج لمرض أو إبرادة فلا غسل فيه في المسهور من نصه ومذهبه لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة وإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل رواه أحمد
وفي رواية لأحمد وأبي داود فإذا رأيت المذي فاعتبر الحذف والفضخ وهو خروجه بقوة وشدة وعجلة كما تخرج الحصاة من بين يدي الحاذف والنواة من بين مجرى الفاضح
وروى سعيد في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد وعطاء قالوا دخلت أم سليم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله المرأة ترى في منامها كما يرى الرجل أفيجب عليها الغسل قال هل تجد شهوة قالت لعله قال وهل ترى بللا قالت لعله قال فلتغتسل وهذا تفسير ما جاء من العمومات مثل قوله الماء من الماء وقوله إذا رأت المني فلتغتسل وبين أنه ليس بمني لفساده واستحالته أو وإن كان منيا لكان لفساده خرج عن حكمه لأنه خارج يوجب الغسل فإذا تغير عن صفة

الصحة والسلامة لم يوجب كدم الاستحاضة مع دم الحيض وذكر القاضي في الجامع رواية ثانية له يوجب الغسل على أي صفة خرج بشهوة أو بغير شهوة للعمومات فيه وأخذها من نصه على أن من جامع ثم اغتسل ثم أنزل فعليه الغسل مع أن ظاهر حاله أنه يخرج بغير شهوة

فصل
إذا احتلم ولم ير الماء فلا غسل عليه وإن استيقظ فرأى الماء فعليه الغسل وإن استيقظ فرأى بللا لا يعلم مني هو أم مذي فإن ذكر احتلاما لزمه الغسل سواء تقدم نومه بفكر أو مسيس أم لا لأن هناك سببا قريبا يضاف الحكم إليه وإن لم يذكر احتلاما لزمه أيضا الغسل إلا أن يتقدمه بفكر أو نظر أو لمس أو تكون به إبرادة فلا غسل عليه وعنه ما يدل على أن لا غسل عليه مطلقا لأنه يجوز أن يكون منيا وأن يكون مذيا وهو طاهر بيقين فلا تزول طهارته بالشك
والصحيح الأول لما روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال يغتسل وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة واحتج به أحمد ولأن هذا الماء لا بد لخروجه من

سبب وليس هناك سبب ظاهر إلا الاحتلام والماء الذي يخرج بالاحتلام في الغالب إنما هو المني فالحقت هذه الصورة المجهولة بالأعم الأغلب ولهذا إذا كان هناك سبب ظاهر يضاف إيه مثل لمس أو تفكير أو إبردة أضفناه إليه وجعلناه مذيا لأن الأصل عدم ما سواه ومن رأى في ثوبه الذي لا ينام فيه غيره منيا لزمه الغسل ويعيد ما صلى بعد آخر نومة نامها فيه إلا أن يعلم أنه قبلها فيعيد من آخر نومة يمكن أنه منها وإن كان الرائي لذلك صبيا لزمه الغسل إن كان سنه ممن يمكن البلوغ وهو استكمال ثنتي عشرة سنة أو عشر سنين أو تسع سنين على اختلاف الوجوه الثلاثة فأما إن وجد اثنان منيا في ثوب ناما فيه فلا غسل على واحد منهما في المشهور وكذلك كل اثنين تيقن الحدث من أحدهما لا بعينه لأن كل واحد منهما مكلف باعتبار نفسه ولم يتحقق زوال طهارته كما لو قال أحدهما إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتي طالق وقال الآخر إن لم يكن غرابا فزوجتي طالق وطار ولم يعلم ما هو كن لا يأثم أحدهما صاحبه وعنه تلزمهما جميعا الطهارة لأنهما تيقنا حدث أحدهما وليس في أمرهما بالغسل كثير مشقة فإن أحس بانتقال المني عند الشهوة فأمسك ذكره فلم يخرج وجب الغسل في المشهور من الروايتين
وفي الأخرى لا يجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا حذفت وفضخت ولم يوجد ذلك ولأنه ما لم يخرج فهو في حكم الباطن فلم يجب

بتنقله فيه طهارة كالريح المتنقلة من المعدة إلى قريب المخرج ووجه الأول أنه مني انعقد وأخذ في الدفق والخروج فأشبه ما لو خرج من الاقلف المرتتق إلى ما بين القلفة والحشفة كالمرأة إذا أنزلت ولم يخرج إلى ظاهر فرجها ولأن الانتقال مظنة الإنزا والخروج فأوجب الغسل كالتقاء الختانين وأولى منه لأن الانتقال لا يتخلف عنه الخروج بل لا بد أن يخرج بل ولا يعود إلى محله ومعنى الحديث إذا أخذت في الحذف والفضخ لأنه إذا ظهر بعد ذلك وجب الغسل إجماعا ولا حذف ولا فضخ هذا يخالف الريح المترددة فإنه لا بد من ظهوره بخلاف الريح فإنها قد تعود إلى محلها فإن قلنا لا يجب الغسل فإذا خرج لزمه الغسل سواء كان قد اغتسل أو لم يغتسل قبل البول أو بعده لأنه مني انتقل بشهوة وخرج فلا بد أن يوجب الغسل كما لو خرج عقيب الانتقال بخلاف الذي ينتقل بلا شهوة وإذا قلنا يجب الغسل فاغتسل ثم خرج منه فهو كما لو اغتسل لمني خرج بعضه ثم خرج باقيه والمشهور عنه أنه لا يوجب غسلا ثانيا حتى أن من أصحابنا من يجعله رواية واحدة لما روى سعيد عن ابن عباس أنه سئل عن الجنب يخرج منه المني بعد الغسل قال يتوضأ وكذلك ذكره الإمام أحمد عن علي ولأنه مني واحد فلا يوجب غسلين كما لو ظهر ولأن الموجب هو المني المقترن بالشهوة وهو واحد ولأن الثاني خارج عن غير شهوة فأشبه ما لو خرج لإبردة أو مرض وهذا تعليل الإمام أحمد فقال لا غسل فيه لأن الشهوة ماضية وإنما هو حدث ليس بجناية أرجو أن يجزئه الوضوء لأنه خارج من السبيل وعنه أنه يوجب الغسل ثانيا لأنه مني انتقل لشهوة

فأوجب الغسل كالأول وكما لو خرج عقيب انتقاله وعنه إن خرج قبل البول اغتسل وإن خرج بعده لم يغتسل لأن ذلك يروى عن علي وقد ضعفه الإمام أحمد ولأن ما قبل البول هو بقية المني الأول وقد انتقل بشهوة وما بعد البول يجوز أن يكون بقية الأول ويجوز أن يكون غيره خرج لإبردة أو مرض وهو الأظهر لأن البول يدفع بقايا المني لأن مخرج المني تحت مخرج البول وبينهما حاجز رقيق فينعصر مخرج المني تحت مخرج البول فيخرج ما فيه والوجوب لا يثبت بالشك وعلى هذا التعليل فلا يصح مخرج هذه الرواية إلى المنتقل فإنه لا بد من خروجه قبل البول أو بعده ويمكن تعليله بأن ما خرج قبل البول يكون انتقاله إلى الذكر بدفق وشهوة كالخارج إلى باطن القلفة بخلاف ما لم يخرج إلا بعد البول فإنه حين انتقل إلى الذكر كان بغير شهوة فأشبه الخارج عن إبردة أو مرض وقد روى عنه عكس هذه الرواية لأن ما بعد البول مني جديد بخلاف ما قبله فإنه بقية الأول فأما إن وجد سبب الخروج ولم يخرج فقسمان
أحدهما أنه يحتلم ثم ينزل بعد الانتباه فيجب عليه الغسل نص عليه لكن إن خرج لشهوة وجب حينئذ وإن خرج بغير شهوة ثبتنا وجوبه حين الاحتلام على المشهور لأنه حينئذ انتقل بعد الانتباه وسكون الشهوة وقبل الخروج كان جانبا ولم يعلم وعلى قولنا لا يجب إلا بالخروج يكون جنبا من حين خروجه

والثاني أن يجامع ولا ينزل فيغتسل ثم ينزل بعد ذلك فيجب عليه الغسل نص عليه وهو على الطريقة المشهورة لأصحابنا محمول على ما إذا وجدت شهوة بعد الوطء حين الأنزال او قبله فيكون المنى قد انتقل بها وشهوة الجماع قصرت عنه فأما إذا لم تتجدد شهوة فهو كالمني المنتقل إذا خرج بعد انتقاله على ما تقدم وتحقيق هذه الطريقة أنه قد نص في رواية أخرى في هذه أنه إن خرج قبل البول يغتسل وإلا فلا وهذا يبين أنه لا فرق عنده في المني الخارج بعد الغسل بين أن يكون جماع أو بعد إنزال وكلامه في هذه المواضع وتعليله يقتضي ذلك وهو قول جمهور أصحابنا ومنهم من أوجبه مطلقا فعلى هذا ينبغي أن يقال بتكرر الوجوب فيما إذا خرج بعد انتقاله أو بعد وطئه لأنه منى تام قد خرج وانتقل بشهوة دون ما إذا خرج بعضه ثم خرجت بقيته حيث كان الثاني جزاء من الأول وعلى هذا يكون كل واحد من الانتقال والخروج سببا كما أن كل واحد من الوطء والانزال سبب ويمكن على هذا أن يقال في المني الخارج بعد الانتباه هو الموجب لأنه لم يحبس بخلاف من أمسك ذكره فأما الوضوء من الخارج في جميع هذه الصور فلا بد منه لأنه خارج من السبيل
فصل
وأما التقاء الختانين فيوجب الغسل وهو كالإجماع لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل متفق عليه ولمسلم وإن لم ينزل

وعن أبي موسى الأشعري قال اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط فقد وجب الغسل قال فقلت أنا أشفيكم فقمت فأستأذنت على عائشة فأذنت لي فقلت لها إني أريد أن أسألك عن شيء وإني استحييك فقالت لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك قلت فما يوجب الغسل قالت عى الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اجلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختانان فقد وجب الغسل رواه أحمد ومسلم يعني رجليها وشفريها
وما روى من الرخصة في ذلك مثل ما رواه زيد بن خالد أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن فقال عثمان رضي الله عنه يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره وقال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك متفق عليه
وهذا لفظ البخاري فإنه منسوخ قال أبي بن كعب إن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص فيها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعدها رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها قال الترمذي حديث حسن صحيح

وعن محمود بن لبيد أنه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ولا ينزل قال يغتسل قال قلت فإن أبي بن كعب كان يقول غسل عليه قال زيد إن أبيا قد نزع عن ذلك قبل أن يموت رواه أحمد
وحكاه أحمد عن عثمان والصحابة المسمين معه العود إلى القول بالغسل وعن الزهري قال سألت عروة عن الذي يجامع ولا ينزل فقال حدثتني عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل وذلك قبل فتح مكة ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل رواه الدارقطني ومعنى التقاء الختانين تغيب الحشفة في الفرج سواء كانا مختونين أو ا وذلك يحصل بتحاذي الختانين لأن ختان المرأة في الجلدة التي في أعلى الفرج كعرف الديك ومحل الوطء هو مخرج الحيض والمني والولد في أسفل الفرج فإذا غابت الحشفة فيه تحاذى الختانان فيقال التقيا ولو التزق الختان بالختان من غير إيلاج فلا غسل وكذلك قال صلى الله عليه و سلم إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وكنى عن تغييب الحشفة بمس الختان الختان لأنه يحصل

معه غالبا ولو غيب الحشفة من وراء حائل وجب الغسل في أحد الوجهين وإذا قطع ذكره فأولج من الباقي بمقدار الحشفة وجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطء من التحليل والمهر وغير ذلك وإلا فلا فأما الخصي إذا جامع فقال أحمد في خصي ومجبوب جامع امرأته لا غسل عليه لأنه قد ذهب قضيبه فإن أنزل فعليه الغسل وقال أيضا إذا كان له ما يصل به وجب عليه الغسل وإلا إذا أنزل قيل امرأته قال إذا أنزلت قال أصحابنا إذا كان قد بقي من ذكره ما يصل به إلى المرأة وهو مقدار الحشفة وجب عليه الغسل وعليها بإيلاجه وإلا لم يجب إلا بالإنزال للماء وإن لم يلزمها يخلق منه الإنسان وسواء أولج في فرج ذكر أو أنثى في حيوان ناطق أو بهيمة حي أو ميت سواء في ذلك الفاعل والمفعول به لأنه وطء في فرج أصل فأشبه فرج المرأة ولأنه مظنة الإنزال وإن لم يكن يشتهى في الغالب لأن الإقدام على ما لا يشتهى غالبا دليل على قوة الشهوة وكذلك لو استدخلت المرأة ذكر ميت أو بهيمة وسواء في ذلك اليقظان والنائم والطائع والمكره لأن موجبات الطهارة لا يعتبر فيها القصد بدليل احتلام النائم وسبق الحدث ولا بد أن يكون الفرج أصليا فلو وطأ الخنثى المشكل أو وطىء في قبله فلا غسل عليهما لاحتمال أن يكون أولج بخلقة زائدة أو أولج في خلقة رائدة منه وكذلك لو أولج كل واحد من الخنثيين ذكره في قبل الآخر لكن لو وطأ ووطىء في قبله لزمه الغسل ولزم أحد الأخرين لا بعينه كما تقدم في مس الذكر ويجب الغسل على الصغير إذا جامع والصغيرة إذا جومعت بمعنى أنه لايبقى جنبا نص عليه وأنكر قول من لم يوجبه وفسره القاضي وجماعة من أصحابنا بتوقف مجزىء العبادات عليه ووجوبه إذا بلغ يوجب الغسل كما يوجب العدة ثم الصغيرة مثل الكبيرة في إيجاب العدة

فكذلك في إيجاب الغسل ولأنا نوجب أمرها بالصلاة فكذلك أمرها بالاغتسال فإنه من لوازمه ويجب الغسل من الإيلاج على العالم والجاهل فلو مكث زمانا لا يغتسل من الوطء ولم يعلم أن الغسل عليه فإنه يحتاط في الصلاة فيعيد حتى يتيقن براءة ذمته نص عليه لأن هذا مما استفاضت به الآثار فلم يعذر به الجاهل ولم يسغ فيه الخلاف نص عليه بخلاف ما قلناه في لحوم الإبل على إحدى الروايتين فإن تلك السنة ليست في الشهرة كهذه وقد قيل إنما قال هذا في العامي الذي لم يقلد ونصه بخلاف هذا وإنما وجب إعادة كل صلاة إذا شك في طهارتها لأنه قد تيقن الوجوب وشك في الأداء المجزىء فلا يجوز تمكنه من الصلاة والطواف ومس المصحف وقراءة القرآن ويجب الغسل إذا بلغ ولم يكن اغتسل ويغسل إذا مات شهيدا ولا خلاف في هذا كله

فصل
فأما الأغتسال المستحبة فهي نوعان
أحدهما ما يقصد به النظافة لأجل اجتماع الناس في الصلاة المشروع لها الاجتماع العام في مجامع المناسك وهو غسل الجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء والاغتسال للإحرام ولدخول مكة والمدينة وللوقوف بعرفه والمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار كل يوم وللطواف بالبيت وهذه تذكر إن شاء الله تعالى في موضعها
النوع الثاني ما يشرع لأسباب ماضية وهو غسل المستحاضة لكل صلاة والغسل من غسل الميت وغسل المجنون والمغمى عليه إذا أفاق من غير احتلام والغسل من الحجامة
فأما المستحاضة فيذكر في موضعه وأما الاغتسال من غسل الميت فهو مستحب في المشهور وقال القاضي في الجامع الكبير وابن عقيل لا يجب

ولا يستحب من غسل المسلم لأن الحديث لا يثبت فيه فظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك وعنه أنه يجب من غسل الميت الكافر لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر عليا أن يواري أبا طالب فواراه فلما رجع قال اغتسل رواه أحمد وغيره
وقد ذكرنا في نواقض الوضوء قوله ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه فإنه ليس بنحس وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن الذي يغسل الميت أيغتسل قال وإن كان صاحبكم نجسا وفاغتسلوا منه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الذي يغسل الميت أيغتسل فقال أنجس هو وعن عائشة قالت أأنجاس موتاكم رواهن سعيد فموجب هذا التعليل وجوبه من الكافر لأنه نجس بالموت ولا يطهر بالغسل فعلى هذا يجب الغسل على الحي من غسل الكافر قاله القاضي وقال ابن عقيل لا يجب الأول اختيار أصحابنا لما روى ابن اسحاق قال وقد كنت حفظت من كثير من علمائنا بالمدينة أن محمد بن عمرو بن حزم كان يروي عن المغيرة بن شعبة أحاديث منها أنه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من غسل ميتا فليغتسل رواه أحمد
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن وإسناده شرط مسلم

وروي من وجوه أخرى قال أبو حفص أي ما شرع لأسباب ماضية وهو من أراد حمله يتوضأ يعني للصلاة عليه وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يغتسل من أربع من الجمعة والجنابة والحجامة وغسل الميت رواه أحمد وأبو داود ولفظه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يغتسل وهو شرط مسلم وتضعيف الإمام أحمد وغيره لبعض هذه الأحاديث إما لأنه لم يبلغهم حين التضعيف إلا من وجوه ضعيفه أو بناء على قاعدة الحديث دون ما يحتج به الفقهاء كما تقدم وذهب أبو إسحاق الجوزجاني إلى وجوبه لما ذكرنا وهو معدود من أصحاب أحمد والمذهب أن الأمر فيه على الاستحباب لما تقدم عن

الصحابة هنا وفي مسألة نقض الوضوء به ولأنه لو كان واجبا مع كثرة وقوعه لنقل نقلا عاما ولم يخف على أكابر الصحابة مع أن عائشة هي ممن يروى الاغتسال منه وتفتي بعدم وجوبه وكذلك الأمر في حديث علي المتقدم هو استحباب لا سيما والروايات الصحيحة أنه أمره لمواراته دون تغسيله وتعليلهم بعدم النجاسة يفيد غسل ما يصيب الغاسل منه لو كان نجسا دون بقية البدن وأما الاغتسال من الحجامة فمستحب في إحدى الروايتين لما تقدم ولفعل علي وفي الأخرى لا يستحب واختارها القاضي وغيره لأن القياس لا يقتضيه كالرعاف والفصاد وحديثه مضعف
وأما اغتسال المجنون والمغمى عليه إذا فاقا فإن رأيا منيا وجب عليهما الاغتسال وإن لم يريا بللا أصلا ففي وجوب الاغتسال روايتان إحداهما يجب لما روت عائشة قالت ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصلي الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب قالت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب قالت ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس فقلنا ا هم ينتظرونك يا رسول الله وذكرت إرساله إلى أبي بكر متفق عليه والأصل في أفعاله الوجوب في إحدى الروايتين يؤكد ذلك في الاغتسال أنه أفتى السائل عن الإغتسال من التقاللاء الخانين بأن يفعل ذلك ويغتسل منه أفتى عامة الصحابة بقولها فعلت ذلك أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم فاغتسلنا لا سيما وقد تكرر ذلك منه مع مشقته عليه فلو لم يكن واجبا

لتركه ولأنه مظنة للجنابة غالبا فأقيم مقام الحقيقة كالنوم مع الحدث والوطء مع الإنزال قال الإمام أحمد قل ما يكون الإغماء إلا أمنى وقال قل أن يصرع إلا احتلم بل هو أولى من ذلك لأنه صلى الله عليه و سلم لا يجوز عليه الاحتلام لأنه معصوم من الشيطان ومع هذا كان يغتسل وهذا يدل على أن الاغماء سبب للغسل مع قطع النظر عن كونه مظنة الإنزال ألا ترى أنه إذا كان محفوظا في منامه من الحدث كان ينام ثم يصلي ولا يتوضأ فإذا وجب الوضوء على الأمة مع أنه لم يكن يفعله فوجوب الاغتسال الذي فعله أولى والرواية الثانية لا يجب بل يستحب لأنه زوال عقل فلم يوجب الاغتسال كالنوم ولأن الحقيقة هنا أمكن اعتبارها فإن المني يبقى في ثوبه وبدنه بخلاف الحدث في النوم فإنه لا يعلم وعلى هذه الرواية لو وجد ولم يتيقنه منيا فقيل لا يجب الغسل أيضا بخلاف النوم لأنه يمكن أن يكون من المرض المزيل للعقل وقيل يجب كالنوم لأن هذا يشرع له الاغتسال بكل حال بخلاف النائم فوجوب الاغتسال عليه يجب على النائم أولى ولهذا لو رأى المريض غير المبرود بللا حكمنا بأنه مني بخلاف صاحب الإبردة والله أعلم

مسألة
والواجب فيه النية وتعميم بدنه بالغسل مع المضمضة والاستنشاق أما النية فقد تقدم دليل وجوبها والنية المجزئة أن يقصد رفع حدث النجاسة والاغتسال لما يشترط له ذلك كما قلنا في الوضوء فإن توضأ أو اغتسل بنية الطهارة مسنونة مثل أن ينوي تجديد الوضوء أو الوضوء لقراءة القرآن أو لذكر الله أو للنوم أو للجلوس في المسجد أو يغتسل غسل الجمعة ونحوها من اغسال الصلوات والمناسك ففيه روايتان

إحداهما يجزئه كما لو تطهر لصلاة نافلة أو مس المصحف
والثانية لا يجزئه عن الواجب لأنه لا يقصد الطهارة الواجبة ولا ما وجبت له الطهارة فلم يجزئه كما لو تطهر لزيارة الصديق وقال أبو حفص العكبري وغيره إن نوى الطهارة لم يشرع له رفع الحدث كقراءة القرآن واللبث في المسجد أجزأه وإن نوى ما لا يشرع معه رفع الحدث كالتجديد وغسل الجمعة لم يجزئه

فصل
وأما تعميم بدنه بالماء أن يغسل الظاهر جميعه وما في حكمه من الباطن وهو ما يمكن إيصال الماء إليه من غير ضرر وهو ما يسن إيصال الماء إليه في الوضوء أو يغسل من النجاسة كالبشرة التي تحت الشعور الكثيفة مثل شعر الرأس واللحية ومواضع المبالغة من باطن الفم والأنف هكذا ذكر بعض أصحابنا وآخرون أوجبوا هنا ما يجب في الوضوء لأن الصائم ينهى عن المبالغة فإن بالغ دخل في المنهى وإن لم يبالغ لزم الإخلال بواجب في الغسل ولأن الصائم المتطوع لا يبالغ ولو كان واجبا لما سقط بالتطوع وهذه طريقة أبي حفص في الوضوء لقول النبي صلى الله عليه و سلم تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة احتج به الإمام أحمد في رواية حنبل وعن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من ترك موضع شعره من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار قال علي فمن ثم عاديت شعري رواه أحمد وأبو داود ولأنها طهارة

تتعلق بجميع البدن فتعلقت بكل ما يمكن كطهارة الجنب وعلى هذا يجب غسل حشفة الأقلف المنفتق إذا أمكن تشمير القلفة كما يجب تطهيرها من النجاسة بخلاف المرتتق فأما باطن فرج المرأة فنص أحمد لأنه لا يجب غسله من جناية ولا نجاسة وأقر النص على ظاهره طائفة من أصحابنا لأنه من الباطن فاشبه الحلقوم وكذلك ثبت الفطر بحصول الحشفة فيه وقال القاضي وغيره يجب غسله فيهما لأنه يمكن تطهيره من غير ضرر كحشفة الأقلف وحمل كلام أحمد على ما عمق من فرجها بحيث لا يصل الماء إليه إلا بمشقة وإذا كان على يديه أو على أعضاء الوضوء نجاسة ارتفع الحدث قبل زوالها عند ابن عقيل لأن الماء ما لم ينفصل باق على طهوريته فكذلك أثر في إزالة النجاسة فأشبه تغيره بالطاهرات وقال الأكثرون لا يرتفع الحدث الا مع طهارة المحل لأن ما قبل ذلك من الماء لاقى النجاسة وانفصل نجسا فلا يكون رافعا للحدث كغيره من المياه النجسة

مسألة
وتسن التسمية وأن يدلك بدنه بيديه ويفعل كما روت ميمونة قالت سترت التبي صلى الله عليه و سلم فاغتسل من الجنابة فبدأ فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه ثم ضرب بيده على الحائط أو الأرض ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفاض الماء على بدنه ثم تنحى فغسل رجليه
أما التسمية فقال أصحابنا هي كالتسمية في الوضوء على ما مضى وأما دلك البدن في الغسل ودلك أعضاء الوضوء فيه فيجب إذا لم يعلم

وصول الطهور إلى محله بدونه مثل باطن الشعور الكثيفة وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب لأنه روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا توضأ يدلك وعن عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسل الحيض قال تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلك دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة مسكة فتطهر بها قالت أسماء وكيف أتطهر بها فقال سبحان الله تطهرين بها فقالت عائشة رضي الله عنها تتبعين بها أثر الدم وسألته عن غسل الجنابة فقال تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء رواه أحمد ومسلم
ولأن بالتدليك يحصل الإنقاء ويتيقن التعميم الواجب فشرع كتخليل الأصابع في الوضوء ولا يجب الدلك وإمرار اليد في الغسل بخلاف أحد الوجهين في الوضوء لقوله في حديث أم سلمة إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين وكذلك ذكر لا سيما افاضة الماء على سائر الجسد ولم يذكر الدلك وإنما ذكره في الشعر لأنه به يحصل وصول الماء إلى البشرة
وقال جبير بن مطعم تذاكرنا غسل الجنابة عند رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقال أما أنا فأخذ ملء كفي ثلاثا فأصب على رأسي ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي رواه أحمد والبخاري ومسلم ولو كان الدلك واجبا لذكره ليتبين الواجب وأما الحديث الذي ذكره فهو من المتفق عليه عن ميمونة قالت وضعت للنبي صلى الله عليه و سلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه
وعن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شمال فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حثى على رأسه ثلاث حثيات ثم أفاض الماء على سائر جسده ثم غسل رجليه متفق عليه
ولمسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل كفيه ثلاثا وللبخاري يخلل بيده شعره حتى إذا رأى أن قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات

وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه متفق عليه
وجملة ذلك أن الغسل قسمان كامل ومجزىء فالمجزء هو ما تقدم وأما الكالم فهو اغتسال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يشتمل على إحدى عشرة خصلة
أولها النية
وثانيهما التسمية
وثالثهما أن يبدأ بغسل يديه ثلاثا كما في الوضوء وأوكد لأن هنا يرتفع الحدث عنهما بذلك
ورابعهما أن يغسل فرجه ويدلك يده بعده لمعنيين
أحدهما أن يزيل ما به من أذى وكذلك إن كان على يديه نجاسة أزالها قبل الاغتسال لئلا تماع بالماء ولئلا يتوقف ارتفاع الحدث على زوالها في المشهور
والثاني أنه إذا أخر غسل الفرج فإن مس انتفض وضوؤه وإن لم يمسه أخل بسنه الدلك وربما لا يتيقن وصول الماء إلى مغابنه إلا بالدلك وكذلك لا يستحب له إعادة الوضوء بعد الغسل إلا أن يكون قد مس ذكره
وخامسها أن يتوضأ ولا يكمل الاغتسال إلا بالوضوء سواء نوى رفع الحدثين أو لم ينو لما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه و سلم ولما روى سعيد بن منصور في سننه أن عمر سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن

غسل الجنابة فقال توضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاثا ثم أفض عى رأسك وسائر جسدك
ولأنه غسل يسن فيه تقديم مواضع الوضوء كغسل الميت وهذا لأن أعضاء الوضوء أولى بالطهارة من غيرها بدليل وجوب تطهيرها في الطهارتين فإذا فاتها التخصيص فلا أقل من التقديم ولذلك كان وضوء الجنب مؤثرا في نومه وأكله وجماعه وجلوسه في المسجد
وهو مخير بين أن يتوضأ وضوءا كاملا كما في حديث عائشة أو يؤخر غسل رجليه كما في حديث ميمونة وعى هذا الوجه يكفي إفاضة الماء على رأسه ودلكه من مسحه لأن ذلك كان في الوضوء ولذلك في الغسل الأفضل صفة عائشة في إحدى الروايات وإن احتيج إلى غسلهما ثانيا لكونه بمستنقع يقف الماء فيه أو غير ذلك لأن عائشة أخببرت انه كان يتوضأ كذلك وهذا إخبار عن غالب فعله وميمونة اخبرت عن غسل واحد ولأن في حديث عمر الأمر بذلك ولأنهما من أعضاء الوضوء فأشبها الوجه واليدين ولأنه غسل تقدم فيه الوضوء جميعه كغسل الميت وعنه أن صفة ميمونة أولى لأن غسالة البدن تنصب إليها فتنديهما وتلوثهما فتعين على غسلهما ولا يحتاج إلى إعادته ثانيا ويكون أقل في اراقة الماء ولذلك بدأ بأعالي البدن قبل أسافله

والثالثة هما سواء لمجيء السنة بهما
وسادسها أن يخلل أصول الشعر رأسه ولحيته بالماء قبل إفاضة الماء في حديث عائشة لأنه إذا فعل ذلك فإنه ينقي البشرة ويبل الشعر بماء يسير بعد ذلك من غير معالجة
وسابعها أن يفيض على رأسه ثلاثا حثية على شقه الأيمن وحثية على شقة الأيسر وحثية على الوسط
وثامنها أن يفيض الماء على سائر جسده ثلاثا هكذا قال أصحابنا قياسا على الرأس وإن لم ينص عليه في الحديث وهو محل نظر
وتاسعها أن يبدأ بشقه الأيمن لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعجبه التيامن في طهوره
وعاشرها أن يدلك بدنه بيديه كما تقدم
وحادي عشرها أن ينتقل من مكانه فيغسل قدميه كما في حديث ميمونة وإذا توضأ أولا لم يجب أن يغسل أعضاء الوضوء مرة ثانية في أثناء الغسل بل الواجب عليه غسل بقية البدن لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يتمضمض ويستنشق إلا في ضمن الوضوء ولذلك غسل الوجه واليدين لم يذكر أنه فعله إلا في ضمن وضوئه وهذا على قولنا يرتفع الحدثان بالاغتسال ظاهر وأما على قولنا لا بد من الوضوء فكذلك على معنى ما ذكره أحمد وغيره لأن المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين مرة في الوضوء ومرة في أثناء تمام الغسل غير واجب قطعا وكلام بعض أصحابنا يقتضي إيجاب ذلك على هذه الرواية وهو ضعيف وإن كان متوجها في القياس بل الصواب أنه لا يستحب على الروايتين

مسألة
ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله أما ترويه أصول الشعر وإيصال الماء إلى بشرته فيجب كما تقدم وكذلك يجب غسل ظاهره وأثنائه والمسترسل منه وما ثبت في الجسد سواء كان مظفورا أو مجدولا في المشهور من المذهب وقيل لا يجب غسل المسترسل منه وشعر الجسد وإنما يجب غسل ما لم يتم غسل البشرة إلا به لأن الشعر ليس من اجزاء الحيوان وقيل إنما يسقط غسل أثناء المسترسل إذا كان مظفورا لأنه لا يجب نقضه والأول هو المذهب المعروف لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال فبلوا الشعر وقد احتج به الإمام أحمد ولأنه إذا وجب غسل البشرة الباطنة فغسل الشعر أولى ولأنه يجب تطهيره من النجاسة فكذلك من الجنابة كغيره فعلى هذا لا تنقضه في غسل الجنابة إذا وصل الماء إلى أثنائه وتنقضه في غسل الحيض قال مهنا سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها إذا اغتسلت من الجنابة فقال لا فقلت له في هذا شيء قال نعم حديث أم سلمة قلت تنقض شعرها من الحيض قال نعم فقلت له وكيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة فقال حديث زسماء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تنقضه
أما الأول فلما روى عبيد بن عمير قال بلغ عائشة أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رؤوسهن فقالت يا عجبا لابن عمر هو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أو يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن

لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات رواه أحمد ومسلم ولغير ذلك من الأحاديث والرجل في ذلك كالمرأة فإذا كان الشعر خفيفا أو كان عليه سدر رقيق كفاه أن يصب الماء على رأسه ويعصر في أثر كل صبة بحيث يرى أن قد وصل الماء إلى باطن الشعر وإن كان كثيفا محكما أو عليه سدر ثخين أو حشو يمنع وصول الماء أزال ذلك
وأما الحيض فهل نقض الشعر فيه واجب أو مستحب على وجهين أحدهما يجب لما ذكره الإمام أحمد في حديث أسماء أنه قال تنقضه وإن لم تكن هذه اللفظة فيه والسياق الذي ذكرناه في المسألة قبل هذه لكن فيه ذكر السدر والسدر إنما يستعمل مع نقض وقد احتج بعض أصحابنا لذلك بأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر عائشة لما أخبرت أنها حائض فقال انقضي رأسك وامتشطي متفق عليه
وفي لفظ انقضي شعرك واغتسلي وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بالخطمي والأشنان وإذا اغتسلت من الجنابة تصب الماء على رأسها صبا وغسلته رواه ابن شاهين

ولأن الحيض لا يتكرر فلا يشق إيجاب نقضه بخلاف اجنابة والوجه الثاني لا يجب بل يستحب لما روت أم سلمة قالت قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ظفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة قال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثايات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين رواه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وفي رواية لمسلم أفانقضه للحيضة وللجنابة وفي لفظ لأبي داود واغمزي قرونك عند كل حفنه وحملوا النقض على الاستحباب كالسدر والطيب فإنه يستحب في كل غسل الحيض اسحبابا مؤكدا حتى قال أحمد وإن كانت قد اغتسلت بالماء ثم وجدت السدر أحب إلي أن تعود إلى السدر
وقال في الطيب تمسك في القطنة شبا من طيب يقطع عنها رائحة الدم وزفرته
وقال القاضي فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالطين فإن لم تجد فالماء شاف كاف وذلك لما تقدم من حديث الفرصة قال ابراهيم الحربي الفرصة قطعة قطن أو صوف تمس بشيء من طيب وتدخلها المرأة فرجها لتطيب بذلك مخرج الدم وهذا لأن الحيض لما طالت مدته وحصل فيه وسخ وأذى شرع فيه ما يحصل النظافة التامة ولهذا لما سئل أحمد عن النفساء والحائض كم مرة يغتسلان قال كما يغسل الميت قال القاضي ومعنى هذا إنه يجب مرة ويستحب ثلاثا ويكون فيه السدر والطيب كما في غسل الميت

مسألة
وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأه عن جميعها وإذا نوى بعضها فليس له إلا ما نوى أما المسألة الأولى فظاهر المذهب أنه إذا اغتسل غسلا نوى به الطهارتين الصغرى والكبرى أجزأه وإن لم يتوضأ أو توضأ وضوءا هو بعض الغسل ولم يعد غسل أعضاء الوضوء وإذا نوى الأكبر فقط بقي عليه الأصغر وإن نوى بوضوئه الأصغر فقط بقي عليه الأكبر سواء وجد سبب يختص بالأصغر أو كان سببه سبب الأكبر مثل أن ينظر أو يتفكر فيمني أو يجامع من وراء حائل وينزل أولا ينزل على أحد الوجهين وعنه أنه لا يرتفع الأصغر إلا بوضوء مع الغسل بفعله قبل الغسل أو بعده حتى فيما إذا اتحد السبب مثل أن ينظر فيمني وعلى هذه الرواية هل تجب إعادة أعضاء الوضوء على ما تقدم لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ قبل الغسل وفعله يفسر قوله وإن كنتم جنبا فاطهروا ولأنهما عبادتان مختلفتا الصفة والقدر والفروض فلم يتداخلا كالطهارة الكبرى والصغرى وقال أبو بكر يتداخلان في القدر المشترك بينهما وعليه أن يأتي بخصائص الوضوء وهي الترتيب والموالاة ومسح الرأس على إحدى الروايتين فعلى قوله إذا غسل وجهه ثم يديه ثم مسح رأسه حتى أفاض عليه الماء ثم غسل رجليه بعد ذلك أجزأه ولم يحتج أن يعيد غسل هذه الأعضاء وبكل حال فإذا توضأ قبل غسله كره له إعادة وضوءه بعد غسله إلا أن ينقض وضوءه لمس فرجه أو غير ذلك والأول أصح لأن الله تعالى قال وإن كنتم جنبا فاطهروا وفسر التطهير بالاغتسال في الآية الأخرى ولا يقال النهي

هنا عن قربان مواضع الصلاة وذلك يزول بالاغتسال لأنا نقو هو النهي عن الصلاة وعن مسجدها ولا يجوز حمله على المسجد فقط لأن سبب نزول الآية صلاة من صلى بهم وخلط في القراءة وسبب النزول يجب أن يكون داخلا في الكلام ولأنه أباح القربان للمسافر إذا تيمم والمساجد في الغالب إنما تكون في الأمصار ولا مسافر هناك وكذلك المريض في الغالب لا يمكنه قربان المسجد ولا يحتاج إليه ولأن الصلاة هي الأفعال نفسها فلا يجوز إخراجها من الكلام فإما أن يكون النهي عنها أو عن الصلاة فقط ويكون قوله إلا عابري سبيل استثناء منقطعا وهذا أحسن إن شاء الله كما في قوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وقوله ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المني الغسل وقال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ولم يذكر الوضوء وسئل جابر بن عبد الله أيتوضأ الجنب بعد ما يغتسل قال يكفيه الغسل وقال عبد الله بن عمر إذا لم يتوضأ الجنب أجزأه الغسل ما لم يمس فرجه رواهما سعيد ولأن الغسل الذي وصفته ميمونة ليس فيه مسح رأسه ولاغسل رجليه مرتين وإنما فعل ذلك مرة واحدة مكملة لغسله مع أن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يتوضأ بعد الغسل رواه الخمسة

أما المسألة الثانية وهي إذا تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه فإنه يجزىء عن جميعها في المشهور وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح فعل الصلاة مع قيام مانعها فلا يستبيح فعل الفرض بنية النفل ولأنه اذا اغتسل لأحد الحدثين لم يرتفع الاخر فأن لا يجزىء التيمم لأحدهما عن الآخر أولى وأحرى وإذا اجتمعت عليه أحداث كبرى مثل أن يجامع ويحتلم أو تكون المرأة حائضا جنبا أو صغرى مثل أن ينام ويخرج منه نجاسات ويمس النساء فنوى بطهارته عن جميعها أجزأة وإن نوى بطهارته عن إحداها ارتفعت جميعها عند القاضي وغيره لأنها أحداث توجب طهارة من نوع واحد فكفت النية عن أحدها كما لو تكرر منه الحدث من جنس واحد ونوى عن شيء منه وقال أبو بكر لا يرتفع إلا ما نواه إذا لم يدخل الأصغر في الأكبر بدون النية فالنظير مع النظير أولى مع الظاهر من قوله إنما لكل امرىء ما نوى وقيل إن كان حكم الحدثين واحدا كالبول مع النوم والوطء مع الإنزال تداخلا وإن كان مختلفا كالحيض مع الجنابة لم يتداخلا وإذا تيمم لبعض الأحداث من جنس واحد فعلى قول أبي بكر لا يجزئه إلا عما نواه كالماء وأولى وعلى قول القاضي فيها وجهان
أحدهما لا يجزئه أيضا لأن التيمم مسح فلم يبح ما لم ينو
والثاني يجزئه كالماء لأن نية التطهير في التيمم تغني عن نية نظيرة ولو تيمم لفرض استباح فرضا آخر ولو تيمم لنفل استباح نفلا آخر لأن ممنوعات أحد الحدثين هي ممنوعات الحدث الآخر بعينة بخلاف الحدث والجنابة

فصل
وقد تضمن هذا الكلام جواز التيمم للجنابة كما يجوز للحدث لقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا إلى آخر الآية وعن عمران بن حصين قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال ما منعك أن تصلي قال أصابتني جناية ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك متفق عليه
وحديث عمار بن ياسر وعمرو بن العاص وأبي ذر وغيرهم يدل على ذلك وهي في باب التيمم لكن يكره لمن لم يجد الماء أن يطأ زوجته ما لم يخش العنت في إحدى الروايتين لما فيه من إزالة طهارة يمكن إبقاؤها والتعرض لإصابة النجاسة وحملا لما جاء من الرخصة على من يخشى العنت وفي الاخرى لا يكره لأنه مظنة الحاجة في الجملة ولما فيه من الأثر وقد تضمن أيضا جواز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عدم ما يزيلها وخشي الضرر بإزالتها كما لو تيمم للحدث وهذا ظاهر المذهب المنصوص فإن صلى بغير تيمم لم يجزئه قال ابن ابي موسى لا يتيمم النجاسة كما لا يتيمم لنجاسة الثوب ونجاسة الاستحاضة وسلس البول ولأن طهارة الجنب بالماء لا تتعدى محلها فأن لا تتعدى طهارة التراب محله أولى ولأن طهارة التراب تعبد قد عجز عن إزالتها وعن التيمم لها وفيه روايتان ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته وهذا يعم طهارتي الحدث والجنب المتعلقة بالبدن دون الثوب لقوله فليمسه بشرته ولأنه محل من البدن يجب تطهيره بالماء مع القدرة عليه فوجب بالتراب عند العجز كمواضع الحدث

وبدن الميت وهذا لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح فعل الصلاة معه فكذلك التيمم عن الجنب والمستحاضة يجب عليها غسل النجاسة لكل صلاة كما يجب عليها الوضوء لكل صلاة من غير تيمم في الموضعين وعلى هذا إن كانت النجاسة علي جرح لم يجب تطهيره من الحدث تيمم لها خاصة إن كانت على محل الحدث وهي غير معفو عنها يتيمم عن الحدث والجنب ويجزئه تيمم واحد كما ذكر الشيخ في أصح الوجهين كما يجزئه عن الحدثين وكما تتداخل طهارتا الحدث والجنب في الماء وفي الآخر لا يجزئه لأنهما من جنسين ولا إعادة عليه في المشهور من الروايتين لأنه شرط عجز عنه فأشبه ما لو عجز عن التوضئ لمرض وإن عجز عن إزالتها لعدم الماء فقال أبو الخطاب يعيدها لأنه عذر نادر وغيره متصل فأشبه ما لو لم يجد ترابا تيمم به عنها بخلاف نجاسة الجرح فإنها تعم بها البلوى وتطول مدتها والمنصوص المشهور أنه لا إعادة عليه كالتيمم عن الحدث ونجاسة الجرح وهذا بناء على وجوب الإعادة على من عجز عن إزالة النجاسة وعن التيمم لها وهو الرواتين فإذا لم نوجب الإعادة هناك فهاهنا أولى ويجب عليه أن يخفف النجاسة بما أمكنه من مسح أو حك أو نحو ذلك قبل التيمم لأنه المستطاع وتعتبر النية في أصح الوجهين وإن لم تعتبر في مبدله وفي الآخر لا تعتبر له النية كما لا تعتبر لإزالة النجاسة وليس بشيء
فصل يحرم على المحدث الصلاة والطواف ومس المصحف فأما الصلاة فيحرم عليه فرضها ونفلها والسجود المجرد كسجود التلاوة والقيام المجرد وهو صلاة الجنازة ولا يصح منه سواء كان عالما بحدثه أو جاهلا به هذا إذا كان قادرا على الطهارة فأما العاجز فيذكر إن شاء الله تعالى في التيمم لما روى

أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ متفق عليه
وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول رواه الجماعة إلا البخاري وأما الطواف فهو محرم عليه أيضا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنما الطواف بالبيت صلاة فإذا طفتم فأقلوا الكلام رواه أحمد والنسائي
لكن إذا خالف وطاف محدثا فهل يصح طوافه على روايتين أصحهما أنه لا يصح وأما المصحف فإنه لا يمس منه موضع الكتابة ولا حاشيته ولا

الجلد أو الدف أو الورق الأبيض المتصل به لا ببطن الكف ولا بظهره ولا شيء من جسده لأن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر رواه مالك والأثرم والدارقطني وغيرهم
وهو كتاب مشهور عند أهل العلم وقال مصعب بن سعد كنت أمسك المصحف على عهد سعد بن أبي وقاص فاحتككت فقال لعلك مسست ذكرك فقلت نعم فقال قم فتوضأ رواه مالك
وذكر الإمام أحمد عن ابن عمر أنه قال لا تمس المصحف إلا على

طهارة وعن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا مع سلمان فخرج فقضى حاجته ثم جاء فقلت يا أبا عبد الله لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات قال إني لست أمسه لا يمسه إلا المطهرون رواه الأثرم والدارقطني وكذلك جاء عن خلق من التابعين من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن ذلك كان معروفا بينهم وقد احتج كثير من أصاحبنا على ذلك بقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون كما ذكرنا عن سلمان وبنوا ذلك على أن الكتاب هو المصحف بعينه وأن قوله لا يمسه صيغة خبر في معنى الأمر لئلا يقع الخبر بخلاف مخبره وردوا قول من حمله على الملائكة فإنهم جميعهم مطهرون وإنما يمسه ويطلع عليه بعضهم
والصحيح اللوح المحفوظ الذي في السماء مراد من هذه الآية وكذلك الملائكة مرادون من قوله المهطرون لوجوه
أحدهما إن هذا تفسير جماهير السلف من الصحابة ومن بعدهم حتى الفقهاء الذين قالوا لا يمس القرآن إلا طاهر من أئمة المذاهب صرحوا بذلك وشبهوا هذه الآية بقوله كلا إنها تذكرة فمن شآء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة
وثانيها أنه أخبر أن القرآن جميعه في كتاب وحين نزلت هذه الآية لم يكن نزل إلا بعض المكي منه ولم يجمع جميعه في المصحف إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم

وثالثها أنه قال في كتاب مكنون والمكنون المصون المحرر الذي لا تناله أيدي المضلين فهذه صفة اللوح المحفوظ
ورابعها أن قوله لا يمسه إلا المطهرون صفة للكتاب ولو كان معناها الأمر لم يصح الوصف بها وإنما يوصف بالجملة الخبرية
وخامسها أنه لو كان معنى الكلام الأمر لقيل فلا يمسه لتوسط الأمر بما قبله
وسادسها أنه لو قال المطهرون وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل المتطهرون
كما قال تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين
وقال تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
وسابعها أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه وذلك بالأمر الذي قد ثبت واستقر أبلغ منه بما يحدث ويكون نعم الوجه في هذا والله أعلم أن القرآن الذي في اللوح المحفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينة سواء كان المحل ورقا أو أديما أو حجرا أو لحافا فإذا كان من حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك لأن حرمته كحرمته أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن سواء كان في السماء أو الأرض وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وكذلك قوله تعالى في صحف مكرمة

مرفوعة مطهرة فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها وكذلك لا يجوز أن يمس بعضو عليه نجاسة ولو غسل المتوضىء بعض أعضائه لم يجز له مسها حتى يكمل طهارته ولو كانت النجاسة على عضو جاز مسه بغيره لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها ويجوز بالتيمم حيث يشرع كما يجوز بالتوضؤ فأما إن حملة بعلاقته أو بحائل له منفصل منه لا يتبعه في الوصية والإقرار وغيرهما كغلافه أو حائل مانع للحامل كحمله في كمة من غير مس أو على رأسه أو في ثوبه أو تصفحه بعود أو مسه به جاز في ظاهر المذهب وعنه لا يجوز لأنه إنما منع من مسه تعظيما لحرمته واذا تمكن من ذلك بحائل زال التعظيم وحكى بعض أصحابنا رواية أنه إنما يحرم مسه بكمة وما يتصل به لأن كمه وثيابه متصلة به عادة فأشبهت أعضاءه بخلاف العود والغلاف وحكى الآمدي رواية يجوز حملة بعلاقته وفي غلافه دون تصفحه بكمه أو عود ولنا أنه لم يمسه فيبقى على أصل الإباحة لا سيما ومفهوم قوله صلى الله عليه و سلم لا يمس القرآن إلا طاهر جواز ما سوى المباشرة وليس المس من وراء حائل كالمباشرة بدليل نقض الوضوء وانتشار حرمة المصاهر به والفدية في الحج وغير ذلك والعلاقة وإن اتصلت به فليست منه إنما يراد لتعليقه وهو مقصود زائد على مقصود المصحف بخلاف الجلد فإنه يراد لحفظ ورق المصحف وصونه وتجوز كتابته من غير مس الصحيفة كتصفحه بعود ولأن الصحابة استكتبوا أهل الحيرة المصاحف وقيل لا يجوز الكتابة وإن أجزنا تقليبه بالعود وقيل يجوز للمحدث دون الجنب كالتلاوة
وما فيه شيء من القرآن حكمه حكم المصحف إن كان مفردا فإن كتب مع القرآن غيره فالحكم للأغلب فيجوز مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن في المشهور عنه لأنها ليست مصحفا

وقد كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى أهل الكتاب بكتاب فيه قرآن وكان يكتب في صدر كتبه إلى أهل النواحي بسم الله الرحمن الرحيم ولأن ما فيها من القرآن لا يثبت لها حرمة المصحف بدليل جواز بيعها وشرائها وعموم الحاجة إلى مسها ويجوز مس ما كتب فيه المنسوخ والتوراة والإنجيل في المشهور من الوجهين وكذلك مس ما فيه الأحاديث المأثورة عن الله تعالى أن ذلك ليس هو القرآن وفي مس الدراهم المكتوب عليها القرآن روايتان وفي مس الصبيان ألواحهم المكتوب فيها القرآن وجهان وقيل روايتان ووجه الرخصة عموم الحاجة إلى ذلك ولا يجوز تمليكه من كافر ولا السفر به إلى بلادهم لما روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو رواه أحمد ومسلم ولو ملك الذمي مصحفا بالإرث ألزم بإزالة ملكه عنه لأنهم يتدينون بانتهاكه وانتقاص حرمته
فصل
ويحرم على الجنب ما يحرم على المحدث وهو في ذلك أشد لأن الصلاة تحرم عليه لأنها صلاة ولأن فيها قراءة وكذلك الطواف يحرم عليه لأنه صلاة ولأنه يحتاج إلى المكث في المسجد الحرام وكذلك مس المصحف ويحرم أيضا عليه قراءة القرآن لما روي عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحجبه وربما قال لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح

ويجوز بعض الآية في إحدى الروايتين اختارها القاضي وغيره لأنه لا يجزىء في الخطبة ولا يحصل به إعجاز فأشبه البسملة والحمد له والثانية لا يجوز وهي أقوى لقول علي إقرأوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابه جنابة فلا ولا حرفا واحدا رواه الدارقطني واسحاق بن راهويه
وقال علي اعلم بها حيث روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقرأ على كل حال إلا الجنابة والحرف من القرآن فهو أعلم بما يرويه
وقال ابن عباس الجنب والحائض يذكر ان الله ولا يقرآن من القرآن شيئا قيل ولا ية قال ولا نصف اية رواه حرب ولأن بعض الآية كالآية في منع المحدث من مس كتابتها فكذلك في منع الجنب من تلاوتها وأما ذكر الله سبحانه ودعاؤه ونحو ذلك فهو جائز لأن عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل أحيانه رواه الخمسة إلا النسائي وأخرجه البخاري تعليقا
ولأن المنع إنما جاء في القرآن وغيره من ذكر الله لا يساويه في الحرمة بدليل أنه لا يمنع المحدث من مس صحيفته ولا تصح الصلاة به إلا عند العجز عن القرآن وإن التلاوة أفضل من الذكر وغير ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهو من القرآن سبحان الله

والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقال فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله عى خلقه وقال ما تقرب العباد إلى الله بأفضل مما خرج منه فعلى هذا يجوز من الكلام ما يوافق نظمه نظم القرآن إذا لم يقصد به تلاوة القرآن وإن بلغ آية كقول الآكل والمتوضىء بسم الله الرحمن الرحيم وقول الشاكر الحمد لله رب العالمين وقول المستغفر ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا الآية
لأن هذا الكلام قد يقصد به القرآن ويقصد به غيره وإن اتفقت ألفاظها ومتى كان شيئا يتميز به القرآن عن غيره فقد قيل لا يجوز قراءته بكل حال لأنه لا يكون إلا قرآنا وقيل يجوز إذا قصد به معنى عين التلاوة لأن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى الروم في رسالة يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا الآية لأنه قصد بها التبليغ لا القراءة والتلاوة
ويحرم عليه اللبث في المسجد بغير وضوء فأما العبور فيه فلا بأس لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا أحل

المسجد لحائض ولا جنب رواه أبو داود وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض رواه ابن ماجة ولأن المسجد منزل الملائكة لما فيه من الذكر والملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا جنب ولا تمثال كذلك رواه علي عن النبي صلى الله عليه و سلم أخرجه مسلم وغيره ففي لبث الجنب في المسجد ايذاء للملائكة فأما المرور فيجوز لما روت عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ناوليني الخمرة من المسجد فقلت إني حائض فقال إن حيضتك ليست في يدك رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وقالت ميمونة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض رواه أحمد والنسائي

وقال جابر بن عبد الله كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا رواه سعيد في سننه وقال زيد بن أسلم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشون في المسجد وهم جنب رواه ابن المنذر
وقد احتج أصحابنا على هذه المسألة بقوله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل لأن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما فسروا ذلك بعبور الجنب في المسجد قال جماعة من أصحابنا وغيرهم يكون المراد بالصلاة مواضع الصلاة كما قال تعالى لهدمت صوامع وبيع صلوات وقد فسرها آخرون بأن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم لأن الصلاة هي الأفعال أنفسها القول على ظاهره ضعيف لأن المسافر قد ذكر في تمام الآية فيكون تكريرا ولأن المسافر لا تجوز له صلاة مع الجنابة إلا في حال عدم الماء وليس في قوله إلا عابري سبيل معترض كذلك ولأنه كما تجوز الصلاة مع الجنابة للمسافر فكذلك للمريض ولم يستثن كما استثني المسافر فلو قصد ذلك ليبين كما بين في آخر الآية المريض والمسافر إذا لم يجد الماء ولأن في حمل الاية على ذلك لزوم التخصيص في قوله تعالى عابري سبيل ويكون المخصوص أكثر من الباقي فإن واجد الماء أكثر من عادمه ولا قوله إلا جنبا لاستثناء المريض أيضا وفيه تخصيص أحد السببين بالذكر مع استوائهما في الحكم ولأن عبور السبيل حقيقته المرور والاجتياز

والمسافر قد يكون لابثا وماشيا فلو أريد المسافر لقيل إلا من سبيل كما في الآيات التي عني بها المسافرين والتوجيه المذكور عن أصحابنا على ظاهره ضعيف أيضا لما تقدم من أن الآية نزلت في قوم صلوا بعد شرب الخمر ولم يكن ذلك في المسجد وإنما كان في بيت رجل من الأنصار ولأنه جوز القربان للمريض والمسافر إذا عدم الماء بشرط التيمم وهذا لا يكون في المساجد غالبا وإنما الوجه في ذلك أن تكون الآية عامة في قربان الصلاة ومواضعها واستثنى من ذلك عبور السبيل وإنما يكون في موضعها خاصة وهذا إنما فيه حمل الفظ على حقيقته ومجازه وذلك جائز عندنا على الصحيح وعلى هذا فتكون الآية دالة على منع اللبث أو تكون الصلاة هي الأفعال ويكون قوله إلا عابي لاسبيل اللاستثناء منقطعا ويدل ذلك على منع اللبث اللبث لأن تخصيص العبور بالذكر يوجب اختصاصه بالحكم ولأنه مستثنى من كلام في حكم النفي كأنه قال لا تقربوا الصلاة ولا مواضعها إلا عابري سبيل وإذا توضأ الجنب جاز له اللبث لما روى أبو نعيم ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وقال عطاء بن يسار رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يجلسون في المسجد وهو مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة رواه سعيد وهذا لأن الوضوء يرفع الحدثين عن أعضاء الوضوء ويرفع حكم الحدث الأصغر عن سائر البدن فيقارب من عليه الحدث الأصغر فقط ولهذا أمر الجنب إذا أراد النوم والأكل بالوضوء ولولا ذلك لكان مجرد عبث يبين ذلك أنه قد جاء في نهي الجنب أن ينام قبل أن

يتوضأ أن لا يموت فلا تشهد الملائكة جنازته فهذا يدل على أنه إذا توضأ شهدت جنازته ودخلت المكان الذي هو فيه ونهى الجنب عن المسجد لئلا يؤذي الملائكة بالخروج فإذا توضأ أمكن دخول الملائكة المسجد فزال المحذور وهذا العبور إنما يجوز إذا كان لحاجه وغرض وإن لم يكن ضروريا فأما لمجرد العبث فلا فإن اضطر إلى اللبث في المسجد أو إلى الدخول ابتداء أو اللبث فيه لخوف على نفسه وماله جاز ذلك ولزمه التيمم في أحد الوجهين كما يلزم إذا لبث فيه لغير ضرورة وقد عدم الماء والمنصوص عنه أنه لا يلزمه لأنه ملجأ إلى اللبث والمقام غير قاصد له فيكون في حكم العابر المجتاز كامسافر لو حبسه عدو أو سلطان كان فيي حكم المجتاز في رخص السفر ولهذا لو دخل المسجد بنية اللبث أثم وإن لم يلبث اعتبارا بقصد اللبث كما يعتبر قصد الإقامة ولا يكره للجنب أن يحتجم أو يأخذ من شعره أو ظفره أو يختضب نص عليه وكذلك الحائض لأن هذا نظافة فأشبه الوضوء ولا يقال إن الجنابة تبقى على الشعر والظفر لأن حكم الجنابة إنما ثبت لهما ما داما متصلين بالإنسان فإذا انفصلا لحقا بالجمادات

فصل
فأما قراءة القرآن وذكر الله تبارك وتعالى فيجوز للمحدث لحديث عائشة المتقدم ولأن ابن عباس أخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما قام الليل قرأ العشر الآيات الآواخر من سورة آل عمران قبل أن يتوضأ

وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج من الخلاء فأتي بطعام فذكر له الوضوء فقال ما أردت صلاة فأتوضأ رواه أحمد ومسلم
وفي رواية إنما أمرت بالوضوء إذا أقيمت الصلاة رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي لكن يستحب له الوضوء كذلك لما روى المهاجر ابن قنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة
وعن أبى جهيم بن الحارث قال أقبل النبي صلى الله عليه و سلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام متفق عليه
وكذلك يستحب الوضوء لكل صلاة في المشهور من الروايتين وفي الأخرى لا فضل فيه كما لو توضأ مرارا ولم يصل بينهما ولأن الوضوء إنما يراد لرفع الحدث فإذا لم يكن محدثا لم يستحب له بخلاف الغسل فإنه

يشرع للتنظيف والصحيح الأول ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء سواك رواه أحمد باسناد صحيح
وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ عند كل صلاة قيل له فأنتم كيف كنتم تصنعون قال كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث رواه الجماعة إلا مسلما وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفيه لين وكان عبد الله بن عمر يتوضأ لكل صلاة طاهرا وغير طاهر رواه أحمد وأبو داود ولأن قوله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا أمر لكل قائم طاهر أو غير طاهر لكن فسرت السنة أن الأمر في حق غير المحدث ليس للإيجاب فيبقى الندب ويستحب الوضوء لمن يريد المنام لما روى البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن متفق عليه

فإن كان جنبا كان الاستحباب في حقه أوكد بحيث يكره له ترك الوضوء كراهة شديدة والمشهور أنه يسن له أن يغسل فرجه ويتوضأ وفي كلامه ظاهره وجوب ذلك لما روى ابن عمر أن عمر قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ رواه الجماعة وعن أبى سلمة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة رواه الجماعة إلا الترمذي وأما ما رواه أبو اسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه الخمسة إلا النسائي فقال أحمد ليس بصحيح وكذلك ضعفه يزيد بن هارون والترمذي وغيرهما وإن كان محفوظا معناه والله أعلم لا يمس ماء الاغتسال أرادت أن

تبين أنه لم يكن يغتسل قبل النوم كما جاء عنها في رواية سعد بن هشام والمرأة كالرجل في ذلك إذا أصابتها الجنابة وعنه إنه لم يرد ذلك على النساء ورآه على الرجال لأن عائشة أخبرت عنه بالوضوء ولم تذكر أنها كانت تفعل ذلك ولا أنه أمرها مع اشتراكهما في الجنابة ولأن المرأة تمكث مدة حائضا لا يشرع لها وضوء فمكثها جنبا أخف وكذلك يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يجامع ثانيا أو يأكل أو يشرب لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ رواه الجماعة إلا البخاري
وروى ابراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان جنبا وأراد أن يأكل أو يشرب أو ينام توضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد وأبو داود والنسائي وعن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث

حسن صحيح وفي رواية لأحمد وأبي داود أن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب
ويكره له تركه هنا كتركه للنوم عند القاضي لحديث عمار هذا والمنصوص أنه لا يكره لكن يكفيه أن يغسل يديه وفمه للأكل وأما الجماع فلا يحتاج فيه إلى ماء ولو ترك غسل اليدين والفم عند الأكل والشرب لم يكره على ظاهر كلامه لما روى أبو سلمة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل ويشرب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب رواه أحمد والنسائي وليس فيه غسل الفم فالظاهر أنه بلغ أحمد من وجه آخر وعن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كانت له حاجة إلى أهله أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء رواه أحمد ومن أصحابنا من يجعل المسألة في الأكل والشرب على روايتين إحداهما استحباب الوضوء والثانية استحباب غسل اليدين والمضمضة والصحيح ما ذكرناه أن الوضوء كمال السنة وأن الاقتصار على غسل اليدين أدنى السنة وأما المرأة فالمنصوص أنها كالرجل فيما يشرع لها عند الأكل والشرب من وضوء أو غسل اليد والفم وأما عند معاودة الرجل لها فالأشبه أنه كالنوم
فصل
والواجب في الغسل الأسباغ كالوضوء لكن يستحب أن لا ينقص في

غسله من صاع ولا في وضوئه من مد لما روى سفينة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد رواه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي وصححه وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد متفق عليه
وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يجزىء في الغسل الصاع ومن الوضوء المد رواه أحمد والأثرم ولو أسبغ بدون ذلك جاز من غير كراهة إذا أتى بالغسل ولم يقتصر عى مجرد المسح كالدهن لظاهر القرآن وحديث أم سلمة وجبير بن مطعم وأسماء فإنه علق الإجزاء بالإفاضة من غير تقدير وعن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه و سلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك رواه مسلم
وعنها أيضا قالت لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا فإذا بتور موضوع مثل الصاع أو دونه فنشرع فيه جميعا فأفيض بيدي على رأسي ثلاث مرات وما انقض لي شعرا رواه النسائي
وقال عبد الرحمن بن عطاء سمعت سعيد بن المسيب يقول إن لي

ركوة أو قال قدحا ما تسع إلا نصف المد أو نحوه ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلا قال عبد الرحمن فذكرت ذلك لسليمان بن يسار فقال وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبد الرحمن فذكرت ذلك أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه الأثرم وقال ابراهيم النخعي كانوا أشد استبقاء للماء منكم وكانوا يرون أن ربع المد يجزىء من الوضوء رواه سعيد وإن زاد على ذلك زيادة يسيره جاز فأما السرف فمكروه جدا كما تقدم في الوضوء والصاع هنا كصاع الطعام المذكور في الكفارات والصدقات وهي خمسة أرطال وثلث بالعراقي في المشهور عنه وقد روي عنه ما يدل على أن صاع الماء ثمانية أرطال والمد رطلان وهو اختيار القاضي في الخلاف وغيره لأن أنسا قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بإناء يكون رطلين ويغتسل بالصاع رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يجزىء في الوضوء رطلان من ماء وهذا يفسر روايته المتفق عليها كان يتوضأ بالمد وعن عائشة قالت كنت اغتسل أنا والنبي صلى الله عليه و سلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق متفق عليه والفرق ستة عشر رطلا بالعراقي

فصل
ينبغي للمغتسل الغسل الواجب والمستحب وغيرهما التستر ما أمكنه لأن الله حيي ستير يحب الحياء والستر ثم لا يخلو إما أن يكون بحضرته أحد من الآدميين أولا فإن كان هناك أحد وجب عليه أن يستر عورته منه لقوله سبحانه قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وروى بهز ابن حكيم بن معاوية بن حيده القشيري عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت فإذا كان القوم أحدنا خاليا قال فالله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه رواه الخمسة إلا النسائي
وذكره البخاري تعليقا وهذا يعم حفظها من النظر والمس فقال لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت وقال لا تمشوا عراة

رواه مسلم
وقد تقدم حديث الذين يضربان الغائط ونهى عن دخول الحمام إلا بالأزر وإن لم يكن بحضرته أحد فينبغي أن يستتر بسقف أو حائط أو دابة أو غير ذلك وأن يأتزر كما أن يستتر عند الخلاء والجماع وأن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض وأوكد لأن اله أحق أن يستحي منه الناس فيأتي من الستر بقدر ما يمكنه وقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يستتر عند الغسل
وقال أبو موسى الأشعري إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري حياء من ربي عز و جل رواه ابراهيم الحربي فإن اغتسل في فضاء ولا إزار عليه كره له ذلك لما روى يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فقال إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر رواه أبو داود والنسائي
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقوكم إلا عند

الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فلستتر بثوبه أو بجذم حائط رواه ابراهيم الحربي ورواه ابن بطة من حديث ابن عمر وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد وقيل لا يكره كما لو استتر بحائط أو سقف ونحوه فإنه يجوز أن يتجرد لأن به حاجة إلى ذلك فأشبه حال الجماع والتخلي وذكر القاضي في كراهة كسف العورة للاغتسال في الخلوة روايتين وإنما لم يكره له التجرد مع الاستتار لأن في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن موسى عليه السلام اغتسل عريانا وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن أيوب عليه السلام اغتسل عريانا ولما تقدم من الأحاديث ولأن النبي صلى الله عليه و سلم تجرد لأهله واغتسل وكان يستر بالثوب ويغتسل وحديث بهز

في قوله فالله أحق أن يستحي منه فإذا لم يكن حاجة كالغسل والخلاء وغير ذلك فإنه ينهى عن كشف السوءة لغير حاجة وقيل هو على طريق الاستحباب فإنه يستحب له الإتزار في حال الغسل وغيره وعلى هذا فلا يكره دخول الماء بغير ميزر لكن يحب الإتزار لما روى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن موسى عليه السلام كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء رواه أحمد ولأنه كشف للاغتسال حيث لا يراه آدمي فجاز كما لو لم يكن في الماء وعنه أنه يكره وعلى هذا أكثر نصوصه وكرهه كراهة شديدة وإنما رخص فيه لمن لا إزار معه لما روى عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدخل الماء إلا بمئزر رواه أبو حفص العكبري وروى أيضا عن أبي محمد الأنصاري قال خرجت إلى شاطىء الفرات فرأيت بغالا فقلت لرجل لمن هذه البغال فقال للحسن والحسين وعبد الله بن جعفر قلت وأين هم قال في الفرات يتغاطون قال فأتيتهم فرأيتهم في سراويلات فقلت للحسن يا بن رسول الله صلى الله عليه و سلم تغاطون في الماء وعليكم سراويلات فقا نعم أما علمت أن للماء سكانا وأن أحق من استتر من سكان الماء لنحن
وذكر إسحاق بن راهوية أن الحسن واحسين قيل لهما وقد دخلا الماء وعليهما بردان فقال إن للماء سكانا واحتج به إسحاق وأحمد بمعناه ولأنه كشف للعورة بحضرة من يراه من الخلق فأشبه ما لو كشفها بحضرة

آدمي ولذلك كرهنا له التكشف في الخلوة إلا بقدر الحاجة وهو مستغن عن كشفها في الماء لأن الماء يصل إلى الأرفاغ ونحوها من غير تكشف وحديث موسى شرع من قبلنا وكان التستر في شرعهم أخف ولم يكن محرما عليهم النظر إلى العورة بدليل أنهم كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى عورة بعض وإنما كان موسى يجتنب ذلك حياء والتكشف في الماد أهون منه بين الناس فما كان مكروها فيهم صار محرما فينا وما كان مباحا صار مكروها أو يحمل حديث موسى على كشفها في الماء لحاجة والحديث الآخر إذا لم يحتج إلى كشفها كما في كشفها خارج الماء ويكون مقصود الحديث بيان أن الماء ليس بساتر لأن فيه سكانا
فصل
ولا فرق في ذلك بين الحمام وغيره فلا يحل دخولها إلا بشرط أن يستر عورته عن أعين الناس ويغض نظره عن عوراتهم ولا يمس عورة أحد لا يدع أحدا يمس عورته من قيم ولا غيره لأن كشف العورة والنظر إليها ومسها حرام ثم إن من عدم النظر إلى عورة غيره بأن يكون كل من في الحمام مؤتزرا أو لا يكون فيه غيره فلا بأس بدخوله وإن خشي النظر إلى عوراتهم كره له ذلك قال إلمام أحمد إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخل وقال أيضا أدخل إذا استترت واستتر منك ولا أظنك تسلم إلا أن تدخل بالليل أو وقتا لا يكون في الحمام أحد
قال القاضي إن كان لا يسلم من ذلك لم يجز له الدخول يعني إذا غلب على ظنه رؤية العورات هذا إذا قام بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها مثل تغيير ما يكون فيها من التماثيل المحرمة وأمر المتعرين

بالتستر ونهي القيم عن مس عورات الناس عند تدليكهم فإن لم يقدر أن يغير المنكر بلسانه ولا بيده فلا يدخلها إلا لحاجة كما لو لم يقدر أن يتحرز من النظر إلى العورات كما قلنا ولأن فيها المنكرات والقعود مع قوم يشربون الخمر أو قوم يخوضون في آيات الله أو يغتابون فإن الأمور المحرمة إنما يباح منها ما تدعو إليه حاجة ولهذا حرمت على النساء إلا لحاجة
لأن المرأة كلها عورة ولا يحل لها أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها ومتى دخلها لحاجة أو غير حاجة وجب عليه أن يقوم بفرض التغيير إما بيده أو بلسانه والأفضل اجتنابها بكل حال مع الغنى عنها لأنها مما أحدث الناس من رقيق اعيش ولأنها مظنة النظر في الجملة وقد روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام رواه أحمد وعن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر رواه النسائي بإسناد صحيح
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنها ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا

يدخلها الرجال إلا بالأزر وامنعوا النساء إلا مريضة أو في نفساء رواه أبو داود وابن ماجة
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى الرجال والنساء عن الحمامات ثم رخص للرجال أو يدخلوها في الميازر رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وعن عائشة أن نساء من أهل الشام أو من أهل حمص دخلن عليها فقالت أتين اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن
والحاجة التي نبيحها مع قيام الحاظر المرض والنفاس فإن الحمام يذهب الدرن وينفع البدن وكذلك الحاجة إلى الغسل من جنابة أو حيض أو غيره مع تعذره في المنزل وخشية التضرر به لبرد أو غيره

فصل
وبناء الحمام من الآمر والصانع وبيعه وشراؤه وكراؤه مكروه نص عليه حتى قال من له حمام لا يبيعه على أنه حمام يبيعه على أنه عقار

ويهدم الحمام وكره غلته وإن اشترط على المشتري أن لا يدخله أحدا إلا بمئزر إذا كان الشرط لا ينضبط وقال فمن بنى حماما للنساء ليس بعدل لأنه لا يسلم غالبا من المحرمات مثل نظر العورات وكشفها ودخول النساء وهذه الكراهة كراهة تنزيه عند كثير من أصحابنا وقال القاضي لايجوز بناؤها وبيعها وإجارتها كما لم يجز عمل آلة اللهو وبيعها وإجارتها وعمل أواني الذهب والفضة وعمل بيت النار والبيع وهذا ينبغي أن يحمل على بلاد لا يضطرون إلى الحمامات كالحجاز والعراق ومصر فأما البلاد الباردة كالشام والجزيرة وأرمينية وتشاءم عنها وغيرها فإنهم لا يقدرون على الاغتسال في الشتاء إلا في الحمامات ولهذا قال عمر عليكم بالشمس فإنها حمام العرب ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم أنها ستفتح بلاد العجم وأن فيها بيوتا يقال لها الحمامات لم يأمر بهدمها
وتكره قراءة القرآن فيه نص عليه لما روى ابن بطة بإسناده عن معاوية ابن قرة قال كتب عمر إلى الأشعري أن عندك بيوتا يقال لها الحمامات فلا يقرأ فيها آية من كتاب الله
وبإسناده عن علقمة عن عبد الله بن مسعود في القراءة قال ليس لذلك بني وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بئس البيت الحمام نزع من أهله الحياء ولا يقرأ فيه القرآن رواه سعيد واحتج به إسحاق ولا بأس بذكر الله فيه لما روى ابن بطه بإسناده عن إبراهيم أن أبا هريرة دخل

الحمام فقال لا إله إلا الله وعن بكر بن عبد الله قال دخلت مع عبد الله بن عمر الحمام فضرب يده في الحوض فقال نعمة البيت هذا لمن أراد أن يتذكر وبئس البيت هذا لمن نزع الله منه الحياء
وعن سفيان بن عبد الله قال كانوا يستحبون إذا دخلوا الحمام أن يقولوا يا بر يا رحيم من وقنا عذاب السموم
وأما السلام فيه فقال أحمد لا أعلم أني سمعت فيه شيئا وكرهه أبو حفص والقاضي وابن عقيل لما روى ابن بطة بإسناده عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال ليس في الحمام سلام ولا تسليم
ورخص فيه بعضهم لأنه كالذكر وأولى منه ولأنه أشبه الخلاء من حيث هو مظنة ظهور العورات وصب الأقذار والنجاسات ومحتضر الشياطين
قال العباس بن عبد الرحمن بن مينا قال إبليس يا رب اجعل لي بيوتا قال بيوتك الحمامات رواه ابراهيم الحربي
وفارقه من حيث وجود الإستتار فيه وتطهره من الأوساخ فمنع من القراءة فيه دون الذكر لأنها أعظم حرمة منه ولذلك منعها الجنب وأما ماؤها إذا كان مسخنا بالنجاسة فقد تقدم حكمه وإن كان مسخنا بالطاهر فلا بأس

به قال الخلال ثبت عن أصحاب أبي عبد الله يعني في روايتهم عنه أنه يجزىء أن يغتسل به ولا يغتسل منه قال الإمام أحمد رضي الله عنه ماء الحمام عندي طاهر وقال أيضا هو بمنزلة الماء الجاري
وقال أيضا لا بأس بالوضوء من ماء الحمام وقال أيضا يجزؤه ماء الحمام وفي هذا اختلاف
وروى حنبل بإسناده عن ابراهيم أن أصحاب عبد الله كانوا لا يغتسلون من ماء الحمام وكان أصحاب علي يغتسلون منه قال أبو عبد الله أذهب إلى فعل أصحاب عبد اله وقال في رواية أخرى إذا كان يوقد بالعذرة لا تدخله إلا إذا دخلت فخرجت يكون لك ما تصبه عليك وهذا مبنى على ما تقدم فإنه إذا سخن بالطاهرات وجرى في موضع طاهر فلا وجه للكراهة وإن سخن بالنجاسات مع وثاقة الحاجر بين النار والماء فكلامه هنا يقتضي روايتين لأنه كرهه في رواية وذكر الاختلاف في رواية أخرى واختار الرخصة ومن أصحابنا من يحمل الرخصة على ما إذا كان الوقود طاهرا والكراهة في الوقود النجس ومن كرهه فلكراهته سببان
أحدهما كونه سخن بالنجاسات
والثاني كونه ماء قليلا تقع فيه يد الجنب وذلك مختلف في نجاسته وفي طهوريته وربما كانت اليد نجسة وقد احتاط لذلك فقال يأخذ من الأنبوبة ولا يدخل يده إلا طاهرة وقال أيضا من الناس من يشدد فيه ومنهم من

يقول هو بمنزلة الماء الجاري لأنه ينزف ويخرج الأول فالأول وإنما احتاط بذلك لأن من اناس من يجعله كالماء الدائم وذلك يصير مستعملا بوضع الجنب يده فيه في إحدى الروايتين ومن أصحابنا من علل ذلك بخوف نجاسة اليد فأما ما يأخذه من الأنبوبة فإنه جار بلا تردد ومذهبه أن الجميع كالماء الجاري إذا كان فائضا وكذلك المياه التي تجتمع في البرك ونحوها ويغتص من بعض جوانبها وذلك لأن ذلك الماء نزف وكلما خرج شيء ذهب شيء ولهذا لو كان متغيرا بشيء من الطاهرات والنجاسات زال التغير بعد زمان يسير فأشبه الحفائر التي تكون في أثناء الأنهار الصغار والكبار

باب التيمم
التيمم في اللغة القصد يقال يممت الشيء وتيممته وتأممته أي قصدته ومنه قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث فلما قال سبحانه فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا خص في عرف الخطاب الشرعي تيمم الصعيد لمسح الوجه واليد وغلب حتى صار المسح نفسه يسمى تيمما وغلب على ألسنة الفقهاء تيمم الصعيد بمعنى تمسحت بالصعيد
والأصل فيه الكتاب بقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم في موضعين والسنة المستفيضة وإجماع الأمة وهو مع ذلك من خصائص أمتنا فإن الله لم يجعل التراب طهورا إلا لهذه الأمة
مسألة
وصفته أن يضرب بيديه على الأرض الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمار إنما يكفيك هكذا وضرب بيديه الأرض فمسح بها وجهه وكفيه وإن تيمم بأكثر من ضربة أو مسح أكثر جاز
في هذه المسألة فصول
أحدها أن التيمم يجزىء بضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه لأن الله تعالى قال فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وهذا يحصل بضربة واحدة وتراب واحد فلا يجب أكثر من ذلك ولذلك لما أمكن غسل الفم والأنف

بغرفة واحدة ومسح الرأس بماء واحد أجزأ مسح الوجه واليدين بغبار واحد فإذا قيل غبار الضربة الأولى يذهب بمسح الوجه
قلنا إنما يجزىء إذا مسح الوجه ببطون الأصابع يبقى بطن الراحة لليد أو يمسح الوجه بالطبقة الأولى من التراب ويبقى على اليد غبار يمسحها به فإذا لم يبق غبار لزمه ضربة ثانية كما إذا لم يبق ماء للاستنشاق ولا بلل للأذن
واليد المطلقة في الشرع من مفصل الكوع بدليل آية السرقة والمحاربة وقوله صلى الله عليه و سلم إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده وقوله صلى الله عليه و سلم إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره
ولأن اليد إما أن تكون مشتركة بين المفاصل الثلاثة أو حقيقة في البعض مجازا في البعض أو حقيقة في القدر المشترك فإن كان الأول فوجوب المسح إلى الكوع متيقن وما زاد مشكوك فيه يحتاج إلى دليل وإن كان الثاني فينبغي أن يكون حقيقة في اليد إلى مفصل الكوع لئلا يلزم المجاز في الآيات والأحاديث ولا ينعكس ذلك بأنه لم نعن باليد ما هو إلى مفصل الإبط في خطاب الشرع وإنما فعله الصحابة احتياطا وإن كان الثالث فالقدر المشترك هو إلى الكوع ولأن اليد عند الإطلاق خلافها عند التقييد
فأما أن يراد بها أقصى ما يسمى يدا أو أقل ما يسمى يدا والأول باطل فيتعين الثاني

فإن قيل هي مطلقة في التيمم مقيدة في الوضوء فيحمل المطلق على المقيد لأنهما من جنس واحد وهو الطهارة ولأن المطلق بدل المقيد فيحكيه قلنا إن سلمناه فإنما يحمل المطلق على المقيد إذا كان نوعا واحدا كالعتق في الظهار والجماع واليمين على العتق في القتل وكذلك الشهادة المطلقة في قوله تعالى فاستشهدوا عليهن أربعة منكم هي من نوع الشهادة المفسرة في قوله ممن ترضون من الشهداء والمسح بالتراب ليس هو من جنس الوضوء بالماء ثم قد اختلفا في القدر فهذا في عضوين وذلك في أربعة وفي الصفة فالوضوء شرع في التثليث وهو مكروه في التيمم والوجه في الوضوء يغسل والأنف منه و باطن الفم وباطن الشعر الخفيف ويخلل وذلك كله يكره في التيمم وهذا البدل مبني على التخفيف فكيف يلحق بما هو مبني على الأسباغ ثم البدل الذي هو مسح الخف والعمامة لم يحك مبدله في الاستيعاب مع أنه بالماء فأن لا يحكيه المسح بالتراب أولى ثم يدل على فساد ذلك أن الصحابة لما تيمموا إلى الآباط لم يفهموا حمل المطلق على المقيد هنا وهم أهل الفهم للسان وقد حقق ذلك ما خرجاه في الصحيحين عن عمار بن ياسر قال أجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في الصعيد وصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال إنما يكفيك هكذا وضرب النبي صلى الله عليه و سلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه

وفي لفظ الدارقطني إنما يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين
وعن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في التيمم ضربة للوجه والكفين رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه
قال أصحابنا والأفضل أن يضرب بيديه الصعيد مفرجة أصابعه ويمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن راحته اليسرى بأن يمر الراحة من رؤوس أصابع اليد اليمنى حتى تنتهي إلى الكوع ثم يمسح ظاهر إبهام اليمنى بباطن إبهام اليسرى ثم يمسح اليسرى باليمنى كذلك ويخلل بين الأصابع ولو مسح الوجه بجميع اليدين ثم مسح إحداهما بالأخرى جاز وإن لم يبق عليهما غبار واحتاج إلى ضربة أخرى لأنه لا بد من مسح الوجه واليدين بالصعيد هكذا ذكر طائفة من أصحابنا وهو ظاهر المنقول عن أحمد
قال أبو داود رأيت أحمد علم رجلا التيمم فضرب بيديه على الأرض ضربة خفيفة ثم مسح إحداهما بالأخرى مسحا خفيفا كأنه نفض منهما التراب ثم مسح بهما وجهه مرة ثم مسح كفيه إحداهما بالأخرى
وقال القاضي لا يجوز أن يمسح وجهه بجميع كفيه أنه يصير التراب الذي على راحتيه مستعملا فإذا مسح به ظهر كفيه لم يجزئه وهذا ضعيف لأن المستعمل ما وصل إلى الوجه أما ما يبقى في اليد فليس بمستعمل كما تقدم مثل هذا في الوضوء

الفصل الثاني أنه إن تيمم بضربتين أو بأكثر جاز لأن المفروض في القرآن أن
يمسح وجهه ويديه من الصعيد وقد حصل كما قلنا في إيصال

الطهور إلى أعضاء المتوضىء وكذلك إن مسح بيديه إلى المرفقين إلى ما فوقهما لكن يكره أن يمسح زيادة على المرفقين أو يمسح بثلاث ضربات مع الاكتفاء بما دونهما فأما المسح بضربتين فهذا أفضل عند القاضي وغيره من أصحابنا لوجهين
أحدهما أن ذلك متفق على جوازه وما دونه مختلف فيه خلافا ظاهرا والأخذ بالمتفق عليه أولى من المختف فيه
الثاني أن ذلك قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أبي الجهيم وعبد الله بن عمر وجابر والأسع قولا وفعلا أن التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين رواهن الدارقطني وغيره وروي عن

أبي أمامة أيضا وهي وإن ضعفت فقد تعددت طرقها والعمل بالضعاف في الفضائل جائز مع أن عمر كان يتيمم بضربتين والمنصوص عن أحمد أن السنة ضربة واحدة للوجه والكفين قال ومن قال ضربتين فإنما هو شيء زاد من فعله ولا حرج عليه
وقال أيضا إن فعل لا يضره
وهكذا اختيار كثير من أصحابنا كما ذكره الشيخ رحمه الله لأن هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو المفسر لكتاب الله والمعبر عنه وسائر الأحاديث الضعيفة لا يجوز إثبات الأحكام والعدول عن السنة الثابتة بمثلها
قال الخلال الأحاديث في ذلك ضعيفة جدا ثم هو قول عليه الصحابة مثل علي وعمار وابن عباس ثم هو أشبه بمعنى الكتاب والسنة كما

ذكرنا فإن التمسح بالتراب لا يستحب الزيادة فيه على قدر الكفاية بدليل أنه لا يسن إطالة الغرة فيه ولا تخليل اللحية ولا الزيادة على المرة منه وأيضا فإن ما أمكن جمعهما بماء واحد في الوضوء فهو أفضل من مائين كالفم والأنف والرأس والأذن أنه أقرب إلى القصد وأبعد عن السرف فما أمكن جمعهما بتراب واحد أولى وإذا كان من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء فقلة ولوعه بالتراب أولى وأيضا فإن التمسح بالتراب في الأصل مكروه لأنه ملوث مغبر بخلاف الماء وإنما استثني منه مورد العبادة فالزيادة على الكفاية لا مقتضى له نعم أجزنا الضربتين في الجملة كما أجزنا الغرفتين والمائين في الوضوء لأن الضربتين مظنة الاحتياج إليهما إذ قد لا يكفي التراب الواحد ولا يمكن به وأجزنا المسح إلى المرفق لأنه في الجملة محل الطهارة مع ما جاء فيه عن ابن عمر وغيره وهذا القدر يفيد الجواز لا الفضيلة وأما الخروج من اختلاف العلماء فإنما يفعل احتياطا إذا لم تعرف السنة ولم يتبين الحق لأن من اتقى الشبهات استبرأ عرضه ودينه فإذا زالت الشبهة وتبينت السنة فلا معنى لمطلب الخروج من الخلاف ولهذا كان الإيتار بثلاث مفصولة أولى من الموصولة مع الخلاف في جوازهما من غير عكس والعقيقة مستحبة أو واجبة مع الخلاف في كراهتها وإشعار الهدي سنة مع الخلاف في كراهته والإجماع على جواز تركه وفسخ الحج إلى العمرة من يريد التمتع أولى من البقاء عليه اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مع الخلاف الشائع في جواز ذلك وإعطاء صدقة الفطر لمسكين واحد أفضل مع الخلاف في جوازه وترك القراءة للمأموم في صلاة

الجهر أفضل بل قراءتها له مكروهة على المشهور مع الخلاف في الأجزاء وتفريق قيمة صدقته بنفسه أفضل مع الخلاف في جوازه في الأحوال الظاهرة وأمثال ذلك كثيرة
وأما الأحاديث المأثورة فهي ضعيفة على ما هو مبين في موضعه والعمل بالضعاف إنما يشرع في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة فإذا رغب فيه في بعض أنواعه لحديث ضعيف عمل به أما إثبات سنة فلا ثم إن صحت هذه الأحاديث فإنما تفيد الجواز فقط إذ أقصى ما في الباب أن كلا الصورتين قد صحت عن النبي صلى الله عليه و سلم وما كان أقرب إلى القصد فهو أفضل في هذا الباب كما تقدم ولعله صلى الله عليه و سلم إنما قصد بذلك نفي شرع الزيادة على المرفق فإن اليد لما كانت مطقة وقد توهم أن مسحها إلى الإبط مشروع بين أن أقصى ما يمسح منها إلى المرفق وأن محل التيمم لا يزيد على الوضوء ولعل ذلك كان في أول ما شرع التيمم ففي حديث عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل بأولات الجيش ومعه عائشة زوجه فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فأنزل الله تعالى على رسوله رخصة التطهير بالصعيد الطيب فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الاباط رواه أحمد وأبو داود والنسائي

فأما لا ينهى عنه أو يكونوا فعلوه بأمره ثم نسخ إلى الكوع إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بغير أمره فنهاهم عما يقبل النهي وهو الزيادة على الوضوء الجائز
يؤيد ذلك ما روى عن ابن ماجة عن عبيد الله بن عتبة عن عمار بن ياسر حين تيمموا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فضربوا بأيديهم
ثم بعد ذلك جاء حديث عمار الذي ذكرناه لأنه اعتقد أن التراب يوصل إلى محل الماء وأن الذي عملوه أولا هو تيمم المحدث وأن تيمم الجنب يعم البدن كما يعمه الماء فتمعك بالتراب فبين له النبي صلى الله عليه و سلم صفة التيمم

وكان ذلك آخر الأمرين وبه كان يقول عمار بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم وإذا تيمم بالضربتين فالأفضل أن يمسح بالضربة الأولى جميع وجهه به الذي يجب غسله في الوضوء ومما لا يشق وبالثانية يديه إلى المرفقين فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهر أصابع يده اليمنى ويمرها إلى ظهر الكف فإذا بلغ إلى الكوع قبض بأطراف أصابعه على حرف الذراع ويمرها إلى مرفقه ثم يدير بطن ذراعه ويمره عليه ويرفع الإبهام فإذ بلغ الكوع أمر الإبهام على ظهر إبهام يده اليمنى ثم يمسح اليسرى باليمنى كذلك يسمح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل الأصابع والأقطع من الكوع يسمح بالتراب موضع القطع في المنصوص من الوجهين كالوضوء وإن كانت مقطوعة من الذراع مسح موضع القطع أيضا نص عليه
قال القاضي يستحب ذلك لأنه موضع الأسباغ في الوضوء

الفصل الثالث أنه يجب استيعاب محل الفرض لقوله تعالى
بوجوهكم وإيديكم ولقول النبي صلى الله عليه و سلم فتمسح بها وجهك وكفيك
وهذا يزيح ما لعله يتوهم في الباء من تبعيض فأما ما يشق إيصال التراب إليه كباطن الشعور الخفيفة والكثيفة فلا لما فيه من المشقة ولأن الواجب ضربة أو بعض ضربة للوجه وبذلك لا يصل التراب إلى أثناء الشعر
ويجب عليه أن ينقل الصعيد إلى الوجه واليد فإن نسفته الريح بغير قصد العبادة على وجهه ويديه ثم نوى ومسح وجهه بما عليه ويديه بما عليهما لم يجزئه بخلاف مسح الرأس على إحدى الروايتين لأن الله تعالى أمره أن يقصد الصعيد وأن يمسح به ولم يأمره في الوضوء إلا بالمسح فإن نقل ما على الوجه إلى اليد أو بالعكس جاز لأنه تيمم الصعيد ومسح به وسواء نقله

بيده أو بخرقة في أقوى الوجهين كما لو نقله غيره بإذنه فإن صمد للريح حتى نسفته كان نقلا في أقوى الوجهين لأنه بقصده انتقل
ثم هل يجب عليه أن يمسحه بيده أو غيرها فيه وجهان
أحدهما يجب اختاره الشريف أبو جعفر وغيره لأنه أوصل الطهور إلى محله كما لو تمرغ في التراب كما فعل عمار
والثاني لا يجوز وهو أشبه بما رجحوه في الوضوء لأنه لا يسمى مسحا وكذلك لو وضع يده المغبرة على وجهه من غير إمرار أو ذرى التراب على وجهه وأما التمرغ فإنما يجزىء به في المشهور لأنه مسح إذ لا فرق بين إمرار محل التراب على الوجه أو إمرار اوجه على محل التراب ولو وضع يده على التراب فعلق بها من غير ضرب جاز
والترتيب والموالاة واجبان في التيمم كالوضوء عند جماهير أصحابنا قال أحمد يبدأ بالوجه ثم الكفين في التيمم ومنهم من قال لا يجب هنا وإن أوجبناه في الوضوء لأن التيمم بضربة واحدة جائز وإذا مسح وجهه بباطن أصابعه لم يجب عليه أن يمسحه بعد وجهه بل لو مسح وجهه بجميع باطن يديه وبقي به غبار يكفي لظاهرهما لم يعد مسح الباطن بعد الوجه صرح به جماعة من أصحابنا فقد سقط الترتيب في اليد فكذلك في ظاهرها
ووجهه المشهور أن الترتيب سقط في باطن اليد ضرورة فإنا إن أوجبنا مسحه مرتين كان خلاف قاعدة التيمم فيجب من الترتيب ما يمكن لقوله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ولأن مسح باطن اليد لما حصل تبعا لمسح الوجه سقط الترتيب كما سقط عن أعضاء الوضوء إذا أدخلت في الغسل تبعا على أن قول بعض أصحابنا يقتضي الترتيب مطلقا في جميع

على ظاهر الآية والحديث فأما الترتيب عن الجنابة فقال القاضي أبو الحسين يجب فيه الترتيب هنا اعتبارا بأصله ولأن عمارا لما تمعك م يؤمر بإعادة الصلاة ولأنه صلى الله عليه و سلم قال له إنما يكفيك أن تقو بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه رواه مسلم
وفي لفظ ثم مسح كل واحدة منهما بصاحبتها ثم بهما وجهه رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح

مسألة
وله شروط أربعة
أحدها العجز عن استعمال الماء لعدمه أو خوف الضرر باستعماله لمرض أو برد شديد أو خوف العطش على نفسه أو ماله أو رفيقه أو خوف على نفسه أو ماله في طلبه أو اعوازه إلا بثمن كثير
في هذا الكلام فصول
أحدها أن التيمم إنما يجوز إذا لم يكن استعمال الماء إما لعدمه حقيقة أو حكما وإما لضرر باستعماله والأصل في ذلك قوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا فذكر المريض والمسافر العادم فهما أغلب الأعذار وألحق المسافر المحبوس في مصر ونحوه ممن عدم الماء والمريض مثل المجدور والمجروح ممن يتضرر باستعمال الماء وفي معناه من يخاف البرد وأما من يقدر على استعمال الماء لكن لا يقدر عى تحصيله إلا بضرر في نفسه أو ماله كمن بينه وبين الماء سبع أو حريق أو فساق فقد ألحق بالمريض لأنه واجد

للماء وإنما يخاف الضرر وربما ألحق بالعادم لأنه لا يخاف الضرر بنفس الاستعمال وإنما يخاف التضرر في تحصيله فصار كالعادم عن تحصيله لا عن استعماله وهذا أحسن فأما من لا ضرر عليه في استعماه وهو واجد له فلا يجوز له التيمم سواء خشي فوت الوقت للصلاة أو لم يخشه إذا كان في الحضر لأنه واجد للماء ولأنه الوقت الذي يجب فيه أداء الصلاة هو الوقت الذي يمكن فيه فعلها بشروطها إلا الجنازة في إحدى الروايتين لأن ابن عمر فعل ذلك وجاء الإذن فيه عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا رواهما الدارقطني
ولأنه تيمم لما يكثر ويخاف فوته غالبا فأشبه رد امسلم عليه كما فعله النبي صلى الله عليه و سلم في حديث أبي جهيم وحديث المهاجر بن قنفذ والأخرى لا يتيمم لها كغيرها وهي المنصورة

وأما العيد فلا يتيمم للعيد لأنه يمكن التأهب له قبل الذهاب
وأما ما يستحب له الوضوء كرد السلام ونحوه إذا خشي فوته إن توضأ فإنه يتيمم له لأن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك

الفصل الثاني
أن العاجز عن استعمال الماء لعدمه قسمان
أحدهما إما يعدم فيه الماء كثيرا وهو السفر
والثاني ما يندر فيه عدم الماء فأما المسافر فيتيمم في قصير السفر وطويله في المشهور من المذهب ولا إعادة عليه لقوله تعالى أو على فر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا
وسواء كان السفر إلى قرية أخرى أو أرض من أعمال مصره كالحراث والحصاد والحطاب وأشباههم إذا حضرت الصلاة ولاماء معه ولا يمكنه الرجوع إلى المصر إلا بتفويت حاجته وفيه وجه إنه يعيد لأنه في عمل مصره بخلاف من كان في عمل قرية أخرى وسواء أمكنه حمل الماء لوضوئه أو لم يمكنه لأن الاستعداد للوضوء قب وجوبه لا يجب وعنه إنما ذلك إذا لم يمكنه حمل الماء فإن أمكنه حمل ماء لوضوئه وجب عليه ولم يجز له التيمم وسواء كان سفر طاعة أو معصية لأنه عزيمة ولأن التيمم لا يختص بالسفر بل يجب حضرا وسفرا ويخرج أن يجب عليه الإعاددة في سفر المعصية لأن التيمم رخصة من حيث عدم وجوب القضاء عزيمة من حيث وجوب فعل الصلاة فيجمع بين العزيمة ووجوب القضاء المتبقي بسبب الرخصة وهذا يشبه ما إذا عدم الماء بعد الوقت فإنه عدمه بسبب محرم

الثاني كالمحبوس في المصر وأهل بلد قطع الماء عدوهم فهذا يصلي بالتيمم وعنه لا يصي حتى يجد الماء أو يسافر اختارها الخلال لأن الله إنما أذن في التيمم للمسافر والصحيح الأول لما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشرسنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير رواه أحمد والترمذي وصححه
ولأنه عادم للماء فاشبه المسافر وإنما خص بالذكر لأنه إنما يعدم غالبا فيه والمنطوق إذا خرج على الغالب لم يكن له مفهوم مراد وإذا صلى لم يعد في المشهور من المذهب ومن قال يعيد في الأعذار النادرة مثل عدم الماء والتراب ومن خشي البرد فتيمم قال يعيد هنا لأن القياس يقتضي أن من أخل بشرط من شروط الصلاة أعاد إذا قدر عليه إلا أنه عفي عنه فيما يكثر ويشق كما قلنا إن الحائض تقضي الصوم لأنه لا يتكرر ولا تقضي الصلاة لأنها تتكرر ولأن الصلاة المفعولة على وجه الخلل غير مبرئة للذمة في الأصل وإنما فعلت إقامة لوظيفة الوقت والصحيح الأول لأن الله إنما خاطب بصلاة واحدة يفعلها بحسب الإمكان والشرط المعجوز عنه ساقط بالعجز وفي قوله الصعيد الطيب طهور المسلم وقوله التراب كافيك دليل على أنه يقوم مقام الماء مطقا

فصل
ولا يكون عادما حتى يطلب الماء بعد دخول الوقت في رحه ورفقته وما قرب منه وعنه لا يجب طلبه إلا إذا غلب على ظنه وجوده أو رأى أمارات

وجوده بأن يرى خضرة أو حفرة أو ركبا أو طيرا يتساقط عى مكان لأنه عادم لماء فجاز له التيمم كما لو طلب ولأن الأصل عدم طلب الماء ولا أمارة تزيل حكم الأصل فوجب العمل به كاستصحاب الحال والمشهور أنه يجب الطلب إذا رجا وجود الماء فإن تيقن أن لا ماء فلا يجب الطلب قولا واحدا لأن الله تعالى قال فلم تجدوا ماء ولا ينفي عنه الوجود إلا بعد سابقه الطلب كما في قوله فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وقوله فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ولأن التيمم بدل عن غيره مشروط بعدمه فلم يجز إلا بعد الطلب كالصيام الذي هو بدل عن الرقبة وعن الهدي وعن التكفير بالمال والقياس الذي هو بدل عن النص والميت الذي هو بدل عن المذكى ولأن البدل في مثل هذا إنما أبيح للضرورة وإنما تستيقن الضرورة بعد الطلب وصفته أن يفتش على الماء في رحله ويسأل رفقته عن موارده أو عن ما معهم ليبيعوه أو يبذلوه
قال القاضي سواء قالوا لو سألتنا أعطيناك أو منعناك وفي إلزامه سؤالهم البد نظر ويسعى أمامه ووراءه وعن يمينه وعن شماله إلى حيث جرت عادة السفار بالسعي إليه لطلب الماء والمرعى هكذا قال بعض أصحابنا وقال القاضي لا يلزمه المشي في طلبه وعدوله عن طريقه لأنه ليس في تقدير ما يلزمه من المشي توقيف يرجع إليه وليس الميل بأولى من الميلين واحتج اسحاق على ذلك بأن ابن عمر لم يكن يعدل إلى الماء وهو منه غلوة أو غلوتين
وحمل القاضي قول أحمد وقد قيل له وعلى كم يطلب الماء فقال إن لم

يصرفه عن وجهه نراه الميل والميلين وإن استدل عليه الميلان والثلاثة فلا يطلبه
وهذا في السائر فأما النازل فلا تردد أنه يلزمه المشي في طلبه وإذا رأى بشرا أو حائطا قصد ذلك وطلب الماء عنده فإذا لم يجد الماء حينئذ ظهر عجزه
قال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا وا يعتد بطلبه قبل الوقت بل يلزمه إعادة الطلب في وقت كل صلاة لأن طلب اماء شرط لصحة التيمم فلا يصح في وقت لا يصح فيه التيمم لأنه في وقت كل صلاة مخاطب بقوله فلم تجدوا ماء وذلك لا يلزمه إلا بعد الطلب وهذا إنما يكون مع الطمع بحصول الماء فأما مع اليأس فلا وإذا كان معه ماء فاراقه قبل الوقت صلى بالتيمم لأنه لم يكن وجب عليه الوضوء نص عليه وإن أراقه بعد دخول الوقت أو مر بما في الوقت فلم يتوضأ مع أنه لا يرجو وجود ماء آخر فقد عصى بذلك فيتيمم ويصلي ويعيد في أحد الوجهين لأنه فرط بترك المأمور به ولا يعيد في الآخر كما لو كسر ساقه فعجز عن القيام أو حرق ثوبه فصار عاريا وكذلك لو وهبه بعد دخول الوقت أو باعه لم يصح في أشهر الوجهين لأنه قد تعين صرفه في الطهارة ولا يصح تيممه إلا أن يكون بعد استهلاكه ففيه الوجهان وإذا نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم لزمه الإعادة وكذلك إن جهله بموضع ينسب فيه إلى التفريط مثل أن يكون بقربه بئر أعلامه ظاهرة لأنه شرط فعلي يتقدم الصلاة فلم يسقط بالنسيان كالسترة فلأنه تطهير واجب فلم يسقط بالسيان كما لو نسي بعض أعضائه أو انقضت مدة المسح ولم يشعر وهذا لأن النسيان والجهل إذا كان عن تفريط فإنه قادر على الاحتراز منه في الجملة ولهذا يقال لا تنسى وإن أضل راحلته أو أضل بئرا كان يعرفها ثم وجدها فلا إعادة عليه وقيل يعيد وقيل يعيد في ضلال البئر لأن مكانها واحد وإن كان الماء مع عبده أو وضعه في رحله من حيث لا يشعر أعاد في أقوى الوجهين

الفصل الثالث
إذا كان واجد الماء يخاف إن استعمله أن يعطش هو أو أحد من رفقته أو بهائمه أو بهائم رفقته المحترمة فإنه يتيمم
قال الإمام أحمد رضي الله عنه عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يتيممون ويحبسون الماء لشفاههم
فأما البهائم التي يشرع قتلها كالخنزير والكلب الأسود والبهيم والكلب العقور فلا يحبس لها الماء ثم إن كان هو العطشان أو يخاف العطش على نفسه أو بهائمه أو من يلزمه نفقته وجب تقديم الشرب لأنه من الحوائج الأصلية الواجبة فتقدم على العبادات كما تقدم نفقة النفس والأقارب المتعينة على الحج وإن كان العطشان رفقته أو بهائمه فالأفضل حبس الماء لهم وهو واجب في أحد الوجهين اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل وغيرهما وفي الآخر لا يجب قاله أبو بكر والقاضي لأنه محتاج إليه وقد قال أحمد إذا كان معه إداواة فيها ماء فرأى عطاشا فأحب إلي أن يسقيهم ويتيمم
وقد صرح القاضي بأن ذلك لا يجب إلا إن خيف عليهم التلف والصواب أن يحمل كلام أحمد وأبي بكر على عطش لا يخاف معه التلف وقيل إنما الوجهان فيما إذا خيف أو يعطشوا فأما العطش الحاضر فيجب تقديم سقيهم له وجها واحدا ولا فرق بين أن يكون هو العطشان أو

لخوف عطش رفيقه المزامل أو أحد من أهل القافلة أو من غيرهم لأن ذلك إنما كان لحرمة الآدميين والبهائم وهي لا تختلف بالمرافقة وعدمها وكذلك البهائم المباحة المحترمة فإن في ساقيها أجرا وثوابا ولو كان معه ماء ان نجس وطاهر وهو عطشان شرب الطاهر وتيمم ولم يشرب النجس فإن خاف العطش فهل يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس أو يتيمم ويحبس الطاهر على وجهين

الفصل الرابع
إذا كان يخاف على نفسه أو ماله في طلبه بأن يكون بينه وبين الماء عدو أو سبع يخاف أنه إن طلبه انقطع عن رفقته أو ضياع أهله أو ماله أو شرود دوابه جاز له التيمم إذا كان للخوف سبب مظنون وإن لم يعلم وجوده فأما إن كان جنبا لزمه الوضوء ولو رأى سوادا فظنه عدوا أو سبعا فتيمم وصلى ثم تبين بخلافه فلا إعادة في أقوى الوجهين لكثرة البلوى بذلك بخلاف صلاة الخوف فإن لم ير شيئا وقد دله على الماء ثقة لزمه طلبه قولا واحدا كما لو تيقنه لأن الماء غلب هنا الظن وجوده ثم لا يخلو إما أن يكون المكان قريبا أو بعيدا أو على التقديرين فأما أن يمكنه الوضوء منه والصلاة في الوقت وقت الاختيار أو يخاف إن طلبه أن يفوت الوقت فأما إن كان قريبا ويمكنه الصلاة به في الوقت لزمه قصده قولا واحدا وإن كان بعيدا يخشى إن طلبه يفوت الوقت لم يجب عليه طلبه ولم يجز له تأخير الصلاة حتى تفوت قولا واحدا وإن كان بعيدا لا يمكنه الصلاة به في الوقت من غير ضرر ولا مشقة كثيرة بأن يكون في طريقه أو مقصده وجب قصده أيضا في إحدى الروايتين لأنه قادر على تأدية فرضه بالماء في الوقت من غير ضرر فأشبه القريب
والرواية الثانية لا يجب قصده ولا تأخير الصلاة بل يصلي بالتيمم هذا هو المشهور في المذهب لما احتج به الإمام أحمد عن ابن عمر أنه تيمم على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى العصر فقدم والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة

وعنه أيضا أنه تيمم بمربد النعم وهو على ثلاثة أميال من المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد رواهما الدارقطني ورواه مرفوعا أيضا ولأنه به حاجة إلى تعجيل الصلاة في أول الوقت لبراءة ذمته فلم يجب عليه تأخيرها وطرد ذلك أن يقال فيمن عجز عن بعض الشرائط والأركان في أول الوقت وعلم أنه يقدر عليه في آخره أن له أن يصلي بحسب حاله ولأن سبب الرخصة قائم في الحال فيثبت به وإن تيقن زواله في الحال كالقصر في سفر يعلم أنه يقدم منه قبل خروج الوقت
وإن كان الماء قريبا يخاف فوت الوقت إن قصده أو تشاغل بالوضوء أو كان الواردون عليه كثيرا لا تنتهي إليه النوبة حتى يخرج الوقت أو كان في بئر إن اشتغل بالاستقاء ونحوه خرج الوقت تيمم في أحد الوجهين لأن فرضه كان هو التيمم ولم يجد الماء على وجه يمكنه الصلاة به في الوقت فاستمر حكم العدم في حقه كما لو علم أنه لا يجده إلا بعد خروج الوقت وإن كان الوضوء في الوقت لا أثر له لأن الوقت للصلاة والوجه الثاني يشتغل بأسباب الوضوء وإن فات الوقت كما لو كان في الحضر وإذا خشي دخول وقت الضرورة فهو كما لو خشي خروج الوقت بالكلية لأنه لا يجوز التأخير إليه إلا لعذر فإن أمكنه الوضوء في الوقت فأخر ذلك عمدا حتى خشي الفوات فهو كالحاضر لأن فرضه كان هو الوضوء وهل حد القريب

الذي يجب قصد مائة ما يتردد المسافر إليه للرعي أو للاحتكار عادة أو الفرسخ فما دونه كالجمعة أو الميل فما دونه على ثلاثة أوجه

الفصل الخامس
إذا أعوزه إلا بثمن كثير وجملة أنه إذا بذل له الماء لطهارته لزمه قبوله لأنه قادر عليه ولا منه عليه لذلك في عرف الناس بخلاف ما إذا بذل له ثمن الماء أو بذلت له الاستطاعة في الحج وهو وإن كان ذا ثمن في المفاوز وأوقات الضرورة فإنما ذلك لمن يحتاجه للشرب إذ لا بد له في الشرب فأما للطهارة فلا ضرورة بأحد إليه لقيام التراب مقامه ولذلك إذا وجد من يبيعه إياه بثمن في تلك البقعة أو مثلها في غالب الأوقات ووجد ثمنه فاضلا عما يحتاج إليه في نفقته وقضاء ديونه ونحو ذلك فإنه يلزمه شراؤه كما يلزمه شراء السترة للصلاة والرقبة للكفارة والهدي للتمتع وكذلك إن زيد على ما يتغابن به الناس بمثله زيادة يسيره لا تجحف بماله فإن كانت تجحفه م يلزمه شراؤه وكذلك إن كانت كثيرة لا تجحف بماله في أحد الوجهين وذكرها القاضي على الروايتين وفي الأخرى يلزمه شراؤه وان كان ثمنه كثيرا إذا لم يضر ذلك بماله كما يجب بذل ثمن المثل وهذا معنى قول الشيخ رحمه الله تعالى إلا بثمن كثير فإن الكثير هو المجحف والذي يزيد على غبن العادة زيادة كثيرة وكذلك الحكم في شراء الهدي والرقبة والسترة وآلات الحج ونحو ذلك مما يجب صرفه في العبادات فإن وجد الثمن في بلده ووجد من يبيعه في الذمة لزمه شراؤه عند القاضي كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة لذلك ولم يلزمه عند أبي الحسن الآمدي وغيره كالمتمتع إذا عدم الهدي في موضعه دون بلده لأن فرضها متعلق بالوقت بخلاف المكفر

الفصل السادس
إذا كان مريضا مثل المجذور والجريح وغيرهما وخاف إن استعمل الماء تضرر انتقل إلى التيمم للآية والحديث صاحب الشجة والخوف المبيح أن يخشى التلف في رواية لأن ما دون ذلك يجوز الصبر عليه لغرض صحيح كالفصد والحجامة
وظاهر المذهب أنه متى خشي زيادة المرض بالألم ونحوه أو تباطؤ البرء إن استعمل الماء جاز له التيمم لأن مثله يجوز له الفطر في رمضان وترك القيام في الصلاة والطيب للناسي والحلق في الإحرام فجاز له ترك الوضوء بالماء وأولى وذلك لأن المريض متى زادت صفته أو مدته كانت تلك الزيادة بمنزلة مرض مبتدىء ولا تجب عبادة يخاف منها المريض ثم إن كان المخوف هو التلف كفى فيه الظن كما قلنا في السبع ونحوه وإن خيف المرض فلا بد أن يغلب على الظن تضرره باستعمال الماء إما بقبول الطبيب أو نحوه فأما مجرد الاحتمال أو يمكن تلافيه فلا يلتفت إليه وكذلك إن كان المرض لا يضره كالصداع والحمى التي يستعمل لها الماء البارد أو الحار ونحو ذلك لأنه إذا أمكنه استعمال الماء البارد أو الحار كان كالصحيح فإن لم يمكنه ذلك بأن يكون عاجزا عن الحركة إلى الماء وليس له من يناوله فهو كالعادم لكن ينبغي أن يكون بمنزلة من عدم الماء في الحضر وإن كان له من يناوله في الوقت فهو واجده وهنا بدل عن المتروك غسله وهي أشياء مترتبة ويجب عليه أن يغسل الصحيح من أعضائه مع التيمم لكل صلاة

لتحصل الموالاة بين الوضوء لأن الترتيب واجب في غسل الموضع الجريح فكذلك في بدله لأن البدل يقوم مقام المبدل هذا اختيار القاضي وابن عقيل كالواجد وكذلك إن خشي خروج الوقت قبل مجيء المنازل في المشهور وقيل ينتظر في المنازل وإن خرج

الفصل السابع
إذا خاف من شدة البرد فإنه يتيمم ويصلي لما روى عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب قلت ذكرت قول الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يقل شيئا رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وذكره البخاري تعليقا
وعن ابن عباس أن رجلا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم احتلم في برد شديد فاستفتى فأفتي أن يغتسل فمات فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال قتلوه قتلهم الله إنما شفاء العي سؤال رواه حرب ولأنه إذا خاف المرض باستعمال الماء فهو كما لو خاف زيادته وأولى والمخوف هنا إما التلف وإما المرض على ما تقدم
فأما نفي التألم بالبرد فلا أثر لأن زمن ذلك يسير وإسباغ الوضوء على المكاره مما يكفر الله به الخطايا ومتى أمكنه تسخين الماء واشتراؤه بثمن المثل كما تقدم أو الدخول إلى الحمام بالأجرة لزمه ذلك لأن قدرته على الماء الحار كقدرة المسافر على الماء المطلق وكذلك إن وجد من يقرضه أو يبيعه أو

يكريه بثمن في الذمة وله ما يوفيه بعد خروج الوقت لأن زمن ذلك يسير بخلاف المسافر في أحد الوجهين لأن المدة تطول ويخاف تلف المال وبقاء الذمة مشغولة وكذلك إن أمكنه أن يغتسل عضوا عضوا وكلما غسل شيئا ستره وإذا صلى بالتيمم لخشية البرد فلا إعادة في ظاهر المذهب
وعنه يعيد لإنه عذر نادر غير متصل وعنه يعيد في الحضر دون السفر لأن الحضر مظنه دفع البرد بالأكنان والمياه الفاترة فالندرة فيه محققة بخلاف السفر فإنه يكثر فيه البرد خصوصا في البلاد الباردة وحديثا عمرو وابن عباس حجة على الإعادة فإنه لم يعد ولم يأمره النبي صلى الله عليه و سلم بالإعادة ولا لأحد صلى خلفه وقد أقره على تعليله بخشية الضرر وهي علة تجمع المقيم والمسافر ولأنه فعل العبادة بحسب قدرته فلم يلزمه الإعادة كالمريض والمسافر والفرق بين العذر النادر والغالب فيما رجع إلى الإخلال بصفات العباد لا دليل عليه وإنما فرق بين الصوم والصلاة في الحيض لأن الحائض تركت الصوم بالكلية وهؤلاء قد فعلوا المفروض في اوقت فإذا وجب قضاؤه لزمهم فعل العبادة مرتين ولا أصل لذلك يقاس عليه ثم إن الحائض يجب عليها صوم واحد في وقت القضاء وهؤلاء يجب عليهم القضاء مع الفريضة في الوقت الثاني فهم بقضاء الحائض للصلاة أشبه ومتى أوجبنا عليه الإعادة فالثانية في فرضه والأولى نافلة ذكره القاضي بخلاف ما لو لم تجب عليه الإعادة كالمعادة مع إمام الحي فإن الفرض قد سقط هناك بالأولى وإنما يكون حكم الأولى نافلة عند براءة ذمته بالإعادة ويتوجه أن يكون كل منهما فرضا وإنما وجب عليه صلاتان لاشتمال كل واحدة على نوع من النقص ينجبر بالأخرى

مسأله
فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لبعض طهارته استعمله وتيمم للباقي هنا مسألتان
إحداهما إذا أمكنه استعمله في بعض بدنه مثل أن يكون بعضه صحيحا وبعضه جريحا أو يمكن الذي يخاف البرد كأن يتوضأ ويغسل مغابنه وشبه ذلك فيلزمه غسل ما يقدر عليه في الطهارتين الصغرى والكبرى لحديث صاحب الشجة حيث قال له النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده
وفي حديث عمرو أنه غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم وذلك لأن الله تعالى يقول فاتقوا الله ما استطعتم وقال النبي صلى الله عليه و سلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وهذا يستطيع التطهر بالماء في بعض بدنه فيلزمه ويكون التيمم عما لم يصبه الماء ومثل ذلك مثل من غسل أكثر أعضائه ثم انقلب ماء طهارته فإنه يتيمم له هذا إذا لم يكن غسل بقية البدن ولا مسحه فإن أمكن مسحه دون غسله فعنه يلزمه المسح لأنه بعض المأمور به فيلزمه والتيمم بدلا عن تمام الغسل وعنه يلزمه المسح فقط لأنه أقرب إلى معنى الغسل ولأنه كان عليه حائل أجزأه مسحه فمسح البشرة أولى وعنه يلزمه التيمم فقط لأن الفرض هو

الغسل وقد عجز عنه فينتقل إلى بدله وهذا اختيار القاضي وغيره من أصحابنا فإن كان الجرح نجسا أو عليه لصوق أو عصابه أو جبيره فقد تقدم حكمها الثانية إذا وجد ما لا يكفيه لجميع طهارته فإنه يستعمله ويتيمم لما لم يصبه الماء في الغسل والوضوء في أحد الوجهين وفي الآخر وهو قول أبي بكر يستعمل الجنب ما وجد دون المحدث لأن الجنب يرتفع حدثه عما غسله وإذا وجد بعد ذلك ماء غسل بقية بدنه لأن الموالاة لا تجب في الغسل بخلاف المحدث فإن الموالاة واجبة في الوضوء فلا يستفيد بغسل البعض فائدة ولهذا شرع في الجماع غسل بعض بدن الجنب عند النوم والأكل والجماع ولم يشرع غسل بعض أعضاء المحدث والأول قول أكثر أصحابنا لما تقدم في التي قبلها ولأنه من شروط الصلاة فالعجز عن بعضه لا يسقط الممكن منه كالسترة وغسل النجاسة ونقضوا التعليل بالموالاة بما إذا كان بعض أعضائه جريحا وكمن بخس بعض الفاتحة ثم قد يمكن الموالاة إذا وجد ماء قبل جفاف الأعضاء ثم عجز عن الموالاة إذا أسقطها لم تسقط ما هي شرط له وهو الغسل كشرائط غيرها

فصل
وإذا كان الماء الذي وجده الجنب يكفي أعضاء الوضوء غسلها به ناويا عن الحدثين فتحصل له الطهارة الصغرى وبعض الكبرى كما فعل عمرو وكما أمر به النائم والآكل وإذا وجد ما لا يكفيه لم يتيمم حتى يستعمل الماء ليتحقق العدم الذي هو شرط التيمم ويتميز المغسول عن غيره ليعلم ما يتيمم له وإن كان بعض أعضائه جريحا أو مريضا فله أن يبدأ إن شاء بالغسل وإن شاء بالتيمم في الحدث الأكبر لأن الترتيب بين أعضاء الجنب لا يجب في طهارته بالماء فأن لا يجب بين الماء والتراب اولى وله أن يفصل بين التيمم والغسلة بزمن طويل كما في أصل الغسلة وإن كان في الحدث الأصغر ففيه وجهان

أحدهما يجب الترتيب والموالاة بين التيمم وما يفعله من الوضوء كما يجب في نفس الوضوء فإذا كان الجرح في وجهه بدأ بالتيمم ثم غسل بقية الوجه وما بعده وإن شاء غسل الممكن من الوجه ثم يتمم ثم غسل بقية الأعضاء وإن كانت الجروح في الأعضاء كلها تيمم لكل عضو حين يشرع في غسله فإن تيمم لها تيمما واحدا كان بمنزلة غسلها جملة واحدة وذلك لا يجوز بخلاف ما لو تيمم عن جملة الوضوء فإن التيمم هناك بدل عن جملة الوضوء وهو طهارة واحدة وهنا هو بدل عن المتروك غسله وهو أشياء مرتبة ويجب عليه أن يغسل الصحيح من أعضائه مع التيمم لكل صلاة لتحصل الموالاة بين الوضوء لأن الترتيب واجب في غسل الموضع الجريح فكذلك في بدله لأن البدل يقوم مقام المبدل هذا اختيار القاضي وابن عقيل
والثاني لا يجب في ذلك ترتيب وموالاة كتيمم الجنب لأنهما طهارتان مفردتان فلم يجب الترتيب والموالاة بينهما وإن اتحد بينهما كالوضوء والغسل ولأن التيمم لو كان في محل الجرح لكان حريا أن لا يجب ترتيبه على الوضوء لأنهما من جنسين فأن لا يجب ترتيبه مع مشروع في غير محل الجرح أولى ولأن الترتيب إنما وجب فيما أمر الله بغسله ومسحه ليبدأ بما بدأ الله به وهذا الجرح ليس مأمورا بغسله ولا مسحه فلا ترتيب له ووجوب الترتيب له لا يلزم منه الترتيب لبدله لأن البدل في غير محل المبدل منه وهو أخذ منه قدرا وموضعا وصفة ومن غير جنسه ثم فيه من المشقة ما ينفيه قوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من

حرج وقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجرح فله حكم الجريح كما قلنا في الجبيرة فإن أمكنه ضبطه بحيث لا ينتشر الماء إليه لزمه وإن لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك وإلا سقط غسله وأجزأه التيمم
فصل
فإن كان محدثا وعليه نجاسة والماء يكفي إحدى الطهارتين أزال به النجاسة وتيمم لأن التيمم عند الحدث ثابت بالنص والإجماع
حتى لو كانت النجاسة على ثوبه الذي لا يجد غيره أزالها بالماء في إحدى الروايتين وفي الأخرى يتوضأ ويدع الثوب وإن لم يتيمم له لأن طهارة الثوب مختلف فيها والوضوء مجمع عليه ولو كانت النجاسة على بدنه وثوبه غسل الثوب وتيمم للبدن ويتوجه على الرواية الثانية أن يغسل البدن
الشرط الثاني الوقت فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها هذا المشهور في المذهب لأن الله أمر القائم إلى الصلاة بالوضوء فإن لم يجد الماء تيمم وهذا يقتضي أن لا يتيمم إلا بعد القيام إلى الصلاة وإعواز الماء وإنما جاز الوضوء قبل الوقت لأنه

يرفع الحدث بخلاف التيمم أو لأن الاية خطاب للمحدثين والمتيمم داخل فيهم بخلاف المتوضىء ولأن التيمم طهارة ضرورة فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة وأنه حكم مقيد بالضرورة فتقيد بقدرها كأكل الميتة ولأنه هو مستغن عنه فلم يجز كتيمم الواجد للماء مع ظاهر قوله صلى الله عليه و سلم أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وقوله عليه السلام أينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره رواهما الإمام أحمد
وفي رواية أخرى مخرجة أنه يجزىء كالماء وهذا في التيمم للصلاة فأما التيمم لغير ذلك مما تبيحه الطهارة كالطواف ومس المصحف وقراءة القرآن واللبث في المسجد والحائض المنقطع دمها للوطء فيجوز في كل وقت يجوز فعله فيه لأنها أفعال تبيحها الطهارة بالماء فأبيحت بالتراب كالصلاة ولقوله صلى الله عليه و سلم الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين فإذا دخل الوقت جاز له أن يتيمم ويصلي سواء غلب على ظنه أنه يجد الماء في الوقت أو لم يغلب ولا إعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت إلا إذا تيقن وجود الماء في الوقت على رواية تقدمت لأنه مخاطب بالصلاة في أول الوقت وقد روى أبو داود والدارقطني عن أبي سعيد أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه

وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين ولأنه أدى فرضه كما أمر فلم يلزمه إعادة كما لو وجد الماء بعد الوقت لكن إن أعاد في الوقت فهو مستحب في أحد الوجهين للحديث الذي ذكرناه ولأن من العلماء من يوجب الإعادة وفي الآخر لا تستحب كالمستحاضة إذا انقطع دمها في الوقت بعد الصلاة وللماسح على الخفين فأما إذا وجد الماء بعد الوقت فلا تشرع الإعادة والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت وأن لا يزال يطلبه حتى يخاف فوت الوقت نص عليه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أجنب الرجل في السفر تلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن لم يجد الماء تيمم رواه أبو حفص ولأن التأخير جائز من غير كراهة فإذا كان لتحصيل فضيلة مرجوة كان أفضل كما لو أخره لطلب جماعة أو تخفف من الأخبثين وأولى وهذا عند أكثر أصحابنا كالقاضي وأبي الخطاب وغيرهما لمن يرجو وجود الماء

في آخر الوقت بحيث يكون طمعه ويأسه متقاربين فأما إن يئس من وجوده في غالب الظن فلا يستحب التأخير ومنهم من استحب التأخير مطلقا لأن وجود الماء ممكن وكلام أحمد مطلق في استحباب التأخير وإذا تيمم للمكتوبة صلى صلاة الوقت وجمع بين الصلاتين وصلى الفوائت والنوافل والجنازة حتى يخرج الوقت في أشهر الروايات وفي الأخرى يتيمم لكل فريضة وقيل يتيمم لكل نافلة أيضا ولكل حال يستبيح الطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد وكذلك وطء الحائض في أقوى الوجهين والثالثة يصلي بتيممه ما لم يحدث كالماء ووجهه الأولين ما روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى
والصاحب إذا أطلق السنة فإنما يعني سنة النبي صلى الله عليه و سلم وروى ابن المنذر عن ابن عمر قال يتيمم لكل صلاة وعن علي قال التيمم عند كل صلاة وعن عمرو بن العاص قال يجدد لكل صلاة تيمما ولم يعرف لهم في الصحابة مخالف إلا رواية عن ابن عباس والمشهور عند خلافها ولأن الله تعالى أمرنا بالتيمم عند القيام إلى الصلاة

كما تقدم ولأن التيمم لا يرفع الحدث لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعمرو بن العاص أصليت بأصحابك وأنت جنب سماه جنبا مع علمه أنه قد تيمم للبرد
ولأن المتيمم إذا وجد الماء استعمله بحكم الحدث السابق فلو كان الحدث قد ارتفع لما عاد إلا بوجود سببه فمن قال يتيمم لفعل كل صلاة تمسك بظاهر هذه الآثار والصحيح أن معناه يتيمم كل صلاة من الصلوات المعهودة هي المكتوبات في أوقاتها لأنه المتبادر إلى الفهم من ذلك ولهذا قال ابن عباس ثم يتيمم للصلاة الأخرى والتعريف للعهد ولهذا لا يجب التيمم لفعل كل نافلة وواجب لما قال يتيمم للصلاة الأخرى بل قال يتيمم للرواتب قبلها وبعدها وقول علي عند كل صلاة تنبيه على الوقت ولأن النوافل تفعل بتيمم واحد وبتيمم الفريضة فكذلك الفرائض في وقت واحد ولأن طهارة المستحاضة إنما تبطل بخروج الوقت مع دوام الحدث وتجدده فطهارة المتيمم أولى وإذا نوى الجمع بين الصلاتين في وقت الثانية صار وقتها وقتا واحدا حتى لو تيمم في وقت الأولى لهما أو الفائتة لم يبطل تيممه بدخول وقت الثانية وإذا استباح ما تمنع منه الجنابة كقراءة القرآن واللبث في المسجد أو حدث الحيض كالوطء بتيمم له أو لصلاة بطل أيضا بخروج الوقت في احد الوجهين اختاره القاضي وفي الآخر لا تبطل كما لا تبطل إلا بنواقض الوضوء لأن وقت الصلاة لا تعلق له بذلك ويحتمل أن تبطل إذا استباح ذلك بتيمم الصلاة دون ما استباحه بتيممه

فصل
ويجوز أن يجمع بتيمم واحد بين طوافين كطواف الإفاضة وطواف منذور وكذلك بين صلاتي جنازة ذكره القاضي كالجمع بين صلاتين في الوقت وأولى وتبطل كذلك بخروج وقت الصلاة كالتيمم للفريضة وكذلك التيمم للنافلة مقدر بوقت المكتوبة لأنه إذا بطل بخروج الوقت بتيمم الفريضة فما سواه

أولى والمنصوص عن أحمد أنه إذا صلى على الجنازة بتيمم ثم جيء بجنازة أخرى حين سلم من الأولى صلى عليها بذلك التيمم وإن كان بينهما وقت يمكنه فيه التيمم لم يصل على الأخرى حتى يعيد التيمم وهذا لأن التيمم للجنازة ونحوها لا يتقدر بوقت المكتوبة لأنه لا يستبيح به المكتوبة فالفعل المتواصل في هذه العبادات كتواصل الوقت بالوقت للمكتوبة فإذا وجبت الثانية بعد زمن يتسع للتيمم صارت مستقلة بنفسها وانفصل وقتها عن وقت الأولى كصلاتي الوقتين وعلى قياس المنصوص كل ما ليس له وقت محدد من العبادات كمس المصحف والطواف ونحوهما وحمل القاضي هذا على الاستحباب وظاهر المنصوص خلافه فعلى هذا النوافل المؤقتة كالوتر والكسوف والسنن الرواتب وصلاة الليل تبطل بخروج وقت تلك النافلة وأما النوافل المطلقة فيحتمل أن تكون كالجنازة ونحوها يقدر فيه تواصل الفعل ويحتم أن يمتد وقتها إلى وقت النهي عن النافلة فأما إن كان التيمم للمكتوبة تعلق الحكم بوقتها فيصلي فيه ما شاء من جنائز ونوافل لأن ذلك سبيل التبع للمكتوبة
الشرط الثالث النية فإن تيمم لنافلة لم يصل به فريضة وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها أما النية في الجملة فلا بد منها كالوضوء والغسل وأؤكد لأن التراب في نفسه ليس بمطهر وإنما يصير مطهرا بالنية ولأن المسح بالتراب إذا خلا عن نية كان عبثا وتغبيرا محضا وقد قيل لأنه جاء في القرآن بلفظ القصد بقوله فتيمموا وهذا ضعيف لأن القصد للتراب لا لنفس العبادة
وصيغة النية هنا أن ينوي استباحة فعل من الأفعال التي يمنعها الحدث كالصلاة ومس المصحف فأما إن نوى رفع الحدث لم يصح وخرج الأصحاب رواية أنه يصح بناء على أن التيمم كالوضوء في صحة بقائه إلى ما بعد الوقت وعلى هذا فصفة نيته كصفة نية الوضوء أن يتيمم لما يجب له التيمم

كالصلاة فرضها ونفلها ارتفع المنع مطلقا وإن نواة لما تستحب له النية ففيه وجهان كالوضوء ولا يلزم من هذا أن يكون التيمم رافعا للحدث بل يرفع منع الحدث لأن المقصود من رفع الحدث إزالة منعه وذلك موجود هنا فإذا وجد الماء عاد المنع والتزم بعض أصحابنا على هذا أن التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتا إلى حين وجود الماء فإذا وجد الماء عاد بموجب السبب السابق كما يقول إن تخمر العصير يخرجه من عقد الرهن فإذا تخلل عاد بموجب العقد السابق وكما قلنا في طهارة مسح الخفين على أقوى الوجهين وقال ابن حامد إن نوى به استباحة الصلاة مطلقا صلى به المكتوبة وإن تيمم لنافلة فلا والمشهور أنه لا يستبيح بالتيمم إلا ما نواه وما هو مثله أو دونه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال وإنما لكل امرىء ما نوى ولأن الحدث قائم لم يرتفع كما تقدم وإنما يبيح التيمم ما نواه كما تقدم ولا يلزم من إباحة الأدنى إباحة الأعلى فعلى هذا إذا تيمم لصلاة حاضرة مفروضة أو فائتة أو مطلقة فعل جميع ما سواها لأن الفرض أكمل أنواع الممنوعات بالحدث المباحة بالتيمم ولا فرق بين أن تكون واجبة بالشرع أو النذر وعلى مقتضى كلام أصحابنا لا يستبيح فعل الفرض لا بنية وإذا نوى نافلة الصلاة المطلقة أو معينة فله فعل جميع النوافل والطواف فرضه ونفله ومس المصحف لأن الطهارة للنافلة أوكد لها منهما لاشتراطها للصلاة إجماعا ولا يباح فرض الجنازة لأنها واجبة ولو تيمم للجنازة الواجبة أبيحت الصلاة النافلة لأنها دونها ويتخرج أنه لا يصح إلا أن أحمد جعل الطهارة لنفل الصلاة أوكد منه للجنازة وإن تيمم للطواف أبيح له اللبث في المسجد وقراءة القرآن وكذلك ينبغي أن يكون مس المصحف أو قراءة القرآن أو اللبث في المسجد لم يستبح غير ذلك وقيل يستبيح بنية مس المصحف والقراءة واللبث بخلاف العكس وكل واحد من القراءة واللبث

بنية الآخر وهذا أصح لأن ما اشترط له الطهارة أعلى مما اشترط له الطهارة الكبرى وقال القاضي يستبيح بنية مس المصحف قراءة القرآن جميع النوافل لأن جميع ذلك نافلة فهي في درجة واحدة ولو تيمم الصبي لصلاة ثم بلغ لم يجز أن يصليها به لأنه كان لنافلة وله أن يتنفل قبل الفريضة وبعدها وعنه ليس له أن يتنفل قبلها إلا السنن الرواتب لئلا يصير النفل متبوعا بخلاف السنن الرواتب فإن نية الفريضة تتضمنها
الشرط الرابع التراب فلا يتيمم إلا بتراب طاهر له غبار هذه ثلاثة شروط الأول أنه لا يتيمم إلا بالتراب خاصة وعنه أنه يجوز بالرمل وحملها القاضي على رمل فيه تراب وأقرها بعض أصحابنا على ظاهرها لما روى أبو هريرة أن ناسا من أهل البادية أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ويكون فينا الجنب والنفساء والحائض ولسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيديه على الأرض لوجهه ضربة وضرب الأخرى فمسح يديه إلى المرفقين رواه أحمد
ووجه الأول أن الله قال فتيمموا صعيدا طيبا قال ابن عباس هو تراب الحرث ولفظه فيما ذكر أحمد أطيب الصعيد أرض الحرث ومعنى أرض الحرث الأرض التي يكون فيها الشجر والزرع قال أحمد السباخ لا تنبت والحجر لا ينبت والحرث ينبت وعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا

كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء رواه مسلم
فلما خص التربة بالذكر بعد تعميم الأرض بكونها مسجدا علم اختصاصها بالحكم وحديث الرمل ضعيف لأن فيه المثنى بن الصباح ثم إن صح فهو محمول على الرمال التي فيها تراب لأنه جاء بلفظ آخر عيكم بالتراب فيدل على الذي في الرمل إنما تيمم بالتراب لأن العرب عادتها أن تعزب إلى الأرض لها حشائش رطبة وإنما الحشائش الرطبة في الرمل الذي يخالطه التراب ولأن الرمل لا يلصق باليد فأشبه الحصاء ولأن طهارة الوضوء خصت بالنوع الذي هو أصل المائعات وكذلك التيمم يخص بالنوع الذي هو أصل الجامدات وهو التراب فأما الأرض السبخة فقد قال أحمد أرض الحرث أحب إلي وإن تيمم من أرض سبخة أجزأ وقال أيضا من الناس من يتوقى السبخة لأنها تشبه الملح وقال أيضا لا يعجبني التيمم بالسباخ لأنه لا يثبت في يده منه شيء يخرج منها إلى غيرها فمن أصحابنا من جعلها كالرمل والمذهب إنها إذا كان لها غبار فهي كالتراب
وإن لم يكن لها غبار فهي كالرمل وعلى هذا ينزل كلام أحمد فإن عدم التراب وجب عليه التيمم بالرمل والسبخة والنورة والكحل والزرنيخ والرماد

وكل طاهر تصاعد على وجه الأرض في إحدى الروايتين اختارها ابن أبي موسى وغيره لقوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره
ويحمل حديث حذيفة على حال وجود التراب والأحاديث المطلقة عى عدمه لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن المسلم لا يزال عنده مسجده وطهوره وقد يعدم التراب في أرض الرمال والسباخ وغيرها ولا إعادة عليه إذا وجد الماء أو التراب في أصح الروايتين كما لو عدم الماء والتراب وأولى وفي الأخرى يعيد لأنه عذر نادر ويكون حكمه إذا وجد التراب كحكم التمسح بالتراب إذا وجد الماء نص عليه والرواية الثانية لا يتيمم إلا بالتراب اختارها الخلال وغيره لأن ما ليس بطهور مع وجود التراب لا يكون طهورا مع وجود التراب لا يكون طهورا مع عدمه كالحشيش والملح المائي فإن خالط التراب ما ليس بطهور كالكحل والنورة والزرنيخ فخرجها القاضي على وجهين
أحدهما وهو اختيار أبي الخطاب أن حكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات إن لم تغيره لم تؤثر وإن غير اسمه وغلب على أجزائه منع وإن غير بعض صفاته فعلى روايتي الماء
والثاني اختاره ابن عقيل وغيره يمنع بكل حال لأنه ربما حصل في العضو فمنع وصول التراب إليه إلا أن يكون مما ليس له غبار يعلق كا ونخاله الذهب فلا يؤثر ما لم يمنع وصول غبار التراب إلى جميع اليد وإذا خالط الرمل التراب قلنا لا يجوز التيمم به فهل يمنع اتيمم بالتراب على وجهين ذكرهما القاضي وغيره

الشرط الثاني أن يكون طاهرا لأن الله تعالى قال صعيدا طيبا والطيب هو الطاهر
ووجه الأول أن نزع الخفين والعمامة يبطل الوضوء فيبطل التيمم كسائر النواقض وهذا لأن الخف تتعدى إليه طهارة التيمم حكما كما تتعدى إلى سائر البدن لأن المسح على العضوين قائم مقام تطهير الأعضاء الأربعة فإذا كان عليه خفان فكأنه في الحكم مسح عليهما ولأن الحدث قائم بالرجين وإنما استباح الصلاة بالتيمم مع سترهما إذا ظهرتا ظهر حكم الحدث فيحتاج إلى تيمم حتى لو تيمم قبل اللبس ثم خلع لم ينتقض تيممه ويزيد التيمم على الماء بشيئين أحدهما أن خروج الوقت يبطلها في المشهور لأنها طهارة ضرورة فتقدر بقدرها كطهارة المستحاضة وقيل لا تبطل إلا بدخول وقت الصلاة الثانية لأنه حينئذ يخاطب بتجديد التيمم فعلى هذا يصلي الضحى بتيمم الفجر وقد تقدمت الروايتان الأخريان الثاني القدرة على استعمال الماء إما أن يجده إن كان عادما أو يقدر على استعماله إن كان مريضا لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير وقد تقدم ثم إن وجده قبل الصلاة بطل التيمم قولا واحدا وكذلك إن رأى ما يدل على الماء أو ظن وجود الماء فإنه يلزمه الطلب ويبطل تيممه في أحد الوجهين وإن وجده بعد الصلاة بطل أيضا فلا يصلي به صلاة أخرى وإن وجده في الصلاة بذل تيممه أيضا في ظاهر المذهب

وكان قبل ذلك يقول يمضي فيها ولا يبطلها فحمل الخلال وصاحبه المسألة قولا واحدا لأن الرجوع عنه وجوده كعدمه وأثبت ابن حامد وغيره المسألة على روايتين لأن القول الأول قاله باجتهاد فلا ينتقض باجتهاد ثان بخلاف نسخ الشارع وكذلك كل رواية علم الرجوع عنها وذلك لأن الصلاة حال لا يجب فيها استعماله كما بعد الفراغ ولأنه عمل صح بالبدل فلا يبطل بوجود المبدل عنه كحكم الحاكم بشهود الفرع لا يبطل بوجود شهود الأصل ولأنه وجد المبدل منه بعد الشروع في البدل فلم يجب الانتقال إليه كما لو وجد الأصل الهدى بعد الشروع في صوم المتمتع أو الرقبة بعد الشروع في صوم الكفارة ولأنه لا يمكن من الوضوء إلا بإبطال الصلاة وذلك منهي عنه بقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ونهي النبي صلى الله عليه و سلم الذي يخيل إليه الحدث في الصلاة أن يخرج منها إلا باستيقان الحدث فعلى هذا لو خرج منها لنجاسة أصابته أو غير ذلك لم يكن له أن يعيدها بذلك التيمم قولا واحدا فإن لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لإزالة النجاسة أعاد التيمم لأن الأول قد بطل بطلب الماء ولو نوى الإقامة في الصلاة ثم رأى الماء لم تبطل الصلاة بناء على جواز التيمم في الحضر وإنه لا إعادة عليه قاله القاضي فعلى هذا إن قلنا لا يتيمم في الحضر أو يعيد بطلت هنا لأنها غير معتد بها والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه و سلم الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك وقوله عليه السلام في الحديث وجعلت لنا تربتها طهورا إذا لم نجد الماء

فجعله طهورا بشرط عدم الماء والحكم المشروط بشرط يزول بزواله وأمر بأن يمسه بشرته إذا وجده وهذا يعم المصلي وغيره ولو افترق الحكم لبينه ولأن ما أبطل الطهارة خارج الصلاة أبطلها في الصلاة كسائر النواقض وتقريب الشبه أن هذه طهارة ضرورة ورؤية الماء تبطلها خارج الصلاة فكذلك داخلها كانقطاع دم المستحاضة وانتهاء مدة المسح ولأنه قد بطل تيممه فلزمه الخروج من الصلاة كما و كان مقيما أو نوى الإقامة والدليل على أن تيممه بطل مع قوله الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء أنه لو مضى فيها ولم يفرغ حتى عدم الماء لم يجز له أن ينتقل حتى يتيمم مع قولنا يمضي فيها على أشهر الوجهين وكذلك في المشهور لا يجوز له أن يزيد على ركعتين في التنقل المطلق الذي لم ينوه عددا ولأن الطهارة بالماء فرض كان عاجزا عنه فإذا قدر عليه في الصلاة لزمه فعله كالعاري إذا وجد الثوب والمريض إذا قدر على القيام وأما كونه لا يجب فيها الطلب فإنما ذاك إذا شك في وجود الماء لأنه قد دخل في الصلاة بيقين فلا يخرج منها بشك كالذي يخيل إليه الحدث فأما إن رأى ما يدل على وجود الماء مثل ركب لا يخلون من ماء ونحو ذلك لزمه الطلب فإن وجد الماء وإلا استأنف التيمم وشهود الفرع قد تم العمل المقصود بهم فنظيره هنا أن يجد الماء بعد الفراغ
ونظير مسألة التيمم أن يقدر على شهود الفرع في أثناء كلمة فإنه لا ينفذ حكمه بهم وأما قولهم وجد المبدل منه بعد الشروع في البدل هنا هو التيمم وليس هو الصلاة فلا يصح الوصف في الفرع وإن قالوا بعد الشروع في العمل بالبدل لم يصح الأصل
وثانيها أنه إذا شرع هنا في البدل وهو التيمم ثم وجد المبدل وهو الماء انتقل إجماعا

وثالثها إن وجود المبدل منه هنا يبطل البدل فلا يمكن إتمامه والاكتفاء به وهناك وجود الرقبة والهدي لا يبطل الصوم فأمكن إجزاؤه فنظير هذا بدل يفسد بوجود مبدله
ورابعها أنه منتقض بالصغيرة إذا اعتدت بالشهور ثم حاضت في أثنائها لتنتقل إلى المبدل وهو الاقراء وهذا نص أحمد والحاق مسألتنا بهذا أولى لأن العدة والصلاة يبنى آخرهما على أولهما فتفسد بفساده بخلاف الصيام وأما ابطال الصلاة هنا فهو لم يبطلها وإنما بطلت بحكم الشرع كما لو سبقه الحدث أو وجد السترة يعيد منه ولو فرضنا أنه أبطلها لغرض صحيح ليأتي بها على وجه الكمال لم يكن ذلك محذورا فإذا قلنا يخرج فإنه يستأنف الصلاة بعد وضوئه في المنصوص وخرج القاضي وغيره رواية أنه يتطهر ويبني كما يقول فيمن سبقه الحدث على إحدى الروايتين وفرق آخرون بين هذا وبين من سبقه الحدث بأن هذا كان المانع موجودا حين ابتداء الصلاة وهو الحدث وإنما جازت الصلاة معه بالتيمم إذا كمل مقصوده وهنا لم يكمل المقصود فيبقى المانع بحاله بخلاف من سبقه الحدث وكذلك الطريقان في المستحاضة إذا انقطع دمها في أثناء الصلاة ومن ابتدأ الصلاة عاريا ثم وجد السترة يعيد منه وكذلك الماسح إذا انقضت مدته في أثناء الصلاة إن قلنا المسح لا يرفع الحدث وإن قلنا يرفعه فهو كالحدث السابق ولا فرق بين صلاة العيد والجنازة وغيرهما ويتخرج أن يبنى في صلاة الجنازة وإن كان يخاف أنه إن خرج وتطهر فات الوقت وهو في السفر لم يخرج في أشهر الوجهين وإن كان في الحضر خرج كما لو كان خارج الصلاة ومن صلى بلا ماء ولا تراب ثم وجد أحدهما وقلنا يمضي في التي قبلها فقيل تبطل هنا لأنها صلاة بغير طهارة والصحيح أنا إن قلنا لا يعيدها مضى فيها وإن قلنا يعيدها قطعها كالمحبوس في المصر إذا وجد الماء في أثناء صلاته والمتيمم من البرد إذا قدر على الماء المسخن في أثناء صلاته وكذلك كل من تلزمه الإعادة فإنه يخرج ومن لا تلزمه فإنه يمضي وإن يمم الميت ثم وجد الماء في أثناء

الصلاة عليه فقيل يقطع قولا واحدا وقيل هي كالأولى وحيث جاز له المضي فهو واجب عليه في أحد الوجهين لأن إبطال الصلاة لا يجوز إلا لواجب وقال الشريف أبو جعفر القطع أولى لما فيه من الاختلاف وكالمكفر إذا انتقل من الصوم إلى العتق وإذا خرج الوقت وهو في الصلاة بطل تيممه في أشهر الوجهين وكذلك لو خرج الوقت قبل أن يصليها لأن خروج الوقت مبطل للتيمم كالقدرة على استعمال الماء والآخر لا تبطل بناء على أن التيمم لفعل الصلاة لا لوقتها وأنه يمضي فيها إذا شرع فيها بالتيمم ولو قدر على استعمال الماء في أثناء قراءة أو وطء أو لبث في المسجد أو مس مصحف قطعه قولا واحدا لأن بعضه لا يرتبط ببعض وإن كان في أثناء طواف فهو كالصلاة إلا أن نقول الموالاة فيه ليست واجبة ومن لم يجد ماء ولا ترابا أو وجدهما وعجز عن الوضوء والتيمم إما لقروح ببدنه وإما لعجزه عن فعل الطهارتين وعدم من يطهره فإنه يصلي على حسب حاله لما روت عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رجالا في ظنها فوجدوها فادركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم شكوا ذلك إيه فانزل الله تعالى آية التيمم رواه الجماعة إلا الترمذي
فصلوا بغير طهارة للضرورة فكذلك كل من عجز عن الطهارة ولأنه شرط من شرائط الصلاة فإذا عدم عجز عنه فعل ما يقدر عليه كسائر الشرائط فلا إعادة عليه في إحدى الروايتين وفي الأخرى يعيد اختارها

القاضي بناء عى العذر النادر وقد تقدم وبناء على أنه عجز عن الأصل والبدل فلم يسقط الفرض عنه كما لو عجز في الكفارات عن الأصول والأبدال أما فعل ما لا يجب من قراءة أو وطء أو مس مصحف أو صلاة نافلة فلا يجوز إلا بطهارة لأنه لا حاجة إليه ولو قيل بجوازه لتوجه بناء على أن التحريم إنما ثبت مع إمكان الطهارة ولأن له أن يزيد في الصلاة على أداء الواجب على ظاهر قول أصحابنا حتى لو كان جنبا قرأ بأكثر من الفاتحة فكذك فيما يستحب خارج الصلاة إذا اجتمع حي وميت كلاهما مفتقر إلى الغسل وهناك ماء مبذول لأولاهما به فالميت أولى به في أقوى الروايتين اختارها أبو بكر وغيره والحائض أولى به في أقوى الوجهين ومن عليه نجاسة أولى منهما وهو أولى من الميت في أحد الوجهين وإن قلنا الميت أولى من الجنب والصحيح أن الميت أولى به بكل حال لأنه لا ترجى له الطهارة بالماء بعد ذلك وإن اجتمع جنب ومحدث والماء يكفي المحدث ولا يفضل منه شيء دون الجنب فهو أولى وإن كان يكفي الجنب لصغر خلقه ولا يفضل منه شيء أولا يكفي واحدا منهما أو يكفي المحدث وحده ويفضل منه شيء فالجنب أولى لأن حدثه أغلظ وهو محتاج إلى استعمال الماء كله وإن كان يكفي كلا منهما وحده ويفضل منه شيء فهل يقدم المحدث أو الجنب أو يتساويان بحيث يقرع الباذل بينهما أو يعطيه لمن شاء على ثلاثة أوجه فأما إن كان ملكا لأحد هؤلاء فهو أولى به وإن اشتركا اقتسموه واستعمل كل واحد نصيبه لأنه لا يلزم الرجل بذل ما يحتاج للطهارة لطهارة غيره وإن كان الماء مباحا فهو كالمبذول لأنه متى وجده أحدهم كان أحوج إليه بمنزلة المضطر وغيره

إذا وجد فاكهة مباحة وقيل لاحظ فيه للميت لأنه لا يجد شيئا وإنما يجده الأحياء والأول أوجه لأن تغسيل الميت أوجب على الأحياء فإذا وجدوه كان صرفه إلى ما وجب عليهم للميت أولى ولأنهم يستفيدون بذلك الصلاة عليه ولو بادر المجروح فتطهر به أساء وصحت طهارته بخلاف الماء المغصوب لأنه لم يمكله أحد هكذا ذكر كثير من أصحابنا وحملوا مطلق كلام أحمد رضي الله عنه على ذلك وقد قال الإمام أحمد في قوم في سفر ومعهم من الماء ما يشربون ومعهم ما يغتسل به وقد أصابت رجلا منهم جنابة ومعهم ميت أعجب إلي أن يغسل الميت وتيمم الجنب فهؤلاء قوم مشتركون في الماء وقد يقدم الميت وهو إما أن يكون له نصيب في الماء أولا يكون له شيء وقد قدمه بنصيب الأحياء حتى بنصيب الجنب وهو في نفس هذه المسألة قد م الجنب في رواية أخرى وهذا فيما إذا كان الماء مشتركا لأن نصيب كل واحد لا يكفيه لطهوره ولا يستبيح به شيئا بل لا بد من تيممه فكان تخصيص واحد بالماء وآخر بالتيمم أولى من تيمم كل واحد وتشقيص طهارته ألا ترى أن الشرع قد حكم فيما إذا أعتق شخص من عبيد أن يجمع الحرية كلها في شخص واحد والرق في آخر لمصلحة تخليص الحرية والملك وإن كان فيه إسقاط حق المشترك من الحرية وقال أيضا فيمن معه ماء بأرض فلاة وهو جنب ومعه ميت إن هو اغتسل بالماء بقي الميت وإن غسل الميت بقى هو قال وما أدري ما سمعت في هذا شيئا وتوقفه هنا يخرج على الروايتين هناك وظاهر الرواية أن الميت لا شيء له في الماء ووجهه هذا أن تغسيل الميت واجب على الحي من الماء الذي يملكه كما يجب اغتساله بخلاف الحيين وهذا أيضا دلالة على المسألة الأولى

باب الحيض
الحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا وتحيضا إذا جرى دمها ويسمى الدم حيضا وهو دم خلقة وجبلة وكتب الله على بنات آدم بحكمه غذاء الولد ونباته فالولد يخلق من ماء الرجل والمرأة ثم يغذى في الرحم بدم الطمث فإذا ولد تحول الدم لبنا فيرضع منه فإذا خلت الرحم من ولد اجتمع الدم ثم خرج في أوقات معلومة قال بعضهم ولذلك وصى النبي صلى الله عليه و سلم ببر الأم ثلاث مرات وببر الأب مرة واحدة والأصل في ثبوت أحكام الحيض الكتاب والسنة والإجماع على ما يذكر في أثناء المسائل إن شاء الله تعاى
مسألة
ويمنع عشرة أشياء فعل الصلاة ووجوبها وفعل الصيام والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد والوطء في الفرج وسنة الطلاق والاعتداد بالأشهر ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح سائرها حتى تغتسل ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج لقول النبي صلى الله عليه و سلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح
في هذا الكلام فصول أحدها أن الحائض لا يحل لها أن تصلي ولا تصوم فرضا ولا نفلا فإذا طهرت وجب عليها قضاء الصوم المفروض دون

الصلاة وهذا مما اجتمعت عليه الأمة وقد روى الجماعة عن معاذة العدوية قالت سألت عائشة فقلت لها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية أنت فقالت ليس بحرورية ولكني أسأل فقالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ومعنى قولها أحرورية أنت الانكار عليها أن تكون من أه حروراء وهي مكان ينتسب إليه الخوارج وإنما قالت ذلك لأن من الخوارج من كان يأمرها بقضاء الصلاة لفرط تعمقهم في الدين حتى مرقوا منه
وقال النبي صلى الله عليه و سلم أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى متفق عليه وقال للمستحاضة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة والصوم واجب في ذمتها حين الحيض وكذلك على المسافر وكل من لزمته العبادة قضاء فإنها وجبت في ذمته كما يجب الدين المؤجل في ذمة المدين وكذك يفعلها قضاء لكن ذلك مشروط بالتمكن منها فيما بعد فإن مات قبل التمكن لم يكن عاصيا فإذا انقطع دمها صح الصوم في المعروف من المذهب كما يصح صوم الجنب لأن الطهارة غير مشروطة للصوم ولم تصح صلاتها لكن تجب في ذمتها لأنها صارت قادرة عى فعلها

الفصل الثاني
أنه لا يجوز لها أن تطوف بالبيت لما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها لما حاضت وهي محرمة اقضي ما يقضي الحاج إلا أنك لا تطوفي بالبيت حتى تطهري متفق عليه
وفي لفظ لمسلم حتى تغتسلي
ولما قالت إن صفية بنت حيي قد حاضت قال
أحابستنا هي قالت إنها قد أفاضت قال فلا إذن فلو كان طوافها جائزا لم تحسبهم ولأن الطواف بالبيت صلاة كما تقدم والحائض لا يجوز لها أن تصلي ولأن الطواف لا يصح إلا في المسجد الحرام والحائض لا يجوز لها أن تلبث في المسجد توضأت أو لم تتوضأ فإن خالفت وطافت لم يجز لها الطواف في أشهر الروايتين وفي الأخرى تجبره بدم ويجزؤها مع التحريم كما يجبر بالدم من ترك شيئا من الواجبات وفعل شيئا من المحظورات مع التحريم والإثم

الفصل الثالث
أنه لا يجوز لها قراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد لأن حدثها كحدث الجنب وأغلظ لقيام سبب الحدث وسواء في ذلك ما قبل الانقطاع وما بعده لأن أحسن أحوالها أن تكون كالجنب ولها العبور في المسجد لكن إن كان دمها جاريا فإنها تتلجم لتأمن من تلويث المسجد وقيل لا تدخله إلا لأخذ شيء منه دون وضع شيء فيه للحاجة إلى ذلك وقد تقدمت الأحاديث في جواز ذلك وأما اللبث فيه بالوضوء فيجوز إذا انقطع دمها وأما قبل فلا يجوز نص عليه لأن طهارتها لا تصح وسبب الحدث قائم ولذلك لم يستحب لها الوضوء لنوم أو أكل ونحو ذلك

الفصل الرابع
أنه يحرم وطؤها في الفرج فأما الاستمتاع منها فيما دون الفرج مثل القبلة واللمس والوطء دون الفرج فلا بأس به لقول الله سبحانه وتعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن والمحيض إما أن يكون إسما لمكان الحيض كالقبل والمنبت فيختص التحريم بمكان الحيض وهو الفرج أو هو الحيض وهو الدم نفسه لقوله أذى أو نفس خروج الدم الذي يعبر عنه بالمصرد كقوله واللائي يئسن من المحيض فقوله على هذا التقدير في المحيض يحتمل مكان الحيض ويحتمل زمانه وحاله فإن كان الأول فمكان المحيض هو الفرج وإن كان المراد فاعتزلوا النساء في زمن المحيض فهذا الاعتزال يحتمل اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة
ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج وهذا هو المراد بالآية لوجوه
أحدها أنه قال هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فذكر الحكم بعد الوصف بحرف الفاء وذلك يدل على أن الوصف هو العلة لا سيما وهو مناسب للحكم كقوله السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فإذا كان الأمر باعتزالهن من الإيذاء إضرارا أو تنجيسا وهذا مخصوص بالفرج فيختص بمحل سببه
وثانيها أن الإجماع منعقد على أن اعتزال جميع بدنها ليس هو المراد كما فسرته السنة المستفيضة فانتفت الحقيقة المعنوية فتعين حمله على

الحقيقة العرفية وهو المجاز اللغوي وهو اعتزال الموضع المقصود في الغالب وهو الفرج لأنه يكنى عن اعتزاله باعتزال المرأة كثيرا كما يكنى عن مسه بالمس والافضاء مطلقا وبذلك فسره ابن عباس فيما رواه ابن أبي طلحة عنه في قوله فاعتزلوا النساء في المحيض بقوله فاعتزلوا نكاح فروجهن رواه عبد بن حميد وابن حزم وأبو بكر عبد العزيز وغيرهم في تفاسيرهم
فأما اعتزال الفرج وما بين السرة والركبة فلا هو حقيقة اللفظ ولا مجازه
وثالثها أن السنة قد فسرت هذا الاعتزال بأنه ترك الوطء في الفرج فروى أنس أن اليهود كانت إذا حاضت امرأة منهم لم يؤاكوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح وفي لفظ إلا الجماع رواه الجماعة إلا البخاري والجماع عند الاطلاق هو الايلاج في الفرج فأما في غير الفرج فليس هو كالجماع ولا نكاح وإنما يسمى به توسعا عند التقييد فيقال الجماع فيما دون الفرج لكونه بالذكر في الجملة وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالجماع إنما تتعلق بالإيلاج لا سيما الاستمتاع في الفرج فما فوق السرة جائز إجماعا وروى أبو داود عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد من الحائض شيئا القى على فرجها شيئا وعن عائشة أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم سئل عن ما يحل للرجل من امرأته الحائض فقال تجنب شعار الدم رواه ابن بطة
ولأنه محل حرم للأذى فاختص التحريم بمحل الأذى كالوطء في الدبر ولا يقال هذا يخشى منه مواقعة المحظور لأن الأذى القائم بالفرج ينفر عنه كما ينفر عن الوطء في الدبر ولذلك أبيح له ما فوق الإزار إجماعا ثم إنه إذا أراد ذلك ألقى على فرجها شيئا كما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم لئلا يصيبه الأذى ولو روعي هذا فحرم جميع بدنها كالمحرمة والصائمة والمعتكفة ومع هذا فالأفضل أن يقتصر في الاستمتاع على ما فوق الإزار لأنه هو الغالب على استمتاع النبي صلى الله عليه و سلم بأزواجه
قالت عائشة كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يباشرها أمرها أن تأتزر بازار في فور حيضتها ثم يباشرها متفق عليه وعلى نحوه من حديث ميمونة ولأنه أبعد له عن الإلمام بالموضع امعتاد بخلاف الدبر فإنه ليس بمعتاد والفرج المباح يغني عن الدبر فلا يفضي إليه ثم القرب منه ضروري وهنا ليس هناك فرج مباح ولا ضرورة فنهاب الإلمام به على العادة السابقة أو يلوثه الدم مع ما في ذلك من الخروج من اختلاف العلماء

فصل
ولا يجوز وطؤها بعد انقطاع الدم حتى تغتسل لأن الله تعالى قال ولا تقربوهن حتى يطهرن أي حتى ينقطع دمها فإذا تطهرن أي

اغتسلت بالماء وهكذا فسره ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي طلحة وكذلك قال مجاهد وغيره وقال اسحاق بن راهوية أجمع أهل العلم من التابعين على أن لا يطأها حتى تغتسل وأكثر أهل الكوفة يقرؤون حتى يطهرن بالتشديد وكلهم يقرؤون الحرف الثاني فإذا تطهرن والتطهر إنما يكون فيما يتكلفه ويروم تحصيله وذلك لا يكون إلا في الاغتسال فأما انقطاع الدم فلا صنع لها فيه ولهذا لما قال وإن كنتم جنبا فاطهروا فهم منه الاغتسال فإن قيل فعى قراءة الأكثرين ينتهي النهي عن القراءتين بانقطاع الدم لأن الغاية هنا تدخل في المغيا لأنها بحرف حتى فإذا تم انقطاع الدم فقد انتهت الغاية قلنا قبل الانقطاع النهي عن القربان المطلق فلا يباح بحال فإذا انقطع الدم زال ذلك التحريم المطلق لأنها قد صارت حينئذ مباحة إن اغتسلت حراما إن لم تغتسل ويبين هذا الشرط قوله فإذا تطهرن وبهذا تبين أن قراءة الأكثر أكثر فائدة وهذا كقوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وأيضا فقد روي عن بضعة عشر من الصحابة منهم الخلفاء الراشدون أن المطلق أحق بزوجته حتى تغتسل من الحيضة الثالثة فإذا كان حدث الحيض موجب بقاء العدة فلأن يقتضي بقاء تحريم الوطء أولى وأحرى فإن لم تجد ماء تيممت فإن وجدت الماء عاد التحريم كما في التيمم للصلاة وغيرها

فصل
وإذا وطأ الحائض وجبت عليه الكفارة في ظاهر المذهب وعنه لا تجب بل يستغفر الله تعالى حملا للحديث الوارد فيه على الاستحباب مع ما فيه من الاضطراب فأنه وطء حرام لا لأجل عبادة فلم يوجب كفارة كالزنا والوطء في الدبر ووجه الأولى ما روى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدق بدينار أو نصف دينار قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول
ما أحسن حديث عبد الحميد فيه قيل له فتذهب إليه قال نعم وقال اسحاق بن راهوية هذه السنة الصحيحة التي سنها رسول الله صلى الله عليه و سلم في غشيان الحائض
وقد رواه الإمام أحمد بإسناد جيد من حديث قتادة عن مقسم ولأنه وطأ فرجا يملكه حرم لعارض فجاز أن يوجب الكفارة كالوطء في الصيام

والإحرام وطرده الاعتكاف وإن قلنا به وإلا قلنا حرم لسبب عارض من جهة الله وهذا لأن الكفارة ماحية للذنب وزاجرة عنه فلا يشرع في الكبائر ونحوها مما تأبد تحريمه كالزنا والوطء في الدبر فإنه أعظم من أن يكفر والدعي إليه أقوى من أن يكتفي فيه بالكفارة فأما إذا كان التحريم عارضا فربما دعت النفس إلى العادة فشرعت الكفارة ماحية للذنب فإنه أهون وزاجرة عن معاودته ولهذا أغنى وجوبها عن العتزير في أحد الوجهين ويشرع التعزير فيما لا كفارة فيه وبهذا أوجبنا الكفارة في وطء رمضان والإحرام ولم تكن العلة في الأصل افساد العبادة فقط لأنا نوجبها في الإحرام الفاسد والصوم الفاسد في رمضان وإنما وجبت في الأصل زجرا ومحوا وجبرا ولا شيء في الفرع يجبر فلهذا خفت

فصل
وهو مخير بين التكفير بدينار أو نصف دينار في أشهر الروايتين على ظاهر الحديث الصحيح في ذلك وعنه إن كان في اقبال الدم فدينار وإن كان في إدباره فنصف دينار حملا للتقسيم في موضعيين وقد روى عبد الكريم ابن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يقع على امرأته وهي حائض قال إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفوه فليتصدق بنصف دينار رواه الترمذي ولا شيء عليه إذا وطىء بعد انقطاع الدم في المنصوص من

الوجهين إذ لا نص فيه وحرمته أخف والوجه الآخر فيه الكفارة لبقاء التحريم
ولما روى ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم وغيره عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل في الحائض تصاب دينارا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار كل ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم رواه أحمد في المسند ورواه أبو داود موقوفا على ابن عباس والمعتمد هي الرواية الأولى لصحتها ونصف الدينار الزائد إذا أخرج دينارا فهو من الكفارة المقدرة المأمور بها وإن جاز تركه بخلاف ما زاد على ذلك فإنه صدقة محضة وإن أخرج على جهة التكفير فهو مرغب فيه ليس هو من الكفارة المقدرة المأمور لقوله الصدقة تطفىء الخطيئة وقوله أتبع السيئة الحسنة تمحها وقول حذيفة فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا كما يخير الحاج بين أن يبيت الليلة الثالثة بمنى ويرمي الجمرة من الغد وبين أن لا يفعل وكمن وجب عليه الهدي فأن أخرج سبع بدنة جاز وإن أخرج بدنة فهو هدي أيضا وهو أفضل ومن وجبت عليه بنت مخاض فأخرج

حقه جاز وكان الجميع زكاة والزائد عى ذلك لا يوصف بالوجوب عند بعض أصحابنا أن الواجب لا يجوز تركه وقد سمى الله تعالى ما زاد على الواجب تطوعا في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا يعنى أكثر من مسكين فهو خيرا له وقال النبي صلى الله عليه و سلم للذي وجبت في ماله بنت مخاض ذلك الذي عليك فإن تطوعت بخير منه قلبناه منك وآجرك الله عليه ووصفه بعضهم بالوجوب وإن جاز تركه كما في الركعتين الزائدتين في صلاة السفر كما قال بعضهم في الواجب الذي ليس بمقدر مثل القيام والركوع والسجود إذا طوله زيادة على ما يجزىء وأكثر ما فيه أنه يجب باختيار المكلف وهذا جائز كما يجب إتمام الإحرام إذا شرع فيه ويجب على العامي الأخذ بأحد القولين إذا اختار تقليد صاحبه وهذا لأنا نخيره بين أن يتركه أو يفعله على صفة الوجوب كما يخير بين ترك نوافل العبادات وبين أن يفعلها على الوجه المشروع فتكون الصفة واجبة بشرط فعل الأصل وإن لم تكن واجبة إذا ترك الأصل
فصل
وتجب الكفارة على العالم والجاهل سواء كان جاهلا بالحيض وبالتحريم أو بهما وكذلك الناسي كالعامد في المنصوص من الوجهين وفي الآخر لا يجب قاله ابن أبي موسى وغيره لأنه معذور ولأنها كفارة صغرى فلم تجب مع السهو ككفارة اليمين والأول أشهر لأن الحديث عام وقد روى حرب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى جارية له فقالت إني حائض فكذبها فوقع عليها فوجدها حائضا فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فقال له يغفر الله لك أبا حفص تصدق بنصف

دينار ولأن المحرم أو الصائم إذا وطىء ناسيا وجبت الكفارة في المشهور من الروايتين وكذلك هنا فإن وطأها طاهرا فحاضت في أثناء الوطء فإن استدام لزمته الكفارة وإن نزع في الحال انبنى على أن النزع هل هو جماع وفيه قولان لأصحابنا أحدهما هو جماع فإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إن جامعتك لم يجز له أن يجامعها أبدا في إحدى الروايتين خشية أن يقع النزع في غير ملك وإذا طلع عليه الفجر وهو مولج فنزع في الحال لزمته الكفارة كما اختاره ابن حامد والقاضي فعلى هذا تلزمه الكفارة هنا على الوجه المنصوص وهو اختيار ابن حامد لأن أكثر ما فيه أنه معذور والمعذور تلزمه الكفارة في النزع كما تلزمه في الصيام والإحرام وعلى الوجه الذي اختاره ابن أبي موسى لا كفارة عليه
والقول الثاني ليس النزع بجماع فلا شيء عليه هنا كما لا يفسد صومه بالنزع عند أبي حفص ولا يأثم به في اليمين على إحدى الروايتين وهل تجب الكفارة بوطء الصبي والمجنون على وجهين
وتجب من الذهب الخالص قال جماعة من أصحابنا وسواء كان تبرا أو مضروبا ويتوجه أن يجزؤه إلا المضروب لأن الدينار اسم للمضروب خاصة ولهذا يلزمه ذلك في الدية ولو كان ماله دنانير فأخرج عنها مكسرا لزمه أن يخرج الفضل بينهما في الزكاة ويجوز أن يعطيها لواحد وجماعة لأنه لم ينص على عدد فأشبهت النذر وإخراج القيمة هنا كإخراجها في الزكاة والكفارة وكذلك الدراهم عن الدنانير وقيل يجوز هنا وإن لم يجزئه هناك كالخراج والجزية
وأما المصرف فهو مصرف الكفارات في أحد الوجهين وهم الفقراء والمساكين وكل من يعطى من الزكاة بخاصة كابن السبيل والغارم لمصلحة

نفسه والمكاتب وفي الوجه الآخر هم المساكين خاصة وكذلك كل صدقة مطلقة هل تسقط بالعجز على روايتين ذكرهما القاضي إحداهما تسقط واختارها ابن حامد وغير ككفارة الوطء في رمضان ولأنه حق مالي ليس ببدل ولا له بدل فأشبه صدقة الفطر والمال لقوله صلى الله عليه و سلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى والثانية أنها لا تسقط واختارها بعضهم ككفارة اليمين والظهار والإحرام

فصل
وأما المرأة فلا يجب عليها إن كانت مكرهة وهي التي اضجعت قهرا أو وطئت وهي نائمة إذ لا فعل لها فأما المطاوعة ففيها وجهان تخريجا على الصوم والحج لكن المنصوص هنا هو الوجوب وهو الصحيح في الجميع لكن تمكينها من وطء الرجل بمنزلة الوطء في الحد ففي الكفارة أولى وأما النائمة والتي ضربت حتى مكنت فهل تلحق بالمطاوعة أو المغلوبة على نفسها على وجهين ويتخرج أن تجب على المكرهة أيضا ويتحملها الزوج أو لا يتحملها كما في الحج والصيام فعلى هذا يلزمها كفارة أخرى وقيل الكفارة الواحدة يشتركان فيها ويجب في وطء النفساء ما يجب في وطء الحائض نص عليه لأنها مثلها
فأما الوطء في الدم المشكوك فيه فلا يجوز وأما الكفارة فينبغي إن تبين أنه حيض كالمبتدأة والمعتادة والمنتقلة عادتها أو العائد دمها بعد انقطاعه في الحيض والنفاس إذا تكرر ذلك فعليها الكفارة وإلا كان كوطء المستحاضة ووطء المستحاضة حرام في إحدى الروايتين إلا أن يخاف العنت لأنه دم أذى فاشبه الحيض وفي الأخرى لا يحرم كدم القروح والجروح في الفرج ولم يذكر فيه كفارة

الفصل الخامس
أن الحيض يمنع سنة الطلاق فإذا طلقها في حالة الحيض كان مبتدعا بذلك لقوله تعالى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن يعني طاهرا من غير جماع وعن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطقها فليطقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء رواه الجماعة
ولأنه إذا طلقها حائضا لم تحسب تماما الحيضة من القروء فتتربص بعد تلك الحيضة بثلاثة قروء وفي ذلك تطويل للعدة وذلك اضرار بها وقد قيل إن الحيض مظنة الزهد فيها والتفرقة عنها فربما يعقبه الندم فإذا انقطع الدم كان الطلاق سنة نص عليه وذكر أبو بكر عبد العزيز فيها قولين يعني روايتين إحداهما أنه بدعة حتى تغتسل وهو اختيار بعض أصحابنا لأن في رواية أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعمر مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء رواه الدارقطني
وهذه الرواية تفسير الرواية الأخرى وتبين أن المسيس والطلاق إنما يكون بعد الاغتسال ولأن ما قبل الاغتسال في حكم الحيض في تحريم الوطء

وبقاء العدة وجواز الرجعة فكذلك في تحريم الطلاق وابتداء العدة وطرد ذلك إذا قلنا إن حضت حيضة فأنت طالق ووجه الأول ظاهر حديث ابن عمر في الرواية المشهورة ولأنه يصح فيه صومها وتجب فيه الصلاة فأشبه ما بعد الاغتسال

الفصل السادس
أنه يمنع الاعتداد بالأشهر إذا حصلت الفرقة في الحياة ويوجب الاعتداد به لقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقوله سبحانه واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن فأمر بثلاثة قروء إنما هو لذوات القروء ومفهوم قوله تعالى واللائي يئسن واللائي لم يحضن أن من ليست من الآيسات ولا من الصغار تعتد بسوى ذلك وهو الحيض فأما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا سواء صغيرة أو آيسة أو ممن تحيض لقوله والذين يتوفون منكم الآية فعم ولم يخص

الفصل السابع
أنه يوجب الغسل وهذا إجماع لما روت عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فقال إنما ذاك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي رواه البخاري وقد تقدم امره للحائض بالاغتسال من حديث أم سلمة وعائشة وأسماء وغيرهن ولأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الحائض ليست بطاهر لقوله ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن
وأمر بالطهارة للصلاة بقوله في سياق آية الوضوء وإن كنتم جنبا فاطهروا إلى قوله ولكن يريد ليطهركم مع قوله صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور أخرجه مسلم فعلم بذلك أن صلاتها قبل التطهر صلاة بغير طهور فلا تصح ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنب فهي بالغسل أولى والموجب له عند بعض أصحابنا انقطاع الدم لأن ما قبل ذلك لا يصح اغتسالها فلا يكون الغسل واجبا وعند بعضهم الموجب له خروج الدم وانقطاعه شرط لصحته كما يجب الغسل والوضوء بخروج الخارجات قبل انقطاعها وإن كانت الطهارة لا تصح إلا بعد انقطاعها وهذا أقيس ولو كان عليها غسل جنابة وهي حائض لم يجب عليها لأنه لا يفيد شيئا لكن إن كانت الجنابة قد أصابتها قبل الحيض يستحب لها أن تغتسل غسلها من الجنابة وإن كانت حائضا نص عليه في مواضع لأنها تستفيد بذلك ارتفاع حدث الجنابة الواجب قبل الحيض ومتى اغتسلت صح وارتفع حدث الجنابة وبقي حدث الحيض

الفصل الثامن
أنه يوجب البلوغ بما روت عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه الخمسة إلا النسائي ولأنه بالحيض تصلح المرأة أن تكون أما فحصل به الادراك والبلوغ كالانزال ولأنه أحد الأصلين من المرأة اللذين يخلق منهما الانسان فحصل البلوغ به كالمني ولأن بلوغ الأشد هو استكمال الانسان قواه والحيض والإمناء قوى آخر البدن حصولا فيه يحصل بلوغ الأشد
مسألة
وأقل الحيض يوم وليلة
الأصل في هذا الكلام أن الأسماء التي علقت الأحكام بها في الشرع ثلاثة أقسام
أحدها ما بين حده ومقداره بالشرع كأعداد الصلاة ومواقيتها ونصب الزكوات وفرائضها وعدد الطوفات ونحو ذلك
وثانيها ما يعلم حده ومقداره من جهة اللغة كالليل والنهار والبرد والفجر والسنة والشهر ونحو ذلك
وثالثها ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة فالرجوع فيه إلى ما تعرفه الناس ويعتادونه كالجود والقبض والتفرق ونحو ذلك والحيض شبيه

بهذا القسم فإن الدم الخارج من الفرج قسمان دم حيض ودم عرق ولا بد من الفصل بينهما لترتيب أحكام الحيض على عدم الحيض دون الدم الآخر
ولا شك أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة مثل خروج المني والبول وغير ذلك من الإنسان ودم الاستحاضة دم فساد ومرض وعرق فإذا خرج الدم على الوجه المعتاد في النساء كان دم حيض وإن خرج من العادة كان استحاضة بمنزلة الجرج والغالب على النساء أنهن يحضن ستا أو سبعا وقد وجد كثيرا من تحيض أقل من ذلك قال عطاء بن أبي رباح رأيت النساء من كانت تحيض يوما ومن كانت تحيض خمسة عشر يوما وذكر اسحاق بن راهوية عن بكر المزني أنه قال
تحيض آمائي يومين وذكر عبد الرحمن بن مهدي عن امرأة يقال لها أم العلا قالت حيضتي منذ آباد الدهر يومان فلم تزل على ذلك حتى قعدت عن الحيض وقا الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وقال اسحاق قد صح في زماننا عن غير واحدة أنها قالت حيضتي يومان قال وقالت امرأة معروفة من أهلنا لم أفطر منه عشرين سنة في رمضان إلا يومين وقال أبو عبد الله الزبير المصري كان من نسائنا من تحيض يوما ومن تحيض خمسة عشر يوما فإذا كان هؤلاء العلماء قد أخبروا بذلك أعلم أن في النساء من تحيض اليوم واليومين كثيرا فصار ذلك أمرا معروفا معتادا في النساء وكذلك قال الخلال مذهب أبي

عبد الله لا ختلاف فيه أن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشر لكن اختفلت الرواية في هذا اليوم فعنه هو يوم بليلته كما ذكره الشيخ وعنه يوم بدون ليلته اختاره أبو بكر لأن الأوزاعي قال عندنا امرأة تحيض بكرة وتطهر عشية ولأن الأصل في كل دم خارج أن يكون حيضا لأن دم الاستحاضة دم عارض لعلة والأصل عدمها والأولى اختيار الخرقي وأكثر أصحابنا لأن اليوم المطلق هو بليلته ولأن ذلك هو ثبت تكرره في النساء ما دون ذلك لم ينقل إلا عن واحد فلا يثبت العرف والعادة به كما لم تثبت العادة حق المرأة بمرة واحدة فأما ما دون اليوم إذا وجد فلا يكون حيضا لأنه لم يثبت في ذلك حيض معتاد فأشبه دم الصغيرة والآيسة ولأن الحيض يمنع الصوم والصلاة كما في الأحاديث والمجة الواحدة لا تمنع ذلك
مسألة
وأكثر خمسة عشر يوما
هذا هو المشهور عنه وقد روي عنه أن أكثره سبعة عشر يوما لما ذكره عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرتني امرأة ثقة من جيراني أنها تحيض سبعة عشر وحكى أيضا عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة والأول أشهر عند أصحابنا لأن حيض الخمسة عشر هو الذي كثر وجوده في النساء كما تقدم وقال أحمد حدثني يحيى بن

آدم قال سمعت شريكا يقول عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما وقال ابن المبارك قال الأوزاعي ومالك بن أنس كانت عندنا امرأة تحيض قال أحدهما خمسة عشر يوما وقال الآخر تحيض يوما واحدا حيضا معتدلا وقا الشافعي أثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يوما وقال اسحاق بن راهوية سمعنا من النساء من يحضن أحد عشر يوما أو اثني عشر يوما أو أربعة عشر يوما أو خمسة عشر يوما كل ذلك صح عن العلماء واستيقنوا ذلك عن نسائهم وغيرهن
وما زاد على ذلك فنادر لا يبني عليه قال عبد الرحمن بن مهدي لم يبلغنا أن امرأة حاضت أكثر من خمسة عشر يوما إلا واحدة حاضت سبعة عشر يوما وقال اسحاق لست أرى ما زاد على الخمسة عشر يصح كصحة الخمسة عشر يوما وقال في الخمسة عشر هي إجماع أهل العلم وما عقلوه وقد احتج على ذلك بما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن أما ناقصات العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل وأما نقصان دينها فإنها تمكث شطر عمرها لا تصلي

والشطر النصف فهذا يدل على أن النصف هو منتهى نقصان دينهن إذ لو كان أكثر من ذلك لذكره في معرض بيان نقص دينهن ولأنه لو لم يرد ذلك لذكر إما الغالب أو الأقل وهذا يدل أيضا على أن أقل الطهر خمسة عشر يوما إذ لو كان أقل من ذلك لذكره لأنه الغاية في نقص الدين فإن قيل بل أعتبر الغالب لأن غالب الأعمار من الستين إلى السبعين فقريب الربع قبل البلوغ وما بقي ترك الصلاة نحو ربعه فيسلم النصف قلنا ما تركت من الصلاة قبل البلوغ يشتركن فيه هن والرجال فلا يجوز أن يعد من نقص دينهن وأما قبل البوغ ليس الإنسان من أهل التكليف أصلا فلا يوصف منعه من الصلاة بنقص دين

مسألة
وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره
أما أكثر الطهر فلا حد له لأن من النساء من تطهر الشهر والسنة كما أن منهن من لا تحيض أبدا وأما أقله فثلاثة عشر وهذا هو المشهور من المذهب وقالت طائفة من أصحابنا أكثره خمسة عشر وحكاه ابن أبي موسى والقاضي وغيرهما رواية عن أحمد لما سبق وسلك طائفة من أصحابنا طريقه في ذلك وهو أن الله جعل عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر في مقابلة القروء الثلاثة التي هي عدة من الحيض كل شهر مقابل قرء أو لا

يجوز أن يكون في مقابله أقل الحيض والطهر لأن أقلهما يكون أقل من ذلك ولا في مقابلة أكثرها أو أقل وأكثر الطهر لأن أكثر الطهر لا غاية له فبقي أن يكون في مقابلة أقل الطهر وأكثر الحيض ثم منهم من قال أكثر الحيض خمسة عشر فأقل الطهر خمسة عشر وقال أبو بكر وغيره أقل الطهر ثلاثة عشر فأكثر الحيض سبعة عشر وعنه أنه ليس بين الحيضتين شيء مؤقت وهو على ما تعرف المرأة من عادتها وإن كانت إثنى عشر يوما أو عشرة أيام لأنه لا يؤقت في ذلك فيرجع فيه إلى العادة كأكثر الطهر ووجه المشهور ما احتج به الإمام أحمد ورواه عن علي رضي الله عنه أن امرأة جاءت إليه قد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت فقال علي لشريح قل فيها فقال شريح إن جاءت ببينة من باطنة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته شهدت أنها حاضت في شهر ثلاثا وإلا فهي كاذبة فقال على قالون معناه بالرومية جيد
وذكر اسحاق عن عطاء وابراهيم النخعي كذلك ولا يعرف لهم مخالف ولا يمكن في شهر ثلاث حيض إلا بأن تكون الثلاثة عشر طهرا كاملا فيثبت بهذا الحديث أن الثلاثة عشر طهرا صحيح فاصل بين الحيضتين وما دون ذلك لم يثبت فيه توقيف ولا عادة فلم يجز أن نجعل الدم الموجود في طرفه حيضتين إلا بدليل بخلاف ما إذا جعلناه حيضة واحدة فإن الأصل عدم التعدد والتغاير والله أعلم

مسألة
وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين
هذا هو المشهور في المذهب
وقد روي عنه في ابنة عشر إذا رأت الدم فليس بحيض قال القاضي فعلى هذه الرواية يكون أول زمن الحيض أول زمن الاحتلام وهو اثنتا عشرة سنة لما روي عن مكحول عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافع ومشفع من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله رواه أبو بكر والشافعي في الغيلانيات
ووجه الأول ما ذكره البخاري عن عائشة قالت إذا بلغت المرأة تسع سنين فهي امرأة ورواه القاضي أبو يعلى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة وفي إسناده نوع جهالة لكنه إذا م يكن حجة وحده فقد أيده قول صحابي ولولا أن التسع يمكن فيها البلوغ لما كانت المرأة ببلوغها ولأن المرجع في ذلك إلى الموجود والعادة ولم يعرف حيض معتاد قبل استكمال التسع فإن ندر وجود دم فهو دم فساد فأما بعدها فقد وجد حيض وحبل وقال

الشافعي أقل من سمعته من النساء تحيض نساء تهامة تحيض لتسع سنين وقال أيضا أرأيت جدة لها إحدى وعشرين سنة حجر عليها

مسألة
وأكثره ستون سنة
لا يختلف المذهب أن لانقطاع الحيض غاية إذا بلغتها المرأة لم تحض بعدها بل يكون الدم حينئذ دم فساد لأن الله تعالى قال واللائي يئسن من المحيض ولو أمكن أن الحيض لا ينقطع أبدا لم ييئسن أبدا ولأنه لم يوجد حيض معتاد في بنت المائة ونحوها فإن وجد شيء من ذلك فهو دم فساد كالصغيرة وهذه الغاية ستون سنة في إحدى الروايات لأن ما قبل ذلك قد وجد فيه حيض معتاد بنقل نساء ثقات
والثانية خمسون لقول عائشة إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره الإمام أحمد ورواه الدارقطني ولفظه لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد خمسين سنة قالوا وهذا تقدير لا يدرك بالرأي فيشبه أن يكون توقيفا والثالثة ستون في نساء العرب لأن نساء

العرب أشد جبلة وأسرا وقد ذكر الزبير بن بكار في جملة النسب عن بعضهم أنه قال
لا تلد الخمسين إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وقال أن هند بنت عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن ولها ستون سنة
وجعل الخرقي ما بين الخمسين إلى الستين دما مشكوكا فيه هل هو حيض أو استحاضة لتعارض العادة التي توجب أن يكون حيضا وقول عائشة الذي ظاهره التوقيف فتصوم فيه وتصلي لجواز أن لا يكون حيضا صحيحا كالمستحاضة وتغتسل إذا انقطع الدم وتقضي الصوم لجواز أن يكون حيضا صحيحا
مسألة
والمبتدأة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله جلست فإذا انقطع لأقل من يوم وليلة فليس بحيض
وذلك لأن الحيض هو شيء كتبه الله على بنات آدم ولا بد للمرأة في الغالب منه ودم الاستحاضة دم فساد ومرض لعارض والأصل هو الصحة والسلامة فيجب بناء الدم على الأصل والحاق الفرد بالأعم الأغلب فلذلك تجلس عن الصلاة أول ما ترى الدم فإن انقطع لأقل من يوم وليلة عى المشهور فهو دم فساد لأن الحيض لا يكون أقل من ذلك فتقضي ما تركت فيه من الصلاة

مسألة
وإذا جاوز ذلك ولم يعبر أكثر الحيض فهو حيض
لا تخلو المبتدأة إما أن ينقطع دمها ليوم وليلة ويستمر بها فإن انقطع فهو حيض تغتسل لانقطاعه وتصير طاهرا في جميع الأحكام ولا يكره لزوجها وطؤها كالمعتادة إذا طهرت لعادتها وعنه يكره وطؤها حتى يتكرر بها ذلك مرتين أو ثلاثا فتطهر أيام حيضها لأنها لا تأمن معاودة الدم في حال الوطء ولا مشقة عليه في الامتناع فيكره وطؤها كالنفساء إذا انقطع دمها لدون الأربعين فعلى هذا يترك الوطء إلى تمام أكثر الحيض كما قالوا في النفساء هذا موجب تعليل القاضي وصرح به غيره وإن استمر بها فالمشهور عن الإمام أحمد وهو اختيار أكثر أصحابه بأنها تحتاط فتغتسل عقب اليوم والليلة لجواز أن يكون المستمر دم استحاضة وتصوم الفرض وتصلي في هذه الأيام ثم إن انقطع لأكثر الحيض فما دونه اغتسلت غسلا ثانيا لاحتمال أن يكون حيضا فإن استمر بها الدم ثانية وثالثة على وجه واحد تبينا أنه دم حيض فتقضي ما صامت فيه أو طافت فيه من الفرض لأنه وقع في أيام الحيض فيجعل ما زاد على الحيض المتيقن مشكوكا فيه حتى يصير معتادا وإن انقطع دمها في الشهر الثاني لأقل الحيض تبينا أنه في الشهر الأول دم فساد فلا تقضي الصوم والطواف فيه لأنها فعلته في دم لم يحكم بأنه حيض وإنما هو كدم الاستحاضة ولأن اختلاف العادة يؤثر فيما ثبت أنه حيض ففيما لم يثبت أنه حيض أولى وهكذا إن زاد في الشهر الثاني على حيض الشهر الأول أو تقدم فإن الزيادة دم فساد لأنها لم تتكرر وقد ذكر أبو بكر وأكثر أصحابنا في هذه المسألة ثلاث روايات أخر إحداهن أنها تجلس الدم جميعه ما لم تعبر أكثر الحيض اختاره الشيخ رحمه الله هنا وهو اقيس في بادىء الرأي لأن الأصل في الدم الخارج أن يكون حيضا ما لم يقل دليل على فساده ولا دليل هنا لأنه موجود في زمن الإمكان المعتاد ولأن أول الدم جلسته لأنه في وقت الإمكان فكذلك آخره ولأنه كان دم حيض قبل اليوم والليلة والأصل في بقائه على ما كان ولأن النساء لم يزلن يحضن على عهد

رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ولم ينقل أنهن كن يؤمرن في أثناء الحيضة الأولى والثانية بالاغتسال عقب يوم وليلة ولو فعلن ذلك لنقل والثانية أنها تجلس غالب عادات النساء ستا أو سبعا كما تجلسه المستحاضة لأن الدم الموجود في هذه الأيام يظهر أنه حيض بخلاف ما بعد ذلك فاحتطنا له
والثالثة أنها تقصد عادة نسائها مثل أمها وأختها وعمتها وخالتها لأن الحيض هو من باب الطبائع والجبلات وبنوا الأب الواحد والأم الواحدة أقرب إلى الاشتراك في ذلك من غيرهم
وقال القاضي المذهب عندي رواية واحدة أنها تجلس أقل الحيض وإنما الروايات في المبتدأة المستحاضة وطريقة الجمهور أقوى لأن أبا بكر أثبت ذلك عن أحمد وحكوا عنه ألفاظا تدل على ذلك وقد قال بعضهم إذا كان قد جعل ما زاد على الأقل حيض في المستحاضة مع انفصاله بدم فاسد لكونه صالحا له فالصالح الذي م يتصل بدم فاسد أولى وهذه الأولوية لا تجيء على المذهب لأنها متى استحيضت فليس لها وقت ترتقبه تميز فيه دم الحيض عن غيره ولا سبيل إلى جعل الزائد مشكوكا فيه أبدا لإفضائه إلى الحرج العظيم وليس الاحتياط بأن تصلي وتصوم أولى من الاحتياط بأن لا تصلي وتقضي الصوم وقد تبينا أن بعض هذا الدم حيض وبعضه استحاضة فلهذا عدلنا إلى الفرق بين دم الحيض والاستحاضة بخلاف ما إذا لم يتجاوز أكثر الحيض فإنه دائر بين أن يكون حيضا أو استحاضة فأمكن الاحتياط فيه لانكشاف الأمر فيما بعد وهذا وجه المشهور ولأن هذا الدم لا تبنى عليه الاستحاضة على أصلنا فلم يكن حيضا كسائر الدماء الفاسدة ولأنه ليس قبله عادة ولا نتيقن أن بعده عادة والحيض الصحيح حاصل بدونه وهو دائر بين الحيض والاستحاضة فلم تترك الصلاة المتيقنة بشيء مشكوك فيه بخلاف

اليوم والليلة فإن المرأة أهل للحيض وقد رأت الدم ولا بد أن يكون منه ما هو دم حيض ويستحيل أن يكون الدم خارج في وقت الإمكان جميعه استحاضة وأمرناها أن تجلس أول ما رأته وإن جاز انقطاعه قبل اليوم لأن الأصل جريانه واستمراره فإن الانقطاع خلاف الأصل

فصل
فعلى الرواية المشهورة عن أحمد إذا قلنا أنها لا تجلس ما زاد على أقل الحيض حتى تصير عادة وقلنا العادة المعتبرة أن تتكرر ثلاث مرات فقالت طائفة من أصحابنا في المرة الرابعة تعمل بها فعلى هذا إذا تكرر الدم في الأشهر الثلاثة عى قدر واحد جلسته في الشهر الرابع ولم تغتسل إلا حين الانقطاع ولم تصل ولم تصم وتقضي ما حاضت من الفرض في تلك الحيضات وإن اختلف قدر الدم جلست القروء والمتفق عليه فلو رأت شهراسبعا وشهرا ستا وشهرا خمسا جلست في الرابع الخمس لأنها صارت عادة وسواء كان الاختلاف مرتبا أو غير مرتب فالمرتب أن تكون الزيادة والنقص على ترتيب مثل أن تحيض في الشهر الأول خمسا وفي الثاني ستا وفي الثالث سبعا أو بالعكس فتكون العادة خمسا على إحدى الروايتين وفي الأخرى ستا وغير المرتب مثل أن تحيض ستا ثم خمسا ثم سبعا فلا تكون العادة إلا الخمس لا تردد في أحد الوجهين لأن في اليوم السادس لم يتكرر متواليا بل انقطع في الشهر الثاني فيبطل كونه حيضا ولا بد في العادة من التكرر المتوالي وفي الوجه الآخر تجري فيه الروايتان ولا يجوز

وطؤها في هذا الدم وأجزنا وطء المستحاضة لأن هذا الدم أسوأ أحواله أن يكون مشكوكا فيه فيجب الاحتياط بترك الوطء فيه كما أحتيط بالصلاة فيه ولهذا كان صومها وطوافها واعتكافها هنا موقوفا وفي المستحاضة صحيحا وقال القاضي وابن عقيل إذا أثبتنا العادة بثلاث مرات فإنا نتبعها في المرة الثالثة وإن أثبتناها بمرتين عملت بها في المرة الثالثة وكلام أحمد يقتضي هذا وهو أشبه لأن العادة في المرة الثالثة كأقل الحيض في أول مرة فوجب العمل به من أول زمنه

مسألة
فإذا تكرر ثلاثة بمعنى واحد صار عادة
هذا أشهر الروايتين وعنه أنه يصير عادة بتكرار مرتين فتبني عليه المبتدأة في المرة الثالثة أو في المرة الثانية على اختلاف الطريقين لأن العادة مشتقة من العود وذلك يحصل في المرة الثانية والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما رد المستحاضة إلى عادتها قال اجلسي قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها وقال اجلسي قدر ما كانت تسحبك حيضتك وقال لتنظر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم فلتعتدد بذلك ولا يقال كانت تفعل كذا إلا لما دام وتكرر دون ما وجد مرة أو مرتين وقال في حديث آخر تجلس أيام اقرائها وأقل ما تكون الأقراء ثلاثة ولأن الثلاث آخر حد القلة وأول حد الكثرة ولهذا

قدر بها أشياء كثيرة مثل جيار المصارة وخيار المخدوع ومدة الهجرة والإحداد على غير الزوج وإقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه وغير ذلك وقولهم العادة مشتقة من العود إنما يصح لو كان الشرع هو الذي علق الحكم باسم العادة والعادة من ألفاظ الفقهاء وهذا كما يقول بعضهم أقل أسماء الجموع إثنان لأن الجمع الضم وذلك موجود في الإثنين وإنما يصح هذا لو كان العرب سمت هذه الألفاظ جموعا وإنما هذه تسمية النحاة ثم لو راعينا الاشتقاق فإن العادة لا تحصل بعود مرة لأن أصلها عودة فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قبلت الفا وهذه صيغة مبالغة فلا يحصل ذلك إلا بتكرار العود وأقل ما يتكرر فيه العود مرتين بعد الأولى وسواء كانت الأشهر الثلاثة متوالية أو متفرقة حتى لو حاضت سبعا ثم ستا ثم خمسا فإنها تجلس الخمس فإن حاضت في الشهر الرابع ستا صارت هي العادة كتكررها ثلاث مرات هذا أحد الوجهين
وفي الثاني لا تثبت العادة إلا بتوالي أشهر الحيض لأنها لما حاضت بعد ذلك ستا صار اليوم السادس حيضا مبتدئا لا معتادا وهذا أشبه بالمذهب لأن من أصلنا أن العادة إذا نقصت في بعض الأشهر فإن كانت تحيض عشرا فحاضت في شهر سبعا ثم استحيضت في عقب ذلك فإنها تبني على سبع

مسألة
وإن عبر ذلك فالزائد استحاضة
المستحاضة هي التي يخرج منها دم الحيض وليس بحيض بل هو دم عرق وفساد لمرض أو انحلال طبيعة أو غير ذلك وهذا الدم يفارق حكمه حكم الحيض لأنه شبيه بدم الجرح والفصاد ونحو ذلك وليس هو دم الجبلة الذي كتبه الله على بنات آدم وخلقه لحكمة غذاء الولد وتربيته وهو ثلاثة أقسام
أحدها أن تعلم أنه دم استحاضة كالدم تراه الصغيرة والعجوز الكبيرة أو الذي يجاوز أكثر الحيض فإن الذي يجاوز أكثر الحيض يعلم أنه استحاضة
وثانيها أن تقوم الامارة على أنه دم استحاضة من العادة أو التمييز أو غيرها
وثالثها أن يلتبس الأمر ويشتبه كما سنذكر إن شاء الله تعالى وهذا الذي يشتبه على قسمين منه ما يعلم أن بعضه حيض وبعضه استحاضة وقد اختلط هذا بهذا ومنه ما لا يدري أدم حيض هو أم دم استحاضة وهذا هو المشكوك فيه فصارت الدماء ثلاثة أصناف منها ما يحكم بأنه حيض ومنها يحكم بأنه استحاضة ومنها ما يشك فيه فمتى عبر الدم في المبتدأة أكثر الحيض فهي مستحاضة يجري عليها حكم المستحاضات كالمعتادة ثبت في حقها حكم الاستحاصة في أول مرة في أصح الوجهين وفي الاخر وهو قول القاضي قديما لا يثبت في حقها حكم المستحاضة حتى يتكرر مرة أو مرتين على اختلاف الروايتين لأنه يرجى انكشاف حالها قريبا بحدوث عادة لها فتجلس على قوله يوما وليلة في ظاهر المذهب في الأشهر الثلاثة على قولنا لا

تثبت العادة إلا بثلاث ومن الثالث أو الرابع تجلس كما تجلسه المستحاضة وهو ست أو سبع في المشهور وإن تبين أن بعض ما تجلسه كان حيضا فتقضي صومه كغير المستحاضة والوجه الأول أصح وقد نص على معناه وهو الذي اختاره عامة أصحابنا حتى القاضي أخيرا ثم إن كانت جلست أكثر الحيض كما ذكره الشيخ فتغتسل عند انقضاء زمن الحيض وتلتزم حكم المستحاضة من حينئذ لأنها قبل ذلك لم تكن تعلم أنها مستحاضة فإذا استمر بها الدم في الشهر الثاني عملت إما بالتمييز أو بالغالب كما سيأتي وما تركته من الصلاة في الشهر الأول في الزمن الذي تبين أنها كانت فيه استحاضة إما بالتميز أو بالغالب فإنها تقضيه وإن كانت جلست أقله فإنها تقضي ما صامت في المدة التي تبين أنها حيض فكذلك إن جلست غالبة أو عادة نسائها

مسألة
وعليها أن تغتل عند آخر الحيض
هذا على ما ذكره وهو أنها تغتسل عند آخر الذي قعدته أولا فكذلك كل استحاضة فإن عيها أن تغتسل عند آخر الحيض لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال فاطمة بنت أبي حبيش إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي رواه البخاري
ولا يجب عليها في مدة الاستحاضة غسل وإنما عليها أن تتوضأ لأن في حديث فاطمة وتوضأي لكل صلاة ولم يأمرها بالغسل وحيث ما جاء الوضوء فهو استحاضة وإن اغتسلت كل يوم غسلا من الظهر إلى

الظهر فهو أفضل من الوضوء لأنه ما من يوم إلا ويمكن أن دم الحيض قد انقطع فيه والأفضل من ذلك أن تغتسل ثلاثة أغسال غسلا تجمع به بين الظهر والعصر وغسلا تجمع به بين المغرب والعشاء وغسلا تصلي به الفجر فتكون قد صلت بطهارة محققة وأشد ما قيل فيها أن تغتسل لكل صلاة لما روي عن عائشة قالت استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم اغتسلي لكل صلاة رواه أبو داود وعن عائشة أن سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وسألته عن ذلك فأمرها بالغسل عند كل صلاة فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل والصبح بغسل رواه أحمد وأبو داود ولأن وقت كل صلاة يجوز أن يكون قد انقطع دم الحيض لا سيما في المتحيرة لأن العادة والتمييز ليسا بدليل قاطع لجواز انتقال العادة وكون الأصفر والأحمر دم حيض ولأنه وإن كان استحاضة محققة فهو شبيه بدم الحيض فجاز أن يستحب معه الغسل كالحجامة وأولى
مسألة
وتغسل فرجها وتعصبه
لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة قإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي وقال لحمنة أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت إنه أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا قالت هو أشد من ذلك قال

فتلجمي وقال في حديث أم سلمة للمستحاضة لتستثفر بثوب قال الخطابي هو أن تشد ثوبا تحتجز به يمسك موضع الدم لمنع السيلان فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بغسل الدم وأمر بما يوجب حبس الدم عن السيلان من احتشاء أو شد أو تعصيب حسب الإمكان وذلك لأنه نجاسة وحدث أمكنت الصلاة بدونها فوجب الاحتراز منه كغير المعذور وإن غلب الدم وخرج بعد إحكام الشد والتلجم لم يضر ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة من ازواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضأي لكل صلاة وصلي وإن قطر الدم على الحصير رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني
وكان عمر رضي الله عنه لما طعن يصلي وجرحه يشخب دما احتج به الإمام أحمد ورواه هو وغيره وقال اسحاق كان زيد بن ثابت به

سلسل البول وكان يداويه ما استطاع فإذا غلبه توضأ ولا يبالي ما أصاب ثوبه ولأن هذا أقصى ما يمكنه ولا يكلف الله نفسها إلا وسعها ولا إعادة عليه لأنه فعل ما أمر به ولأنه عذر يتصل به ويدوم ففي إيجاب الإعادة مشقة ويجب إعادة غسل الدم والتعصيب لوقت كل صلاة كالوضوء في أحد الوجهين سواء ظهر الدم في ظهر العصابة أو كان بباطنها والآخر لا يجب وهو أقوى لأن في غسل العصائب كل وقت وتجفيفه أو إبداله بطاهر مشقة كبيرة بخلاف الوضوء ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمرها بالوضوء لكل صلاة لم يذكر غسل الدم وعصب الفرج

مسألة
وتتوضأ لكل صلاة وتصلي
وجملة ذلك أنه لا يجوز أن تتوضأ إلا بعد دخول الوقت فإذا توضأت صلت به ما شاءت من الفروض والنوافل وعنه لا تجمع بوضوء واحد فرضين لكن إذا غتسلت فلها أن تجمع بالغسل بينهما لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لفاطمة وتوضئي لكل صلاة وجوز الجمع بين الصلاتين بغسل واحد لحمنة بنت جحش وسهلة بنت سهيل والمشهور الأول لأنه إذا جاز أن تجمع بين الفرضين بغسل واحد جاز بوضوء واحد لأن الحدث قائم في الموضعين وإنما كان الغسل أفضل خشية أن يكون الخارج دم حيض وقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة من الصلوات المعهودة لما روى ابن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنها كانت تهراق

الدم وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة
لأنه يجوز لها الجمع بين نوافل وفرض ولو أراد أنها تتوضأ لفعل كل صلاة مطلقا لما جاز ذلك ولأن الصلاة الراتبة هي المشهورة فأما الفوائت والمجموعة فنادرة فإذا قيل توضأ عند كل صلاة انصرف الإطلاق إلى المعهود ولهذا لما قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ لكل صلاة لم يفهم إلا الصلوات الخمس في مواقيتها ولا يجوز طهارتها قبل الوقت لأنها طهارة ضرورة فلم يجز في وقت الاستغناء عنها كالتيمم وأولى لأن سبب الحدث هنا خارج عند التطهر وبعد بخلاف التيمم فإن القائم هناك الحدث ولأنه حكم مقيد بالضرورة فيقدر بقدها كأكل الميتة
ولأن الحدث الخارج ينقض الوضوء ويوجب الاستنجاء إلا ما عفي عنه للضرورة ولا ضرورة قبل الوقت فإذا خرج الوقت انتقضت طهارتها كما تنتقض بدخوله لو توضأت قبل ذلك في أحد الوجهين اختاره القاضي والوجه الآخر وهو ظاهر كلام أحمد أنها لا تبطل بخروج الوقت وإنما تبطل بدخوله فإذا توضأت للفجر لم يبطل وضوؤها إلا بزوال الشمس لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة وتتوضأ لكل صلاة وذلك يقتضي بقاء طهارتها من الوقت إلى الوقت ولأن كلما دخل وقت صلاة فهي مأمورة بالوضوء لها فوجب عليها وجاز أن تصلي بما شاءت بعد ذلك تبعا فلا فرق بين ما تفعله في الوقت أو بعد الوقت فإذا توضأت فإنها تنوي رفع الحدث المتقدم أو استباحة الصلاة من الحدث المتأخر فإن نوت رفع الحدث فقط لم يكن لأن سبب الحدث دائم فلا يرتفع هكذا ذكره بعض أصحابنا وكلام غيره يقتضي أنه لا يجب عليها ذلك لأنهم قالوا هذه الطهارة

ترفع بها حدثا سابقا ولا يوثر فيها تجدد الحدث بل يتعقب هذا الحدث طهارتها فتكون محدثة وإن أجزنا لها الصلاة مع الحدث لأنه لم يمكن في حقها أكثر من ذلك وإن نوت الاستباحة فقط أجزأ لأنه يعم الاستباحة من الحدثين ويتضمن ارتفاع الحدث المتقدم ولا يجب أن تنوي الطهارة للفريضة مثل التيمم لأن هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها وهو المتقدم والحدث المتجدد بعد ذلك معفو عنه للضرورة فلا يوجب طهارة أخرى والأفضل أن تصلي في عقب الطهارة إحترازا عن الحدث والنجاسة بعد الإمكان إلا أن تؤخرها لبعض مصالحها كانتظار جماعة أو إقامة أو تكميل سترة فإن أخرتها لغير مصلحة فقد قيل لا يجزؤها لأنه أمكن التحرز عن ذلك فأشبه ما لو لم يحكم الشد والصحيح أنه يجزىء لأن الطهارة مقيدة بالوقت كما تقدم ولأنه يجوز لها أن تطيل القراءة والتسبيح في الصلاة فجاز لها التأخير كصلاة المغرب بخلاف ما بعد خروج الوقت فإنه لا يجوز مد الصلاة إليه عمدا ولأن طهارتها باقية في حق النوافل التي لم تصلها تبعا مع تأخيرها فلاأن يبقى لفرض الوقت أولى
مسألة
وكذلك حكم من به سلس البول ومن في معناه
يعني كل من به حدث دائم لا ينقطع قدر ما يتوضأ ويصلي كسلس البول والمذي والريح والجرح الذي لا يرقأ والرعاف الدائم قال هؤلاء يتوضؤون لكل صلاة ويمنعون الحدث بقدر الطاقة ثم من كان حدثه بخروج نجاسة وجب تطهيرها إن أمكن كالجريح ومن لم يمكنه أن يعصب على جرحه عصابا لم يكن عليه شيء فإن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثغب دما

ولأن هذا حدث دائم فأشبه المستحاضة وينقض طهارتهم ما ينقض طهارة غيرهم سوى الحدث الدائم مثل أن يبول أحدهم أو يمس ذكره لأنه في هذا الحدث بمنزلة الصحيح فأما الحدث الدائم فإن كان متواصلا أو يقطع تارات لايتسع الوضوء والصلاة لم تبطل الطهارة كما تقدم لأنه لو أبطل الطهارة مطلقا لما أمكنت الصلاة معه وإن انقطع قدرا يتسع الوضوء والصلاة فهو على قسمين
أحدهما أن ينقطع عن برء بأن لا يعود بعد ذلك فيتبين بهذا الانقطاع بطلان طهارته لأن الحدث الخارج قبل الانقطاع كان مبطلا للطهارة وإنما عفي عنه للضرورةفمتى زالت الضرورة ظهر أثره وكذلك الحدث القائم ببدن المتيمم فإن انقطع ولم تعلم هل هو عن برء أو غير برء لم يحكم بأنه برء لأن الأصل عدم البرء وبقي بلا سبب الاستحاضة فرن لم يعد وتبين أنه كان عن برء حكمنا ببطلان كل صلاة صلتها بعد هذا الانقطاع إذا كان قد وجد قبله حدث بعد الطهارة لأنا تبينا أنها صلت بعد انتقاض وضوئها انتقاضا يوجب الوضوء وأفضى إلى ما فيها أنها جاهلة بالحدث ولا فرق في بطلان الصلاة بين العالم بالحدث والجاهل به يعم إن كان صاحب هذا الحدث إماما فهو كمن أم قوما ناسيا لحدثه أو جاهلا به وإن كان هذا الانقطاع في الصلاة فهو على الطريقين الذي يذكر أن فيما بعد الثاني أن ينقطع عن غير برء بل ينقطع ويعود فإن كان زمن هذا الانقطاع معلوما وقد صار عادة لزمها أن تتحرى وتتطهر وتصلي فيه ومتى انقطع على هذا الوجه بطلت طهارتها لأنها أمكنها الصلاة بطهارة صحيحة من غير مشقة فأما إن عرض هذا الانقطاع لمن عادته اتصال الحدث فكذلك في أحد الوجهين ذكرهما الآدمي وغيره وهو الصحيح عند كثير من أصحابنا منهم القاضي وابن عقيل لأن الضرورة زالت به فيظهر حكم الحدث كالمتيمم إذا رأى الماء سواء وجد هذا الانقطاع في الصلاة أو خارجها لأن ما كان حدثا خارج الصلاة كان حدثا فيها وقد خرجها ابن حامد وغيره على روايتي المتيمم إذا رأى الماء وأبى غيره التخريج لأن الحدث هنا قد وجد بعد الطهارة ولم يوجد عنه بدل يبنى على حكمه وقد قدر على شرط العبادة فيها فأشبه العاري إذا وجد

السترة والمصلي بالنجاسة إذا قدر على إزالتها في الصلاة لاسيما وهنا مبطلان بطلان طهارة الحدث وحمل النجاسة وإذا خرج وتطهر فإنه يستأنف وقد خرج القاضي وجها وغيره أنه يبني كما خرجه في التيمم ثم إذا انقطع ولم يعلم هل هو انقطاع متسع أو غير مستع لم يحكم ببطلان الوضوء حتى يمضي زمن يمكن فيه الوضوء والصلاة لأن الانقطاع الذي يوجب الطهارة مشكوك فيه ولايجوز له أن يصلي به لاحتمال دوامه واستمراره وليست هنا طهارة متيقنة لأن الحدث وجد بعدها والمسوغ الصلاة معه وهو دوامه مشكوك فيه فأشبه المتيمم إذا شك في عدم الماء قبل الدخول في الصلاة لم يجز له أن يصلي حتى يستبرئ فإن خاف وصلى واتسع الانقطاع تبينا بطلان صلاته لبطلان طهارته وإن لم يتسع الالانقطاع فالطهارة بحالها وكذلك الصلاة لأنا تبينا أنها وقعت بطهارة في أحد الوجهين وفي الآخر لايصح وهو أقيس لأنه شرع في الصلاة مع المخالفة فلم يصح وإن أصاب كمن شك في الطهارة فصلى ثم تيقن الطهارة وماسح الخف إذا شك في انقضاء المدة ثم صلى ثم تبين بقاؤها وكذلك لو صلى إلى القبلة بلا احتهاد ولا تقليد ثم تيقن أنه أصاب أو حكم الحاكم أو أفتى المفتي أو قال في القرأن أو شهد الشاهد بغير الطريق المشروع وتبين أنه أصاب أو حكم الحاكم أو أفتى المفتي أو قال في القرآن أو شهد الشاهد بغير الطريق المشروع وتبين أنه أصاب وإن كان الانقطاع في الصلاة قطعها بمجرده في أشهر الوجهين
كما منع من ابتدأ الصلاة معه فإن أتمها واتسع زمن الانقطاع تبينا بطلانها وإلا خرج فيها الوجهان والأظهر أنه يتمها هنا لأن الانقطاع محتمل أن يكون متسعا ويحتمل أن يكون ضيقا فلا تبطل به الصلاة المتيقنة كالمتيمم إذا طلع عليه ركب وهو في الصلاة ولم يعلم أن معهم ماء ولو كان لها عادة بانقطاع ضيق فاتسع الانقطاع فهو كما لو عرض الانقطاع المتسع ابتداء لكن إذا تطهرت هنا كانت الطهارة صحيحة في نفسها فلو لبست عليها خفا كانت قد لبسته على طهارة صحيحة حتى لو عاد الدم بعد ذلك ثم انقطع انقطاعا متسعا كان لها المسح بخلاف ما لو جرى الدم قبل اللبس ثم انقطع الانقطاع المعتبر فإنا نتبين أنه ملبوس علي حدث هذا كله إذا عرض الانقطاع واختلف ولم يكن له وقت معلوم

وقدر معلوم يبنى عليه فيصير مثل العادة بل تقدم تارة وتأخر أخرى وضاف مرة واتسع أخرى ووجد مرة وعدم أخرى فكذلك أيضا عند كثير من أصحابنا إلا إنه إذا وجد لم يمنع من الدخول في الصلاة معه ولا المضي فيها حتى يتبين أنه متسع لأنها قد ألغت الانقطاعين من الطويل والقصير فليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر ولأن الأنقطاع الضيق قد صار عادة فأشبه ما لو لم تعد غيره
الوجه الثاني أن هذا الانقطاع لايبطل مطلقا وقال أحمد بن القاسم سألت أبا عبد الله فقلت إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير ويوقنون بوقت يقولون إذا توضأت للصلاة وقد انقطع الدم ثم سال بعد ذلك ذلك قبل أن تدخل في الصلاة تعيد الوضوء ويقولون إذا كان الدم سائلا فتوضأت ثم انقطع الدم قولا آخر قال لست أنظر في انقطاعه حين توضأت سال الدم أم يسل إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فقد نص على أن الانقطاع حين الوضوء لا عبرة به ولم يفرق بين طويلة وقصيره وإنه سال بعده دم أو لم يسل
ومقتضى هذا أنه إذا انقطع طويلا فتوضأت فيه ولم تصلي حتى سال الدم فطهارتها باقية وإن اتسع الانقطاع وأن السائل بعد ذلك لاينقض الوضوء حتى يخرج الوقت سواء انقطع بعد ذلك أو لم ينقطع وأنه لافرق بين وضوئها وهو منقطع أو هو سائل ولو كان الانقطاع قد نقض الطهارة الماضية لكان الوضوء فيه واجبا بخلاف السيلان فاختلف أصحابنا في

هذا الكلام بعد اتفاقهم على أن ظاهره أن انقطاع الحدث لايبطل الطهارة فتأوله القاضي على الانقطاع القليل المعتاد ومنهم من أقرة على ظاهره وهم أهل الوجه الثاني لكن منهم من قال لا أثر لهذا الانقطاع العارض أو المختلف المعتاد وأن طهارتها صحيحة ما لم ينقطع انقطاع برء أويخرج الوقت إلا أن يكون وقت الانقطاع معلوما واسعا كما تقدم قال أبو الحسن الآمدي وهو الظاهر وهو اختيار الشيخ صاحب الكتاب ومنهم من قال أما الانقطاع للعارض فإنها تفعل فيه كما تقدم وأما المتكرر والمختلف فإنها لا تلتفت إليه وهذه الطريقة في الجملة أشبه بكلام أحمد وأشبه بالسنة فإن الحكم لو اختلف بهذا الانقطاع وجودا وعدما لبينه النبي صلى الله عليه و سلم للمستحاضات فإنه يعرض كثيرا لهن ثم تكليفها كلما انقطع الدم لحظة أن تنظر هل يعود بعد مدة متسعة أو ضيقة فيه مشقة عظيمة ثم فيه تقدير الطهارة بالفعل الذي لا ينضبط وإن قولهم قدر ما يسع الوضوء والصلاة يختلف ذلك باختلاف بعد الماء من المتوضئ وقربه وسرعته وبطاؤه ونشاطه وكسله وكذلك الصلاة ثم بماذا يقدرون هذا الوضوء والصلاة بأقل ما يجزئ من المتوضئ مرة مرة والاقتصار على الفاتحة وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود أم بالوضوء والصلاة الكاملتين فإن كان الأول فنحن نجوز لها مع قيام الدم أن تصلي صلاة كاملة فلأن يجوز ذلك إذا انقطع وخشيت عوده بطريق الأولى فكذلك الثاني فإنه يجوز لها تطويل الأولى ثم لو كان إذا انقطع الدم وجب عليها الوضوء والصلاة به ولم يتسع الوقت للقدر المجزئ لما جاء تكميل الوضوء والصلاة كمن خشي أنه إن توضأ ثلاثا وصلى صلاة كاملة خرج الوقت لم يجز أن يصليها ثم إنها لا

تعلم قدر الزمان إلا بمضيه وحينئذ يفوت المقصود فكيف تكلفه وإن وجب عليها الضوء ثانيا فلا فائدة فيه لقيام الحدث معه وهي لاتنسب في ذلك إلى تفريط ثم تقدير الزمان بفعل قليل للواحد إنما يعلم بحرز وفرض وذلك يختلف باختلاف أراء الناس ومواقيت العبادات حدود لله لايجوز تعديها فكيف يفوض إلى الناس

مسألة
فإذا استمر بها الدم في الشهر الآخر فإن كانت معتادة فحيضها أيام عادتها وإن لم تكن معتادة ولها تمييز وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا وبعضه رقيقا أحمر فحيضها زمن الأسود الثخين
أما إذا استمر بها الدم فلا يخلوا إما أن يكون لها عادة محفوظة يعلم قدرها ووقتها أولا فإن كان لها عادة رجعت إلى عادتها فجلست قدر ما كانت تحبسها حيضتها سواء كان الدم في جميعها أسود أو أحمر أو بعضه أسود وبعضه أحمر في أشهر الروايتين وهي اختيار أكثر الأصحاب وإن لم تكن معتادة إما أن تكون مبتدأة أو ناسية لعادتها أو غير ذلك فإنها ترد إلى التمييز فإن دم الحيض أسود ثخين منتن محتدم ودم المستحاضة أحمر رقيق أو أصفر فتجلس أمن الدم الأسود إذا لم يزد على أكثر الحيض ولم ينقض عن أقله وعنه أنها ترد إلى التمييز أولى فإن لم يكن لها تمييز بأن كان الدم كله أسود أو أحمر وزاد الأسود على أكثر الحيض أو نقص عن أقله ردت إلى العادة وهذا اختيار الخرقي فإن كان زمن العادة كله أسود

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9