كتاب : شرح العمدة في الفقه
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

الثوب لم يكن فوق رأس النبي صلى الله عليه و سلم وإنما كان عن جانبه وفرق أيضا بين ظل يكون تابعا للمستظل ينتقل بانتقاله ويقف بوقوفه كالقبة والثوب الذي بيده أو على عود معه وبين ما لا يكون تابعا مثل ظل الشجرة والثوب المنصوب حياله وحديث أم الحصين كان من هذا القسم
والثانية الرخصة في اليسير لحديث أم الحصين فإن في بعض ألفاظه والاخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم يستره من الشمس
وأيضا فإنه لو أحرم وعليه قميصه خلعه ولم يشقه مع أن هذا تظليل لرأسه وتخمير له
قال في رواية ابن القاسم إذا أحرم الرجل وعليه قميص أو جبة يخلعهما خلعا ولا يشقهما وهؤلاء يقولون إن خلعهما فقد غطى رأسه فعليه فدية وعجب من قولهم وقال النبي صلى الله عليه و سلم أمر الأعرابي أن ينزع الجبة حديث يعلي بن أمية ولم يأمره بشقها
وذلك لما روى يعلي بن أمية أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه رجل متضمخ

بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تمضخ بطيب فنظر إليه النبي صلى الله عليه و سلم ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه فقال أين السائل الذي سألني عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فجيء به فقال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فأنزعها ثم اصنع في العمرة كما تصنع في حجتك متفق عليه وفي رواية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بالجعرانة رواه مسلم وفي لفظ لأبي داود فقال له النبي صلى الله عليه و سلم إخلع جبتك فخلعها من رأسه قال عطاء كنا قبل أن نسمع هذا الحديث فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك رواه سعيد
فقد جوز النبي صلى الله عليه و سلم أن يخلعه من رأسه وإن كان فيه تظليل لرأسه لأنه تدعو الحاجة إليه فعلم أن يسير التظليل لا بأس به
فإن قيل فقد روي عن عبد الرحمن بن عطاء عن نفر من بني سلمة قالوا

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا فشق ثوبه فقال إني واعدت هديا يشعر اليوم
وعن جابر قال بينما النبي صلى الله عليه و سلم جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له فقال واعدتهم هدي اليوم فنسيت رواهما أحمد
قيل إن صح هذا الحديث فلعله كان في الوقت الذي كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت من بابه كانوا يجتنبون قليلها وكثيرها ثم زال ذلك ويدل على ذلك توقف النبي صلى الله عليه و سلم في جواب السائل حتى أتاه الوحي فعلم أنه سن ذلك الوقت ما أزال الحكم الماضي
وأيضا فإنه يجوز التظليل بالسقوف والخيام ونحوها فعلم أنه لم يكره جنس التظليل وإنما كره منه ما يفضى التي الترفه والتنعم وهذا إنما يكون فيما يدوم ويتصل
وقد روي عن إبراهيم قال كان الأسود إذا اشتد المطر استظل بكساء وهو محرم
وعن عطاء أنه كان يقول يستظل المحرم من الشمس ويستكن من الريح ومن المطر

فعلى هذا يجوز الساعة ونحوها كما ذكر في رواية الأثرم فإن في حديث أم الحصين أنه ظلل عليه في حال مسيره ورميه وخطبته والذي يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما استباح يسير التظليل أنه في سائر الأيام كان يسير ولم ينصب له على راحلته شيئا يستظل به ولو كان جائزا لفعله لحاجته إليه ثم إن إستظل بثوب يمسكه بيده أو بيد غيره أو وضع الثوب على عود يمسك العود بيده أو بيد غيره جاز
وإن إستظل يسيرا في محمل أو بثوب موضوع على عمود على المحمل ونحو ذلك مما لا مؤنة فيه ففيه روايتان إحداهما يكره ذلك وهذا هو الذي ذكره في رواية الأثرم قال إذا كان يسيرا بعود يرفعه بيده من حر الشمس كان جائزا وابن عمر إنما كرهه على الرحل وذلك لأن ما على الرحل رفاهة محضة وهو مظنة الطول فلو شرع ذلك لشرع اتخاذ الظل
والثانية لا بأس به وهو قول القاضي وهو ظاهر كلامه في رواية ابن منصور إلا أن يكون شيئا يسيرا باليد أو ثوبا يلقيه على عود فأما أن يظلل بالمحمل ونحوه حال نزوله فقال القاضي وابن عقيل لا فرق بين الراكب والنازل وإنه إن طال ذلك وكثر افتدا راكبا كان أو نازلا
وإن قل ذلك ولم يكثر فلا فدية عليه سواء كان راكبا أم نازلا
وفرقوا بين ذلك وبين الخيمة والسقف بأن ذلك لا يقصد به الترفه في

البدن في العادة وإنما يقصد به جمع الرحال وفرق بين ما يقصد به الظل وغيره كما فرق بين من يحمل على رأسه شيئا أو يخمره
وكلام أحمد يدل على الفرق قال في رواية حنبل لا يستظل على المحمل ويستظل بالفازة في الأرض والخيمة وهو بمنزلة البيت وهذا أصح لأن ابن عمر وغيره من الصحابة كانوا ينصبون له الظل المحض في حال النزول ولأنه لو دخل إلى بيت أو خيمة لمجرد الإستظلال لجاز
والفرق بينهما أن هذا الظل ليس بتابع للمحرم ولا ينتقل بإنتقاله
وأيضا فإنه غير متخذ للدوام فلا بد معه من الضحا ويسير الظل في المكان مثل أن يجعل فوقه ما يستر يسيرا من رأسه مثل الزمان
فأما إذا إحتاج للإستظلال من حر أو برد فذكر القاضي وابن عقيل أنه يجوز إذا كان هناك عذر من حر أو برد فإنه يجوز وحمل حديث عثمان وابن عباس على ذلك وحديث ابن عمر على عدم العذر ومعنى ذلك عذر يخاف معه من مرض أو أذى فإنه يبيح التظليل من غير فدية لأن ما كره في الاحرام جاز مع الحاجة وما أبيح يسيره جاز كثيره مع الحاجة
قال أصحابنا القاضي وابن عقيل وغيرهما فله أن يستظل بثوب ينصبه حياله يقيه الحر والبرد عن يمينه أو عن شماله أو أمامه أو وراءه ما لم يكن مظلل فوق رأسه كالهودج والعمارية واللبسة

وظاهر كلام أحمد أن كل مانع وصول الشمس إلى رأسه فهو تظليل سواء كان فوق رأسه أو كان من بعض جهاته وحديث ابن عمر يدل عليه
وحيث كره له التظليل فهل تجب الفدية على روايتين منصوصتين فإن أوجب الفدية كان محرما وإن لم يوجبها كان مكروها كراهة تنزيه وقد قال القاضي في المجرد وأبو الخطاب وغيرهما لا يجوز تظليل المحمل رواية واحدة وفي الفدية روايتان
ومعنى ذلك أنه ليس من الجائزات التي يستوي طرفاها بل هو ضمن المتبوعات فأما أن يكون حراما لا يوجب الفدية فهذا لا يكون
إحداهما يوجب الفدية
قال في رواية جعفر بن محمد وبكر بن محمد عن أبيه لا يستظل المحرم فإن إستظل يفتدي بصيام أو صدقة أو نسك بما أمر النبي صلى الله عليه و سلم كعب بن عجرة وهذا إختيار القاضي وأصحابه
والثانيه لا فدية فيه وإنما هو مكروه فقد قال في رواية الأثرم أكره ذلك فقيل له فإن فعل يهريق دما فقال لا وأهل المدينة يغلظون فيه وقال في رواية الفضل الدم عندي كثير

وقال عبد الله سألت أبي عن المحرم يستظل قال لا يستظل فإن إستظل أرجو أن لا يكون عليه شيء وقال أيضا سألته عن المحرم يظلل قال لا يعجبني أن يظلل قال أبي يستر قدر ما يرمي الجمرة على حديث أم الحصين وقال سألته عن المحرم يستظل أحب إليك أم تأخذ بقول ابن عمر إضح لمن أحرمت له قال لا يستظل لقول ابن عمر إضح لمن أحرمت له فقد بين أن الإستظلال مكروه مطلقا إلا اليسير لحاجة وأنه لا فدية فيه ويشبه أن تكون هذه الرواية هي المتأخرة لأن روايات ابن الحكم قديمة قال أبو بكر وبهذا أقول وهو أصح إن شاء الله لأن ابن عمر الذي روى عنه كراهة ذلك لم يأمر الذي فعله بفدية وقد رفع الظل بيده
ولأنه قد ابيح نوعه في الجملة فجاز ما لا يدوم وجاز منه ما لا يقصد به التظلل ونحو ذلك
ومحظورات الاحرام يجب إجتنابها بكل حال كالطيب واللباس فصار في الواجبات كالدفع من مزدلفة قبل الفجر لما رخص فيه لبعض الناس من غير ضرورة علم أنه جائز في الجملة وأن السنة تركة بخلاف الدفع من عرفة فإنه لا يجوز لأحد حتى تغرب الشمس
مسألة الخامس الطيب في بدنه وثيابه
وجملة ذلك أن المحرم يحرم عليه ابتداء الطيب بإجماع المسلمين وهذا من العلم العام وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي أوقصته ناقته لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا وفي

رواية لا تحنطوه متفق عليه
وقال فيما يلبس المحرم من الثياب ولا يلبس ثوبا مسه ورس ولا زعفران رواه الجماعة فإذا نهى عن المورس والمزعفر مع أن ريحهما ليس بذاك فما له رائحة ذكية أولى
فأما إن تطيب قبل الاحرام بما له جرم يبقى كالمسك والذريرة والعنبر ونحوه أو مما لا يبقى كالورد والبخور ثم استدامه لم يحرم ذلك عليه ولم يكره له لحديث عائشة أنها قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أيام وهو محرم متفق عليه وفي رواية كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله لله وهو محرم رواه مسلم وأبو داود والنسائي

وقد تقدم أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الإحرام
وعن عائشة قالت كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه و سلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا عرقت إحدانا سأل على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه و سلم فلا ينهانا رواه أبو داود وأحمد
ولفظ عنها أنهن كن يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه سلم عليهن الضماد قد أضمدن قبل أن يحرمن ثم يغتسلت وهو عليهم يعرقن ويغتسلن لا ينهاهن عنه ولأن الطيب بمنزلة النكاح لأنه من دواعيه فإذا كان إنما يمنع من إبتداء النكاح دون استدمته فكذلك الطيب
وأيضا فإن الطيب إنما يراد به الاستدامة كالنكاح فإذا منع من ابتدائه لم يمنع من استدامته وعكسه اللباس فإنه لا يراد للاستدامة ولأن الطيب من جنس النظافة من حيث يقصد به قطع الرائحة الكريهة كما يقصد بالنظافة إزالة ما يجمع الشعر والظفر من الوسخ ثم إستحب قبل الاحرام أن يأخذ من شعره وأظفاره لكونه ممنوعا منه بعد الاحرام وإن بقى أثره فكذلك أستحب له التطيب قبله وإن بقى أثره بعده
فإن قيل فقد روى صفوان بن أمية يعني عن يعلى أن يعلى كان

يقول لعمر بن الخطاب ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه و سلم حين ينزل عليه فلما كان النبي صلى الله عليه و سلم بالجعرانة وعلى النبي صلى الله عليه و سلم ثوب قد أظل به ومعه ناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمح بطيب فنظر إليه النبي صلى الله عليه و سلم ساعة ثم سكت فجاءه الوحي فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية تعال فجاءه يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي صلى الله عليه و سلم محمر الوجه يغط ساعة ثم سري عنه فقال له النبي صلى الله عليه و سلم أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فأنزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك متفق عليه لفظ مسلم وفي رواية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بالجعرانة قد أهل بعمرة وهو معصفر رأسه ولحيته وعليه جبة فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال إنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة وفي رواية وهو متضمخ بالخلوق رواهما مسلم
فهذا يبين أن استدامة الطيب كاستدامة اللباس وقد روى عن عمر وابنه نحو ذلك
قيل قد أجاب أصحابنا عن هذا بجوابين أحدهما أنه أمره بغسله لأنه

كان زعفرانا وقد نهى صلى الله عليه و سلم أن يتزعفر الرجل سواء كان حراما أو حلالا لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه
الثاني أن هذا كان بالجعرانة وكانت في ذي القعدة سنة ثمان عقب قسم غنائم حنين وقد حج النبي صلى الله عليه و سلم سنة عشر واستدام الطيب وإنما يؤخذ بالاخر فالاخر من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه يكون ناسخا للأول
فصل
يحرم عليه أن يتطيب في بدنه وثيابه سواء مس الطيب بدنه أو لم يمسه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المحرم الموقص لا تقربوه طيبا وفي لفظ لا تحنطوه وجعله في ظاهره تقريب له لا سيما والحنوط هو مشروع بين الأكفان فلما نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن تحنيطه علم أن قصد تحنيط بدنه وثيابه ولو كان تحنيط ظاهر الثوب جائزا لم ينه عنه النبي صلى الله عليه و سلم بل أمر به تحصيلا لسنة الحنوط
وأيضا فقد قال صلى الله عليه و سلم لا يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران ولم يفرق بين أن يمس ظاهره أو باطنه فعلم عموم الحكم وشموله فلا يجوز أن يطيبهما بشيء يعده الناس طيبا سواء كان له لون أو لا لون له مثل المسك والعنبر والكافور والورس والزعفران والند وماء الورد والغالية ونحو ذلك

ولا يتبخر بشيء من البخور الذي له رائحة كالعود لأن المقصود من الطيب رائحته لا عينة فإذا عبق بالثوب رائحة البخور فهو طيبه ولأن الورد ودخان العود ونحوه أجزاء تتعلق بالبدن والثوب ولهذا يتجنب وسواء كان الثوب فوقانيا أو تحتانيا
قال أحمد في رواية ابن إبراهيم لا يلبس شيئا فيه طيب
وكذلك أيضا لا يجوز ثوب مطيب قال في رواية ابن القاسم قد سئل عن المحرم يفترش الفراش والثوب المطيب قال هو بمنزلة ما يلبس وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران والافتراش لبس بدليل قول أنس وعندنا حصير قد أسود من طول ما لبس لأن اللبس هو الاختلاط والمماسة فسواء كان الثوب فوقه أو كان

هو فوق الثوب ولأنه صلى الله عليه و سلم قال ولا تقربوه طيبا في المحرم ومعلوم أن جعل الطيب في فراشه تقريب له إليه
وكل ما حرم لبسه حرم الجلوس من الحرير والنجاسة في الصلاة وغير ذلك إلا أن يكون مما يقصد إهانته ولأن جعل الطيب في الفراش أبلغ في إستعمال الطيب من وضعه على البدن
ثم إن كان الطيب في الوجه الأعلى من الفراش فهو طيب لأن مباشرته بثيابه كمباشرته بنفسه
وإن كان في الوجه التحتاني
وإن كان بينه وبين الطيب حائل فقال القاضي في المجرد إن كان صفيقا يمنع المباشرة والرائحة جميعا لم يكره ذلك وإن كان رقيقا يمنع المباشرة دون الرائحة لم يحرم عليه لأنه لا يباشره فأما الثوب الذي عليه فليس بحائل
وقال ابن عقيل إن كان الحائل يمنع وصول ريح الطيب إليه زال المنع وإيجاب الفدية عليه بخلاف ما لو كان في الثوب الفوقاني كما قلنا في النجاسة في الصلاة وهذا أشبه بظاهر المذهب لأن اشتمام الطيب عندنا

كاستعماله فإذا كان رائحة الطيب تصل إليه وجبت الفدية
وإن كان الطيب في حواشي الفراش وليس تحته فإن كان يشم الرائحة
ولا فرق بين الثوب المصبوغ بالطيب والمضمخ به والمبخر به فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال ولا ثوبا مسه ورس أو زعفران وفي لفظ ولا ثوبا مصبوغا بورس أو زعفران
ولأن المصبوغ والمبخر يكون لهما ريح كالمضمخ
فإن ذهبت رائحة المصبوغ بالزعفران ونحوه وبقى لون الصبغ فقال أصحابنا إذا انقطعت رائحته ولم يبق إلا لونه فلا بأس به إذا علم أن الرائحة قد ذهبت ولا بالتمضخ بطيب ذهبت رائحته وبقى لونه كماء الورد المنقطع والمسك الذي استحال وسواء كان انقطاع الريح لتقادم عهده أو لكونه قد صبغ بشراب أو سدر أو إذخر ونحو ذلك مما يقطع الرائحة فأما إن إنقطعت الرائحة ليبسه فإذا رش بالماء أو ترطب فاح الطيب فإنه طيب تلزم الفدية به يابسا كان أو رطبا وكذلك الثوب الذي قد انقطعت رائحته
فأما المصبوغ بماء الفواكه التي يشم ريحها فلا بأس به لأنه لا يمنع من شم أصله هذا الذي ذكره القاضي

وذكر ابن عقيل أن المصبوغ بماء الفواكه والرياحين كماء الريحان واللفاح والنرجس والبفنسج لا يمنع منه قال ويحتمل عندي أن يفرق بين ورده ومائه كما قلنا في ماء الورد
ولو نزع ثوبه الذي فيه طيب قد لبسه قبل الاحرام ثم أعاده فقد أبتدأ لبس المطيب فأما إن استصحب لبس الثوب المطيب فقال أصحابنا يجوز وظاهر الحديث المنع فإن

فصل
وإذا مس من الطيب ما يعلق لرطوبته كالغالية والمسك المبلول وماء الورد أو لنعومته كسحيق المسك والكافور أو لرطوبة يده ونحو ذلك فهو حرام وعليه الفديه
وإن أمسك ما لا يعلق باليد كاقطاع الكافور والعبنر والمسك غير السحيق والورد ونحو ذلك فقال أصحابنا لا فدية عليه بمجرد ذلك إلا أن يشمه ولو وضع يده عليه يعتقده يابسا لا يعلق بيده فعلق بيده منه شيء فقالوا لا فدية عليه لأنه لم يقصد إلى إستعمال الطيب وينبغي أن يخرج هذا على ما إذا تطيب جاهلا أو ناسيا فأما ما تعلق به من غير إختياره
فصل ولا يجوز أن يأكل ما فيه طيب

فصل
فأما إشتمام الطيب من غير أن يتصل ببدنه ولا بثوبه إما بأن يقرب إليه حتى يجد ريحه أو يتقرب هو إلى موضعه حتى يجد ريحه فلا يجوز في ظاهر المذهب المنصوص وفيه الفدية قال في رواية أحمد بن مضر القاسم في المحرم يشم الطيب عليه الكفارة
وقال أيضا في رواية ابن القاسم في الرجل يحمل معه الطيب وهو محرم كيف يجوز هذا وعطاء يقول إن تعمد شمه فعليه الفدية قيل له يحمله للتجارة فقال لا يصلح إلا أن يكون مما لا ريح له
وقال في رواية حرب أما الطيب فلا يقربه والريحان ليس هو مثل الطيب وهذا لأن المقصود من التطيب وجود رائحة الطيب فإذا تعمد الشم فقد أتى بمقصود المحظور بل اشتمامه للطيب أبلغ في الإستمتاع والترفه من حمل طيب لا يجد ريحه بأن يكون ميتا أو نائما أو أخشم
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم إختلفوا في شم المحرم الريحان

فمن جعله طيبا منعه ومن لم يجعله طيبا لم يمنعه ولولا أن الشم المجرد يحرم إمتنعت هذه المسألة لأن الرياحين لا يتطيب بها فعلى هذا إن تعمد شم المسك والعنبر ونحوها من غير مس فعليه الكفارة وإن جلس عند العطارين قصدا لشم طيبهم أو دخل الكعبة وقت تخليقها ليشم كيبها لزمته الكفارة وإن ذهب لغير إشتمام فوجد الريح من غير قصد لم يمنع من ذلك كما لو سمع الباطل من غير أن يقصد سماعه أو رأى المحرم من غير أن يقصد الرؤية أو مس حكيم إمرأة من غير أن يقصد مسها وغير ذلك من إدراكات الحواس بدون العمد والقصد فإنه لا يحرم
فإن علم أنه يجد ريح الطيب ولم يقصد الشم فهل له أن يقعد أو يذهب وقال ابن حامد لا فدية في الشم ولا في القعود عند العطارين أو عند الكعبة وهي تطيب لأنه لا يسمى بذلك متطيبا
وقال ابن عقيل الرائحة

وليس له أن يستصحب ما يجد ريحه لتجارة ولا غيرها وإن لم يقصد شمه على المنصوص سواء كان في أعداله أو محمله ونحو ذلك بل إن كان معه شيء من ذلك فعليه أن يستره بحيث لا يجد ريحه فإن استصحبه ووجد ريحه من غير قصد فهل عليه كفارة
فأما ما لا يقصد شمه كالعود إذا شمه أو قلبه ونحو ذلك فلا شيء عليه عند أصحابنا وينبغي إذا وجد الرائحة

فصل
وأما النباتات التي لها رائحة طيبة ولا يتطيب بها فقسمها أصحابنا قسمين أحدهما ما يقصد طعمه دون ريحه بحيث يزرعه الناس لغير الريح كالفواكه التي لها رائحة طيبة مثل الأترج والتفاح والسفرجل والخوخ والبطيخ ونحو ذلك فهذا لا بأس بشمه ولا فدية فيه وفيه نظر فإن كلاهما مقصود
وكذلك ما نبت بنفسه مما له رائحة طيبه وهي أنبتة البرية مثل الشيح

والقيصوم والأذخر والعبوثران ونحو ذلك فهذا لا بأس بشمه فيما ذكره أصحابنا
والثاني ما يستنبت لذلك وهو الريحان ففيه عن أحمد روايتان
إحداهما أنه لا بأس به قال في رواية جعفر بن محمد المحرم يشم الريحان ليس هو من الطيب ورخص فيه وكذلك نقل ابن منصور عنه في المحرم يشم الريحان وينظر في المرآة وهذا إختيار القاضي وأصحابه
قال ابن أبي موسى وله أن يأكل الاترج والتفاح والموز والبطيخ وما في معنى ذلك ولم يتعرض لشمه قال ولا بأس بنبات الأرض مما لا يتخذ طيبا والثانية المنع منه قال في رواية أبي طالب والأثرام لا يشم المحرم

الريحان كرهه ابن عمر ليس هو من الة المحرم وعلى هذه الرواية هو حرام فيه الفدية عند كثير من أصحابنا
قال ابن أبي موسى لا يشم الريحان في إحدى الروايتين لأنه من الطيب وإن فعل افتدى
قال القاضي ويحتمل أن يكون المذهب رواية واحدة لا كفارة عليه ويكون قوله ليس من الة المحرم على طريق الكراهة وقد نص أحمد على أنه مكروه في رواية حرب قال قلت لأحمد فالمحرم يشم الريحان قال يتوقاه أحب إلى قلت فالطيب قال أما الطيب فلا يقربه والريحان ليس مثل الطيب قلت فيشرب دواء قال لا بأس إذا لم يكن فيه طيب
وذلك لأنه ذو رائحة طيبة يتخذ لها فحرم شمه كالمسك وغيره بل أولى لأن المسك ونحوه يتطيب به بجعله في البدن والثوب وأما هذا فإنما منفعته شمه مع انفصاله إذ لا يعلق بالبدن والثوب وفيه من الاستمتاع والترفه ما قد يزيد على شم الزعفران والورس ولأن الورس والزعفران من جملة النباتات وإن تطيب بها وقد جعلها النبي صلى الله عليه و سلم طيبا فألحقت سائر النباتات به
وقد روى الشافعي عن جابر أنه سئل أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب فقال لا وروى الأثرم عن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم

ووجه الأولى أنه لا يتطيب به فعلا فلم يكره شمه كالفاكهة والنبات البري وذلك لأنه لو كان نفس إشتمام الريح مكروها لم يفرق بين ما ينبته الله أو ينبته الآدميون ولا بين ما يقصد به الريح والطعم أو يقصد به الريح فقط فعلى هذا لا فرق بين ما يتخذ منه الطيب كالورد والبنفسج والنيلوفر والياسمين والخيرى وهو المنثور وما لا يتخذ منه الطيب كالريحان الفارسي وهو الأخضر والنمام والبرم والنرجس والمروزنجوس هذه طريقة ابن حامد والقاضي في خلافه وأصحابه مثل الشريف وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم لعموم كلام أحمد
وقال القاضي في المجرد وغيره ما يتخذه منه مما يستنبت للطيب

كالورد والبنفسخ والياسمين فإنه يتخذ منه الزئبق والخيري وهو المنثور والنيلوفر فهو طيب كالورس والزعفران والكافور والعنبر فإنه يقال هو ثمر شجري فإذا شم الورد أو دهنه أو ما خالطه وكان ظاهرا فيه ففيه الفدية
وأما ما يستنبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب كالريحان الفارسي والنرجس والمرزنجوس ففيه الروايتان المتقدم ذكرهما وذلك لأنه إذا اتخذ منه الطيب فهو ذو رائحة طيبة يتطيب فيكون طيبا كغيره لأن كونه نباتا لا يخرجه عن أن يكون طيبا بدليل الورس والزعفران
ومن قال بالطريقة الأولى قال هذا لا يتطيب بنفسه وإنما يتطيب بما يؤخذ منه بخلاف الزعفران ونحوه ولا يلزم من كون فرعه طيبا أن يكون هو طيبا
فصل
فأما الثياب المصبوغة بغير طيب فلا يكره منها في الاحرام إلا ما يكره في الحل لكن المستحب في الإحرام لبس البياض قال في رواية حنبل لا بأس أن يلبس المحرم الثوب المصبوغ ما لم يمسه ورس ولا زعفران وإن كان غير ذلك فلا بأس ولا بأس أن تلبس المحرمة الحلي والمعصفر وقال في رواية الفضل بن زياد لا بأس أن تلبس المرأة الحلي والمعصفر من الثياب ولا تلبس ما مسه ورس ولا زعفران
وقال في رواية صالح وتلبس المرأة المعصفر ولا تلبس ما فيه الورس

والزعفران وقال حرب قلت لأحمد المحرم يلبس الثوب المصبوغ قال إذا كان شهرة فلا يعجبني
وقد أطلق كثير من أصحابنا أن للمحرم أن يلبس المعصفر يريدون به المرأة كما ذكره أحمد خصوه بالذكر لأجل الخلاف ليبنوا أن الاحرام لا يمنع منه وقيده آخرون بالمرأة على المنصوص وهو أجود عبارة
قال ابن أبي موسى وللمرأة أن تلبس الحلي والمعصفر والمخيط من الثياب ولا تلبس القفازين ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا طيب
فأما الرجل فإنه يكره له المعصفر في الإحرام والإحلال كما نص عليه أحمد في غير موضع وقد تقدم هذا
وقد زعم بعض أصحابنا أنه لا يكره للرجال ولا للنساء وحمل حديث علي على الخصوص به وهذا هو الذي ذكره القاضي في خلافه في هذا الموضع وطائفة معه وهو خلاف المنصوص وخلاف ما ذكره في غير هذا الموضع وهو غلط على المذهب وذلك لأن في حديث ابن عمر أنه سمع النبي

صلى الله عليه و سلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما شاءت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف رواه أبو داود وتكلم على هذه الزيادة
فإن كانت مرفوعة فقد ثبتت بها الحجة وإن كانت موقوفة على ابن عمر فقد فهم من كلام النبي صلى الله عليه و سلم إباحة ما سوى المورس والمزعفر وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب فذكر الأصناف الخمسة وذكر من المصبوغ ما مسه ورس أو زعفران حصر المحرم لأن المباح لا ينحصر فعلم أن ما سوى ذلك مباح
وعن كثير بن جهمان قال كان على ابن عمر ثوبين مصبوغين فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن تنهى الناس عن الثياب المصبغة وتلسبها قال ويحك إنما هو بمدر رواه سعيد
وروى أحمد في مسائل حنبل بإسناد صحيح عن عائشة بنت سعد قالت كن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يحرمن في المعصفرات
وعن القاسم بن محمد أنه رأى عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي

محرمه رواه الليث عن يحيى بن سعيد عن القاسم
وعن عطاء قال رأيت على عائشة أم المؤمنين درعا موردا وهي محرمة
وعن القاسم قال كانت عائشة تلبس المعصفر وهي محرمة
وعن عبدة بن أبي لبابة عن عائشة أنها سئلت ما تلبس المحرمة فقالت من خزها وقزها وحريرها وعصفرها رواهن سعيد
وعن عروة أن أسماء إبنة أبي بكر كانت تلبس الثياب المصبغة المشبعات بالعصفر ليس فيها زعفران وهي محرمة
وعن نافع قال كن نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحلي والمعصفرات وهن محرمات لا ينكر ذلك عبد الله رواه أبو بكر

ولأن المعصفر ليس بطيب لأنه إنما يقصد به لونه لا ريحه لأن رائحته غير مستلذة ولأنه ليس طيبا إذا إنفرد فلا يكون طيبا إذا صبغ به وعكسه الزعفران والورس
ولأنه صبغ من الأصباع لا يقصد ريحه فلم يكره كالكحلي وغيره من الأصباع
وقد احتج من لم يكرهه للرجال ما روى الشعبي قال أحرم عقيل بن أبي طالب في موردين فقال له عمر خالفت الناس فقال علي لعمر دعنا منك فإنه ليس لأحد أن يعلمنا بالسنة فقال له عمر صدقت
وعن أبي جعفر محمد بن علي أبصر عمر بن الخطاب على عبد الله ابن جعفر ثوبين مضرجين يعني موردني وهو محرم فقال ما هذا فقال

علي ما أخال أحدا يعلمنا بالسنة
وعن أبي هريرة أن عثمان بن عفان رضي الله عنه خرج حاجا ومعه علي رجاء محمد بن جعفر وقد كان دخل بأهله في تلك الليلة فلحقهم بلل فجاء وعليه معصفرة فلما رآه عثمان انتهره وأقف به وقال أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المعصفر فقال له علي إنه لم ينهه ولا إياك إنما نهاني النجاد
وعن أبي الزبير قال كنت مع ابن عمر فأتاه رجل عليه ثوبان معصفران وهو محرم فقال في هذين علي بأس قال فيهما طيب قال لا قال لا بأس
وعن أبي الزبير عن جابر قال إذا لم يكن في الثوب المعصفر طيب فلا

بأس به للمحرم أن يلبسه رواهما النجاد
وهذا يحمل على غير المشبع بحيث يكون رقيق الحمرة فإن المكروه منه المشبع وإلا فقد تقدمت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في نهي الرجال عن المعصفر وهي تقضي على كل احد
فإن قيل فقد روى أسلم أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة قال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال عمر رضي الله عنه إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس ولو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من الثياب المصبغة رواه مالك وغيره وفي رواية لسعيد إنه أبصر على طلحة ثوبين مصبوغين بمشق وهو محرم وفي رواية للنجاد إنكم أئمة ينظر إليكم فعليكم بهذا البياض ويراكم الرجل فيقول رأيت على

رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ثوبين مصبوغين فقد حمله بعض أصحابنا على أنه خاف اقتداء الجاهل به في لبس المصبوغات مطلقا من غير فرق بين المطيب وغيره فعلى هذا يكره
وقد أطلق أحمد لبس المصبوغ في رواية وكرهه في رواية إذا كان شهره وهذا يحتمل أن يشتهر فيقتدي به الجاهل أو تمتد إليه الأبصار خصوصا في الاحرام فإن عامه الناس عليهم البياض فعلى هذا يكره ما كان زينة إذا ظهر
وعلى ذلك يحمل ما روى الأسود عن عائشة قالت تلبس المحرمة ما شأت إلا البرقع والمتورد بالعصفر رواه سعيد بإسناد صحيح
وعن إبراهيم عنها أنها قالت يكره الثوب المصبوغ بالزعفران والمشبعة بالعصفر للرجال والنساء إلا أن يكون ثوبا غسيلا رواه النجاد
فهذا محمول على ما إذا ظهرت
فأما الحلي والحرير ونحو ذلك فلا بأس به للمحرمة نص عليه كما تقدم وعنه ما يدل على الكراهة قال في رواية محمد بن حرب الجرجرائي

وقد سئل عن الخضاب للمحرم قال ليس بمنزلة طيب ولكنه زينة وقد كره الزينة عطاء للمحرم
فقد أخذ بقول عطاء والمنقول عن عطاء أنه كان يكره للمحرمة الزينة كلها الحلي وغيره رواه سعيد عن ابن جريج عنه وروى عنه أيضا أنه كان يكره للمحرمه الثوب المصبوغ بالمعصفر أو بثوب مسه زعفران أو شيء من الطيب رواه سعيد أيضا

فصل
وأما الزينة في البدن مثل الكحل والخضاب ونحوهما فقال أحمد في رواية العباس بن محمد ويكتحل بالأثمد المحرم ما لم يرد به الزينة قلت الرجال والنساء قال نعم
وقال في رواية اسحق بن منصور ولا تكحل المرأة بالسواد الا بالذرور وقال في رواية محمد بن حرب وقد سئل عن الخضاب للمحرم فقال ليس بمنزلة الطيب ولكنه زينة وقد كره الزينة عطاء للمحرم
وقال في رواية الميموني الحناء مثل الزينة ومن يرخص في الريحان يرخص فيه

وقال في رواية حنبل وسئل عن المحرم يخضب رجله بالحناء إذا تشققت فقال الحناء من الزينة ومن يرخص في الريحان يرخص في الحناء
قال أصحابنا تكره الزينة للمحرم وتمنع المحرمة من الزينة ولا فدية في الزينة
ويحتمل كلام أحمد أنه لا يكره الزينة لأنه رخص في الحلي ولم يجزم بالكراهة وإنما نقله عن عطاء لأن الزينة من دواعي النكاح فكرة للمحرم كالطيب ولأن المعتدة لما منعت من النكاح منعت من الطيب والزينة والمحرمة تشبهها في المنع من عقد النكاح فكذلك في توابعه من الزينة والطيب
بخلاف الصائمة والمعتكفة فإنها لا تمنع من عقد النكاح وإنما تمنع من الوطء ولأن زمان الإحرام يطول كزمان العدة فالداعي إلى النكاح في المدة الطويلة وسيلة إليه في وقت النهي بخلاف ما قصر زمانه قد يستغنى بوقت الحل عن وقت الحظر
وقال ابن أبي موسى على المحرم أن يجتنب النساء والطيب والكحل المطيب والدواء الذي فيه طيب رطبا كان أو يابسا ثم قال فيما للمرأة وما تمنع منه وليس لها أن تكتحل بما فيه طيب وما لا طيب فيه ففرق في الكحل الساذج بين الرجل والمرأة لكن المعتدة أشد من حيث تمنع من الخروج من منزلها فكانت أشد من المحرمة ولا فدية في الزينة لأن المتزين لا

يستمتع بذلك وإنما يستمتع به غيره منه فأشبه ما لو طيب المحرم الميت فإنه لا فدية عليه بذلك فأما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة فيكتحل به ويفتدي وإن لم يكن فيه طيب ولم يكن فيه زينة فلا بأس به وإن كان فيه زينة مثل الكحل الأسود ونحوه كره له ذلك إذا قصد به الاكتحال للزينة لا للمنفعة والتداوي ولا فدية فيه عند أصحابنا
وإن قصد به المنفعة وكانت به ضرورة إليه مثل أن يخاف الرمد أو يكون أرمد أو نحو ذلك ولم يقم غيره مقامه جاز قال عبد الله سمعت أبي يقول ويغسل المحرم ثيابه ويدخل الحمام ويتداوى بالأكحال كلها ما لم يكن كحل فيه طيب
وأما إن قام غيره مقامه أو لم يكن ضرورة ولكن فيه منفعة جاز على ما ذكره في رواية العباس بن محمد لأنه قال يكتحل المحرم بالأثمد ما لم يرد به الزينة الرجال والنساء وكذلك على رواية عبد الله جوز له التداوي بكل كحل لا طيب فيه ولم يفصل بين أن يقوم غيره مقامه أو لا يقوم
وأما على رواية ابن منصور لا تكتحل المرأة بالسواد إلا بالذرور فيكره إذا كان فيه زينة وإن لم يقصد به الزينة إذا لم تدع إليه الضرورة وقد خص المرأة

بالذكر وذلك لما روى نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله بن معمر إشتكى عينه وهو محرم
فأراد إن يكحلها فنهاه أبان بن عثمان وأمره أن يضمدها بالصبر وحدثه عن عثمان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يفعله وفي رواية فأرسل إليه أن أضمدهما بالصبر فإن عثمان حدث عن رسول الله في الرجل إذا إشتكى عينيه وهو محرم ضمدهما بالصبر رواه مسلم
فقد رخص له بالتضميد بالصبر مع الشكاة فعلم أنه لا يكتحل بما فيه زينة أو طيب إذا وجد عنه مندوحة وإن لم يقصد التزين
وعن عطاء قال تكتحل المحرمة بكل كحل إلا كحلا فيه كيب أو سواد فإنه زينه

وعن مجاهد قال لا تكتحل المحرمة بالأثمد قيل له ليس فيه طيب قال لا فإنه زينة
وعن ابراهيم قال لا بأس أن تكتحل المحرمة بالكحل الأحمر والذرور
وعن سعيد بن المسيب قال يكتحل المحرم بالصبر رواهن أحمد
ووجه الأول ما روى نافع عن ابن عمر أنه اشتكى فأقطر الصبر في عينيه وهو محرم
وعنه قال يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن كحل فيه طيب رواهما أحمد
وفي رواية أنه كان إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا وأنه قال يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد رواه الشافعي
فأما الطيب فلا يجوز إلا لضرورة وعليه يحمل ما روى أحمد عن ابن عباس أنه اكتحل بكحل فيه طيب وهو محرم وعليه الفدية

وأما الخضاب بغير الحناء مثل الوشم والسواد والنيل ونحو ذلك مما ليس بطيب فهو زينة محضة وإن كان من الطيب مثل الزعفران والورس ونحو ذلك لم يجز
وأما بالحناء فقد نص أحمد على أنه ليس بطيب ولكنه زينة وقال أيضا هو مثل الزينة وعلى هذا أصحابنا قالوا لأنه إنما يقصد لونه دون رائحته فأشبه الوشمة ونحوها وشبهوه بالعصفر وبالفواكه في أن المقصود به غير الرائحة من طعم أو لون
وقول أحمد من يرخص في الريحان يرخص في الحناء دليل على أنه عنده بمنزلة الريحان في كونه نباتا له رائحة طيبة ولا يتخذ للتطيب فعلى هذا إذا منعنا من الريحان منعنا من الحناء
ويتوجه أن لا يكره بحال لأن أحمد قال من رخص في الريحان رخص فيه ولم يقل من منع من الريحان لأنه أولى بالرخصة من الريحان إذ الريحان يقصد شمه والحناء لا يقصد شمه فلا يلزم من كراهة الريحان كراهته كما لم يكره المعصفر فإذا كان زينة كره لغير حاجة كما ذكره في رواية ابن أبي حرب وعلى ذلك أصحابنا
ويحتمل قوله الرخصة مطلقا لأنه قال ومن يرخص في الريحان يرخص فيه والريحان على إحدى الروايتين لا كراهة فيه ولأنه إنما نقل الكراهة عن عطاء

فأما لحاجة فلا يكره كما قال في روايه حنبل وعلى ذلك يحمل ما روى عن عكرمة أن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه و سلم كن يختضبن وهن حرم رواه بن المنذر
قال أصحابنا وإذا إختضبت ولفت على يديها لفائف وشدتها افتدت كما لو لبست القفازين وكذلك كل خرقة تلفها على يديها وتشدها لأن شدها يجعلها بمنزلة القفازين في كونه شيئا مصنوعا لليد وكذلك الرجل وإن لفتها من غير شد لم تفتد لأنه بمنزلة ما لو وضعت يدها في كمها وكالعمامة التي يلقها الرجل على بطنه فإن غرزت طرف اللفافة في لفة تحتها
وأما النظر في المرآة فقال أحمد ينظر المحرم في المرآة ولا يصلح شيئا قال أصحابنا ينظر في المرآة ولا يصلح شعثا ولا يزيل غبارا ولفظ بعضهم ينظر إلا للزينة لما روى أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة

وعن نافع قال رأيت ابن عمر ينظر في المرآة وهو محرم
وعن كثير بن عباس وتمام بن عباس وكريب مولى ابن عباس أنهم كانوا ينظرون في المراة وهم محرمون
وعن الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس وعكرمة أنه لا بأس بذلك إلا أن عطاء قال لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة ليميط بها الأذى فأما الزينة فلا
وروى مالك عن ابن عمر أنه نظر في المرآة من شكوى كان بعينيه وهو محرم
وإنما قلنا لا يزيل شعثا ولا ينفض غبارا لأن المحرم الأشعث الأغبر

فصل
وأما النظافة فاللمحرم أن يغسل رأسه وبدنه وثيابه وأن يبدل ثياب الإحرام ويبيعها وإن كان في ذلك إزالة وسخة وإزالة القمل الذي كان بثيابه وإن أفضى إغتساله إلى قتل القمل الذي برأسه حتى له أن يدخل الحمام ما لم يفض ذلك إلى قطع شعر
قال أحمد في رواية عبد الله ويغسل المحرم ثيابه ويدخل الحمام ويتداوى بالأكحال كلها ما لم يكن كحل فيه طيب
وقال في رواية حنبل المحرم يدخل الحمام وليس عليه كفارة ولا بأس أن يغسل المحرم رأسه وثوبه
وقال حرب قلت لأحمد يبيع المحرم الثوب الذي أحرم فيه ويشتري غيره قال نعم لا بأس به
وقال عبد الله أيضا سألت أبي عن المحرم يدخل الحمام فقال نعم ولا يمد بيده الشعر مدا شديدا قليل قليل
ولا بأس بالحجامة للمحرم ما لم يقطع شعرا ولا بأس بالكساء إذا أصابه البرد ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ولا يقتل قملة ولا يقطع شعرة ولا يدهنه
وقال في رواية محمد بن أبي حرب وسئل عن المحرم يغسل بدنه

بالمحلب فكرهه وكره الاشنان وذلك لما روى عبد الله بن حنين عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما إختلفا بالابواء فقال عبد الله ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه فأرسلني عبد الله إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله عن ذلك فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغسل رأسه وهو محرم فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه

حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيته صلى الله عليه و سلم يفعل متفق عليه لفظ مسلم وفي لفظ له فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا
وعن يعلى بن عطاء قال قال عمر بن الخطاب أصب الماء على رأسي وأنا محرم فقلت أنت أعلم يا أمير المؤمنين قال صب فإنه لا يزيده إلا شعثا صب بسم الله
وعن محمد بن علي بن أبي طالب أنه كان يقول للمحرم أغسل رأسك فهو أشعث لك
وعن ابن عمر أنه سئل عن المحرم يغتسل فقال لقد إبتردت يعني إغتسلت منذ أحرمت سبع مرات وفي رواية أخرى لقد إبتردت منذ أحرمت أربع عشرة مرة

وعن مجاهد أن ابن عمر كان لا يرى بأسا أن يغتسل المحرم أو يغسل ثيابه
وعن ابن عباس قال ربما قال لي عمر بن الخطاب ونحن بالجحفة تعال أباقيك أينا أطول نفسا وفي رواية ربما رامست عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمون
وعن عكرمة قال دخل ابن عباس حمام الجحفة وهو محرم وقال ما يصنع الله بأوساخنا
وعن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يشم المحرم الريحان وينظر في المرآة ويدخل الحمام
وعن عطاء بن السائب عن إبراهيم كانوا يستحبون إذا أرادوا أن يحرموا أن يأخذوا من أظفارهم وشواربهم وأن يستحدوا ثم يلبسوا أحسن ثيابهم وكانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارا وأن يخرجوا منها ليلا فلقيت سعيد بن جبير

فذكرت له قول إبراهيم قال قلت له أطرح ثيابي التي فيها تفثي وقملي قال نعم أبعد الله القمل رواهن سعيد في سننه
فإن قيل هذا فيه إزالة الوسخ والغبار وقتل القمل وقطع الشعر وتخمير الرأس في الماء
قيل أما تخمير الرأس فإنه ليس المقصود التغطية وإنما المقصود الاغتسال فصار كما لو حمل على رأسه شيئا
وأما قطع الشعر فإنما يجوز له من ذلك ما لا يقطع شعرا
وأما إزالة الوسخ وقتل القمل فسنتكلم عليه
وهذا يقتضي أنه يكره تعمد إزالة الوسخ وكذلك قتل القمل فعلى هذا يحرك رأسه تحريكا رفيقا كما فعل أبو أيوب ورواه عن النبي صلى الله عليه و سلم سواء كان عليه جنابة أو لم يكن وهو معنى قول أبي عبد الله ولا يمر بيده على الشعر مرا شديدا يعني أن الخفيف مثل أن يكون ببطون أصابعه ونحو ذلك لا بأس به وذلك خشية أن يقتل قمله أو يزيل وسخا أو يقطع شعرا
وقال في رواية المروذي لا يغسل رأسه بالخطمى ولكن يصب على رأسه الماء صبا ولا يدلكه فمنعه من الدلك مطلقا وكذلك
وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا إن لم يكن عليه جنابة

صب الماء على رأسه صبا ولم يحكة بيده وإن كان عليه جنابة إستحب أن يغسله ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء إلى أصول شعره ولا يحركه بأظافيره ويتوقى أن يقتل منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا فخرج في يديه منه شعر فالاحتياط أن يفديه ولا يجب ذلك عليه حتى يتيقن أنه قطعه وكذلك شعر اللحية فالإحتياط أن يفديه ولا يجب عليه حتى يتيقن أنه قطعه
قالوا فأما بدنه فيدلكه دلكا شديدا إن شاء فقد جوزوا له دلك البدن شديدا وإن كان فيه إزالة الوسخ بخلاف شعر الرأس فإنه يخاف أن يقطع الشعر
وإذا كان الغسل واجبا فإنه لا بد أن يوصل الماء إلى أصول الشعر بخلاف المباح فإنه لا حاجة به إلى ذلك
والصواب أن الغسل المستحب للمحرم مثل دخول مكة والوقوف بعرفة ونحو ذلك يستحب فيه ذلك ما المباح فإن ذلك جائز فيه كما نص عليه وكلام يقتضي كراهته أو أو أن تركه أفضل والصواب المنصوص
وأما دلك البدن بالماء فإن كراهته للاشنان والمحلب في البدن دليل على أنه كره تعمد إزالة الوسخ
وقال في رواية عبد الله يحك رأسه وجسده حكا رفيقا لأن الحك الشديد إن صادف شعرا قطعه وإن صادف قملا قتله وإن صادف بشرة جرحها وإن كان مع الماء أو الغرف أزال الوسخ
وعلى قول القاضي وابن عقيل يحك بدنه حكا شديدا إن شاء لأن

الإدماء وإزالة الوسخ ليس بمكروه عندهم وصرح القاضي بأن ما يزيل الوسخ من الماء والاشنان ونحو ذلك لا فدية فيه وجعله أصلا لمسألة السدر والخطمى
وأما غسل الرأس بالخطمى والسدر فالمنصوص عنه في رواية صالح إذا غسل رأسه بالخطمى إفتدى
وقال في رواية المروذي ولا يغسل رأسه بالخطمى ولكن يصب على رأسه الماء صبا ولا يدلكه
وقال في رواية ابن أبي حرب وسئل عن المحرم يغسل بدنه بالمحلب فكرهه وكره الأشنان
وذكر القاضي وغيره رواية أخرى أنه لا فدية عليه بذلك وأخذها من قوله في رواية حنبل لا بأس أن يغسل المحرم رأسه وثوبه
فأطلق الغسل ومن كونه قد قال في رواية أبي داود حديث ابن عباس أن رجلا وقصت به ناقته وهو محرم فيه خمس سنن كفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا وأغسلوه بماء وسدر أي في الغسلات كلها
وكذلك ذكر في غير موضع تغسيل الميت المحرم بماء وسدر مع أن حكم الاحرام باق عليه بعد الموت فعلم أنه ليس ممنوعا منه في الحياة

والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي وقصته دابته إغسلوه بماء وسدر مع أنه قال لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا وأنه يبعث يوم القيامة ملبيا فعلم الفرق بين الطيب والسدر
وعلى هذه الرواية فاغتساله بالسدر والخطمى مكروه لما فيه من قطع الشعر وإزالة الشعث ونص أيضا على أن المحرم لا يغسل كما يغسل الحلال بل يصب عليه الماء صبا فعلم أن الدعك والمعك لا يجوز للمحرم وفرق بين غسل المحرم وغسل الحلال
والرواية الأولى أصرح عنه لأن المحرم هو الأشعث الأغبر والسدر والخطمى يزيل الشعث والغبار ولأنه غالبا يقطع الشعر ويقتل الدود
وأما المحرم الميت فقد روي عن أحمد أنه بمنزلة الحي فقال في رواية حنبل وقيل له يغسل قال يصب عليه الماء قال لا يغسل كما يغسل الحلال
وقال أبو الحارث سألت أبا عبد الله عن المحرم إذا مات يغسل كما يغسل الحلال أو يغسل بالسدر والماء قال يغسل بالماء والسدر حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم إغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا قلت فإذا غسل يدلك رأسه بالسدر قال ما أدري كذا جاء الخبر يغسل بماء وسدر قيل له فتذهب إلى أن يخمر وجهه ويكشف رأسه قال

نعم على ما جاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو أصح من غيره
قال أبو عبد اله وكان عطاء يقول يخمر رأسه ويغسل رأسه بالسدر وقد روى عطاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يخمر رأسه وهو محرم مرسل وحديث ابن عباس أصح
وقال ابن جريج أنا أقول يغسل بالسدر ولا يخمر رأسه قلت فما ترى قال أهاب أن أقول يغسل بالسدر وأحب العافية منها قلت فيجزؤه أن يصب على رأسه الماء فقط قال يجزؤه إن شاء الله
قال أبو عبد الله الذي أذهب إليه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم يغسل بماء وسدر ولا يخمر رأسه ولا يمس طيبا
فقد توقف في دلك رأسه بالسدر وقد ذكر أصحابنا رواية أنه لا يغسل رأسه بالسدر كالحي وحملوا حديث ابن عباس على أن المقصود غسل بدنه بالسدر وأن السدر يذر في الماء
والصواب الفرق بينهما
قال الخلال ما رواه أبو الحارث في غسله فيه توقف وجبن غير أنه قد روى ما روى حنبل أنه لا يدلك رأسه ويصب عليه الماء صبا ويكون فيه السدر وبين عنه حنبل أنه يصب الماء ولا يغسل كما يغسل الحلال وعلى هذا إستقر قوله
ووجه الفرق بين الحي والميت أن الميت محتاج إلى الطهارة والنظافة فإن هذا آخر عهده بالدنيا وليس حال ينتظر فيها إزالة تفثه فجاز أن يرخص له في ذلك كما رخص لمن لم يجد الازار والنعلين في لبس السراويل والخفين إذا كان ذلك مما تدعو إليه الحاجة فكذلك موتى المحرمين بهم حاجة عامة

إلى إزالة الوسخ والشعث فرخص لهم في ذلك وإنما منع أحمد من قوة الدلك خشية تقطيع الشعر
قال ابو الحارث قلت لأحمد المحرم يغسل الميت قال نعم فإذا فرغ من غسله طيبه غيره لأن المحرم لا يمس طيبا فيجعله رجل حلال

فصل
قال أحمد في رواية عبد الله ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ولا يقتل قمله ولا يقطع شعرا ويغتسل إن شاء ويصب على رأسه ولا يرجل شعره ولا يدهنه ولا يتداوى بما يأكل
وكذلك قال في رواية المروذي لا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا ولا يقتل قملة ولا يقطع شعرا ويغتسل إن شاء ويصب على رأسه ولا يرجل شعره ولا يدهن ولا ينظر في المرآة ولا يصلح شيئا
فأما التفلي فهو إستخراج القمل من بين الشعر والثياب فأما إن كان ظاهرا على البدن والثوب فألقاه ويحكه لأن حكه يذهب أذى القمل من غير قتل له
فأما الإدهان فإن كان بدهن فيه طيب مثل دهن البنفسج والورد ونحو ذلك فحكمه حكم الطيب لا يجوز إلا لضرورة وعليه الفدية وإن كان غير مطيب مثل الشيرج والزيت فقال أبو بكر قال أحمد إن دهن رأسه بغير

طيب كرهته ولا فدية فإن مكروهات الاحرام عند الحاجة تصير غير مكروه ولا فدية فيها بخلاف محظوراته فإنها إذا أبيحت لا بد فيها من فدية
قال في رواية عبد الله لا يرجل شعره ولا يدهنه وكذلك قال في رواية المروذي لا يرجل شعره ولا يدهنه وكذلك قال الخرقي لا يدهن بما فيه طيب وما لا طيب فيه
وقال ويتداوى بما يأكل وهو يأكل الزيت والشيرج ونحوهما فعلم أنه يجوز أن يتداوى به من غير فدية ولا كراهة
وقال في رواية أبي داود الزيت الذي يؤكل لا يدهن به المحرم رأسه فذكرت له حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم أدهن بزيت غير مقتت فسمعته يقول المحرم الأشعث الأغبر
وقال في رواية الأثرم وقد سئل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج قال نعم يدهن به إذا إحتاج إليه ويتداوى المحرم بما يأكل
فرخص فيه بشرط الحاجة فعلم أنه مكروه بدونها وأنه ليس بمحرم إذ لو كان محرما بدون الحاجة لوجبت فيه الفدية مع الحاجة كالطيب

فعلى هذا إن إحتاج إلى الأدهان مثل أن يكون برجله شقوق أو بيديه ونحو ذلك جاز بغير كراهة ولا فدية لأنه يجوز أن يأكله ولو كان بمنزلة الطيب لما جاز أكله وإن كانت الحاجة في رأسه مثل أن ينشق رأسه ونحو ذلك جاز أيضا على عموم كلامه ومقتضاه وعموم كلامه في رواية أبي داود يقتضي المنع من دهن رأسه به بكل حال
وإن لم تكن به حاجة فقد نص على منع دهن رأسه في رواية الجماعة في معنى الرأس وأما دهن بشرته فعلى روايتين إحداهما يكره أيضا لأنه قال في رواية المروذي لا يدهن وقال في رواية الأثرم يدهن به إذا إحتاج إليه ولم يفصل وهذا قول
والثانية أن المنع مختص بالرأس لأنه قال في رواية عبد الله لا يرجل شعره ولا يدهنه
وقال في رواية أبي داود الزيت الذي يؤكل لا يدهن به المحرم رأسه وكذلك نقل أبو بكر عنه إن دهن رأسه بغير طيب كرهته ولا فدية وهذا قول وذلك لأن دهن الشعر يزيل شعثه ويرجله ويرفهه بخلاف دهن البشرة فإنه يوجب لصوق الغبار بها
وأما طريقة القاضي وأصحابه فذكروا في الأدهان مطلقا روايتين سواء كان

في الرأس أو في البدن إحداهما الجواز في إستعماله من غير فدية وهو إختياره وإختيار أصحابه
والثانية المنع منه وعليه الفدية قالوا وهو إختيار الخرقي قال القاضي وقد يحتمل أن يكون منع منه على طريق الكراهة من غير الفدية
فأما الدهن بالسمن والشحم وزيت البزر ونحو ذلك من الأدهان فهو بمنزلة الزيت والشيرج هذا هو المعروف في المذهب وكلام أحمد يعمه وذكر القاضي في بعض المواضع أن المنع إنما هو من الزيت والشيرج لأجل أنهما أصل الأدهان
فأما دهن البان فذكره أبو الخطاب من الأدهان غير المطيبة والذي يدل على أنه مكروه دون كراهة الطيب ما روى نافع قال كان ابن عمر إذا أراد

الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا إستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل رواه البخاري
وعن مسلم البطين قال كان حسين بن علي إذا أراد أن يحرم ادهن بالزيت وكان أصحابه يدهنون بالطيب
وعن إبراهيم بن سعد قال رأى عثمان بن عفان رجلا بذي الحليفة وهو يريد أن يحرم ولم يحرم مدهون الرأس فأمره أن يغسل رأسه بالطين رواهما سعيد
وعن علي أنه كان إذا أراد أن يحرم ادهن من دبة زيت
فادهانهم قبل الاحرام دليل على أنه غير مشروع بعده وقد أخبر ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يحرم ادهن كما أخبرت عائشة أنه كان تطيب لحرمه قبل أن يحرم
وإنما إختلفوا في إستبقائه فلما إستبقاه ابن عمر وهو ممن لا يرى إستبقاء الطيب علم أنه ليس مثله

وأما للحاجة فروي عن مرة بن خالد الشيباني قال مررنا بأبي ذر الربذة ونحن محرمون في حج أو عمرة وقد تشققت أيدينا فقال إدهنوا أيديكم
وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول يتداوى المحرم بما يأكل
وعن مجاهد قال أصاب واقد بن عبد الله بن سالم في الطريق متوجها إلى مكة فكواه ابن عمر

وعن الأسود بن يزيد وعطاء وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس الرخصة في التداوي بالأدهان التي تؤكل في الاحرام
وعن القاسم بن محمد أنه سئل عن إمرأة تشتكي رأسها وهي محرمة فقال يصب على رأسها زيتانيا رواهن سعيد
وعن عبد الله بن عمر أنه صدع بذات الجيش وهو محرم فقالوا ألا ندهنك بالسمن قال لا قالوا أليس تأكله قال ليس أكله كالدهان به رواه سعيد
مسألة السادس قتل صيد البر وهو ما كان وحشيا مباحا فأما صيد البحر والأهلي وما حرم أكله فلا شيء فيه إلا ما كان متولدا من مأكول وغيره
وجملة ذلك أن الحيوانات بالنسبة إلى المحرم قسمان أحدهما ما يباح له ذبح جميعه بلا شبهة ولا كراهة وهو الحيوان الأنسى من الابل والبقر والغنم

والدجاج والبط والحيوان البحري لأن الأصل حل جميع الحيوانات إلا ما حرم الله في كتابه وإنما حرم صيد البر خاصة قال تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم وفي قوله أحل لكم صيد البحر وطعامه مطلقا ثم أردفه بقوله وحرم عليكم صيد البر ما دمتم بيان أن صيد البحر حلال لنا محلين كنا أو محرمين لا سيما وقد ذكر ذلك عقيب قوله يأيها الذين أمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد إلى قوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى اخر الأية ثم قال أحل لكم صيد البحر وطعامه فكان هذا مبينا ومفسرا لما أطلقه في قوله ليبولنكم الله بشيء من الصيد وفي قوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم وقوله غير محلى الصيد وأنتم حرم وهذا مما أجمع عليه

قال ابن أبي موسى والدجاج الأهلي ليس بصيد قولا واحدا وفي الدجاج السندي روايتان إحداهما أنه صيد فإن أصابه محرم فعليه الجزاء
والرواية الأخرى ليس بصيد ولا جزاء فيه
القسم الثاني صيد البر فهذا يحرم عليه في الجملة لقوله تعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد فإنما أباح لهم بهيمة الأنعام في حال كونهم غير مستحلى الصيد في إحرامهم وقال سبحانه وإذا حللتم فأصطادوا وقال تعالى يأيها الذين امنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن إعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يأيها الذين امنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا إلى قوله ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو إنتقام أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون
والصيد الذي يضمن بالجزاء ثلاث صفات أحدها أن يكون أصله متوحشا سواء إستأنس أو لم يستأنس وسواء كان مباحا أو مملوكا

الثاني أن يكون بريا وهو ما
الثالث أن يكون مباحا أكله فإذا كان مباحا فإنه يضمن بغير خلاف كالظباء والأوعال والنعام ونحو ذلك وكذلك ما تولد من مأكول وغير مأكول كالعيسار وهو ولد الذيبة من الضبعان والسمع وهو ولد الضبع من الذيب وما تولد بين وحشي وأهلي
فأما ما لا يؤكل فقسمان أحدهما يؤذي فالمأمور بقتله وما في معناه
والثاني غير مؤذي فالمباح قتله لا كفارة فيه وأما غير المؤذي فقال أبو بكر كلما قتل من الصيد مما لا يؤكل لحمه فلا جزاء فيه في أحد قولي أحمد وفي الآخر يفدي الثعلب والسنور وما أشبه ذلك وقال ما يفدي المحرم من الدواب والسباع
قال القاضي في المجرد والأمر على ما حكاه أبو بكر وقال ابن

عقيل ما لا يؤكل لحمه ولا يؤذي ففيه روايتان إحداهما لا ضمان فيه قال في رواية حنبل إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله فأما السبع فلا أرى فيه كفارة
وفي موضع اخر سألت أبا عبد الله عن أكل الضبع فقال يؤكل لا بأس بأكله قال وكل ما يؤدى إذا أصابه المحرم فإنه يؤكل لحمه وقال في موضع اخر وفيها حكومة إذا أصابها المحرم قيل له نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن أكل كل ذي ناب من السباع قال أبو عبد الله هذه خارجة منه وقد حكم النبي صلى الله عليه و سلم فيها وجعلها صيدا وأمر فيه بالجزاء إذا أصابه المحرم فكلما ودى وحكم فيه أكل لحمه
وكذلك قال في غير موضع محتجا على إباحتها بأنها صيد يعنى أن كل ما كان صيدا فهو مباح
وعن أبي الحارث أنه سأله عن لحوم الحمر الوحشية فقال هو صيد وقد جعل جزاؤه بدنه يعنى أنه مباح
وهذا إختيار أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأكثر أصحابنا لكن ذكر ابن أبي موسى في الضفدع حكومة
فعلى طريقته يفرق بين ما نهى عن قتله كالضفدع والنملة والنحلة والهدهد

والصرد وما لم ينه عن قتله وهذا إختيار القاضي وأصحابه وصرحوا بأنه لا جزاء في الثعلب إذا قلنا لا يؤكل لحمه
وحمل القاضي نص أحمد في الجزاء على الرواية التي يقول يؤكل لكن لم يختلف نص أحمد وقول قدماء أصحابه أن الثعلب يؤدى بكل حال
والثانية فيه الكفارة قال في رواية ابن القاسم وسندي في الثعلب الجزاء قال أبو بكر الخلال أكثر مذهبه وإن كان يؤدي فإنه عنده سبع لا يؤكل لحمه
وقال أحمد في رواية الميموني الثعلب يؤدي لتعظيم الحرمة ولا يلبسه لأنه سبع
وقال في رواية بكر بن محمد وقد سئل عن محرم قتل ثعلبا قال عليه الجزاء هو صيد ولكنه لا يؤكل
وقال عبد الله سألت أبي قلت ما ترى في أكل الثعلب قال لا يعجبني لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن كل ناب من السباع لا أعلم أحدا رخص فيه إلا عطاء فإنه قال لا بأس بجلوده يصلي فيها لأنها تؤدي يعني في المحرم إذا أصابه عليه الجزاء

وقال سمعت أبي يقول كان عطاء يقول كل شيء فيه جزاء يرخص فيه فنص على أنه يؤدي مع أنه سبع
وقال ابن منصور في السنور الأهلي وغير الأهلي حكومة
مع أن الأهلي لا يؤكل بغير خلاف والوحش فيه روايتان وقال في رواية أبي الحارث في الثعلب شاة وفي الأرنب شاة وفي اليربوع جفرة وكذلك الوبر فيها الجزاء مع أنه قد اختلفت الرواية عنه في اباحة الوبر واليربوع وحكى عنه الخلاف في الأرانب أيضا وأم حبين فيها الجزاء في وجه وذكر القاضي في بعض كتبه وغيره أن المسألة رواية واحدة أنه لا جزاء إلا في المأكول وحمل نصوصه في الثعلب ونحوه على

القول بأكله ونصه في السنور الأهلي على الاستحباب
وهذه الطريقة غلط فإنه قد نص على وجوب الجزاء في الثعلب مع حكمه بأنه سبع محرم وأختار ذلك الخلال وغيره
فعلى هذه الطريقة يضمن ما تعارض فيه دليل الحظر والاباحة وإن قلنا هو حرام قولا واحدا كالصرد والهدهد والخطاف والثعلب واليربوع والجفرة كما يضمن السمع والعسيار كما قلنا في المجوس لما تعارض فيهم سنة أهل الكتاب وسنة المشركين حرم طعامهم ونساؤهم كالمشركين وحرمت دماؤهم بالجزية كأهل الكتاب
فكذلك هذه الدواب التي تشبه السباع ونحوها من المحرمات وتشبه البهائم المباحة يحرم على المحرم قتلها ويديها كالمأكول ولا يؤكل لحمها كالسباع

وعلى طريقة أبي بكر وغيره فجميع الدواب المحرمة إذا لم تؤد روايتان كالنسور الأهلي
فوجه الأول أن الله سبحانه قال وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما بعد قوله أحل لكم صيد البحر وطعامه
فلما أباح صيد البحر مطلقا وحرم صيد البر ما دمنا محرمين علم أن الصيد المحرم بالاحرام هو ما أبيح في الاحلال لأنه علق تحريمه بالاحرام وما هو محرم في نفسه لا يعلق تحريمه بالاحرام فعلم أن صيد البر مباح بعد الاحلال كما نصه في قوله وإذا حللتم فاصطادوا وكذلك قوله غير محلى الصيد وأنتم حرم فإنه يقتضي إبانة إحلاله ونحن حلال
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله الضبع آكلها قال نعم قلت أصيد هي قال نعم قال سمعت ذاك من نبي الله صلى الله عليه و سلم قال نعم رواه

فلولا أن الصيد عندهم هو الذي يؤكل لم يسأل أصيد هي أم لا ولولا أن الصيد نوع من الوحشي لم يخبر النبي صلى الله عليه و سلم عنها أنها صيد ولو كان كونها صيدا باللغة أو بالعرف لما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم به فإنه إنما بعث لتعليم الشرع فلما أخبر أنها صيد علم أن كون البهيمة صيدا حكم شرعي وما ذاك إلا أنه هو الذي يحل أكله ووجه الثاني
وقد روي عنه في الضفدع روايتان إحداهما لا شيء فيه قال في رواية ابن منصور لا أعرف في الضفدع حكومة ومن أين يكون فيه حكومة وقد نهى عن قتله وهذا قياس الرواية الأولى عنه
والثانية فيه الجزاء قال في رواية عبد الله هشيم ثنا حجاج عن عطاء قال ما كان يعيش في البر والبحر فأصابه المحرم فعليه جزاؤه نحو السلحفاة والشرطان والضفادع

وظاهرة أنه أخذ بذلك وكذلك ذكره أبو بكر وهذا قول ابن أبي موسى
فعلى هذا كل ما يضمن فإن قتله حرام بلا تردد وهو من الكبائر لأن أصحابنا قالوا يفسق بفعله عمدا
وما لا يضمن قال أحمد في رواية حنبل يقتل المحرم الكلب العقور والذئب والسبع وكلما عدا من السباع ولا كفارة عليه ويقتل القرد والنسر والعقاب إذا وثب ولا كفارة
فإن قتل شيئا من هذه من غير أن يعدو عليه فلا كفارة عليه ولا ينبغي له
وفي لفظ يقتل المحرم الحدأ والغراب الأبقع والزنبور والحية والعقرب والفأرة والذئب والسبع والكلب ويقتل القرد وكلما عدا عليه من السباع ولا كفارة عليه ويقتل النسر والعقاب ولا كفارة عليه شبيه بالحدأ لأن النبي

صلى الله عليه و سلم أمر بقتلها محرما وغير محرم وهو يخطف ولا كفارة عليه وإنما جعلت الكفارة والجزاء في الصيد المحلل أكله وهذا سبع فلا كفارة ولا بأس أن يقتل الذر
وقال في رواية أبي الحارث يقتل السبع عدا عليه أو لم يعد
وقال في رواية مهنا يقتل القمل ويقتل المحرم النملة إذا عضته ولا يقتل النحلة فإن اذته قتلها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتل الذر والصرد والصرد طير
وقال في رواية ابن منصور يقرد المحرم بعيره
وقال في رواية عبد الله والمروذي يقتل المحرم الغراب والحدأة والعقرب والكلب العقور وكل سبع عدا عليك أو عقرك ولا كفارة عليك
وجملة هذا أن ما آذى الناس أو آذى أموالهم فإن قتله مباح سواء كان قد وجد منه الأذى كالسبع الذي قد عدا على المحرم أو لا يؤمن أذاه مثل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور فإن هذه الدواب ونحوها تدخل بين الناس من حيث لا يشعرون ويعم بلواهم بها فأذاهم بها غير مأمون قال أصحابنا قتلها مستحب وهذا إجماع وذلك لما روى ابن عمر قال

حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه و سلم عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يقتل المحرم الفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور والغراب
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وفي لفظ في الحل والحرم متفق عليه
وفي لفظ لمسلم والغراب الأبقع
وفي رواية للنسائي وابن ماجة خمس يقتلهن المحرم الحية والفأرة والحدأة والغراب الأبقع والكلب العقور
وفي رواية قالت حفصة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الغراب والفأرة والحدأة والعقرب والكلب العقور متفق عليه

وفي رواية لمسلم أنه سأله رجل ما يقتل من الدواب وهو محرم فقال حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية قال وفي الصلاة أيضا
وفي رواية لمسلم قالت حفصة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس من الدواب كلها فواسق لا حرج على من قتلهن وذكره
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية لمسلم وغيره لا جناح على من قتلهن في الحرم والاحرام
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ولا يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحية والكلب العقور والغراب رواه أحمد

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خمس قتلهن حلال في الحرم الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عما يقتل المحرم قال الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن وذكره أحمد في رواية الفضل بن زياد
فذكر النبي صلى الله عليه و سلم ما يؤذي الناس في أنفسهم وأموالهم وسماهن فواسق لخروجهن على الناس
ولم يكن قوله خمس على سبيل الحصر لأن في أحد الحديثين ذكر الحية وفي الاخر ذكر العقرب وفي اخر ذكرها وذكر السبع العادي فعلم أنه قصد بيان ما تمس الحاجة إليه كثيرا وهو هذه الدواب وعلل ذلك بفسوقها لأن تعليق الحكم بالاسم المشتق المناسب يقتضي أن ما منه الاشتقاق علة للحكم فحيث ما وجدت دابة فاسقة وهي التي تضر الناس وتؤذيهم جاز قتلها

وقوله في حديث أبي سعيد يرمي الغراب ولا يقتله إما أن يكون منسوخا بحديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة لأن الرخصة بعد النهي لئلا يلزم التغيير مرتين أو يكون رمية هو الأولى وقتله جائزا
فأما ما هو مضر في الجملة لكن ليس من شأنه أن يبتديء الناس بالأذى في مساكنهم ومواضعهم وإنما إذا اجتمع بالناس في موضع واحد أو أتاه الناس اذاهم مثل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير مثل الأسد والنمر والذئب والدب والفهد والبازي والصقر والشاهين والباشق فهذا كالقسم الأول والمشهور عند أصحابنا المتأخرين مثل القاضي ومن بعده
وقد نص في رواية أبي الحارث على أنه يقتل السبع عدا عليه أو لم يعد وكذلك ذكر أبو بكر وغيره قالوا لأن الله إنما حرم قتل الصيد والصيد إسم للمباح كما تقدم لأن النبي صلى الله عليه و سلم أباح قتل السبع العادي والعادي صفة للسبع سواء وجد منه العدوان أو لم يوجد كما قال الكلب العقور وكما يقال السيف قاطع والخبز مشبع والماء مرو لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن فرق بين السبع وبين الصيد فإن الصيد إذا عدا عليه فإنه يقتله قالوا ولأن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر من كل جنس أدناه ضررا لينبه بإباحة قتله على إباحة ما هو أعلى منه ضررا فنص على الفأرة تنبيها على ما هو أكبر منها من

الحشرات وذكر الغراب تنبيها به على ما هو أكبر منه من الجوارح وذكر الكلب العقور وهو أدنى السباع تنبيها به على سائر السباع
قالوا وفحوى الخطاب تنبيهه الذي هو مفهوم الموافقة أقوى من دليلة الذي هو مفهوم المخالفة وربما قالوا الكلب العقور إسم لجميع السباع لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال في دعائه على عتبة بن أبي لهب اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله السبع

وعنه رواية أخرى أنه إنما يقتل إذا عدا عليه بالفعل فإذا لم يعد فلا ينبغي قتله لأنه قال في رواية حنبل فإن قتل شيئا من هذه من غير أن تعدو عليه فلا كفارة عليه ولا ينبغي له
وقال أيضا يقتل ما عدا عليه من السباع ولا كفارة عليه
فخص قتله بما إذا عدا عليه أو بما إذا عدا في الرواية الأخرى وهذا يقتضي أنه لا يقتله إذا لم يعدو ولو أراد أبو عبد الله أن العدوان صفة لازمة للسبع لم يقل كلما عدا من السباع فإن جميع السباع عادية بمعنى أنها تفترس ولذلك حرم أكلها فعلم أنه أراد عدوانا تنشئه وتفعله فلا تقصد في مواضعها ومساكنها فتقتل إلا أن يقصد ما من شأنه أن يعدوا على بني ادم كالأسد فيقتل الذي من شأنه أن يعدو دون أولادها الصغار ودون ما لا يعدو على الناس وهذا مذهب مالك فينظر وهو قول أبي بكر لأنه قال يقتل السبع مطلقا ول الهم
وقال في رواية عبد الله ويقتل الحية والعقرب والكلب العقور وكل سبع عدا عليك أو عقرك

فنص على أن المقتول من السباع هو الذي يعدو على المحرم ويريد عقره وهذه الرواية أصح إن شاء الله وهي إختيار لوجوه
أحدها أن النبي صلى الله عليه و سلم لو أراد بهذا الحديث الإذن في قتل كل ما لا يؤكل لقال يقتل كل ما لا يؤكل ويقتل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير فإنه صلى الله عليه و سلم كان قد أوتي جوامع الكلم ألا تراه لما أراد النهي عنها قال كل ذي ناب من السباع حرام ولم يعدد أنواعا منها
الثاني أنه سئل عما يقتل المحرم من الدواب
الثالث أنه علل الحكم بأنهن فواسق والفاسق هو الذي يخرج على غيره إبتداء بأن يقصده في موضعه أما من لا يخرج حتى يقصد في موضعه فليس بفاسق
الرابع أنه خص الكلب العقور ولو قصد ما لا يؤكل أو ما هو سبع في

الجملة لم يخص العقور من غيره فإن الكلب سبع من السباع وأكله حرام
الخامس أنه ذكر من الدواب والطير ما يأتي الناس في مواضعهم ويعم بلواهم به بحيث لا يمكنهم الاحتراز منه في الغالب إلا بقتله مثل الحديا والغراب والحية والعقرب ومعلوم أن هذا وصف مناسب للحكم فلا يجوز إهداره عن الاعتبار وإثبات الحكم بدونه إلا بنص آخر
السادس أنه قال والسبع العادي ولا يجوز أن يكون العدوان صفة لازمة بل يجب أن يكون المراد به السبع الذي يعتدي أو السبع إذا إعتدى ونحو ذلك أو السبع الذي من شأنه أن يعتدي على الناس فيأتيهم في أماكنهم ونحو ذلك كما يقال الرجل الظالم كما قال الكلب العقور فكان ذلك نوعا خاصا من الكلاب فلذلك هذا يجب أن يكون نوعا خاصا من السباع لوجوه
أحدها أنه لو كان المراد به العدوان الذي في طباع السباع وهو كونه يفترس غيره من الحيوان لكانت جميع السباع عادية بهذا الاعتبار فتبقى الصفه ضائعه وهذا وان كان قد يأتي للتوكيد في بعض المواضع لكن الأصل فيه التقييد لا سيما وهو لم يذكر ذلك في الحية والعقرب مع أن العدوان صفة لازمة لهما فعلم أنه أراد صفة تخص بعض السباع
الثاني أن الأصل في الصفات أن تكون لتمييز الموصوف مما شاركه في الاسم وتقييد الحكم بها وقد تجيء لبيان حال الموصوف وإظهاره وإيضاحه لكن هذا خلاف للأصل وإنما يكون إذا كان في إظهار الصفة فائدة من مدح أو ذم أو تنبيه على شيء خفي أو غير ذلك وهنا قال العادي فيجب أن يكون العادي تقييدا للسبع أو إخراجا للسبع الذي ليس

بعادي إذ إرادة عدوان لازم مخالف للأصل ثم ذلك العدوان الطبيعي معلوم بنفس قوله سبع فلا فائدة في ذكره
الثالث أن العدوان الذي هو فعل السبع معلوم قطعا والعدوان الذي هو طبعه يجوز أن يكون مرادا ويجوز أن لا يكون مرادا فلا يثبت بالشك
السابع أن كثيرا من الدواب قد نهى عن قتلها في الاحلال مثل الضفدع والنملة والنحلة والهدهد والصرد فكيف يكون في الاحرام وقد قال في الفواسق يقتلن في الحل والحرم
الثامن أنه صلى الله عليه و سلم قال في الكلاب لولا أنها أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم متفق عليه
وهذا يقتضي أن كونها أمة وصف يمنع من إستيعابها بالقتل لتبقي هذه الأمة تعبد الله وتسبحه نعم خص منها ما يضر بني ادم ويشق عليهم الاحتراز منه

لأن رعاية جانبهم أولى من رعاية جانبه ويبقى ما يمكنهم الاحتراز منه على العموم
فعلى هذا قتله حرام أو مكروه وبكل حال لا جزاء فيه نص عليه
وإذا لم يقتل هذا فغيره ممن لا يؤكل لحمه ولا في طبعه الأذى أولى أن لا يقتل
قال ابن أبي موسى للمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والأسود البهيم والسبع والذئب والحدأة والغراب الأبقع والزنبور والقرد والنسر والعقاب إذا وثب عليه والبق والبعوض والحلم والقردان وكلما عدا عليه واذاه ولا فدية عليه
فأما على الرواية الأولى فقال أبو الخطاب يباح قتل كل ما فيه مضرة كالحية والعقرب وسمى ما تقدم ذكره وقال والبرغوث والبق والبعوض والقراد والوزغ وسائر الحشرات والذباب ويقتل النمل إذا اذاه
وقال القاضي وابن عقيل الحيوانات التي لا تؤكل ثلاثة أقسام قسم يضر

ولا ينفع كالأسد والذئب والجرجس والبق والبرغوث والبعوض والعلق والقراد فهذا يستحب قتله
الثاني ما يضر وينفع كالبازي والفهد وسائر الجوارح من الطير والمخلب الذي ليس بمعلم فقتله جائز لا يكره ولا يستحب
الثالث ما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان وبنات وردان والرخم والذباب والنحل والنمل إذا لم يلسعه يكره قتله ولا يحرم
وأما الذباب فذكره ابن عقيل في القسم وهو ما يضر ولا ينفع وذكره القاضي في القسم الثالث وهو ما لا يضر ولا ينفع وقد تقدم الكلام على القسم الأول وذكرنا الروايتين فيه
وأما القسم الثاني والثالث فالمنصوص عنه المنع من قتله كما تقدم ما لم يضر قد أدخلوا فيه الكلب والمذهب أن قتله حرام
وأما الذباب فقد ذكره أبو الخطاب وابن عقيل من المؤذي وذكره القاضي فيما لا يؤذي وهذا على قولنا لا يجوز أكله فأما إذا قلنا يجوز أكله فينبغي أن يضمن

وأما الذر فقد روى عنه لا بأس أن يقتله وقال في الرواية الأخرى قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتل الذر
وقال ابن أبي موسى ويكره له أن يقتل القملة ولا يقتل النملة في حل ولا حرم ولا يقتل الضفدع وهذه المنهيات عن قتلها مثل الصرد والنحلة والنملة
مرد هل هو منع تنزيه أو تحريم قال ابن أبي موسى ولا يقتل النمل في حل ولا حرم ولا الضفدع وظاهر كلام أحمد التحريم قال في رواية مهنا وقد سأله عن قتل النحلة والنملة فقال إذا اذته قتلها فقيل له أليس قد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل النحلة قال نعم قد نهى عن قتل النحل والصرد وهو طير
وقال في رواية عبد الله وأبي الحارث في الضفادع لا تؤكل ولا تقتل نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن قتل الضفدع
وقال في رواية ابن القاسم وقال له يا أبا عبد الله الضفدع لا لايؤكل فغضب وقال النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن أن يجعل في الدواء من يأكله فهذا يقتضي أن قتلها وأكلها سواء وأنه محرم

فأما إذا عضته النحلة أو النملة أو تعلق القراد ببعيره ونحو ذلك فإنه يقتله وإن أمكن دفع أدناه بدون ذلك بحيث له أن يقتل النملة بعد أن تقرصه
فصل
وما حرم قتله فإنه يحرم قصد قتله بمباشرة أو تسبب ويحرم عليه تملكه بإصطياد أو إبتياع أو اتهاب وسائر أنواع التملكات مثل كونه عوضا في صداق أو خلع أو صلح عن قصاص أو غير ذلك لأن الله قال ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم فإن قبضه بعقد البيع فتلف في يده ضمنه بالجزاء وضمن القيمة لمالكه بخلاف ما قبضة بعقد الهبة ومتى رده على البائع والواهب زال الضمان
فأما ملكة بالارث ففيه وجهان
وإذا اصطاده ولم يرسله حتى حل فعليه إرساله لأنه لم يملكه بذلك الاصطياد فإن لم يفعل حتى تلف في يده فعليه ضمانه وإن ذبحه بعد التحلل فهو ميتة نص عليه في رواية ابن القاسم وسندي وهو قول ابن أبي موسى والقاضي

وقال أبو الخطاب وابن عقيل يباح أكله وعليه ضمانه لأنه ذبيحة حلال أكثر ما فيه أنه كالغاصب فيجب عليه قيمته
والأول أجود لأنه ممنوع لحق الله
وإذا أحرم وفي ملكه صيد ليست يده الحسية عليه بأن يكون في مصرة غائبا عنه فملكه باق عليه ولا يلزمه إرساله وإن كانت يده المشاهدة الحسية عليه بأن يكون مربوطا معه حال الاحرام أو هو في قفصه أو في يده فإنه يجب عليه إزالة يده عنه في ظاهر المذهب
قال في رواية ابن القاسم وسندي في رجل أحرم وفي يده صيد يرسله فإن كان في منزله ليس عليه وقد كان عبد الله بن الحارث يحرم وفي بيته النعام فإن لم يفعل فأزال يده إنسان فلا شيء عليه لأنه قد فعل ما يجب عليه فأشبه ما لو أزال يده عن المكاتب
وأما ملكه فلا يزول عنه فيما ذكره أصحابنا
فإن لم يرسله حتى حل لم يجب عليه إرساله بخلاف ما اصطاده في

الاحرام ذكره أصحابنا لأن ما حرم إستدامته من المحظورات لا يجب إزالته إذا إستدامه في الحلال كاللباس والطيب
وقال ابن أبي موسى لو إصطاد محرم صيدا فأمسكه حتى حل من إحرامه لزمه إرساله واجبا فإن تلف في يده أو ذبحه بعد الاحلال فعليه جزاؤه ولا يحل له أكله وكذلك لو أحرم وفي يد المملوك صيده لزمه إرساله
وظاهره الفرق فإن أراد يبيع الصيد أو يهبه فقال القاضي في خلافه لا يصح ذلك لأن في ذلك تصرف فيه لأنه عاجز شرعا عن نقل الملك فيه
فعلى هذا هل له أن يعيره
وقال القاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا يجوز أن يبيعه ويهبه لأنه إخراج له عن ملكه فأشبه إزالة يده عنه ولأن إزالة الملك أقوى من إزالة اليد ولهذا نقول في العبد الكافر إذا أسلم عند سيده الكافر فإنه ممنوع من إقرار يده عليه وله أن يبيعه لمسلم ويهبه له هذا إذا لم تكن يده المشاهدة عليه فأما إن كانت اليد الحسية عليه لم يصح بيعه ولا هبته لأنه مأمور في الحال برفع يده عنه

وذكر ابن عقيل في موضع اخر أن له أن يعتبره من حلال لأنه إخراج له عن يده وهذا يلائم حاله فعلى هذا !
وإذا باعه ثم أراد فسخ البيع لإفلاس المشتري أو لعيب في الثمن أو لخيار شرط ونحو ذلك لم يكن له ذلك فيما ذكره أصحابنا لأنه إبتداء بملك إلا أن نقول إن الملك لا ينتقل إلى المشتري فيكون مثل الرجعة للزوجة فيما ذكره بعض أصحابنا وغيره أطلق المنع
فأما إن كان المشتري حلالا وأراد رده على البائع المحرم بعيب أو خيار ونحو ذلك فله ذلك قاله ابن عقيل
فإذا صار في يد البائع لزمه إطلاقه لأجل إحرامه ويتخرج إذا قلنا لا يورث
وإن كان المشتري محرما فأراد رده على بائع محرم أو حلال بعيب أو خيار ونحو ذلك فهو كإبتداء بيعه على ما تقدم فيما ذكره ابن عقيل فإن كانت يد المشاهدة عليه لم يجز وإلا جاز على ما ذكره القاضي وابن عقيل وعلى قول القاضي في خلافه لا يجوز مطلقا وعلى قول !
ومن هذا الباب لو أراد الواهب أن يسترجعه لم يكن له ذلك وإذا طلق

إمرأته وهو محرم والصداق صيد لم يمنع من طلاقها لكن هل يدخل نصف الصداق في ملكه

فصل
وإذا ذبح المحرم صيدا فهو حرام كما لو ذبحه كافر غير الكتابي وهو بمنزلة الميتة وتسمية الفقهاء المتأخرون ميتة بمعنى أن حكمه حكم الميتة إذ حقيقة الميتة ما مات حتف أنفه قال في رواية حنبل إذا ذبح المحرم لم يأكله حلال ولا حرام هو بمنزلة الميتة
وفي لفظ لحنبل وإبراهيم في محرم ذبح صيدا هو ميتة لأن الله تعالى قال لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم فسماه قتلا فكلما إصطاده المحرم أو ذبحه فإنما هو قتل قتله
وفي لفظ لا إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله أحد لأن الله سماه قتلا فلا يعجبنا لأحد أن يأكله
وذلك لم إحتج به أحمد من قول الله سبحانه لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فسمى الله سبحانه رمى

الصيد بالسهم ونحو ذلك قتلا ولم يسميه تذكية
وذلك يقتضي كونه حراما من وجوه
أحدها أن كل حيوان نهى الشرع عن قتله فإنه حرام كما نهى عن قتل الضفدع وعن الهدهد والصرد وعن قتل الآدمى لأن النهي عن قتله يقتضي شرفه وكرامته وذلك يوجب حرمته
الثاني أنه سمى جرحه قتلا والقتل إذا أطلق في لسان الشرع فإنه يقتضي الفعل المزهق للروح الذي لا يكون ذكاة شرعية كما قال تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن يقتل مؤمنا متعمدا إلى غير ذلك من ذكر قتل الآدمى وقال النبي صلى الله عليه و سلم ينزل ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وقال خمس من الدواب يقتلن في الحل ولا جناح على من قتلهم وقال إقتلوا الأبتر وذو

الطفيتين وأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب ونهى عن قتل الحيوان لغير مأكله وقال من قتل عصفورا بغير حقه فإنه يعج إلى الله يوم القيامة يقول ربى سل هذا فيم قتلني

وسئل عن ضفدع تجعل في دواء فنهى عن قتلها وقال إن نقيقها تسبيح ونهى عن قتل أربع من الدواب وقال في الفعل المبيح إلا ما ذكيتم وقال دباغ الأديم ذكاته وقيل له أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة

فلما سمى الله سبحانه رمى الصيد بالسهم وإزهاق روحه قتلا ولم يسمه ذكاة ولا عقرا علم أنه ليس مذكا تذكية شرعية
وأيضا فإن هذا عقر قد حرمه الشرع لمعنى في القاتل فلم يفد الاباحة ولا الطهارة كذبح المجوسي والمرتد وعكسه ذبح المسروق والمغصوب إن سلم فإن ذلك المعنى في المالك وهو أن نفسه لم تطب به ولهذا لا يختلف حال الغاصب قبل الإذن وبعده إلا فينما يتعلق بالمغصوب خاصة بخلاف المحرم فإن إحرامه صفة في نفسه تكون مع وجود الصيد وعدمه كدين المشرك والمرتد
وأيضا فإنه عقر محرم لحق الله فلم يفد الإباحة كالعقر في غير الحلق واللبة وبكلب غير معلم وبدون التسمية وبدون قصد الذكاة وعقر المشرك وذلك لأن الحيوان قبل الذكاة حرام فلا يباح إلا بأن يذكى على الوجه المأذون فيه كما أن الفرج قبل العقد محرم فلا يباح إلا بعقد شرعي فإذا نهى الشارع عن عقره لم يكن عقره مشروعا فيبقى على أصل التحريم كما لو نكح المرأة نكاحا لم يبحه الشارع ولأنه قتل لا يبيحه المقتول لقاتله بحال فلا يباح لغيره كسائر ما نهى عنه الشرع من القتل ولأنه قتل محرم لحرمة الحيوان وكرامته فلا يفيد الحل كذبح الانسان والضفدع والهدهد ولأن جرح الصيد الممتنع يفيد الملك والإباحة واقتضاؤه الملك أقوى من إقتضائه الاباحة لأنه يحصل بمجرد إثباته وبدون قصد الذكاة ويثبت للمشرك فإذا كان جرح الصيد في حال الصيد لا يفيد الملك فأن لا يفيد الاباحة أولى وأحرى
وصيد الحرم إذا ذبح فيه بمنزلة الميتة كالصيد الذي يذبحه المحرم

قال في رواية ابن منصور وقد سئل هل يؤكل الصيد في الحرم قال إذا ذبح في الحل ونقل عنه أيضا إذا رماه في الحل فتحامل فدخل الحرم يكره أكله
وقال في رواية حنبل وإن دخل الحرم فلا يصطاد ولا أرى أن يذبح إلا أن يدخل مذبوحا من خارج الحرم فيأكله ولا أرى أن يذبح شيئا من صيد الحل ولا الحرم وكذلك صيد المدينة الذي يصطاد فيه قال في رواية حنبل صيد المدينة حرام أكله حرام صيده وخرجها القاضي على وجهين أحدهما كذلك والثاني الفرق لأن حرمة حرم المدينة لا يوجب زوال الملك في الصيد المنقول إليها من خارج بخلاف حرمة حرم مكة
وإن أخرجه من الحرم ثم ذبحه لم يحل أيضا كما لو أمسكه حتى تحلل ثم ذبحه وإذا إشترك حلال وحرام في قتل صيد فهو حرام أيضا كما لو إشترك مسلم ومجوسي في الذكاة
وإن أعان المحرم حلالا بدلالة أو إعارة آلة ونحو ذلك فقال القاضي وأصحابه هو ذكي مباح للحلال ولغير المحرم الدال لأن في حديث أبي

قتادة فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلوا فأكلوا من لحمها قال فقالوا أكلنا لحما ونحن محرمون فحملوا ما بقى من لحم الأتان فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وكان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها فقالوا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقى فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها رواه البخاري وفي لفظ مسلم هل معكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء قال قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها
وهذا يقتضي أنه لو أشار بعضهم حرم على جميعهم
وقال أبو بكر إذا أبان المحرم فأصطاده حلال فعلى المحرم الجزاء ولا يأكل الحلال والمحرم من الصيد لأنه في حكم الميتة
ولأنه إذا أعان المحرم على قتله كان مضمونا عليه وضمانه يقتضي أنه قتل بغير حق فيكون ميتة فإن الذكي لا يضمن كما لو ذبحه الحلال لحرم

وإن كسر بيضة أو قطع شجرة لم يجز له الانتفاع بها وأما لغيره ! فإذا أضطر إلى الصيد جاز له عقره ويأكله وعليه الجزاء لأن الضرورة تبيح أكل جميع المحظورات سواء كان المنع لحق الله أو لحق ادمي والصيد لا يخرج عن هذين
وإذا قتله فهل يكون ذكيا بحيث يباح أكله للمحلين أو ميتة قال ليست هذه ذكاة بل هو ميتة في جميع الأحوال لأن أحمد قال إنما سماه الله قتلا
وإذا وجد المضطر ميتة وصيدا فإنه يأكل الميتة ويدع الصيد نص عليه في رواية الجماعة لأن الله إستثنى حل الميتة في كتابه للمضطر بقوله فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا أثم عليه ولم يستثن حل الصيد لأحد وإنما أبيح استدلالا وقياسا وما ثبت حكمه بالنص مقدم على ما ثبت بالاجتهاد لا سيما وهو في هذا الحال قد لا يكون مضطرا إلى الصيد

وأيضا فإن الصيد يحرم أخذه وقتله وأكله والميتة إنما يحرم أكلها خاصة وما حرم فيه ثلاثة أفعال أعظم مما يحرم فيه فعل واحد
وأيضا فإن الصيد قد صار بالاحرام حيوانا محترما يشبه الآدمي وماله والميتة لا حرمة لها في نفسها فيكون إستحلال ما لا حرمة له أولى من إستحلال ما هو محترم كما تقدم الميتة على أخذ أموال الناس
وأيضا فإن الصيد قد صار بالاحرام حيوانا محترما يشبه الآدمي وماله والميتة لا حرمة لها في نفسها فيكون إستحلال ما لا حرمة له أولى من إستحلال ما هو محترم كما تقدم الميتة على أخذ اموال الناس وأيضا فإن الصيد يوجب بقاء الجزاء في ذمته والميتة بخلاف ذلك
فإن قيل الصيد أيسر لأن من الناس من يقول هو ذكى وأن أكله حلال قيل هذا غلط لأن أحدا من المسلمين لم يقل إنه حلال للقاتل ولا ذكي بالنسبة إليه وكونه حلالا لغيره لا يؤثر فيه كطعام الغير مع الميتة فإن الميتة تقدم عليه
فإن وجد ميتة وصيدا قد ذبحه محرم فقال القاضي يأكل ذبيحة المحرم هنا ويترك الميتة لأنه لا يحتاج أن يفعل في الصيد غير الأكل وأكله أخف حكما من أكل الميتة لأن من الناس من يقول هو ميتة وذكي
فأما إن ذبح هو الصيد فهنا ينبغي أن يقدم الميتة
وإن وجد صيدا وطعاما مملوكا لا يعرف مالكه فقال ! يقدم أكل طعام الغير وقيل !

فصل فأما ما صاده الحلال بغير معونة من المحرم وذكاة فإنه مباح للمحرم إذا لم يصده لأجله ولا عقره لأجله ومتى فعل ذلك لأجله فهو حلال للحلال حرام على المحرم سواء علم الحرام بذلك أو لم يعلم
وهل يحرم على غيره ! نص على هذا في رواية الجماعة فقال إذا صيد الصيد من أجله لم يأكله المحرم ولا بأس أن يأكل من الصيد إذا لم يصد من أجله إذا إصطاده الحلال وذلك لما روى عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن عبد المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم رواه الخمسة إلا ابن ماجة

وقال الشافعي هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس
وقال أحمد في رواية عبد الله قد روي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لحم الصيد لكم حلال إلا ما صدتم أو صيد لكم وكرهه عثمان بن عفان لما صيد له
وحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهم أن يأكلوا وهم حرم وكان أبو قتادة صاده وهو حلال فإذا صاده الحلال فلا بأس أن يأكله المحرم إذا لم يصد من أجله ولا يأكله إذا صيد من أجله
وعلي وعائشة وابن عمر كانوا يكرهون أن يأكل المحرم لحم الصيد وكانوا ذهبوا إلى ظاهر الاية وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وهذا يدل على صحة الحديث عنده
فإن قيل فقد قال الترمذي المطلب لا نعرف له سماعا من جابر !

قيل قد رواه أحمد عن رجل ثقة من بني سلمة عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده أو يصد له وهذا الحديث مفسر لما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم من كراهة صيد الحلال للمحرم ومن إباحته له
أما الأول فروى ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم متفق عليه وفي رواية لحم حمار وفي رواية من لحم حمار وحش وفي رواية

شق حمار وحش فرده وفي رواية عجز وحش يقطر دما رواهن مسلم وغيره
فهذا لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم أعان عليه بوجه من الوجوه ولا أمر به ولا علم أنه يصاد له وإنما يشبه والله أعلم أن يكون قد رأى لما أهداه أنه صاده لأجله لأن الناس كانوا قد تسامعوا بقدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكل يحب أن يقترب إليه ويهدي إليه فلعل الصعب إنما صاده لأجل النبي صلى الله عليه و سلم
وإذا كان هذا يكون تركه واجبا أو يكون خشى صلى الله عليه و سلم أن يكون صيد لأجله فيكون قد تركه تنزها وكذلك قال الشافعي رضي الله عنه كما كان يدع التمرة خشية أن تكون من تمر الصدقة
وعن طاوس قال قدم زيد بن أرقم فقال له عبد الله بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حرام قال أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال إنا لا نأكله إنا حرم

رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة
وعن الحسن بن محمد عن عائشة قالت أهدي لرسول الله صلى الله عليه و سلم وشيقة ظبي وهو محرم ولم يأكله رواه عبد الرزاق وأحمد في مسائل عبد الله وقال قال ابن عيينة الوشيقة ما طبخ وقدد
وعن اسحق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعاما فيه من الحجل واليعاقيب

ولحم الوحش وبعث إلى علي فجاءه الرسول وهو يخبط لا باعر له فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده فقالوا له كل فقال اطعموه قوما حلالا فإنا حرم فقال علي أنشد من كان هاهنا من أشجع أيعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله قالوا نعم رواه أبو داود ورواه أحمد من حديث علي بن زيد بن عبد الله بن الحارث قال كان أبي الحارث على أمر من أمر مكة في زمن عثمان فأقبل عثمان إلى مكة فقال عبد الله بن الحارث فاستقبلت عثمان بالنزول بقديد فاصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح فجعلناه عرقا للثريد فقدمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان صيد لم يصطده ولم يأمر بصيده إصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس فقال عثمان من يقول في هذا فقالوا علي فبعث إلى علي فجاء قال عبد الله بن الحارث فكأني أنظر إلى علي حين جاء يحت الخبط عن كفيه فقال له عثمان صيد لم يصده ولم يأمر بصيده

إصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس فغضب علي وقال أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أتى بقائمة حمار وحش فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا قوم حرم فأطعموه أهل قال فشهد إثنا عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال علي أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أتى ببيض النعام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل قال فشهد دونهم من العدة من الاثنى عشر قال فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل رحله وأكل ذلك الطعام أهل الماء
فهذا الصيد قد كان صنع لعثمان وأصحابه وكان عثمان يرى أن ما لم يعن على صيده بأمر أو فعل فلا بأس به فلما أخبره علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لم يقبل ما أهدى إليه رجع عن ذلك وكان لا يأكل مما صنع له فروى عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان عليه السلام بالعرج وهو محرم في يوم صائف وقد غطى رأسه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا قالوا ولا تأكل أنت قال أني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلى رواه مالك وغيره

وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال خرج أبي مع عثمان إلى مكة فنزلوا ببعض الطريق وهم محرمون فقرب إلى عثمان ظبي قد صيد فقال لهم كلوا فإني غير آكله فقال له عمرو أتأمرنا بما لست بآكله فقال عثمان لولا أني أظن أنما صيد لي وأميت من أجلي لأكلت فأكلوا ولم يأكل عثمان منه شيئا رواه سعيد والدارقطني ولفظه إني لست في ذاك مثلكم إنما صيد لي وأميت باسمي
وما نقل عن عثمان من الرخصة مطلقا فقد رجع عنه بدليل ما روى سعيد عن بشر بن سعيد أن عثمان رضي الله عنه كان يصاد له الوحش على المنازل ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته أو ثلاث ثم إن الزبير كلمه فقال ما أدري ما هذا يصاد لنا أو من أجلنا أن لو تركناه فتركه

وهذا متأخر عما روى عبد الله بن الحارث عن أبيه قال حججت مع عثمان رضي الله عنه وأتى بلحم صيد صاده حلال فأكل منه وعلي جالس فلم يأكل فقال عثمان والله ما صدنا ولا أشرنا ولا أمرنا فقال علي حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما
ثم إتفق رأي عثمان والزبير على أن معنى سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ما صيد للمحرم لا يأكله وكان ذلك بعد أن حدثه علي والأشجعيون بالحديث فعلم أنهم فهموا ذاك من الحديث ويدل على ذلك أن ابن عباس هو الذي روى حديث الصعب وحديث زيد وروى عبد الله في مسند أبيه عن علي قال أتي النبي صلى الله عليه و سلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله
وعن طاوس عن عباس قال لا يحل لحم الصيد وأنت محرم وتلا هذه الاية وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما رواه سعيد وغيره
ومع هذا فقد روى سعيد وأحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال ما صيد قبل أن تحرم فكل وما صيد بعدما تحرم فلا تأكل فيشبه والله أعلم أن يكون ما صيد بعد إحرامه يخاف أن يكون صيد لأجله بخلاف ما صيد قبل الاحرام فتتفق الاثار المروية في ذلك عن الصحابة على تفسير الحديث

وقد روى أحمد عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان أتى بقطا مذبوح وهو محرم فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل وقال إنما صيد لي وكان علي يكره ذلك على كل حال
وعن عبد الرحمن بن حاطب أن عثمان كره اكل يعاقيب أصيدت له وقال إنما أصيدت وأميتت لي
وأما أحاديث الرخصة فما روى عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي وهو ابن أخي طلحة قال كنا مع طلحة ونحن حرم فأهدى لنا طير وطلحة راقد فمنا من اكل ومنا من تورع فلم يأكل فلما أفاق طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أحمد ومسلم والنسائي

وعن عمير بن سلمة الضمري عن رجل من بهز أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبي صلى الله عليه و سلم فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون قال ثم مررنا حتى إذا كنا بالإثاية إذا نحن بظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا أن يقف عنده حتى يجيز الناس عنه رواه مالك وأحمد والنسائي
وعن أبي قتادة قال كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه و سلم أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم عام الحديبية فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف

نعلي فلم يؤذنونني وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا والله لا نعينك عليه فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألناه عن ذلك فقال هل معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم وفي رواية هو حلال فكلوه متفق عليه وللبخاري قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها ولمسلم هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوا
وقد روى عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن الحديبية وأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمارا فحملت عليه فإصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه و سلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وأني إنما صدته لك فأمر

النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته له رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وقال أبو بكر النيسابوري قوله إني أصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدا ذكره في هذا الحديث غير معمر وهو موافق لما روي عن عثمان أنه صيد له طائر وهو محرم فلم يأكل وهذا إسناد جيد الا أن الروايات المشهورة فيها أنه أكل منه صلى الله عليه و سلم فينظر !

وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالربذة وجد ركبا من العراق محرمين فسألوه عن صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال ثم إني شككت فيما أمرتهم فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال ماذا أمرتهم به قال بأكله فقال عمر لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك يتواعده
وعن ابن عمر قال قدم أبو هريرة من البحرين حتى إذا كان بالربذة سئل عن قوم محرمين أهدى لهم لحم صيد أهداه حلال فأمرهم بأكله فلما قدم على عمر ذكر ذلك له فقال عمر ما أمرتهم قال أمرتهم بأكله قال لو أمرتهم بغير ذلك لأوجعتك ضربا فقال رجل لابن عمر أتأكله فقال أبو هريرة خير مني وعمر خير مني رواه سعيد
وروي عن الشعبي ومجاهد قال إذا رأيتم الناس يختلفون فأنظروا ما فعل عمر فاتبعوه
وأيضا فإن الله سبحانه قال أحل لكم صيد البحر وطعامه متعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما والمراد بالصيد نفس الحيوان المصيد لا كما قال بعضهم أنه مصدر صاد يصيد صيدا وأصطاد يصطاد

إصطيادا وأن المعنى حرم عليكم الاصطياد في حال من الاحرام لوجوه أحدها أن الله حيث ذكر الصيد فإنما يعني به ما يصاد كقوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم وقوله أحل لكم صيد البحر وطعمه متعا لكم وانما يستمعون بما يصاد لا بالاصطياد
وقوله غير محلى الصيد وأنتم حرم بعد قوله أحلت لكم بهيمة الانعام
الثاني أن التحريم والتحليل في مثل هذا إنما يضاف إلى الأعيان وإذا كان المراد أفعال المكلفين كقوله حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير أحل لكم الطيبات أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلى الصيد ويحل لهم الطيبت ويحرم عليهم الخبئث وهذا كثير في القرآن والحديث
ثم قال تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متعا لكم وللسيارة وحرم

عليكم صيد البر فعلم أن المراد نفس المصيد
الثالث أن قوله صيد البحر المراد به ما يصاد منه لأنه عطف عليه وطعامه مالحة وطافية فلا بد أن يكون المقرون بالطعام هو النوع الاخر وهو الرطب الصيد ولأنه قال متاعا لكم وإنما يستمتع بنفس ما يصاد لا بالفعل فإذا كان صيد البحر قد عني به الصيد فكذلك صيد البر لأنه مذكور في مقابلته
الرابع أن الصحابة فسروه بذلك كما تقدم عنهم ولم ينقل عن مثلهم خلاف في ذلك
الخامس أن الفعل لا يضاف إلى البر والبحر إلا على تكلف بأن يقال الصيد في البر والصيد في البحر ثم ليس مستقيما لأن الصائد لو كان في البحر وصيده في البر لحرم عليه الصيد ولو كان بالعكس لحل له فعلم أن العبرة بمكان الصيد الذي هو الحيوان لا بمكان الاصطياد الذي هو الفعل
السادس أنه إذا أطلق صيد البر وصيد البحر فهم منه الصيد البري والبحري فيجب حمل الكلام على ما يفهم منه وإذا كان المعنى حرم عليكم الصيد الذي في البر فالتحريم إذا أضيف الى المعين كان المراد الفعل فيها وقد فسرت سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أن المراد فعل يكون سببا إلى هلاك الصيد وأكل صيد يكون للمحرم سبب في قتله بما ذكرنا عنه صلى الله عليه و سلم كما فسر قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن على إجتناب الفروج

خاصة ودل على ذلك أشياء أحدها أنه إنما حرم أكل الصيد لأن إباحته تفضي إلى قتله ولهذا بدأ الله سبحانه بالنهي عن قتله فقال ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ثم أتبعه بقوله وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فالمقصود من التحريم إستحياء الصيد وإستبقاؤه من المحرمين وألا يتعرضوا له بأذى ولهذا إذا قتلوه حرم عليهم وعلى غيرهم قطعا لطمع الانتفاع به إذا قتله المحرم بوجه من الوجوه فإذا كان الحلال هو الذي قد صاده كما أباحه الله له وذكاة لم يقع شيء من الفعل المكروه فلا وجه للتحريم على المحرم وخرج على هذا ما إذا كان قصد الحلال إصطياده للحرام فإن المحرم صار له سبب في قتل الصيد وإن لم يقصده فإذا علم الحلال إنما صاده الحلال لا يحل كف الحلال عن الاصطياد لأجل الحرام فلم يبق للمحرم سبب في قتله بوجه من الوجوه وصار وجود المحرم في قتل الصيد كعدمه
الثاني أن الصيد اسم للحيوان الذي يصاد وهذا إنما يتناوله إذا كان حيا فأما بعد الموت فلم يبق يصد فإذا صاد المحرم الصيد وأكله فقد أكل لحم

الصيد وهو محرم أما إذا كان قد صيد قبل إحرامه أو صاده حلال لنفسه ثم جاء به قديدا أو شواء أو قديرا فلم يعترض المحرم لصيد البر وإنما تعرض لطعامه وقد فرق الله بين صيد البحر وطعامه فعلم أن الصيد هو ما إصطيد منه والطعام ما لم يصطد منه إما لكونه قد طفا أو لكونه قد ملح ثم إن ما حرم على المحرم صيد البر خاصة دون طعام صيد فعلم أنه إنما حرم ما إصطيد في حال الاحرام
فإذا كان قد إصطاده هو أو صيد لاجله فقد صار للمحرم سبب في قتله حين هو صيد فلا يحل أما إذا صاده الحلال وذبحه لنفسه ثم أهداه أو باعة للمحرم فلم يصادفه المحرم إلا وهو طعام لا صيد فلا يحرم عليه وهذا بين حسن وقد روي عن عروة عن الزبير أنه كان يتزود صفيف الظباء في الاحرام رواه مالك
الثالث أن الله إنما حرم الصيد ما دمنا حرما ولو أحل الرجل وقد صاد صيدا أو قتله وهو محرم لحرم عليه بعد الاحرام فعلم أن المقصود تحريمه إذا كان صيدا وقت الاحرام فإذا صيد قبل الاحرام أو صاده غير محرم فلم يتناول الصيد وقت الاحرام ولا تناوله أحد بسبب محرم فلا يكون حراما في حال الاحرام كما أنه لو تناوله أحد في حال الاحرام كان حراما في حال الاحلال

الرابع أن الصيد إسم مشتق من فعل لأن معناه المصيد
الخامس أن الله سبحانه وتعالى لو أراد تحريم أكله لقال ولحم الصيد كما قال حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وذلك أن المحرم إذا كان لا حياة فيه كالدم والميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطحية أضيف التحريم إلى عينه للعلم بأن المراد الأكل ونحوه أما إذا كان حيا فلو قيل والخنزير لم يدر ما المحرم منه أهو قتله أو أكله أو غير ذلك فلما قيل ولحم الخنزير علم أن المراد تحريم الأكل ونحوه فلما قال في الصيد وحرم عليكم صيد البر علم أن المراد تحريم قتله وتحريم الأكل الذي يفضي إباحته إلى قتله لا مطلق تحريم أكل لحمه وهذا حسن لمن تأمله
فعلى هذا إذا صيد من أجل محرم بعينه جاز لغيره من المحرمين الأكل منه ذكره أصحابنا القاضي قال في رواية عبد الله المحرم إذا أصيد

الصيد من أجله لا يأكله المحرم لأنه من أجله صيد ويأكله غيره ولا بأس أن يأكل المحرم من الصيد الذي لم يصد من أجله إذا صاده حلال
وقد أخذ بحديث عثمان وفيه أنه أمر أصحابه بأكله ولم يأكل هو وكذلك في الحديث المرفوع إن كان محفوظا ولأن قوله صلى الله عليه و سلم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم دليل على أن المحرم إذا لم يصده ولا صيد له فهو حلال وإن صيد لمحرم اخر ولأنه إذا لم يقصد لهذا المحرم لم يكن له سبب في قتله
فأما إن كان الصيد لنوع المحرمين مثل أن يكون أهل المياه والاعراب وغيرهم يعدون لحم الصيد لمن يمر بهم من المحرمين يبيعونهم أو يهدون لهم ! وكذلك إذا صادوه للرئيس وأصحابه !
وإن كانوا قد صادوه ليبيعوه على المحرمين وغيرهم إذا إتفق وإنما يتفق غالبا المحرم مثل مرارة الضبع التي تشتريه الناس من الاعراب !
فإذا أكل الصيد من صيد لأجله من المحرمين وجب عليه الجزاء كما لو أعان على قتله بدلالة أو إشارة لأن هذا الأكل إتلاف ممنوع منه لحق الاحرام

فضمنه بالجزاء كما لو قتله بخلاف أكل لحم الصيد الذي قتله فإن ذاك إنما يحرم لكونه ميتة
فإن أتلف الصيد الذي صيد لأجله بإحراق ونحوه بإذن ربه ففيه وجهان أحدهما يضمنه كالأكل والثاني وهو أظهر لا يضمنه لأنه لم ينتفع على الوجه الذي قصد لأجله وهو نفسه ليس بصيد محترم فأشبه ما لو حرق الطيب ولم يتطيب به وهذا لأنه إذا أكله فكأنه قد أعان على قتله بموافقة قصد الصائد فيصير ذلك ذريعة إلى قتل الصيد بسبب المحرمين
أما إذا أحرقه فليس ذلك مقصود الصائد وسائر وجوه الانتفاع من اللبس والتداوي ونحو ذلك مثل الأكل وما لا منفعة أصلا مثل الاحراق
فصل
وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو إعارة الة لصيده أو لذبحه
وإذا أعان على قتله بدلالة أو إشارة أو إعارة الة ونحو ذلك فهو كما لو شرك في قتله فإن كان المعان حلالا فالجزاء جميعه على المحرم وإن كان حراما إشتراكا فيه لما تقدم في حديث أبي قتادة أنه قال فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنونني وأحبوا لو أني أبصرته وألتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح فقالوا والله لا نعينك عليه فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت لفظ البخاري وفي رواية لهما فجعل بعضهم يضحك إلى بعض فنظرت فرأيته فحملت عليه الفرس فطعنته فأتيته

فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني مسلم وفي رواية فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش يعني فوقع سوطه فقالوا لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون فتناولته فأخذته هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم فإذا حمار وحش فأسرجت فرسي وأخذت رمحي ثم ركبت فسقط مني السوط فقلت لأصحابي وكانوا محرمين ناولوني السوط فقالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته وفي رواية فسأل أصحابه أن يناوله سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا عليه فأخذه ثم شد على الحمار فقتله وفي الحديث فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وكان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها فقلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقى من لحمها فقال هل معكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها وفي لفظ لمسلم هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوا وللبخاري منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقى من لحمها وللنسائي هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال فكلوا

فقد إمتنع القوم من دلالته بكلام أو إشارة ومن مناولته سوطه أو رمحه وسموا ذلك إعانة وقالوا لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون وما ذاك إلا أنه قد أستقر عندهم إن المحرم لا يعين على قتل الصيد بشيء
قال القاضي ولا خلاف أن الإعانة توجب الجزاء
والنبي صلى الله عليه و سلم قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها فجعل ذلك بمثابة الإعانة على القتل ولهذا قال هل أشرتم أو أعنتم ومعلوم أن الإعانة على القتل توجب الجزاء والضمان فكذلك الإشارة
وأيضا ما روي عن عكرمة عن علي وابن عباس في محرم أشار إلى بيض نعام فجعل عليه الجزاء
وعن مجاهد قال أتى رجل ابن عباس فقال أني أشرت بظبي وأنا محرم قال فضمنه
وعن ! أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال له يا أمير المؤمنين أني أشرت إلى ظبي وأنا محرم فقتله صاحبي فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف ما ترى قال أرى عليه شاة قال فأنا أرى ذلك رواهن النجاد

مسألة السابع عقد النكاح لا يصح منه ولا فدية فيه
وجملة ذلك أن المحرم إن كان رجلا لا يصح أن يتزوج بنفسه ولا وكيله ولا وليه بحيث لو وكل وهو حلال رجلا لم يجز أن يزوجه بعدما يحرم الموكل فأما إذا وكل وهو حرام من زوجه بعد الحل فقال القاضي وابن عقيل يجوز ذلك
فعلى هذا لو وكل وهو حلال ثم أحرم ثم حل جاز أن يزوج الوكيل بذلك التوكيل المتقدم وأولى لأن العبرة بحال العقد ولأن التصرف بالوكالة الفاسدة جائز لكن هل يجوز الإقدام على التوكيل
وإن كانت إمرأة لم يجز أن تزوج وهي محرمة بإذن متقدم على الاحرام أو في حال الإحرام لكن إذا أذنت حال الإحرام ! وذلك لقوله تعالى فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق !
وعن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب رواه الجماعة الا البخاري والترمذي وفي رواية عن نبيه بن

وهب أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج ابنه وهو محرم فنهاه أبأن وزعم أن عثمان حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال المحرم لا ينكح ولا ينكح وفي رواية أراد ابن معمر أن ينكح ابنه بنت شيبة بن جبير فبعثني إلى أبان بن عثمان وهو أمير الموسم فأتيته فقلت إن أخاك أراد أن ينكح إبنه فأراد أن يشهدك ذاك فقال ألا أراه عراقيا جافيا إن المحرم لا ينكح ولا ينكح ثم حدث عن عثمان بمثله يرفعه رواهما أحمد بإسناد صحيح

وفي رواية عن نافع عن نبيه مثله قال نافع وكان ابن عمر يقول هذا القول ولا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك
وعن أيوب بن عتبى ثنا عكرمة بن خالد قال سألت عبد الله بن عمر عن إمرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج من مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال لا يتزوجها وهو محرم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه رواه أحمد وأبو بكر النيسابوري
وروى سعيد ثنا عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى عن عكرمة بن خالد المخزومي أن ابن عمر نهاه أن ينكح وهو محرم

وروى النفيلي ثنا مسلم بن خالد الزنجي عن إسماعيل عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المحرم لا ينكح ولا ينكح قال النفيلي هذا حديث منكر وهذا رجل ضعيف الزنجي رواه الخلال عن الميموني عنه في العلل
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يتزوج المحرم ولا يزوج رواه الدارقطني
وأيضا فقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من أكابر الصحابة فعن غطفان بن طريف المري أن أباه طريفا تزوج وهو محرم فرد عمر بن

الخطاب نكاحه
وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره رواهما مالك وغيره
وعن الحسن أن عليا قال من تزوج وهو محرم نزعنا منه إمرأته ولا نجيز نكاحه رواه ابن أبي عروبة وأبو بكر النيسابوري من حديث قتاده عنه
وعن شوذب مولى زيد بن ثابت أنه تزوج وهو محرم ففرق بينهما زيد ابن ثابت رواه عبد الله بن أحمد وقال قرأت على أبي يتزوج المحرم

قال لا يتزوج قال يروى عن عمر وعلي يفرق بينهما وزيد بن ثابت قال يفرق بينهما وابن عمر قال لا ينكح ولا ينكح
وروي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح
وهؤلاء أكابر الصحابة لم يقدموا على إبطال نكاح المحرم والتفريق بينهما إلا بأمر بين وعلم اطلعوه ربما يخفى على غيرهم بخلاف من نقل عنه إجازة نكاح المحرم فإنه يجوز أن يبني على استصحاب الحال
فإن قيل فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم رواه الجماعة ال ! ر وفي رواية للبخاري وبني بها وهو حلال وماتت بسرف وللبخاري تعليقا تزوج النبي صلى الله عليه و سلم في عمرة القضاء ميمونة وهو حلال وماتت بسرف

وفي رواية للنسائي جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه وفي رواية عن عكرمة عن ان عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان رواه أحمد من حديث حماد بن سلمة عن حميد عنه
وعن الشعبي وعطاء وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم ولفظ الشعبي إحتجم وهو محرم وتلاوج الهلالية وهو محرم رواهن سعيد
وعن أبي هريرة وعائشة وعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى به يعني بنكاح المحرم بأسا ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج

ميمونة بنت الحارث وهو محرم بسرف وبنى بها لما رجع بذلك الماء رواه سعيد بن أبي عروبة عن يعلي بن خليفة عنه
ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم اعتمر عمرة القضية من ذي الحليفة فإنه لم يجزها بغير إحرام قط وكانت ميمونة بمكة وقد روى أنه قال لأهل مكة دعوني أعرس بينكم لتأكلوا من وليمتها فقالوا لا حاجة لنا في وليمتك فأخرج من عندنا فخرج حتى أتى سرفا وأعرس بها
قيل عنه أجوبة أحدها أنه قد روى يزيد بن الأصم عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها وهي حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس

رواه مسلم وابن ماجة وفي رواية لأحمد والترمذي والبرقاني عن يزيد عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف فدفناها في الطلحة التي بنى بها فيها وفي رواية لأبي داود تزوجني ونحن حلالان بسرف
وعن أبي رافع مولى صلى الله عليه و سلم أن رسول الله تزوج ميمونة حلالا وبني بها حلالا وكنت الرسول بينهما

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن ولا يعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان أن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا وهذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس لوجوه أحدها أنها هي المنكوحة وهي أعلم بالحال التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها هل كانت في حال إحرامه أو في غيرها من ابن عباس
الثاني أن أبا رافع كان الرسول بينهما وهو المباشر للعقد فهو أعلم بالحال التي وقع فيها من غيره
الثالث أن ابن عباس كان إذ ذاك صبيا له نحو من عشر سنين وقد يخفي على من هذه سنة تفاصيل الأمور التي جرت في زمنه أما أولا فلعدم كمال الادراك والتمييز وأما ثانيا فلأنه لا يداخل في هذه الأمور ولا يباشرها وإنما يسمعها من غيره إما في ذلك الوقت أو بعده

الرابع أن السلف طعنوا في رواية ابن عباس هذه فروى أبو داود عن سعيد ابن المسيب قال وهم ابن عباس في قوله تزوج ميمونة وهو محرم
وقال أحمد في رواية أبي الحارث وقد سئل عن حديث ابن عباس هذا الحديث خطأ وقال في رواية المروذي أذهب إلى حديث نبيه ابن وهب فقال له المروذي إن أبا ثور قال لي
بأي شيء تدفع حديث ابن عباس فقال أبو عبد الله الله المستعان قال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس وميمونة تقول تزوج وهو حلال وقال إن كان ابن عباس ابن أخت ميمونة فيزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة وقال أبو رافع كنت السفير بينهما
وعمر بن الخطاب يفرق بينهما هذا بالمدينة لا ينكرونه

وقال ميمون بن مهران أرسل إلى عمر بن عبد العزيز أن سل يزيد بن الأصم كيف تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة فسألته فقال تزوجها وهو حلال رواه سعيد وقال عمرو بن دينار أخبرت الزهري به يعني بحديثه عن عمرو بن دينار عن ابن عباس فقال أخبرني يزيد عن ابن الأصم وهي خالته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها وهو حلال رواه مسلم
فهذا سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والزهري وهو قول أبي بكر ابن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعامة علماء المدينة وهم أعلم الناس بسنة ماضيه وأبحثهم عنها قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى أنه تزوجها حلالا وكذلك سليمان بن يسار يقول ذلك وهو مولاها
الخامس أن الرواية بأنه تزوجها حلالا كثيرون فهي منهم وأبو رافع

وعن ميمون بن مهران عن صفية بنت شيبة وكانت عجوزا أن النبي صلى الله عليه و سلم ملك ميمونة وهو حلال وبني بها وهو حلال وخطبها وهو حلال ذكره القاضي عن ميمون عن مهران قال أتيت صفية إبنة شيبة إمرأة كبيرة فقلت لها أتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو محرم قالت لا والله ولقد تزوجها وهما حلالان رواه ابن أبي خيثمة ورواه من التابعين خلق كثير
وأما الرواية الأخرى فلم ترد إلا عن ابن عباس وعن أصحابه الذين أخذوها عنه قال ابن عبد البر ما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم الا ابن عباس
وإذا كان أحد الخبرين أكثر نقلة ورواة قدم على مخالفة فإن تطرق الوهم والخطأ إلى الواحد أولى من تطرقه إلى العدد لا سيما إذا كان العدد أقرب إلى الضبط وأجدر بمعرفة باطن الحال
السادس أن في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوجها وهما محرمان وأن عقد النكاح كان بسرف ولا ريب أن هذا غلط فإن عامة

أهل السير ذكروا أن ميمونة كانت قد بانت من زوجها بمكة ولم تكن مع النبي صلى الله عليه و سلم في عمرته فإنه لم يقدم بها من المدينة وإذا كانت مقيمة بمكة فكيف تكون محرمه معه بسرف أم كيف وإنما بعث إليها جعفر بن أبي طالب خطبها وهو يوهن الحديث ويعلله
السابع أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوجها في عمرة القضية في خروجه ورجع بها معه من مكة وإنما كان يحرم من ذي الحليفة فيشبه أن تكون الشبهة دخلت على من أعتقد أنه تزوجها محرما من هذه الجهة فإن ظاهر الحال أنه تزوجها في حال إحرامه
أما من روى أنه تزوجها حلالا فقد أطلع على حقيقة الأمر وأخبر به فإما أن يكون تزوجها قبل الاحرام أو بعد قضاء عمرته لا سيما ومن روى أنه تزوجها قبل الاحرام معه مزيد علم
وقد روى مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث مولاه أبا رافع ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة قبل أن يخرج ورواه الحميدي عن عبد العزيز

ابن محمد عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث العباث بن عبد المطلب وأبا رافع فزوجاه بسرف وهو حلال بالمدينة
وهذا فيه نظر وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو يقوى من جهتين إحداهما أن سليمان بن يسار هو مولاها فمثله وقد يطلع على باطن حالها ومعه مزيد علم خفي على غيره
الثاني أنه هو الذي روى حديث أبي رافع عنه كما تقدم وأهل الحديث يعدونه حديثا واحدا أسنده سليمان تارة وأرسله أخرى فيعلم أنه تلقى هذا الحديث عن أبي رافع وهو كان الرسول في النكاح
وقد روى يونس بن بكير عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو حلال بعث إليها الفضل بن العباس ورجل معه فزوجوه إياها وهذا يوافق الذي قبله في تقدم النكاح ويخالفه في تسمية أحد الرجلين
فإن قيل فقد تقدم في رواية أبي داود من حديث حماد بن سلمة عن

حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن حلالان بسرف وفي رواية بسرف ونحن حلال بعدما رجعنا من مكة رواه أحمد وهذا لا يمكن إلا بعد العمرة وهو قافل من مكة إلى المدينة
وقد روى الأوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم قال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس وإن كانت خالته وتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم بعدما حل رواه ابن عبد البر
وقال بن إسحق حدثني نفر عن ابن المسيب أنه قال هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نكح ميمونة وهو محرم وكذب وإنما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فكان الحل والنكاح جميعا فشبه ذلك على الناس
وهذا يدل على أن من روى أنه تزوجها حلالا أعتقد تأخر العقد عن الاحرام

وابن عباس أخبر بوقوعه قبل ذلك فيكون هو الذي قد أطلع على ما خفي على غيره
يؤيد ذلك ما روى سنيد بن الحباب عن أبي معشر عن شرحبيل ابن سعد قال لقى العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له العباس يا رسول الله تأميت ميمونة بنت الحارث بن حرب بن أبي رهم بن عبد العزى فهل لك في أن تزوجها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو محرم فلما أن قدم مكة أقام ثلاثا فجاءه سهيل ابن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال يا محمد اخرج عنا اليوم آخر شرطك فقال دعوني أبتني بأمرأتي وأصنع لكم طعاما فقال لا حاجة لنا بك ولا بطعامك أخرج عنا فقال له سعد يا عاض بظر أمة أرضك وأرض

أمك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يشاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعهم فإنهم زارونا لا نؤذيهم فخرج فبنى بها بسرف
وروى ابن اسحق قال حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفرته في هذه العمرة وكان الذي زوجه العباس بن عبد المطلب فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس ابن عبدود في نفر من قريش وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة فقالوا قد انقضى أجلك فأخرج عنا فقال لهم لو تركتموني فعرست بين أظهركم وصنعنا طعاما فحظرتموه فقالوا لا حاجة لنا بطعامك فاخرج عنا فخرج وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بها بسرف فبنى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم هنالك
وقد ذكر البخاري بعض هذا الحديث تعليقا فقال وزاد بن إسحق حدثني ابن نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس تزوج النبي صلى الله عليه و سلم ميمونة في عمرة القضاء
فقد اضطربت هذه الروايات في وقت تزوجه فمن قائل أنه تزوجها قبل

الإحرام ومن قائل عقب الحل بمكة ومن قائل بسرف وهما حلالان إما قبل الاحرام أو بعد رجوعه إلى المدينة ثم أجود ما فيها حديث يزيد بن الأصم عن ميمونة وحديث سليمان بن يسار عن أبي رافع وقد رويا مرسلين من وجوه هي أقوى من رواية من أسند وهذه علة فيهما إن لم توجب الرد فإنها توجب ترجح حديث ابن عباس الذي هو أصح إسنادا
قال عمرو بن دينار حديث ابن شهاب عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نكح ميمونة وهو محرم فقال ابن شهاب حدثني يزيد ابن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو حلال قال عمرو فقلت لابن شهاب أتجعل حفظ ابن عباس كحفظ أعرابي يبول على عقبيه
قيل أما رواية من روى أنه تزوجها وهما حلالان بسرف إن كانت محفوظة فإن معناها والله أعلم أنه بنى بها ودخل بها بسرف كما فسرت ذلك جميع الروايات فإنها كلها متفقة على أنه بنى بها بعد منصرفه من عمرته بسرف وأكثر الروايات على أن عقد النكاح تقدم على ذلك وقد تقدم أنه أراد أن يبني بها بمكة اللهم الا أن يكون تقدم الخطبة والركون ولم يعقد العقد الا بسرف حين البناء فإن هذا ممكن وعلى هذا حمل القاضي الروايتين وفسر قوله دعوني أعرس معناه أعقد وأعرس فلما منعوه خرج إلى سرف فعقد وأعرس

وأما رواية من روى أنه تزوجها قبل الاحرام أو بعده فإما أن يكون الأول هو المطلع على حقيقة الأمر وخفى على الثاني فإن ذاك مثبت وهذا ناف لا سيما وسليمان بن يسار ويزيد بن الأصم أعلم بهذه القضية من غيرهما ثم لم يتحدث بالعقد ولم يظهر إلا بعد مقدمه مكة وانقضاء عمرته ومن هنا إعتقد من أعتقد أن العقد وقع في أثناء الاحرام وقد ذكر هذا القاضي وقال هذا تأويل جيد أو أن يكون بعث أبا رافع ومن معه فخطبا له ووقع الاتفاق والمواطأة على العقد ثم لم يعقد إلا بعد الاحرام
وأما كونهما قد رويا مرسلين وكون يزيد بن الأصم لا يعدل ابن عباس فليس بشيء فإنه قد روي مسندا من وجوه مرضية مخرجة في الصحاح والحسان والقصة إذا أسندها من يحدثها تارة وأرسلها أخرى كان أوكد في ثبوتها عنده وثقته بحديث من حدثه فإنه إنما يخاف في الإرسال من ضعف الواسطة فمتى سماه مرة أخرى زال الريب
وابن عباس رضي الله عنه لم يعارض به يزيد بن الأصم في شيء يكون ابن عباس أعلم به منه وإنما هو أمر نقلي العالم والجاهل فيه سواء ثم ابن عباس لم يسند روايته إلى أحد ويزيد قد أسند روايته إلى خالته المنكوحة أم المؤمنين ولا ريب أنها أعلم بحالها من ابن أختها ابن عباس
الجواب الثاني أن تزوج ميمونة وان لم يحكم فيه بصحة رواية من روى أنه تزوجها حلالا فلا ريب أنه قد اضطربت فيه النقلة ومع ما تقدم فلا وجه يصح الاحتجاج به لعدم الجزم بأنه تزوجها وهو محرم فتتساقط الروايتان وحديث عثمان لا اضطراب فيه ولا معارض له

الجواب الثالث أنه لو تيقنا أنه تزوجها محرما لكان حديث عثمان هو الذي يجب أن يعمل به لأوجه أحدها أن حديث عثمان ناقل عن الأصل الذي هو الاباحة وحديث ابن عباس مبق على الأصل فإن قدرنا حديث ابن عباس متأخرا لزم تغيير الحكم مرتين وإن قدرنا حديث عثمان متأخرا لكان تزوج ميمونة قبل التحريم فلا يلزم إلا تغيير الحكم مرة واحدة فيكون أولى
الثاني أن حديث ابن عباس كان في عمرة القضية قبل فتح مكة وقبل فرض الحج كما تقدم ولم تكن أحكام الحج قد مهدت ولا محظورات الإحرام قد بينت وحديث عثمان إنما قاله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك لأن النهي عن اللباس والطيب إنما بين في حجة الوداع فكيف النهى عن عقد النكاح إذ حاجة المحرمين إلى بيان أحكام اللباس أشد من حاجتهم إلى بيان حكم النكاح والغالب أن البيان إنما يقع وقت الحاجة فهذه القرائن وغيرها تدل من كان بصيرا بالسنن كيف كانت تسن وشرائع الإيمان كيف كانت تنزل أن النهي عن النكاح متأخر
الثالث أن تزوجه فعل منه والفعل يجوز أن يكون خاصا به وحديث عثمان نهى لأمته والمرجع إلى قوله أولى من فعله ومن رد نص قوله وعارضه بفلعه فقد أخطأ
الرابع أن حديث عثمان حاضر وحديث ابن عباس مبيح والأخذ بالحاضر أحوط من الأخذ بالمبيح
الخامس أن أكابر الصحابة قد عملوا بموجب حديث عثمان وإذا اختلفت الاثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا إلا ابن عباس وقد علم مستند فتواه وعلم أن من حرم نكاح المحرم من الصحابة يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علم عنده خفى على من لم يحرمه فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمع في دركه بتأويل أو قياس وأصحاب رسول الله

صلى الله عليه و سلم أعلم بالله وأخشى من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون بخلاف من أباحه فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند اخر مضطرب
السادس أن أهل المدينة متفقون على هذا علما ورثوه من زمن الخلفاء الراشدين إلى زمن أحمد ونظرائه وإذا اعتضد أحد الخبرين بعمل أهل المدينة كان أولى من غيره في أصح الوجهين وهو المنصوص عن أحمد في مواضع وقد تقدم أنه اعتضد في هذه المسألة أهل المدينة لا سيما إذا كانوا قد رووا هم الحديث فإن نقلهم أصح من نقل غيرهم من الأمصار وهم أعلم بالسنة من سائر أهل الأمصار وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين أمرنا باتباعهم بإحسان ما لم يكن عند غيرهم وإنما كان الناس تبعا لهم في الرأي والرواية إلى انصرام خلافة عثمان وبعد ذلك فإن لم يكونوا أعلم من غيرهم فلم يكونوا بدون من سواهم ونحن وإن لم نطلق القول

بأن إجماعهم حجة فإنا نضعهم مواضعهم ونؤتي كل ذي حق حقه ونعرف مراتب المحدثين والمفتين والعاملين لترجح عند الحاجة من يستحق الترجيح وفي المسألة أقيسة شبيهة ومعان فقهية
وأيضا فإن الاحرام تحريم جميع دواعي النكاح تحريما يوجب الكفارة مثل القبلة والطيب ويمنع التكلم بالنكاح والزينة وهذه مبالغة في حسم مواد النكاح عنه
وعقد النكاح من أسبابه ودواعيه فوجب أن يمنع منه وعكسه الصيام والاعتكاف فإنه يحرم القبلة ولا يمنع الطيب والتكلم بالنكاح والاعتكاف وإن قيل بكراهة الطيب فيه فإنه لا يحرم ذلك ثم لا كفارة في شيء من مقدمات النكاح إذا فعله في الصيام والاعتكاف
وقد بالغ الشرع في قطع أسبابه حتى أنه يفرق بين الزوجين في قضاء الحجة الفاسدة
وأيضا فإن المقصود بالنكاح حل الاستمتاع فمن حقه ألا يصح إلا في حل يقبل الاستمتاع وأن لا يتأخر حل الاستمتاع عن العقد لأن السبب إذا لم يفد حكمه ومقصوده وقع باطلا كالبيع في محل لا يملكه والإجارة على منافع لا تستوفى ولهذا لم يصح في المعتدة من نكاح أو في شبهة أو زنا ولا في المستبرأة في ظاهر المذهب

وإن قيل تعتد بعد العقد وسائر أحكام النكاح من الإرث ووجوب النفقة وجواز الخلوة والنظر توابع لحل الاستمتاع
وإنما صح نكاح الحائض والنفساء والصائمة لأن بعض أنواع الاستمتاع هناك ممكن أو وقت الاستمتاع قريب فإن الصائم يستمتع بالليل والحائض يستمتع منها بما دون الفرج وأما المعتكف فإن أصحابنا قالوا يصح نكاحه لأن منعه
والإحرام يمنع الاستمتاع بكل حال منعا مؤكدا تطول مدته على وجه يفضى الاستمتاع إلى مشاق شديدة من المضي في الفاسد ووجوب القضاء والهدى والتعرض لسخط الله وعقابه والاحرام لا ينال إلا بكلف ومشاق وليس في العبادات أشد لزوما وأبلغ نفوذا منه فإيقاع النكاح فيه إيقاع له
وأيضا فإن الاحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفه وترك أنواع الاستمتاعات فلا يلبس اللباس المعتاد ولا يتطيب ولا يتزين ولا يتظلل ويلازم

الخشوع والإخشيشان ويقصد بيت الله أشعث أغبر أدفر قملا ولا شك أن من يتزوج فقد فتح باب التنعم والاستمتاع وعقد أسباب اللذة والشهوة وتعرض للهو واللعب وحاله مخالفة لحال الخاشع المعرض عن جميع العادات والصائم يخالفه في عامة هذه الأشياء فإن تحفية الطيب والمجمر والمعتكف بينهما
وايضا فإن المعتدة عن وفاة الزوج منعت الطيب والزينة حسما لمواد النكاح ومفارقة لحال المتزوجة وألزمت لزوم المنزل والمحرمة قد منعت الطيب والزينة فهي كالمعتدة من الوجه
وأيضا فإن المقصود من النكاح الاستمتاع فلما منع المحرم من النكاح منع من مقصوده كتملك الصيد لما كان مقصوده ابتذال الصيد وإتلافه منع منه لما كان ممنوعا من مقصوده يوضح ذلك أن نفس ملك الصيد لا محظور فيه كملك
ولهذا لا يمنع دوام ملك النكاح والصيد وإنما يمنع من إبتدائهما وعكسه شراء الجواري والطيب واللباس لما لم يكن مقصوده مجرد الاستمتاع لم يمنع منه

فصل
وإذا تزوج وهو محرم
فصل
ولا كفارة في النكاح لأنه يقع باطلا فلم يوجب الكفارة كشراء الصيد واتهابه لأنه لا أثر لوقوعه فإن مقصوده لم يحصل بخلاف الوطء واللباس ونحو ذلك وكلما وقع على مخالفة الشرع وأمكن إبطاله إكتفى بإبطاله عن كفارة أو فدية بخلاف الأمور التي لا يمكن إبطالها ولأنه من باب الأقوال والأحكام وهذا الباب لا يوجب كفارة في الاحرام تختص به كما لو تكلم بكلام محرم
فصل
وأما تزويجه للحلال من رجل أو إمرأة بطريق الولاية أو الوكالة أو بطريق الفضول وقلنا ينعقد تصرف الفضولي فلا يصح في أشهر الروايتين

وفي الأخرى يصح لأن الزوجين لا مانع فيهما والمنع القائم بالوكيل أو الولي لا يتعدا إليهما
فعلى هذه الرواية يحمل النهي على الكراهة والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى المحرم أن ينكح أو ينكح نهيا واحدا فالتفريق بينهما لا يجوز ولأن أصل النهي التحريم وكل من لا يصح منه العقد لنفسه بحال لا يصح لغيره كالسفيه والمجنون والمرتد
ولأن المحرم ممنوع أن يتكلم بالنكاح وذلك منه رفثا وعقده له تكلم به ولأن تزويجه لغيره يفضي إلى تذكره واشتهائه والمحرم ممنوع من جميع مقدماته ولأنه اعانة على استحلال ما هو محرم عليه فلم يجز كاعانة الحلال على الوطء أو اللباس أو التطيب فإنه اعانة على الاستمتاع بما هو مباح له لا على استحلال ما هو محرم عليه وهذا لأن فرج الزوجة لا يباح إلا بالعقد كما أن الصيد المباح لا يباح إلا بتملك ولحمه لا يباح إلا بالتذكية بخلاف اللباس والطيب والوطء للحلال فإنه حلال في نفسه وهذا شبه وتمثيل حسن وهذا في التزويج بالولاية الخاصة وهي السبب فأما الولاية العامة وهي ولاية السلطان من الإمام والحاكم ففيه وجهان
أحدهما ليس له أن يزوج بذلك أيضا لعموم الحديث والقياس وهذا ظاهر كلام أحمد فإنه منع المحرم أن يزوج مطلقا ولم يفرق فعلى هذا

يجوز خلفاء السلطان المحلون
والثاني يجوز ذلك لأن الحاجة العامة تدعو إلى ذلك وقد يستباع بالولاية العامة ما لا يستباح بالخاصة كتزويج الكافرة
وهذا ضعيف فإن الأدلة الشرعية قد عمت والفرق بينه وبين غيره إنما هو في أصل ثبوت الولاية ولا ريب أن ولايته لا تزول بالاحرام كما لا تزول ولاية غيره من الأولياء أما نفس العقد بالولاية فلا فرق بينه وبين غيره ولأن المانع هو شيء قائم به يقدح في احرامه ولا فرق بينه وبين غيره في ذلك ولا حاجة إلى مباشرة لوجود خلفائه هذه طريقة القاضي وغيره من أصحابنا
وقال ابن عقيل ليس له أن يباشر العقد لكن هل يصح أن يباشر خلفاؤه وهو محرم على وجهين وهذا بعيد جدا
فأما التزويج بملك اليمين
وأما غيره من الأولياء إذا أحرم واحتاجت المرأة إلى من يزوجها فقيل قياس المذهب أن الولاية تنتقل إلى من هو أبعد منه من العصبة كما لو غاب ويتوجه أن لا تتزوج حتى يحل
ومن وكل في النكاح وهو محرم وزوج بعد تحليله جاز على مقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل سواء قبل الوكالة وهو محرم أو بعد الاحرام ولو كان التوكيل قبل الاحرام لم يبطل بالإحرام بطريق الأولى

فصل
وأما ارتجاع زوجته المطلقة قبل الإحرام أو في حال الإحرام ففيه روايتان
إحداهما له ذلك قالها عبد الله وهي اختيار الخرقي وأبي الخطاب وغيرهم لأن الرجعية زوجة بدليل ثبوت الارث بينهما وثبوت الطلاق والخلع بينهما وأن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا مهر ولا رضاء فارتجاعها ليس ابتداء ملك وإنما هو إمساك كما قال تعالى فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولأن الرجعة كانت مباحة فارتجاعها ليس استحلالا لفرج وإن كان محظورة فمجرد إزالة الحظر ليس ممنوعا منه كتكفير المظاهر ولأن الأصل عدم الحظر والمنع وإنما حظرت السنة النكاح والرجعة ليست نكاحا ولا في معناه فتبقى على الأصل
والثانية لا تجوز الرجعة وإن أفضى إلى البينونة في حال الاحرام نقلها

أحمد بن أبي عبده والفضل بن زياد وحرب وهي اختيار القاضي وأكثر أصحابه مثل الشريف أبي جعفر وابن عقيل وأبي المواهب العكبري وأبي الخطاب في خلافه لأن المحرم ممنوع من التكلم بالنكاح وهو الرفث والارتجاع تكلم به ولأن النبي صلى الله عليه و سلم نهاه أن ينكح أو ينكح أو يخطب وارتجاعه أقرب إليه من أن ينكح غيره أو أن يخطب فإذا منع من أن يزوج أو يخطب فمنعه من الرجعة أولى وهذا لأن المقصود حسم أبواب النكاح ومنع التعلق به بوجه من الوجوه والمرتجع متعلق به تعلقا ظاهرا ولأن الارتجاع وسيلة إلى الوطء ومقدمة له فإن الراغب في الرجعة لا يؤمن عليه أن يرغب في الوطء فمنع منها كالطيب وعامة المعاني والأشياء المعتبرة في النكاح قد يمكن اعتبارها في الرجعة بل ربما كان الارتجاع أشد داعية من ابتداء النكاح فإن تشوق النفس إلى امرأة يعرفها أكثر من تشوقها إلى امرأة لا يعرفها ولهذا منع في قضاء الحج من الاجتماع بالمرأة ولأن المنع من النكاح لم يكن لنقص في ملك التصرف ونقص في المحل وإنما كان المعنى يعود إلى
ولأن الرجعة استحلال مقصود للبضع وإثبات لملك النكاح فمنع منه كالعقد المبتدأ وذلك لأن الطلاق يوجب التحريم وزوال ملك النكاح أما في الحال أو في المال بعد انقضاء العدة والرجعة ترفع هذا التحريم وتعيد الملك

تماما ولا نسلم أنه ليس بنكاح بل هو نكاح ولهذا تصح بلفظه على أحد الوجهين وفي الآخر إنما لم يصح بلفظه لكونه لا يدل على خصوص معنى الرجعة كالوجهين في صحة الإجارة بلفظ البيع من أن الإجارة معاوضة محضة ولأن كل من لا يصح منه النكاح بحال لا يصح الرجعة كالصبي والمجنون والكافر ولأن من حظر عليه الإحرام شيئا حظر عليه استصلاحه واستيقاؤه
فأما المرأة المطلقة إن كانت هي المحرمة فهل للزوج الحلال أن يرتجعها
فإن لم يكن له ذلك فهل للرجعية أن تحرم
ويجوز أن يفيء المولى باللسان وهو محرم ذكره ابن عقيل لأن الإيلاء لا يوجب التحرم ويجوز أن يصالح الناشز ويجوز أن يكفر

المظاهر وهو محرم لأن الظهار لا يوجب خللا في العقد حتى تكون الكفارة مصلحة للعقد وليست كلاما من جنس الرفث فليست مثل النكاح لفظا ولا معنى وإنما هي عتق أو إطعام أو صيام يحلل يمينا عليه ولأن مقصودها لرفع حكم اليمين تحليلا أو تكفيرا كما أن مقصود شراء الجارية ملك الرقبة ولهذا قد تؤثر في حل الفرج وقد لا تؤثر كما لو وطيء ثم زال النكاح بموت المرأة أو طلاقها فإنه يجب عليه التكفير كما أن ملك الرقبة قد يؤثر في حل الفرج وقد لا يؤثر

فصل
فأما إذا خطب المحرم إمرأة لنفسه وتزوجها بعد الحل أو خطبها لرجل حلال أو خطبت المحرمة لمن يتزوجها بعد الحل فقال القاضي وابن عقيل في بعض المواضع وأبو الخطاب وكثير من أصحابنا تكره الخطبة ولا تحرم ويصح العقد في هذه الصور
وقال ابن عقيل في موضع لا يحل له أن يخطب ولا يشهد وهذا قياس المذهب لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم يفصل وموجب النهي التحريم وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر بل روي ما يؤكد ذلك فعن نافع أن عبد الله بن عمر قال لا يصلح للمحرم أن

يخطب ولا ينكح ولا يخطب على غيره ولا ينكح غيره رواه حرب
ولأن الخطبة مقدمة النكاح وسبب إليه كما أن العقد سبب للوطىء والشرع قد منع من ذلك كله حسما للمادة ولأن الخطبة كلام في النكاح وذكر له وربما طال فيه الكلام وحصل بها أنواع من ذكر النساء والمحرم ممنوع من ذلك كله ولأن الخطبة توجب تعلق القلب بالمخطوبة واستثقال الاحرام والتعجل إلى انقضائه لتحصيل مقصود الخطبة كما يقتضي العقد تعلق القلب بالمنكوحة ولهذا منعت المعتدة أن تخطب كما منعت أن تنكح ونهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه كما نهيت المرأة أن تسأل طلاق أختها
فأما الشهادة فقد سوى كثير من أصحابنا بينها وبين الخطبة كراهة وحظرا
وقال القاضي في المجرد لا يمنع من الشهادة على عقد النكاح لأنه لا فعل له فهو كالخاطب أن الشهادة لا تكره مطلقا إذ لا نص فيها ولا هي في معنى المنصوص
فأما توكيل غيره أو التوكل له
مسألة الثامن المباشرة لشهوة فيما دون الفرج فان أنزل بها ففيها بدنة وإلا ففيها شاة

في هذا الكلام مسألتان إحداهما أن المحرم لا يجوز له أن يباشر لشهوة سواء في ذلك القبلة والغمز والوطء دون الفرج وغير ذلك وسواء باشر امرأة أو صبيا أو بهيمة ولا يحل له الاستمتاع ولا النظر لشهوة
عن ميمون بن مهران أن عائشة سئلت ما يحل للصائم من امرأته قالت كل شيء ما خلا الفرج قيل لها ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا قالت ما فوق الإزار قيل لها ما يحرم إذا كانا محرمين قالت كل شيء إلا كلامها رواه أحمد
ومن باشر لشهوة ولم ينزل لم يفسد حجة وقد ذكر غير واحد أن ذلك اجماع لكن عليه الكفارة وأما قدرها فذكر أصحابنا فيه روايتين
إحداهما عليه شاة سواء كان في الحج أو العمرة وسواء باشر بوطء دون الفرج أو بغير ذلك نص في رواية ابن الحكم في الذي يقبض على فرج امرأته قال يهريق دم شاة تجزيه
وقال في رواية صالح في الذي يقبل لشهوة أكثر الناس يقولون فيه دم وذكر في رواية عبد الله عن سعيد بن جبير وقتادة وأبي معشر

والحسن والزهري وعطاء وابن شبرمة وعبد الله بن حسن بن حسن أنه عليه دما
قال وروي عن عطاء قال يستغفر الله ولا يعد ولم يحكي عن أحد أن عليه بدنة وهذا اختيار الخرقي
وقال في رواية المروذي في المحرم يقبل امرأته عليه دم فان أنزل فقد فسد حجه لأنه استمتاع مجرد لا إنزال معه
والثانية عليه بدنة في جميع المباشرات إذا كانت في الحج قال في رواية ابن إبراهيم في محرم وطيء دون الفرد فأنزل فسد حجة فإن لم ينزل فعليه بدنة وهذا اختيار القاضي وأصحابه مثل الشريف وأبي الخطاب لأنه مباشرة لشهوة أوجب كفارة فكان بدنة كالوطء وهذا لأن جنس المباشرة أغلظ المحظورات فتعلق بجنسها أرفع الكفارات وهو البدنة جزاء لكل محظور بقدره ولا يصح الفرق بالإفساد لأن الإفساد يوجب القضاء ويوجب الكفارة
والأجود إقرار نصوص الإمام فإن كانت المباشرة وطأ دون الفرج ففيها بدنة وإن كانت قبلة أو غمزا ففيها شاة كما فرقنا بينهما في التعزيز

وقد قال في رواية أبي طالب في محرم أتى أهله دون الفرج فسد حجه لأنه قد قضى حاجته
ولم يذكر إنزالا لكن قد يحمل على الغالب
المسألة الثانية إذا أنزل المني بالمباشرة بقبلة أو غمز أو بالوطء دون الفرج ونحو ذلك فهل يفسد نسكه على ثلاث روايات
أحدها يفسد حجة كالوط في الفرج نقلها المروذي في القبلة ونقلها أبو طالب وابن إبراهيم في الوطء دون الفرج وهذا اختيار القاضي وأصحابه لأن كل عبادة أفسدها الوطء أفسدها الإنزال عن مباشرة كالصيام والاعتكاف لا سيما ومنع الاحرام من المباشرة أشد من منع الصيام فإذا أفسد ما لا يعظم وقعه فيه فإفساد ما يعظم وقعه أولى
وأيضا فإن المباشرة مع الإنزال قد يحصل بها من المقصود واللذة أكثر من الوطء المجرد عن إنزال ولهذا ما زال الإنزال موجبا للغسل والوطء المجرد

قد عرى عن الغسل في الإسلام
والرواية الثانية لا يفسد نقلها الميموني في المباشرة إذا أمنى مطلقا ونقلها ابن منصور في الجماع دون الفرج إذا أنزل وهذا اختيار لأن الأمر إنما جاء في الجماع
والمباشرة دون الفرج دونه في أكثر الأحكام فلم يجز أن يلحق به بمجرد القياس لجواز أن يكون الإفساد معلقا بما في الجماع من الخصائص
والرواية الثالثة الفرق بين الجماع دون الفرج وبين القبلة والغمز فإن وطيء دون الفرج فأنزل فسد حجة وان قبل فأنزل لم يفسد وهذه اختيار الخرقي وقد ذكر الرواية الأولى ولم يذكر الثانية وذكر ابن أبي موسى الروايتين في الوطء دون الفرج ولم يذكر في المباشرة خلافا
فإن قلنا قد فسد حجة فعليه بدنة بلا ريب في الحج وإن قلنا لم يفسد فعليه بدنة أيضا نص عليه في رواية الميموني في المباشرة إذا أمنى مطلقا وهذا قول كثير من أصحابنا في القبلة وغيرها من المباشرات ونقل عنه ابن منصور

إن جامع دون الفرج وأنزل فعليه بدنة وقد تم حجة وإن قبل فأمنى أو أمذى أو لم يمن ولم يمذ أرجو أن يجزيه شاة
وكذلك قال ابن أبي موسى ولو باشرها كان عليه دم شاة ولو قبلها لزمه دم شاة فإن وطئها دون الفرج فأنزل فعليه بدنة قولا واحدا وفي فساد حجه روايتان
وإن أمذى بالمباشرة فنقل عنه ابن منصور أن في ذلك ما في المباشرة المجرده كما تقدم
فأما المباشرة من فوق حائل فقال أصحابنا القاضي وابن عقيل وغيرهما لا أثر لها كما لا أثر لها في نقض الوضوء ويحرم عليه أن ينظر لشهوة فإن نظر لشهوة فلم ينزل قال الخرقي وإن نظر فصرف بصره فأمنى فعليه دم

وإن أمذى فعليه شاة وإن أمنى لم يفسد حجة وعليه دم وهل هو بدنة أو شاة على روايتين وحكى ابن عقيل إحدى الروايتين عليه بدنة في مطلق الإنزال والأخرى عليه بدنة إن أمني وشاة إن أمذى وذكر أنها اختيار شيخه وهذا غلط وذلك لما روى مجاهد قال جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال يا ابن عباس أحرمت فأتتني فلانة في زينتها فما ملكت نفسي أن سبقتني شهوتي فضحك ابن عباس رحمه الله حتى استلقى ثم قال إنك لشبق لا بأس عليك أهرق دما وقد تم حجك رواه سعيد وفي رواية النجاد عن ابن عباس في محرم نظر إلى امرأته حتى أمنى قال عليه شاة وفي رواية له قال جاء رجل إلى ابن عباس قال فعل الله بهذه وفعل إنها تطيبت وأتتني كلمتني وحجثتني حتى سبقتني الشهوة فقال ابن عباس انحر بدنة وتم حجك
ولا يعرف له مخالفا في الصحابة ولا في التابعين بل المنقول عن سعيد بن جبير أن عليه دما وحجه تام

وقال عطاء عليه ناقة ينحرها وقال الحسن عليه بدنة والحج من قابل
وهذا لأن تكرار النظر لشهوة حرام يمكن الاحتراز منه فإذا اقترن به الإنزال تغلظ فأوجب الفدية كالمباشرة وإنما يفسد الحج لما تقدم عن ابن عباس ولأن ويتخرج فساد الحج كالصوم
ثم إن قلنا يجب بدنة وهو اختيار الخرقي والقاضي وابن عقيل وهذا فيما إذا كرر النظر فأما النظرة الواحدة إذا تعمدها ولم يدمها فأمنى فعليه شاة هكذا قال أصحابنا وعنه ما يدل على أنه لا شيء عليه قال في رواية ابن إبراهيم إذا كرر النظر فأنزل فعليه دم
وعنه ما يدل على أن عليه بدنة قال في رواية حنبل إذا أمنى من

نظر وكان لشهوة فعليه بدنة وإن أمذى فعليه شاة
وإن أمنى أو أمذى بفكر غالب فلا شيء عليه وإن استدعى الفكر ففيه وجهان أحدهما لا شيء عليه قاله القاضي وأبو الخطاب وغيرهما
والثاني أن الفكر كالنظر قاله ابن عقيل
فعلى هذا إذا لم يستدمه ففيه دم وإن استدامه فهل فيه بدنة أو شاة على وجهين ولا يفسد الحج بحال ويتخرج في النظر والتفكير إذا استدامهما أن يفسد الحج والمنقول عن أحمد في التفكير يتحمل الوجهين زعم القاضي أن ظاهره يقتضي أن لا يتعلق بالتفكير حكم وزعم ابن عقيل أنه يدل على أنه يتعلق بالمستدعى منه حكم
قال في رواية أبي طالب وأحمد بن جميل في محرم نظر فأمنى فعليه دم قيل له فإن ذكر شيئا فأمنى قال لا ينبغي أن يذكر قيل له وقع في قلبه شيء قال أرجو أن لا يكون عليه شيء
فمن حيث جعل في الإنزال بالنظر دما ولم يجعل في الإنزال بالذكر شيئا بل نهاه عنه كان قول القاضي متوجها ومن حيث فرق بين ما يقع في قلبه في أنه لا شيء عليه وبين ما يذكره عمدا يتوجه قول ابن عقيل إلا أن للقاضي أن يقول استدعاء الفكر مكروه فينهى عنه ولهذا قال لا ينبغي له أن يذكر حيث الغالب منه فإنه لا يوصف بالكراهة فالفرق عاد إلى هذا لا إلى وجوب الدم

والدم الواجب بالمباشرة ونحوها من الاستمتاع يتعين ولا يجزيء عنه الصيام والصدقة مع وجوده بخلاف ما يجب بالطيب واللباس قاله القاضي في خلافه والمنصوص عنه أنه يجبر قال في رواية الميموني والمتمتع إذا طاف فجامع قبل أن يقصر أو يحلق فإن ابن عباس قد أفتى بهذا بعينه عليه دم أو فدية من صيام أو صدقة أو نسك وإنما يحل بالحلق أو التقصير وهكذا ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا إذا كان الدم شاة فإن كان بدنة قضى ولم يفسد حجة فهل هو على الترتيب أو التخيير على وجهين أحدهما أنه على الترتيب قاله ابن عقيل
مسألة التاسع الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول أفسد الحج ووجب المضي في فاسده والحج من قابل وعليه بدنة وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرما
هذا الكلام فيه فصول : أحدهما أن الجماع حرام في الاحرام وهو من الكبائر لقوله سبحانه الحج أشهر معلومت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث

قال ابن عبد البر أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة
الفصل الثاني أن المحرم إذا وطيء في الإحرام فسد حجه والإحرام باق عليه وعليه أن يمضي فيه فيتمه ويكون حكم هذا الاحرام الفاسد حكم الإحرام الصحيح في تحريم المحظورات ووجوب الجزاء بقتل الصيد وغيره من المحظورات ثم عليه قضاء الحج من قابل وعليه أن يهدي بدنة
قال ابن عبد البر أجمعوا على أن من وطيء قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه وعليه قضاء الحج والهدي قابلا
قال بعض أصحابنا لا نعلم في وجوب القضاء خلافا في المذهب ولا في غيره ونصوص أحمد وأصحابه توجب قضاء الحجة الفاسدة أكثر من أن تحصر وقد ذكر أبو الخطاب الحكم هذا كما ذكر غيره في المناسك وقال في الصيام من دخل في حجة تطوع أو صوم تطوع لزمه اتمامها فإن أفسدهما أو فات وقت الحج فهل يلزمه القضاء على روايتين وأصحابنا يعدون هذا غلطا وإنما الروايتان في الفوات خاصة وفي الإحصار أيضا لما روى يحيى بن أبي كثير قال أخبرني يزيد بن نعيم أو زيد بن

نعيم شك الراوي أن رجلا من جذام جامع إمرأته وهما محرمان فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهما أقضيا نسككما وأهديا هديا ثم إرجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه وعليكما حجة أخرى فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما واهديا رواه أبو داود في المراسيل
وقال ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رجلا من جذام

جامع امرأته وهما محرمان فسأل الرجل النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهما أتما حجكما ثم أرجعا وعليكما حجة أخرى من قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فأحرما وتفرقا ولا يؤاكل واحد منكما صاحبه ثم أتما مناسككما واهديا رواه النجاد وهذا المرسل قد شهد له ظاهر القرآن وعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وعوام علماء الإسلام
وأيضا فإنه إجماع الصحابة والتابعين عن يزيد بن جابر قال سألنا مجاهدا عن الرجل يأتي إمراته وهو محرم قال كان على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما ثم يرجعان حلالا كل منهما لصاحبه حلالا حتى إذا كان من قابل حجا وأهديا وتفرقا من حيث أصابا فلم يجتمعا حتى يقضيا حجهما

وعن عمر بن أسيد عن سيلاه قال كنت عند عبد الله بن عمرو فأتاه رجل فقال أهلكت نفسي فأفتني إني رأيت إمرأتي فأعجبتني فوقعت عليها ونحن محرمان فقال له هل تعرف ابن عمر قال لا فقال لي اذهب به إلى ابن عمر فانطلقت معه إلى ابن عمر فسأله وأنا معه عن ذلك فقال له ابن عمر أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فأقضوا ما يقضون وحل إذا حلوا فإذا كان العام المقبل فحج أنت وامرأتك وأهديا هديا قال فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما فرجع إلى عبد الله بن عمرو فقال هل تعرف ابن عباس قال لا قال فاذهب به إلى ابن عباس فسله قال فذهب إلى ابن عباس فسأله وأنا معه فقال له مثل قول ابن عمر فرجع إلى عبد الله بن عمرو فقال أفتني أنت فقال هل عسى أن أقول إلا كما قال صاحباي
وعن أبي بشر عن رجل من قريش من بني عبد الدار قال بينما نحن جلوس في المسجد الحرام إذا دخل رجل وهو يقول يا لهفة يا ويلة فقيل له ما شأنك فقال وقعت على امرأتي وأنا محرم فقيل له ائت جبير بن مطعم فإنه يصلي عند المقام فأتاه فقال له أحرمت حتى إذا بلغت الصفاح

زين لي الشيطان فوقعت على امرأتي فقال أف لك لا أقول لك فيها شيئا وطرح بيده فقيل له أئت ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في زمزم فسله فيفرج عنك قال فدفعه الناس حتى أدخلوه على ابن عباس فقال يابن عباس وقعت على إمرأتي وأنا محرم فقال اقضيا ما عليكما من نسككما هذا وعليكما الحج من قابل فإذا أتيتما على المكان الذي فعلتما فيه ما فعلتما فتفرقا ولا تجتمعان حتى تقضيان نسككما وعليكما الهدى جميعا قال أبو بشر فحدثت به سعيد بن جبير فقال صدقت هكذا كان يقول ابن عباس
وعن عبد العزيز بن رفيع قال رجل ابن عباس عن محرم جامع قال يمضيان لحجهما وينحر بدنة ثم إذا كان من قابل فعليه الحج ولا يمران على المكان الذي أصابا فيه ما أصابا إلا وهما محرمان ويتفرقا إذا أحرما رواهن سعيد
وعن مالك أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدى قال علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما

وذلك لأن الله أمر بإتمام الحج والعمرة فيجب عليهما المضي فيه إمتثالا لما أوجبته هذه الآية وعليهما القضاء لأنهما التزما حجة صحيحة ولم يوفيا ما التزماه فوجب عليهما الإتيان بما التزماه أولا ووجب الهدي لأن كل من فعل شيئا من المحظورات فعليه دم ووجب القضاء من قابل لأن القضاء على الفور هذا هو المذهب المنصوص وسواء قلنا الحج المبتدأ على الفور أو على التراخي لما تقدم من اجماع الصحابة على ذلك ولأن الأداء كان قد وجب فعله بالشروع فيه فصار واجبا على الفور والقضاء يقوم مقام الأداء ولأن
الفصل الثالث أنه لا فرق بين الوطء قبل الوقوف بعرفة أو بعده إذا وقع قبل التحلل الأول في أنه يفسد الحج وعليه القضاء وهدي بدنة لما روى النجاد عن مجاهد عن عمر بن الخطاب قال يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما وعليهما الحج من قابل ويفترقان من حيث وقع عليهما وينحر بدنة عنه وعنها
وعن الحكم بن عتيبة عن علي قال يفترقان ولا يجتمعان الا وهما حلالان وينحر كل واحد منهما جزورا وعليهما الحج من قابل يحرمان بمثل ما كانا أحرما به في أول مرة فإذا مرا بالمكان الذي أصابها فيه تفرقا فلم يجتمعا إلا وهما حلالان

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رجل أصاب امرأته وهو محرم قال يمضيان لوجههما ثم يحجان من قابل ويحرمان من حيث أحرما ويتفرقان ويهديان جزورا رواهن النجاد وقد تقدم عن ابن عباس مثل ذلك أيضا
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أوجبوا عليه القضاء والبدنة جميعا والهدي الذي فسروه هنا يبين الهدي المطلق الذي جاء في كلامهم وفي المرفوع المرسل أن المراد به البدنة
وهذا لأن الجماع فيه معنيان أنه محظور في الاحرام وهو أكبر المحظورات وأنه يفسد للإحرام فمن حيث هو محظور يوجب الفدية وهو أكبر مما يوجب شاة فأوجب بدنة ومن حيث فسد الاحرام وجب قضاؤه فحجة القضاء هي الحجة التي التزمها أولا وهذا كالوطء في رمضان يوجب الكفارة العظمى ويوجب القضاء
وإنما لم يفرق بين ما قبل الوقوف وما بعده لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم سئلوا عن المحرم إذا جامع امرأته فأفتوا بما ذكرناه من غير استفصال ولا تفصيل وذلك يوجب عموم الحكم وفي أكثر مسائلهم لم يبين السائل أن الجماع كان قبل الوقوف ولأن ما بعد الوقوف وقبل الرمي احرام تام ففسد الحج بالوطء فيه كما قبل الوقوف وهذا لأن الوقوف يوجب ادراك الحج

ويؤمن من فواته وادراك العبادة في وقتها لا يمنع ورود الفساد عليها كما لو أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها أو أدرك ركعة من الجمعة أو الجماعة مع الإمام فإنه قد أدرك ومع هذا فلو ورد عليها الفساد لفسدت قال ولأن كل ما أفسد العبادة إذا ورد قبل الخروج منها أفسدها وإن كان قد مضى معظمها كما لو أكل قبيل غروب الشمس أو أحدث قبل السلام أو قبل القعدة الأخيرة
فإن قيل بعد الوقوف لم يبق عليه ركن إلا الطواف والوطء قبل الإفاضة وبعد التحلل لا يفسد فإذا لا يبطل قبل الإفاضة لم يبق إلا واجبات من الوقوف بمزدلفة ورمي الجمرة وهذه لو تركها بالكلية لم يبطل حجه فأن لا يبطل إذا أفسدها أولى وأحرى
قيل العبادة بالكلية أخف من إبطالها ولهذا لو ترك صوم رمضان لم تجب عليه كفارة ولو جامع فيه مع النية وجبت الكفارة ولو ترك حج النافلة لم يكن عليه شيء ولو أبطله لأثم ولزمه القضاء والهدي وكذلك سائر الأعمال قد يكره إبطالها وإن لم يكره تركها والصلاة في أول الوقت له تأخيرها وليس له إبطالها فإذا وطيء فقد راغم العبادة وتعدي الحد بخلاف التارك
وأيضا فإنه لو ترك رمي الجمرة حتى فات وقتها أو ترك الحلق فان احرامه باق عليه حتى

الفصل الرابع
إذا وطيء بعد التحلل الأول لم يبطل حجه لأنه قد حل من جميع

المحظورات إلا النساء أو جاز له التحلل منها وقد قضى تفثه كما أمره الله وما خرج منه وقضاه لا يمكن إبطاله نعم يبطل ما بقي منه كما سنذكره
ولأنه بعد التحلل الأول ليس بمحرم إذ لو كان محرما لما جاز له قتل الصيد ولا لبس الثياب ولا الطيب ولا حلق الشعر لكن عليه بقية من الاحرام هو تحريم الوطء ومجرد تحريم الوطء لا يبطل ما مضى قبله من العبادة
ومعنى قولنا إذا وطىء بعد التحلل الأول أي بعد رمي جمرة العقبة سواء ذبح وحلق أو لم يحلق ولم يذبح وسواء قلنا التحلل يحصل بمجرد الرمي أو لا يحصل إلا به وبالحلق هذا هو المنصوص عن أحمد وهو الذي عليه قدماء الأصحاب ومن حقق هذا منهم مثل الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى وغيرهم فانهم كلهم جعلوا الفرق بين ما قبل رمي جمرة العقبة وما بعدها من غير تعرض إلى الحلق
قال في رواية أبي الحارث في الذي يطأ ولم يرم الجمرة أفسد حجه وإن وطيء بعد رمي الجمرة فعليه أن يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال وعليه دم
وهذا لأننا إن قلنا التحلل الأول يحصل بالرمي وحده فلا كلام سواء قلنا الرمي واجب أو مستحب
وإن قلنا يحصل بالرمى والحلق والوطء قبل الحلق كالرمي قبل الحلق في

العمرة وذلك غير مفسد أيضا لأنه جاز له الخروج من هذا الاحرام بالحلق
وإذا جاز الخروج بفعل ما ينافيه لم يكن الإحرام باقيا على حاله وإلى هذا أشار أحمد في رواية أبي الحارث فقال الإحرام قائم عليه فإذا رمى الجمرة انتقض احرامه
وأما القاضي في المجرد وأصحابه فعندهم إذا وطيء قبل الحلق وقلنا هو نسك واجب فسد حجه لأنه وطيء قبل التحلل الأول وهذا يضاهى قولهم تفسد عمرته إذا وطيء فيها قبل الحلق
وإن قدم الحلق قبل الرمي ووطيء بعده
وإن طاف قبل الرمي والحلق والذبح ثم وطيء لم يفسد نسكه لأنه لم يبق عليه ركن وقد تحلل وقد طاف في احرام صحيح وعليه دم فقط ويحتمل أنه لا دم عليه ويتوجه أن يلزمه الاحرام من التنعيم ليرمي في احرام صحيح
ولو أخر الرمي وسائر أفعال التحلل عن أيام منى لم يتحلل فلو وطيء فسد حجه أيضا نص عليه في رواية ابن القاسم وسندي فيمن لم يرم جمرة العقبة إلى

الغد ووطيء النساء قبل الغد فسد حجه فقيل له إنهم يقولون إذا كان الوطء بعد خروج وقت الرمي فليس هو بمنزلة من وطيء قبل الرمي فقال أليس قد وطيء قبل الرمي وانما يحل الوطء بالرمي
قال القاضي وابن عقيل فقد نص على أن التحلل لا يقع بخروج وقته وإنما يحصل بفعل التحلل لأنها عبادة ذات أفعال فلم يقع التحلل منها إلا بفعل التحلل كالصلاة لا يقع التحلل منها إلا بفعل التحلل وهو السلام بخلاف الصوم فإنه فعل واحد فيقع التحلل منه بخروج وقته وإذا ثبت أن التحلل لا يقع بخروج وقت التحلل فإذا وطيء قبل أفعال التحلل وهو الرمي والطواف والحلاق فيجب أن يفسد حجة كما لو كان الوقت باقيا
وهذا لأن فوات وقت الرمي لا يوجب حصول التحلل بمجرد مضي الوقت كما أن فوات وقت الوقوف لا يوجب حصول التحلل من الحج بمضيه بل يتحلل بغير الرمي من الحلق والطواف كما يتحلل من فاته الحج بالطواف والسعي

فصل
وهل عليه بدنة أو شاة على روايتين إحداهما عليه بدنه نقلها الميموني فيمن بقى عليه شوط هل عليه دم قال الدم قليل ولكن عليه بدنة وأرجو أن تجزءه لما روى مجاهد عن ابن عباس قال إذا وقع الرجل على امرأته بعد كل شيء غير الزيارة فعليه ناقة ينحرها
وعن عطاء عن ابن عباس أنه قال عليه بدنة وقد تم حجة رواهما

سعيد بن منصور وابن أبي عروبة ولفظه كان يأمر من غشى أهله بعد رمي الجمرة ببدنة
وروي عن إبراهيم وعطاء والشعبي مثل ذلك وروي أيضا عن ابن عباس وعطاء وإبراهيم والشعبي على كل واحد منهما جزرو ولا يعرف له مخالف في ايجاب البدنة
وعن عطاء عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة رواه مالك
والثانية عليه دم شاة أو غيرها نقلها بكر بن محمد كما ذكره الشيخ وهو اختيار الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى
فصل
وأما الواجب عليه إذا وطيء بعد التحلل الأول فقد قال في رواية أبي

الحارث يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال وعليه دم وقال في رواية الميموني وابن منصور وابن الحكم إذا أصاب الرجل أهله بعد رمي الجمرة ينتقض احرامه يتعمر من التنعيم ويهريق دم شاة ويجزؤه فاذا خرج إلى التنعيم فأحرم فيكون احرام مكان احرام ويهريق دما يذهب إلى قول ابن عباس يأتي بدم ويتعمر من التنعيم
وقال في رواية المروذي فيمن وطيء قبل رمي جمرة العقبة فسد حجه وعليه الحج من قابل فإن رمي وحلق وذبح ووطيء قبل أن يزور البيت عليه دم ويتعمر من التنعيم لأن عليه أربعة أميال مكان أربعة وكذلك نقل أبو طالب يعتمر من التنعيم لأنه من منى إلى مكة أربعة أميال ومن التنعيم أربعة أميال
وقال في رواية الفضل بن زياد فيمن واقع قبل الزيارة يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق
وذلك لما روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي أن رجلا ومرأة أتيا ابن عمر قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها فقال ابن عمر عليهما الحج عاما قابلا فقال أنا إنسانا من أهل عمان وإن دارنا نائية فقال

وإن كنتما من أهل عمان وكانت داركما نائية حجا عاما قابلا فأتيا ابن عباس فأمرهما أن يأتيا التنعيم فيهلا منه بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال وإحرام مكان إحرام وطواف مكان طواف رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه وروى مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة قال لا أظنه إلا عن ابن عباس قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يتعمر ويهدي ورواه النجاد عن عكرمة عن ابن عباس من غير شك فإذا اختلف الصحابة على قولين أحدهما إيجاب حج كامل والثاني إيجاب عمرة لم يجز الخروج عنهما والإجتزاء بدون ذلك ولا يعرف في الصحابة من قال بخلاف هذين وقد تقدم أنه لا يفسد جميع الحجة فبقى قول ابن عباس
وأيضا فإنه كان قد بقى عليه من الحج أن يفيض من منى إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى معه وإن كان لم يسع أولا فيما بقي عليه من إحرامه وهو الاحرام من النساء خاصة فإذا وطيء فقد فسد هذا الاحرام فإن ما يفسد الاحرام الكامل يفسد الإحرام الناقص بطريق الأولى ولو لم يجب عليه استبقاء الاحرام من النساء إلى تمام الإفاضة لجاز الوطء قبلها وهو غير جائز بالسنة والاجماع فإذا فسد ما بقي من الاحرام فلو جاز أن يكتفي به لجاز الاكتفاء بالاحرام الفاسد عن الصحيح ولو وقعت الإفاضة وطوافها في غير احرام صحيح وهذا غير مجزيء وإذا وجب أن يأتي بإحرام صحيح فلا بد أن يخرج إلى الحل ليجمع في احرامه بين الحل والحرم

ثم اختلف أصحابنا في صفة ما يفعل فمنهم من أطلق القول بأن عليه عمرة يخرج إلى التنعيم فيهل بها على لفظ المنقول عن ابن عباس وأحمد
وقال الخرقي يمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم وكذلك قال ابن أبي موسى ويخرجان إلى التنعيم فيحرمان بعمرة ليطوفا طواف الإفاضة وهما محرمان إنما الواجب عليه الإحرام فقط ليطوف في احرام صحيح وليس عليه سعي ولا حلق لكن هل يلبي وكيف يحرم
وقال القاضي في اخر أمره يمضي في بقية الحج في الاحرام الذي أفسده فيطوف طواف الافاضة ويسعى إن كان لم يسع في ذلك الاحرام الفاسد ثم يقضي هذا باحرام صحيح من الحل يطوف فيه ويسعى سواء كان قد سعى عقب طواف القدوم أو لم يسع قال لأن أحمد أطلق القول في رواية الجماعة أنه يحرم بعمرة ولم يقل يمضي في بقية احرامه ومعناه أنه يحرم ليفعل أفعال العمرة وقد نقل عنه ما يدل على أنه يمضي فيما بقى
وقال في رواية الفضل إنه يعتمر من التنعيم بعد إنقضاء أيام التشريق فقد أمره بتأخير الإحرام بعد أيام التشريق وليس هذا إلا لاشتغاله ببقية أفعال

الحج لأن القضاء إنما يكون تمام ما بقي عليه قال وقد نص فيمن نسى طواف الزيارة حتى رجع بلده يدخل متعمرا فيطوف بعمرة ثم يطوف طواف الزيارة
ووجه هذا أنه قد أفسد ما بقى عليه والافساد يوجب المضي فيما بقى من النسك وقضاؤه فوجب عليه أن يمضي فيه ووجب القضاء لكن الإحرام المبتدأ لا يكون إلا بحج أو عمرة فوجب عليه أن يأتي بعمرة تامة تكون قضاء لما أفسده من بقية النسك وعلى هذا فيلبي في احرامه ويحلق أو يقصر إذا قضاه لأنها عمرة تامة
وقال القاضي في المجرد والشريف أبو جعفر وابن عقيل وغيرهم إنما عليه عمرة فقط وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأحمد وهو الصواب
ثم اختلفت عباراتهم فقال القاضي في موضع والشريف معناه أنه يحرم للطواف والسعي وهو أفعال العمرة فالمعنى أنه يأتي في احرامه بأفعال العمرة وقال ابن عقيل كلام أحمد يدل على أنه يحرم بنفس العمرة حتى لا يكون احرامه لمجرد الطواف والسعي الذي هو فعل من أفعال الحج بل يحرم بنسك كامل ويجعل ما بقى من الحج داخلا في أثنائه ولا يكفيه أن يأتي بما بقي من غير احرام وهذا أجود فعليه أن يأتي بعمرة تامة يتجرد لها ويهل من

الحل ويطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويعتقد أن هذه العمرة قائمة مقام ما بقى عليه وأن طوافها هو طواف الحج الذي كان عليه فإن ابن عباس وأحمد صرحا بأنه يتعمر ويهدي وفسرا ذلك بأربعة أميال مكان أربعة أميال
نعم وجب عليه انشاء الإحرام ليأتي بما بقى عليه في احرام صحيح ومن لوازم الإحرام المبتدأ أن يتجنب فيه جميع المحظورات وأن يهل فيه وأن لا يتحلل منه إلا بعد السعي والحلق وهذه الزيادات وإن لم تكن كانت واجبة فإنها وجبت لجبر ما قد فسد من احرامه إذ لا يمكن الجبر إلا بإحرام صحيح ولا يكون الإحرام الصحيح إلا هكذا
وقول أحمد يعتمر أيام التشريق ليس فيه دليل على أنه يفيض في ذلك الإحرام الفاسد وإنما أمره بذلك لأن العمرة يشرع أن تكون بعد أيام التشريق وهو يرمي الجمار أيام التشريق لأن الجمار إنما يكون بعد الحل كله فوقوعه بعد فساد الإحرام لا يضره ووقوع طواف الإفاضة بعد أيام منى جائز نعم قد يكره وإنما لم يجب عليه المضي فيما بقى باحرامه الفاسد وقضاؤه لأن القضاء المشروع يحكى الأداء وهنا ليس القضاء مثل الأداء وإنما وجب عليه عمرة فيها احرام تام وخروج إلى الحل وطواف وسعي وغير ذلك وإنما كان عليه طواف فقط وهو متطيب لابس يفيض إلى مكة من منى فأغنى ايجاب هذه الزيادات عن طوافه في ذلك الإحرام الفاسد
وأما من أوجب عليه احراما صحيحا ليطوف فيه فقط فهذا خلاف الأصول لأن كل احرام صحيح من الحل يتضمن الإهلال لا بد له من إحلال والمحرم لا يحل إلا بالحلق أو التقصير بعد طواف وسعي فكيف يحل بمجرد السعي اللهم إلا على قولنا بأن السعي والحلاق شيئان غير واجبين فهنا يحل بمجرد

الطواف ويكون هذا عمرة
ولا يتعين الإحرام من التنعيم بل له أن يحرم من أي الجوانب شاء
وإن إعتمر في أيام التشريق
وإن وطىء بعد افاضته وقبل طوافه أو قبل تكميل الطواف فنقل الميموني
مسألة وإن وطيء في العمرة أفسدها وعليه شاة
وجملة ذلك أن ما يفسد العمرة يفسد الحج وهو الوطء وإلا نزال عن مباشرة في إحدى الروايتين ويجب المضي في فسادها كالمضي في فاسد الحج وحكم الاحرام باق عليه كما تقدم في الحج وعليه قضاؤها على الفور بحسب الإمكان من المكان الذي أحرم به أولا إلا أن يكون أحرم دون الميقات فعليه أن يحرم من الميقات
قال أحمد في رواية أبي طالب وإذا واقع المحرم امرأته وهما معتمران فقد أفسدا عمرتها وعليهما قضاء يرجعان إن كان عليهما فيهلان من حيث أحرما من الميقات ولا يجزئهما إلا من الميقات الذي أهلا بالعمرة وقضيا مثل ما أفسدا وإن خشيا الفوات ولم يقدرا أن يرجعا أحرما من مكة

وحجا حجهما صحيح فإذا كان يوم النحر ذبحا لتركهما الميقات لما دخلا بغير احرام من الميقات فإذا فرغا من حجهما خرجا إلى ذي الحليفة فأحرما بعمرة مكان العمرة التي أفسدا فإذا قدما مكة ذبح كل واحد منهما هديا لما أفسدا من عمرتها من الوقوع فإذا كانت بدنة كانت أجود وإلا فشاة تجزؤه وعلى كل واحد منهما هدي إن كان استكرهها وابن عباس يقول على كل واحد منهما هدي أكرهها أو لم يكرها
فقد بين أنه يجب قضاؤها على الفور إلا إذا خشى فوت الحج فإنه يحرم بالحج وعليه دم غير دم الفساد لدخوله مكة بغير احرام صحيح كما لو دخلها حلالا وأحرم بالحج منها والدم الواجب شاة والأفضل بدنة هذا منصوصه وقول أصحابه
ويتخرج إذا أوجبنا في الوطء بعد التحلل الأول بدنة أنه يجب في العمرة التامة بدنة وأولى
والوطء المفسد للعمرة بلا ريب إذا وقع قبل كمال طوافها فإن وطئها بعد الطواف وقبل السعي وقلنا السعي ركن أفسدها أيضا وإن قلنا هو واجب
وإن وطئها بعد السعي وقبل الحلق أو بعد الطواف قبل الحلق وقلنا السعي سنة لم تبطل عمرته بحال سواء قلنا الحلاق واجب أو سنة هذا هو المنصوص عنه في غير موضع وعليه عامة أصحابه قال ابن أبي موسى من وطيء في

العمرة بعد الطواف قبل السعي بين الصفا والمروة أفسد العمرة وعليه دم شاة للفساد وعمرة مكانه وإن وطيء فيها بعد السعي قبل الحلاق أساء والعمرة صحيحه وعليه دم قال في رواية أبي طالب في معتمر طاف فواقع أهله قبل أن يسعى فسدت عمرته وعليه مكانها ولو طاف وسعى ثم وطيء قبل أن يحلق ويقصر فعليه دم
وقال في رواية أبي داود إذا جامع قبل أن يقصر فقال ابن عباس عليه دم وإنما يحل بالحلق أو التقصير فقد نص على بقاء الاحرام ووجوب الدم مع صحة العمرة وعنه رواية أخرى لا دم عليه وهذا بناء على أن الحلاق مستحب وأنه يتحلل بدونه قال في رواية ابن إبراهيم وابن منصور فإذا أصاب أهله في العمرة قبل أن يقصر فإن الدم لهذا عندي كثير
وقال القاضي في المجرد إذا وطيء قبل الحلق فسدت عمرته وعليه دم لأنه وطيء قبل التحلل من احرامه فأفسده كما لو وطيء في الحج قبل التحلل الأول ولأنه احرام تام صادفه الوطء فأفسده كاحرام الحج ولأن الحلق يحل به من العبادة فإذا ورد قبله أفسدها كما لو أحدث المصلي قبل السلام وعلى هذا يكون الحلق ركنا في العمرة لأن الواجب هو ما يجبره الدم إذا ترك والحلق لا يتصور تركه على هذا القول لأنه ما لم يطأ ولم يحلق فاحرامه باق وهو لم يتحلل وكلما فعل محظورا فعليه جزاؤه وإذا وطيء لم يخرج الفساد من الإحرام بل يحلق ويقضي

وأما على المذهب فيفوت الحلق بالوطء لما روى سعيد ثنا هشيم ثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال جاءت امرأة الى ابن عباس رضي الله عنه فذكرت أن زوجها أصابها وكانت اعتمرت فوقع بها قبل أن تقصر فقال ابن عباس شبق شديد شبق شديد مرتين فاستحيت المرأة فانصرفت وكره ابن عباس ما فرط منه وندم على ما قال واستحيا من ذلك ثم قال علي بالمرأة فأتي بها فقال عليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك قالت فأي ذلك أفضل قال النسك قالت فأي النسك أفضل قال إن شئت فناقة وإن شئت فبقره قالت أي ذلك أفضل قال انحري بدنة
وقال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أن امرأة أتت ابن عباس فقالت إني خرجت مع زوجي فأحرمنا بالعمرة فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة فوقع بها قبل أن تقصر ثم ذكر نحوه وروى سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن قتادة عن علي بن عبد الله البارقي أن رجلا وامرأته أتيا ابن عباس قد قضيا احرامهما من عمرتهما ما خلا التقصير فغشيها قال أيكما

كان أعجل وقال بعدما ذهب بصره فاستحيت المرأة فأدبرت فدعاها فقال عليكما فدية صيام أو صدقة أو نسك فقالت المرأة أي ذلك أفضل قال النسك قالت فأي النسك أفضل قال ناقة تنحرينها ولا يعرف له في الصحابة مخالف
وأيضا فإنه وإن كان على احرامه فقد نقض احرامه بجواز التحلل منه بالحلق فلم يبق احراما تاما
وأيضا فالحلق وإن كان نسكا واجبا فلا ريب أنه تحلل من الاحرام ليس هو ممال يفعل في الاحرام بل هو برزخ بين كمال الحرم وكمال الحل فإذا وطيء فإنما أساء لكونه قد تحلل بغير الحلق ومثل هذا لا يفسد الاحرام فعلى هذا لا يحلق بعد الوطء ولا يقصر
وأما كونه إحراما تاما فغير مسلم
مسألة ولا يفسد النسك بغيره
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء حال الاحرام إلا الجماع
وذلك لأن الله سبحانه ذكر حلق الرأس قبل الاحلال للمعذور وأوجب به الفدية ولم يوجب القضاء كما أوجبه في من أفطر في رمضان لمرض أو سفر وحرم قتل الصيد حال الاحرام وذكر فيه العقوبة والجزاء ولم يفسد به الاحرام ولم يوجب قضاء ذلك الاحرام وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم من أحرم في جبته أن ينزعها ولم يأمره بكفارة ولا قضاء
والفرق بين المباشرة وبين غيرها من المحظورات من وجوه أحدها أن سائر محظورات الاحرام تباح لعذر فإنه إذا احتاج إلى اللباس والطيب والحلق وقتل

الصيد فعله وافتدى والمباشرة لا تباح فإن قيل فلو كان به شبق شديد يخاف من تشقق أنثييه وقد قلتم إنه يفطر في رمضان ويقضي

فصل
وكل وطء في الفرج فإنه يفسد سواء كان قبلا أو دبرا من ادمى أو بهيمة وقد خرج أبو الخطاب وغيره في وطء البهيمة وجها أنه لا يبطل وسوى حكمه على الروايتين في وجوب الحد به وفرق غيرهم من أصحابنا كما تقدم في الصيام فأما إن وطيء ذكرا أو بهيمة دون الفرج
وإن حك ذكره بسرجه أو رحل دابته أو غير ذلك حتى أنزل فهو كالاستمناء
فصل
ويفسد به الاحرام سواء فعله عامدا أو ساهيا وسواء كان عالما بأنه محرم

أو بأن الوطء حرام عليه أو بأنه مفسد أو جاهل ببعض ذلك هذا نصه ومذهبه قال في رواية أبي طالب قال سفيان ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء إذا أتى أهله وإذا أصاب صيدا وإذا حلق رأسه
قال أحمد إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شيء لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده فهذه الثلاثة العمد والنسيان والخطأ وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا غطى رأسه ثم ذكر ألقاها عن رأسه وليس عليه شيء أو لبس ثوبا أو خفا نزعه وليس عليه شيء وقال في رواية صالح وحنبل من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوعا عنه يلزمه لو وطيء أهله وهو محرم أن لا يكون عليه شيء وإذا قتل صيدا ناسيا لا يكون عليه شيء
ويتخرج أنه لا يفسد الاحرام بوطء الجاهل والناسي ولا شيء عليه كرواية عنه في قتل الصيد لا سيما وقد سوى هو بين الجماع وقتل الصيد
وقد خرج أصحابنا تخريجا أن الحلق والتقليم مثل قتل الصيد فيلحق الجماع بذلك

وقد يقال الجماع أولى بذلك من قتل الصيد لأنه أقرب إلى الإستمتاع الذي هو اللباس والطيب من قتل الصيد فإنه إتلاف محض وعلى رواية ذكرها بعض أصحابنا أن جماع الناسي لا يبطل الصوم
ويتخرج أنه يوجب الكفارة ولا يبطل الاحرام كإحدى الروايتين فيمن جامع ناسيا أو جاهلا حيث قلنا يبطل الصوم ولا كفارة فيه فإن إبطال الصوم نظير إيجاب الكفارة في الاحرام ووجوب الكفارة هناك نظير فساد الاحرام لأن كفارة الصوم لا يجب الإجماع به كما لا يبطل الاحرام إلا بالجماع بخلاف ما يفسد الصيام ويوجب الكفارة في الاحرام فانه متعدد
لكن محظورات الإحرام عند أصحابنا أغلظ من محظورات الصيام لوجهين أحدهما أن الاحرام في نفسه أوكد من الصيام من وجوه متعددة مثل كونه لا يقع إلا لازما ولا يخرج منه بالفساد وكونه يحرم فيه جميع المباشرات وكونه لا يخرج منه بالأعذار
الثاني أن الإحرام عليه علامة تدل عليه من التجرد والتلبية وأعمال النسك

ورؤية المشاعر ومخالطة الحجيج فلا يعذر فيه بالنسيان بخلاف الصيام فإنه ترك محض ووجه هذا عموم قوله سبحانه لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله سبحانه قد فعلت
وإيجاب القضاء والهدي مؤاخذة وقول النبي صلى الله عليه و سلم عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وأيضا فإن الجماع منهى عنه والمقصود تركه وما نهى عنه إذا فعل سهوا أو نسيانا لم يكن فاعله عاصيا ولا مخالفا بل يكون وجود فعله كعدمه ومن سلك هذه الطريقة طردها في جميع المنهيات
وأيضا فإن الجماع استمتاع ففرق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب وعكسه الحلق وقتل الصيد

ووجه المذهب ما تقدم في جماع الناسي في رمضان فهنا أولى
وأيضا فإن ما تقدم من الحديث المرفوع وفتاوى الصحابة في أوقات متفرقة لسؤل شتى ليس فيها استفصال للسائل هل فعلت هذا عالما أو جاهلا ولو في بعض تلك الوقائع فإن المسلم الذي قد أم بيت الله وهو معظم لحرماته إذا وقع منه الجماع فوقوعه منه لعدم علمه بتحريمه أو اعتقاده زوال الاحرام أو نسيانه أنه محرم أظهر من وقوعه منه عالما بأنه محرم ذاكرا لاحرامه لا سيما والعهد قريب والدين غض والسابقون الأولون بين ظهرانيهم وقد يظهر هذا الاحتمال في مثل الذي واقع إمرأته بعد السعي قبل التقصير فإنه موضع شبهة قد أعتقد جماعة من العلماء جواز ذلك ويؤيد ظهوره في تلك الوقائع أنه لم ينقل فيها توبيخ للمجامع وتقريع له وإكبار لما فعله وإعظام له مع أن جماع

المحرم من الذنوب الشديدة وهو انتهاك للحرمة وتعد للحدود ولولا استشعار المفتين نوع عذر للسؤال لأغلظوا لهم في الكلام
وأيضا ما احتج به أحمد وهو أن الجماع أمر قد وقع واستقر فلا يمكن رده وتلافيه بقطعه وإزالة فصار مثل الإتلافات مثل قتل الصيد وحلق الشعر حيث لا يمكن رد التلف ولا إعادته وعكسه الطيب واللباس فإنه يمكن نزع اللباس وإزالة الطيب إذا ذكر وعلم التحريم وذلك مثل الكفارة الماحية لما صدر منه ولهذا أمر أن يفزع إلى التلبية وها هنا المجامع إذا ذكر بعد قضاء الجماع وعلم التحريم لم يمكن منه فعل فيه قطع لما مضى ولا ترك له
يبين هذا أن المحرم قد نهى عن أشياء فإذا فعلها ناسيا فالنسيان يزيل العقوبة ولا يزيل عنه الكفارة الجابرة لما فعل والماحية للذنب الذي انعقد سببه والزاجرة عن قلة التيقظ والإستذكار ولهذا وجبت الكفارة بقتل المسلم خطأ مع أن الدية بدل عنه ووجبت الكفارة بعود المظاهر وإن كان ناسيا أو جاهلا فالمحظور المستدام يمكن الإقلاع عنه ومفارقته فجعل هذا كفارة له عند من يقول به ومحظور قد فات على وجه لا يمكن رده ولا تركه فلا بد من كفارة
ولا يصح أن يقال فما مضى من اللباس والطيب لا يمكن رده لأن اللباس والطيب المستدام فعل واحد ولهذا لو كفر عنه وإستدامه إلى اخر الإحرام لم يجب عليه كفارة أخرى فإزالته إزالة لنفس ما أوجب الكفارة
والجماع المتكرر أفعال متفرقة كقتل صيود ولهذا لو كفر عن جماع ثم جامع كان عليه كفارة أخرى فذلك الجماع الذي وقع منه لا سبيل إلى إستدراكه ورد البتة يبين هذا أن اللابس والمتطيب يتأتى منه إمتثال النهي عند العلم والذكر لمفارقة المنهي عنه بخلاف المجامع والقاتل فإنه لا يتأتى منه الإمتثال بالفعل لكن بالعزم
فإن قيل فلو لبس وتطيب وأزالهما ثم ذكر
قيل ذانك الفعلان مبناهما على الإستدامه فإذا لم يستدمهما كان أولى أن

لا تجب عليه كفارة وطرده المجامع لو ذكر فنزع فإن نزعه لا يعد مفارقة للمحظور لأنه لا بد من نزع قريب فلم يكن بذلك النزع متلافيا لما فرط فيه
وأيضا فإن الجماع سبب يوجب القضاء فاستوى عمده وسهوه كالفوات ولا يصح الفرق بكون الفوات بترك ركن وهذا بفعل محظور لأن القتل والعلم فعل محظور وقد أوجب مقتضاه
وأيضا فإن الجماع أغلظ المحظورات وأكبر المنهيات وجنسه لا يخلوا عن موجب ومقتض فإنه لا يقع باطلا قط فإنه إن وقع في ملك قرر الملك بحيث يستقر المهر إن كانت زوجة ويستقر الثمن والملك إن كانت جارية معيبة أو فيها خيار عمدا وقع أو سهوا وإن وقع في غير الملك فلا يخلوا عن عقر أو عقر وعقوبة أو عقوبة فقط عند من يقول به وهو ينشر حرمة المصاهرة في ملك اليمين والنكاح الفاسد والوطء بالشبهة بالإجماع
فإذا وقع في الإحرام الذي هو أغلظ العبادات ولم يكن له أثر كان إخراجا له عن حقيقته ومقتضاه لا سيما والمحرم معه من العلامات على إحرامه ما يذكره بحاله ويزجره عن مواقعة هذا المحظور
وايضا فإن إفساده للإحرام من باب خطاب الوضع والأخبار الذي هو ترتيب الأحكام على الأسباب

وقد دلت السنة والإجماع على أن الجماع محرم وأنه يفسد الاحرام ويوجب القضاء والهدي فإذا فعله ناسيا أو جاهلا كان ذلك عذرا في الذم والعقاب اللذين هما من توابع المعصية الأمر والنهي أما جعل ذلك مانعا من إفساد الحج وإيجاب القضاء والهدي فلا بد له من دليل فإن ما كان من باب ترتيب الأحكام على الأسباب لا يؤثر فيه هذا إلا بدليل وأكثر الأصول التي يقع فيها الفساد ويجب القضاء إذا وجد المفسد مع العذر فمن ذلك الطهارة فإنها تفسد بوجود مفسداتها عمدا وسهوا والصلاة تبطل بوجود العمل الكثير عمدا وسهوا أو بمرور القاطع بين يديه عمدا أو سهوا وفي الكلام والأكل خلاف معروف وكذلك ملك النكاح ما يطرأ عليه فيفسده من صهر ورضاع وغيرهما لا فرق بين وملك الأموال
وموجبات الكفارات في غالب الأمر يوجبها مع العمد والسهو ككفارة القتل والظهار وترك واجبات الحج والحج قد يغلظ على غيره فإلحاقة بأكثر الأصول أولى من إلحاقه بأقلها ثم لم يجء أصل في ذلك إلا في الأكل في الصيام
فأما ما دون الجماع من المحظورات فما قيل فيه أنه يفسد الاحرام فهو كالجماع وأما ما لا يفسده

فصل
ويجب أن يقضي مثل الذي أفسده إن كان حجا قضى حجا وإن كان

عمرة قضى عمرة وإن كان عمرة وحجة قضاهما وعليه أن يحرم من أبعد الموضعين وهما المكان الذي أحرم منه أولا وميقات بلده فلو كان أحرم بالعمرة أو الحجة الفاسدة من دون الميقات فعليه أن يحرم في القضاء من الميقات لأنه لا يجوز لأحد يريد الحج والعمرة أن يجاوز الميقات إلا محرما ولأن تركه لواجب أو فعله لمحظور في الأداء لا يسوغ له تعدي حدود الله في القضاء وإن كان قد أحرم بهما من فوق الميقات مثل أن يكون قد أحرم في مصر فعليه أن يحرم بالقضاء من ذلك الموضع هذا نصه ومذهبه قال في رواية أبي طالب في الرجل إذا واقع امرأته في العمره عليهما قضاؤها من حيث اهلا بالعمرة لا يجزئهما إلا من حيث أهلا الحرمت قصاص
وقال في رواية ابن مشيش إذا أفسد الرجل الحج فعليه الحج من قابل من حيث أوجب الاحرام قيل له فإن كان من أهل بغداد وقد أوجب الاحرام على نفسه ولم يكن له من قابل زاد ولا راحلة فعليه متى وجد
وقد نص في المحصر على خلاف ذلك لما تقدم عن ابن عباس أنه قال ويحرمان من حيث أحرما ولم ينقل عن صحابي خلافه لقوله تعالى والحرمت فأوجب على من انتهك حرمة
فإن قيل قد تقدم في الحديثين المرسلين حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وتفرقا وهو قول النخعي وحظه من القياس

وافر لأن تلك المسافة قطعها بالاحرام الصحيح وإنما يقضي ما أفسده في المستقبل ويؤيد هذا أن الواطىء بعد جمرة العقبة يقضي ما بقى عليه

فصل
وليس عليه إلا قضاء واحد فإن كانت الحجة المقضية حجة الإسلام سقط الفرض عنه إذا قضاها وكذلك إذا كانت نذرا وكذلك لو كانت قضاء فأفسدها لم يجب عليه إلا قضاء واحد حتى لو أفسد القضاء ألف مرة لم يجب عليه إلا قضاء الواجب الأول كسائر العبادات إذا قضاها لأن كل قضاء يفسده إذا قضاه فإن قضاءه يقوم مقامه فإذا أفسد هذا القضاء فإن قضاءه يقوم مقامه وهلم جرا فمتى قضى قضاء لم يفسده فقد أدى الواجب وقد قيل لأحمد أيتهما حجه التي أفسدها أو التي قضاها قال لا أدري
فصل
وينحر هدي الفساد في عام القضاء نص عليه قال في رواية أبي طالب إذا إذا وطيء وهو محرم أو قارن فسد حجه في سنته التي وطيء فيها فإن كان معه هدي نحره وإلا فليس عليه هدي وقد فسد حجه إلى قابل إذا حج أهدى وكان عطاء يقول يعجل الهدي في هذه السنة فيقول ما يدري ما يحدث عليه والذي أقول به إن كان معه هدي نحره وإذا حج من قابل أهدى وإن لم يكن معه هدي فليس عليه حتى يحج من قابل وكذلك نقل الأثرم

وقال القاضي يجب إخراج الكفارة في السنة التي أفسدها ولا يلزمه كفارة ثانية في السنة التي يقضي فيها قال ومعنى قول أحمد في رواية الأثرم إن كان معه هدي نحره ويهدي في السنة الثانية يعني به هديا أوجبه على نفسه وقوله يهدي في السنة يعني يكون في ذمته
قال ابن أبي موسى فسد حجهما وعلى كل واحد منهما بدنة والحج من قابل إن كانت طاوعته وإن استكرها كفر عنها وأحجها من قابل من ماله وفرق بينهما في المكان الذي أصابها فيه في العام الماضي
وقيل عنه يجزئهما بدنة واحدة طاوعته أم أكرهها لأن الهدي قد وجب عليه بنفس الإفساد ومواقعة المحظور فوجب إخراجه حينئذ كسائر الدماء الواجبة بفعل المحظورات
ووجه المنصوص أن الحديثين المرسلين واثار الصحابة عامتها إنما فيها الأمر بالهدي مع القضاء وهي العمدة في هذا الباب لكن بعض ألفاظها محتملة وأكثر مفسر كما تقدم
وأيضا فإنه إذا وجب القضاء والهدي فإنما يخرج الهدي مع القضاء كهدي الفوات وعكسه الأحصار
وأيضا فإن الهدي إنما جبران للإحرام وهذا الاحرام الفاسد إنما ينجبر بالقضاء والهدي بخلاف الاحرام الصحيح فإنه ينجبر بمجرد الهدى فأما إن أتى في الاحرام الفاسد محظورا مثل اللباس والطيب وقتل الصيد فإنه يخرجه

فإن أخرج هدي الفساد قبل القضاء وليس عليه بالإفساد إلا هدي واحد كما تقدم في أحد الحديثين المرسلين وسائر فتاوى الصحابة وقد جاء في الحديث الآخر ذكر هديين وهي قضية عين فلعلهما كانا قد ساقا هديا وهذا لأن فإن كان هذا الواطىء قد ساق هديا نحره في السنة الأولى كما يقضي سائر المناسك ولم يجزه عن هدي الإفساد كما لا يجزئه عن سائر الدماء الواجبة عليه
فإن كان قد وجب عليه في الحجة الفاسدة دم بفعل محظور من لباس أو طيب أو غير ذلك لم يسقط عنه القضاء قولا واحدا
وإن كان قد وجب عليه بترك واجب مثل أن أحرم دون الميقات ثم أفسد الاحرام أو أفاض من عرفات قبل الليل أو ترك رمى الجمار ونحو ذلك فهل يسقط عنه بفعل القضاء ففيه روايتان منصوصتان إحداهما يسقط نص عليه في رواية منها في رجل جاوز الميقات إلى مكة ثم أحرم بعمرة فأفسدها عليه قضاؤها يرجع إلى الوقت يحرم منه فقيل له أفلا يكون عليه شيء لتركه الوقت أول مرة قال لا
وذلك لأن الدم قائم مقام النسك المتروك فإذا قضى ما تركه فقد قام القضاء مقام ما ترك فأغنى عن الدم بخلاف ما وجب لفعل محظور فإن ذلك المحظور لم يخرج عنه كفارة وبخلاف ما لو عاد إلى الميقات محرما فإن احرامه قد نقص نقصا لم يجبر بالعود إليه وهنا قد أحرم إحراما مبتدأ من الميقات
والثانية لا يسقط نص عليه في رواية ابن منصور وذكر له قول سفيان في

رجل جاوز الميقات فأهل ثم جامع عليه أن يحج من قابل وعليه بدنة وليس عليه دم لتركه الميقات قال أحمد عليه دم لتركه الميقات ويمضي في حجته ويصنع ما يصنع الحاج ويلزمه ما يلزم المحرم في كل ما أتى لأن الاحرام قائم وعليه الحج من قابل والهدي
وهذه إختيار أصحابنا لأن من أصلنا أن الدم الواجب بترك الاحرام من الميقات لا يسقط بالقضاء كما لو أحرم دون الميقات ثم عاد إلى الوقت محرما
وايضا فإن الحجة الفاسدة حكمها حكم الصحيح في كل شيء وعليه أن يجبرها إذا ترك واجبا أو فعل محظورا فلو قلنا إن ما يفعله في قضائها يقوم مقام ما يفعله فيها لكنا لم نوجب عليه إتمام الحجة الفاسدة ولأنه لو كان القضاء يقوم مقام ما يتركه في الحجة الفاسدة لم يجب عليه المضي فيها بل قد أوجب الشرع عليه إتمام الأولى وقضاءها
وإن كان متمتعا أو قارنا قد وجب عليه دم بسبب ذلك ثم وطيء فهل يسقط عنه دم المتعة والقران على روايتين منصوصتين أيضا إحداهما ليس عليه دم متعة ولا قران وقد تقدم نصه على ذلك في رواية أبي طالب فيها إذا وطيء وهو محرم بعمرة أو قارن إن كان معه هدي نحره وإلا فليس عليه هدي إلى قابل فإذا حجا أهديا وقال أيضا في رواية المروذي وقد سئل عن متمتع دخل مكة فوطيء قبل أن يطوف بالبيت فقال لا تقل متمتع ولكن قل معتمر يرجع إلى الميقات الذي أهل منه فيحرم بعمرة وعليه دم وإن كان الوقت ضيقا أهل بالحج فإذا فرغ منه أهل بالعمرة
فلم يوجب عليه دم التمتع وذلك لأنه لم يترفه بسقوط أحد السفرين لأنه قد وجب عليه سفرا اخر في القضاء

والرواية الثانية لا يسقط عنه دم المتعة والقران نص عليه في رواية ابن منصور وذكر له قول سفيان في رجل أهل بعمرة في أشهر الحج ثم جامع أهله قبل أن يطوف بالبيت ثم أقام إلى الحج حج وعليه دم لعمرته وليس عليه دم للمتعة لأنه أفسدها فقال أحمد عليه دم للمتعة ودم لما أفسد من العمرة
لأن كل ما وجب الإتيان به في النسك الصحيح وجب الإتيان به في الفاسد كالطواف وذلك لأنه مأمور بإتمام الفاسد حتى يكون مثل الصحيح إلا في أن أحدهما حصل فيه الوطء فأفسده والآخر عرى عن ذلك فعلى هذا إذا أحرم بقران القضاء فهل عليه دم الفساد ودم القران الفاسد كلام أحمد والأصحاب يقتضى أنه ليس عليه دم اخر
وأما المتمتع فإن كان قد وطيء في العمرة فقد وجب عليه قضاؤها فإذا قضاها
فإن لم يقضها قبل الحج فعليه دم لترك الميقات نص عليه
فصل
والدم الواجب بالوطء ونحوه أربعة أقسام أحدها بدنة مع الإفساد والثاني

شاة مع الإفساد والثالث بدنة بلا إفساد والرابع شاة بلا إفساد

فصل
وعليهما أن يتفرقا في القضاء قال في رواية ابن منصور في الذي يصيب أهله مهلا بالحج يهلان من قابل ويتفرقان وأرجوا أن يجزئهما هدي واحد وقال في رواية الأثرم في الرجل يصيب أهله وهما محرمان يتفرقان إذا عادا إلى الحج في النزول والمحمل والفسطاط وما أشبه ذلك
لأن في أحد الحديثين المرسلين فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم اقضيا نسككما وأهديا هديا ثم إرجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه وعليكما حجة أخرى فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وفي الآخر فقال لهما أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فأحرما وتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه ثم أتما مناسككما وأهديا
وفي حديث عمر يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما ثم يرجعان حلالا كل واحد منهما لصاحبه حلالا حتى إذا كانا من قابل حجا وأهديا وتفرقا من حيث أصابا فلم يجتمعا حتى يقضيا حجهما
وفي الرواية المشهورة عن ابن عباس أقضيا ما عليكما من نسككما هذا وعليكما الحج من قابل فإذا اتيتما المكان الذي فعلتما الذي فعلتما فيه ما فعلتما فتفرقا ولا تجتمعان حتى تقضيان نسككما وفي رواية أخرى عنه ولا يمران على

المكان الذي أصابا إلا وهما محرمان ويتفرقان إذا أحرما وفي رواية أخرى عنه ويحرمان من حيث كانا أحرما ويتفرقان
وعن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة أنه سأل ابن عباس عن رجل أصاب إمرأته وهو محرم قال عليهما الحج من قابل ثم يتفرقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا مناسكهما وعليهما الهدي رواه النجاد وفي رواية الحكم عن علي قال يتفرقان ولا يجتمعان إلا وهما حلالان وينحر كل واحد منهما جزورا وعليهما الحج من قابل يحرمان بمثل ما كانا أحرما به في أول مرة فإذا مرا بالمكان الذي أصابها فيه تفرقا فلم يجتمعان إلا وهما حلالان
وذكر مالك عن علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما فهذه أقوال الصحابة مع المرسل المرفوع لا يعرف أثر صريح يخالف ذلك وذلك لأنه إذا جامعها في المكان الذي واقعها فيه لم يؤمن أن تتكرر تلك الحال فتدعوه نفسه إلى مواقعتها فيفسد الحجة الثانية كما أفسد الأولى فإن رؤية الأمكنة تذكر بالأحوال التي كانت فيها وشهوة الجماع إذا هاجت فهي لا تنضبط وهذا معروف في الطباع وذكر الشعراء ذلك في

أشعارهم حتى قيل إن سبب حب الوطن ما قضته النفس من الأوطار فيه وربما قد جرب
وأيضا فإن مفارقة الحال والمكان الذي عصى الله فيه من تمام التوبة
وأيضا فإنهما لما اجتمعا على معصية الله كان من توبتهما أن يتفرقا في طاعة الله لقوله الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وقد قال طاوس ما اجتمع رجلان على غير طاعة الله إلا تفرقا عن ثقال فإن تعجلا ذلك الثقال في الدنيا كان خيرا لهما من تأخيره إلى الآخرة
فعلى هذا ليس عليه أن يفارقها في الاحرام الفاسد وبعد رجوعها قبل الاحرام بحجة القضاء فأما أحد الحديثين المرسلين وحديث علي فإذا أحرما بالقضاء فهل يفارقها من حين الاحرام أو إذا بلغا مكان الاصابة فيه روايتان ذكرهما إحداهما من حين الاحرام وهو ظاهر ما ذكرناه عن أحمد لأنه كذلك في حديث علي وحديث ابن العباس ولأنه يخاف عليهما فساد الاحرام في أوله كما يخاف عليهما في اخره

والثانية من الموضع الذي أصابها فيه وهو الذي ذكره ابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وعامة لأن الذي في المرفوع حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا وكذلك روي عن عمر ولم يختلف عنه وكذلك هو أجود الروايتين عن علي وابن عباس ولعله يجمع بين الروايات بأن يكون التفرق من حين الاحرام مستحب ومن موضع الإصابة واجب ولعله يستحب التفرق في الحجة الفاسدة ولا يزالان متفرقين إلى حين الإحلال الثاني لأن ما قبل ذلك فالجماع محرم عليه ويتوجه
وصفة التفرق على ما ذكره أحمد أن لا يجتمعا في محمل ولا فسطاط في الركوب ولا في النزول وفي المرسل أن لا يرى أحدهما صاحبه
فأما كونهما في رفقة أو في قطار فلا يضرهما

وهل هذا التفرق واجب أو مستحب خرجها ابن حامد على وجهين أحدهما أنه واجب وهو ظاهر كلام أحمد والآثار المروية في ذلك
مسألة والمرأة كالرجل إلا أن احرامها في وجهها ولها لبس المخيط
في هذا الكلام فصول
أحدها أن المرأة في تحريم الطيب وقتل الصيد وتقليم الأظافر والحلق والمباشرة كالرجل لما تقدم من الأدلة الدالة على تحريم ذلك عليهما ولأن المعاني التي من أجلها حرم ذلك على الرجل موجودة في المرأة وربما كانت أشد
الثاني أنها لا يحرم عليها لبس المخيط ولا تخمير الرأس فلها أن تلبس الخفين والقميص لما تقدم وذلك لأنها محتاجة إلى ستر ذلك لأنها عورة ولا يحصل ستره في العاده إلا ما صنع على قدره ولو كلفت الستر بغير المخيط لشق عليها مشقة شديدة ولما كان الستر واجبا وهو مصلحة عامة لم يكن محظورا في الاحرام وسقط عنهن التجرد كما سقط إستحباب رفع الصوت بالإهلال والصعود على مزدلفة والصفا والمروة لما فيه من بروزها وظهورها

الفصل الثالث أن احرامها في وجهها فلا يجوز لها أن تلبس النقاب والبرقع وهذا إجماع
قال أصحابنا وستر رأسها واجب فقد إجتمع في حقها ستر الرأس ووجوب كشف الوجه ولا يمكن تكميل أحدهما إلا بتفويت تكميل الاخر فيجب أن تكمل الرأس لأنه أهم كما وجب أن تستر سائر البدن ولا تتجرد ولأن المحظور أن تستر الوجه على الوجه المعتاد كما سيأتي وستر شيء يسير منه تبعا للرأس لا يعد سترا للوجه فأما في غير الاحرام فلا بأس أن تطوف منتقبة نص عليه
فإن احتاجت إلى ستر الوجه مثل أن يمر بها الرجال وتخاف أن يروا وجهها فإنها ترسل من فوق رأسها على وجهها ثوبا نص عليه قال أبو عبد الله في رواية أبي طالب وإحرام الرجل في رأسه ومن نام فوجد رأسه مغطى فلا بأس والأذنان من الرأس يخمر أسفل من الأذنين وأسفل من الأنف
والنبي صلى الله عليه و سلم قال لا تخمروا رأسه فاذهب إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم قال واحرام المرأة في وجهها لا تنتقب وتتبرقع وتسدل الثوب على

رأسها من فوق وتلبس من خزها ومعصفرها وحليها في احرامها مثل قول عائشة رضي الله عنها وذلك لما روت عائشة قالت كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمان فإذا جادوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه رواه أحمد رضي الله عنه وأبو داود وابن ماجة
ولو فعلت ذلك لغير حجة جاز على ما ذكره أحمد رضي الله عنه قال ابن أبي موسى إن احتاجت سدلت لكن عليها أن تجافي ما تسدله عن البشرة فإن أصاب البشرة باختيارها افتدت وإن وقع الثوب على البشرة بغير اخيارها رفعته بسرعة ولا فدية عليها كما لو غطى
فإن لم ترفعه عن وجهها مع القدرة عليه افتدت هذا قول القاضي وأصحابه وأكثر متأخري أصحابنا وحملوا مطلق كلام أحمد عليه لأنه قال إحرام الرجل

في رأسه وإحرام المرأة في وجهها قالوا لأن وجه المرأة كرأس الرجل بدليل ما روى
ورأس الرجل لا يجوز تخميره بمخيط ولا غير مخيط فكذلك وجه المرأة لكن موجب هذا القياس أن لا تخمر وجهها بشيء منفصل عنه كرأس الرجل
وهذا غير صحيح والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه جواز الإسبال سواء وقع البشرة أو لم يقع لأن أحمد قال تسدل الثوب وقال ابن أبي موسى إحرامها في وجهها فلا تغطيه ولا تتبرقع فإن إحتاجت سدلت على وجهها لأن عائشة ذكرت أنهن كن يدلين جلابيبهن على وجوههن من رؤوسهن ولم تذكر مجافاتها فالأصل عدمه لا سيما وهو لم يذكر مع أن الحاجة والظاهر أنه لم يفعل لأن الجلباب متى أرسل من ببشرة الوجه ولأن في مجافاته مشقة شديدة والحاجة إلى ستر الوجه عامة وكل ما احتيج إليه لحاجة عامة أبيح مطلقا كلبس السراويل والخف فعلى هذا التعليل إن باشر لغير حاجة الستر
ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا فمن إدعى تحريم تخميره مطلقا فعليه الدليل بل تخصيص النهي بالنقاب وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه كالقفاز المصنوع لستر اليد والقميص المصنوع لستر البدن

فعلى هذا يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه وأن تخمره بالملحفة وقت النوم ورأس الرجل بخلاف هذا كله وقال ابن أبي موسى ومتى غطت وجهها أو تبرقعت افتدت
فصل
ولا يجوز للمحرمة لبس القفازين ونحوهما وهو كل ما يصنع لستر اليدين إلى الكوعين هذا نصه ومذهبه لا خلاف فيه وكلام الشيخ هنا يقتضي جواز لبسهما لأنه لم يذكره وأباح لبس المخيط مطلقا وهذا تساهل في اللفظ لا يؤخذ منه مذهب لأنه قد صرح بخلاف ذلك وذلك لما روى الليث عن نافع عن ابن عمر قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا

تأمرنا أن نلبس من الثياب في الاحرام فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تلبس القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرنس ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه الزعفران والورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي
وعن محمد بن اسحق عن نافع عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى النساء في الاحرام عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب رواه أحمد وأبو داود
وأيضا فإن حق المحرم أن لا يلبس شيئا من اللباس المصنوع للبدن لكنه رخص للمرأة أن تلبس ما تدعوا إليه الحاجة لأنها عورة
ولا حاجة بها إلى أن تستر يدها بذلك لأن سترها يحصل بالكم وبادخالها في العب ونحو ذلك فلا حاجة إلى صنع القفاز ونحوه كبدن الرجل لما أمكن ستره بالرداء ونحوه لم يجز ستره بالقميص وهذا بخلاف قدميها فإنها لو أمرت بلبس النعلين أيضا فإن يديها تظهر غالبا فسترهما بالقفاز ونحوه صون لهما في حال الإحرام فلم يجز
وقد سلك بعض أصحابنا في ذلك طريقة وهو أن اليدين ليستا من العورة فوجب كشفهما كالوجه وعكسه القدمان وسائر البدن وذلك لأن العورة يجب سترها بخلاف ما ليس بعورة ومن سلك هذه الطريقة جوز لها أن

تصلى مكشوفة اليدين
وهذه الطريقة فيها نظر لوجوه أحدها أن اليدين لا يجب كشفهما ولا يحرم تعمد تخميرهما بما لم يصنع على قدرهما بالإجماع فإن لها أن تقصد إدخال اليد في الكم وفي الجيب من غير حاجة ولو كان مطلق الستر حراما إلا لحاجة لما جاز ذلك
الثاني أن كون الوجه واليدين ليسا بعورة لا يبيح ابداءهما للرجال بكل حال وكون العضد والساق عورة لا يوجب سترهما في الخلوة وإنما يظهر أثر ذلك في الصلاة ونحوهما

باب الفدية
مسألة وهي على ضربين أحدهما على التخيير وهي فدية الأذى واللبس والطيب فله الخيار بين ثلاثة أيام أو اطعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين أو ذبح شاة
الأصل في هذه الفدية قوله سبحانه فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأباح الله سبحانه الحلق للمريض ولمن في رأسه قمل يؤذيه وأوجب عليه الفدية المذكورة وفسر مقدارها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما تقدم في حديث كعب بن عجرة وهو الأصل في هذا الباب فقال له فاحلق واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين
وقد أجمع المسلمون على مثل هذا وتقديره صلى الله عليه و سلم لما ذكر في كتاب الله من صيام أو صدقة أو نسك مثل تقديره لأعداد الصلاة وللركعات والأوقات وفرائض الصدقات ونصبها وأعداد الطواف والسعي والرمي وغير ذلك إذ كان هو المبين عن الله معاني كتابه صلى الله عليه و سلم
وأما من حلق شعر بدنه أو قلم أظفاره أو لبس أو تطيب فملحق بهذا المحظور في مقدار الفدية لأن الله حرم ذلك كله في الاحرام

فصل
إن فعل المحظور لعذر ففديته على التخيير كما ذكرناه وإن فعله لغير عذر ففيه روايتان إحداهما أن فديته على التخيير أيضا كما ذكره الشيخ لأن كل كفارة وجبت على التخيير وسببها مباح وجبت على التخيير وإن كان محظورا كجزاء الصيد وأيضا فإن الكفارة جبر لما نقص من الاحرام بفعل المحرم والنقص لا يختلف بين أن يكون بسبب مباح أو محظور إلا أن في أحدهما جائزا والاخر حراما فلو لم يكن كل واحد من الكفارات الثلاث جابرا لنقص الاحرام لما إكتفى به مع وجود غيره ولهذا كفارة اليمين تجب على التخيير سواء كان الحنث جائزا أو حراما
وأيضا فإن كون سبب الكفارة جائزا لا يوجب التخيير بدليل دم المتعة والقران هو على الترتيب وإن كان سببه جائزا فلما كانت هذه الكفارة على التخيير علم أن ذلك ليس لجواز السبب بل لأنها جابرة لنقص الاحرام
وأما الآية فإنما لم يذكر فيها إلا المعذور لأن الله بين جواز الحلق ووجوب الفدية لأنه قد نهى قبل ذلك عن الحلق وهذا الحكمان يختصان المعذور خاصة
والرواية الثانية أنه يلزمه الدم ولا يتخير لدلالة السياق عليه بين الخصال

الثلاثة فإن عدم الدم فعليه الصدقة وإن لم يجد انتقل إلى الصيام نص عليه في رواية ابن القاسم وسندي في المحرم يحلق رأسه من غير أذى ليس هو بمنزلة من يحلق من أذى إذا حلق رأسه من أذى فهو مخير في الفدية ومثل هذا لا ينبغي أن يكون مخيرا وهذا إختيار القاضي وأصحابه مثل الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب ولم يذكروا في تعليقهم خلافا
قال ابن أبي موسى وإن حلق رأسه لغير عذر فعليه الفدية وليس بمخير فيها فيلزمه دم وإن تنور فعليه فدية على التخيير
ففرق بين حلق الرأس والتنور ولعل ذلك لأن حلق الرأس نسك عند التحلل فإذا فعله قبل وقته فقد فعل محظورا وفوت نسكا في وقته ومن ترك شيئا من نسكه فعليه دم بخلاف شعر البدن فإنه ليس في حلقه ترك نسك لأن الله سبحانه إنما ذكر التخيير في المريض ومن به أذى وذلك يقتضي أن غير المعذور بخلاف ذلك لوجوه أحدها أن من حرف شرط والحكم المعلق بشرط عدم عند عدمه حتى عند أكثر نفاة المفهوم
والحكم المذكور هنا وجوب فدية على التخيير إذا حلق فلو كانت هذه

الفدية مشروعة في حال العذر وعدمه لزم إبطال فائدة الشرط والتخصيص
وقولهم التخصيص لجواز الحلق وإباحته يجاب عنه بأن الجواز ليس مذكورا في الآية وإنما المذكور وجوب الفدية وإنما الجواز يستفاد من سياق الكلام ولو كان الجواز مذكورا أيضا فالشرط شرط في جواز الحلق وفي الفدية المذكورة
الثاني المريض ومن به أذى معذور في استباحة المحظور والمعذور يناسب حاله التخفيف عنه والترخيص له فجاز أن تكون التوسعة له في التخيير لأجل العذر لأن الحكم إذا علق بوصف مناسب كان ذلك الوصف علة له وإذا كان علة التوسعة هو العذر لم يجز ثبوت الحكم بدون علته يوضح هذا أن الله بدأ بالأخف فالأخف من خصال الفدية قال ففدية من صيام أو صدقة أو نسك تنصيصا على أن أو التخيير إذ وقع الإبتداء بأدنى الخصال وغير المعذور بعيد من هذا ولهذا بدأ في آية الجزاء بأشد الخصال وهو المثل لما ذكر المعتمد
الثالث أن الله سماها فدية والفدية إنما تكون في الجائزات كفدية الصيام وهذا لأن الصائم والمحرم ممنوعان مما حرم عليهما محبوسان عنه كالرقيق والأسير الممنوع من التصرف فجوز الله لهما أن يفتديا أنفسهما عند الحاجة كما يفتدي الأسير والرقيق أنفسهما وكما تفتدى المرأة نفسها من زوجها
ومعلوم أنه إذا لم يحتج إلى الحلق لم يأذن الله له أن يفتدى نفسه ولا يفك رقبته من الاحرام فلا يكون الواجب عليه فدية
والله سبحانه إنما ذكر التخيير تقسيما للفدية وتوسيعا في الإفتداء فلا يثبت هذا الحكم في غير الفدية وبهذا يظهر الفرق بين هذه الفدية وبين جزاء الصيد

وكفارة اليمين لأن الله ذكر التخيير في جزاء الصيد مع النص على أنه قتله متعمدا فكان التخيير في حق المخطىء أولى وذكر الترتيب والتخيير في كفارة اليمين مطلقا
وأيضا فإنها كفارة وجبت لفعل محظور فتعين فيها الدم ككفارة الوطء وتوابعه ومعلوم أن إلحاق المحظور بالمحظور أولى من إلحاقه بجزاء الصيد ولأن الله أوجب الدم على المتمتع عينا حيث لم يكن به حاجة إلى التمتع بحله مع جواز التمتع به فلأن يجب على من تمتع في الاحرام من غير حاجة مع تحريم الله أولى وعكسه المعذور ولأنها كفارة وجبت لجناية على الاحرام لا على وجه المعاوضة فوجب الدم عينا كترك الواجبات وعكسه جزاء الصيد فإنه بدل لمتلف فهو مقدر بقدر مبدله وأبدال المتلفات لا يفرق فيها بين متلف ومتلف بخلاف الكفارات التي لخلل في العبادة كالوطء في رمضان والاحرام وترك واجبات الحج فإن فعل المحظور ناسيا أو جاهلا بتحريمه أو مخطأ وأوجبنا عليه الكفارة فهو كمن فعل لغير عذر لأنه لم يأذن له الشرع في أتيانه وخطأه يصلح أن يكون مانعا من الإثم أما مخففا للكفارة فلا وهذا بخلاف المعذور فإن الحلق صار في حقه مباحا جائزا ولم يصر في الحقيقة من محظورات الاحرام إلا بمعنى أن جنسه محظور كالأكل في رمضان للمسافر والمريض ولهذا نوجب على من جامع ناسيا الكفارة ولا نوجبها على من أبيح له الفطر

فصل
إذا أراد الحلق أو اللبس أو الطيب لعذر جاز له اخراج الفدية بعد وجود السبب المبيح وقبل فعل المحظور كما يجوز تحليل اليمين بعد عقدها وقبل الحنث سواء كانت صياما أو صدقة أو نسكا
فصل
يجوز إخراج الفدية حيث وجبت من حل أو حرم وكذا حيث جازت لأن الله سبحانه سمى الدم الواجب هنا نسكا والنسك لا يختص بموضع فإن

الضحايا لما سميت نسائك جاز أن تذبح في كل موضع سواء كانت واجبة أو مستحبة كما قال أن صلاتي ونسكي وقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بردة هي خير نسيكتيك بخلاف دم المتعة وجزاء الصيد فإنه سماه هديا والهدي ما أهدي إلى الكعبة
وأما هدي المحصر

مسألة وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب
هذا قول الشيخ رحمه الله ووجهه أن ترك الواجب بمنزلة فعل المحظور في أن كلا منهما ينقص النسك وأنه يفتقر إلى جبران يكون خلفا عنه
فعلى هذا هل يكون على التخيير أو الترتيب على روايتين لأن ترك الواجب إذا أذن فيه الشرع لم يجب فيه شيء كترك الحائض طواف الوداع وترك أهل السقاية والرعاة المبيت بمنى ونحو ذلك نعم قد يتركه جهلا أو عجزا والذي عليه أكثر أصحابنا
مسألة وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم إلا الطائر فإن فيه قيمته إلا الحمامة فيها شاة والنعامة فيها بدنة
في هذا الكلام فصول أحدها أن ما وجب ضمانه من الصيد إما بالحرم أو بالإحرام فإنه يضمن بمثله من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وهو ما شابهه في الخلقة والصفة تقريبا لأن الله سبحانه قال فجزاء مثل ما قتل من النعم وقد قرىء بالتنوين فيكون المثل هو الجزاء بعينه وهو بدل منه في

الإعراب وقريء فجزاء مثل ما قتل بالإضافة والمعنى فعطاء مثل المقتول فالجزاء على هذا مصدر أو اسم مصدر أضيف إلى مفعوله وضمن معنى الإعطاء والإخراج والإيتاء ومثل هذا القراءتان في قوله تعالى فدية طعام مسكين وإن كان بعض القراء فرق بينهما حيث جعل الفدية نفس الطعام وجعل الجزاء إعطاء المثل
والمراد بالمثل ما مثال الصيد من جهة الخلقة والصورة سواء كانت قيمته أزيد من قيمة المقتول أو أنقص بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة
أما الأول فمن وجوه أحدها أن الله أوجب مثل المقتول والمثل إنما يكون من جنس مثله فعلم أن المثل حيوان ولهذا يقول الفقهاء في الأموال ذوات الأمثال وذوات القيم وهذا الشيء يضمنه بمثله وهذا يضمن بقيمته والأصل بقاء العبارات على ما كانت عليه في لغة العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وقيمة المتلف لا يسمى مثلا
الثاني أن الله أوجب المثل من النعم احتزاز من اخراج المثل من نوع المقتول فإنه لو أطلق المثل لفهم منه أن يخرج عن الضبع ضبع وعن الظبي ظبي ولو كان المثل هو قيمة المقتول لكان الواجب في ذمة القاتل قيمة

الصيد ثم إنه يصرفها في شراء هدى أو شراء صدقة حينئذ فلا فرق بين الهدى وبين الصدقة حتى يجعل المثل من أحدهما دون الآخر
الثالث أن قوله من النعم بيان لجنس المثل كقولهم باب من حديد وثوب خز وذلك يوجب أن يكون المثل من النعم ولو كان المثل هو القيمة والنعم مصرف لها لقيل جزاء مثل ما قتل في النعم
الرابع أنه لو كان المراد بالمثل القيمة لم يكن فرق بين صرفها في الهدى والصدقة وكذلك لو أريد بالمثل الهدى باعتبار مساواته للمقتول في القيمة فإن الهدى والقيمة مثل بهذا الاعتبار وكان يجب على هذا أن يقال فجزاء مثل ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين بالخفض والتقدير فجزاء مثل المقتول من النعم ومن الكفارة فإنهما على هذا التقدير سواء فلما كانت القراءة ترفع كفارة علم أنها معطوفة على جزاء وأنها ليست من المثل المذكور في الآية وذلك يوجب أن لا يكون المثل القيمة ولا ما اشترى بالقيمة
الخامس أنه سبحانه قال في جزاء المثل يحكم به ذوا عدل منكم ولا يجوز أن يكون المراد به تقويم التلف لأن التقويم بالنسبة إلى الهدلا والصدقة واحد فلما خص ذوى العدل بالجزاء دون الكفارة علم أنه المثل من جهة الخلقة والصورة
فإ قيل فالآية تقتضي الايجاب الجزاء في قتل صيد وذلك يعم ما له نظير وما نظير له وهذا إنما يكون في القيمة
قلنا يقتضي ايجاب جزاء المثل من النعم إن أمكنه لأنه أوجب واحدا من ثلاثة وذلك مشروط بالامكان بدليل من يوجب القيمة إنما يصرفها في النعم إذا

أمكن أن يشتري بها فتكون القيمة لا تصلح لشراء هدى هو بمثابة عدم النظير في الخلقة
وأما السنة وعليه اعتمد أحمد فما روى جابر بن عبد الله قال جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم في الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد رواه أبو داود وابن ماجة
وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وابن الزبير أنهم قضوا في النعامة ببدنة وفي حمار الوحش وبقرة الأيل والتبتل والوعل ببقرة وفي الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وإنما حكموا بذلك للماثلته في الخلقة لا على جهة القيمة لوجوه أحدها أن ذلك مبين في قصصهم كما سيأتي بعضه إن شاء الله
الثاني أن كل واحد من هذه القضايا تعددت في أمكنة وأزمنة مختلفة فلو كان المحكوم به قيمته لاختلفت باختلاف الأوقات والبقاع فلما قضوا به على وجه واحد علم أنهم لم يعتبروا القيمة
الثالث أنه معلوم أن البدنة أكثر قيمة من النعامة والبقرة أكثر قيمة من حمار الوحش والكبش أكثر قيمة كما شهد به عرف الناس
الرابع أنهم قضوا في اليربوع جفرة

الفصل الثاني
أن ما تقدم في حكم حاكمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو على ما حكما لا يحتاج إلى استئناف حكم ثان قال في رواية أبي النضر ما حكم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجزاء فعلى ما حكموا لأنهم أعدل من يحكم فيه ولو حكموا بخلاف حكمهم فلا يترك حكمهم لقول من بعدهم ولو أن رجلا أصاب صيدا لم يكن فيه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حكم جاز أن يقول القاتل الصيد لرجل اخر معه أن يحكمان في ذلك فيكون هو الحاكم وآخر معه
قال في رواية الشالنجي إذا أصاب صيدا فهو على ما حكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلما سمى فيه شيء فهو على ذلك وفي الضبع شاة وقال في رواية أبي داود في الذي يصيب الصيد يتبع ما جاء قد حكم فيه وفرغ
وقال في رواية أبي النضر ما حكم فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم

فلا يحتاج أن يحكم عليه مرة أخرى وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في الضبع يصيبه المحرم بكبش ومعلوم أنه لم يقض به على محرم بعينه فكان عاما
وأيضا فلو لم يقض إلا في قضية خاصة فإذا حدثت قضية أخرى فلو قضى فيها بغير ما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لكان خطأ لأن المثل هنا هو من جهة الخلقة والصورة وذلك حكم بالمماثلة بين نوع ونوع وأنواع الحيوان لا تختلف نسبة بعضها إلى بعض باختلاف الأعصار والأمصار
وأيضا فإن الصحابة لما قضوا في أنواع من الصيد بأمثال معروفة كان ذلك قضاء في مثل تلك القضايا لأن ذلك القضاء لا يختلف باختلاف قائل وقائل ولا باختلاف الأوقات والأزمنة وإذا كان قضاء في نوع تلك القضايا لم يجز نقضه ولا مخالفته
فأما ما حكم فيه التابعون ومن بعدهم
وما لم يحكم فيه الصحابة أو لم يبلغنا حكمهم فلا بد من استئناف حكم حاكمين ويجب أن يكون عدلين كما قال تعالى يحكم به ذوا عدل منكم والمعتبر العدالة الظاهرة وهو أن لا يعرف

ولا بد أن يكونا من أهل الخبرة والاجتهاد في معرفة وهل يكونا فقيهين قال أبو بكر لا بد أن يكونا جميعا من أهل العلم والمعرفة بالمماثلة
ويجوز أن يكون أحدهما هو القاتل للصيد نص عليه وكذلك إن كانا جميعا قتلاه ذكره القاضي وأصحابه وغيرهم مثل الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في خلافه فإن كل واحد من الحكمين ركن في الحكم فما جاز في أحدهما جاز في الآخر وذلك لما روى سفيان بن عيينة ثنا مخارق عن طارق بن شهاب قال خرجنا حجاجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد بن عبد الله ضبا ففزر

ظهره فلقى عمر فأخبره فقال له احكم فيه يا أربد قال أنت خير منى وأعلم فقال إنما آمرك أن تحكم ولم آمرك أن تزكيني قال فيه جدى قد جمع الماء والشجر فقال ذلك فيه رواه سعيد
وثنا أبو الأحوص ثنا مخارق عن طارق قال خرجنا حجاجا حتى إذا كنا ببعض الطريق أوطأ رجل منا ضبا وهو محرم فقلته فأتى الرجل عمر يحكم عليه فقال له عمر رحمه الله أحكم معى فحكما فيه جدي قد جمع الماء والشجر ثم قال عمر بأصبعه يحكم به ذوا عدل منكم ولا يعرف له مخالف في الصحابة وأيضا قوله يحكم به ذوا عدل منكم يعم القاتل وغيره بخلاف قوله وأشهدوا ذوي عدل منكم فإن المشهد غير المشهد لأن الفاعل غير المفعول وهنا لم يقل حكموا فيه ذوي عدل وإنما قال يحكم به والرجل قد يكون حاكما على نفسه إذا كان الحق لله لأنه مؤتمن على حقوق الله كما يرجع إليه في تقويم قيمة المثل إذا أراد أن يخرج الطعام وفي تقويم عروض التجارة والدليل على ذلك ما احتج به أبو بكر من قوله كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم فأمر الله الرجل أن يقوم بالقسط ويشهد لله على نفسه
قال القاضي وابن عقيل وهذا إنما يكون إذا قتله خطأ أو عمدا

لمخمصة فأما إن قتله عمدا فلا يصح لأنه فاسق بخلاف تقويم عروض التجارة فإن صاحبها يقومها وإن كان فاسقا لأنه لم ينص على عدالته
ووجه هذا أن قتل الصيد من الكبائر لأن الله توعد عليه بقوله ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ولأن الله سمى محظورات الاحرام فسوقا في قوله فلا رفث ولا فسوق ولكن هذا يقتضي أنه إذا قتله عمدا وتاب جاز حكمه ولم يذكر القاضي وأصحابه في خلافهم هذا الشرط
وإذا اختلف الحكمان
وإن حكم في قضية واحدة حكمان مختلفان لرجلين فهل يكونان مصيبين

الفصل الثالث
فيما مضى فيه الحكم واستقر أمره قال في رواية حنبل حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم في الضبع بكبش وهي جارحة من جملة السباع
وقال في رواية أبي الحارث وإذا أصاد المحرم بقرة فقد قال الله فجزاء مثل ما قتل من النعم عليه بقرة وفي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بدنة كذلك قال عطاء في حمار الوحش بدنة وفي الثبتل بقرة وفي الوعل بقرة وفي الأيل بقرة وفي الظبى شاة وفي الأرنب جفرة وفي اليربوع جفرة والجفرة الصغيرة من الغنم
وقال في رواية أبي طالب أذهب إلى حديث عمر في الضبع كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب جفرة وفي اليربوع جدي
أما النعامة ففيها بدنة وأما حمار الوحش ففيه روايتان إحداهما فيه بدنة نص عليه في رواية أبي الحارث وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى
والثانية بقرة وهو قول القاضي وأصحابه

والأيل بضم الهمزة وكسرها فيما ذكره الجوهري مع فتح الياء المشددة ذكر الأوعال قال والثبتل الوعل المسن والوعل الأروى
وأما الضبع ففيها كبش الجدع من الضأن أو الثنى من المعز هذا لفظه ولفظ أكثر أصحابه وكذلك جاء الحديث المرفوع وكذلك لفظ عمر
وعن مجاهد قال علي الضبع صيد وفيه كبش إذا أصابه المحرم رواه سعيد ولفظ بعض أصحابنا شاة وسوى بينهما وبين الظبي والثعلب وفي الظبي شاة هذا لفظ أحمد
وقال أبو الخطاب في الظبي كبش وفي الغزال عنز وكذلك قال ابن

أبى موسى في الظبي شاة وفي الغزال عنز وذلك لما روى مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة
ورواه ابن عينية عن أبي الزبير عن جابر قال حكم عمر رحمه الله في الضبع شاة وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة ومعلوم أنه إنما حكم بذلك إلا مع حكم آخر
وعن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل إلى جنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت قال فحكما عليه بعنز فولى الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا حكم معه فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا قال فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي فقال لا فقال لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا ثم قال إن الله يقول في كتابه يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة وهذا عبد الرحمن بن عوف رواه مالك

وعن قبيصة بن جابر قال خرجنا حجاجا فكثر مراء القوم أيهما أسرع شدا الظبي أم الفرس فسنح لنا ظبى فرماه رجل منا فما أخطأ حنتاه فركب ردغه فأسقط في يدي الرجل فانطلقت أنا وهو إلى عمر بن الخطاب فجلسنا بين يديه فقص عليه صاحبي القصة فقال أخطأ أصبته أم عمدا قال تعمدت رمية وما أردت قتله فقال لقد شركت الخطأ والعمد قال ثم اجتنح إلى رجل يليه كأن على وجهه قلبا فساره ثم أقبل على صاحبي فقال عليك شاة تصدق بلحمها وتبقى إهابها سقى فلما قمنا قلت لصاحبي إن فتيا ابن الخطاب لا تغني عنك من الله شيئا انحر ناقتك وعظم شعائر الله فذهب ذو العينين فنما ذلك إلى عمر بن الخطاب فأقبل على صاحبي صفوقا بالدرة وقال قاتلك تقتل الحرام وتعدي الفتيا ثم أقبل

علي فأخذ بمجامع ثوبي فقلت له إنه لا يحل لك منى شيء حرم الله عليك فقال ويحك إني أراك شابا فصيح اللسان فسيح الصدر أو ما تقرأ في كتاب الله يحكم به ذوا عدل منكم ثم قال قد يكون في الرجل عشرة أخلاق تسعة منهن حسنة وواحدة سيئة فتفسد الواحدة التسع فاتق طيرت الشباب
وأما الثعلب ففيه شاة هذا لفظه ولفظ أكثر أصحابه ولفظ أبي الخطاب عنز والنصوص عنه في عامه كلامه أنه يؤدي وصرح في بعض الروايات أنه يؤدي مع المنع من أكله وهذه طريقة الخلال وغيره
وأما أبو بكر والقاضي وغيرهما فجعلوا جزاءه مبينا على الروايتين في أكله وقد دل كلام أحمد أيضا على هذه الطريقة على ما تقدم
واختار القاضي أنه لا يؤدي بناء على أنه لا يؤكل وصرح ابن أبي موسى

فيه بنقل الروايتين قال فيه روايتان إحداهما أنه صيد وفيه شاة والأخرى ليس بصيد ولا شيء فيه
وبالجملة فمن وداه لا بد أن يلتزم أحد شيئين إما أنه مباح وإما أن بعض ما لا يحكم بإباحته يؤدي
وفي الأرنب شاة هذا لفظ أحمد في رواية أبي الحارث ولفظه في رواية أبي طالب فيها جفرة والجفرة عناق لها أربعة أشهر وقال ابن أبي موسى في الأرنب عناق وقيل جفرة وقال فيها عناق وهي قبل أن تصير جذعة لما تقدم عن عمر أنه حكم في الأرنب بعناق
وقال الجوهري العناق الأثنى من ولد المعز
وعن سعيد بن جبير قال كان ابن عباس يقول في طير حمام مكة شاة وفي الأرنب حمل وفي اليربوع حمل وفي الجرادة قبضة من طعام أو تمرة جلدة رواه سعيد

وأما اليربوع وهو دابة بيضاء أكبر من الفأرة يمشي برجلين فقد قال في رواية أبي الحارث فيه جفرة وهي الصغيرة من الغنم وذلك لما تقدم عن عمر أن فيه جفرة
وعن أبي عبيدة أن رجلا ألقى جوالق على يربوع فقتله فحكم فيه عبد الله جفرة رواه سعيد
وقال أحمد في رواية أبي طالب في اليربوع جدي
وقد حكاها ابن أبي موسى على روايتين وليس هذا بإختلاف معنى فإن الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وجفر جنباه وفصل عن أمه هذا قول الجوهري وبعض أصحابنا كأنه سمي بذلك لاشباع جوفه بما يغذيه من غير

اللبن ومنه الجفر وهو البئر الواسعة التي لم تطو ويقال للجوف جفرة
وقال القاضي الجفرة التي فطمت عن اللبن وكذلك قال أبو الخطاب الجفرة الجدي حين يفطم
وفي حل اليربوع روايتان فيكون في جزائه بالاحرام مثل ما في الثعلب على ما تقدم
وأما الضب فيؤدي قولا واحدا وهل فيه شاة أو جدي وهو ما دون الجذع على وجهين أحدهما شاة والثاني جدي وهو المشهور ذكره ابن أبي موسى لما تقدم عن عمر أنه حكم فيه هو وأربد بجدي قد جمع الماء والشجر يعني استغنى عن أمه بالرعي والشرب
وفي الوبر جدي قاله أصحابنا قالوا وهو دويبة سوداء أكبر من اليربوع وحكمه حكم الثعلب لأن في حله روايتان

وقال عطاء ومجاهد في الوبر شاة وذكر ابن أبي موسى في الوبر شاة وفي اليربوع جدي وقيل عنه جفرة
وفي النسور حكومة
وفي الثعلب روايتان وأما السنور فقد قال في رواية الكوسج في السنور الأهلي وغير الأهلي حكومة أما السنور الأهلي ففي ضمانه روايتان كما تقدم لأنه لا يحل وأما الوحشي ففي حله روايتان فهو كالثعلب في الضمان فإذا قلنا يضمن ففيه حكومة لأنه لم يمض من السلف فيه حكم
والحكومة أن يحكم بمثله من النعم
فصل وأما الطير فثلاثة أنواع أحدها الحمام وفيه شاة قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي كل طير يعب الماء مثل الحمام يشرب كما يشرب الحمام فيه شاة وما كان مثل العصفور ونحوه ففيه القيمة ويلزم

المحرم كما يلزم الحلال في حمام الحرم
والطير صيد والدجاج ليس بطير وإنما أهلي وقال في رواية ابن منصور حمام الحل والحرم سواء وذلك لما روى
وعن سعيد بن جبير قال كان ابن عباس يقول في طير حمام مكة شاة
وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول في الحمام والقمري والدبسي والقطا والحجلة شاة شاة
وعن عطاء أن غلاما من قريش قتل حمامة الحرم فسأل أبوه ابن عباس فأمره أن يذبح شاة
وعن يوسف بن ماهك وعطاء قالا أغلق رجل بابه على حمامة وفرخيها

وانطلق إلى عرفات فرجع وقد متن فأتى ابن عمر فسأله فجعل عليه ثلاثا من الغنم وحكم معه رجل
والمراد بالحمام وما أشبهه كلما عب الماء ولم يتعرض للهدير لأن الحمام يشبه الغنم من حيث يعب الماء كما الغنم تعب الماء
وقال أبو الخطاب وغيره هو كل ما عب وهدر والعب هو شرب الماء متواصلا وهو خلاف المص فإن الدجاج والعصافير تشرب الماء متفرقا ومنه الكباد من العباب وقال الكسائي كل مطوق حمام ومنه

الشفانين والوراشين والقماري والدباسي والفواخت والقطاء والقبح هذا قول أبي الخطاب
وذكر القاضي في خلافه القطاء والسمان مع العصافير وما كان أصغر من الحمام فلا مثل له لكن فيه القيمة نص عليه لما روى عكرمة عن ابن عباس قال كل يصيبه المحرم دون الحمامة قيمته رواه سعيد والنجاد ولفظه ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه الفدية
وعن عكرمة قال سأل مروان ابن عباس ونحن بوادي الأزرق قال

الصيد يصيبه المحرم ليس له بدل من النعم فقال ابن عباس ثمنه يهدى إلى مكة رواه سعيد ولا يعرف له مخالف ولأن الله أوجب المثل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو الصيام فإذا تعذر أحد الخصال وجب الإخراج من الباقي كما لو عجز عن الصيام وكخصال كفارة اليمين وفدية الأذى
ولأن الله حرم قتل الصيد وذلك يعم جميع أنواعه وأوجب فيما حرم الجزاء أو الكفارة أو الصيام فعلم دخول ذلك تحت العموم
وأما ما كان أكبر من الحمام مثل الحباري والكروان والكركي والحجل واليعقوب وهو ذكر القبج فقد خرجه وأبو الخطاب على وجهين أحدهما أن فيه القيمة وهو مقتضى كلام الشيخ هنا لأنه أوجب القيمة في الطير كله إلا الحمام والنعامة لأن القياس يقتضي ايجابها في جميع أنواع الطير لكن ترك هذا القياس في الجماع استحسانا لاجماع الصحابة ولأنه يشبه الغنم في عب الماء فيبقى ما سواه على موجب القياس

والثاني يجب فيه شاة وهو الذي ذكره ابن أبي موسى وهو ظاهر كلام أحمد بل نصه فإنه قال وما كان مثل العصفور ونحوه ففيه شاة وهذا أصح لأن ابن عباس قال في الحمام والدبسي والقمري والقطاء والحجل شاة شاة
وقال أيضا ما أصيب من الطير دون الحمام ففيه القيمة فعلم أنه أوجب شاة في الحمام وما كان مثله وأكبر منه وأوجب القيمة فيما دونه
وأيضا فإن هذا أكبر من الحمام فكان أولى بإيجاب الشاة
وأيضا فإن المماثلة كما تعتبر في الخلقة والصورة فتعتبر في الصفات والأخلاق وجنس الطير بما أوتى من المنعة وطيب اللحم أفضل من الدواب فجاز أن يعادل هذا ما في الإنعام من كبر الخلقة
فعلى هذا ما كان أكبر من الشاة إن كان

فصل
ويضمن الصيد بمثله سواء كان المثل مما يجزيء في الهدايا والضحايا المطلقة أو لا لما تقدم عن عمر وابن مسعود وابن عباس أنهم أوجبوا في جزاء الصيد العناق والجفرة والحمل والجدي وهي لا تجوز في الأضاحي ولا مخالف لهم في الصحابة

والأصل في ذلك أن الله أوجب مثل المقتول من النعم ومثل الصغير صغير كما أن مثل الكبير كبير
وقوله بعد ذلك هديا بالغ الكعبة لا يمنع من إخراج الصغير لأن كل ما يهدي إلى الكعبة فهو هدى ولهذا لو قال لله علي أن أهدي الجفرة جاز
نعم الهدي المطلق لا يجوز فيه إلا الجذع من الضأن والثني من المعز والهدي المذكور في الآية ليس بمطلق فإنه منصوب على الحال من قوله مثل ما قتل والتقدير فليخرج مثل المقتول على وجه الإهداء إلى الكعبة وهذا هدي مقيد لا مطلق فعلى هذا منه ما يجب في جنسه الصغير كما تقدم ومنه ما يجب في جنسه الصغير والكبير فينظر إلى المقتول فيتغير صفاته فيجب في الصغير صغير وفي الكبير كبير وفي الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب تحقيقا لمماثلة المذكورة في الاية
فإن كان الصيد سمينا أو مسنا أو كريم النوع أعتبر في مثله ذلك ويفتقر هنا في المماثلة إلى الحكمين هذا قول ابن أبي موسى والقاضي وعامة من بعده من أصحابنا وإن فدى الصغير بالكبير فهو أحسن
وخرج ابن عقيل وجها على قول أبي بكر في الزكاة ألا يجزيء عن المريض إلا الصحيح
قال القاضي وأصحابه مثل ابن عقيل وأبي الخطاب فإن فدى الذكر

لأنثى جاز فهو أفضل لأنها خير منه وإن فدى الأنثى بالذكر ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنهما جنس واحد
والثاني لا يجوز لأن الأنثى أفضل
وقال ابن أبي موسى في صغار أولاد الصيد صغار أولاد المفدى به وبالكبير أحسن وإذا أصاب صيدا أعور أو مكسورا فداه بمثله وبالصحيح أحسن ويفدى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى وهو قول علي بن أبي طالب
وعلى هذا فلا يفدى الذكر بالأنثى ولا الأنثى بالذكر لأن في كل منهما صفة مقصودة ليست في الآخر فلم يجوز الإخلال بها كما لو فدى الأعور الصحيح الرجلين بالأعرج الصحيح العين
وقياس المذهب عكس ذلك وهو أنه إنه إن فدى الأنثى بالذكر جاز وفي العكس تردد وقد نص أحمد على أن في الضبع كبشا لأن الهدايا والضحايا المقصود منها اللحم ولحم الذكر أفضل بخلاف الزكاة والديات فإن المقصود منها الإستبقاء للدر والنسل لأن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في الضبع بكبش والضبع إما أن يكون مخصوصا بالأنثى أو يشمل الذكر والأنثى فإن الذكر يسمى الضبعان
وإن فدى الأعور بالأعرج ونحو ذلك مما يختلف فيه جنس العيب لم يجز
وإن فدى أعور العين اليمنى بأعور العين اليسرى أو بالعكس جاز لأن جنس العيب واحد وإنما اختلف محله وكذلك إن فدى أعرج اليد بأعرج الرجل

وأما الماخض فقال أبو الخطاب وطائفة غيره يضمنه بما خض مثله فإن لم يكن له مثل ضمه بقيمة مثله ماخضا وعلى هذا فيعتبر أن يكون قد مر له من مدة الحمل مثل حمل الصيد أو أكثر
وقال القاضي يضمن الماخض بقيمته مطلقا
وإذا لم يجد جريحا من النعم يكون مثل المجروح من الصيد ولم يجد معيبا أخرج قيمة مثلة مجروحا
فصل
وإذا أتلف بعض الصيد مثل إن جرحه أو كسر عظمه ولم يخرجه عن امتناعه ضمن ما نقص منه إن لم يكن له مثل وإن كان له مثل نظركم ينقص الجرح من مثله ثم فيه وجهان أحدهما عليه أن يخرج بقسطه من المثل فان نقصه الجرح السدس أخرج سدس مثله
والثاني يخرج قيمة ذلك الجزء من مثله فيخرج قيمة السدس وهو قول القاضي وهو أقيس بالمذهب
ولو أفزعه وأذعره فقال أحمد في رواية الميموني في محرم أخذ

صيدا ثم أرسله فإن كان حين أخذه اعنته تصدق بشيء لمكان أذاه وإذ عاره إياه لأنه قد حرم عليه ترويعه بقول النبي صلى الله عليه و سلم لا ينفر صيدها وإذا أرسله وقد ذعر وفزع لم يعده إلى مثل حالته الأولى
والذعر

فصل
ويضمن بيض الصيد مثل بيض النعام والحمام وغير ذلك بقيمته قال في رواية حنبل في المحرم يصيب بيض النعام فيه قيمته فإذا لم يجد صام لما روى سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا أوطأ بعيرة أدحى نعام فكسر بيضها فأنطلق إلى علي رضي الله عنه فسأله عن ذلك فقال له علي عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال علي ما سمعت ولكن هلم إلى الرخصة عليك بكل

بيضه صوم يوم أو إطعام مسكين رواه أحمد في المسند وأبو داود في مراسيله وإنما أمره النبي صلى الله عليه و سلم والله أعلم بطعام مسكين لكل بيضة لأن قيمة البيضة كانت إذ ذاك بقدر طعام مسكين يدل عليه ما روى أبو هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيض النعام قال قيمته وعن ابن عباس قال قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيض النعام يصيبه المحرم بثمنه رواهما النجاد
وعن أبي الزناد قال بلغني عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم رواه أبو دواد في مراسيله وقال أسند هذا الحديث وهذا هو الصحيح وأيضا عن إبراهيم قال قال عمر في

النعام يصيبه المحرم قال ثمنه
وعن أبي عبيدة عبد الله بن مسعود في بيض النعام يصيبه المحرم قال فيه ثمنه أو قدر ثمنه وكان علي يقول يضرب له من الإبل بقدر ما أصاب من البيض فما نتج فهو هدي وما لم ينتج فهو بما يفسد من البيض
وعن ابن عباس في بيض النعام قال قيمته أو ثمنه وعن ابراهيم قال كانوا يقولون في بيض النعام وشبهه يصيبه المحرم فيه ثمنه

وعن سعيد بن منصور وعن عبد الله بن حصين أن أبا موسى قال في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين
وعن أبي عبيدة قال كان عبد الله بن مسعود يقول في كل بيضة من بيض النعام صوم يوم أو إطعام مسكين رواهما ابن أبي عروبة
فقد اتفقت أقوال الصحابة أن فيه قيمته إلا ما يروي عن علي رضي الله عنه وقد تقدم أن فتياه عرضت على النبي صلى الله عليه و سلم فأتى بخلافها والحديث مسند ذكره الإمام أحمد في المسند وإن كان مرسلا فقد عضده عمل جماهير الصحابة والتابعين به وأنه أسند من وجه اخر وذلك يجعله حجة عند من لا يقول بمجرد المرسل
وأيضا فإن البيض جزء من الصيد يتطلب كما يتطلب الصيد قال مجاهد في قوله ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم قال البيض والفراخ رواه ابن عيينة ويكون منه الصيد وفي أخذه تفويت لفراخ الصيد وقطع لنسله فوجب أن يمضن كالصيد وذلك أن الحيوان منه ما يبيض ومنه ما يلد والبيض للبائض كاحمد للوالد

ويقال كل أسك يبيض وكل مشرف الأذنين يلد وهو مما لا مثل له فوجب أن يضمن بالقيمة لعصافير ونحوها
وأصل هذا عند أصحابنا أن ضمان الصيد يجري مجرى ضمان الأموال لأنه يختلف باختلاف المضمون فيجب في الصغير والكبير والصحيح والمعيب والكامل والناقص بحسبه كالأموال بخلاف النفوس فإن ديتها لا تختلف بإختلاف هذه الصفات وإنما هو شيء مقدر في الشرع وإذا كان كذلك فهو لو أتلف بيض طير لانسان اعتبر البيض بنفسه ولم يعتبر بأصله بخلاف ما لو أتلف جنين ادمى
وفي جنين الصيد القيمة أيضا وهو أرش ما نقصته الجناية كجنين البهيمة المملوكة فإذا ضرب بطن ظبية حامل فألقت جنينا ميتا وسلمت فعليه ما بين قيمتها حاملا وحائلا وإن ماتت بعد ذلك ضمن قيمة ظبية حامل
ومن أصحابنا من خرج وجها أن جنين الصيد يضمن بعشر ما تضمن

به الأم كما قال أبو بكر في جنين البهيمة المملوكة وأولى وعلى هذا فالبيض
فإن ضمنه بجنين مثله كما قال علي فظاهر الحديث أنه يجزئه
وهل يباح البيض بعد كسره فيه وجهان أحدهما لا يحل للكاسر ولا غيره من حلال ولا حرام كالصيد الذي قتله المحرم قاله القاضي وغيره وعلى هذا إذا أخذه وهو محرم وتركه حتى حل لم يبح أيضا كالصيد
والثاني يباح لأنه لا يفتقر إلى تذكية إذ لا روح فيه وعلى هذا فلا يحل للكاسر المحرم ولا وإنما يباح للحلال وكذلك ما لا يفتقر إلى ذكاة من الحيوان كالجراد
فإن كسر البيض فخرج مذرا فلا شيء عليه لأنه لا قيمة له فهو كما لو أهلك صيدا ميتا إلا بيض النعامة ففيه وجهان أحدهما يضمنه قاله القاضي في المجرد وابن عقيل لأن لقشره قيمة
والثاني لا يضمنه قاله القاضي في خلافه وأبو محمد
فإن خرج في البيض فرخ أو استهل الجنين حي وعاش فلا شيء عليه

وإن مات أو إستهل جنين الصيد ثم مات ضمنه ضمان الصيد الحي
وإن أخذ البيضة فكسر البيضة ثم ترك الفرخ حيا فهل يضمن الفرخ لكونه بمنزلة من رد الوديعة ردا غير تام على وجهين
وإن خرج منها فرخ ميت فقال أصحابنا لا شيء فيه لأنه لا قيمة له بخلاف الجنين إذا وقع ميتا إنما مات بالضربة إذ لو مات قبل ذلك لأجهضه وهذا فيما إذا مات قبل الكسر فإن مات بالكسر
وإن كان الفرخ لم ينفخ فيه الروح ففيه قيمة بيض فرخ غير فاسد كالجنين
ويضمن بكل سبب هو فيه متعمد فلو نقل بيض طائر فجعله تحت طائر اخر فحضنه فإن صح وسلم فقد أساء ولا شيء عليه قاله أصحابنا وقد قال أحمد فيما إذا أعره ! يتصدق بشيء وإن فسد فعليه الضمان وكذلك إن أقره مكانه وضم إليه بيضا اخر ليحضنه الطائر سواء أذعر الطائر فلم يحضنه أو حضنهما معا

وإن باض الحمام أو فرخ على فراشه فهل يضمن على وجهين كالجراد إذا افترش في طريقه
وإنما يضمن بيض طائر مضمون فأما بيض الغراب والحدأة فلا يضمنه ويضمن بيض الجراد كالجراد نفسه
ومن أتلف بيضا لا يحصيه احتاط فأخرج ما يعلم أنه قد أتى على قيمته ذكره القاضي وابن عقيل كمن نسى صلاة من يوم لا يعلم عينها وقياس المذهب
وأما بيض النمل فقال ابن عقيل هو على ما قلنا في النمل ففي النملة لقمة أو تمرة أو حفنة طعام إذا لم يؤذه ففي بيضها صدقة وهذا إنما يخرج على إحدى الروايتين وهو ضمان غير المأكول إذا لم يكن مؤديا فإما على الرواية الأخرى وهو أنه لا يضمن إلا ما يؤكل فليس في النمل ولا في بيضه ضمان
وأما بيض القمل وهو الصيبان فقال القاضي وابن عقيل فيه روايتان كالقمل

فصل
ولا يجوز أخذ لبن الصيد فإن أخذه ضمنه بقيمته ذكره ابن عقيل ويحتمل أنه يضمن بمثله لبنا من نظير الصيد فيضمن لبن الظبية بلبن شاة والأول أصح
فصل
وإذا إشترك

مسألة ويتخير بين إخراج المثل أو تقويمه بطعام فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما
هذا هو إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله وعليه أصحابه رواه الميموني والبغوي أبو القاسم قال في رواية الميموني في قوله فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى قوله أو عدل ذلك صياما فهو في هذا مخير
وقال في رواية أبي القاسم بن بنت منيع في محرم قتل صيدا يكفر بما في القرآن فإنما هو تخيير

وعنه رواية أخرى نقلها حنبل وابن الحكم أن بدل الصيد على التخيير إذا كان مؤسرا ووجد الهدي لم يجزه غيره وإن كان مؤسرا ولم يجده إشترى طعاما فإن كان معسرا صام
قال في رواية ابن الحكم في الفدية هو بالخيار وفي جزاء الصيد لا يكون بالخيار عليه جزاء الصيد لا يجزئه إلا العدل ليس هو مخير في الهدي والصوم والصدقة
وقال في رواية حنبل إذا أصاب المحرم صيدا ولم يصب له عدل مثل حكم عليه قوم طعاما إن قدر على طعام وإلا صام لكل نصف صاع يوما هكذا يروي عن ابن عباس
وقال في رواية الأثرم وقد سئل هل يطعم في جزاء الصيد فقال لا إنما جعل الطعام في جزاء الصيد ليعلم الصيام لأن من قدر على الطعام قدر على الذبح هكذا قال ابن عباس يقوم الصيد دراهم ثم يقوم الدراهم طعاما ثم يصام لكل نصف صاع يوما وهو بناء على غالب الأمر وأن الهدي لا يعدم ومن أصحابنا من جعل هذا رواية ثالثة في المسألة فإن الاطعام لا يجزيء في

جزاء الصيد بحال هكذا ذكره أبو بكر قال وبراوية حنبل أقول وذلك لأن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في الضبع بكبش وكذلك أصحابه من بعده أوجبوا في النعامة بدنة وفي الظبي شاة وفي الحمام شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة ولم يخيروا السائل بين الهدي وبين الإطعام والصيام ولا يجوز تعيين خصلة من خصال خير الله بينها كما لو إستفتى الحانث في يمين فإنه لا يجوز أن يفتى بالعتق عينا بل يذكر له الخصال الثلاث التي خيره الله بينها
وعن مقسم عن ابن عباس رحمة الله عليهما في قوله عز و جل فجزاء مثل ما قتل من النعم قل إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه فإن كان عنده جزاء ذبحه وتصدق بلحمه وإن لم يكن عنده قوم جزاؤه دراهم ثم قومت الدراهم طعاما فصام عن كل نصف صاع يوما وإنما جعل الطعام للصيام لأنه إذا وجد الطعام وجد جزاء رواه سعيد ورواه دحيم وقال إنما أريد بالطعام الصيام أنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه
وفي رواية له عن ابن الحكم عن ابن عباس في الذي يصيب الصيد

يحكم عليه جزاؤه فإن لم يجد حكم عليه ثمنه يقوم طعام يتصدق به فإن لم يجد حكم عليه صيام
وعن ابن عمر نحوه ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة
وأيضا فإن هذه كفارة قتل محرم وكانت على الترتيب ككفارة الادمى
وأيضا فإن جزاء الصيد بدل متلف والأصل في بدل المتلف أن يكون من جنس المتلف كبدل النفوس والأموال وإنما ينتقل إلى غير الجنس عند تعذر الجنس كما ينتقل إلى الدية عند تعذر القود وكما ينتقل إلى قيمة مثل المال المتلف عند أعواز المثل والهدي من جنس الصيد لأنه حيوان بخلاف الطعام والصيام
وأما ذكره بلفظ أو فذلك لا يوجب التخيير على العموم بدليل قوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض وإنما يوجب التخيير إذا أبتدىء بأسهل الخصال كقوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وقوله فكفرته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فلما بدأ بالأسهل علم أنه يجوز إخراجه وفي هذه الاية وقع الإبتداء بأشد الخصال كما ابتديء في اية المحاربين فوجب أن يكون على الترتيب

ووجه الأولى وهي اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه ويشبه أن تكون هي المتأخرة لأن البغوي إنما سمع منه اخر بخلاف ابن الحكم فإن رواياته قديمة لأنه مات قبل أحمد قوله ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بلغ الكعبة أو كفرة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما
وحرف أو إذا جاءت في سياق الأمر والطلب فإنها تفيد التخيير بين المعطوف المعطوف عليه أو إباحة كل منهما على الإجتماع والإنفراد كما يقال جالس الحسن أو ابن سيرين وتعلم الفقه أو النحو هذا هو الذي ذكره أهل المعرفة بلغة العرب في كتبهم قالوا وإذا كانت في الخبر فقد تكون للإبهام وقد تكون للتقسيم وقد تكون للشك وعلى ما ذكره نخرج معانيها في كلام الله فان قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وقوله فكفرته إطعام عشرة مسكين وقوله فجزاء مثل ما قتل من النعم وإن كان مخرجه مخرج الخبر فإن معناه معنى الأمر فيكون الله قد أمر بواحدة من هذه الخصال فيفيد التخيير
وقوله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين وقوله تقتلونهم أو يسلمون وقوله ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم وقوله أو يتوب عليهم أو يعذبهم

وأما اية المحاربين فلم يذكروا في سياق الأمر والطلب بل هي في سياق الخبر عن الجزاء الذي يستحقونه ثم قد علم من موضع اخر أن إقامة الحدود واجبة على ذي السلطان ولهذا لا يفهم من مجرد هذا الكلام إيجاب أحد هذه الخصال كما يفهم ذلك من ايات الكفارات ثم لو كانت في معرض الإقتصاء إنما ذكرت في سياق النفي والنهي لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما مثل بالعرنيين نهاه الله سبحانه عن المثلة وبين أنه ليس جزاؤهم إلا واحدة من هذه الخصال فلا ينقصوا عنها لأجل جرمهم ولا يزادوا عليها لأنه ظلم وفي مثل هذا لا تكون أو للتخيير ولو قيل إن ظاهر لفظها كان للتخيير لكن في سياقها ما يدل على أنه لم يرد للتخيير فإن العقوبات التي تفعل بأهل الجرائم لا يكون الوالي مخيرا تخيير شهوة وارادة بين تخفيفها وتثقيلها لأن هذا يقتضي إباحة تعذيب الخلق لأن ذلك القدر الزائد من العذاب له أن يفعله وله أن لا يفعله من غير مصلحة ومثل هذا يعلم أنه لا يشرع فعلم أن مقتضاها العقوبة بواحد منها عندما يقتضيه
وأما قولهم تلك الايات بدأ فيها بالأخف بخلاف اية الجزاء فنقول إنما بدأ في اية الصيد بالجزاء لأن قدر الإطعام وقدر الصيام مرتب على قدر الجزاء

فما لم يعرف الجزاء لا يعرف ذلك ولو بدىء فيها بالصيام لم يحصل البيان ألا تراه يقول أو عدل ذلك صياما وخصال كفارة اليمين وفدية الأذى كل واحدة قائمة بنفسها غير متعلقة بالأخرى
وأما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه للجزاء من النعم دون الإطعام والصدقة فذاك والله أعلم لأنهم قصدوا بيان الجزاء من النعم لأنه هو الذي يحتاج فيه إلى الحكم والطعام والصدقة يعرفان بمعرفته ولا يفتقران إلى حكم ولأن التكفير بالجزاء أفضل وأحسن وهو أهم خصال الجزاء وقد كانوا يعلمون من حال السؤال أن قصدهم بيان الجزاء لا ذكر الصدقة والصيام
وأيضا ففي الحديث الذي ذكرناه في بيض النعام عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن أصحابه أن بكل بيضة صوم يوم أو اطعام مسكين فقد خيره بين الصدقة والصيام والخيرة إلى القاتل في الخصال الثلاثة دون الحكمين لأن الله إنما جعل حكم الحكمين في الجزاء خاصة دون الصدقة والصيام
فصل
وعلى الروايتين إذا كفر بالطعام فلا يخلوا إما أن تكون الصدقة مما له مثل أو مما لا مثل له فإن كان له مثل فلا بد من معرفة المثل ثم يقوم المثل فيشتري بقيمته طعام هذا أشهر الروايتين عن أبي عبد الله قال في رواية ابن القاسم إذا قتل المحرم الصيد ولم يكن عنده جزاء فإنما يقوم المثل ولا يقوم الصيد قد عدل بمثله من النعم فلا يقوم ثعلب ولا حمار ولا طير وإنما يقوم المثل في الموضع الذي أصابه فيه وفيما يقرب فيه الفدى

والرواية الأخرى يقوم الصيد على ظاهر ما نقله الأثرم وذكرها ابن أبي موسى لأنه أحد نوعي الصيد فكان التقويم له كالذي لا مثل له
وأيضا فإن الطعام بدل عن الصيد كالجزاء فوجب إعتباره بالأصل لا بالبدل ولأنه متلف وجب تقويمه فكان التقويم له لا لبدله كسائر المتلفات
ووجه الأولى وهي قول أصحابنا قول ابن عباس إن لم يكن عنده جزاه دراهم ثم قومت الدراهم طعاما ولا يعرف له في الصحابة مخالف
ولأن قوله أو عدل ذلك إشارة لما تقدم وهو الجزاء وكفارة طعام مسكين ولأن الكفارة التي هي طعام مساكين لم تقدر فلو
فعلى هذا يقوم المثل في الموضع الذي أصاب فيه الصيد في الوقت الذي وجب عليه الجزاء هذا منصوصه كما تقدم
وقال القاضي يقوم المثل بمكة حين يخرجه بخلاف ما وجبت قيمته

فصل
وأما الصيام فإنه يصوم عن طعام كل مسكين يوما لأن الله قال أو عدل ذلك صياما وعدل الصدقة من الصيام في كتاب الله أن يصام عن طعام كل مسكين يوم كما أن عدل الصيام من الصدقة أن يطعم عن كل يوم مسكين قال الله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ثم قال فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا وقال وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين وذلك لأن طعام يوم كصوم يوم
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم جعل في بيض النعامة صوم يوم أو اطعام مسكين وكذلك أصحابه
وفي مقدار طعام المسكين الذي يصام عنه يوم روايتان ذكرهما ابن أبي موسى و إحداهما نصف صاع على ما ذكره في رواية حنبل والأثرم لأنه مأثور عن ابن عباس
والثانية مد قال في رواية ابن منصور إذا كان جزاء الصيد مد ونصف فلا بد من تمام يومين

ابتداء فإنه تجب قيمته في موضعه وقت قتله وحمل اطلاق أحمد على ذلك لأن ماله مثل يجب اخراج مثله في الحرم فإذا أراد اخراج بدله فعليه أن يقومه في الموضع الذي يجب إخراجه فيه
والصواب المنصوص لأنه بقتل الصيد وجب الجزاء في ذمته ولأن قيمة المثلف إنما تعتبر حال الوجوب في ظاهر المذهب فلا يجوز تأخير التقويم إلى حين الأدى ثم المثل المقوم لا وجود له وإنما يقدر
وإن لم يكن له مثل قوم نفس الصيد يوم القتل في موضعه أو في أقرب المواضع اليه ويكون التقويم النقد الغالب فإن قومه بطعام
فصل
وإذا قوم الصيد أو بدله فإنه يشتري بالقيمة طعاما وإن أحب أخرج من طعام يملكه بقدر القيمة ويكون الطعام مما يجزيء اخراجه في الكفارات وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب فأما الخبز والتغذية والتعشية

وأما طريقة القاضي وأبي الخطاب وغيرهما فإنهم حملوا الروايتين على إختلاف حالين فإن قوم بالحنطة صام مكان كل مد يوما وإن قوم بالشعير والتمر صام مكان كل نصف صاع يوما وهذا قياس المذهب الذي لا يحتمل سواه وقد قال في رواية الأثرم في إطعام المساكين في الفدية والجزاء وكفارة اليمين إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع لكل مسكين وهم ستة مساكين في الفدية
فنص على الفرق في الجزاء بين البر وغيره كما فرق بينهما في الفدية والكفارة ويعتبر قيمة الطعام إذا أراد أن يصوم عنه في موضع وجوبه وهو موضع قتل الصيد وفي موضع إخراجه وهو مكة كما ذكرنا في قيمة المثل إذا أراد أن يطعم
فإن كان البر رخيصا بحيث تكون القيمة منه مائة مد والتمر غاليا بحيث تكون القيمة منه عشرين صاعا
وإذا لم يبق من الكفارة إلا بعض طعام مسكين فإن عليه أن يصوم يوما تاما نص عليه لأن الصوم لا يتبعض وليس له أن يخرج بعض الفدية طعاما وبعضها صياما قال أبو عبد الله إذا أصاب صيدا وعنده طعام لا يتم جزاء الصيد صام لأنه لا يكون بعضه صوما وبعضه طعاما

فصل
وما لا مثل له إذا أراد أن يشتري يخرج قيمته لم يجزه وقال ابن أبي موسى هو مخير بين أن يفدى الصيد بالنظير أو يقوم النظير دراهم فيتصدق بها أو يقوم بالدراهم طعاما ويصوم عن كل مد يوما فجعل الصدقة بنفس القيمة وجعل الطعام لمعرفة مقدار الصوم وإن أراد أن يشتري بها هديا هدايا ويهديه إلى مكة فقال القاضي لا يجوز أيضا
فصل
وله أن يخرج الجزاء بعد انعقاد سببه قبل الوجوب قال ابن أبي موسى لو أخرج من الحرم عنزا حاملا فولدت ثم ماتت وأولادها كان عليه جزاؤها وجزاء أولادها فإن أخرج الجزاء عنها وعن أولادها قبل هلاكهم ثم ماتت وأولادها لم يلزمه جزاء ثان وأجزاه الأول وكان بمنزلة من كفر قبل الحنث
مسألة الضرب الثاني على الترتيب وهو هدي التمتع يلزمه شاة فإن لم يجد فيصام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع
هذا الهدي واجب بنص القرآن والسنة والإجماع قال الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم

وبالسنة كما تقدم عن ابن عمر وبالإجماع
وفيه فصول الأول في الهدي ويجزيء فيه ما يجزيء في الأضحية وهو بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم لأن الله قال فما استيسر من الهدي والغنم الهدي بدليل قوله في جزاء الصيد هديا بلغ الكعبة ولا يقال فقد يدخل في الجزاء ما لا يدخل في مطلق الهدي من الصغير والمعيب ويسمى هديا لأن ذلك إنما وجب بإعتبار المماثلة المذكورة في قوله فجزاء مثل ما قتل من النعم وفي اية التمتع أطلق الهدي ولم يعتبر فيه مماثلة شيء ولأن ذلك يدل على أن المعيب والصغير من الأزواج الثمانية يكون هديا وهذا صحيح كما أن الرقبة المعيبة تكون رقبة في العتق لكن الواجب في مطلق الهدي والرقبة إنما يكون صحيحا على الوجه المشروع
وعلم ذلك بالسنة ولأن النبي صلى الله عليه و سلم أهدى مرة غنما متفق عليه
ولأن عائشة

وعن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم بين أصحابه في متعتهم غنما فأصاب سعدا يومئذ تيس رواه سعيد
ولا يجب عليه الهدي حتى يكون واجدا له اما بأن يكون مالكه أو يجد ثمنه فإن كان عادما بمكة واجدا ببلده بحيث يمكنه أن يقترض لم يجب ذلك عليه نص عليه في رواية الأثرم إذا وجب عليه هدي متعة وليس معه نفقة وهو ممن لو استقرض أقرض فلا يستقرض ويهدي قال الله فمن لم يجد فصيام وهذا ليس بواجد وذلك لأنه قد وجب عليه الهدي أو بدله في مكة فلم يجب عليه الإقتراض كما لو عدم الماء وهذا بخلاف عادم الرقبة في الظهار على أحد
ولأنها عبادة مؤقتة ذات بدل فإذا عدم المبدل حين الوجوب جاز له الإنتقال إلى بدلة كالطهارة
ويجب الهدي والصوم عنه بعد الوقوف في إحدى الروايتين وفي الأخرى يجب إذا أحرم قال في رواية ابن القاسم وسندي وقد سئل متى يجب

صيام المتعة فقال إذا عقد الاحرام
وقد تأول القاضي ذلك على أن الاحرام سبب للوجوب كما أن النصاب سبب لوجوب الزكاة لا أن الوجوب يتعلق به وإنما يتعلق بيوم النحر كما يتعلق وجوب الزكاة بالنصاب والحول
وأقرها أبو الخطاب وغيره على ظاهرها وقال معناه إذا أحرم بالحج ويؤيد ذلك قال والصيام للمتعة يجب على المتمتع إذا عقد الاحرام وكان في أشهر الحج وهذا يدخل على من قال لا تجزيء الكفارة قبل الحنث ولعل هذا لا يحج ينصرف وهم يقولون يجزئه الصيام وفي قلبي من الصيام أيام التشريق شيء
قال القاضي وقوله إذا عقد الاحرام أراد به إحرام العمرة لأنه شبهه بالكفارة قبل الحنث وإنما يصح الشبيه إذا كان صومه قبل الاحرام بالحج لأنه قد وجد أحد السببين ولأنه قال إذا عقد الاحرام في أشهر الحج وهذا إنما يكون في إحرام العمرة لأن من شرط التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج

لأن الله قال فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي وباحرامه بالحج صار متمتعا لأنه ترفه بحله وسقوط أحد السفرين عنه ولأن الله تعالى قال فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج فجعله بعد إيجاب الهدي عليه مأمورا بصيام ثلاثة أيام في الحج وهو يؤمر قبل يوم عرفة فعلم أنه قد وجب عليه الهدي قبل الصيام
والرواية الأولى اختيار القاضي ثم إختلفوا في معناها فقال القاضي في خلافه وأبو الخطاب وابن عقيل في بعض المواضع وغيرهم معناها أنه يجب عند انقضاء وقت الوقوف وهو طلوع الفجر يوم النحر لأنه وقت التحلل ووقت جواز الذبح ويتوجه على هذه الطريقة أن لا يجب حتى يرمي الجمرة أو يجب إذا إنتصفت ليلة النحر
وقال القاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهما معنى كلامه إنه إذا وقف بعرفة فقد وجب عليه وهذا معنى كلامه بلا ريب قال في رواية المروذي وإبراهيم ويجب على المتمتع الدم إذا وقف بعرفة والقارن مثله يروي فيه عن عطاء وفي لفظ اخر في متمتع مات قبل أن يذبح قال إذا وقف بعرفات وجب عليه الهدي قال القاضي وابن عقيل يجب بالوقف ويتأخر إخراجه إلى يوم النحر وذلك لأن الله إنما أوجب الهدي على من تمتع بالعمرة إلى الحج وإنما يكون متمتعا

إذا أتى بالحج
وأما وقت ذبح الهدي فإنه يوم النحر فلا يجوز الذبح قبله لكن يجوز يذبح فيه بعد طلوع الفجر قاله القاضي وغيره
وقال وهذا هو المذهب المعروف المنصوص قال في رواية ابن منصور وأما هدي المتعة فإنه يذبح يوم النحر
وقال أبو الخطاب لا يجوز نحر هديه قبل وقت وجوبه فظاهر كلامه أنا إذا قلنا يجب بالاحرام بالحج ينحر حينئذ وليس كذلك
وذكر بعض أصحابنا رواية أنه إذا قدم قبل العشر جاز أن يذبحه قبله وإن قدم فيه لم يذبحه إلى يوم النحر
وهذه الحكاية غلط فإنه من لم يسق الهدي لم يختلف أنه لا يذبح إلى يوم النحر ومن ساقه فقد اختلف عنه فيه لكن الخلاف هو في جواز نحر الهدي المسوق وفي تحلل المحرم

أما الهدي الواجب بالمتعة فلا بل عليه أن ينحره يوم النحر قال في رواية يوسف بن موسى فيمن قدم متمتعا وساق الهدي فإن قدم في شوال نحر الهدي وحل وعليه هدي اخر وإذا قدم في العشر أقام على إحرامه ولم يحل قال القاضي فقد نص على أنه إذا نحر قبل العشر كان عليه هدى اخر يعني في يوم النحر ولم يعتد بما ذبح قبله
لأن الله يقول ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فاقتضى ذلك أن بعد بلوغ الهدي محله يجوز الحلق والحلق إنما يجوز يوم النحر فعلم أن الهدي إنما يبلغ محله يوم النحر والاية عامة في هدي المحصر وغيره لعموم لفظها وحكمها فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه في حجة الوداع من لم يسق الهدي فليحل ومن ساق الهدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله
وعن عائشة رضي الله عنها في حديث لها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى يحل بحج نحر هديه متفق عليه
وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله رواه البخاري

وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله
وعنها وعن ابن عمر في حديث لهما ذكرا فيه أن الناس تمتعوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه متفق عليهما
فقد بين صلى الله عليه و سلم أنه لا يحل حتى يحل نحر الهدى وبين أنه لا يحل حتى يقضي حجه فعلم أنه لا يحل نحر الهدي الذي ساقه ويبلغ محله حتى يقضي حجه فهديه الذي لم يسقه بطريق الأولى ولأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى جميع من معه هدي من متمتع ومفرد وقارن أن يحلوا إلى يوم النحر وبين أنه إنما منعهم من الاحلال الهدي الذي وكذلك أخبر عن نفسه أنه لا يحل حتى ينحر وحتى يبلغ الهدي محله ولو كان الذبح جائزا قبل يوم النحر لنحروا وحلوا ولم يكن الهدي مانعا من الإحلال قبل يوم النحر إذا كان ذبحه جائزا وهذا بين في سنة النبي صلى الله عليه و سلم المستفيضة عنه ولأن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع كانوا متمتعين حلوا من احرامهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ولم ينحروا إلا يوم النحر وذبح النبي صلى الله عليه و سلم عن أزواجه يوم النحر وكن متمتعات وقد قال لتأخذوا عني مناسككم فلو كان الذبح قبل النحر جائزا لفعله بعض المسلمين أو أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم لا سيما والمبادرة إلى إبراء الذمة أولى من التأخير
وعن صدقة بن سيار قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل كأنه بدوي في العشر فقال إني تمتعت فكيف أصنع قال طف بالبيت وبين الصفا والمروة وخذ ما تطاير من شعرك فإذا كان يوم النحر فعليك نسيكة قال وما هي قال شاة رواه سعيد
ولأن الله قال ليشهدوا منفع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومت على

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9