التهذيب في اختصار المدونة
المؤلف : أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني

2009 - وإن أعتق عبده وله مال سواء يغترقه الدين، ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه حتى أعدم، لم يبع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم لو قاموا يوم أُعتق، وهو إذا أعتق أو دبر وله مال لا يفي بدينه، بيع من العبد بما بقي من دينه بعد المال، وكان باقيه عتقاً أو مدبراً.
وأما إن كاتبه وله مال لا يفي بدينه ردت الكتابة كلها، إذ لا يكاتب بعض عبد، وبيع العبد في الدين، إلا أن يكون في الكتابة إن بيعت أو بعضها كفاف الدين فتباع لذلك، ولا ترد الكتابة.
2010 - ولا يجوز لأحد الشريكين في عبد أن يكاتب نصيبه بإذن شريكه، أو بغير إذنه. وأما [إن دبره بإذنه جاز]، فإن دبره بغير إذنه قوم عليه نصيب شريكه، ولزمه تدبير جميعه، ولا يتقاوياه.
وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة، ولكنها شيء جرى في كتبه. ومن رد غرماؤه عتقه للرقيق فلم يباعوا حتى أفاد السيد مالاً، فهم أحرار، وليس ذلك رداً للعتق حتى يباعوا.
وكذلك لو باعهم السلطان، ولم ينفذ البيع حتى أيسر السيد لنفذ العتق، وبيع السلطان بالمدينة على خيار ثلاثة أيام، فإن وجد من يزيده وإلا أنفذ البيع. قيل له: ويجوز هذا البيع؟ قال: نعم.
2011 - ومن أعتق عبده وعليه دين يغترقه ولم يعلم الغرماء [بالعتق] وللعبد ورثة أحرار فمات بعضهم بعد عتقه، فلا يوارثهم، لأنه عبد حتى يعلم الغرماء بالعتق فيجيزونه، أو يفيد السيد مالاً، لأن للغرماء إجازة العتق أو رده.
ولا يرث إلا من ليس لأحد أن يرده في الرق على حال. وقاله مالك في المبتل في المرض عن مات السيد وله أموال مفترقة يخرج [العبد] من ثلثها إذا جمعت فهلك العبد قبل اجتماعها، أن ورثته الأحرار لا يرثونه، لأن العتق إنما يتم بعد جمع المال، وخروج العبد من ثلثه، لأنه لو ضاع المال كله لم يعتق من العبد إلا ثلثه، وإن بقي من المال ما لا يخرج العبد من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث، ولم يلتفت إلى ما ضاع منه.

2012 - وإذا ابتل المريض عتق رقيقه، وعليه دين، وعنده وفاء به، فلم يمت حتى هلك ماله فالدين يرد عتقه، بخلاف الصحيح، لأن فعل المريض موقوف، وذلك كوصيته بعتقهم، فإن اغترقهم الدين رقوا، وإن كان فيهم فضل عن الدين أسهم بينهم، أيهم يباع للدين، ثم أسهم بينهم فيمن يعتق في ثلث بقيتهم، فإذا أخرج السهم للدين أحدهم وقيمته أكثر من الدين، بيع منه بقدره، وأقرع للعتق، فإن خرج بقية هذا العبد وفيه كفاف الثلث أعتقت بقيته، وإن كان أكثر من الثلث أعتقت أيضاً منه بقدر الثلث، ورق باقيه للورثة، وإن لم يف بقيته بالثلث، أعتقت بقيته واعدت السهم حتى يكمل الثلث في غيره، وكذلك يعاد السهم في الدين إن خرج من لا يفي بالدين حتى يكمل الدين، وإن بيع بعض عبد، ثم يقرع للعتق كما ذكرنا، وإنما القرعة في الوصية بالعتق والبتل في المرض.
2013 - ومن رد غرماؤه فليس له ولا لغرمائه بيعهم دون الإمام، فإن فعل أو فعلوا ثم رفع إلى الإمام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق، ولو أعتق في يسره فلم يقوموا عليه ولم يعلموا حتى أعسر، فلا رد للعتق، لأنه وقع في وقت لا يرد لو رفع، ولو أعتق في عسره فلم يقم عليه حتى أيسر لنفذ العتق، ثم إن أعسر بعد ذلك قبل القيام عليه فلا رد للعتق، وإن لم تكن علمت به الغرماء. وإذا باعهم الإمام عليه في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كانوا له رقاً، ولا يعتقون عليه.
2014 - بقال مالك:] ومن ابتاع أباه وعليه دين يغترقه لم يعتق عليه وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه، [قال مالك: يرد البيع، وقال ابن القاسم: بل يباع منه ببقية الثمن ويعتق ما بقي. وقال غيره: لا يجوز له في السُّنة أن يملك أباه إلا إلى عتق، فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي عن ذمته نماؤه، وذكر من أعتق ما في بطن أمته] في العتق الثاني.

2015 - قال ابن القاسم: وإذا اشترى المريض عبداً محاباة فأعتقه فالعتق مبدّى على المحاباة، لأن المحاباة وصية، والعتق يبدّى على الوصايا، فإن كان قيمة العبد كفاف الثلث سقطت المحاباة، ولم يكن للبائع غير قيمة العبد من رأس المال، وإن بقي بعد قيمة العبد شيء من الثلث كان في المحاباة، وقد قال: يُبدى بالمحاباة، لأن البيع لا يتم إلا بها [فكأنه آمر بتبديتها في الثلث] فإن بقي بعده من الثلث شيء كان في العبد، أتم ذلك عتقه أم لا، [قال سحنون: وهذا القول أحسن من الأول].
2016 - ومن بتل عتق عبده في المرض وقيمته ثلاثمائة درهم، ولا مال له غيره، فهلك العبد قبله وترك ابنة حرة، وترك ألف درهم فقد مات رقيقاً، وما ترك لسيده بالرق دون ابنته.
ولو كان للسيد مال مأمون يخرج العبد من ثلثه، جاز عتقه، وكان ما ترك ميراثاً بين السيد والابنة نصفين على أحد قولي مالك، وقال غيره: لا ينظر في فعل المريض إلا بعد موته، كان ماله مأموناً أو لم يكن.
2017 - [قال ابن القاسم:] ولو احتمل المال المأمون نصف العبد، لم يعجل عتق شيء منه وإنما يعتق إذا كان المال المأمون كثيراً أضعاف قيمة العبد مراراً.
2018 - وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فليس لشريكه أن يتماسك بنصيبه أو بعتقه إلى أجل، إنما له أن يعتقه بتلاً أو يقوّم على شريكه، وغن أعتق حصته إلى أجل أو دبر أو كاتب، رد ذلك إلى التقويم، إلا أن يبتله. وقال غيره: فإن كان الأول مليئاً بقيمة نصف نصيب المعتق إلى أجل، قوّم ذلك عليه وبقي ربع العبد معتقاً إلى أجل. وقال غيره: إذا كان الأول مليئاً وأعتق الثاني إلى أجل فقد ترك التقويم، ويعجل عليه العتق الذي ألزم نفسه واستثنى من الرق ما ليس له.

2019 - قال ابن القاسم: وإن كان عبد بين مسلم وذمي فأعتق المسلم حصته، قوم عليه كان العبد مسلماً أو ذمياً، وإن أعتق الذمي حصته وكان العبد مسلماً قوم عليه وأجبر على عتق جميعه، وإن كان كافراً لم تقوم عليه حصة المسلم، لأن العبد جميعه لو كان للنصراني فأعتقه أو أعتق بعضه لم يحكم عليه بعتقه. قال غيره: وتقوم عليه حصة المسلم.
2020 - قال ابن القاسم: [وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فأخره شريكه بالقيمة على أن زاده فيها، فذلك ربا، ومن أعتق شركاً له في عبد] بإذن شريكه أو بغير إذنه، وهو مليء، قوّم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوم القضاء وعتق عليه، وإن كان عديماً لا مال له لم يعتق عليه [غير حصته، ونصيب الآخر رق له، وإن كان مليئاً بقيمة بعض النصيب قوم عليه] منه بقدر ما معه، ورق بقية النصيب لربه، ويباع عليه في ذلك شوار بيته والكسوة ذات البال، ولا يترك له إلا كسوته التي لا بد له منها وعيشة الأيام.(1)
2021 - وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو مليء ثم أعتق شريكه نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه، لأنه قد أتلف نصيبه بعتقه لبعضه، ولا يقوم على الأول إلا إذا أقيم عليه العبد غير تالف، ألا ترى أنه لو مات العبد قبل التقويم لم يلزم المُعتق الأول من التقويم شيء.
فإن مات المعتق لنصف نصيبه قبل أن يعتق [عليه] ما بقي، قومنا بقيته على المعتق أولاً، ولو كان العبد لثلاثة نفر فأعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصيبه وهما مليئان، فليس للباقي أن يضمن إلا الأول، فإن كان الأول عديماً، فلا يقوم على الثاني وإن كان موسراً، إذ لم يبتدئ فساداً، ولو أعتقا معاً قوم عليهما إذا كانا مليئين، وإن كان أحدهما مليئاً والآخر معسراً، قُوّم جميع باقيه على الموسر.
__________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/410)، والتاج والإكليل (6/337)، والتقييد (3/69).

2022 - وإن أعتق معسر شقصاً له في عبد فلم يقوم عليه شريكه حتى أيسر، فقال مالك قديماً: إنه يقوم عليه، ثم قال: إن كان يوم أعتق بعلم الناس والعبد والمتمسك بالرق أنه إنما ترك القيام لأنه إن خوصم لم يقوّم عليه لعدمه، فلا يعتق عليه وإن أيسر بعد ذلك، وأما لو كان العبد غائباً فلم يقدم حتى أيسر المعتق لنصيبه لقوم عليه بخلاف الحاضر.(1)
وإن أعقت في يسره ثم قيم عليه في عسره، فلا شك أنه لا تقويم عليه.
وإن أعتق حصته في يسره فقال شريكه: أنا أُقوّم عليه نصيبي، ثم قال بعد ذلك: أنا أعتق، لم يكن له إلا التقويم.
2023 - وإذا دبر أحد الشريكين جنين أمة بينهما تقاوياه بعد أن تضعه، وإن أعتق أحدهما جنينها أو دبره وأعتق الآخر نصيبه من الجارية، قُوّمت عليه، وبطل تدبير صاحبه وعتقه للجنين.
2024- وإن أعتق أحد الشريكين حصته وهو موسر، ثم باع الآخر نصيبه، نقض البيع وقوّم على المعتق، وإذا كان المعتق معسراً والعبد غائب فباع المتمسك حصته منه على الصفة وتواصفا الثمن فقبضه المبتاع [وقدم] به، والمعتق قد أيسر أو لم يقدم به إلا أن العبد علم بموضعه فخاصم في موضعه والمعتق قد أيسر، فإن البيع ينقض ويقوّم على المعتق.
وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقوّم عليه حتى مرض، قوّمنا عليه حصة شريكه في الثلث.
وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض، فليعتق بقيته في ثلثه. قال غيره فيهما: لا تقويم لباقيه في الثلث، غذ لا يدخل حكم الصحة على حكم المرض. قالا: وإن لم يعلم بذلك إلا من بعد موته، لم يعتق منه إلا ما كان أعتق، ولا تقويم على ميت، وكذلك لو أفلس.
وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر فرفع إلى الإمام فلم يقوم عليه لعسره، ثم أيسر بعد ذلك فاشترى حصة شريكه، لم يعتق عليه.
__________
(1) انظر: المدونة (8/300)، والتاج والإكليل (6/338)، ومواهب الجليل (6/338).

ولو رفع ذلك إلى الإمام فلم يقوّم عليه ولا نظر في أمره حتى أيسر، لقوّم عليه.
2025- وإذا أعتق أحد الشريكين وشريكه غائب، فإن كانت غيبته قريبة لا ضرر على العبد فيها كتب إليه فإما اعتق أو قوم، وإن بعدت غيبته قومناه على المعتق إن كان مليئاً ولم ينتظر قدومه.
2026 - ومن أعتق شقصاً من عبد يملك جميعه أو بعض أم ولده عتق عليه باقيهما.
2027 - ومن أعتق نصف عبد ثم فُقد السيد، لم أعتق باقيه في ماله وأوقفت ما رُقّ منه، كإيقافي لماله إلى أمد لا يحيى إلى مثله، فيكون لوارثيه يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبيل ذلك فيكون لوارثيه يوم صحة موته.
2028 - وإذا أعتق المريض شقصاً له في عبد أو نصف عبد يملك جميعه، فإن كان ماله مأموناً عتق عليه الآن جميعه وغرم قيمة نصيب شريكه، وإن كان ماله غير مأمون لم يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه غلا بعد موته فيعتق جميعه في ثلثه، ويغرم قيمة نصيب شريكه، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورُق ما بقي، فإن عاش لزمه عتق بقيته. ولو أوصى المريض بعتق نصيبه بعد الموت لم يقوم عليه نصيب صاحبه كان ماله مأموناً أو غير مأمون.
ولو بتل في مرضه عتق عبده كله وماله مأمون عجل عتقه وتمت حريته في جميع أحكام الأحرار من الموارثة والشهادة وغيرها، وإن لم يكن ماله مأموناً وكان يخرج من الثلث، لم يعجل عتقه ووقف وكان له حرمة العبد حتى يعتق بعد موت سيده في ثلثه، وليس المال المأمون عند مالك إلا في الدور والأرضين والنخل والعقار.
ولمالك قول ثان في المبتل في المرض، أن حكمه حكم العبد حتى يعتق بعد الموت في الثلث، وقد رجع عنه مالك إلى ما وصفنا. وإذا أعتق المريض عبده جاز ذلك على ورثته إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورق ما بقي.

2029 - وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر أو كان موسراً فلم يقوّم عليه حتى مات العبد عن مال، فالمال للمتمسك بالرق دون المعتق ودون ورثة العبد الأحرار، لأنه [يحكم عليه] بحكم الأرقاء حتى يعتق جميعه، ولا تقوم بقية العبد بعد موته على المعتق وإن كان مليئاً.(1)
2030 - وإن مات العبد وترك مالاً ولرجل فيه الثلث ولآخر فيه السدس ونصفه حر، فالمال بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق، وإن كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه، وكاتبه الثاني وتمسك الثالث بالرق، فمات العبد فميراثه بين الذي تمسك بالرق، وبين الذي كاتب على أن يرد ما كان أخذ من كتابته قبل موته، وقاله ربيعة ومالك.
2031 - وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من العبد إلى أجل، قوم عليه الآن ولم يعتق عليه حتى يحل الأجل، وقال غيره: إن شاء تعجل القيمة أو أخرها.
2032 - قال ابن القاسم: وإن مات العبد عن مال قبل التقويم، أو قتل، فقيمته وما ترك من المال بينهما، لأن عتق النصف لم يتم حتى يمضي الأجل.
وإن أعتق أحد الشريكين جنين أمة بينهما وهو موسر، قوم عليه بعد أن تضعه، وإن ضرب رجل بطنها فألقته ففيه ما في جنين الأمة، وما أخذ فيه فبينهما دون أخوته الأحرار، إذ لا تتم حريته إلا بالوضع.
2033 - ومن أعتق ما في بطن أمته في صحته، فولدت في مرضه، أو بعد موته، فذلك من رأس المال، كمعتق إلى أجل حلّ حينئذ، بخلاف الحانث في مرضه بيمين عقدها في صحته.
__________
(1) انظر: مختصر خليل (278)، والتقييد (3/73).

ومن اشترى نصف ابنه أو نصف من يعتق عليه من رجل يملكه جميعه أو كان لرجلين، فاشترى نصفه بإذن من له بقيته أو بغير إذنه، أو قبله من واهب أو موص أو متصدق، أو ملكه بأمر لو شاء أن يدفعه عن نفسه فعل، فإن هذا يعتق عليه ما ملك منه ويقوم عليه بقيته إن كان مليئاً، وإن كان معسراً لم يعتق منه إلا ما ملك ويبقى باقيه رقيقاً على حاله يخدم مسترق باقيه بقدر ما رق منه ويعمل لنفسه بقدر ما عتق منه، ويوقف ماله في يديه، وكذلك إن ابتعت أنت وأجنبي أباك في صفقة، جاز البيع، وعتق عليك وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه.
وأما من ورث شقصاً ممن يعتق عليه فلا يعتق منه إلا ما ورث فقط ولا يقوم عليه باقيه، وغن كان مليئاً، لأنه لا يقدر على دفع الميراث.
2034 - ومن وهب لصغير أخاه فقبله أبوه، جاز ذلك وعتق على الابن، ومن أوصى لصغير بشقص ممن يعتق عليه أو ورثه فقبل ذلك أبوه أو وصيه، فإنما يعتق ذلك الشقص فقط، ولا يقوم على الصبي بقيته ولا على الأب الذي قبله ولا على الوصي. وغن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي فهو حر على الصبي. وكل من جاز بيعه وشراؤه على الصبي، فقبوله له الهبة جائز، وكذلك في الأب والوصي.(1)
وإذا ملك العبد المأذون له من أقاربه من يعتق على الحر، لم يبعهم إلا بإذن السيد، وهو لا يبيع أم ولده إلا بإذنه.
وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له.
وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له.
وإذا اشترى المأذون له من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عتقوا عليه والعبد لا يعلم بهم، فإنهم يعتقون، إلا أن يكون على المأذون دين يغترقهم.
* * *

(كتاب العتق الثاني)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/196)، والتاج والإكليل (6/26).

2035- قال مالك: ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد وإن سفلوا، وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب أو الأم وإن بعدوا، وإخوته دنيا لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله.
قال ابن شهاب: فإن مات قبل عتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم.
قال مالك - رحمه الله - : ولا يعتق عليه غير هؤلاء من ذوي الأرحام ممن يحرم أو لا يحرم، ولا ممن يحرم بالصهر أو بالرضاع ويبيعهم إن شاء، ولا يعتق عليه عم ولا عمة ولا أبناؤهم ولا خال ولا خالة، ولا بنو أخ ولا بنو أخت، ولا أمة كان تزوجها فولدت منه ثم اشتراها بعدما ولدت، وأما إن اشتراها وهي حامل منه فوضعت عنده بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر، كانت به أم ولد.
2036 - قال المشيخة السبعة: إذا ملك الوالد ولده أو ملك الولد والده عتق عليه، وما سوى ذلك من القرابة فيختلف الناس فيه.
2037 - قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه بالخيار له أو للبائع، لم يعتق عليه إلا بعد زوال الخيار، لأن البيع لا يتم بينهما إلا عبد الخيار. وإذا كان الخيار للبائع فهو أبين، وكل سواء.
وعمة أمك محرمة عليك، لأنها أخت جدك لأمك، وأجدادك لأمك لو كانوا نساء كن محرمات عليك، وكذلك أخواتهم، وجداتك لأمك وأخواتهن محرمات عليك بمنزلة خالاتك، وإنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا.
2038 - وإذا اشترى عبد غير مأذون له من يعتق على سيده لم يجز له شراؤه بغير إذن السيد بخلاف المأذون، ولا يجوز للأب أن يشتري بمال ابنه لابنه من يعتق على الابن ولا يتلف مال ابنه.
2039 - وإن أعنت رجلاً بمال في شرائه [به] أباك، لم يعتق عليه ولا عليك، ويبقى رقاً لمشتريه.

2040 - ومن قال لعبده: أنت حر إذا قدم أبي، فذلك يلزمه، ولا يعتق عليه حتى يقدم أبوه. قال مالك - رحمه الله - : ويوقف لينظر أيقدم أبوه أم لا، وكان يُمرّض في بيعه. وأجاز ابن القاسم بيعه ووطأها إن كانت أمة، وقال: هي في هذا كالحرة يقول لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فله وطؤها ولا تطلق عليه حتى يقدم فلان. وأما من أعتق إلى أجل آت لا بد منه، كقوله لأمته: أنت حرة على شهر أو إلى سنة أو إذا مات فلان أو إذا حضت، فهو ممنوع من الوطء والبيع، وله أن ينتفع بغير ذلك حتى يحل الأجل فتعتق، ولا يلحقها دين، وهي إن مات حرة من رأس ماله بعد أن يخدم الورثة بقية الأجل، بخلاف المدبرة، لأن المدبرة توطأ ويلحقها الدين.
2041 - ومن قال لأمة يطؤها: إذا حملت فأنت حرة، فله وطؤها في كل طهر مرة، قال يحيى بن سعيد وغيره: لا يطأ التي أعتق إلى أجل أو التي وهب خدمتها إلى أجل.
2042 - ومن قال لعبده: إن جئتني، أو متى ما جئتني، أو متى بما] أديت إلي، [أو إذا أديت غلي]، [أو إن أديت إلي] ألف درهم، فأنت حر، فإنه إذا أتى بألف درهم أعتق، وإن لم يأت بها فهو عبد، ويتلوم له فيها، ولا ينجم عليه، وليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان له بقدر ما يرى، كمن قاطع عبده على مال إلى أجل فمضى الأجل قبل أن يؤديه فيتلوم له الإمام، وإن دفع الألف درهم عن العبد رجل أجنبي، جبر السيد على أخذها وأعتق العبد. ولو دفع العبد ذلك إلى السيد من مال كان بيد العبد فقال السيد: ذلك المال لي، فليس له ذلك، لأن العبد ههنا كالمكاتب يتبعه ماله، ويمنع السيد من كسبه أيضاً.

2043 - ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ولدين في بطن واحد، عتق أولهما خروجاً، فإن خرج الأول ميتاً فلا عتق للثاني. وقال ابن شهاب: يعتق الثاني، إذ لا يقع على الميت عتق. وقال النخعي: من قال لأمته: إن ولدت غلاماً فأنت حرة، فولدت غلامين فالأول رقيق، وهي والآخر حران، وإن كان الأول جارية فهي حرة دون الولدين. وقال ابن شهاب: وإن قال: أول بطن تضعينه حر، فوضعت توأمين فهما حران.
2044 - ومن قال لأمته في صحته: كل ولد تلدينه حر، لزمه عتق ما ولدت.
واستثقل مالك بيعها، وقال: كيف لها بوعده، وأنا أرى بيعها جائز، إلا أن تكون حاملاً حين قال ذلك أو حملت بعد قوله، أو يقول: ما في بطنك حر، أو إذا وضعتيه فهو حر، فإن الأم لا تباع حتى تضع، إلا أن يرهقه دين فتباع [فيه] ويرق الجنين.
ولو ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولا دين على السيد، وقد أشهد على قوله في صحته عتق من رأس المال، لأنه كمعتق إلى أجل، هذا إذا كان الحمل في الصحة، وأما إن حملت به في مرض السيد فولدته في مرضه أو بعد موته فهو من الثلث، لأن المريض إذا أعتق على أجل فإنما هو من الثلث، والأول كمعتق في صحته إلى أجل فهو من راس المال كمنت قال لعبده في صحته، إذا وضعت فلانة فأنت حر، فوضعت والسيد مريض أو بعد موته، فإن العبد حر من رأس المال.

2045 - وإن أعتق ما في بطن أمته أو دبره وهي حامل يومئذ فما أتت به من ذلك الحمل إلى أقصى حمل النساء فحر أو مدبر، ولو كان لها زوج ولا يعلم أن بها حملاً يوم عتقه، فلا يعتق ههنا إلا ما وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم العتق، كالمواريث إذا مات رجل فولدت أمه بعد موته من غير أبيه ولداً فهو أخوه لأمه، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم موته لم يرثه، وإن كان لأقل ورث، ولو كانت الأمة وقت العتق ظاهرة الحمل [من زوج] أو غيره، عُتق ما أتت به ما بينها وبين أربع سنين. وقال غيره: إن كان الزوج مرسلاً عليها وليست بينة الحمل، نظرت إلى حد ستة أشهر، وغن كان غائباً أو ميتاً نظرت، فما ولدته إلى أقصى حمل النساء فهو حر، وقال أشهب: لا يسترق الولد بالشك.
والتي يعتق ما في بطنها في صحة السيد لا تباع وهي حامل، إلا في قيام [الغرماء] بدين استحدثه قبل عتقه أو بعده، فتباع إذا لم يكن له غيرها، ويرق جنينها، إذ لا يجوز استثناؤه، فأما إن قام الغرماء بعد الوضع فانظر فإن كان الدين بعد العتق أعتق الولد من رأس المال ولدته في مرض السيد أو بعد موته، وتباع الأم وحدها في الدين ولا يفارقها، وإن كان الدين قبل العتق بيع الولد للغرماء إن لم تف الأم بدينهم، ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتاً ففيه عقل جنين أمة، بخلاف جنين أم الولد من سيدها تلك، في جنينها عقل جنين الحرة، لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع، وجنين أم الولد حر حين حملت به.
2046- ومن أعتق أمة حاملاً أعتق جنينها، وإن لم يذكره ولا مرد له فيه. قال ربيعة: ولو استثناه كان حراً، ولم ينفعه [استثناؤه]. قيل: فمن وهب ما في بطن أمته لرجل أو تصدق به عليه أو أوصى له به ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل آخر أو أعتقها هو أو وارثه بعد موته؟ قال: فالعتق أحق، ويعتق جنينها وتسقط هبته وغيرها.(1)
__________
(1) انظر: التقييد (3/77، 78)، ومنح الجليل لعليش (9/450، 452).

2047- وإن وهب عبداً أو تصدق به على رجل أو أخدمه إياه حياته ثم أعتقه المعطي قبل حوز المعطى جاز العتق وبطل ما سواه، علم المعطى بالهبة والصدقة أو لم يعلم، ولو وهبه لغيره أو تصدق به فالأول أحق به وإن حازه الآخر، إلا أن يموت الواهب قبل قيام الأول فيبطل حقه ويصح قبض الثاني. وقال أشهب: بل الثاني أحق إذا حاز، وإن لم يمت الواهب.
2048 - ومن وهب عبداً أو تصدق به فقتل العبد قبل الحوز، فقيمته للمعطى وماله للمعطي، إلا أن يكون أدخل ماله معه في الهبة وشرطه، فيكون أيضاً للمعطي كالبيع.
2049 - ومن أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً ثم امتنعت، فهي حرة، ولا يلزمها النكاح إلا أن تشاء، وكذلك إن قال رجل لرجل: خذ ألف درهم على أن تعتق أمتك وتزوجنيها، فأعتقها، فهي حرة، ولها أن لا تنكحه، والألف لازمة للرجل.
2050 - وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه.(1) ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقاً ولا الصبي.
2051 - ومن حلف بعتق عبيده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء عليه.
2052 - وإن قال صبي: كل مملوك حر إذا احتملت، فاحتلم فلا شيء عليه.
ولا يجوز على المكره عتق ولا بيع ولا شراء ولا وصية ولا نكاح ولا طلاق ولا شيء من الأشياء، وإكراه السلطان وغيره سواء، والتهديد بالقتل أو بالضرب والتخويف الذي لا شك فيه إكراه، والضرب إكراه، والسجن إكراه، وإكراه الزوج زوجته إكراه بضرب أو بضرر، وإن افتدت منه بشيء [على ذلك] رده.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/326).

2053 - وإن دفع العبد مالاً لرجل وقال له: اشترني لنفسك، أو دفعه إليه على أن يشتريه ويعتقه ففعل الرجل ذلك، فالبيع لازم، فإن كان المشتري استثنى مال العبد، لم يغرم الثمن ثانية، [وإن يستثنه فليغرم الثمن ثانية] للبائع ويعتق الذي اشترط العتق. ولا يتبعه الرجل بشيء ويرق له الآخر، وإن لم يكن للمشتري مال بيع الرقيق عليه في الثمن، وكذلك يباع العتيق في ثمنه إلا أن يفي بيع بعضه بالثمن، فيعتق بقيته، ولو بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كان في ذمة الرجل.
2054 - وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسداً فقد تم عتقه ولا يرده، ولا يتبعه السيد بقيمته ولا بغيرها، بخلاف شراء غيره إياه، إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير، فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: هو حر ولا شيء عليه.
2055 - وإن باعه من أجنبي بخمر أو خنزير أو بما لا يحل له فأعتقه المبتاع، جاز عتقه ولم يرد، ولزم المبتاع قيمته يوم قبضه.
2056 - ومن قال لعبده: أنت حر الساعة بتلاً وعليك مائة دينار إلى أجل كذا، فقال مالك وأشهب: هو حر الساعة ويتبع بالمائة أحب أم كره، وقال ابن القاسم: هو حر ولا يتبع بشيء. وقاله ابن المسيب.(1)
2057 - قال مالك: وإن قال له: أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار، لم يعتق غلا بأدائها. قال ابن القاسم: وللعبد أن لا يقبل ذلك ويبقى رقيقاً، ذكر السيد أجلاً للمال أو لا. ولو قال: على أن تدفع [إلي] مائة دينار إلى سنة، فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل: حر الساعة، ولا أراد ذلك، لم يعتق [العبد] إلا بالأداء عند الأجل، ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رُقّ. وقوله: إن جئتني بكذا إلى أجل كذا فأنت حر، من القطاعة، ومن ناحية الكتابة، ويتلوم له كالمكاتب، وليس له بيعه.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/406)، التاج والإكليل (6/353)، ومواهب الجليل (6/353)، والمدونة (7/211).

2058 - ومن قال لأمته: إن أديت إلي ألف درهم إلى عشر سنين فأنت حرة، فما ولدت في هذه المدة فبمنزلتها، إن أدت فعتقت عتقوا معها، وكذلك إن لم يضرب أجلاً فولدته ثم أدت الألف، فولدها حر معها، لأن مالكاً قال: كل شرط كان في أمة فما ولدت [من ولد] بعد الشرط أو كانت حاملاً به يوم شرط لها ذلك، فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها، وكذلك إن قال: أنت حرة إن لم أفعل كذا إلى أجل كذا، فتلد قبل الأجل، فهو بمنزلتها إذا عتقت وليس له بيعها ولا بيع ولدها.
2059 - وإن قال لعبده: إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر، فمضى اليوم ولم يؤد شيئاً فلا بد من التلوم به، وإن قال له: إن أديت إلي كذا فأنت حر، فأدى بعضه أو لم يؤد بعضه أو لم يؤد شيئاً، ثم وضع عنه السيد ما عليه عتق مكانه، كالمكاتب يضع عنه السيد كتابته.
2060 - وإن قال له: إن أديت إلى ورثتين أو إذا أديت، [أو أد إليهم] [مائة دينار]، وأنت حر، ثم مات، فإن حمله الثلث وأدى المائة عتق، ويتلوم له الإمام في الأداء على قدر ما يرى توزيعه عليه كالموصي إن كاتب عبده ولا سمى ما يكاتب به، أن الإمام يجتهد له في قدر ما يكاتب به وينجه عليه على قدر ما يرى انه أراد من إرفاقه، فإن تلوم له وأيس منه أبطل الوصية، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ما قال الميت، أو ابتال محمل الثلث منه الساعة.

2061 - ومن أعتق عبده أو أمته ثم جحد العتق، فاشتغل واستخدم ووطئ الأمة زماناً، ثم قامت عليه بالعتق بينة وهو يجحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم عليه بالعتق، وإن أقر بذلك ولم ينزع فليرد الغلة على العبد ويعطيه قيمة خدمته ويحد في وطئه الأمة، كمن ابتاع حرة وهو يعلم بها فأقر بوطئها ولم ينزع، فإنه يحد ويغرم الصداق. [وقد] قال مالك فيمن حلف في سفره بعتق عبده إن فعل كذا ثم قدم المدينة ففعله وحنث، ثم استغل العبد ثم مات فكاتبه ورثته وقبضوا بعض النجوم وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم، ثم قدمت بعد ذلك بينة علمت بيمينه فإنه يقضى بعتق العبد الآن ولا رجوع له بغلة ولا كتابة.
2062 - قال ابن القاسم: وكذلك إن جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك وهو جاحد، فلا شيء عليه، وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين بخلاف السيد.
وقال غيره: إذا جحد السيد العتق فأثبت عليه ببينة، فعلى السيد رد الغلة إليه وله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح له أو عليه مع الأجنبي أو مع السيد، ذلك سواء.
2063- ومن أعتق عبداً من الغنيمة وله فيها نصيب، لم يجز عتقه، وإن وطئ منها أمة حد، أو سرق منها بعد أن يحرز قطع، وقال غيره: لا يحد للزنا ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم، لأن حقه فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال، لأنه لا يورث عنه.

2064 - وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه، قضي عليه بعتقه، لأنه حكم بين مسلم وذمي. وفي كتاب المدبر ذكر مدبر الذمي يسلم، ولو دخل إلينا حربي بأمان فكاتب عبداً له نصرانياً ثم أراد أن يرده إلى الرق أو يبيعه، فذلك له إلا أن يرضى أن يحكم عليه بحكم الإسلام، فيحكم عليه بحريته، وكذلك إن أعتق نصفه، وبقيته له أو لغيره فلا يقضى عليه بالعتق ولا يقوم عليه حصة شريكه، وكذلك لو كاتب عبده أودبره ثم اراد بيعه لم يمنع، إلا أن يسلم العبد، وهو بيده فيؤاجر المدبر وتباع كتابة المكاتب. قيل له: فإن بتل النصراني عتق عبده النصراني [أو دبه] أو حلف بذلك ثم أسلم فحنث؟ قال: إن حنث في يمينه بذلك في نصرانيته ثم أسلم أو حنث بعد إسلامه، فلا شيء عليه، [وكذلك] جميع أيمانه.
2065 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين ثم هو حر، ثم استدان السيد قبل أن يقبضه المخدم فالغرماء أحق بالخدمة ويؤاجر لهم، وإن لم يقم الغرماء حتى بتل الخدمة للذي جعل بها له فلا سبيل للغرماء على الخدمة، والعتق في الوجهين نافذ إلى أجله، لا سبيل للغرماء عليه، وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب هبة أو أعطى عطية فلم يبتلها للمعطي حتى لحقه دين، كان الغرماء أولى بذلك.
2066 - ومن اعتق عبده وللعبد على السيد دين، فله أن يرجع به على سيده إلا أن يستثنيه السيد [أو يستثني ماله مجملاً، فيكون ذلك له، لأن العبد إذا أعتق تبعه ماله]. قال ربيعة: علم السيد بمال العبد أو جهله، إلا أن يستثنيه سيده. قال أبو الزناد: وتتبع العبد سريته كان أولدها بإذن السيد أو بغير إذنه، وأما ولدها منه فرق للسيد، وإذا كان بعض العبد حر، فليس لمن ملك بقيته أن ينتزع ماله وهو موقوف بيده وله بيع حصته، ويحل المبتاع في مال العبد محل البائع، فإن عتق العبد يوماً ما تبعه ماله، وإن مات كان ماله للمتمسك بالرق خاصة، دون الذي أعتق، لأنه لا يورث بالحرية حتى تتم حريته.

2067 - ومن مثل بعبده أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم ولده، عتقوا عليه.(1)
وكذلك إن مثّل بعبد لابنه الصغير فإنه يعتق عليه إن كان ملياً، ويغرم قيمته للابن، فإن قطع أنملة من أصبع عبده عمداً أو حرق شيئاً من جسده بالنار على وجه العذاب أو أخصاه، قال ربيعة: أو قطع حاجبيه، قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالبرد أو قلعهما على وجه العذاب، فهي مثلة يعتق بها.
[وكذلك] قال مالك في امرأة كوت فرج أمها بالنار، فإن كان على وجه العذاب فانتشر وساءت منظرته عتقت عليها، وإن لم يتفاحش [ولم] تقبح منظرته، لم تعتق، وكذلك إن كوى عبده مداوياً أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة أو فقء عين، فلا يعتق به، وإنما يعتق بما تعمده به.
قال ربيعة: يعتق بالمثلة المشهورة. وقال يحيى بن سعيد: ويعاقب من فعل ذلك.
2068 - قال ابن القاسم: وإن جز رؤوس عبيده ولحاهم، فليس بمثلة، وإن مثل بمكاتبه عتق عليه، وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه، فيكون عليه من ذلك ما يكون على الأجنبي، ويقاص بالأرش في الكتابة، فإن ساواها عتق، وإن أنافت عليه الكتابة عتق، ولا يتبع ببقيتها، وإن أناف الأرش عليها أتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق عليه، وإن مثل بعبد مكاتبه عتق عليه وكان عليه ما نقصه إلا أن تكون مثله مفسدة، فإنه يضمنه ويعتق عليه. وكذلك في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده.
2069 - ومن أجر أو أخدم عبده سنة ثم أعتقه قبل السنة، لم يعتقعليه حتى تمضي السة، وإن مات السيد قبل السنة لم تنتقض الإجارة والخدمة بموته، ويعتق العبد بعد السنة من رأس ماله، إلا أن يترك المستأجر أو المخدم للعبد بقية الخدمة، فيعجل عتقه.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/167)، والتاج والإكليل (6/335)، ومواهب الجليل (6/336)، والمدونة (7/218)، الكافي لابن عبد البر (1/511).

2070 - ومن حاز صغيراً حيازة الملك وعرفت حيازته له وخدمته إياه ثم كبر فادعى الحريةن فلا قول له. وكذلك إن ادعى الحرية في صغره وقد تقدم له فيه حوز [وخدمة]، فهو له عبد، وإن كان إنما هو متعلق به ولم يعلم له فيه حوز، فالصبي مصدق.
2071 - ومن بيده عبد يدعيه فقال العبد: أنا لفلان، فهو لحائزه دون فلان، وكذلك إنأقر العبد بثوب بيده أنه لفلان، لم يصدق، وهو لرب العبد إن ادعاه، لأن حوز عبده كحوزه، إلا أن يقيم فلان بينة.
ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلّفه، وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه، وكذلك من أعتق عبده ثم قضى على السيد بدين تقدم العتق بشاهد ويمين، فذلك يرد به العتق.
2072 - [ومن] ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة شهدت أنه عبده، أحلفه القاضي بالله أنه ما باع، ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ومن ادعى بيد رجل عبداً أو حيواناً أو عرضاً بعينه، وذلك كله غائب وأتى ببينة تشهد أن ذلك له، فإن وصفت البينة ذلك وعرفته وحلته، سمعت البينة وقضيت له به.
2073 - ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده، فلا شيء له عليه إلا أن يقيم بينة أنه غصبه، لأن الرجل يقول: اشتريت من سوق المسلمين، فلا شيء عليه.
وإذا بلغ اللقيط فأقر بالملك لرجل لم يصدق وهو حر، وإن قال ملتقطه: إنه عبدي، لم يصدق إلا ببينة وهو حر.
قال عمر بن عبد العزيز: اللقيط حر ونفقته من بيت المال.
2074 - وإذا شهد وارثان أن الميت كان قد أعتق هذا العبد، فإن كان معهما في الورثة نساء والعبد يُرغب في ولائه، لم تجز شهادتهما، وإن لم يكن في الورثة نساء وكانوا رجالاً كلهم يرثون ولاءه، جازت شهادتهما، وإن كان عبداً لا يُرغب في ولائه جازت الشهادة، كان [في] الورثة نساء أم لا.

2075- وإن شهد أحد الورثة أو أقر أن أباه كان أعتق هذا العبد في صحته أو في مرضه، والثلث يحمله، وأنكر ذلك بقيتهم، لم تجز شهادته ولا إقراره ولا يقوم عليه، إذ ليس هو المعتق فيلزمه التقويم وجميع العبد رقيق.
2076- ويستحب للمدبر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها ويكون ولاؤها لأبيه ولا يجبر على ذلك، وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة، فإن لم يجد ففي آخر نجوم مكاتب، وكذلك في إقرار غير الولد من سائر الورثة.
2077 - ولو ترك الميت عبيداً سواه فقال الورثة: لا نبيع ولكن نقسم، فذلك الذي ينبغي إن انقسم العبيد، فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه عتق كله بالقضاء، وكذلك لو اشترى عبداً ردت شهادته في عتقه أو ورثه عتق عليه.
2078 - وإن ترك الميت عبيداً سواه وترك ابنين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا، وقال الآخر: بل هذا، قسمت العبيد أيضاً، فمن وقع في سهمه العبد الذي أقر بعتقه عتق عليه ما حمل الثلث منه، وإن لم يقع له فليخرج مقدار نصف ذلك العبد إذا كان ثلث الميت يحمله فيجعل ذلك في رقبة أو يعين به فيها ولم يأمره هاهنا بالبيع لانقسام العبيد، وأما ما لا ينقسم فعلى ما ذكرنا في العبد الواحد.
2079 - قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد: أعتقته أمس على مال وقال العبد على غير مال، فالقول قول العبد، ويُحلّف كما تحلف الزوجة للزوج.
قال أشهب: القول قول السيد ويحلف، لأني أقول: لو قال لعبده: أنت حر وعليك مائة دينار، لزمته، ولو قال لزوجته: أنت طالق وعليك مائة دينار كانت طالقاً ولا شيء عليها.

[ومن] أقر في مرضه أنه كان أعتق عبده في مرضه ذلك فهو من ثلثه لأن ذلك وصية، ومن أقر في مرضه أنه كان فعله في صحته، فلم يقم عليه المقر لهم حتى مرض أو مات، فلا شيء لهم، وإن كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إن قامت عليه بينة بعد موته أنه أقر بذلك في صحته لزمه العتق في رأس ماله، وأخذت الكفالة من ماله، كانت لوارث أو لغير وارث، لأنه دين قد ثبت في ماله في الصحة.
2080 - قال ابن القاسم: وإن شهد رجل أن شريكه في العبد أعتق حصته والشاهد موسر أو معسر، فإن المعتق إن كان موسراً فنصيب الشاهد حر، لأنه أقر أن ماله على المعتق قيمة، وإن كان معسراً لم يعتق من العبد شيء. وقال غيره: ذلك سواء ولا يعتق منه شيء. قال سحنون: وهذا أجود، وعليه جماعة الرواة، وقاله عبد الرحمن أيضاً.
وإن شهد رجلان أن فلاناً أعتق عبده فأعتقه السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما لم يرد الحكم، وضمنا قيمته للسيد، ولو ردت شهادتهما ثم اشتراه أحدها عتق عليه، قال أشهب: هذا إن أقام على قوله بعد الشراء، وأما إن جحد وقال: كنت كاذباً، لم يعتق عليه.
2081 - وإن ادعى عبد على سيده أنه أعتقه، فلا يمين له عليه، وكذلك إن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، وإن قام شاهد عدل للزوجة بالطلاق أو للأمة بالعتق، أو شهدت بذلك امرأتان ممن تقبلان في الحقوق للزوجة والأمة، مثل أن لا يكونا من الأمهات أو البنات أو الأخوات أو الجدات أو العمات أو الخالات، أو من هو منها بظنة، وهذا بخلاف غيره من الحقوق، فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة مع الشاهد ولا مع المرأتين، ولكن يحلف الزوج والسيد، ويوقف الزوج عن امرأته، والسيد عن عبده [وأمته] حتى يحلف.
قال [مالك:] فإن نكل [لزمه] الطلاق والعتق، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف.
قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إلي. وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلى سبيله ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. وإن شهدت بذلك للمرأة أختها وأجنبية لم تجز الشهادة.

2083 - وإن أقام العبد بعد موت سيده شاهداً أنه أعتقه لم يحلف مع شاهد، وكان رقيقاً، وعلى كل كبير من الورثة اليمين أنه ما علم أن الميت أعتقه.
وإن شهد للأمة بالعتق زوجها [ورجل] أجنبي، لم تجز الشهادة.
2084 - وإن شهد شاهد لعبد أن سيده بتله في الصحة وشهد آخر أنه دبره فقد اختلفا، ولا تجوز شهادتهما. قال غيره: لأن هذا صرفه إلى الثلث، وهذا إلى رأس المال، ويحلف السيد مع كل واحد منهما فإن نكل سجن.
وإن قال أحدهما: أعتقه بتلاً، وقال الآخر: إلى أجل، فقد اتفقا في العتق، ويحلف السيد مع شاهد البتل، فإن أقرّ عجل عتق العبد، وإن حلف عتق [العبد] إلى الأجل، وإن نكل عن اليمين سجن، وإن شهد شاهد أن هذا الميت عبد فلان وأنه أعتقه، وشهد آخر أنه عبده وأنه كاتبه، فشهادتهما جائزة على إثبات الرق، لأنهما اجتمعا عليه.
وما اختلف فيه من الكتابة والعتق، لم تجز شهادتهما فيه. وإن شهدت بينة أن هذا عبد فلان أعتقه وشهدت بينة أخرى أنه لفلان رجل آخر [ملكاً] وتكافأ، قضيت بحريته، لأن العتق حيازة إلا أن يأتي الآخر بما هو أثبت. قال غيره: وهذا إذا لم يكن العبد في حوز أحدهما. وقال ابن القاسم: بل لو كان في حوز من شهد له بالملك فقط لقضيت بحريته، لأنه عبد قامت له بينة أنه حر، وأما لو قامت بينة الذي ليس هو في يديه أنه عبده كاتبه أو دبره، لقضي لحائزه بملكه وبطل ما سوى ذلك. قال غيره: هو [لمن هو] في يديه في ذلك كله، إذ لا يصح عتق حتى يثبت الملك، وإذ لو أقام كل واحد منهما بينة أنه وُلد عنده [وتكافأ لقضيت به لحائزه، وتسقط بينة المدعي إذ لم يثبت له ملكه، ولا عتق إلا بعد ثبات الملك. أرأيت لو قالوا: ولد عنده] وأعتقه، أكان العتق يوجب له ما لم يملك. أرأيت لو شهدت بينة الحائز أنه يملكه منذ سنة وشهدت بينة المدعي أنه يملكه منذ عشرة أشهر، وأنه أعتقه، أكان العتق يوجب له الملك.(1)
* * *
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/224)، والتقييد (3/91).

(كتاب التدبير)
2085 - والتدبير لازم لموجبه على نفسه في يمين، أو بغير يمين، فمن قال: إن اشتريت هذاالعبد فهو مدبر فابتاع بعضه فذلك البعض مدبر ولشريكه أن يقاويه.
قال [سحنون]: أو يقوم عليه أو يتماسك، لأنه يقول: لا أخرج عبدي من يدي إلى غير عتق ناجز. قيل: فمن قال في صحته لعبده: أنت حر يوم أموت، قال: قال مالك فيمن قال في صخته لعبده: أنت حر بعد موتي، [فأراد بيعه] أنه يسأل فإن أراد وجه الوصية صدق وباعه أو رجع عن ذلك إن شاء، وإن أراد التدبير صدق ومنع من بيعه. قال ابن القاسم: وهي وصية أبداً حتى يتبين أنه أراد التدبير. وقال أشهب: إن قال هذا في غير إحداث وصية لسفر أو مما جاء أنه لا ينبغي لحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة، فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته.
وإن قال له: أنت حر بعد موتي وموت فلان، فهو من الثلث، وكأنه قال: إن مات فلان فأنت حر بعد موتي، وإن مت أنا فأنت حر بعد موته، [وقاله أشهب: ولو قال له: إن كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي]، فكلمه، لزمه ما أوجب على نفسه بعد الموت وعتق بعد موته من ثلثه، وصار ذلك شبيهاً بالتدبير، وإن قال له: أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فهو من الثلث ويلحقه الدين.(1)
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/298)، وحاشية الدسوقي (4/381، 382، 388)، والتاج والإكليل (6/445)، الفواكه الدواني (2/136)، الشرح الكبير (4/381، 382، 871)، والتمهيد (14/310)، والمدونة (8/295).

2086 - ومن مات وترك مدبرين فإن كان دبّر واحداً بعد واحد في صحة أو مرض، أو دبر في مرض، ثم صح فدبر، ثم مرض فدبر، فذلك سواء، ويبدا الأول فالأول إلى مبلغ الثلث، فإن بقي أحد منهم رق، ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض، عتق جميعهم إن حملهم الثلث وإن لم يحملهم الثلث، لم يبدّ أحد منهم على صاحبه، ولكن يفضّ الثلث على جميعهم بالقيمة، فيعتق من كل واحد حصته منه. وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد [منهم] ولا يسهم بينهم، بخلاف المبتلين في المرض، ويبدّى المدبر في الصحة على المبتل في المرض، ويعتق المدبر في الثلث أو ما حمل منه، فإن لم يدع غيره عتق ثلثه. وإن كان على السيد دين لا يغترقه بيع منه للدين ثم عتق ثلث بقيته، وإن اغترقه الدين رق، فإن بيع فيه ثم طرأ مال للميت نقض البيع وعتق في ثلثه.
2087 - وما هلك من التركة قبل تقويم المدبر لم يحسب، وكأنه لم يكن، ولو لم يبق إلا المدبر لم يعتق إلا ثلثه.
وللمدبر حكم الأرقاء في حرمته وحدوده، وإن مات السيد حتى يعتق في الثلث، وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم الموت.
2088 - وما ولدت المدبرة أو ولد للمدبر من أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعده فبمنزلتها، والمحاصة بين الآباء والأبناء في الثلث، ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير قرعة. وإن دبر حاملاً فولدها مدبر بمنزلتها.
وما ولدت أم الولد من غير السيد أو معتقة إلى سنين أو مخدمة إلى سنين، وليس فيها عتق، فولدها بمنزلتها، وولد المعتق إلى أجل من أمته بمنزلته، وما ولدت الموصى بعتقها أو وُلد للموصى بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهم رقيق. وما ولد لهم بعد موته فبمنزلتهم يعتق من جميعهم محمل الثلث.

قال ابن وهب عن مالك في عبد دبره سيده، ثم توفي ولم يدع غيره فعتق ثلثه، ثم وقع العبد على جارية فولدت أولاداً ثم توفي العبد وترك مالاً كثيراً، أو لم يترك شيئاً، قال: يعتق من ولده مثل ما عتق منه، ويرق باقيهم ويخدمون مسترق باقيهم بقدر الذي رق منهم.
2089 - وعقل المدبرة وعملها وغلتها لسيدها، وأما مهرها ومالها ما كسبت منه قبل التدبير أو بعده، فهو موقوف بيدها، وللسيد انتزاعه، وانتزاع مال أم الولد مدبرة ما لم يمرض، فإذا مرض لم يكن له ذلك، كما له انتزاع مال المعتق إلى أجل، ما لم يقرب الأجل، فإذا قرب لم يكن له ذلك، فغن لم ينتزع السيد مال المدبرة حتى مات، قوّمت في الثلث بمالها، فإن حمل الثلث بعضها أُقر المال كله بيدها.
2090 - [قال مالك:] وإن دبر أجد الشريكين أمة بينهما تقاوياها، فإن صارت لمن دبر كان جميعها مدبراً، وإن صارت للذي لم يدبر كانت رقيقاً كلها، إلا أن يشاء الذي لم يدبر أن يسلمها إلى الذي دبر، ويتبعه بنصف قيمتها فذلك له.
وإن كان عبد بين ثلاثة فدبر أحدهم نصيبه ثم أعتق آخر وتماسك الثالث، فإن كان المعتق مليئاً قوم عليه حظ شركائه بالرق، وعتق عليه جميعه، وإن كان المعتق معسراً فللمتمسك بالرق مقاواة الذي دبر، إلا أن يكون العتق قبل التدبير والمعتق عديم، فلا يلزم الذي دبر مقاواة المتمسك، إذ لو أعتق بعد عتق المعدم لم يقوم عليه وإن كان مليئاً.
2091 - ولا بأس أن يدبر أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه، وللمتمسك بيع حصته إذا بيّن أن نصفه مدبر، وليس للمبتاع مع الذي دبر مقاواة.

2092 - وإذا دبر رجلان أمة بينهما معاً، أو واحد بعد واحد، فهي مدبرة لهما، فإن مات أحدهما عتقت حصته في ثلثه، ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، فإن كان ثلثه لا يحمل حصته منها عتق منه ما حمل الثلث ورق باقيه لورثته، ثم ليس للورثة مقاواة الشريك، ثم إن مات السيد الثاني عمل في نصيبه كالأول، ولو دبر أحد الشريكين حصته ثم أعتق الآخر نصيبه أو أعتق أحدهما حصته من مدبر بينهما قوم على المعتق حصة شريكه قيمة عبد، وقاله جميع الرواة.
وكذلك يقوم المدبر وأم الولد والمعتق إلى أجل في جراحهم وأنفسهم قيمة عبد.
2093 - ولا بأس أن يرهن المدبر ويكون المرتهن بعد موت السيد أحق به من الغرماء، [فإن لم يدع سيده غيره بيع المرتهنفي دينه، لأنه قد حازه، ولو لم يقبضه بيع لجميع الغرماء، ولا يباع المدبر في حياة سيده في فلس ولا غيره إلا في دين] قبل التدبير. ويباع بالموت إذا اغترقه الدين، سواء كان التدبير قبل الدين أو بعده.
ولا تمهر مدبرك لزوجتك، لأن ذلك بيع، وبيعه لا يجوز، وإذا بيع ففسخ البيع وقد أصابه عيب مفسد بيد المبتاع، فعليه ما نقصه.
ولا بأس أن تأخذ مالاً على أن تعتق مدبرك وولاؤه لك، ولا أحب لك أن تبيعه ممن يعتقه.
2094 - ومن باع مدبره فمات في يد المبتاع فمصيبته من المبتاع، وينظر البائع إلى الثمن الذي قبض فيه، فيحبس منه قدر قيمته أن لو كان يحل بيعه على رجاء العتق له وخوف الرق عليه، كمن استهلك زرعاً فيغرم قيمته على الرجاء والخوف، فما فضل بعد ذلك بيد البائع فليشتر به رقبة يدبرها، فإن لم يبلغ أعان به في رقبة. فأما إن أعتقه المشتري أنفذ العتق وكان ولاؤه للمبتاع، وكان جميع الثمن سائعاً لبائعه، ولا يرجع عليه المبتاع بشيء، وكذلك إن كانت مدبرة فوطئها المبتاع فحملت منه، فإن التدبير ينتقض وتصير أم ولد للمبتاع ولا يرجع على البائع بما بين قيمتها مدبرة وقيمتها غير مدبرة.

2095 - ولا بأس بمكاتبة المدبر، فإن أدى عتق، وإن مات السيد عتق في ثلثه، ويقوم بماله في الثلث، ويسقط عنه باقي الكتابة، وإن لم يحمل الثلث رقبته عتق منه محمل الثلث، وأُقر ماله بيده، ووضع عنه من كل نجم عليه بقدر ما عتق منه، [فإن عتق] نصفه وضع عنه نصف كل نجم بقي عيه، وإن لم يدع غيره عتق ثلثه، ووضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه، ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك، ولو لم يبق عليه إلا نجم [واحد] لعتق ثلثه، وحط عنه ثلث ذلك النجم، ويسعى فيما يبقى عليه. فإن أدى خرج جميعه حراً، وإن مات سيده وعليه دين فاغرق الدين قيمة رقبته كان كمكاتب تباع [للدين] كتابته، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وإن عجز رق لمبتاعه، وإن اغترق الدين بعض الرقبة بيع من كتابته بقدر الدين، ثم عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم يبع من ذلك النجم، فإن أدى خرج حراً وولاؤه للميت، وإن عجز فبقدر ما بيع من كتابته يرق لمبتاعه من رقبته، وما عتق منه يكون حراً لا سبيل لأحد عليه، وباقي رقبته بعد الذي عتق منه يبقى للورثة رقاً.
2096 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبده مع مدبره كتابة واحدة، فإن مات فضت الكتابة على قدر قوتيهما على الأداء يوم الكتابة، ويعتق المدبر في الثلث، وتسقط حصته عن صاحبه، ويسعى العبد في حصته وحده، ولا يسعى المدبر معه، لأنه إنما دخل معه على أن يعتق بموت السيد فلا حجة له، بخلاف عتق السيد لأحد العبدين في الكتابة إذا لم يعقدا على هذا. فإن لم يحمل المدبر الثلث عتق منه محمله ويسقط [عنه] من الكتابة بقدر ذلك ويسعى في باقي الكتابة هو وصاحبه، ولا عتق بقيته إلا بصاحبه، ولا صاحبه إلا به، فإن عتقا رجع من أدى منهما على صاحبه بما أدى عنه، إلا أن يكونا ذوي رحم لا يملك أحدهما الآخر، فلا يتراجعان بشيء.

وقال أشهب: لا يجوز أن يكاتب عبده ومدبره كتابة واحدة للخطر على العبد بعتق المدبر، وفي المكاتب إيعاب هذا.(1)
2097 - ولو أن مدبرة بين رجلين وطئها أحدهما فحملت، فإنها تقوم عليه، وتصير أم ولد إذ ذلك أكد لها، وقاله جميع الرواة.
2098 - وإن كان الواطئ معسراً خير شريكه بين اتباعه بنصف قيمتها وتصير أم ولد له وبين التمسك بحصه واتباعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله، ثم لا تقويم عليه إن أيسر. فإن مات الواطئ عديماً عتق عليه نصيبه من رأس ماله، لأنها بحساب أم ولد ويبقى نصيب المتمسك مدبراً.
2099 - وإن مات الذي لم يطأها وقد كان تمسك بنصيبه وعليه دين يردّ التدبير، بيعت حصته فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له، حل له وطؤها، فإن مات فنصفها رقيق ونصفها عتيق من رأس ماله.
ومن دبر ما في بطن أمته، لم يجز له بيعها وله أن يرهنها.(2)
2100 - وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا به، استتيب، فإن تاب وإلا قتل، فإن تاب لم يقسم ود إلى سيده إن عُرف، فإن جهلوا أنه مدبر حتى اقتسموا ثم جاء سيده، فله أن يفديه بالثمن ويرجع مدبراً، فإن أبى خدم من صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه، فإن أوفى وسيده الأول حي رجع إليه مدبراً، وإن هلك السيد وقد تركه بيد من صار في سهمه يختدمه في ثمنه فمات السيد قبل وفاء ذلك خرج من ثلثه حراً واتباع بباقي الثمن، فإن لم يسعه الثلث عتق ما وسع منه ورق ما بقي لمشتريه، لأن سيده اسلمه ولا قول لورثته فيه.
قال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يُتبع بشيء، وإن حمل بعضه لم يتبع حصة البعض العتيق بشيء، وهذا بخلاف الجناية التي هي فعله.
وإن رهق السيد دين، أبطل الثلث ورق جميعه لمشتريه.
__________
(1) انظر: شرح الزرقاني (4/146)، والمدونة الكبرى (7/244)، ومنح الجليل (9/425).
(2) انظر: التاج والإكليل (6/358)، والفواكه الدواني (2/27)، ومواهب الجليل (5/133).

2101 - وإذا أسلم دبر مدبر النصراني أو ابتاع مسلماً فدبره واجرناه له، وقبض غلته ولم يتعجل رقه بالبيع، إذ قد يعتق بموت سيده، فإن أسلم النصراني قبل موته رجع إليه عبده، وكان له ولاؤه، وإن لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه، وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم ممن يجرّ ولاءه إليه ويرثه فيكون ولاء المدبر له دون جماعة المسلمين، وهذا كله إن أسلم المدبر بعد التدبير، وأما إن دبره والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين، ولا يرجع إلى النصراني وإن أسلم، ولا إلى ولده المسلمين.
2102 - وإن أعتق في الثلث نصفه والورثة نصارى، بيع عليهم نصفه من مسلم، فإن لم يكن له ورثة رق نصفه للمسلمين.
وقال غيره: لا يجوز لنصراني شراء مسلم، فإذا أسلم عبده ثم دبره عتق عليه، لأنه منعنا من بيعه عليه بالتدبير.
2103 - وإذا ارتد السيد ولحق بدار الحرب أوقفت مدبريه إلى موته كماله، ولا يعتقوا إلا بعد موته.
وإذا ادعى العبد أن سيده قد دبره أو كاتبه وأنكر المولى، لم يلزمه يمين إلا أن يقيم شاهداً، وهذا مثل العتق.
ومن قال في صحته لعبده: أنت حر بعد موت فلان، أو قال: بعد موتي بشهر، فهو من رأس المال، معتق إلى الأجل، ولا يلحقه دين، وإن مات السيد قبل فلان خدم العبد ورثة السيد إلى موت فلان، أو إلى بعد موته بشهر وخرج حراً من رأس المال، ولو قال ذلك في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجله وخدم الورثة حتى يتم الأجل، ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية، أو يعتقوا من العبد محمل الثلث بلاً.
2104 - وإن قال له: إن خدمتني سنة فأنت حر، فمات السيد قبلها، خدم العبد ورثة السيد، فإذا تمت السنة عتق، ولو وضع عنه السيد الخدمة عُجّل عتقه، وإن قال له: أخدم فلاناً سنة وأنت حر، مات فلان قبل السنة خدم العبد ورثة فلان بقية السنة، ثم هو حر.

وأما في قوله: أخدم ولدي أو أخي أوابن فلان [سنة] وأنت حر، فيموت المُخدم قبل السنة فإن أراد به الحضانة والكفالة عجل عتق العبد بموت المخدم، وإن أراد به الخدمة خدم العبد ورثة المخدم بقية السنة، ثم هو حر.
2105 - وإن قال له: أنت حر على أن تخدمني سنة، فإن أراد أن يكون العتق بعد الخدمة فذلك له، ولا يعتق [حتى] يخدم، وإن أراد تعجيل العتق وشرط عليه الخدمة، عتق ولا خدمة عليه.
وإن قال له: أنت حر بعد سنة، أو: إذا خدمتني سنة، قال هذه السنة بعينها أو لم يقل فهو سواء، وتحسب السنة من يوم قوله، وإن أبق فيها العبد أو مرض فصح بعد زوالها عتق ولا شيء عليه، ألا ترى أن من أكرى داره أو دابته أو غلامه فقال: أكريتكها سنة، أنها تحسب من يوم قوله؟ ولو قال: هذه السنة بعينها، كان كذلك أيضاً.
* * *

(كتاب المكاتب)
2106 - قال الله سبحانه وتعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (النور: 33)، فكان ذلك ندباً ندب الله تعالى إليه، وكذلك قوله تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (النور: 33)، فضل قد حض الله عليه.
قال مالك - رحمه الله - : هو أن يوضع عن المكاتب من آخر كتابته.
وقد وضع ابن عمر خمسة آلاف من خمسة وثلاثين ألفاً. وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ربع الكتابة. وقال النخعي: هو شيء حُث عليه الولى وغيره.

2107 - ومن كاتب عبده على وصفاء(1) حمران أو سودان ولم يصفهم، جاز، وله وسط من ذلك الجنس كالنكاح. وإن كاتبه على وصيف أو وصيفين ولم يصف ذلك جاز، وله الوسط من ذلك. وإن أوصى أن يكاتب عبده ولم يسم شيئاً كوتب بقدر كتابة مثله في أدائه وخراجه، وإن كاتبه على قيمته جاز، وينجم عليه الوسط من قيمته. وإن كاتبه على عبد فلان جاز بخلاف النكاح. وإن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز، لتفاوت الإحاطة بصفته، وإن كابه علىعبد موصوف فعتق بأدائه ثم ألفاه السيد معيباً، فله رده ويتبعه بمثله إن قدر، وإلا كان عليه ديناً، ولا يرد العتق، وكذلك إن نكحت امرأة على عبد موصوف فألفته معيباً بعد قبضه، فلها رده وأخذ مثله، وإن كاتبه على طعام مؤجل جاز أن يصالحه منه على دراهم معجلة، ولا خير في بيعه من أجنبي.
2108 - ولا بأس أن تفسخ ما على مكاتبك من عين أو عرض حل أو لم يحل، في عرض مؤجل أو معجل مخالفاً للعرض الذي عليه أو من صفته بخلاف البيوع، ولا يبيعه من أجنبي إلا بثمن معجل، ولابأس أن تقاطعه على أن تضع عنه ويتعجل، أو تؤخره ويزيدك، أو على أن تفسخ الدنانير التي عليه في دراهم إلى أجل وتعجل عتقه.
قال مالك: ومن كره أن يقاطعه على أن يضع عنه ويتعجل فإنما جعل ذلك كالدين، وليس هو مثله، لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ألا ترى أنه لا يحاص بها في فلس المكاتب ولا موته، وإنما هو كمن قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بأقل من كذا فأنت حر، فهذا لا بأس به.
قال ابن شهاب: لم يكن أحد من الصحابة يتقي المقاطعة على الذهب والورق إلا ابن عمر، [أبى] أن يعطي عرضاً.
__________
(1) هي الصبية والأمة دون البلوغ وكذلك الغلام المراهق، وانظر: المدونة الكبرى (7/231).

قال مالك: ولا بأس أن يستأجره بما عليه من الكتابة في عمل يعمله، أو يقاطعه على حفر بئر طولها كذا، وإن كاتبه على ألف درهم ولم يضرب لها أجلاً، نجمت عليه. وإن كره السيد على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته ولا تكون حالة والكتابة عند الناس منجمة، وكذلك إن أوصى أن يكاتب بألف درهم ولم يضرب لها أجلاً.
وإن كاتبه على خدمة شهر، جاز عند أشهب ولا يعتق حتى يخدم شهراً.
2109 - قال ابن القاسم: إن عجل عتقه على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطلة، وهو حر، وإن أعتقه بعد الخدمة لزمت العبد الخدمة.(1)
2110 - [قال مالك:] وكل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل، وإن شرطها في الكتابة فأدى العبد قبل تمامها سقطت.
2111 - ومن شرط على مكاتب أنه إن عجز عن نجم من نجومه فهو رقيق، أو إن لم يؤد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة له، لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط، ولا يعجزه إلا السلطان، بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجى له في التلوم، ومنهم من لا يرجى له، فإن رأى له وجه أداءتركه، وإلا عجزه. والقطاعة كذلك في التلوم [بعد] الأجل، وحكم المكاتب حكم الأرقاء في الميراث والشهادة والحدود وغيرها، حتى يؤدي ما عليه أو يعجز.
وإن كاتبه على ألف دينار على أنه إذا أدى وعتق فعليه مائة دينار، فذلك جائز، لأن مالكاً قال: من أعتق عبده على أن للسيد على العبد مائة دينار، جاز ذلك على العبد.
__________
(1) انظر: منح الجليل (9/451).

2112 - ومن كاتب أمة على ألف درهم نجمها عليها، على أن يطأها ما دامت في الكتابة، بطل الشرط وجازت الكتابة، وكذلك إن أعتق أمته إلى أجل على أن يطأها، أو شرط على المكاتبة أن ما ولدت في كتابتها فهو عبد، فالشرط باطل والعتق نافذ إلى أجله، ولا أفسخ الكتابة كما لا أفسخها من عقد الغرر بما أفسخ به البيع، وكل ولد حدث للمكاتب من أمته أو للمكاتبة بعد الكتابة فهو بمنزلتها يرق برقها ويعتق بعتقها، وإن كاتبها أو أعتقها وشرط جنينها، بطل الشرط وتم العتق.
2113 - وإذا كان عبد بين رجلين كاتباه معاً، لم يجز لصاحبه أن يقاطعه على حصته إلا بإذن شريكه، فإن أذن له فقاطعه ن عشرين مؤجلة في حصته، على عشرة معجلة، ثم عجز المكاتب قبل ان يقبض هذا مثل ما أخذ المقاطع خُيّر المقاطع بين أن يرد إلى شريكه نصف ما أخذ من العبد، ويبقى العبد بينهما، أو يسلم حصته من العبد إلى شريكه رقاً، ولو مات المكاتب عن مال، فللآخر أن يأخذ منه جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة، حلت أو لم تحل، ثم يكون ما بقي من ماله بين الذي قاطعه وبين شريكه على قدر حصصهم في المكاتب، وإن حل نجم من نجومه فقال أحدهما لصاحبه: بدّني به وخذ أنت النجم المستقبل، ففعل ثم عجز العبد عن النجم الثاني، فليرد المقتضي نصف ما قبض إلى شريكه، لأن ذلك سلف منه له، ويبقى العبد بينهما، ولا خيار للمقتضي، بخلاف القطاعة، وهو كدين لهما على رجل منجماً، فبدّى أحدهما صاحبه بنجم على أن يأخذ هو النجم الثاني، ثم فلس الغريم في النجم الثاني، فليرجع على صاحبه، لأنه سلف منه.

2114 - وإن أخذ أحدهما من المكاتب جميع حقه بعد محله بإذن صاحبه وأخّره صاحبه ثم عجز المكاتب، فلا رجوع للذي أخّره على المقتضي ويعود العبد بينهما، وهذا كغريم لهما، قبض أحدهما حقه منه بعد محله وأخره الآخر ثم فلس الغريم، فلا يرجع الذي أخره على المقتضي بشيء، لأنه لم يسلف المقتضي شيئاً فيتبعه، ولكنه تأخير لغريمه. وإن تعجل أحدهما جميع حظه من النجوم قبل محلها بإذن شريكه، ثم عجز المكاتب عن نصيب شريكه، فهذا يشبه القطاعة، وقيل: ليس كالقطاعة، ويعد ذلك إن عجز سلفاً من المكاتب للمتعجل.
والقطاعة التي أذن فيها أحد الشريكين لصاحبه كالبيع، لأنه باع حظه على ما تعجل منه، ورأى أن ما قبض أفضل له من حظه في العبد إن عجز.
قال ربيعة: قطاعة الشريك بخلاف عتقه لنصيبه في العبد، ولكنه كشراء العبد نفسه.
2115 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبيده في كتابة واحدة، ثم إن القضاء في [ذلك] ان كل واحد منهم ضامن عن بقيتهم وإن لم يشترط ذلك، بخلاف حمالة الديون، ولا يعتق أحد منهم إلا بتمام أداء الجميع، وللسيد أخذهم بذلك، فإن لم يجد عند جميعهم، فله أخذ المليء منهم بالجميع ولا يوضع عنهم شيء لموت أحدهم، وإن أدى أحدهم عن بقيتهم، رجع من أدى على بقيتهم بحصتهم من الكتابة بعد أن تقسم الكتابة عليهم، بقدر قوة كل واحد على الأداء يوم الكتابة لا على قيمة رقبته، ولا يرجع على من يعتق عليه منهم لو ملكه بشيء.
وإن أدى أحدهم الكتابة حالة، رجع على أصحابه بحصتهم منها على النجوم. وللمكاتب تعجيل المؤجل من كتابته، ويلزم السيد أخذه وتعجيل العتق، وبذلك قضى عمر وعثمان. قال ربيعة: لأن مرفق التأجيل هو للعبد خاصة.
قال مالك: وإن عجلها وضع عنه كل خدمة [وسفر] اشترطه عليه.

2116 - ومن كاتب عبدين له أجنبيين كتابة واحدة فحدثت بأحدهما زمانة فأدى الصحيح جميع الكتابة، فإنها تفض عليهما بقدر قوتهما على الأداء يوم عقداها، فيرجع الصحيح على الذي أزمن بما أصابه، فإن أعتق السيد هذا الزمن قبل الأداء جاز عتقه، وإن كره الصحيح وتبقى جميع الكتابة على الصحيح، ولا يوضع عنه لمكان عتق الزمن شيء، إذ لا منفعة له فيه، فإن أدى وعتق لم يرجع على الزمن بشيء، لأنه لم يعتق بالأداء، وإن كانا قويين على السعاية لم يكن للسيد عتق أحدهما، ويرد ذلك إن فعل، فإن أديا عتقا، وإن عجزا لزم السيد عتق من كان أعتق كمن أخدم عبده أو أجره مدة، ثم أعتقه قبل تمام المدة، فلم يجز ذلك المخدم ولا المؤجر، فالعتق موقوف، فإذا تمت المدة عتق العبد بالعتق الذي كان أعتق، وكمن رد غرماؤه عتق عبده ثم أيسر السيد قبل بيعه فأدى إلى الغرماء، فإن العبد يعتق بالعتق الذي كان أعتق، وإنما منع السيد من عتق أحد المكاتبين وهما قويان على السعاية من أجل صاحبه الذي معه في الكتابة، فإن أجاز صاحبه عتقه، وكان صاحبه يقوى على السعاية - كما ذكرنا - ليس بصغير ولا زمن، جاز عتقه، ويوضع عن الباقي حصة المعتق من الكتابة، ويسعى وحده فيما بقي عليه، ولا يسعى معه المعتق، ولو أجاز على أن يسعى معه المعتق فيما بقي عليه لم يجز العتق، وسعيان جميعاً في جميع الكتابة. وقال ربيعة: لا يجوز للسيد أن يعتق أحدهما أو يقاطعه،وإن أذن في ذلك أصحابه ويرد إن فعله، لأن سعايته وماله عون لأصحابه في العتق.
2117 - قال ابن القاسم: ولو دبر السيد أحدهما بعد الكتابة ثم عجز لزم السيد تدبير من كان دبر.

وإن مات السيد قبل عجزهما، والمدبر يحمله الثلث وهو قوي على الأداء حين مات السيد، لم يعتق إلا برضا أصحابه على ما ذكرنا في العتق، وإن كان زمناً عتق في الثلث ولا يوضع عن أصحابه من الكتابة شيء، لأن من لا قوة فيه من المكاتبين من صغير أو زمن إذا أعتقه السيد جاز عتقه، وإن كره أصحابه ولا يوضع عنهم من الكتابة شيء.
2118 - ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب، لزم العبد الغائب وإن كره، لأن هذا يؤدي عنه ويتبعه إن لم يكن ذا قرابة له ممن يعتق على الحر بالملك وتلزم الغائب الكتابة، كقول مالك فيمن أعتق عبده على أن عليه كذا وكذا فيأبى ذلك العبد، أن العتق جائز والمال لازم للعبد، وكذلك العبد يكاتب عن نفسه، وعن أخ له صغير ولا يعقل في ملك السيد: أنه جائز.
2119 - وإذا كان لك عبد ولرجل آخر عبد، لم يجز لكما جمعهما في كتابة واحدة، على أن كل واحد منهما حميل بما على صاحبه لغررالكتابة، إذ لو هلك أحدهما أخذ به الهالك مال الآخر باطلاً، وهذا يشبه الرقبى.
ولا تجوز حمالة أجنبي بالكتابة، إذ ليست بدين ثابت.
وإن مات العبد أو عجز لم ينتفع الحميل بما أدى. قال غيره: إجازة الضمان فيها إصراف لها إلى الذمة، وهذا لا يجوز.
وإذا غاب أحد المكاتبين في كتابة أو هرب وعجز الحاضر، لم يعجزهما إلا السلطان بعد التلوم، وكذلك إن غاب المكاتب وحلت نجومه وأشهد السيد أنه قد عجز ثم قدم المكاتب، فهو على كتابته، ولا يعجزه إلا السلطان.

وإذا كان المكاتب ذا مال ظاهر فليس له تعجيز نفسه، وإن لم يظهر له مال فذلك له دون السلطان، ويمضي ذلك. وكذلك إن عجّز نفسه قبل محل النجم بالأيام أو بالشهر، وإنما الذي لا يعجزه إلا السلطان الذي يريد سيده تعجيزه بعد محل ما عليه، وهو يأبى العجز [ويقول:] أؤدي إلا أنه مطل سيده، فالإمام يتلوم له، فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه بعد التلوم، ولا يكون تأخيره عن نجومه فسخاً لكتابته، ولا يعجزه إلا السلطان، فإن عجز نفسه وهو يرى أنه لا مال له ثم ظهر له مال صامت أخفاه أو طرأ له، فهو رقيق، ولا يرجع عما كان رضي به.
2120 - وإذا أراد المكاتب تعجيل ما عليه، وسيده غائب، ولا وكيل له على قبض [الكتابة] فليرفع ذلك إلى الإمام، ويخرج حراً. وإن حل نجم وله على السيد مثله فله قصاصه إلا أن يفلس السيد فيحاص غرماؤه إلا أن يكون السيد قاصه قبل قيامهم فذلك ماض.
2121 - وإن أدى كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع هو من أموالهم، فلهم أخذه ويرجع رقاً، وإن لم يعلم لك مضى عتقه.
قال أشهب وابن نافع عن مالك - رحمه الله - في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقاً، فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: فإن لم يكن له مال عاد مكاتباً، وقال أشهب: لا يرد عتقه إذ تمت حريته ويتبع بذلك، قالا عن مالك: وإن قاطعه على وديعة أودعت عنده فاعترفت رد عتقه.
قال ابن القاسم وغيره: إن غر سيده بما لم يتقدم له فيه شبهة ملك، رد عتقه، وإن تقدمت له فيه شبهة ملك، مضى عتقه وأتبع بقيمة ذلك ديناً.
وإن كان مديناً فليس له أن يقاطع سيده ويبقى لا شيء له لأن غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز ذلك، وإن مات المكاتب وترك مالاً وعليه دين فغرماؤه أحق بماله، ولا يحصاهم السيد بما قاطعه به كما يحصاهم بالكتابة، وقال شريح: يحاصهم بنجمه الذي حل. قال ابن المسيب: أخطأ شريح.

2122 - قال مالك: وإن عجز المكاتب وعليه دين كان رقيقاً لسيده وبقي دين الناس في ذمة العبد لا في رقبته.(1)
قال ابن شهاب: وإن كوتب وعليه دين كتمه، فإن كان ديناً يسيراً بدأ بقضائه قبل أداء الكتابة وأقر على كتابته، وإن كان ديناً كثيراً يحبس نجومه خُيّر سيده بين فسخ الكتابة أو تركه حتى يقضي دينه ثم يستقبل نجومه.
2123 - وليس للمكاتب أن يتزوج - وإن رآه من وجه النظر - أو يسافر إلا بإذن سيده، اشترط عليه ذلك السيد أم لا، إلا ما قرب من السفر مما لا ضرر فيه، لحلول نجم أو غيره، فذلك له، ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده، لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئاً من ذلك، وليرفع ذلك إلى السلطان.
قال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام، وإن نكح فرق بينهما وانتزع ما أعطى.
وإذا كاتب عبده تبع العبد ماله من رقيق أو عرض أو عين أو دين، كتم ذلك أو أظهره، وليس للسيد أخذه بعد الكتابة إلا أن يشترطه سيده حين كاتبه فيكون ذلك له، ولا يتبع المكاتب ما تقدم له من ولد وإن كتمه، ولا حمل أمته، ويكون الولد إذا وضعته رقاً للسيد، والأمة تبعاً للمكاتب دون الولد، وليس الولد كماله، لأنه إذا أفسل أُخذ ماله ولم يؤخذ ولده. والذي يبتاع عبداً ويشترط ماله لا يقضي له بولده.
والمكاتب إذا أعانه قوم في كتابته بمال فأدى منه كتابته وفضلت فضلة، فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه، فليرد عليهم الفضلة بالحصص، أو يحللوه منها، وإن عجز فكلما قبض منه السيد قبل العجز، حل له كان من كسب العبد أو من صدقة عليه، وأما لو أعين به على فكاك رقبته، ولم يف ذلك بكتابته، كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى، إلا أن يحلل منه المكاتب فيكون له، ولو أعانوه صدقة لا على الفكاك، فذلك إن عجز حل لسيده.
__________
(1) انظر: المدونة (7/527)، وحاشية الزرقاني (4/119)، والتاج والإكليل (6/342)، ومنح الجليل (9/470).

2124 - قال مالك: ولا بأس بكتابة الصغير ومن لا حرفة له، وإن كان يسأل.
قال غيره: لا تجوز كتابة الصغير إلا أن يفوت ذلك بالأداء أو يكون بيده ما يؤدي عنه فيؤخذ منه، ولا يترك له فيتلفه لسفهه ويرجع رقاً.(1)
وكره مالك كتابة الأمة التي لا صنعة بيدها [ولا لها] عمل معروف، كما كره عثمان بن عفان أن تخارج.
2125 - ومن أعتق بعض مكاتبه في صحته في غير وصية، فهو وضع مال، إن كان أعتق نصفه وضع عنه نصف كل نجم، ولا يعتق عليه إن عجز، إلا أن يعتق ذلك الشقص في وصيته فيكون ذلك عتقاً للمكاتب إن عجز وحمل ذلك الثلث.
وكذلك إن كان بينه وبين رجل فوضع عنه حصته أو أعتق حصته منه في غير وصية، فإنه يوضع عنه حصته من كل نجم، فإن عجز رقّ لهما، وإن مات مكاتباً أخذ المتمسك مما ترك ما بقي له، وكان باقي ما ترك بينهما، فلو كان ذلك عتقاً لكان ما ترك للمتمسك بالرق خاصة، ولكان يُقوّم على المعتق ما بقي من الكتابة، ولكان من ترك مكاتباً وورثه بنون وبنات فأعتق البنات حصتهن، أن لهن ولاء نصيبهن منه، وهن لا يرثن من ولاء المكاتب شيئاً، وإن أعتقن نصيبهن، وإنما يرث ولاءه ذكور ولد سيد المكاتب أو عصبته من الرجال.
ولو كان لرجل مكاتب واحد [فأزمن] فأعتق السيد نصفه، لم يعتق عليه النصف الثاني [إلا بأداء بقية الكتابة]، وأما المريض يعتق شقصاً من مكاتبه فإنه يوضع عنه حصة ذلك من كتابته، فإن عجز عتق ذلك الشقص في ثلثه، لأنها وصية للعبد مصروفة إلى الثلث.
__________
(1) انظر: المدونة (7/252)، وحاشية الدسوقي (4/391)، والفواكه الدواني (2/138).

2126 - ومن كاتب أمته فليس له وطؤها، فإن فعل دُرئ عنه وعنها الحد، أكرهها أو طاوعته، ويعاقب إلا أن يعذر بجهل، ولا صداق لها إن طاوعته ولا ما نقصها، وإن أكرهها فعليه ما نقصها، والأجنبي عليه بكل حال ما نقصها، إذ قد تعجز فترجع معيبة للسيد. وهي وطء السيد على كتابتها إلا [أن] تحمل فتخير عند مالك بين أن تكون أم ولد أو تمضي على كتابتها.
2127 - ولو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً ففيه ما في جنين الحرة موروث على فرائض الله، وكذلك في جنين أم الولد.
وقال ابن المسيب: إن حملت بطلت كتابتها وهي جاريته، وقال النخعي: تبقى مكاتبة فإن عجزت فهي أم ولد. وقال ربيعة: إن وطئها طائعة فولدت منه فهي أمة له لا كاتبة [له] فيها، وإن أكرهها فهي حرة والوالد به لاحق.
2128 - وإذا ولدت المكاتبة بنتاً ثم ولدت ابنتها بنتاً أخرى، فزنت البنت العليا فأعتقها السيد، جاز عتقه، وسعت الأم مع السفلى. ولو وطئ السيد البنت السفلى فأولدها فولدها حر، ولا تخرج من الكتابة وتسعى معهم، إلا أن ترضى هي وهم بإسلامها للسيد فيحط عنهم حصتها من الكتابة وتصير حينئذ أم للسيد. قال سحنون: إن كان معها في الكتابة من يجوز رضاه.
2129 - قال مالك - رحمه الله - : ولا تباع رقبة المكاتب وإن رضي، لأن الولاء قد ثبت لعاقد الكتابة.
قال ابن القاسم: فإن بيعت رقبته ولم يعجز رد البيع ما لم يفت بعتق فيمضي وولاؤه لمن أعتقه، وهذا إذا كان العبد راضياً ببيع رقبته فكأنه رضى منه بالعجز، وكان مالك يقول في المدبر يباع فيعتقه المبتاع: إن بيعه يرد، ثم قال: لا يرد.
قال غيره: عقد الكتابة قوي فأرى أن يرد وينقض عتقه، وقاله أشهب. وقال أشهب: هذا إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع.

2130 - وإذا كاتب المكاتب عبداً له فبيعت كتابة الأعلى تبعه مكاتبه، لأنه ماله وأدى الأسفل للأعلى، فإن عجز الأسفل رق للأعلى، ثم إن عجز الأعلى كانا جميعاً رقاً لمشتري الكتابة، ولو عجز الأعلى وحده ورد الأسفل كتابته للمبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع.
2131 - [ولا بأس ببيع كتابة المكاتب إن كانت عيناً فيعرض نقداً، وإن كانت عرضاً فبعرض مخالف له أو بعين نقداً، وما تأخر كان ديناً بدين، ويتبعه في بيعها ماله ومكاتبه، ويؤدى إلى المبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع]، وإن عجز رق للمبتاع.
قال ابن المسيب: والمكاتب أحق بكتابته إن بيعت بالثمن.
2132 - ولا يجوز للمأذون أن يعتق عبداً له، أو يكاتبه إلا بإذن سيده، فإن فعل بإذنه وعلى المأذون دين يغترق ماله، لم يجز إلا بإذن الغرماء، لأن ماله للغرماء وكتابته من ناحية العتق إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت كفاف للدين أو لقيمة الرقبة، فلا حجة للغرماء، وتباع لهم الكتابة فيتعجلونها إن شاءوا، وكذلك الجواب في الحر المديان يكاتب عبده.
وللوصي أن يكاتب عبد من يليه على النظر، ولا يجوز أن يعتقه على مال يأخذه منه، إذ لو شاء انتزعه، ولو كان على عطية من أجنبي جاز على النظر كبيعه، وكذلك للأب أن يكاتب عبد ابنه الصغير على النظر، ويبيع له ويشتري على النظر، وإن أعتق عبد ابنه الصغير جاز عتقه إن كان للأب مال، وإلا لم يجز. قال غيره: إلا أن يوسر قبل النظر في ذلك فيتم عتقه ويقوم عليه.
2133 - ولا يجوز أن يكاتب شقصاً له في عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه للذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم، ويفسخ ذلك إن فعل ويرد ما أخذ، فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها. قال غيره: إنما يكون ذلك بينهما إذا اجتمعا على قسمته.

ومن دعى إلى رده إلى العبد فذلك له، إذ لا ينتزع ماله حتى يجتمعا، ولو كاتب هذا حصته ثم كاتب الآخر حصته ولم يتشاورا، لم يجز ذلك، إذ لم يكاتباه جميعاً كتابة واحدة، [ويفسخ]، كاتباه على مال متفق أو مختلف، لأن كل واحد يقتضي دون الآخر. قال غيره: إن تساويا في الأجل والمال جاز ذلك.
قال ابن القاسم: وأما إن أعتق هذا أو دبر، ثم فعل الآخر مثله أعتق أو دبر، ولم يعلم بفعل صاحبه جاز ذلك.
2134 - ومن كاتب بعض عبده، لم يجز ذلك، ولا يكون شيء منه مكاتباً، وإن أدى لم يعتق منه شيء، وإن أراد العبد أن يكاتبه سيده بكتابة مثله أو أقل أو أكثر، لم يلزم السيد ذلك إلا أن يرضى.
2135 - وإن كاتب المكاتب عبده فعجز المكاتب الأعلى، أدى المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى، وكان له ولاؤه إن أعتق، ثم إن أعتق المكاتب الأعلى بعد عجزه، لم يرجع إليه ولاء الأسفل ولا شيء مما أدى إلى السيد [لأنه حين عجز صار رقيقاً وصار ماله وما على مكاتبه للسيد].
وكتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة، وإلا لم تجز، وكذلك قوله لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، فإنما يجوز ذلك إذا كان على ابتغاء الفضل، إلا أنه يتلوم للعبد في هذا بلا تنجيم.
2136 - ومن كاتب عبده وعلى السيد دين، وقد جنى العبد جناية قبل الكتابة، فقيم عليه بذلك الآن، فقال العبد: أنا أؤدي عقل الجناية والدين وأتبت على كتابتي، فذلك له.
2137 - ومن كاتب أمته وعليه دين يغترقها فولدت في كتابتها، فللغرماء رد ذلك، ويرقها الدين وولدها، إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت بنقد مثل الدين، فلا تُغيّر الكتابة، ولكن تباع الكتابة في الدين.
2138 - وإن أفلس السيد بدين استحدثه بعد الكتابة لم يكن للغرماء غير بيع الكتابة، وإن كثر الدين.

2139 - وإذا كاتب النصراني عبده النصراني جازت كتابته، ثم إن أراد بيعه أو فسخ الكتابة، لم يمنع من ذلك، وليس هذا من حقوقهم التي يتظالمون فيها فيما بينهم. ألا ترى أنه لو أعتقه ثم رده في الرق لم يمنع، فكذلك الكتابة، إلا أن يسلم العبد، وقال بعض الرواة: ليس له نقض الكتابة، لأن هذا من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم وإياه.(1)
2140 - وإذا كاتب النصراني عبداً مسلماً ابتاعه أو كان عنده، أو أسلم مكاتب له، فإن كتابته تباع من مسلم، فإن عجز كان رقاً لمشتري الكتابة.
وإن أدى، عتق، وكان ولاء الذي كوتب وهو مسلم للمسلمين دون مسلمي ولد سيده، ولا يرجع إليه ولاؤه إن أسلم، وأما الذي أسلم بعد الكتابة فولاؤه لمن يناسب سيده من المسلمين من ولد أو عصبة. فإن لم يكونوا فولاؤه لجميع المسلمين، ثم إن أسلم سيده رجع إليه ولاؤه [لأن ولاءه] قد كان ثبت له حين عقد كتابته وهو على دينه.
2141 - وإن أسلمت أم ولد الذمي فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق، ولا شيء عليها من سعاية ولا غير ذلك، وولاؤها للمسلمين، إلا أن يسلم سيدها بعد أن عتقت عليه فيرجع ولاؤها إليه. وأما إن أولد أمته بعد أن أسلمت فإنها تعتق عليه وولاؤها للمسلمين ولا يرجع إليه ولاؤها إن أسلم.
2142 - وإذا أسلم أحد مكاتبي الذمي [وهما] في كتابة واحدة، بيعت كتابتهما جميعاً ولا يفرقان، لعقد الحمالة، رضيا أم كرها، وكذلك إن ولد لمكاتبه ولد في كتابته من أمته ثم أسلم ولد مكاتبه والمكاتب نصراني، بيعت كتابتهما جميعاً.
وإذا غنمنا مكاتباً لمسلم أو لذمي هرب أو أسر، رد إليه إن عرف سيده غاب أو حضر، ولا يقسم، فإن لم يعرف سيده بيعت كتابته في المقاسم مغنماً، ويؤدي إلى من صار له، فإن أدى كان حراً وولاؤه للمسلمين، فإن عجز رق لمن صار له.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل فيما نقله عن التهذيب (6/349).

2143 - وإذا قال السيد لمكاتبه: قد حل نجم، فأكذبه المكاتب، صدق المكاتب، كمن أكرى داراً سنة أو باع سلعة بدنانير إلى سنة فادعى حولها فالمكتري أو المبتاع مصدق إن أكذبه، وإن اتفقا أن الكتابة خمسون وقال المكاتب: نجمتها علي في عشرة أنجم في كل نجم خمسة، وقال السيد: بل في خمسة أنجم في كل نجم عشرة، صدق المكاتب، فإن أتيا بالبينة قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا صدق المكاتب وكانا كمن لا بينه لهما. [وقاله أشهب] وقال غيره: يقضي ببينة السيد لأنها زادت، ألا ترى لو قال السيد: الكتابة ألف درهم، وقال المكاتب: تسعمائة، صدق المكاتب، وإن أتيا ببينة قضي ببينة السيد، لأنها شهدت بالأكثر.
2144 - قال ابن القاسم: وإن ادعى المكاتب أنه كوتب بمائة، وقال السيد: بمائتين، أو قال السيد: بمائة دينار، وقال المكاتب: بمائة درهم، صدق المكاتب إن كان قوله يشبه، لأن الكتابة فوت، كمن اشترى عبداً فكاتبه ثم اختلفا في الثمن إن المبتاع مصدّق، وكان مالك يقول مرة: إذا قبض المبتاع السلعة وبان بها وهي قائمة، صدق المبتاع في الثمن، ثم رجع إلى أن يتحالفا ويترادا إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى.
وإن بعث المكاتب بكتابته إلى سيده فأنكر قبضها، فإن لم يُقم الرسول البينة بالدفع ضمن، كمن بعث بدين عليه أو خلع.
2145 - ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار يوماً أو شهراً جاز، وما ولدت في الخيار دخل في كتابتها إن أمضاها ن له الخيار وإن كرهت، كما يدخل في البيع ما ولدت المبيعة في الخيار، وولد المكاتبة في أيام الخيار أبين في دخوله معها.
وقال غيره: لا يدخل الولد في الكتابة، إذ لم تتم الكتابة إلا بعد الولادة، وكذلك الولد في البيع للبائع. ولا ينبغي للمبتاع أن يختار الشراء للتفرقة، وكثير من هذا المعنى في كتاب الخيار.

ومن كاتب عبده وأخذ منه عندما كاتبه رهناً يغاب عليه فضاع بيد السيد فإنه يضمن قيمته، فإن تساوت الكتابة عتق مكانه وكانت قصاصاً. وإن أفلس السيد أو مات نظرت إلى الرهن، فإن كان في عقد الكتابة بشرط فهو انتزاع ولا يحاص به المكاتب غرماء السيد، كما لو كاتبه على أن أسلف سيده دنانير أو باعه بيعاً بثمن مؤجل فذلك انتزاع ولا يحاص به. ولو وجد المكاتب رهنه بعينه في فلس أو موت فلا شيء له فيه، ولا محاصة له به، ولا لغرماء المكاتب فيه شيء، ولو كان الرهن بعد عقد الكابة لنجم حلّ ونحوه فللمكاتب أخذه إن وجده بعينه أو المحاصة بقيمته إن لم يجده، فما صار له، كان قصاصاً مما حل عليه، وما بقي له من قيمة الرهن، ففي ذمة السيد، يقاص به المكاتب فيما يحل عليه.
قال غيره: ليس ذلك انتزاعاً كان الرهن في [أصل] الكتابة أو بعدها ويضمنه السيد إن لم تقم [له] بينة بهلاكه، فإن كانت القيمة دنانير، والكتابة دنانير، تقاصّا، لأن في وقف القيمة ضرراً عليهما، إلا أن يتهم السيد بالعداء على الرهن لتعجيل الكتابة قبل وقتها فتوقف القيمة بيد عدل، وإن كانت الكتابة عرضاً أو طعاماً أوقفت القيمة لرجاء رخص ما عليه عند محله، ويحاص الغرماء بالقيمة في الموت والفلس، ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن رهناً من غير المكاتب فيصير كالحمالة.
2146 - ومن زوج مكاتبته من رجل على أن ضمن له كتابتها، فولدت منه بنتاً ثم هلك الزوج، فالحمالة باطلة، وتبقى المكاتبة على حالها وابنته أمة لا ترث أباها [للرق الذي فيها]، وميراثه لأقرب الناس منه.

2147 - وإذا ورثت مع أخيك لأبيك مكاتباً هو أخوك لأمك وضعت عنه حصتك، وسعى لأخيك في نصيبه وخرج حراً، وإن عجز عتقت حصتك فيه، ولا تقوم عليك بقيته، فأما لو وهب لك نصفه أو أوصى لك به فقبلته، فإن المكاتب إن لم يكن له مال ظاهر، مخير في أن يعجّز نفسه ويقوم باقيه عليك، ويعتق إن كان لك، فإن لم يكن لك مال، عتق منه نصيبك ورق باقيه، وإن شاء أن يبقى على كتابته، فإن ثبت عليها حطت عنه حصتك فيها، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وليس له تعجيز نفسه إن كان له مال ظاهر للتقويم عليك، وإن تمادى في كتابته، ثم عجز، قوّم باقيه أيضاً عليك إن كنت ملياً وعتق، فإن لم يكن لك مال عتق منه نصيبك ورق باقيه.
2148 - وكل ما ولد للمكاتب بعد الكتابة من أمته مما حملت به بعد الكتابة، دخل في كابته وصاروا بمزلته، لا يعتقون إلا بأدائها، وإن بلغوا جازت بيوعهم وقسمتهم بغير إذنه إن كانوا مؤمنين، وما ولد له منها قبل الكتابة أو كوتب وأمته حامل منه فلا يدخل ذلك الولد معه في كتابته.
ولا ينبغي للمكاتب أن يشتري ولد أو أبويه إلا بإذن سيده، فمن ابتاع بإذن سيده ممن يعتق على الحر بالملك دخل معه في الكتابة، وجاز بيعهم وشراؤهم وقسمتهم بغير إذنه، ولا يبيعهم في عجزه، وإذا عجز وعجزوا رقوا كلهم للسيد، فإن ابتاعهم بغير إذن السيد لك يفسخ ابتياعه [إياهم]، ولا يدخلون معه في كتابته ولا يبيعهم إلا أن يخشى [عجزاً]، ولا بيع لهم ولا شراء ولا قسم إلا بإذنه، ويعتقون بأدائه، وكذلك أم ولده ليس لها أن تتجر إلا بإذنه، ولا له بيعها إلا أن يخاف العجز.
2149 - وإن ابتاع من لا يعتق على الحر بالملك من القرابة بإذن السيد أو بغير إذنه لم يدخلوا معه في كتابته وله بيعهم وإن لم يعجز، ولا فعل لهم إلا بإذنه.
وقال أشهب بن مالك: يدخل الولد والوالد إذا اشتراهم بإذن السيد، ولا يدخل الأخ.

وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في الكتابة بالشراء بإذن السيد إلا الولد فقط، إذ له أن يستحدثه.
قال ابن القاسم: وإذا كان المكاتب مدياناً فابتاع ابنه لم يدخل في كتابته وإن أذن سيده حتى يأذن غرماؤه.
ومن أدخلناه في الكتابة فله حكم من عقدت عليه، فإن مات المكاتب لم يؤخذوا بحلولها وسعوا على النجوم.
وما ولد للمعتق إلى أجل أو للمدبر من أمته بعدما عقد له ذلك فبمنزلته، وما ولد له قبل ذلك أو كانت أمته حاملاً منه حين العقد فرفيق، وإن اشتريا ما ولد لهما قبل ذلك لم يكون بمنزلتهما ولهما بيعه، إذا أذن لهما في ذلك السيد، إلا أن يأذن في ذلك للمعتق إلى أجل عند تقارب الأجل، أو يأذن للمدبر والسيد مريض فلا يجوز إذنه حينئذ، وإنما يجوز إذن السيد في ذلك في الموضع الذي يجوز للسيد أن ينتزعهم، فإن لم يأذن لهم ولم ينتزعهم حتى عتقوا، كانوا تبعاً كأموالهم ويعتقون عليهم.
2150 - وما ولدت المكاتبة من ولد بعد الكتابة، فهم بمنزلتها لا سبيل للسيد عليهم في السعاية ما دامت الأم على نجومها، ولها أن تستسعيهم معها، فإن أبوا أجرتهم، ولا تأخذ من إجارتهم ولا مما بأيديهم إلا ما تقوى به على الأداء والسعي، فإن ماتت وتركت ولدين حدثا في كتابتها سعيا فيما بقي، وإن أزمن أحدهما سعى الصحيح، ولا يوضع عنه لموت أمه ولا لزمانة أخيه شيء.(1)
2151 - وإذا ولد للمكاتب من أمته ولدان واتخذ كل منهما أم ولد وأولدها إلا أن أولادهما هلكوا ثم مات الجد، فالوالدان مع أمهما يسعون، فإن أدوا عتقت معهما، وإن مات أحدهما قبل الأداء ولم يدع ولداً وترك أم ولده، فإنها تباع ويعتق أخوه في ثمنها ولا يرجع السيد عليه بشيء.
وإن ولد للمكاتب ولد من أمته بعد الكتابة فاعتق السيد الأب، لم يجز العتق إلا أن يكون الأب زمناً فيجوز، ثم إن كان للأب مال يفي بالكتابة ولا سعاية في الولد، أدى من مال الأب عن الولد حالاً وعتقوا.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/277).

قال غيره: هذا إن رضي الأب بالعتق، وإلا لم يجز، لأن السيد يُتهم على تعجيل النجوم قبل وقتها.
2152 - قال ابن القاسم: فإن لم يكن في مال الأب إلا قدر ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغه السعي، أخذ وأدى نجوماً إلى أن يبلغوا السعي، ولا يؤخذ حالاً، إذ لو ماتوا قبل بلوغ السعي كان المال لأبيهم، فإن لم يكن في مال الأب ما يبلغهم السعي، مضى عتق الأب ورقوا. قيل: فإن كانوا يقوون على السعي يوم عتق الأب وله مال؟ قال: قال مالك في المكاتب يولد له ولدان في كتابته فيعتق السيد أحد الولدين وهو قوي على السعي: لم يجز عتقه، وإن كان كبيراً فانياً أو ذا ضرر أو صغيراً لا سعاية له، جاز عتقه، ولم يوضع عمن بقي من الكتابة شيء، ولا يرجع الذي أدى على أخيه بشيء.
قال غيره: إن كان للأب الزمن مال والولد يقوى على السعي، لم يجز عتقه لأن ماله معونة لهم كبدنه.
2153 - ومن كاتب عبده في مرضه وقيمته أكثر من الثلث، قيل للورثة: امضوا كتابته فإن أبوا عتق من العبد مبلغ الثلث بتلاً، ولو أجاز له الورثة ذلك قبل موته وهم كبار لزمهم ذلك بعد موته، فإن كاتبه في نرضه وقبض الكتابة ثم مات السيد، فإن يحابه، حاز ذلك كبيعه ومحاباته في البيع في ثلثه.
2154 - وأما المديان يكاتب عبده فلا يجوز، وذلك فيه من ناحية العتق، بخلاف المريض، وقال غيره: الكتابة في المرض من ناحية العتق وقعت، بمحاباة أو بغير محاباة، وتوقف نجومه، فإن مات السيد والثلث يحمله، جازت كتابته وإن لم يحمله خُيّر الورثة في الإجازة أو بتل محمل الثلث منه بما في يديه من الكتابة، وقاله أكثر الرواة.
2155 - قال ابن القاسم: وإن كاتبه في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة منه، جاز ذلك ولم يتهم إن ترك ولداً، فإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله، لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق، لأنه لو أعتقه جاز عتقه.

وقال غيره: إذا اتهم بالميل معه والمحاباة [له]، لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقاله ابن القاسم أيضاً غير مرة.
وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه، فإن حمله الثلث عتق، كان ورثته ولداً أو كلالة، كمبتدي عتقه، وإن لم يحمله خُيّر ورثته، فإما أمضوا كتابته وإلا أعتق محمل الثلث منه.
وقال غيره: يوقف نجومه، لأن الكتابة عتاقة من الثلث وليست من ناحية البيع، لأن ما يؤدي المكاتب إنما هو جنس من الغلة.
قال ابن القاسم: فإن كاتبه في المرض بألف وقيمته مائة وأوصى بكتابته لرجل فإن حمل الثلث رقبته، جازت الكتابة والوصية، كالوصية أن يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث، ولم يجز الورثة، فليعتق منه محمل الثلث، وتبطل الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها.
ومن أوصى لرجل بمكاتبه أو بما عليه أو أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه، جعل في الثلث الأقل من قيمة الكتابة أو قيمة الرقبة على أنه عبد مكاتب في خراجه وأدائه، كما لو قتل، وقاله ابن نافع، وقال أكثر الرواة: ليس قيمة الكتابة ولكن الكتابة، قالوا كلهم: فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية.
ومن أوصى لرجل بثلث ماله كان الموصى له شريكاً للورثة في كل شيء تركه الميت، من عين أو عرض أو كتابة مكاتب، وصار كأحد الورثة.
2155 - ومن أوصى أن يكاتب عبده والثلث يحمل رقبته، جاز، وكوتب كتابة مثله على قدر قوته وأدائه، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين مكاتبته أو عتق محمل الثلث منه بتلاً.

2156 - ومن وهب لمكاتبه نجماً بعينه من أول الكتابة أو وسطها أو آخرها، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، وذلك كله في المرض، ثم مات السيد قوّم ذلك النجم وسائر النجوم بالنقد بقدر آجالها فتقدر حصة النجم منها ويعتق الآن من رقبته ويوضع عنه النجم بعينه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ذلك أو ابتال محمل الثلث من المكاتب، ويحط عنه [من] كل نجم بقدر ما عتق منه، وليس من النجم العين خاصة في هذا، لأن الوصية قد حالت عن وجهها لما لم يجز الورثة.
وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله [بعد الكتابة]، وإن مات قبل دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات فلا وصية له.
2157 - وإذا كوتب العبد أو أعتق وقد ولدت منه أمته قبل ذلك لم تكن له أم ولد بذلك وله بيعها، وإن ولدت من المكاتب أمته بعد الكتابة كانت له أم ولد بذلك، ولا يبيعها إلا أن يخاف العجز. قال ربيعة: أو في عُدمه لدين عليه.
قال ربيعة: وإن مات المكاتب عديماً وعليه دين للناس قام ولده في دينه وأولاده منها رق لسيده.
قال ابن القاسم: وللمكاتب أن يشتري زوجته الحامل منه، وليس للسيد منعه لأنه إذا ابتاعها بغير إذنه لم يدخل جنينها معه في الكتابة ولا تكون هي به أم ولد له ولو ابتاعها بإذنه دخل حملها في الكتابة وكانت به أم ولد.
وإذا كان المكاتب وترك أم الولد، وولداً منها أو من غيرها ولم يدع مالاً، سعت مع الولد، أو سعت عليهم إن لم يقووا وقويت هي على السعي وكانت مأمونة عليه.
وإن ترك أم ولد وولدا منها حدث في كتابته فخشي الولد العجز، فلهم بيعها وإن كانت أمهم، وإن كان للأب أمهات أولاد سواها فخشي الولد العجز، فلهم بيع من فيها نجاتهم كانت أمهم أو غيرها، وأرى أن لا يبيع أمه إذا كان في بيع سواها ما يغنيه.

2158 - وإن ترك المكاتب مالاً فيه وفاء بكتابته، وترك أم ولد، وولداً منها أو من غيرها، عتقت مع الولد فيه، وكذلك إن ترك معه في الكتابة أجنبياً، وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فإن كتابته تحل بموته ويتعجلها السيد من ماله، ويعتق بذلك من معه في الكتابة، وليس لمن معه في كتابته من ولد أو أجنبي أخذ المال وأداؤه على نجومه إذا كان فيه وفاء، [و]يعتقون الآن [به]، لما فيه من الغرر، فإن لم يف ببقية الكتابة فلولده الذين معه في الكتابة أخذه، وإن كانت لهم أمانة وقوة على السعاية ويؤدون نجوماً.
قال سليمان بن يسار: فإن لم يكن الولد مأموناً لم يُدفع إليه شيء.
قال ابن القاسم: ولا يدفع ذلك المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي، وليستعجله السيد من الكتابة. ويسعوا في بقيتها، فإن أدوا عتقوا وأتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى عنه من مال الميت وحاص به غرماؤه بعد عتقه وليس هذا كالمعتق على أن عليه مالاً بعد العتق.
وقال ربيعة: لا يدفع المال إلى ولد ولا إلى غيره وإن كانوا ذوي قوة وأمانة، إذ ليس لهم أصله وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم، وليعجله السيد ويقاصهم به من آخر كتابتهم، وإن كانوا صغاراً لا قوة فيهم على السعي، فهم رقيق وذلك المال للسيد.
قال ابن القاسم: وإن ترك أم ولد لا ولد معها وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فهي والمال ملك للسيد.
قال ربيعة: وكذلك إن ترك ولداً ثم مات الولد.

2159 - قال ابن القاسم: وإن ترك المكاتب ولداً حدث في كتابته ومالاً فيه وفاء بالكتابة وفضل، أخذ السيد منه الكتابة وما بقي ورثه ولده الذين معه في الكتابة على فرائض الله، لأنهم ساووه في أحكامه بعقد الكتابة في رقها وحريتها، ولا يرث منه ولده الأحرار الذين ليسوا معه في كتابته ولا زوجته [و]إن كوتبت معه، ولا شيء للسيد مما فضل إلا أن يكون الولد الذي في الكتابة بنتاً أو بنتين، فله الباقي بعد النصف أو الثلثين دون أحرار [ورثة المكاتب، وإن لم يكن معه في الكتابة أحد أو كان معه أجنبي وترك وفاء بكتابته تعجلها السيد وكان له ما بقي دون ورثة المكاتب الأحرار]، واتبع السيد الأجنبي بجميع ما ينويه مما عتق به من مال الميت، وإن كان مع الأجنبي ولد للميت في الكابة أتبعه الولد بذلك دون السيد، وورث الولد أيضاً بقية المال.(1)
2160 - وإن ترك المكاتب ابنتين وابن ابن معهما في الكتابة وترك فضلاً عن كتابته، فلابنتيه مما فضل عن كتابته الثلثان ولولد الابن ما بقي، وإنما يرث المكاتب ممن معه في الكتابة من أقربائه، الولد وولد الولد والأبوان والجدود والإخوة دون أحرار ولده، ولا يرثه سواهم من عم أو ابن عم أو غيرهم من عصبة ولا زوجة، وإن كانوا معه في الكتابة، [وأصل هذا أنه لا يرثه ممن معه] في الكتابة إلا من لو أدى عنه لم يرجع عليه إلا الزوجة، فإنها لا ترثه ولا يرجع علياه إن عتقت [في حياته] بأدائه أو بعد موته في ماله، ولا يرجع عليها من يرثه من وارث أو سيد، ويرجعون على من كان هو يرجع عليه وهو يرجع على خاله وخالته وبنت أخيه وعمته، ولا يرجعون على من ذكرنا أنه يرثه في كتابته.
وإن هلك أحد الأخوين في كتابته وترك فضلاً عن كتابته كان ما فضل بعد الكتابة للأخ دون السيد، ولا يرجع السيد على الأخ بشيء مما أدى عنه من مال أخيه.
__________
(1) انظر: المدونة (7/288، 289)، وشرح الزرقاني (4/132)، والموطأ (2/790).

2161 - ولو ترك الميت ولداً فأدى الولد من ذلك المال جميع الكتابة، لم يرجع على عمه بشيء، لأن أباه لم يكن يرجع عليه لأنه أخوه، وإذا مات المكاتب بعد موت سيده وترك مالاً فيه وفاء ولم يدع ولداً، فذلك بين ورثة السيد يدخل فيه بناته وأمهاته وزوجاته وغيرهم، لأنه موروث بالرق لا بالولاء.
وإن ترك المكاتب في الكتابة بنتاً، فلها النصف بعد الكتابة ولورثة السيد ما بقي، وإذا هلك أحد الأخوين في كتابة وترك أم ولد ولا ولد معها، فهي رقيق ولا تعتق [ولا تسعى] أم ولد المكاتب معه، إلا أن يدع ولداً منها أو من غيرها كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة، فهاهنا لا ترد أم ولد في الرق إلا أن يعجز الولد، ولا تقوى هي على السعي عليهم أو يموت الولد قبل الأداء.
ولو كان المكاتب وولده في كتابة فمات ولده عن أم ولد ولا ولد معها، فهي رق للأب وإن ترك مالاً كثيراً، إلا أن يترك ولداً - كما ذكرنا - .
2162 - ومن كاتب عبده ثم كاتب زوجة العبد كتابة على حدة، فما حدث بينهما من ولد كان في كتابة الأم يعتق بعتقها لا بعتق الأب ونفقتهم عليها.
* * *

(كتاب أمهات الأولاد)
2163 - [قال مالك:] ومن أقر بوطء أمته ولم يدع استبراء لزمه ما أتت به من ولد لأقصى ما تلد له النساء، إلا أن يدعي الاستبراء بحيضة لم يطأ بعدها ونفى الولد، فيصدق في الاستبراء، ولا يلزمه ما ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم الاستبراء.(1)
ومن أقر في مرضه بحمل أمه وبولد أمة له أخرى وبوطء أمة ثالثة لم يدع استبراءها، وأتت بولد يشبه أن يكون من وطئه، فأولادهن لاحقون به أجمعون، وهن بذلك أمهات أولاد يعتقن من رأس ماله.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/407)، والتاج والإكليل (6/355)، ومواهب الجليل (6/357)، والمدونة الكبرى (5/438)، (8/318)، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/252).

قال مالك: وأما إن قال [في مرضه:] كانت هذه ولدت مني، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، ولا ولد معها، فإن كان ورثته ولداً صدق وعتقت من رأس المال، وإن لم يترك ولداً لم يصدق، ولا تعتق الأمة في الثلث وتبقى رقاً، إلا أن يكون معها ولد، أو [تقوم لها] بينة تشهد فتعتق من رأس المال. وقال أيضاً مالك: لا تعتق إذا لم يكن معها ولد [لا] من ثلث، ولا من رأس مال، كان ورثته ولداً أو كلالة، كقوله: [كنت] أعتقت عبدي في صحتي، فلا يعتق في ثلث ولا رأس مال، وقاله أكثر الرواة.
2164 - ومن باع أمة فولدت لستة أشهر أوأكثر مما تلحق فيه الأنساب فادعى البائع أنه ولده، وأقر بالوطء أو باعها وهي حامل ثم ادعى الولد بعد الوضع، فإن الولد يلحق به إن لم يتهم، ويرد البيع، وتكون به أم ولد له، وإن باعها ومعها ولد ثم استلحق الولد عند الموت بعد سنين كثيرة، فإنه يلحق به إن لم يتهم بانقطاع من الولد إليه وهو لا ولد له.
وقال أشهب: إذا ولد عنده من أمته ولم يكن له نسب، فإقراره جائز، ويلحق به الولد ويرد الثمن، وتكون الأمة أم ولد له وإن كان ورثته كلالة [أو ولداً]، وقاله كبار أصحاب مالك.
قال سحنون: وهذا أصل قولنا، وعليه العمل، ومثله [من] قول ابن القاسم في استلحاق من أحاط الدين بماله، ولد أمته أنه يلحق به وتكون هي أم ولد [له]، ولا يلحقها الدين، وكذلك أمهات الأولاد لا يلحقهن الدين ولا يردهن بخلاف المديان بعتق وقاله جميع الرواة، فهذا كان أولى بالتهمة من الذي استلحق في مرضه لإتلافه أموال الناس، [إلا أن] استلحاق النسب يقطع كل تهمة. قال أشهب: ألا ترى أن الرجل يطلق زوجته قبل البناء، فلا يجوز له ارتجاعها إلا بنكاح جديد وولي وصداق، ثم إن ظهر بها حمل فادعاه، لحق به الولد وجاز له أن يرتجع بلا صداق ولا نكاح مبتدأ، فالولد قاطع للتهم.

2165 - ومن أقر بوطء أمته ثم باعها قبل أن يستبرئها، فأتت بولد لما يشبه أن يكون من وطئه، فأنكره البائع، فهو به لاحق، ولا ينفعه إنكاره، ويرد البيع إلا أن يدعي استبراء. قيل: فإن أقر بوطء أمته فأتت بولد فأنكر السيد أن تكون ولدته؟ قال: سئل مالك عن المطلقة تدعي أنها قد أسقطت وانقضت عدتها، ولا يعلم ذلك إلا من قولها، فقال: لا يكاد يخفى على الجيران الولادة والسقط، وإنها لوجوه تصدق فيها النساء وهو الشأن، ولكن لا [يكاد] [هذا] يخفى على الجيران، فكذلك مسألتك في ولادة الأمة.(1)
وأم الولد إذا ولدت ولداً في حياة سيدها أو بعد موته أو بعد أن أعتقها لمثل ما تلد له النساء، فالولد يلحقه إلا ان يدعي الحي استبراء أو ينفي الولد، فلا يلزمه.
2166 - [قيل: فمن زوج أمته عبده أو أجنبياً فأتت بولد لستة أشهر فأكثر، فادعاه السيد، لمن الولد؟ قال: قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبياً، ثم وطئها السيد فأتت بولد، فالولد للزوج، إلا أن يكون الزوج معزولاً عنها مدة في مثلها براءة الرحم، فإنه يلحق بالسيد، لأنها أمته، ولا يحد، وكذلك الجواب إن أتت بولد لستة أشهر وقد دخل بها زوجها فادعاه السيد.
وإن أتت به لأقل من ستة أشهر، وقد دخل بها زوجها، فسخ نكاحه ولحق الولد بالسيد إن أقر بالوطء، إلا أن يدعي استبراء].
__________
(1) انظر: التقييد (3/124)، ومنح الجليل (9/479).

2167 - ومن وطئ أمة مكاتبه فأتت بولد، لحق به وكانت به أم ولد ولا يحد، إذ لا يجتمع الحد والنسب، فإن درئ الحد ثبت النسب، وعليه قيمتها يوم حملت ولا قيمة عليه للولد، فإن كان عديماً والذي على المكاتب كفاف القيمة، عجل عتقه وإن زادت القيمة أُتبع السيد بالزيادة. وقال غيره: ليس للسيد تعجيل ما على مكاتبه ويغرم له القيمة في ملائه وتباع الكتابة لذلك في غرمه، فإن كانت كفافاً كانت أم ولد للسيد، وللمكاتب أخذ قيمة أمته معجلاً، والأداء على نجومه إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيه من كتابته لتعجيل عتقه، فذلك له، وإن لم يكن في ثمن الكتابة إلا قدر نصف قيمة الأمة أخذه المكاتب، ويبقى له نصف الأمة رقيقاً، ونصفها لسيده بحساب أم ولد، وأتبع السيد بنصف قيمة الولد.
2168 - ومن وطئ أمة ابنه الصغير أو الكبير، درئ عنه الحد وقومت عليه يوم الوطء، حملت أو لم تحمل، كان ملياً أو معدماً.
2169 - قال مالك في وطء الشريك إذا لم تحمل، فلشريكه التماسك بنصيبه، والأب عندي بخلاف الشريك في ذلك، فإن كان الابن كبيراً، والأب عديماً قومت عليه يوم الوطء، وبعناها عليه في تلك القيمة إن لم تحمل، وكذلك المرأة تحل جاريتها لزوجها أو لولدها أو لأجنبي، وإن بيعت عليهم في العدم فلم يكن في الثمن تمام القيمة أُتبعوا بالبقية ديناً، وليس للمحلل التماسك بها وإن لم تحمل.
2170 - وإذا قومت على الأب أمة الابن وقد حملت منه وكان الابن قد وطئها، أُعتقت على الأب، إذ قد حرم عليه وطؤها وبيعها، ولحق به الولد، ولو لم تحمل من الأب حل له بيعها وحرم عليه وطؤها.
2171 - وإن وطئ الأب أم ولد ابنه غرم لابنه قيمة أم الولد، وعتقت على الابن لا على الأب، لأن الولاء قد ثبت للابن، وإنما عتقت لأنها قد حرمت على الأب والابن.

2172 - وأما إن وطئ الأب زوجة ابنه لم تحرم الزوجة على الابن في أحد قولي مالك بخلاف أم الولد، لأن الأب لا حد عليه في وطء أم ولد ابنه، ويحد في وطء زوجة ابنه ويرجم إن كان محصناً.
2173 - وإن أتت أم ولد الابن بعد وطء الأب إياها بولد لحق بالابن، إلا أن يكون الابن معزولاً عنها قبل وطء الأب إياها بمدة في مثلها تستبرئ، فيلحق بالأب، لأن مالكاً قال فيمن زوج أمته عبده فدخل بها ثم وطئها السيد فأتت بولد: إنه يلحق بالعبد، إلا أن يكون العبد معزولاً عنها أو غائباً غيبة يعلم أنها قد حاضت بعدها واستبرأ رحمها، فيلحق الولد بالسيد وترد الأمة إلى زوجها.
2174 - ومن اشترى زوجته لم تكن أم ولد له بما ولدت منه قبل هذا الشراء، إلا أن يبتاعها حاملاً، فتكون بذلك الولد أم ولد له، ولوكانت لأبيه فابتاعها حاملاً، لم تكن له أم ولد بذلك الحمل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده، بخلاف أمة الأجنبي، لأن الأب لو أراد بيع أمته [وهي حامل]، لم يجز ذلك، لأنه قد أعتق عليه ما في بطنها، والأجنبي لو أراد بيع أمته وهي حامل من زوجها، جاز له ذلك، ودخل حملها في البيع معها.
وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده ولا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها، لأن في ذلك غرر، لأنه وضع من ثمنها لما استثنى وهو لا يدري ايكون أم لا، فكما لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر، فكذلك لا يستثنى، وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين، لأنه عتق بسنة وليس هو عتق اقتراف.
2175 - قال ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملاً انفسخ نكاح الأب، إذ لا ينكح أمة ولده، ولا تكون أم ولد للأب، وتبقى رقيقاً للابن ويعتق عليه ما في بطنها، ولا يبيعها حتى تضع [غلا أن يرهقه دين، فتباع وهي حامل، وقاله أشهب.
وقال غيرهما: لا تباع في الدين حتى تضع]، لأنه عتق بسنة لا باقتراف.

قال ابن القاسم: وإن كان حملها من أخيك بنكاح فابتعتها، فهي والولد رقيق لك، والنكاح ثابت.
2176 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب أو أُسر فتنصر بها، وقف ماله وأم ولده ومدبروه، وتحرم على المرتد أم ولده في ردته حتى يسلم، وأما النكاح فتنقطع عصمته بارتداده فإن قدم فأسلم، رجعت إليه أم ولده [ومدبروه] وعاد إليه ماله ورقيقه، وإن قتل على ردته عتقت أم ولده منرأس ماله وعتق مدبروه في الثلث، وتسقط وصاياه ويكون ماله لجميع المسلمين.
2177 - وإن أسلمت أم ولد الذمي، فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق وولاؤها للمسلمين، ولا تسعى في قيمتها، فإن أسلم السيد بعدها قبل أن تعتق، فهو أحق بها، وتبقى له أم ولد [كما كانت] وإن طال ما بين إسلامهما ما لم تعتق بقضية إمام. وما ولدته من غير سيدها الذمي بعد أن أولدها فلا يعتقون بإسلامها، كانوا صغاراً أو كباراً، وإنما يعتقون بموت سيدها، ولا يكونون مسلمين بإسلامها، لأن الولد للأب في الدين وللأم في الرق، فإن أسلم كبارهم لم يعتقوا [أيضاً] إلا إلى موت السيد.
2178 - وإذا أسلمت أمة النصراني ولها ولد، لم يكن ولدها مسلماً بإسلامها إذا كان أبوه نصرانياً، صغيراً كان الولد أو كبيراً، وتباع وحدها دون الولد، إلا أن يكون الولد لم يستغن عنها، فيباع معها من مسلم، وليس لمشتريه أن يجعله مسلماً إذا كره ذلك أبوه، ويبقى على دين أبيه. [قيل:] فإذا أسلمت أم ولد المكاتب الذمي وسيده مسلم، [قال: أرى أن توقف، فإن عجز المكاتب كانت حاله كحال النصراني اشترى أمة مسلم، فإن كان سيده ذمياً وقفت، فإن أدى المكاتب وعتق عتقت عليه، وإن عجز رق وبيعت عليه].

2179 - وليس للرجل أن يكاتب أم ولده، وإنما يجوز أن يعتقها على مال يتعجله منها، فإن كاتبها فسخت الكتابة، إلا أن يفوت بالأداء فتعتق، ولا ترجع فيما أدت إذا كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض. وليس للسيد فيها خدمة ولا استسعاء ولا غلة وإنما له فيها المتعة، وله الخدمة في أولادها من غيره ممن ولدته بعد ولادتها منه، وهم بمنزلتها يعتقون بعد موت السيد من رأس المال وهم بخلافها في الغلة، وتسلم في الجناية خدمتهم. وهذا مذكور في كتاب الجنايات.
وللسيد أن يعجل عتق أم ولده على دين يبقى عليها برضاها، وليس ذلك بغير رضا. قال يحيى بن سعيد: فإن مات السيد وعليها الذي اشترت به نفسها، اتبعت به، ولو كانت كتابة سقطت وعتقت.
2180 - وإن كاتب الذمي أم ولده الذمية ثم أسلمت عتقت وسقطت عنها الكتابة، ومن باع أم ولده فأعتقها المبتاع، نقض البيع والعتق، وعادت أم ولد له، فإن ماتت بيد المبتاع قبل أن ترد فمصيبتها من البائع، ويرد الثمن، فإن لم يعلم للمبتاع موضع كان على البائع طلبه حتى يرد إليه الثمن ماتت أم الولد أو بقيت، وكذلك إن مات البائع، وقد ماتت هي بعد موته أو قبله أو بقيت أو لم يمت البائع، وقد ماتت هي أو بقيت، فإن البائع يُتبع بالثمن في ذمته كان ملياً أو معدماً.(1)
2181 - وإذا اشترى المأذون أمة بإذن سيده أو بغير إذنه، فوطئها، ثم عتق وقد ولدت منه أولاداً، أو هي حامل منه فهي تبع له كماله، ولا تكون له أم ولد بما ولدت منه قبل عتقه، ولا بما كانت به حاملاً حين عتق، لأن ذلك الولد رق لسيده إلا أن يملك المأذون حملها قبل أن تضعه، فتكون به أم ولد له، ولو أعتقها المأذون بعد أن عتق لم أُعجل لها ذلك وكانت حدودها حدود أمة حتى تضع، فيرق الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها، بغير إحداث عتق.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/166)، و(2/472)، وحاشية الدسوقي (3/185)، (4/189)، والتاج والإكليل (4/36)، والشرح الكبير (4/507).

2182 - قال ابن القاسم: وكل ما ولد للمكاتب أو للمدبر من أمته مما حملت به بعد عقد التدبير أو الكتابة فهو بمنزلته يعتق معالمكاتب بالأداء ومع المدبر في الثلث، فإذا عتقا كانت الأم أم ولد بذلك لهما، كان الولد الآن حياً أو ميتاً، وقاله مالك، ولمالك قول آخر أنها لا تكون بذلك أم ولد، وقاله أكثر الرواة في المدبر خاصة إذ كان للسيد انتزاعها.
قالوا: وأما المكاتب فهي له أم ولد إذا عتق إذ كان السيد ممنوعاً من ماله. وليس للمدبر أن يبيع أم ولده في حياة سيده إلابإذنه، وللسيد انتزاعها إذا شاء. وإذا مات المدبر وترك ولداً حدث في تدبيره من أمته ثم مات السيد كانت أم ولد المدبر، وما ترك من مال لسيده، ويعتق ولده في ثلث السيد بعد موته.
2183 - ومن باع صبياً ولد عنده أو لم يولد عنده ثم استلحقه بعد طول الزمان، لحق به ورد الثمن إلا أن يتبين كذبه.
ومن استلحق ولداً لا يعرف له نسب، لحق به، وإن لم يعرف أنه ملك أمة بشراء أو نكاح، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته لحقا به، إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله فلا يلحق به، ومما يعرف به كذبه أن يكون له أب معروف، أو هم من المحمولين من بلدة يعلم أنه لم يدخلها قط، كالزنج والصقالبة، أو تقوم بينة أن أم هذا الصبي لم تزل متزوجة لغير هذا المدعي حتى ماتت، وإن قالوا: لم تزل ملكاً لغيره، فلا أدري ما هذا، ولعله تزوجها.
وإن استلحق محمولاً من بلدة دخلها لحق به، والذي يبتاع أمة فتلد بعد الشراء بأيام فيدعيه، فهذا ممن قد تبين كذبه إلا أنه لا يحد، ولا يلحق به [الولد] إلا أن يكون كانت له زوجة ثم ابتاعها وهي حامل فتجوز دعواه.

2184 - ومن وُلد عنده صبي فأعتقه ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق به وإن أكذبه الولد. ومن استلحق صبياً في ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره لم يصدق إذا أكذبه الحائز لرقه أو لولائه، ولا يرثه إلا ببينة تثبت، وكذلك إن استلحق ابن أمة لرجل وادعى نكاحها وأكذبه السيد لم يلحق به، إلا أن يشتريه فيلحق به ويعتق، كمن ردت شهادته بعتقه ثم ابتاعه، ولأنه ادعاه بنكاح لا بحرام، وإن ابتاع الأم لم تكن به أم ولد [له]، فإن أعتقهم سيدهم قبل أن يبتاعهم مستلحقهم، لم يثبت نسبهم منه ولا يوارثهم، إلا بأمر يثبت، لأن الولاء قد ثبت لسيدهم فلا ينتقل عنه إلا ببينة.
2185 - ومن باع أمة فأعتقت لم تقبل دعوى البائع أنه كان أولدها إلا ببينة، ومن ابتاع أمة فولدت عنده ما بينها وبين أربع سنين ولم يدعه، فادعاه البائع، فإنه يلحق به ويرد البيع، وتعود هي أم ولد له، إن لم يتهم فيها، فإن ادعاه بعد عتق المبتاع الأم والولد، ألحقت به نسب الولد، ولم أُزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما ويرد البائع الثمن، وكذلك إن استلحقه بعد موتهما، ولو عتقت الأم خاصة لم أقبل قوله فيها، وقبلته في الولد، [ولحق به] ورد الثمن لإقراره أنه ثمن أم ولده، ولو كان الولد خاصة هو المعتق، أثبت الولاء لمعتقه وألحقت الولد بمستلحقه، وأخذ الأم إن لم يتهم فيها لدناءتها ورد الثمن، وإن اتهم فيها لم ترد إليه، وكذلك الجواب إذا باع الأمة وهي حامل فولدت عند المبتاع فيما ذكرنا.
قيل لابن القاسم في باب آخر: أرأيت من باع صبياً ولد عنده فأعتقه المبتاع ثم استلحقه البائع أتقبل دعواه وينقض البيع فيه والعتق؟ قال: إن لم يتبين كذب البائع فالقول قوله.

2186 - قال غيره: من باع أمة وولدها، وقد ولدته عنده أو عند المبتاع لمثل ما تلد له النساء، ولم يطأها المبتاع ولا زوج، أو باعها وحبس ولدها، أو باع الولد وحبسه ثم استلحق الولد، والولد والأم عند المبتاع أو أحدهما وقد أحدث فيهما أو في أحدهم عتقاً أو تدبيراً أو كتابة، أو لم يحدث شيئاً، فذلك كله منتقض ويردان أو أحدهما إلى البائع، والولد لاحق به والأم أم ولد له، ويرد هو الثمن.
قال سحنون: فإن كان عديماً فبعض أصحابنا يقول: يتبع بالثمن ديناً، وقال آخرون - وقاله مالك - : يرد إليه الولد [خاصة] بما ينويه من الثمن للحوق النسب وأنه يرد إلى حرية ولا ترد الأم، لأنه يتهم أن يردها إلى المتعة بغير أداء ثمن وإذا لم يولد الولد عند بائع ولا مبتاع لما تلحق إلى مثله الأنساب لم أنقض بذلك صفة مسلم، أحدث المبتاع في ذلك عتقاً أم لا، لأن النسب لا يلحق أبداً إلا أن تلد الأمة وهي في ملكه أو عند من ابتاعها منه ولم يحز الولد نسباً معروفاً، أو كانت عنده زوجة لمثل ما تلحق فيه الأنساب، ولم يتبين كذبه، وإلا لم يلحق به أبداً.
2187 - وإذا ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فأنكر، لم أحلفه لها، إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، وامرأتين على الولادة، فتصير أم ولد، ويثبت نسب ولدها إن كان معها ولد، إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء، فيكون ذلك له، وإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وامرأة على الولادة، أحلفته.
2188 - وإن ادعى اللقيط ملتقطه أو غيره أنه ابنه لم يلحق به إلا ببينة.
قال مالك: أو يكون لدعواه وجه، كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد، وزعم أنه رماه، لأنه يسمع أنه إذا طرحه عاش ونحوه مما يدل على صدقه، فيلحق به، وإلا لم يصدق.
وقال غيره: إذا علم أنه لقيط، لم تثبت فيه دعوى أحد إلا ببينة.(1)
__________
(1) انظر: منح الجليل (8/247)، والتقييد (3/131).

وإن ادعت امرأة لقيطاً أنه ابنها لم تصدق، وإن ادعاه نصراني وقد التقطه مسلم فإن شهد له مسلمون لحق به وكان على دينه، إلا أن يسلم قبل ذلك ويعقل الإسلام فيكون مسلماً، والحملاء إذا أُعتقوا فادعى بعضهم أنهم إخوة بعض أو عصبتهم، قال مالك: أما الذين سبوا - أهل البيت، والنفر اليسير يتحملون إلى الإسلام فيسلمون - فلا يتوارثون بقولهم، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض، إلا أن يشهد من كان ببلدهم من المسلمين، وأما إن تحمّل اهل حصن أو عدد كثير فأسلموا، فإنه تقبل شهادة بعضهم لبعض، ويتوارثون بذلك، وقضى عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أن لا يتوارث أحد من الأعاجم إلا من ولد في العرب.
2189 - ابن القاسم: وإذا كانت الأمة بين رجلين [حرين] أو عبدين، أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر مسلم، فوطئاها في طهر واحد فأتت بولد فادعياه، دُعي [له] القافة، فمن ألحقوه به كان ينسب إليه، وإن اشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء، فإن والى الذمي لحق به، ولم يكن الولد إلا مسلماً، وإن مات الولد قبل الموالات عن مال فهو بين الأبوين نصفين، ولو وطئها أحدهما في طهر والآخر في طهر بعده، فأتت بولد، فهو للآخر إن وضعته لستة أشهر من مسيسه، وعلي لشريكه إن كان ملياً نصفقيمتها فقط يوم الوطء، أو يوم الحمل، كيف شاء شريكه، ولا صداق عليه ولا قيمة ولد في ملائه، وإن كان عديماً اتبع بنصف قيمة الأمة مع نصف قيمة الولد، وبيع عليه نصفها في ذلك، فإن كان ثمنه كفافاً لنصف قيمتها أتبعه بنصف قيمة الولد، وإن كان انقص أتبعه بما نقص مع نصف قيمة الولد، والولد حر لاحق النسب لا يباع منه شيء.

2190 - قال مالك: ومن وطئ أمته ثم باعها، فوطئها المبتاع في ذلك الطهر، فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو للبائع، وهي أم ولد له، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم البيع فادعياه دُعي له القافة فيكون ابناً لمن ألحقته القافة [به]، والأمة أم ولد له، وإن أشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء.
قال يحيى بن سعيد: ولو أسقطت عتقت عليهما، قضي بالثمن عليهما، وجلدا خمسين خمسين، وكذلك لو ماتت قبل أن تضع فمصيبتها منهما.
قال ابن القاسم: وإن كان المشتري إنما وطئها بعد أن استبرأها بحيضة لحق الولد بالمبتاع إن ولدته لستة أشهر فصاعداً من يوم وطئ، وإن ولدته لأقل من ذلك لم يلحق بالمبتاع وإن ادعاه، لأنه قد بان كذبه، ولا يحد، ولحق بالبائع إلا أن يدعي استبراء. وإنما القافة في الأمة توطأ بالملك على ما ذكرنا ولا قافة في الحرائر، فإذا تزوجت المطلقة قبل حيضة فأتت بولد لحق بالأول، لأن الولد للفراش، والثاني لا فراش له إلا فراش فاسد، وإن تزوجت بعد حيضة ودخل بها، لحق الولد بالآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر.
2191 - قال مالك: وإنما ألاط عمر - رضي الله عنه - في الحرائر بالقافة أولاد الجاهلية بآبائهم من الزنا، واحتج بذلك مالك في توأمي المستحملة أنهما يتوارثان من قبل الأم والأب. قيل لابن القاسم: فلو أسلم قوم من الحربيين أتليط بهم أولادهم من الزنا بالقافة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، ولكن وجه ما جاء عن عمر لو أسلم أهل دار من أهل الحرب كان ينبغي أن يصنع بهم ذلك، لأن عمر - رضي الله عنه - قد فعله وهو رأيي.

2192 - [قال مالك:] وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما فلم تحمل، فشريكه مخير في التماسك بنصيبه أو اتباع الواطئ بنصف قيمتها يوم وطئها، وإنما قومت عليه يوم الوطء، لأنه كان ضامناً لها لو ماتت بعد وطئه، حملت أو لم تحمل [ولا حد على الواطئ] ولا عقوبه عليه، ويؤدب غن لم يعذر بجهل، وإن حملت قُومت على الواطئ يوم الوطء إن كان مليئاً، ولا تماسك لشريكه، ويلحق الولد بالواطئ، وهي به أم ولد له.
قال ابن القاسم: فإن كان الواطئ عديماً فقد بلغني أن مالكاً قال قديماً: تكون له أم ولد، ويتبع بنصف قيمتها، ولا قيمة عليه في الولد، وآخر قوله - وبه آخذ - أن يقوّم عليه نصفها، ويباع نصفها فيما يلزمه من نصف قيمتها فما نقص عن ذلك أتبعه به مع نصف قيمة الولد، ولا يباع من الولد شيء، وهو حر ثابت النسب.
قال ابن القاسم: ويعتق عليه هذا النصف الذي بقي في يديه، إذ لا متعة له فيه وقد قال مالك فيمن أولد أمته ثم ألفاها أخته من الرضاعة: إن الولد لاحق به ويُدر عنه الحد وتعتق عليه، لأن وطأها قد حرم عليه ولا خدمة له فيها.
وقال غيره: الشريك في عدم الواطئ مخير بين أن يتماسك بنصيبه ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ديناً، أو يضمنه ويتبعه في ذمته، وليس هو كعديم أعتق حصته من عبد فأراد الشريك أن يضمنه، فليس ذلك عليه، لأنه إنما أعتق نصيبه فقط وفي الوطء وطئ حصته وحصة شريكه، فإن تماسك بنصيبه ولم يتبع الواطئ بقي نصيب الواطئ بحال أو الولد ولا يعتق عليه، إذ لعله يملك باقيها فيحل له وطؤها، إلا أن يعتق المتمسك بالرق نصيبه فيعتق على الواطئ نصيبه، إذ لا يطؤها بملك أبداً، وإذا تماسك الشريك [بنصيبه] وترك تضمين الواطئ لعدمه ثم أراد التقويم عليه بعد يسره أو شاء ذلك الواطئ فأباه المتمسك، لم يلزم الآيي منهما، ولو طاعا بذلك لم تكن للواطئ كلها بمحل أم ولد، للرق الذي بقي فيها إلا أن يولدها ثانية.

قال سحنون: والاختلاف بين أصحابنا في هذه المسألة كثير، وهذا أحسن ما سمعت من ذلك.
2193 - قال ابن القاسم: وإذا أتت [أمة] بين رجلين بولد، فادعاه أحدهما، لزمه نصف قيمتها يوم الحمل، وليس عليه نصف صداق، وإن أقر أنه زنى بأمة لغيره فأتت بولد منه، لم يلحق به وحُدّ، وإن ابتاعها لم يلحق به الولد، ولا يعتق عليه، وإن كان الولد جارية، لم يحل له وطؤها أبداً.
2194 - ومن أخدم أمته سنين ثم وطئها السيد فحملت، فإن كان مليئاً كانت له أم ولد، وأخذ منه مكانها أمة تخدم في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه والأولى حية فلا شيء عليه، وقيل: تؤخذ منه قيمتها فيؤاجر منها خدام، فإن ماتت الأولى وانقضت اسنون وقد بقي من القيمة شيء أخذه السيد، وإن نفدت القيمة والأولى حية ولم تنقض المدة، فلا شيء عليه.
* * *

(كتاب الولاء والمواريث)
2195 - قال مالك: ومن أعتق عبداً عن رجل حي أو ميت، بأمره أو بغير أمره، قالوا للمعتق عنه وميراثه له، لأن من أعتق سائبة لله فولاؤهم للمسلمين وعليهم العقد ولهم الميراث، ومعنى السائبة أنه أعتق عن المسلمين.
وإن أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل، ولا يجره عبده إن عتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك، أنه لا يجره الولاء.
وقال أشهب: يرجع إليه الولاء، لأنه يوم عقد عتقه، لا إذن للسيد فيه ولا رد.
2196 - ومن جعل لرجل مالاً نقداً أو مؤجلاً على تعجيل عتق عبده أو تعجيل عتق مدبره، ففعل، جاز ولزمه المال، والولاء للذي أعتق وأخذ المال، وإن كان عتق العبد إلى أجل والمال حال، أو إلى أجل، فلا خير فيه، كمن أخذ مالاً على تدبير عبده أو كتابته، [فذلك لا يجوز]، لأنه غرر.

ومن أعتق عبده عن امرأة للعبد حرة، فولاؤه لها بالسنة(1)، ولا يفسخ النكاح، لأنها لم تملكه، ولو دفعت الحرة مالاً لسيد زوجها على أن أعتقه عنها فسخ النكاح، وذلك شراء لرقبته وولاؤه لها.
وقال أشهب: لا يفسد النكاح لأنها لم تملكه.
2197 - ومن أعتق عبداً عن أبيه أو أخيه المسلم، فالولاء للمعتق عنه، وإن أعتق عبد مسلماً عن أبيه النصراني، فلا ولاء له، وولاؤه للمسلمين، ولو كان العبد نصراني كان ولاؤه لأبيه.
2198 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً أو أسلم المعتق وللسيد ورثة أحرار مسلمون رجال، مثل: أب، أو أخ، أو ابن عم، أو ابن ابن، فولاء العبد وميراثه إن مات لورثة سيده المسلمين دون السيد وإن كان حياً، لأن الولاء كان للسيد، إذ كان نصرانياً فلما أسلم العبد لم يرثه لاختلاف الدينين ولا يحجب السيد ورثته، لأن كل من لا يرث فلا يحجب. ألا ترى أنه لو مات لهذا النصراني ولد مسلم أن عصبة النصراني المسلمين رثون الولد، قال: فإن أسلم السيد رجع إليه ولاء هؤلاء.
2199 - ولو أعتق نصراني من بني تغلب أو غيرها من العرب عبيداً له نصارى ثم أسلموا وهلكوا عن مال، فميراثهم وولاؤهم لعصبة سيدهم إن كانوا مسلمين يعرفون، وما جنى العبيد بعد إسلامهم، فعقلهم على بني تغلب.(2)
وأما إن أعتق نصراني من العرب أو [من] غيرهم عبيداً له قد أسلموا، أو ابتاع مسلماً فأعتقه، فولاء العبيد وميراثهم لجميع المسلمين دون السيد ودون ورثته المسلمين، ولو أسلم السيد بعد ذلك، لم يرجع ولاؤهم إليه.
__________
(1) والآثار كما في المدونة، وانظر: المصنف لعبد الرزاق (9/25، 26)، فما بعدهما.
(2) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/495).

2200 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً إلى أجل أو كاتبه، ثم أسلم العبد قبل الأجل بيعت الكتابة وآجرنا المؤجل، فإذا حل الأجل وأدى المكاتب كتابته عتق وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يسلم السيد فيرجع إليه الولاء، لأنه عقد له العتق والعبد على دينه، فلا ينظر إلى يوم تمام حريته، وإن كان العبد يوم عقد له العتق مسلماً، فأعتقه بتلاً أو إلى أجل، أو كاتبه ثم أسلم السيد قبل الأجل، أو قبل أداء الكتابة، أو بعد ذلك، فإن ولاء العبد إذا أعتق لجميع المسلمين دون السيد.
وإن أسلمت أم ولد الذمي فعتقت عليه، كان ولاؤها للمسلمين، فإن أسلم سيدها بعد ذلك رجع ولاؤها إليه وقد تقدم في كتاب التدبير ذكر مدبر الذمي يسلم.
2201 - ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو تصدق [بغير إذنه] فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل ولم يلزم العبد ولا المكاتب إن عتقا، وإن لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا، مضى ذلك وكان الولاء لهما، إلا أن يكون السيد قد استثنى مال عبده حين أعتقه، فيرد فعل العبد ويكون من أعتق [متقدماً] بغير إذنه رقاً للسيد، ومن أعتق بإذن السيد جاز، والولاء للسيد إلا أن يعتق المكاتب فيرجع إليه الولاء، إذ ليس للسيد انتزاع ماله، وأما العبد فلا يرجع إليه الولاء وإن أعتق.
وعتق أم الولد لعبدها على ما وصفنا في عتق العبد لعبده.

2202 - وإذا كاتب المسلم عبده النصراني، فكاتب المكاتب عبداً [له] نصرانياً، ثم أسلم الأسفل، فلم تُبع كتابته وجُهل ذلك حتى أديا جميعاً وعتقا، فولاء المكاتب الأعلى لسيده، ولا يرثه لاختلاف الدينين ويرثه المسلمون، ولو أسلم كان ميراثه للسيد، وولاء المكاتب الأسفل للسيد الأعلى ما دام سيده نصرانياً. ولو ولد للمكاتب الأعلى بعد العتق ولد فبلغ وأسلم ثم مات، [فولاؤه] لورثة موالي أبيه، فأما إن أعتق عبيداً [له] مسلمين ثم ماتوا عن مال، فميراثهم لبيت المال لا للسيد، إذ لم يثبت له ولاؤهم فيجره إلى السيد، ولو كان العبيد إنما أسلموا بعد أن عتقوا لورثهم سيدهم، أو ولده المسلمون إن كانوا لهذا المكاتب النصراني، وكل من لا يرجع إلى النصراني من ولائه شيء إذا أسلم هو، فليس [لسيده] من ذلك الولاء شيء، وكل ولاء إذا أسلم النصراني يرجع إليه، فذلك الولاء ما دام نصرانياً لسيده الذي أعتقه.
2203 - ومن أعتق أمة له حاملاً من زوج حر، فولاء ما في بطنها للسيد، قال عطاء بن أبي رباح: وميراثه لأبيه.
قال يحيى بن سعيد في عبد تزوج أمة بغير إذن سيده فأولدها فعتق الولد قبل أبويه ثم عتقا، فهما يرثانه ما بقيا، فإن ماتا فولاء الولد لمن أعتقه، ولا يجر الوالد ولاء ولده إلى سيده.
2204 - قال مالك: وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو أسلم بعد خروجه، فهو حر وولاؤه للمسلمين، ثم إن أسلم سيده بعده وقدم [إلينا]، لم يرده في الرق ولم يرجع إليه ولاؤه، لأنه قد ثبت للمسلمين، [فأما] إن أعتقه ببلد الحرب، ثم أسلم العبد وخرج إلينا، ثم خرج سيده بعد ذلك فأسلم، رجع ولاؤه إليه إن ثبت عتقه إياه ببينة مسلمين من أسارى أو تجار أو أهل حصن يسلمون.
قال ابن القاسم: وإن قدمت إلينا حربية بأمان فأسلمت فولاؤها للمسلمين، فإن سبي أبوها بعد ذلك فعتق وأسلم، جر ولاءها لمعتقه إذ لم يملك ولاءها أحد برق تقدم فيها أو في أبيها.

وقال سحنون: لا يجر الأب ولاءها، لأنه قد ثبت للمسلمين.
قال ابن القاسم: وإذا أعتق الذمي عبيداً له نصارى ثم أسلموا، ثم لحق السيد بأرض الحرب ناقضاً للعهد فسبي ثم أسلم، رجع إليه ولاؤهم، ولا يرثهم لما فيه من الرق، فيكون ميراثهم للمسلمين إلا أن يعتق، ولا يرثهم سيده الذي استرقه ما دام هو في الرق، ولا يشبه هذا المكاتب الأسفل يؤدي قبل الأعلى ثم يموت عن مال، هذا يرثه السيد الأعلى، لأنه قد أعتقه مكاتب هو في ملكه بعد، وهذا قد أعتق هؤلاء وهو حر قبل أن يملكه هذا السيد، فإن أُعتق كان ولاؤهم له، ولا يجرهم إلى معتقه الآن، وإنما يجر إليه ولاء ما يعتق أو يولد له من ذي قبل، فأما ما تقدم له من عق أو ولد فأسلموا قبل أن يوسر فلا يجر ولاءهم إلى معتقه، لأن ولاءهم قد ثبت للمسلمين، ولو صار هذا النصراني حين سبي في سهم عبده هذا المسلم الذي كان أعتق فأعتقه بعد أن صار في سهمه ثم أسلم هو أيضاً فولاء كل واحد منهما وميراثه لصاحبه.
2205 - وإن أعتق مسلم نصرانياً ثم لحق النصراني بدار الحرب ناقضاً للعهد فهو فئ، فإن عتق فولاؤه لمعتقه أخيراً، فإن كان قبل أن يلحق بدار الحرب قد أعتق عبيداً له نصارى أو تزوج نصرانية حرة فولدت منه أولاداً ثم أسلموا، كان ولاؤهم لمولاه الأول، لأن ذلك قد ثبت له، ويكون ولاؤه هو وولاء من يولد له أو يعتق من الآن لمولاه الثاني، ولا يجر إليه ما كان من ذلك قبل الرق الثاني، وإنما يجر مثل هذا العبد يتزوج حرة فيولدها والأملاك تتداوله حتى يعتق، فيجر ولاء كل ولد له منها إلى معتقه.

2206 - ومن شهد على رجل أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبداً له في وصيته ثم ورثه عنه بأسره، أو أقر بعد أن اشترى عبداً أنه حر، أو أن البائع أعتقه والبائع منكر، أو قال: كنت بعت عبدي هذا من فلان فأعتقه، وفلان يجحد ذلك، فالعبد في ذلك كله حر بالقضاء، وولاؤه لمن زعم هذا أنه أعتقه.
ومن اشترى أمة ثم أقر انها أم ولد لبائعها، فذلك يلزمه ولا سبيل له عليها، إلا أني لا أعجل عتقها حتى يموت البائع، إذ لعل البائع يقر بذلك، فتعود أم ولد له.
2207 - وإذا أعتق المكاتب عبده على مال، فإن كان المال للعبد لم يجز، لأنه قادر على انتزاعه، وإن لم يكن له، جاز على وجه النظر، لأن له أن يكاتب عبده على وجه النظر وإن كره سيده، فإن أدى كتابته كان له ولاء مكاتبه، وإن عجز كان ولاء مكاتبه لسيده.
ومن قال لمكاتب أو لعبد مأذون له في التجارة: أعتق عبدك هذا عني ولك ألف درهم، ففعل، جاز له ذلك، لأنه بيع، وبيعهما جائز، وإن قال للمكاتب: أعتقه على ألف درهم، ولم يقل: عني، [فالعتق جائز] إذا كانت الألف ثمناً للعبد أو أكثر من ثمنه، والولاء للمكاتب إن عتق، وإن عجز فالولاء لسيده، ولا شيء للذي أعطى الألف من الولاء، وتلزمه الألف الدرهم، كمن قال لرجل: أعتق عبدك على ألف درهم، ولم يقل: عني، فأعتقه، لزمته الألف، والولاء للذي أعتق.
وما ولد للمدبرة أو المكاتبة من زوج حر أو مكاتب لغير سيدها، فإن ولدها منه بمنزلتها في الرق والعتق، وولاؤهم لسيدها دون سيد الأب، وكذلك لو وضعته المكاتبة بعد الأداء، إذ مسه الرق في بطنها، ألا ترى أن من أعتق أمته وهي حامل من زوج عبد فولدت بعد العتق أن ولدها حر، وولاؤه لسيد الأمة، ولا يجر الأب ولاءه.

2208 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً من زوجة حرة وولداً حدثوا له في الكتابة من أمته وترك وفاءً بالكتابة، أو لم يترك شيئاً فأدى عنه ولده الذين في الكتابة، لم يجر السيد ولاء ولده من الحرة في الوجهين، لأنه مات قبل تمام حريته، ولا يجر إلى السيد الولد الذين في الكتابة، ولا إخوتهم.
ولو كان للمكاتب الميت مكاتب فأدى الأسفل، كان ولاؤه للولد الذين [معه] في الكتابة دون ولد الحرة كفاضل ماله، ولو لم يمت الأعلى حتى أدى الأسفل، ثم أدى [الأعلى]، رجع إليه ولاء الأسفل دون سيده.
2209 - ومن أسلم من الذميين فعقلهم وجرائر مواليهم على بيت المال، ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفون، وكذلك من أسلم من الأعاجم والبربر والسودان والقبط، ولا موالي لهم فعقلهم على المسلمين، وميراثهم لهم وليس إسلام الرجل على يد الرجل بالذي يجر ولاءه.
2210 - قال مالك: ولا يرث أحد أحداً إلا بنسب قرابة أو بولاء عتاقة [أو بعصمة نكاح].
2211 - ومن أوصي له بمن يعتق عليه إذا ملكه والثلث يحمله، عتق عليه قبله أم لا، وله ولاؤه، ويبدّى على الوصايا. قال أشهب: وهو مضار في ترك قبول الوصية إذا كان الثلث يحمله، ولا يلزمه تقويم. قال مالك: فإن لم يسع الثلث إلا بعضه، فإن قبله، قُوّم عليه بقيته، وعتق وكان الولاء له، وإن لم يقبله فروي عن مالك أن الوصية تسقط، وكذلك إن أوصي له ببعضه والثلث يحمله، فإن قبله بدّي به وقوّم عليه باقيه، وكان له الولاء، وإن أوصى المولى عليه بمن يعتق عليه فلم يحمله الثلث فقبله وليه ولم يعتق منه إلا ما حمل الثلث، ولا يقوم عليه باقيه، وليس للوصي ألا يقبله. وهذا في كتاب العتق مستوعب.

2212 - وإذا أعتق المسلم نصرانياً فله ولاؤه ولا يعقل عنه ما جنى، لا هو ولا قومه، ولا يرثه، لاختلاف الدينين، ويعقل عنه المسلمون، وهم يرثونه إن لم تكن له قرابة على دينه، ولا جزية عليه، ولو قتله أحد كان عقله للمسلمين، وقال نافع: لا يرث مسلم كافراً إلا الرجل عبده أو مكاتبه.
2213 - [قال ابن القاسم:] وإذا أعتق قرشي وقيسي عبداً بينهما [معاً]، فجريرته على قريش وقيس، وتكتب شهادته: فلان مولى فلان القرشي وفلان القيسي. وإذا كان عبد مسلم بين ذمي ومسلم قرشي فأعتقاه معاً، فولاء حصة الذمي للمسلمين، ولو كان العبد نصرانياً فأعتقاه معاً ثم جني جناية كان نصفها على بيت المال لا على المسلم، لأنه لا يرثه، ونصفها على أهل خراج الذمي الذي يؤدون معه. ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى [جناية]، كانت حصة الذمي على المسلمين دون أهل خراج الذمي، لأنهم وارثوا حصته، والنصف على قوم القرشي، لأنه صار وارثاً لحصته منه، وإن أسلم الذمي رجع إليه ولاء حصته منه، ثم يكون ما جنى بعد ذلك خطأ نصفه في بيت المال ونصفه على قوم القرشي.(1)
2214 - واللقيط حر وولاؤه للمسلمين لا لمن التقطه، وليس له أن يوالي من شاء، والمسلمون يعقلون عنه ما جنى، ويرثونه، ومن أنفق عليه، فلا يرجع عليه بشيء، لأن ذلك على معنى الحسبة، إلا أن يكون له مال وُهب له، فليرجع عليه بما أنفق في ماله.
وتفسير قول الله عز وجل: {وَفِي الرِّقَابِ} (البقرة: 177) هي الرقبة تعتق من الزكاة، فولاؤها لجميع المسلمين.
2215 - ولو تزوج عبد حرة فولدت منه أولاداً، فعتق [العبد] من الزكاة، كان ولاؤه وولاء ولده الأحرار لجميع المسلمين.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/268).

2216 - وعقل الموالي المرأة على قومها وميراثهم إن ماتت هي، لولدها الذكور، فإن لم يكن لها ولد فذلك لذكور ولد ولدها الذكور دون الإناث، وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي، فإذا انقرض ولدها وولد ولدها، رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين [هم] أقعد بها يوم [موت] الموالي دون عصبة الولد، وقاله عدد من الصحابة والتابعين.
2217 - ومن أسلم فكان ولاؤه للمسلمين، فتزوج امرأة من العرب أو من الموالي معتقة، فولدت منه أولاداً، فولاء الولد للمسلمين، فإن مات الأب ثم مات ولده بعده كان ميراثهم للمسلمين.(1)
2218 - وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر عليه ولاء، فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث ولده من كان يرث الأب إن كان الأب قد مات، ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته ولا صدقته.
2219 - وإذا تزوجت الحرة عبداً فولدت منه أولاداً، كان ولاء الولد لومالي الأم ما دام الأب عبداً، فإن عتق الأب جر ولاءهم لمعتقه، وهذا كولد الملاعنة ينسب إلى موالي أمه وهم يرثونه ويعقلون عنه، ثم إن اعترف به أبوه، حد ولحق به، وصار ولاؤه لموالي أبيه وعقله عليهم، وكذلك لو كان لولد العبد من الحرة جد أو جد جد حر قد عتق قبل الأب، لجر ولاءهم إلى معتقه.
2220 - ولا تجوز شهادة النساء في ولاء ولا نسب ولا عتق، لا على علمهن ولا على سماع، قال مكحول: لا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله تعالى في الدين، والشهادة على الشهادة في الولاء جائزة، وشهادة رجلين تجوز على شهادة عدد كثير.
قال مالك: وإن شهد رجلان على السماع أن هذا الميت مولى فلان أعتقه، تأنى الإمام، فإن لم يأت من يستحق ذلك قضى له بالمال مع يمين الطالب، ولا يجر بذلك الولاء، وقال أشهب: يكون له ولاؤه وولاء ولده بشهادة السماع.
قال: وكذلك لو أقر رجل أن فلاناً مولاه، ثم مات ولم يُسأل أمولى عتاقة أو غير عتاقة؟ رأيته مولاه ويرثه بالولاء.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/370).

2221 - قال ابن القاسم: وإن شهد شاهد [واحد] على السماع، لم يحلف معه، ولا يستحق به من المال شيئاً، لأن الشهادة على السماع إنما هي شهادة على شهادة، فلا تجوز شهادة واحدة على شهادة غيره.
قال غيره: وإذا شهد شاهد على البت في الولاء أو في النسب، لم يحلف معه ويستحق المال، لأن المال لا يستحق حتى يثبت الولاء أو النسب، وثبوتهما لا يتم إلا بشاهدين، ألا ترى أن مالكاً قال في أخوين أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر، أن المقر به لا يحلف ويثبت مورثه من جميع المال، لأنه لا يثبت له المال إلا بثبات النسب، ولكن يعطيه المقر ثلث ما في يديه.
وقال غيره: إنما استحسن في شاهد على البت في الولاء، وبشاهدين على السماع إن قضى له بالمال مع يمينه بعد الاستثناء، لأن المال ليس له طالب ولا نسب معروف، كما أن إقرار الأخ بأخيه يوجب له أخذ المال، ولا يثبت له النسب. وقد قال مالك نحو هذا في كتاب الشهادات.
2222 - قال ابن القاسم: ومن أقام بينة على أن هذا الميت مولاه، لا يعلمون له وارثاً غيره، لم تتم الشهادة حتى يقولوا: أعتقه أو أعتق أباه، أو يشهدوا على إقرار الميت أنه مولاه، أو على شهادة بينة أن هذا مولاه.
قال أشهب: إن قدر على البينة لم يقض بها حتى يكشفوا عن ذلك، وإن لم يقدر عليهم حتى ماتوا، قضي له بالمال وبالولاء.
ومن ادعى أنه ابن فلان، أو أبوه، أو أنه مولاه من أسفل أو من فوق، وفلان يجد، فله إيقاع البينة عليه، ويقضي له، وكذلك في الأمومة والأخوة.
ومن مات وترك ابنتين فادعى رجل انه أعتق هذا الميت وأنه مولاه، وصدقته إحدى الابنتين، لم يأخذ مما بيدها شيئاً، ولا يثبت له ولاء، فإذا ماتت ولم تدّع وارثاً غيره ولا عصبة فإنه يحلف ويرثها، ولو أقرت البنتان أنه مولى أبيهما وهما عدلتان، حلف معهما وورث الثلث الباقي إن لم يأت أحد بأحق من ذلك من ولاء ولا عصبة ولا نسب معروف، ولا يستحق بذلك الولاء.

وقال غيره: لا يحلف مع إقرارهما، ولا يرث الثلث الباقي، لأنهما شهدتا على عتق، وشهادتهما في العتق لا تجوز.
ولو أقرتا أنه مولاهما ورثهما إذا لم يعرف باطل قولهما، كمن أقر أن فلاناً مولاه، ولا يعرف كذبه.
ومن قال: فلان أعتقني فأنكر ذلك فلان، فلا يمين عليه. قيل: فإن أقام شاهداً واحداً أتحلفه، فإن أبى سجنته؟ قال: لا أسجنه، ولكن يقال له: إئت بشاهد آخر وإلا فلا ولاء له عليك.(1)
ومسألة شهادة الأعمام وبنيهم في الولاء مذكورة في كتاب الشهادات.
2223 - ومن أقر أن فلاناً أعتقه وفلان يصدقه، فإنه يستحق بذلك ولاءه وإن أكذبه قومه، إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك فيؤخذ بها، وكذلك إن أقر بذلك عند الموت، فإنه يصدق ويرثه فلان إن لم تقم بينة بخلاف ذلك.
ومن أقر أن أباه أعتق هذا العبد في صحة أو مرض، والثلث يحمله، فإن لم يرث الأب غيره، جاز العتق ولزمه، وكان ولاؤه للأب، وإن كان معه وارث غيره، لم يجز قوله. وهذا مذكور في كتاب العتق.
2224 - وإذا أُعتقت أمة وهي تحت حر، فولدت منه ولداً، وقالت: عُتقت وأنا به حامل، وقال الزوج: بل حملت به بعد العتق فولاؤه لموالي، فالقول قول الزوج.
قال أشهب: ولو أقر الزوج بقولها، لم يصدق إلا أن تكون بينة الحمل يوم العتق، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم العتق.
والرجلان يدعي كل واحد منهما أنه مولى فلان من فوق، وفلان مقر بأحدهما وأقاما البينة، فإنه يُقضى لأعدلهما بينة، ولا ينظر إلى إقرار المولى لأحدهما، فإن تكافأت البينتان سقطتا، وكان الولاء للمقر له [منهما] كحق حازه.
2225 - ومن ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم أقام آخر البينة أنه مولاه، وأقام قابض الميراث مثلها، وتكافأتا، فالمال بينهما. قيل: ولم؟ وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فإن المال للذي هو في يديه. قال: إنما ذلك إذا لم يعرف أصل المال، وهذا قد عرف أصله.
__________
(1) انظر: التقييد (3/144).

وقال غيره: هو للذي [هو] في يديه، كمن في يده ثوب فادعاه رجل، وأقام بينة أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه، وأن المدعي اشتراه منه، وأقام حائزه بينة مثلها، وقد مات البائع ولم تؤرخ البينتان، وهما في العدالة سواء، سقطت البينتان، وبقي الثوب لحائزه، ويتحالفان.
2226 - ومن مات وترك موالي ورث ولاءهم أقعد الناس بالميت من المذكور، فإن ترك الميت [ابنين] ورثا [ولاء مواليه، ثم إن مات أحدهما وترك ولداً، فولاء الموالي لأخ الابن الميت دون ولده، وإن مات الابنان جميعاً وترك أحدهما ابناً والآخر أربع [بنين]، كان ولاؤه بينهم أخماساً، والابن وابن الابن اولى بالولاء] من الأب ومن الأخوة، والأب أولى من الأخ، والأخ وابن الأخ أولى من الجد، وأخ لأبوين أولى من أخ الأب، وأخ لأب أولى من ابن أخ لأبوين، وابن أخ لأبوين أولى من ابن أخ لأب، وابن أخ لأب أولى من ابن ابن أخ لأبوين، والعم الشقيق أولى من العم للأب، وابنه أولى من ابن العم للأب، [و]هكذا حكم الولاء، أن يرثه الأقعد بالميت الأول الذي أعتق دون ورثة من حازه بعد على ما ذكرنا، وقاله عدد من الصحابة والتابعين.
2227 - ولا يرث الأخ للأم من الولاء شيئاً، وإن لم يترك الميت غيره، والعصبة أحق منه إلا أن يكون من العصبة، فيرث معهم.(1)
وإذا أعتق رجلان عبداً، فمات أحدهما وترك عصبة أو بنين، ثم مات المولى، كان نصف ميراثه للحي، والنصف لورثة الميت المذكور.
قال سليمان بن يسار: لا يرث الرجل ولاء موالي امرأته، ولا المرأة ولاء موالي زوجها.
2228 - ومن مات وترك بنات لصلبه وابن ابن أو عصبة، وترك موالي كان ولاؤهم لابن الابن والعصبة دون البنات.
__________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/250)، والتقييد (3/144)، والتاج والإكليل (373).

ولا يرث أحد من النساء ولاء من أعتق أب لهن أو أم أو أخ أو ابن، والعصبة أولى بالولاء منهن، فإن مات مولى لأب لهن أو لأخ ولم يدع وارثاً ولا عصبة لمولاه، فميراثه لبيت المال دونهن.
2229 - ولا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن، أو ولد من أعتقن من ولد الذكور، ذكراً كان [ولد هذا الذكر] أو أنثى.
ومولى النعمة أحق بميراث الميت من عمة الميت وخالته، ولو انفردتا لم ترثا، ويكون ما ترك الميت للعصبة.
وإذا أعتقت امرأة امرأة فولدت المعتقة من الزنا أو من زوج، ثم نفاه ولاعن فيه، كان ميراث هذا الولد للمرأة التي أعتقت أمه. ومن اشترى أخاه فعتق عليه، كان له ولاؤه.
ولو أن ابنتين اشترتا أباهما فعتق عليهما ثم مات، ورثتا منه الثلثين بالنسب، والثلث بالولاء، إذا لم يكن ثم وارث غيرهما.
[فإن هلكت إحدى البنتين قبل الأب، فمالها لأبيها، ثم إن هلك الأب بعد ذلك فلابنته، الأخرى النصف بالفريضة ونصف ما بقي بما أعتقت من أبيها].
وإن اشترت امرأة أباها، فعتق عليها ثم مات ولم يدع وارثاً غيرها، ورثت جميع المال: النصف بالنسب والنصف بالولاء.
ولو كان الأب بعد عتقه اشترى ابناً له فعتق عليه، ثم مات الأب ورثه الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات الابن ورثته أخته النصف بالنسب والنصف بالولاء، لأن الابن مولى أبيه والأب مولى لها، وهي ترث بالولاء من أعتقت، أو أعتق من أعتقت.
2230 - وإن ماتت امرأة وتركت أمها وزوجها وأختاً شقيقة أو لأب وجداً، فهي الغراء، لزوجها النصف، ولأمها الثلث، وللجد السدس، ويربى للأخت بالنصف. ولو تركت أختين، لم تكن غراء، لأن الأم ترجع إلى السدس، فيبقى للأخوات السدس، ولا يربى لهن بشيء.

2231 - وكل بلدة فتحت عنوة فأقر أهلها فيها ثم أسلموا، فشهد بعضهم لبعض، فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية وهم على أنسابهم التي كانوا عليها، كما كانت العرب حين أسلمت، وكذلك الحصن يفتح وشبهه بخلاف العدد القليل يتحملون إلينا. وهذا مذكور في كتاب أمهات الأولاد.
2232 - ومن مات من قيس أو غيرها لم يرثه منهم إلا عصبته دنيا ممن يحصي ويعرف، وإن التقوا معه إلى أب جاهلي بعد عشرة آباء أو أكثر، لأن ذلك أمر معروف، وذلك إذا كان هؤلاء الذين يلتقون معه إلى الجد يحصون ويعرفون، ولا أُورث القبيلة، إذ لا أدري عدتهم ولا من يستحقه منهم، وكم يجب لمن قام يطلب [ذلك] منهم من جملة المال، ولا يورث أحد إلا بيقين.
قال ربيعة: وكل امرأة تحملت إلينا وهي حامل، فولدت عندنا فإنه يوارثها، ومن قذفه بها فهو مُفتر، وإن جاءت بغلا مفصول وادعت أنه ولدها، فإنه لا يلحق بها في ميراث، ولا يجلد من افترى عليه بها.
2233 - وإن ماتت امرأة وابنها فقال زوجها - وهو أبو الولد - : ماتت قبله، وقال آخر المرأة ماتت بعده، فإن لم يعلم أولهما موتاً، لم يرث المرأة الولد، ولا الولد المرأة ويرث كل واحد منهما أحياء ورثته، ولا يرث الموتى بعضهم من بعض، إذا لم يعرف أولهما موتاً، وإذا أعتقت أمة تحت حر، فمات زوجها، فقالت: عتقت قبل موته، وكذلك قال سيدها، وقال ورثة الزوج: بل بعد موته، فلا ميراث لها منه، إذ لا يورث بالشك.(1)
2234 - وإذا مات المولى ومعتقه، وجهل أولهما موتاً، لم يتوارثا، وميراث المولى الأسفل لأقرب الناس من سيده من الذكور، وكذلك إذا مات المتوارثان بقتل أو بغرق أو بهدم، ولا يدري أولهم موتاً، فلا يتوارثان، ويرث كل واحد منهما ورثته للأحياء.
__________
(1) انظر: منح الجليل لسيدي عليش (9/624).

2235 - ومن مات وترك ولدين مسلماً ونصرانياً، كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه، وأقاما على ذلك بينة مسلمين، وتكافأتا في العدالة أو لم تكن لهما بينة، فالميراث يقسم بينهما، كمال يدعيانه، وإن كان قد صلى هذا المسلم على أبيه، ودفنه في مقبرة المسلمين، فليست الصلاة بشهادة، ولو لم يأتيا ببينة، وقد كان يعرف بالنصرانية، فهو على ذلك، وابنه النصراني أحق بميراثه، حتى يثبت أنه مات مسلماً. قال غيره: إلا أن يقيما بينة وتتكافأ، فأقضى بالمال للمسلم.
2236 - ومن أقام بينة أنه ابن فلان الميت، أو أنه مولاه أعتقه، لا يعلمون له وارثاً غيره، قضيت له بميراثه ولم آخذ منه كفيلاً بالمال، فإن أتى بعد ذلك غيره يدعي الولاء في المولى وجاء ببينة، سمعت حجته، وقضيت بأعدل البينتين.
قال ابن القاسم: ومن أقام بينة في دار أنها لأبيه وقد ترك أبوه ورثة سواه غيباً، فإنه يمكن من الخصومة في الدار، فإن استحق حقاً لم يقض له إلا بحظه منها، ولا يُنزع باقيها من يد المقضي عليه، إذ لعل الغُيّب يقرون بها للمحكوم عليه بأمر جهله هذا المدعي، فإذا قدموا فادعوا كدعوى الحاضر، كان ذلك القضاء لهم نافذاً، وإن قدموا قبل القضاء وبعد أن عجز الأول عن منافعه كانوا على حجتهم، إن كانت لهم حجة غير ما أتى به الأول.
وقال أشهب: ينتزع الحق كله، فيعطى لهذا حقه ويوقف حق الغيب، وكذلك كتب مالك إلى ابن غانم، ورواه ابن نافع عن مالك.

2237 - وإذا هلك ابن الملاعنة وترك مالاً، ولا وارث له غير موالي أمه، كان ميراثه لهم، وإن ترك أمه كان لها الثلث ولمواليها ما بقي، ولا يرثه خال ولا ابن خال ولا جده لأمه، وإن ترك مع أمه أخوة لأم، فللأم مع واحد منهم الثلث، ومع الاثنين فصاعداً السدس، وللواحد منهم السدس وللاثنين فصاعداً الثلث بينهم سواء. حظ الأنثى والذكر فيه سواء، وما بقي فلموالي أمه، وإن كانت من العرب كان ما بقي لبيت المالن ولو كان له ولد ذكر أو ولد ولد، كان لأمه السدس، وما بقي لولده أو لولد ولده الذكور.
2238 - وإن ترك ابن الملاعنة موالي أعتقهم، كان ولاؤهم لذكور ولده أو لذكور أبنائهم، فإن لم يكونوا، فليس لأمه ولا لأخيه لأمه ولا لخاله ولا لجده لأمه شيء من ولاء مواليه، وولاؤهم لموالي أمه إن كانت معتقة، وإن كانت عربية فللمسلمين.
قال عروة بن الزبير وغيره: وكذلك ولد الزنا.
2239 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب، وقف ماله حتى يعلم أنه مات، فإن رجع إلى افسلام كان أولى بماله، وإن مات على ردته، كان ماله للمسلمين، ولا يرثه ورثته المسلمون ولا النصارى، ومن مات من مواليه وهو في حال ردته، ورثه أولى الناس بالمرتد من ورثته المسلمين ممن يرث الولاء عنه، ثم إن أسلم المرتد لم يرجع بذلك عليهم، وكذلك من مات له من ولد وغيره.
2240 - وإذا ارتد الأسير طائعاً، أولا يعلم أطائعاً أم مكرهاً، بانت منه زوجته، وإن علم أنه ارتد مكرهاً لم تبن منه زوجته.

ولا يتوارث أهل الملل من أهل الكفر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: “لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ولا يتوارث أهل ملتين [شيئاً].(1)
2241 - وإذا تظلم أهل الذمة في مواريثهم لم أعرض لهم، إلا أن تراضوا بحكم الإسلام فأحكم بينهم [به]، وإلا رددتهم إلى أهل دينهم، ولو كان ذلك بين مسلم ونصرامي لم يردوا إلى أحكام النصارى وحكم بينهم بحكم الإسلام، ولم ينقلوا عن مواريثهم، وروى ابن وهب أن مسلمين ونصارى اختصموا إلى عمر بن عبد العزيز في مورث، فقسم بينهم على فرائض الإسلام وكتب إلى عامل بلدهم: إن جاءوك فاحكم بينهم بحكم الإسلام، وإن أبوا فردّهم إلى أهل دينهم.
2242 - وما ترك العبد أو المكاتب النصراني إذا مات، أو المرتد إذا قتل فلسيده لأنه يستحقه بالملك لا بالتوارث، ومن ورث من عبده النصراني ثمن خمر أو خنازير فلا بأس بذلك،وإن ورث منه خمراً أهراقها أو خنازير سرّحها، وقد ورث عبد الله [بن عمر] عبداً له نصرانياً كان يبيع الخمر ويعمل بالربا.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: “كل ميراث قسم في الجاهلية، فهو على قسم الجاهلية، وكل ميراث أدركه الإسلام ولم يقسم، فهو على قسم الإسلام”.(2)
قال مالك: معناه في غير الكتابيين من مجوس وزنج وغيرهم.
__________
(1) رواه البخاري (6764)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2911)، والترمذي (3108)، وابن ماجة (2731)، والحاكم (4/383، 384)، وابن حبان (13/394)، وابن الجارود (1/240)، والدارجي (2/466)، والبيهقي (6/218)، والشافعي في المسند (1/235)، والدارقطني (4/74)، والنسائي في الكبرى (4/80)، ومالك في الموطأ (2/520)، وابن أبي شيبة (6/283)، وعبد الرزاق (6/18)، وأحمد (5/200)، وغيرهم كثير، وانظر: شرح الرحبية للمارديني، بتحقيقنا، مصر، وبيروت.
(2) رواه أبو داود (2906)، وابن ماجة (2751).

وأما لو مات نصراني ثم أسلم وارثوه قبل أن يقسم ماله، فإنه يقسم بينهم على قسم النصارى، وإن مات مسلم ثم أسلم وارث له قبل أن يقسم ماله، فلا يرثه، وإنما يرثه من كان مسلماً يوم مات.
وقال ابن نافع وغيره: الحديث عام في الكتابيين وغيرهم من أهل الكفر، قال ربيعة: ولو مات مسلم ثم تنصر ولده بعده قبل قسم ماله، لقتل إن كان قد بلغ الحلم، وجعل ميراثه من أبيه في بيت المال، لأنه قد وجب له.
2243 - ومن مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخت له، فليعطيها خمس ما في يديه، ولا تحلف الأخت مع الأخ المقر بها، لأنه شاهد، ولا يحلف في النسب مع شاهد واحد. وإن أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه، أعطاها ثمن ما في يديه. وإن هلكت امرأة وتركت زوجها [وأختها، فأقر الزوج بأخ [لها] وأنكرته] الأخت لم يعطه الزوج شيئاً.
* * *

(كتاب السلم الأول)
2344 - ولا بأس أن تُسلف الإبل في البقر والغنم، وتُسلف البقر في الإبل والغنم، وتسلف الغنم في الإبل والبقر، وتسلف الحمير في الغنم والإبل والبقر والخيل.
وكره مالك أن تسلف الحمير في البغال، إلا أن تكون من الحمر الأعرابية التي يجوز أن يسلف فيها الحمار الفاره النجيب [بالحمار الأعرابي]، [وكذلك إذا أسلفت الحمير في البغال، والبغال في الحمير فاختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي]، [فجائز أن يسلف بعضها في بعض].
وتسلف كبار الخيل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا فرس جواد له سبق، فجائز أن يسلف فيما ليس مثله في جودته وإن كان في سنه.
2345 - وتسلف كبار الإبل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا ما عرف فبان في النجابة والحمولة، فيجوز سلمه في حواشي الإبل، وإن كانت في سنه.

وتسلف كبار البقر في صغارها، والبقرة الفاره القوية على العمل والحرث، تسلم في حواشي البقر، وإن كانت مثل أسنانها، ولا تسلم صغار الغنم في كبارها [ولا كبارها في صغارها]، ولا معزها في ضأنها ولا ضأنها في معزها، لأنها كلها منفعتها للحم، لا للحمولة، إلا شاة غزيرة [اللبن] فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم.(1)
وإذا اختلفت المنافع في الحيوان، جاز سلم بعضها في بعض، اتفقت أسنانها، أو اختلفت.
2346 - والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافها كجذع نخل كبير، غلظه وطوله كذا في جذوع صغار لا تقاربه فيجوز، وإن أسلمته في مثله صفة وجنساً، فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله، وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورُد السلف.
ولا يجوز أن يسلم جذع في نصف جذع من جنسه، وكأنه أخذ جذعاً على ضمان جذع، وكذلك هذا في جميع الأشياء، وكذلك ثوباً في ثوب دونه، أو رأساً في رأس دونه، إلى أجل لا خير فيه.
2347 - والعبيد صنف [واحد] إلا ذو النفاذ والتجارة، فلا بأس أن يسلم عبد تاجر صقلي أو بربري [أو نوبي]، في نوبيين أو غيرهما لا تجارة فيهما، قال يحيى بن سعيد: أو حاسب كاتب في وصفاء سواه قليل أو كثير.
2348 - ومن باع غلاماً معجلاً بعشرة أفراس إلى أجل، وعشرة دنانير ينتقدها جاز.
قال يحيى بن سعيد: ومن سلف في غلام أمرد جسيم صبيح، فلم يوجد عند الأجل، فأخذ مكانه وصيفين، أو حيواناً، أو رقيقاً، أو عروضاً وبرئ أحدهما من صاحبه في مقعد واحد، فلا بأس به.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/2).

2349 - ولا يجوز السلم في حائط بعينه قبل زهوه بحال، وهو طلع أو بلح، شرط أخذه يسراً أو رطباً أو تمراً، وإنما يصلح السلم فيه إذا أزهى وصار بسراً، ويشترط أخذه بسراً أو رطباً، ويضرب لأخذه أجلاً، ويذكر ما يأخذ كل يوم، سواء قدم النقد أو ضرب له أجلاً، لأنه يشرع في أخذه حين اشتراه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا عند مالك محمل البيع لا محمل السلف وإن تأخر قبضه خمسة عشر يوماً فهو قريب في هذا. وإن أسلم فيه بعد زهوه وشرط أخذ ذلك تمراً، لم يجز لبعد ذلك وقلة أمن الجوائح فيه. وإنما جاز اشتراطه رطباً لقلة الخوف في ذلك، لأن أكثر الحيطان ليس بين زهوها وبين أن ترطب إلا يسيراً، وإذا اشترط أخذه رطباً وقبض بعض سلمه ثم انقطع ثمر ذلك الحائط، لزمه ما أخذ بحصته، ورجع بحصة ما بقي من الثمن، وله أن يأخذ بتلك الحصة ما شاء من السلع معجلاً، فإن تأخر لم يجز.
2350 - ويجوز السلم في حائط بعينه في جميع رطب الفواكه التي تنقطع من أيدي الناس، إذا طاب أول ذلك، مثل: التفاح والرمان والخوخ والسفرجل والقثاء والبطيخ وشبهه، ويذكر ما يأخذ كل يوم، ولا يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء، ويجوز أن يشترط أخذه جميعاً في يوم واحد، وإن لم يقدم نقده فجائز، وإن اشترط أخذه في يوم واحد فرضي البائع أن يقدم له ذلك قبل الأجل، جاز إذا رضي المبتاع وكان على الصفة.
2351 - ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، أو في لبن غنم بعينها أو في صوفها، وشرط أخذ ذلك إلى أيام قلائل، فهلك المتبايعان أو أحدهما، لزم البيع ورثة الهالك، لأنه بيع قد تم.
2352 - ولا يسلم في نسل حيوان بعينها من الأنعام والدواب بصفة وإن كانت حوامل، وإنما يكون السلم في الحيوان مضموناً، لا في حيوان بعينها ولا في نسلها.

ولا يسلم في لبن غنم بعينها، ولا في صوفها إلا في إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه، وسواء قدم النقد، أو ضرب له أجلاً بعيداً، لا بأس بذلك إذا شرع في أخذ ذلك يومه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا كالبيع لا كالسلف، فإن سلف في لبنها قبل إبانه واشترط أخذه في إبانه، لم يجز.
2353 - واشتراء الصوف على ظهور الغنم جائز إذا كان يحضر جزازها، وإن أسلمت إلى رجل في لبن غنم بعينها أو في صوفها، أو في ثمر حائط بعينه، وليس شيء من ذلك في ملك الرجل لم يجز، كما لو ابتعت منه سلعة ليست له، وأوجب لك على نفسه خلاصها من ربها، فذلك غرر، وبيع ما ليس عنده، ويجوز السلم في سمن الغنم بعينها أو أقطها أو جبنها في إبانه إذا شرع في أخذه، كما يأخذ ألبانها، وإن كان ذلك بعيداً فلا خير فيه، وكذلك ألبانها، وأشهب يكره السمن.
2354 - ولا بأس بالسلم في طعام قرية بعينها، أو في ثمرها، أو يغر ذلك من حبها قبل إبانه أو في أي إبان شاء. ويشترط أخذه أي إبان شاء، إذا كانت مثل مصر وأشباهها التي لا يخلو منها القمح والشعير والقطاني، أو كخيير ووادي القرى، أو ذي المروة ونحوها من القرى العظام المأمونة، التي لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس، فإن أسلم في رطبها أو بسرها فليشترط أخذه في إبانه، وإن أسلم في ذلك إلى رجل ليس له في تلك القرية أرض ولا زرع ولا نخل ولا طعام ولا ثمر، فذلك جائز. وأما القرى الصغار أو قرى ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة، فلا يصلح من السلف في ثمرها إلا ما يجوز في حائط بعينه وقد ذكرناه.
وأجاز ابن عباس السلم في الطعام، وتلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (البقرة: 282)(1)، [قال مالك:] وهذا يجمع الدين كله.
2355 - ولا يجوز السلم في زرع أرض بعينها قد بدا صلاحه وأفرك.
__________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14064).

ولا يصلح السلم في الحنطة والحب كله إلا مضموناً، لا في زرع بعينه، بخلاف السلم في ثمر حائط بعينه، لأن ذلك غنما يشترط أخذه بسراً أو رطباً، ولا يجوز أن يشترطه ثمراً، وهذا الزرع إنما يشترط أخذه حباً فلا يصلح.
ومن أسلف في حائط [بعينه] بعد ما أرطب، أو في زرع بعدما أفرك واشترط أخذه حنطة أو تمراً، فأخذ ذلك وفات البيع لم يفسخ، لأنه ليس من الحرام البين الذي أفسخه إذا فات، ولكن أكره أن يعمل به.
2356 - ولا بأس بالسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد، وفي التمر الجديد قبل الجذاذ، ما لم يكن زرعاً بعينه، أو حائطاً بعينه.
قال ابن وهب عن مالك: لا يباع الحب حتى ييبس وينقطع عنه شرب الماء، حتى لا ينفعه الشرب، وفي الحديث: “حتى يشتد في أكمامه”(1)، وفي حديث آخر: “حتى يبيض”(2).
والسلم في حديد معدن بعينه على وزن معلوم كالسلم في طعام قرية بعينها في أمنه وقلة أمنه، [إن كان المعدن مأموناً لا ينقطع حديده من أيدي الناس في تلك المواضع، فالسلم فيه جائز إذا وصفه، وإلا فلا].
2357 - وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس فاسلم فيه في أي إبان شئت، واشترط أخذه في أي إبان شئت، فأما ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها إذا أسلم فيها في حائط بغير عينه، فلا بأس أن يسلم فيه في إبانه أو في غير إبانه، ولكن [لا] يشترط الأخذ إلا في إبانه، فإن شرط أخذه في غير إبانه لم يجز، أسلم [فيه] في إبانه أو قبل إبانه، وإن اشترط أخذه في إبانه ثم انقطع إبانه قبل أن يقبض ما أسلم فيه، قال مالك: يتأخر الذي له السلم إلى إبانه من السنة المقبلة، ثم رجع فقال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله، قال ابن القاسم: من طلب التأخير منهما فله ذلك، إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلا بأس به.
__________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14319).
(2) رواه مسلم (3842)، وأبو داود (3368)، والترمذي (1227).

ولا بأس بالسلف في القصب الحلو والموز والأترج وشبه ذلك إذا اشترط منه شيئاً معروفاً، فإن كان مما ينقطع أو مما لا ينقطع فسبيل السلف [فيه] كما ذكرنا فيما ينقطع وفيما لا ينقطع.
ولا بأس بالسلف في الرمان عدداً إذا وصف مقدار الرمانة. وكذلك في التفاح والسفرجل إذا كان يحاط بمعرفته، وجائز في ذلك كيلاً إذا كان ذلك أمراً معروفاً، ويجوز السلم في الجوز على العدد والصفة أو على الكيل إذا عرف فيه، ويجوز مع الجوز جزافاً، ولا يسلم في البيض إلا عدداً على الصفة.
2358 - ومن أسلم في تمر ولم يذكر برنياً من صيحاني، ولا جنساً من التمر بعينه، أو ذكر الجنس ولم يصفه بجودة أو رداءة، فالسلم فاسد، حتى يذكر الجنس ويصف، فإن نزل ثم اتفقا على أخذ الأرفع لم يجز لفساد العقد. وكذلك إن أسلم في زبيب ولم يذكر لا جيداً ولا رديئاً، فإن كان الزبيب تختلف صفته فالسلم فاسد ويفسخ البيع.(1)
2359 - ومن أسلم بمصر في حنطة ولم يذكر جنساً قضي بمحمولة، وإن كان بالشام قضي بسمراء، ولا بد في ذلك من الصفة، فإن لم يصف فالسلم فاسد [ويفسخ البيع]، وإن أسلم في الحجاز حيث تجتمع السمراء والمحمولة، ولم يسم جنساً فالسلم فاسد حتى يسمي سمراء من محمولة ويصف جودتها فيجوز.
2360 - ومن أسلم مائة درهم في أرادب معلومة من حنطة وأرادب من شعير وإردب من سمسم، ولم يذكر ما لكل صنف من الثمن، أو أسلم ما ذكرنا في جميع صنوف الأمتعة والطعام والشراب والقطاني والرقيق والحيوان، أو في جميع [صنوف] الأشياء، ولم يسم رأس مال كل صنف على حدة، فذلك جائز إذا وصف كل ما أسلم فيه ونعته، وسمى كيل ما ينبغي كيله منه أو وزنه، ولا يبالي كان أجل ما أسلم فيه متفقاً أو مختلفاً فجائز، لأنها صفقة واحدة. وكذلك إن أسلم عروضاً في عروض تخالفها أو في طعام على ما ذكرنا.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/532)، والشرح الكبير (3/180)، والمدونة (9/12).

2361 - ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول إذا اشترط جُرزاً، أو حُزماً، أو أحمالاً معروفة، ويسلمه في ذلك في إبانه أو قبل إبانه، ولا يشترط الأخذ إلا في إبانه، وكذلك القصب الأخضر والقَرَظ [الأخضر] غلا أن يكون القصب الأخضر لا ينقطع في البلد الذي أسلم فيه، فيجوز اشتراط أخذه أي إبان شاء. ولا يجوز في شيء من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة طول أو عرض، وجودة ورداءة، لأنه مختلف ولا يحاط بصفته، ولا يكون السلف في هذه إلا على الأحمال والحزم.
2362 - ولا بأس بالسلم في الرؤوس إذا اشترط صنفاً معلوماً صغاراً أو كباراً أو قدراً موصوفاً، وكذلك الأكارع، ولا بأس بالسلم في الشحم واللحم إذا اشترط لحماً وشحماً معروفاً، ويذكر الجنس من ضأن أو معز ونحوه، وإلا لم يجز. ويشترط إذا أسلم في اللحم وزناً معروفاً، وغن اشترط تحرياً معروفاً جاز إذا كان لذلك قدر قد عرفوه، لجواز بيع اللحم بعضه ببعض تحرياً، والخبز بالخبز تحرياً.
2363 - والسلم في الحيتان الطرية جائز إذا سمى جنساً من الحوت، وشرط ضرباً معلوماً صفته وطوله وناحيته، إذا أسلف في ذلك قدراً أو وزناً، وما كان ينقطع من طري الحوت فليسلف فيه في إبانه وقبل إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه كالثمار الرطبة التي تنقطع، وإذا حل الأجل جاز أن يأخذ من الحوت غير الجنس الذي أسلم فيه.
2364 - ولا بأس بالسلم في الطير وفي لحومها بصفة معلومة وجنس معلوم.
ومن أسلم في لحم دجاج فحلّ الأجل فلا باس أن يأخذ لحم الطير كله، إذا أخذ مثله، وكذلك من أسلف في لحم ذوات الأربع فجائز أن يأخذ بعد الأجل لحم بعضها أو شحمه قضاء من بعض. ومن أسلم في دجاج أو إوز فأخذ مكانها بعد الأجل طيراً من طير الماء لم يجز، وأجازه أشهب، ويجوز أن يأخذ مكان الدجاج بعد الأجل أو قبله إوزاً أو حماماً وشبه ذلك من الداجن المربوب عند الناس، ويجوز بيع دجاجة بدجاجتين يداً بيد.

2365 - قال يحيى بن سعيد: وإذا أسلمت في رائطة فأعطاك بها قميصاً أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين، فلا باس بذلك، وجد تلك الرائطة أم لا، لأنك لو أسلمت الرائطة نفسها فيما أخذت منه جاز.
2366 - قال ربيعة: ومن اسلف صياداً ديناراً على صنف من الطير، كل يوم كذا وكذا طيراً، فأتاه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئاً فأخذ منه عشرة عصافير بطير واحد مما اشترط عليه جاز.
2367 - ولا بأس بالسلم في المسك والعنبر وجميع العطور إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً، وفي اللؤلؤ والجوهر وصنوف الفصوص والحجارة كلها، إذا اشترط من ذلك صنفاً معروفاً وصفة معلومة، وفي آنية الزجاج إذا كان بصفة معلومة، وفي الطوب والجص والنورة والزرنيخ والحجارة وشبه ذلك إذا كان موصوفاً معروفاً مضموناً، وفي الحطب إذا اشترط قناطير أو وزناً أو قدراً معلوماً أو صفة معلومة أو أحمالاً معلومة، وفي الجذوع وخشب البيوت وشبه ذلك من صنوف العيدان والخشب، وفي جلود الغنم والبقر وفي الرقوق والأدم والقراطيس إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً.
2368 - ومن أسلف في أصواف غنم وشرط جُزز فحول كباش أو نعاج وسط، لم يجز أن يشترط ذلك، ولا يجوز أن يسلم في أصوافها إلا وزناً، ولا يجوز عدة جزز إلا أن يشترط ذلك عند إبان جزازها ولا تأخير لذلك ويرى الغنم فلا بأس به.
2369 - ومن استصنع طستاً أو توراً أو قلنسوة أو خفاً أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة معلومة، فإن كان مضموناً إلى مثل أجل السلم، ولم يشترط عمل رجل بعينه، ولا شيئاً بعينه يعمله منه جاز ذلك إن قدم رأس المال مكانه، أو إلى يوم أو إلى يومين، فإن ضرب لرأس المال أجلاً بعيداً لم يجز، وصار ديناً بدين، وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه، أو ظواهر معينة، أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن نقد، لأنه غرر لا يدري أيسلم ذلك إلى الأجل أم لا، ولا يكون السلف في شيء بعينه.

2370 - ولا يسلم في تراب المعادن عيناً ولا عرضاً، لأن صفته لا تعرف، ولو عرفت صفته ما جاز السلم العين فيه، لأنه يدخله الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلى أجل، وجائز أن يشتري يداً بيد، لأنها حجارة معروفة تثرى، ولا يجوز السلم في تراب الصوّاغين، ولا يشتري يداً بيد، لأنه رماد لا يدري ما فيه.
2371 - ويجوز السلم في نصول السيوف والسكاكين وفي العروض كلها إذا كانت موصوفة.(1)
2372 - ويجوز سلم الفلوس في طعام أو طعام في فلوس، ولا يصح أن تُسلم الدراهم والدنانير في فلوس، ولا تباع الفلوس بدراهم ولا بدنانير إلى أجل، لأن الفلوس عين وهذا صرف، ولا خير في بيع فلوس من نحاس بنحاس يداً بيد، لأنه من المزاينة، ولا خير في سلك فلوس من نحاس، أو من صفر في نحاس إلى أجل، لأن الصفر والنحاس [من] نوع واحد، وكذلك الرصاص والآنك صنف واحد.
ويجوز سلم فلوس من نحاس في حديد إلى أجل.
2373 - ومن أسلم حديداً يخرج منه سيوف في سيوف، أو سيوفاً في حديد لا يخرج منه سيوف لم يصلح، لأنه نوع واحد، ولو أجزت السيوف في الحديد لأجزت حديد السيوف في الحديد الذي لا يخرج منه السيوف، ولأجزت الكتان الغليظ في الكتان الرقيق، ولأجزت الصوف بعضه ببعض إلى أجل وهو يختلف، ولا يجوز أن يسلم بعضه في بعض، ولا يسلم كتان في ثوب كتان، لأن الكتان يخرج منه الثياب، ولا بأس بثوب كتان في كتان، أو ثوب صوف في صوف، لأن الثوب المعجل لا يخرج منه كتان، ولا خير أن يسلف سيفاً في سيفين دونه لتقارب المنافع، إلا أن يبعد ما بينهما في الجوهر والقطع، كتباعده في الرقيق والثياب، فيجوز أن يُسلف سيف قاطع في سيفين ليسا مثله.
2374 - قال ربيعة: الصفر والحديد عرض [من العروض] بيع بعضه ببعض عاجلاً بينهما فضل حلال.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/20)، والتاج والإكليل (4/437).

ولا يجوز بيع الصفر بالصفر بينه فضل إلى أجل، ولا بيع الحديد بالحديد بينه فضل إلى أجل، وبيع الصفر بالحديد بينه فضل عاجل وآجل لا باس به.والصفر عرض ما لم يُضرب فلوساً، فإذا ضرب جرى مع الذهب والورق مجراهما فيما يحل ويحرم.
والشب والكحل بمنزلة الحديد والرصاص والعروض، يسلف فيه ويباع كما تباع العروض، إلا أنه لا يباع صنف منه بعضه ببعض، بينه فضل عاجل بآجل، وأجاز يحيى بن سعيد بيع رطل نحاس برطلين مضروبين أو غير مضروبين يداً بيد وكرهه نظرة. وقال يحيى بن سعيد: لا باس بكتان بغزل كتان رطلاً برطلين يداً بيد، وأما عاجل بآجل فلا أحب أن أنهى عنه ولا آمر به، وأكره أن يعمل به أحد.
2375 - وثياب القطن لا يسلم بعضها في بعض، إلا أن تسلم الغلاظ منها مثل: الشقائق، وغلاظ الملاحف اليمانية في رقيق ثياب القطن مثل: المروي والهرمي [والقوهي] والعدني فلا بأس به. وكذلك رقيق الكتان كله صنف [مثل:] الفرقبي والشطوي والقصبي والتنيسي، لا بأس أن يسلم في غليظ ثياب الكتان مثل: الزيقة والمريسية والقيسي والفسطاطي، إلا ما كان من الفسطاطي الرقيق [مثل:] المعافري وشبهه، فإنه يضم رقيق ثياب الكتان.
2376 - ولا يجوز أن يسلم العدني في المروي ولا الشطوي في القصبي. ومن أسلم فسطاطية في مروية معجلة ومروية مؤجلة، أو أسلم ثوباً من غليظ الكتان مثل الزيقة وما أشبهه في ثوب قصبي مؤجل وفرقبي معجل فلا بأس به. ومن أسلم فسطاطية في فسطاطية معجلة ومروية مؤجلة جاز ذلك، ولو كانت المروية معجلة والفسطاطية مؤجلة لم يصلح ذلك، لأنه قرض [فسطاطية] وزيادة مروية. وإن أسلمت ثوباً فسطاطياً في ثوب فسطاطي إلى أجل فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز، وإن ابتغيت به نفع نفسك بطل السلم.
2377 - والقرض جائز في الثياب والرقيق والحيوان والخضر وجميع الأشياء كلها إلا في الجواري وحدهن.

2378 - قال ربيعة: ولا خير في رائطة من نسج الولائد في اثنتين منها، ولا سابرية في سابرتين، والحلال منه الرائطة السابرية بالرائطتين من نسج الولائد، عاجلاً و آجلاً لاختلافهما.
2379 - قال مالك: ولا بأس بالجمل بجمل مثله وزيادة دراهم، الجملين نقداً، والدراهم مؤجلة ومعجلة، وإن تأخر أحد الجملين لم يجز، عجلت الدراهم أو أجلت، وهذا ربا، لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فُرّد إليك مثله وزيادة فهو ربا.
2380 - قال مالك: ومن أسلم حنطة في شعير وثوب موصوف، أو أسلم عدساً في ثوب إلى أجل وشعير معجل، لم يجز [ذلك]، ولا يجوز منه حصة الثوب، لأن الطعام بالطعام لا تصلح الآجال فيه، فإذا بيع الطعام بالطعام فكل شيء يضم [مع] أحد الصنفين أو معهما في صفقة فلا يتأخر.
وكذلك السلعة في الصرف.
2381 - ومن أسلم ثوباً في عشرة أرادب حنطة إلى شهر، وعشرة دراهم إلى شهر آخر، فلا بأس به مختلفة كانت آجالها أو مجتمعة.
2382 - قال ابن شهاب: ومن باع بيعاً بعضه حلال وبعضه حرام في صفقة واحدة فسخ البيع كله، وغن كان كل بيع على حدة جاز منه الحلال ورد الحرام.
2383 - ومن أسلم حنطة في فصيل أو قصب أو قرظ أو فيما يعلف الدواب، فإن كان يحصده ولا يؤخره حتى يصير حباً، فلا بأس بذلك.(1)
ومن سلف حنطة في حنطة مثلها، أو طعاماً في مثله إلى أجل فلا خير فيه، إلا أن يقرض رجلاً على وجه المعروف طعاماً في مثله من نوعه، لا أجود منه ولا أدنى إلى أجل، فذلك جائز [إلى أجله]، وليس له أن يأخذه منه قبل الأجل، وإن أسلفه على وجه المبايعة لم يجز وإن كان النفع فيه للقابض، ألا ترى الحديث: “السير بالبر براً إلا هاء وهاء”.(2)
وكذلك سلف البيض في البيض على ما ذكرنا.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/366)، والمدونة الكبرى (9/26).
(2) رواه البخاري (2027)، ومالك في الموطأ (2/637)، وأبو داود (3348)، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (6/282)، والكافي له (1/302).

2384 - ومن أسلم سمراء في محمولة، أو محمولة في سمراء إلى أجل، أو صيحانياً في جعرور، أو جعروراً في صيحاني إلى أجل، أو أسلف حنطة في شعير، أو شعيراً في حنطة إلى أجل، أو اسلف حنطة في عسل، أو في بطيخ أو في قثاء أو في صيد أو في جراد أو في شيء مما يؤكل، أو سلّف بيضاً في قرص خبز، أو في التفاح أو في الفاكهة الخضراء، أو في البقول كلها، لم يجز شيء من ذلك، لأن أصل قول مالك: إن الطعام بالطعام إلى أجل لا يصلح، كان مما يؤكل أو يشرب، أو مما يكال أو يوزن أو يُعد، إلا أن يكون النوع في مثله قرضاً على [وجه] المعروف كما وصفنا.
2385 - ومن أسلم في سلعة بعينها وضرب لأخذها أجلاً بعيداً لم يجز، قدم النقد أم لا، لأنه غرر لا يدري أتبلغ السلعة إلى ذلك الأجل أم لا، ويدخله في النقد أنها إن كانت هلكت ردّ الثمن بعد النفع به باطلاً، وإن لم يقدم الثمن صار كأنه زاده في ثمنها على أن يضمنها له البائع إلى الأجل وذلك غرر [لا خير فيه]، قال أشهب: فصار للضمان جزء من الثمن.
2386 - ولا يصلح لرجل أن يضمن سلعة رجل إلى أجل بشيء يأخذه، لأنه قمار، إن سلمت السلعة أخذ الضامن مالاً باطلاً، وإن عطبت غرم قميتها فيما لم يجر له فيه منفعة، وإن اشترط قبض السلعة إلى يوم أو يومين جاز، لأن ذلك قريب، شرط ذلك البائع أو المبتاع، وكذلك إن كانا في سفر وكانت دابة تركب ذينك اليومين، أو اشترى طعاماً بعينه وشرط أن يكتاله إلى يومين أو ثلاثة فذلك جائز، وكذلك السلع كلها وهو فيها أبين.
2387 - قال مالك وعبد العزيز: ومن اشترى من الحيوان بعينه غائباً، فلا يجوز فيه النقد بشرط قبل أن يقبض، إلا أن تكون غيبة قريبة جداً.
2388 - قال مالك: وإن كانت سلعة بعينها، وكان موضعها قريباً اليوم واليومين، طعاماً كان ذلك أو غيره فلا بأس بالنقد فيه، فإن تباعد ذلك فلا خير في النقد فيه.

2389 - ومن اشترى من رجل مائة أردب حنطة جيدة حالة بعبد، وليس عند الرجل طعام، أو اشترى منه طعاماً أو حيواناً أو ثياباً مضمونة بغير عينها على أن يقبضها منه إلى يوم أو يومين لم يجز، ولا يجوز للرجل أن يبيع ما ليس عنده بعين ولا بعرض، إلا أن يكون على وجه السلف مضموناً عليه إلى أجل معلوم، تتغير في مثله الأسواق، ولم يحد مالك فيه حداً، وأرى الخمسة عشر يوماً، والعشرين في البلد الواحد، وأما إلى يومين أو ثلاثة فلا خير فيه، قبض النقد أم لا، لأن هذا ليس من [آجال] البيوع.
2390 - وإن أسلمت إلى رجل عرضاً [مما] يغاب عليه في حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يديك قبل أن يقبضه المسلم إليه، فإن كان تركه وديعة بيدك بعد أن دفعته إليه فهو منه، ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت، وكذلك إن كنت لم تدفعه إليه حتى أحرقه رجل بيدك وقامت بذلك بينة، فإن لم تقم بذلك هاهنا بينة كان منك وانتقض السلم، وإن كان رأس المال حيواناً فقتلها رجل بيدك قبل ان يقبضها المسلم إليه، أو كانت دوراً أو أرضين فتعدى فيها رجل فهدم البناء أو حفر الأرض فأفسدها، فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت.
2391 - وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال نحاساً أو رصاصاً بعد شهر أو شهرين، فله البدل ولا ينتقض السلم إلا أن يعملا على ذلك ليجيز بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ ذلك. وليس هذا كتأخير النقد شهراً، إذ للمسلم إليه أن يرضى بما انتقد، وإن ردها عليك فقلت: سأبدلها لك بعد يوم أو يومين، جاز ذلك، لأن لك تأخير رأس مال السلم بشرط يومين ونحو ذلك لا أكثر. وإن قلت له: سأبدلها لك إلى شهر أو شهرين، لم يجز، إذ لا يجوز تأخير رأس المال بشرط إلى هذا، وإن قلت له حين ردها عليك: ما دفعت إليك إلا جياداً، فالقول قولك وتحلف ما أعطيته إلا جياداً في علمك، إلا أن يكون أخذها منك على أن يريها فالقول قوله مع يمينه وعليك بدلها.

2392 - ومن له على رجل مال فقال له: أسلمه لي في طعام لم يجز حتى يقبضه ويبرآن من التهمة، ثم يدفعه إليه بعد ذلك إن شاء، لئلا يكون تأخيره سلفاً جر منفعة، أو يعطيه من عنده ويدخله الدين بالدين. وإن قال له: اشتر [لي] به سلعة نقداً فذلك مذكور في كتاب الوكالات.
2393 - قال ابن أبي سلمة: كل شيء لك على غريم كان نقداً فلم تقبضه، أو إلى أجل فحلّ الأجل أو لم يحل، فأخرته عنه وزاد عليك شيئاً قل أو كثر، فهو ربا، ولا تبعه منه بشيء ولو بوضيعة من سعر الناس وتؤخره عنه، فإن ذلك ربا، إلا أن ينقدك يداً بيد مثل الصرف.
2394 - وإن بعت محمولة بثمن إلى أجل فأخذت بالثمن بعد الأجل سمراء أو شعيراً أو سلتاً مثل كيل المحمولة لم يجز، وإن كان يداً بيد، لأنه [صار] بيع طعام بخلافه إلى أجل والثمن لغو، وليس هذا بإقالة، وكذلك التمر العجوة أو الصيحاني أو البرني، والوان التمر والزبيب أحمره وأسوده بمنزلة ما وصفنا من الحنطة وألوانها، ولا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبض في ثمنه شيئاً ن الطعام كان من صنفه أو من غير صنفه، إلا أن تأخذ منه بثمن طعامك بعد الأجل طعاماً مثل طعامك الذي بعت منه صفة وكيلاً إن محمولة فمحمولة، وإن سمراء فسمراء، ذلك جائز، وهي إقالة.
2395 - وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلت، أو أقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض - مثل المكيلة - إذا حلّ الأجل وهو بدل جائز، وكذلك أجناس التمر، ولا يجوز ذلك كله قبل محل الأجل في بيع أو قرض، وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منها دقيق حنطة وإن حلّ الأجل، ولا بأس به من قرض بعد محله، وقاله أشهب.

وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع جاز أن تأخذ لحم بعضها أو شحمها قضاء من بعض، لأنه بدل وليس هو بيع طعام قبل قبضه، لأنه كله نوع واحد. ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه، فكأنه أخذ ما أسلف فيه، وإنما يجوز بيع جميع ما ذكرناه من الحنطة والتمر واللحم بعد الأجل من الذي عليه السلم، ولا يجوز بيعه من غيره بنوعه، ولا بمثل كيله وصفته، ولا شيء من الأشياء حتى يقبضه.
والي اتقاه عبد العزيز في الذي باع ما أسلم فيه من العروض من الذي هو عليه بأقل من الثمن نقداً قد كتبته في الجزء الثالث وبالله التوفيق.
* * *
“تم كتاب السلم الأول”
* * *

(كتاب السلم الثاني)
2396 - ومن أسلم [إلى رجل] في طعام سلماً فاسداً، فإنما له رأس ماله، ويجوز أن يأخذ به من البائع ما شاء من طعام أو غيره، سوى الصنف الذي أسلم فيه إذا لم يؤخره، ويجوز أن يؤخره برأس المال أو يأخذ نصفه ويحط ما بقي.(1)
2397 - ومن اشترى داراً على أن ينفق على البائع حياته لم يجز، فإن وقع وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة [له] بضمانه، ويرد الدار إلى البائع، ويرجع عليه بقيمة ما أنفق عليه إلا أن تفوت الدار بهدم أو بناء فيغرم المبتاع قيمتها يوم قبضها، وكل ما اشتريت من الثياب والحيوان موصوفاً فلا يجوز لك أن تجعله مضموناً إلى غير أجل، كان رأس المال عيناً أو عرضاً.
2398 - ومن أسلم في طعام ولم يضرب لراس المال أجلاً فافترقا قبل أن يقبض البائع رأس المال فهو حرام، إلا أن يكن على النقد فلا بأس به إذا قبضه بعد يوم أو يومين ونحو ذلك. ومن أسلم عبداً في طعام بعينه إلى أجل بعيد لم يجز وبطل البيع، إلا أن يكون الأجل إلى يوم أو يومين فلا بأس به. وإن كان الطعام مضموناً فلا خير فيه، إلا أن يتباعد الأجل.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/37).

2399 - وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في طعام نقدته منها خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل، أو كان لك عنده منها خمسون ونقدته خمسين، لم يجز وفسخ الجميع، ولا يجوز من ذلك حصة النقد، لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها، وإذا كان رأس مال السلم عرضاً أو طعاماً أو حيواناً بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر، أو إلى أجل، فإن كان ذلك بشرط فسد البيع، وإن لم يكن بشرط وكان ذلك هرباً من أحدهما فالبيع نافذ مع كراهية مالك لهما في ذلك التأخير البعيد بغير شرط، وإن قبضه بعد يوم أو يومين فلا بأس به.
2400 - ولا يجوز لمن ابتاع طعاماً بعينه، أو أسلم في طعام موصوف أن يشترط قبضه بقدح أو بقصعة، ويفسخ ذلك إن نزل، وأشهب يكرهه قبل نزوله ولا يفسخه إن نزل.
قال مالك: وإنما يجوز هذا بموضع ليس فيه مكيال معروف كالأعراب يشتري منهم العلف والتبن والخبط.
قال غيره: وإنما يجوز أن يشترط قبض ذلك بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري فيهم، فأما بمكيال قد ترك ولا يعرف قدره من المكيال الجاري في الناس، فلا يجوز ويفسخ.
2401 - ولا بأس أن تسلم تبراً أو نقراً من فضة أو ذهب جزافاً لا يعلمان وزنهما في سلعة إلى أجل، لأن التبر بمنزلة السلعة، ولا يجوز أن تسلم فيها دراهم أو دنانير جزافاً، عرفا عددهما أم لا، إذا لم يعرفا وزنها، لأن الدراهم عين وثمن، فلا يجوز بيعها جزافاً، وذلك قمار ومخاطرة.
ويجوز بيع التبر المكسور والحلي من الذهب والفضة جزافاً، فإن كان ذهباً بيع بفضة وبجميع السلع، وإن كان فضة بيع بذهب وبجميع السلع.
2402 - ومن أسلم في حنطة دراهم يعرفان وزنها مع دنانير لا يعرفان وزنها لم يجز، لا حصة الدراهم ولا غير ذلك، ويفسخ ويرد البائع الثمن، وهو مصدق في وزن ما قبض مع يمينه إن اختلفا فيه، فإن نكل حلف المبتاع وأخذ ما ادعاه.

2403 - ومن أسلم في طعام على أن يقبضه بمصر، لم يجز حتى يسمي أي موضع من مصر [يقبضه فيه]، لأن مصر ما بين البحر إلى أسوان، وإن قال: على أن أقبضه بالفسطاط، جاز، فإن تشاحّا في أي موضع يقضيه الطعام من الفسطاط فليوفه ذلك في سوق الطعام، وكذلك جميع السلع إذا كان لها سوق معروف فاختلفا فإنما يوفيه ذلك في سوقها، فإن لم يكن لها سوق فحيث ما أعطاه بالفسطاط لزم المشتري.
2404 - وإذا قبضت من رجل طعاماً من بيع أو سلم، وصدقته في كيله جاز، وليس لك رجوع بما تدعي من نقص إن كذبك، إلا أن تقيم بينة لم تفارقك من حين قبضته حتى وجدت فيه النقص، فإن كان الذي وجدت بمحضرهم في الطعام نقصاً أو زيادة كنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك، وإن زاد على المتعارف رجع البائع بما زاد ورجعت عليه بما نقص طعاماً إن كان ذلك مضموناً، وإن كان بعينه فبحصة النقصان من الثمن، وإن لم تكن بينة حلف البائع لقد أوفاه جميع ما سمى له إن كان اكتاله هو، ولقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر، وإن بعث به إليه فليقل في يمينه لقد بعته على ما كتب به إلي، أو قيل لي فيه من الكيل ولا شيء عليه، وإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بما ذكرنا، فإن نكلت فلا شيء لك.
2405 - وإن أسلمت إلى رجل في مد من حنطة، فلما حل أجله قلت له: كله [لي] في غرائرك، أو في ناحية من بيتك أو في غرائر دفعتها إليه فقال بعد ذلك: قد كلته وضاع عندي. قال مالك: ما يعجبني هذا، قال ابن القاسم: وأنا أراه ضامناً للطعام إلا أن تقوم له بينة على كيله، أو تصدقه أنت في الكيل فتقبل قوله في الضياع، لأنه لما اكتاله صرت أنت قابضاً له.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/487)، والمدونة الكبرى (3/135).

2406 - وإن أسلمت في طعام على أن تقبضه بالفسطاط لم يجز أن تقبضه بغيرها، وتأخذ كراء المسافة، لأن البلدان بمنزلة الآجال، فكأنك بعته قبل قبضه أو أسقطت عنه الضمان على مال تعجلته، فإن فعلت ذلك رددت الكراء، ومثل الطعام بموضع قبضته إن فات وابتعته بطعامك بالفسطاط، وإن أسلمت إليه في طعام عل أن يوفيكه بالفسطاط وعلى أن عليه حمله إلى القُلزم فجائز.
2407 - وإن كان لك على رجل طعام من سلم فأتاك به قبل الأجل، لم تجبر على أخذه، ولو كان من قرض جبرت على أخذه.
2408 - ومن أسلم إلى رجل في طعام فاختلفا عند الأجل في كثرة عدد أو وزن، واتفقا في الجنس والاسم، أنه طعام كذا أو حيوان كذا، أو عرض من جنس كذا، فالقول قول البائع مع يمينه إذا ادعى ما يشبه، وإن ادعى ما لا يشبه فالقول قول المشتري فيما يشبه، فإن اختلفا في النوع فقال هذا: أسلفتك في حنطة، وقال هذا: في شعير، أو قال هذا: في فرس، وقال هذا: في حمار، تحالفا وتفاسخا، وإن بعد محل الأجل، ورُدّ إلى المبتاع رأس ماله.
2409 - ومن باع حائطه وقال: شرطت نخلات أختارها بغير عينها، وقال المبتاع: بل شرطت هذه النخلات بعينها، تحالفا وتفاسخا، وليس اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، كاختلافهما في الأنواع، وإنما اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، بمنزلة من باع جارية ففاتت عند المبتاع، فقال البائع: بعتها بمائة دينار، وقال المبتاع: بل بخمسين ديناراً، فإن المبتاع مصدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يكون ثمناً للجارية يوم ابتاعها، فإن تبين كذبه حلف البائع إن ادعى ما يشبه، فإن أتى بما يشبه كان على المبتاع قيمتها يوم اشتراها.(1)
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/194).

واختلافهما في السلم في الجنس كقول بائع الجارية: بعتها بحنطة، وقال المبتاع: بشعير، فإنهما يتحالفان ويترادان إن لم تفت، فإن فاتت عند المبتاع أدى قيمتها، لأنه لو باعها أو أعورت أو نقصت ضمنها، وله نماؤها وعليه نقصانها يوم قبضها، لأنه كان ضامناً لها [يوم قبضها]، وإن كان رأس مال السلم عرضاً فاختلفا في كثرة كيل الطعام وقلته واتفقا في جنسه وكان اختلافهما بقرب مبايعتهما أو عند حلول الأجل، فإن لم يحل سوق الثوب ولا تغير تحالفا وتفاسخا، وإن تغير أو حال سوقه فالقول قول الذي عليه السلم، لأنه لما تغير صار عليه ديناً.
2410 - ومن ابتاع سلعة فغاب عليها قبل أن ينقد ثمنها ثم اختلفا في كثرة ثمنها وقلته، فإن فاتت بيد المبتاع ببيع أو حوالة سوق، صدق المبتاع إذا أتى بما يشبه، وإن لم تفت بما ذكرنا صدق البائع بعد أن يتحالفا ويتفاسخا، غلا أن يرضى المبتاع قبل أن يحكم بينهما أن يأخذها بما قال البائع فذلك له ما لم يفسخ بحكم، وإذا اختلفا في دفع الثمن في الربع والحيوان والرقيق والعروض، وقد قبضه المبتاع وبان به، فالبائع مصدق في يمينه إلا أن تقوم بينة، إلا في مثل ما يباع على النقد كالصرف، وما بيع في الأسواق من اللحم والفواكه والخضر والحنطة والزيت ونحوه، وقد انقلب به المبتاع، فالقول قوله أنه دفع الثمن مع يمينه.

2411 - ومن أسلم في سلعة إلى أجل فادعى حلوله، وقال البائع: لم يحل، فالقول قول البائع فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه صُدق المبتاع فيما يشبه، وقاله مالك فيمن ابتاع سلعة وفاتت عنده وادعى أن الثمن إلى أجل كذا وكذا، وقال البائع إلى أجل دونه، فالقول قول المبتاع، إلا أن يأتي بما لا يشبه، فيصدق البائع. وإذا ادعى أحدهما [في] السلم أنه لم يضربا له أجلاً وأن رأس المال تأخر شهراً بشرط، وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي الحلال منهما مع يمينه، إلا أن يقيم بذلك بينة، وإن تناقضا في السلم فاختلفا في مبلغ رأس المال فالقول قول الذي عليه السلم.(1)
ومن قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة إردب حنطة، وقال الآخر: بل [أسلمت إلي] هذين الثوبين غير الثوب الأول في مائة إردب حنطة، وأقاما جميعاً البينة على ذلك، لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مائتي إردب، لأنهما صفقتان. ولو قال المسلم إليه: أسلمت إلي الثوب الذي ذكرت مع هذا العبد فيما سميت، وأقاما البينة فهذا سلم واحد، إلا أني أقضي بالبينة الزائدة فيأخذ الثوب والعبد، وتلزمه المائة إردب كشاهد له على خمسين وآخر على مائة، فإن شاء أخذ خمسين بغير يمين، وإن شاء حلف وأخذ مائة. ولو قال: أسلمت إلي الثوب مع العبد في مائة إردب شعير، وكذلك قالت بينته قضى [بأعدل] البينتين، فإن تكافأتا كانا كمن لا بينة لهما، فيتحالفان ويتفاسخان لاختلافهما في الجنس.
وإن ادعى الذي له السلم أنه شرط الوفاء بالفسطاط، وقال الآخر بالإسكندرية، فالقول قول من ادعى موضع التبايع مع يمينه، فغن لم يدعياه فالقول قول البائع، لأن المواضع كالآجال، فإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وترادا.
__________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/392)، والتاج والإكليل (4/511)، والمدونة الكبرى (9/53)، وحاشية العدوي (2/545).

2412 - وإن أخذت لرجل سلماً بأمره لزمه، فإن شرط عليك المبتاع أنه [إن] لم يرض الرجل فالسلم عليك جاز ذلك، وكذلك إن ابتعت له سلعة بأمره من رجل يعرفه واشترط عليك البائع أن الرجل إن أقر له بالثمن، وإلا فهو عليك نقداً أو إلى أجل فلا بأس به.
ومن أمر رجلاً يشتري له جارية أو ثوباً، ولم يصف له ذلك، فإن اشترى له ما يصلح أن يكون من ثياب الآمر أو خدمه جاز ولزم الآمر، وإن ابتاع له ما لا يشبه أن يكون من ثيابه ولا من خدمه، فذلك لازم للمأمور ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء.
2413 - ومن أبضع مع رجل أربعين ديناراً في شراء جارية ووصفها له، فاشتراها بأقل من الثمن أو بزيادة [دينار] أو دينارين أو ما يشبه أن يزاد على مثل الثمن، لزمت الآمر إن كانت على الصفة، وكانت مصيبتها منه إن ماتت قبل أن يقبضها، ويغرم الزيادة للمأمور في الوجهين، لأنها جاريته ولا خيار له فيها، وإن كانت زيادة كثيرة لا يزاد مثلها على الثمن خُيّر الآمر في دفع الزيادة وأخذ الجارية، فإن أبى لزمت المأمور وغرم للآمر ما أبضع معه.
وإن هلكت قبل اختيار الآمر فمصيبتها من المأمور ويغرم للآمر ماله.
2414 - وإن دفعت إلى رجل مالاً وأمرته أن يسلمه لك في طعام، فأسلمه إلى نفسه وإلى زوجته أو أحد أبويه أو جده أو جدته، أو ولده أو ولد ولده، أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده أو عبده المأذون له، أو عبد ولده الصغار أو عبد أحد ممن ذكرنا، أو إلى شريك له مفاوض أو شريك عنان أو إلى ذمي، فذلك جائز إن صح من غير محاباة، ما خلا نفسه أو شريكه المفاوض، إذ كأنه أسلمه إلى نفسه، أو ن يلي عليه من ولد أو يتيم أو سفيه وشبهه، [وإن وكلت وكيلاً أن يسلم لك في طعام فأسلمه إلى ذمي جاز].
2415 - ولا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانياً إلا للخدمة، فأما لبيع أو شراء أو تقاض أو ليبضع معه، فلا يجوز، وكذلك عبده النصراني.

2416 - ولا يمنع المسلم عبده النصراني من شرب الخمر أو أكل الخنزير أو بيعهما أو شرائهما أو يأتي الكنيسة، لأن ذلك من دينهم.
2417 - ولا يشارك المسلم ذمياً إلا على أن لا يغيب على بيع ولا شراء إلا بحضرة المسلم، ولا بأس أن يساقيه إذا كان الذمي لا يعصر حصته خمراً. ولا أحب لمسلم أن يدفع مالاً قراضاً لذمي ولا يأخذ منه قراضاً.
ومن وكل عبداً مأذوناً له في التجارة، أو محجوراً عليه يسلم له في طعام ففعل فذلك جائز، والوكيل على المسلم إذا وكل غيره لم يجز.
2418 - وإن وكلت رجلاً على بيع طعام أو عرض، فباعه بغير العين من عرض أو غيره وانتقد فأحب إليّ أن يضمن المأمور حين باع بغير العين، إلا أن يجيز الآمر فعله، ويأخذ ما باع به.
ولو أمرته بشراء سلعة فاشتراها بغير العين، فلك ترك ما اشترى أو الرضا به، وتدفع إليه مثل ما أدى.

2419 - ولو اشترى لك أو باع بفلوس فهي كالعروض، إلا أن تكون سلعة خفيفة الثمن، إنما تباع بالفلوس وما أشبه ذلك، والفلوس فيها بمنزلة العين. وإن دفعت إليه دراهم يسلمها لك في ثوب هروي، فأسلمها في بساط شعر، أو يشتري لك بها ثوباً فأسلمها في طعام [أو عروض]، أو في غير ما أمرته به، أو زاد في الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله، وتطالب ما أسلم من [عرض] أو طعام، وتدفع إليه ما زاد، لأن الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه ديناً، ففسختها فيما لا يتعجله، وذلك دين بدين، ويدخل في أخذك الطعام الذي أسلم فيه أيضاً مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه، لا شك فيه، لأن الطعام قد وجب للمأمور بالتعدي، فليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له، وليس له [ولا لك] فسخه، ولا شيء لك أنت أيضاً على البائع، وإنما [لك] على المأمور ما دفعت إليه من الثمن، ولو لم تدفع إليه ثمناً وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو في جارية أو ثوب ولم تصفهم له، فأسلم في غير ما أمرته به من طعام أو عرض، أو فيما لا يُشترى لمثلك من جارية أو ثوب، فلك أن تتركه ولا يلزمك من الثمن شيء أو ترضى به وتدفع إليه الثمن، لأنه لم يجب لك عليه دين ففسخته، وكأنه ولاك، ولا يجوزها هنا أن يؤخرك بالثمن، وإن تراضيتما بذلك، لأنه لم يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك، فكأنه بيع مؤتنف بدين له وتولية، فتأخُّر الثمن فيه دين بدين.

وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل، أو باعها بدنانير مؤجلة لم يجز بيعه، فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقداً وبيعت الدنانير بعرض نقداً، ثم بيع العرض بعين نقداً، فإن كان ذلك مثل القيمة أو التسمية إن سميت فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور، ولو أسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم، ثم استوني [بالطعام فإذا حل أجله استوفي ثم بيع فكانت الزيادة لك والنقص عليه، وإن أمرته ببيعها إلى] أجل فباعها بنقد فعليه الأكثر مما باعها به، أو القيمة [لما تعدى، قال ابن القاسم:] وسواء سميت له ثمناً أو لم تسم.
2420 - [قال مالك]: وإذا باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال: بذلك أمرني ربها، أو فوّض فيها إليّ، وقال الآمر: بل أمرتك باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر إن شاء وأخذها، وإن فاتت حلف المأمور وبرئ.
وإن دفعت إليه دنانير يسلمها لك في طعام فلم يسلمها حتى صرفها بدراهم، فإن كان هو الشأن في تلك السلعة، لأنه يسلك ثلث دينار دراهم ونصفاً ونحوه، أو كان ذلك نظراً، لأن الدراهم فيما يسلم فيه أفضل، فذلك جائز، وإلا كان متعدياً وضمن الدنانير ولزمه الطعام، ثم لا يجوز أن يتراضيا على أن يكون الطعام لك، لأنه دين بدين وبيع له قبل قبضه، إلا أن يكون قد قبضه الوكيل فأنت مخير في أخذه، أو أخذ دنانيرك منه.(1)
2421 - ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ دافعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه، وإن لم يكن دفع ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/196).

2422 - وإن أسلمت إلى رجل في عرض وأخذت منه رهناً فهلك بيدك قبل [محل] الأجل وهو مما لا يغاب عليه، فضمانه من الراهن، وإن كان مما يغاب عليه فضمانه منك، والسلم إلى أجله في الوجهين، فإن أرادت أن تقاص الراهن من سلمك بالذي صار له عليك من قيمة الرهن جاز ذلك، ما لم يكن الرهن دنانير أو دراهم، فإن كان كذلك فلا خير فيه [إن كان رأس مال السلم ذهباً أو ورقاً]، [وإن كان رأس مال السلم غير الذهب والورق جازت المقاصة].
وإن كان سلمك في طعام لم يصلح أن تقاصه على حال وإن حلّ الأجل، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وليس هذا بإقالة ولا شركة ولا تولية.
وإن كان سلمك في طعام فأخذت به رهناً طعاماً من صنفه أو من غير صنفه أو دنانير أو دراهم، فإنما يجوز ذلك إذا قبضته مطبوعاً عليه، خوفاً أن تنتفع به وترد مثله فيصير بيعاً وسلفاً، أو تضعا ذلك على يدي عدل.
وما أخذت به رهناً في طعام أسلمت فيه [أو غيره] وذلك الرهن حيوان، أو دور، أو أرضون، أو تمر في رؤوس النخل، أو زرع [لم يحصد، أو ثمر أو زرع] لم يبد صلاحهما، فلا بأس بذلك، ولا تضمن ما هلك من ذلك أو ما أصابته جائحة من ثمر أو زرع، لأنه مما لا يغاب عليه، وهلاكه ظاهر، وسواء هلك قبل قبضك أو بعده، وما أخذته رهناً مما يغاب عليه من عرض أو عين فهلك بيدك ضمنته، ولا تضمن ما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه، ولا ما كان بيد أمين والسلم بحاله.
2423 - ولا بأس برهن أو كفيل أو بهما معاً في السلم، فإن مات المسلم إليه قبل الأجل حلّ الأجل بموته، وأنت أحق بالرهن من غرمائه حتى تقبض حقك، ولا يحل الأجل بموتك، ويكون ورثتك مكانك.

2424 - وإن أسلمت مائة دينار في عروض موصوفة إلى أجل، وأخذت بها كفيلاً فصالحك الكفيل منها قبل الأجل على طعام أو عرض يخالفها أو عين نقداً شراء لنفسه، جاز ذلك إن كان الغريم حاضراً حتى لا يكون للكفيل عليه إلا ما عليه، وإن صالحك عن الغريم بأمر يكون الغريم عليه فيه بالخيار، إن شاء أجاز صلحه أو أعطاه ماله عليه، فلا خير فيه. وإن صالحك الكفيل لنفسه قبل محل الأجل على ثياب في صفتها وعددها جاز، وإن كانت أقل أو أكثر أو أجود رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، ويدخله في الأدنى الزيادة في السلف، وفي الأرفع زيادة على ضمان الأدنى، وكذلك إن قضى عن الغريم، ويدخل في الأرفع: حُط عني الضمان وأزيدك، وفي الأدنى: ضع وتعجل.
فإن كان دينك مائة دينار [من قرض] فصالحك الكفيل منها قبل الأجل أو بعده بشيء يرجع إلى القيمة جاز ذلك، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به.
2425 - وإن صالحك الكفيل بطعام أو بما يُقضى له بمثله لم يجز، لأن الغريم عليه بالخيار، إن شاء أعطاه مثله أو الدين.
ومن تكفل لك بطعام من سلم لم يجز للكفيل أن يصالحك لنفسه قبل الأجل، إلا بمثل رأس مالك، فتكون تولية [له] كأجنبي، أو على أن ذلك إقالة للذي عليه السلم برضاه، فيكون الكفيل [كأنه] أسلفه الثمن كما يجوز لأجنبي أن يعطيك ذهبك على أن يقبل البائع برضاه ويتبعه بما أدى.
2426 - ولا تجوز الإقالة لكفيل أو لأجنبي بغير إذن الذي عليه السلك إذ له الخيار، ولا نقد فيما فيه الخيار، فكأنه أسلف البائع الثمن على أن يرضى بذلك ويرد مثله، أو يغرم له طعاماً فقبحت الإقالة، ويصير إن رضي بها بيع طعام قبل قبضه. ولا بأس أن تأخذ من الكفيل قبل الأجل أو بعده مثل طعامك، ولا يجوز أن تأخذ ذلك من أجنبي وتحيله على غريمك، حلّ أجلك أم لا، لأن ذلك منه بيع ومن الكفيل قضاء.

2427 - ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي أو سأله أن يوفيكه فأحالك به ولم تسأل أنت الأجنبي ذلك، جاز [ذلك] قبل الأجل أو بعده.
ولا يجوز لك أن تستقرض من أجنبي مثل طعامك وتحيله به على الذي عليه السلم، أو يوفيكه على ذلك حل الأجل أو لم يحل. ولا تأخذ من الغريم قبل الأجل إلا مثل طعامك في كيله وصفته أو رأس مالك لا أفضل. ولا تأخذ منه ولا من الكفيل قبل الأجل سمراء من محمولة، ولا محمولة من سمراء، أو سلتاً أو شعيراً من قمح، فيدخله بيع طعام قبل قبضه مع ضع وتعجل في تعجيل الأدنى، وذلك جائز من الغريم إذا حل الأجل، لأنه بدل، ولا يجوز من الكفيل وإن حلّ [الأجل]، لأنه بيع، إذ لا يرجع بما أدى الكفيل. وإذا أدى الكفيل ما تكفل به من الطعام قبل أجله لم يرجع به على الغريم حتى يحل الأجل.
وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد الأجل ليوصله إلى ربه وله طلبه حتى يوصله [هو] إلى ربه، ويبرأ من حمالته. وإذا حلّ الأجل والغريم حاضر فليس على الكفيل أن يقضيك ولا أن يطالبه لك.
2428 - وإن كان الغريم غائباً أو عديماً أو عليه دين كثير فخفت المحاصة في قيامك، أو أن يأتي غرماء آخرون فحينئذ لك أخذ الكفيل. وإذا قبض الكفيل من الغريم الطعام بعد الأجل ليؤديه إليك فتلف عنده، فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه، قامت بهلاكه بينة أو لم تقم، كان مما يغاب عليه أم لا، قضاه ذلك الغريم متبرعاً أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان أو غيره. وأما إن قبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن، ولو باعه الكفيل لم يكن لك أن تجيز بيعه، لأنك لم توكله على قبضه، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، ولك أن تأخذ بطعامك الغريم أو الكفيل [إذا قبضه على غير الاقتضاء، ولا ضمان عليه].

فإن أخذت به الغريم فللغريم أن يأخذ الثمن من الكفيل إن كان دفع إليه الطعام على الرسالة، إن أحب أخذه بمثل طعامه. وإن أخذت الكفيل بالطعام فليس للغريم أخذ الثمن منه، ويدفع إليه مثل الطعام إن كان قبضه بمعنى الاقتضاء، لأنه ضمنه فيساغ له بالثمن.
2429 - ومن أسلم دراهم في طعام وأخذ برأس المال كفيلاً لم يجز البيع. ومن تكفل لك بمائة درهم لم يجز صلحك للكفيل أو الغريم على عشرة دراهم من المائة قبل الأجل، لأنك وضعت على أن تعجلت، وجائز ذلك منهما بعد الأجل ويرجع الكفيل بما أدى. وكذلك لو تطوع أجنبي فدفع إليك عشرة دراهم بغير أمر الغريم على إن هضمت عن الغريم ما بقي جاز، ويرجع الأجنبي على الغريم بما أدى. وإذا دفع الكفيل العشرة ثمناً للمائة لنفسه لم يجز، وليرجع فيأخذ عشرته، وليس لك حبسها من المائة إلا في عُدْم الغريم أو غيبته، وإن صالحك الكفيل عن الغريم على خمسة دنانير نقداً لم يجز، لأن الغريم مخير إن شاء دفع الخمسة دنانير أو المائة دراهم، ويدخله تأخير الصرف، وكذلك إن اشتراها الكفيل بذلك لنفسه لم يحل، ولا بأس بصلحه عن الغريم منها على عرض أو حيوان، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من المائة أو من قيمة ما أعطى بالدراهم، وإن ابتاعها الكفيل لنفسه بهذا العرض جاز ويرجع على الغريم بالمائة كلها.(1)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (13/267).

2430 - وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف فزدته بعد الأجل دراهم على أن يعطيك ثوباً أطول منه، [في صفته] من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك، ولا يجوز أن تأخذ أدنى من ثوبك وتسترجع بعض الثمن إن كان الثمن عيناً، أو ما لا يعرف بعينه وقد غاب عليه، [ويدخله بيع وسلف منك له]، وإن كان رأس المال عيناً أو طعاماً أو ما لا يعرف عينه، فقبضه البائع وغاب عليه، فلا يجوز أن تأخذ بعد الأجل أو قبله نصف رأس المال ونصف سلمك، لأنه بيع وسلف، ما ارتجعت من الثمن فهو سلف، وما أمضيت فهو بيع، فإن لم تفترقا جاز أن تقيله من بعض، وتترك بقية السلم إلى أجله، فأما بعد التفرق فلا تأخذ منه إلا ما أسلفت فيه أو رأس مالك. ولو أعطاك بعد الأجل أو قبله جميع رأس المال أو بعضه مع جميع السلم على أن يعجل لك السلم قبل أجله، أو يؤخره إلى أبعد من أجله لم يجز، إن كان الثمن لا يعرف بعينه وقد غاب عليه. وإن كان رأس مالك عروضاً تعرف بعينها أسلمتها في خلافها من عرض أو طعام أو حيوان فأقلته من نصف ما أسلمت فيه، على أن تأخذ نصف رأس مالك [بعينه] بعد أن تفرقتما أو قبل جاز ذلك، حل الأجل أم لا، [وإن تعجلت سلمك قبل أجله لم يجز، ودخله حُطّ عني الضمان وأزيدك]، [وكذلك إن أخذت بعض رأس مالك بعينه وجميع ما أسلمت فيه بعد الأجل فلا بأس به].
ولا يجوز أن تأخذ بعض سلمك وتسترجع عروضاً من صنف رأس مالك، كانت مثل عدد رأس مالك أو أقل. ويدخله إن كانت مثل عدده سلف جر منفعة، وإن كانت أقل من عدده بيع وسلف، إلا أن تسترجع عروضاً من غير صنف رأس مالك فيجوز.

2431 - وإن أسلمت إلى رجل في ثياب موصوفة فزدته قبل الأجل دراهم نقداً على أن زادك في طولها جاز، لأنهما صفقتان، ولو كانت صفقة واحدة ما جاز، كما لو دفعت إليه غزلاً ينسجه ثوباً ستة في ثلاثة، ثم زدته دراهم وغزلاً على أن يزيدك في طول أو عرض، فلا بأس به وهي صفقتان، وهذه إجارة، والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع.
2432 - ومن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه إلى أجل جاز ذلك إذا أراه الذراع، وليأخذ قياس ذراعه عندهما، كما جاز شراء وَيْبَة وحفنة بدراهم إن أراه الحفنة، لأنها تختلف. ومن أسلم في ثوب حرير واشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه جاز إذا وصفه ووصف صفاقته وخفته، [,إنما السلف في الثياب بصفة وذراع معلوم طوله وعرضه وصفاقته وخفته] ونحوه.
وإن اشترط صفة ثوب أراه إياه فحسن، وإن لم يره فالصفة تجزيه. ولا أعرف في صفة الثوب جيداً ولا فارهاً في الحيوان، وإنما السلف في الثياب والحيوان على الصفة. ويلزم المشتري أخذه إن كان على الصفة.
وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة ثم استزدته بعد تمام السلم أرادب معجلة أو مؤجلة إلى الأجل أو أبعد جاز، وكأنه في العقد.
2433 - وإذا صارفت رجلاً ثم لقيته بعد ذلك فأقلته ودفعت إليه دنانيره وفارقته قبل أن تقبض دراهمك، أو ابتعت منه سيفاً مُحلّى نصله تبع لفضته بدنانير، ثم أقلته منه بعد ذلك ودفعته إليه وفارقته قبل أن تقبض الدنانير، لم يجز في ذلك إلا المناجزة.

2434 - وإن أسلمت عروضاً أو حيواناً في طعام فأقلته منه على أن تأخذ رأس مالك وقد تغير سوقه جاز ذلك، ولا ينظر إلى تغير سوقه ما لم يحل في عينه بنماء أو نقصان، بيّن عور أو عيب، فلا يجوز حينئذ أن تقيله من الطعام كله ولا من بعضه، والنماء بمنزلة الصغير يكبر، وذهاب بياض العين وزوال الصمم، فهذا يفيت الإقالة. ولو كان رأس المال جارية فتغيرت في بدنها بهزال أو سمن لم تفت الإقالة، ولو كانت دابة كان الهزال والسمن مفيتاً للإقالة [بذلك]، لأن الدواب تشترى لشحمها، والرقيق ليسوا كذلك.
2435 - ومن باع جارية بعبد فتقابضا، ثم مات العبد فتقايلا لم تجز الإقالة إلا أن يكونا حيّين، وكذلك إن حدث بالعبد عيب لم تجز الإقالة، إلا أن يعلم دافع العبد بنقصه فيجوز.
2436 - وإن أسلم رجلان إلى رجل في طعام أو عرض فأقاله أحدهما جاز، إلا أن يكونا متفاوضين فيما اسلما فيه من عرض أو طعام خاصة أو في جميع أموالهما فلا يجوز، لأن ما أقال منه أو أبقى، وكذلك إن ولّى حصته فلا حجة لشريكه عليه في إقالة أو تولية إن لم يفاوضه، وإنما الحجة على البائع، ولا يرجع فيما أخذ شريكه، [قال سحنون: لا تجوز إقالته إلا بإذن شريكه، كما لا يقتضي إلا بإذنه]، ولا يتهم البائع في أن يبيع من أحدهما على أن يسلفه الآخر، وكذلك إن كان رأس المال في الطعام ثوباً ولم يتغير عينه، فأقاله أحدهما جاز، ويكون شريكاً له فيه.
2437 - وإن أسلم رجل إلى رجلين في طعام فأقاله أحدهما، [فإن] لم يكن شرط حمالة أحدهما بالآخر، أيهما شاء أخذ بحقه فذلك جائز، لأنه لا يتبع كل واحد منهما إلا بحصته، ولو شرط ضمانهما لم تجز الإقالة، إذ الحق كأنه على واحد أقاله من بعضه. وإن أسلمت إليه دراهم في طعام أو غيره ثم أقالك قبل التفرق، ودراهمك بيده، فأراد أن يعطيك غيرها مثلها فذلك له وإن كرهت، شرطت استرجاعها بعينها أم لا.

وإن كان رأس المال عرضاً يوزن أو يُكال [أو يُعدّ]، أو طعاماً أسلفته في عرض، لم يكن له أن يعطيك إلا ذلك بعينه، لأن ذلك يباع لعينه والدراهم لا تباع لعينها.
وكل ما ابتعته مما يكال أو يوزن من طعام أو عرض فقبضته فأتلفته فجائز أن تقبل منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه، وبعد أن يكون المثل حاضراً عندك، وتدفعه إليه بموضع قبضته منه، وإن حالت الأسواق، وكذلك لو اغتصبته فأتلفته، فإنما عليك مثله لا قيمته وإن حال سوقه، وتدفعه إليه بموضع غصبته منه.
2438 - وإن أسلمت ثوباً في طعام فهلك الثوب بيد البائع لم يجز الإقالة، إذ لا تجوز الإقالة على قيمته ولا على ثوب مثله، ولو لم يهلك الثوب جازت الإقالة إن قبضت الثوب مكانك ولم يتأخر، ولو هلك الثوب بعد الإقالة انفسخت الإقالة، وبقي السلم بحاله، ولا يجوز أخذ ثوب مثله قبل أن تفترقا، ولو قبضت الطعام بعد محله ثم أُقِلت منه، فتلف عندك بعد الإقالة قبل أن تدفعه فهو منك، وتنفسخ الإقالة. وأصل قول مالك: أن من أسلم حيواناً أو رقيقاً أو عروضاً لا تؤكل ولا تشرب، وهي مما يكال أو يوزن أم لا، في طعام إلى أجل ثم تقايلا وقد حالت أسواقها فالإقالة جائزة، إلا أن تهلك أو يدخلها نقص في أبدانها فلا تجوز الإقالة حينئذ، وإن دفع إليه مثلها قبل أن يفترقا لم يجز.(1)
* * *

كتاب السلم الثالث
2439 - وإن أسلم إليك رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة قيمتها مائتا درهم، فأقالك في مرضه ثم مات، ولا مال له غيرها فإما أجاز الورثة وأخذوا منك رأس المال، وإلا قطعوا لك بثلث ما عليك من الطعام، وإن حمل الثلث جميع الطعام جازت الوصية، وإن كانت قيمة الطعام مائة درهم جازت الإقالة، لأنه ليس فيها محاباة.
وبيع المريض وشراؤه جائز، إلا أن تكون فيه محاباة فيكون ذلك في ثلثه.
__________
(1) انظر: التقييد (3/221).

2440 - وإن أسلمت رقيقاً أو حيواناً أو نخلاً أو دوراً أو ثوباً في طعام ثم أقلته بعد شهرين أو ثلاثة، وقد استُغِل واستُخدِم وسُكِن وحالت الأسواق، فذلك جائز ما لم يتغير البدن بنقص أو نماء، وإن كانت أمة فولدت فذلك يفيت الإقالة، والولد بمنزلة النماء في البدن، ولا تجوز الإقالة فيها نفسها، ويحبس مشتريها ولدها لما يدخله من التفرقة. ولو كان عبداً فأذن له في التجارة فلحقه دين فذلك عيب يمنع الإقالة، علمت به أم لا، وحوالة سوق رأس المال في ذلك كله لا يمنع الإقالة، إلا أن يتغير في بدنه بنقص أو نماء فيصير كأنه ليس بعين شيئه فيكون أشبه بالبيع من الإقالة.
2441 - ومن أسلم عرضاً في طعام ثم تقايلا على أن زاد أحدهما الآخر شيئاً لم يجز، ودخله بيع الطعام قبل قبضه، وإن أسلم عيناً في طعام فأقاله، وأخذ برأس ماله عرضاً بعد الإقالة لم يجز، لأن ذلك بيع طعام قبل قبضه بعرض، وذكر الإقالة لغو.
2442 - وإن ابتعت من رجل سلعة بعينها ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما قبل أن تقبض رأس مالك، وأخرته به إلى سنة جاز، لأنه بيع حادث، والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم. [قال مالك:] وإن أسلمت إلى رجل في حنطة أو عرض ثم أقلته، أو وليت ذلك رجلاً أو بعته إن كان مما يجوز لك بيعه، [لم يجز لك] أن تؤخر بالثمن من وليته أو أقلته أو بعته، يوماً أو ساعة، بشرط أو بغير شرط، لأنه دين في دين، ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف، ولا يجوز أن تقيله من الطعام وتفارقه قبل أن تقبض رأس المال، أو يعطيك به حميلاً أو رهناً، أو يحيلك به على أحد، أو يؤخرك به يوماً أو ساعة، لأنه يصير ديناً في دين، وبيع الطعام قبل قبضه، وإن أخرك به حتى طال ذلك انفسخت الإقالة وبقي البيع بينكما على حاله، وإن نقدك قبل [أن] يفارقك فلا بأس به.
2443 - ومن أسلم في طعام وأخر النقد حتى يحل الأجل لم يجز، وهو دين بدين.

2444 - ومن أسلم إلى رجل دراهم في طعام أو عرض أو في جميع الأشياء فأقاله بعد الأجل أو قبله من بعض وأخذ بعضاً لم يجز، ودخله فضة نقداً بفضة وعرض إلى أجل وبيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه.
2445 - وإن أسلمت إلى رجل ثوباً في حيوان موصوف فقطعه جاز أن تقيله من نصف الحيوان، بنصف ثوبك مقطوعاً حل الأجل أم لا، إذا قبضت ذلك كان القطع قد زاده أو نقصه، ولو أخذت ثوباً غير ثوبك من صنفه وزيادة معه لم يجز، ودخله سلف بزيادة. وإن أخذت ثوبك بعينه وقد دخله عيب وزادك معه ثوباً من صنفه أو من غير صنفه، أو حيواناً أو دنانير أو دراهم إقالةً من جميع الحيوان الذي لك عليه، حل الأجل أم لا، إلا أن يزيدك شيئاً من صنف ما أسلمت فيه، فيجوز ذلك بعد الأجل لا قبله، ولا بأس أن تأخذ منه ثوبك بعينه ببعض ما أسلمت فيه، وتترك بقيته إلى أجله ولا تقدمه قبل الأجل ولا تؤخره، كما لو بعت عبداً بمائة دينار إلى أجل، ثم أخذت العبد بعينه بخمسين مما لك عليه وتركت ما بقي إلى أجل فلا بأس به، فقس جميع العروض على هذا.
2446 - وإن ابتعت عبدين في صفقة، كل واحد بعشرة دراهم، جاز أن يقيلك من أحدهما على أن يبقى الآخر عليك بأحد عشر درهماً، لأنه لا بأس أن تبيع منه أحدهما بدرهم أو أقل أو أكثر.
2447 - وإن أسلمت إلى رجل في كُر حنطة ثم تقايلتما قبل الأجل أو بعده فأحالك بالثمن على رجل، وتفرقتما قبل أن تقبض ما أحالك به، لم يجز، لأنه دين بدين، وإن قبضت الثمن من الذي أحالك عليه قبل أن تفارق الذي أحالك فلا بأس به. ولو وكل البائع من يدفع إليك رأس مالك وذهب، أو وكلت أنت من يقبض [ذلك] وذهبت، فإن قبض وكيلك منه أو قبضت أنت من وكيله مكانكما قبل التفرق جاز، وإن تأخر القبض لم يجز، وإن كان رأس مالك عرضاً لم يجز تأخيره، وهو مثل العين في هذا.(1)
__________
(1) انظر: المدونة (9/79، 91، 93).

2448 - ومن اشترى سلعة بنقد فلم يقبضها حتى أشرك فيها أو ولى، وقد نقد أو لم ينقد، فلا بأس بذلك، ومن ابتاع طعاماً كيلاً بثمن إلى أجل فلم يكتله حتى ولاه رجلاً أو أشركه فيه، فإن كان لا ينتقد الثمن إلا إلى أجل فجائز، وإن تعجله قبل أجله لم يجز. ولو أشركه أو ولاه بعد أن اكتال الطعام وقبضه وشرط تعجيل الثمن جاز، لأنه بيع مؤتنف، وإن لم يشترط النقد لم يكن له أخذه به إلا إلى الأجل الذي ابتاع إليه. ولو اشترى الطعام بثمن نقداً فنقد ثمنه ثم أشرك فيه، أو ولاه قبل أن يكتاله فلا بأس به إذا انتقد مثل ما نقد قبل التفرق، وإن اشترط تأخير الثمن إلى أجل لم يجز، وما ابتعت من العروض والحيوان مضموناً إلى أجل، ثم بعت ذلك وانتقدت ثمنه ثم فلس من ذلك في ذمته، فليس للمبتاع منك رجوع عليك وله اتباع بائعك ومحاصة غرمائه.
2449 - وإن ابتعت سلعة بعينها فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً، ثم هلكت السلعة قبل قبض المُشْرَك، أو ابتعت طعاماً [فاكتلته] ثم أشركت فيه رجلاً فلم تقاسمه حتى ذهب الطعام، فضمان ذلك منكما وترجع عليه بنصف الثمن.
2450 - وإذا ابتاع رجلان عبداً فسألهما رجل أن يشركاه فيه ففعلا فالعبد بينهم أثلاثاً. وكل ما اشتريت من جميع العروض والطعام فلا يجوز أن تشرك فيه رجلاً قبل قبضك [له] أو بعد، على أن ينقد عنك، لأنه بيع وسلف.
2451 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ثم سألك أن توليه ذلك ففعلت، جاز ذلك إذا نقدك، وتكون إقالة، وإنما التولية لغير البائع.
وإن ابتعت طعاماً فاكتلته ثم أشركت فيه رجلاً، أو وليته على تصديقك في كيله جاز، وله أو عليه المتعارف من زيادة الكيل أو نقصانه، وإن كثر ذلك رجع عليك بحصة النقصان من الثمن ورد كثير الزيادة، وإذا أشركته فيه فضمانه منكما وإن لم تكتالاه.

2452 - وإن أسلمت في حنطة أو عروض، جاز أن تولي بعضها قبل [الأجل]، ربعها بربع الثمن، وتجوز الشركة والتولية والإقالة في السلم في الطعام وجميع الأشياء إذا انتقدت. وإن اشتريت سلعة ثم وليتها لرجل ولم تسمها له ولا ثمنها، أو سميت أحدهما، فإن كنت ألزمته إياها لم يجز، لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الإلزام جاز، وله الخيار إذا رآها وعلم الثمن، وإن أعلمته أنه عبد فرضي به، ثم سميت له الثمن فلم يرض فذلك له، وهذا من ناحية المعروف يلزم المُوَلّي ولا يلزم المُوَلَّى إلا برضاه، [وأما] إن ابتعت منه عبداً في بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره، لأن البيع وقع على الإيجاب والمكايسة، ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره، جاز وإن كان على المكايسة.
2453 - ويجوز بيع زريعة الفجل الأبيض والسلق والكراث والجزر والخربز(1) وشبهه، قبل قبضه، لأنه ليس بطعام، وإن أنبت طعاماً، فالنوى ينبت طعاماً، وذلك جائز فيه، وأما زريعة الفجل الذي يخرج منه الزيت فلا [يصلح أن تبيعه قبل أن تستوفيه، لأن هذا طعام، ألا ترى أن الزيت فيه؟].(2)
2454 - وكل طعام اشتريته بعينه أو مضموناً على كيل أو وزن أو عدد مما يدخر أو لا يدخر، فلا يجو بيعكه من بائعك أو غيره حتى تقبضه، إلا أن تقيل منه أو تشرك فيه أو توليه، وكذلك الإدام والشراب والملح والفلفل والكزبرة والقرنباذ والشونيز والتابل، كله داخل في حكم الطعام، ولا يباع قبل قبضه، ولا يصلح منه اثنان بواحد، إلا أن تختلف الأنواع منه، إلا الماء فإنه يجوز بيعه قبل قبضه أو متفاضلاً يداً بيد، أو بطعام إلى أجل.
__________
(1) الخربز بخاء معجمة فراء مهملة فباء موحدة فزاي معجمة المهناوي، صنف من البطيخ معروف شبيه بالحنظل أملس مدور الرأس رقيق الجلد قاله البوني.
(2) انظر: حاشية الدسوقي (3/337)، والمدونة (2/294).

وكل ما أكريت به أو صالحت به من دم عمد، أو خالعت به من طعام بعينه أو مضمون على كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن يكون الذي بعينه مصبراً، فيجوز بيعه قبل قبضه، ويجوز بيع ما أقرضته من الطعام قبل قبضه.
2455 - وإن كاتبت عبدك بطعام موصوف إلى أجل، جاز أن تبيعه من المكاتب خاصة قبل الأجل بعرض أو بعين وإن لم تتعجله، ولا تبع ذلك الطعام من أجنبي حتى تقبضه، وإنما جاز ذلك من المكاتب لأن الكتابة ليست بدين ثابت ولا يحاص بها، وكما يجوز بيع الكتابة من العبد نفسه بدين إلى أجل، فلا تباع من أجنبي بدين مؤجل، وقد تباع خدمة المدير منه، ولا تباع من غيره، فأما أم تبيع من المكاتب نجماً مما عليه من الطعام فلا يجوز، لأنه يصير بيع الطعام قبل قبضه، وإنما يجوز أن تبيعه جميع ما عليه فيعتق بذلك. قال سحنون: إنما يجوز إذا تعجل المكاتب عتق نفسه.
2457 - وكل ما أسلمت فيه من سائر العروض على عدد أو كيل أو وزن إلى أجل، فجائز بيع ذلك قبل قبضه من غير بائعك، بمثل رأس مالك أو أقل أو أكثر نقداً، أو بما شئت من الأثمان، إلا أن تبيعه بمثل صنفه فلا خير فيه، [قال في كتاب الهبات: إن كانت منفعة المبتاع لم يجز، وإن كانت للبائع خاصة جاز]، وجائز أن تبيع ذلك السلم من بائعك بمثل الثمن فأقل منه نقداً، قبل الأجل أو بعده، إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير واتقاه عبد العزيز. وأما بأكثر من الثمن فلا يجوز بحال، حلّ الأجل أم لا، وإن كان الذي لك عليه ثياباً فَرْقَبيّة جاز أن تبيعها منه قبل الأجل بما يجوز أن تسلف فيها من ثياب القطن المروية والهروية والحيوان والطعام، إذا انتقدت ذلك ولم تؤخره. ولا تأخذ منه قبل الأجل ثياباً فرقبية، إلا مثل ثيابك صفة وعدداً، فأما أفضل من ثيابك رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، اتفق العدد أو اختلف، إلا أن يحل الأجل، فيجوز ذلك كله.

وما ابتعته بعينه من الطعام أو الشراب جزافاً، أو اشتريته من سائر العروض بعينه، أو مضموناً على كيل أو وزن أو جزافاً من عطر أو زنبق أو مسك أو حديد أو بز وشبهه، فلا بأس ببيعه قبل قبضه، من بائعك أو من غيره، وتحيله عليه إلا أن يكون ذلك بين أهل العينة، فلا يجوز بأكثر مما ابتعت.
2458 - وأهل العينة أن يأتي رجل إلى رجل فيقول [له]: أسلفني، فيقول: لا أفعل ولكن أشتري لك سلعة من السوق فأبيعها منك بكذا وكذا، ثم أبتاعها منك بكذا وكذا، أو يشتري من رجل سلعة ثم يبيعها منه [إلى أجل] بأكثر مما ابتاعها به.
2459 - وما ابتعت من الطعام بعينه، أو بغير عينه كيلاً أو وزناً فلا تواعد فيه أحداً قبل قبضه، ولا تبع طعاماً تنوي أن تقبضه من هذا الطعام الذي اشتريت.
وإن اشتريت طعاماً فاكتلته لنفسك، ورجل واقف على غير موعد، فلا بأس أن تبيعه منه على كيلك، أو على تصديقك في الكيل إن لم يكن حاضراً، أو لم يكن بينكما في ذلك موعد، فإن قبضه منك ثم ادعى نقصاً فالقول فيه مذكور في الجزء الثاني من السلم.
2460 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام فحل، فلا ينبغي أن توكل على قبضه منه عبده أو مدبره أو أم ولده أو زوجته أو صغار بنيه، وهو كتوكيلك إياه فلا تبعه بذلك القبض، ولك بيعه بقبض الكبير البائن من ولده.
وإن كان لك على رجل طعام من سلم، وله عليك طعام مثله، لم يجز أن تتقاصّا، حلت الآجال أم لا، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فإن كان أحدهما من قرض والآخر سلم وأجلهما واحد والصفة والمقدار متفق، فلا بأس أن يتقاصّا إن حل الأجلان، ولا يجوز إن لم يحلا، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فيدخله دين بدين، وبيع الطعام قبل قبضه.

2461 - وإذا أَحَلْت على ثمن الطعام لك من له عليك مثل ذلك الثمن، من بيع سلعة أو قرض، لم يجز للمحال به أن يأخذ فيه من الطعام إلا ما جاز لك، وإن ابتعت طعاماً فلم تقبضه حتى أسلفته لرجل، فقبضه المستسلف، فلا يعجبني أن تبيعه منه قبل أن تقبضه، وإن كان لك عليه طعام من سلم، فلما حلّ أحالك به على رجل [له] عليه طعام مثله من قرض، فإن حلّ أجل القرض وأجل السلم جاز، وإن لم يحل لم يجز.
2462 - وإذا ابتاع ذمي طعاماً من ذمي فأراد بيعه قبل قبضه لم أحب لمسلم أن يبتاعه، ولا يجوز أن يحيلك من طعام لك عليه من سلم على طعام ابتاعه ليقضيكه حتى تقبضه، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان هو قد قبضه جاز لك أن تأخذه منه على كيله وتصديقه، وكذلك إن قبضه بمحضرك إلا أن تواعده فتقول له: اشتر هذا الطعام وأنا آخذه منك فيما لي عليك، فلا خير فيه، ويدخله مع بيعه قبل قبضه، بيع ما ليس عنده.
2463 - وإن ابتعت صبرة طعام جزافاً فهلكت بعد العقد فهي منك، فإن هلكت بتعدي أحد أتبعته بقيمتها من الذهب أو الفضة، كان بائعك أو غيره، ولو ابتعتها على الكيل كل قفيز بكذا فهلكت قبل الكيل بأمر من الله، كانت من البائع وانتقض البيع، وإن هلكت بتعدي البائع أو أفاتها ببيع، فعليه أن يأتي بمثلها تحرياً، يوفيكها على الكيل، ولا خيار لك في أخذ ثمنك أو الطعام، ولو استهلكها أجنبي غرم مكيلتها إن عُرفت وقبضه على ما اشتريت، وإن لم يعرف كيلها أغرمناه للبائع قيمتها عيناً، ثم ابتعنا بالقيمة طعاماً مثله، ووافيناكه على الكيل، وليس ذلك ببيع الطعام قبل قبضه، لأن التعدي على البائع وقع، وأما التعدي بعد الكيل فمنك.

2464 - ومن لك عليه طعام من سلم فلا تقل له: بعه وجئني بالثمن، وهو من ناحية بيعه قبل قبضه مع ما يدخله من ذهب بأكثر منها، إن كان رأس المال ذهباً، وإن كان ورقاً دخله ورق بذهب إلى اجل، وإن أعطاك بعد الأجل عيناً أو عرضاً فقال لك: اشترِ به طعاماً وكله، ثم اقبض حقك منه لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، إلا أن يكون رأس مالك ذهباً أو ورقاً فيعطيك مثله صفة ووزناً فيجوز بمعنى الإقالة، وإن كان رأس مالك لا يساوي الطعام الذي لك عليه، لأنك لو هضمت عنه بعض الطعام وأخذت بعضه جاز، وإن أعطاك أكثر من رأس مالك أو أقل لم يجز، لأنه خرج عن الإقالة وصار بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان سلمك في عروض جاز أن يعطيك مثل رأس مالك أو أقل، وأما أكثر منه فلا يجوز [بحال].
2465 - وإن ابتعت من رجل سلعة بدنانير أو دراهم إلى أجل على أن توفيه الثمن بإفريقية فله إذا حلّ الأجل أن يأخذك بالثمن حيث ما وجدك، وأما إن أسلمت إليه في سلعة لا حمل لها ولا مؤنة، مثل: اللؤلؤة وشبهها، [أو قليل المسك]، فليس لك أن تأخذه بذلك إلا في البلد الذي اشترطت فيه أخذه، لأن سعر ذلك مختلف في البلدان بخلاف العين.
2466 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ببلد على أن تأخذه في بلد آخر مسافة ثلاثة أيام، جاز ذلك لاختلاف سعرهما بخلاف البلد الواحد، وإن ابتعت منه طعاماً بعينه بالإسكندرية على أن يحمله لك إلى الفسطاط، فإن كان على أن يوفيكه بالفسطاط لم يصلح، لأنه شراء شيء بعينه إلى أجل، واشتراط ضمانه عليه، وإن كنت تقبضه بالإسكندرية ويحمله لك إلى الفسطاط جاز، لأنه بيع وكراء في صفقة، وذلك جائز.

2467 - وإن أسلمت إليه في طعام إلى أجل على أن تقبضه بإفريقية جاز، وليس لك أخذه بعد الأجل إلا في إفريقية، بخلاف أن تقرضه طعاماً ببلد على أن يوفيكه ببلد آخر، هذا لا يجوز، لأنه رَبَح الحملان، فإن أبى الذي لك عليه الطعام من سلم أن يخرج إلى إفريقية لما حلّ الأجل أو عند حلوله، جبر على الخروج، أو يوكل من يوفيك الطعام بإفريقية، وليس له أن يوفيك الطعام في غير إفريقية، وإن فات الأجل.
2468 - ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا يمنع من قريبه الذي يؤوب منه قبل محل دينك.
2469 - وإن بعت من رجل مائة أردب سمراء بمائة دينار إلى أجل، فلما حلّ الأجل أخذت منه بالثمن مائة إردب سمراء جاز، وإن أخذت به خمسين لم يجز، وأخاف أن يكون الخمسون ثمناً للمائة، أو تكون مائة إردب سمراء بخمسين إردب [سمراء] إلى أجل، ولا تأخذ خمسين إردب سمراء مع نصف الثمن، فيصير بيعاً وسلفاً، ولا تأخذ بالمائة الدنانير محمولة أو شعيراً، حل الأجل [أم لا، كما لو بعت برنياً فلا تأخذ في ثمنه عجوة أو صيحانياً، ويجوز أن تأخذ برنياً مثل كيله وصفته].
2470 - وإن بعت ثوباً بمائة درهم إلى شهر، جاز أن تشتريه بعرض أو طعام نقداً، كان ثمن العرض أقل من المائة أو أكثر، وإن اشتريته بعرض مؤجل إلى مثل أجل المائة أو دونه أو أبعد منه، لم يجز، لأنه دين بدين.
[ومن] له على رجل مائة إردب سمراء إلى أجل، فلما حلّ أخذ منه خمسين محمولة وحط [عنه] ما بقي، فإن كان بمعنى الصلح والتبايع لم يجز، وإن كان ذلك اقتضاء [من خمسين] منها، ثم حطه بعد ذلك بغير شرط جاز، وكذلك في أخذه خمسين سمراء من مائة محمولة وحطه ما بقي، ولو صالحه بعد الأجل من المائة السمراء على مائة محمولة إلى شهرين لم يجز، إلا أن يقضيها يداً بيد، فيجوز.

2471 - ولا بأس بشراء التمر والرطب والبسر في رؤوس النخل بحنطة نقداً، إن جذّ ما في النخل وتقابضا قبل التفرق وإلا لم يجز. ولو اشتراه بعين أو عرض مؤجل وتفرقا قبل أن يجذّ ما في [رؤوس] النخل جاز، لأن الثمار إذا طابت حل بيعها بنقد أو دين، ولا يمنع صاحبها منها، وأكره لمن يبيع الزيت والخل بالحنطة أن يكيلها، ثم يدخل حانوته لإخراج ذلك، ولكن يدع الحنطة عند صاحبها، ثم يخرج ذلك فيأخذ ويعطي كالصرف، ولا خير في بيع حنطة حاضرة، بتمر أو شعير غائب في دار صاحبك يبعث فيه، أو هما جميعاً غائبان، وإن تقابضتما قبل التفرق، إلا أن يحضر ذلك كله فيجوز.
2472 - ولا يجوز تمر برطب أو ببسر أو بكبير البلح، ولا كبير البلح برطب أو بسر، ولا بسر برطب على حال، لا مثلاً بمثل ولا متفاضلاً، ولا يجوز التمر بالتمر، ولا الرطب بالرطب، ولا البسر بالبسر، ولا البلح الكبار بالبلح الكبار، إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ولا يجوز متفاضلاً. ويجوز التفاضل في صغير البلح بكبيره، أو ببسر أو برطب أو بتمر يداً بيد، واختلف قول مالك في النوى بالتمر، وأجازه ابن القاسم يداً بيد، وإلى أجل، لأن النوى ليس بطعام، وأجاز مالك النوى بالحنطة وغيرها [يداً بيد وإلى أجلٍ]، ولم يختلف قوله فيه.
2473 - ومجمل النهي عن اللحم بالحيوان إنما ذلك من صنف واحد، لموضع التفاضل فيه والمزابنة، فذوات الأربع الأنعام والوحش كلها صنف واحد، لا يجوز التفاضل في لحومها، ولا حي منها بمذبوح. والطير كلها صغيرها وكبيرها، وحشيها وإنسيها، صنف واحد لا يجوز التفاضل في لحومها ولا حيّ منها بمذبوح. ولحم الحوت كله صغيره وكبيره صنف واحد لا يجوز التفاضل فيه.
ويجوز لحم الطير بحي من الأنعام والوحش، أو لحم الأنعام والوحش والحوت بالطير كلها، أحياءً نقداً أو إلى أجل، وما كان من الطير والأنعام والوحش لا يحيا وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحوت ولا بلحم من غير صنفه إلا يداً بيد.

وكل شيء من اللحم يجوز فيه التفاضل، فجائز فيه الحي بالمذبوح.
2474 - ومن أراد ذبح عناق كريمة(1) أو حمام أو دجاج، فأبدلها رجل [منه] بكبش وهو يعلم أنه أراد ذبح ذلك فجائز، وأما المدقوقة العنق أو الصلب أو الشارف وشبه ذلك مما يصير إلى الذبح ولا منفعة فيه إلا اللحم، فلا أحب شيئاً منها، وإن عاش بطعام إلى أجل، ولا بلحم من صنفه يداً بيد، [وخالفه أشهب وجعل له حكم الحي].
2475 - وكذلك من اشترى شاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل، فإن كانت حية صحيحة، مثلها يقتنى وليست بشاة لحم جاز، وإن كانت شاة لحم فلا خير فيه إلى أجل.
2476 - ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقداً أو مؤجلاً، لأنها لا تؤكل لحومها، وأما بالهر والثعلب والضبع فمكروه، لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم.
ولا بأس بالجراد بالطير، وليس هو بلحم، ويجوز واحد من الجراد باثنين من الحوت يداً بيد.
2477 - ويجوز لبن حليب فيه زبدة بلبن مضروب قد أخرج زبده، أو بلبن اللقاح أو بلبن الإبل ولا زبد فيه مثلاً بمثل، كما جاز دقيق بقمح، وللقمح ريع بعد طحنه، ولا يجوز التفاضل في شيء من ذلك.
ولبن الإبل والبقر والغنم صنف لا يجوز التفاضل فيه، ويجوز مثلاً بمثل يداً بيد، كلحومها.
2478 - ويجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز.(2) ولا بأس بشاة لبون بلبن، أو بزبد أو بسمن أو بجبن أو بحالوم، يداً بيد، ولا ينبغي إلى أجل أيهما عجلت، وكذلك إن كان مع السمن أو الجبن عرض أو دراهم.
ولا بأس بشاة لا لبن فيها بلبن أو سمن إلى أجل، وأما شاة لبون بطعام إلى أجل فجائز، لأنه لا يخرج منها.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/362)، والتمهيد (5/147).
(2) انظر: مواهب الجليل (4/358)، والتاج والإكليل (4/359).

2479 - ويجوز شراء شاة عليها جزة صوف كاملة بجزة صوف. ولا بأس بكتان بثوب كتان، أو صوف بثوب صوف، أو نحاس بتور نحاس، كل ذلك نقداً، ولا خير في فلوس بنحاس، إلا أن يتباعد ما بينهما، وتكون الفلوس عدداً، وإن كانت جزافاً فلا خير في شرائها بذلك، ولا بعين أو عرض، لأن ذلك مخاطرة وقمار.
2480 - ومن اشترى قصيلاً ليقصله، أو تبناً بشعير نقداً جاز، وكذلك القرظ الأخضر واليابس بالبرسيم يداً بيد، والقصب بزريعته يداً بيد، ويجوز قصيل نقداً في شعير مؤجل، ولا خير في شعير نقداً بقصيل إلى أجل، إلا إلى أجل لا يصير الشعير فيه قصيلاً، ويكون مضموناً بصفة فيجوز.
وإن بعت حب قصب أو غيره إلى أجل، فلا أحب أن تقبض في ثمنه شيئاً مما ينبت ذلك الحب، وهذا إذا تأخر إلى أجل ينبت من ذلك الحب، وإن كان شراؤه نقداً أو إلى أمد قريب لا ينبت من [ذلك] الحب قصب، جاز.
2481 - ولا خير في زيت زيتون بزيتون مما يخرج الزيت أم لا(1)، ولا في الجلجلان بزيته، ولا في العصير بالعنب، ولا في النبيذ بالتمر، ولا خير في رُبّ القصب بالقصب الحلو، أورُبّ التمر بالتمر، إلا أن يدخل ذلك إبزار فيصير صنعة تبيح التفاضل فيه. وصنعة رُبّ التمر أن يطبخ فيخرج رُبّه فهو إذاً منعقد.
ولا يجوز خل التمر بخل العنب، إلا مثلاً بمثل، وكذلك نبيذهما، ولا يجوز متفاضلاً لاتفاق المنافع في ذلك، بخلاف زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لاختلاف نفعهما، وأما التمر أو العنب بخلهما فجائز، لطول أمد الخل وللحاجة إليه.
ولا بأس بالسويق بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وكذلك سويق السلت والشعير لا بأس به بالحنطة متفاضلاً، ولا بأس بالخبز بالعجين أو بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وأما عجين بحنطة أو بدقيق فلا خير فيه، لأن الصنعة لم تغيره. ويجوز القمح بدقيقه أو بدقيق شعير أو سلت مثلاً بمثل، ولا يجوز التفاضل في أحدهم بدقيق الآخر.
__________
(1) انظر: التمهيد لابن عبد البر (14/214).

ويجوز مقلوّ الحنطة بيابسها ومبلولها أو دقيقها متفاضلاً، وقد غمزه مالك حتى يطحن المقلوّ.
2482 - وتجوز الحنطة المبلولة بالسويق متفاضلاً، ومقلو الأرز بيابسه ومبلوله مثلاً بمثل ومتفاضلاً، ولا يجوز فريك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة ولا السمن بالزبد، ولا الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة أو المبلولة، أو الشعير أو السلت متساوياً ولا متفاضلاً، ويجوز مبلول الأرز بغيره من سائر القطاني والحبوب متفاضلاً يداً بيد.
ولا يجوز الأرز المبلول بالأرز المبلول أو اليابس، ويجوز مبلول حنطة أو شعير أو سلت بجميع يابس القطاني، أو بأرز أو دخن أو سمسم ما خلا الحنطة والشعير والسلت، متساوياً أو متفاضلاً، فأما مبلول من القطاني بيابس من صنف منها آخر، فجائز على أول قولي مالك فيها أنها أصناف مختلفة في البيع، ويجوز فيها التفاضل، وبه أقول.
ولا يجوز ذلك في قوله الآخر الذي رجع إليه فجعلهما صنفاً واحداً، وكره التفاضل فيها.
ولا يجوز مبلول العدس بيابسه ولا مبلوله كالحنطة، لأن البلل يختلف.
2483 - ولا خير في اللحم النيّ الغريض بقديد يابس أو مشوي، لا متساوياً ولا متفاضلاً وإن تحرى، إذ لا يحاط بتحريه، وإلى هذا رجع مالك، وهو أحب قوليه إليّ بعد أن كان أجازه.

2484 - ولا يجوز لحم طري بلحم مالح أو بممقور أو بمكسود، وهو لحم مالح، ولا طري السمك بمالحها لا متساوياً ولا متفاضلاً، ولا يُتحرى، ولا خير في يابس القديد بمشوي اللحم، وإن تحرى لاختلاف اليبس، ولا بأس بلحم مطبوخ بقديد يبسته الشمس، أو بلحم غريض أو بمشوي على النار بلا صنعة متفاضلاً، فأما المشوي في المقلي مع خل وزيت وتابل، وربما كانت له مرقة، فله حكم المطبوخ فلا يباع بمطبوخ، ولا بأس به بالنيّ على كل حال، والمطبوخ كله صنف [واحد]، وإن اختلفت صفة طبخه كقليه بعسل وآخر بلبن أو خل، فلا يجوز فيه التفاضل، ولا خير في الصّير بلحم الحيتان متفاضلاً، وصغار الحيتان بكبارها متفاضلاً. ولا خير في شاة مذبوحة بشاة مذبوحة إلا مثلاً بمثل تحرياً إن قدر على تحريهما في جلودهما قبل السلخ.
وما أُضيف إلى اللحم من شحم وكبد وكرش وقلب ورئة وطحال وكلى وحلقوم وخصي وكراع ورأس وشبهه فله حكم اللحم فيما ذكرنا، ولا يجوز ذلك باللحم ولا بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل، ولا بأس بأكل الطحال.
ولا يجوز رأس برأسين إلا أن تكون رأس كبيرة تساوي في التحري أو الوزن صغيرين فيجوز.

2485 - وكل طعام أو إدام يدخر فلا يجوز فيه التفاضل بصنفه إن كان يداً بيد، إلا ما لا يدخر من ذلك من رطب الفواكه، كالتفاح والرمان والموز والخوخ ونحوه وإن ادخر، وكذلك جميع الخضر والبقول فلا بأس بصنف من ذلك كله بصنفه أو بخلافه يداً بيد متفاضلاً. وأما ما لا يؤكل ولا يشرب فلا بأس بواحد منه باثنين من صنفه يداً بيد، ما خلا الذهب بالذهب والفضة بالفضة فلا يجوز ذلك إلا مثلاً بمثل يداً بيد، والفلوس بالفلوس عدداً مثلاً بمثل، ولا يجوز السكر بالسكر متفاضلاً، ولا صبرة حنطة بصبرة شعير إلا كيلاً مثلاً بمثل، ولا إردب حنطة وإردب شعير بمثلهما، [ولا] مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، كانت الحنطتان بيضاء أو إحداهما سمراء والأخرى بيضاء، وهو ذريعة إلى أن يأخذ فضل شعيره في حنطة صاحبه، ويأخذ صاحبه فضل حنطته في شعير صاحبه [وهو] على الانفراد جائز، وكذلك لا يجوز مدان من طعام مدخر بمد من صنفه ودراهم أو عرض، وذلك كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، لا ينبغي أن يكون معهما أو مع أحدهما عرض أو خلافه، من ذهب أو فضة، وكذلك ما يدخر من الطعام ولا يصلح فيه التفاضل، فإنه يجري مجرى الذهب بالذهب فيما ذكرنا.
2486 - ولا تصلح الفلوس بالفلوس جزافاً ولا وزناً ولا كيلاً مثلاً بمثل يداً بيد، ولا إلى أجل، ولا تجوز إلا عدداً فلساً بفلس يداً بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يداً بيد ولا إلى جل، والفلوس في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم.(1)
ولا خير في بيع رطل فلوس برطلي نحاس يداً بيد، لأن الفلوس لا تباع إلا عدداً، وبيعها وزناً أو كيلاً أو جزافاً بعين أو عرض من المخاطرة والقمار.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/115).

2487 - وكل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عادّه فلا يجوز الجزاف [فيه] بينهما، لا منهما ولا من أحدهما، ولا أن يكون أحدهما كيلاً، ولا وزناً ولا عدداً، والآخر جزافاً إلا أن يعطي أحدهما أكثر مما يأخذ بشيء كثير فلا باس به، وإن تقارب ما بينهما لم يجز، وكان من المزابنة وإن كان تراباً.
2488 - ولا بأس ببيع الحديد بالحديد والنحاس بالنحاس والرصاص بالرصاص متفاضلاً يداً بيد. وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك برطلين من حديد بعينه في بيته، ثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز ذلك، ولكل واحد منكما قبض ما ابتاع، ولا يكون ذلك ديناً بدين، لأنه بعينه، فإن تلف الحديدان أو أحدهما قبل الوزن انتقض البيع، ولا شيء لأحدكما على صاحبه، ولو قبض أحدكما من الحديد شيئاً [من صاحبه] ردّه.
* * *

الفهرس

مقدمة التحقيق 3
ترجمة مختصرة للمصنف 4
التعريف بأصحاب مالك 7
ترجمة ابن عبد البر 7
1- عبد الله بن وهب 13
2- عبد الرحمن بن القاسم 20
3- أشهب بن عبد العزيز 23
4- عبد الله بن عبد الحكم 25
5- المغيرة بن عبد الرحمن 27
6- محمد بن إبراهيم بن دينار الجهني 28
7- عبد العزيز بن أبي حازم 29
8- عثمان بن عيسى بن كنانة 32
9 - محمد بن مسلمة أبو هشام المخزومي الفقيه المدني 32
10- عبد الله بن نافع الصائغ أبو محمد 33
11- عبد الله بن نافع الزبيري 36
12- عبد الملك بن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون 37
13- مطرف بن عبد الله 42
14- يحيى بن يحيى الأندلسي 45
15- علي بن زياد التونسي 48
16- عبد الله بن غانم الأفريقي 50
17- معن بن عيسى 53
18- عبد الله بن مسلمة 56
19- أبو مصعب الزهري 56
20- يحيى بن يحيى بن بكير 59
السماعات 62
كتاب الطهارة 64
باب النجاسة 69
في الوضوء بماء البئر تقع فيه الدابة 71
في الرعاف 75
في المسح على الخفين 76
ما جاء في التيمم 77
ما جاء في الحيض 80
القول في دم النفاس والحامل ترى دماً 82

كتاب الصلاة الأول 83
كتاب الصلاة الثاني 100
جامع القول في السهو 107
جامع القول في صلاة الجمعة 110
ما جاء في صلاة الخوف 114
في صلاة الخسوف 115
صلاة الاستسقاء 116
في صلاة العيدين والتكبير في أيام التشريق 117
كتاب الجنائز 119
في غسل الميت 121
كتاب الصيام 124
في قيام رمضان 132
كتاب الاعتكاف 134
ما جاء في ليلة القدر 139
كتاب الزكاة الأول 140
زكاة الحُلِيّ 141
في زكاة الدَّين 144
باب جامع في الفائدة والغلة والاقتضاء 145
في زكاة المِديان 148
في زكاة القراض 149
في أخذ الزكاة من تجار المسلمين 149
القول في زكاة المعادن والركاز 151
كتاب الزكاة الثاني 157
باب في زكاة الثمار والحبوب 165
في زكاة الفطر 169
كتاب الحج الأول 173
كتاب الحج الثاني 189
ما نُحر قبل الفجر 197
كتاب الحج الثالث 207
كتاب الصيد 224
كتاب الذبائح 230
كتاب الضحايا 233
كتاب الجهاد 237
كتاب الأيمان والنذور 248
كتاب النكاح الأول 268
كتاب النكاح الثاني 285
في أقل الصداق وحكم النكاح بأقل منه وبغير صداق 288
كتاب النكاح الثالث 302
كتاب الظهار 314
في منع المظاهر من امرأته حتى يكفر 317
كتاب التخيير والتمليك 325
كتاب الإيلاء 335
كتاب اللعان 342
كتاب الأيمان بالطلاق 347
كتاب إرخاء الستور 360
كتاب العدة وطلاق السنة 375
كتاب الرضاع 390
كتاب الاستبراء 394
كتاب العتق الأول 403
كتاب العتق الثاني 420
كتاب التدبير 431
كتاب المكاتب 437
كتاب أمهات الأولاد 455
كتاب الولاء والمواريث 465
كتاب السلم الأول 479
كتاب السلم الثاني 491
كتاب السلم الثالث 504

تهذيب مسائل المدونة
المسمى
التهذيب في اختصار المدونة

تصنيف
أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني البراذعي
[من علماء القرن الرابع الهجري]

الجزء الثانى

تحقيق وتعليق
أبو الحسن أحمد فريد المزيدي

(كتاب الصَّرف)
2489 - قال مالك: ومن اشترى حلياً مصوغاً فنقد بعض ثمنه وتأخر البعض، بطلت الصفقة كلها، وهو صرف.(1)
ومن كان له على رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم فقبض [منها] تسعمائة، وفارقه قبل قبض الباقي لم يصلح ويرد الدراهم، وتبقى له المائة دينار على حالها، ولو قبض الدراهم كلها جاز، ولو كان له عليه ألف درهم حالة فباعها منه بطوق ذهب، ثم فارقه قبل قبضه فلا خير فيه، ويرد الطوق، ويأخذ دراهمه، والحلي في هذا والمسكوك والتبر سواء، لا يجوز في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا يداً بيد.
2490 - ومن صرف من رجل مائة دينار بألف درهم فنقده خمسين ديناراً وقبض ألف درهم ثم فارقه، فالجميع منتقض، ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد، لأن الصفقة وقعت فاسدة، ولو تقابضا الجميع ثم وجد من الدنانير خمسين رديئة، انتقض من الصرف حصة الخمسين فقط، لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي الرديئة تم جميعه.
ومن صرف من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فقبض عشرة وقال له: أعطني بالعشرة الأخرى أرطال لحم كل يوم رطلاً لم يجز. ولا يجوز تأخير ما وقع مع الدراهم من عرض، وإن تعجل ذلك جاز.
ومن اشترى من رجل سلعة إلى أجل بنصف دينار نقداً، فأعطاه بعد الصفقة ديناراً ليرد عليه نصفه دراهم بغير شرط فلا خير فيه، لأنه صرف فيه سلعة تأخرت، ولم يجز مالك اجتماع بيع وصرف في صفقة واحدة، إلا أن تكون دراهم يسيرة كالعشرة ونحوها، وإن كثرت الدراهم لم يجز، ولا بأس بصرف دينار بدراهم وفلوس.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/301)، والتمهيد لابن عبد البر (6/468)، والمدونة الكبرى (8/393)، والتقييد (3/150)، وشرح الحدود (335)، والمقدمات لابن رشد (2/14).

ومن اشترى ثوباً وذهباً يسيراً لا يكون صرفاً بدراهم فتأخر درهم منها بطل البيع، وإن كانت الذهب كثيرة لم تجز، وإن انتقد جميع الصفقة، ومن اشترى فلوساً بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو بتبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز، لأن الفلوس لا خير فيها نظرة بالذهب والورق.
قال مالك: وليس بحرام بيّن، ولكني أكره التأخير فيها. ولو جرت الجلود بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهت بيعها بذهب أو ورق نظرة.
ولا يباع فلس بفلسين نقداً ولا مؤجلاً.
2491 - وإن اشتريت من رجل عشرين درهماً بدينار وأنتما في مجلس [واحد]، ثم استقرضت أنت ديناراً من رجل إلى جانبك، واستقرض هو الدراهم من رجل إلى جانبه فدفعت إليه الدينار، وقبضت الدراهم، فلا خير فيه، ولو كانت الدراهم معه واستقرضت أنت الدينار، [فإن] كان أمراً قريباً كحل الصُّرة لا يقوم لذلك ولا يبعث وراءه، جاز، ولم يجزه أشهب.
2492 - وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار في تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم، ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي، وأكره أن يصارفه في مجلس، ويناقده في آخر، أو يجلسا ساعة ثم يتناقدا قبل أن يفترقا.(1)
ومن لقي رجلاً معه دراهم فواجبه عليها، ثم مضى [معه] إلى الصيارفة ليتناقدا، لم يجز، ولو قال له المبتاع: اذهب بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً أخذتها منك كذا وكذا درهماً بدينار، لم يجز، ولكن يسير معه على غير موعد، فإن أعجبه شيء أخذ وإلا ترك.
ولا خير في أن يبتاع الوارث من الميراث حلي فضة أو ذهب، أو ما فيه حلية أقل من الثلث، مثل السيف وشبهه، ويكتب على نفسه ويتأخر الوزن أو يؤخر المحاسبة، أو ليقوما إلى السوق فينقد، [فلا يعجبني ذلك] ولا ينبغي، وأراد منتقضاً، إلا أن يتناقدا حين البيع، ألا ترى لو تلف بقية المال أنه يرجع عليهم فيما صار لهم فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد، وكذلك الأجنبي.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/309)، ومواهب الجليل (4/309).

2493 - وإن صرفت من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فلما قبضت الدينار تسلفت منه عشرين درهماً ثم رددتها إليه في صرف ديناره، لم يجز، وكأنك أخذت ديناراً في عشرين درهماً إلى أجل. ولو بعت منه دنانير فضة بدنانير قائمة فراطلته بها وزناً بوزن ثم تقابضتما فأراد أحدكما أن يصرف من صاحبه ديناراً مما أخذ منه، لم يجز.
2494 - وإن قبضت من غريمك ديناً، فلا تعده إليه مكانك سلماً في طعام أو غيره، وكذلك لو أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم قضاكها بحدثان ذلك من دين لك عليه بغير شرط، لم يجز، ويكره ذلك كله بحدثانه.
2495 - وإن كان لك على رجل دراهم حالةً فبعتها من رجل بدنانير نقداً، لم يصلح ذلك إلا أن يقبض منك الدنانير وينقدك غريمك الدراهم مكانه يداً بيد. وبيع الدين إنما يجوز بعرض نقداً فإذا بيع بعين، لم يجز إلا يداً بيد.
2496 - قال عبد العزيز: وإذا أردت أن تبيع ذهباً نقصاً بوازنة فلم تجد من يراطلك فبع نقصك بورق ثم ابتع بورق وازنة، ولا تجعل ذلك من رجل واحد فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة.
2497 - ومن اشترى سيفاً محلى كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير، فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن، لم ينبغ أن يقبض السيف حتى يدفع الثمن، فإن وقع ذلك مضى البيع وجاز إذا نقده مكانه. وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده ثم باع السيف فبيعه جائز، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد. ولو لم يخرجه من يده لم يفته حوالة سوق،، وله رده كالصرف، ولا يفيت الذهب والفضة تغير سوق، وإن أصابه بيده عيب فانقطع أو انكسر جفنه فعليه قيمته يوم قبضه.
2498 - وإن صرفت من رجل [ديناراً] بعشرين درهماً، فدفعت إليه الدينار وأمرته أن يدفع الدراهم أو نصفها إلى غريمك وقبضت أنت ما بقي، وذلك كله معاً، لم ينبغ ذلك حتى تقبضها أنت منه، ثم تدفعه إلى من شئت، لأنكما افترقتما قبل تمام القبض.

2499 - وإن وكلت رجلاً يصرف لك ديناراً، فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فأمرك بالقبض وقام فذهب، فلا خير فيه.
2500 - ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل ن يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له ويقبض.
ومن لك عليه دراهم فقلت له: صرّفها لي بدينار وجئني به، لم يجز، وكأنك فسختها [عليه] في دينار فيصير صرفاً متأخراً، أو أخرته بها إلى أن يشتريه لك فيصير سلفاً جرّ منفعة، وكذلك إن أمرته أن يبيع لك طعاماً لك عليه من بيع قبل أن تقبضه ويدخله بيعه قبل قبضه، وإن كان رأس مالك فيه عيناً فباعه بخلافه من العين دخله مع ذلك تأخير الصرف، وإن باعه بصنفه أزيد أو أنقص دخله الربا مع ذلك.
2501 - وإن صرف منك رجل ديناراً فلما وزنت له الدراهم وقبضها أراد مقاصتك بدينار له عليك، فإن رضيت جاز وإن لم ترض غرم لك دينار الصرف وطالبك بديناره.
ومن لك عليه نصف دينار ودراهم، فصرف منك ديناراً ثم قضاك دراهمك مكانه أو أعطاك ديناراً لتأخذ نصفه قضاء من دراهمك وتعطيه بنصفه دراهم، فلا بأس به.(1)
2502 - ومن استقرضت منه دنانير أو دراهم فلا تصرفها منك مكانك، فيئول إلى الصرف نظرة، إلا أن أقرضكها حالّة فابتعت بها منه سلعة نقداً أو إلى أجل، أو أقرضكها إلى أجل فابتعت بها منه سلعة يداً بيد، فلا بأس به. وإن أقرضكها إلى أجل فرددتها إليه في شيء إلى أجل، لم يجز، وصار ديناً بدين.
2503 - ومن لك عليه ألف درهم إلى أجل فلما حلّ دفع إليك عرضاً فقال: بعه واستوف حقك، جاز، إلا أن يعطيك سلعة من صنف ما بعت منه بدينك، وهي أفضل، فلا يجوز، وأما إذا كانت مثلها في الصفة والجودة أو أدنى، فلا تهمة في ذلك.
ومن له عليك دراهم فلا يعجبني أن تعطيه ديناراً ليصرفه ويستوفي دراهمه، وأخاف أن يحبسه فيصير مُصرفاً من نفسه، وكذلك الفلوس.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/310).

2504 - وكره مالك أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك، أو غير عيونها في الوقت، أو بعد يوم أو يومين. قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصحّ أمرهما فلا بأس به.
2505 - ويجوز الصرف من عبدك النصراني كالأجنبي، وكره مالك أن يكون النصارى في أسواق المسلمين [صيارفة] لعملهم بالربا، وارى أن يقاموا.
2506 - وإن بعت درهماً بنصفه فلوساً ونصفه فضة، أو اشتريت بنصفه أو ثلثيه طعاماً وأخذت بباقيه فضة جاز، وإن أخذت بثلثه طعاماً [وأخذت] بباقيه فضة، فمكروه.
2507 - ومن غصبك دنانير فجائز أن تصرفها منه بدراهم [وتقبضها]، ذكر أن الدنانير عنده حاضرة أو لم يذكر، لأنها في ذمته. ولو غصبك جارية جاز أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر وينقدك إذا وصفها، لأنها في ضمانه، والدنانير في ذلك أبين، ولا تصرف منه وديعة لك أو رهناً في بيته من ذهب أو فضة حليّ أو مسكوك، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد، إلا أن تكون الوديعة حاضرة، ولو أودعته مائتي درهم ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، وإنما يجوز أن تأخذ منها مائة وتدع له مائة، وإن أودعته دنانير فصرفها بدراهم، أو ابتاع بها سلعة فليس لك أن تأخذ ما ابتاع أو صرف، وإنما لك عليه مثل دنانيرك. وإن أودعته عرضاً أو طعاماً فباعه بعرض أو طعام، كنت مخيراً في [أخذ] ما باعه به، أو أخذ المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما لا مثل له.(1)
2508 - ولا بأس بشراء سلعة بعينها بدينار إلا درهماً إن كان ذلك نقداً، فإن تأخر الدينار أو الدرهم أو السلعة وتناقد الباقي لم يجز. وروى أشهب عن مالك: إن كان الدينار والدرهم نقداً والسلعة مؤخرة فجائز.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/268) 312).

قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل واحد وعجلت السلعة فجائز، وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا، وإن كانت بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقداً، وجعل ربيعة الثلاثة كالدرهمين، ولم يجز مالك الدرهم والدرهمين إلا زحفاً، فأما بدينار إلا خمسة دراهم أو عشرة فيجوز نقداً كله، ولا ينبغي التأخير في شيء من ذلك للغرر فيما يغترق ذلك من الدينار عند الأجل إن حال الصرف.
قال يحيى بن سعيد: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع الرحل ببعض دينار شيئاً ويأخذ بفضله ورقاً، ويترك ما ابتاع حتى يعود في يوم آخر فيأخذه، لأن ذلك يرى صرفاً.
2509 - قال مالك: وإن ابتاع منه سلعة بثلثي دينار فقال له بعد البيع: هذا دينار فاستوف منه ثلثيك وأمسك ثلثه عندك، فلا بأس به إذا صح ذلك ولم يكن بينهما في ذلك شرط عند البيع ولا عادة ولا إضمار.
2510 - ومن قدم تاجراً ومعه ألوف دراهم ورقيق ومتاع ونقر فضة، فاشترى ذلك كله [منه رجل] صفقة واحدة بألف دينار وتناقدا لم يجز، إذ لا يجوز صرف وبيع في صفقة، ولا شركة وبيع، ولا نكاح وبيع، ولا جُعل وبيع، ولا قراض وبيع، ولا مساقاة وبيع.
2511 - وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهماً أو درهمين، فندقته أربعة دنانير وتأخر الدينار الباقي أو الدراهم، أو نقدته الدينار وأخذت الدرهم وأخرت الأربعة لم يجز ذلك، إذ للدراهم في كل دين حصة، ولو ابتعتها بخمسة دنانير إلا ربعاً أو سدساً جاز تعجيل الأربعة، وتأخير [الدينار] الباقي [حتى يأتيك بخمس أو بربع وتدفع إليه الدينار، وكذلك إن] [تأخرت الأربعة ودفع ديناراً]، أو أخذ سدسه أو ربعه مكانه دراهم، [فلا بأس به]، لأن الجزء من الدينار لا يجري في سائره.

2512 - ومن باع سلعة بدينار إلا قفيز حنطة نقداً، جاز ذلك، كان الدينار نقداً أو مؤجلاً، وكأنه باع السلعة وقفيز حنطة بدينار، هذا إن كان القفيز والسلعة عنده، وإلا لم يجز، ودخله بيع ما ليس عنده.
2513 - قال ابن المسيب: ومن باع من رجل طعاماً بدينار ونصف درهم فلا يأخذ من المبتاع بنصف الدرهم طعاماً، ولكن يأخذ منه درهماً ويعطيه ببقيته طعاماً. قال مالك: إنما كرهه سعيد لأنه يصير ديناراً وطعاماً بطعام، قال مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقاً أو فلوساً أو غير الطعام جاز.
2514 - وإن صرفت من رجل ديناراً بدراهم فلم تقبضها حتى أخذت بها منه سلعة، أو قبضت منه نصفها، وأخذت بنصفها سلعة مكانك، فذلك جائز، فإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفته منه بدراهم على أن تأخذها منه سمناً أو زيتاً نقداً أو مؤجلاً، أو على أن تقبضها ثم تشتري بها منه هذه السلعة، فذلك جائز، فإن رددت السلعة يعيب رجعت بدينارك، لأن البيع إنما وقع بالسلعة، واللفظ لغو، وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما وليس هذا من بيعتين في بيعة.
2515 - ولا يجوز بيع سلعة ودراهم كثيرة بذهب، لأنه بيع وصرف، وإن كانت الدراهم يسيرة أقل من صرف دينار جاز ذلك كله نقداً، وإن نقدك من الذهب حصة الدراهم وأخر ما قابل السلعة لم يجز، ويجوز بيع سلعة ودراهم بعروض نقداً، أو إلى أجل، ولا يجوز بيعها بورق نقداً، ولا إلى أجل. وأصل قول مالك في بيع ذهب بفضة مع أحدهما أو مع كل واحد منهما سلعة، فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعاً جاز. وإن كثرت السلعة لم يجز، إلا أن يَقِلّ ما معها من ذهب أو فضة، وهذا كله نقداً.
وإن كان الذهب والورق والعرضان كثيرين لا خير فيه.

ولا يجوز بيع فضة وذهب بذهب، ولا [بيع] إناء مصوغ من ذهب بذهب وفضة، ولا يباع حلي فيه ذهب وفضة بذهب ولا بفضة نقداً، كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى، [وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما فيه، ويباع بالعروض والفلوس، ورواه علي عن مالك].
2516 - ولا يجوز بيع ثوب ودراهم بعبد ودراهم، وإن تناقدا قبل التفرق، وأصل قول مالك أن الفضة بالفضة مع أحد الفضتين أو مع كل واحد منهما سلعة لا يجوز، كانت الفضة كثيرة أو يسيرة.
2517 - والسيف المحلى والمصحف والخاتم إذا كان ما فيه من الفضة تبعاً كالثلث فأدنى، جاز بيعه بفضة نقداً، وإن كثرت الحلية وصار الفضل تبعاً لم يجز بيعه بالفضة. ولا يجوز بيعه بفضة أو بذهب إلى أجل، قلت الحلية أو كثرت، ويجوز بيعه بذهب نقداً، قلت الحلية أو كثرت، فإن بيع السيف بفضة أو بذهب إلى أجل، والذي فيه من الفضة تبع فسخ ذلك، إن كان قائماً، وإن فات بتفصيل حلية أمضيته، لأن ربيعة كان يجيز بيعه بذهب إلى أجل إذا كانت حليته تبعاً، وإنما كرهه مالك ولم يشدد فيه الكراهة، وجعله كالعرض لجواز اتخاذه، ولأن نزعه مضرة.
وما حُلي بفضة من سرج أو قدح أو سكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه، أو خرز مموه وشبه ذلك، فلا يجوز بيعه بفضة، وإن قلت حليته، لأن اتخاذ هذه الأشياء من السرف، بخلاف ما أبيح اتخاذه من السيف المحلى والمصحف والخاتم، وكان مالك لا يرى بأساً أن يحلى المصحف، وكان يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة، مثل: الإبريق ومداهن الفضة والذهب، ومجامر الفضة والذهب، والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة، وإن كانت تبعاً، وكره أن تشترى.
2518 - [قال ابن القاسم:] ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم، انتقض البيع لأنه صرف.

2519 - ومن صرف ديناراً بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف، وقال أشهب: لا ينتقض إلا أن تكون دراهم معينة، فإن لم تكن معينة يريه إياها، وإنما باعه من دراهم عنده من كيسه أو تابوته، فعليه مثلها ما لم يفترقا، قال ابن القاسم: ولو أنه إذ استحقت ساعة صرفها قال له: خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز، ولو طال أو تفرقا لم يجز.
2520 - ومن اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم، فنقده، ثم استحقهما رجل بعد التفرق، فأراد إجازة البيع، وابتاع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو استحقهما قبل تفرق المتبايعين فاختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم يجز، ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز، قال أشهب: هذا استحسان والقياس الفسخ، لأنه صرف فيه خيار.
2521 - ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهماً بدينار، فلما نقده الدنانير قال: لا أرضاها، فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير مختلفاً فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير.
2522 - ولا يجوز أن تصرف من رجل نصف دينار، أو ثلثه أو ربعه وإن قبض جميعه، لأنه لا يبين بحصته منه، قال أشهب: وقد بقي بينهما عمل الشركة، ولو اقتسماه فإنما يقتسمان دراهم، فيأخذ دراهم من دراهم.
وإن صرف رجل ديناراً من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر، أو صرف رجلان ديناراً من رجل فدفعاه إليه فذلك جائز، وكذلك لو كان موضع الدينار نُقْرة ذهب أو فضة.(1)
ومن كان بينه وبين رجل نقرة فباع منه نصيبه منها جاز ذلك إذا انتقد، قال أشهب: وإن باع نصيبه من غيره، وقبض المشتري جميع النقرة جاز، وإن لم يقبض فلا خير فيه.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/418).

2523 - وإن صرفت من رجل ديناراً ثم لقيته بعد أيام فقلت له: قد استرخصت [مني] فزدني، فزادك دراهم نقداً أو إلى أجل فجائز ولا ينتقض الصرف، وليس لك رد الزيادة بعيب فيها، وإن كان الدينار رديئاً فرده أخذ منك الذي زادك مع دراهمه، لأنه للصرف زادك فيرد برده، وكذلك الهبة بعد البيع للبائع إن رد السلعة بعيب أخذها.
ولا بأس بزيادة دراهم في راس مال السلم بعد شهر أو شهرين.
2524 - ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع أو قرض فأخذت بها منه دنانير نقداً لم يجز، ولو كانت الدراهم حالة جاز، [وإن صارفته قبل الأجل على دنانير واشترطت قبضها عند محل أجل الدراهم، أو اشتريت بها منه قبل الأجل عرضاً بعينه، أو مضموناً إلى ذلك الأجل لم يجز، وإن تعجلت العرض جاز]، [وكذلك إن كان مكان الدنانير عرض إلى ذلك الأجل، لأنه دين بدين، ولو كان العرض نقداً جاز] ما لم يكن العرض الذي تأخذ من صنف العرض الذي بعت، ويكون أجود منه أو أكثر فلا يجوز، حلّ أجل الدين أم لا.
2525 - وإن صرفت من رجل دنانير بدراهم، ثم أصبتها بعد التفرق زيوفاً، أو ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض الصرف، وإن كان تأخر [من] العدد درهم لم يجز أن ترضى بذلك، لوقوع الصرف فاسداً.
وأما إن اشتريت فلوساً بدراهم ثم أصبت بعد التفرق بعضها رديئاً لا يجوز، فأرجو أن يكون البدل في ذلك خفيفاً للاختلاف فيها، وقد كان ابن شهاب يجيز البدل في صرف الدنانير بغير شرط، وإن كان مالك يأباه، فكيف في الفلوس؟.
وإن وجدت في الصرف درهماً مردوداً لعينه وهو طيب الفضة، أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو زائفاً، فلك رده ونقض الصرف إلا أن ترضاه، فإذا رددت إليه دراهمه حين وجدت بها عيباً، فجائز أن تؤخره بدينارك إذا ثبت الفسخ بينكما، وإن لم يثبت الفسخ كرهته، ورأيته صرفاً مستقبلاً.

2526 - ومن اشترى بدينار مائة درهم أو ديناراً بدرهمين أو بدرهم، أو كان له على رجل ذهب حالة، فأعطاه بها دراهم، فقال: لا أقبلها إلا بكذا، زيادة على صرف الناس، فذلك كله جائز.
2527 - ومن أقرضته ديناراً فوهبته نصفه، فله قضاؤك باقيه دراهم وتجبر على أخذها إن كانت كصرف الناس، وكذلك إن بعت منه سلعة بنصف دينار، الجواب واحد.
2528 - ومن باع سوار ذهب لا يعلم وزنه بفضة غير مسكوكة لا يعلم وزنها جاز، ويجوز بيع الذهب بالفضة جزافاً ما لم تكن سكة فتدخله المخاطرة.
2529 - قال مالك: وإن أسلفت رجلاً مائة درهم عدداً وزنها نصف درهم، فقضاك مائة درهم وازنه على غير شرط جاز، وإن قضاك تسعين وازنة فلا خير فيه، وكذلك إن أقرضته عشرة دنانير ينقص كل دينار منها سدساً أو ربعاً فقضاك عشرة [دنانير] قائمة، جاز إن لم يكن في ذلك وأي ولا عادة، وإن قضاك تسعة لم يجز وإن كانت أكثر من وزنها، ولا يصلح إذا كانت عدداً بغير كيل إلا أن يستوي العدد ويكون الفضل في أحدهما، فيجوز.
2530 - ومن أقرضك مائة درهم وازنة عدداً، فقضيته خمسين درهماً أنصافاً جاز، ولو قضيته مائة درهم أنصافاً ونصف درهم واحد لم يجز، وإن كانت أقل وزناً، وأصل قول مالك [في هذا]، أنك إن استقرضت دراهم عدداً فجائز أن تقضيه مثل عددها، كانت مثل وزن دراهمه أو أقل [أو أكثر]، ويجوز أن تقضيه اقل من عددها في مثل وزنها أو أقل، إذا اتفقت العيون، وإن قضيته أقل من عددها في أكثر من وزنها، أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز. ولو أقرضته المائة كيلاً جاز أن يقضيك أزيد عدداً أو أقل [في] مثل وزنها، وتفاضل الوزن معروف مع اتفاق العدد فهو جائز، واختلاف العدد مع تفاضل الوزن مكايسة فلا يجوز. وإن أبدل لك رجل ثلاثة دنانير بنقص سدساً سدساً، بثلاثة دنانير وازنة على المعروف جاز، وإن أعطاك بها دينارين قائمين لم يحل.

2531 - ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية، أو قضاك دنانير عتقاء من دنانير هاشمية، أو سمراء من محمولة، أو من شعير لم تجبر على أخذها، حل الأجل أم لم يحل.(1)
قال ابن القاسم: وإن قبلتها جاز ذلك في العين من بيع أو قرض قبل الأجل وبعده، ولا يجوز في الطعام حتى يحل الأجل كان من بيع أو قرض، لأن الطعام يرجى تغير أسواقه وليس العين كذلك، ولابن القاسم قول في إجازته من قرض قبل الأجل إن لم يكن في ذلك وأْي ولا عادة، وهو أحسن إن شاء الله.
ولا تأخذ قبل الأجل يزيدية من محمدية، ولا محمولة من سمراء ويدخله ضع وتعجل. وقد قال مالك في الدين يكون على الرجل فيقول لصاحبه: ضع عني وأعجل لك أنه لا يجوز.
وإن أقرضته دراهم مجموعة محمدية، فقضاك بعد الأجل يزيدية مجموعة أكثر من وزنها لم يجز، وذلك بيع فضل [وزن] عين بزيادة وزن، ولو قضاك يزيدية مثل وزنها فأقل جاز.
2532 - ولو أقرضته يزيدية مجموعة فقضاك محمدية مجموعة أقل من وزنها لم يجز، وذلك بيع زيادة بفضل عين، ولو قضاك محمدية مجموعة مثل وزن يزيديتك فأكثر جاز، ما لم تكن عادة، وكذلك إن قضاك يزيدية مجموعة أكثر من وزن يزيديتك، وهذا في الدنانير والدراهم سواء.
وإن أقرضته مائة درهم يزيدية كيلاً فقضاك مائة وعشرين يزيدية كيلاً لم يعجبني. وكذلك إن أقرضته طعاماً فلا تأخذ فيه فضل العدد، مثل عشرين ومائة إردب من مائة، ولو زادك ذلك بعد مجلس [القضاء] والتفرق جاز في العين والطعام ما لم تكن عادة، ولو قضاك أرجح في الوزن بشيء يسير أو أنقص بكثير فلا بأس [به]، وإنما يجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر، قضى مثل العدد وزاد في وزن الدراهم التي قضى، ولم يعطه عشرين ومائة بمائة، ولا عشرة ومائة بمائة.
__________
(1) انظر: منح الجليل (4/525)، والشرح الكبير (3/82).

2533 - ومن لك عليه مائة دينار قائمة من بيع أو قرض، فلا تأخذ منها مائة مجموعة أزيد عدداً، لأنك تركت فضل عيون أو وزن، لفضل العدد، إلا أن تسلفه بمعيار عندك قد عرفت وزنه، أو شرطت في البيع الكيل مع العدد، فيجوز أخذ مجموعة وإن كانت أكثر عدداً، فأما إن أسلفته مائة عدداً فقضاك مثل عددها كيلاً أو أنقص منها في الوزن فجائز. وما بعت بفرادى فلا تأخذه كيلاً، وما بعت كيلاً فلا تأخذ فرادى، وما بعت بفرادى واشترطت كيله مع العدد فجائز أن تأخذ فيه كيلاً أقل عدداً أو أكثر، ومن ذلك أن تبيع سلعة بمائة درهم كيلاً، وتشترط عددها داخل المائة خمسة، فجائز أن تأخذ [كيلاً] أقل من ذلك العدد أو أكثر في مثل الوزن.
ومن لك عليه مائة دينار مجموعة من بيع أو قرض فقضاك مائة قائمة من غير وزن، فذلك جائز، لأنها أكثر وزناً وأفضل عيوناً، وإن قضاك مائة فرادى لم يجز، لأنك تجاوزت نقصها لفضل عيونها على المجموعة.
2534 - ومن باع سلعة بمائة دينار مجموعة، ولم يسم كم داخلها فلا بأس به ما لم يدخل له ذهباً غير جائز بين الناس، والدنانير المجموعة هي المقطوعة الناقصة تجمع في الكيل، والقائمة: هي المائة الجياد إذا جمعت مائة عدداً وزادت في الوزن مثل الدينار، والفرادى: إذا اجتمعت في الوزن نقصت في المائة مثل الدينار.
ومن لك عليه درهمان فرادى قد عرف وزن كل واحد منهما إلا أنهما لم يجمعا في الوزن، فلا تأخذ بوزنهما منه تبر فضة مكسورة، كانا في الجودة مثل فضته أو أدنى، لأنك إذا أخذت وزن الفرادى مجموعة لا بد أن يزيد وزن المجموعة على الفرادى، الحبة والحبتين أو ينقص، فلا يكون ذلك مثلاً بمثل.
2535 - ولا يباع القمح وزناً بوزن، وليس ما كرهنا من أخذ مجموعة من فرادى مثل ما أجزنا من أخذ السمراء من المحمولة، والمحمولة من السمراء بعد الأجل، لأن الطعام مكيل لا تفترق أقداره وهذا مختلف.(1)
__________
(1) انظر: المدونة (8/429).

2536 - ويجوز [بيع] مجموع الفضة بمجموعها، لأنه أخذ مثل وزن فضته أجود من فضته أو دونها في الجودة.
2537 - ومن لك عليه درهمان مجموعان فلا تأخذ منه بوزنهما أو أقل تبر فضة أجود من فضتهما، لأنه بيع لسكتهما بجودة الفضة، وليس هذا كقضاء سمراء من محمولة، لأن السكة غير الدراهم، وجودة الطعام ليس غيره.
2538 - ويجوز تبر الفضة بعضه قضاء من بعض، أجود صفة أو أردأ عند الأجل في مثل الوزن، ما لم تكن سكة، ولا فضل في وزن.
2539 - ومن أبدل لك دراهم كيلاً فقلت له: زدني في الكيل، [فزادك] فذلك ربا، وأما إن أبدل لك ديناراً أو درهماً بأوزن منه بغير مراطلة فذلك جائز فيما قل، مثل الدينارين والثلاثة لا أكثر، لأن هذا معروف، والأول مكايسة.
ولا يجوز في المبادلة أن يكون الناقص أجود عيناً، وإن سألته [أن] يبدل لك ديناراً هاشمياً ينقص خروبة بدينار عتيق قائم وازن، فلا خير فيه عند ربيعة ومالك، [قال ابن القاسم:] ولا بأس به عندي، وإن كان الديناران هاشميين إلا أن أحدهما ضُرب بمصر، والآخر ضُرب بدمشق، فإن كان الناقص أفضل في عينه ونفاقه عند الناس من الوازن فلا خير فيه، وإن اتفقا في النفاق والجودة جاز.
2540 - وإن أتيته بدينار مرواني مما ضرب في زمان بني أمية وهو ناقص، فأردت أن يبدله لك بدينار هاشمي [مما] ضرب في زمان بني هاشم، فإن كان بوزنه فجائز، وإن كان الهاشمي أنقص، فقد كرهه مالك بحال ما أخبرتك، ولا بأس به عندي.
2541 - وإن بعت من رجل دراهم بدراهم أو بفضة، أو فضة بفضة، فلما توازنتما رجحت فضتك فوهبته ذلك لم يجز.
2542 - ومن لك عليه تبر فضة أو ذهب مكسور، فلا تأخذ منه إذا حل الأجل تبراً أجود من الذي لك عليه أقل وزناً، ويجوز أن تأخذ أدنى من تبرك أقل وزناً.

2543 - ولا يجوز أن تأخذ منه بعد الأجل محمولة، أقل كيلاً من سمراء لك عليه قضاء من جميع الحق، قال أشهب: إنه جائز كالفضة، كذلك لو اقتضى دقيقاً من قمح والدقيق أقل كيلاً، فلا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من القمح الدين.
قال ابن القاسم: والفرق بين الفضة التبر وبين الطعام، أن الفضة التبر عند الناس كلها نوع واحد، وأمر قريب بعضه من بعض، والسمراء والمحمولة مختلفة السوق متباعد ما بينهما، ولو جاز ذلك لجاز أن تأخذ شعيراً أو دقيقاً أو سلتاً أقل، ويدخل في الطعام من قرض أو استهلاك التفاضل في بيعه، ويدخله أيضاً في البيع بيعه قبل قبضه. ومما يبين ذلك لو أتاك رجل بإردب سمراء، فقال لك: أعطني بها خمس ويبات محمولة أو شعيراً أو سلتاً، على وجه التطاول منه عليك لم يجز، ودخله بيع الطعام بالطعام متفاضلاً.
وكذلك إن أتاك بطعام جيد فأبدله منك بارداً منه، لم يجز بأكثر من كيله، ويجوز في الذهب بدله بأنقص منها وزناً وأشر عيوباً على المعروف، فافترقا، ولا خير في اقتضاء صيحاني من عجوة قبل الأجل من قرض، ولا زبيب أحمر من أسود، وإن كان أجود منه، وما جاز في الاقتضاء من القرض جاز من الاستهلاك.
2544 - ومن أقرضته قمحاً فقضاك دقيقاً مثل كيله جاز، وإن كان أقل من كيله لم يجز.
2546 - ويجوز في المراطلة بيع مصوغ الذهب بتبر ذهب أو دنانير، أجود من الذهب المصوغ أو أردأ كيلاً، يداً بيد، بخلاف الاقتضاء.
2547 - وكذلك حلي بين رجلين باع أحدهما حصته منه شريكه بمثل نصف وزنه يداً بيد فلا باس به، وكذلك نقرة بينهما، وروى أشهب أن مالكاً لم يجزه في النقرة، إذ لا ضرر في قسمتها ككيس [مجموع] مطبوع بينهما، فيصير ذهباً بذهب، ليس كفة بكفة، وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد، وإنه لموضع استحسان.

2548 - وإن أقرضت رجلاً ذهباً مصوغاً أو سكة، فقضاك تبراً مكسوراً أجود عيناً أو قضاك حلياً أو دنانير عن تبر ذهب أقرضته، والتبر أجود ذهباً، والوزن في ذلك كله واحد لم يجز، لأنه بيع لسكة أو صياغة لجودة ذهب، والصياغة بمنزلة السكة، لأنه كان لا يلزمك أن تأخذ تبراً من حلي أقرضته، فلما أخذته علمنا أنك إنما رضيته لفضل عينه وذلك بحضورهما في المراطلة جائز، وتلغى السكة والصياغة، وتزول التهمة.
2549 - ولا يجوز التبر الأحمر الإبريز الهِرَقْلي بالذهب الصفر ذهب العمل، إلا مثلاً بمثل.
ومن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهباً إبريزاً أحمر جيداً بتبر ذهب أصفر للعمل وزناً بوزن، جاز ذلك، وإن أصاب في الدنانير مالاً يجوز عينه في السوق وذهبه أحمر جيد، لم ينتقض الصرف بينهما ولم يكن له رده، لأنه إنما يرجع بمثل ما يرد أو أردأ، وإن كان الدينار مغشوشاً انتقض من التبر بمثل وزنه خاصة.
2550 - ومن اشترى حلياً من فضة بوزنه من الدراهم أو بذهب أو بعرض جاز ذلك.
فإن وجد بالحلي كسراً أو شقاً فله رده، لأنه إذا حبسه لم يبق بيده مثل ما أعطى من فضل سكة لفضل صياغة، كمن ابتاع دقيقاً بقمح فوجد بالدقيق أو بالقمح عيباً لرده، لأن دقيق القمح المعيب ليس كدقيق الصحيح، بخلاف الدنانير المعيبة، لأنها إذا لم تكن مغشوشة فهي مثل ما أعطى وأفضل، وكذلك إذا ابتاع خلخالين من ذهب أو فضة، بتبر ذهب أو فضة، فوجد في الخلخالين عيباً يردان منه، وذهبهما أو فضتهما مثل تبره أو أجود فلا يردهما، لأن ما في يديه مثل تبره أو أفضل.

2551 - ومن كانت له دنانير ذهب أصفر ورجل آخر تبر مكسور إبريز أحمر فتصارفا وزناً بوزن جاز، وإن كان لأحدهما دنانير ذهب أصفر وللآخر دنانير مثلها ذهباً أصفر مع تبر ذهب أحمر، فإن اتفق المسكوكان في النَّفاق جاز، كان التبر أرفع من المنفردة أو أدنى، وإن كانت الدنانير التي مع التبر دون المنفردة والتبر أرفع منهما، لم يجز، لأن صاحب الدنانير المنفردة يأخذ فضل عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز، وإن كانت [الدنانير] المنفردة دون الدنانير الأخرى ودون التبر أو أرفع منهما في نفاقهما، جاز ذلك، وإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق جاز، لأنه معروف، وإن كانت إحدى الذهبين نصفها مثل الذهب [الأخرى] ونصفها أنفق منها جاز، وأما إن كانت نصفها أنفق من المنفردة ونصفها دون المنفردة لم يجز.
[قال مالك:] وإن راطلته هاشمية قائمة يُعتَّق أكثر عدداً أو أنقص وزناً فلا بأس به، فإن جعل مع الهاشمية ذهباً أخرى هي أشر عيوباً من العُتَّق كالناقصة ثلاث خروبات ونحوه، لم يجز.
* * *
ما يحرم في اقتضاء الطعام بالطعام
2552 - وإذا اقتضيت عشرة [دنانير] مجموعة من بيع فرجحت، جاز أن تعطيه برجحانها عرضاً أو ورقاً بخلاف المراطلة، وكذلك إن كان ذلك عليه لحم أو حيتان فاقتضيته [منه] فوجدت فيه فضلاً عن وزنك، فجائز شراؤك تلك الزيادة بثمن نقداً أو إلى أجل إن كان أجل الطعام قد حل، وإن لم يحل فلا خير فيه، وإن حل فاختلفت الصفات، والجنس واحد فلا بأس أن تأخذ بمنه] مثل وزنك أو كيلك أجود صفة أو أردأ، ولا تغرم لجودة أو تأخذ لزيادة شيئاً، ولا تأخذ أجود وأقل كيلاً ولا أردأ وأزيد كيلاً، وإن لم تغرم لذلك شيئاً ولا رجعت بشيء، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه إن كان من بيع، ولو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن أو غيرها من الثياب والحيوان عدا الطعام فلا بأس به.

ومن لك عليه دراهم يزيدية عدداً فقضاك محمدية أو يزيدية عدداً وأرجح لك في كل درهم، فلا بأس به ما لم تكن عادة، ولا يجوز أن تأخذ محمدية أقل من وزن اليزيدية، لأنك تركت وزن يزيديتك لفضل عيون المحمدية، وكذلك إن قضاك تبراً مكسوراً أجود من تبرك وأقل وزناً لم يجز، كان ما ذكرنا من بيع أو قرض.
2553 - وإن أقرضته فضة بيضاء فقضاك بعد الأجل فضة سوداء، مثل الوزن فأقل جاز، ولا يجوز أرجح، لأنك تركت جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته السوداء، وكذلك إن قضاك فضة بيضاء من فضة سوداء مثل الوزن فأكثر جاز، ولا يجوز أن يقضيك أقل من الوزن، وهذا كله ما لك تكن عادة بينهما.(1)
2554 - وإن أقرضته ديناراً فلا بأس أن تأخذ بسدسه أو بما شئت من أجزائه دراهم إذا حل أجله وكان حالاً، ويجوز أن تأخذ بثلثه عرضاً نقداً، ثم لا تأخذ ببقيته في الوجهين ذهباً، لأنه يصير ذهباً وورقاً بذهب، أو ذهباً وعرضاً بذهب، ويجوز أن تأخذ ببقيته عرضاً، وإن أخذت ببقيته دراهم وحدها أو مع عرض جاز ذلك إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز.
2555 - ولا يعجبني أن يباع الدرهم السَّتوق الرديء بدرهم فضة، وزناً بوزن ولا بعرض، لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش وفساد أسواق المسلمين، وقد طرح عمر - رضي الله عنه - في الأرض لبناً غُشّ، أدباً لصاحبه، ولكن يقطعه، فإذا قطعه جاز بيعه إذا لم يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم.
قال أشهب: إذا رُدّ لغش فيه لم أر أن يباع بعرض ولا فضة حتى يكسر خوفاً أن يغش به غيره، ويجوز بدله على وجه الصرف بدراهم جياد، وزناً بوزن، لأنهما لم يريدا بهذا فضلاً بين الفضتين، وهذا يشبه البدل.
قال أشهب: وإذا كُسِر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسلبك فيجعل دراهم، أو يُسبل فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصفه حتى تباع فضته على حدة ونحاسه على حدة.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/399).

2556 - ومن لك عليه فلوس من بيع أو قرض فأُسقطت لم تتبعه إلا بها، وقاله ابن المسيب في الدراهم إذا أسقطت، ومن استقرضك ديناراً دراهم، أو ثلث دينار دراهم [أو نصف دينار دراهم] فأعطيته دراهم، فليس يقضي عليه إلا بدراهم كما قبض مثل وزنها، غلت الدراهم أو رخصت.
2557 - قال يحيى بن سعيد: وإن استقرضك نصف دينار فدفعت إليه ديناراً فانطلق به فكسره فأخذ نصفه وردّ إليك النصف الباقي، فعليه أن يعطيك ديناراً فتكسره فتأخذ نصفه وترد إليه نصفه.
وقال مالك: إن أعطيته ديناراً فصرفه المستسلف فأخذ نصفه وردّ نصفه كان عليه نصف دينار، غلا الصرف أو رخص.
2558 - وإن ابتعت سلعة بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم أو بربع وقع البيع بالفضة وتعطيه بالفضة ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما أعطيته بذلك فلوساً في الموضع الذي فيه الفلوس، تصرف يوم القضاء لا يوم التبايع.(1)
وإن ابتعت شيئاً بدانق فلوس نقداً أو مؤجلاً، فإن سميتما ما للدانق من الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس، فلا بأس به، والبيع إنما وقع على الفلوس، وإن كانت مجهولة العدد ولا تعرفان ذلك لم يجز، لأنه غرر.
2559 - وإن ابتعت سلعة بنصف دينار أو بثلث أو بربع، وقع البيع على الذهب وتدفع إليه ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما قُضي عليه في جزء الدينار بدراهم بصرف يوم القضاء لا يوم التبايع.
2560 - ومن باع سلعة بنصف دينار فاشترط أن يأخذ به دراهم نقداً يداً بيد، فإن كان الصرف معروفاً يعرفانه جميعاً فلا بأس بذلك إذا اشترطا كم الدراهم من الدينار.
2561 - ومن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل واشترط أن يأخذ به إذا حل الأجل دراهم لم يجز، ولو لم يشترط ذلك كان له إذا تشاحّا عند الأجل أن يأخذ منه دراهم على صرف الناس يوم يأخذه بحقه، ولكنه لما اشترط ذلك وقع البيع على ما يكون من صرف نصف دينار بالدراهم يوم يحل الأجل، فهذا مجهول.
__________
(1) انظر: المدونة (8/446).

قال أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب وشرط أن يأخذ منها دراهم، فذلك أحرم، لأنه ذهب بورق إلى أجل، وورق أيضاً لا يعرف عددها، ولو شرط أن يأخذ بنصف الدينار إذا حل الأجل ثمانية دراهم، كان بيعاً جائزاً، وكانت الثمانية لازمة لهما وذكر النصف لغو.
2562 - قال مالك: ومن باع سلعة أو أكرى منزله بنصف دينار أو بثلث على أجل، فلا يأخذ في ذلك قبل الأجل دراهم، وليأخذ عرضاً إن أحبا، فإذا حل الأجل فليأخذ ما أحب.(1)
* * *
“نهاية كتاب الصرف”
* * *

(كتاب بيوع الآجال)
2563 - ومن باع ثوباً [بثمن] إلى أجل، جاز أن يشتريه قبل الأجل بمثل الثمن فأكثر نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا يجوز بدون الثمن نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا بأس به بالثمن فأقل منه إلى أبعد من أجله، فأما بأكثر منه فلا يجوز إلا على المقاصة عند الأجل، فإذا نقده صارت ذهباً في أكثر منها إلى أجل، وأما إلى الأجل نفسه فجائز بالثمن، أو أقل منه أو أكثر، وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر، وإن بعت عبدين بعشرة [دنانير] إلى شهر، فلا تبع أحدهما بتسعة نقداً ولا بدينار نقداً فيصير بيعاً وسلفاً، ولو كان قصاصاً جاز، ويجوز بعشرة نقداً.
2564 - وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم إلى شهر، فاشتريته قبل الأجل بخمسة دراهم وبثوب نقداً من نوعه أو من غير نوعه لم يجز، لأنه بيع وسلف، ولو كانت الخمسة مقاصة عند الأجل جاز، وإن بعت ثوبين بعشرة إلى أجل لم يجز أن تبتاع منه أحدهما بخمسة، وبثوب نقداً، لأنه بيع وسلف وفضة وسلعة نقداً بفضة مؤجلة.
__________
(1) انظر: التقييد (3/177).

2565 - وإن بعت ثوباً بعشرة محمدية إلى شهر، فابتعته بخمسة يزيدية إلى شهر وبثوب نقداً لم يجز، لأن ثوبك الراجع لغو، وكأنك بعت الثاني بخمسة على أن يبدل لك عند الأجل خمسة بخمسة من سكة أخرى، ولا تبتعه بثوب أو بثوبين من صنفه [إلى] دون الأجل أو إلى أبعد منه، لأنه دين بدين والثوب الأول لغو.
وإن بعته بثلاثين درهماً إلى شهر فلا تبتعه بدينار نقداً فيصير صرفاً مؤخراً، ولو ابتعته بعشرين ديناراً نقداً جاز، لبعدكما من التهمة، وإن بعت بأربعين درهماً إلى شهر، جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير نقداً لبيان فضلهما، ولا يعجبني بدينارين وإن تساويا في الصرف، ولا تبتعه بثوب ودينار نقداً، لأنه عرض وذهب بفضة مؤخرة. ولا يعجبني أن تبتاعه بعرض وفلوس [نقداً].
2566 - وإن بعت من رجل مائة أردب محمولة بمائة دينار إلى أجل، ثم ابتعت منه قبل الأجل مائتي أردب محمولة كصفتها بمائة دينار نقداً لم يجز، لأنه رد إليك طعامك وزادك مائة أردب على أن أسلفته مائة دينار. ولا تشتر منه من صنف طعامك ككيله فأقل [بأقل] من الثمن نقداً، وإن كان مثل المكيلة بمثل الثمن فأكثر نقداً فجائز، وكذلك كل مكيل وموزون في هذا، وأما إن بعت منه ثوباً فرقبياً بدينارين إلى أجل فلا بأس أن تشتري منه قبل الأجل [ثوباً] من صنفه في [صفته] وجنسه بأقل من الثمن أو أكثر نقداً أو إلى أجل، وليس كرجوع ثوبك إليك، وإنما على مستهلك الثوب قيمته بخلاف ما يكال ويوزن.
2567 - وإن بعت منه عبدين أو ثوبين [بثمن] إلى أجل، جاز أن تقيله من أحدهما وإن غاب عليهما ما لم تعجل ثمن الآخر قبل أجله، أو تؤخره إلى أبعد من أجله، وإن كان طعاماً لم يجز أن تقيله من بعضه إذا غاب عليه حل الأجل أم لا، وإن لم يغب عليه أو غاب [عليه] بمحضر بينة جاز ذلك، ما لم ينقدك الآن ثمن باقيه، أو يعجله لك قبل محله فيصير قد عجل لك ديناً على أن ابتعت منه بيعاً، ويدخله طعام وذهب نقداً بذهب مؤجلة.

2568 - وإن أسلمت إليه فرساً في عشرة أثواب إلى أجل، فأعطاك منها خمسة قبل الأجل مع الفرس أو مع سلعة سواه على أن أبرأته من قيمة الثياب لم يجز، لأنه بيع وسلف ووضيعة على تعجيل حق، فوجه البيع والسلف أن الذي عليه الحق عجل لك الخمسة الأثواب سلفاً منه، يقبضها من نفسه إذا حلّ الأجل والفرس أو السلعة بيع بالخمسة الباقية، وأما ضع وتعجل فأن تكون السلعة المعجلة أو الفرس لا تسوى الخمسة الباقية ليجيز الوضيعة، ويدخله تعجل حقك وأزيدك دخولاً ضعيفاً.
ولو كانت قيمة السلعة المعجلة أضعاف قيمة الثياب المؤخرة لم يجز أيضاً، إذ لو أسلم ثوباً وسلعة أكثر ثمناً منه في ثوبين من صنفه لم يجز.
قال ربيعة: وما لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض فلا تأخذه قضاء منه، مثل: أن تبيع تمراً فلا تأخذ في ثمنه قمحاً.
2569 - قال ربيعة: وإن بعت حماراً بعشرة دنانير إلى أجل، ثم أقلته على أن عجل [لك] ديناراً، أو بعته بنقد فأقلته على أن زادك ديناراً أخرته عليه، لم يجز.
2570 - وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل، لم يجز أن يشتريها عبدك المأذون له بأقل من الثمن نقداً [إن اتجر بمالك، وإن اتجر بمال نفسه فجائز، ولا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل من الثمن نقداً]، وإن وكلك رجل على شرائها له بأقل من الثمن لم يعجبني ذلك، ولا تبعها أنت لمشتريها منك يسألك ذلك لجهله بالبيع، إلا بمثل ما يجوز لك شراؤها به.
2571 - وإن باع عبدك سلعة بثمن إلى أجل لم يعجبني أن يبتاعها بأقل منه نقداً إن كان العبد يتجر لك.
2572 - ولا بأس أن تبيع عبدك بعشرة [دنانير] من رجل، على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين ديناراً سكة واحدة [ولا يدخله بيع وسلف ولا سلعة وذهب بذهب]، لأن المالين مقاصة.
وأما إن اشترطا إخراج المالين، أو أضمرا إضماراً يكون كالشرط عندهما لم يجز، ثم إن أراد بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز، لوقوع البيع فاسداً، وإذ هما قادران بالشرط على فعل فاسد.

2573 - وإن بعته سلعة بعشرة دنانير [إلى شهر] على أن تأخذ بها عند الشهر مائة درهم أو حماراً أو ثوباً موصوفاً فجائز، وإنما يقع البيع على ما يقبض، واللفظ الأول لغو.
2574 - ومن له على رجل دين إلى أجل فلما حلّ [الأجل] أخذ ببعضه سلعة على أن أخره ببقية الثمن لم يجز، لأنه بيع وسلف، وإن أخذ ببعض الثمن سلعة وأرجأ عليه بقيته حالاً جاز ذلك.
2575 - ومن لك عليه دين حال أو إلى أجل، فلا تكتر [به] منه داره سنة، أو أرضه التي رويت أو عبده شهراً، أو تستعمله هو به عملاً يتأخر، ولا تبتاع به منه ثمرة حاضرة في رؤوس النخل قد أزهت أو أرطبت، أو زرعاً قد أفرك، لاستئخارهما، ولو اسْتُجذّت الثمرة واستُحصد الزرع ولا تأخير لهما جاز، ولا يبتاع به منه سلعة بخيار أو أمة بتواضع، أو سلعة غائبة على صفة أو داراً غائبة على صفة، ولو بعت دينك من [غير] غريمك بما ذكرنا جاز، وليس كغريمك، لأنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه عليه بخلاف الأجنبي، مع أنه لا يجوز في خيار أو مواضعة أو شراء شيء غائب تعجيل النقد بشرط.
2576 - ومن لك عليه مائة أردب حنطة إلى أجل من بيع أو قرض، فوضعت عنه قبل الأجل خمسين على أن يعجل لك خمسين لم يصلح، لأنه ضع وتعجل.
2577 - وإن بعت عبدك بعروض مضمونة إلى أجل، فلما حل الأجل أخذت بذلك المضمون عبدين من صنف عبدك، لم يجز.
ولا تأخذ من ثمن عبدك إلا ما يجوز لك أن تسلم عبدك فيه.
2578 - وإن أسلمت إلى رجل في محمولة إلى أجل فلقيته قبل الأجل فقلت له: أحسن إليّ واجعلها لي في سمراء إلى أجلها، ففعل لم يجز، [لأنه فسخ محمولة في سمراء إلى أجل]، [فصار ذلك ديناً بدين]، ولو حلّ الأجل جاز ذلك، أخذ سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء، لأنه بدل.

2579 - ولا يجوز أن تبيع من رجل بيعاً على أن تسلفه أو يسلفك، فإن نزل فُسِخ، إلا أن يسقط مشترط السلف شرطه قبل فوات السلعة بيد المبتاع فيتم البيع، قال مالك: وهذا مخالف لبعض البيوع الفاسدة وإن لم يعلم بفساد البيع حتى فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن، وكان السلف من البائع فله الأقل من الثمن أو من القيمة يوم القبض ويرد السلف، وإن كان السلف من المبتاع فعليه الأكثر منهما ما بلغ.
2580 - ومن ابتاع سلعة على أن البائع متى ما ردّ الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك، لأنه سلف جرّ منفعة، وقرضك ثوباً في مثله، كسلمك ثوباً في مثله، فإن كان النفع للآخذ ولم تغتز أنت نفعاً فذلك جائز، وإن أردت به نفع نفسك وعلم بذلك صاحبك، أو لم يعلم بذلك لم يجز. وكذلك لو أقرضته عيناً أردت كونه في ذمته إلى أجل لما كرهت من بقائه في بيتك، وكذلك في قرض جميع الأشياء، فإن نزل ذلك وعلم أنك اغتزيت به نفع نفسك، فلك تعجيل حقك [إن كان ما اغتزيت من النفع بنفسك ظاهراً]، وإن لم يكن غير دعواك لم يكن لك تعجيله، وقد خرجت، والبيع الفاسد بثمن إلى أجل إذا فات عُجلت فيه القيمة وفسخ الأجل.
2581 - وكل ما أقرضته من طعام أو عرض أو حيوان أو غيره ببلد، على أن يوفيكه ببلد آخر لم يجز وإن ضربت أجلاً، بخلاف البيع، قال عمر: فأين الحِمال؟.
وأما إن أقرضته عيناً فلا حمال فيها، إذ لك أخذه بها حيث ما لقيته بعد الأجل، فإذا اشترطت أخذها ببلد آخر، فإنما يجوز ذلك إذا فعلته رفقاً بصاحبك، لا تغتزي أنت به نفع نفسك من ضمان طريق غيره كما تفعل في السفاتج إذا ضربت أجلاً يبلغ البلد في مثله، وإن لم يخرج فلك أخذه بعد الأجل حيثما وجدته.(1)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/548)، ومواهب الجليل (5/357)، والكافي (1/359)، والقوانين الفقهية (ص190)، وأنيس الفقهاء (ص225)، والتعريفات (ص157)، والسفاتج: القرض.

ولا يعجبني إن لم يضربا مع ذكر البلد أجلاً، ولا يجوز للحاج قرض كعك أو سويق على أن يوفيه ببلد آخر، وليسلفه ولا يشترط. قال ابن عمر: “لا يشترط إلا القضاء”.
ومن له إلى جانبك زرع فاستقرضته منه على أن تقضيه من زرع لك ببلد آخر، لم يجز.
2582 - وإن أقرضك فداناً من زرع مستحصد تحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد عليه مثل كيل ما فيه، فإن فعل ذلك رفقاً ونفعاً لك دونه، جاز إذا ليس فيما كفيته منه كبير مؤنة، لقلته في كثرة زرعه، ولو اغتزى بذلك نفع نفسه بكفايتك إياه ذلك، لم يجز.
2583 - ولا تقرض لرجل طعاماً على تصديقك في كيله، فإن كنت أنت قد استقرضته أيضاً فكأنه أخذه ليضمن نقصه. ولو حضر كيله حين قبضته جاز قبضه لذلك قبل غيبتك عليه.
ولو استقرضته [له] وأمرته بقبضه جاز ذلك، وكان ديناً لربه عليك وديناً لك أنت على قابضه. ولا بأس ببيع ما استقرضت على تصديق كيلك بثمن نقداً، ولا ينبغي إلى أجل، وفارق القرض أن للمبتاع ما وجد من المتعارف من زيادة الكيل أو نقصه فله وعليه، ويرد كثير الزيادة ويرجع بحصة كثير النقص من الثمن، والقرض يصير للتسمية ضامناً إلا أن يقول له: كِلْه وأنت مصدق، فيجوز، ويصدق فيما يذكره.
2584 - وإن أقرضت رجلاً طعاماً إلى أجل فلا بأس أن تبيعه منه أو من غيره قبل الأجل بكل شيء نقداً، عدا سائر الطعام والشراب والإدام كله، [لأنه بيع الطعام بالطعام إلى أجل]، ولا بأس أن تبيعه من الذي هو عليه إذا حلّ الأجل بما شئت من الأثمان أو بطعام أكثر من كيل طعامك نقداً، أو بصيرة تمر أو زبيب، غلا أن يكون ذلك من صنف طعامك فلا تأخذ أكثر كيلاً [منه].

2585 - وإن أقرضته حنطة فلا تأخذ منه إذا حلّ الأجل دقيقاً ولا شعيراً ولا سُلتاً إلا مثلاً بمثل، فأما قبل الأجل فلا تأخذ منه إلا مثل حنطتك صفة وكيلاً، ولا تأخذ منه شعيراً ولا سلتاً ولا دقيقاً ولا شيئاً من الطعام قبل الأجل، ويدخل ذلك: ضع وتعجل، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل.(1)
2586 - وإن بعته طعاماً لك عليه حالاً من قرض بدنانير، لم يجز أن تفارقه حتى تنتقد، إلا مثل أن تذهب معه إلى السوق أو يأتيك بها من البيت، فأما أن [تصير] تطلبه بها فلا يجوز، لأنه فسخ دين في دين.
2587 - ولا بأس أن تأخذ من دين لك قد حلّ، ورقاً من ذهب، أو ذهباً من ورق، أو ما شئت من السلع نقداً.
ومن لك عليه ألف درهم حالّة فاشتريت منه بها سلعة بعينها حاضرة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن دخلت [بيتك] قبل أن تقبضها فالبيع جائز، وتقبضها إذا خرجت، وإن أخذت منه بدينك طعاماً فكثر كيله فذهبت بعد وجوب البيع لتأتي بدواب تحمله، أو تكري له منزلاً أو سفناً وذلك يتأخر اليوم واليومين، أو شرعت في كيله فغابت الشمس وقد بقي من كيله شيء فتأخر إلى الغد، فلا بأس به، وليس هذا دين في دين، وأراه خفيفاً، لأنهما في عمل القبض، وإن أخذت منه بدينك ما لا مؤنة فيه من قليل الطعام والفواكه، في كيل أو وزن أو عدد، لم يجز تأخيره، إلا ما كان يجوز ذلك في مثله أن تأتي بحمال يحمله أو مكتل يجعله فيه، فعلى هذا فاحمل أمر الطعام.
2588 - والقرض في الخشب والبقول والرياحين وفي كل شيء جائز إذا كان معروفاً، إلا الجواري وتراب الفضة.
2589 - ولا ينبغي لك قبول هدية من ديانك، إلا من تعودت ذلك منه قبل أن تداينه وتعلم أن هديته إليك ليس لأجل دينك، فلا بأس بذلك.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/128)، والتاج والإكليل (4/367).

قال عطاء: وإن قارضت رجلاً مالاً أو أسلفته إياه فلا تقبل منه هدية، إلا أن يكون من خاصة أهلك لا يهدي لك لما تظن، فخذ منه.(1)
2590 - ومن أقرضته خبز الفرن فلا تشترط عليه خبز تنور أو ملة، ويجوز قضاؤكه بغير شرط تحرياً، وكذلك سمراء من محمولة أو ديناراً دمشقياً من كوفي بهذا المعنى.
2591 - ومن له عليك طعام من سلم فأحلته على طعام لك من قرض، أو كان الذي له عليك من قرض فأحلته على طعام لك من بيع أو قرض قد حلّ، أو دفعت إليه دراهم يبتاع بها طعاماً يقبضه من حقه، فذلك كله جائز.
2592 - وإن كان لك عليه طعام من قرض وله عليك طعام من قرض ككيله وصفته حالّين أو مؤجلين، جاز أن تتقاصا، اتفق الأجلان أو اختلفا، ولم يحلا [أو حلا]، أو حلّ أحدهما، إلا أن يكون الذي له عليك سمراء والذي لك [عليه] محمولة، فتجوز المقاصة إن حلا، لأنه بدل، وأما إن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، إذ لا يجوز قضاء سمراء من بيضاء ولا بيضاء من سمراء قبل الأجل من بيع أو قرض.
وإن كان لك عليه طعام من سلم وله عليك مثله من سلم لم يجز أن تتقاصا، حلت الآجال أو لم تحل. وإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم، فإن حلا والصفة والمقدار متفقان جازت المقاصة، وإن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، كان الحل منهما سلماً أو قرضاً، وإن كان لك عليه دين وله عليك مثله صفة ومقداراً، وهما ذهب جميعاً أو ورق أو عرض، فلا بأس أن تتقاصا في ذلك كله، كانا من بيع أو قرض، اختلفت الآجال أو اتفقت، وقد حلاّ أو لم يحلاّ أو حلّ أحدهما، وإن كان لك عليه ذهب وله عليك ورق جازت المقاصة إن حلا، ولا يجوز بحلول أحدهما، ولا إن لم يحلاّ وإن اتفق الأجلان، لأنه صرف مؤخر.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/546).

وإن كان لك عليه عرض وله عليك عرض وهما مختلفا الجنس والصفة، فإن كان أجلهما مختلفاً لم يجز أن يتقاصّا حتى يحلاّ أو يحلّ أحدهما، ولو اتفق أجلاهما ولم يحلاّ جاز التقاصص فيهما قبل محلهما، ولو اتفقا في الصفة والجنس والقدر جازت المقاصة فيهما وإن اختلفت آجالهما، وليس كمن ابتاع عرضاً مؤجلاً في ذمة رجل بعرض مؤجل في ذمته، لأن الذمتين مشغولتان وفي المقاصة تبرآن.
وحكم أجناس التمر و[أجناس] الزبيب وسائر الحبوب في المقاصة على ما ذكرنا في الحنطة في القرض والسلم.
ومن لك عليه إردب حنطة من قرض إلى أجل بحميل وأقرضك مثله إلى أبعد من أجله بغير حميل فلا بأس أن يتقاصا. ومن له عليك طعام من سلم قد حلّ فلا باس أن تحيله على طعام استقرضته، ويكون بكيلٍ واحدٍ قرضاً عليك وأداءً من سلم.
* * *
تم كتاب بيوع الآجال بحمد الله وعونه سبحانه
* * *

(كتاب البيوع الفاسدة)(1)
2593 - ومن ابتاع شيئاً بيعاً فاسداً ففات عنده فعليه قيمته يوم قبضه. والفوت مختلف، فالرقيق والحيوان يفيتها طول الزمان عند المبتاع، لأنها لا تثبت على حالها، وأما الثياب والعروض فلا يفيتهما ذلك إلا أن تتغير أسواقهما، [وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق وطول الزمان، وإنما يفيتها البيع والبناء والهدم والغرس، قال ابن القاسم:] فإن تغير سوق السلعة ثم عاد لهيئته لم يكن للمبتاع ردها، لأن القيمة قد وجبت، وأما إن باعها ثم رجعت إليه بعيب أو شراء أو هبة أو ميراث فله الرد، إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه، فذلك فوت، وإن عاد لهيئته، وأشهب يفيتها بعقد البيع.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/209)، وحاشية الدسوقي (3/72)، ومواهب الجليل (4/362)، والمدونة الكبرى (9/145)، ومختصر خليل (162)، والتقييد (4/23).

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8