التهذيب في اختصار المدونة
المؤلف : أبي سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني

2594 - ولا يجوز أن تبتاع جاريت بجاريتين غير موصوفتين، ويرد ذلك، فإن فاتت [الجارية] عندك بعيب أو نقص سوق، لزمتك قيمتها، يوم القبض وليس لبائعها منك أخذها مع ما نقصها، ولا أخذها بغير شيء يأخذه لنقصها، كما ليس لك ردّها عليه مع ما نقصها من عيب، ولا بعد زيادتها في سوق أو بدن إذا لم يقبلها البائع، إلا أن يجتمعا [على ذلك] في جميع ما ذكرنا.
2595 - ومن اشترى أمة بيعاً فاسداً، فولدت عنده ثم مات الولد، فذلك فوت وليس له ردها، كانت من المرتفعات أو من الوخش، لأن القيمة قد وجبت وليس ما ذكرناه من حوالة سوق أو [عيب في] بدن يفيت الرد [بالعيب] في [البيع] الصحيح، وإن كان عيباً مفسداً فإنه يردها وما نقصها، ولا شيء عليه في العيب الخفيف، ولا يفيت ردها، والفرق أن البيع الحرام دخل فيه المتبايعان بمعنى واحد، فليس للمبتاع رده في النقص، كما ليس للبائع أخذه في الزيادة، والعيب سببه من عند البائع [خاصة]، والحجة للمبتاع في الرد.
2596 - ولا يجوز بيع سلعة بثمن إلى أجل مجهول، فإن نزل لم يكن للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وللبائع أخذها أو قيمتها في الفوت.
2597 - ومن اشترى ثمراً لم يزه فجذه قبل إزهائه، فالبيع جائز إذا لم يشترط تركه إلى إزهائه. فإن لم يجذه وتركه حتى أرطب أو أثمر فجذه لم يجز البيع، وفسخ، ورد قيمة الرطب أو مكيلة التمر إن جذه تمراً.
2598 - وإذا جمعت صفقة حلالاً وحراماً فسد جميعها.
قال مالك - رحمه الله - يرد الحرام البين فات أو لم يفت، وما كان مما كرهه الناس رُد إلا أن يفوت فيترك.

2599 - قال مالك: وشراء القصيل(1) والقَرَظ(2) والقصب واشتراط خِلفته، إنما يجوز ذلك إذا بلغ أن يرعى أو يجذ للعلف، وإن لم يكن في ذلك فساد فيجوز شراؤه واشتراط الخلفة فيه إن كانت مأمونة لا تختلف، أو يشترط منه جذة أو جذتين، إذا لم يشترط أن يتركه حتى يصير حياً، فإن اشترط ذلك لم يجز وفسخ البيع، وإن لم يشترط ذلك ولكن غلبه الحب في اشتراط الخلفة وقد جز أو رعى رأسه أو ما قل أو كثر، قُوّم ما رعى وجز بقدر تشاح الناس فيه، ويقوم ما كان يرجى من خلفته أو باقيها، ولا يقوم الحب ولا ينظر إلى غزر نبات أوله أو آخره، وإنما ينظر إلى قيمة القصيل في أوقاته، كان أوله أغزر أو آخره، فيجمع قيمة ما جُزّ مع قيمة [ما] تحبب، فإن كان قيمة ما تحبب قدر ثلث ذلك أو نصفه أو أقل أو أكثر رد من الثمن بقدر ذلك، قلّ [الثمن] أو كثر، قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إذا لم يكن في ذلك فساد، يريد إذا كان قبل أن يبلغ الرعي أو أن يحصد.
2600 - وإذا خرج القصيل من الأرض ولم يبلغ أن يرعى أو يحصد لم يجز شراؤه. ويشترط أن يتركه حتى يبلغ أن يرعى أو يحصد، ولا يجوز شراء قصيل أو قرظ أو قصب [وقد بلغ أن يرعى]، على أن يتركه يتحبب أو يقصّب أو يتركه شهراً، إلا أن يبدأ الآن في قصله فيتأخر شهراً وهو دائم فيه.
فأما تأخيره لزيادة نبات فلا يجوز، وليس كتأخير ما يشترى من ثمرة نخل أو تين بعد طيبه، إذ إنما يزيد في الثمرة حلاوة ونضجاً وقد تناهى عظمها، والقصيل يزيد نشوزاً، ومنه ما يسقى فيشترط سقيه شهراً أو أكثر، وهو كشراء شيء بعينه إلى أجل، والجائحة فيه من البائع، ولو جاز ذلك لجاز شراؤه بقلاً على أن يترك إلى أن يرعى، أو طلعاً ويترك إلى أن يصير بلحاً، وإنما يجوز ذلك على القلع.
وكذلك صوف الغنم لا يجوز اشتراط تركه إلى تناهيه.
__________
(1) هو علف أخضر للبهائم.
(2) هو حب العدس، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/314)، والفواكه الدواني (2/130).

وإن ابتاع بقل الزرع على رعيه مكانه، وإن اشترط سقيه إلى أن يصير قصيلاً لم يجز.
ويجوز لمن اشترى أول جزة من القصيل شراء خلفته بعد ذلك، ولا يجوز ذلك لغيره، ولا يجوز أن يشتري ما تطعم المقثأة شهراً، لاختلاف الحمل فيه في كثرته في الحر وقلته في البرد.
2601 - ولا يجوز بيع سلعة على أنها بالنقد بدينار أو إلى شهر بدينارين، وكذلك على أنها إلى شهر بدينار، أو إلى شهرين بدينارين على الإلزام لهما أو لأحدهما، وليس للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وإن كان على غير الإلزام جاز.
ولا يجوز شراء سلعة بمائة مثقال من ذهب وفضة لا يسمى كم من هذا وهذا.
2602 - ومن ابتاع أمة على تعجيل العتق جاز، لأن للبائع تعجيل الشرط، بما وضع من الثمن، ولم يقع فيه غرر، فإن أبى أن يعتق فإن كان اشترى على إيجاب العتق لزمه العتق، وإن لم يكن على إيجاب العتق لم يلزمه العتق، وكان للبائع ترك العتق وتمام البيع أو يرد البيع، فإن رد بعد أن فاتت فله القيمة، وقال أشهب: لا يرد البيع ويلزمه العتق بما شرط.
وأما إن ابتاعها على أن يعتقها إلى أجل أو يدبرها أو على أن يتخذها أم ولد، لم يجز، للغرر بموت السيد أو الأمة قبل ذلك، ولحدوث دين يرد التدبير، فإن فاتت المشترط فيها أن يتخذها أم ولد بولد أو عتق، أو فاتت المشترط فيها التدبير أو العتق بذلك أو غيره، فللبائع الأكثر من قيمتها يوم قبضها المبتاع أو الثمن.
2603 - ولا يجوز أن تبتاع عبداً على ألا تبيع ولا تهب ولا تتصدق، فإن فات بيدك رددت قيمته.
2604 - وكل دين على رجل من بيع أو قرض فلا تفسخه عليه إلا فيما تتعجله، فإن أخذت به منه قبل الأجل أو بعده سلعة معينة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن أخرتها لم يجز.

وأما إن ابتعت ثوباً بعينه بدينار إلى أجل، فتأخر قبض الثوب فلك قبضه، والبيع تام، وليس للبائع حبسه بالثمن، لأنه مؤجل، وليس كتأخير ما تأخذ في دينك، وقد يجوز أن تكتري من رجل داره بدين يبقى عليك.
ولا تكترها منه بدين لك عليه قد حلّ أو لم يحل، وقد تقدم هذا.
وكره مالك - رحمه الله - أن يبتاع طعاماً بعينه بدين إلى أجل، ثم يؤخر كيل الطعام إلى الأجل البعيد، قال ابن القاسم: وأرى السلع كلها مثله لا تؤخر إلى الأجل البعيد.
2605 - ولا يجوز لرجل شراء سلعة بعينها بقيمتها أو على حكمه أو حكم البائع، أو على رضاه أو رضى البائع، أو على حكم غيرهما أو رضاه.
2606 - ومن الغرر بيع عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو ثمرة لم يبد صلاحها، ولو كان الآبق قريب الغيبة ما جاز شراؤه، ولا شراء ما ضل، أو ند من بعير أو شاة، إلا أن يدعي المبتاع معرفته بمكان عرفه فيه، فيكون كبيع الغائب، ويتواضعان الثمن، فإن ألفاه على ما يعرف، تم البيع، وإن تغير أو تلف كان من البائع وأخذ هذا ثمنه.
وضمان ا ذكرنا فساد بيعه من آبق أو شارد أو جنين أو ثمرة من البائع حتى يقبضه المبتاع، فإذا قبضه رده إن لم يفت، فإن فات بعد أن قبضه فليرد فيما له قيمة قيمته يوم قبضه، ويرد مكيلة [التمر] إن جذه تمراً، فإن أكله رُطباً ردّ قيمته، وثمر النخل في البيع الفاسد مصيبتها من البائع ما دامت في رؤوس النخل.
2607 - ولا يجوز بيع غيران المعادن، لأن من قطعت له إذا مات قطعت لغيره ولم تورث عنه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب التي أسلم عليها أهلها أو بأرض المغرب فأمرها إلى الإمام يقطعها لمن رأى.
ويجوز بيع تراب الذهب بالفضة، أو تراب الورِق بالذهب.
قال مالك: وقد كتب عمر بن عبد العزيز بقطع المعادن، قال ابن القاسم: لأنه يجتمع فيها شرار الناس.

ومن عمل في المعدن فأدرك نيلاً لم يجز له بيع ذات النيل، لأنه غرر لا يعلم دوامه، وله منعه من الناس بخلاف فضل الماء، ولم يأت في هذا ما جاء منه في منع فضل الماء.(1)
ولا يجوز بيع المعدن ضريبة يوم ولا يومين، لأن ذلك مخاطرة.
2608 - وإذا كانت المواشي والدواب تعدو في زرع الناس، فأرى أن تُغرّب وتباع في بلد لا زرع فيها، إلا أن يحبسها أربابها عن الناس.
2609 - ولا بأس بالبيع إلى الحصاد أو الجذاذ أو العصير، أو إلى رفع جرون بئر زرنوق، لأنه أجل معروف، وأما إلى العطاء فإن كان قائماً معروفاً [وقته] فجائز، [وإلا لم يجز]، وإن كان النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم والميلاد وقتاً معروفاً، فالبيع إليه جائز.
2610 - وإذا اختلف الحصاد في البلد الذي تبايعا فيه نظر إلى حصاد عظم البلد الذي تبايعا فيه، ولا ينظر إلى أوله ولا إلى آخره فيحل الحق حينئذ، ولا ينظر إلى غيرها من البلدان، قيل: فإن اختلف الحصاد في البلد ذلك العام، فقال: إنما أراد مالك إذا حل أجل الحصاد وعظمه، وإن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقد بلغ الأجل محله.
وخروج الحاج أجل معروف إذا تبايعا إليه، وهو أبين من الحصاد.
وفي كتاب التجارة بأرض الحرب ذكر بيع ماء العيون والبرك وما تولد فيها.
2611 - ولا بأس أن تشتري زرعاً قد استحصد كل قفيز بكذا نقدته الثمن أم لا، وإن تأخر دراسه إلى [مثل] عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً ونحوها.
__________
(1) قوله (فأدرك نيلاً) أصاب في المعدن شيئاً. ويقصد بما جاء في منع فضل الماء حديث جابر عند مسلم (1565).

وإن قلت لرجل: اعصر لي زيتونك هذا، فقد أخذت منك زيته كل رطل بكذا، فإن كان خروجه عند الناس معروفاً لا يختلف إذا عصر وكان الأمر فيه قريباً كالزرع جاز، وجاز النقد فيه، وإن كان مما يختلف لم يجز إلا أن يكون مخيراً فيه، ولا ينقده، ويكون عصره قريباً إلى العشرة أيام ونحوها، قال أشهب: بيع الزيت على الكيل إذا عرف وجه الزيت ونحوه لا بأس به، فأما بالرطل فإن كان القسط يعرف كم فيه من رطل ولا يختلف، وإن كان يختلف فلا خير فيه، لأنه لا يدري ما اشترى، لأن الكيل فيه معروف والوزن فيه مجهول.
2612 - وكره مالك - رحمه الله - بيع العَذِرة ليزبل بها الزرع أو غيره، قيل لابن القاسم: فما قول مالك - رحمه الله - في زبل الدواب؟ فقال: لم أسمع منه فيه شيئاً، إلا أنه عنده نجس وإنما كره العذرة لنجاستها فكذلك الزبل أيضاً، ولا أرى أنا ببيعه بأساً، قال أشهب: والمبتاع في زبل الدواب أعذر من البائع.
ولا بأس ببيع خثى البقر وبعر الغنم والإبل.
2613 - ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ، ولا يؤاجر به على طرحها، لأن ذلك بيع. ولا بأس أن يؤاجر على طرحها بالذهب والورق.
ولا يطبخ بعظام الميتة أو يسخن بها ماء للعجين أو وضوء، ولا باس أن يوقد بها على طوب أو حجارة للجير، ولا أرى أن تُشترى عظام الميتة ولا تباع، ولا أنياب الفيل، ولا يتجر بها ولا يتمشط بأمشاطها ولا يدهن بمداهنها.
2614 - وإن ابتعت صبرة على أن فيها مائة أردب بثمن نقدته جاز، وكأنك ابتعت مائة من تلك الصبرة، فإن نقصت عنها يسيراً أو وجدت أكثر المائة لزمك ما أصبت بحصته من الثمن، ولم يكن لواحد منكما في ذلك خيار.
وإن نقصت كثيراً فأنت مخير في أخذ ما أصبت بحصته من الثمن أو رده.

وإن أمرته أن يكيلها لك في غرائرك أو في غرائره، وأمرته أن يدفعها وفارقته فزعم أنه فعل وأنها ضاعت، فإن صدقته في الكيل أو قامت بذلك بيّنة صُدِّق في الضياع، وإن لم تصدقه في الكيل أو قلت له: قد اكتلتها، ولكنك إنما وجدت فيها عشرين أو ثلاثين ولم تقم له بينة، لم يلزمك شيء، ولا ما أقررت به من هذه التسمية، لأنك كنت مخيراً لكثرة النقص في الرضا بما أصبت أو تركه، فهلك قبل أن يلزمك.
2615 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يجمع رجلان سلعتيهما في البيع فيبيعانهما بثمن يسميانه، لأن كل واحد لا يدري بم باع، ولا بم يطالب في الاستحقاق إلا بعد القيمة، وكذلك إن أكرى هذا عبده وهذا داره في صفقة هكذا، وأجازه كله أشهب، وقد كان ابن القاسم يجيزه.
وإن باعاهما على أن أحدهما بالآخر حميل لم يجز، وكأنه ابتاع من المليء على أن تحمل له بالعديم، كمن ابتاع منك سلعة على أن تحملت له بمال، فهذا لا يجوز.
2616 - ومن باع أو أقرض على أن يأخذ فلاناً حميلاً جاز إن رضي فلان وكان بحضرتهما أو قريب الغيبة، وإن كان بعد الغيبة، فالبيع فاسد، وإن كان قريباً ولم يرض لم يلزم بيع ولا قرض إلا أن يرضى الدافع بتركه، أو يرضيا جميعاً بحميل غيره.
ولو كان ذلك خلعاً أو صلحاً على مال من دم عمد فامتنع الكفيل فالزوجة في عصمته وهو على حقه في الدم، وأما النكاح على هذا فلا يجوز إذ لا خيار فيه.
ولا يجوز على [أنه] إن لم يأت بالمهر إلى أجل كذا وإلا فلا نكاح بينهما، وأما البيع على هذا فأمضيه وأبطل الشرط.

2617 - وإن بعته سلعة على أن يرهنك عبده الغائب جاز، كما لو بعتها به، وتوقف السلعة الحاضرة حتى يقبض العبد الرهن الغائب، وإن هلك العبد في غيبته فليس للمبتاع أن يرهنك سواه ليلزمك البيع ولك رده إلا أن تشاء، كما ليس له أن يبدل ما رهنك بغيره، ولأنك إنما بعته على أن يسلم إليك رهناً بعينه، فهو ما لم يصل إليك لا يكون رهناً وأنت مخير، وإذ لو فلس صاحب العبد الرهن والعبد غائب لم يكن لك قبضه ولا تكون أحق به وتكون [في العبد] أسوة الغرماء، لأنه رهن غير مقبوض، وأما إن هلك الرهن بيدك بعد أن قبضته فلا يكون لك سواه ولا رد البيع ولا استعجال الثمن، لأن هذا بيع قد تم عقده قبل هلاك الرهن.(1)
وإن بعته على حميل لم تسمياه أو رهن لم تصفاه جاز، وعليه الثقة من رهن أو حميل.
وإن سميتما الرهن أُجبر على أن يدفعه إليك إن امتنع، وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض.
وكذلك إن تكلفت له على أن يعطيك عبده رهناً فإن امتنع من دفعه إليك جبر.
2618 - ومن ابتاع ثياباً فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به، وباعها برقومها ولم يقل: قامت علي بذلك، فقد شدد مالك في الكراهية واتقى فيه وجه الخلابة.
2619 - قال مالك: ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام، وقال في موضع آخر: في عشرة أيام، فلا بيع بينهما، فلا يعجبني أن يعقد البيع على هذا، وكأنه زاده في الثمن على أنه إن نقد [الثمن] إلى ذلك الأجل فهي له، وإلا فلا شيء له، فهذا من الغرر والمخاطرة، فإن نزل جاز البيع وبطل الشرط وغرم الثمن الذي اشترى به، ولكني أجعل هلاك السلعة وإن كانت حيواناً من البائع حتى يقبضها المبتاع، بخلاف البيع الصحيح يحبسها البائع بالثمن، تلك هلاكها من المبتاع بعد عقده البيع.
2620 - وبيع المريض من ولده بغير محاباة جائز، وكذلك في وصيته أن يبتاع عبد ابنه فيعتق، إلا أنه لا يزاد على قيمته.
__________
(1) انظر: منح الجليل (5/357)، والتقييد (4/34).

2621 - وإذا حاضت الجارية فصنيع [أبيها] في مالها وبيعه وشراؤه جائز، لأن حوزه لها حوز، ولا يجوز لها قضاء في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف [الرشد] من حالها.
2622 - ومن باع أمة ولها ولد حر رضيع وشرط عليهم رضاعه ونفقته سنة، فذلك جائز إذا كان إن كان الصبي ارضعوا له آخر.
2623 - ومن باع شاة على أنها حامل لم يجز، وكأنه أخذ لجنينها ثمناً حين باعها بشرط أنها حامل.
* * *

(كتاب بيع الخيار)
2624 - وبيع الخيار جائز، [وذلك أن يقول الرجل: أشتري منك هذا الشيء وأنا عليك فيه بالخيار إلى وقت كذا].
فأما الثوب [فيجوز فيه] اليوم واليومان وشبه ذلك، [وما كان أكثر من هذا فلا خير فيه]، والجارية مثل الخمسة أيام والجمعة وشبه ذلك، لاختبار حالها وعملها، والدابة تُركب اليوم وشبهه، ولا باس أن يشترط أن يسير عليها البريد ونحوه ما لم يتباعد، قال غيره: والبريدين يختبر سيرها، والدار الشهر ونحوه، وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه، لأنه غرر لا يدري ما تصير إليه السلعة عند الأجل، ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه. قال: وقد يزيده المبتاع في ثمن السلعة لتكون في ضمانه إلى بعيد الأجل فذلك غرر. وقد كره مالك اشتراء سلعة بعينها إلى أجل بعيد بغير اشتراط نقد، والنقد فيما بعد من أجل الخيار أو قرب لا يحل [بشرط].
وإن كان بيع الخيار بغير شرط النقد فلا بأس بالنقد فيه، والبائع والمشتري في اشتراط الخيار سواء. قال غيره: ولا يشترط لبس الثوب، لأنه لا يختبر باللبس كما تختبر الدابة بالركوب والعبد بالاستخدام. قال ابن القاسم: ومن اشترى شيئاً من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون في هذه الأشياء غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأيهم، فلهم من الخيار في ذلك بقدر حاجة الناس مما لا يقع فيه تغير ولا فساد.(1)
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/413)، ومنح الجليل (5/112)، والتقييد (4/41).

قال سحنون: من غير أن يغيب المبتاع على ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون فيصير تارة سلفاً وتارة بيعاً، لأنك لو بعت ذلك من رجل فغاب عليه ثم أقلته من بعضه وأخذت ثمن ما بقي كان بيعاً وسلفاً، بخلاف إقالتك من أحد عبدين و ثوبين، فذلك جائز فيما يعرف بعينه، ولو بعت العبدين بثمن إلى أجل على أن يرد عليك أحدهما عند الأجل بنصف الثمن على ما هو به يومئذ من نماء أو نقص لجاز، لأنه [إنما] اشترى أحدهما واستأجر الآخر إلى ذلك الأجل بالثمن الذي يبقى عليه، فذلك جائز، لأن كل ما يُعرف بعينه وينتفع به بغير إتلافه تجوز إجارته.
2625 - [ولا تجوز إجارة ما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام ونحوه، ولا كل ما ينتفع به إلا بإتلافه إما لأكل أو غيره].
2626 - قال ابن القاسم: ومن جُنّ فأطبق في أيام الخيار والخيار له، فالسلطان ينظر له في الأخذ أو الرد، أو يوكل بذلك من رأى من ورثته أو غيرهم، وينظر في ماله وينفق منه على عياله كما ينظر في مال المفقود، ويتلوم للمجنون سنة وينفق على امرأته في التلوم، فإن برئ وإلا فُرّق بينهما، والأجذم البين جذامه يفرق بينه وبين امرأته، وأما الأبرص فلا.
والخيار يورث عن الميت فيكون لورثته فيه ما كان له. وقد جعل مالك تأخير الورثة يبرئ الغريم الذي حلف للميت لأقضينك حقك إلا أن تؤخرني، وتمامها في كتاب النذور.
2627 - قال مالك: ومن تزوج امرأة وشرطت عليه في [العقد] أنه إن نكح أو تسرر أو خرج بها من بلدها فأمرها بيد أمها، ثم ماتت الأم، فإن كانت أوصت بما كان لها من ذلك إلى أحد فذلك إليه، قال ابن القاسم: وإن لم توصِ فكأني رأيت مالكاً رأى ذلك للابنة أو قال ذلك لها ولم أتثبته منه.

وروى علي عن مالك: أن ذلك لا يكون بيد أحد غير من جعله الزوج بيده، لأنه يقول لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده لنظره وقلة عجلته. قال ابن القاسم: وإن أوصت الأم إلى رجل ولم تذكر ما كان لها في ابنتها لم يكن للوصي ولا للابنة شيء من ذلك.
2621 - قال أشهب: وإذا ورث قوم خياراً فاختلفوا، فقال بعضهم: أجيز البيع، وقال بعضهم: بل أنقضه، فليس لهم إلا أن يأخذوا جميعاً أو يردوا جميعاً، وهذا النظر، لأن الذي ورثوا ذلك عنه لم تكن له إجازة بعض ذلك ورد بعضه، فكذلك هم، واستحسن لمن أجاز منهم أن يأخذ مصابة مَنْ لم يُجز إن شاء، فإن أبى رددنا الجميع إلا أن يسلم [له الباقي] من البائع [أو من المبتاع] أخذ حصته فلا يكون له عليه إلا ذلك، وكذلك إن أصابا عيباً [فيما ابتاع وليهما بغير خيار، أو مشتريان أصابا عيباً] فرضيه واحد ورد الآخر على ما ذكرنا ليس ذلك لهما، إلا أن يردا أو يحبسا إلا أن يشاء المتمسك أن يأخذ جميعها فذلك له، فإن أبى فللبائع أن يقبل مصابة الراد منهما.
وإن كان الورثة صغاراً ينظر لهم الوصي بالاجتهاد بلا محاباة في الرد والإجازة، [فإن لم يكن وصي فالسلطان يلي النظر أو يجعل ناظراً يجتهد بلا محاباة]، فإن كان [لهم] وصي ومعه من الورثة كبير لا وصي عليه، فهما في ذلك كاختلاف الورثة.
وإن كان الورثة كلهم أصاغر ولهم وصيّان، فما اجتمعا عليه من رد أو إجازة بوجه الاجتهاد بغير محاباة فهو جائز، وإن اختلفا نظر في ذلك السلطان فيمضي قول أصوبهما، بخلاف الورثة، لأن الوصيين لا يحكمان في مال غيرهما، فإن كان مع الوصيين وارث كبير يلي نفسه فيما اجتمعوا عليه من رد أو إجازة بالاجتهاد من غير [محاباة] جاز.

2629 - وإن قال الوارث: أنا أرد، وتماسك الوصيان، أو تماسك الوارث ورد الوصيان فذلك كاختلاف الورثة، وإن أراد الوارث الذي يلي نفسه الرد وأحد الوصيين معه، نظر السلطان في ذلك فمن رآه مصيباً كلف صاحبه الرد معه، أو الأخذ، ثم لا بد لهما من أن يردا أو يأخذا الجميع إلا أن يشاء البائع أو المشتري أن يدعها ويأخذ مصابة الذين يلونهم من الورثة فذلك له، وليس للوصيين [عليه] أن يأخذا منه مصابة الوارث الذي اختار الرد.
وكذلك إن أراد الوارث وأحد الوصيين الأخذ، فالسلطان ينظر في ذلك كما وصفنا.
2630 - قال ابن القاسم: وإن أحاط الدين بمال الميت واختار غرماؤه أخذاً أو رداً وذلك أوفر لتركته وارد لقضاء دينه، فذلك [لهم] دون ورثته، فإن ردوا لم يكن للورثة الأخذ إلا أن يؤدوا الثمن من أموالهم دون [مال] الميت.
2631 - ومن أغمي عليه في أيام الخيار انتظرت إفاقته، ثم هو على خياره، إلا أن يطول إغماؤه أياماً فينظر السلطان، فإن رأى ضرراً فسخ البيع، وليس له أن يمضيه بخلاف الصبي والمجنون، وإنما الإغماء مرض.
2632 - ومن اشترى سلعة من رجل ثم جعل أحدهما لصاحبه الخيار بعد تمام البيع، فذلك يلزمهما إذا كان يجوز في مثله الخيار، وهو بيع مؤتنف بمنزلة بيع المشتري لها من غير البائع، وما أصاب السلعة في أيام الخيار فهو من المشتري لأنه صار بائعاً.
2633 - وإذا ابتاع المكاتب شيئاً بالخيار ثلاثاً فعجز في الثلاث، فلسيده من الخيار ما كان له، قيل: فمن اشترى سلعة على أن فلاناً بالخيار أياماً أيجوز هذا البيع؟ قال: قال مالك في الرجل يبتاع السلعة ويشترط البائع إن رضي فلان البيع: جاز. فلا بأس به، وإن رضي البائع أو رضي فلان [البيع] فالبيع جائز، فهذا يدلك على مسألتك.
2634 - ولا بأس أن يشتري سلعة لفلان على أن يختار فلان، أو يشتري لنفسه على رضى فلان، أو على أن فلاناً بالخيار، ثم ليس للمبتاع رد أو إجازة دون خيار من اشترط.

2635 - ولو ابتاع على أن يستشير فلاناً جاز، وله أن يخالفه إلى رد أو إجازة، ولا يمنعه البائع، وإنما يجوز البيع على مشورة فلان أو رضاه إذا كان قريباً، ولو استثنى مشورة رجل ببلد بعيد فسد البيع.
ولو ترك المبتاع مشورة فلان الغائب مجيزاً للبيع لم يجز لوقوعه فاسداً. وإذا كان الخيار للمتبايعين [جميعاً] لم يتم البيع إلا باجتماعهما على الإجازة.
وإذا اشترى رجلان سلعة بالخيار فلمن شاء منهما أن يأخذ أو يرد، ولا خيار في ذلك لصاحب السلعة، لأنه لا يتبع ذمة كل واحد منهما لو فلس إلا بحصته من الثمن.
وإذا اختار من له الخيار من المتبايعين رداً أو إجازة وصاحبه غائب وأشهد على ذلك جاز على الغائب.
2636 - والذي له الخيار من المتبايعين إذا وهب أو دبر أو كاتب أو أجر أو أعتق أو [رهن] أو تصدق أو وطئ أو قبّل أو باشر، فذلك من المبتاع رضى بالبيع ومن البائع رد له، وإن كان [الخيار] للمبتاع في الدابة فهلبها أو ودجها أو عربها أو سافر عليها فهو رضىً وتلزمه الدابة، إلا أن يركبها شيئاً خفيفاً في حاجة له ليختبرها، فيكون على خياره.
وكذلك من اشترى دابة فوجد بها عيباً ثم تسوق بها أو اشترى ثوباً بالخيار فاطلع على عيب به ثم لبسه بعد ذلك، فذلك قطع لخياره ورضىً منه، وإن كان الخيار للمبتاع في الجارية فجردها في أيام الخيار ونظر إليها فليس ذلك برضى، وقد تجرد للتقليب إلا أن يقر أنه فعل ذلك تلذذاً فهو رضى.
ونظر المبتاع إلى فرج المرأة رضىً، لأن الفرج لا يجرد في الشراء ولا ينظر إليه إلا النساء ومن يحل له الفرج.
2637 - وإن زوج المشتري الأمة، أو زوج العبد، أو ضربه، أو جعله في صناعة، أو في الكتاب، أو ساوم بهذه الأشياء للبيع، أو أكرى الدواب والرباع، وهذا كله في أيام الخيار فذلك رضى وقطع لخياره، وإن جنى على العبد عمداً فذلك رضى، وله رده في الخطأ، وما نقصه.
والدابة مثله إن جنى عليها عمداً، فذلك رضى وله ردها في الخطأ وما نقص من ثمنها.

وإن كان عيباً مفسداً ضمن الثمن [كله]. ولم ير أشهب الإجارة والرهن والسوم والجنابة، وإسلامه العبد للصناعة، وتزويجه [العبد] رضى، بعد أن يحلف - في الرهن والإجارة وتزويج العبد - ما كان ذلك منه رضى [بالبيع]، وروى علي عن مالك في البيع أنه لا ينبغي أن يبيع حتى يختار، فإن باع فإن بيعه ليس باختيار، ورب السلعة بالخيار إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع.
2638 - ومن اشترى من رجل عبداً بعبد بالخيار وتقابضا، فمصيبة كل عبد في الخيار من بائعه.
ومن ابتاع دابة بالخيار على أن ينقد ثمنها فنقد، ثم ماتت الدابة في أيام الخيار [فمصيبتها من البائع ويرد الثمن.
2639 - وإن كان الخيار للمبتاع في أمة فأعتقها البائع في أيام الخيار] فعتقه موقوف، فإن رد المبتاع البيع [لزم [البائع] عتقه ذلك، كمن أخدم أو أجّر أمته سنة، ثم أعتقها، فعتقه موقوف، فإذا تمت السنة أعتق بغير إحداث عتق].
2640 - ومن اشترى ثياباً أو رقيقاً أو غنماً على أنه بالخيار إذا نظرها، فنظر إليها وصمت حتى رأى آخرها فلم يرضها، فذلك له.
ولو كانت حنطة فنظر إلى بعضها فرضيه ثم نظر إلى ما بقي فلم يرضه، فإن كان الذي لم يرضه على صفة ما رضي لزمه الجميع لتساويه، لأن الصفة واحدة، وإن خرج آخر الحنطة مخالفاً لأولها لم يلزم المشتري من ذلك شيء، وله رد الجميع إن كان الاختلاف كثيراً، وليس للمبتاع أن يقبل ما رضي بحصته من الثمن ويرد ما خرج مخالفاً إلا أن يرضى البائع، ولا للبائع أن يلزمه ذلك إذا أبى المبتاع وكان الاختلاف كثيراً، وكذلك جميع ما يوزن أو يكال.
2641 - وإذ ماتت الجارية أو أصابها عيب في أيام الخيار أو في عهدت [الثلاث] أو في المواضعة وقد قبضها المبتاع أو لم يقبضها والخيار للبائع أو للمبتاع، فذلك كله من البائع، ويخير المبتاع بين أخذها معيبة بجميع الثمن أو ردها.(1)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (10/184).

وكذلك إن ظهر المبتاع [على] عيب كان بها عند البائع، بعد أن حدث [بها عيب] في أيام الخيار، [فإنما له أن يأخذها معيبة بجميع الثمن، أو يردها، وليس له في ذلك أن يحبسها ويرجع بحصة العيب [من أجل العيب الذي في أيام الخيار]، لأنه علمه وهي في ضمان البائع، فكأنه عليه اشترى.
وإن حدث بالجارية عيب في أيام الخيار، ثم أصابها عند المبتاع بعدما قبضها وخرجت من الاستبراء عيب آخر مفسد، ثم ظهر على عيب دلّسه البائع، فإن أراد أن يحبسها ويرجع بحصة عيب التدليس، نظر إلى قيمتها يوم الصفقة بالعيب الذي حدث في أيام الخيار بغير عيب التدليس وقيمتها بعيب التدليس [يومئذ] أيضاً فيقسم الثمن على ذلك ويطرح منه حصة عيب التدليس، فإن أراد أن يرد نظر إلى العيب الذي حدث عنده، كم ينقص منها يوم قبضها فيرد ذلك معها، ولا ينظر إلى العيب الذي حدث في أيام الخيار [في شيء من ذلك]. وانخساف البئر في أمد الخيار من البائع.
2642 - وإذا جنى على الأمة في أيام الخيار أجنبي، فقطع يدها، أو أصابها ذلك من أمر الله فللمبتاع ردها ولا شيء عليه، وللبائع طلب الجاني، أو يأخذها معيبة بجميع الثمن والأرش للبائع، وما وهب لها أو تصدق به عليها في أيام الخيار فللبائع، وعليه نفقتها في [أيام] الخيار.
2643 - ولو تلف مال العبد في عهدة الثلاث وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد، ولا يرجع بشيء.
ولو هلك العبد في الثلاث انتقض البيع، وعلى المبتاع رد ماله وليس له التمسك بالمال ودفع الثمن.
ولو حدث بالعبد في الثلاث عيب مفسد فإما رده المبتاع بماله على البائع، أو حبسه بماله بجميع الثمن، والأرش للبائع، ولا يرجع المبتاع على البائع بحصة العيب الذي أصابه في العهدة، لأن مصيبته في العهدة من البائع، وعليه عقل جنايته في أيام العهدة.

2644 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت الأمة في أيام الخيار، كان ولدها معها في إمضاء البيع أو رده لمن له الخيار بالثمن المشترط، ولا شيء على المبتاع من نقص الولادة إن ردها، قال أشهب: الولد للبائع، فإن اختار المشتري البيع وقبض الأم، قيل لهما: [إما أن يضم المشتري الولد، أو يأخذ البائع الأم]، فيجتمعان جميعاً في حوز أحدكما، وإلا نقض البيع.
وإن قتل العبد رجلاً في أيام الخيار فللمبتاع رده.
2645 - ومن اشترى ثوبين في صفقة بالخيار فضاعا بيده في أيام الخيار، لم يصدق ولزماه بالثمن كان أكثر القيمة أو أقل. وإن ضاع أحدهما لزمه بحصته من الثمن.
ولو كان المبتاع إنما أخذ الثوبين ليختار أحدهما بعشرة [دراهم] فضاعا، لم يضمن إلا ثمن أحدهما وهو في الآخر مؤتمن، فإن ضاع أحدهما ضمن نصف ثمن التالف، ثم له أخذ الثوب الباقي [أو رده].
وكذلك الذي يسأل رجلاً ديناراً فيعطيه ثلاثة دنانير ليختار أحدهما فيزعم أنه تلف منها دينار فإنه يكون شريكاً، قال أشهب: فإن كان موضع الثوبين في البيع بدان فالهالك من البائع، وللمبتاع أخذ الباقي بالثمن أو رده، قال ابن القاسم: وللمبتاع أن يأخذ أحد الثوبين بالثمن الذي سمياه فيما قرب من أيام الخيار، فإن مضت أيام الخيار وتباعدت فليس له اختيار أحدهما، وينتقض البيع إلا أن يكون قد أشهد أنه اختار في أيام الخيار أو فيما قرب منها، وله اختيار أحدهما بغير محضر البائع، فإن اختاره ببينة أشهدهم عليه بقول أو قطع أو بيع أو رهن أو ما يلزمه [به] من الأحداث [و]كان في الباقي أميناً إن هلك فمن بائعه.

2646 - وإذا انعقد البيع باللفظ فلا خيار لواحد من المتبايعين إلا أن يشترطا. وحديث ابن عمر: "المتبايعان بالخيار كل واحد منهما على صاحبه ما لم يفترقا"(1)، إلا بيع الخيار. قال فيه مالك: ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه.
2647 - وإذا اختلف المتبايعان في الثمن قيل للبائع: إما أن تصدق المشتري أو فاحلف بالله أنك ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف قيل للمبتاع: إما أن تأخذ بما قال البائع وإلا فاحلف ما اشتريت إلا بما قلت وتبرأ. قال شريح: إذا حلفا أو نكلا ترادا، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر لزمه البيع.
2648 - ولا يجوز في الصرف خيار وإن قرب، وإن عقدا عليه لم يجز [و]إن أسقطا الخيار قبل التفرق، إلا أن يستقبلا صرفاً جديداً.
ولا تجوز فيه حوالة ولا كفالة ولا شرط ولا رهن إلا المناجزة.
2649 - ولا بأس بالخيار في السلم إلى أمد قريب يجوز تأخير [النقد] إلى مثله، كيومين أو ثلاثة إذا لم يقدم رأس المال، فإن قدمه كرهت ذلك، لأنه يدخله [سلف] وبيع، وسلف جرّ منفعة.(2) وإن تباعد أجل الخيار كشهر أو شهرين لم يجز، قدم النقد أم لا.
ولا يجوز الخيار إلى هذا الأجل في شيء من البيوع، فإن عقد البيع على ذلك ثم ترك الخيار مشترطه قبل التفرق لم يجز لفساد العقدة.
2650 - ومن اشترى ثوبين أو عبدين على أن يختار أحدهما بألف درهم، فذلك له لازم فلا بأس بهز
__________
(1) رواه البخاري (2001)، ومسلم (3831)، وأبو داود (3/273)، والنسائي (7/248، 251)، وانظر: السيل الجرار (3/27، 94، 101)، وكفاية الطالب (2/200)، والتمهيد (14/8)، والثمر الداني (1/503)، ونيل الأوطار (5/289)، وتلخيص الجيد (3/13).
(2) انظر: التاج والإكليل (4/515)، ومواهب الجليل (4/515).

وأما إن اختلف الثمن فقال: هذا بخمسة وهذا بعشرة، أو قال: هذا بدينار وهذا بشاة، فإن كان على الإلزام لأحدهما لم يجز، وهو من بيعتين في بيعة وإن لم يكن على الإلزام، ولكن لكل واحد [منهما] من الرد والأخذ مثل ما للآخر فجائز.
وأجاز ابن أبي سلمة شراء هذا الثوب بسبعة وهذا بخمسة، يختار أحدهما على الإلزام إذا كان الوزن واحداً، فإن كانت الدراهم مختلفة الوزن، هذه تنقص وهذه وازنة، لم يجز عند مالك ولا [عند] ابن أبي سلمة، وبيعتان في بيعة بيعك سلعة بدينار نقداً أو بدينارين إلى أجل قد لزم المتبايعين أو أحدهما أحد الثمنين، ومكروه ذلك كأنه وجب عليك بدينار نقداً فأخرته وجعلته بدينارين إلى أجل، أو وجب عليك بدينارين إلى أجل فعجلتها بدينار نقداً.
2651 - ومن اشترى هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، أو اشترى هذه الغنم كل شاة بدرهم على أنه بالخيار ثلاثاً، فليس له أخذ بعض دون بعض إلا برضى البائع، إذ هي صفقة واحدة. قيل: فمن أخذ سلعة من رجل بمائة دينار إن رضيها، أو على أن يريها، فماتت أو تلفت قبل أن يرضاها أو يريها [فممن ضمانها؟] قال: قال مالك: ضمان ما بيع على خيار مما لا يغاب عليه، أو مما ثبت هلاكه مما يغاب عليه من البائع، وإن قبضه المبتاع، وما لم يثبت هلاكه مما يغاب عليه فالمبتاع يضمنه ويلزمه الثمن، وكذلك إن وقع بيع الخيار فاسداً باشتراط النقد، كان ما هلك في الخيار من البائع وإن قبضه المبتاع فيما لا يغاب عليه، كالبيع الصحيح، ويرد ما انتقد سواء كان الخيار للبائع أو للمبتاع.
2652 - وكل ما بيع على خيار فلا يجوز اشتراط النقد فيه، قرب الأجل أو بعد، واشتراط ذلك يفسد البيع، لأن ذلك يصير تارة بيعاً وتارة سلفاً.
وإن سلم العقد من اشتراطه جاز التطوع بالنقد بعد صحة العقد.

2653 - وإن اشترى سلعة بالخيار على أن ينقد ثمنها، فأصاب السلعة عيب في أيام الخيار، [فعلم به] ورضيه، وحدث بها أيضاً بعد أيام الخيار بعد أن قبضها عيب مفسد، واطلع على عيب دلسه البائع، فإنه إن شاء حبسها ويوضع عنه قدر عيب التدليس من قيمتها يوم قبضها، لأنه بيع فاسد وجبت فيه قيمة فصارت كالثمن، وبطل الثمن الأول، كان أقل من القيمة أو أكثر، وإن شاء ردها وما نقصها العيب الحادث عنده من قيمتها يوم قبضها.
ولو لم يحدث عنده عيب مفسد ولكن تغيرت عنده في سوق أو بدن، فله ردها بالعيب، إذ حوالة الأسواق لا تفيت الرد بالعيب، وله حبسها بقيمتها يوم قبضها.
2654 - [ومن اشترى شيئاً على خيار مما يغاب عليه أم لا، ثم رده في أيام الخيار، فقال البائع: ليس هو هذا، [وقال المبتاع: هو هذا]، فالمبتاع مصدق مع يمينه، وكذلك من قضى لرجل دنانير من دين ليقلب وينظر، ثم ردها إلى الدافع، فالقول قول الراد مع يمينه].
2655 - ومن اشترى حيواناً أو رقيقاً بالخيار، فقبضها ثم ادعى إباق الرقيق وانفلات الدواب، أو أن ذلك سُرق منه وهو بموضع لا يجهل لم يكلف بينة، وصدق مع يمينه ولا شيء عليه، لأن هذا لا يغاب عليه إلا أن يأتي بما يدل على كذبه.
2656 - وإن ادعى موتاً وهو بموضع لا يخفى [ذلك فيه]، سئل عنه أهل ذلك الموضع، لأن الموت لا يخفى عليهم، ولا يقبل إلا العدول، فإن تبين كذبه أو لم يعلم ذلك بالموضع أحد، فهو ضامن، وإن لم يعرف كذبه صدق مع يمينه، وأما إن ادعى هلاك ما يغاب عليه في أيام الخيار فهو ضامن، ولا يصدق إلا ببينة أنه هلك بغير تفريط، أو بأمر ظاهر من أخذ لصوص له، أو غرق مركب كانوا فيه وقد عاينوا غرقه فيه، أو احتراق [منزل] وقد رأوا الثوب في النار، فإذا شهدت بينة بهذا كان من البائع، وكذلك إن ثبت هذا في الرهن والعارية، والضياع كان من ربه.
ومسألة من باع سلعة ثم تبرأ بعد البيع من عيب، مذكورة في كتاب التدليس.

2657 - ومن اشترى سلعة أو ثوباً على أنه بالخيار يومين أو ثلاثة فلم يختر حتى مضت أيام الخيار ثم أراد الرد، والسلعة في يديه، أو أراد أخذها وهي بيد البائع، فإن كان [بعيداً] من أيام الخيار فليس له ردها من يده، ولا أخذها من يد البائع، وتلزم من هي بيده من بائع أو مبتاع، ولا خيار للآخر فيها، وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار، أو كان كالغد، أو قرب ذلك، فذلك له، واحتج بالتلوم للمكاتب بعد الأجل.
ولو شرطا إن لم يأت المبتاع بالثوب قبل مغيب الشمس من آخر أيام الخيار لزم البيع، لم يجز هذا البيع، أرأيت إن مرض المبتاع أو حبسه سلطان، [أكان يلزم البيع؟].
2658 - ومن ابتاع شيئاً بالخيار لم يضرب له أمداً، جاز البيع وضرب له من الأجل ما ينبغي في مثل تلك السلعة.
2659 - ولا بأس بشراء ثوب من ثوبين يختاره بثمن كذا، أو خمسين من مائة إن كانت جنساً واحداً، وذكر صفتها وطولها وعرضها، وإن اختلفت القيم بعد أن تكون كلها مَرَويّة أو هَرَويّة، فإن اختلفت الأجناس لم يجز، لأنه خطر، حتى يسمي ما يختار من كل جنس منها من ثوب، فيجوز.
وكذلك إن اجتمع حرير وخز وصوف، أو إبل وبقر وغنم، لم يجز إلا على ما ذكرنا.
2660 - وكل شيء ابتعته من سائر العروض والماشية عدا الطعام على أن يختار منه عدداً يقلّ أو يكثر بثمن مسمى، فذلك جائز في الجنس الواحد، وكذلك على أن يختار تسعاً وتسعين شاة من مائة، ويرد شاة على البائع.
ويجوز أيضاً أن يستثني البائع لنفسه خيار شاة من مائة أو ما يقل عدده، فأما أن يستثني البائع خيار أكثر العدد كتسعين من مائة أو ما يكثر عدده، لم يجز.
وما لم يذكر البائع خياره فيما يستثنيه من العدد، أو المبتاع فيما يشتريه مما قل أو كثر، فذلك جائز، ويكون به في الجميع شريكاً.

2661 - وأما الطعام فلا يجوز أن يشتري منه على أن يختار من صُبر مصبرة، أو من نخل أو شجر مثمر عدداً يسميه، اتفق الجنس أو اختلف، أو كذا أو كذا عذقاً من هذه النخلة يختاره المبتاع، ويدخله التفاضل في بيع الطعام من صنف واحد مع بيعه قبل قبضه إن كان على الكيل، لأنه يدع هذه وقد ملك اختيارها، ويأخذ هذه، وبينهما فضل في الكيل، ولا يجوز فيه التفاضل.(1)
وكذلك إن اشترى منه عشرة آصع محمولة بدينار أو تسعة سمراء على الإلزام لم يجز، ودخله ما ذكرنا، وبيعه قبل قبضه، وكذلك هذه الغنم عشرة بدينار أو هذا التمر عشرة [آصع] بدينار إلزاماً، ويدخله بيعه قبل قبضه وهو من بيعتين في بيعة.(2)
2662 - وكذلك إن ابتاع ثمر أربع نخلات من حائط رجل، على أن يختارها المبتاع، لم يجز، ولو ابتاعها بأصولها [بغير ثمر] جاز ذلك كالعروض، وأما الثمرة فلا وليس كالبائع لأصل حائط يستثنى منه خيار أربع نخلات أو خمس، فهذا قد أجازه مالك بعد أن وقف فيه نحو أربعين ليلة، وجعله كمن باع غنمه على أن يختار منها البائع أربعاً أو خمساً. قال ابن القاسم: لا يعجبني ذلك ولا أحب لأحد أن يدخل فيه، فإن وقع أجزته لقول مالك فيه: ولا باس به في الكباش، لجواز التفاضل فيها، بخلاف الثمر، ولو لم يشترط البائع أن يختار جاز البيع، وكان شريكاً بجزء العدد الذي سمي في ثمر كل نخلة.
وكذلك إن استثنى البائع ثمر عشر نخلات غير معينة ولم يذكر خيارها، فإن كانت مائة [نخلة] كان شريكاً بالعشرة.
2663 - [ومن ابتاع سلعة على أنه بالخيار، ولم يجعل للخيار وقتاً، جاز، ويجعل له الخيار في مثل ما يكون في مثل تلك السلعة].
* * *

(كتاب المرابحة)
__________
(1) انظر: التقييد (4/53).
(2) انظر: منح الجليل (5/39).

2664 - ومن اشترى بزاً من بلد، فحمله إلى بلد آخر، فلا يحسب في راس المال جُعْل السمسار ولا أجر الشد والطي، ولا كراء البيت، ولا نفقة نفسه ذاهباً وراجعاً، كان المال له أو قراضاً، ويحسب كراء المحمولة والنفقة على الرقيق والحيوان في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح، إلا أن يُربحوه في ذلك [بعد العلم]، فيجوز، فإن ضرب الربح على الحمولة ولم يبين ذلك وقد فات المتاع بتغير سوق أو بدن، حسب ذلك في الثمن ولم يحسب له ربح، وإن لم يفت رد البيع، إلا أن يتراضيا على ما يجوز، والصبغ والخياطة والقصارة تحسب في أصل الثمن ويضرب له الربح.(1)
2665 - وتجوز المرابحة للعشرة أحد عشر أو أقل أو أكثر، أو بوضيعة للعشرة أحد عشر، ويقسم الثمن على أحد عشر جزءاً، فيحط عنه جزء منها.
2666 - ومن رقم على متاع ورثه أو اشتراه، فلا يبيعه مرابحة على ما رقم.
2667 - ومن ابتاع أمة بالبراءة من ذهاب ضرس أو عيب، أو حدث بها ذلك عنده، فلا يبيعها مساومة ولا مرابحة حتى يبينه، [قال سحنون: فإن لم يذكر ذلك فهي مسألة تدليس]، ولو ظهر على عيب بها بعد أن ابتاعها فرضيه لم يجزه، ذكره في المرابحة حتى يبين أنه ابتاعها سليمة ثم رأى العيب فرضيه، لأن له ردها إن شاء.
ومن ابتاع حيواناً أو غنماً أو حوائط أو رباعاً فاغتلها وحلب الغنم، فليس عليه أن يبين ذلك في المرابحة، لأن الغلة بالضمان إلا أن يطول الزمان، أو تحول الأسواق، ولا يثبت الحيوان على حال، وأما إن جز صوف الغنم فليبينه كان عليها يوم الشراء أم لا، لأنه إن كان يومئذ تاماً فقد صار له حصة من الثمن، وإن لم يكن تاماً فلم ينبت إلا بعد مدة يتغير فيها.
فإن توالدت الغنم لم يبع مرابحة حتى يبين، ولو باعها بأولادها.
ولو ولدت الأمة عنده لم يبع الأم مرابحة ويحبس الولد، إلا أن يبين.
__________
(1) انظر: المدونة (10/239)، والشرح الكبير (3/161)، والتاج والإكليل (4/490).

ومن ابتاع سلعة أو عروضاً أو حيواناً فحالت أسواقها بزيادة أو نقصان أو تقادم مكثها عنده، فلا يبعها مرابحة حتى يبين، لأن الناس في الطَّريّ أرغب منهم في الذي تقادم مكثه في أيديهم.
2668 - ومن ابتاع سلعة بثمن إلى أجل فليبين ذلك [في المرابحة]، فإن باعها بالنقد ولم يبين فالبيع مردود، وإن قبلها المبتاع بالثمن إلى ذلك الأجل إلا أن يفوت فيأخذ البائع قيمتها يوم قبضها المبتاع، ولا يضرب له الربح على القيمة، فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به فليس له إلا ذلك معجلاً.
ومن ابتاع سلعة بدراهم نقداً، ثم أخر الثمن، أو نقد وحط عنه ما يشبه حطيطة البيع، أو تجاوز عنه درهماً زائفاً، فلا يبع مرابحة حتى يبين ذلك.
2669 - ومن ابتاع سلعة بألف درهم فأعطى فيها مائة دينار أو ما يوزن أو يكال من عرض أو طعام، أو ابتاع بذلك ثم نقد عيناً أو جنساً سواه مما يكال أو يوزن من عرض أو طعام، فليبين ذلك كله في المرابحة، ويضربان الربح على ما أحبا مما عقدا عليه أو ما نقدا إذا وصف ذلك، وكذلك إن نقد في العين ثياباً جاز أن يربح على الثياب إذا وصفها لا على قيمتها، كما أجزنا لمن ابتاع [سلعة] بطعام أو عرض أن يبيع مرابحة عليها إذا وصف.
ولم يجز أشهب المرابحة على عرض أو طعام، لأنه من بيع ما ليس عندك إلى غير أجل السلم.(1)
2670 - قال ابن القاسم: وكل من ابتاع بعين أو بعرض يكال أو يوزن فنقد خلافه من عين أو عرض، مما يكال أو يوزن وباع ولم يبين رد ذلك إلا أن يتماسك المبتاع ببيعه.
وإن فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن أو بوجه من وجوه الفوت، ضرب المشتري الربح على ما نقد البائع على الجزء الذي ربحه في كل مكيل أو موزون، إن كان ذلك خير للمبتاع، وإلا فله التماسك بما عقد به البيع.
2671 - ومن ابتاع سلعة بمائة فنقدها وافترقا ثم وهبت له المائة فله أن يبيع مرابحة.
وإن ابتاع سلعة فوهبها لرجل ثم ورثها عنه فلا يبيعها مرابحة.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/491).

2672 - وإن ورث نصف سلعة ثم ابتاع نصفها فلا يبيع نصفها مرابحة حتى يبين، لأنه إذا لم يبين دخل في ذلك ما ابتاع وما ورث، وإذا بين فإنما يقع البيع على ما ابتاع.
2673 - وما ابتعت من موزون أو مكيل من طعام أو غيره، فلك بيع نصفه أو ما شئت من أجزائه مرابحة، أو بيع عشرة أقفزة من مائة، إن كان ذلك كله غير مختلف.
وإن ابتعت ثوبين بأعيانهما فلا تبع أحدهما مرابحة أو تولية بحصته من الثمن غير مسمى وإن اتفقت الصفة، ولو كانا من سلم جاز ذلك قبل قبضهما أو بعد، إذا اتفقت الصفة ولم تتجاوز عنه فيهما، إذ لو استحق أحدهما لرجعت بمثله، والمعين إنما يرجع بحصته من الثمن.
2674 - وإذا بعت جزءاً شائعاً مرابحة من عروض ابتعتها معينة جاز، كنصف الجميع أو ثلثه، وكذلك الرقيق، لأنه بثمن معلوم.
2675 - وإن بعت رأساً من الرقيق بما يقع عليه من الثمن لم يجز، ولو ابتاع رجلان عروضاً ثم اقتسماها فلا يبع أحدهما حصته مرابحة [حتى يبين، ومن باع سلعة مرابحة، ثم ابتاعها بأقل مما باعها به أو أكثر، فليبع مرابحة] على الثمن الآخر، لأن هذا ملك حادث.(1)
2676 - ومن ابتاع نصف عبد بمائة ثم ابتاع غيره نصفه بمائتين ثم باعاه مرابحة بربح، فلكل واحد منهما ما نقد، والربح بينهما بقدر ذلك، [وإن باعاه بوضيعة من رأس المال، فالوضيعة بينهما بقدر رؤوس أموالهما]. وإن باعاه مساومة فالثمن بينهما نصفان.
2677 - ومن ابتاع سلعة بعشرين ديناراً ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها، لم يبع مرابحة إلا على عشرين، لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله.
وإن اشتركت في سلعة أو وليتها رجلاً، ثم حطك بائعك من الثمن ما يشبه استصلاح البيع، فإنك مجبور أن تضع عن من أشركته خاصة نصف ما حط عنك، ولا يلزمك ذلك فيمن وليته إلا أن تشاء أن تحط عنه ذلك الحطاط فيلزمه البيع، فإن لم تحط شيئاً خُيّر في أخذها بجميع الثمن أو ردها عليك، وكذلك إن بعتها مرابحة.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (10/237).

ولو حطك بائعك جميع الثمن أو نصفه مما يعلم أنه لغير البيع، لم يلزمك أن تحط لمن ذكرنا شيئاً، ولا خيار لهم.(1)
2678 - ومن باع سلعة مرابحة فزاد في الثمن ولم تفت خُيّر المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها، غلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فتلزم المبتاع، فإن فاتت السلعة - ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد - فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها، إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن بالكذب وربحه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه.
ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن فلا فوت فيهان ويرد المبتاع المثل صفةً ومقداراً، وله الرضا بها بجميع الثمن [أورد مثلها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح، فيلزمه].
وروى علي عن مالك [أن السلعة إذا كانت قائمة خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن، أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وربحه فيلزم المبتاع، فإن فاتت بنماء أو نقصان، خير البائع بين أخذ الربح على ثمن الصحة أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح فيلزمه].
وفي رواية عن مالك في فوت السلعة أن البائع مخير بين أخذ الربح على المال، فالوضيعة بينهما بقدر رؤوس أموالهما]. وإن باعاه مساومة فالثمن بينهما نصفان.
2677 - ومن ابتاع سلعة بعشرين ديناراً ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها، لم يبع مرابحة إلا على عشرين، لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله.
وإن اشتركت في سلعة أو وليتها رجلاً، ثم حطك بائعك من الثمن ما يشبه استصلاح البيع، فإنك مجبور أن تضع عن من أشركته خاصة نصف ما حط عنك، ولا يلزمك ذلك فيمن وليته إلا أن تشاء أن تحط عنه ذلك الحطاط فيلزمه البيع، فإن لم تحط شيئاً خُيّر في أخذها بجميع الثمن أو ردها عليك، وكذلك إن بعتها مرابحة.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/492).

ولو حطك بائعك جميع الثمن أو نصفه مما يعلم أنه لغير البيع، لم يلزمك أن تحط لنم ذكرنا شيئاً، ولا خيار لهم.(1)
2678 - ومن باع سلعة مرابحة فزاد في الثمن ولم تفت خُيّر المبتاع بين أخذها بجميع الثمن أو ردها، إلا أن يحط البائع الكذب وربحه، فتلزم المبتاع، فإن فاتت السلعة - ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد - فعلى المبتاع قيمتها يوم قبضها، إلا أن يكون ذلك أكثر من الثمن بالكذب وربحه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل من الثمن الصحيح وما قابله من الربح فلا ينقص منه.
ولو كانت السلعة مما يكال أو يوزن فلا فوت فيها، ويرد المبتاع المثل صفةً ومقداراً، وله الرضا بها بجميع الثمن [أورد مثلها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح، فيلزمه].
وروى علي عن مالك [أن السلعة إذا كانت قائمة خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن، أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وربحه فيلزم المبتاع، فإن فاتت بنماء أو نقصان، خير البائع بين أخذ الربح على ثمن الصحة أو ردها، إلا أن يحط عنه البائع الكذب وما قابله من الربح فيلزمه].
وفي رواية عن مالك في فوت السلعة أن البائع مخير بين أخذ الربح على ثمن الصحة، وإلا فله قيمتها، إلا أن يشاء أن يثبت على ما اشتراها به، فإن أبى فعليه قيمتها يوم ابتاعها، إلا أن يكون أقل أو أكثر على نحو ما ذكر ابن القاسم.
2679 - وقال مالك فيمن باع سلعة مرابحة، وقال: قامت علي بمائة فأربح عشرة، ثم ثبت أنها قامت عليه بعشرين ومائة، فإن لم تفت خُيّر المشتري بين ردها أو يرضب له الربح على عشرين ومائة، وإن فاتت بنماء أو نقص فالمشتري مخير إن شاء لزمته قيمتها يوم التبايع، إلا أن تكون القيمة أقل من عشرة ومائة فلا ينقص منه، أو تكون أكثر من عشرين ومائة وربحها فلا يزاد عليه. قال ابن القاسم: فإن علم المبتاع أن البائع كذبه في الثمن فرضي بذلك لم يبع مرابحة حتى يبين ذلك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/492).

2680 - ومن ابتاع من عبده أو مكاتبه سلعة بغير محاباة فليبع مرابحة ولا يبين. وكذلك في شراء العبد من سيده، [لأن للسيد محاصّة غرماء العبد بما داينه به من غير محاباة]، إذ له أن يطأ بملك يمينه، وإن جنى أسلم بماله.
2681 - ومن ابتاع ثوباً فلبسه، أو دابة فركبها في سفر، فليبين ذلك في بيع المرابحة(1)، ولو كانت أمة فوطئها لم يبين إلا أن تكون عذراء افتضها - وهي ممن ينقصها ذلك - فليبينه، وأما الوخش من [الرقيق] التي ربما كان ذلك أزيد لثمنها، فلا تبيين عليه [في ذلك]، قال غيره: وليس عليه أن يبين ما خفّ من ركوب أو لباس إذا لم يتغير بذلك.
2682 - ومن ابتاع أمة فزوجها لم يبع مرابحة أو مساومة حتى يبين، لأنه عيب [حدث بها].
وإن باع ولم يبين وهي بحالها خُير المبتاع في قبولها بجميع الثمن أوردها، وليس للبائع أن يلزمه إياها على أن يحط عنه قيمة العيب، ولا يفيت رد هذه حوالة الأسواق أو نقص خفيف ولا زيادة، لأنه من معنى الرد بالعيب، بخلاف من اطلع على زيادة في الثمن، فإن فاتت بعتق أو تدبير أو كتابة، فعلى البائع حصة العيب من الثمن بما يقع لذلك من رأس المال وربحه.(2)
* * *

(كتاب الوكالات)(3)
2683 - [قال ابن القاسم:] ومن أمر رجلاً يشتري له سلعة، فاشتراها الوكيل بعد موت الآمر ولم يعلم بموته، أو اشتراها ثم مات الآمر، فذلك لازم للورثة ويؤخذ الثمن من التركة إن لم يكن الوكيل قبضه.
ولو اشترى بعد علمه بموت الآمر لم يلزم الورثة ذلك، وعليه غرم الثمن، وكذلك ما باع بهذا المعنى.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/493).
(2) انظر: منح الجليل (5/276).
(3) انظر: مواهب الجليل (5/211)، والمدونة (10/243)، الكافي لابن عبد البر (1/394)، ومنح الجليل (6/356).

2684 - وإن أمرت رجلاً يسلم لك دراهم دفعتها إليه في طعام ففعل، ثم أتى البائع بدراهم زائفة ليبدلها، وزعم أنها التي قبض، فإن عرفها المأمور لزمت الآمر، أنكرها أم لا، لأنه أمينه، وإن لم يعرفها [المأمور] وقبلها، حلف الآمر أنه لا يعرف أنها من دراهمه، وما أعطاه إلا جياداً في علمه، وبرئ وأبدلها المأمور لقبوله إياها.
وإن لم يقبلها المأمور ولا عرفها حلف المأمور أنه ما أعطاه إلا جياداً في علمه ثم للبائع أن يُحلَّف الآمر أنه ما يعرفها من دراهمه، وما أعطاه إلا جياداً في علمه، ثم تلزم البائع.
2685 - ومن وكلته على بيع سلعة لم يجز له أن يبيعها بدين، وإن باع بالعرض ما يباع بالعين فهو متعد.
وإن باع ولم يشهد على المبتاع فجحده، فإنه ضامن، كالرسول يقول: دفعت البضاعة وينكر المبعوث إليه أنه ضامن، إلا أن تقوم له بينة أنه دفعها إليه.
2686 - ومن أمرته بشراء سلعة فاشتراها معيبة، فإن كان عيباً خفيفاً يغتفر مثله، وقد يكون شراؤها به فرصة لزمتك، وإن كان عيباً مفسداً لم يلزمك إلا أن تشاء، وهي لازمة للمأمور.
وإن أمرته بشراء عبد فابتاع من يعتق عليك غير عالم، لزمك وعتق عليك، وإن كان عالماً لم يلزمك.
2687 - وإن باع الوكيل أو ابتاع بما لا يشبه من الثمن أو بما لا يتغابن الناس بمثله لم يلزمك، كبيعه الأمة ذات الثمن الكثير بخمسة دنانير ونحوها، ويرد ذلك [كله] ما لم يفت فيلزم الوكيل القيمة، وإن باع بما يشبه جاز بيعه.
وإن أمرته بشراء سلعة بعينها فابتاعها بألف درهم، وهي بثمانمائة، لم تلزمك إلا أن تشاء، وهي لازمة له، ولو كان شيئاً يتغابن الناس بمثله لزمك.
ولا بأس أن تأمره يبتاع لك عبد فلان بطعامه هذا أو بثوبه هذا، وذلك قرض وعليك المثل فيهما، ومن أمرته يشتري لك برذوناً بعشرة دنانير فابتاعه بخمسة، فإن كان على الصفة لزمك وإلا فلا، [وإن ابتاعه بعشرين] فأنت مخير في أخذه بالعشرين أو رده، فيلزم الوكيل ويضمن لك الثمن.

ولو زاد يسيراً مما يزاد في مثل الثمن لزمتك الزيادة، كالدينارين والثلاثة في المائة، وكالدينار والدينارين في الأربعين.
2688 - وإن باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال: بذلك أمرني ربها، وقال الآمر: ما أمرتك إلا باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر وأخذها، وإن فاتت حلف المأمور وبرئ ما لم يبع ما يستنكر.
وإن دفعت إليه ألف درهم فاشترى بها ثوباً أو تمراً وقال: بذلك أمرتني، وقلت له: ما أمرتك إلا بحنطة، فالمأمور مصدق مع يمينه، إذ الورق مستهلك كفوت السلعة.
2689 - وإن وكلته بشراء سلعة ولم تدفع إليه ثمناً فاشترى ما أمرته، ثم أخذ منك الثمن، فضاع منه، فعليك غرمة ثانية، وكذلك إن ضاع مراراً حتى يصل إلى البائع، ولو كنت دفعت إليه الثمن قبل الشراء فذهب منه بعد الشراء، لم يلزمك غرم المال [ثانية] إن أبيت، لأنه مال بعينه ذهب بخلاف الأول ويلزم المأمور، والسلعة له إلا أن تشاء أن تدفع إليه الثمن وتأخذها، كالعامل في القراض يشتري سلعة ثم يجد الثمن قد ذهب، فإن رب المال مخير في دفع المال ثانية، ويكون على قراضه أو يأبى، فتلزم العامل.
2690 - ومن وكل رجلاً [يشتري له] جارية بربرية، فبعث بها إليه فوطئها، ثم قدم الوكيل بأخرى فقال: هذه لك والأولى وديعة، ولم يكن الوكيل بيّن ذلك حين بعث بها [إليه]، فإن لم تفت حلف وأخذها ودفع إليه الثانية، وإن فاتت الأولى بولد منه أو بعتق أو كتابة أو تدبير، لم يُصدَّق المأمور إلا أن يقيم بينة فيأخذها وتلزم الآمر الجارية الأخرى.
وإن أمره بشراء جارية بمائة، فبعث بها إليه، فلما قدم قال: ابتعتها بخمسين ومائة، فإن لم تفت خُيّر الآمر بين أخذها بما قال المأمور أو ردها، وإن فاتت بما ذكرنا لم تلزمه إلا المائة.

2691 - وإذا قال العبد لرجل: اشترني لنفسك بمال دفعه إليه ففعل، فعلى المبتاع غرم الثمن [ثانية] ويكون العبد له، فإن استثنى ماله فلا شيء عليه غير الثمن الأول.(1)
2692 - ومن أمر رجلاً يبيع له سلعة فباعها الآمر وباعها المأمور، فأول البيعتين أحق، إلا أن يقبض الثاني السلعة فهو أحق، كإنكاح الوليين.
2693 - وإن باع المأمور سلعة بطعام أو عرض نقداً، وقال: بذلك أمرتني، وأنكر الآمر، فإن كانت مما لا تباع بذلك ضمن.
وقال غيره: إن كانت السلعة قائمة لم يضمن المأمور، وخُيّر الآمر في إجازة البيع وأخذ ما بيعت به، أو ينقض البيع ويأخذ سلعته، وإن فاتت خُير في أخذ ما بيعت به من عرض أو طعام، أو يضمن الوكيل قيمتها ويسلم ذلك إليه.
وقال غيره: وإن ادعى المأمور أن الآمر بما لا يشبه من يسير الثمن في البيع أو كثيره في الشراء، أو أن يبيع أو أن يشتري بغير العين، وليس مثلها يباع به، أو أن يبيع بالعين إلى أجل، لم يصدق، وهو في بيعه بغير العين مبتاع غير بائع، لأن العين ثمن وما سواه مثمون، ولا يبيعه حالاً من ليس هو عنده، ويجوز شراؤك بالعين وليس هو عندك، والبيع لا ينقض باستحقاق الثمن وينقض باستحقاق المثمونات.
وكل قائم لم يفت فادعى فيه المأمور ما يمكن وادعى الآخر خلافه صُدِّق الآمر مع يمينه، [وكل مستهلك ادعى المأمور فيه ما يمكن، وادعى الآمر غيره، فالآمر مصدق مع يمينه]، كالصانع يصبغ الثوب بزعفران، أو [الخياط] يقطعه قميصاً، ويقول: بذلك أمرتني، ويدعي ربه أنه أمره بصنعة أخرى، فالصانع مصدق مع يمينه فيما يشبه من الصنعة الفائتة بالعمل إذا كان ذلك كله من عمله.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/378)، والتاج والإكليل (6/339)، والشرح الكبير (4/378)، ومختصر خليل (1/292)، والمدونة (10/247).

2694 - ومن أمرته أن يسلم لك في طعام ففعل وأخذ رهناً أو حميلاً بغير أمرك جاز، لأنه زيادة توثق، فإن هلك الرهن قبل علمك به فهو من الوكيل، وإن هلك بعد علمك ورضاك به فهو منك، وإن رددته لم يكن للوكيل حبسه.
2695 - وإن بعث المكاتب بكتابته مع رجل، أو امرأة بعثت بمال اختلعت به من زوجها مع رجل، أو رجل بعث بصداق امرأته مع رجل، أو أمر من له دين عنده أو وديعة بالدفع وإلا ضمن، كالوصي يدعي الدفع إلى الورثة، فعليه البينة، لأنهم غير من دفع إليه.
ولو زعم الوصي أنه تلف ما بيده لم يضمن، لأنه أمين.
2696 - ومن أسلم لك في طعام، ثم أقال منه بغير أمرك، لم تلزمك إقالته، ولك أن تفعل ذلك دون المأمور إذا ثبت أن البيع باعترافه أو ببينة.
وكذلك لو أخر البائع بالطعام بعد محله، لم يلزمك تأخيره.
ولو باع لك سلعة بأمرك لم يكن له أن يقيل ولا يضع من ثمنها شيئاً، والعهدة للآمر على البائع فيما ابتاعه له وكيله إذا ثبت أن ابتياعه له، وإن لم يذكر ذلك الوكيل عند الشراء.
وإن وجد الوكيل عيباً بالسلعة بعد الشراء وقد أمر بشرائها بعينها فلا رد له، إذ العهدة للآمر، وإن كانت بغير عينها فللمأمور الرد، ليس لأن العهدة له دون الآمر، ولكن لضمانه، لمخالفة الصفة، وهو قد علم وأمكنه الرد. قال أشهب: فإن كانت موصوفة فالآمر مقدم في الرضى أو الرد، وله أن يأخذها بعد رد المأمور إياها إذا لم يجز رده، وإن فاتت ضمنها المأمور، لأنه متعد في الرد لسلعة قد وجبت للآمر، قال ابن القاسم: وهذا كله في وكيل مخصوص، فأما المفوض إليه فيجوز جميع ما صنع مما ذكرناه من إقالة أو رد بعيب ونحوه، على الاجتهاد بغير محاباة.

2697 - ومن اشترى لك سلعة بأمرك وأسلف لك الثمن من عنده، فليس له حبسها بالثمن، لأنها وديعة لا رهن، كمن أمر رجلاً يشتري له لؤلؤاً من بلد وينقد عنه، [فقدم فزعم أنه ابتاعه له ونقد فيه، ثم تلف اللؤلؤ، فليحلف على ذلك بالله الذي لا إله إلا هو أنه قد ابتاع له ما أمره به، ونقد عنه] [ويرجع بالثمن على الآمر، لأنه أمينه، فلو كان كالرهن] عنده لضمنه وصاقه بالقيمة في الثمن، إلا أن يقيم بينة بهلاكه.
ولو قال له: انقد عني فيه واحبسه حتى أدفع إليك الثمن، كان بمنزلة الرهن، ولو ابتاع له ذلك [ببينة] وهو مما يغاب عليه، ثم ادعى هلاكه لم يكلف ببينة ولا يضمن، ويرجع بالثمن على الآمر، وإن اتهم حُلّف.
2698 - وإن ادعى البائع أنه باع على خيار فأنكر [ذلك] المبتاع، فالمبتاع مصدق، وإن جاءه بالثمن فقال البائع: إنما بعتك على أنك إن لم تأت بالثمن في يوم قد مضى فلا بيع بيننا، فهو مدعٍ، ولو ثبت ذلك لم ينفعه ومضى البيع.
2699 - ومن ابتاع طعاماً فوجده معيباً فرد نصف حمل وقال: هذا الذي ابتعت بمائة، وقال البائع: بل بعتك حملاً [كاملاً] بمائة، فالقول قول المبتاع إن أشبه أن يكون نصف حمل بمائة درهم، لأن البائع قد أقرّ له بالثمن وادعى عليه زيادة في المثمون، وكذلك لو ردّ عبداً بعيب وقال له البائع: بل بعتك عبدين، إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه فيصدق البائع مع يمينه فيما يشبه، ويرد من الثمن نصفه، ولا غرم على المبتاع إذا حلف في نصف الحمل الباقي، لأن البائع فيه مدع.
2700 - ومن ابتاع سلعة بثمن ادعى أنه مؤجل، وقال البائع: بل حالّ، فإن ادعى المبتاع أجلاً يقرب لا يتهم فيه صدق مع يمينه، وإلا صدق البائع، إلا أن يكون للسلعة أمد معروف تباع عليه، فالقول قول مدعيه منهما.
ومن ادُّعي عليه بقرض حال فادعى الأجل فالقول قول المقروض، ولا يشبه هذا البيع.

2701 - وإن باع الوكيل السلعة وقال: بذلك أمرني ربها، وقال ربها: بل أمرتك أن ترهنها، صدق ربها، فاتت أو لم تفت.
ولو قال من هي بيده: ارتهنتنيها، وقال له ربها: بل استودعتكها، صدق ربها. وإن أمرته أن يرهن لك سلعة، فقال: أمرتني برهنها في عشرة ففعلت ودفعت العشرة إليك، وصدقه المرتهن، وقلت أنت: بل في خمسة وقد قبضتها، أو قلت: لم أقبضها، فالقول قول المرتهن فيما ارتهنه إن كانت قيمة الرهن مثلما قال، والقول قول الوكيل فيه، وفي دفعه إليك، لأن الوكيل على البيع موكل على قبض الثمن، وإن لم يسم له القبض في أصل الوكالة، ويصدق في دفع الثمن إلا الآمر ويبرأ الدافع. وقال المخزومي: وإن أعرته إياها ليرهنها لنفسه فلا تكون رهناً إلا فيما أقررت أنت به، والمستعير مدعٍ.
2702 - قال مالك: ومن كان لك عليه دراهم من ثمن سلعة أو غيرها، فأمرته أن يشتري لك بها سلعة نقداً، جاز إن كنت أنت أو وكيلك حاضراً معه، وإلا فذلك مكروه، غير أن مالكاً قال - فيمن كتب إلى رجل في شراء سلعة ففعل وأسلفه الثمن، ثم كتب الرجل [إليه] أن يبتاع له بذلك الثمن سلعة - : إنه من المعروف الجائز [بين الناسٍ]، قال ابن القاسم: وهذا والأول في القياس واحد.
* * *

(كتاب البيع الغَرَر والملامسة)(1)
2703 - ومن اشترى ثياباً مطوية ولم ينشرها ولا وصفت له، فالبيع فاسد، [قال ابن القاسم:] ومن اشترى سلعة غائبة على رؤية تقدمت منذ وقت لا يتغير مثلها فيه، جاز البيع، فإن رآها فقال: قد تغيرت فهو مدع والبائع مصدق مع يمينه، إلا أن يأتي المبتاع ببينة على ما ادعى، وقال أشهب: البائع مدع ولا يلزم المبتاع ما هو له جاحد، [قال ابن القاسم:] وقد قال مالك - رحمه الله - في الذي ابتاع أمة كان رأى لها ورماً، فلما قبضها ادعى أن الورم قد زاد: فالمبتاع مدع وعلى البائع اليمين.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (10/250)، والتقييد (4/68).

2704 - [قال مالك:] والملامسة: شراؤك الثوب لا تنشره، ولا تعلم ما فيه، أو تبتاعه ليلاً ولا تتأمله، أو ثوباً مدرجاً لا يُنْشَر من جرابه.
والمنابذة: أن تبيع ثوبك [من رجل] وتنبذه إليه بثوبه وينبذه إليك من غير تأمل منكما.
2705 - ومن الغرر شراء راحلة أو دابة قد ضلت أو عبداً قد أبق.
2706 - ومن رأى سلعة أو حيواناً غائباً منذ مدة تتغير في مثلها، لم يجز له شراؤها إلا بصفة مؤتنفة، أو على أنه بالخيار إذا رآها، ولا ينقد ثمنها، وإن كانت لا تتغير في تلك المدة جاز البيع.
وكل ما وجد على ما كان يعرف منه، أو على ما وصف له، لزمه ولا خيار له. وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا ينعقد بيع إلا على أحد أمرين: إما على صفة توصف، أو رؤية قد عرفها، أو شرط في عقد البيع أنه بالخيار إذا رأى، فكل بيع ينعقد في سلعة بعينها على غير ما وصفنا فهو منتقض، قال ابن القاسم: وما ثبت هلاكه من السلعة الغائبة بعد الصفقة وقد كان يوم الصفقة على ما وصف للمبتاع، أو على ما كان رأى، فهي من البائع إلا أن يشترط أنها من المبتاع، وهو آخر قولي مالك، وكان [مالك] يقول: إنها من المبتاع إلا أن يشترط أنها من البائع حتى يقبضها، ثم رجع إلى هذا، [وبهذا أخذ ابن القاسم]، والنقص والنماء كالهلاك في القولين، وهذا في كل سلعة غائبة بعيدة الغيبة أو قريبة، خلا الدور والأرضين والعقار، فإنها من المبتاع من يوم العقد في القولين جميعاً وإن بعدت.
2707 - ومن ابتاع عِدلاً ببرنامجه جاز أن يقبضه، ويغيب عليه قبل فتحه، فإن ألفاه على الصفة لزمه، وإن قال: وجدته بخلاف الصفة، فإن لم يغب عليه، أو غاب عليه مع بينة، لم تفارقه أو تقاررا فله الرضا به أو رده، فإن لم يعلم ذلك إلا بقوله وأنكر البائع أن يكون مخالفاً للجنس المشترط، أو قال: بعتكه على البرنامج، فالقول قول البائع، لأن المبتاع صدقه، إذ قبضه على صفته.(1)
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/24)، والتاج والإكليل (4/295).

وكذلك من صرف ديناراً بدراهم، فغاب عليها ثم رد منها رديئاً فأنكره الصراف، فما عليه إلا اليمين أنه لم يعطه إلا جياداً في علمه.
وكذلك من قبض طعاماً على تصديق الكيل، ثم ادعى نقصاً، أو اقتضى ديناً فأخذ صرّة، صدق الدافع أن فيها [كذا]، ثم وجدها تنقص، فالقول قول الدافع.
2708 - ومن اشترى عدلاً ببرنامجه على أن فيه خمسين ثوباً فوجد فيه إحدى وخمسين، قال مالك: يكون البائع شريكاً معه في الثياب بجزء من إحدى وخمسين جزءاً من الثياب، ثم قال: يرد منها ثوباً كعيب وجده فيه، قال ابن القاسم: وقوله الأول أعجب إليّ، فإن وجد فيه تسعة وأربعين ثوباً وضع عنه من الثمن جزءاً من خمسين جزءاً، قيل: فإن وجد فيه أربعين ثوباً؟ قال: وإن وجد في الثياب أكثر مما سمي لزمه بحصته من الثمن، وإن كثر النقص لم يلزمه أخذها، ورد البيع.
ولو كان في العدل مائة ثوب أجناساً، عشرة أثواب من الخز ومن المروي كذا، ومن غيره كذا، فأخذها بمائة دينار، كل ثوب بدينار، فوجد المبتاع ثياب الخزّ تنقص ثوباً، نظر ما قيمة ثياب الخز كلها يوم الصفقة، فإن كان الربع وضع عن المبتاع عشر ربع الثمن، قلّ أو كثر، قال مالك: وما زال الناس يجيزون بينهم بيع البرنامج، ومما ينبغي صفته في البرنامج عدة الثياب وأصنافها وذرعها وصفاتها.
2709 - ومن ابتاع من رجل داراً غائبة وقد عرفاها جاز، وإن لم يصفاها في الوثيقة.
ومن باع غنماً عنده [غائبة] بعبد غائب، ووصف كل واحد منهما لصاحبه سلعته ثم تفرقا قبل القبض، فلا بأس به، فإن ضربا لقبضهما أو لقبض أحدهما أجلاً لم يجز، إذ لا يباع شيء بعينه إلى أجل إلا [إلى] مثل يوم أو يومين.

وإن قال: إن لم آتك بها إلى يومين فلا بيع بيننا كرهته، فإن نزل أمضيته وبطل الشرط، ومن باع عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً أو ثياباً بعينها حاضرة أو قريبة الغيبة، مثل يوم أو يومين جاز ذلك، وجاز النقد فيه بشرط، وإن كان ذلك بعيد الغيبة جاز البيع، ولم يصلح النقد فيه بشرط، كان الثمن عيناً أو عرضاً.
وأما الدور والأرضون والعقار فالنقد فيها بشرط جائز، بعدت الغيبة أو قربت، كان الثمن عيناً أو عرضاً لغلبة الأمن في تغييرها، ولا تباع إلا [على] صفة أو رؤية متقدمة.
2710 - ومن مر بزرع فرآه ثم قدم فابتاعه وهو مسيرة اليومين، وشرط أنه منه إن أدركته الصفقة، فذلك جائز، وهو كالعروض في النقد فيه والشرط.
ومن اشترى حيواناً غائباً بعينه لم يجز أن يأخذ به كفيلاً، قربت الغيبة أو بعدت، إذ لو هلك لم يكن على البائع مثله.
2711 - وإن ابتعت سلعة غائبة مما لا يجوز النقد فيها، لم يجز أن تتقايلا فيها، ولا أن تبيعها من باعها منك بمثل الثمن أو بأقل أو أكثر، لأنها إن كانت سالمة في البيع الأول فقد وجب له في ذمتك ثمن، بعت [به] منه سلعة لك غائبة، فهذا من ناحية الدين بالدين، قال سحنون: وهذا على قول مالك الأول: “إن ما أدركته الصفقة فمن المبتاع”. قال ابن القاسم: ولا بأس أن يبيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، ولا ينتقد شيئاً من الثمن.
2712 - ولا بأس أن تقيل من أمة بعتها وهي في المواضعة لم تحض بعد، ولا استبراء عليك فيها، فإن أربحته أو زادك هو شيئاً على أن تتقايلا، فإن لم تتناقدا الزيادة حتى تحيض جاز ذلك، وإلا لم يجز.
ويجوز للمبتاع بيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، ما لم [ينتقد].

2713 - وإن استأجرت من رجل داراً بثوب في بيتك ووصفته، ثم اشتريته منه وهو بيدك، بعين أو بثوبين من صنفه، أو بسكنى دار لك، فجائز إن علم أنه عندك وقت الصفقة الثانية، ومن أكرى داره بدابة بعينها موصوفة، أو قد رآها وهي في مكان بعيد مما لا يجوز النقد فيها على أن يبتدئ بائع الدابة السكنى لم يجز.
وإن شرط صاحب الدار أن لا يدفعها للسكنى حتى يقبض الدابة فجائز، وليس هذا من الدين بالدين، لأن هذا بعينه، وهو غائب، وإنما الدين بالدين المضمونان جميعاً. وإن لم يشترطا النقد في عقدة بيع الشيء الغائب، جاز أن يتطوع به المبتاع بعد الصفقة.(1)
2714 - ولا بأس ببيع سلعة بعينها غائبة لا يجوز النقد فيها، بسلعة مضمونة إلى أجل أو بدنانير إلى أجل، وكذلك حوائط بالتمر] الغائبة يباع ثمرها كيلاً أو جزافاً بدين مؤجل، ذهب أو عرض، وهي على مسيرة خمسة أيام أو ستة [أو شبه ذلك]، ولا يجوز فيها النقد بشرط.
ولو بعدت الحوائط جداً كإفريقية من مصر لم يجز شراء ثمرها خاصة بحال، لأنها تُجذّ قبل الوصول إليها، إلا أن يكون ثمراً يابساً، وأما بيع رقابها فكبيع الرباع البعيدة يجوز بيعها والنقد فيها.
2715 - ومن ابتاع سلعة كان قد رآها، أو موصوفة، فهلكت قبل قبضها فادعى البائع أنها هلكت بعد الصفقة، [وقال المبتاع: قبل الصفقة]، فإن لم يقم البائع بذلك بينة، كانت منه في قول مالك الأول ويحلف المبتاع على علمه أنها لم تهلك بعد وجوب البيع إن ادعى علمه، وإلا فلا يمين [له] عليه.
وإن قال المتبايعان: لا ندري أهلكت قبل البيع، أو بعده، فهي في هذا الوجه من البائع في قولي مالك جميعاً.
2716 - ويجوز لك شراء طريق في دار [رجل]، أو موضع جذوع من جداره لتحمل عليها جذوعك إذا وصفتها، ويجوز هذا في الصلح.
ولا بأس بشراء عمود عليه بناء للبائع، أو نصل سيف وجفنه دون حليته، وينقض البائع حليته إن شاء ذلك أحد المتبايعين.
__________
(1) انظر: منح الجليل (4/485).

2717 - ولا يجوز لك أن تبيع عشرة أذرع من هواء لك فوق عشرة أذرع من الهواء تبقى لك، إلا أن تشترط بناءً تبنيه قدر عشرة أذرع، وتصفه ليبني المبتاع فوقه [فيجوز].
ويجوز أن تبيع عشرة أذرع أو أكثر من فوق سقف لك لا بناء عليه إذا بيّن لك المبتاع ما يبني على جدارك.
2718 - ومن قال: أبيعك سكنى داري سنة، فذلك غلط في اللفظ، وهو كراء صحيح، وفي كتاب العرايا ذكر شراء ما منحته أو أسكنته، ويجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو إلى عشرين [سنة] أو إجارة العبد عشر سنين.
2719 - وللغرماء بيع دار الميت، ويستثنون سكنى زوجته لعدتها، ويجوز لمن باع داره أو دابته أن يستثني سكنى الدار سنة، وركوب الدابة يوماً أو يومين، ولا يجوز ذلك فيما بَعُد ولا حياة البائع، ولا ركوب الدابة شهراً، فإن هلكت الدابة فيما لا يجوز استثناؤه فهي من البائع، لأنه بيع فاسد لم تقبض فيه السلعة، قال ربيعة: وكذلك ما بعد من استثناء خدمة العبد.
2720 - ومن له على رجل عرض ديناً فباعه من رجل آخر بدنانير أو دراهم فوجد فيها نحاساً أو رصاصاً فله بدله أو الرضا به، والبيع في ذلك تام.
ومن باع سلعة بعين على أن يأخذه ببلد آخر فإن سميا البلد ولم يضربا لذلك أجلاً لم يجز، وإن ضربا أجلاً جاز ذلك، سميا البلد أو لم يسمياه، فإن حلّ الأجل فله أخذه بالعين أينما لقيه.
2721 - وإن باع سلعة بعرض وشرط قبضه ببلد آخر [إلى أجل] فليس له أخذه بعد الأجل إلا في البلد المشترط.
فإن أبى الذي عليه العرض بعد الأجل أن يخرج إلى ذلك [البلد] أُجْبِر على أن يخرج أو يوكل من يخرج فيوفي صاحبه.

2722 - قيل: فإن قلت لرجل: يعني سلعتك بعشرة، فقال: قد فعلت، فقلت: لا أرضى، قال: [قال] مالك: فيمن أوقف سلعته للسوم فقلت له: بكم هي، فقال: بعشرة، فقلت: قد رضيت، فقال: لا أرضى، إنه يحلف ما ساومك على إيجاب البيع، ولكن لما يذكره، ويبرأ، فإن لم يحلف لزمه البيع [فكذلك مسألتك، ولو قلت له: قد أخذت منك غنمك هذه، كل شاة بدرهم، فقال: ذلك لك، فقد لزمك البيع].
2723 - ولا باس بشراء زيت أو سمن [أو عسل]، كل رطل بكذا على أن يوزن بالظروف، ثم يطرح وزنها إذا فرغت.
ولو ابتاعه على الكيل على أن يوزن بالظروف، فإذا فرغت [وزنت] وطرح وزنها ثم يحسب باقي الوزن أقساطاً على ما عرف من وزن القسط، فإن كان الوزن عندهم والكيل لا يختلف، فلا باس به، فإن وزن بظروفه ثم فرغ وتركت الظروف عند البائع إلى أن توزن، فقال المشتري بعد ذلك: ليس هي هذه وأكذبه البائع، فإن لم يفت السمن وتصادقا عليه أُعيد وزنه، فإن فات فالقول قول من تركت عنده الظروف مع يمينه، أنها هي من بائع أو مبتاع، لأنه مؤتمن.
2724 - ومن ابتاع جارية بمائة دينار، فقام فيها بعيب فأنكره البائع، فتطوع أجنبي بأخذها بخمسين على أن يتحمل البائع نصف الخمسين الباقية والمبتاع نصفها، فذلك لازم، كمن قال لرجل: ابتع عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم، فاشتراه لزمه ذلك الوعد.
2725 - ومن تعدى في متاع عنده وديعة، فباعه ثم مات ربه فكان المتعدي وارثه، فللمتعدي نقض ذلك البيع إذا ثبت التعدي، وهو بيع غير جائز.(1)
2726 - ومن اشترى عبداً واستثنى ماله - وماله دنانير ودراهم وعروض ورقيق - بدراهم نقداً أو إلى أجل، فذلك جائز.
* * *

(كتاب العرايا)
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/269)، والتاج والإكليل (4/269).

2727 - والعرايا في النخل وفي جميع الثمار كلها مما ييبس ويدخر، مثل العنب والتين والجوز واللوز وشبهه، يهب ثمرها صاحبها لرجل فأرخص لمعريها أن يشتري الثمرة إذا أزهت، وحل بيعها، لا قبل ذلك، بخرصها يابسة إلى الجذاذ إن كانت خمسة أوسق فأقل، فإن كانت أكثر من خمسة أوسق لم يجز بيعها بتمر نقداً، ولا إلى الجذاذ ولا بطعام يخالفها إلى أجل، ويجوز له ولغيره شراء ما أزهى، وإن زاد على خمسة أوسق بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل أو بطعام يخالفها نقداً، ويتعجل جذاذها، فإن تفرقا في الطعام قبل القبض والجذاذ لم يجز.
2728 - وأرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيع العرايا بخرصها تمراً ما دون خمسة أوسق أو خمسة، - شكّ من حدّث مالكاً - وإنما يؤخذ تمراً عند الجذاذ.
وتجوز عرية النخل والشجر قبل أن يكون فيها ثمر، أو يعري الرجل تمر نخلتين أو ثلاثاً بأكلها عاماً أو عامين، أو حياته، ولا يشتريها معريها حتى تزهى.
2729 - وإذا باع المعري حائطه أو أصله دون ثمرته، أو ثمرته دون أصله، أو الثمرة من رجل والأصل من آخر، جاز لمالك الثمرة شراء العرية الأولى بخرصها، ولو باع المعري عريته بعد الزهو بما يجوز له، أو وهبها، جاز لمعريها شراؤها بالخرص ممن صارت له، كمن أسكنته داراً حياته فوهب سكناه لغيره، كان لك أنت شراء السكنى من الموهوب [له] كما كان لك شراؤه من الذي وهبته [له].
ولا يجوز لمن أسكنته حياته أن يبيع سكناه من غيرك، لأنه خطر، وله أن يهبه.
2730 - قال مالك: وإذا ملك رجل أصل نخلة في حائطك فلك شراء ثمرتها منه بالخرص، كالعرية إذا [أزهت]، وأردت بذلك رفقه بكفايتك إياه مؤنتها، وإن كان لدفع ضرر دخوله فلا يعجبني، [وأراه من بيع التمر بالرطب] لأنه لم يعره شيئاً.
2731 - وأما العرية فيجوز شراؤها بالخرص لمعريها لوجهين، إما لدفع ضرر دخوله وخروجه، أو لرفق في الكفاية.(1)
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/181)، والتاج والإكليل (4/502).

وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا يجوز للمعري شراء ما أعرى إلا لدفع ضرر، وكذلك يجوز له شراء ثمرة نخلة أصلها لغيره في حائطه، قال: وليس بقياس، ولكنه موضع تخفيف.
2732 - قال مالك - رحمه الله - : ولمعري خمسة أوسق شراء بعضها بالخرص.
وإن أعرى أكثر من خمسة أوسق فله شراء خمسة [أوسق]ٍ، وقد يجوز لمن أسكن رجلاً حياته شراء بعض السكنى.
ومن مات من مُعْرٍ أو مُعْرى جاز لوارثه ما جاز له، وقال بعض كبار أصحاب مالك: إذا أعرى خمسة أوسق فأدنى، فلا يجوز أن يشتري بعض عريته، لأن الضرر [الذي أرخص به] قائم بعد.
2733 - قال ابن القاسم: ومن أعرى جميع حائطه وهو خمسة أوسق أو أدنى جاز له شراء جميعه أو بعضه بالخرص.
وتوقف لي مالك في شراء جميعه بالخرص، وبلغني عنه إجازته، والذي سمعت أنا منه إجازة شراء بعضه وذلك عندي سواء، وإن لم يدفع به ضرراً، كما جاز شراء جميع السكنى أو بعضه ولا يدفع به ضرراً.
2734 - ومن أعرى أناساً شتى من حائط، أو من حوائط له في بلد واحد، أو في بلدان شتى، خمسة أوسق لكل واحد، أو اقل أو أكثر، جاز له أن يشتري من كل واحد [قدر] خمسة أوسق فأدنى.
وكذلك إن أعراهم كلهم حائطاً له، والشركاء في حائط إذا أعروا منه خمسين وسقاً جاز لكل واحد شراء خمسة أوسق منه فأدنى.
2735 - ومن أعرى شيئاً من الخضر والفواكه، مثل التفاح والخوخ والرمان والبطيخ والموز والقصب والحُلو والبقول، فلا تباع بخرصها، لأنها تقطع خضراء، ولكن بعين أو عرض حين جواز بيعه، لأنه لو أعرى ثمر نخل قد أزهت أو أرطبت لم يجز [له] شراؤها بخرصها رطباً، وكذلك معري ما لا يثمر من الرطب أو ما يتزبب من العنب لا يشتريه بخرصه تمراً أو زبيباً.
ويجوز [بيعه] بالعين والعروض نقداً ومؤجلاً، وبخلافه من الطعام على الجذ قبل التفرق.

فإن كان في أحدهما تأخير لم يجز. قال ابن وهب: قيل لمالك: والرجل يعري التين والزيتون وشبه ذلك، ثم يشتريه كما يشتري التمر؟، فقال: أرى بيع العرية جائزاً إذا كان مما ييبس كله ويدخر.
2736 - ولا بأس أن تمنح رجلاً لبن غنم لك أو إبل أو بقر، يحلبها عاماً أو أعواماً، ولا رجوع لك في منحة أو عرية أو إخدام عبد أو سكنى دارٍ تعميراً أو تأجيلاً مسمى.
ولا بأس أن تشتري ما منحته أو أخدمته أو أسكنته بعين أو عرض أو طعام نقداً أو مؤجلاً، لجواز بيع شاة لبون بطعام إلى أجل، ولا بأس أن تبتاع من هذه الدار سكنى وإن كانت تعميراً، بسكنى دار لك أخرى إلى أجل، وخدمة العبد بخدمة عبد لك آخر إلى أجل معلوم.
2737 - ومن أعرى نخلة ثم مات المعري قبل أن يطلع في النخل شيء، وقبل أن يحوز المعري عريته، أو مات وفي النخل تمر لم يرطب ولم يحزها المعري، أو منح لرجل لبن غنم، أو أسكنه [داراً]، أو أخدمه [عبداً]، ثم مات [رب ذلك] قبل أن تحاز عنه الغنم والدار [والعبد]، أو شهد أن فرسه حبس في سبيل الله بعد سنة، فمات ربه قبل السنة، أو منح رجلاً بعيراً إلى الزراع ثم مات ربه قبل الزراع، أو تصدق على رجل غائب بدار فلم يقدم ليحوز حتى مات رب الدار، فذلك كله باطل، وللورثة رده، ويكون ميراثاً لهم.
2738 - وزكاة العرية وسقيها على رب الحائط، وإن لم تبلغ خمسة أوسق إلا مع بقية حائطه، أعراه جزءاً شائعاً، أو نخلاً معينة، أو جميع الحائط.(1)
2739 - ولو تصدق بثمرة حائطه قبل زهوه على المساكين، كان السقي عليه ولا يحاسب به المساكين.
2740 - ولو وهب ثمر حائطه، أو جزءاً منه، أو ثمر نخل معينة سنين قبل الزهو، أو أعمر ذلك، لم يجز له شراء ثمرة ذلك أو بعضه بخرصه، ولكن بعين أو عرض.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/505).

والسقي في ذلك كله على الموهوب له أو المعمر، وعليه الزكاة إن بلغ حطه ما فيه الزكاة، وإن لم يبلغ فلا زكاة على واحد منهما. قال ابن القاسم: وقال أكابر أصحابنا: إن العرية مثل الهبة، وفرّق مالك بينهما في الزكاة والسقي.
2741 - ولا يجوز شراء العرية إذا أزهت بخرصها تمراً نقداً، وإن جذها مكانه، ولا بتمر من غير صنفها إلى الجذاذ، ولا برطب ولا بسر، وإنما يجوز شراؤها بخرصها تمراً من صنفها إلى الجذاذ، ولا يجوز شراؤها بطعام نقداً إلا أن يجذها مكانه، ولا يجوز بطعام إلى أجل، وإن جذها. ويجوز شراؤها بعين أو عرض نقداً أو إلى أجل، ولا يجوز شراؤها قبل زهوها بعين ولا بعرض، إلا على أن يجذها مكانه، فأما إن اشتراه على أن يتركه لم يجز.
ولا يجوز له شراء عريته بخرصها تمراً من تمر حائط له آخر بعينه، ولكن بتمر مضمون عليه، ولا يسمي ذلك [في حائط بعينه].
ولمن ابتاع عريته من حائط بخرصها بيع جميع ثمرة ذلك الحائط رُطباً، وليس للمُعْرى طلبه بالخرص إلا إلى الجذاذ، لأن ذلك في ذمته، وليس عليه أن يعطيه ذلك من حائط بعينه.
* * *

(كتاب التجارة إلى أرض الحرب)(1)
2742 - وقد شدّد مالك الكراهية في التجارة إلى بلد الحرب، وقال: يجري حكم المشركين عليهم.
ولا يُباع من الحربيين آلة الحرب من كُرَاع وسلاح وسرج أو غيرها مما يَتَقَوَّوْن به في الحرب من نحاس [وحديد أو خرثي أو غيره.
ولا يشتري منهم بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله عز وجل لنجاستهم، كانوا أهل حرب أو عهد أو ذمة.
قيل لمالك: إن في أسواقنا صيارفة منهم، أنصرف منهم؟ قال: أكره ذلك، ولا أرى للمسلم ببلد الحرب أن يعمل بالربا فيما بينه وبين الحربيين.
__________
(1) انظر: المدونة (10/275)، والكافي (1/218)، والقوانين الفقهية (ص192)، ومراتب الإجماع لابن حزم (ص121)، وأحكام أهل الذمة (ص342)، ومواهب الجليل (3/366).

2743 - ولا بأس ببيع عبدك النصراني من النصراني. وأما بيع الصقالبة منهم قال مالك: ما أعلمه حراماً وغيره أحسن منه. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يمنعوا من شرائهمزقال مالك: وإن ابتعت منهم صقلبية فلك ردها بعيب، وإن كنت نويت إدخالها في دينك. وقال ابن نافع عن مالك في المجوس: إنهم إذا ملكوا أُجبروا على الإسلام، ويُمنع النصارى من شرائهم، ومن شراء صغار الكتابيين، [ولا يمنعوا من شراء كبار الكتابيين].
2744 - وإذا ابتاع مسلم خمراً من نصراني كسرتها على المسلم، فإن لم يقبض الذمي الثمن تصدقت به أدباً له، ولا أنتزعه منه إذا قبضه. وكذلك إن ابتاعها منه نصراني لمسلم، والنصراني البائع عالم بذلك. وأما إن لم يعلم فالثمن له.
2745 - قال ابن القاسم: وأرض الصلح التي منع أهلها أنفسهم حتى صولحوا، فهي لهم بما صولحوا عليه من جزية الجماجم وخراج الأرض، فلهم بيعها، وتورث عنهم، إلا من لا وارث له فيكون ذلك للمسلمين. ومن أسلم منهم سقط الخراج عنه وعن أرضه، وكانت أرضه له.
وإذا باع المصالح أرضه من مسلم أو ذمي فالخراج باق عليه، إلا أن يسلم فيسقط عنه.
قال أشهب: [بل هو على المسلم]، ويزول عنه بإسلام البائع.
قال ابن القاسم: ولو ابتاعها المسلم على أن خراجها عليه كان بيعاً [فاسداً] ولا يحل، إذ لا يُدرى قدر بقائه.(1)
وروى ابن نافع عن مالك في أهل الذمة إن أُخذوا هم وأرضهم عنوة ثم أُقروا فيها وضربت عليهم الجزية، فلا يشترى منهم أصل الأرض، لأنهم وأرضهم للمسلمين.
وأما الذين صولحوا على الجزية فإن أرضهم لهم، يجوز لهم بيعها وهي كغيرها من أموالهم إذا لم يكن على الأرض جزية.
قال ابن القاسم: وبلد العنوة التي غلبهم المسلمون عليها فأقرّوها بأيديهم وضربت عليهم الجزية، فليس لهم بيع أرض ولا دار، ولا لأحد أن يشتريها منهم.
2746 - قال مالك - رحمه الله - : ولا يجوز شراء أرض مصر ولا تقطع لأحد.
__________
(1) انظر: منح الجليل (4/452).

2747 - ومن كان بيننا وبينه صُلح أو هدنة من الحربيين، على مال أو غير مال، فلا ينبغي شراؤهم ممن سباهم من أهل الأديان. وكذلك النوبة، لأن لهم عهداً من عمرو بن العاص أو عبد الله بن سعد.
2748 - ولو قدم إلينا تجار من أهل الحرب - وبيننا وبينهم عهد في بلدهم على أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم أعطونا على ذلك شيئاً أم لا - فباعوا منا أولادهم لم يجز شراؤهم منهم، لأن لصغارهم من العهد ما لكبارهم.
وأما من نزل عندنا ممن لا عهد له منا ببلده، فلنا أن نبتاع منه الآباء والأبناء والنساء وأمهات الأولاد.
وليس نزولهم على التجارة ببلدنا بعهد، ثم ينصرفون كالعهد الجاري لهم ببلدهم منا على متاركة الحرب، بل هو كدخولنا إليهم لتجارة بعهد، فلنا شراؤهم منهم هنالك.(1)
2749 - والذمي والمعاهد إذا ابتاع مسلماً أو مصحفاً جُبر على بيعه من مسلم ولم ينقض شراؤه. ولو صالحنا قوماً من أهل الحرب على مائة رأس كل عام، لم ينبغ أن نأخذ منهم أبناءهم ولا نساءهم، إذ لهم من العهد ما لآبائهم، إلا أن تكون المدة سنة أو سنتين فلا بأس أن نأخذ منهم أبناءهم ونساءهم.
2450 - وإذا ابتاع الكافر عبداً بخيار فأسلم العبد في أيام الخيار لم ينفسخ البيع، وقيل لمالك الخيار: اختر أو رُدّ، ثم يباع على من صار إليه. فإن كان المبتاع مسلماً والخيار له، فله أخذه أو رده، فإن رده بيع على ربه.
2751 - وإذا أسلم عبد الكافر أو أمته بيع عليه، وكذلك عبده الصغير يسلم إن عقل الإسلام، أُجبر على بيعه، لأن مالكاً قال في الحر إذا عقل الإسلام فأسلم ثم بلغ فرجع عن الإسلام: إنه يجبر على الإسلام.
وإذا كان لمسلم عبد نصراني فاشترى مسلماً فإنه يجبر على بيعه، إذ هو له حتى ينتزعه سيده، وقد يلحقه دين إن كان عليه.
2752 - وإذا أسلم عبيد زوجة المسلم النصرانية، فلا بأس أن ينقل ملكها عنهم ببيعهم من زوجها أو بصدقتهم على ولدها الصغار منه.
__________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (5/21).

2753 - وإذا أسلم عبد النصراني وسيده غائب، فإن بعدت غيبته باعه السلطان عليه ولم ينتظره، وإن قربت غيبته نظر في ذلك السلطان وكتب إليه، كالنصراني الغائب تسلم زوجته ولم يبن بها، فإن كان قريباً نظر السلطان في ذلك خوفاً أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان بعيداً فسخ بغير طلاق، ونكحت مكانها - إن شاءت - ولا عدة عليها إن كان لم يبن بها، ولو كان قد بنى بها وغيبته بعيدة أمرها الإمام بالعدة وتنتظره وهي في العدة، فإن قدم بعد العدة وقد أسلم بعد انقضائها فلا سبيل له إليها، وكذلك لو لم يبن بها وقدم وقد أسلم بعد إسلامها، فإن أسلم في الوجهين قبلها أو أسلم في التي دخل بها بعدها في العدة، فهو أحق بها ما لم تنكح، ويدخل بها الثاني كالمفقود.
2754 - وإذا أسلم عبد نصراني فرهنه بعته عليه وعجلت الثمن إلا أن يأتي النصراني برهن ثقة مكان العبد فيأخذ الثمن، ولو وهبه لمسلم للثواب فلم يثبه، فله أخذه ويباع عليه. ولو وهب مسلم عبداً مسلماً لنصراني، أو تصدق به عليه جاز ذلك، وبيع عليه والثمن له.
2755 - وإذا بيعت أمة مسلمة أو كافرة لم يفرق بينها وبين ولدها، وبيع معها، إلا أن يستغني الولد عنها في أكله وشربه ومنامه [وقيامه].
قال مالك: وجد ذلك الإثغار ما لم يعجل به، جواري كنّ أو غلماناً، بخلاف حضانة الحرة.
وقال الليث: حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك. قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لأمه ولأبيه في البيع متى شاء سيده، وإنما ذلك في الأم خاصة.
وإذا قالت امرأة من السبي: هذا ابني لم يفرق بينهما، وكذلك جاء الأثر(1)، ولا يتوارثان بذلك.
2756 - وإذا نزل الروم ببلدنا تجاراً ففرقوا بين الأم وبين ولدها لم أمنعهم، وكرهت للمسلمين شراءهم متفرقين. وإذا ابتاع مسلم منهم أماً وابنها لم يفرّق بينهما إن باع.(2)
__________
(1) انظر: رواه الترمذي (3/580)، (1283).
(2) انظر: التاج والإكليل (4/372).

وكذلك من ابتاع أمة قد كان ولدها في ملكه، أو كان لابنه الصغير فلا يفرق بينهما في البيع.
2757 - ولو كان الولد لرجل والأم لآخر لَجُبرا على أن يجمعانهما في ملك أو يبيعاهما معاً. وإذا ورث أخوان أمةً وابنها لزمهما أن يبقياهما في ملكهما أو يبيعاهما [معاً]، وكذلك لو ابتاعهما رجلان جمعا بينهما.
2758 - ومن باع ولداً دون أمه فسخ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد.
2759 - وسئل مالك عن أخوين ورثا أمة وولدها صغير، فأرادا أن يتقاوما الأم فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد، وشرطا ألا يفرقا بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد؟ فقال: لا يجوز ذلك لهما وإن كان الأخوان في بيت واحد، وإنما يجوز لهما أن يتقاوما الأم وولدها، فيأخذها أحدهما بولدها أو يبيعاهما جميعاً، وهبة الولد للثواب كبيعه في التفرقة.
2760 - ولو وهب الولد وهو صغير لغير ثواب جاز، ويترك مع أمه ولا يفرق بينهما، ويجبر الواهب والموهوب له على أن يكون الولد مع أمه، إما أن يرضى صاحب الولد أن يرد الولد إلى الأم أو يضم سيد الأمةِ الأمةَ إلى ولدها، وإلا فليبيعاهما [جميعاً].
وإذا جمعاهما فمن أراد البيع منهما أو أرهقه دين باع معه الآخر، وكذلك إن وهبه لابن له في حجره فرهق أحدهما دين.
ومن تمام حوز الموهوب أن يجوز الولد مع الأم، ولا يقبض الولد وحده، فإن فعل أساء، وكان حوزاً إن فلس الواهب أو مات.
2761 - ومن له أمة وولدها صغير، فجنت الأم أو الولد، فاختار السيد إسلام الجاني، قيل له وللمجني عليه: بيعاهما معاً ثم يقسم الثمن على قيمتهما جميعاً.
[ومن] ابتاع أمة وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيباً، فليس له رده خاصة، وله ردهما جميعاً أو حبسهما بجميع الثمن. ويجوز بيع نصف الأم ونصفالولد وليس بتفرقة.

ومن أعتق ابن أمته الصغير، فله بيع أمه، ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته وأن لا يفرق بينه وبين أمه، وإن أعتق الأم جاز له أن يبيع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه.
وإن كاتب الأم لم يجز له بيع ولدها إذ هي في ملكه بعد إلا أن يبيع كتابتها مع رقبة الابن من رجل واحد، فيجوز ذلك إذا جمع بينهما، وإذا أدبر أحدهما لم يجز له بيع الثاني وحده ولا مع خدمة الآخر.
ولا بأس ببيع الأمة دون الولد، أو الولد دونها [قسمة] للعتق، وليس العتق بتفرقة.
ولا ينبغي بيع الأم من رجل والولد من عبد مأذون له لذلك الرجل، لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزع منه، إذ لو أرهقه دين كان في ماله، فإن بيعا كذلك أُمرا بالجمع بينهما في ملك السيد أو العبد، أو يبيعانهما معاً إلى ملك واحد، وإلا فسخ البيع.
2762 - ومن أوصى بأمة لرجل وبولدها لآخر جاز وجُبرا على الجمع بينهما بحال ما وصفنا في الهبة والصدقة.
قال ابن القاسم: ومن باع أمة على أن الخيار له، ثم ابتاع ولداً لها صغيراً في أيام الخيار بغير خيار، لم ينبغ له أن يختار إمضاء البيع فيها، فإن فعل رُدّ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد. وإن كان الخيار للمبتاع فاختار الشراء أُجبر معه مبتاع الولد على أن يجمعاهما في ملك أحدهما أو يبيعاهما جميعاً.
2763 - وإذا أسلم عبد الذمي وله ولد من زوجته - وهي أمة لسيده - فولدها منه تبع له في الدين، ويباع العبد من مسلم، والأم لمّا صار ولدها مسلماً بإسلام أبيه وجب أن يباع الولد مع أمه من مسلم بالقضاء. ولو أسلمت الأم وحدها بيع معها الولد وكان على دين الأب، وإسلام الزوجة يوجب التفرقة إلا أن يسلم الزوج في العدة فيكون أحق بها.
وإذا أسلمت الذمية وهي حامل من ذمي، فولدها على دين أبيهم، والولد تبع للأب في الدين، كان الأب حراً أو عبداً.

2764 - [قال مالك - رحمه الله - :] ولا أعرض لأهل الذمة في تعاملهم بالربا، وإذا أسلم ذمي إلى ذمي درهماً في درهمين أو في خمر، ثم أسلما جميعاً فسخ ذلك فيما بينهما. قال مالك: وإن أسلم الذي له الحق فأما في الربا فيأخذ رأس ماله، وأما في الخمر فلا أدري [[ما حقيقته]، لأني إن أمرت الذمي أن يرد رأس المال ظلمته، وإن أعطيت المسلم الخمر أعطيته ما لا يحل]، وأما إن أسلم المطلوب فأما في الخمر فيرد رأس المال، وأما في الربا فلا أدري [ما حقيقته، لأني إن أمرته برد رأس المال] خفت أن أظلم الذمي.
وقال ابن القاسم: إذا أسلم أحدهما تراجعا إلى رأس المال في الربا والخمر، لأنه حكم بين مسلم وذمي.
2765 - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: “لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر”(1). قال مالك: وهذا حديث متبع ليس [لأحد] فيه رأي.
2766 - قال ابن القاسم: والمصراة من جميع الأنعام سواء، وهي التي يترك حلبها ليعظم ضرعُها ويحسن حلابها ثم تباع، فإذا حلبها المشتري مرة لم يتبين ذلك، فإذا حلبها الثانية علم بذلك نقص حلابها، فإما رضيها وإما ردها وصاعاً من تمر [قال:] وإن كان ذلك ببلد ليس عيشهم التمر أعطى صاعاً من عيش ذلك البلد. قيل: فإن حلبها ثالثة؟ قال: إن جاء من ذلك ما يعلم أنه حلبها بعد أن تقدم له من حلابها ما فيه خبره فلا ردّ له، ويعد حلابه بعد الاختيار رضىً بها، ولا حجة عليه في الثانية، إذ بها يختبر أمرها.
__________
(1) رواه البخاري (2/755)، والشافعي في مسنده (ص189)، وابن حبان في صحيحه (11/343)، ومالك في الموطأ (2/683)، والبيهقي (5/318)، وانظر: بداية المجتهد (2/132)، ونيل الأوطار (5/327)، وسبل الإسلام (3/26)، وتلخيص الجبر (3/22، 23)، والتحقيق لابن الجوزي (2/182)، والمدونة الكبرى (10/288)، والفواكه الدواني (2/81)، والتمهيد لابن عبد البر (18/210، 212).

قال: وإذا ردها لم يكن له أن يرد اللبن معها إن كان قائماً بغير صاع، ولو كان له رده كان عليه في فواته مثله، ولو رضي البائع أن يقبلها مع اللبن بغير صاع لم يعجبني، لأنه وجب له صاع طعام فباعه قبل قبضه بلبن، إلا أن يقبلها بغير لبنها فيجوز.
2767 - ومن باع شاة حلوباً غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر ما تحلب، فإن كانت الرغبة فيها إنما هي للبن - والبائع يعلم ما تحلب فكتمه - فللمبتاع أن يرضاها أو يردها، كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع، وإن لم يكن يعلم ذلك البائع فلا رد للمبتاع، وكذلك ما تُنوفس فيه للبن من بقر أو غنم أو إبل. ولو باعها في غير إبان لبنها ثم حلبها المبتاع في حين الإبان فلم يرضها فلا ردّ له، كان البائع يعرف حلابها أم لا. وإن ابتعتها في الإبان على أنها تحلب قسطين جاز، فإن وجدتها تحلب قسطاً فلك الردّ، وهو أقوى في الرد من المصراة للشرط فيها.
2768 - وإذا بنى رجل في أرضك على نهر لك رحىً فلك عليه كراء [الأرض]، وأما الماء فلا كراء له. وإن كان في أرضك غدير أو بركة أو بحيرة فيها سمك فلا يعجبني بيع ما فيها من السمك ولا تمنع من يصيد فيها ولا الشرب منها. ولا يمنع الماء لشفة أو لسقي كبد إلا ما لا فضل فيه عن أربابه.
ومن له حصة في أصل عين مملوكة، فله بيع حصته أو بيع شرب يوم أو يومين، دون الأصل إذا جاءه حظه في الشرب كان له بيعه أو يبيع بعضه.
وكره مالك بيع ماء المواجل التي على طريق أنطابلس.
2769 - ويجوز بيع فضل ماء الزرع من عين أو بئر وبيع رقابها. وللرجل بيع ما في داره أو أرضه من عين أو بئر للشفة أو للزرع، ويجوز بيعها وبيع مائها، وكذلك المواجل التي يحدثها الناس في دورهم لأنفسهم، فأما ما حفر في الفيافي والطرق من المواجل، كمواجل طرق المغرب فقد كره مالك بيعها، ولم يره بالحرام البين، وجل ما كان يعتمد عليه الكراهية واستثقال بيع مائها، وهي مثل آبار الماشية التي في المهامه.

2770 - وكره مالك بيع أصل بئر الماشية أو مائها، أو فضلة حفرت في جاهلية أو إسلام، ربت من العمران أو بعدت، وأهلها أحق بمائها حتى يرووا، ويكون للناس ماء فضل، بينهم بالسواء، إلا من مرّ بهم لشفتهم ودوابهم فلا يمنعون. وأما من حفرها في أرضه فإن أراد بها الصدقة فهي هكذا، وإن أراد أن ينتفع هو بها فله منعها وبيع مائها بخلاف ما حفر هو في الفيافي.
2771 - قال مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكر، وإن لم يضر ذلك [بالناس ولا] بالسوق فلا باس به. وإن قدم أهل الريف إلى الفسطاط لشراء طعام، فمنعوهم وقالوا: تغلون علينا سعرنا، لم يمنعوا، إلا أن يضر ذلك بأهل الفسطاط وعند أهل القرى ما يكفيهم، فإنهم يمنعون وإلا تركوا. وكذلك من خرج إلى قرية فيها سوق ليجلب منها على ما ذكرنا.
2772 - ولا يجوز أن تبتاع من رجل طعاماً على ما ابتاع منه فلان، أو تخيط له ثوباً بمثل ما خطت لفلان. وكذلك الصبغ والصياغة والإجارة إذا لم تعلم حينئذ ما كان أول ذلك.
2773 - ومن اشترى من رجل ثلاث جنيات من حائطه، على أن ما جنى منها أخذه كل أربعة آصع بدينار، فلا بأس به وهو أمر معروف، وذلك كشراء ثمر الحائط بأسره كيلاً أو زرعه اليابس على الكيل، أو صبرة لا يعلم ما فيها، فأما ابتياعه بأربعين ديناراً من رطب هذا الحائط على أن كذا وكذا صاعاً بدينار، فيأخذ من ذلك ما يجني كل يوم، فلا ينبغي ذلك حتى يسمي ما يأخذ كل يوم، وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم ياخذ كل يوم شيئاً معلوماً ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء، وكذلك كل ما يباع في الأسواق، فلا يكون إلا بأمد معلوم يسمى ما يأخذ كل يوم، وكان العطاء يومئذ مأموناً ولم يروه ديناً بدين واستخفوه.
2774 - وإن اشتريت داراً أو ثوباً كل ذراع بدرهم ولم تسم عدد الأذرع، فقلت: قيسوا فقد أخذت كل ذراع بدرهم، فذلك جائز.

2775 - وإن اشتريت جملة غنم كل شاتين بدرهم، أو جملة ثياب كل ثوبين بدينار فأصبت في الثياب مائة ثوب وثوب، وفي الغنم مائة شاة وشاة، لزمتك الشاة أو الثوب بنصف دينار.
2776 - ولا باس أن يبيع الرجل الشاة أو البعير ويستثني جزءاً من ذلك، ثلثاً أو ربعاً أو نصفاً، وأما أن يستثني الجلد أو الرأس فقد أجازه مالك في السفر إذ لا ثمن له هناك، وكرهه للحاضر إذ كأنه ابتاع اللحم.
قيل: فإن أبى المبتاع ذبحها في السفر والبائع قد استثنى رأسها أو جلدها؟ قال: قال مالك فيمن وقف بعيره فباعه من أهل المياه لينحروه واستثنى جلده فاستحيوه: فإن عليهم شراء جلده أو قيمته كل ذلك واسع، فكذلك مسألتك.
ولا يكون شريكاً بالجلد إذ على الموت باع، ولا يجوز أن يستثني الفخذ أو البطن أو الكبد. ولا بأس باستثناء الصوف والشعر. وإن استثنى من لحمها أرطالاً يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز، ويجبر المبتاع على الذبح ههنا، ولم يبلغ به مالك الثلث.
وروى عنه ابن وهب أنه كان لا يجيز الاستثناء من لحمها وزناً ولا جزافاً، ثم رجع فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة، مثل الثلث فأدنى، وأجاز استثناء الجلد والرأس، لأن المبتاع ضمنها بالشراء، وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقاً فلا يجوز، لأنها بعدُ في ضمان البائع.
2777 - قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبيعه رطلاً من لحمها قبل ذبحها وسلخها، وليس كاستثناء البائع ذلك، كما أنه يجوز استثناء البائع أصوعاً من ثمرة باعها رطبة دون الثلث يأخذها تمراً. ولا يجوز أن يبيع من ثمرة قد أزهت أصوعاً معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها تمراً.
2778 - ولا يجوز الاشتراء من لحوم الإبل والبقر والغنم وسائر الطير قبل ذبحها لحماً كل رطل بكذا، لأنه مغيّب لا يدري كيف ينكشف.
2779 - وإن ادعيت في دار دعوى فصالحك من ذلك على عشرة أرطال من لحم شاته هذه، لم يجز.

2780 - ومن اشترى لبن غنم بأعيانها جزافاً شهراً أو شهرين، أو إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله، فإن كانت غنماً يسيرة كشاة أو شاتين لم يجز، إذ ليست بمأمونة، وذلك جائز فيما كثر من الغنم كالعشرة ونحوها، إن كان في الإبان وعرفا وجه حلابها، وإن لم يعرفا وجهه لم يجز.
فإن اشترى لبن عشرة من الغنم ثلاثة أشهر في إبانه فماتت خمس بعد أن حلب جميعها شهراً، نظر فإن كانت الميتة تحلب قسطين [قسطين] والباقية تحلب قسطاً قسطاً نظر كم الشهر من الثلاثة في قدر نفاق اللبن ورخصه، فإن قيل: النصف، فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن، وهلك ثلثا النصف الباقي قبل قبضه، فله الرجوع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف الثمن، وذلك ثلث الثمن أجمع.
2781 - ولو كان موت هذه الميتة قبل أن تحلب شيئاً لرجع بثلثي جميع الثمن، وعلى هذا يحسب أن لو كانت حصة الميت الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع، ولو كنت أسلمت في لبنها سلماً على كيل فهلك بعضها، كان سلمك فيما بقي منها، بخلاف شرائك لبنها مطلقاً.
2782 - ويجوز السلم في لبن غنم معينة على الكيل كل قسط بكذا، كانت الغنم يسيرة أو كثيرة، كشاة أو شاتين، بعد أن يكون في إبان لبنها، ويسمي أقساطاً معلومة، ويضرب أجلاً لا ينقضي اللبن قبله. قيل: أفينقده الثمن؟ قال: نعم، إذا شرع في أخذ اللبن، أو كان يشرع فيه إلى أيام يسيرة، فإن زال الإبان ولم يأخذ لبناً رجع بالثمن، وإن اشترى لبنها في غير إبانه على جزاف أو كيل وشرطا أخذه في الإبان فلا خير فيه.
وإن اكترى ناقة أو بقرة حلوباً واستثنى حلابها جاز إن عرف وجهه.
2783 - ولا يجوز شراء سمسم أو زيتون أو حب فجل بعينه على أن على البائع عصره، أو زرعاً قائماً على أن عليه حصاده ودرسه، وكأنه ابتاع ما يخرج من ذلك كله وذلك مجهول. فأما إن ابتعت منه ثوباً على أن يخيطه لك أو نعلين على أن يحذوهما فلا بأس به.

وإن ابتعت منه قمحاً على أن يطحنه لك، [قال مالك مرة: لا خير فيه،] واستخفه بعد أن كرهه، وكان وجه ذلك عنده مكروهاً، وجل قوله في ذلك التخفيف على وجه الاستحسان لا القياس.
* * *

(كتاب التَّدليس بالعيوب)(1)
2784 - ومن ابتاع عبداً فألفاه معيباً ولم يحدث به عنده عيب مفسد، فإنما له التمسك به بجميع الثمن أو الرد، ولا يفيت الرد بالعيب حوالة سوق، ولا نماء، ولا عيب خفيف يحدث عنده ليس بمفسد، كالرمد والكي والدماميل والحمى والصداع، وإن نقصه ذلك فله رده ولا شيء عليه في مثل هذا، وكذلك ذهاب الظفر، وأما زوال الأنملة فهو كذلك في الوخش خاصة.
وأما ما حدث عنده من عيب مفسد، كالقطع والشلل والعمى والعور وذهاب أصبع، بقطع أو بأمر من الله تعالى، أو قطع الأنملة في العلة وشبه ذلك، فإنه مخير بين رده بما نقصه ذلك أو التماسك [له] والرجوع بحصة العيب القديم من الثمن فذلك له، إلا أن يرضى البائع بأخذ العبد معيباً [فيرد جميع الثمن]، ولا يرجع على المبتاع في العيب الحادث عنده بشيء، فذلك له إلا أن يرضى المبتاع بالتماسك به معيباً بجميع الثمن، فذلك له.
2785 - ومن ابتاع عبدين في صفقة واحدة بمائة دينار فهلك أحدهما، ثم وجد بالباقي عيباً، رده وأخذ حصته من الثمن، فإن اختلفا في قيمة الهالك وصفاه وقومت تلك الصفة، فإن اختلفا في الصفة فالقول قول البائع [إن انتقد] مع يمينه، فإن لم ينتقد فالقول قول المبتاع.
__________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/81)، ومواهب الجليل (4/481)، والتاج والإكليل (5/195).

2786 - ومن ابتاع شاتين مذبوحتين فأصاب إحداهما غير ذكية، أو طعاماً على أن فيه مائة إردب فلم يجد فيه إلا خمسين أو أربعين، فلا يلزمه أخذه، ولا أخذ الشاة المذكاة، وله رد الجميع، لأنه يقول: أردت شراء الجملة لرخصه، أو لحاجتي إليه، إلا أن يشاء أن يأخذ [الشاة] الذكية بحصتها من الثمن فذلك له. ولو نقصت المائة إردب شيئاً يسيراً، أو ابتاع عشرين شاة مذبوحة فأصاب إحداهن ميتة لزمه الباقي بحصته من الثمن.
وكذلك من ابتاع قُلّتي خل، أو قلالاً فيصيب إحداهن خمراً، فهو على ما وصفنا.
وقال غيره: إذا اشترى شاتين، أو عبدين، أو قلتين متكافئتين، فهذا لم يبتع أحدهما لصاحبه، فإن أصاب بأحدهما عيباً، أو استحق، رجع بما يصيبه من الثمن ويرد المعيب.
وكذلك يقول ابن القاسم في العبدين المتكافئين، بخلاف عبدين أحدهما تبع لصاحبه، أو جملة ثياب، أو رقيق، أو كيل، أو وزن، فإن استحق الأقل من ذلك، أو وجد به عيباً بعد أن قبضه أو قبل، لزمه الباقي بحصته من الثمن، وإن استحق أكثر ذلك حتى يضُرّ به لتبعيض صفقته، أو لرغبته في الجملة فله رد جميع الصفقة وأخذ الثمن.
وله أن يحبس ما سلم في يديه بحصته من الثمن إن كان ما اشترى على الكيل أو الوزن أو كان مما يعد، فاستحق منه جزءٌ شائع، كالنصف أو ثلاثة أرباعه، لأن ما بقي حصته من الثمن معلومة، وإن كان فيما يُعد إنما استحق بعض السلع بأعيانها، وذلك كثير من الصفقة لم يجز رضاه بما بقي، إذ لا يعلم حصة ذلك [من الثمن] إلا بعد القيمة، وكأنه بيع مؤتنف بثمن مجهول، لوجوب الرد في جميع الصفقة.
وأما إن وجد عيباً في كثير من العدد حتى يضر ذلك به في صفقته، أو كثير من وزنه، أو في كيله، فليس له إلا أن يرضى بالمعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة، وليس له أخذ غير المعيب بحصته من الثمن وإن كان معروفاً، بخلاف الاستحقاق [في هذا].

2787 - [قال ابن القاسم في باب بعد هذا: ومن ابتاع سلعاً كثيرة في صفقة فوجد ببعضها عيباً بعد أن قبضها أو قبل، فليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن إن لم يكن وجه الصفقة، فإن كان المعيب وجه الصفقة وفيه رجاء الفضل، فليس له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن، أو رد جميع الصفقة].(1)
2788 - ومن باع عبداً بثوبين فهلك عنده أحدهما وألفى الآخر معيباً، فإن كان المعيب وجه الصفقة رده وقيمة الهالك وأخذ عبده إن لم يفت، فإن فات العبد بحوالة سوق أو بدن، نظر إلى الثوب الباقي كم كان من التالف، فإن كان ثلثاً أو ربعاً رجع بحصة ذلك من قيمة العبد، لا في عينه، ولو كان العيب بالعبد رده مشتريه، ثم إن كان الحاضر من الثوبين أرفعهما ولم يفت بحوالة سوق أو غيره، أخذه مع قيمة الهالك ما بلغت، وإن فات الحاضر بتغير سوق، أو غير ذلك، أو كان لم يفت وليس بوجه الثوبين، أسلمه وأخذ قيمة ثوبيه ما بلغت.
2789 - ومن اشترى جارية بيعاً صحيحاً، فلم يقبضها إلا بعد [شهر] أو شهرين وقد حالت الأسواق عند البائع، فقبضها، وماتت عند المشتري، ثم اطلع على عيب كان عند البائع، فالتقويم في قيمة البيع الصحيح يوم الصفقة، والقيمة في البيع الفاسد يوم القبض، لأن المشتري في البيع الفاسد لا يضمن إلا بعدما يقبض، لأن له أن يترك ولا يقبض، والبيع الصحيح يلزمه قبضه ومصيبته منه، ولو لم يقبضها المبتاع في البيع الصحيح حتى ماتت عند البائع، أو حدث بها عنده عيب وقد قبض الثمن أم لا، فضمانها من المبتاع، وإن كان البائع احتبسها بالثمن كالرهن، هذا إذا كانت الجارية لا يتواضع مثلها وبيعت على القبض.
وقد قال ابن المسيب: من باع عبده وحبسه حتى يقبض الثمن فمات عنده فمصيبته من البائع.
وقال سليمان بن يسار: هو من المبتاع. وقال مالك بقوليهما.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/459)، والمدونة (10/332)، والكافي (1/348).

قال ابن القاسم: ولو كان بهذه الجارية عيب ولم يعلم به المبتاع حين الشراء، فلم يقبضها حتى هلكت عند البائع أو أصابها عنده عيب مفسد، مثل القطع والشلل وشبههما، فضمانها من المبتاع حتى يقضى له بردها أو يبرئه منها البائع.
ويجوز فيها عتق المبتاع إذ له الرضا بالعيب، ولا يجوز فيها عتق البائع، ولو كان البيع فاسداً جاز عتق البائع فيها، ولم يكن للمبتاع معه عتق، إلا أن يعتق المبتاع قبل البائع فيكون قد أتلفها.
ومسألة من اشترى جارية غائبة على صفة، مذكورة في كتاب شراء الغائب.
2790 - قال مالك: ومن ابتاع أمة بيعاً صحيحاً وبها عيب لم يعلم به حتى ماتت، أو أعتقها، أو تصدق بها، أو وهبها لغير ثواب، أو كاتبها، أو دبرها، أو ولدت منه، فذلك فوت يوجب له الآن قيمة العيب. وأما إن باعها، أو وهبها لثواب، أو أجّرها أو رهنها، ثم اطلع على عيب فلا يرجع بشيء، فإذا زالت من الإجارة أو الرهن يوماً فله ردها بالعيب إن كانت بحالها، وإن دخلها عيب مفسد رد معها ما نقصت عنده.
قال أشهب: إن افتكها حين علم بالعيب [فله ردها بالعيب ويرجع بالثمن كله]، وإلا رجع بما بين الصحة والداء.
قال ابن القاسم: وإن ولدت الأمة عند المبتاع من غيره ثم وجد بها عيباً، فلا يردها إلا مع ولدها أو يمسكها.
وإن مات ولدها وبقيت هي فليردها بالعيب، ويرجع بالثمن كله ولا شيء عليه في الولد، إلا أن تنقصها الولادة فيرد ما نقصها كعيب حادث، ولو ماتت الأم أو قتلت وبقي الولد عنده ثم علم بالعيب، لم يكن له رد الولد مع قيمة الأم، وإنما له أن يرجع على البائع بحصة العيب من الثمن بعد أن تُقوّم الأم يوم الصفقة بغير ولد.

قال أشهب: إلا أن يكون ما وصل إليه من قيمة الأم حين قتلت مثل الثمن الذي يرجع به على البائع، فلا حجة له، لأن الأم لو ماتت بغير قتل فقال البائع: أنا آخذ الولد على أن أرد جميع الثمن، فذلك له، إلا أن يتماسك المبتاع بالولد بغير شيء فذلك له، فإذا كان بيده مثل الثمن والولد زيادة فلا حجة له.
2791 - وإن بعت ثوباً من رجلين فباع أحدهما حصته من صاحبه، ثم ظهر على عيب كان عندك، فليس للذي باع نصيبه أن يرجع إليك بشيء، وللذي ملك جميعه أن يرد عليك نصف الثوب، ويأخذ نصف الثمن، ويبقى في يده نصف الثوب وفي يدك نصفه.
2792 - ومن ابتاع جارية على أنها بربرية فأصابها خراسانية فله أن يردها.(1)
وإن اشترطها صقلبية أو أبرية أو أشبانية، فأصابها بربرية أو خراسانية فلا يردها، لأن ذلك الجنس أفضل مما شرط، وإنما تذكر الأجناس لفضل بعضها على بعض، فإذا وجد أرفع جنساً مما طلب فلا رد له، إلا أن يعلم أن المبتاع أراد بذلك وجهاً، فيرد مثل أن يكره البربرية، لما يخاف من أصولهن وجرأتهن وسرقتهن ونحو ذلك فيرد. وما لم يكن على هذا الوجه وليس فيه عيب يرد به أو يضع من الثمن، فلا رد له.
وقال مالك في رجل ابتاع جارية، فأراد أن يتخذها أم ولد، فإذا نسبها من العرب، فأراد ردها لذلك خوفاً أن تلد منه وتعتق، فتجر العرب ولاءها دون ولده: إنه ليس بعيب ترد به.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/427)، والمدونة الكبرى (10/247، 309).

2793 - وإن ابتعت عبداً بخمسين ديناراً، فظهرت منه على عيب قديم، وحدث به عندك عيب مفسد، فإن اخترت أخذ [قيمة] العيب القديم، قيل: ما قيمة العبد صحيحاً يوم الصفقة؟ فيقال: مائة، ثم يقال: ما قيمته يومئذ بالعيب الأقدم؟ فيقال: ثمانون، فقد نقصه الخمس [وهو عشرون ديناراً]، فترجع بخمس الثمن وهو عشرة دنانير إذ لم تأخذ لها عوضاً، وإن اخترت رده ورد ما نقصه العيب الحادث عندك. قيل: ما قيمته أيضاً بالعيبين جميعاً إن لو كان به العيب الذي حدث عند المبتاع يوم الصفقة؟ فإن قيل: ستون، رددت معه خمس الثمن.
2794 - ومن باع عبداً دلس فيه بعيب، فهلك العبد بسبب ذلك [العيب] أو نقص، فضمانه من البائع، ويرد جميع الثمن، كالتدليس بالمرض فيموت منه، أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك أو يحيا، أو بالإباق فيأبق فيهلك. قال ابن شهاب: أو بالجنون فيخنق فيموت. قال مالك: وهذا بعد أن يقيم المبتاع بينة أن العيب قديم وأن البائع باع بعد علمه [به]، ولا شيء على المبتاع فيما حدث بالعبد من سبب عيب التدليس.
وأما ما حدث [به] من غير سبب عيب التدليس، فلا يرده إلا مع ما نقصه ذلك، أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرنا.
2795 - ومن ابتاع عبداً أعجمياً فعلمه البنيان أو صنعة [نفيسة] فارتفع ثمنه لذلك، أو ابتاع أمة فعلمها النسج والغزل ونحوه، فارتفع لذلك ثمنها، ثم ظهر على عيب فليس ذلك فوتاً، وله أن يرد أو يحبس ولا شيء له.
وأما الصغير يكبر أو الكبير يهرم، فذلك فوت يمنع من رده ويوجب الرجوع بقيمة عيبه وإن كره البائع.
2796 - وإن زوج الأمة من عبده أو من رجل حر، ثم ظهر بها عيب فله ردها، وليس للبائع فسخ النكاح، وعلى المبتاع ما نقصها النكاح، وإن لم ينقصها فلا شيء عليه، وإن نقصها وقد ولدت وفي قيمة الولد ما يجبر به النقص، ردها ولا شيء عليه.

وقال غيره: يرد ما نقصها النكاح ولا يجبر النقص بالولد. وذلك كالنماء فيها، وقد قال مالك - رحمه الله - : لا يجبر به النقص.
2797 - وإن ابتعت من رجل عبداً بعبد أو بعرض فأصبت به عيباً فلك رده، ولا شيء عليك فيما دخله عندك من نقص خفيف أو حوالة سوق، وترجع فيما دفعت من عبد أو عرض فتأخذه، إلا أن يهلك عند مبتاعه منك أو يبيعه أو يتغير عنده في سوق أو بدن فلا يكون لك أخذه ولا أخذ ما باعه به، وإنما لك قيمته يوم ابتاعه منك.
ولو كنت ابتعت العبد بما يكال أو يوزن من طعام أو غيره، فرددته بالعيب وقد تلف الثمن الذي دفعت فيه، فإنك ترجع بمثل ما دفعت من الكيل أو الوزن كالعين.
2798 - ومن ابتاع عبداً بيعاً فاسداً فلم يقبضه حتى أعتقه المبتاع لزمه العتق، ويصير ذلك قبضاً ويغرم قيمته إن كان له مال، فإن لم يكن له مال لم يجز عتقه، كما لو ابتاع عبداً غائباً بيعاً صحيحاً، واشترط على البائع أنه منه حتى يقبضه فأعتقه المبتاع بعد الشرط جاز عتقه، وإن كان في ضمان البائع.
2799 - ومن اشترى عبداً فللبائع أن يمنعه من قبضه حتى يدفع إليه الثمن، فإن أعتقه المبتاع بعد الصفقة وقبل دفع الثمن جاز عتقه إن كان له مال، ويؤخذ منه الثمن، فإن لم يكن له مال رُدّ العتق وبيع في الثمن، إلا أن يوسر قبل البيع فيجوز ذلك العتق، ولو بيع بالقضاء ثم رجع إليه بشراء أو غيره لم يعتق عليه.
2800 - وإن ابتعت سلعة حاضرة بسلعة في بيتك أو بموضع قريب يجوز فيه النقد ووصفتها جاز ذلك، فإن هلكت سلعتك قبل وجوب الصفقة رددت التي قبضت، إلا أن تفوت التي قبضت عندك بيع أو عتق، إن كانت جارية فيلزمك قيمتها يوم التبايع.
ولو كانت سلعتك بموضع بعيد لا يصلح فيه النقد وشرطت قبض التي قبضت فسد البيع، وترد التي قبضت إن كانت قائمة، وإن بعتها أو أعتقتها بعد ذلك لزمتك قيمتها يوم قبضها، ولو أعتقتها في الوجهين ولا مال لك رد العتق.

2801 - وكل بيع فاسد فضمان ما يحدث بالسلعة في سوق أو بدن من البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كانت جارية فأعتقها المبتاع قبل أن يقبضها، أو كاتبها [أو دبرها]، أو تصدق بها، فذلك فوت إن كان له مال، فإن قبضها المبتاع فكاتبها ثم عجزت بعد أيام يسيرة فله الرد، إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه فذلك فوت، فإن عاد [السوق] لهيئته، أو مضى للأمة مثل الشهر فلا بد أن تتغير في بدنها فتفوت.(1)
وأشهب: يفيتها بعقد الكتابة وإن عجزت بقرب ذلك.
وإن اشتراها بيعاً فاسداً فرهنها أو أجرها فذلك فوت، إلا أن يقدر على افتكاكها من الرهن لملائه، أو يقدر على فسخ الإجارة.
وإن اتخذها أم ولد في البيع الفاسد، أو باعها كلها، أو باع نصفها، أو حال سوقها فقط، فذلك فوت في جميعها. وإن اشترى مسلم جارية من ذمي بخمر فأعتقها أو أحبلها، فذلك فوت وعليه قميتها.
2802 - ومن ابتاع عبداً فوجد به عيباً قديماً لا يحدث مثله فرفعه إلى الإمام والبائع غائب، فعلى المبتاع البينة أنه ابتاع بيع الإسلام وعهدته، فإن أقامها لم يعجل الإمام على القريب الغيبة، وأما البعيد فيتلوّم له إن كان يطمع بقدومه، فإن لم يأت قضى عليه برد العبد ثم يبيعه عليه، ويعطى المبتاع ثمنه الذي نقد بعد أن تقول بينة: إنه نقد الثمن وهو كذا وكذا ديناراً، فما فضل حبسه الإمام للغائب عند أمين.
وإن كان نقصاناً رجع المبتاع على البائع بما بقي له من الثمن.
ولو أقام المبتاع البينة أنه ابتاع منه عبداً بيعاً فاسداً، فإن لم يتغير في سوق أو بدن فعل فيه الإمام كفعله في العيوب، وإن تغير في سوق أو بدن حكم عليه الإمام بقيمته، كانت أقل من الثمن أو أكثر، ويفسخ البيع ويتراد هو والبائع الفضل متى ما لقيه.
2803 - وإذا وجبت القيمة في البيع الفاسد لم ينظر هل هي أقل من الثمن أو أكثر، إلا في البيع والسلف ونحوه، وهذا مذكور في البيوع الفاسدة.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/385).

2804 - قال ربيعة: ومن ابتاع جارية على أن لا يبيع ولا يهب، أو على أن يلتمس ولدها، فلا يحل للمبتاع وطؤها على شيء من هذه الشروط، ويخير البائع بين إمضاء البيع بلا شرط أو فسخ البيع.
وقد قال عمر للذي ابتاع أمة من زوجته على أنه متى ما باعها كانت أحق بها بالثمن: لا تقربها وفيها شرط لأحد.
2805 - ومن باع جارية حاملاً، فدلس [بحملها] فماتت منه ولم يعلم به المبتاع، فله الرجوع بالثمن، ولو علم فلم يردها حتى ماتت منه كانت من المبتاع.
قال أشهب: إلا أن يبادر في الطلب، ولم يفرط بقرب ذلك، أو يعلم عندما ضربها الطلق فطلب الرد فلم يصل إليه أو إلى السلطان حتى ماتت، فهي من البائع.
وكذلك لو مضى بعد علمه وقت في مثله ما يرد ولكنه لا يعدّ فيه راضياً لقربه كاليوم ونحوه، ويحلف بالله إنه لم يكن منه رضاً ولا كان إلا على القيام، فإن لم يدلس له البائع فإنما له الرجوع بما بين الصحة والداء.
ومن ابتاع أمة فلم يقبضها حتى ولدت عند البائع، ثم قبضها وظهر على عيب قديم وحدث بها عنده عيب آخر، فأراد الرجوع بحصة العيب القديم فإنها تُقوّم يوم البيع صحيحة ثم معيبة بلا ولد، فيرجع بحصة العيب [القديم] من الثمن.
2806 - وإن ابتاع المأذون أو المكاتب رقيقاً، ثم عجز المكاتب، أو مات قبل الأداء، أو حجر على المأذون له، فللسيد القيام بما لهما من العهدة في الرد بالعيب أو الرضا به، وليس للعبد أن يرضى به، ولو رضي به قبل العجز أو الحجر على وجه النظر بغير محاباة، أو أقام البائع بينة أنه تبرأ من ذلك إلى المكاتب قبل موته لزمه ذلك، وللوارث أن يقوم بالعيب فيما ابتاعه الميت، فإن ادعى البائع أنه تبرأ منه كُلف البينة، وإلا حلف من يُظن به من الورثة علم ذلك على علمهم. ولا يمين على من يرى أنه لا يعلم ذلك.
وإذا رد عبد بعيب على المكاتب بعد عجزه أخذ الثم من ماله، فإن لم يكن له مال بيع عليه في الثمن، فما فضل فله، وما نقص أتبع به.

وإن كان عليه مع ذلك دين فإن رضي المبتاع بالرد كان أسوة الغرماء في ثمن العبد.
2807 - وإذا بعت عبدك من نفسه بأمة له، فقبضتها ثم استُحقت، أو وجدت بها [عيباً]، لم يكن لك ردها عليه، وكأنك انتزعتها منه وأعتقته. ولو بعته نفسه بها وليست له يومئذ، رجعت عليه بقيمتها لا بقيمته، كما لو قاطعت مكاتبك على أمة في يديه فقبضتها وأعتقته وتمت حرمته، ثم استحقت أو وجدت بها عيباً، فإنك ترجع عليه بقيمتها ديناً، وهذا كالنكاح بها، بخلاف البيوع.
2808 - ومن اشترى داراً فوجد بها صدعاً، فأما ما تخاف منه سقوط جدار فليرد به، وإلا فلا.
2809 - ومن ابتاع أمة فوجدها رسحاء: وهي الزلاء، فليس بعيب، [والزعر في العانة عيب، والدين على العبد عيب يرد به إن شاء أو يتماسك به، والدين باق عليه.
2810 - ومن ابتاع عبداً له ولد أو زوجة، أو ابتاع أمة لها ولد أو زوج ولم يعلم بذلك، فذلك عيب يوجب الرد.
ومن ابتاع أمة فألفاها قد زنت عند البائع، فليس على المبتاع بواجب أن يحدها إلا أن ذلك] عيب يرد به في الوخش والعلية، وهو عيب في العبد أيضاً.
2811 - وإن اشتريت عبداً من رجل ثم بعته، فادعيت بعد بيعك العبد أن عيباً كان به عند بائعك فليس لك خصومته الآن، إذ لو ثبت ذلك لم أرجعك عليه. فأما إن رجع إليك العبد بهبة أو شراء أو غيرها فلك القيام بالعيب.
وقال أشهب: عن رجع العبد إليك بشراء، فلك رده على بائعه منك أخيراً، لأن عهدتك عليه ثم هو مخير في الرضا به أو رده عليك، لأن عهدته عليك فإن رده عليك رددته إن شئت على بائعك الأول، فإن لم يرده عليك ورضي بعيبه فقد اختلف الرواة، فقال بعضهم: لا رجوع لك على بائعك الأول بشيء، كان ما بعته به أقل مما اشتريته به أو أكثر.
وقال بعضهم: ينظر فإن كنت بعته من هذا الراضي [بالعيب] بأقل مما ابتعته به، رجعت على بائعك الأول بالأقل من تمام ثمنك أو من قيمة العيب من ذلك الثمن. ولو بعته بمثل الثمن فأكثر فلا رجوع لك [عليه].

قال أشهب: وإن لم ترده أنت على بائعه منك أخيراً، فلك رده على بائعك الأول وأخذ ثمنك، ثم لا رجوع لك بقيمة العيب على البائع منك آخراً، لأخذك الأول بالعهدة، ولو أن المبتاع له منك أخيراً باعه منك بأقل مما ابتاعه [به] منك، فله الرجوع عليك بتمام ثمنه لا بالأقل، لأن له رده عليك وها هو ذا في يديك.
ولو باعه من غيرك بأقل مما ابتاعه به منك فرضيه مبتاعه لم يرجع عليك ههنا إلا بالأقل.
ولو وهبكه المبتاع منك أو تصدق به عليك لرجع عليك بقيمة العيب من الثمن الذي بعته به منه، ثم لك رده على بائعك الأول وأخذ جميع الثمن منه ولا كلام له.
ولو ورثته من مبتاعه منك كان لك رده على البائع الأول وأخذه بجميع الثمن، لأن ما وجب للميت عليك قد ورثته عنه.
2812 - وإذا ابتاع رجلان عبداً فوجدا به عيباً، قال مالك: فلمن شاء منهما أن يرد أو يحبس دون الآخر، وكان يقول أولاً: للبائع مقال.
قال ابن القاسم: وجوب الرد لمن شاء منهما بين، إذ لو فلس أحدهما لم يتبع [الآخر] إلا بنصف الثمن.
2813 - ومن اشترى أمة مستحاضة، فذلك عيب ترد به. وإن اشتراها وهي حديثة السن ممن تحيض فارتفع حيضها عند المبتاع في الاستبراء فذلك عيب، إلا أنها لا ترد في ارتفاعه بعد مضي أيام حيضتها بأيام يسيرة حتى يطول ذلك، فيكون ضرراً في منع المبتاع من الوطء والسفر بها فترد، والسلطان ينظر في الضرر لطول تربص الحيض، ولم يحد مالك شهراً ولا شهرين.
ولو أقام البائع بينة أنها حاضت قبل البيع بيوم لم ينفعه، إذ هي بعد في ضمانه فيما يحدث بها في المواضعة، إلا في التي لا تتواضع، فذلك كله من المبتاع، لأنه يحدث، وكذلك ما يحدث بها بعد العقد من عيب أو هلاك.

2815 - وإذا طعن المبتاع في عبد ابتاعه بعيب، فقال البائع: احلف لي أنه لم يكن به يوم بعته عيب، لم يجب بذلك يمين على البائع لا على البتّ، ولا على العلم، حتى يدعي في عيب ظاهر أنه باعه [إياه] وهو به، ولو مكن من ذلك أحلفه كل يوم على ما شاء أنه لم يبعه وهو به، فإن ظهر به عيب يعلم أنه لا يحدث مثله عند المبتاع وجب به الرد، وإن كان مما يمكن حدوثه عند أحدهما، فإن كان ظاهراً حلف البائع على البت، وإن كان [مما] يخفى مثله، حلف على العلم، وعلى المبتاع البينة، فإن أحلفه عالماً ببينته فلا قيام له، وإن لم يعلم بها فله القيام بها كسائر الحقوق.
2816 - ومن ابتاع عبداً فأبق عنده بقرب البيع، فقال للبائع: أخشى أنه لم يأبق لقرب البيع إلا وقد أبق عندك فاحْلِف، فلا يمين عليه.
وما جهل أمره فهو على السلامة حتى تقوم بينة. وإن دلس البائع بعيب في العبد فرد عليه، فليس له أن يُحلّف المبتاع أنه لم يرض [به] بعد علمه به، إلا أن يدعي علم رضاه بمخبر أخبره انه تسوق به بعد علمه بالعيب أو رضيه، أو يقول: قد بينته له فرضيه.
وكذلك إن قال: احلف أنك لم تر العيب عند الشراء، فلا يمين له عليه حتى يدعي أنه أراه إياه فيحلّفه، أو يقيم بينة فيقضي [له] بها.(1)
2817 - ويرد العبد إن وجد مخنثاً. وكذلك الأمة المذكرة إن اشتهرت بذلك. وإن وجد العبد والأمة ولدي زنا فهو عيب يردان به. والحمل في الوخش والعلية عيب ترد به. وقاله لنا مالك - رحمه الله - حين خالفني ابن كنانة في الوخش.
ومن باع أمة رائعة كانت تبول في الفراش ثم انقطع عنها، فللمبتاع الرد بذلك، لأن على البائع أن يبينه [له]، إذ لا يؤمن عودته، [وكذلك الجنون].
وقال أشهب: إلا أن ينقطع ويمضي كثير من السنين مما يؤمن عودته، فليس عليه أن يبينه، وأما انقطاع لا تؤمن عودته فله الرد.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/457).

قلت: أرأيت من ابتاع أمة فوجدها صهباء الشعر؟ قال: ما سمعت من مالك فيه شيئاً، ولكن سمعته يقول فيمن اشترى جارية فوجد شعرها قد جُعّد أو سُوّد: فإنه عيب ترد به.
وترد الرائعة بالشيب، ولا ترد به غير الرائعة، إلا أن يكون ذلك عيباً يضع من ثمنها.
قال ابن وهب عن مالك: والبخر في الفم عيب ترد به، والخيلان في الوجه والجسد إن كان عند الناس عيباً ينقص الثمن رُدّ به، ولا ترد بالكي الخفيف وشبهه الذي ينقص الثمن، ولا يتفاحش وإن كان عند النخاسين عيباً.
وإذا اتُهم عبد بسرقة فحبس ثم أُلفي بريئاً لم يكن ذلك عيباً وإن لم يبينه بائعه، وقد ينزل ذلك بالحر فلا يجرحه.
2818 - ومن اشترى عبداً عليه دين فلم يرده حتى أسقطه عنه ربه أو أداه البائع، أو كان له ولد صغير أو كبير، فلم يعلم به حتى مات الولد، أو حُم العبد في الثلاث أو أصاب عينه بياض، ثم ذهب في الثلاث فلا يرد بذلك، وكذلك مبتاع أمة في عدة فلم يعلم حتى انقضت، أو بعينها بياض فلم يعلم حتى ذهب، وكل عيب كان فذهب قبل الرد [به] فلا يرد بعد ذلك.
2819 - ومن باع سلعة بمائة دينار، ثم أخذ بالمائة ثوباً فألفاه معيباً فرده، فليرجع بالمائة، وهذا مما لا اختلاف فيه. وكذلك من أخذ من ثمن الطعام طعاماً فإنما ينقض عليه البيع الآخر.
2820 - ومن ابتاع عشرة أثواب في صفقة بمائة دينار، وسموا لكل ثوب عشرة فأصاب بأحدها عيباً، لم ينظر إلى ما سمّوا لكل ثوب، ولكن يقسم الثمن على قيم الثياب، فإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة رده بحصته من الثمن، وإن كان وجه الصفقة لم يكن له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن، أو رد جميع الصفقة، فإن كان قيمة المعيب خمسين ديناراً وقيمة كل سلعة سواه نحو الثلاثين، لم يكن وجه الصفقة حتى تكون حصته أكثر الثمن، مثل أن يكون ثمن الجميع مائة دينار وثمن هذا المعيب سبعين ديناراً أو ثمانين، فهذا وجه الصفقة.

2821 - وإذا رددت عبداً أو داراً بعيب، كان ما اغتللت منهما لك بضمانك. وإن أصاب الدار أو العبد عندك عيب، رددت معهما ما نقصهما.
وإذا ولدت الأمة عندك ثم رددتها بعيب رددت معها ولدها، وإلا فلا شيء لك. وكذلك ما ولدت الإبل والبقر والغنم، ولا شيء عليك في الولادة إلا أن ينقصها ذلك فترد ما نقصها، وليس عليك شيء فيما جززت من صوف أو وبر، أو حلبت من لبن، أو انتفعت به من زبد أو سمن، لأن ذلك غلة، سواء كان بيدك أو قد فات، وترجع بجميع الثمن.
وكذلك في البيع الفاسد ترد، ولا شيء عليك من الغلات فيه.
وأما الولد فيفيت البيع الفاسد ويوجب القيمة، ولو كان صوف الغنم يوم الصفقة تاماً فجززته، ثم رددتها بعيب فإنك ترد ذلك معها، أو مثله إن فات، ولا ترد للبن شيئاً، وإن كان في الضروع يوم التبايع وذلك خفيف.
ولو كانت نخلاً فجذذتها زماناً ثم رددتها بعيب أو استحقت، فلا شيء عليك للثمرة، لأن الغلة بالضمان، وترجع على بائعك بالثمن كله، وإن كانت الثمرة يوم الشراء مأبورة فاشترطتها، فإنك إن ردد النخل بعيب رددت معها الثمرة، وإلا فلا شيء لك، فإن رددتها معها كان لك أجر سقيك وعلاجك فيها، ولما لم تكن واجبة إلا باشتراط صح أن لها من الثمن حصة، ولم ألزمها لك بحصتها من الثمن كسلعة ثانية، فتصير إذا أُفردت بيع ثمرة لم يبد صلاحها. وهي كمال العبد إذا انتزعته رددته معه حين ترده بعيب، وإن هلك المال قبل انتزاعك لم يلزمك له نقص من ثمنك إن رددته بعيب.
وكذلك ما يأتي على الثمن من أمر من الله سبحانه قبل جذاذها.
قال أشهب في الثمرة وإن أُبرّت، وفي الصوف وإن تم يوم الصفقة: فهما غلة لا يرد ذلك في رده بالعيب.
قال ابن شهاب: وكذلك الدابة يُسافَر عليها ثم يردها بعيب، فلا كراء عليه.

2822 - وكل ما حدث بالرقيق والحيوان والدور عند المبتاع من عيب مفسد، فلا يرده إن وجد به عيباً إلا بما نقصه ذلك عنده، دلّس له البائع بالعيب [أو لا] بخلاف الثياب تقطع وتصبغ وتقصر، إذ لهذا تُشترى، فيفترق بها التدليس عن غيره، ويصير المدلس كالآذن في ذلك، فلا شيء له في الرد مما نقصها، إلا أن يفعل في الثياب ما لا يفعل في مثلها، أو يحدث فيها عيب مفسد من غير التقطيع، فلا يُرد إلا بما نقصها، فإن قطع الثياب قمصاً أو سراويلات أو أقبية، ثم ظهر على عيب لم يعلم به البائع، فالمبتاع مخير في حبسه والرجوع بقيمة العيب، أو رده وما نقصه القطع، فإن دلس له به البائع فلا شيء على المبتاع لما نقص القطع إن رده. فإن ادعى [المبتاع] أن البائع دلس له فأنكره، أحلفه.
2823 - ولو قال البائع: علمت بالعيب وأنسيته حين البيع، حلف أنه نسيه وكان له ما نقصه القطع، وكذلك الجلود تقطع خفافاً أو نعالاً، وسائر السلع إذا عمل بها ما يعمل بمثلها مما ليس بفساد، فإن فعل في ذلك ما لا يفعل في مثله كقطع الثوب الموشى خرقاً، أو تباين فليس له رده، وذلك فوت، ويرجع على البائع بقيمة العيب من الثمن.
2824 - وأما إن لبس الثوب لبساً ينقصه لم يرده إلا بما نقصه اللبس في التدليس وغيره، لأنه انتفه [به] وبحبسه، ويرجع بقيمة العيب، ولا يرد لِلّبس الخفيف شيئاً إذا لم ينقصه.

وأما إن صبغ الثوب صبغاً ينقصه، أو قطعه والبائع مدلس، فللمبتاع الرد بلا مغرم، أو التمسك [به] والرجوع بقيمة العيب، وإن لم يدلس البائع في الثياب فردها عليه المبتاع بعيب قد حدث بها عند المبتاع، وإن لم يفسدها فليرد معها ما نقصها، والعيوب في الثياب ليست كالعيوب في الحيوان، [لأن يسير الخرق في وسط الثوب ينقص ثمنه، والكيّة وشبهها تكون في الحيوان] لا تكاد تضع من ثمنه كبير شيء، إلا أن يحدث عند المبتاع الشيء الخفيف الذي لا خطب له فليرده ولا يرد معه شيئاً، ولو فعل في الثوب ما زادت به قيمته من صبغ أو غيره، فله حبسه وأخذ قيمة العيب أو رده، ويكون بما زادت الصنعة شريكاً، لا بقيمة الصنعة ولا بما أدى، سواء دلس في هذا أو لا.(1)
2825 - وكل ما بيع من غير الحيوان وفي باطنه عيب من أصل الخلقة يجهله المتبايعان، ولا يعلم بفساده، مثل الخشب وشبهها يشق فيلقى في داخلها عيب فليس له رد، ولا قيمة [عيب]، وكذلك الجوز الهندي وسائر الجوز يوجد داخله فاسداً، أو القثاء أو البطيخ يوجد مراً فلا يُرد.
[قال مالك - رحمه الله - : وأهل السوق يردونه [إذا وجدوه مراً]، وما أدري بم ردوا ذلك؟، إنكاراً لرده].
وأما البيض فيرد لفساده، لأنه مما يعلم ويظهر فساده قبل كسره وهو من البائع.
2826 - وإذا ابتعت حنطة كانت مبلولة فجفت، أو عسلاً أو لبناً مغشوشاً، فلم تعلم حتى أكلت ذلك، فلك الرجوع بما بين الصحة والداء، إذ لا يوجد مثله بغشه، ولو وجدت مثله حتى يحاط بعلم ذلك، لرددت مثله وأخذت جميع الثمن.
__________
(1) انظر: الموطأ (2/750)، وشرح الزرقاني (4/51)، والمدونة الكبرى (10/334)، والكافي لابن عبد البر (1/351).

2827 - ولو ابتعت أمة ذات زوج علمت به، ثم افتضها الزوج [عندك] ثم ظهرت على عيب، فلك ردها، ولا تغرم لنقص الافتضاض شيئاً. وإن اشتريت عبداً ثم بعته من الذي باعكه بمثل الثمن، فلا تراجع بينكما في تدليس ولا غيره، وإن بعته منه بأقل من الثمن قبل علمك بالعيب، رجعت عليه بتمام الثمن، دلّس لك [به] أم لا.
وإن بعته منه بأكثر من الثمن، فلا رجوع له عليك إن كان مدلساً، وإن لم يدلس فله رده عليك وأخذ ثمنه منك، ثم لك رده عليه وأخذ ثمنك، فتتقاصان إن شئتما. وإن وهبته لبائعه منك ثم اطلعت على العيب الذي كان به، رجعت عليه بحصة العيب من الثمن.
وإن بعت نصفه من أجنبي ثم علمت بالعيب فالخيار هاهنا للبائع، لضرر الشركة فيه، في أن يغرم لك نصف قيمة العيب، أو يقبل نصف العبد بنصف الثمن، ولا شيء عليه للعيب.
2828 - ومن ابتاع خفين أو نعلين أو مصراعين أو شبه ذلك مما لا يفترق، فأصاب بأحدهما عيباً بعدما قبضهما أو قبل، فإما ردهما جميعاً أو رضيهما. وأما ما ليس بأخ لصاحبه أو كانت نعالاً فرادى، فله رد المعيب، على ما ذكرنا في اشتراء الجملة.
2829 - ومن باع بعيراً فتبرأ من دبرته، فإن كانت مُنْغِلة مفسدة لم يبرأ، وإن أراه إياها حتى يذكر ما فيها من نغل أو غيره. وكذلك إن تبرأ في عبد من إباق أو سرقة، والمبتاع يظن إباق [مثل] ليلة أو إلى مثل العوالي، أو سرقة الرغيف، فوجد ينقب [البيوت] أو قد أبق إلى مثل مصر أو الشام، فلا يبرأ حتى يبين أمره.
2830 - ولو تبرأ من كي بلأمة فوجد الكي بالظهر والفخذين، فقال المبتاع: ظننته ببطنها، فلا رد له، إلا أن يكون متفاحشاً على ما ذكرنا في الدَبَرة والإباق.
وإن تبرأ من عيوب الفرج، فإن كانت مختلفة ومنها المتفاحش، لم يبرأ حتى يذكر أي عيب هو، إلا من اليسير فإنه يبرأ.

وأما الرَتق وما تفاحش فلا [يبرأ منه]، ولو تبرأ من الرتق فوجد بها المبتاع رتقاً لا يقدر على علاجه، فإن كان من الرتق ما يقدر على علاجه، ومنه ما لا يعالج، لم يبرأ البائع حتى يبينه.
2831 - ومن كثر في براءته [من] أسماء العيوب، فلا يبرئه إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه، وقد منع عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أن يذكر في البراءة عيوباً ليست في المبيع إرادة التلفيق.(1)
قال النخعي: ولو قال: أبيعك لحماً على بارئة، لم يبرأ حتى يسمي العيب. قال شريح: حتى يضع يده عليه.
2832 - وإن أتى بائع الأمة فتبرأ من عيب ذكره، فإن كان ظاهراً فذلك له والمبتاع مخير، وإن لم يكن ظاهراً لم تنفعه براءته ولا رد [له] للبيع، ثم إن ظهر للمبتاع عيب قديم كان له الرد أو الرضا. ولو أقام البائع البينة أن بها عيباً باطناً مُكّن من ذلك، ثم خيّر المبتاع في أخذها أو ردها.
2833 - وما بيع من الرقيق بغير براءة فمات في الثلاث، أو أصابه مرض أو عيب، أو ما يعلم أنه داء فهو من البائع، وللمبتاع رده ولا شيء عليه.
وكذلك إن مات، أو غرق، أو سقط من حائط، أو خنق نفسه، أو قُتل، كان من البائع في الثلاث، ولو جرح، أو قطع له عضو كان نقصه للبائع، ثم للمبتاع الخيار في رده أو قبوله معيباً بالثمن كله.
ومن ابتاع عبداً فأبق في الثلاث كان من البائع، إلا أن يبيعه بيع براءة.
قال ابن نافع عن مالك: فإن بيع على البراءة من الإباق، فأبق في الثلاث فهو من البائع، حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالماً.
قال: ولا أعجل برد الثمن، وأضرب للعبد أجلاً، فإن علم أنه خرج من الثلاث سالماً كان من المبتاع، وإن جهل أمره كان من البائع.
ولو وجدناه بعد الثلاث لم تؤتنف فيه عهدة ولا حجة على البائع في إباقه، لأنه تبرأ منه.
__________
(1) رواه ابن القاسم في المدونة (10/336).

2834 - قال مالك - رحمه الله - : ولا تنفع البراءة مما لا يعلم البائع في ميراث أو غيره في شيء من السلع والحيوان إلا في الرقيق وحده.
ومن باع عبداً أو وليدة وشرط البراءة فقد برئ مما لا يعلم إلا من الحمل في الرائعة، لأنها تتواضع، ولا يبرأ مما علم.
2835 - وبيع السلطان للرقيق في الديون أو المغنم وغيره بيع براءة، وإن لم يشترط، وكذلك بيع الميراث في الرقيق إذا ذكر أنه ميراث، وإن لم يذكر البراءة، ولم يذكر ميراثاً لم يبرأ، إلا بذكر البراءة، وليس للمبتاع رده بعيب قديم ولا في ذلك عهدة ثلاث ولا سنة، وهو من المبتاع بعقد الشراء، ولا ينفع في غير الرقيق شرط البراءة، باعه وارث أو وصي أو سلطان. وقد رجع مالك - رحمه الله - فقال: لا تنفع البراءة في الرقيق أيضاً، وإن باعه وصي أو ورثته أو غيرهم من الناس، إلا أن يكون عيباً خفيفاً فعسى.
قال: ومن ذلك من يقدم عليه الرقيق فيبيع بالبراءة ولم يختبرها ولا كشفها، فلا براءة له، وإنما كانت البراءة فيما باع السلطان على مفلس ونحوه.
قال ابن القاسم: وبأول قوله أقول. وثبت مالك على أن بيع السلطان بيع براءة، وقال: وهو أشد من بيع البراءة.
وإذا كتم الورثة عيوباً يعلمونها لم ينفعهم شرط البراءة ولا ذكر الميراث.
ولا يجوز بيع أمة رائعة بشرط البراءة من الحمل، ولا بأس بذلك في الوخش من الزنج وغيرهم إن لم يطأها البائع، إذ ليس بكبير نقص فيها، وربما زاد ثمنها به، وهو مخاطرة في الرائعة، لكثرة ما ينقصها إن كان بها، ولو كان بها [حمل] ظاهر وليس من السيد جازت البراءة منه، وزال التخاطر، وثمن خمسين لها حكم الرائعة، وهي ممن تراد للوطء، ولا يبرأ البائع من عيب يعلمه في الرقيق حتى يسميه، ولا يبرأ في غيرها إلا مما سمى، علم عيباً أم لا.(1)
__________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (5/221)، والتقييد للزرويلي (4/108).

2836 - ولا عهدة في الرقيق على أهل الميراث ولا أيمان ولا تباعة، إلا أن يقيم المبتاع بينة أنهم كتموه عيباً علموه.
قيل: فمن اشترى [عبداً] من مال رجل - فلّسَه السلطان - فأصاب به عيباً، على من يرده؟ أعلى السلطان أم على المفلس أم على الغرماء؟.
قال: بلغني أن مالكاً - رحمه الله - قال: يرد على الغرماء الذين بيع لهم وأخذوا المال، [قال مالك:] ولو جمع السلطان متاعه فباعه لهم ثم تلف ما اجتمع من الأثمان قبل قسمها كانت من الغرماء، ولو تلف ما جمع للبيع من المتاع كان من المديان، فإن أعتق المديان أمته ولا مال له، فرد الغرماء عتقه وتركوها [موقوفة] في يديه [فلا يطؤها حتى تباع في دينه] أو تعتق إن أفاد مالاً.
وإن باعها السلطان عليه في دَينه، ثم أيسر فاشتراها بقيت له رقاً، وحلّ له وطؤها.
ومن وجد أمته التي باع بيد المبتاع بعد أن فلّس كان أحق بها، إلا أن يعجل له بقية الغرماء جميع الثمن، فإن فعلوا ثم هلكت الأمة قبل أن تباع كانت من المديان، وعليه خسارتها، وله ربحها، وليس له منعهم من أداء ثمنها عنه بأن يقول: إما أبرأتموني مما تدفعون فيها أو أسلموها.
2837 - ومن باع لرجل سلعة بأمره من رجل، فإن أعلمه في العقد أنها لفلان فالعهدة على ربها، فإن ردت بعيب فعلى ربها تُردّ، وعليه الثمن لا على الوكيل، وإن لم يُعلمه [الوكيل] أنها لفلان حلف الوكيل، وإلا ردت السلعة عليه.
2838 - وما باعه الطوافون في المزايدة مثل النخاسين وغيرهم، أو من يعلم أنه يبيع للناس، فلا عهدة عليهم في عيب ولا استحقاق، والتباعة على ربها إن وُجد، وإلا أُتبِع.
وإذا رُدّت السلعة بعيب ردّ السمسار الجُعل على البائع.
ومن ابتاع سلعة لرجل فأعلم به البائع، فالثمن على الوكيل، كان نقداً أو إلى أجل حتى يقول له في العقد: إنما ينقد فلان دوني، فالثمن على الآمر حينئذ.

2839 - ولا عهدة على قاض أو وصي فيما وليا بيعه، والعهدة في مال اليتامى، فإن هلك مال الأيتام ثم استحقت السلعة فلا شيء على الأيتام.
2840 - قال ابن القاسم: وإذا باع السلطان عبداً لمفلس وقد كان أعتقه، وقسم الثمن بين غرمائه، ثم وجد به المبتاع عيباً قديماً لم يرده، لأنه بيع براءة، إلا أن يعلم أن المديان علم به فكتمه، فللمبتاع الرد، ويؤخذ الثمن من الغرماء إن كان المديان الآن عديماً، ثم يباع لهم ثانية بالبراءة من العيب، وإن نقص ثمنه عن حقهم اتبعوه به، ولو كان الآن ملياً أدى هو الثمن من ماله، ولم يتبع الغرماء بشيء، وكان العبد حراً، لأن البيع الأول لم يتم حين رده بالعيب.(1)
ولو حدث به عيب آخر مفسد عند المبتاع كان له حبسه وأخذ قيمة العيب من ربه في ملائه، أو من الغرماء في عدمه، أو رده ورد ما نقصه العيب الثاني، ثم يعتق على البائع في ملائه ويغرم الثمن، أو يباع للغرماء في عدمه.
2841 - وما أصاب العبد [في عهدة الثلاث]، وفي عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص، فمن [البائع]، وللمبتاع الرد، وكذلك إن وسوس في السنة فأطبق عليه وذهب عقله أو وسوس رأس كل شهر، [ولو جُنّ في رأس شهر واحد من السنة]، ثم لم يعاوده لرُدّ، إذ لا يعرف ذهابه.
ولو جُنّ عنده مرة ثم انقطع لم يجز بيعه حتى يبين، إذ لا يؤمن من عودته.
ولو أصابه في السنة جذام أو برص ثم برئ قبل علم المبتاع به لم يرده إلا أن يخاف عودته أهل المعرفة فيكون كالمجنون.
وليس له رده من الجرب والحمرة وإن تسلخ وورم، ولا من البهق في السنة.
ولو جنى عليه رجل في السنة بضربة أذهبت عقله لكان من المبتاع ولا يرد.
ولو أصابه في السنة صمم أو خرس لم يرد إذا كان معه عقله.
وإن ذهب من ذلك عقله كان من البائع، وعهدة السنة [وعهدة] الثلاث أمر قائم بالمدينة.
__________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/98).

2842 - قال مالك - رحمه الله - : ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق فما حدث بالرأس في الثلاث من مرض أو موت فهو من البائع، ولا يجوز النقد في الثلاث بشرط.
وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص لا غير ذلك والنقد فيها جائز.
* * *

(كتاب الصلح)(1)
2843 - وإن اشتريت من رجل عبداً بمائة دينار دفعتها إليه، ثم أصبت به عيباً ولم يفت العبد، فصالحك البائع على عشرة دنانير نقدها لك جاز، لأنك قد استرجعت عشرة من دنانيرك وأخذت العبد بتسعين. وإن تأخرت الدنانير على غير شرط جاز، وأما بشرط فلا يجوز، لأنه بيع وسلف منك للبائع.
وإن صالحك على أن يدفع لك مائة درهم إلى شهر لم يجز، لأنه بيع عبدٍ نقداً ودراهم إلى أجل بدنانير نقداً، وذلك صرف مستأخر.
ويجوز على دراهم نقداً إن كانت أقل من صرف دينار.
وقال أشهب: ذلك جائز، وإن كانت أكثر من صرف دينار.
وإن فات العبد فصالحك على أن دفع لك دنانير، أو دراهم، أو عرضاً نقداً جاز ذلك بعد معرفتكما بقيمة العيب.
وإن صالحك على دنانير إلى شهر، جاز ذلك إن كانت الدنانير مثل حصة العيب من الثمن أو أقل، وإن كانت أكثر لم يجز، لأنه تأخير بزيادة. وإن صالحك على دراهم، أو عرض إلى أجل لم يجز، لأنك فسخت حصة العيب من الذهب في ذلك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/88)، ومواهب الجليل (5/398)، والمدونة (11/360)، والفروق للقرافي (2/249)، وجواهر العقود (1/136)، ومنح الجليل (6/135)، والشرح الكبير (3/80).

2844 - وإن ابتعت طوق ذهب فيه مائة دينار بألف درهم محمدية نقداً، فوجدت به عيباً، فصالحك منه البائع على دينار نقدك إياه جاز [ذلك]، وكأنه في عقد البيع. وإن صالحك على مائة درهم محمدية من سكة الثمن، فإن كانت نقداً جاز، وكأن البيع وقع بتسعمائة. وإن كانت إلى أجل لم يجز، لأنه بيع وسلف منك للبائع، وإن صالحك على مائة درهم يزيدية من غير سكة الثمن، أو على تبر فضة لم يجز، لأنه بيع ذهب وفضة بفضة.
2845 - ومن مات عن ولد وزوجة، وترك دنانير ودراهم حاضرة، وعروضاً حاضرة وغائبة، وعقاراً، فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة، فإن كانت قدر مورثها من الدراهم فأقل جاز ذلك، وإن كانت أكثر لم يجز، لأنها باعت عروضاً حاضرة وغائبة، ودنانير بدراهم نقداً، وهذا حرام.(1)
2846 - وإن صالحها الولد على دراهم أو دنانير من غير التركة، قَلّت أو كثرت لم يجز. فأما على عروض من ماله نقداً فذلك جائز بعد معرفتهما بجميع التركة وحضور أصنافها، وحضور من عليه العروض وإقراره. فإن لم يقفا على معرفة ذلك [كله] لم يجز. وإن ترك دنانير ودراهم وعروضاً، وذلك كله حاضر لا دين فيه ولا شيء غائب، فصالحها الولد على دنانير من التركة، فذلك جائز إن كانت الدراهم يسيرة.
2847 - وإن ترك دراهم وعروضاً فصالحها على دنانير من ماله، فإن كانت الدراهم يسيرة [قدر] حظها منها أقل من صرف دينار، جاز إن لم يكن في التركة دين، وإن كان في حظها منها صرف دينار فأكثر لم يجز.
وإن ترك دنانير وعروضاً فصالحها على دنانير من غير التركة لم يجز، لأنه ذهب وسلعة بذهب.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/85).

وإن كان في التركة دين من دنانير أو دراهم لم يجز الصلح على دنانير أو دراهم نقداً من عند الولد، وإن كان الدين حيواناً، أو عروضاً من بيع، أو قرض، أو طعام من قرض لا من سلم، فصالحها من ذلك على دنانير أو دراهم عجلها لها من عنده فذلك جائز، إذا كان الغرماء حضوراً مقرين، ووصف ذلك كله.
2848 - وإن ترك الميت دنانير حاضرة وعروضاً ديناً من دراهم ودنانير وطعاماً من سلم، فصالحها على دنانير من التركة نقداً، فإن كانت قدر مورثها من الدنانير الحاضرة فأقل جاز، وإن كانت أكثر لم يجز، وإن صالحها على دنانير أو دراهم من غير التركة لم يجز.
2849 - وإذا صالح شريك شريكه على دنانير من جميع ما بينهما، وبينهما دنانير ودراهم وعروض وفلوس لم يجز. ومن لك عليه مائة درهم حالة - وهو مقر بها - جاز أن تصالحه على خمسين [منها] إلى أجل، لأنك حططته وأخرته.
ولا بأس أن تصالحه على عرض أو ذهب نقداً، ولا يجوز فيهما تأخير.
والإقرار والإنكار فيما ذكرنا سواء، لأنك إن كنت محقاً لم يجز فسخك إياه من غيره، وإن كنت مبطلاً لم يجز لك أخذ شيء عاجل أو آجل.
2850 - وإذا كان بين الرجلين خلطة فمات أحدهما وترك ولدين، فادعى أحد الولدين أن لأبيه قبل خليطه مالاً، فأقر له أو أنكر، فصالحه على حظه من ذلك بدنانير، أو دراهم، أو عرض، فلأخيه أن يدخل معه فيما أخذ، وكل ذِكر حقَّ لهما، بكتاب أو بغير كتاب، إلا أنه كان من شيء بينهما فباعاه في صفقة بمال، أو بعرض يكال أو يوزن غير الطعام والإدام، أو من شيء أقرضاه من عين أو طعام، أو غيره مما يكال أو يوزن، أو ورثا هذا الذكر الحق، فإن ما قبض منه أحدهما يدخل فيه الآخر.

وكذلك إن كانوا جماعة فإنه يدخل فيه بقية أشراكه، إلا أن [يكون الذي عليه الحق غائباً]، فيشخص [إليه] المقتضي بعد الإعذار إلى شركائه في الخروج معه أو الوكالة فامتنعوا، فإن أشهد عليهم لم يدخلوا فيما اقتضى، لأنه لو رفعهم إلى الإمام لأمرهم بالخروج أو التوكيل، فإن فعلوا وإلا خلى بينه وبين اقتضاء [حقه]، ثم لم يدخل عليه أحد منهم فيما اقتضى.
فإن شخص لذلك دون الإعذار إليهم، أو اقتضى من حاضر فلشركائه أن يدخلوا معه فيما أخذ، قبض جميع حقه أو بعضه، أو يسلموا له ما قبض ويتبعوا الغريم، فإن اختاروا اتباع الغريم وسلّموا له ما قبض لم يدخلوا معه بعد ذلك فيما قبض وإن نوى ما على الغريم، لأن ذلك مقاسمة للدين، فصار كذكر حق بكتابين. والحق إذا كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى، ولم يدخل عليه فيه شركاؤه، وإن كان من شيء أصله بينهما أو باعاه في صفقة.

وإن كان لهما مائة دينار من شيء أصله بينهما وهي بكتاب واحد أو بغير كتاب، فصالح أحدهما من جميع حقه على عشرة دنانير، ولم يشخص أو شخص ولم يعذر إلى شريكه، فشريكه مخير في تسليم ذلك واتباع الغريم بخمسين، أو يأخذ من شريكه خمسة ويرجع هو بخمسة وأربعين وصاحبه بخمسة، وهكذا قال غيره في كتاب المديان، وذكر فيه ابن القاسم أن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه خمسة ثم يرجع هو على الغريم بخمسين جميع حقه، فإذا قبضها دفع للمصالح الخمسة التي أخذ منه، وقال غيره في كتاب الصلح: إن اختار الذي لم يصالح أن يدخل مع المصالح في العشرة، فإني أجعل دَينهما [كأنه] كان ستين ديناراً، فيكون له خمسة أسداس العشرة، وللمصالح سدسها، ثم يرجع المصالح بخمسة أسداسها على الغريم، ويرجع عليه الآخر بما بقي له، وذلك إحدى وأربعون ديناراً وثلثا دينار، وكذلك لو قبض أحدهما العشرة اقتضاء ثم حط عن غريمه أربعين، ثم قام عليه شريكه بعد ذلك فاختار مقاسمته، فليفعلا كما وصفنا، فأما لو قام عليه شريكه قيل الحطيطة فقاسمه العشرة بشطرين، ثم حطه الأربعين فلا يرجع عليه شريكه بشيء، لأنه قاسمه وحقه كامل، فمضى ذلك على ما قسما، ثم يتبعان الغريم هذا بخمسة وصاحبه بخمسة وأربعين.
2851 - ولو باع أحدهما حقه أو صالح منه على عشرة أقفزة قمحاً جاز، ولشريكه تركه واتباع الغريم، وأخذ نصف القمح من الشريك.
قال سحنون: ثم تكون بقية الدين بينهما، وذلك أنه تعدى له على دين فابتاع به شيئاً، فهو كعرض باعه بغير أمره وليس كعين تعدى فيه.
والصلح في غير موضع أشبه شيء بالشراء، وهكذا قال غيره في [كتاب] المديان.
وقال فيه ابن القاسم: إن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه نصف العرض الذي صالح عليه، ثم إذا قبض هو جميع حقه ردّ على المصالح قيمة العرض الذي أخذ منه يوم وقع الصلح به.(1)
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/370).

2852 - [قال ابن القاسم] في كتاب الصلح: ولو كان دينهما ثياباً أو عرضاً مما يكال أو يوزن، أو لا يوزن ولا يكال من غير الطعام والإدام فصالح أحدهما، أو باع حقه بعشرة دنانير جاز، ولشريكه أخذ نصفها ثم يكون ما بقي على الغريم بينهما، وإن شاء سلم له ذلك وأتبع الغريم بجميع حقه، ثم لا رجوع له على الشريك وإن أعدم الغريم.
2853 - ومن له عليك مائة دينار فرهنته بها شيئاً يغاب عليه قيمته، أقل من الدين أو أكثر، ثم صالحك على ألف درهم، أو باع منك المائة بألف درهم نقداً، ثم ادعى أن الرهن ضاع قبل الصلح أو بعده فهو له ضامن، إلا أن يقيم بذلك بينة، والبيع والصلح نافذ.
2854 - ومن وجب لك عليه دم عمد، أو جراحة فيها قصاص، فادعيت أنه صالحك على مال وأنكر الصلح، فليس لك أن تقتص منه، ولك عليه اليمين أنه ما صالحك.
2855 - والقاتل خطأ إذا صالح الأولياء على مالٍ نجموه عليه فدفع إليهم نجماً، ثم قال: ظننت أن الدية تلزمني، فذلك له، ويوضع عنه ويتبعون العاقلة بالدية، ويردون إليه ما قبضوا منه إذا كان يجهل ذلك. ولو أقر رجل بقتل رجل خطأ ولم تقم بينة، فصالح الأولياء على مال قبل أن تلزم الدية العاقلة بقسامة، وظن أن ذلك يلزمه فالصلح جائز، وقد اختلف عن مالك في الإقرار بالقتل خطأ. فقيل: على المقر في ماله. وقيل: على العاقلة بقسامة، في رواية ابن القاسم وأشهب.
وكل ما وقع به الصلح من دم عمد، أو جراح عمد، مع المجروح أو مع أوليائه بعد موته، فذلك لازم، كان أكثر من الدية أضعافاً أو أقل من الدية، لأن [دم] العمد لا دية فيه إلا ما اصطلحوا عليه، وإذا وجب لمريض على رجل جراحة عمد فصالحه في مرضه، على أقل من الدية، أو من أرش تلك الجراحة ثم مات من مرضه فذلك جائز لازم، إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وإن لم يدّع مالاً.(1)
__________
(1) انظر: منح الجليل (6/168).

2856 - ومن قتل رجلاً عمداً له وليان فصالحه أحدهما على عرض أو قرض، فللولي الآخر الدخول معه في ذلك ولا سبيل إلى القتل.
قال غيره: وإن صالح من حصته على أكثر من الدية، أو على عرض قلّ أو كثر فليس له غيره، ولم يكن لصاحبه على القاتل إلا بحساب الدية، ولا سبيل إلى القتل، إذ لو عفا الأول جاز عليه عفوه، ولا يدخل أحدهما على الآخر في هذا القول فيما أخذ، إذ ليس دم العمد بمال، وهو كعبد بينهما باع أحدهما حصته بما شاء فلا يدخل عليه الآخر فيه.
قال أشهب: إن عفا أحد الابنين على الدية فأكثر منها، عن جميع الدم ولهما أخت، فذلك كله بين البنين على خمسة، للبنت [الخمس] ولكل ابن خمسان. ولو صالح بذلك على حصته فقط، كان للأخ والأخت اللذين لم يصالحا على القاتل ثلاثة أخماس الدية، يضمانه إلى ما صالح به أخوهما، ثم يقتسمون الجميع على خمسة كما ذكرنا، هذا إذا كان صالحه من حصته على خمس الدية فأكثر، فإن كان على أقل من خمسي الدية فليس له غيره. ويرجع الأخ الآخر والأخت على القاتل بثلاثة أخماس الدية، فيكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
2857 - وإن صالح عن الدم كله بأقل من الدية فله الخمسان من ذلك، ويسقط ما بقي عن القاتل من حصته، ويكون للأخ الآخر والأخت ثلاثة أخماس الدية كاملاً في مال القاتل.
قال ابن القاسم: وكل ما صُولح به من دم العمد والخطأ فللزوجة ميراثها [فقط] ولسائر الورثة على فرائض الله تعالى.
2858 - وإذا قطع جماعة يد رجل، أو جرحوه عمداً، فله صلح أحدهم والعفو عمن شاء، والقصاص ممن شاء. وكذلك للأولياء في النفس.(1)
ومن قطعت يده عمداً فصالح [القاطع] على مال أخذه، ثم نزى فيها فمات، فلأوليائه أن يقسموا ويقتلوا، ويرد المال ويبطل الصلح، فإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوا في قطع اليد.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/86).

وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة، ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه.
ولو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة: قد عادت [الجناية] نفساً فاقتلوني وردوا المال، فليس ذلك له، ولو لم يكن صالح [فقال ذلك وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقسمون فذلك لهم، وإن شاءوا أقسموا وقتلوا].
2859 - ولا يجوز الصلح من جناية عمد على ثمرة لم يبد صلاحها فإن وقع ذلك ارتفع القصاص وقضي بالدية، كما لو وقع النكاح بذلك وفات بالبناء قُضي بصداق المثل.
وقال غيره: يمضي ذلك إذا وقع وهو بالخلع أشبه، لأنه أرسل من يده بالغرر ما كان له أن يرسله بغير عوض، وليس كمن أخذ بضعاً ودفع فيه غرراً.
2860 - ومن صالح من دم عمد، أو خالع على عبد، فذلك جائز، فإن وجد به عيباً يرد من مثله في البيوع فإنه يرده ويرجع بقيمة العبد صحيحاً، إذ ليس للدم والطلاق قيمة تعلم فيرجع بها، وكذلك النكاح في هذا، وإذ للمقتول العفو عن دم العمد وجراحات العمد في مرضه، وإن لم يدع مالاً، أو له مال وعليه دين يغترقه وليس لورثته أن يقولوا فعله في ثلثه، ولا لغرمائه إن كان عليه دين أن يقولوا: فرّ عنا بماله، ولا ينظر إلى قولهم، وعفوه جائز.
ولو صالح من ذلك، أو من جرح عمد يُخاف منه موته على مال، فثبت ثم حطّ المال بعد ذلك لم يجز إن أحاط الدين به، وإن لم يكن عليه دين كان ما فعل في ثلثه.
ومن جنى جناية عمداً وعليه دين يحيط بماله فأراد أن يصالح منها على مال يعطيه من عنده ويسقط القصاص عن نفسه، فللغرماء رد ذلك.

2861 - قلت: فمن ادعى داراً في يدي رجل فأنكر، فصالحه المدعي على مال أخذه منه، ثم أقر له المطلوب؟ [قال:] قال مالك - رحمه الله - : فيمن ادعى قبل رجل مالاً أو داراً فأنكره فصالحه من ذلك على شيء أخذه منه ثم وجد بينة فإن كان الطالب عالماً بالبينة فلا قيام له، وإن كانت بينته غائبة فخاف موتهم أو إعدام الغريم إلى قدومهم، فلا حجة له في ذلك، ولو شاء تربص، وإن لم يعلم بالبينة فله القيام ببقية حقه، فهذا يدلك على مسألتك.
2862 - والصلح جائز على الإقرار وعلى الإنكار.
ومن ادعى على رجل مالاً فأنكره أو أقر له، فصالحه منه على شيء قبضه، جاز ذلك وكان صلحاً قاطعاً لدعواه.
وإن ادعيت على رجل ديناً فصالحك منه على عشرة أرطال من لحم شاته وهي حية، لم يجز.(1)
قال أشهب: أكرهه، فإن حبسها وعرف نحوها وشرع في الذبح جاز.
2863 - وإن استهلك لك بعيراً لم يجز أن تصالحه على بعير مثله إلى أجل، [لأنك فسخت] ما وجب لك من القيمة في بعير [لا تتعجله].
وكذلك إن استهلك لك متاعاً فصالحته على طعام، أو عرض مؤجل [لم يجز]، فأما على دنانير مؤجلة فإن كانت أكثر من القيمة لم يجز، وإن كانت كالقيمة فأدنى، وكان ما استهلك لك يباع بالدنانير بالبلد، فذلك جائز، ويجوز على دراهم نقداً، أو عرض نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك من الدنانير، ولا يجوز ذلك إلى أجل، وإن كان مما يباع بالدراهم جاز الصلح على دراهم مؤجلة مثل القيمة فأدنى، ولا يجوز على دنانير أو عرض إلا نقداً بعد معرفتكما بقيمة المستهلك ن الدراهم، وإن اشترطتما تأخير ذلك إلى أجل لم يجز.
ولو تعجلته بعد الشرط لم يجز، وكذلك إن ادعيت أنه استهلك لك عبداً أو متاعاً فالصلح فيه على عين أو عرض يجري عل ما ذكرنا.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/317).

ولو لم يفت العبد الذي ادعيت أو المتع ولا تغير، جاز صلحك منه على عين أو عرض نقداً أو مؤجلاً، إذا وصفت العرض المؤجل وكان مما يجوز أن تسلم فيه عرضك.
وإن غصبك عبداً فأبق منه لم يجز أن تصالحه على عرض مؤجل، فأما على دنانير مؤجلة فإن كانت كالقيمة فأقل جاز، وليس هذا من بيع الآبق.
وقد قال مالك - رحمه الله - في المكتري يتعدى إلى غير البلد فتضل الدابة: إن لربها تضمينه القيمة.(1)
2864 - ومن أوصى لرجل بما في بطن أمته، لم يجز للورثة مصالحته من ذلك على شيء.
[وإن أوصى له بخدمة عبده، أو بغلّة نخله، أو سكنى داره، أو لبن غنمه، أو سمنها، أو صوفها، جاز للورثة مصالحته من ذلك على شيء] يدفعونه إليه، ويبرأ لهم من الوصية، لأن هذه الأشياء غلات ولهما مرجع إلى الورثة. والجنين ليس بغلة ولا لهم فيه مرجع.
2865 - وقد جوز أهل العلم ارتهان غلة الدار والغلام وثمرة النخل التي لم يبد صلاحها، ولم يجوزوا ارتهان الأجنة، وقد أُرخص في بيع العريّة ونُهي عن بيع الأجنة، لأن من ابتاع هذه الأشياء فاستغلها وكانت الغلة قائمة في يديه ثم استحقت، فلا شيء للمستحق من الغلة، لأن الغلة بالضمان. ولو استحق أمة له أو غنماً وقد ولدت أخذ الولد معها.
2866 - وإن ادعيت شقصاً من دار بيد رجل [فأنكر] وله شريك فصالحك منه على دراهم، فإن كان على إقرار ففيه الشفعة، وإن كان على إنكار فلا شفعة فيه.
2867 - ومن صالح من موضحة عمد وموضحة خطأ على شقص جاز، وفيه الشفعة بدية موضحة الخطأ وبنصف قيمة الشقص.
وقال المخزومي: الصلح جائز، وتحمل دية الخطأ وهي خمسون على قيمة الشقص، فإن تكن الخمسون ثلث الجميع استشفع بخمسين ديناراً وثلثي قيمة الشقص، فهكذا يحسب فيما قل من الأجزاء أو كثر.
2868 - ومن ابتاع عبداً فطعن فيه بعيب فأنكره البائع فاصطلحا على مال جاز ذلك.
__________
(1) انظر: منح الجليل (6/177).

وإن اشتريت عبداً بألف درهم إلى أجل فاطلعت على عيب به فأنكره البائع، وزعم أنه لم يكن عنده، فصالحته قبل الأجل على أن رددته إليه مع عبد آخر، أو عرض نقداً فذلك جائز، لأن مالكاً قال: لا باس أن يشتري الرجل عبداً بذهب إلى أجل، ثم يستقيل قبل الأجل على أن يرد العبد ويرد معه عرضاً نقداً، وإنما يكره أن يرد معه دنانير أو دراهم نقداً قبل الأجل، [ويدخله إن زدت معه دنانير بيع وسلف منك له تقبضه من نفسك، وفي زيادة الدراهم تأخير الصرف]. ولو حلّ الأجل جاز أن يرد مع العبد عرضاً أو دنانير أو دراهم نقداً، ولا يجوز تأخير [شيء من] الزيادة، [ويدخله إن كانت ذهباً صرف مستأخر، وإن كانت فضة دخله البيع والسلف، وإن كانت عرضاً دخله الدين بالدين].
قال غيره: وإن اصطلحا على أن زاده البائع عرضاً أو عبداً نقداً ولم يفت العبد جاز، وكأنهما في صفقة أو استغلاه فزاده. قال: فإن زاده البائع دراهم نقداً لم يجز، وذلك سلف من البائع [له].
ولو زاده البائع دنانير [إلى أجل] لم يجز، لأنه بيع عبد وذهب بفضة إلى أجل.
وكذلك إن كان البيع بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً، فيصير عبد ودراهم [نقداً] بدنانير إلى أجل، فإن فات العبد بعتق أو موت أو تدبير، وقد ابتاعه بدراهم مؤجلة لم يجز أن يزيده البائع دراهم نقداً، لأنها سلف للمبتاع يردها فيما عليه إلى أجل، وإنما ينبغي أن يضع عنه حصة العيب مما عليه قصاصاً.
2869 - [قال ابن القاسم: وإن بعت عبداً من رجل بذهب إلى أجل، ثم استقالك المبتاع قبل الأجل على أن رده إليك، أو رده معه عرضاً نقداً جاز، وإنما يكره أن يرد إليك معه ذهباً أو فضة قبل الأجل، وإن حل الأجل فلا بأس أن يرد إليك معه دنانير أو دراهم [أو عرضاً] نقداً، وإن أخرته بذلك لم يجز، ويدخله البيع والسلف والدين بالدين].
2870 - قيل لابن القاسم: فمن باع من رجل عبداً ثم صالحه بعد العقد من كل عيب فيه على دراهم دفعها [إليه].

قال: قال مالك - رحمه الله - في المتبرئ في العقدة من كل عيب بالعبد أو مَشَشٍ بالدابة: إنه لا يبرأ حتى يريه ذلك أو يبينه، وإلا لم تنفعه في ذلك البراءة.
ويجب القيام للمبتاع بما ظهر من عيب.
ومن قال لرجل: هلم أصالحك من دينك الذي لك على فلان بكذا، ففعل، أو أتى رجل إلى رجل فصالحه على امرأته بشيء مسمى، لزم الزوج الصلح ولزم المصالح ما صالح به، وإن لم يقل: أنا ضامن، لأنه إنما قضى على الذي عليه الحق.(1)
ولو كان على رجل ألف درهم نقداً، فصالحته [من ذلك] على مائة درهم، ثم فارقته قبل أن تقبضها، جاز ذلك.
ومن له على رجل دين عرض، أو طعام من سلم، فصالحه على رأس ماله ثم فارقه قبل أن يقبضه، لم يجز.
وكره مالك أن يصالح الرجل من دراهم له جياد على زيوف، وهي المحمول عليها النحاس، أو بدراهم مبهرجة. وقال: أكره البيع [بها] والشراء وإن بيّن، وأرى أن تقطع. قال ابن القاسم: وذلك [كله] للصيارفة فيما أرى، ولا أدري هل كرهها لجميع الناس؟ وأرى الصلح بها جائزاً إن لم يَغُر [بها] أحداً وكان يقطعها.
ولو كان لك عل رجل دين حالّ، فأخذت به عبداً، أو جحدك فصالحك منه على عبد فلا تبعه مرابحة حتى تبين، فإن بعت ولم تبين ردّ، إلا أن يفوت فتجب لك القيمة، وهذا المعنى في كتاب المرابحة مذكور.
وإن بعت من رجل طعاماً لك عليه من قرض بدراهم أو غيرها فلا تؤخره بها، فإن تأخر ذلك أو بعضه حتى فارقك لم يجز، وترد الدراهم ويبقى لك الطعام بحاله، ولا يجوز من ذلك حصة النقد إلا أن يكون افتراقكما شيئاً قريباً، مثل أن تذهب معه إلى البيت أو السوق فينقدك.
ولو كان لك عليه دنانير وأخذت بها طعاماً، جاز أن يتأخر كيله إلى غد لتأتي بدواب ونحوها.
ومن لك عليه طعام من قرض وعشرة دراهم، فصالحته على أحد عشر درهماً نقداً فذلك جائز، وإن كان من بيع لم يجز.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/81)، والمدونة الكبرى (11/379).

ومن لك عليه مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة دينار ودرهم فذلك جائز، لأنك أخذت [الدنانير] قضاء من دنانيرك وأخذت درهماً من دراهمك وهضمت باقيها، بخلاف التبادل بها نقداً فذلك صرف، ولا يجوز فضة وذهب بمثلها يداً بيد عدداً ولا مراطلة، إذ لكل صنف حصة من الصنفين.
وإن صالحته على مائة درهم مؤخرة وعشرة دراهم نقداً لم يجز شيء منه، إذ لِما تأخّر حصة من الذهب والفضة، وهذا صرف يدخله بيع وسلف بخلاف الأول.
وإن ادعيت على رجل عشرة دنانير فصالحك على مائة درهم، أو صرفت منه عشرة دنانير نقدتها له بمائة درهم، فدفع إليك منها خمسين، ثم فارقته قبل أن تقبض ما بقي، أو أسلمت إلى رجل مائة دينار في طعام إلى أجل فدفعت إليه خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل الطعام، فذلك كله يبطل.
ولا يجوز حصة ما نقد ولا حصة ما لم ينقد.
وإن صرفت الدنانير بدراهم فأصبت منها درهماً زائفاً، انتقض [منها] صرف دينار، وإن كان ما أصبت أكثر من صرف دينار انتقض منها صرف دينارين، وإن زاد فعلى هذا ينبني.
وإن كان لك على رجل دراهم نسيتما مبلغها، جاز أن تصطلحا على ما شئتما من ذهب أو ورق أو عرض نقداً، وتتحالا، ومَغْمَز التقية في ذلك كله سواء.
ولا يجوز تأخير ما تصالحه به، لأنه يدخله الخطر والدين بالدين.
وإن صالحته من دين لك عليه، على ثوب، على أن عليه صبغه، أو على عبد أنت فيه بالخيار ثلاثاً لم يجز ويفسخ ذلك، وهو دين في دين.
وإن كان لك عليه ألف درهم حالة، فأشهدت له أنه إن أعطاك مائة من الألف الحالة إلى شهر فباقيها ساقط عنه، وإن لم يفعل فالألف كلها لازمة، فذلك جائز ولكما لازم.(1)
وقد بقي باب من آخر هذا الكتاب جرى ذكره قبل هذا.
* * *

(كتاب الجعل والإجارة)(2)
__________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (5/75).
(2) انظر: مواهب الجليل (5/392)، والمدونة الكبرى (11/402).

2871 - ومن باع من رجل سلعة بثمن على أن يتجر له بثمنها سنة، كان كمن آجره على أن يتجر له بهذه المائة [دينار] سنة، أو يرعى له غنماً بعينها سنة، فإن شرط في العقد خلف ما هلك منها أو تلف، جاز، وإلا لم يجز.
وإن شرط ذلك فهلك من ذلك شيء فأبى ربُّه خَلَفَه قيل له: أوفِ الإجارة واذهب بسلام، وتكون له أجرته تامة.
ولو آجره على رعاية مائة شاة غير معينة جاز، وإن لم يشترط خلف ما مات منها، وله خلف ما مات منها بالقضاء، وإن كانت معينة فلا بد من الشرط، وليس له أن يزيده فيها.
2872 - ولا بأس باجتماع بيع مع إجارة. ولا يجوز اجتماع بيع وجُعل في صفقة، ولا إجارة وجُعل معاً.
ومن باع من رجل نصف ثوب، أو نصف دابة، أو غيرها، على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد، جاز إن ضربا لبيع ذلك أجلاً، ما خلا الطعام فإنه لا يجوز. فإن باع ذلك في نصف الأجل فله نصف الإجارة، فإن تم الأجل ولم يقدر على بيع ذلك فله الأجر كاملاً.
وإن باع منه نصف هذه السلع على أن يبيع له النصف الباقي ببلد آخر لم يجز، وإن كان بالبلد ولم يضربا أجلاً لم يجز أيضاً، لأنه في السلع اليسيرة كالدابة أو الثوب أو الثوبين يدخله جعل وبيع.
والسلع الكثيرة لا يجوز فيها الجُعل، فصارت إجارة غير مؤجلة، فأفسدتها مع ما عُقد معها من بيع.
2873 - وروي عن مالك - رضي الله عنه - أنه إذا باعه نصف ثوب على أن يبيع له النصف الآخر فلا خير فيه. قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلاً؟ قال: فذلك أحرم له.
* * *
[في الإجارة والجُعل على بيع السلع، وما يجوز من ذلك وما لا يجوز]

2874 - والإجارة تلزم بالعقد، ولا تجوز إلا بالأجل، وليس لأحدهما الترك حتى يحل الأجل، والجُعل بخلاف ذلك، يدعه العامل متى شاء، ولا يكون مؤجلاً، ألا ترى أن من قال لرجل: بع لي هذا الثوب ولك درهم، أنه جائز، وقّت له في الثوب ثمناً أم لا، وهو جعل، فإن قال: اليوم، لم يصلح، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء، لأنه إن مضى اليوم ولم يبع ذهب عمله باطلاً، وإن باع في نصفه أخذ الجعل كاملاً، وسقط عنه بقية عمل اليوم، فهذا أخطر.
2872 - والجعل لا يكون مؤجلاً إلا أن يكون متى شاء أن يردّه ردّه.
وقد قال [مالك] في مثل هذا: إنه جائز، وهو جل قوله [الذي يعتمد عليه].
2876 - ولا يجوز الجُعل على بيع كثير السلع والدواب والرقيق، كالعشرة الأثواب ونحوها، ولا على ما فيه مشقة سفر من قليلها.
ويجوز الجعل في بيع قليل السلع في البلد، سمّوا لها ثمناً أم لا، مثل الدابة أو العبد أو الثوب والثوبين، إذ لا يقطعه ذلك عن شغله، فإن باع أخذ ولا شيء له إن لم يبع.
وكل ما جاز فيه الجعل جازت فيه الإجارة، وليس كل ما جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل.
2877 - وتجوز الإجارة على بيع قليل السلع وكثيرها والأعكام من البز، وكثير الطعام إن ضرب للبيع أجلاً، وإلا لم تجز الإجارة، فإن باع لتمام الأجل فله أجره كاملاً، وإن باع في ثلثه أو نصفه فله حصة ذلك من الأجر، إلا أنه إن ضرب الأجل للبيع وسمّى الأجر فلا يجوز النقد في هذا، لأنه إن باع في نصف الأجل رد نصف ما قبض، فيدخله بيع وسلف.
وإن لم ينقده شيء ومضى من الأجل يوم أو يومان، فللأجير قبض حصة ذلك من الأجر.
ومن أجرته على بيع سلع كثيرة شهراً على أنه متى شاء ترك جاز ذلك، لأنها إجارة على خيار، ولا يجوز فيه النقد.
وإن أجرته شهراً على أن يبيع لك ثوباً وله دراهم، جاز ذلك إن كان إذا باع قبل ذلك أخذ بحساب الشهر.

2878 - [وإذا دفعت إلى حائك غزلاً ينسج لك منه ثوباً بعشرة دراهم على أن يسلفك فيه رطلاً من غزل لم يجز، لأنه سلف وإجارة.(1)
ولا بأس أن تؤجره على طحين إردب بدرهم وبقفيز من دقيقه، لأن ما جاز بيعه جازت الإجارة به].
ولو أجرته يطحنه لك بدرهم وبقسط زيت زيتون قبل أن يعصر، جاز ذلك.
2879 - ولو بعت منه دقيق هذه الحنطة، كل قفيز بدرهم قبل أن يطحنها جاز، لأن الدقيق لا يختلف، فإن تلفت هذه الحنطة كان ضمانها من البائع، وإن كان الزيت والدقيق يختلف خروجه إذا عصر أو طُحن، لم يجز ذلك فيه حتى يُطحن أو يعصر.
وقد خفف مالك أن يبتاع الرجل حنطة على أن على البائع طحينها، إذ لا يكاد الدقيق يختلف، ولو كان خروجه مختلفاً ما جاز.
ولا يجوز بيع لحم شاة حية أو مذبوحة، أو لحم بعير كسير قبل الذبح والسلخ، كل رطل بكذا من حاضر ولا مسافر. ولا تجوز الإجارة على سلخها بشيء من لحمها.
2880 - وإن أجرت رجلاً يخيط لك ثوباً، وإن خاطه اليوم فبدرهم، وإن خاطه غداً فبنصف درهم، أو قلت له: إن خطته خياطة رومية فبدرهم، وإن خطته خياطة عربية فبكذا، لم يجز، وهو من وجه بيعتين في بيعة، فإن خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص.
قال غيره في المسألة الأولى: إلا أن يزيد على الدرهم أو ينقص من نصف درهم فلا يزاد ولا ينقص.
ولا يجوز أن يؤاجره على دبغ جلود أو عملها، أو نسج ثوب، على أن له نصف ذلك، إذ لا يدري كيف يخرج ذلك، ولأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز أن يُستأجر به.
ولو قلت له: انسج لي هذا الغزل بغزل آخر عجلته له، جاز.
وإذا دفعت إليه دابة أو إبلاً أو داراً أو سفينة أو حماماً على أن يكري ذلك وله نصف الكراء، لم يجز.
فإن نزل كان لك جميع الكراء، وله أجر مثله، كما لو قلت له: بع سلعتي فما بعتها به فبيني وبينك، أو قلت له: فما زاد على مائة فبيننا، فذلك لا يجوز، والثمن لك، وله أجر مثله.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/396).

2881 - ولو أعطيته الدابة أو السفينة أو الإبل ليعمل عليها، على أن ما أصاب بينكما لم يجز ذلك، فإن عمل عليها فالكسب ههنا للعامل، وعليه كراء المثل في ذلك ما بلغ، وكأنه اكترى ذلك كراء فاسداً، والأول أجر نفسه منك إجارة فاسدة، فافترقا.
2882 - ولا يجوز أن يحمل لك طعاماً إلى بلد كذا بنصفه، إلا أن تنقده نصفه مكانك، لأنه شيء بعينه بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل.
وإن أجرت رجلاً على حمل طعام بينكما إلى بلد يبيعه به، على أن له عليك كراء حصتك، وسميتما ذلك، فإن شرطت أن لا يميز حصته منه قبل البلد لم يجز، فإن نزل ذلك وباع الطعام كان له أجر مثله في حصتك.
وإن كان على أنه متى شاء ميزها قبل أن يصل أو يخرج، جاز إن ضرب للبيع أجلاً. وكذلك إن أجرته على طحينه، فإن كان إذا شاء أفرد طحين حصته جاز، وإن كان على ألا يطحنه إلا مجتمعاً لم يجز، فإن طحنه كان له أجر مثله في حصتك.
2883 - وكذلك إن أجرته على رعاية غنم بينكما جاز ولزمته الإجارة، إذا كان له أن يقاسمك حصته، أو يبيعها متى شاء، وشرطت خلف ما هلك من حصتك. قال غيره: إذا اعتدلت في القسم.(1)
ولا يجوز أن تؤاجره على نسج غزل بينكما بدراهم مسماة، إذ لا يقدر على [بيع] حصته منه حتى ينسجه.
2884 - [ولا بأس أن تؤاجره على بناء دارك هذه والجص والآجر من عنده، [وهذه إجارة وشراء جص وآجر في صفقة واحدة]، ولما تعارف الناس ما يدخلها وأمد فراغها كان عرفهم كذكر الصفقة والأجل، لأن وجه ذلك أمر قد عرف.
وقال غيره: إذا كان على وجه القبالة ولم يشترط عمل يده، فلا بأس به إذا قدم نقده].
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/248)، وحاشية الدسوقي (4/15)، والتاج والإكليل (5/426)، والفواكه الدواني (2/115)، والشرح الكبير (4/15)، ومواهب الجليل (5/414)، والقوانين لابن جزي (ص220)، وحاشية العدوي (2/256).

2885 - ولا بأس أن تؤاجر حافتي نهرك ممن يبني عليه بيتاً، أو ينصب عليه رحاً، ويجوز أن تستأجر طريقاً في دار رجل، أو مسيل مصب مرحاض. وأما إجارة مسيل ماء ميازيب من دار رجل فلا يعجبني، لأن المطر يقل ويكثر، ويكون ولا يكون.
ولا يجوز أن تكري بيت الرحا من رجل، والرحا من آخر، ودابة الرحا من رجل ثالث في صفقة واحدة، كل شهر بكذا وكذا، إذ لا يعلم ما لكل واحد من الثمن إلا بعد القيمة، وكذلك في الاستحقاق، وأجازه غيره.
2886 - ولا بأس بإجارة رحا الماء بالطعام وغيره.
فإن انقطع عنها الماء فهو عذر تفسخ به الإجارة. وإن رجع الماء في بقية المدة لزمه باقيها، وإن اختلفا في انقطاع ماء الرحا فقال ربها: انقطع عشرة أيام، وقال المكتري: بل شهراً، فإن تصادقا في أول السنة وآخرها صُدّق رب الرحا.
وكذلك اختلافهما في انهدام الدار في بعض المدة، أو قال المكتري بعد السنة: كان انهدام الدار وانقطاع الماء في السنة كلها، فالمكتري في ذلك كله مُدّع.
وإن قال رب الرحا أو الدار: قد انقضت السنة، وقال المكتري: ما مضى منها إلا شهران وقد انهدمت الدار الآن وانقطع ماء الرحا، صُدّق المكتري.
ومن استأجر رحا ماءٍ شهراً على أنه إن انقطع الماء قبل الشهر لزمته الإجارة، لم يجز ذلك.
2887 - ومن استأجر فسطاطاً، أو بساطاً، أو غرائر، أو آنية إلى مكة ذاهباً وجائياً جاز، فإن ادعى حين رجع ضياع هذه الأشياء في البداءة، صُدّق في الضياع، ولزمه الكراء كله، إلا أن يأتي ببينة على وقت الضياع، وإن كان معه قوم في سفر فشهدوا أنه أعلمهم بضياع ذلك وطلبه بمحضرهم حُلّف، وسقط عنه من يومئذ حصة باقي المدة.
وقال غيره: هو مصدق [في الضياع] ولا يلزمه من الإجارة إلا ما قال: إنه انتفع به.
وقال أشهب عن مالك في رجل اكترى جفنة وادعى الضياع أنه يضمن، إلا أن يقيم بينة على الضياع.

2888 - ومن استأجر فسطاطاً أو ثوباً شهراً فحبسه فلم يلبسه سائر المدة، لزمه جميع الأجر، ولو حبسه بعد المدة أياماً لزمه أجر حبسه بغير لباس [ليس كأجر اللابس]. وقاله ابن نافع.
وقال غيره: بل بحساب ما استأجره، إن كان ربه حاضراً.
2889 - وتجوز إجارة متاع البيت مثل الآنية والقدور والصحاف ومتاع الجسد.
2900 - ومن استأجر ثوباً يلبسه فادعى أنه ضاع أو سُرق منه أو غصب فهو مصدق، لأن المستأجر لا يضمن، إلا أن يتعدى أو يفرّط.
وإن استأجره يومين فلبسه يوماً، ثم ضاع في اليوم الثاني، فأصابه بعد ذلك فرده، لم يلزمه أجر مدة الضياع، كالدابة تكترى أياماً فتضيع في بعضها، فإنما عليه حصة الأيام التي لم تضع فيها، وإن استأجرت ثوباً تلبسه يوماً إلى الليل فلا تعطه غيرك ليلبسه، لاختلاف اللبس والأمانة، وإن هلك بيدك لم تضمنه، وإن دفعته إلى غيرك كنت ضامناً إن تلف.
2901 - قال: وكره مالك - رحمه الله - لمكتري الدابة لركوبها كِراها من غيره، كان مثله أو أخف منه، فإن أكراها لم أفسخه، وإن تلفت لم يضمن إن كان أكراها في ما اكتراها فيه من مثله في حاله وأمانته وخفته. ولو بدا له عن السفر أو مات، أكريت من مثله.(1)
وكذلك الثياب في الحياة والممات، وليس ككراء الحمولة والسفينة والدار، هذا له أن يكري ذلك من مثله في مثل ما اكتراها له.
وإن اكتريت فسطاطاً إلى مكة فأكريته من مثلك في حالك وأمانتك، ويكون صنيعه في الخباء كصنيعك، وحاجته إليه كحاجتك، فذلك جائز.
2902 - ولا بأس بإجارة حلي الذهب بذهب أو فضة، وأجازه مالك - رحمه الله - ثم استثقله، وقال: ليس بحرام بيّن، وما هو من أخلاق الناس، وأجازه ابن القاسم.
ويجوز إجارة المكيال والميزان والدلو والفأس وشبه ذلك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/407، 416)، ومواهب الجليل (5/416، 417).

2903 - وتجوز إجارة المصحف لجواز بيعه، وأجاز بيعه كثير من التابعين. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ما لم يجعله متجراً. وأما ما عملته بيدك فجائز. قال ابن القاسم: وتجوز الإجارة على كتابته.
ولا بأس بالإجارة على تعليم القرآن، كل سنة، أو كل شهر بكذا، أو على الحِذاق للقرآن بكذا، أو على أن يعلمه القرآن كله أو سدسه بكذا.(1)
وتجوز الإجارة على تعليم الكتابة فقط، أو على الكتابة مع القرآن مشاهرة.
قال ابن وهب عن مالك: ولا بأس أن يشترط مع أجرته شيئاً معلوماً كل فطرٍ أو أضحى.
2904 - وأكره الإجارة على تعليم الفقه والفرائض، كما أكره بيع كتبها.
وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنحو، أو على كتابة ذلك أو إجارة كتب فيها ذلك أو بيعها.
وكره مالك بيع كتب الفقه فكيف بهذه. وما كره بيعه فلا تجوز إجارته.
2905 - وكره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف بالغناء.
وكره مالك بيع الأمة بشرط أنها مغنية. قال ابن القاسم: فإن وقع فسخ البيع.
2906 - وكره مالك الإجارة على الحج، وعلى الإمامة في الفرض والنافلة وفي قيام رمضان. [وهو عندي في المكتوبة أشد كراهية].
2910 - ومن استأجر رجلاً على أن يؤذن لهم ويقيم ويصلي بهم جاز، وكأن الأجر إنما وقع على الأذان والإقامة والقيام بالمسجد لا على الصلاة.
2911 - ومن أجرته على تعليم عبدك القرآن والكتابة سنة وله نصفه، لم يجز، إذ لا يقدر على قبض ماله فيه قبل السنة، وقد يموت العبد فيها فيذهب عمله باطلاً.
وإن دفعت عبدك إلى خياط، أو قصار، أو غيره ليعلموه ذلك العمل بعمل الغلام سنة جاز ذلك، وقال غيره: بأجر معلوم أجوز.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/418)، والتاج والإكليل (5/423)، ومواهب الجليل (5/419، 423).

2912 - ولا تعجبني إجارة الدف والمعازف في العرس، وكره ذلك مالك وضعّفه، ولا بأس بالإجارة على قتل قصاص، أو على ضرب عبدك وولدك للأدب، كما تجوز إجارة الطبيب، وهو يقطع ويبطّ، وأما لغير ما ينبغي من الأدب فلا يعجبني.
وإن آجره على قتل رجل ظلماً فقتله، [قُتل به] ولا أجر له.
2913 - وكل مستأجر على ما لا يجوز من ذلك، فعلى الأجير القصاص، وعلى الذي آجره الأدب.
والأطباء إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء، فإن برئ فله حقه، وإلا فلا شيء له، إلا أن يشترطا شرطاً حلالاً فينفذ بينهما، كالشرط أن يكحله شهراً، أو كل يوم بدرهم، فيجوز إن لم ينقده، [وهذه إجارة]، فإن برئ قبل الأجل أخذ بحسابه، إلا أن يؤجره وهو صحيح العينين بكحله شهراً بدرهم، فيجوز فيه النقد، إذ لا يتقي فيه رد ما بقي بعد البرء، ويلزمهما تمامه.
2914 - وكره مالك إجارة قسّام الدور أو قسام القاضي وحسّابهم، وقال: قد كان خارجة ومجاهد [يقسمان مع القضاة ويحسبان] ولا يأخذان لذلك جُعلاً، ولا يصلح [لأحد] أن يبني مسجداً ليكريه ممن يصلي فيه، أو يكري بيته ممن يصلي فيه. وأجاز ذلك غيره في البيت.
2915 - وكره مالك السكنى بالأهل فوق ظهر المسجد.
2916 - ولا بأس أن يكري أرضه على أن تُتخذ مسجداً عشر سنين، فإذا انقضت كان النقض للذي بناه ورجعت الأرض إلى ربها.
2916 - ولا يجوز لمسلم أن يكري داره، أو يبيعها ممن يتخذها كنيسة، أو بيت نار في مدينة أو قرية لأهل الذمة.
ولا يكري لهم دابة ليركبوها لأعيادهم، أو يبيع منهم شاة يعلم [أنهم] يذبحونها لذلك.
2917 - قال مالك - رحمه الله - : وليس لأهل الذمة أن يحدثوا في بلد الإسلام كنائس إلا أن يكون لهم أمر أعطوه.(1)
قال ابن القاسم: ولهم أن يحدثوها في بلدة صولحوا عليها، وليس ذلك لهم في [بلد] العنوة، لأنها فيء ليست لهم، ولا تورث عنهم، ولو أسلموا لم يكن لهم فيها شيء.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/424).

قال: وما اختطه المسلمون عند فتحهم وسكنوه، كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها من مدائن الشام، فليس لهم إحداث ذلك فيها، إلا أن يكون لهم عهد فيوفى به، لأن تلك المدائن صارت لأهل الإسلام دون أهل الصلح، يبيعونها ويتوارثونها.
وقال غيره: كل بلدة افتتحت عنوة وأُقروا فيها وأوقفت الأرض لنوائب المسلمين وأعطياتهم فلا يمنعوا من كنائسهم التي فيها، ولا من أن يحدثوا فيها كنائس، لأنهم أقروا [فيها] على ما يجوز لأهل الذمة، ولا خراج عليهم في قراهم التي أقروا فيها، وإنما الخراج على الأرض.
2918 - ولا يجوز لمسلم أن يؤجر نفسه، أو عبده، أو دابته في حمل الخمر، أو داره، أو حانوته، أو شيئاً مما يملكه في أمر الخمر، [فإن نزل ذلك تصدق به]. ولا يعطى من الإجارة شيئاً لا ما سموا ولا أجر مثله، كمسلم باع خمراً فلا يعطى من ثمنها شيئاً، ويفعل فيه، إن كان قبض الإجارة أو لم يقبض، مثل ما وصفنا في ثمن الخمر.
2919 - وإن آجر نفسه من ذمي يرعى له الخنازير أُدّب، إلا أن يعذر بجهل، وتؤخذ الإجارة من الذمي ولا تترك له، مثل قول مالك في الخمر، ويتصدق بها على المساكين، ولا يحل للمسلم أخذها أدباً له.
2920 - ولو باع منه الذمي خمراً وهو يعلم أنه مسلم أُدّب الذمي على ذلك، ويتصدق بالثمن على المساكين أدباً للذمي، وتكسر الخمر في يد المسلم، وأكره لمسلم أن يؤجر نفسه من ذمي لحرث، أو بناء، أو حراسة، أو غير ذلك، أو يأخذ منه قراضاً.
2921 - ولا بأس بالإجارة على طرح الميتة والدم والعذرة، ولا يؤجر على طرح الميتة بجلدها، إذ لا يجوز بيعه وإن دبغ، ولا يصلى عليه ولا يلبس.
وأما الاستسقاء في جلود الميتة إذا دبغت، فإنما كرهه مالك في خاصة نفسه، ولم يحرمه، ولا بأس أن يغربل عليها ويجلس، وهذا وجه الانتفاع الذي جاء في الحديث.
* * *
[في إجارة نزو الفحل]

2922 - ولا بأس بإجارة الفحل للإنزاء، كان فرساً، أو حماراً، أو بعيراً، أو تيساً، على نزو أكوام معلومة، أو أشهر بكذا، فإن شرط نزو الفحل حتى تعلق الرمكة لم تجز الإجارة.(1)
وذكر بيع ماء العيون قد جرى مستوعباً في كتاب التجارة [بأرض الحرب].
2923 - وكره مالك - رحمه الله - أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، فإن فعل، أو أجر الوصي نفسه من يتيم في حجره تعقبه الإمام، فما كان خيراً لليتيم أمضاه. وكذلك الأب في ابنه الصغير.
ومن أجر ابنه للخدمة، فإن كان الابن محتلماً جاز ذلك، وكان له الأجر.
2924 - وإن أجر صبياً صغيراً في عمل بغير إذن وليه، أو عبداً محجوراً عليه بغير إذن سيده لم يجز ذلك إلا بإذنهما، فإن [فعل] بوعملا] فعليه الأكثر مما سمى، أو أجر المثل، كالتعدي والغصب في الدابة، وإن عطبا وكان عملاً يعطبان في مثله، فالسيد مخير في أخذ الكراء ولا شيء له من قيمة العبد، أو يأخذ قيمة العبد ما بلغت ولا كراء له. وأما في الصبي فعلى المكتري الأكثر من أجر مثله، أو ما سمي له، والدية على عاقلته.
قال ابن وهب عن مالك: وإذا أنكر السيد أن يكون أذن له في الإجارة لم يضمن مستعمله أجر هلاكه، إلا أن يستعمله في غرر كالبئر ذات الحَمْأة، أو الهدم تحت الجدران بغير إذن أهله فيضمن.
وكذلك إن أطلقه ربه في الإجارة ضمن من استعمله في هذا الغرر بغير إذن سيده، لأنه لم يؤذن له في التغرير بنفسه.
وإن خرج به في سفر بغير إذن أهله ضمن.
2925 - قال ربيعة: من استعان عبداً فيما فيه الإجارة ضمنهن وكذلك إن أجره في غرر والعبد قد أرسل في الإجارة. وأما حُرّ كبير فما علمت فيه شيئاً، إلا أن يستغفل أو يستجهل في أمر لا يعلم منه ما يعلم من أجره.
ومن استعان غلاماً غير بالغ فيما في مثله الإجارة ضمن ما أصابه، وأما ما لا إجارة فيه كمناولة القدح والنعل وشبه ذلك، فلا عقل فيه في حر ولا عبد.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/427).

قال ابن القاسم: ومن آجر عبداً يخدمه شهراً بعينه، على أنه إن مرض قضاه ذلك في غيره، لم يعجبني، لاختلاف أيام الشتاء والصيف عن تمادى مرضه.(1)
2926 - ولا بأس بإجارة الحائط لحمل خشب، أو لبناء سترة عليه، أو لضرب وتد، أو تعليق ستر كل شهر بكذا.
والحديث في غرز الخشب إنما هو ندب ولا يقضى به.(2)
2927 - ولا بأس بإجارة العبد ذي الصنعة على أن يأتيك بالغلة، ما لم تُضمّنه في أصل الإجارة خراجاً معلوماً، وإن وضعته عليه بعد ذلك ولم تضمنه إن لم يأت به جاز ذلك.
قال ابن وهب: قال مالك: وإن آجرت أجيراً سنة بدنانير ليعمل لك في السوق على أن يأتيك بثلاثة دراهم كل يوم، لم يجز، لأنه إن أعطاك فضة فهو ذهب في فضة مؤجلة، وإن كان على أن يعطيك به طعاماً فهو سلم في حنطة بغير سعر معلوم، وقد يكثر ما يعطيك بثلاثة دراهم لرخص الطعام، وقد يقل لغلائه فهو غرر.
2928 - وأكره للأعزب أن يؤاجر حرة ليس بينه وبينها محرم أو أمة لخدمته، يخلو معها أو يعادلها في محمل.
2929 - ولا بأس بإجارة العبد عشر سنين أو خمس عشرة سنة، وجواز ذلك في الدور أبين.
والموصى له بخدمة [عبد] عشر سنين لا بأس أن يكريه عشر سنين.
وقال غيره: لا تجوز إجارة العبد السنين الكثيرة لما في الحيوان من سرعة التغير، وهو في الدواب أبين غرراً.
2930 - ومن أجّر عبده أو نفسه في خياطة شهراً، لم يجز أن يفسخ ذلك في قصارة أو غيرها، لأنه دين بدين [إلا أن تكون الإجارة يوماً ونحوه فيجوز ذلك، لأنه لا يكون ديناً بدين].
2931 - ومن استأجر عبداً يخدمه جاز أن يؤاجره في مثل ذلك.
ومن استأجر عبداً للخياطة كل شهر بكذا فلا يستعمله في غيرها، فإن فعل فعطب ضمنه إن كان عملاً يعطب في مثله.
__________
(1) انظر: حاشية العدوي (2/476).
(2) رواه البخاري (1215)، ومسلم (1609).

2932 - ومن أجر أجيراً في الخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار، كمناولته إياه ثوبه، أو الماء في ليله، وليس فيما يمنعه النوم، إلا في أمر يعرض له المرة يستعمله فيه بعض ليله، كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحنه في ليله، إلا أن يخفّ عمل نهاره فليستطحنه ربه في ليله إن شاء من غير [إكراء ولا] إفداح. وكُره ما أجهد أو قل أمنه.
2933 - ومن استأجر أجيراً للخدمة فليس له أن يسافر به، ولا يجوز أن يشترط أنه إن سافر أو حرث استعمله في ذلك.
2934 - ولا بأس باشتراط ما شابه الخدمة من عجن وخبز وكنس، والمُتباعد خطراً لتفاوت قيم الأعمال.
2935 - ومن أجر عبده ثم باعه، فالإجارة أولى به، فإن كانت إجارته قريبة، كيوم أو يومين، جاز البيع، وإن بعد الأجل فسخ البيع، ولم يكن للمبتاع أخذه بعد الإجارة، إذ لا يجوز بيع عبد على أن يقبض إلى شهر.
2936 - والعبد المستأجر يمرض مرضاً بيناً أو يأبق أو يهرب إلى بلد الحرب، فإن الإجارة تفسخ، ولو رجع أو أفاق في بقية المدة لزمه تمامها.
قال غيره: إلا أن يكون فُسخ الإيجار.
وقال في باب بعد هذا: إلا أن يتفاسخا قبل ذلك.
ولو هرب السيد إلى بلد الحرب كانت الإجارة بحالها لا تنتقض.
ولا تكرى أم الولد في الخدمة.
2937 - ومن استأجر عبداً للخدمة فألفاه سارقاً فهو عيب يرد به كالبيع.
2938 - ومن استؤجر على رعاية غنم كثيرة لا يقوى على أكثر منها، فليس له أن يرعى معها غيرها، إلا أن يدخل معه راعياً يقوى به، إلا أن تكون غنماً يسيرة فذلك له، إلا أن يشترط ربها عليه ألا يرعى معها غيرها، فيجوز ويلزمه.
وأكره هذا الشرط في قليل القراض، إذ ليس بإجارة معلومة، وهذا يحيله عن وجه رخصته.
والإجارة تجوز مؤجلة، أو على بيع متاع، أو شرائه ببلد آخر بخلاف القراض. فإن رعى [غنماً] غيرها بعد هذا الشرط فالأجر لرب الأولى.

وكذلك أجيرك للخدمة يؤجر نفسه من غيرك يوماً أو أكثر، فلك أخذ الأجر وتركه، أو إسقاط حصة ذلك اليوم من الأجر عنك.
قال غيره: إن لم يدخل برعاية الثانية [على الأولى تقصير في الرعاية، فأجر الثانية] للراعي، وليس للراعي أن يأتي بغيره يرعى مكانه، ولو رضي بذلك رب الغنم لم يجز.
2939 - ومن مر براعٍ فلا ينبغي له أن يستسقيه لبناً، وإذا توالدت الغنم حُملا في رعاية الولد على عرف الناسن فإن لم تكن لهم سُنة لم يلزمه رعايتها.
2940 - ولا ضمان على الرعاة إلا ما تعدّوا فيه، أو فرطوا في جميع ما رعوه من الغنم والدواب لناس شتى، أو لرجل واحد، ولا يضمن [الراعي] ما سُرق إلا أن تشهد بينة أنه ضيع أو فرط. قال أبو الزناد: وإلا لم يلزمه إلا يمين.(1)
قال ابن وهب: قال مالك - رحمه الله - : ولا ضمان عل العبد الراعي إلا أن ينحر شيئاً فيضمنه.
قال أبو الزناد: وإن استُرعي العبد بغير إذن سيده فنحر أو باع، فليس على سيده ولا في رقبة العبد شيء من ذلك. قال ابن القاسم: وإن اشترط على الراعي الضمان فسدت الإجارة ولا شيء عليه وله أجر مثله بغير ضمان، [نافَ] على التسمية أو نقص.
وقال غيره: إن كان ذلك أكثر من التسمية لم يزد عليها. قال: ومحال أن تكون أكثر.
قال ابن القاسم: وكذلك إن شرطوا على الراعي أنه إن لم يأت بسمة [على] ما مات منها ضمن، فلا يضمن وإن لم يأت بها، وله أجر مثله ممن لا ضمان عليه.
وإن خاف الراعي الموت على شاة فذبحها، لم يضمن ويصدق إذا جاء بها مذبوحة. وقال غيره: يضمن ما نحر.
والراعي مصدق فيما هلك أو سُرق، ولو قال: ذبحتها ثم سُرقت، صُدّق.
وقال غيره: بالذبح ضَمِن.
وإن أنزى الراعي على الإبل أو البقر والغنم والرمك بغير إذن أهلها فعطبت ضمن. قال غيره: لا يضمن.
وإن شرط عليه الرعاية بموضع فرعى في غيره ضمن قيمتها يوم تعدى، كالتعدي في الدابة، وله الأجر إلى يوم تعديه.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/427)، ومواهب الجليل (5/428).

2941 - ولا باس بإجارة الظئر على إرضاع الصبي حولاً أو حولين بكذا.(1)
وكذلك إن شرطت عليهم طعامها وكسوتها، وليس لزوجها وطؤها إن أجرت نفسها بإذنه، وإن كان بغير إذنه فله أن يفسخ إجارتها، وترضعه حيث اشترطوا، فإن لم يشترطوا موضعاً فشأن الناس الرضاع عند الأبوين، إلا امرأة لا ترضع مثلها عند الناس، أو يكون الأب وضيعاً لا يرضع مثلها عنده فذلك لها، ويُحمّلون فيما يحتاجه الصبي من المؤنة في غسل خرقه، وتحميمه ودهنه ودق ريحانه وطيبه، على ما تعارفه الناس، فإذا حملت الظئر فخيف على الصبي فلهم فسخ الإجارة، ولا يلزمهما أن تأتي بغيرها ترضعه، وكذلك تفسخ الإجارة بموت الصبي ولها بحساب ما أرضعت، وليس لها ولا لأبويه أن يأتوا بصبي غيره ترضعه، كمن اكترى دابة ليركبها، فليس له كراؤها من غيره في مثل حاله وخفته، لأنه قد يجد من هو مثله في الأمانة والحال والخفة، ولا يكون مثل في الرفق.
وإن سافر الأبوان فليس لهما أخذ الصبي إلا أن يدفعا إلى الظئر جميع الأجر.
2942 - وإن أجرت الشريفة نفسها لرضاع صبي لزمها ذلك، وإن لم يقض على مثلها برضاع ولدها، لأنها ألزمت ذلك نفسها، كما لو شاءت رضاع ولدها لم تمنع.
2943 - وإذا مرضت الظئر مرضاً لا تقدر معه على الرضاع فسخت الإجارة.
ولو صحت في بقية منها جُبرت على الرضاع [بقيتها]، ولها من الأجر بقدر ما أرضعت، وليس عليها أن ترضع ما مرضت. قال غيره: إلا أن يكون الكراء فسخ بينهما فلا يعود.
[قال ابن القاسم:] وإن تمادى مرضها حتى انقضى وقت الإجارة فلا تعود إلى الرضاع.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/364)، (5/425)، ومواهب الجليل (5/412).

ولو آجرها على رضاع صبيين حولين، فمات أحدهما بعد حول، وضع عنه قدر ما ينوبه، وذلك ربع الإجارة، إلا أن يختلف ذلك من رخص الكراء أو غلائه، وباختلاف الأزمنة من شتاء وصيف، وصبي كبير وصغير، فيحسب ذلك. ثم لها أن ترضع مع الباقي غيره بإجارة. ولو آجرها على إرضاع صبي لم يكن لها أن ترضع غيره معه. ومن آجر ظئرين فماتت واحدة، فللباقية ألا ترضع وحدها. وكذلك الأجيران في رعاية الغنم، يموت أحدهما.
وإن آجر واحدة ثم [آجر] أخرى تطوعاً، فماتت الثانية فالرضاع للأولى لازم كما كانت، وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتي بمن يرضع مع الثانية.
2944 - وإن هلك الأب فحصة باقي المدة من الأجر في مال الولد، قدمه الأب أو لم يقدمه، وترجع حصة باقي المدة [من الأجر] إن قدمه الأب ميراثاً، وليس ذلك عطية وجبت، [إذ] لو مات الصبي لم يورث عنه، وكان للأب خاصة دون أمه، ففارق معنى الضمان في الذي يقول لرجل: اعمل لفلان عملاً أو بعه سلعتك والثمن لك عليّ، فالثمن في ذمة الضامن إن مات، ولا طلب على المبتاع ولا على الذي عمل له.
وإن مات الأب ولم يدع مالاً، ولم تأخذ الظئر من أجرتها شيئاً، فلها فسخ الإجارة.
ولو تطوع رجل بأدائها لم تفسخ، وما وجب للظئر فيما مضى ففي ذمة الأب، ولا طلب فيه على الصبي.
ولو أرضعته باقي المدة لم تتبعه بشيء، وكذلك إن قالت: أرضعه على أن أتبعه، فهي متطوعة، كمن أنفق على يتيم لا مال له، وأشهد أن يتبعه إن طرأ له مال، فذلك غير لازم له، وهو على وجه الحسبة.
ولا باس أن يؤجر الرجل أمه أو أخته أو ذات رحم على رضاع ولده، أو يؤجر زوجته أو خادمتها على رضاع ولده من زوجة له أخرى.
وأجر رضاع اللقيط، ومن لا مال له [من اليتامى] على بيت المال.

2945 - وحامل الدُّهن والطعام لا يضمن ما عثر به فاهراق أو انكسر، أو فيما ربضت به الدابة أو انقطع به الحبل، إلا أن يعلم أنه غر من عثار أو ضعف حباله، أو غرر في رباطه، أو أخرق في سوق دابته، وإن لم يعلم ذلك لم يضمن، وهو مصدق فيما ادعى من ذلك، إلا في الطعام والإدام، فلا يصدق في ذهابه إلا ببينة.
ولا ضمان على من جلس يحفظ ثياب من دخل الحمام، لأنه أجير.
ولا يضمن أجير الخدمة ما كسر من آنية، أو أفسد من طحين، أو أهراق من ماء أو لبن، أو ما وطئ عليه فكسره أو خرقه إلا أن يتعدى.
وقال غيره: ما وطئ ليه أو عثر عليه فهي جناية، وما سقط من يده أو عثر به لم يضمن.
وللصناع منه ما عملوا حتى يقبضوا أجرهم، وهم أحق به في الموت والفَلَس. وكذلك حامل المتاع والطعام على رأسه أو دابته أو سفينته.
2946 - ولو آجرته على بناء دار فالأداة والماء والفؤوس والقفاف والدلاء على من تعارف الناس أنها عليه.
وكذلك حيثان التراب في حفر القبر، ونقش الرحا وشبهه، فإن لم تكن لهم سنة فآلة البناء على رب الدار ونقش الرحا على ربها.
وإذا انهدم من حمام أو دار أو رحا ما أضر بالمكتري في السكنى، أو منعه العمل فأراد فسخ الإجارة وأبى ربها فقال: أنا أصلح، فالقول قول المكتري.
ومن أجرته على بناء حائط ووصفته له فبنى نصفه ثم انهدم، فله بحساب ما بنى [من أجره، لأنك قابض لكل ما بنى]، وليس عليه بناؤه ثانية، كان الآجر والطين [من عندك أو] من عنده.
وقال غيره: هذا في عمل رجل بعينه، وعليه في المضمون تمام العمل.
2947 - وإن آجرته على حفر بئر صفتها كذا، فحفر نصفها ثم انهدمت فله بقدر ما عمل، ولو انهدمت بعد فراغها أخذ جميع الأجر، حفرها في ملكك أو في غير ملكك، إلا أن يكون بمعنى الجعل.
فإن انهدمت قبل إسلامها إليك فلا شيء له، وإسلامها إليك فراغه من حفرها.

وقد قال مالك - رحمه الله - في الأجير على حفر قبر: فإن انهدم قبل فراغه فلا شيء له، وإن انهدم بعد فراغه فله الأجر.(1)
قال ابن القاسم: وذلك فيما لا يملكه من الأرضين.
ولا بأس بالإجارة على حفر بئر بموضع كذا عمقها كذا، وقد خبر الأرض، فإن لم يخبرها لم يجز، لأنه قد يسهل أعلاها ثم يظهر له حجر أو صلابة، وكذلك الإجارة على حفر فُقُر النخل إلى الماء إن خبر الأرض جاز، وإلا لم يجز.
قال أبو الزناد: وعلى حافر البئر إخراج الماء.
قال ربيعة: ذلك في أرض متقاربة في خروج الماء، فأما مختلفة فمزارعة أحب إليّ.
2948 - ومن آجرته على حفر قبر فحفره شقاً، فقلت أنت: أردته لحداً، حملتما على سنة الناس.
وإن أجرت رجلين على حفر بئر فحفرا بعضها ثم مرض أحدهما فأتمها الآخر فالأجر بينهما. ويقال للمريض: أرض الحافر من حقك، فإن أبى لم يقض عليه، والحافر متطوع له.
2949 - وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل [الفراغ] وامتنع رب العمل حُملوا على المتعارف بين الناس فيه، فإن لم تكن لهم سنة لم يقض لهم إلا بعد فراغ أعمالهم، وأما في الأكرية في دار، أو راحلة، أو في إجارة بيع السلع ونحوه فبقدر ما مضى.
وليس للخياط إذا خاط نصف القميص أخذ نصف الأجرة حتى يتم، إذ لم يأخذها على ذلك.
2950 - وإن ادعى رب المتاع أن الصانع عمله له باطلاً، وقال الصانع: [بل] بأجر كذا، صدق الصانع فيما يشبه من الأجر، وإلا رد إلى إجارة مثله.
وقال غيره: يحلف الصانع ويأخذ الأقل مما ادعى أو من أجر مثله.
ومن ادعي على صباغ أو صانع فيما قد عمله أنه أودعه إياه، وقال الصانع: بل استعملني فيه، فالصانع مصدق، لأنهم لا يشهدون في هذا، ولو جاز هذا لذهبت أعمالهم.
وقال غيره: بل الصانع مدع.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (2/246).

وإذا أقرّ الصانع بقبض متاع، وقال: عملته ورددته ضمن، إلا أن يقيم برده بينة، وإن ادعي على أحدهم فأنكر لم يؤخذ إلا ببينة أن المتاع قد دفع [إليه] وإلا حلف.
وإذا قال الصانع: استعملتني هذا المتاع، وقال ربه: بل سُرق مني، تحالفا، ثم قيل لربه: ادفع إليه أجر عمله وخذه، فإن أبى قيل للعامل: ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبى كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه غير معمول، وهذا بقيمة عمله، لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه.
وقال غيره: العامل مدع، ولا يكونان شريكين.
2951 - قال ابن القاسم: وكذلك إن ادعى أن الصانع سرقه منه، إلا أنه ههنا إن كان الصانع ممن لا يشار إليه بذلك، عوقب رب الثوب، وإلا لم يعاقب.
2952 - وإن أقمت بينة على قميص بيد رجل أنها كانت ملحفة لك لم تأخذه إلا بغرم قيمة الخياطة، وإلا قضى بما ذكرنا في السرقة.
وقاله مالك - رضي الله عنه - في يتيم باع ملحفة فتداولتها الأيدي بالبيع وقد صبغها آخرهم، فإنهم يترادّون الربح فيما بينهم، ولا شيء على اليتيم من الثمن، إلا أن يكون قائماً بيده فيرده، ويكون اليتيم والذي صبغها آخراً شريكين، هذا بقيمة الصبغ، واليتيم بقيمة الملحفة بيضاء، وبيعه للملحفة كلا بيع.
وإذا قلع الحجام ضرس رجل بأجر فقال له: لم آمرك أن تقلع إلا الذي يليه، فلا شيء بله] عليه، لأنه علم به حين قلعه، وله أجره، إلا أن يصدقه الحجام فلا يكون له أجر. وقال غيره: الحجام مدع.
ومن لتّ سويقاً بسمن وقال لربه: أمرتني أن ألته لك بعشرة دراهم، وقال ربه: لم آمرك أن تلته بشيء، قيل لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له ما قال وخذ السويق ملتوتاً، فإن أبى قيل للاّت: اغرم له سويقه غير ملتوت، وإلا فأسلمه إليه بلتاته ولا شيء لك، ولا يكونان شريكين في الطعام لوجود مثله.
وقال غيره: إن امتنع رب السويق أن يعطيه ما لتّه به قُضي له على اللاّت بمثل سويقه غير ملتوت.

فإن قال: أمرتني أن ألته بعشرة ففعلت، فقال ربه: بل أمرتك بخمسة وبها لتَتّه، فاللات مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه سمن بعشرة، لأنه مدع عليه الضمان.
وكذلك الصباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفراً وقال لربه: بذلك أمرتني، وقال ربه: بل ما أمرتك أن تجعل فيه إلا بخمسة دراهم عصفراً، فالصباغ مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه بعشرة [دراهم]، وإن أتى بما لا يشبه صٌدّق رب الثوب، فإن أتيا جميعاً بما لا يشبه فله أجر مثله، واللات مثله سواء.
ولو قال رب الثوب: كان لي فيه صبغ متقدم، أو في السويق لتات متقدم، لم يصدق، لأنه ائتمن الذي أسلمه إليه، والقول قول الصباغ واللات مع أيمانهما، وهذا في جميع ما ذكرنا، إذا أسلم إليه السويق والثوب، وأما إن لم يسلمه إليه، ولم يغب عليه فرب السويق مصدق في قوله: أمرتك بخمسة، إذا لم يأتمنه، وهو كمبتاع يقول: لم أشتر إلا بخمسة، فالقول قوله، وإن قال أهل النظر: فيه سمن بعشرة [دراهم]، فإن لم يدع ربه أنه تقدم له فيه سمن فاللات مصدق، وإن قال ربه: كان لي فيه لتات، فهو مصدق، إذ لم يسلمه إليه، ولو أسلمه إليه لصدق رب السمن، ولم يصدق ربه أنه تقدم له فيه لتات.
2953 - ومن آجر يتيماً في حجره ثلاث سنين، فاحتلم بعد سنة، ولم يظن ذلك به، فلا يلزمه باقي المدة إلا أن يبقى كالشهر ويسير الأيام، ولا يؤاجره وصي ولا أب بعد احتلامه، وأما إن أكرى ربعه ودوابه ورقيقه سنين ثم احتلم بعد مضي السنة، فإن كان يظن بمثله أنه لا يحتلم في تلك المدة، فعجل عليه الاحتلام وأنس منه الرشد، فلا فسخ له ويلزمه باقيها. وقال غيره: لا يلزمه إلا فيما قل.
قال ابن القاسم: وإن عقد عليه أمداً يعلم أنه يبلغ فيه، لم يلزمه في نفسه ولا فيما يملك من ربع وغيره، وكذلك الأب.
وأما سفيه بالغ آجر عليه وليّ أو سلطان، ربعه أو رقيقه سنتين أو ثلاث ثم انتقل إلى حال الرشد، فذلك يلزمه، لأن الولي عقد يومئذ ما يجوز له.

قال غيره: إنما يجوز للولي هذا أن يكري عليه هذه الأشياء كالسنة ونحوها، لأنه جُل كراء الناس، وإذ ترجى إفاقته كل يوم، فأما ما كثر فله فسخه.
2954 - وتجوز إجارة السمسار والجعل في شراء كثير الثياب بخلاف بيعها.
ومن دفع إلى بزاز مالاً وجعل له في كل مائة ديناراً يشتري له بها بزّاً كذا وكذا جاز، وهذا جُعل.
قال ربيعة: إن كان ذلك موجوداً، فإن اشترى أخذ وإلا فلا شيء له.
قال مالك - رحمه الله - : وله رد المال متى شاء، وإن ضاع بيده لم يضمن.
وإن فوض إليه في شراء مائة ثوب ولم يصفها، فاشترى له ما يشبه في تجارته أو في كسوته لزمه ذلك.
2955 - ومن قال لرجل: إن جئتني، أو قال: من جاءني بعبدي الآبق فله أو فلك عشرة دنانير، وسمى موضعاً [هو فيه]، أو لم يسم ولم يعرف السيد موضعه، جاز ذلك، ولمن جاء به العشرة.
وإن قال: من جاءني به فله نصفه، لم يجز، لأنه لا يدري ما دخله، وما لا يجوز بيعه فلا يجوز [أن يكون] ثمناً لإجارة أو جعل، فإن جاء به على هذا فله أجر مثله، وإن لم يأت به فلا شيء له.
ومن جعل لرجل في عبدين أبقا عشرة دنانير، إن أتى بهما، لم يجز، فإن أتاه بأحدهما فله أجر مثله في عنائه لا خمسة. وقال ابن نافع: له خمسة.
وإن جعل في عبد واحد لرجل خمسة، ثم جعل لآخر عشرة فأتيا به جميعاً فالعشرة بينهما على الثلث والثلثين. وقال ابن نافع: لكل واحد منهما نصف ما جعل له.
2956 ومن قال لرجل: احصد زرعي هذا ولك نصفه، أو جذ نخلي هذه ولك نصفها، جاز، وليس له تركه، لأنها إجارة.
وكذلك لقط الزيتون، وهو كبيع نصفه، وإن قال: فما حصدت أو لقطت فلك نصفه، جاز، وله الترك متى شاء، لأن هذا جعل وغيره لا يجيز هذا.
وإن قال له: احصد اليوم أو التقط اليوم، فما اجتمع فلك نصفه، فلا خير فيه، إذ لا يجوز بيع ما يحصد اليوم، ولا أجيزه ثمناً مع ضرب الأجل في الجعل، إلا أن يشترط أن يترك متى شاء فيجوز.

وإن قال له: انفض شجري، أو حركها فما نفضت أو سقط فلك نصفه، لم يجز، لأنه مجهول.
[وإن قال له: اعصر زيتوني، أو جلجلاني، فما عصرت فلك نصفه، لم يجز، إذ لا يدري كيف يخرج، وإذ لا يقدر على الترك إذا شرع، وليس هكذا الجعل]، والحصاد يدعه متى شاء إذا قال: فما حصدت من شيء فلك نصفه.
وأما قوله: احصده ولك نصفه، فتلك إجارة لازمة.
وإن قال له: احصد [زرعي هذا] وادرسه لك ونصفه، لم يجز، لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب، وهو لا يدري كم يخرج [ولا كيف يخرج]، ولأنك لو بعته زرعك جزافاً وفد يبس على أن عليك درسه وحصاده وذريه، لم يجز، لأنه اشترى حباً جزافاً لم يعاين جملته.
ولو قال: على أن كل قفيز بدرهم، جاز، لأنه معلوم بالكيل وهو يصل إلى صفة القمح بفرك سنبله، وإن تأخر في درسه على مثل عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً، فهو قريب، وليس ذلك كحنطة في بيتك، تلك لا بد فيها من صفة أو عيان وهذا معين.
وكره مالك الجعل على الخصومة، على أنه لا يأخذ إلا بإدراك الحق.
قال ابن القاسم: وإن عمل على ذلك فله أجر مثله.(1)
وقد روي عن مالك أنه جائز.
* * *

(كتاب تضمين الصناع)
2957 - قال ابن القاسم: ومن دفع غزلاً إلى حائك لينسجه سبعة في ثمانية، فنسجه ستة في سبعة فله أخذه، وللحائك أجره كله. وقال غيره: بل بحساب ما عمل.
قال ابن القاسم: وإن شاء تركه وضمن الصانع قيمة الغزل، لأن من استهلك لرجل غزلاً أو ثوباً فعليه قيمته. وقال غيره: يضمن في الغزل مثله، لأنه مما يوزن.
2958 - وإذا احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض، وليس لربه أن يُغرّم الصانع قيمة الثوب مفروغاً ويعطيه أجره.
2959 - وإذا دعاك الصانع إلى أخذ الثوب وقد فرغ منه ولم تأخذه، فهو له ضامن حتى يصل إليك.
__________
(1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (14/49).

2960 - وإذا أفسد الخياط القميص في قطعه فساداً يسيراً فعليه قيمة ما أفسد، وإن كان كثيراً ضمن قيمة الثوب كله يوم قبضه وكان له. وقد قضى الخلفاء بتضمين الصناع وهو صلاح للعامة.
ويضمن القصار ما أفسد أجيره ولا شيء على الأجير، إلا أن يتعدى أو يفرط.
2961 - وإذا احترق الخبز فإن لم يفرط صاحب الفرن ولا غر من نفسه لم يضمن، لغلبة النار، فإن غر أو فرط ضمن.(1)
2962 - وإذا أخطأ الصباغ فصبغ غير ما أمر به فلك أن تعطيه قيمة الصبغ وتأخذ ثوبك، أو تضمنه قيمته يوم قبضه.
وإذا أخطأ القصار فدفع ثوبك بعدما قصره إلى غيرك، فقطعه وخاطه ودفع إليك ثوباً غيره، فإن لك أن ترده [ثم لك أن] تضمن القصار [ثوبك] أو تأخذه مخيطاً بعد دفع أجر الخياطة للذي خاطه، نقصه ذلك أو زاده، ثم لا شيء لك على القصار.
2963 - وليس لك تضمين القاطع ولا أن تأخذ منه الثوب مع ما نقصه القطع، إذ لم يتعد، ولا لك أخذ الثوب بغير غرم أجر الخياطة، ولك أخذ ما خاطه الغاصب بغير غرم أجر الخياطة لتعديه.
2964 - ومن اشترى ثوباً فغلط البائع فدفع إليه غيره، فقطعه قميصاً ولم يخطه، فللبائع أخذه مقطوعاً، وليس القطع بزيادة من الذي قطعه ولا نقصان، فإن خاطه المبتاع لم يأخذه البائع حتى يدفع قيمة الخياطة للمبتاع إذ لم يتعد.
وإن سألت خياطاً قياس ثوب، فزعم أنه يقطع قميصاً فابتعته لقوله فلم يقطع قميصاً فقد لزمك، ولا شيء لك عليه ولا على البائع.
وكذلك الصيرفي يقول في درهم تريه إياه: إنه جيد، فيلفى رديئاً، فإن غرا من أنفسهما عوقبا ولم يغرما.
2965 - وما قامت [فيه] بينة أنه ضاع، أو سرق، أو أنه احترق بمعاينة بينة بغير سبب الصانع لم يضمنه.
ويغرم القصار قرض الفأر، إذ لا يعرف أنه قرض فأر، ولو علم أن الفأر قرضه من غير تضييع وقامت [بذلك] بينة، لم يضمن.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/389)، ومواهب الجليل (5/429).

2966 - ولو مرّ حطّاب بثوب على حبل الصباغ فخرقه ضمن، ولم يضمن الصباغ وإن كان المار معدماً، لأن هذا مما ظهر بغير سبب الصباغ، لأن له أن ينشر الثياب، فلما نشره في الطريق لم يكن لهذا أن يخرقه [لأنه] كاصطدام الأحمال في الطريق.
وكذلك لو أوقف دابة محملة في الطريق، فصدمها رجل فكسر ما عليها أو قتلها لضمن، أو وضع قلالاً في الطريق فعثر عليها رجل فكسرها ضمن.
2967 - وما عمله الصناع في بيتك لم يضمنوه إن ضاع. وكذلك كل ما لم تسلمه إليهم، إلا أن يتعدوا. وكذلك رب الحنطة يصحب الكرى فتضيع فلا يضمن الحمال.
وإذا صبغ الصباغ الثوب أحمر أو أسود، وقال لربه: بذلك أمرتني، وقال ربه: أمرتك بأخضر، فالصباغ مصدق، إلا أن يصبغ صبغاً لا يشبه مثله.
2968 - وإذا صاغ الصائغ سوارين، فقال ربهما: أمرتك بخلخالين، فالصائغ مصدق.
2970 - وإذا أقر جميع الصناع بقبض متاع، وزعموا أنه ضاع، أو ردوه إلى ربه فعليهم البينة بذلك، وإلا ضمنوا، عملوه بأجر أو بغير أجر، قبضوه ببينة أو بغير بينة.
2971 - وإذا اختلف المتبايعان في [قلة] الثمن وكثرته، والسلعة بيد البائع أو بيد المبتاع، وقد غاب عليها، إلا أنها لم تتغير في بدن ولا سوق، أحلف البائع أولاً أنه ما باع إلا بكذا، ثم خيّر المبتاع في أخذها بذلك، أو يحلف أنه ما ابتاع إلا بكذا ثم يترادّان المبيع. فإن فاتت بيد المبتاع بتغير سوق فأعلى صدق مع يمينه، إذا أتى بما يشبه. وثبت مالك على هذا.

2972 - وإن مات المتبايعات فورثتهما في الفوت وغيره مكانهما، إن ادعوا معرفة الثمن. وإن تجاهل ورثتهما الثمن وتصادقا على البيع حلف ورثة المبتاع أنهم لا يعلمون بما ابتاعها به أبوهم، ثم يحلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون بم باعه [به] أبوهم، ثم ترد، فإن فاتت بما ذكرنا لزمت ورثة المبتاع بقيمتها في ماله. وإن ادعى معرفة الثمن ورثة أحدهما، وجهله ورثة الآخر، حلف من ادعى معرفته، وصُدّق إن أشبه ذلك ثمن السلعة، وإن اتفق المتبايعان في الثمن واختلفا في الأجل، فقال البائع: بعتها حالّة، [أو إلى شهر]، وقال المبتاع: بل إلى شهرين، فإن لم تفت حلفا وردت، وإن فاتت بيد المبتاع، فأما في قول البائع: بعتها إلى شهر، فالمبتاع مصدق مع يمينه، لأن البائع أقرّ بالأجل وادعى حلوله، وأما في قول البائع بعتها حالّة فيصير المبتاع مدعياً للأجل.
وروى ابن وهب عن مالك في الوجهين [جميعاً] أن السلعة إن لم يقبضها المبتاع صدق البائع مع يمينه [إن ادعى ما يشبه]، [وإن قبضها المبتاع صدق مع يمينه] [إن ادعى ما يشبه]. وإن تصادقا أن الأجل شهر، فادعى البائع حلوله وأنكر المبتاع، حُلّف المبتاع وصُدّق، وكذلك رب الدار والأجير يدعي تمام أجل الكراء، فهو مدع، إلا أن يقيم بينة فيقضى بها.(1)
2973 - وإذا قال الرسول: دفعت المال إلى المبعوث إليه، أو قال الوصي: دفعت المال إلى الأيتام، فهو ضامن إن كذبوه، إلا أن يقيم بينة [فيقضى بها].
2974 - ومن فتح في جداره كوة أو باباً يضر بجاره في التشرف منه عليه، مُنع، وأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه، وفيه مضرة على جاره، لا يمنع منه.
2975 - ومن كفل يتيماً فأنفق عليه، ولليتيم مال، فله أن يرجع بما أنفق عليه في مال اليتيم، أشهد أو لم يشهد، إذا قال: إنما أنفقت عليه لأرجع في ماله.
__________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/85)، ومواهب الجليل (4/462)، والمدونة (10/302)، والتمهيد (24/299).

والنفقة على اللقيط احتساب، فإن لم يجد الإمام من يحتسب فيه أنفق عليه من بيت المال، ولا يتبع اللقيط بشيء مما أنفق عليه. وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم.
ولو قال من في حجره يتيم عديم: أنا أنفق عليه فإن أفاد مالاً أخذته منه وإلا فهو في حل، فذلك باطل، ولا يتبع اليتيم بشيء، إلا أن يكون له أموال عروض فيُسلفه حتى يبيع عروضه، فذلك له، وإن قصر ذلك المال عما أسلفه لم يتبعه بالنايف، وكذلك اللقيط.
2976 - ومن التقط لقيطاً فأنفق عليه فأتى رجل فأقام بينة أنه ابنه، فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الأب موسراً في حين النفقة، لأنه ممن تلزمه نفقته، [هذا] إن تعمد الأب طرحه، وإن لم يكن الأب هو الذي طرحه فلا شيء عليه.
قال مالك - رحمه الله - في صبي صغير ضل من والده، فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشيء، وكذلك اللقيط، لأن النفقة عليه على وجه الحسبة.
2977 - ومن أنفق على ولد غائب وهم صغار بغير أمره، أو أنفقت زوجته على نفسها في غيبته [بغير أمره] ثم قدم، فلهما أن يرجعا عليه بما انفقا إن كان موسراً في غيبته، وإلا فلا.
ولو غاب وهو موسر فأمر الإمام رجلاً [بالنفقة] على ولده الصغير لزمه ذلك. وكذلك لو أنفق هو عليه بغير أمر الإمام على وجه السلف [له] لأتبعه بذلك إذا حلف أن ذلك منه بمعنى السلف، وكانت له على النفقة بينة، وإن كان الأب معسراً في ذلك لم يتبع بشيء، ولو أيسر بعد عسره فمات لم يتبع بشيء.
2978 - ومن التقط لقيطاً فكابره عليه رجل فنزعه منه فرفعه إلى الإمام، نظر الإمام للصبي فأيهم كان أقوى على مؤنته وكفالته وكان مأموناً، دفعه إليه.

قيل لابن القاسم: فمن التقط لقيطاً في مدينة الإسلام، أو في قرية للشرك في أرض، أو كنيسة، أو بيعة وعليه زي أهل الذمة أو المسلمين؟ قال: إن التقطه في قرى المسلمين ومواضعهم فهو مسلم، وإن كان في قرى الشرك وأهل الذمة ومواضعهم فهو مشرك، فإن وجد في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين فهو للنصارى ولا يعرض له، إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه.
2979 - ومن وهب لرجل لحم شاة ولآخر جلدها، فغفل عنها [حتى] نتجت فالنتاج لصاحب اللحم وعليه مثل الجلد أو قيمته لصاحب الجلد، وليس لصاحب الجلد قيمة جلد الولد ولا مثله.
ولو هلكت الشاة لم يكن له في الولد شيء وكذلك الناقة، ولصاحب اللحم أن يستحيي الشاة ويغرم لصاحب الجلد مثله أو قيمته.
2980 - قال مالك - رحمه الله - : ومن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره، ثم ضاع من الجملة دينار فهما فيه شريكان، صاحب الدينار بجزء من مائة وجزء، وصاحب المائة دينار بمائة جزء من مائة وجزء. وقال ابن أبي سلمة وابن القاسم: لصاحب المائة الدينار تسعة وتسعون، ويقسمان الدينار الباقي نصفين.
2981 - ومن انفلت له باز فلم يقدر على أخذه حتى استوحش فهو لمن وجده.(1)
وإن هربت النحل ولحقت مكانها بالجبال، فإن كان أصل النحل عند أهل المعرفة [بها] وحشية، فهي بمنزلة ما وصفنا من الوحش.
وإذا خرجت النحل من جبح هذا إلى جبح هذا، فإن علم ذلك وقدر على ردها إلى صاحبها ردها، وإلا فهي لمن ثبتت في أجباحه. وكذلك حمام الأبرجة.
2982 - ولا يحكم الإمام بين أهل الذمة في تعاملهم بالربا وشبهه، ولكن من امتنع منهم من دفع ثمن أو مثمون في البيع حُكم بينهم فيه، لأن هذا من التظالم.
ولا يعرض لهم فيما يجري بينهم من فساد بيع أو سلف، إلا أن يتحاكموا إليه، فيكون الإمام مخيراً، إن شاء حكم أو ترك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/211)، ومواهب الجليل (5/253).

قال مالك: وترك الحكم بينهم في ذلك أحبّ إلي، فإن حكم بينهم يحكم بحكم الإسلام، والذين حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم بالرجم لم يكونوا أهل ذمة.
2983 - وإن وقع رطل من زيت في زق زنبق لرجل، فلك عليه رطل من زيت، فإن أبى أخذت رطلك الذي وقع في الزنبق من الزنبق.
قال سحنون: الزيت قد أعاب الزنبق لا محالة ويُسأل عن الزنبق، فإن كان قد أعاب الزيت كانا شريكين في ثمنه، هذا بقيمة زنبقه معيباً وهذا بقيمة زيته معيباً.
وإن كان الزنبق لا يضر الزيت ولا يعيبه ضرب بقيمة الزيت غير معيب، كالشعير يختلط بالقمح من غير عداء من أربابه، فالقمح لم يعب الشعير، والشعير هو الذي أعاب القمح، فيباع ذلك ويشتركان في ثمنه، هذا بقيمة شعير غير معيب، وهذا بقيمة قمحه معيباً.
2984 - قال مالك - رحمه الله - : ومن اعترفت من يده دابة وقضي عليه، فله وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها إلى بلد البائع منه لتشهد لبينة على عينها.
وكذلك في العروض أو العبد أو الأمة، إلا أنه في الأمة إن كان أميناً دفعت إليه، وإلا فعليه أن يستأجر معه أميناً.
قال مالك - رحمه الله - : ويطبع في أعناقهم، ولم يزل ذلك من أمر الناس، فإن رجع بذلك، وقد أصابه في الحيوان أو في الرقيق عور، أو كسر، أو عجف فهو لها ضامن، ولا يضمن إن نقص سوق ذلك كله، وله رده وأخذ القيمة التي وضع.(1)
* * *

(كتاب المساقاة)
2985 - [قال مالك - رحمه الله - :] ولا بأس بالمساقاة على أن للعامل جميع الثمرة كالربح في القراض. ولا بأس بمساقاة النخل، وفيها ما لا يحتاج إلى سقي قبل طيبه. وتجوز المساقاة على النصف والثلث والربع وأقل من ذلك أو أكثر.
2986 - وقد ساقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود خيبر على شطر ما أخرجت من ثمر أو حب.(2)
__________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (5/131).
(2) رواه البخاري (2203)، ومسلم (1551).

قال مالك - رحمه الله - : وكان بياض خيبر يسيراً بين أضعاف السواد. قال: وبذلك قضى أهل العلم أن البياض إذا كان يسيراً، سوقيت بالجزء مما يخرج منها، وإن كان هو الأكثر أكريت بالذهب والورق.(1)
2987 - ولا بأس بمساقاة حائط ببلد بعيد إذا وصف كالبيع، نفقة العامل في خروجه إليه عليه، بخلاف القراض، وهذه سنة المساقاة.
2988 - وما كان في الحوائط يوم عقد المساقاة من رقيق أو دواب لربه، فللعامل اشتراطهم، ولا ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع ذلك منه، فيصير كزيادة شرطها، إلا أن يكون قد نزعهم قبل ذلك، وما لم يكن في الحائط يوم العقد، فلا ينبغي أن يشترطه العامل على رب الحائط، إلا بما قَلّ كغلام أو دابة في حائط كبير، ولا يجوز ذلك في صغير.(2)
ورب حائط تكفيه دابة واحدة لصغره، فيصير في هذا يشرط جميع العمل على ربه، فلا يجوز، وإنما يجوز اشتراط ما قل فيما كثر.
2989 - ولا يجوز للعامل أن يشترط على رب المال دواباً أو رقيقاً ليسوا في الحائط، ولا خلف ما أدخل العامل فيه.
وأما ما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب ورقيق، فخلف ما مات منهم على رب الحائط، وإن لم يشترط العامل ذلك عليه، إذ عليهم عمل العامل، ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز.
2990 - ولو شرط رب المال إخراج رقيقه ودوابه منه، أو اشتراطهم العامل على ربه وليسوا فيه لم يجز، فإن نزل ذلك فللعامل أجر مثله والثمرة لربها، ولا يجوز أن يشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط بنفسه، فإن نزل ذلك فله مساقاة مثله، لأن مالكاً أجاز أن يشترط عليه دابة أو غلاماً، إذا كان لا يزول، وإن مات أخلفه له رب الحائط.
__________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/379).
(2) انظر: التقييد (5/133).

2991 - ووجه العمل في المساقاة أن جميع العمل والنفقة وجميع المؤونة على العامل، وإن لم يشترط ذلك عليه، وعليه نفقة نفسه ونفقة دواب الحائط ورقيقه، كانوا له أو لرب الحائط، [ولا يجوز أن يشترط نفقته أو نفقة العامل نفسه على رب الحائط].
قال ربيعة: ولا بينهما، ولا يكون شيء من النفقة في ثمرة الحائط، ولا أرى للعامل أن يأكل من الثمرة شيئاً.
2992 - والجذاذ والحصاد والدراس على العامل.
وقال في الزيتون: إن شرطا قسمه حباً جاز، وإن شرطا عصره على العامل جاز ذلك.
وإن اشترط العامل على رب النخل صرام النخل لم ينبغ ذلك، لأن مالكاً قد جعل الجذاذ مما يشترط على العامل، ولا بأس باشتراط التلقيح على رب المال، فإن لم يشترط فهو على العامل.
2993 - وتجوز مساقاة ما لم يزه من ثمر نخل أو شجر، كما تجوز لو لم تظهر الثمرة، وإذا أزهى بعض الحائط لم تجز مساقاة جميعه لجواز بيعه.
2994 - وإن عجز العامل وقد حل بيع الثمرة لم يجز أن يساقي غيره، ويستأجر من يعمل له، فإن لم يجد إلا أن يبيع نصيبه، ويؤجر به فعل. فإن كان فيه فضل فله، وإن نقص كان [ذلك] في ذمته، إلا أن يرضى رب الحائط أخذه ويعفيه [من العمل]، فذلك له.
ولمن سوقي في أصل أو زرع مساقاة غيره في مثل أمانته، وإن ساقى غير أمين ضمن.
قال ابن أبي سلمة: المساقاة بالذهب والورق كبيع ما لم يبد صلاحه.
ولا يجوز أن يربح في المساقاة إلا [ثمراً] مثل أن يأخذ على النصف ويُعطي على الثلث، أو [يأخذه على النصف ويعطي] على الثلثين، فيربح السدس أو يربح عليه.
2995 - قال ابن القاسم: وإن شرطا أن لأحدهما مكيلة من الثمر معلومة وما بقي بينهما، لم يجز، ويكون للعامل أجر مثله، أثمرت النخل أم لا، وما كان من ثمر فهو لرب الحائط.
وإن شرطا أن للعامل ثمر نخلة معلومة وما بقي بينهما، أو على أن لرب الحائط نصف البرني، وباقي الحائط للعامل لم يجز، لأنه خطر.

ولو شرط العامل أن يخرج نفقته من ثمرة الحائط ثم يقتسمان ما بقي لم يجز.
ومن طابت ثمرة نخله فساقاه هذه السنة، وسنتين بعدها لم يجز، وفسخ.
2996 - وإن جذ العامل الثمرة كان له أجره، وما أنفق فيها، وإن عمل بعد جذاذه الثمرة لم تفسخ بقية المساقاة، وله استكمال الحولين الباقيين، وله فيهما مساقاة مثله، ولا أفسخها بعد تمام الحول الثاني، إذ قد تقل ثمرة العام الثاني، وتكثر في الثالث فأظلمه، وذا كأخذ العروض قراضاً إن أدرك بعد بيعه وقبل أن يُعمل فُسخ، وله أجر بيعه، وإن عمل فله قراض مثله وله أجر بيعه.
2997 - وإذا اشترط رب الحائط على العامل بناء حائط حول النخل، أو تزريعها، أو حفر بئر لسقيها أو لسقي زرع، أو إخراق مجرى العين إليها، لم يجز، ويكون أجيراً إذا كان ما ازداد ربه من ذلك يكفيه به مؤونة ليست بيسيرة.
2998 - وإنما يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل ما تقل مؤونته، مثل: سَرْو الشرب: وهو تنقية ما حول النخل من منافع، وخم العين: وهو كنسها، وقطع الجريد، وإبار النخل: وهو تذكيرها وسد الحظار، واليسير من إصلاح الظفيرة ونحوها مما تقل مؤونته فيجوز اشتراطه على العامل، وإلا لم يجز.(1)
وأجاز مالك لمن انهارت بئره دفع حائطه مساقاة إلى جاره، يسوق ماءه إليه للضرورة.
قال ابن القاسم: ولولا أنه أجازه لكرهته.
وإذا اشترط أن يسقي العامل النخل بمائة، ويصرف رب النخل ماءه حيث شاء، لم يجز للزيادة المشترطة، كاشتراط زيادة دينار واحد، وقد يساوي الماء مالاً عظيماً.
2999 - ولا بأس أن يشترطا الزكاة في حظ أحدهما، لأنه يرجع إلى جزء معلوم ساقى عليه، فإن لم يشترطا شيئاً فشأن الزكاة أن يبدأ بها، ثم يقتسمان ما بقي.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (12/11)، ومواهب الجليل (5/382).

3000 - والشأن في المساقاة إلى الجذاذ، ولا تجوز شهراً أو سنة محدودة، وهي إلى الجذاذ، إذ لم يؤجّلا، وإن كانت تطعم في العام [الواحد] مرتين فهي إلى الجذاذ الأول، حتى يشترط الثاني، ويجوز أن يساقيه سنين ما لم تكثر جداً. قيل: فعشرة؟ قال: لا أدري تحديد عشرة ولا ثلاثين ولا خمسين.
3001 - ومن أعطى رجلاً أرضاً يغرسها شجراً كذا ويقوم عليها حتى إذا بلغت الشجرة كانت بيده مساقاة سنين سماها لم يجز، لأنه خطر، ولا يجوز مساقاة نخل أو شجر لم يبلغ حد الإطعام خمس سنين، وهي تبلغه إلى حولين.
3002 - ومن ساقى رجلاً ثلاث سنين فليس لأحدهما المتاركة حتى ينقضي [الأجل]، لأن المساقاة تلزم بالعقد وإن لم يعمل، وليس لأحدهما الترك إلا أن يتتاركا [جميعاً]، بغير شيء يأخذه أحدهما من الآخر، فيجوز، وليس هذا بيع ثمر لم يبد صلاحه، إذ للعامل أن يساقي غيره، فرب الحائط كأجنبي إذا تاركه.(1)
3003 - وإذا عجز العامل عن السقي قيل له: ساقِ من شئت أميناً، فإن لم يجد أسلم الحائط إلى ربه ثم لا شيء له ولا عليه، لأنه لو ساقاه إياه جاز كجوازه لأجنبي، ولو اجتمعا على بيع التمر قبل زهوه، أو الزرع قبل طيبه ممن يجذ أو يحصد ذلك مكان جاز ذلك، وما أرى فيه مغمزاً، وما سمعت فيه شيئاً.
3004 - ومن ساقيته حائطك، أو أكريته دارك، ثم ألفيته سارقاً لم يفسخ لذلك مساقاة ولا كراء وليتحفظ منه.(2)
وكذلك من باع من رجل سلعة إلى أجل وهو مفلس، ولم يعلم بذلك البائع، فقد لزمه البيع.
3005 - ومن ساقيته حائطك لم يجز أن يقيلك على شيء تعطيه إياه، كان قد شرع في العمل أم لا، لأنه غرر، إن أثمرت النخل فهو بيع الثمرة قبل زهوها، وإن لم تثمر فهو أكل المال بالباطل.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (12/104)، ومواهب الجليل (5/382).
(2) انظر: مواهب الجليل (5/387).

3006 - وما كان [من] سواقط النخل، أو ما يسقط من بلح أو غيره، والجريد والليف وتبن الزرع فبينهما على ما شرطا من الأجزاء.
3007 - وإذا اختلفا في المساقاة فالقول قول العامل فيما يشبه. وإذا ادعى أحدهما فساداً فالقول قول مدعي الصحة. فإن وكلت رجلاً على دفع نخلك مساقاة فقال: دفعتها إلى هذا [الرجل]، فصدقه الرجل وأكذبته أنت فالقول قوله، كوكيل البيع يقول: بعت، وأنت تنفي أن يكون باع، بخلاف الرسول يقول: دفعت المال، والمبعوث إليه يكذبه. وهذا لم يكذبه المبتاع، فإن لم يقم الرسول البينة بالدفع ضمن.
3008 - ولا يجوز أن تدفع إلى رجل حائطين مساقاة أحدهما على النصف، والآخر على الثلث في صفقة [واحدة]، وهو خطر في أن يثمر أحد الحائطين دون الآخر.
ولا بأس أن يكونا على جزء واحد، وإن كان أحدهما أفضل من الآخر مما لو أفرد لسوقي هذا على الثلث وهذا على الثلثين.
وقد كان في خيبر الجيد والرديء حين ساقاها النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها على الشطر.
ومن ساقى رجلاً نخلاً على النصف، وزرعاً على الثلث لم يجز، حتى يكونا على جزء واحد جميعاً ويعجز عن الزرع ربه، وإن كانا في ناحيتين وذلك كحائطين متفرقين.
3009 - ولا يجوز أن يساقيه حائطاً على أن يعمل له في حائط آخر بغير شيء، والنخل بين الرجلين لا بأس أن يسقيها أحدهما الآخر.
3010 - ويجوز للوصي دفع حائط الأيتام مساقاة، لأن بيعه وشراءه لهم جائز. وللمأذون له دفع المساقاة أو أخذها.
3011 - وللمديان دفع المساقاة ككرائه لأرضه وداره، ثم ليس لغرمائه فسخ ذلك، [ولو ساقى أو أكر بعد قيامهم فلهم فسخ ذلك].
3012 - وللمريض أن يساقي نخله كما يجوز بيعه، إلا أن يحابي فيه فيكون ذلك في ثلثه.
ويجوز للرجلين أن يأخذا حائطاً مساقاة من رجل، وكذلك حائط لقوم يجوز أن يساقوه لجماعة أيضاً.
3013 - وإذا مات العامل في النخل قيل لورثته: اعملوا كعمله، فإن أبوا لزم ذلك في ماله، وإن كانوا غير مأمونين لم يأخذوه وأتوا بأمين.

وإن مات رب المال أو العامل لم تنتقض المساقاة بموت واحد منهما.
وليس للعامل أن يعري من الحائط، إذ ليس له نخلة معينة، إلا أن يعريه حظه من نخلات معينات فيجوز.
3013 - ولا بأس بمساقاة شجر البعل التي على غير ماء، لأنها تحتاج إلى عمل ومَؤُونة كشجر إفريقية والشام. قيل: فزرع البعل كزرع إفريقية ومصر وهو لا يسقى؟ قال: إن احتاج من المؤنة إلى ما يحتاج إليه شجر البعل، ويخاف هلاكه إن ترك جازت مساقاته، وإن كان لا مؤونة فيه إلا حفظه [وحصاده] ودراسه لم يجز، وتصير إجارة فاسدة، وليس زرع البعل كشجره، وإنما تجوز مساقاة زرعه على الضرورة والخوف عليه، ولا بأس بمساقاة نخلة أو نخلتين، أو شجرة أو شجرتين.
3014 - وكره مالك أخذك من نصراني مساقاة أو قراضاً، ولست أراه حراماً.
ولا بأس أن تدفع نخلك إلى نصراني مساقاة إن أمنت أن يعصره خمراً.
3015 - وإن فلس رب الحائط لم تفسخ المساقاة، كان قد عمل العامل أم لا، ويقال للغرماء: بيعوا الحائط على أن هذا مساقى فيه. قيل: لم أجزته؟ ولو أن رجلاً باع حائطه واستثنى ثمرته لم يجز؟ قال: هذا وجه الشأن فيه.
وذكر أجير السقي والصباغ والأكرية في كتاب التفليس.
3016 - ومن أخذ نخلاً مساقاة وفيها بياض يسير، على أن يزرعه العامل ببذره، أو ببذر ربه، ويعمل فيه العامل على أن ما أنبتت فلرب النخل، لم يجز، كزيادة يسيرة تشترط على العامل. ولا يجوز أن يشترط فيه نصف البذر على رب الحائط، أو حرث البياض فقط، وإن جعلا الزرع بينهما. وإن كان على أن يزرعه العامل من عنده ويعمله، وما أنبتت [الأرض] فبينهما فجائز.
3017 - قال مالك - رحمه الله - : وأحب إلي أن يلغى البياض فيكون للعامل، وهذا أَحَلُّه.

وإن ساقاه زرعاً فيه بياض، وهو تبع له، جاز أن يشترط العامل ليزرعه لنفسه خاصة، كبياض النخل، ولو كان في الورع شجر متفرقة هي تبع له، جاز أن تشترط على ما اشترطا في الزرع، ولا ينبغي أ يشترطها العامل لفسه وإن قلّت، بخلاف البياض.
ولا يجوز على أن ثمرتها لأحدهما دون الآخر، وإنما يجوز على أن ثمرتها بينهما على ما شرطا في الزرع.
3018 - ومن أخذ نخلاً مساقاة خمس سنين، وفيها بياض تبع لها على أن يكون البياض أول سنة للعامل يزرعه لنفسه، ثم يعود لرب الحائط يزرعه لنفسه باقي السنين، لم يجز، لأنه خطر.
ومن أخذ حائطين مساقاة على النصف، على أن يعمل أول سنة فيهما ثم يرد أحدهما في العام الثاني ويعمل في الآخر لم يجز، لأنه خطر.
3019 - ولا تجوز مساقاة الزرع إلا أن يعجز عنه ربه، وإن كان له ما يسقيه به، لأنه قد يعجز ربه عن الدواب والأجراء، وكذلك إن كان ماؤه سيحاً، فعجز عن الأجراء، وإنما تجوز مساقاته إذا استقل من الأرض، وإن أسبل إذا احتاج إلى الماء وإن تُرك مات، وأما بعد جواز بيعه فلا تجوز مساقاته. والمساقاة في كل ذي أصل من الشجر جائزة ما لم يحل بيع ثمرها [فلا تجوز مساقاته]. ولا بأس بمساقاة الورد والياسمين والقطن. وأما المقاثي والبصل وقصب السكر، فكالزرع يساقى إن عجز عنه ربه. وإذا حلّ بيع المقاثي لم يجز مساقاتها، وإن عجز عنها أيضاً. وكذلك كل ما حل بيعه، وإنما تجوز مساقاتها قبل أن يحل بيعها.
3020 - ولا تجوز مساقاة القصب، لأنه يسقى بعد جواز بيعه، وكذلك القرظ والبقل والموز، وإن عجز عن ذلك ربه، لأن ذلك كله بطن بعد بطن، وجزة بعد جزة، وليس كثمرة ذات أصل تجتنى في مرة، ويتفاوت طيبها، ولكن من شاء اشترى ذلك واشترط خلفته على ما يجوز.
3021 - ولا بأس بمساقاة نخل تطعم في السنة مرتين، كما تجوز مساقاة عامين، وليس ذلك مثل ما كرهنا من مساقاة القصب، لأن القصب يحل بيعه، وبيع ما يأتي بعده. والشجر لا تباع ثمرتها قبل أن تزهي.

3021 - ولا تجوز مساقاة شجر الموز، وإن عجز عنها ربها، وإن لم يكن فيها ثمرة.
ولا بأس بشراء الموز في شجره إذا حل بيعه، ويستثني من بطونه خمسة أو عشرة بطون، أو ما تطعم هذه السنة، أو سنة ونصف، وذلك معروف والقصب مثله.
وأصل قولهم في المساقاة أن كل ما يجزّ أصله فيخلف لا تجوز مساقاته، وكل ما تجنى ثمرته ولا يخلف وأصله ثابت أو غير ثابت فمساقاته جائزة.
* * *

(كتاب الجوائح)
3022 - وما بيع مما يطعم بطوناً كالمقاثي والورد والياسمين وشبه ذلك، أو من الثمار مما لا يخرص ولا يدخر، وهو مما يطعم في كره إلا أن طيبه يتفاوت، ولا يحبس أوله على آخره، كالتفاح والأترج والخوخ [والتين] والموز ونحو ذلك، فإن أجيح شيء من ذلك نظر، فإن كان ما أصابت منه الجائحة قد ثلث الثمرة في النبات فأكثر، في أول مجناه أو في وسطه أو في آخره، حطّ من الثمن قدر قيمته في زمانه من قيمة باقيه، كان في القيمة أقل من الثلث أو أكثر.(1)
وإن كان المجاح من الجميع أقل من الثلث في كيل، أو وزن، لا في القيمة، فلا توضع فيه جائحة، نافت قيمته على الثلث أو نقصت، مثل أن يبتاع مقثاة بمائة درهم فأجيح بطن منها، ثم جنى بطنين، فإن كان المجاح مما لم يجح قدر ثلث النبات بعد معرفة ناجية النبات، وضع عنه قدره، وقيل: ما قيمة المجاح في زمانه؟ فإن قيل: ثلاثون، والبطن الثاني عشرون، والثالث عشرة [في زمانيهما] لغلاء أوله وإن قل، ورخص آخره وإن كثر فيرجع بنصف الثمن، وكذلك لو كان المجاح تسعة أعشار القيمة لرجع بمثله من الثمن، وإن كان أقل من الثلث في النبات لم يوضع فيه شيء، وإن كانت قيمته تسعة أعشار الصفقة، وكذلك فيما يتفاوت طيبه مما ليس بطناً بعد بطن.
__________
(1) انظر: المدونة (12/25)، ومواهب الجليل (4/505)، وشرح حدود ابن عرفة (ص401).

وراعى أشهب في وضع الجائحة القيمة فيما بلغ عنده في القيمة الثلث فأكثر، وضع عنه حصته من الثمن وإن نقص من الثلث في النبات، ولا يوضع ما نقص عن ثلث القيمة وإن جاوز الثلث في النبات. قال: لأنها حينئذ ليست مصيبة عليه.
وما كان بطناً واحداً فثلث الثمرة بثلث الثمن، إذا كانت الثمرة صنفاً واحداً لا تقويم في ذلك.
3023 - قال ابن القاسم: وأما ما بيع من الثمر مما ييبس ويدخر ويترك حتى يجذ جميعه، مما يخرص أم لا، كالعنب والنخل والزيتون واللوز والفستق والجوز وما أشبه ذلك، فأصابت الجائحة قدر ثلث الثمرة فأكثر، في كيل أو مقدار لا في القيمة، وضع عن المبتاع قدر ذلك من الثمن، فإن أجيح أقل من ثلث الثمرة في المقدار لم يوضع عنه لذلك شيء، ولا تقويم في هذه الأشياء، لأن لمبتاعها تعجيل جذها وتأخيره حتى تيبس.(1)
وأما التفاح [والرمان] والخوخ والأترج والموز والمقاثي وشبهها، فإنما تشترى على طيب بعضه بعد بعض، ولو ترك أوله حتى يطيب آخره كان فساداً لأوله.
وإن كان في الحائط أصناف من التمر، برني وصيحاني وعجوة وشقيم وغيره، فأجيح أحدهما، فإن كان قدر الثلث في الكيل من الأصناف، وضع من الثمن قدر قيمته من جميعها، ناف على ثلث الثمن أو نقص.
وأصل قول مالك - رحمه الله - [في هذا] أن ينظر، فكل ما يقدر على ترك أوله على آخره ولا يكون فساداً حتى ييبس، فهو بمنزلة النخل والعنب، وكل ما لا يستطاع ترك أوله على آخره حتى ييبس في شجره، فهو كالمقاثي.
3024 - وإن اشترى أول جزة من الفصيل فأجيح ثلثها، فثلث الثمن موضوع بغير قيمة.
ولو شاء فصله يوم الشراء وقد أدرك جميعه، ولو اشترط خلفته كان كالمقاثي، إن أجيح قدر الثلث من أوله أو من خلفته، على ما ذكرنا في التقويم. وهكذا يحسب فيمن اكترى أرضاً سنين، فتعطش منها سنة، أو ربعاً [كدور مكة]، فتخرب في بعض السنين إن كانت السنون تختلف قيمتها في الكراء.
__________
(1) انظر: التقييد (5/5).

قيل: فالتين أيضاً [أليس] مما يطعم بعضه بعد بعض، وهو مما يدخر فييبس، فكيف يعرف شأنه؟ قال: يُسأل عنه أهل المعرفة.
ومن اشترى مقثاة وفيها بطيخ وقثاء فأجيح أول بطن منها، فإن كانت قدر الثلث فأكثر من باقي البطون فكما ذكرنا.
3025 - وأما جائحة البقول كالسلق والبصل والفجل والجزر والكراث وغيره، فيوضع قليل ما أجيح فيه وكثيره.
وروى علي بن زياد وابن أشرس عن مالك: أنها لا توضع جائحة البقول حتى تبلغ الثلث.
3026 - ومن ابتاع فولاً أخضر أو قطنية على أن يقطعها خضراء، فذلك جائز، وتوضع فيه الجائحة إن بلغت الثلث وضع عنه ثلث الثمن، ولا يجوز اشتراط تأخيره حتى ييبس.
ولا توضع في القصب الحلو جائحة، إذ لا يجوز بيعه حتى يطيب ويمكن قطعه وليس ببطون.(1)
قال سحنون: وقد قال ابن القاسم: توضع جائحة القصب الحلو، وهو أحسن.
3027 - وكل ما لا يباع إلا بعد يبسه من الحبوب، من قمح، أو شعير، أو قطنية وشبهها من [الحبوب]، أو سمسم، أو حب فجل الزيت، فلا جائحة في ذلك، وهو بمنزلة ما لو باعه في الأنادر.
وما بيع من ثمر نخل، أو عنب وغيره بعد أن ييبس فصار تمراً أو زبيباً، فلا جائحة فيه.
ولو اشترى ذلك حين الزهو ثم أجيح بعد إمكان الجذاذ [واليبس] فلا جائحة فيه، وكأنك ابتعتها بعد إمكان الجذاذ واليبس.
ولا جائحة فيما بيع بأصله ولم يؤبر، ولا فيما اشترطه المبتاع مع الرقاب مما أبر، وهو بلح، أو بسر، أو رطب، أو تمر، وهو لغو، وإن أوجبها الاشتراط، وهو كمكتري الدار فيها نخل لم يطب، وهي تبع للكراء، فإن اشترطها فذلك جائز، ولا جائحة في ثمرها، إذ لا حصة لذلك من الثمن في الكراء، وكمن ابتاع عبداً فاستثنى ماله، ثم هلك ماله ثم رده بعيب، فإنه يرجع بجميع الثمن، ولا يحط لمال العبد من الثمن شيء، إذ لا حصة له منه.
3028 - ومن ابتاع زرعاً لم يبد صلاحه على أن يحصده، ثم اشترى الأرض جاز أن يبقيه فيها حتى يبلغ.
__________
(1) انظر: منح الجليل (5/283).

وكذلك لو ابتاع نخلاً قد أبرت، ولم يشترط الثمرة فله شراؤها قبل الزهو، كما كان له جمعها في أول الصفقة، ثم لا جائحة فيهما، إذ كأنهما في صفقة.
ومن ابتاع ثمرة نخلة واحدة ففيها الجائحة إن بلغت ثلث ثمرتها، ووضع الجائحة.
3029 - وتوضع الجائحة عن مشتري [ما] أعرى من العرية بخرصها مثل ما يوضع عنه في الشراء سواء.
ومن أسلم في حائط بعينه فأجيح بعضه أتبعه بحقه في بقيته، لأنه على كيل، بخلاف مبتاع جميع ثمرته، هذا إن أصاب الحائط جائحة أذهبت ثلثه، وضع عنه ثلث الثمن.
3030 - ومن اشترى ثمرة نخل قبل أن يبدو صلاحها وشرط تأخيرها، فأصابت الثمرة جائحة بعد ما بدا صلاحها، فهي من البائع وإن كانت أقل من الثلث، إذ هو بيع فاسد لم يقبضه مبتاعه، ولو اشتراه على الجذ مكانه [قبل أن يطيب] فأُجيح قبل الجذ وضعت فيه الجائحة إن بلغت الثلث، كالثمار لا كالبقل.(1)
وكذلك إن اشترى بلح جميع الثمار أو اشترى ما لم يطب من جوز [ولوز] [وجِلَّوْزٍ] وفستق على أن يجذه، فأجيح قبل الجذ، فهو كالثمار، وتوضع فيه الجائحة [إن بلغت الثلث].
3031 - وكل ما جاء من الله عز وجل فهو جائحة، كالجراد والريح والنار والغرق والبرد والمطر والطين الغالب والدود وعفن الثمرة في الشجر، والسموم، [فذلك جائحة توضع عن المبتاع إن أصابت الثلث فصاعداً].
وأما إن هلكت [الثمرة] من انقطاع ماء السماء أو انقطع عنها عين سقيها، فذلك يوضع قليل ما هلك بسببه وكثيره، بخلاف الجوائح، لأنه باعها على حياتها من الماء، فما كان من قبل الماء فهو من البائع.
والجيش والسارق جائحة. ولم ير ابن نافع السارق جائحة.
__________
(1) انظر: شرح الزرقاني (2/174)، والتاج والإكليل (4/209)، والمدونة الكبرى (12/34).

3032 - قال مالك - رحمه الله - : وتوضع الجائحة في المساقاة. وحفظ سعد عن مالك: أنه إن أجيح دون الثلث لم يوضع عنه شيء من سقي الحائط [كله]، وإن كان الثلث فأكثر خيّر، فإن شاء سقى جميع الحائط، وإلا ترك جميعه.
3033 - قال مالك: ومن اكترى أرضاً فيها سواد قدر الثلث فأدنى فاشترطه جاز ذلك [قال ابن القاسم: فإن اشترط ذلك فأثمر السواد، ثم أصابت جميع ثمره جائحة، فلا جائحة في ثمره، لأن السواد كان ملغىً]، ولا جائحة في ثمرته. وإن لم يكن ذلك السواد تبعاً فاشترط ثمرته، فإن لم تزه فسدت الصفقة كلها، فإن أزهى جازت.
3034 - فإن أصابت الثمرة جائحة نظر إلى قيمة الثمرة، وإلى مثل كراء الأرض يوم الصفقة، فيقسم الثمن على ذلك، فما قابل الثمرة منه فهو ثمنها، فإن أصابت الجائجة ثلث الثمرة وضع عنه ثلث حصة الثمرة، من جميع الثمن الذي نقد في الكراء.
وإن أصابت الجائحة أقل من ثلث الثمرة لم يوضع عنه قليل ولا كثير.(1)
* * *

(كتاب كراء الرواحل والدواب)
3035 - ومن اشترى عبداً واكترى راحلة بعينها إلى مكة بمائة دينار في صفقة واحدة، جاز ذلك إن لم يشترط خلف الراحلة إن هلكت، وإن اشترط ذلك لم يجز إلا أن يكون الكراء مضموناً في أصل الصفقة.
3036 - وكراء الدواب على وجهين: مضمون في ذمة، أو في دابة بعينها، فالدابة المعينة إن هلكت انفسخ الكراء، ولا يأتي بغيرها، إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون، فإن اشترط في المعينة إن ماتت أتاه بغيرها، لم يجز، والدابة هاهنا كالراعي لا يشترط إن مات أن يؤتى ببديل من ماله، وتفسخ الإجارة بموته.(2)
وإذا استؤجر لغنم يرعاها أو دواب يقوم عليها، فماتت الغنم والدواب لم تنفسخ الإجارة، وإنما تنفسخ الإجارة بموت الأجير لا بموت المستأجر عليه.
__________
(1) انظر: منح الجليل (5/311).
(2) انظر: التاج والإكليل (5/425)، والشرح الكبير (4/34)، ومواهب الجليل (5/436)، ومختصر خليل (1/247).

3037 - ومن باع دابة واستثنى ركوبها يوماً أو يومين، أو أن يسافر عليها اليوم، أو إلى المكان القريب، جاز ذلك، ولا ينبغي ما بَعُد، إذ لا يدري المبتاع كيف ترجع إليه، وضمانها من المبتاع فيما يجوز استثناؤه، ومن البائع فيما لا يجوز استثناؤه.
3038 - ومن اكترى راحلة بعينها على أن يركبها إلى اليوم واليومين وما قرب، جاز ذلك، وجاز فيه النقد. وإن كان الركوب إلى شهر أو شهرين، جاز ما لم ينقده. وقال غيره: لا يجوز.
3039 - ولا يصلح النقد في كراء الخيار، إلا أن يشترط الخيار في مجلسهما ذلك قبل أن يفترقا.
وإن اكتريت ن رجل دابة بعينها، أو داراً فباعها ربها، أو وهبها، أو تصدق بها، لم يجز ذلك، لأن المكتري أحق بهما في الموت والفلَس بقية المدة، كطعام بعينه مات بائعه، أو فلس قبل كيله، فمبتاعه أحق به من الغرماء حتى يستوفي حقه.
3040 - وإن ذهب مبتاع الدابة بها فلم يوجد، فسخ الكراء وترجع فيما نقدت. ولو قدرت عليها وربها غائب فأقمت بينة على كرائك كنت أحق بها، ونقض البيع، وللمبتاع الرضا بتأخيرها إلى تمام مسافتك إن قربت، وإن بعدت لم يجز.
3041 - ومن اكترى دابة لركوب أو حمل، أو داراً، أو استأجر أجيراً بشيء بعينه من عرض، أو حيوان، أو طعام، فتشاحا في النقد ولم يشترطا شيئاً، فإن كانت سنة البلد في الكراء على النقد جاز، وقضي بقبضها، وإن لم تكن سنتهم النقد فيه لم يجز الكراء وإن عجلت هذه الأشياء، إلا أن يشترط النقد في العقد. كما لا يجوز بيع ثوب، أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ويفسخ.

قال ابن القاسم: وإن اكترى ما ذكرنا بدنانير معينة ثم تشاحّا في النقد، فإن كان الكراء في البلد بالنقد قضي بنقدها، وإلا لم يجز الكراء، إلا أن يعجلها، كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غيره، فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز، وإلا لم يجز البيع، [فأرى] إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز، إلا أن يشترط في الدنانير إن تلفت فعليه مثلها.
ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ولا عرض في بيع ولا كراء، لأنه مما يبتاع لعينه، فلا يدري أي الصفقتين ابتاع، ولا يراد من المال عينه. وقال غيره في الدنانير: هو جائز. وإن تلفت فعليه الضمان.
3042 - قال ابن القاسم: ومن اكترى إلى مكة بعرض بعينه، أو بطعام بعينه، أو بدنانير معينة والكراء عندهم ليس على النقد، فقال المكتري: أنا أعجل العرض والدنانير والطعام، ولا أفسخ الكراء، فلا بد من فسخه لفساد العقد.
وقال غيره مثله، إلا في الدنانير فإنه جائز عنده.
3043 - قال ابن القاسم: وإن اكترى بهذه المعينات من عرض ونحوه، وشرط عليه أن لا ينقد ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، لم يعجبني ذلك، إلا لعذر من ركوب دابة ولبس ثوب إن كان مما يلبس وخدمة عبد وغيره، أو توثقا حتى يشهدا فذلك جائز، وإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته، ولا أفسخ به البيع، ولا أحب أن يعقد الكراء على هذا.
وقد أجاز مالك تأخير الكيل اليوم واليومين للمشتري من صبرة معينة، ورأى في المشترط إن لم يأت بالثمن إلى أيام فلا بيع، له انفاذ البيع وسقوط الشرط، عجل النقد أو أخّره، ويقضى عليه بالنقد، وأما الدنانير المعينة فلا يعجبني تأخيرها اليوم واليومين، إلا أن يشترط المكتري ضمانها، أو يضعها رهناً بيد غيره، ولم يكرهه غيره، وإن بقيت بيده، لأنه لو ابتاع بها بعينها فاستحقت لقضي عليه بمثلها، والبيع تام.

3044 - قال ابن القاسم: وإذا هلك هذا العرض المعين بيد المكترى له، وقد شرط حبسه للوثيقة، أو للمنفعة، [فهو من المكري، لأنه أمر يعرف هلاكه، ولو حبسه المكتري وهو مما يُغاب عليه للوثيقة فهلك بيده]، كان منه إن لم يعرف هلاكه وانتقض الكراء، ولا يقال له: إيت بمثله، وكذلك إن استحق في هذا، أو إذا كان رأس مال السلم، وكذلك في المبيع يحبسه البائع لنفعه به، أو للثمن، فهو منه إلا أن تقوم بينة بهلاكه، فيكون كالحيوان ضمانه من المبتاع والبيع تام.
3045 - ولا يجوز اشتراط ضمان ما هلك مما يتأخر قبضه اليوم واليومين، إلا في العين وحده.
قال غيره في الثياب والحيوان وما لا يكال أو يوزن من العروض: يحبسها البائع لركوب، أو لباس ثوب، أو نفع، أو خدمة [عبد وغير ذلك]، بشرط يوم أو يومين، فالنقد في ذلك جائز لقربه، وضمانها من المبتاع، لأنه كأنه قبضه وتلف في يديه، وكذلك إن اكترى بها دابة أو داراً وحبسها لذلك.
3046 - قال ابن القاسم: ومن اكترى من رجل دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رفعته وذرعه، لم يجز كالبيع.
3047 - ولا بأس أن تكتري إبلاً من رجل على أن عليك رحلتها. أو تكتري دابة بعلفها، أو أجيراً بطعامه، أو إبلاً على أن عليك علفها وطعام ربها، أو على أن عليه هو طعامك ذهاباً وراجعاً، فذلك جائز، وإن لم توصف النفقة، وذلك معروف، والزوج إذا تزوج لا يحد للزوجة نفقة.(1)
3048 - ولا بأس أن يؤاجر الحر أو العبد أجلاً معلوماً بطعامه في الأجل، أو بكسوته [فيه]، وكذلك إن كان مع الكسوة أو الطعام دنانير، أو دراهم، أو عروض بعينها، جاز ذلك إذا كانت العروض معجلة، وإن كانت عروضاً مضمونة بغير عينها جاز تأخيرها إن ضربا لذلك أجلاً.
__________
(1) انظر: التقييد (5/151).

3049 - ومن اكترى دابة ليركبها في حوائجه شهراً، فإن كانت على ما يركب الناس الدواب جاز، وكذلك إن اكتراها لطحين قمح شهراً بعينه ولم يذكر كم يطحن كل يوم، جاز، لأن وجه طحين الناس معروف.
3050 - ومن استأجر دوابّ لرجل واحد في صفقة ليحمل عليها مائة إردب قمحاً، ولم يسم ما تحمل كل دابة، جاز ذلك، وليحمل على كل دابة بقدر قوتها.
وإن كانت الدواب لرجال شتى وحملها مختلف، لم يجز، إذ لا يدري كل واحد بم أكرى دابته كالبيوع. ولا يجوز كراء دابة ليشيِّع عليها رجلاً حتى يسمي منتهى التشييع.
قال غيره: إلا أن يكون مبلغ التشييع بالبلد قد عرف فلا بأس به.
3051 - ومن اكترى دابتين، واحدة إلى برقة وأخرى إلى إفريقية، لم يجز حتى يعين [التي إلى برقة] والتي إلى إفريقية.
3052 - وإن اكتريت من رجل على أنه إن أدخلك مكة في عشرة أيام فله عشرة دنانير، وإن أدخلك في أكثر فله خمسة دنانير، لم يجز، ويفسخ قبل الركوب، وإن نزل ذلك وبلّغك إلى مكة، فله كراء مثله في سرعة السير وإبطائه، ولا ينظر إلى ما سميتما.
ومن اكترى دابة ولم يسم ما يحمل عليها، لم يجز، إلا من قوم قد عرف حملهم، فذلك لازم على ما عرفوا من الحِمل.
قال غيره: ولو سمى حمل طعام أو بز أو عطر، جاز، وحملها قدر مثلها.
ولو قال: احمل عليها حمل مثلها مما شئت، لم يجز، لاختلاف ضرر الأشياء في الحمل، وكذلك ليركبها إلى أي بلد شاء، لم يجز، لاختلاف الطرق بالسهولة والوعورة، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما يتباعد الاختلاف فيه، لأن في ذلك ما هو أضر بالجدران، ولأن رب الدابة والمسكن باع من منافعهما ما لا يدري، ألا ترى أن من حمل ما ليس بأضر مما شرط لم يضمن، كمن اكترى [دابة] ليحمل حنطة، فحمل مكانها شعيراً مثله، أو سمسماً لم يضمن إن عطبت الدابة.
وكذلك إن اكتراها على أن يحمل شطوياً فحمل عليها بغدادياً أو بصرياً أو ما أشبهه من نحوه وخفته وثقله، لم يضمن.

3053 - ولو حمل رصاصاً أو حجارة بوزن ذلك فعطبت ضمن، لاختلاف ما بين ذلك.
3054 - قال ابن القاسم: ومن تكارى من رجل إلى مكة بمثل ما يتكارى الناس، لم يجز.
ومن أكرى إبله بطعام مضمون ولم يضرب له أجلاً، ولا ذكر موضع قبضه، فإن [لم] يكن للناس في ذلك سُنة معروفة، لم يجز، إلا أن يتراضوا على أمر جائز.
وإن اكترى المشاة على حمل أزوادهم على أن لهم حمل من مرض منهم، لم يجز.
3055 - ومن اكترى من رجل دابة على أنه إن بلغه موضع كذا يوم كذا، وإلا فلا كراء له، لم يجز. وكل من ركب أو حُمل في كراء فاسد فعليه كراء المثل.
3056 - وإذا تكارى قوم دابة ليزفوا عليها ليلتهم عروساً فلم يزفوها تلك الليلة فعليهم الكراء.
ومن أكرى دابة ليشيع عليها رجلاً إلى موضع معروف، أو ليركبها إلى موضع [معلوم] سمّاه، فبدا له أو للرجل، فقد لزمه الكراء، وليكر الدابة إن شاء إلى الموضع في مثل ما اكترى.(1)
وإن اكتراها ليركبها يومه بدرهم، فأمكن منها فلم يركبها حتى مضى اليوم، لزمه الكراء.
3057 - وإن اكتراها إلى حج أو إلى بيت المقدس، فعاقه مرض أو سقط أو مات أو عرض له غريم حبسه في بعض الطريق، فالكراء عليه، وله كراء الدابة، أو لورثته في مثل ما اكترى من مثله، وصاحب الإبل أولى بما على إبله من الغرماء حتى يقبض كراه، وللغرماء أن يكروها في مثل ما اكترى.
3058 - وإن اكتريت ثوراً لتطحن عليه إردبين كل يوم بدرهم، فوجدته لا يطحن إلا [إردباً، فلك رده، وعليه في الإردب نصف درهم، وإن اكتريت دابة بعينها أو بعيراً بعينه فإذا هو] عضوض أو جموح أو لا يبصر بالليل، أو دُبر تحتك دبرة فاحشة يؤذيك ريحها، فما أضر من ذلك براكبها فله فيه الفسخ، لأنها عيوب، والكراء [فيها] غير مضمون.
3059 - وإذا مرض العبد في مدة الإجارة، فسخ الكراء وسقط عنك كراء أيام مرضه، [إلا أنه] إذا صح في بقية المدة عاد إلى عمله.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/414، 437)، والمدونة الكبرى (14/360).

وإذا اعتلت الدابة المكتراة في الطريق فسخ الكراء، [وإن صحت بعد ذلك لم يلزمه] كراؤها بقية الطريق، بخلاف العبد، للضرر في صبر المسافر عليها، وهي إن صحت لم تلحقه، وإن لحقته فلعله قد اكترى غيرها، ولو رضي المكتري بالمقام عليها وأبى ربها إذا مرضت إلا بيعها، فإن كان مرضاً يرجى برؤه إلى ما قرب من اليومين ونحوهما مما لا ضرر فيه على المكتري حُبس لذلك، فإن كان فيه ضرر فسخ.
3060 - وإن اكتريت دابة بعينها فليس لربها أن يحمل تحتك متاعاً، ولا يردف رديفاً، وكأنك تملك ظهرها، وكذلك السفينة، وإن حمل في متاعك على الدابة متاعاً بكراء، أو بغير كراء فلك كراؤه، إلا أن تكون اكتريت منه حمل أرطال مسماة، فالزيادة له.(1)
قال أشهب: إن أكراه ليحمله وحده أو مع متاعه فكراء الزيادة للمكري وقد كان للمكتري منعه من الزيادة عليها [إذا أكراه الدابة].
3061 - ومن اكترى دابة ليركبها فحمل [مكانه] مثله في الخفة والأمانة، لم يضمن. وإن أكرى ممن هو أثقل منه أو من غير مأمون، ضمن.
وإن أكرى من غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني، إلا أن يأتي من سببه أو يتبين كذبه.
ويضمن المكتري الأول لربها [قيمتها] بتعديه، وأكره له أن يكري من غيره، إذ قد يكري منه لحاله وحسن ركوبه، فإن فعل لم يضمن إن حمل مثله في الثقل والحال، وأما في موته فلورثته حمل مثله، وأكثر قول مالك أن ذلك له في الحياة.
ومن اكترى من رجل على حمولة إلى بلد فليس له صرفها إلى غير البلد الذي اكترى إليه، وإن ساواه في المسافة والصعوبة والسهولة، إلا بإذن الكري، ولم يجزه غيره وإن رضيا، لأنه فسخ دين في دين، إلا بعد صحة الإقالة.
__________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/253)، وحاشية الدسوقي (4/35)، والفواكه الدواني (2/113)، والمدونة الكبرى (11/476، 500).

وإذا زاد المكتري على الدابة في الحمل الذي شرط فعطبت، فإن زاد ما تعطب في مثله خُيّر ربها بين أخذ المكتري بقيمة كراء ما زاد على الدابة بالغاً ما بلغ مع الكراء الأول، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولا كراء له، فإن زاد ما لا تعطب في مثله، فله كراء الزيادة [بالغاً] ما بلغ فقط مع كرائه الأول، ولا ضمان عليه، وكذلك الرديف فيما ذكرنا.
3062 - وكذلك لو اكتراها ليشيع عليها رجلاً، فأردف خلفه رجلاً فعطبت، فينظر إن عطبت لذلك، كما ذكرنا، وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما تعطب في مثله، قال مالك: فليس ذلك كغيره، وقد عُرفت للحاج زيادات من السفر والأطعمة ولا ينظر فيها المكاري، ولا يعرف ما حمل، فلا ضمان عليه في ذلك.
قال: وذلك إذا كان الكري قد رأى ذلك وحمله فالضمان ساقط، وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها ثم زاد ميلاً ونحوه [فعطبت الدابة]، فلربها كراؤه الأول، والخيار في أخذ [قيمة] كراء الميل الزائد ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولو ردها بحالها بعد زيادة ميل أو أميال، أو بعد أن حبسها اليوم ونحوه، لم يضمن إلا كراء زيادة الأمد.
3063 - وإن اكتراها يوماً فحبسها أياماً أو شهراً وردها بحالها، فلربها كراء اليوم، والخيار في أخذ قيمتها يوم التعدي، أو قيمة كرائها فيما حبسها فيه من عمل، أو [قيمة] حبسه إياها بغير عمل ما بلغ ذلك، وإن لم تتغير.
قال غيره: إن كان ربها حاضراً معه بالمصر فإنما له عليه فيما حبسها بحساب كرائها الأول، وكأنه رضي به، لأنه كان قادراً على أخذها، وإن كان غائباً عنه ورد الدابة بحالها، فله في الزيادة الأكثر من قيمة كراء ذلك أو من حساب الكراء الأول، عمل عليها شيئاً أو لا، وإن شاء فقيمة الدابة يوم حبسها والكراء الأول له في كل حال.(1)
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/44)، ومواهب الجليل (5/439)، والمدونة الكبرى (11/482).

3064 - قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة لحمل محمل، فحمل عليها زاملة فعطبت، فإن كان ذلك أقل ضرراً من المحمل أو مساوياً له، لم يضمن، وإن كان أضر ضمن.
وكذلك حمله مكان كتان صوفاً، أو مكان بَزّ دُهْناً، أو مكان دهن رصاصاً، فربما تساوى الوزن وتفاوت الضرر، لأن ما حمل أضر لجفائه، أو لأنه أضغط لظهور الدواب، كالرصاص ونحوه، وكذلك إن اكترى ليركب، فحمل غيره أثقل أو أضر منه، فما ضَمّنْته به من ذلك كله، فإن لرب الدابة إن شاء كراء الفضل في الضرر والتعب، أو قيمة الدابة.
3065 - وكذلك إن اكترى رحاً ليطحن حنطة، فطحن شعيراً أو عدساً أو غير ذلك من القطاني، فانكسرت الرحا، فإن كان طحين ذلك ليس بأضر من الحنطة، لم يضمن، وإن كان ذلك أضر، ضمن.
وكذلك إن اكترى دابة ليحمل عليها حنطة، فحمل عليها شعيراً أو ثياباً أو دهناً. [قال:] وله حمل غير ما سمى إن لم يكن أضر، ولا أثقل، ولا أتعب، ورب زاملة أثقل من محمل، وهي أرفق بالإبل. والحديد أضغط لظهورها.
3066 - ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة ذاهباً وراجعاً إلى مصر، فتمادى إلى إفريقية وعاد إلى مصر، فرب الدابة مخير في أخذ قيمة كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهباً وراجعاً إلى برقة ما بلغ مع كرائه الأول، أو نصف الكراء الأول مع قيمتها ببرقة يوم التعدي، ردها بحالها أو تغير حالها، لأن سوقها قد تغير، وقد حبسها المكتري عن نفعه بها وعن أسواقها.
وإن أكراها إلى بلد ذاهباً وجائياً، فعطبت يوم وصولها إلى البلد، لم يضمن المكتري، ولربها نصف الكراء فقط.
وإن جاوزها فلربها أخذ قيمتها يوم تعديه مع كرائها إلى ذلك الموضع، وإن شاء [أخذ] دابته وكراء ما تعدى فيه.
ومن اكترى ثوراً ليطحن عليه كل يوم إردباً، فطحن عليه إردبين فعطب الثور، فلربه إن شاء كراء الإردب الأول وقيمة الثور وقت ربطه في الثاني، وإن شاء قيمة طحين الثاني ما بلغ مع كراء الأول.

3067 - وإذا اختلف المتكاريان قبل الركوب أو بعد مسير لا ضرر في رجوعه فقال المكري: أكريتك إلى برقة بمائة، وقال المكتري: إنما اكتريت منك إلى إفريقية بمائة، تحالفا وتفاسخا نَقَد الكراء أو لم ينقده.
قال غيره: إذا انتقد الجمّال وكان يشبه ما قال فالقول قوله، لأنه مدعى عليه، ألا ترى أنه لو قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، وقال المبتاع: بل اشتريت بها منك مائتي إردب إلى سنة، وكان ما قال البائع يشبه أن القول قوله والمشتري مدع.
3068 - وإذا اختلفا في المسافة فقط فقال المكري: إلى برقة، وقد بلغاها، وقال المكتري: إلى إفريقية، فإن انتقد الكراء فهو مصدق إن أشبه أن يكون كراء الناس إلى برقة بمائة درهم، ويحلف، وإن لم يشبه إلا قول المكتري كان للجمال حصة مسافة برقة على دعوى المكتري بعد أن يتحالفا ولا يلزمه التمادي، وإن لم ينتقد وأشبه ما قالا - لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه - تحالفا وفُضّ الكراء وأخذ الجمال حصة مسافة برقة ولم يتماد، وأيهما نكل قُضي لمن حلف، وإن أقام البينة قبل الركوب أو بعد بلوغ برقة قُضي بأعدل البينتين، ولو تكافأتا [تحالفا]، فإن لم يركب فسخ الكراء كله.
قال غيره: يُقضى بالزيادة، وليس بتهاتر، وقاله ابن القاسم في اختلاف المتبايعين قبل القبض في الثمن، أنه يقضى ببينة البائع إذا زادت.
[قال ابن القاسم:] ولو قال المكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين وقد بلغاها، وقال المكتري: بل إلى مكة بمائة، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه، لأنه ائتمنه، ويحلف له المكتري في المائة الثانية، ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة، ويتفاسخان، وإن أقاما بينة قضي بأعدلهما، وإن تكافأتا سقطتا، وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة، وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما، ويقضى الكراء على ما يدعي المكتري، والبينة في ذلك كما ذكرنا أولاً.

وقال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالا أو ما قال المكتري. وأما إن أشبه قول المكري خاصة، فالقول قوله، ويحلف على دعوى المكتري.
قال غيره: يُقضى ببينة كل واحد منهما، إذا كانت عادلة، لأن كل واحد ادعى فضلة، أقام عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر، وسواء انتقد أو لم ينتقد.
قال ابن القاسم: وإن قال المكتري: دفعت الكراء، وأكذبه الجمال وقد بلغ الغاية، فالقول قول الجمال إن كانت الحمولة بيده، أو بعد أن سلمها بيوم أو بيومين وما قرب، وعلى المكتري البينة. وكذلك الحاج إن أقام الكري بقرب بلوغهم، صُدّق ما لم يبعد مع يمينه، فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه، إلا أن يقيم بينة.
وكذلك قيام الصناع بالأجر بحدثان رد المتاع، فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول رب المتاع وعليه اليمين.
3069 - قال مالك: وإذا تكاريا من مصر إلى مكة فاختلفا في الكراء بأيلة، فالقول قول المكتري إن أتى بما يشبه في كراء مضمون أو معين.
قال: وهو في المضمون إذا قبض البعير الذي يحمل عليه لم يكن للجمال نزعه منه إلا بإذنه، وهو أحق به في الفلس، وهو في حوزه إياه كالمعين.
وقال غيره: ليس الراحلة بعينها مثل المضمون.
3070 - قال ابن القاسم: وإن أجرت رجلاً على تبليغ كتاب من مصر إلى إفريقية بكذا، فقال بعد ذلك: أوصلته، فأكذبته، فالقول قوله في أمد يبلغ في مثله، لأنك ائتمنته عليه، وعليك دفع كرائه إليه، وكذلك الحمولة كلها.
قال غيره: على المكرى البينة أنه أوفاه قه وبلغه غايته.

3071 - وإذا طلب الجمال أخذ الكراء قبل الركوب أو بعد المسير القريب فامتنع المكتري، حُملا على سنة الناس في نقد الكراء أو تأخيره، وإن لم تكن لهم سنة كان كالسكنى لا يعطيه إلا بقدر ما سكن، وإن عجل له الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه، فإن أراد أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه، وطلب الآخر نقد بلد التعاقد، قُضي بنقد البلد الذي انعقد فيه الكراء، وإذا اكتريت بدراهم ولم تشترط نقدها، وكراء الناس مؤخر، أو لم يكن مؤخراً، وشرطت تأخيرها لم يجز أن تعطي بها دنانير نقداً قبل الركوب أو بعده، ما لم تحل الدراهم ببلوغ الغاية. وكذلك لو دفعت دراهم عن دنانير، ولو شرطتما النقد أو كان كراء الناس بالنقد جاز دفعك من الدراهم دنانير نقداً، كان الكراء معيناً أو مضموناً، ثم إن هلكت الراحلة بعينها ببعض الطريق رجعت بحصة ما بقي [دنانير] كما نقدت، ولو كنت دفعت عن الدراهم عرضاً لرجعت بدراهم كما عقدت عليه، ولا تأخذ من ذهب لك إلى أجل فضة نقداً، ولا من فضة إلى أجل ذهباً [نقداً]، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد.
ومن أكرى بعيراً له بطعام بعينه كيلاً، أو بطعام إلى أجل فلا يبعه حتى يقبضه. وإن كان الذي بعينه مصْبراً، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه.
3072 - ومن اكترى إلى مكة فأراد تعجيل الخروج وأباه الجمال، فإن كان في الزمان بقية لم يجبر إلا إلى خروج الناس.
وإذا انتقصت زاملة الحاج أو نفدت، فأراد تمامها وأبى الجمال، حملا على ما تعارفه الناس.
قال غيره: وإن لم تكن لهم سنة، فله حمل الوزن الأول المشترط إلى تمام غاية الكراء.
ومن اكترى دابة أو بعيراً إلى الفسطاط فله النزول بمنزله وإن كان منزله بأقصى الفسطاط، وليس للمكري أن ينزله بأول الفسطاط، إلا أن يريد ذلك المكتري.

3073 - ومن استأجرته يحمل لك على دابة دهناً أو طعاماً أو متاعاً إلى موضع كذا، فعثرت الدابة [فسقطت] فانكسرت القوارير فذهب الدهن، أو هلك الطعام، أو انقطعت الحبال فسقط المتاع ففسد، لم يضمن المكري قليلاً ولا كثيراً، إلا أن يغر من عثار، أو ضعف الأحبل عن حمل ذلك، فيضمن حينئذ، وإلا لم يضمن فإن فِعْل العجماء جبار، ما لم يفعل بها رجل شيئاً عثرت له، فيضمن الفاعل.(1)
3074 - وكل ما عطب من سبب حامله من دابة أو غيرها من عثار وغيره، فلا كراء له فيه، إلا على البلاغ. ولا يضمن الحمال إلا أن يُغرّ.
وكذلك ما حمله رجل على ظهره فعطب، فلا كراء له، ولا ضمان عليه، وليس على المكتري أن يأتي بمثل ذلك ليحمله. وكذلك هروب الدابة.
وكذلك السفينة إذا غرقت في ثلثي الطريق، وغرق ما فيها من طعام وغيره فلا كراء لربها، ولا ضمان عليه في شيء من ذلك، لأنه من أمر الله تعالى، ورأى مالك أن ذلك على البلاغ.
قال غيره: ليس الدواب كالسفن فيما هلك من سبب حامله، إذ لا يضمنون لسبب العثار إن لم يغرّوا، ولهم جميع الكراء فيما هلك عن العثار، ولربه حمل مثله إلى غايته، كالذي هلك بلصوص أو سيل، وإن غروا ضمنوا. [وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت].
3075 - قال ابن القاسم: وما استحملت في السوق على رجل أو دابة من كل شيء، إلى بيتك أو إلى بلد، فعطب أو سرق أو غصب، أو كان ذلك طعاماً فثبت ذلك ببينة، فللمكري الكراء بأسره، وعليه حمل مثله.
وكذلك الدواب والإبل، إذا هلك ما حملت من طعام بعينه أو متاع بأمر من الله تعالى من غير سبب الدواب، فالكراء قائم بينهما لا يفسخ، وللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثل ذلك.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/427).

3076 - وللمكتري أن يأتي بمثل ذلك فيحمله أو يكري الإبل في مثل ذلك، وإلا فلا شيء له على الجمال، وللجمال الكراء كاملاً، فإن لم يكن مع الجمال صاحب الطعام، ولا خليفته، رفع ذلك الجمال إلى عامل البلد، فيكري له الإبل، فإن لم يجد كراءً، فليطلب ذلك الجمال أمامه، فإن لم يجد فله جميع الكراء، لأن مالكاً قال في الرجل يتكارى إلى الحج أو المرأة، فيهلك أو تهلك في الطريق، فإنه يكرى للميت مثله، ويطلب ذلك في الطريق، فإن وجد من يكري أكرى له، وإلا كان على الميت لرب الإبل الكراء كله كاملاً.
وإن كان رب الطعام مع المكاري فأصاب الطعام تلف من السماء، أو من غير السماء لم يلزم المكاري شيء، لأن رب الطعام معه، وكذلك إن كان في السفينة مع طعامه فلا شيء على صاحب السفينة، وإن كان المكري وحده فلا يصدق في الطعام والإدام، إذا قال: سُرق مني، حمله على نفسه أو على دوابه [أو في سفينته]، إلا أن تقوم له بنية أن ذلك تَلِف من غير فعله، فلا يضمن.
ويصدق في كل عرض إذا قال: هلك أو سُرق، أو قد عثرت الدواب فانكسرت القوارير، إلا أن يُستدل على كذبه.
قال يحيى بن سعيد: ويضمن ما ضيع.
3077 - قال السبعة من فقهاء التابعين: لا يكون كراء بضمان، إلا أن يشترط على الجمال أن لا ينزل ببلد كذا أو وادي كذا أو لا يسري بليل، فيتعدى ما شرط عليه فيتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي، فيضمنه.(1)
3078 - قال ابن القاسم: ويضمن الأكرياء ما ذكرنا من الطعام والإدام، إلا أن تقوم بينة أنه هلك بغير سبب حامليه، أو يصحبه ربه فيبرءون، ولهم جميع الكراء إن بلغوه غايته، ولا يضمنون سائر العروض، ويصدّقون فيها، إلا أن لهم منع أهلها منها حتى يقبضوا كراهم، فإن حازوها بذلك حيازة الرهن، فإنهم يضمنونها كالرهن، ولهم الكراء كله إن بلغوا ذلك غايته، ضمنوه أو لم يضمنوه.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/491)، ومنح الجليل (7/521).

3079 - وإذا حمل الجمال لرجل طعاماً، فزاد أو نقص ما يشبه الكيل فلا شيء له، ولا عليه من ضمان، ولا حصة كراء، وإن زاد ما لا يشبه فلم يدع الجمال تلك الزيادة، وقال: زيدت علي غلطاً، فإن صدقته أخذتها وغرمت كراءها، وإن أنكرت الغلط لم يصدق الجمال، وربما اغترق كراؤه ثمنه، إلا أن تشاء أنت أخذه وغرم كرائه.
وإن زاد الكيل وقال رب الطعام: أنا آخذ طعامي ومقدار زيادة كيلي، فليس له أن يأخذ إلا كيل طعامه خاصة، إلا أن تكون زيادة الكيل أمراً معروفاً عند الناس، ولكل صانع أو حمال على ظهر أو سفينة منع ما حمل أو عمل حتى يقبض أجره، فإن هلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم، إلا أن تقوم بينة على الضياع، فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم، لأنهم لم يسلموا ما عملوا إلى أربابه.
ومن اكتريت منه دابة أو ثوراً للطحين، فكسر المطحنة لمّا ربطته فيها فأفسد آلتها، لم يضمن إلا أن يغرك، وهو يعلم ذلك منه فيضمن، لأن مالكاً قال فيمن أكرى دابته من رجل وهي ربوض أو عثور، وقد علم ذلك فلم يعلمه بذلك فحمل عليها فربضت أو عثرت فانكسر ما عليها: إنه ضامن.(1)
ومن اكترى من رجل دابة فحمل عليها دهناً من مصر إلى فلسطين فغره منها وعثرت بالعريش، ضمن قيمة الدهن بالعريش. قال غيره: قيمته بمصر إن أراد لأنه منها تعدى.
3080 - ومن حمل على ظهره أو دابته دهناً أو طعاماً بكراء، فزحمه الناس فانكسرت الآنية وهلك ما فيها من الطعام والدهن، فالذي زحمه ضامن.
3081 - وقد قال مالك: في الرجلين يحملان جرتين أو غير ذلك، على كل واحد منهما جرة، فيصطدمان في الطريق، قال: إن انكسرت إحداهما ضمن الذي سلم للذي لم يسلم، وإن انكسرتا جميعاً ضمن كل واحد منهما لصاحبه.
__________
(1) 0انظر: المدونة الكبرى (11/492).

3082 - وإذا اصطدم الفارسان فمات الفرسان والراكبان، ففرس كل واحد [منهما] في مال الآخر، ودية كل واحد على عاقلة الآخر، وإذا سلم أحدهما بفرسه ففي ماله فرس الآخر، وعلى عاقلته دية راكبه.
3083 - وأما اصطدام السفينتين فلا شيء عليهما إذا كان أمراً غالباً من الريح لا يقدر على دفعه، ولو عُلِم أن النوتيّ يقدر أن يصرفها فلم يفعل لضمن.
وإذا كان الفرس في رأسه اعتزام، فحمل بصاحبه فصدم، فراكبه ضامن، لأن سبب فعله وجمحه من راكبه، وفعله به إما أذعره فخاف منه، أو غير ذلك، إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه.
وإن كان غيره فعل به ما جمح به، فذلك على الفاعل، والسفينة لا يذعرها شيء، والريح هو الغالب، فهذا فرق ما بينهما.
وإذا غرقت السفينة من مد النواتية، فإن صنعوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا، فإن تعدوا فأخرقوا في مد أو علاج، ضمنوا ما هلك من الناس فيها والحمولة، كتعدي من استعملته في بيتك من صانع أو طبيب أو غير ذلك.
ومن اكتريت منه [دابة] لحمل صبي مملوك إلى موضع من المواضع وأسلمته إليه، فساق به، فعثرت الدابة فسقط فمات لم يضمن، إلا أن يخرق في سوقه.
وكذلك البيطار في طرح الدابة لا يضمن، إلا أن يتجاوز في طرحها فيضمن.
وإذا ضرب المكتري الدابة أو كبحها فأذهب عينها أو كسر لحييها ضَمِن. والرائض مثله. ولو ضربها كضرب الناس لم يضمن.
وكل شيء صنعه الراعي مما لا يجوز له فعله، فأصاب الغنم من فعله عيب، فهو ضامن. وإن صنع ما يجوز له أن يفعله، فعيبت الغنم، فلا ضمان عليه.

3084 - ومن اكترى من مكة أو من إفريقية إلى مصر جاز، وهو إلى الفسطاط، وإن لم يذكراه، لأنه المتعارف، وليس كمن اكترى إلى الشام، أو إلى خراسان، لأنها كُوَر وأجناد، فلا يجوز حتى يسمي أي كورة أو مدينة، وأما إلى فلسطين فإن كان المتعارف عندهم إلى الرملة، كان إليها وجاز.(1)
ومن اكترى من رجل على حمل رجلين أو امرأتين جاز، وإن لم يرهما لتساوي الأجسام، إلا الخاص، فإن أتاه بفادحين لم يلزمه ذلك.
3085 - ويجوز كراء محمل لا يذكر وِطاءه، ويحمل كوُطأ الناس، وكذلك على زاملة لا يخبره بما فيها، ويحملان على المتعارف من زوامل الحاج أو غيره، وعليه حمل المتعارف من معاليق وغيرها. ولو شرط عليه حمل هدايا مكة، فإن كان أمر عرف وجهه، جاز، وإلا لم يجز.
وأجاز للمكتري أن يحمل في عيبته ثوباً أو ثوبين لغيره، ولا يخبر بذلك الجمال، وهو من شأن الناس، ولو بيّن هذه الأشياء ووزنها كان أحسن.
3086 - وإذا ولدت المكترية أجير الكري على حمل ولدها، وإن لم يشترط. ولا بأس أن يكتري محملاً ويشترط عقبة الأجير.
3087 - وإن اكتريت من رجل إبله ثم هرب الجمال وتركها في يديك، فأنفقت عليها، فلك الرجوع بذلك. وكذلك إن اكتريت من يرحِّلها رجعت بكرائه.
ولو هرب بإبله والكراء أو غيّرها، تكارى لك عليه الإمام ورجعت بما اكتريت به عليه.(2)
وإذا تغيب الجمال يوم خروجك فليس لك عليه إن لقيته بعد ذلك إلا الركوب أو الحمل، وله كراؤه، وهذا في كل سفر في كراء مضمون، إلا الحاج فإنه يفسخ، وإن قبض الكراء رده، لزوال إبّانه.
3088 - وكذلك قال مالك في الدابة بعينها يكتريها ليركبها في غد [إلى موضع كذا]، فيغيب بها ربها، ثم يأتي بها بعد اليومين أو الثلاثة، فليس له إلا ركوبه.
قال غيره: ولو رفع ذلك إلى الإمام نظر وفسخ ما آل إلى الضرر، كمن اكترى دابة فاعتلت في سفره.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/498، 499).
(2) انظر: المدونة الكبرى (11/500).

قال ابن القاسم: فإن اكتراها بعينها إلى بلد ليركبها في غده، فأخلفه الكري فليس له إلا ركوبه أو يكري الدابة من مثله إلى البلد.
وإن أكراها أياماً معينة انتقض الكراء فيما غاب منها، كالعبد يستأجر شهراً بعينه، فيمرضه أو يأبقه، فإنه تنتقض الإجارة، وكذلك شهراً بعينه في الراحلة بعينها لركوب أو طحين أو غير ذلك، بخلاف المضمون وإذا هرب المكتري في كراء مكة أو غيرها رفع الجمال ذلك إلى الإمام، فأكرى الإبل للهارب، ويقضي من ذلك للجمال كراه، وإن لم يجد له كراء تركها وأتبعه بجميع الكراء.
3089 - وقاله مالك فيمن اكترى على حمل متاع أو طعام وكيله ببلد آخر فلم يجد الجمال الوكيل، فإن الإمام يتلوم له بغير ضرر، فإن جاء الوكيل وإلا أكرى الإبل للمكتري وكان الكراء له، وإن لم يجد كراء تركها، وكان للجمال جميع كرائه، ولو رجع الجمال ولم يرفع ذلك إلى السلطان وبالبلد سلطان، فليرجع ثانية فيحمل، وإن لم يكن بها سلطان فتلوم الكري وانتظر فأشهد، كان ذلك له عذراً، وله الكراء ولا يرجع.
قال ابن وهب عن مالك: ولو واعد المكتري الجمال إلى موضع، فجاء الجمال فلم يجده، رفع ذلك إلى الإمام إلا أن يجد الكراء، فإن انصرف ولم يكر ولم يعلم الإمام، فلا شيء له إذا كان الكراء بالبلد ممكناً إلى البلد الذي أكرى إليه، وإن لم يكن الكراء موجوداً أو جهل إعلام الإمام لم أر أن يبطل عمله.

3090 - ومن اكترى إلى الحج وغيره، ثم تقايلا برأس المال أو بزيادة وقد نقده أو لم ينقده، فإن كان قبل الركوب وقبل النقد أو بعد النقد وقبل غيبته عليه، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، فإن نقده وتفرقا جازت الزيادة من المكتري قصاصاً ولم تجز من المكري، لأنه [ردّ] أزيد مما أخذ، وصار الكراء محللاً، وكذلك بعد سيرهما يسيراً من المسافة، للتهمة أن يكون ذلك محللاً. وأما بعد المسير الكثير من الطريق مما لا يتهمان فيه، فجائز أن يزيده الكري إذا عجل الزيادة.(1)
وهذا بخلاف البيوع وأكرية الدور، ويدخل في تأخير الزيادة الدين بالدين، وإنما تجوز زيادة المكتري بعد النقد قصاصاً، وإلا لم تجز، ركبا أو لم يركبا.
قال غيره: لا يزيد الكري إن غاب على النقد قبل الركوب أو بعد يسير الركوب أو كثيره، لأنه بيع وسلف.
3091 - وإن فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع حتى يقبض كراه. ويكرى الغرماء الإبل في مثل كرائه، سار قليلاً أو كثيراً، أو لم يركب بعد وقد قبض المتاع. وكذلك الصناع.
* * *
“انتهى كتاب كراء الدواب والرواحل”
ولله الحمد والمنة
* * *

(كتاب كراء الدور والأرضين)
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/437).

3092 - قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً أو أرضاً وفيها سدرة أو دالية، أو كان في الأرض نبذ من نخل أو شجر، ولا ثمرة فيها حينئذ، أو فيها ثمرة لم تزه، فالثمرة للمكري، إلا أنه إن اشترط المكتري ثمرة ذلك، فإن كانت تبعاً مثل الثلث فأقل جاز ذلك، وبلغني توقيت الثلثعن مالك، فأما في سؤالي إياه فلم يبلغ به الثلث، ومعرفة ذلك أن يقوَّم كراء الأرض أو الدار بغير شرط الثمرة، فإن قيل: عشرة، قيل: ما قيمة الثمرة فيما عرف مما تطعم كل عام بعد طرح قيمة المؤونة والعمل؟ فإن قيل: خمسة فأقل، جاز ذلك. وهذا كالمساقاة إذا كان معها بياض قدر الثلث فأدنى، في قيمة كرائه من قيمة الثمرة على عرف نباتها بعد إلغاء قيمة مؤونتها، جازت المساقاة فيه.(1)
وإن كانت الثمرة أكثر من الثلث لم يجز للمكتري أن يشترطها، إذا كانت غير مزهية، فإن وقع فالثمرة لرب الأرض، وللمكتري أجر ما سقى [وعالج]، وعليه قيمة كراء الأرض بلا ثمر، إن كان قد زرعها، ولو كانت الثمرة مزهية، جاز للمكتري اشتراط جميعها، وإن جاوزت الثلث لجواز بيعها مفردة.
ومن اكترى أرضاً وفيها زرع أو بقل لم يطب فاشترطه، فإن كان تافهاً جاز، ولا أبلغ به الثلث، وإذا كانت الثمرة تبعاً فاشترط المكتري نصفها لم يجز، وإنما جاز إذ هي تبع أن تلغى بالسنة، فإذا اشترط نصفها صار ذلك كبيع ثمر قبل زهوه، وكذلك حلية السيف والخاتم ومال العبد.
وجائز في المساقاة اشتراط [ما خرج من] البياض بينهما، لأن العمل والزريعة من عند العامل، ومن اكترى أرضاً فيها سواد هو الثلث فأدنى، فاشترط نصف السواد لم يجز.
3094 - [قال ابن القاسم:] ومن اكترى داراً أو حماماً فاشترط كنس المراحيض والتراب وغسالة الحمام على المكري، جاز، لأنه معروف وجهه.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/424).

ومن اكترى داراً أو حماماً على أن ما احتاجا إليه من مرمّة رمّها المكتري، فإن اشترط على أن ذلك من الكراء جاز ذلك، [وإلا لم يجز]، ولو شرط أن ما عجز عنه المكري أنفقه الساكن من عنده لم يجز، ولو شرط أن عليه ما احتاجت الدار من يسير مرمّة أو كسر خشبة، فلا خير فيه، إلا أن يكون ذلك من كرائها.
ومن اكترى داراً فعلى ربها مرمتها وكنس مراحيضها وإصلاح ما وهى من الجدارات والبيوت.
3095 - وإذا اختلف رب الحمام والمكتري في قدر الحمام، فهي لرب الحمام، لأنها بمنزلة البنيان، ومن اكترى حماماً على أن عليه لربه ما احتاج إليه أهله من نورة أو حميم، لم يجز حتى يسمي شيئاً معروفاً، ومن اكترى داراً على أن عليه تطيين البيوت جاز ذلك إذا سمى تطيينها في السنة مرة أو مرتين، أو في كل سنتين مرة، لأنه معلوم، وأما إذا قال: كلما احتاجت طيّنتها، فهذا مجهول لا يجوز، ولا بأس بكراء الحمامات.(1)
ومن اكترى حمامين أو حانوتين فانهدم أحدهما، فإن كان الذي انهدم وجه ما اكترى رد الجميع، وإن لم يكن وجهه لزمه الباقي بحصته من الكراء.
3096 - وتجوز إجارة نصف دابة أو نصف عبد يكون للمستأجر يوماً وللذي له النصف الآخر يوماً كالبيع.
وما جاز لك بيعه من ثمرتك جاز [لك] الإجارة به، والطعام وكل ما يوزن أو يكال أو يعد مما لا يعرف بعينه، يجوز أن يكترى به، ولا يجوز أن يكرى.
ولا بأس بكراء نصف دار أو سدسها أو جزء شائع قل أو كثر كالشراء، وإذا اكترى رجلان داراً بينهما فلأحدهما أن يكري حصته، قال مالك - رحمه الله - : ولا شفعة فيه لشريكه بخلاف البيع.
ومن أكرى مساكن له واستثنى ربعها بربع الكراء أو بغير كراء، جاز ذلك، وكذلك من باع داره واستثنى ثلاثة أرباعها، فإنه جائز، لأنه إنما باع ربعها، ولا ينظر على اللفظ إذا صح العمل بينهما.
__________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/509)، وحاشية العدوي (2/259).

3097 - ومن استأجر داراً سنة بسكنى دار له أخرى [سنة] جاز ذلك. ومن اكترى داراً أو أرضاً بثوب أو بعبد مضمون بغير صفة أو بصفة، ولم يضرب له أجلاً لم يجز، فإن سكن أو زرع فعليه كراء المثل.
وإن أكريت دارك بعبد بعينه على أن تقبضه، فمات بيد المكتري فهو منك، والكراء يلزمك كالبيع.
ولو كان بثوب بعينه في بيت المكتري، وقد وصفه كان منه وانتقض الكراء باقي المدة، ولك فيما سكن كراء المثل، وكذلك لو قبضته فاستحق أو رددته بعيب بعد أن سكن نصف المدة، وليس لك إذا وجدت العيب في الثوب أن تحبسه وتأخذ قيمة عيبه، وإنما لك حبسه معيباً، ولا ترجع بشيء أو ترده ويكون كما وصفنا، ولو كان العيب خفيفاً لا يتقص ثمن الثوب لم يكن لك رده، وإن كان عند الناس عيباً.
ولو اطلعت على العيب بعد أن بعت الثوب لم ترجع بقيمة عيبه، وأما إن وهبته أو تصدقت به، أو لبسته أو هلك، ثم اطلعت على العيب، فلك أن ترجع بحصة العيب، وينتقض من الكراء بقدر حصة قيمة العيب، لأنه ثمنه.
3098 - ومن استأجر بيتاً شهراً بعشرة دراهم، على أنه إن سكن منه يوماً واحداً فالكراء له لازم جاز إذا كان له أن يسكن البيت بقية الشهر أو يكريه إذا خرج، وإلا لم يجز على حال، وللمكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي، إلا أن يكون بينهما شرط، فيحملان عليه.
وإن أكراها في رأس الهلال كل شهر بكذا، فكان الشهر تسعة وعشرين [يوماً] فله كراء الشهر كاملاً.
3099 - ومن قال لرجل: أكتري منك دارك أو حانوتك في كل سنة، أو كل سنة بدرهم، أو في كل شهر، أو كل شهر بدرهم، فلرب الدار أن يخرجه متى شاء، وللمكتري أن يخرج متى شاء، ويلزمه فيما سكن حصته من الكراء، إلا أن يكتري منه سنة بعينها، أو شهراً بعينه، فلا يكون لأحدهما فسخ الكراء إلا أن يتراضيا جميعاً.

قال ابن شهاب: ومن مات بعد أن أكرى داره عشر سنين، فليس للورثة إخراج المكتري إلا برضاه، ولهم بيعها على أن للمكتري سكناه، وإن مات المكتري وقد سكن أو لم يسكن لزم ورثته الكراء في تركته.
قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنة أو سنتين ولم يسمّ متى يسكن، جاز، ويسكن أو يُسكن غيره متى شاء، ما لم يأت من ذلك ضرر بيّن على الدار.
3100 - ومن اكترى داراً سنة بعد أن مضت عشرة أيام من الشهر، حسب إحدى عشر شهراً بالأهلة، وشهراً على تمام هذه الأيام ثلاثين يوماً، كالعدة والأيمان.
ومن اكترى داراً ثلاث سنين، فمنعه ربها من سكناها سنة، فخاصمه بعدها، فإنه يقضى للمكتري بسكنى عامين وعليه كراؤهما فقط، كالعبد يمرض أو يأبق في الإجارة، فليس عليه قضاء ذلك.
ولو أمكنه رب الدار منها فتركها المكتري سنة، فإن لم يكن رب الدار فيها، أو ساكن من قِبَله أو شاغل لها، فجميع الكراء للمكتري لازم، كمن اكترى إبلاً أو دواب ليركبها، فأتاه بها ربها فأبى أن يركبها، فإن عليه جميع الكراء.
وإن اكتريت من رجل داراً هو فيها ساكن، فبقي في طائفة منها [لم يخرج، وسكنت أنت طائفة، لم يجب عليك إلا حصة ما سكنت.
3101 - ولو سكن أجنبي طائفة من دارك] وقد علمت به فلم تخرجه لزمه كراء كل ما سكن.(1)
ومن اكترى داراً فله أن يكريها من مثله بأكثر من الكراء أو أقل.
ومن اكترى حانوتاً للقصارة فله كراءه من حداد أو طحان أو غيره، إلا أن يكون ذلك أكثر ضرراً بالبنيان فيمنع، وله ذلك في المساوي، وإذا اتخذ مكتري الدار فيها تنوراً يجوز له فاحترقت منه الدار وبيوت جيرانه لم يضمن، وإن شرط ربها أن لا يوقد فيها ناراً فأوقد المكتري فيها ناراً لخبزه فاحترقت الدار ضمن.
ولو أكراها المكتري من غيره فهدمها الثاني ضمن الثاني لربها، ولا شيء على الأول، لأنه [إنما] فعل ما يجوز له.
__________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/444)، ومواهب الجليل (5/391).

3102 - وإذا ربط المكتري بباب الدار دابة فرمحت فكسرته أو قتلت ابن رب الدار فذلك جبار، وكذلك من نزل عنها بباب المسجد أو بباب الأمير أو بباب حانوت نزله لحاجة، فما أصابت فهو جبار، [ولا يضمن، لأنه فعل ما يجوز له].
ومن اكترى داراً فله أن يدخل فيها ما شاء من الدواب والأمتعة، وينصب فيها الحدادين والقصارين والأرحية، ما لم يكن ضرراً على الدار، أو تكون داراً لا ينصب ذلك في مثلها لارتفاعها، ويمنع مما تعارف منعه.
ومن اكترى بيتاً وشرط أن لا يسكن معه أحد، فتزوج أو ابتاع رقيقاً، فإن لم يكن في سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له أن يمنعه، وإن كان في سكناهم ضرر فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر في ذلك.
3103 - وأكره للمسلم كراء حانوته أو داره من ذمي ليبيع فيها خمراً أو خنازير، أو دابته ليحمل ذلك عليها، أو ممن يعلم أنه يريدها لذلك، فإن فعل فالكراء فاسد، وإن لم يكن يعلم أنه يفعل ذلك فيها، فذلك جائز من كتابي أو مجوسي، فإن فعل ذلك فيها فله منعه من ذلك كان في قرية أو مدينة، ولا يفسخ الكراء.
وكذلك إن اتخذ في الدار كنيسة يصلي فيها هو وأصحابه وأراد أن يضرب فيها ناقوساً، فلرب الدار منعه من ذلك.
3104 - ومن نكح امرأة وهي في بيت اكترته سنة، فدخل بها وسكن فيه باقي السنة، فلا كراء عليه لها، ولا لربها، وهي كدار تملكها، إلا أن تبين [له]: إني بالكراء [أسكن] فإما وَديْت أو خرجت. وقال غيره: عليه الأقل من كراء المثل، أو ما اكترت به.
3105 - ومن اكترى داراً بإفريقية وهو بمصر جاز ذلك كالشراء، ولا بأس بالنقد فيها، لأنها مأمونة، فإن قدم فلم يرضها حين رآها، أو قال: هي بعيدة من المسجد، فالكراء لا يصلح إلا أن يكون قد رأى الدار، وعرف موضعها أو على صفة، وإلا لم يجز.
3106 - ومن اكترى داراً على أن يبتدئ سكناها إلى شهر أو شهرين، جاز ذلك وإن نقد الكراء، والدور والأرضون المأمونة مخالفة للرقيق والحيوان في الكراء.

ومن اكترى داراً بدنانير لم يصفها، والنقد مختلف، فإن عرف لنقد الكراء سُنّة قضي بها، وإلا فسخ الكراء، وعليه فيما سكن كراء مثلها.
3107 - ولا بأس بكراء دار أو رقيق عشر سنين ويعجل النقد. وقال أكثر الرواة: إنّ بُعْد الأجل في الرقيق خطر، ومن اكترى داراً سنة ولم يشترط عليه النقد غرم بحساب ما سكن إلا أن يكون كراء الناس عندهم على النقد، فيقضى به، وكذلك الدواب.
3108 - ولا ينتقض الكراء في الدور، ولا الكراء المضمون في الدواب والإبل بموت أحد المتكاريين.
وإذا ظهرت من مكتري الدار خلاعة [أو دعارة] أو فسق أو شرب خمر، لم ينتقض الكراء [ولكن] الإمام يمنعه من ذلك، ويكف أذاه عن الجيران، وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه وأكراها عليه.
3109 - وإن اكترى قصار وحداد حانوتاً، فأراد كل واحد مُقَدَّمه، ولم يقع كراؤهما على أن لأحدهما مقدم الحانوت من مؤخره، فالكراء لهما لازم، ويقسم بينهما إن انقسم، وإلا أكري عليهما، لأنه ضرر، والبيت مثله.
3110 - ومن اكترى بيتاً فهطل عليه، لم يجبر رب البيت على الطَّر، ولا للمكتري أن يطر من كرائها ويسكن، وله الخروج في الضرر البيّن من ذلك، إلا أن يطرّها رباه فلا خروج له. قال غيره: الطر وكنس المراحيض مما يلزم رب الدار.
3111 - ومن اكترى داراً فانهدمت كلها، أو بيت منها أو حائط، لم يجبر ربها على البنيان، إلا أن يشاء، فإن انهدم منها ما فيه ضرر على المكتري قيل له: إن شئت فاسكن أو فاخرج، وناقضه الكراء، وليس له أن يصلح من كرائها ويسكن، إلا أن يأذن له ربها في ذلك، فإن بناها ربها في بقية من وقت الكراء، لزم المكتري أن يسكن، ولم يكن له أن ينقض الكراء، هذا إن بناها ربها قبل خروج المكتري، وأما إن بناها بعد خروجه، وقد بقي من الأمد شيء لم يلزم المكتري الرجوع لتمام ما بقي.

وإن لم يكن فيما انهدم ضرر على المكتري، ولم يبنه رب الدار، لزم المكتري السكنى وجميع الكراء، ولم يوضع عنه لذلك من الكراء شيء، وانهدام الشرفات لا يضر بسكنى المكتري وإن أنفق فيها كان متطوعاً لا شيء عليه.
ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها ثم غارت [عينها] أو انهدمت بئرها وأبى رب الأرض أن ينفق عليها، فللمكتري أن ينفق فيها حصة تلك السنة خاصة من الكراء، ويلزم ربها، وإن زاد على كراء سنة فهو متطوع، وكذلك من أخذ نخلاً مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى، فله أن ينفق عيها قدر حصة صاحب الأرض من الثمرة سنته تلك لا أكثر.
وليست الدور كذلك، لأن المكتري لا نفقة له فيها، والذي زرع أو ساقى قد تقدمت له نفقة فيها وعمل، وفي نفقته إحياء للزرع، ولو لم يزرع الأرض ولا سقى النخل حتى غارت لم يكن للمكتري أن ينفق فيها شيئاً، وصارت بمنزلة الدور.
3112 - وإذا انهدمت الدار وربها غائب فليُشهِد المكتري على ذلك، ولا شيء عليه، ولا عذر ينقض به الكراء إلا هدم الدار، أو ينهدم منها ما يضر بالسكنى، فللمكتري أن يتركها إن أحب، وكذلك إن خاف أن تسقط عليه وكان البنيان مخوفاً فله أن يناقضه [الكراء].
3113 - ولا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه حداداً أو قصاراً أو طحاناً إذ لم يضر ذلك بالبنيان، وإن كان [ذلك] ضرراً على البنيان أو فساداً للحانوت لم يكن له أن يعمله، وإن اشترط المكتري أن يعمل في الحانوت ما ذكرنا، وفيه ضرر على البنيان لزم ذلك ربه.(1)
3114 - ومن اكترى حانوته من رجل فإذا هو جزار أو قصار، ولا ضرر في عمله على البنيان إلا أنه يقذر الحانوت، فكره رب الحانوت تقذيره فله منعه، لأن فيه ضرراً على الحانوت.
قال غيره: إذا كانت الأعمال يتفاوت ضررها وأكريتها، لم يجز الكراء، إلا على شيء معروف يعمل فيه، وإن لم يختلف فلا بأس به.
__________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/538).

3115 - وإذا قال رب الدار: أكريتكها سنة بمائة دينار، وقال المكتري: بل بمائة إردب حنطة، تحالفا وتفاسخا كالبيوع. وكذلك لو سكن [المكتري] أياماً أو شهراً أو شهرين أو أكثر من سنة، ثم اختلفا تحالفا، ويبدأ رب الدار باليمين، ويفسخ الكراء كله، ويأخذ رب الدار فيما مضى كراء المثل، وكذلك لو قال رب الدار: أكريتك بعشرة، وقال المكتري: بدينار، [وقالا جميعاً] ما لا يشبه، وقد سكن أو لم يسكن فهو كما ذكرنا.
ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء، فادعى أنك أسكنته بغير كراء، فالقول قولك فيما يشبه من الكراء مع يمينك، وقال غيره: على الساكن الأقل من دعواك، أو من كراء المثل بعد أيمانكما.
3116 - قال ابن القاسم: وكل ما ادعى الساكن أنه زاده في الدار من خشبة أو من فرش قاعة أو سترة جدار، فالقول قول ربها في تكذيبه، وما كان ملقى في الأرض من حجر أو باب أو خشبة أو سارية، فالقول فيه قول المكتري.
وإذا أذن له رب الدار أن ينفق من كرائها، فزعم أنه أنفق، وأكذبه رب الدار فالمكتري مصدق، لأنه أمين، إن تبين للعمل أثر، وإن تبين كذبه، لم يصدق، والعمل والبناء يتبين أثره، كبيت جديد يشبه أن يكون من بنيان المكتري، أو مرمة جديدة. قال غيره: على المكتري البينة، لأن الكراء دين لزمه، وعلى المكري اليمين.
وإذا انقضى أجل الكراء وقد أحدث المكتري في الدار بناء، أو غيره مما ينتفع به بأمر رب الدار أو بغير أمره من غير الكراء، فما كان لنقضه قيمة، لرب الدار أن يعطيه قيمته مقلوعاً، وليس للمكتري أن يأبى، لأنه مضار، ولرب الدار أن يأمره بقلعه أحدثه بأمره أو بغير أمره، لأنه يقول: لم آذن لك في نفعك لأغرم لك شيئاً، وأما ما لا ينتفع به إن نقض من جص وطين، فلا شيء له فيه، إلا أن يكون له فيه نفع فيكون كما ذكرنا.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8