كتاب : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج

اليوم وقد قتلتم واحرقتم وافسدتم ثم استأمن خلق كثير منهم فأخبروا ان القوم على الرحيل
ووصل في عشية يوم الثلاثاء سابع عشر هذا الشهر ثلاثة من الركابية فأخبروا ان ملك شاه قد أخذ اربعة آلاف بختية نفذ بها محمد شاه الى همذان وخبروا بهزيمة اينانج وبأموال كثيرة اخذت من همذان من المخالفين ودار الى عسكر الخليفة جماعة من امراء القوم وفرسانهم وهلك من امرائهم جماعة وجاء كتاب من ملك شاه يذكر فيه انه اجتمع بالامراء ألدكز وجميع العساكر وبعثنا الى أينانج فلم يحضر فقصدناه فانهزم وجاء الينا اكثر عسكره وقد نفذنا الى الأمراء الذين مع محمد شاه من اهل همذان نقول لهم متى تأخرتم عن الحضور الى عشرين يوما خربنا بيوتكم واخذنا اموالكم واولادكم ونساءكم وقد وصل الينا منهم عالم عظيم وقد نفذنا اميرا معه ثلاثة آلاف فارس الى كرمانشاهان ونحن منتظرون الامر الشريف فان أذن لنا في المسير الى بغداد جئنا وان رسم لنا بالمضي الى الموصل مضينا
وفي يوم الجمعة العشرين من ربيع الآخر جرى قتال على قمرية وهذه الجمعة هي السابعة التي تعطلت فيها جوامع بغداد فلم يصل الا في جامع القصر وحده وفي ليلة السبت خرج رجل من العيارين يقال له ابو الحسين العيار فأخذ معه جماعة من الرجالة والشطار ونزل من السور وكبس طوالع العسكر ومنهم قوم نيام وانتهبهم ووقعت الصيحة فانهزموا وعاد الرجالة الى الباب
ووقع الاستشعار بين محمد شاه وكوجك فخاف كل واحد منهما من صاحبه فقال محمد قد أخذت بلادي واقطعت وانت اشرت علي بالمجيء الى بغداد فلما علم انه قد تغيرت له نيته قال له ان لم افتح لك البلد في ثلاثة ايام فما انا كوجك واعبر يوم الاثنين وفي بكرة يوم الثلاثاء فقاتل وقد قررت مع أصحابي ان يقاتلوا قتال الموت أي شيء بغداد عندنا فاتفقا على ذلك ونصبوا الجسر وعبر اكثر العساكر وقال له تعبر انت اليوم وأعبر انا غدا فلما كان يوم الاثنين

ثالث عشرين ربيع الآخر عبر محمد شاه وأصحابه الى عشية وتخلف منهم ثلثمائة غلام فلما كان العشاء قطع كوجك الجسر وقلع الخيم وبعث رحله وخيمه وماله طول الليل فأصبح الناس وما بقي من خيمه شيء وضرب النار في زوارق الجسر وفيما بقي من تبن وشعير وحطب وضرب على خزانة السلطان والوزير ورحل وبقي محمد شاه وأصحابه بقية يوم الثلاثاء ثم قلع الخيم وذهب هو وعسكره ومنع الخليفة عسكره من ان يلحقوه وضربت الرجالة الى دار السلطان فنهبوها وكان فيها اموال كثيرة ونهبوا الابواب والاخشاب وأخذوا الاطيار والغزلان والعسكر يرونهم فاذا طردوهم عادوا ورأى رجل من التجار حملا فيه سكر في سوق المدرسة وكان قد نهب من دار السلطان فقال لي هذا قالوا من يشهد لك قال في وسطه مائة دينار الا دينارا فنظروا فاذا هو كما قال فسلموه اليه فأخذ الذهب واعطاهم السكر ونهبت دار خاص بك فنودي برد ما أخذ من الدار فحمل الى ديوان الأبنية وكان الناس قد طرقوا يوم النهب الى محلة ابي حنيفة وكان ثم اموال للتجار وعزموا على السفر فآووا اموالهم الى ثم فنهبت واما أصحاب محمد شاه فانهم نهبوا بعقوبا وأعمالها وجمع الخليفة الأمراء الذين كان يستشعر منهم فخلع عليهم واعطاهم الاموال وقال تمضون الى همذان فتكونون مع ملك شاه وخرج الناس يلعبون في نهر عيسى وغيره بانواع اللعب والمضحكات فرحا بالسلامة وكان العظامية والقرع والصبيان الذين كانوا يقاتلون في تلك الايام قد اتخذوا زرديات من بعر الغنم وسلاحا من الفارسي واخرجوا طبلا وبوقا ونصبوا خشبا وصلبوا جماعة تحت آباطهم يلعبون ويضحكون ما كان كل سبت وخرج الناس يتفرجون ويضحكون عليهم
فلما كان يوم الخميس رابع عشر جمادى الاولى ركب الخليفة في الماء الى تحت دار تتر ثم ركب وسار يفتقد السور من اوله الى آخره وعاد من دجلة يفتقده ثم عبر الى الجانب الغربي فنظر آثار الخراب وما احرق من الدور ثم عاد الى منزله

مسرورا واطلق للفقراء مالا كثيرا
وحدث في هذه السنة بالناس امراض شديدة لأجل ما مر بهم من الشدائد وكثر المطر والرعد والبرق وبرد الزمان كأنه الشتاء والناس في ايار وفشا الموت في الصغار بالجدري وفي الكبار بالامراض الحادة وغلت الاسعار وبيعت الدجاجة بنصف دانق والتبن خمسة ارطال بحبة وتعذر اللحم
فلما كان خامس عشرين جمادى الآخرة وصل الخبر بوفاة سنجر فقطعت خطبته وفي سابع عشر رجب خرج الخليفة فنزل بأوانا وقصد فم الدجيل وكان الحفر فيه ثم عاد وقصد نهر الملك ورحل يقصد البطائح يطلب ابن ابي الخير فهرب فعاد الخليفة الى بغداد
وفي شعبان استأذن الخليفة ابن جعفر صاحب مخزن الامام المقتفي ان اجلس في داره فأذن له فكنت اعظ فيها كل جمعة
وفي شعبان خرج الخليفة الى الصيد فأقام عشرة أيام
وكانت وقعة عظيمة بين محمود بن زنكي وبين الافرنج وفتح عسكر مصر غزة واستعادوها من الافرنج ووصل رسول محمود بتحف وهدايا ورؤس الافرنج وسلاحهم واتراسهم
ووصل الخبر في رمضان بزلازل كانت بالشام عظيمة في رجب تهدمت منها ثلاثة عشر بلدا ثمانية من بلاد الاسلام وخمسة من بلاد الكفر اما بلاد الاسلام فحلب وحماة وشيرز وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران واما بلاد الافرنج فحصن الاكراد وعرقة واللاذقية وطرابلس وانطاكية فاما حلب فأهلك منها مائة نفس واما حماة فهلكت جميعها الا اليسير واما شيرز فما سلم منها الا امرأة وخادم لها وهلك جميع من فيها واما كفر طلب فما سلم منها احد واما فامية فهلكت وساخت قلعتها واما حمص فهلك منها عالم عظيم واما المعرة فهلك بعضها واما تل حران فانه انقسم نصفين وظهر من وسطه نواويس وبيوت كثيرة واما حصن الاكراد وعرقة فهلكتا جميعا وهلكت اللاذقية فسلم منها

نفر وينح فيها جومة فيما حمأة وفي وسطها صنم واقف واما طرابلس فهلك أكثرها واما انطاكية فسلم بعضها
وفي هذه السنة اعتزم الوزير ابن هبيرة مالا يقارب ثلاثة آلاف دينار على طبق الافطار طول رمضان وحضره الاماثل وكان طريقا جميلا يزيد على ما كان قبله من اطباق الوزراء وخلع على المفطرين الخلع السنية
وفي شوال قدم ابن الخجندي الفقيه والعاملي الحنفي صاحب التعليقة فتلقاهما الموكب وقبلا العتبة وحضرا مجلسي في دار صاحب المخزن وقدم ابو الوقت فورى لنا صحيح البخاري عن الداودي فألحق الصغار بالكبار
وفيها اعيدت نقابة الطالبيين الى الطاهر ابي عبد الله بن عبيد الله وكانت جعلت في ولده ابي الغنائم لأنه كان قد مرض مرضا اشرف منه على التلف ولم يشك الناس في هلاكه وحدثني بعد أن عوفي ما يدل ان شخصا اطعمه فعزل في حالة المرض فلما عوفي أعيد

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
261 - احمد بن عمر
ابن محمد بن اسمعيل ابو الليث النسفي من اهل سمرقند سمع الحديث وتفقه ووعظ وكان حسن السمت وحج وعاد الى بغداد فأقام بها نحو ثلاثة اشهر ثم ودع وخرج الى بلده وكان ينشد وقت الوداع ... يا عالم الغيب والشهاده ... مني بتوحيدك الشهاده ... اسأل في غربتي وكربي ... منك وفاة على الشهاده ...
فلما وصل الى قومس خرج جماعة من اهل القلاع وقطعوا الطريق على القافلة وقتلوا مقتلة عظيمة من العلماء والمعروفين فضربوه ثلاث ضربات فمات
262 - احمد بن بختيار
ابن علي بن محمد ابو العباس الماندائي الواسطي ولي القضاء بها مدة وكان فقيها

فاضلا له معرفة تامة بالأدب واللغة ويد باسطة في كتب السجلات والكتب الحكيمة سمع ابا القاسم بن بيان وابا عبي بن نبهان وغيرهما وكان يسمع معنا على شيخنا ابن ناصر وصنف كتاب القضاة وتاريخ البطائح وغير ذلك وكان ثقة صدوقا توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وصلى عليه في النظامية ودفن بمقبرة باب أبرز
263 - سنجر بن ملك شاه
ابن الب ارسلان ابو الحارث واسمه احمد ولد بسنجار في بلاد الجزيرة في رجب سنة تسع وسبعين واربعمائة حين توجه ابوه ملك شاه الى غزو الروم ونشأ ببلاد الخزر وسكن خراسان واستوطن مرو وكان قد دخل الى بغداد مع أخيه السلطان محمد علي امير المؤمنين المستظهر بالله فحكى هو قال لما وقفنا بين يديه ظن اني انا السلطان فافتتح كلامه معي فخدمت وقلت يا مولانا السلطان هو اشرت الى أخي ففوض اليه السلطنة وجعلني ولي العهد بعده بلفظه فلما توفي السلطان محمد لقب سنجر بالسلطان واستقام امره متراقيا وكان امره عليا وكان مهيبا كريما رفيقا بالرعية حليما عنهم وكانت البلاد آمنة في زمانه فجلس على سرير الملك احدى واربعين سنة وكان قبلها في ملك وسلطنة نحوا من عشرين سنة ولم يملك احد من الخلفاء والسلاطين هذه المدة فانها تقارب الستين سنة وخطب له على اكثر منابر الاسلام وروى الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ولحقه طرش واتفق انه حارب الغز فأسروه ثم تخلص بعد مدة وجمع اليه اصحابه بمرو وكان يعود اليه ملكه فتوفي يوم الاثنين وقت العصر الرابع والعشرين من ربيع الاول من هذه السنة ودفن في قبة بناها لنفسه سماها دار الآخرة ولما بلغ خبر موته الى بغداد قطعت خطبته ولم يجلس له في العزاء فجلست امرأة سليمان للعزاء فعزاها به الخليفة وأقامها
264 - علي بن صدقة ابو القاسم الوزير
عزل فتوفي في ليلة الجمعة ثالث عشرين من جمادى الاولى من هذه السنة وصلى

عليه في جامع القصر قبل صلاة الجمعة وقبر بمشهد باب التبن
265 - عيسى بن ابي جعفر
ابن المقتفي توفي ودفن في مشهد باب ابرز وما امكن حمله الى الترب لأجل الفتن
266 - ابو القاسم بن المستظهر بالله
وكان اصغر اولاده سنا توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الاولى من هذه السنة وحمل ضاحي نهار الى الترب في الماء ومضى معه الوزير الى مقصورة جامع السلطان فصلى بها الجمعة في الموضع الذي كان يصلي فيه السلطان وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين ثم خرج توقيع فأقامهم من العزاء
267 - محمد بن عبيد الله
ابن نصر الزاغوني ابو بكر ولد سنة ثمان وستين واربعمائة وسمع ابا القاسم ابن البسري وابا نصر الزينبي وطرادا وعاصما والتميمي وخلقا كثيرا وقرأت عليه كثيرا من مسموعاته وتوفي ليلة الاثنين ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب حرب
268 - محمد بن عبد اللطيف
ابن محمد بن ثابت ابو بكر الخجندي سمع ابا علي الحداد وغيره وتقدم عند السلاطين وكانوا يصدرون عن رأيه وقدم بغداد وولي تدريس النظامية وكان مليح المناظرة قال المصنف رحمه الله حضرت مناظرته وهو يتكلم بكلمات معدودة مثل الدر ووعظ بجامع القصر وبالنظامية وما كان يندار في الوعظ وكان مهيبا وحوله السيوف وهو بالوزراء اشبه منه بالعلماء خرج الى اصبهان فنزل قرية فنام في عافية فاصبح ميتا في شوال هذه السنة وحمل الى اصبهان
269 - محمد بن المبارك
ابن محمد ابن الخل ابو الحسن بن ابي البقاء ولد سنة خمس وسبعين وسمع الحديث

من ابن ايوب وابن الطيوري وابن النظر وثابت وابن السراج وغيرهم وتفقه على ابي بكر الشاشي ودرس وتوفي في محرم هذه السنة فدفن باللوزية وتوفي اخوه ابو الحسين ابن الخل الشاعر في ذي القعدة من هذه السنة
270 - نصر بن نصر
ابن علي بن يونس ابو المعمر العكبري الواعظ سمع من ابي القاسم ابن البسري وابي الليث نصر بن الحارث الشاشي وابي محمد التميمي وغيرهم وكان ظاهر الكياسة يعظ وعظ المشايخ ويتخيره الناس لعمل الاعزية ولد في سنة ستين وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وصلى عليه بالنظامية والتاجية ودفن بمقبرة باب ابرز وكان له ولد يكنى ابا محمد نشأ على طريقته ولد سنة خمسمائة ومات سنة خمس وسبعين
271 - يحيى بن عيسى
ابن ادريس ابو البركات الأنباري قرأ القرآن على جماعة وسمع الحديث على عبد الوهاب الانماطي وغيره وقرأ النحو على الزبيدي وصحبه مدة وتفقه على القاضي الحراني وعظ الناس وكان يبكي من حين صعوده على المنبر الى حين نزوله وتعبد في زاويته نحو خمسين سنة وكان ورعا حتى انه عطش فجيء بماء من بعض دور الحكام فلم يشرب وكان لا يفعل شيئا الا بنية وكان من اهل السنة الجياد رزقه الله اولادا صالحين فسماهم ابا بكر وعمر وعثمان وعليا وكان امارا بالمعروف ناهيا عن المنكر مستجاب الدعوة له كرامات ومنامات صالحة رأى في بعضها رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي بعضها احمد بن حنبل فقال المروذي يا ابا عبد الله هذا من اصحابنا فقال وهل يشك فيه وكان هو وزوجته ام اولاده يصومان النهار ويقومان الليل ويحييان بين العشائين ولا يفطران الا بعد العشاء وختما اولادهما القرآن واقرءا خلقا من الرجال والنساء توفي يوم الاثنين رابع ذي القعدة من هذه السنة فقالت زوجته اللهم لا تحيني بعده فماتت بعد

خمسة عشر يوما

سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في غرة ربيع الاول ختن ولد الخليفة وختن معه جماعة من اولاد الامراء واعدت الخلع والتحف ولم يبق احد من ارباب الدولة الا وحمل من التحف كثيرا وعمل سماطا كبيرا للامراء والأتراك في الصحراء مما يلي سور الظفرية
وفيها وقع الاتفاق بين محمد شاه واخيه ملك شاه وامده بعسكر ففتح خوزستان ودفع عنها شملة التركماني
وفي ربيع الآخر خرج امير المؤمنين بقصد الانبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام ومضى الى واسط ودخل سوقها وعاد الى بغداد ولم يخرج هذه النوبة معه الوزير لأنه كان مريضا وانفق في مرضه هذا نحو خمسة آلاف دينار بعضها للاطباء وبعضها للصدقة وبعضها في قضاء ديون اهل الحبوس وغيرهم وخلع على ابن التلميذ لما عوفي ثيابا كثيرة واعطاه دنانير وبغلة وبعث اليه الخليفة يتعرف اخباره ويستوحش له فخرج فانحدر الى المدائن لتلقي الخليفة وعاد معه ثم خرج الخليفة في رجب واحضر قويدان وخلع عليه واضاف اليه عسكرا كثيرا ونفذ به الى بلاد البقش واقطعه البلاد والقلاع ثم وصل الخبر بان قويدان قد انضاف الى سنقر الهمذاني واتفق معه فبعث الخليفة مملوكا يقال له قيماز العمادي في جماعة يطلبونهما فهربا ثم انضافا الى ملك شاه فأدركهم الجوع والوفر فهلك اكثرهم ثم خرج الخليفة في شعبان فبات في داره بالحريم الطاهري ثم سار الى دجيل فاقام بها اياما ثم عاد الى بغداد وخرج يوم العيد الموكب بتجمل وزي لم ير مثله من الخيل والتجافيف والاعلام وكثرة الجند والامراء
وفي يوم الجمعة وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثل البيض واكبر على صور مختلفة

وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر اشياء كثيرة
وفيها غرق رجل بنتاله صغيرة فأخذ وحبس
قال المصنف وحججت في هذه السنة فتكلمت في الحرم نوبتين فلما دخلنا المدينة وزرنا قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل لنا ان العرب قد قعدوا على الطريق يرصدون الحاج فحملنا الدليل على طريق خيبر فرأيت فيها من الجبال وغيرها العجائب

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
272 - ابو اسحاق بن المستظهر
اخو المقتفي لأمر الله توفي في نصف محرم وحمل الى الترب بالرصافة ومضى معه الوزير وارباب الدولة واغتم عليه المقتفي غما كثيرا وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين وخرج التوقيع باقامتهم من العزاء ثم ماتت بعد يومين امه وهي جهة من جهات المستظهر وحملت الى الترب ومضى معها الموكب سوى الوزير ودفنت عنده في التربة الجديدة التي أنشأها المقتفي
273 - عبد الجليل بن محمد
ابن عبد الواحد الاصفهاني ابو مسعود الحافظ كان واحد بلدته حفظا وعلما ونفعا وصحة عقيدة وتوفي بها في شعبان هذه السنة
274 - عبد الاول بن عيسى
ابن شعيب بن ابراهيم ابو اسحاق ابو الوقت ابو عبد الله السجزي الاصل الهروي المنشأ ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة وسمع ابا الحسن الداوودي وابا اسمعيل الانصاري وابا عاصم الفضيلي وغيرهم حمله ابوه على عاتقه من هراة الى فوسنج فسمعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من مسند عبد بن حميد وحدثه عبد الله الانصاري مدة وسافر الى العراق وخوزستان والبصرة وقدم

علينا بغداد فروى لنا هذه المذكورات وكان صبورا على القراءة وكان شيخنا صالحا على سمت السلف كثير الذكر والتعبد والتهجد والبكاء وعزم في هذه السنة على الحج فهيأ ما يحتاج اليه فمات وحدثني ابو عبد الله محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال اسندته الي فمات فكان آخر كلمة قالها يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين
275 - نصر بن منصور
ابن الحسن بن احمد بن عبد الخالق العطاء ابو القاسم الحراني ولد بحران سنة اربع وثمانين فأوسع الله له في المال وكان يكثر فعل الخير ويتتبع الفقراء ويمشي بنفسه اليهم ويكسو العراة ويفك الاسراء كل ذلك من زكاة ماله وكان كثير التلاوة للقرآن محافظا على الجماعة وحدثني ابو محمد العكبري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت يا رسول الله امسح بيدك عيني فانها تؤلمني فقال اذهب الى نصر ابن العطار يمسح عينك قال فقلت في نفسي أترك رسول الله وامضي الى رجل من ابناء الدنيا فعادوته القول يا رسول الله امسح عيني بيدك فقال لي اما سمعت الحديث ان الصدقة لتقع في يد الله وهذا نصر قد صافحته يد الحق فامض اليه قال فانتبهت فقصدته فلما رآني قام يتلقاني حافيا فقال الذي رأيته في المنام قد تقدم في حقك بشيء فقرأ على عيني الفاتحة والمعوذات فسكن الألم ووجدت العافية
276 - يحيى بن سلامة
ابن الحسين بن محمد ابو الفضل الحصكفي ولد بطنزة بعد الستين واربعمائة وهي بلدة من الجزيرة من ديار بكر ونشأ بحصن كيفا وانتقل الى ميافا رقين وهو امام فاضل في علوم شتى وكان يفتي ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى الغلو في التشيع ورد بغداد وقرأ شيئا من مقاماته وشعره على ابي زكريا التبريزي فكتب التبريزي على كتابه قرأ علي ما يدخل

الاذن بلا اذن
كتب الى ابي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن ابيه أبي نصر ... لمانعي الناعي ابا نصر ... سدت على مطالع الصبر ... وجرت دموع العين ساجمة ... منهلة كتتابع القطر ... ولزمت قلبا كاد يلفظه ... صدري لفرقة ذلك الصدر ... ولى فأضحى العصر في عطل ... منه وكان قلادة العصر ... حفروا له قبرا وما علموا ... ما خلفوا في ذلك القبر ... ما أفردوا في الترب وانصرفوا ... الا فريد الناس والدهر ... تطويه حفرته فينشره ... في كل وقت طيب النشر ... يبديه لي حبا تذكره ... حتى أخطاه وما أدري ... تبا لدار كلها غصص ... تأتي الوصال بنية الهجر ... تنسى مرارتها حلاوتها ... وتكر بعد العرف بالنكر ...
وله ... جد ففي جدك الكمال ... والهزل مثل اسمه هزال ... فما تنال المراد حتى ... يكون معكوس ما تنال ...
ومن أشعاره الرقيقة ... اقوت مغانيهم فأقوى الجلد ... ربعان كل بعد سكن فدفد ... اسأل عن قلبي وعن أحبابه ... ومنهم كل مقر يجحد ... وهل تجيب أعظم بالية ... وارسم خالية من ينشد ... ليس بها الا بقايا مهجة ... وذاك الا حجر او وتد ... كأنني بين الطلول واقف ... اندبهن الأشعث المقلد ... صاح الغراب فكما تحملوا ... مشى بها كأنه مقيد ... يحجل في آثارهم بعدهم ... بادي السمات ابقع واسود ... لبئس ما اعتاضت وكانت قبلها ... يرتع فيها ظبيات خرد

ليت المطايا للنوى ما خلقت ... ولا حدا من الحداة احد ... رغاؤها وحدوهم ما اجتمعا ... للصب الا ونحاه الكمد ... تقاسموا يوم الوداع كبدي ... فليس لي منذ تولوا كبد ... على الجفون رحلوا وفي الحشا ... تقيلوا ودمع عيني وردوا ... فأدمعي مسفوحة وكبدي ... مقروحة وغلتي ما تبرد ... وصبوتي دائمة ومقلتي ... دامية ونومها مشرد ... تيمني منهم غزال اغيد ... يا حبذا ذاك الغزال الاغيد ... حسامه مجرد وصرحه ... ممرد وخده مورد ... وصدغه فوق احمرار خده ... مبلبل معقرب مجعد ... يقعده عند القيام ردفه ... وفي الحشا منه المقيم المقعد ... ايقنت لما ان حدا الحادي بهم ... ولم امت ان فؤادي جلمد ... كنت على القرب كئيبا مغرما ... صبا فما ظنك بي اذ بعدوا ... هم الحياة اعرقوا ام اشأموا ... أم أيمنوا ام اتهموا أم أنجدوا ... ليهنهم طيب الكرى فانه ... حظهم وحظ عيني السهد ... نعم تولوا بالفؤاد والكرى ... فأين صبري بعد هم والجلد ... لولا الضنا جحدت وجدي بهم ... لكن نحولي بالغرام يشهد ... ليس على المتلف غرم عندهم ... ولا على القاتل عمدا قود ... هل أنصفوا اذ حكموا ام اسعفوا ... من تيموا ام عطفوا فاقتصدوا ... بل أنصفوا اذ حكموا واتلفوا ... من هيموا وأخلفوا ما وعدوا ... وسائل عن حب اهل البيت هل ... اقر اعلانا به ام أجحد ... هيهات ممزوج بلحمي ودمي ... حبهم وهو الهدى والرشد ... حيدرة والحسنان بعده ... ثم على وابنه محمد ... جعفر الصادق وابن جعفر ... موسى ويتلوه على السيد ... اعنى الرضا ثم ابنه محمد ... ثم علي وابنه المسدد

الحسن التالي ويتلو تلوه ... محمد بن الحسن المفتقد ... فانهم أئمتي وسادتي ... وان لحاني معشر وفندوا ... أئمة أكرم بهم أئمة ... اسماؤهم مسرودة تطرد ... هم حجج الله على عباده ... وهم اليه منهج ومقصد ... هم في النهار صوم لربهم ... وفي الدياجي ركع وسجد ... قوم أتى في أهل اتى مدحهم ... ما شك في ذلك الا ملحد ... قوم لهم فضل ومجد باذخ ... يعرفه المشرك ثم الملحد ... قوم لهم في كل أرض مشهد ... لا بل لهم في كل قلب مشهد ... قوم لهم والمشعران لهم ... والمروتان لهم والمسجد ... قوم لهم مكة والابطح والخيف وجمع والبقيع الغرقد ... ما صدق الناس ولا تصدقوا ... ما نسكوا وافطروا وعيدوا ... لولا رسول الله وهو جدهم ... واحبذا الوالد ثم الولد ... ومصرع الطف ولا اذكره ... ففي الحشا منه لهيب موقد ... يرى الفرات ابن البتول طاميا ... يلقى الردى وابن الدعى يرد ... حسبك يا هذا وحسب من بغى ... عليهم يوم المعاد الصمد ... يا اهل بيت المصطفى يا عدتي ... ومن علي حبهم اعتمد ... انتم الى الله غدا وسيلتي ... وكيف اخشى وبكم اعتضد ... وليكم في الخلد حي خالد ... والضد في نار لظى يخلد ... ولست اهواكم ببغض غيركم ... اني اذا اشقى بكم لا اسعد ... فلا يظن رافضي انني ... وافقته او خارجي مفسد ... محمد والخلفاء بعده ... افضل خلق الله فيما اجد ... هم اسسوا قواعد الدين لنا ... وهم بنوا اركانه وشيدوا ... ومن يخن احمد في اصحابه ... فخصمه يوم المعاد احمد ... هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا ... هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعي مذهبي مذهبه ... لأنه في قوله مؤيد ... اتبعه في الاصل والفرع معا ... فليتبعني الطالب المسترشد ... إني بإذن الله ناج سابق ... اذا ونى الظالم والمقتصد ...
وله أيضا ... حنت فأذكت لوعتي حنينا ... أشكو من البين وتشكو البينا ... قد عاث في اشخاصها طول السرى ... بقدر ما عاق الفراق فينا ... فخلها تمشي الهوينا طالما ... اضحت تباري الريح في البرينا ... وكيف لا نأوى لها وهي التي ... بها قطعنا السهل والحزونا ... ها قد وجدنا البر بحرا زاخرا ... فهل وجدنا غيرها سفينا ... ان كن لا يفصحن بالشكوى لنا ... فهن بالارزام يشتكينا ... قد اقرحت بما تئن كبدي ... ان الحزين يرحم الحزينا ... مذ عذبت لها دموعي لم تبت ... هيما عطاشا وترى المعينا ... وقد تياسرت بهن جائرا ... عن الحمى فاعدل بها يمينا ... نحن اطلالا عفا آياتها ... تعاقب الأيام والسنينن ... يقول صحبي أترى آثارهم ...

نعم ولكن لا نرى القطينا
... لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كما بلينا ... ما قدر الحي على سفك دمي ... لو لم تكن اسيافهم عيونا ... أكلما لاح لعيني بارق ... بكت فابدت سرى المصونا ... لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ... وعاقبوا الخائن لا الأمينا ... ما استترت بالورق الورقاء كي ... تصدق لما علت الغصونا ... قد وكلت بكل باك شجوه ... تعينه اذ عدم المعينا ... هذا بكاها والقرين حاضر ... فكيف من قد فارق القرينا ... اقسمت ما الروض اذا ما بعثت ... ارجاؤه الخيرى والنسرينا ... وادركت ثماره وعذبت ... انهاره وابدت المكنونا

وقابلته الشمس لما اشرقت ... وانقطعت افنانه فنونا ... اذكى ولا احلى ولا اشهى ولا ... ابهى ولا اوفى بعيني لينا ... من نشرها وثغرها ووجهها ... وقدها فاستمع اليقينا ... يا خائفا على اسباب العدى ... اما عرفت حصني الحصينا ... اني جعلت في الخطوب موئلي ... محمدا والانزع البطينا ... احببت ياسين وطاسين ومن ... يلوم في ياسين او طاسينا ... سر النجاة والمناجاة لمن ... أوى الى الفلك وطور سينا ... وظن بي الاعداء اذ مدحتهم ... ما لم اكن بمثله قمينا ... يا ويحهم وما الذي يريبهم ... مني حتى رجموا الظنونا ... رفد مديح قدر وافى رافد ... فلم يجنوا ذلك الجنونا ... وانما اطلب رفدا باقيا ... يوم يكون غيري المغبونا ... يا تائهين في اضاليل الهوى ... وعن سبيل الرشد ناكبينا ... تجاهكم دار السلام فابتغوا ... في نهجها جبريلها الامينا ... لجوامعي الباب وقولوا حطة ... تغفر لنا الذنوب اجمعينا ... ذروا العنا فان اصحاب العبا ... هم النبا ان شئتم التبيينا ... ديني الولاء لست ابغي غيره ... دينا وحسبي بالولاء دينا ... هما طريقات فاما شأمة ... اوفاليمين فاسلكوا اليمينا ... سجنكم سجين ان لم تتبعوا ... علينا دليل عليينا ...
وله أيضا ... اذا قل مالي تجدني ضارعا ... كثير الأسى مغرى بعض الانامل ... ولا بطرا ان جدد الله نعمة ... ولو أن ما آوي جميع الانام لي ...
توفي الحصكفي في ربيع الاول من هذه السنة بميافارقين

سنة
ثم دخلت سنة اربع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان امير المؤمنين ابل من مرض فضربت الطبول وفرقت

الصدقات وذبح كل واحد من ارباب الدولة من البقر وفرقت الكسوة على الفقراء وعلق البلد اسبوعا
وفي المحرم وصل ترشك الى بغداد فلم يشعر به الا وقد القى نفسه تحت التاج عند كوخ المستخدمين معه سيف وكفن فبرز له الاذن بالمضي الى الديوان فحضر عند الوزير فأنهى حضوره ووقع له بمال واذن له في الدخول الى الدار المعمورة من أي باب شاء
ووصل في رسالة محمد شاه ومعه عدة رسل من امراء الاطراف طلبا للمقاربة فلما نزلوا بشهر آبان انفذ من دار الخلافة من استوقفهم هناك ولم يمكنوا من الوصول فأقاموا ثمانية عشر يوما ثم عادوا ولم تسمع رسالتهم
وفي هذه السنة عاد الغزالي نيسابور فنهبوها وكان بها ابن اخت سنجر فاندفع عنها الى جرجان
وفيها خرج الخليفة الى واسط واجتاز بسوقها وابصر جامعها ومضى الى الغراف وزلت به فرسه في بعض الطريق فوقع الى الارض وشج جبينه بقبيعة سيف الركاب فانتاشه مملوك من مماليك الوزير فأعتقه الوزير وخلع عليه وحصل للطبيب ابن صفية مال لأنه خاط المكان وعاده
وفيها وقع برد عظيم فهلكت قرى وذكر انه كان في بعض البرد ما وزنه خمسة أرطال واهلكت الغلة فلم يقدروا على علف
وفي ثامن عشر ربيع الاول كثر المد بدجلة وخرق القورج واقبل الى البلد فامتلأت الصحارى وخندق السور وافسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسع عشر ربيع فوقع بعض السور عليها فسد بها ثم فتح الماء فتحة اخرى فاهملوها ظنا انها تنفس عن السور لئلا يقع فغلب الماء وتعذر سده فغرق قراح ظفر والاجمة والمختارة والمقتدية ودرب القيار وخرابة ابن جردة والريان وقراح القاضي وبعض القطيعة وبعض باب الازج وبعض المأمونية وقراح ابي الشحم وبعض قراح ابن رزين وبعض الظفرية ودب الماء تحت الارض

الى اماكن فوقعت قال المصنف وخرجت من داري بدرب القيار يوم الاحد وقت الضحى فدخل اليها الماء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدور كلها واخذ الناس يعبرون الى الجانب الغربي فبلغت المعبرة دنانير ولم يكن يقدر عليها ثم نقص الماء يوم الاثنين وسدت الثلمة وتهدم السور وبقي الماء الذي في داخل البلد يدب في المحال الى ان وصل بعض درب الشاكرية ودبر المطبخ وجئت بعد يومين الى درب القيار فما رأيت حائطا قائما ولم يعرف احد موضع داره الا بالتخمين وانما الكل تلال فاستدللنا على دربنا بمنارة المسجد فانها لم تقع وغرقت مقبرة الامام احمد وغيرها من الاماكن والمقابر وانخسفت القبور المبنية وخرج الموتى على رأس الماء واسكر المشهد والحربية وكانت آية عجيبة ثم ان الماء عاد فزاد بعد عشرين يوما فنقض سد القورج فعمل فيه اياما
وتنافر الوزير ونقيب النقباء في كلام فوقع بأن يلزم النقيب بيته ثم رضي عنه بعد ذلك واصطلحا
وفي هذه السنة جمع ملك الروم جمعا عظيما وقصد الشام وضاق بالمسلمين الأمر ثم عاد الكفار خائبين وغنم المسلمون واسر ابن اخت ملكهم وكان سبب عودهم ضيقة الميرة عليهم

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
277 - احمد بن معالي
ابن بركة الحربي تفقه على ابي الخطاب الكلواذاني وبرع في النظر قال المصنف سمعت درسه مدة وكان قد انتقل الى مذهب الشافعي ثم عاد الى مذهب احمد ووعظ وتوفي في جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وكان سبب موته انه ركب دابة فانحنى في مضيق ليدخله فأتكأ بصدره الى قربوس السرج فأثر فيه وانضم الى ذلك اسهال فضعفت القوة وكان مدة يومين او ثلاثة

278 - احمد بن محمد
ابن عبد العزيز ابو جعفر العباسي المكي نقيب مكة شيخ صالح ثقة سمع الكثير وتوفي في هذه السنة ودفن بالعطافية
279 - جعفر بن زيد
ابن جامع ابو زيد الحموي من اهل حماة بلدة من بلاد الشام بين حمص وحلب قرأ القرآن وكان كثير الدراسة وسمع من ابي الحسين ابن الطيوري وابي طالب ابن يوسف وانقطع عن مخالطة الناس متشاغلا بنفسه وتوفي في ليلة الاحد خامس عشر ذي الحجة من هذه السنة ودفن في صفة ملاصقة لمسجده في محلته المعروفة بقطفتا
280 - الحسن بن جعفر
ابن عبد الصمد بن المتوكل على الله ابو علي ولد سنة سبع وسبعين واربعمائة قرأ القرآن وكان يؤم في مسجد ابن العلثي وسمع من ابن العلاف وابن الحصين وغيرهما وكان فيه لطف وظرف وسمع سيرة المسترشد وسيرة المقتفي وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
281 - محمد شاه بن محمود
طلب الخطبة والسلطنة فلم يجب اليهما فجاء الى بغداد فحاصرها على ما سبق ذكره ثم عاد وتوفي في ذي الحجة بباب همذان
282 - يحيى بن نزار المنبجي
كان فيه فضل وادب ويقول الشعر وكان يحضر مجلسي ويدهشه كلامي وجد في اذنه ثقلا فخاف الطرش فاستدعى انسانا من الطرقية فامتص اذنه فخرج شيء من مخه فكان سبب موته توفي في ذي الحجة ودفن في تربتهم بالوردية

سنة
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان المسمى بعلي كوجك صاحب الموصل افرج عن سليمان شاه بن محمد وخطب له بالسلطنة وسيره الى همذان وتوجه ابن اخيه ملك شاه بن محمود الى اصبهان طالبا للأجمة فمات بها
وفي منتصف صفر فوض تدريس جامع السلطان الى اليزدي مكان الشمس البغدادي
وفي هذه الايام منع المحدثون من قراءة الحديث في جامع القصر وسببه ان صبيانا من الجهلة قرأوا شيئا من اخبار الصفات ثم اتبعوا ذلك بذم المتأولين وكتبوا على جزء من تصانيف ابي نعيم اللعن له والسب فبلغ ذلك استاذ الدار فمنعهم من القراءة
وفي يوم الجمعة سلخ صفر ارجف على الخليفة بالموت فانزعج الناس وماج البلد وعدم الخبز من الاسواق ثم وقع الى الوزير بعافيته وطابت قلوب الناس ووقعت البشائر والخلع فلما كانت صبيحة الاحد ثاني ربيع الاول اصبحت ابواب الدار كلها مغلقا الى قريب الظهر واغلق باب النوبي وباب العامة فتحقق الناس الامر وركب العسكر بالسلاح فلما كان قريب الظهر فتحت الابواب ودعي الناس الى بيعة المستنجد بالله فأظهروا موت المقتفي
باب ذكر خلافة المستنجد بالله
واسمه يوسف بن المقتفي ولد في ربيع الاول سنة ثمان عشرة وخمسمائة وبويع بعد موت أبيه المقتفي وقيل انه اريد به سوء ليولي غيره فدفع عنه فبايعه اهله وأقاربه واولهم عمه ابو طالب ثم ابو جعفر بن المقتفي وكان اكبر من المستنجد ثم بايعه الوزير وقاضي القضاة وارباب الدولة والعلماء ثم خطب له يوم الجمعة على المنابر ونثرت الدنانير والدراهم قال المصنف رحمه الله وحدثني الوزير

ابو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة قال حدثني امير المؤمنين المستنجد بالله قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام منذ خمس عشرة سنة فقال لي يبقى أثرك في الخلافة خمس عشرة سنة فكان كما قال قال ورأيته صلى الله عليه و سلم قبل موت ابي بأربعة اشهر فدخل بي الى باب كبير ثم ارتقى الى رأس جبل وصلى بي ركعتين وألبسني قميصا ثم قال لي قل اللهم اهدني فيمن هديت وذكر دعاء القنوت وذكر لي الوزير ابن هبيرة قال كان المستنجد قد بعث الي مكتوبا مع خادم في حياة ابيه وكأنه أراد ان يسره عنه فأخذته وقبلته وقلت للخادم قل له والله ما يمكنني ان أقرأه ولا أن اجيب عنه قال فأخذ ذلك في نفسه علي فلما ولي دخلت عليه فقلت يا امير المؤمنين اكبر دليل في نصحي اني ما حابيتك نصحا لامير المؤمنين قال صدقت انت الوزير فقل الى متى فقال الى الموت فقلت أحتاج والله الى اليد الشريفة فاحلفته على ما ضمن لي وحكى ان الوزير خدم بعد ذلك يحمل كثير من خيل وسلاح وغلمان وطيب ودنانير فبعث اربعة عشر فرسا عرابا فيها فرس ابيض يزيد ثمنه على اربعمائة دينار وست بغلات مثمنة وعشرة من الغلمان الاتراك فيهم ثلاثة خدم وعشرة زريات وخوذ وعشرة تخوت من الثياب وسفط فيه عود وكافور وعنبر وسفط فيه دنانير فقبلت منه وطاب قلبه
ولما بويع المستنجد اقر الوزير ابن هبيرة على الوزارة واصحاب الولايات على ولاياتهم وأزال المكوس والضرائب وامر بالجلوس لعزاء ابيه فتقدم الي بالكلام في العزاء ووضع كرسي لطيف فتكلمت في بيت النوبة ثلاثة أيام وخرج في اليوم الثالث الى الوزير توقيع نسخته الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وإنا اليه راجعون تسليما لأمر الله وقضائه فصبرا لحكمه النافذ ومصابه في الامام السعيد الذي عظم مصابه واعتاض حلو العيش صابه وفت في عضد الاسلام وعذابه الدين واهي النظام ان الصبر عليه لبعيد والكمد عليه مع الايام جديد لقد كان سكينة مغشية المراد ورحمة منتشرة في العباد برا بهم رؤفا متحننا عليهم

عطوفا فجدد الله سبحانه لديه من كراماته الراجحة وتحياته الغادية الرائحة ما يحله بحبوحة جنانه وينيله مبتغاه من إحسانه ومع ما من الله عليه من استقرار الأمر في نصابه وحفظه على من هو أولى به فليس الا التسليم الى المقدور والتفويض اليه سبحانه في جميع الامور فهو يوفي المثوبة والأجر والسعيد من كان عمله في دنياه لأخراه ورجوعه الى الله سبحانه في باديته وعقباه والله تعالى يوفق امير المؤمنين لما عاد برضاه وصلاح رعاياه ليعود النظام الى اتساقه ونور الامامة الى اشراقه فانهض انت الى الديوان لتنفيذ المهام ولتثق بشمول الانعام ولتأمر الحاضرين بالانكفاء الى الخدمات وليتقدم بضرب النوبة في اوقات الصلوات وكان الوزير في اليومين يجيء ماشيا فقدمت اليه فرسه في اليوم الثالث فركب وتقدم في هذا اليوم بالقبض على ابن المرخم الذي كان قاضيا وكان بئس الحاكم آخذ الرشاء واستصفيت امواله واعيد منها على الناس ما ادعوا عليه وكان قد ضرب فلم يقر فضرب ابنه فأقر باموال كثيرة واحرقت كتبه في الرحبة وكان منها كتاب الشفاء واخوان الصفاء وحبس فمات في الحبس
واسقطت الضرائب وما كان ينسب الى سوق الخيل والجمال والغنم والسمك والمدبغة والبيع في جميع اعمال العراق وافرج عن جماعة كانوا مطالبين بأموال وقد تقدم استاذ الدار فخلع عليه فجعل امير حاجب وتقدم الى الوزير بالقيام له وخلع المستنجد بالله عند انتهاء شهر والده على ارباب الدولة وخلع علي خلعة وعلى عبد القادر وابي النجيب وابن شقران واذن لنا في الجلوس بجامع القصر وتكلمت في الجامع يوم السبت ثامن عشرين ربيع الآخر فكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف وخمسة عشر ألفا
وظهر اقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب واعانني الله تعالى عليهم وكانت كلمتنا هي العليا واذن لرجل يقال له ابو جعفر بن سعيد ابن المشاط فجلس في الجامع فكان يسأل فيقال له آلم ذلك الكتاب كلام الله فيقول لا ويقول في القصص هذا كلام موسى وهذا كلام النملة فأفسد عقائد الناس وخرج

فمات عن قريب
وفي جمادى الآخرة عزل قاضي القضاة ابو الحسن علي بن احمد الدامغاني ورتب مكانه عبد الواحد ابو جعفر الثقفي وخلع عليه وكتب له عهد وكان قد قيل لابن الدامغاني قم لابن الثقفي الصغير الذي ولي مكان ابن المرخم فقال ما جرت العادة ان يقوم قاضي القضاة لقاض فقيل له قد قمت لابن المرخم فأنكر ذلك وشهد عليه العدول بأنه قام له فأخذوا ذلك عليه وعزل
واخذ رجل معلم يقال له ابو المعمر عبد الرزاق بن علي الخطيب كان يعلم الصبيان بالمأمونية فصار يخبر المقتفي وتقدم الى حاجب الباب بسماع قوله فكان يخشى ويتقي وصار له شرف فلما توفي المقتفي كتب الى المستنجد يلتمس ما كان يفعله في زمان ابيه فقال الخليفة هذا الذي كان يخبر قالوا نعم فأمر بالقبض عليه فأخذ وعوقب الى ان سال دمه وجيء به الى بيته ليلا ليدلهم على دفين فقال احفروا هاهنا وهاهنا فحفروا فلم يجدوا شيئا فقال انما قلت ذلك من حرارة الضرب واعادوه الى الحبس
وفي هذه السنة ولي ابن حمدون المقاطعات
وفيها قبض على ابن الفقيه النائب بالمخزن وكان يشرف لولاية المخزن فقبض عليه صاحب المخزن وبذل ابن الصقيل الذي كان حاجب الباب اربعة آلاف دينار على أن يولى نقابة العباسيين فخوطب في ذلك نقيب النقباء فبذل خمسة آلاف فقبض على ابن الصقيل وطولب بما بذل فقرر عليه اثنا عشر الفا فباع كل ما يملك
وفي رمضان حدثت حادثة عجيبة وذلك ان مغربيا كان يلعب بالرمل ويحبس بالنجوم سكن حجرة في دربية سوق الاساكفة ظهرها الى دار ابن حمدون العارض فأظهر الزهادة فكان يخرج في الليل الى الحارس فيقول افتح لي فقد لحقني احتلام ثم نقب اصول الحيطان وفرق التراب في الغرف حتى خرج الى خزانة في الدار وفيها خزانة خشب ساج فنقل كل ما فيها من مال ومصاغ

قوم ثلاثة آلاف دينار وخرج الى الحارس فقال افتح لي وكان قد استعد ناقة ورفقة فخرج فركب وسار فما علم به حتى صار على فراسخ ثم أخذ مملوك لنصر بن القاسم التاجر وقالوا كان رفيق المغربي وقيل انه ساعد المغربي على ذلك فلما خرج قتله واخذ المال
وفي اول شوال اتفق العسكر بباب همذان على القبض على سليمان شاه وخطوا لأرسلان بن طغرل وورد على كوجك الى بغداد قاصدا للحج ووصل الى الخدمة الشريفة وخلع عليه وحج في هذه السنة شيركوه صاحب الرحبة وغيرها من اعمال الشام وبث في الحرمين معروفا كثيرا ولم يفعل كوجك شيئا يذكر به على كثرة ماله
وتوفي قاضي القضاة الثقفي فولي مكانه ابنه جعفر وقدم مركبان من كيش فيهما هدايا وتحف للخليفة منها عدة افراس وعشرة احمال من القنا الخطي وأنياب الفيلة وخشب الساج والصنوبر والآبنوس وسلال العود والببغ والجواري والمماليك

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
283 - عبد الواحد بن احمد
ابن محمد بن حمزة أبو جعفر الثقفي وكان قاضيا بالكوفة وسمع من ابي الغنائم وغيره وولاه المستنجد قضاء القضاة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
284 - الفائز صاحب مصر
توفي في رجب هذه السنة وكان صبيا يدبر أمره ابو الغارات الصالح بن رزيك واقيم مقامه صبي لقب بالعاضد وهو الذي انقرضت على يده دولة آل عبيد وعادت الخطبة بديار مصر لبني العباس وسوف نذكر ذلك عند وصولنا اليه
285 - قيماز الارجواني
امير الحاج بعد نظر دخل ميدان الخلافة فلعب بالصولجان فشب فرسه من

تحته ورمى به فوقع على ام راسه فانكسرت ترقوته وسال مخه من منخريه واذنيه فمات ودفن بمقبرة الشونيزي وتبعه الامام وترحم الناس عليه وذلك في شعبان هذه السنة
286 - محمد ابو عبد الله المقتفي بالله
امير المؤمنين بن المستظهر بالله مرض بالتراقي وقيل كان دمل في العنق توفي ليلة الاحد في ربيع الاول من هذه السنة عن ست وستين سنة إلا ثمانية وعشرين يوما ولي الخلافة اربع وعشرين سنة وثلاثة اشهر وستة عشر يوما ودفن في الدار ثم اخرج الى الترب وانه وافق اباه المستظهر في علة التراقي وماتا جميعا في ربيع الاول وتقدم موت محمد شاه على موت المقتفي بثلاثة اشهر وكذلك المستظهر مات قبله السلطان محمد بثلاثة اشهر ومات المقتفي بعد الغرق بسنة وكذلك القائم مات بعد الغرق بسنة قال عفيف الناسخ وكان رجلا صالحا رأيت في المنام قبل دخول سنة خمس وخمسين قائلا يقول اذا اجتمعت ثلاث خاءات كان آخر خلافته قلت خلافة من قال خلافة المقتفي قلت ما معنى اجتماع الخاءات قال سنة خمس وخمسين وخمسمائة
287 - محمد بن احمد
ابن علي بن الحسين ابو المظفر ابو التريكي كان يخطب في الجمع والاعياد وكان حصن الصورة فاضلا توفي يوم الاربعاء خامس عشر ذي القعدة ودفن في تربة معروف الكرخي
288 - محمد بن يحيى
ابن علي بن مسلم ابو عبد الله الزبيدي من اهل زبيد بلدة باليمن مولده على التقريب سنة ثمانين واربعمائة قدم بغداد سنة تسع وخمسمائة ووعظ وكان له معرفة بالنحو والادب وكان صبورا على الفقر لا يشكو حاله قال المصنف رحمه الله حدثني

البراندسي قال جلست مع الزبيدي من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئا في فمه فسألته فقال لم يكن لي شيء فأخذت نواة أتعلل بها وانه كان يقول الحق وان كان مرا ولا يراقب احدا ولا تأخذه في الله لومة لائم وقد حكى لي انه دخل على الوزير الزينبي وقد خلعت عليه خلع الوزارة والناس يهنئونه بالخلعة فقال هو هذا يوم عزاء لا يوم هناء فقيل له فقال الهناء على لبس الحرير وحدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه قال سمعت محمد بن يحيى الزبيدي يحكي عن نفسه قال خرجت الى المدينة على الوحدة فآواني الليل الى جبل فصعدت عليه وناديت اللهم اني الليلة ضيفك ثم نزلت فتواريت عند صخرة فسمعت مناديا ينادي مرحبا بك يا ضيف الله انك مع طلوع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا وتمرا فاذا دعيت فأجب فهذه ضيافتك قال فلما كان من الغد سرت فلما كان مع طلوع الشمس لاحت لي اهداف بئر فجئتها فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمرا فدعوني الى الأكل فأكلت توفي الزبيدي في ربيع الاول من هذه السنة ودفن قريبا من باب الشام الغربي من بغداد
289 - ملك شاه بن محمود
ابن محمد بن ملك شاه توفي في ربيع الاول باصبهان

سنة
ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيما انه في يوم الجمعة سابع المحرم قطعت خطبة سليمان شاه من المنابر في الجوامع وانتشر في هذه الايام ذكر التسنن والترفض حتى خشيت الفتنة وخرج الوزير يوم الجمعة رابع عشر المحرم بعد الصلاة من المخيم وخرج الخليفة صبيحة السبت وكان ركوبه في الماء وصعوده عند مسناة السور فركب هناك وخرجوا الى الصيد
وفي يوم الثلاثاء تاسع صفر ولي ابن الثقفي قضاء القضاة مكان ابيه واستناب

أخاه في الحكم وخرج التوقيع بازالة المتعيشين الذين يجلسون على الطرقات في رحبة الجامع وغيرها وبنقض الدكاك البارزة في الاسواق التي توجب الازدحام
وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الاول انتقل الوزير ابن هبيرة من الدار التي كان يسكنها بجنب الديوان الى دار ابن صدقة الوزير وحول قاضي القضاة ابن الدامغاني عن الدار التي سكنها بباب العامة فأسكنها الوزير ابنته فانتقل ابن الدامغاني الى مدرسة التتشي
وفي صبيحة السبت رابع ربيع الاول خرج الخليفة الى الصيد وليس معه الا الخواص من الغلمان وعارض الجيش ابن حمدون
وفي ليلة الاربعاء ثاني عشرين ربيع الاول اخرج المتقفي من الدار في الزبزب والسفن حوله بالشمع الكبار والموكبيات وجمع ارباب الدولة معه الى الترب وكان الماء زائدا شديد الجريان فجرى له تخبيط كثير وصلوا الى هناك بعد نصف الليل
وفي يوم السبت ثامن عشر ربيع الاول خرج الوزير من داره على عادته ليمضي الى الديوان والغلمان بين يديه وهموا برد باب المدرسة التي بناها ابن طلحة فمنعهم الفقهاء وضربوهم بالآجر فهم اصحاب الوزير بضربهم وشهروا عليهم السيوف فمنعهم الوزير ومضى الى الديوان ثم ان الفقهاء كتبوا قصة يشكون من غلمان الوزير فوقع عليها بضرب الفقهاء وتأديبهم ونفيهم من الدار فمضى اصحاب استاذ الدار فعاقبوهم هناك ثم ادخلهم الوزير اليه واستحلهم واعطى كل واحد دينارا واعيدوا الى المدرسة بعد أن غلقت اياما واختفى ابو طالب مدرسهم ثم ظهر بعد العفو
وارجف في هذه الايام بأن عسكرا قد تعلق بالبند نيجين من التركمان وان الخليفة يريد أن ينفذ هناك عسكرا يضمهم الى ترشك ويقاتلونهم فخرج جماعة من الامراء في جيش كبير فاجتمعوا بترشك فلما حصل بينهم وثبوا عليه فقتلوه واحتزوا رأسه وبعثوا به في مخلاة وانما احتالوا عليه لانهم دعوه فأبى أن يحضر

واضمر الغدر وقتل مملوكا للخليفة ودعا الوزير أولياء ذلك المقتول وقال ان امير المؤمنين قد اقتص لابيكم من قاتله فشكروا
وفي يوم الاثنين حادي عشر ربيع الآخر فتحت المدرسة التي بناها ابن الشمحل في المأمونية وجلس فيها الشيخ ابو حكيم مدرسا وحضر جماعة من الفقهاء
وفي هذه الايام رخص السعر فبيع اللحم اربعة ارطال بقيراط وكثر البيض فبيع مائة بيضة بقيراط والعسل كل منا بطسوج والخوخ كل عشرة ارطال بحبة وفي جمادى الآخرة جلس ابو الخبر القزويني في جامع القصر وتعصب له الاشاعرة
وفي هذه الايام غلظ على الناس في امر الخراج وردت المقاطعات الى الخراج فانطلقت الألسن باللوم للوزير لأنه كان عن رأيه
وفي رمضان عمل الوزير طبق الافطار على عادته ووصلت الاخبار ان جماعة من العسكر طلبوا العرب لأخذ الاعشار منهم فامتنعت العرب فأخذ العسكر ينهبون اموالهم فعطفوا عليم فقتلوهم واهلك الامراء قيصر وبلال وبهلوان ومن نجا مات عطشا في البرية فكن إماء العرب يخرجن بالماء ليسقين الجرحى فاذا احسن بحي يطلب الماء أجهزن عليه وكثر البكاء على القتلى ببغداد وخرج الوزير وبقية العسكر في طلب العرب
وفي هذه الايام احتدت شوكة علاء الدين ابن الزينبي في امر الحسبة فوكل بالطحانين وأخذ منهم الاموال وعزموا ان يكسروا علائق التعيشين ويبيعونهم علائق من عندهم فمضى الناس واستغاثوا ومضى المجان الى قبر ابن المرخم يخلقونه وكتبوا عليه من رد مجوننا علينا فرفعت يد ابن الزينبي من الحسبة وعاد الوزير من سفره بعد أن انطردت بنو خفاجة
ووقعت حادثة عجيبة لأبي بكر ابن النقور وذلك انه غمز به الى الديوان ان في بيته وديعة فاستدعى فسئل عنها فأنكر وكان معذورا في الانكار لانه لم يعلم بها انما علم بها النسوة من اهله فوكل به ونفذ الى بيته فاخذت الوديعة من عرضي داره

كانت الوف دنانير في مسائن وكان القاضي يحيى وكيل مكة بعثها مع نسائه الى النساء اللواتي في دار ابن النقور فسألنهن ان يعيروهن عرضي الدار فيه رحلا ويغلقن عليه ففعلن فدفن المال فأحست به جارية في البيت فنمت وأهل ليتركوا البيت لا يعلمون وكان المال لبنت المنكوبرس الامير

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
290 - ابراهيم بن دينار
ابو حكيم النهرواني ولد سنة ثمانين واربعمائة سمع من ابن ملة وابن الحصين وغيرهما الحديث الكثير وتفقه على ابي سعيد بن حمزة صاحب ابي الخطاب الكلوذاني وقد رأى ابا الخطاب وسمع منه ايضا وكان عالما بالمذهب والخلاف والفرائض وقرأ عليه خلق كثير ونفع به واعطى المدرسة التي بناها ابن الشمحل بالمأمونية واعدت درسه فبقي نحو شهرين فيها وسلمت بعده الي فجلست فيها للتدريس وله مدرسة بباب الازج كان مقيما بها فلما احتضر اسندها الي وكان يضرب به المثل في التواضع وكان زاهدا عابدا كثير الصوم وقرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض ورأيت بخطه على جزء له رأيت ليلة الجمعة عاشر رجب سنة خمس واربعين وخمسمائة فيما يرى النائم كأن شخصا في وسط داري قائما فقلت من انت فقال الخضر ثم قال ... تأهب للذي لا بد منه ... من الموت الموكل بالعباد ...
ثم على انني اريد أن أقول له هل ذلك قريب فقال قد بقي من عمرك اثنا عشرة سنة تمام سن اصحابك وعمري يومئذ خمس وسبعون فكنت ارتقب صحة هذا ولا افاوضه في ذكره لئلا انعى اليه نفسه فمرض رحمه الله اثنين وعشرين يوما وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان مقتضى حساب منامه ان سمى له سنة فتاولت ذلك فقلت لعلة دخول سنة لا تمامها او لعله رأى في آخر سنة ومات في أول الأخرى او لعلها

من السنين الشمسية ودفن رحمه الله قريبا من بشر الحافي
291 - حمزة بن علي
ابن طلحة ابو الفتوح روى عن ابي القاسم ابن بيان وولي حجبة الباب ثم المخزن وكان قريبا من المسترشد وولي المقتفي وهو على ذلك ثم بنى مدرسة الى جانب داره ثم حج في تلك السنة ولبس القميص الفوط عند الكعبة وعاد متزهدا فأنشده ابو الحسين ابن الخل الشاعر ... يا عضد الاسلام يا من سمت ... الى العلى همته الفاخره ... كانت لك الدنيا فلم ترضها ... ملكا فاخلدت الى الآخرة ...
وانقطع في بيته نحوا من عشرين

سنة
وكان محترما في زمان عز له يغشاه ارباب الدولة وغيرهم وتوفي في هذه السنة ودفن بتربة له في الحربية مقابلة لتربة ابي الحسن القزويني
292 - محمد بن احمد
ابن محمد ابو طاهر الكرخي القاضي ولي قضاء باب الازج وقضاء واسط وقضاء الحريم وقد ولي في زمن خمسة خلفاء المستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد وهو الذي حكم بفسخ ولاية الراشد وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة
293 - ابو جعفر بن المقتفي
توفي يوم الاحد ثاني عشر ربيع الاول ومضى معه الوزير وارباب الدولة الى الترب
سنة
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الحاج وصلوا الى مكة فلم يدخل اكثرهم لفتن جرت وانما دخلت شرذمة يوم العيد فحجوا ورجع الاكثرون الى بلادهم ولم يحجوا

وخرج الخليفة الى الصيد على طريق واسط وادعت امرأة ان ابن النظام الفقيه مدرس النظامية تزوجها بحجة وخلف ثم قرر فأقر فافتضح وعزل من التدريس ووكل به وكان قد عقد بينهما فقيه يقال له الاشتري فأخذ وصفع على باب النوبي
وفي ربيع الآخر ترافق رجل من اهل الحربية وصبي في الطريق فقتله الصبي بسبب شيء من الذهب كان معه ودخل الى الحربية فانذر به وقال قد قتل هنا قتيل فأخذوه وقالوا انت كنت معه فجيء به في الباب فاعترف بالقتل فقتل
وقبض على ابن الشمحل وحبس عند استاذ الدار وقبض على زوجته بنت صاحب المخزن ابن طلحة ونقل ما في داره
وفي جمادى الآخرة وقع حريق عظيم احترق منه سوق الطيوريين والدور التي تليه مقابله الى سوق الصفر الجديد والخان الذي في الرحبة ودكاكين البزوريين وغيرها واحترق فيها رجل شيخ لم يستطع النهوض واحترقت طيور كثيرة وكانت في اقفاص
وفي رجب جلس يوسف الدمشقي في النظامية مدرسا وخلع عليه وحضر عنده جماعة من الاعيان
وفي هذه السنة تكاملت عمارة المدرسة التي بناها الوزير بباب البصرة واقام فيها الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم ابو الحسن البراندسي وفيها اعني المدرسة دفن الوزير وحكى ابو الفرج بن الحسين الحداد قال جرت لابن فضلان الفقيه قصة عجيبة وهو انه اتهم بقتل امرأة فأخذ واعتقل بباب النوبي اياما وذلك انه دخل على اخت له قد خطبت وما تمت عدتها من زوج كان لها فمات فضربها فثارت اليه امرأة كانت عندهم في الدار لتخلصها منه فرفسها برجله ولكمها بيده فوقعت المرأة مغشية عليها ثم خرجت فوقعت في الطريق فأدخلت الى رباط وسئلت عن حالها فأخبرتهم الخبر فحملت الى بيت اهلها فماتت في الحال فكتب اهلها الى الخليفة فتقدم باخذه فانكر فلم يكن لهم بينة فحلف وخرج وهذه القصة اذا صحت فقد وجبت عليه الدية مغلظة في ماله لانه شبه عمد ويجب عليه كفارة

القتل بلا خلاف
وفي رجب جمع الوكلاء والمحضرون والشهود كلهم عند حاجب الباب وشرط عليهم ان لا يتبرطلوا من أحذ ولا يأخذ الشروطي في كتب البراءة اكثر من حبتين ولا المحضر اكثر من حبة ولا الوكيل اكثر من قيراطين واشهدوا عليهم الشهود بذلك وسببه جناية جرت بينهم في تزويج كتاب

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
294 - سعد الله بن محمد
ابن علي بن احمدي ابو البركات سمع ابا الخطاب الكلوذاني وابا عبد الله بن طلحة وابا بكر الشاشي وكان خيرا وسمعت عليه كتاب السنة للالكائي عن الطريثيثي عنه توفي في شعبان هذه السنة ودفن بباب حرب
295 - شجاع الفقيه الحنفي
كان مدرسا في مشهد ابي حنيفة جيد الكلام في النظر قرأ عليه جماعة مذهب ابي حنيفة توفي في يوم الخميس حادي عشرين ذي القعدة من هذه السنة ودفن مما يلي قبر ابي حنيفة من خارج المشهد
296 - صدقة بن وزير الواسطي
دخل بغداد ولبس الصوف ولازم التقشف زائدة في الحد ووعظ وكان يصعد المنبر وليس عليه فرش فأخذ قلوب العوام بثلاثة اشياء احدها التقشف الخارج والثاني التمشعر فانه كان يميل الى مذهب الاشعري والثالث الترفض فانه كان يتكلم في ذلك وبلغني انه لما مرض كان يحضر الطبيب ليلا لئلا يقال عنه يتداوى وكان اذا اتاه فتوح يقول انا لا آخذ انما سلموه الى أصحابي فتم له ما اراد وبنى رباطا واجتمع في رباطه جماعة فمرض ومات يوم الخميس ثامن ذي القعدة وصلى عليه في ميدان داخل السور ودفن في رباطه بقراح القاضي وبنى يزدن في رباطه منارة وتعصب لهم لأجل ما كان يميل اليه من التشيع فصار رباطه

مقصودا بالفتوح وفيه دفن

سنة
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الخميس عشرين المحرم وصلت الاخبار عن الحاج بأمر مزعج من منعهم دخول مكة والطواف لفتنة وقعت هناك وانكشف الأمر بان جماعة من عبيد مكة عاثوا في الحاج فنفر عليهم جماعة من اصحاب أمير الحاج فقتلوا منهم جماعة فرجعوا الى مكة وجمعوا جمعا واغاروا على جمال فأخذوا منها قريبا من الف جمل فنادى أمير الحاج في الاتراك فركبوا وتسلحوا ووقع القتال بينهم فقتل جماعة من اهل العراق واهل مكة وجمع الأمير الحاج ورجع ولم يدخل بهم الى مكة خوفا عليهم فلم يقدروا من الحج الاعلى الوقوف بعرفة ودخل الخادم ومعه الكسوة فعلق ستار الكعبة وبعث امير مكة الى امير الحاج يستعطفه ليرجع فلم يفعل ثم جاء اهل مكة بخرق الدم فضربت لهم الطبول ليعلم انهم اطاعوا
وفي ربيع الاول قبض على صاحب الديوان ابن جعفر وحمل الى دار استاذ الدار ووكل به وجعل ابن حمدون صاحب الديوان
وفي بكرة السبت سابع عشر ربيع الاول خرج الخليفة الى ناحية الخالص وتشارف البلد ورخصت المواشي والاسعار رخصا كثيرا
وفي جمادى الآخرة خلع على ابن الابقي خلع النقابة وذلك بعد وفاة ابيه وفي شعبان بني كشك بالحطمية للخليفة وكشك للوزير وانفق عليهما مال عظيم وخرج الخليفة اليه في شعبان وكان الخليفة والوزير واصحابهما يصلون بجامع الرصافة الجمعة مدة مقامهم في الكشك ووقع حريق عظيم من باب درب فراشة الى مشرعة الصباغين من الجانبين
وفي تاسع عشر ذي القعدة خرج الخليفة متصيدا ومعه ارباب الدولة وعاد عشية الاثنين سابع عشر هذا الشهر وفي عشية الاحد حادي عشر ذي الحجة قبض على

ابن الابقى الذي جعل نقيب النقباء وحمل الى دار استاذ الدار ثم حمل الى التاج مقيدا وذكر ان السبب انه كاتب منكوبرس بحذره من المجيء الى بغداد ويخوفه على نفسه وكانت بنو خفاجة في هذه الايام تأخذ القوافل في باب الحربية وكثر العيث في الاطراف وفوض الى حاجب الباب النظر في محلة باب البصرة فرتب فيها أصحابه وانما كان أمر هذه المحلة الى النقيب وخرج تشرين الاول والثاني بغير مطر الا ما يبل الارض

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
297 - طلحة بن علي
ابو أحمد الزينبي نقيب النقباء تولى النقابة وناب في الوزارة وحضر مجلسي مرارا خرج يوما من الديوان معافى فبات في منزله فمات فذكر انه أكل لبا وارزا وجمارا ودخل الحمام فعرضت له سكتة فتوفي في ليلة الاثنين خامس ربيع الاول وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الشهداء من باب حرب
298 - محمد بن عبد الله
ابو عبد الله بن ابي الفتح البيضاوي القاضي سمع الحديث علي ابن الطيوري وغيره قرأت عليه اشياء من مسموعاته وتوفي في شوال هذه السنة
299 - محمد بن عبد الكريم
ابن ابراهيم بن عبد الكريم ابو عبد الله بن الأنباري الملقب بسديد الدولة كاتب الانشاء كان شيخا مليح الشيبة طريف الصورة فيه فضل وأدب وانفرد بانشاء المكاتبات وبعث رسولا الى سنجر وغيره من السلاطين وخدم الخلفاء والسلاطين من سنة ثلاث وخمسمائة وعمر حتى قارب التسعين ثم توفي يوم الاثنين تاسع عشر رجب وصلى عليه يوم الثلاثاء بجامع القصر وحضر الوزير وغيره من ارباب الدولة ودفن بمشهد باب التبن

300 - هبة الله بن الفضل
ابن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن علي بن احمد بن الفضل ابو القاسم المتوني القطان سمع الحديث من ابيه وابي الفضل بن خيرون وابي طاهر الباقلاوي وكان شاعرا مطبوعا لكنه كان كثير الهجاء متفسحا وله في اول قصيدة ... يا أخي الشرط املك ... لست للثلب اترك ...
ولما ولي ابن المرخم القضاء وكان قاضي ظالما قال ابن الفضل ... يا حزينه الطمي الطمي ... قد ولى ابن المرخم ... بدواته المفضضة ... ووكيله المكعسم ... وي على الشرع والقضا ... وي على كل مسلم ... اترى صاحب الشريعة قد جن أو عمي ...
ومن شعره اللطيف دوبيت ... يا من هجرت فما تبالي ... هل ترجع دولة الوصال ... ما أطمع يا عذاب قلبي ... ان ينعم في هواك بالي ... ما ضرك ان تعلليني ... في الوصل بموعد محال ... اهواك وانت حظ غيري ... يا قاتلتي فما احتيالي ... ايام عناي فيك سود ... ما اشبههن بالليالي ... العذل فيك يزجروني ... عن حبك مالهم ومالي ... يا ملزمي السلو عنها ... الصب انا وانت سالي ... والقول بتركها صواب ... ما احسنه لو استوى لي ... في طاعتها بلا اختياري ... قد صح بعشقها اختبا لي ... طلقت تجلدي ثلاثا ... والصبوة بعد في حبالي ... ذا الحكم علي من قضاه ... من ار خصني لكل غالي ...
توفي ابن الفضل يوم السبت ثامن عشر رمضان ودفن بمقبرة معروف

سنة
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الجمعة حادي عشرين المحرم جيء بصبي صغير مقتولا ومعه صبي آخر فأقر أنه قتله بمنجل كان معه بسبب حلقة اخذها من اذنه فأخذت منه الحلقة وقتل
ودخل كانون الثاني في صفر ولم أر كانونا أدفأ منه وفي يوم الاحد رابع عشر صفر شهر جماعة من الحصريين كتبوا اسماء الائمة الاثني عشر على الحصر شهرهم المحتسب بتقدم الوزير
وفي يوم الاحد خامس ربيع الآخر املك يوسف الدمشقي بابنة قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد الثقفي بصداق مبلغه سبعمائة دينار ولم يكن في هذه السنة للناس ربيع بسبب اليبس المتقدم لعدم المطر موت المواشي
وفي جمادى اجتمع جماعة يسمعون كتاب ابن منده في فضائل احمد بن حنبل في مسجد ابن شافع فجرى بين ابن الخشاب وبين ابي المحسن الدمشقي منازعة في امر يتعلق بالفقهاء فآل الامر الى خصام فوشى بهم الدمشقي الى الخليفة وانهم يقرأون كتابا فيه معايب الخلفاء فتقدم بأخذ الكتاب من أيديهم
وفي شوال عملت دعوة في الدار الجديدة التي بناها المستنجد بباب الغربة وحضر ارباب الدولة ومشايخ الصوفية وبات قوم على السماع
وتقدم بقتل تسعة من اللصوص فأخرجوا من الحبس فقتلوا واحد بباب الازج وآخر بالرحبة وآخر بباب الغلة وآخر باللكافين واربعة على عقد سوق السلطان وواحد بسوق السلطان وشهرت امرأة تزوجت بزوجين ومعها أحدهما
وورد البشير الى المستنجد بفتح مصر فقال حاجب الوزير ابن تركان قصيدة اولها ... لعل حداة العيس ان يتوقفوا ... ليشفي غليلا بالمدامع مدنف

وفيها ... ليهنك يا مولى الانام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف ... ضربت به هام الأعادي بهمة ... تقاصر عنها السمهري المثقف ... بعثت الى شرق البلاد وغربها ... بعوثا من الآراء تحيي وتتلف ... فقامت مقام السيف والسيف قاطر ... ونابت مناب الرمح والرمح يرعف ... وقدت لها جيشا من الروع هائلا ... الى كل قلب من عداتك يزحف ... ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... اليك به خوص الركائب توجف ... اخذت به مصرا وقد حال دونها ... من الشرك ناس في الحي الحق تقذف ... فعادت بحمد الله باسم امامنا ... تتيه على كل البلاد وتشرف ... تملكها من قبضه الكفر يوسف ... وخلصها من عصبة الرفض يوسف ... فشابهه خلقا وخلقا وعفة ... وكل عن الرحمن في الارض يخلف ... كشفت بها عن آل هاشم سبة ... وعارا أبي الا بسيفك يكشف ...
ثم تكامل الأمر بعد سبع سنين على ما نذكره في خلافة المستضيء بامر الله

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
301 - محمد بن علي
ابن منصور ابو جعفر الاصفهاني ويلقب بالجمال الموصلي كان وزيرا لصاحب الموصل فكان كثير المعروف دائم الصدقات واثر اثارة عظيمة بمكة والمدينة فأحكم ابواب الحرم وبنى لها عتبا عالية وأجرى عينا الى عرفات وبنى للمدرسة سورا وكانت صدقته تصل كل سنة الى أهل بغداد فيعم بها الفقهاء والزهاد والمتصوفة ولا يخيب من يقصده بحال الا ان تلك الاموال فيما يذكر اكثرها من المكوس ووصل الخبر بموت الجمال في رمضان هذه السنة وقدر الله له أنه قدم بجنازته الى بغداد وصلى عليه في الشونيزية ثم حملت الى مكة فطيف بها ثم الى المدينة ودفن في الرباط الذي عمره بين قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين البقيع فليس بينه وبين قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم الا اذرع

سنة
ثم دخلت سنة ستين وخمسمائة
فمن الحوداث فيها انه وصل الى بغداد في المحرم صاحب المخزن ابو جعفر وقد فارق الحاج بالرحبة فأخبر أنهم لقوا شدة وأخبر أن جماعة انقطعوا في فيدو الثعلبية وواقصة وهلك خلق كثير في البرية لتعذر الظهر ولم يصح للحاج المضي الى المدينة لهذه الأسباب وللقحط الذي بنا وان الوباء وقع في البادية فهلك منهم خلق كثير وهلكت مواشيهم وان الاسعار بمكة ضيقة جدا وقدم مع الحاج فخر الدين بن المطلب فمنع من دخول الحريم وذكر أن السبب انه طلب موضع له يشتري للخليفة فتكلم بكلام لا يصلح فقبض على عقاراته وغضب عليه فأقام في رباط الزوزني اياما ثم مضى الى الدور مستجيرا بالوزير ليصلح حاله مع الخليفة قال المصنف فحدثني اخو الوزير قال كتب الى الوزير أن أحسن ضيافته ثلاثا ثم آمره أن يخرج ففعلت فخرج فأقام بمشهد علي عليه السلام
وفي صفر خرج المستنجد بالله الى نهر الملك للتصيد وقبض في طريقه على توبة البدوي ويقال له واطأ عسكر همذان على الخروج والعصيان وكان ضاربا بحلته على الفرات وقيد وادخل بغداد في الليل وحبس ثم ذكر انه قتل وكان الناس يشيرون الى بعض الاكابر أنه اشار بالقبض عليه وبقتله فما عاش ذلك المشار اليه بعده أكثر من اربعة أشهر
وفي عيد الاضحى ولدت امرأة من درب بهروز يقال لها بنت ابي الاعز الاهوازي الجوهري اربع بنات وماتت معها بنت اخرى وماتت المرأة ولم يسمع بمثل هذا وحكى ابو الفرج بن الحسين الحداد أن ابن البراج وكان ناظرا في وقف النظامية وكان ابن الزميلي مشرفا عليه والمدرس يوسف الدمشقي فاتفق ابن البراج وابن الزميلي على أن يكتبا كتابا على لسان ألدكز الى يوسف الدمشقي يتضمن انه من بطانتهم وانه يشعرهم بما يتجدد في بغداد من الامور

وأن يشكره على ما يصل اليهم منه وعولا على ان يدخلا على يوسف الى بيته ويسلما عليه ويضعا الكتاب عند مسنده بحيث لا يشعر ثم يخرجا من فورهما الى الديوان فيعلما الوزير بذلك فانفرد ابن الزميلي على ابن البراج ودخل الى حاجب الباب فاعلمه بذلك فمضى حاجب الباب الى الوزير فحدثه فاستدعى ابن الزميلي فسئل عن ذلك فانكر فاكذبه حاجب الباب واستخف به فقال ابن الرميلي ابن البراج هو الذي يريد أن يفعل ذلك فاستدعي ابن البراج فأنكر واحال على ابن الرميلي وحلف بالطلاق الثلاث انه ما عنده خبر من هذا وقذف ابن الرميلي بالفسق واستبا جميعا فقال لهما الوزير قوما قبحكما الله فخرجا مفتضحين ونجا يوسف
وعملت الدعوة في دار الخلافة يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة وحضر ارباب الدولة والصوفية على عادتهم وخلع عليهم وفرق عليهم مال وفي رجب نقص اليزدي عن مشاهرته التي كانت بسبب التدريس بجامع السلطان وكان مبلغها عشرة دنانير فكتب اقوام يقولون نحن نقنع بثلاثة فقيل لهم هو احق بهذا فقنع بذلك ودرس ورضي بذلك القدر
وتوفي الوزير فقبض على ولديه واخذ حاجبه ابن تركان فحبس في دار استاذ الدار وقدم رجل مغربي فنصب جذعا طويلا ووقف على رأسه يعالج فحاكاه صبي عجان وسافر العجان البلاد فقدم وقد اكتسب الاموال والجواري والخدم فنصب جذعين طويلين شد احدهما الى الآخر وصعد ورقص على كرة معه بحبال وحمل جرة ماء على رأسه ولبس سراويله هناك ورمى نفسه واستقبلها بحبل مشدود فحصل له مبلغ

وفي ذي القعدة وقع الحريق في السوق الجديد من درب فراشة الى مشرعة الصباغين من الجانبين فذهب في ساعة حتى لم يبق للخشب الذي في الحيطان أثر
وفي ذي الحجة وقع حريق في الحضائر والدور التي تليها وتفاقم الأمر ورخص السكر في هذه السنة والنبات فكان ينادي على السكر قيراط وحبة رطل وعلى النبات نصف رطل بقيراط وحبة وهذا شيء لم يعهد

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
302 - عمر بن بهليقا الطحان
عمر جامع العقبة بالجانب الغربي وكان مسجدا لطيفا فاشترى ما حوله واوسعه وسمت همته حتى استأذن ان يجعله جامعا فاذن له الا ان اكثر المواضع التي اشتراها كانت تربا فيها موتى فأخرجوا وبيعت وكان المسجد الاول مما يلي الباب والمنارة وتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن على باب الجامع بعيدا من حائطه ثم نبش بعد ايام واخرج فدفن ملاصقا لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنه بني الجامع فتعجب من هذا بعض من له فطنة وقال هذا رجل سعى في نبش خلق من الموتى واخرجهم وجعل تربتهم مسجدا فقضى عليه بأ نبش بعد دفنه
303 - محمد بن عبد الله
ابن العباس بن عبد الحميد ابو عبد الله الحراني ولد في سنة اربع وثمانين واربعمائة وشهد عند ابي الحسن الدامغاني في سنة اربع وخمسمائة زكاه ابو سعد المخرمي وابو الخطاب الكلوذاني وعاش حتى لم يبق من شهود الدامغاني غيره وسمع الحديث الكثير من طراد والتميمي وابي الحسن بن عبد الرزاق الانصاري وكان لطيفا ظريفا وجمع كتابا سماه روضة الادباء فيه نتف حسنة وسمعت منه اشياء ولي منه اجازة وزرته يوما فاطلت الجلوس عنده فقلت قد ثقلت فانشدني ... لان سميت ابراما وثقلا ... زيارات رفعت بهن قدري ... فما ابرمت الا حبل ودي ... ولا ثقلت الا ظهر شكري

توفي ابن الحراني يوم السبت ثالث عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وتقدم الوزير بفتح الجامع للصلاة عليه في بكرة الاحد فصلى عليه يوم الاحد ودفن بمقبرة الفيل من باب الازج
304 - محمد بن محمد
ابن الحسين ابو يعلى ابن الفراء ولد سنة اربع وتسعين واربعمائة وسمع الحديث من ابيه وعمه وابن الحصين وغيرهم وتفقه على والده وافتى ودرس وكان له ذكاء وفهم جيد وتولى القضاء بباب الازج وبواسط ثم اشهد قاضي القضاة ابو الحسن ابن الدامغاني على نفسه ببغداد أنه قد عزله عن القضاء فذكر عنه انه لم يلتفت الى العزل ثم خاف من حكمه بعد العزل فتشفع بابن ابي الخير صاحب البطيحة الى الخليفة حتى امنه فقدم بعد احدى عشرة سنة وقد ذهب بصرة فلازم بيته فلما مرض طلب ان يدفن في دكة احمد بن حنبل قال لي عبد المغيث بعث بي الى الوزير فقال في الدكة جدي لامي فانكر الوزير هذا وقال كيف تنبش عظام الموتى فتوفي ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند آبائه بمقبرة احمد
305 - مرجان الخادم
كان يقرأ القرآن ويعرف شيئا من مذهب الشافعي وتعصب على الحنابلة فوق الحد حتى ان الحطيم الذي كان برسم الوزير ابن هبيرة بمكة يصلي فيه ابن الطباخ الحنبلي مضى مرجان وازاله من غير تقدم بغضا للقوم وناصبني دون الكل وبلغني انه كان يقول مقصودي قلع هذا المذهب فلما مات الوزير ابن هبيرة سعى بي الى الخليفة وقال عنده كتب من كتب الوزير فقال الخليفة هذا محال فان فلانا كان عنده احد عشر دينارا لابي حكيم وكان حشريا فما فعل فيها شيئا حتى طالعنا فنصرني الله عليه ودفع شره ولقد حدثني سعد الله البصري وكان رجلا صالحا وكان مرجان حينئذ في عافية قال رأيت مرجان في المنام ومعه اثنان قد أخذا بيده فقلت الى اين قالا الى النار قلت لماذا قالا كان يبغض ابن الجوزي ولما قويت عصبيته لجأت الى الله سبحانه ليكفيني شره فما مضت إلا

ايام حتى أخذه السل فمات يوم الاربعاء حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بالترب
306 - يحيى بن محمد
ابو المظفر ابن هبيرة الوزير ولد سنة تسع وتسعين واربعمائة وقرأ بالقراآت وسمع الحديث الكثير وكانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض وتفقه وصنف في تلك العلوم وكان متشددا في اتباع السنة وسير السلف ثم امضه الفقر فتعرض للعمل فجعله المقتفي مشرفا في المخزن ثم رقاه الى ان صيره صاحب الديوان ثم استوزره فكان يجتهد في اتباع الصواب ويحذر الظلم ولا يلبس الحرير وقال لي لما رجع من الحلة وكان قد خرج لدفع بعض البغاة دخلت على المقتفي فسلمت فقال ادخل هذا البيت فدخلت فغذا خادم وفراش ومعه خلعة حرير فقلت أنا والله ما ألبس هذا فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت صوت المقتفي قدو الله قلت انه ما يلبس وكان المقتفي معجبا به يقول ما وزر لبني العباس مثله وكان المستنجد معجبا به وقد ذكرنا انه لما ولى المستنجد بالله دخل عليه فقال له يكفي في اخلاصي اني ما حابيتك في زمن ابيك فقال صدقت وقال مرجان الخادم سمعت المستنجد ينشد وزيره ابا المظفر ابن هبيرة وقد مثل بين يدي السدة الشريفة في اثناء مفاوضة ترجع الى تقرير قواعد الدين واصلاح أمر المسلمين وانشده لنفسه مادحا له ... صفت نعمتان خصتاك وعمتا ... فذكر هما حتى القيامة ينشر ... وجودك والدنيا اليك فقيرة ... وجودك والمعروف في الناس ينكر ... فلو رام يا يحيى مكانك جعفر ... ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر ... ولم ار من ينوي لك السوء يا ابا المظفر ... الا كنت انت المظفر ...
وكان الوزير مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة قامعا للمخالفين بانواع الحيل حتى حسم امور السلاطين السلجوقية ولما جلس في الديوان في اول وزارته احضر رجلان من غلمان الديوان فقال دخلت يوما الى هذا الديوان فقعدت في مكان

فجاء هذا فقال قم فليس هذا موضعك فاقامني فاكرمه واعطاه ودخل عليه يوما تركي فقال لحاجبه أما قلت لك اعط هذا عشرين دينارا او كرا من الطعام وقل له لا يحضر هاهنا فقال قد اعطيناه فقال عد وأعطه وقل له لا تحضر ثم التفت الى الجماعة فقال لا شك انكم ترومون سبب هذا فقالوا نعم فقال هذا كان شحنة في القرى فقتل قتيل قريبا من قريتنا فأخذ مشايخ القرى فأخذني مع الجماعة وامشاني مع الفرس وبالغ في أذاي واوثقني ثم أخذ من كل واحد شيئا وأطلقه ثم قال لي ايش بيدك فقلت ما معي شيء فانتهرني وقال اذهب وانا لا اريد اليوم اذاه وابغض رؤيته وكان آخر قد آذاه في ذلك الزمان وضربه فلما ولي الوزارة احضره واكرمه وولاه وكان يتحدث بنعم الله عليه ويذكر في منصبه شدة فقره القديم فيقول نزلت يوما الى دجلة وليس معي رغيف اعبر به وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء وكانت امواله مبذولة لهم وللتدبير فكانت السنة تدور وعليه ديون وقال ما وجبت علي زكاة قط وكان اذا استفاد شيئا قال افادنيه فلان حتى انه عرض له يوما حديث وهو من فاته حزبه بالليل فصلاه قبل الزوال كان كأنه صلاة بالليل فقال ما ادري ما معنى هذا فقلت له هذا ظاهر في اللغة والفقه اما اللغة فان العرب تقول كنت الليلة الى وقت الزوال واما الفقه فان ابا حنيفة يصحح الصوم بنية قبل الزوال فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل فاعجبه هذا القول وكان يقول بين الجمع الكثير ما كنت اعرف ما معنى هذا الحديث حتى عرفنيه فلان فكنت استحيي من الجماعة وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة يحضره ويطلق العوام في الحضور وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره فاعجبه فقال لزوجته اني أريد ان ازوجه ابنتي فغضبت الام ومنعت من ذلك وكان يقرأ عنده الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الرجل يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار انت أما ترى الكل يخالفونك وانت مصر فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة جرى مني

بالامس مالا يليق بالأدب حتى قلت له تلك الكلمة فليقل لي كما قلت له فما أنا الا كأحدكم فضج الخلق بالبكاء وأخذ ذلك الفقيه يعتذر ويقول انا اولى بالاعتذار والوزير يقول القصاص القصاص فقال يوسف الدمشقي يا مولانا اذا أبى القصاص فالفداء فقال الوزير له حكمه فقال الرجل نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي قال لا بد قال على بقية دين مائة دينار فقال تعطى مائة دينار لابراء ذمته ومائة لابراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي وكان الوزير يتأسف على ماضي زمانه عن تندم ما دخل فيه وقال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل الف رطل فحدثت نفسي ان أقيم في ذلك المسجد وقلت لأخي محب الدين نقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم انظر الى ماذا صرت ثم صار يسأل الله الشهادة ويتعرض بأسبابها كان الوزير صحيحا ليس به قلبة في يوم السبت ثاني عشر جمادى الاولى من هذه السنة نام ليلة الاحد في عافية فلما كان وقت السحر قاء فحضر طبيب كان يخدمه يقال له ابن رشادة فسقاه شيئا فيقال انه سمه فمات وسقى الطبيب بعده بنحو ستة أشهر سما فكان يقول سقيت كما سقيت فمات قال المصنف رحمه الله وكنت ليلة موت الوزير نائما بين جماعة من أصحابي على ظهر سطح فرأيت في المنام مع انشقاق الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس فدخل رجل بيده حربة فضرب بها بين انثييه فخرج الدم كالفوارة فضرب الحائط فالتفت فاذا خاتم ذهب ملقى فأخذته بيدي وقلت لمن أعطيه أنتظر خادما يخرج فأسلمه اليه فانتبهت فأخبرت من كان معي فما استتممت الحديث حتى جاء رجل فقال مات الوزير فقال من معي هذا محال انا فارقته أمس العصر وهو في كل عافية فجاء آخر وآخر فصح الحديث ونفذ الى من داره فحضرت فقال لي ولده لا بد أن تغسله فغسلته ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه فسقط الخاتم من يده فحيث رأيت الخاتم تعجبت من ذلك ورأيت في وقت غسله آثارا بوجهه وجسده تدل على أنه مسموم وحملت جنازته يوم الاحد الى جامع القصر فصلى عليه ثم حمل الى

مدرسته التي بناها بباب البصرة فدفن بها وغلقت يومئذ اسواق بغداد وخرج جمع لم نره لمخلوق قط في الاسواق وعلى السطوح وشاطئ دجلة وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر ويظهره من العدل وقيل في حقه مراث كثيرة فمنها قول نصر البحتري ... ألمم على جدث حوى ... تاج الملوك وقل سلام ... واعقر سويداء الضمير فليس يقنعني السوام ... فاذا ارتوت تلك الجنا ... دل من دموعك والرغام ... فأقم صدور اليعملا ... ت فبعد يحيى لا مقام ... ذهب الذي كانت تقيدني مواهبه الجسام ... فاذا نظرت اليه لم ... يخطر على قلبي الشآم ... غاض الندى الفياض عن ... راجيه واشتد الاوام ... وتفرقت تلك الجمو ... ع وقوضت تلك الخيام ... عجبا لمن يغتر بال ... دنيا وليس لها دوام ... عقبى مسرتها الأسى ... وعقيب صحتها السقام ... ما مت وحدك يوم مت وانما مات الأنام ... بابي لي الإحسان ان ... أنساك والشيم الكرام ... سنة 561
ثم دخلت سنة احدى وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الاربعاء ثالث المحرم عاد الخليفة من الكشك الى الدار وأخذ الناس يرجفون لاجل عجلة هذا المجيء فقال قوم قد وصل اهل الموصل الى دقوقا وقال قوم بل عسكر من قبل الماهكي وحكى بعض الجند أنهم ما ناموا تلك الليلة لخبر جاءهم به انسان تركماني وارادوا الدخول ليلا فأشير عليهم ان لا يفعلوا لئلا ينزعج الناس وظهر في هذه الايام من الروافض امر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم وكانوا في الكرخ اذا رأوا مكحول العين ضربوه

ورفع على قيماز انه قد اخذ من مال الحلة مالا كثيرا فأدى عشرين الفا واخذت المدرسة التي بناها ابن الشمحل فاحرز فيها غلة وقلعت القبلة منها
وفي هذه السنة جاء الحاج على غير الطريق خوفا من العرب لكنهم لقوا شدة ورخصت الاسعار في ربيع الاول فحدثني بعض جيراننا انه اشترى كارة دقيق باثني عشر قيراطا قال واشتريتها في زمن المسترشد باثني عشر دينارا
وفي رابع ربيع الآخر خرج الخليفة الى الكشك وصلى يوم الجمعة في جامع المهدي وظهر في هذه الايام بين العوام الشتم والسب بسبب القرآن وكان ابن المشاط بعد في بغداد وكان يجلس في الجامع فيقال له آلم كلام الله فيقول لا فقيل له التين والزيتون فقال التين في الريحانيين والزيتون يباع في الاسواق
وفي ربيع الآخر هرب عز الدين محمد بن الوزير بن هبيرة وكان محبوسا ونصب سلما وصعد عليه في جماعة فغلقت ابواب دار الخليفة ونودي عليه في الاسواق وان من اطلعنا عليه فله كذا ومن اخفاه ابيح ماله فجاء رجل بدوي فأخبرهم انه في جامع بهليقا وكان ذلك البدوي صديقا للوزير فاطلعه هذا الصبي على حاله فضمن له ان يهرب به فلما اخذ ضرب ضربا وجيعا واعيد الى السجن ثم رمى في مطمورة وحدثني بعض الاتراك وكان محبوسا عندهم انهم صاحوا بابن الوزير من المطمورة فتعلق بحبل وصعد فمدوه وجلس واحد على رجليه وآخر

على رأسه وخنق بحبل ومنع القصاص كلهم من القصص في أواخر جمادى الآخرة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
307 - الحسن بن العباس
ابن ابي الطيب بن رستم ابو عبد الله الاصبهاني قال عبد الله الحياني الشيخ الصالح ما رأيت احدا اكثر بكاء من الحسن الاصبهاني قال وسمعت محمد بن سالار احد اصحابه يقول سمعت شيخي ابا عبد الله ابن الرستمي يقول وقفت على ابن ماشاذة وهو يتكلم على الناس فلما كان الليلة رأيت رب العزة في المنام وهو يقول يا حسن وقفت على مبتدع ونظرت اليه وسمعت كلامه لأحرمنك النظر في الدنيا فاستيقظت كما ترى قال عبد الله الحياني فكانت عيناه مفتوحتين وهو لا يبصر بهما توفي في صفر هذه السنة باصبهان
308 - عبد القادر
ابن ابي صالح ابو محمد الجيلي ولد سنة سبعين واربعمائة ودخل بغداد فسمع من ابي بكر احمد بن المظفر بن السوسن التمار وابي القاسم علي بن احمد بن بيان الرزاز وابي طالب بن يوسف وتفقه على ابي سعد المخرمي وكان ابو سعد قد بنى مدرسة لطيفة بباب الأزج ففوضت الى عبد القادر فتكلم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيت بالزهد وكان له سمت وصمت فضاقت مدرسته بالناس فكان يجلس عند سور بغداد مستندا الى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير فعمرت المدرسة ووسعت وتعصب في ذلك العوام واقام في مدرسته يدرس ويعظ الى ان توفي ليلة السبت ثامن ربيع الآخر ودفن في الليلة بمدرسته وقد بلغ تسعين سنة
309 - ابو الفضال بن شقران
كان في مبتدأ امره يتلمذ على ابي العز الواعظ ثم صار فقيها بالنظامية وصار معيدا وعظ واخذ ينصر مذهب الأشعري ويبالغ فتقدم الوزير بمنعه فحط

عن المنبر يوم جلوسه ثم ترك الوعظ واقام برباط بهروز مدة وغلبت عليه الرطوبة فمات بعد مرض طويل في يوم السبت خامس صفر هذه السنة ودفن بمقبرة دبر الخبازين

سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع الارجاف بمجيء شملة التركماني الى قلعة الماهكي وبعث يطلب ويقتطع فامتنع الخليفة ان يعطيه ما طلب من البلاد وبعث الخليفة اكثر عسكر بغداد الى حربه ونفذ اليه يوسف الدمشقي في رجاله وجاء ثم عاد فتوفي يوسف هناك وارجف الناس بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الأسعار ثم عادوا فقالوا ليس لهذا الارجاف اصل
ووصل صاحب المخزن الى بغداد من مكة وجاء رخص الزاد وكثرة الماء وانهم نقضوا القبة التي بنيت بالمدينة للمصريين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشر صفر اخرج ابن الوزير الكبير المسمى شرف الدين من محبسه ميتا فدفن عند أبيه بباب البصرة
وفي سابع رجب عملت الدعوة في دار الخليفة وفرقت الاموال

وفي يوم الخميس ثاني عشر رجب جاء رجال ونساء من الجانب الغربي من الحريم الى نهر معلى فاستعاروا حليا للعرس فاعيروا فنزلوا في سميرية ليمضوا الى الحريم فلما وصلت السفينة الى الجناح عند دار السلطان انكفأت بهم فغرقوا وتلف ما معهم وفي هذا اليوم هبت ريح شديدة قصفت النخل والشجر ورمت الاخصاص وتبعها مطر وبرد كثير ووقع بهذه الريح حائط من دار بيت القهرمانة في الجانب الغربي مما يلي الحريم فظهر بين الآجر سطيحة فيها تسعة ارطال ذهبا فاخذها الذي وجدها واعلم بها المخزن فأخذت منه وذكر أن هذا الذهب خبأه ابن القهرمانة لأولاده واعلم به غلاما له وقال قد تركت في هذا الحائط ذهبا لأولادي فلا تعلمهم به الا ان يحتاجوا اليه فلما مات أخبرهم به الغلام وزعم انه قد شذ منه الموضع فضربوه فمات
وفي هذه السنة تزوج امير المؤمنين ابنة عمه ابي نصر بن المستظهر بالله واجتمع بها في ايام الدعوة التي تختص بالصوفية
وفي يوم السبت عاشر شوال عبر اهل بغداد الى الجانب الغربي نحو الظاهرية يتفرجون في صيد السمك لأن الماء زاد في الفرات حتى فاض الى تلك الاجمة ولها نيف وثلاثون سنة لم ينعقد فيما سمك وانما صارت مزارع فكثر سمكها وفي هذه السنة عاد ضمانها حتى كان يباع ثلاثة ارطال او اربعة ارطال بحبة

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
310 - علي بن ابي سعد
ابن ابراهيم ابو الحسن الخباز الأزجي سمع الحديث الكثير وحصل الاصول وحدث وتوفي يوم الاربعاء عاشر شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة احمد
311 - محمد بن الحسن
ابن محمد علي بن حمدون ابو المعالي الكاتب كانت له فصاحة وولي ديوان الزمام مدة وصنف كتابا سماه التذكرة وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن

بمقابر قريش

سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الحاج وصلوا الى العراق سالمين فخرجت عليهم بنو خفاجة في طريق الحلة فقطعوا قطعة من الحاج فأخذوا أموالهم وقتلوا جماعة وحكى الناس ان التجار لم يبيعوا شيئا بمكة على عادتهم لان حاج مصر لم يأتوا لاشتغالهم بما حدث عندهم من القتال بمضي نور الدين وشيركوه
وفي رابع صفر وصل ابن البلدي من واسط فتلقاه الموكب وفيهم قاضي القضاة وحاجب الباب والحجاب بالسواد فخرج قيماز لتلقيه قبل ذلك بيوم ولما قرب من موازاة التاج عبر استاذ الدار فتلقاه فنزل في السفن وصعد باب الحجرة وخلع عليه خلعة سنية حسنة وقلد سيفا وجعل في ركابه سيف وخرج راكبا من باب الحجرة الى الديوان فجلس هناك الى اصفرار الشمس ونهض الوزير الى الدار التي كان فيها ابن هبيرة بباب العامة وخرج التشرينان بغير مطر وكثر الموت وفي صبيحة الاثنين وقع وفر الى ان طبق الارض الى قريب نصف الليل وفي هذه السنة بيع الورد مائة رطل بقيراط وحبة
وفيها مات قاضي القضاة جعفر بن الثقفي وبقيت بغداد ثلاثة وعشرين يوما بلا قاض في ربع من الارباع ولا قاضي قضاة حتى ولى روح ابن الحديثي القضاء

يوم الخميس رابع عشر رجب
وفي شعبان جلس المحتسب بباب بدر على ما حرت به العادة فأخذ جماعة من المتعيشين ثم أمر بتأديب احدهم فرجم المحتسب بالآجر الى ان كاد يهلك واختفى ولم يجسر أن يركب حتى نفذ الى حاجب الباب فبعث اليه المستخدمين فمشوا معه الى بيته واخذ أولئك الطوافون فعوقبوا وحبسوا

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
312 - احمد بن عبد الغني
ابن محمد بن حنيفة ابو المعالي سمع ابا سعد بن حشيش وابن النظر وثابت بن بندار وغيرهم وكان ثقة وتوفي في رمضان هذه السنة
313 - احمد بن عمر
ابن الحسين بن خلف ابو العباس القطيعي سمع الحديث وتفقه على القاضي ابي يعلى وناظر ووعظ وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن بالحلبة

314 - احمد بن المقرب
ابن الحسين ابو بكر الكرخي ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة روى عن طراد وابن النظر وغيرهما وكان ثقة توفي في ذي الحجة من هذه السنة
315 - جعفر بن عبد الواحد
ابو البركات الثقفي ولد في محرم سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع الحديث من ابي القاسم الحريري وولي قضاء القضاة بعد ابيه وكان ابوه قد اقام في القضاء اشهرا ثم مات فدفن بدار بدرب بهروز فلما مات الولد اخرجا فدفنا عند رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور وكان سبب موت هذا الولد انه طولب بمال خرجه عليه رجل من اهل الكوفة فضاق صدره واشرف على بيع عقاره وكلمه الوزير ابن البلدي بكلمات خشنة فقام الدم ومات
316 - سعد بن محمد
ابن طاهر ابو الحسن المقرئ ولد سنة ست وثمانين واربعمائة وسمع من ابي القاسم ابن بيان وغيره وكان يسمع معنا على ابن القاسم الحريري وغيره ويقرأ القرآن فبينا هو جالس في مسجده يقرأ مال فوقع ميتا وذلك في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة العقبة من الجانب الغربي
317 - عبد الكريم بن محمد
ابن منصور ابو سعد السمعاني دخل الى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وسمع معنا على المشايخ وسافر في طلب الحديث وذيل على تاريخ بغداد وكان قد كتب شجاع الذهلي من التذييل شيئا وكتب ابو الفضل بن خيرون وفيات المشايخ فجمع هو ذلك وتلقف من اشياخنا كعبد الوهاب ومحمد بن ناصر ومن بقي من الاشياخ ما يصلح ان يذكر من زمن الخطيب الى زمانه الا انه كان يتعصب على مذهب احمد ويبالغ فذكر من اصحابنا جماعة وطعن فيهم بما لا يوجب الطعن

مثل ان قال عن عبد القادر كان يلقى الدرس المشستكة وانما كان الرجل مريض العين وقال عن ابن ناصر كان يحب الطعن في الناس وهذا وقد اخذ اكثر كتابه عنه واحتج بقوله في الجرح والتعديل فقد ازرى بما قال على نفسه في كل ما اورده عنه من جرح او تعديل وما كان ينبغي ان يحتج به في شيء ثم قد كان يلزمه ان يقول طعن في فلان وليس بموضع الطعن واي شغل للمحدث غير الجرح والتعديل فمن عد ذلك طعنا مذموما فما اعرف العلم فشفي ابو سعد غيظه بما لا معنى فيه في كتابه فلم يرزق نشره لسوء قصده فتوفي وما بلغ الامل ولو أن متتبعا يتبع ما في كتابه من الأغاليط والانساب المختلطة ووفاة قوم هم في الاحياء لأخرج اشياء كثيرة غير أن الزمان اشرف من أن يضيع في مثل هذا وهذا الرجل كانت له مشقعة عجيبة فانه كان يأخذ الشيخ البغدادي فيجلس معه فوق نهر عيسى ويقول حدثني فلان من وراء النهار ويجلس معه في رقة بغداد ويقول حدثني فلان بالرقة في اشياء من هذا الفن لا تخفى على المحدثين وكان فيه سوء فهم وكان يقول في ترجمة الرجل حسن القامة وليست هذه عبارة المحدثين في المدح وقال في عجوز يقرأ عليها الحديث وهي من بيت المحدثين ابوها محدث وزوجها محدث وقد بلغت سبعين او زادت فقال كانت عفيفة وهذا ليس بكلام من يدري كيف الجرح والتعديل وذكر في ترجمة ابن الصيفي الشاعر فقال المجان ببغداد يقولون هو الحيص بيص وله اخت اسمها دخل وخرج ومثل هذا لا يذكره عاقل ولا نرى التطويل بمثل هذه القبائح توفي ابن السمعاني ببلده في هذه السنة ووصل الخبر بذلك
318 - عبد القاهر بن عبد الله
ابن محمد بن عمويه ابو النجيب السهروردي كان يذكر أنه من اولاد محمد بن ابي بكر الصديق ويقول مولدي تقريبا في سنة تسعين سمع الحديث وتفقه ودرس بالنظامية وبنى لنفسه مدرسة ورباطا ووعظ مدة وكان متصوفا وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمدرسته

محمد بن عبد الحميد
ابن الحسن ابو الفتح الرازي المعروف بالعلاء العالم من اهل سمرقند كان فقيها فاضلا ومناظرا من الفحول وصنف التعليقة المعروفة بالعالمي ودخل بغداد وحضر مجلسي للوعظ قال ابو سعد السمعاني كان مدمنا للخمر على ما سمعت فكان يقول ليس في الدنيا راحة الا في شيئين كتاب أطالعه اوباطية من الخمر اشرب منها قال المصنف ثم سمعت عنه انه تنسك وترك المناظرة واشتغل بالخير الى ان توفي
320 - هبة الله بن ابي عبد الله بن كامل
ابن حبيش ابو علي قرأ القرآن وتفقه على ابن القاضي وسمع الحديث على شيخنا ابي بكر ابن عبد الباقي وتقدم في رباط بدر زيجان على جماعة من الصوفية وكان من اهل الدين توفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة احمد قريبا من بشر الحافي
321 - يوسف الدمشقي الكبير
تفقه على اسعد المهيني وبرع في المناظرة ودرس في النظامية وغيرها وكان متعصبا في مذهب الاشعري وبعث رسولا نحو خوزستان الى شملة التركماني فمات هناك في شوال هذه السنة

سنة
ثم دخلت سنة اربع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان بعض غلمان الخليفة واقع العيارين بالدجيل وقتل كثيرا منهم وجاء برؤوسهم واخذ قائدهم
وفي صفر جلس ابن الشاشي للتدريس بالمدرسة التتشية على شاطئ دجلة بباب الازج التي كانت بيد يوسف الدمشقي وحضر عنده جماعة من ارباب المناصب وفي هذا اليوم صلب تسعة أنفس وقطعت يد العاشر وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الاول رئي في صحن دار السلام بدار الخليفة رجل غريب قائم في

طريق الخليفة الذي يركب فيه ومعه سكين صغيرة في يده وأخرى كبيرة معلقة في زنده فاستنطقوه فقال انا من حلب فحبس وعوقب البواب
وفي سابع عشر ربيع الآخر فوض الى ابي جعفر ابن الصباغ نيابة التدريس في النظامية واعتقل تاج الدين اخو استاذ الدار
وفي جمادى الآخرة مات حاجب الباب ابن الصاحب وتولى ولده حجبة الباب وفي يوم الجمعة عاشر شعبان دخل قوم من العيارين الى دار بعض التجار عند سوق العطر فلم يجدوا في الدار الا مملوكا فسألوه عن المال فقال لا علم لي فقتلوه وفتشوا الدار فلم يجدوا فيها شيئا وخرجوا ولم يحظوا الا بقتل الغلام
وفي ليلة النصف من شعبان اتفقت حادثة عجيبة وهو أن انسانا كان قائما عند دكان عطار بشارع دار الدقيق فجاء نفاط يلعب بقارورة النفط فخرجت من يده بغير اختياره فأهلكت ما في الدكان كله وتعلقت بثياب ذلك الرجل القائم هناك الى ان نزع ثيابه انسلخ جلده من عنقه الى مشد سراويله وأخذ النفاط فحبس وجرت فتنة فتخلص النفاط
وفي سادس عشرين شعبان خرج الوزير الى الحلة لينظر الى البلاد ويتعرف احوالها
وفي رمضان قبض على يزدن وتتامش وسلما الى قيماز وضيق على قيماز واخذ منه على ما حكى ثلاثون الف دينار جمع فيها مراكبه وآنية داره وانكسر كسرة عظيمة

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
322 - ازهر بن عبد الوهاب
ابن احمد بن حمزة ابو جعفر السماك سمع من مشايخنا ابن الحصين والحريري وابي بكر بن عبد الباقي وعبد الوهاب وكان ثقة وفيه فضل وادب وتوفي في محرم هذه السنة

323 - سعد الله بن نصر
ابن سعيد الدجاجي ابو الحسن ولد في رجب سنة ثمانين واربعمائة وسمع ابوي الخطاب محفوظ بن احمد وعلي بن عبد الرحمن ابن الجراح وتفقه وناظر ووعظ وكان لطيف الكلام حلو الايراد ملازما للمطالعة الى أن مات
انبأنا سعد الله بن نصر قال كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل فاختفيت فرأيت في المنام كأني في غرفة أكتب شيئا فجاء رجل فوقف بازائي وقال اكتب ما املي عليك وأنشد ... ادفع بصبرك حادث الايام ... وترج لطف الواحد العلام ... لا تأيسن وان تضايق كربها ... ورمالك ريب صروفها بسهام ... فله تعالى بين ذلك فرجة ... تخفى على الابصار والاوهام ... كم من نجا من بين اطراف القنا ... وفريسة سلمت من الضرغام ...
وسئل في مجلس وعظه وانا اسمع عن اخبار الصفات فنهى عن التعرض بها وامر بالتسليم لها وأنشد ... أبي الغائب الغضبان يا نفس ان يرضى ... وانت التي صيرت طاعته فرضا ... فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وان هم بالهجران خدك والأرضا ...
توفي في شعبان من هذه السنة ودفن الى جانب رباط الزوزني في ارضاء الصوفية لأنه اقام عندهم مدة حياته فبقي على هذا خمسة ايام وما زال الحنابلة يلومون ولده على هذا ويقولون مثل هذا الرجل الحنبلي أي شيء يصنع عند الصوفية فنبشه بعد خمسة ايام بالليل وقال كان قد اوصى ان يدفن عند والديه ودفنه عندهما
324 - ابو طالب بن المستظهر بالله
توفي في رمضان وحمل الى الترب في الماء وكان من المشايخ المتقدمين في الدار وكان له بر ومعروف

325 - محمد بن عبد الباقي
ابن محمد بن سلمان المعروف بابن البطي ولد

سنة
سبع وسبعين وسمع مالك بن علي البانياسي وحمد بن احمد الحداد وابن النظر والتميمي وغيرهم وكان سماعه صحيحا سمعنا منه الكثير كان يحب اهل الخير ويشتهي ان يقرأ عليه الحديث وتوفي يوم الخميس سابع عشرين جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز
326 - محمد بن المبارك
ابن الحسين بن اسمعيل ابو بكر ابن الحصري ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القرآن وسمع الحديث من الرقي وابي عبد الله ابن البناء وابي بكر بن عبد الباقي وغيرهم وتفقه على ابي يعلى وناظر وولي القضاء بقرية عبد الله من واسط توفي في رجب هذه السنة ببغداد فجاءه ودفن بالزرادين وكان عمره اربع وخمسين سنة
327 - محمد الفارقي
كان يتكلم على الناس قاعدا وربما قام على قدميه في دار سيف الدولة من الجامع وكان يقال انه كان يحفظ كتاب نهج البلاغة ويغير الفاظه وكانت له كلمات حسان في الجملة توفي في يوم الجمعة حادي عشر رجب هذه السنة وصلى عليه وقت صلاة الجمعة
328 - معمر بن عبد الواحد
ابن رجاء ابو احمد الاصفهاني كان من الحفاظ الوعاظ وله معرفة حسنة بالحديث وكان يخرج ويملي سمعت منه الحديث في الروضة بالمدينة وكان يروي عن أصحاب ابي نعيم الحافظ وتوفي بالبادية ذاهبا الى الحج في ذي القعدة من هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في ثالث صفر فوض الى اليزدي تدريس مشهد ابي حنيفة

فمضى ومعه حاجب من الديوان فدرس هناك
وفي ثامن صفر عبر العيارون من الجانب الغربي الى الشرقي الى الحاج وقد تحصنوا بالبيوت داخل البلد فأخذوا اموالهم وانحدروا في السفن يضربون الطبل ولم يطلبوهم ثم وقع منهم اقوام فظهر عليهم شيء يسير
وفي ربيع الاول جاء المكيون بخرق البحر والهدايا كما جرت العادة والطبول بين ايديهم وكان معهم ثلاثة افراس وبغلة وانطع من الأدم ومضوا الى الديوان
وفي ربيع الآخر خرج الخليفة الى الصيد
وفي جمادى الاولى وقعت حادثة عظيمة للنصارى تعدى ضررها الى المسلمين وذلك انه خطب ابن مخلد النصراني الى ابن التلميذ ابنته فامتنع ابن التلميذ والتجأ ابن مخلد الى الجاه واخذ من غلمان الباب والفراشين جماعة فأحضر الجاثليق واستاذ الدار البنت فأذنت فعقدوا عليها وحملوها الى ابن مخلد فشكا ابن التلميذ الى الخليفة فأخذ ابن مخلد وعوقب مائة خشبة وفرق بينه وبين الزوجة ووكل بالجاثليق بالديوان واخرج من كاتب حكيم من الديوان لانه كان مع القوم وضرب صاحب الخبر في الباب ضربا عجيبا لانه قصر في العقوبة وحطت مرتبة حاجب الباب عن منزلته وجعل نائبا لا يجلس على مخدة ولا بين يديه دواة وفوضت العلامة في الكتب الى ابن البراج فلا تشهد الشهود الا في كتاب فيه علامته
وفي ذي القعدة وردت الاخبار بوقوع زلازل كثيرة بالشام وقع منها نصف حلب ويقال هلك من اهلها ثمانون الفا

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
329 - احمد بن صالح
ابن شافع ابو الفضل الجيلي ولد سنة عشرين وخمسمائة وقرأ القرآن وسمع الحديث

من ابي علي ابن البناء وابي عبد الله ابن السلال والارموي ويحيى بن ثابت وابي الوقت وغيرهم وقرأ على ابن ناصر معظم حديثه وشهد وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن على ابيه في دكة الامام احمد
330 - احمد بن عمر
ابن محمد بن لبيدة ابو العباس الأزجي قرأ القرآن وسمع من ابن الحصين وابن خيرون والقزاز وابن السلال وغيرهم وكان فيه خير خرج الى مكة فتوفي في الطريق ودفن بزبالة في هذه السنة
331 - الحسين بن محمد
ابو المظفر ابن السيبي عامل قوسان حبس مديدة ثم قطعت يده ورجله وحمل الىالمارس فتوفي في محرم هذه السنة وكان أديبا لطيفا له شعر حسن ومما قال من الشعر يتشوق أهله ... سلام على اهلي وصحبي وجلاسي ... ومن في فؤادي ذكرهم راسب راسي ... أحبة قلبي قل صبري عنكم ... وزاد بكم وجدي وحزني ووسواسي ... اعالج فيكم كل هم ولا أرى ... لداء همومي غير رؤيتكم آسي ... خذوا الواكف المدرار من فيض ادمعي ... وحر لهيب النار من كرب أنفاسي ... لقد ابدت الايام لي كل شدة ... تشيب لها الاكباد فضلا عن الراس ... اقول لقلبي والهموم تنوشه ... وقد حدثته النفس بالصبر والياس ... وكيف اصطباري عنكم وتجلدي ... على فقدكم ويلي على قلبي القاسي ... ومن لي بطيف منكم أن يزورني ... على الليلة الليلاء في جنح ديماس ...
332 - طاووس ام المستنجد
توفيت في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان وحملت الى الترب بالرصافة وكان

الوزير واستاذ الدار قائمين وارباب الدولة في السفن قياما الى ان حملت

سنة
ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع حريق عظيم في درب المطبخ ثم في سويقة خرابة ابن جردة ثم ارجف على الخليفة بالمرض لانه انقطع عن الركوب ثم ركب وتصدق بالخبز والبقر وعملت دعوة في دار البدرية وخلعت الخلع وضربت الطبول للبشارة بسلامته وجاءت خرق البحر مع المكيين على عادتهم وبين يديها الطبول والهدايا ثم مرض المستنجد بالله فلما اشتد مرضه كان الاتراك يحفظون البلد اياما ثم توفي ففتحت الحبوس واخرج من فيها وما زالت الحمرة الكثيرة عند مرض المستنجد ترمي ضوءها على الحيطان مثل شعاع الشمس
باب ذكر خلافة المستضيء بالله
واسمه الحسن بن يوسف المستنجد بالله ويكنى ابا محمد وامه أرمنية تدعى غضة

ولد في سادس شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ولم يتول الخلافة من اسمه الحسن ويكنى ابا محمد الا الحسن بن علي وهو فقد اشتركا في الاسم والكنية والكرم كان له من الولد ابو العباس احمد وهو الذي تولى الخلافة بعده وابو منصور هاشم بويع المستضيء بأمر الله يوم توفي المستنجد البيعة الخاصة بايعه اهل بيته وبعث الى الوزير ابن البلدي ان احضر البيعة فلما دخل دار الخلافة وكان في ولايته قد قطع أنف امرأة ويد رجل بجناية جرب منهما وكان ذلك بتقدم فسلم الى اولياء القوم فقطعوا أنفه ثم يده ثم ضرب بالسيوف وألفى في دجلة وتولى ذلك استاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ثم جلس المستضيء يأمر الله بكرة الاحد تاسع ربيع الآخر في التاج فبايعه الناس وصلى في التاج يومئذ على المستنجد ونودي برفع المكوس وردت مظالم كثيرة واظهر من العدل والكرم مالم نره من أعمارنا واستوزر استاذ الدار وجلس لعزاء المستنجد ثلاثة ايام وتكلمت في تلك الايام في بيت النوبة ثم اذن للوعاظ في الوعظ بعد أن كانوا قد منعوا مدة وفرق الامام المستضيء بأمر الله مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والاربطة وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع وخلع على ارباب الدولة والقضاة والجند وجماعة من العلماء وحكى خياط المخزن انه فصل الفا وثلثمائة قباء ابريسم وخطب له على منابر بغداد يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولى روح بن احمد الحديثي قضاء القضاة يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر وولي يومئذ ابو المحاسن عمر بن علي الدمشقي الحكم بنهر معلى وولي ابن الشاشي النظامية فمضى الدعاة بين يديه
وفي هذا الشهر عزل ابن شبيب مشرف المخزن وولي مكانه ابو بكر ابن العطار وجعل ابن شبيب وكيلا بباب الحجرة وولي من الامراء المماليك نحو سبعة عشر اميرا وقدم فخر الدولة ابن المطلب الى بغداد وكان مقيما بمشهد علي عليه السلام وردت عليه املاكه وولي ابن البخاري الديوان وكسف القمر ليلة النصف من جمادى الاولى وهذا اعجب لان عادته الانكساف ليلة

النصف في ليلة الرابع عشر
وفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الاولى خلع على الوزير الخلع التامة ومشى بين يديه قيماز وقاضي القضاة وغيرهما وفي يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر جلس الوزير في داره للهناء وانشد الحيص بيص ... اقول وقد تولى الامر خير ... ولي لم يزل برا تقيا ... وقد كشف الظلام بمستضيء ... غدا بالخلق كلهم حفيا ... وفاض الجود والمعروف حتى ... حسبناه حبايا اوأ تيا ... بلغنا فوق ما كنا نرجي ... هنيئا يا بني الدنيا هنيا ... سألنا الله يرزقنا إماما ... نسربه فأعطانا نبيا ...
وقال ايضا ... يا أمام الهدى علوت عن الجو ... دبمال وفضة ونضار ... فوهبت الاعمار والأمن والبلدان في ساعة مضت من نهار ... فبماذا اثنى عليك وقدحا ... وزت فضل البحور والامطار ... انما أنت معجز مستمر ... خارق للعقول والأفكار ... جمت نفسك الشريفة بين الباس والجود بين ماء ونار ...
واحتجب الخليفة عن اكثر الناس فلم يركب الا مع الخدم ولم يدخل اليه غير قيماز وجلس الوزير في الديوان يوم الجمعة واجلس عن يمينه ابن الشاشي وكان العادة ان اليمين لأصحاب ابي حنيفة فأخذ المكان منهم واستشهد في جمادى الآخرة ابنا ابن المنصوري الخطيب
وقبض في يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة على احمد الفوي وابنه وسعد الشرابي واخذت مدرسة كانت للحنفية وقد كانت قديما للشافعية وهي بالموضع المسمى بباب المدرسة على الشط وقد حضرت فيها مناظرة يوسف الدمشقي وبيده كانت وآل امرها الى أن سلمت الى محمد البروي فدرس فيها وحضر قاضي القضاة وشيخ الشيوخ وحاجب الباب ومدرس النظامية وابن

سديد الدولة كاتب الانشاء
وشرع في نقص الكشك الذي عمله المستنجد ليعمل بآلته مسناة للسور فتراجف الناس بمجيء العسكر فاحتدت سوق الطعام
وفي رجب ولي ابن ناصر العلوي التدريس بمدرسة السلطان التي كان فيها اليزدي فحضر درسه قاضي القضاة وغيره
وفي يوم السبت رابع عشرين الشهر ولي الامير السيد العلوي التدريس بجامع السلطان مكان اليزدي
وفي هذه الايام وهي امر ابي بكر ابن العطار والسبب انه كان ينافس صاحب المخزن فانقطع عن المخزن وقيل انه اخذت الوكالة منه
وفي غرة شعبان بعث يزدن مع جماعة من العسكر الى واسط ليردوا ابن سنكا عن البلاد وفي ثامنه نقضت الدور التي اشتراها قيماز ليعملها دارا كبيرة وكان من جملتها دار ابن الطيبي وكانت بعيدة المثل قد غرم عليها الوف فأعطى منها الفا وكذلك اخذ ما حولها من الدور المثمنة بثمن بخس واخرج اهلها وتشتتوا
وجرى في سابع شعبان بين اهل المأمونية وباب الازج فتنة بسبب السباع انتهبت فيها سويقة البزازين
وفي عشية الاثنين ثامن عشرين شعبان نقل تابوت الخليفة من الدار الى الترب وفي نصف رمضان هبت ريح عظيمة ورعدت السماء بقعقعة لم يسمع بمثلها فخر الناس على وجوههم وكان للوزير طبق جميل طول الشهر وكان الذي يحضر فيه من الخبز كل ليلة الف رطل واربعمائة رطل حلاوة سكر وفرق امير المؤمنين مصاحف كانت في الدار على جماعة فبعث الي مصحفا مليح الخط كثير الاذهاب وفي سلخ شوال جلس امير المؤمنين للرسل الذين جاؤا من همذان وغيرها فبايعوه

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
333 - ابو طاهر بن البرني الواعظ
تعلم الوعظ من شيخنا ابي الحسن الزاغوني وسمع الحديث وكان يعظ وتوفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة احمد
334 - النفيس بن صعوة
قرأ القرآن وتفقه على الشيخ ابي الفتح ابن المنى وناظر ووعظ ثم احتضر في شبابه فتوفي في يوم الثلاثاء تاسع شوال وصلى عليه بجامع السلطان ودفن عند مقبرة أحمد
335 - ابو نصر بن المستظهر
عم المستنجد وحموه لان المستنجد تزوج ابنته ولم يبق من اولاد المستظر غيره وكان يذكر عنه الخير وصلى عليه صبيحة الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة بصحن السلام وحمل الى الترب ومعه الوزير وارباب الدولة الا انهم كانوا جلوسا
336 - يوسف المستنجد بالله
ابن المقتفي لأمر الله توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الآخر من
سنة
ست وستين وخمسمائة وحضرت الصلاة يوم الاحد قبل الظهر في التاج ودفن في الدار وبلغ من العمر ثمانيا واربعين سنة وكانت ولايته احد عشر سنة وشهرا
سنة
ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في المحرم اعطى ابو منصور ابن المعلم مدرسة السلطان محمود التي كان فيها اليزدي واستناب فيها ابا الفتح ابن الزنى وحضر جماعة من الفقهاء فافتتح التدريس بأن قال قالت طائفة من الاصوليين بأن الله ليس بموجود فنفر الحاضرون من هذا وذكر مسألة من الفروع خلافية للشافعي فلم يذكر

الشافعي فوصل الخبر الى الوزير فاحضره وامر بأن يحضر بوقة السواد وحمار ليشهر في البلد وقال ما وجدت في العلوم الا هذا فسأل فيه ابن المعلم فأفرج عنه
ووصل يوم السبت ثاني عشرين المحرم ابن ابي عصرون رسولا يبشر بأن الخليفة خطب له بمصر وضرب السكة باسمه وعلقت اسواق بغداد وعملت القباب وخلع على الرسول وانكمد الروافض وكانت مصر يخطب لهم بها الى هذا الاوان فكان مدة مملكة بني عبيد لها وانقطاع خطبة خطبة بني العباس الى ان اعيدت مائتي سنة وثماني سنين قال المصنفوقد صنفت كتابا في هذا النصر على مصر وعرضته على الامام المستضيء بأمر الله امير المؤمنين
وفي ربيع الاول خرج الخادم صندل ومعه القاضي الدمشقي صحبة ابن ابي عصرون برسالة الى نور الدين بالشام
وفي هذه الايام فتح قيماز بابا من داره التي بدار الخليفة الى السوق مما يلي دكاكين الاساكفة ونصب عليه بابا من حديد فأنكر ابو بكر ابن العطار صاحب المخزن ذلك وحسن للخليفة التقدم بسده فتقدم بذلك
وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الاولى جعل للشيخ ابي الفتح ابن المنى حلقة في الجامع فجلس فيها ولم يبن فيها دكة
وفي صبيحة الثلاثاء العشرين من جمادى الاولى اصبحت الدنيا شديدة البرد وسقط الوفر على الناس نهارا الى وقت الظهر الا انه كان خفيفا
وفي يوم الاربعاء غرة رمضان تكلمت في مجلسي بالحلبة فتاب على يدي نحو من مائتي رجل وقطعت شعور مائة وعشرين منهم وقدم في هذه الايام محمد الطوسي الواعظ وفي رأسه حلق مشدودة وطوق وحواليه جماعة بسيوف فمضى الى الوزير فأنكر عليه ذلك ومنع من حمل السلاح معه
وفي يوم الاحد عاشر شوال دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من الخليفة يذكر انه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل ازاره وقيامه من مسنده ففعل ذلك وقبض على ولده استاذ الدار وافرج عن سعد

الشرابي وأعيد عليه ما كان أخذ منه وفي صبيحة الثلاثاء نهبت دار الوزير ودار ولده فأخذ منها الكثير وفي ثاني عشر شوال استنيب صاحب المخزن ابن جعفر في الوزارة
وفي سابع عشر شوال وقع حريق عظيم في السوق الجديد من درب حديد الى قريب من عقد الجديد احترقت فيه الدكاكين من الجانبين
وفيه فوض الى ابن المعلم مدارس الحنفية يرتب فيها من يشاء
وفي سادس عشرين دي الحجة وصلت رسل ملك البحرين وكيش بهدايا فيها الواح صندل وآبنوس وطيب وناب فيل

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
337 - عبد الله بن احمد
ابن احمد بن احمد ابو محمد الخشاب قرأ القرآن وسمع الحديث الكثير وقرأ منه مالا يحصى وقرأ النحو واللغة وانتهى علمها اليه ومرض في شعبان هذه السنة نحو عشرين يوما فدخلت عليه في مرضه وقد يئس من نفسه فقال لي عند الله أحتسب نفسي وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان وصلى عليه بباب جامع المنصور يوم السبت ودفن بمقبرة احمد قريبا من بشر وحدثني عبد الله الحياني العبد الصالح قال رأيته في النوم بعد موته بايام ووجهه منير مضيء فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي قلت وادخلك الجنة قال وادخلني الجنة الا انه اعرض عني

قلت اعرض عنك قال نعم وعن جماعة من العلماء تركوا العمل
338 - محمد بن محمد
ابن محمد ابو المظفر البروي تفقه على محمد بن يحيى وناظر ووعظ وقدم بغداد فجلس للوعظ في اول ولاية المستضيء واظهر مذهب الأشعري وتعصب على الحنابلة وبالغ فأخذه قيام الدم في رمضان هذه السنة في يوم وتوفي ودفن في تربة ابي اسحاق الشيرازي
339 - ناصر الخويي
كان متصوفا مقامه بمحلة التوثة ثم انتقل فأقام بجامع المنصور وكان يمشي في طلب الحديث حافيا وتوفي فصلى عليه بجامع المنصور ودفن في التوثة

سنة
ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها اني عقدت المجلس يوم عاشوراء بجامع المنصور فحضر من الجمع ما حزر بمائة الف
وفي صفر جرت حادثة عجيبة وهو أن خادما سلم الى غلام له مائة وخمسين دينارا ومضى الى الحمام فأخذ الغلام المال وانحدر في الحال الى النعمانية فلما

خرج الخادم لم ير الغلام فأخذ معه غلاما تركيا من أصحاب قيماز وانحدر فوجد الغلام فأخذه وأخذ الغلام وقيده وتركه معه في السفينة ليصعد به الى بغداد ثم ان الخادم نام فسأل الغلام التركي ان يحل يديه من القيد لما يلقى من الالم فحله التركي فزحف وقتل الخادم وغلاما كان معه فنهض اليه التركي فقتله ثم جاء بالمال فتسلمه أصحاب التركات
وفي هذا الشهر قدمت خرق البحر مع المكيين كما جرت العادة
وفي هذه الايام زاد الارجاف بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الاسعار وأخذ الخليفة في التجنيد وعمارة السور وجمع الغلات وعرض العسكر
وفي هذه الايام شرع في ختان السادة وفرقت خلع كثيرة وعمل من المطاعم مالا يحد فذكر انه ذبح ثلاثة آلاف دجاجة والف رأس من الغنم وعملت احدى وعشرون الف خشكنا نكة من ستين كارة سميذا وشرع في عمارة دواليب على الشط قريبا من التاج فأحكمت
وفي ربيع الآخر درس ابن فضلان في المدرسة التي عملها فخر الدولة ابن المطلب عند عقد المأمونية وبنيت له دكة في جامع القصر
وفي جمادى الاولى جاء برد لم يسمع بمثله وكان ذلك في كانون الاول حتى جمدت مياه الابار واستمر ذلك الى نصف كانون الثاني
ومن الحوادث ان بعض الامراء سأل الخليفة ان يأذن لابي الخير القزويني في الوعظ بباب بدر ليسمعه امير المؤمنين واراد أن يخص بهذا دون غيره فتكلم هناك يوم الخميس غرة رجب فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب تقدم لي بالجلوس هناك واعطيت مالا واخذ الناس اماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر وكانت ثم دكاك فاكتريت حتى ان الرجل كان يكتري موضع نفسه بقيراطين وثلاثة وكنت اتكلم اسبوعا والقزويني اسبوعا الى آخر رمضان وجمعى عظيم وعنده عدد يسير ثم شاع أن امير المؤمنين لا يحضر الا مجلسي

وزادت دجلة في اوائل شعبان ثم تربى الماء فيها فلما كان يوم الاثنين عاشر شعبان عظمت الزيادة فاسكرت المحال ووصل الماء الى قبر الامام احمد ودخل مدرسة ابي حنيفة ودب من الحيطان الى النظامية والى رباط ابي سعد الصوفي واشغل الناس بالعمل في القورج وتقدم من الديوان الى الوعاظ بالخروج مع العوام ليعمل الناس كلهم ثم من الله بنقص الماء في مفتتح رمضان
ووقع الحريق من باب درب بهروز الى باب جامع القصر ومن الجانب الآخر من حجرة النخاس الى دار الخليفة وتغير ماء دجلة باصفرار وثخن الماء فبقي على هذا مدة
وفي شعبان مرت ريح سوداء أظلمت الدنيا فتقدم الي بالجلوس بباب بدر يوم عرفة فحضر الناس من وقت الضحى وكان الحر شديدا والناس صيام وكان من أعجب ما جرى ان حمالا حمل على رأسه دار نوبة من قبل الظهر الى وقت العصر ظلل بها من الشمس عشرة أنفس فأعطوه خمسة قراريط واشتريت مراوح كثيرة بضعفي ثمنها وصاح رجل يومئذ قد سرق الآن مني مائة دينار في هذه الزحمة فوقع له امير المؤمنين بمائة دينار
وفي ذي الحجة عزل نقيب النقباء ابن الابقى وولي مكانه ابن الزوال

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
340 - احمد بن سالم
ابن احمد ابو العباس الشحمي قرأ القرآن وأقرأ وصنف كتابا في المتشابه كبيرا وسمع من المزرفي وغيره وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة الفيل من باب الازج
341 - ابو المعالي الكتبي
كان فاضلا يقول الشعر المليح والنثر الجيد وله رسائل ومدائح وكان من الذكاء على غاية وكان هو دلال بغداد في الكتب فاعترضه مرض فمات في صفر

هذه السنة ودفن بمقبرة احمد
342 - ابو الفتح ابن الزنى
كان متفقها على مذهب ابي حنيفة وكان عاملا على ديوان المقاطعات فتوفي في غرة ذي الحجة من هذه السنة ودفن بباب أبرز وكان له امرأة يهودية وابن اخ مسلم فكتب جميع ماله لليهودية وترك ابن اخيه المسلم فاجتلب من الناس ذما كثيرا
343 - يزدن التركي
كان من كبار الامراء وتحكم في هذه الدولة وتجرد للتعصب في المذهب فانتشر بسببه الرفض وتأذى اهل السنة فمرض أياما بقيام الدم وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في داره بباب العامة ثم نقل الى مقابر قريش

سنة
ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع حريق بالظفرية في ليلة الاربعاء ثالث المحرم فاحترقت مواضع كثيرة وما زالت النار تعمل الى الفجر
وفي يوم الجمعة جلست في جامع المنصور فحزر الجمع بمائة الف وتكلم يومئذ محمد الطوسي في التاجية وكان فيما قال ان ابن الملجم لم يكفر بقتل علي عليه السلام فهاج الناس عليه ورموه بالآجر وخرج من المجلس والاتراك يحفظونه فلما كان في يوم مجلسه بالتاجية فرش له فاجتمع الناس في الصحراء متاهبين لرجمه وجاؤا بقوارير النفط فلم يحضر ومزق فرشه قطعا وتقدم اليه ان لا يجلس ولا يخرج من رباطه وما زال اهل البلد على حنق عليه ثم منع الوعاظ كلهم من الوعظ في يوم الاثنين حادي عشرين المحرم ثم بعث الى النائب في الديوان فقال قد تقدم الى ان اتخيز ثلاثة انت ورجل من الشافعية ورجل من الحنفية وذلك في سادس صفر فتكلمنا ثم اطلق الوعاظ واحدا بعد واحد

ورأينا في هذه السنة الحر في تموز وآب ما لم نره في أعمارنا وكان الحاج حينئذ في سفر الحجاز فاخبروا لما قدموا انهم كانوا يتأذون بالبرد وتغير الهواء ببغداد بدخول ايلول فاصاب الناس نزلات وسعال فقل ان ترى احدا الا وبه ذلك وانما كان العادة ان يصيب بعض الناسي وهذا كان عاما
وفي ربيع الاول وقعت صاعقة في نخلة بالجانب الغربي فاشتعلت النخلة
وسألني اهل الحربية ان اعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الاول فانقلبت بغداد وعبر اهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت الى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب فتلقاني اهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت اهل الحربية قد اقبلوا بشموع لا يمكن احصاؤها فأضيفت الى شموع اهل باب البصرة فحزرت بالف شمعة فما رأيت البرية الا مملوأة ضوءا وخرج اهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلاثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو قيل ان الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلثمائة الف ما أبعد القائل
وفي بيع الاول وقع الامير ابو العباس ابن الخليفة من قبة عالية الى أرض التاج وأوجب ذلك وهنا في البدن وسلمه الله سبحانه
وفي هذا الشهر ختن الوزير ابن رئيس الرؤساء اولاده وعمل الدعوة العظيمة وانفذ الى اشياء كثيرة وقال هذا نصيبك لأني علمت انك لا تحضر في مكان يغنى فيه
وفي ربيع الآخر جرت مشاجرة بين الطوسي وبين نقيب النقباء فقال الطوسي انا نائب النقابة وانا نائب الله في ارضه فاستخف به النقيب وقال انما نائب الله في ارضه الامام صلوات الله عليه فرفع ذلك فأمر باخراجه من البلد فأخرج يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر فسئل فيه فأقام بالجانب الغربي مديدة ثم

سئل فيه فدخل الحريم ثم سئل فيه فأعيد الى المجلس وكان المتعصب له ريحان الخادم
وفي جمادى الآخرة اعتقل المحيي الفقيه في الديوان اياما وكان قد سعى به انه يرى رأي الدهرية ولا يصلي ولا يصوم وتعصب له قوم فتركوه فأخرج
وفي رجب وصل ابن الهروي رسولا من نور الدين بتحف كثيرة وفيها ثياب من ثياب المصريين وحمار مخطط كأن جلده الثوب العتابي
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرين رجب عزل ابن الشاشي من التدريس بالنظامية وولى مكانه ابو الخير القزويني
وورد بغداد في شعبان هذه السنة بأن ابن اخي شملة التركماني ويعرف بابن سنكا قد استحدث قلعة في ولاية باذرايا بقرب من قلعة الماهكي ليتخذها ذريعة الى الاغارة على البلاد ونقل اليها الميرة فبعث السلطان اليه الجيوش فالتقوا فحمل بنفسه عليهم فطحن الميمنة فتقدم قيماز العميدي الى الامراء فحثهم على خوض الماء وكان قد فتح البثوق يحتج بها فخاض قيماز ومعه جماعة فغرقوا ثم اقتتلوا وأسر ابن سنكا ثم قتل وجيء برأسه فعلق بباب النوبي وهدمت القلعة ثم جاء رسول شملة ومعه حمل يبذل الطاعة ويعتذر مما جرى فلم يلتفت اليه
وفي غرة رمضان زادت دجلة زيادة كثيرة ثم تفاقم الامر في سابع رمضان وجاء مطر كثير في ليلة الجمعة ثامن رمضان ووقع في قرى حول الحظيرة وفي الحظيرة بردمارأ وامثله فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملة من المواشي وحدثني بعض الثقات انهم وزنوا بردة فكان فيها سبعة ارطال قال وكانت عامته كالنارنج يكسر الاغصان وساخت الدور ثم زاد الماء في يوم الاحد عاشر رمضان فزاد على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بذراع وكسر وخرج الناس وضربوا الخيم على تلال الصحراء ونقلوا رحالهم الى دار الخليفة ومنهم من عبر وتقدم بالعوام يخرجوا بالوعاظ الى القورج ليعملوا فيه فخرجنا وقد انفتح موضع فوق القورج بقرية يقال لها الزورتقية وجاء الماء من قبله فتداركه

الناس فسدوه وبات عليهم الجند وتولى العمل الامير قيماز بنفسه وحده ثم انفتح يومئذ بعد العصر فتحة من جانب دار السلطان وساح الماء فملأ الجواد ثم سد بعد جهد وبات الناس على اليأس يضجون بالبكاء والدعاء ثم نص الماء نحو ذراعين فسكن الناس وغلا السعر في تلك الايام فبيع الشوك كل باقة بحبة والخبز الخشكار كل خمسة ارطال بقيراط ودخل نزيز الماء من الحيطان فملأ النظامية والتتشية ومدرسة أبي النجيب وقيصر وجميع الشاطئات ثم وصل النزيز الى رباط ابي سعد الصوفي فهدمت فيه مواضع والى درب السلسلة ومن هذه المواضع ما وقع جميعه ومنه ما تضعضع وكثر نزيز الماء في دار الخلافة وامتلأت السراديب فكان الخليفة يخرج من باب الفردوس الى ناحية الديوان فيمضي الى الجامع ونبع الماء من البدرية فهلكت كلها وغلقت ابوابها ونبع في دار البساسيري ودرب الشعير من البلاليع وانهدمت دور كثيرة حتى انه نفذ الى المواضع البعيدة فوقعت آدرفي المأمونية وصعد الماء الى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فوقعت دوره ودخل الماء الى المارستان وعلا فيه ورمى عدة شبابيك من شبابيكه الحديد فكانت السفن تدخل من الشبابيك الى ارض المارستان ولم يبق فيه من يقوم بمصلحته الا المشرف على الحوائج فحكى انه جمع اقطاعا من الساج فشدها كالطوق وترك عليها ما يحتاج من الطعام والشراب حتى الزيت والمقدحة ورقي المرض الى السطح وبعث بالممرورين الى سقاية الراضي بجامع المنصور وامتلأت مقبرة احمد كلها ولم يسلم منها الا موضع قبر بشر الحافي لأنه على نشز وكان من يرى مقبرة احمد بعد ايام يدهش كأن القبور قد قلبت وجمع الماء كالتل العظيم من العظام وكالتل من الواح القبور واسكرت الحربية والمشهد ووقع اكثر سور المشهد ونبع من داخله الماء فرمى الدور والترب ووقعت آدر بالحربية من النزيز وامتلأ الماء من دجلة الى سور دار القز وكان الناس ينزلون في السفن من شارع دار الدقيق ومن الحربية ومن درب الشعير وامتلأت مقبرة باب الشام ووقع المشهد الذي على باب النصرية ووصل الماء من الصراة

الى باب الكرخ وكان الناس قد وطئوا التلال العالية وهلكت قرى كثيرة ومزارع لا تحصى
وخرجت يوم الجمعة خامس عشرين رمضان الى خارج السور فاذا قد نصب لخطيب جامع السلطان منبر في سوق الدواب يصلى بالناس هناك لامتلاء جامع السلطان بالماء وجاء يوم الخميس حادي عشرين رمضان بعد الظهر برد كبار ودام زمانا كسر اشياء كثيرة وتوالت الامطار في رمضان والرعود والبروق
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين رمضان جعل مسجد التوثة جامعا وأذن في صلاة الجمعة فيه فأقيمت فيه يومئذ ثم عاد الماء في يوم السبت ثالث عشرين رمضان الى الزيادة الاولى على غفلة ثم زاد عليها وجاء يومئذ مطر عظيم وانفتح القورج والفتحة التي في اصل دار السلطان وغلب الماء فامتلأت الصحراء وضرب الى باب السور وضربوا الخيم على التلال العالية كتل الزبابية وتل الجعفرية وقعد الناس ينتظرون دخول الماء الى البلد وعم الماء السبتي والخيزرانية واسكر اهل ابي حنيفة فجاءهم الماء من خلف المحلة فنجوا باطفالهم وعم المحلة وجامع المهدي فوقعت فيه اذرع ونبع الماء من دار الخليفة من مواضع وهدم فيها دور كثيرة وملأ السراديب وانتقل جماعة من الخدم الى دور في الحريم وامتلأت الصحاري وعبر خلق كثير الى الكرخ وتقطر السور وانفتحت فيه فتحات وكان الناس يعالجون الفتحة فاذا سدوها انفتحت اخرى وكثر الضجيج والدعاء والابتهال الى الله سبحانه وغلا الخبز وفقد الشوك واخذ اصحاب السلطان يقاوون القورج ويجتهدون في سده واقاموا القنا وفي اسافله الحديد في الماء ونقلوا حطبا زائدا عن الحد والماء يغلبهم الى ان سده سكار حاذق في سابع شوال واسكر جانب السور لئلا يتمقطر واقام الماء خلف السور نحوا من شهر ونصب على الخندق الذي خلف السور جسر يعبر الناس عليه من القرى الى بغداد

وجاءت في هذه الايام اكلاك من الموصل فتاهت في الماء حتى بيع ما عليها ببعقوبا بثمن طفيف واخبر اهلها بما تهدم من المنازل بالأمطار في الموصل وقالوا اتصلت عندنا الامطار اربعة اشهر فهدمت نحو الفي دار وكانوا يهدمون الدار اذا خيف وقوعها فهدموا اكثر مما هدم المطر وكانت الدار تقع على ساكنيها فيهلك الكل ثم زادت الفرات زيادة كثيرة وفاضت على سكر عندها يقال له سكر قنين وجاء الماء فأهلك من القرى والمزارع الكثير ثم جاء الى الجانب الغربي من نهر عيسى والصراة واسكر اهل دار القز واهل العتابيين وباب البصرة والكرخ وباتوا مدة على التلال يحفظون المحال وقد انبسط الماء فراسخ ومر خلف المحال فقلب في الخندق والصراة ونهر عيسى ورمى قطعة من قنطرة باب البصرة ومن العجائب ان هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارعه بالعطش ووقع الموتان في الغنم وكان ما يؤتى به سليما يكون مطعونا حتى بيع الحمل بقيراط ومرض الناس من اكلها ثم غلت الفواكه فبيع كل منا من التفاح بنصف دانق وكذلك الكمثرى والخوخ حتى غلا الطين الذي يؤخذ من المقالع وبلغ الآجر كل الف بثلاثة دنانير ونصف
وتوفي في هذه السنة محمود بن زنكي فتجدد بعد موته اختلاف بحلب بين السنة والشيعة فقتل من الطائفتين خلق ونهب ظاهر البلد فذهب خمسة آلاف خركاه وبيت من التركمان

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
344 - احمد بن علي
ابن المعمر بن محمد بن عبيد الله ابو عبد الله الحسيني نقيب العلويين وكان يلقب بالطاهر سمع الحديث الكثير وقرئ عليه وكان حسن الاخلاق جميل المعاشرة يتبرأ من الرافضة توفي ليلة الخميس العشرين من جمادى الآخرة ودفن بداره من الحريم الطاهري مدة ثم نقل الى مشهد الصبيان بالمدائن ولما توفي ولي مكانه ولده

345 - الحسن بن احمد
ابن الحسن بن احمد بن محمد العطاء ابو العلاء الهمذاني سافر الكثير في طلب العلم وقرأ القرآن واللغة وقدم بغداد فاكثر من السماع وحصل الكتب الكثيرة وعاد الى بلده همذان فاستوطنها وكان له بها القبول والمكانة وصنف وكان حافظا متقنا مرضي الطريقة سخيا وانتهت اليه القراآت والتحديث وتوفي ليلة الخميس عاشر جمادى الآخرة من هذه السنة وقد جاوز الثمانين بأربعة اشهر وايام قال المصنف وبلغني انه رئي في المنام في مدينة جميع جدرانها من الكتب وحوله كتب لا تحد وهو مشتغل بمطالعتها فقيل له ما هذه الكتب قال سالت الله ان يشغلني بما كنت اشتغل به في الدنيا فأعطاني ورأى له شخص آخر ان يدين خرجتا من محراب مسجد فقال ما هذه اليدان فقيل هذه يدا آدم بسطها ليعانق ابا العلاء الحافظ قال واذا بأبي العلاء قد اقبل قال فسلمت عليه فرد علي السلام وقال يا فلان رأيت ابني احمد حين قام على قبري يلقنني أما سمعت صوتي حين صحت على الملكين فما قدرا ان يقولا شيئا فرجعا
346 - رستم بن شرهيك
ابو القاسم الواعظ سمع الحديث وتعلم الوعظ من شيخنا ابي الحسن الزاغوني وأقام بشارع رزق الله وكان يعظ بجامع بهليقا توفي يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الاول من هذه السنة عن ستين سنة تقريبا ودفن بباب حرب
347 - ابن الاهوازي
خازن دار الكتب بمشهد ابي حنيفة توفي في ربيع الاول جاء من محلته الى البلد فاتكأ على دكة فمات وكذلك مات اخوه وابوهما فجاءة
348 - محمود بن زنكي
ابن آق سنقر الملقب نور الدين ولي الشام سنين وجاهد الثغور وانتزع من

ايدي الكفار نيفا وخمسين مدينة وحصن منها الرها وبني مارستانا في الشام انفق عليه مالا وبنى بالموصل جامعا غرم عليه ستين الف دينار وكان سيرته اصلح من كثير من الولاة والطرق في ايامه آمنة والمحامد له كثيرة وكان يتدين بطاعة الخلافة وترك المكوس قبل موته وبعث جنودا افتتحوا مصر وكان يميل الى التواضع ومحبة العلماء واهل الدين وكاتبني مرارا واحلف الامراء على طاعة ولده بعده وعاهد ملك الافرنج صاحب طرابلس وقد كان في قبضته اسيرا على ان يطلقه بثلثمائة الف دينار وخمسين ومائة حصان وخمسمائة زردية ومثلها تراس افرنجية ومثلها قنطوريات وخمسمائة اسير من المسلمين وانه لا يعبر على بلاد الاسلام سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك مائة من اولاد كبراء الافرنج وبطارقتهم فان نكث اراق دماءهم وعزم على فتح بيت المقدس فوافته المنية في شوال هذه السنة وكانت ولايته ثمانية وعشرين

سنة
واشهرا
349 - يحيى بن نجاح المؤدب
سمع الحديث الكثير وقرأ النحو واللغة وكان غزير الفضل يقول الشعر الحسن توفي في اواخر هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الجمعة غرة المحرم ركب الخليفة من داره الى الجامع فخرج من باب الفردوس ودخل الديوان راكبا ونزل عند باب المجاز الذي ينفذ الى الطريق وركب من هناك ودخل المقصورة لصلاة الجمعة وسبب ذلك ان طريقه في السراديب انسدت من زمان الغرق بالماء والتراب
وجرت خصومات بين اهل باب البصرة واهل الكرخ قتل فيها جماعة واتصلت واصلح بينهم من الديوان ثم عادوا الى الخصام فتولى الأمر سليمان بن

شاووش فخافوا سطوته وكفوا
وفي يوم الاحد ثالث المحرم ابتدأت بالقاء الدرس في مدرستي بدرب دينار فذكرت يومئذ اربعة عشر درسا من فنون العلوم
وفي سابع عشر المحرم أخذ رجل قد خنق صبيا بسبب حليقات كانت في أذنه ونصفية بياض وكان الرجل خياطا من الجانب الغربي وان والد الصبي كان غائبا فلما حضر ضرب عنق هذا
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم نصب جسر جديد أمرت بعمله جهة من جهات المستضيء بأمر الله تلقب بنفشة وكتبت اسمها على حديدة في سلسلة وجعل تحت الرقة مكان الجسر العتيق وحمل الجسر العتيق الى نهر عيسى فبقي تحت الرقة الى ان حول في هذه الايام نحوا من خمسين سنة فوجد الناس له راحة عظيمة بوجود جسرين
وفي يوم الاحد ثالث عشر ربيع الاول اعيد ابو الحسن بن احمد الدامغاني الى قضاء القضاة بعد ان بقي مصروفا خمس عشرة سنة وكان قد تولى مكانه لما عزل ابو جعفر ابن الثقفي فمات فولى جعفر ولد ابن الثقفي قضاء القضاة فمات فولى روح بن الحديثي قضاء القضاة فمات وارجف لولد ابن الحديثي بذلك فلم يمض شهر حتى مات فاعيد ابن الدامغاني وقبض على صاحب الديوان ابن البخاري و وكل به في المخزن ورفعت اليه اشياء ثم نقل الى الديوان موكلا به مديدة ثم اطلق
وفي هذه الايام انتدب رجل يأخذ الطرزدانات من الدكاكين ويهرب ثم وقعوا به فأظهر ما كان يأخذ
وكسفت الشمس وقت طلوعها يوم الثلاثاء ثامن عشرين ربيع الآخر فبقيت كذلك الى ضحوة عالية
وفي ليلة السبت عاشر جمادى الاولى وقع في البلد انزعاج شديد من وقت العتمة ولبس العسكر السلاح ولم يدر ما السبب ثم اصبحت الناس على ذلك الانزعاج

ولم يفتح باب النوبي ولا باب العامة وزاد الانزعاج وركوب العسكر وجعلت الظنون ترجم وكل قوم يرجفون بشيء وبقي البابان مغلوقين طول النهار وكان يفتح بعض جانب باب النوبي فيدخل من يريدون ثم يغلق فانكشف الامر الى آخر النهار وهو أن الامر وقع الى استاذ الدار صندل اذا كان في غد فاحضر ابن المظفر وغير ثيابه ومره بالعقود في الديوان فبلغ هذا الخبر قيماز فغضب من ذلك وأغلق باب النوبي وباب العامة وقال لا أقيم ببغداد حتى يخرج منها هو واولاده وان هذا عدوى ومتى عاد الى الوزارة قتلني فقيل للوزير ابن المظفر تخرج من البلد فقال لا افعل فلما شدد عليه وخيف من فتنة قال انا اعلم اني اذا خرجت قتلت فاقتلوني في بيتي فتلطفوا به وقالوا لا بد من هذا فسأل بان يفتح الجامع ويحضر فخر الدولة بن المطلب وشيخ الشيوخ وان يحلف له قيماز انه لا يؤذيه ولا يتتبعه اذا خرج ولا يواطئ على اذاه ففعل ذلك واصبح باب النوبي وباب العامة مغلوقين ثم فتحا ولم يترك احد يدخل ويخرج الا أن يعرف فكان العسكر تحت السلاح والمحال تحفظ فلما كانت ليلة الاثنين اخرج الوزير ابن رئيس الرؤساء واولاده راكبين بعد العتمة الى رباط ابي سعد الصوفي فباتوا ثم ومعهم جماعة موكلون بهم وحرست السطوح واغلق الباب وكان لا يفتح بالنهار الا لمهم واصبح الناس قد سكنوا ودخل قيماز الى الخليفة معتذرا مما فعل من غلق الابواب وغير ذلك وهو منزعج خائف فقيل انه لم يذكر له في ذلك شيء فخرج طيب النفس وأصر قيماز على انه لا بد من خروج الوزير واهله من بغداد فما زالت الرسل تتردد في ذلك الى ان استقر الامر أنهم يعبرون الى الجانب الغربي
وفي يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى انتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر فاني كنت اذكر في كل مجلس منه آيات من اول الختمة على الترتيب الى ان تم فسجدت على المنبر سجدة الشكر وقلت ما عرفت ان واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن فالحمد لله المنعم ثم ابتدأت يومئذ في اول

ختمة وانا افسرها على الترتيب والله قادر على الانعام بالاتمام والزيادة من فضله
وفي بكرة يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الاولى خرج الوزير ابن رئيس الرؤساء واولاده من رباط ابي سعد الصوفي فعبروا على الجسر ونزلوا بدار النقيب الطاهر بالحريم على شاطئ دجلة بالجانب الغربي واحترزوا هنالك بالسلاح ثم اعيدوا في آخر يوم الخميس سابع جمادى الآخرة الى بيوتهم جاؤا على الخيل الى تحت الرقة ونزلوا في السفن ودخلوا من باب البشرى فخرجوا الى منازلهم
وفي جمادى الآخرة توفي السامري المحتسب وولى مكانه ابن الرطبي
وفي اول يوم من رجب حضر ارباب الدولة للهناء بباب الحجرة ثم انصرفوا الى الدار الجديدة التي عمرها المستضيء مقابلة المخزن وحضر العلماء والمتصوفة والقراء واستدعيت مع القوم فقرأ واختمة واكلوا طعاما وانصرف قاضي القضاة في جماعة من الاكابر وانصرفت معه وبقي المتصوفة فباتوا على سماع وخلعت على الكل خلع وفرق عليهم مال
وتقدم الي بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر فتكلمت يوم الخميس بعد العصر خامس رجب وحضر امير المؤمنين واخذ الناس اماكنهم من بعد صلاة الفجر واكتريت دكاكين فكان مكان كل رجل بقيراط حتى انه اكترى دكان لثمانية عشر بثمانية عشر قيراطا ثم جاء رجل فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم وك الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر الى باب العيد كأنه العيد ينظر بعضهم الى بعض وينتظرون قطع المجلس
وفي يوم الخميس خامس وعشرين شعبان سلمت الي المدرسة التي كانت دارا لنظام الدين ابي نصر بن جهير وكانت قد وصلت ملكيتها الى الجهة المسماة بنقشة فجعلتها مدرسة وسلمتها الى ابي جعفر ابن الصباغ فبقي المفتاح معه اياما ثم استعادت منه المفتاح وسلمته الى من غير طلب كان مني وكتب في كتاب

الوقف انها وقف على اصحاب احمد وتقدم الي يوم الخميس المذكور بذكر الدرس فيها فحضر قاضي القضاة وحاجب الباب وفقهاء بغداد وخلعت علي خلعة وخرج الدعاة بين يدي والخدم ووقف اهل بغداد من باب النوبي الى باب المدرسة كما يكون في العيد واكثر وكان على باب المدرسة الوف والزحام على الباب فلما جلست لالقاء الدرس عرض كتاب الوقف على قاضي القضاة وهو حاضر مع الجماعة فقرئ عليهم وحكم به وانفذه وذكرت بعد ذلك الدرس فألقيت يومئذ دروس كثيرة من الاصول والفروع وكان يوما مشهودا لم ير مثله ودخل على قلوب اهل المذهب غم عظيم
وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر في آخر شعبان فانزعج لهذا جماعة من الاكابر وقالوا ما جرت عادة للحنابلة بدكة فبنيت وجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان ودل بعض فقهاء ابي حنيفة في الافطار بالأكل واعترضت عليه يومئذ وازدحم العوام حتى امتلأ صحن الجامع ولم يمكن للأكثرين وصول الينا وحفظ الناس بالرجالة خوفا من فتنة وما زال الزحام على حلقتنا كل جمعة وكانت ختمتنا في المدرسة ليلة سبع وعشرين فعلق فيها من الاضواء مالا يحصى واجتمع من الناس ألوف كثيرة وكانت ليلة مشهودة ثم عقدت المجلس يوم الاربعاء سابع شوال تحت المدرسة فاجتمع الناس من الليل وباتوا وحزرا الجمع يومئذ بخمسين ألفا وكان يوما مشهودا
وكانت تتامش الامير قد بعث الى بلد الغراف من نهبهم وآذاهم حتى بلغني ان قوما منهم قتلوا وقوما غرقوا فجاء منهم جماعة فاستغاثوا بجامع القصر في شوال ومنعوا الخطيب وفاتت الصلاة اكثر الناس وانكر امير المؤمنين ما جرى وان تتامش وزوج اخته قيماز لم يحفلا بالانكار واصروا على الخلاف وجرت بينهما وبين ابن العطار منا بذات ثم بعث امير المؤمنين مختار الخادم فأصلح بينهم فلما

كان الغد أظهر الخلاف واصرا عليه وضربوا النار في دار ابن العطار ثم في يوم الاربعاء خامس ذي القعدة جاؤا وطلبوه فنجا وبعث الى قيماز ليحضر فأبى وبارز بالعناد وكان قد حالف الامراء على موافقته فبان قبح المضمر فصيح في العوام للخصومة وضربت ناحية قيماز بقوارير النفط فنقب حائطا من داره الى درب بهروز وخرج من البلد ضاحي نهار ومعه تتامش ابن حماه وعدد يسير من الامراء ودخل العوام الى دار قيماز ودور الامراء الذين هربوا معه فنهبوها وأخذوا اموالا زائدة عن الحد واحرقوا من الدور مواضع كثيرة وبقي الخارجون من البلد في الذل والجوع وقصدوا حلة ابن مزيد ثم خرجوا عنها فطلبوا الشام وقد تفلل جمعهم وبقي معهم عدد يسير ثم جعل حاجب الباب ابن الوكيل صاحب الديوان
وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي القعدة خلع على الوزير ابن رئيس الرؤساء وأعيد الى الوزارة وجلس في الديوان ثم خلعت عليه خلع الوزارة واحضرنا للاستفتاء في حق قيماز وما يجب عليه من مخالفته امير المؤمنين فكتب الفقهاء كلهم انه ما رق ثم جاء الجبر يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة بأن قيماز توفي ودفن وان اكثر اصحابه مرضى فأعيد سعد الشرابي الى شغله وسلمت خزانة الشراب اليه

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
350 - حامد بن حامد
ابو الفضل الحراني صديقنا قدم بغداد وتفقه وناظر وعاد الى حران فأفتى ودرس

وكان ورعا به وسوسة في الطهارة وروى عن شيخنا عبد الوهاب وتوفي بحران في هذه السنة
351 - روح بن احمد
ابو طالب الحديثي قاضي القضاة توفي يوم الاثنين عشر المحرم ودفن يومئذ بقراح ظفر وكان ولده عبد الملك في الحج فبلغته وفاته وهو بالكوفة فلما دخل بغداد مرض اياما ومات وكان ينبز بالرفض
352 - شملة التركماني
كان قد تغلب على بلاد فارس واستجد بها قلاعا ينهب الأكراد والتركمان ثم يأوي اليها وقوي على السلجوقية وكان يظهر الطاعة للامام مكرا منه وتم له ذلك زيادة على عشرين سنة ثم انه نهض الى قتال بعض التركمان فعلموا بذلك فاستعانوا بالبهلوان فساعدهم بجنود فاقتتلوا فأصاب شملة سهم ثم أخذ أسيرا وولده وابن أخته وتوفي بعد يومين
353 - عبد الله بن عبد الصمد
ابن عبد الرزاق ابو محمد الدهان سمع الحديث ورواه وكان شيخا صالحا ففلج قبل موته وتوفي يوم الجمعة ودفن بمقبرة احمد
354 - قيماز بن عبد الله
كان مملوكا للمستنجد بالله وارتفع امره وعلا كثيرا فلما ولى المستضيء بأمر الله

بعد موت المستنجد زاد أمره وصار مقدما على الكل وكانت الجنود كلها تحت أمره وانبسط كثيرا حتى ان المستضيء اراد تولية وزير فمنع من ذلك وأغلق باب النوبي يومين وقيل انه نوى نية ردية وقد اشرنا الى حاله في حوادث هذه السنة الى ان خرج من بغداد هاربا فتوفي بناحية الموصل وغسل في سقاية ووصل خبره في ذي القعدة
355 - يحيى بن جعفر
ابو الفضل كان صاحب مخزن المقتفي فأقره على ذلك المستنجد ولم يغير عليه المستضيء ثم استنابه في الديوان اذ خلا عن وزير فتقلب في هذه الاحوال عشرين

سنة
كان يحفظ القرآن وسمع الحديث وحج حجات كثيرة توفي يوم السبت تاسع عشر ربيع الاول من هذه السنة وصلى عليه يوم الاحد بجامع القصر ودفن عند أبيه في الحربية وخلف ولدين نجيبين فبلغ كل واحد منهما نحو ثلاثين سنة من العمر وتهيأ للولايات فمات الاكبر ثم تبعه اخوه بعد قليل ودفنا عند ابيهما
سنة
ثم دخلت سنة احدى وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالجلوس تحت المنظرة الشريفة بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث المحرم والخليفة حاضر وكان يوما مشهودا ثم تقدم الي بالجلوس هنالك يوم عاشوراء فأقبل الناس الى المجلس من نصف الليل وكان الزحام شديدا زائدا على الحد ووقف من الناس على الطرقات مالا يحصى وحضر امير المؤمنين وفقه الله
وفي صفر قبض على استاذ الدار صندل وعلى خادمين معه وحبسوا وارجف الناس انهم كانوا قد تحالفوا على سوء ثم ضيق بعد ذلك على الامير ابي العباس ولد امير المؤمنين المستضيء بامر الله وولي ابن الصاحب حاجب الباب مكان استاذ الدار وولي ابن الناقد حجبة الباب

وبنى كشك في البلد لامير المؤمنين ناحية جامع السلطان وجاء في ليلة الاحد ثامن ربيع الآخر مطر عظيم برعد شديد ووقعت صاعقة في دار الخلافة وراء التاج واحرقت ما حولها فأصبحوا فأخرجوا اهل الحبوس واكثروا الصدقات وكانت ابنتي رابعة قد خطبت فسأل الزوج ان يكون العقد بباب الحجرة وحضر قاضي القضاة ونقيب النقباء وجماعة من الشهود والخدم والاكابر فزوجت ابنتي بأبي الفتح ابن الرشيد الطبري وتزوج حينئذ ولدي ابو القاسم بابنة الوزير يحيى بن هبيرة وكان الخاطب ابن المهتدي
وتقدم الي بالجلوس ليلة رجل تحت المنظرة فاجتمع الناس فجاء مطر فمنع الحضور فتقدم بالجلوس في اليوم الثاني فتكلمت وامير المؤمنين حاضر وامرنا بالبكور الى دعوة امير المؤمنين فحضرنا بكرة السبت وحضر الوزير ابن رئيس الرؤساء وارباب الدولة والعلماء والمتصوفة فأكلوا وانشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها امير المؤمنين وخرج قاضي القضاة وارباب الدولة بعد الأكل وخرجت معهم وبات الباقون مع المتصوفة على سماع الانشاد وفرق على الجماعة مال وخلع وكان هذا رسمهم في كل رجب وكانت العادة ان لا يدخل احد الدار بطيلسان ولا طرحة أحتراما لأمير المؤمنين سوى قاضي القضله فأنه كان يجعل طرحته طيلسانا وكنت اذا تكلمت بباب بدر اصعد المنبر فاذا جلست رفعت الطرحة فوضعتها الى جانبي فاذا فرغ المجلس اعدتها
وفي يوم الجمعة تاسع رجب استدعانا صاحب المخزن للمناظرة فحضر فقهاء بغداد

ولم يتخلف الا النادر ودل ابو الخير القزويني في مسألة زكاة الحلي واعترضت عليه ثم جرينا على العادة في الجلوس بباب بدر ليلة الجمعة فأسبوع لي واسبوع للقزويني وكان الزحام عندي اكثر وبعث الي بعض الامراء من اقارب امير المؤمنين فقال والله ما احضر انا ولا امير المؤمنين غير مجلسك وانما تلمحنا مجلس غيرك يوما وبعض يوم آخر
وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان حملت الي طريفة قد بعثت الى امير المؤمنين من قرية قريبة من بغداد يقال لها الوقت وهي بقرتان قد ولدتا برأسين ورقبتين واربع ايدي وبطن واحد وفرج ذكر وفرج انثى الا ان كل واحدة رجلا وقيل ان هذه ولدت حية ثم ماتت
وفي رمضان كتب على حائط المدرسة التي وقفتها الجهة وسلمتها الي بخط القطاع في الآجر وقفت هذه المدرسة الميمونة الجهة المعظمة الشريفة الرحيمة بدار الرواشني في ايام سيدنا ومولانا الامام المستضيء بأمر الله امير المؤمنين على اصحاب الامام احمد بن حنبل وفوضت التدريس بها الى ناصر السنة ابي الفتح ابن الجوزي وما زالت المجالس تحت المنظرة بباب بدر الى آخر رمضان وكان في آخر رمضان قبل مجلسنا هناك بيوم قد انزعج البلد ولبس السلاح فاختلفت الاراجيف فانقشع الامر ان امير المؤمنين اصابته صفراء من الصوم فتكلمت تحت المنظرة فسكن البلد فحدثني من يلوذ بخدمة امير المؤمنين قال حضر يومئذ الامام عندك المجلس متحاملا ولولا شدة حبه لك لما حضر لما كان اعتراه من الالم وحدثني صاحب المخزن قال كتبت الى امير المؤمنين في كلام كنت ذكرته هل وقع ما ذكره فلان بالغرض فكتب امير المؤمنين ما على ما ذكره فلان مزيد
وفي بكرة الجمعة سابع عشرين رمضان كسفت الشمس اول وقت الضحى وبقيت ساعة حتى تجلت
وكان حاجب الباب ابن الناقد يلقب بالقنبر فذكر هذا الملقب من كان يعرفه به

فشاع في العوام فصاروا يصيحون به اذا خرج فحفظ باتراك فلم يجيء من الأمر شيء وخلع عليه قبل العيد بثلاثة ايام فقيل لامير المؤمنين ان الناس قد عزموا اذا خرج يوم العيد في الموكب ان يرسلوا القنابر بين الناس وهذا يصير الموكب هتكة فعزله وولى ابا سعد ابن المعوج حجبة الباب وكان الرفض في هذه الايام قد كثر فكتب صاحب المخزن الى امير المؤمنين ان لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع فكتب امير المؤمنين بتقوية يدي فأخبرت الناس بذلك على المنبر وقلت ان امير المؤمنين صلوات الله عليه قد بلغه كثرة الرفض وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في ازالة البدع فمن سمعتموه من العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني حتى انقض داره واخلده الحبس وان كان من الوعاظ حدرته المشان فانكف الناس ثم تقدم في يوم الخميس عاشر شوال يمنع الوعاظ كلهم الا ثلاثة كل واحد من مذهب انا من الحنابلة والقزويني من الشافعية وصهر العبادي من الحنفية ثم سئل في ابن عبد القادر فاطلق
وعقدت الولاية على مكة لأمير المؤمنين فخرج الحاج على خوف شديد من القتال
وفي يوم السبت رابع ذي القعدة وقت الضحى خرج امير المؤمنين الى الكشك الذي عمل له خارج السور وخرج ارباب الدولة مشاة وخرج الناس ينظرون اليه ويدعون له فدخل الكشك فاقام فيه ساعة ثم خرج فمضى نحو القورج ثم عاد فدخل من باب النصر وقت الظهر
وفي يوم الجمعة غرة ذي الحجة خلع على ظهير الدين ابي بكر بن نصر ابن العطار بباب الحجرة خلعة سنية واعطى مركبا وسيفا وولى المخزن ولاية تامة وخلع يومئذ على استاذ الدار ابن الصاحب
وفي يوم الاربعاء سادس ذي الحجة صنع الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة وجمع فيها ارباب المناصب وحضر الخليفة فاستدعيت فخلعت على خلعة ونصب لي منبر في الدار فتكلمت بعد أن أكلوا الطعام والخليفة حاضر والوزير وجميع

ارباب المناصب وجميع علماء بغداد والفقهاء والوعاظ الا النادر
ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان الخليفة حاضرا
وفي يوم عيد الاضحى وقعت فتنة في أخذ جمال البحريين جماعة من العوام فنضر بعضهم امير يقال له سنقر الصغير فرماه العوام بالآجر فضربهم هو وأصحابه بالنشاب ثم اصبحوا يوم فرح ساعة فأقاموا الحرب وكان الذين خاصموه اهل باب الازج فكان اصحابه يخاصمونهم فقامت يومئذ الفتنة عامة النهار ومات بين الفريقين نحو عشرة أنفس ونهب من باب الازج قطعة ثم سكنت الثائرة واخرج امير المؤمنين مالا ففرقه على من نهب له شيء
وخرج في اواخر ذي الحجة عسكر كثير الى بني خفاجة لمحاربتهم فرحلوا فلم يدركوهم وقتل من المطاردين قوم جاءت اخبار ظريفة عما جرى للحاج في طريقهم فمنها انهم خرجوا من عرفات فلم يبيتوا بالمزدلفة وانما مروا بها ولم يقدروا على رمي الجمار وخرجوا الى الابطح فبكروا يوم العيد وقد خرج اليهم قوم من مكة يحاربونهم فتطاردوا وقتل من الفريقين جماعة ثم آل الامر الى أن صيح في الناس الغزاة الغزاة الى مكة فهجموا وصعد امير مكة المعزول الى القلعة التي على جبل ابي قبيس ثم نزل عنها وخرج من مكة ودخل الناس فقصد قوم لا خلاق لهم النهب فأخذوا شيئا كثيرا من اموال التجار المقيمين بمكة واحرقوا آدرا كثيرة بمكة وحدثني بعض التجار ان رجلا كان زراقا بالنفط ضرب دار رجل بقارورة فاشتعلت وكانت تلك الدار لأيتام يستغلونها كل سنة اذا جاء الحاج فهلكت وما فيها ثم اخرج قارورة اخرى فسواها ليضرب بها فجاء حجر فكسرها فعادت عليه فاحترق فبقي ثلاثة ايام بسفح الجبل ورأى بنفسه العجائب ثم مات قال وحدثني رجل من السماسرة قال كان عندي مال عظيم لي ولغيري من التجار فدخل على اربعة انفس فجمعوا الكل فقلت لأحدهم وعرفته يا فلان قد اكلت انا وانت الطعام وهذا ليس لي وهذه مائة دينار خذها حلالا ودعني

فقال اسكت قد اخذنا علينا بالدين قبل أن نجيء اليكم لنقضي من اموالكم فجمع الاربعة اربع كوارير فيها جميع المال وخرجوا عني خطوات فلقيهم عبيد من مكة فضربوا اعناقهم فقمت ونقلت المال فتعبت في نقله ولم يذهب منه ثم ان امير مكة قال لا اتجاسر ان اقيم بعد الحاج فأمروا غيره ورحلوا

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
356 - علي بن الحسن
ابن هبة الله ابو القاسم الدمشقي المعروف بابن عساكر سمع الحديث الكثير وكانت له معرفة وصنف تاريخا لدمشق عظيما جدا يدخل في ثمانين مجلدة كبارا وكان شديد التعصب لأبي الحسن الاشعري حتى صنف كتابا سماه تهذيب المفتري على ابي الحسن الاشعري وتوفي بدمشق في هذه السنة
357 - المبارك بن الحسن
ابو النجم ابن القابلة الفرضي سمع ابا الحسين ابن الفراء وابا منصور ابن زريق وكان عارفا بعلم الفرائض والمواقيت توفي في جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة الزادمان قرية قريبة من بغداد
358 - مسعود بن الحسين
ابن سعد ابو الحسين اليزدي القاضي ولد سنة خمس وخمسمائة وتفقه وافتى وناب في القضاء ودرس بمدرسة ابي حنيفة ومدرسة السلطان ثم خرج الى الموصل فأقام مدة يدرس هناك وينوب في القضاء فتوفي بها في جمادى الآخرة

سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالكلام تحت منظرة الخليفة بباب بدر فتكلمت يوم الاحد ثاني المحرم وحضر امير المؤمنين ثم تكلمت هناك يوم عاشوراء فامتلأ المكان من وقت السحر فطلع الفجر وليس لأحد طريق فرجع الناس وامتلأت الطرق بالناس قياما يتأسفون على فوت الحضور وقام من يتظلم في المجلس فبعث امير المؤمنين في الحال من كشف ظلامته
وزفت ابنتي رابعة ليلة الاربعاء ثاني عشر المحرم الى زوجها وكان زفافها في دار الجهة المعظمة في درب الدواب واحضرت الجهة وذلك بعد أن جهزتها الجهة بمال كثير
وفي يوم الخميس حادي عشر صفر دخل رجل الى جامع المنصور ليأكل خبزا فمات في مكانه ومات آخر في باب البصرة وامرأة في تلك الساعة ودخل رجل من السواد الى مسجد العتابيين يومئذ وترك حماره على الباب فمات الرجل ودخل بعض الحاج الى بغداد يوم الاربعاء عاشر صفر ثم تتابعوا فدخل الاكثرون يوم الاحد ولم تجر لهم عادة بهذا التأخر وأخبروا باشياء لقوها في دخول مكة قد ذكرنا بعضها في حوادث السنة
ونقصت دجلة في اول آب وهو اول صفر نقصانا ما رأينا مثله وخرجت جزائر كثيرة فيها ما عهدنا مثلها وكانت السفينة تجنح في وسط دجلة فينزلون فيحركونها وفي اواخر آب هب هواء شديد البرد ليالي فنزل الناس من السطوح ثم عاد الحر فصعدوا فاصاب الناس زكام شديد عم ذلك الخلق
وفي اول ربيع الاول خرج العسكر لقتال بني خفاجة
وفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول خرج امير المؤمنين عند استواء طلوع الشمس الى الكشك ثم عاد بعد الظهر الى قصره
وظهرت حمرة شديدة في السماء من المشرق من وقت طلوع الفجر الى حين

استواء الشمس ثم كانت تظهر عند غيبة الشمس من المغرب كذلك كأنها الشفق الا انها أشد حمرة لم تر مثلها كأنها الدم وكانت تتصاعد ويبقى تحتها من الغيم المضيء فتضىء له الاماكن كأنه ضوء الشمس وبقيت مدة ثم انقطعت ثم عادت تقل وتكثر اشهرا
وفي ربيع الآخر اخرج المجذمون من بغداد ونفوا الى تحت البلد
وفي يوم الخميس ثامن جمادى الاولى اذن في اقامة الجمعة بمسجد ابن المامون بقصر عيسى فأقيمت فيه يومئذ
وفي يوم السبت غرة جمادى الآخرة عبرت الى جامع المنصور فوعظت فيه بعد العصر وعبر الناس من نهر معلى واجتمع اهل المحال فحزر الجمع مائة الف ورجعنا الى نهر معلى والناس ممتدون من باب البصرة كالشراك الى الجسر وكان يوما مشهودا
وجاء الخبر بنصر المسلمين على الافرنج وخرج امير المؤمنين يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة اول وقت الضحى الى الكشك وخرج الناس لرؤيته على ما جرت به العادة فبات في الكشك وخرج بكرة الى الصيد فبقي الاربعاء والخميس ودخل الدار العزيزة قبل المغرب ثم تقدم الى بالجلوس بباب بدر تحت المنظرة يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة فتكلمت فيه بعد العصر وامير المؤمنين حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت فيه شعور وذكرت خروجه الى الكشك في قصيدة انشأتها وهي ... يا سيد الخلق وعين الاكوان ... خليفة الله العظيم السلطان ... يا شمس جود نورها في البلدان ... يا بدر تم تم لاعن نقصان ... ظهرت للخلق ظهور البرهان ... عاشت به ارواح اهل الايقان ... زين بك البر وزينت اوطان ... صدت القلوب حين صدوا الغزلان ... بحلمك الوافر بل بالاحسان ... والكشك قد خفر فتت الايوان

هذا على التوحيد وضع البنيان ... وذاك مبنى لأجل النيران ... حب بني العباس اصل الايمان ... بني الاله ودهم في الجثمان ... الحجر والبيت لهم والأركان ... أصبحت كالروح ونحن ابدان ... الشرع وكالعين وانت اجفان ... الجود غصن واحد يا بستان ... هذا مديحي وهو قدر الامكان ... وفي ضميري ضعف هذا الاعلان ... عبيدكم لا يشترى بأثمان ... وقد ملكتم رقه بالاحسان ... سميت نفسي مذ خدمت سلمان ... لكن لساني في المديح حسان ... وحسن الفاظي تباهي سحبان ...
وفي بكرة الاربعاء ثاني رجب حضر الناس على عادتهم دعوة امير المؤمنين التي تكون في كل رجب فحضر الوزير وأرباب الدولة والعلماء والمتصوفة ونصب لهم سماط مستحسن وقرئت ختمة وتقدم الي بالدعاء فدعوت وانشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها امير المؤمنين وهذه كانت العادة كل سنة ثم خرج قاضي القضاة ومعظم ارباب الدولة وخرجت معهم وبات القوم على سماع الانشاد وخلعت عليهم خلع وفرقت عليهم اموال
وتكلمت يوم الخميس عاشر رجب بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد ثم تناوبنا انا والقزويني كل ليلة جمعة فكان يوم مجلسي تغلق ابواب المكان بعد الظهر لشدة الزحام فاذا جئت بعد العصر فتح لي فزاحم معي من يمكنه ان يزاحم
وفي شهر رجب قارب بغداد بعض السلجوقية ممن يروم السلطنة وارسل رسولا ليؤذن له في المجيء فلم يلتفت اليه فجمع جمعا ونهب مواضع فخرج اليه العسكر وجرت مناوشات في شعبان ورحل فرجع العسكر الى بغداد ثم عاد فنهب مواضع وآذى قرى فعاد العسكر فخرج اليه وامر عليهم شكر الخادم فأقاموا يراصدونه طول رمضان ثم رحل في شوال الى ناحية خراسان فرجع العسكر وفي يوم الاثنين حادي عشر رمضان تقدم الي بالجلوس في دار ظهير الدين

صاحب المخزن وحضر امير المؤمنين واذن للعوام في الدخول فتكلمت وأعجبهم حتى قال لي ظهير الدين قد قال امير المؤمنين ما كأن هذا الرجل آدمي لما يقدر عليه من الكلام
ومما جرى بعد النصف من رمضان ان رجلا من التجار باع متاعا له بألف دينار وتزل المال في خان انبار وجاء الى بيته وليس معه في الدار الا مملوك له اسود قد اشتراه قبل ذلك بأيام فقام المملوك في الليل فضربه بسكين في فؤاده واخذ المفتاح ومضى الى الخان انبار فطرق باب الخان فقالت الخانية من انت قال انا غلان فلان قد بعث بي لآخذ له شيئا من الخان انبار فقالت والله ما افتح لك حتى يجيء مولاك فرجع ليأخذ ما في البيت فاتفق ان حارس الدرب سمع صيحة الرجل وقت ان ضرب بالسكين فأمسك الغلام وبقي مولاه في الحياة يومين فوصى بقتل الغلام بعده فصلب المملوك بالرحبة بعد موت مولاه يوم الخميس حادي عشرين رمضان واخذ مملوك آخر لبعض التجار من سيده الف دينار وهرب فلم يسمع له خبر
وجاء حر شديد بعد نصف رمضان فكان ذلك في آذار فبقي اسبوعا على مثل حر حزيران او اشد فأخبر المشايخ انهم ما رأوا مثل هذا في هذا الوقت ثم عاد الزمان الى عادته
وحدثني طلحة بن مظفر العلثي الفقيه انه ولد عندهم بالعلث في رمضان مولود لست اشهر فخرج له اربعة اضراس
وفي يوم الاثنين خامس عشرين رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن فجلست وحضر امير المؤمنين واذن للعوام في الدخول فتكلمت بعد العصر الى المغرب وبتنا في الدار تلك الليلة مع جماعة من الفقهاء فجرت مناظرات الى نصف الليل
وفي يوم الجمعة العشرين من شوال حضرت الصلاة بجامع الرصافة فلم يحضر الخطيب وقاربت العصر فصلى اكثر الناس الظهر وانصرفوا واقمت مع جماعة

ننتظر الخطيب فجاء قبيل العصر فخطب وصلينا وكان السبب في تأخره ان الذي كانت الجمعة نوبته صرف عن الخطابة ولم يعلم نائبه فتأخر فبعثوا اليه من باب البصرة فحضر فاختصر فقرأ ألهاكم التكاثر وهذا شيء لا يذكر الناس انه جرى مثله على هذا الوصف
وفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة اذن في اقامة الجمعة بمسجد في شارع دار الدقيق من الجانب الغربي فأقيمت فيه وقد ذكرنا انه اذن في اقامة الجمعة بمسجد ابن المأمون في جمادى الاولى فمن العجائب تجدد جامعين ببغداد في سنة واحدة وفي يوم الاثنين ثامن ذي القعدة بعد العصر هبت ريح شديدة فأثارت ترابا عظيما وازعجت الناس وبقيت كذلك ساعة جيدة ثم ذهبت
واتفق في هذا الشهر أن رجلا امر بالمعروف فقصده بعض من امره بخشبة فهرب الآمر فعاد الرجل الى بيته والخشبة بيده فحين دخل الدار وقع فمات ووصل الخبر في ذي القعدة بأن بلادا كثيرة زلزلت وخسف ببعضها وذكر فيها الري وقزوين
وكتب الى بعض الوعاظ ان امرأة تقول كان رجل اذا رآني في الطريق مشى الى جانبي وتعرض لي فقلت له انا لا اوافق الا على الحلال فتزوج بي عند الحاكم وقضيت معه مديدة يأتيني كما يأتي الرجل المرأة ثم عظمت بطنه وقال لي قد حبلت فاعملي لي دواء الاسقاط فعملت له فولد وقد حضرت المجلس انا وهو فما حكمنا فقال الواعظ هذا النكاح ما صح لانه بالولادة انكشف انه امرأة وتعجب الناس من حال هذا الخنثى الذي كان يأتي ويؤتى
وفي ليلة الاثنين ثاني عشرين ذي القعدة دخل رجل الى بيت اخته فذبحها وهرب وكأنه حدث عنها بما لا يصلح وتحدث بعض جيراننا بباب المراتب انه وقع في دراهم حائط فقام هو وجارية له يعزلون الآجر والجص فوجدت الجارية صندوقا لطيفا فيه منامية فيها دنانير في الدنانير اربعة وخمسة وبين ذلك حب

الحبة الواحدة كالزيتونة واشياء وصفتها فأعطت منها بعض جيرانهم وسلمت الباقي الى رجل كان يعرفها منذ جلبت وقالت اكثر ببعض هذا وتعال الي في اليوم الفلاني حتى اخرج معك فمضى الرجل ولم يعد فلما يئست منه حدثت سيدها بذلك فجعل يتلهف بعد أن فات الامر
ونزل رجل الى دجلة يسبح وترك ثيابه وفيها ستون دينارا على الشاطئ فجاء قوم فأخذوها ومضوا فاتهم بها آخرين فأخذوا واهينوا ثم طلبوا من كان قريبا منهم فاذا رجل قد اخذ الذهب وخرج ليسافر فوجدوه في الحربية قد نفق منه عشرة قراريط ففتشوه فأخذوه فقيل لصاحب المال طيب قلوب المتهمين فقد رد مالك فلم يفعل
ومما تجدد ان رجلا قال لطحان من اهل الكرخ اعطني كارة دقيق فقال ما افعل فقال والله ما ابرح حتى آخذ فقال الطحان وحق على الذي هو خير من الله ما اعطيك فشهد عليه جماعة فحبس اياما ثم اخرج يوم السبت سابع عشرين ذي القعدة فضرب مائة سوط وسود وجهه وشهر في الغد وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ثم اعيد الى الحبس
وتقدم الي بالجلوس بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث ذي الحجة وحضر امير المؤمنين وقام الي رجل يوم عرفة في المجلس فتاب وقطع شعره وقال لي ثلاث اسابيع ارى رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي اليك فيقبل صدرك

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
359 - علي بن عساكر
ابو الحسن البطائحي المقرئ كان قد قرأ القرآن وأقرأ وسمع الحديث الكثير وروى وكانت له معرفة بالنحو وعبر الثمانين ووقف كتبه وتوفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شعبان هذه السنة

360 - محمد بن سعيد
ابن محمد ابو سعد ابن الرزاز كان من المعدلين وسمع الحديث من ابن برهان وابن الحصين وكان ينظر في التركات ويقول شعرا مطبوعا كتب اليه بعض الناس مكاتبة تتضمن شعرا فكتب في جوابها ... يا من اياديه يعيا من يعددها ... وليس يحصي مداها من لها يصف ... عجزت عن شكر ما اوليت من كرم ... وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف ... اهديت منظوم شعر كله درر ... فكل ناظم عقد دونه يقف ... اذا أتيت ببيت منه كان لنا ... قصرا ودر المعالي فوقه شرف ... وان أتيت انا بيتا نناقضه ... اتيت لكن ببيت سقفه يكف ... لا كنت منه ولا من اهله ابدا ... وانما حين ادنو منه أقتطف ...
ولد ابو سعد سنة احدى وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
361 - محمد بن عبد الله
ابن القاسم ابو الفضل الشهرزوري كان رئيس اهل بيته وبنى مدرسة بالموصل ومدرسة بنصيبين وقف عليها وقوفا ولاه محمود بن زنكي ثم استوزره فكتب على رأسها محمد بن عبد الله الرسول فكتب المقتفي صلى الله عليه و سلم وتوفي في محرم هذه السنة بدمشق
362 - مختار الخادم
وكان من خواص الخليفة وكان يتدين وعلت سنه توفي في آخر شعبان ودفن في الترب بالرصافة
363 - مسلم بن ثابت
ابن زيد بن القاسم بن احمد ابو عبد الله بن جوالق الفقيه سمع الحديث وتفقه على

شيخنا ابي بكر الدينوري وناظر وعلت سنه وكان لبعض امراء الدار العزيزة وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة احمد

سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في بكرة الخميس غرة المحرم دخل الى البلد تتامش الذي كان قد خرج مع قيماز من بغداد وخرج اهل البلد للنظر اليه ونزل تحت التاج فقبل الارض مرارا واذن له في الدخول الى داره وعفى عنه وامر وكرم
وبعد صلاة العصر يومئذ تقدم الي بالجلوس تحت منظرة باب بدر واجتمع الخلق وتاب جماعة وحضر امير المؤمنين ثم تقدم الي بالجلوس هناك يوم عاشوراء وكان الناس يجيؤن من نصف الليل بالأضواء فما طلع الفجر ولا حد موضع قدم وغلقت الابواب ولقينا شدة من الزحام وامير المؤمنين حاضر
وقدم الحاج في نصف صفر وذكروا ما لقوا في طريقهم من الجوع وغلاء السعر وكثرة من هلك من المشاة والجمال
وقبض على حاجب الباب ابي منصور ابن العلاء وسلم الى استاذ الدار وجرت همرجات عظيمة قبض فيها على جماعة ومنه ابن الوزير من الركوب وان يتردد الى بابه احد واسكتت كثير من املاكه ثم ردد عليه كثير منها بعد ذلك وصرف اكثر اشغال الديوان الى المخزن وانقطع الوزير عن الركوب اصلا واخذ ابو المظفر الحسين بن محمد بن علي الدامغاني اخو قاضي القضاة الى دار صاحب المخزن وهو الذي كان ينوب عن قاضي القضاة في الحكم على بابه وكان قد زوج امرأة فتظلم زوجها الاول وقال اكرهت على طلاقها فقيل له كيف زوجتها فقال جاءني كتاب حكمي من واسط ان زوجها قد طلقها وفتحته وكتبت على ظهره وجاءتني براءة فكتبت عليها وزوجتها فأخرج صاحب المخزن الكتاب وليس بمفتوح ولا مكتوب في ظهره ولا في البراءة فجبهه صاحب المخزن وقال قد عزلتك عن القضاء والشهادة وكل ما كنت تتولاه ثم امر بتنحية طيلسانه

وقال له يبلغ عنك وعن اخيك مالا يصلح وامير المؤمنين لا يغفل عن هذا ثم جعل يتبع افعالا تنسب الى قاضي القضاة وحدثني بعض الوكلاء ان قاضي القضاة كان قد كتب الى الخليفة قبل ذلك بمدة يسأل ان يعفي من قصد صاحب المخزن فأعفي وكان بينهما شيء فلما رأى قاضي القضاة ما جرى على اخيه وكان قبل ذلك قد جرى على جماعة من وكلائه اهانات ثم تتبع وجاء في يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر الى دار صاحب المخزن يستعطفه ثم صار يتردد اليه كل اسبوع واستقبح الناس هذا التردد بعد الانقطاع الدائم وعلموا انه من الخوف
وفي يوم الاثنين النصف من ربيع الآخر تكلمت في جامع المنصور وحضر الخلق فحزروا بمائة الف وتاب ثلاثة وخمسون نفسا وقصت شعورهم وانشد في يوم السبت الشهاب الضرير ... بك يا جمال الدين قد ... شقت من الاعدا مرائر ... حسدوا وما لهم اذا ... سروا علينا من جرائر ... لك في الفداء نفوسنا ... وهي الشريفات الحرائر ... يا من تطير بلطفه ... من نار معناه شرائر ... يوم الجلوس لنا الأنيس لهم به تبلى السرائر ... تكفي المليحة عند من ... تهوى شهادات الضرائر ...
وفي يوم الخميس خامس عشرين ربيع الآخر ضرب تركي تركيا ضحوة نهار على باب النوبي بنشابة ثم اتبعها ضربة بسيف ثم ضرب الضارب وخرج من البلد ثم عاد ليأخذ من بيته شيئا ويهرب فأخذوه فصلب وقت الظهر بباب النوبي وحط بعد صلاة الجمعة
وفي يوم الجمعة ثالث جمادى الاولى منع من اقامة الجمعة التي في قصر عيسى المعروف بمسجد ابن المأمون وكان قد عمره فخر الدولة بن المطلب واوسعه وانفق عليه مالا وجاءت الاخبار بان الموت في دمشق كثير والمرض بالموصل

كثير
وفي النصف من جمادى الآخرة اخرج البلخي الواعظ من البلد بتوقيع بعد أن اسمعه حاجب الباب المكروه لما كان يذكر عنه من شرب الخمر
وفي يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة ركب الوزير الى باب الحجرة بعد أن بقي زمانا لا يركب فطاب فلبه وجلس للهناء وجاء صاحب المخزن الى دار الوزير بعد صلاة الجمعة والنقباء وقام له الوزير وقبل صاحب المخزن يده
وجاءت الى يوم الاحد خامس عشرين جمادى الآخرة فتوى في عبد وأمة كانا لرجل اعتقهما وزوج الرجل بالمرأة فبقيت معه عشرين سنة وجاءت منه باربعة اولاد ثم بان الآن انها اخته لابيه وامه ومذ عرفا ذلك اخذا في البكاء والنحيب فتعجبت من ذلك واعلمتهما انه لا اثم فيما مضى والعدة تلزمها ويجوز ان ينظر اليها بعد أن فارقها نظره الى اخته الا ان يخاف على نفسه فيلزمه البعد عنها
وفي ليلة رجب تكلمت بباب بدر تحت المنظرة الشريفة وامير المؤمنين حاضر والجمع متوفر
وفي بكرة ليلة الاحد ثاني رجب حضرنا دعوة امير المؤمنين على العادة وحضر ارباب الدولة كلهم والعلماء والصوفية فأكلوا وختمت الختمة ودعا للختمة ابن المهتدي الخطيب وصلى بهم في ذلك اليوم وتلك الليلة في الدار وبعد دعاء الختمة خلع على امير المدينة وولده وولد امير مكة ثم انصرف من عادته الانصراف وبات الباقون على عادتهم وخلعت عليهم وفرق مال
وبنت الجهة المعظمة المسماة بنفشة رباطا في سوق المدرسة للصوفيات وفتحته اول رجب وعملت فيه دعوة وتكلمن فيه وافرد لاخت ابي بكر الصوفي شيخ رباط الزوزني وفرقت الجهة عليهم مالا
وفي ليلة الاحد سادس عشر رجب جاء مطر عظيم ودام ثلاثة ايام بلياليهن وكان فيه رعود هائلة وبروق عظيمة ووقعت آدر كثيرة وامتلأت الطرقات

بالماء وبقي الوحل اسبوعا وجمع اهل درب بينهم اثني عشر دينارا لمن ينقل الماء في المزادات الى دجلة واخرج الخليفة مالا ينفق في تنحية الوحل من الطرق وزادت دجلة زيادة بينة وذلك في كانون الثاني ولم يزل ينقص قليلا ثم يعود الى الزيادة فقال لي شيخ من الملاحين لي ثمانون سنة ما رأيت مثل هذه الزيادة في كانون
وفي يوم الخميس سابع عشرين رجب تكلمت بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر
وفي هذه الايام خرج شحنة اوانا وعكبرا يتصيد فوق تلك النواحي فلقيه جماعة من بني خفاجة فقتلوه فجيء به الى بيته بباب الازج فدفن في مقبرة احمد بن حنبل وكان كثير الخير والتدين لا يشرب الخمر ولا يشكي منه وكان مواظبا على حضور مجلسي
وفي يوم الاثنين غرة شعبان لكم رجل رجلا فمات في الحال
وانشأ امير المؤمنين مسجدا كبيرا في السوق عند عقد الجديد وتقدم بعمارته فعمر عمارة فائقة وكسى وقدم فيه عبد الوهاب ابن العيبي زوج ابنتي فصلى فيه بعد النصف من شعبان واجريت له مشاهرة وتقدم الي فصليت فيه بالناس التراويح ليلة وكان الزحام كثيرا فدخل على قلوب اهل المذهب ما شاء الله من الغم لكونه اضيف الى الحنابلة وقد كان يرجف به لغيرهم
وفي بكرة السبت خامس رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن وازدحم الناس حتى غلق الباب وكان امير المؤمنين حاضرا ثم تكلمت يوم الاثنين حادي عشرين رمضان في داره ايضا على تلك الصفة
وفي سحرة يوم الاربعاء سابع شوال هبت ربح عظيمة فزلزلت الدنيا بتراب عظيم حتى خيف ان تكون القيامة ثم جاء فيها برد ودام ذلك ساعة طويلة ثم انجلت وقد وقعت حيطان وتهدمت مواضع على اقوام مات منهم وارتث منهم ووقع سقف متصل بمنظرة الخليفة التي عند باب الحلبة وكانت الريح تقوى

تقوى ساعة وتخف ساعة الى وقت الضحى ثم اشتدت وملأت الدنيا ترابا فصعد اعنان السماء فتبين السماء منه مصفرة الى وقت العصر وزادت دجلة في عاشر شوال زيادة بلغت عشرين ذراعا على المعتاد وخاف الناس واشغلوا بالعمل في القورج ثم نقص الماء بعد ثلاثة ايام
وفي يوم الجمعة سلخ شوال بعد أذان الجمعة صعد غيم وجاء مطر شديد من جامع السلطان الى الرصافة فما فوق فكانت ثم غدران وامتلأت الصحارى والشوارع به ولم يأت بنهر معلى الا اليسير وورد حاج كثير من خراسان فاستأذن الوزير ابن رئيس الرؤساء في الحج فأذن له فعمل تركا جميلا وقيل انه اشترى ستمائة جمل وأقام منها مائة للمنقطعين واخرج معه الادوية ومن يطب المرضى واستصحب جماعة من اهل الخير والعلم ودخلنا اليه بكرة الثلاثاء نودعه فسلمنا عليه ثم قام فدخل الى الخدمة ثم خرج فعبر في سفينة الى ناحية الرقة وقد خرج اهل بغداد فامتلأت الشواطئ من الجانبين وامتدوا الى ما فوق معروف ينظرون اليه وخرج معه ارباب الدولة سوى صاحب المخزن فانه لم يلقه وأما استاذ الدار فانه ودعه في دار الخلافة وعبر معه تتامش وكان مريضا فرده حين صعد من السفينة وقال له انت مريض فعد فعاد فركب الوزير وبين يديه النقيبان وارباب الدولة والعلماء وضرب له بوق حين ركب فلما وصل باب قطفتا خرج رجل كهل فقال يا مولانا انا مظلوم وتقرب منه فزجره الغلمان فقال الوزير دعوه فتقدم اليه فضربه بسكين في خاصرته فصاح الوزير قتلني ووقع من الدابة ووقعت عمامته فغطى رأسه بكمه وبقي على قارعة الطريق وضرب ذلك الباطني بسيف فعاد فضرب الوزير واقبل حاجب الباب ينصره فضربه الباطني بسكين وعاد وضرب الوزير فقطع الباطني بالسيوف وبعض الناس يقولون كانوا اثنين وخرج منهم شاب بيده سكين فقتل ولم يعمل شيئا واحرقت أجساد الثلاثة وحمل الوزير الى دار هناك وجيء بحاجب الباب الى بيته واختلط الناس وما صدق احد أن يعود الى بيته في عافية وكان الوزير قد رأى في المنام قبل

ذلك انه عانق عثمان بن عفان وحكى عنه ولده انه اغتسل قبل خروجه وقال هذا غسل الاسلام واني مقتول بلا شك ومات الوزير بعد الظهر وتوفي حاجب الباب في الليل وغسل الوزير بكرة الاربعاء وحمل الى جامع المنصور فصلى عليه وحضر ارباب الدولة وصاحب المخزن ودفن عند ابيه وجاء مكتوب من الخليفة الى اولاده يطيب قلوبهم ويأمرهم بالقعود للعزاء فقعدوا يوم الخميس في داره فلم يحضر احد يومأ اليه لا من الامراء ولا من القضاة ولا من الشهود ولا من الصوفية بل كان هناك عدد يسير وتكلم في العزاء من عادته يتكلم في أعزية العوام من الطرقيين فتعجبت من هذه الحال وانه قد كان يكون عزاء بزاز احسن من ذلك وما كان انقطاع الناس الا رضا لصاحب المخزن لأنه كان يفارقه فلما كان في اليوم الثاني حضر الدار جماعة من الفقهاء بالنظامية فلم يقعد اولاده فلما علم الخليفة بالحال تقدم الى ارباب الدولة ومن جرت عادته بالحضور فحضر في اليوم الثالث صاحب الديوان وقاضي القضاة والنقيب وغيرهم وسألوا أن اتكلم عندهم في العزاء فنصب لي كرسي لطيف وتكلمت عليه والقراء يقرأون ومددت الكلام الى ان جاء خدم الخليفة بمكتوب منه يعزيهم ويأمرهم بالنهوض عن العزاء فقرأه ابن الأنباري قائما والناس كلهم قيام ثم انصرفوا
وفي يوم الجمعة ولى ابن طلحة حجبة الباب
وفي ليلة الاثنين بعث صاحب المخزن بغلامه من الليل الى تتامش ليحضر عنده وكانت له عادة بزيارته في الليل يخلوان للحديث فحضر عنده فوكل به في حجرة دار صاحب المخزن ونفذ الى بيته فأخذ من الخيل والكوسات وكل ما في الدار واختلفت الاراجيف في نوبته فقوم يقولون انهم في وضع الباطنية على قتل الوزير وذكر انه كتب الى امير المؤمنين مرارا يحرضه على الخروج للفرجة في الحاج فلما اتفق قتل الوزير خيف ان تكون نيته قد كانت رديئة وقوم يقولون انه كاتب أمراء خراسان وبقي موكلا به في دار صاحب المخزن

وفي عاشر ذي الحجة غسل الديوان ورتب وهيء ورجمت الظنون وتحازر الناس من يكون وزير فلما كان يوم العيد تقدم الى صاحب المخزن بالحضور في الديوان على وجه النيابة فحضر ورتب الموكب وانصرف
وجاء قوم من اهل المدائن بعد العيد فشكوا من يهود بالمدائن وانه كان لهم مسجد يصلى فيه الجماعة ويكثر فيه التأذين وهو الى جانب كنيسة اليهود فقال بعض اليهود قد آذيتمونا بكثرة الآذان فقال المؤذن ما نبالي تأذيتم ام لا فتنا وشوا وجرت بينهم خصومة استظهر فيها اليهود فجاء المسلمون يستنفرون ويستغيثون مما جرى عليهم من اليهود الى صاحب المخزن فأمر بحبس بعضهم ثم اطلقهم فخرجوا يوم الجمعة الى جامع الخليفة فاستغاثوا قبل الصلاة فخفف الخطيب الخطبة والصلاة فلما فرغ قاموا يستغيثون فخرج جماعة من الجند فضربوهم ومنعوهم من الاستغاثة فانهزموا فلما رأى العوام ما فعل بهم غضبوا نصرة للاسلام واستغاثوا وتكلموا بالكلام السيء وقلعوا طوابيق الجامع وضربوا بها الجند فوقع الآجر على المنبر والشباك ثم خرجوا فنهبوا دكاكين المخلطيين لأن أكثرهم يهود ووقف حاجب الباب بيده سيف مجذوب ليرد العوام وحمل عليهم نائبه فرجموه وانقلب البلد من ذلك وجاء قوم الى الكنيسة التي بدار البساسيري فنهبوها ونقضوا شبابيكها وقطعوا التوراة واخرجوها مقطعة الاوراق وما تجاسر يهودي يظهر وتقدم امير المؤمنين بنقض الكنيسة التي بالمدائن وأمر أن تجعل مسجدا ونصب بالرحبة واخشاب ليصلب عليها اقوام من العيارين فظنها العوام لتفزيعهم والتهويل عليهم لأجل ما فعلوا فعلقوا على الاخشاب في الليل جرذانا ميتة
واخرج يوم الاثنين سادس عشر ذي الحجة جماعة كانت لهم مدة في الحبس ذكر أنهم كانوا لصوصا بواسط وانهم قتلوا قوما هناك فصلبوا بالرحبة وكان فيهم شاب هاشمي وفي الجمعة المقبلة اقيم الجند بالسلاح يحفظون الجامع والرحبة خوفا مما جرى من العامة في الجمعة المقبلة الماضية فلم يتكلم احد وصار الجند في كل جمعة

يراعون الجامع حذرا من مثل ذلك

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
364 - احمد بن محمد
ابن بكروس الحمامي ابو العباس ولد سنة اثنتين وخمسمائة وقرأ القرآن على ابي العز ابن كادش وابي القاسم ابن الحصين وغيرهما وتفقه على شيخنا ابي بكر الدينوري وكان يكثر الصوم والصلاة فتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الامام احمد
365 - صدقة بن الحسين
ابن الحسن ابو الفرج الحداد ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة وكان في صباه قد حفظ القرآن وسمع شيئا من الفقه وكان له فهم فناظر وافتى الا انه كان يظهر من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته وكان لا ينضبط فكان من يجالسه يعثر منه على ذلك وكان يخبط الاعتقاد تارة يرمز الى انكار بعث الاجسام ويميل الى مذهب الفلاسفة وتارة يعترض على القضاء والقدر قال المصنف دخلت عليه يوما وعليه حرير فقال لي ينبغي ان يكون هذا على جمل لا علي انا وقال لي يوما انا لا اخاصم الا من فوق الفلك وقال لي القاضي ابو يعلى ابن الفراء مذ كتب صدقة كتاب الشفاء لابن سينا تغير وحدثني ابو الحسن علي بن عساكر المقرئ قال دخلت عليه فقال والله ما أدري من اين جأوا بنا ولا من أي مضيق يريدون ان يحملونا وحدثني عنه الظهير ابن الحنفي الفقيه قال دخلت عليه وهو مضيق قال اني لأفرح بتعثيري قلت لم قال لان الصانع يقصدني وكان طول عمره ينسخ باجرة فاتفق في آخر عمره ان تفقده بعض الاكابر فحكى لي عنه انه كان يقول انا كنت انسخ طول عمري لا اقدر على دجاجة فانظر كيف بعث لي الدجاج

والحلوى في وقت لا اقدر أن آكله وهذا من جنس اعتراضات ابن الريوندي وكنت انا أتأمل عليه اذا قام الى الصلاة فاكون في اوقات الى جانبه فلا ارى شفتيه تتحرك اصلا وكتب الي في قصيدة انشأها بخطه ... واحيرتا من وجود ما تقدمنا ... فيه اختيار ولا علم فنقتبس ... ونحن في ظلمات مالها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس ... مد لفين حيارى قد تكنفنا ... جهل تجهمنا في وجهه عبس ... والفعل فيه بلا ريب كلا عمل ... والقول فيه كلام كله هوس ...
وله في أخرى يذم الدنيا ... لا توطنها فليست بمقام ... واجتنبها فهي دار الانتقام ... أتراها صنعة من صانع ... ام تراها رمية من غير رامي ...
فلما كثر عثوري على هذا منه وعجز تأويلي له هجرته سنين ولم اصل عليه حين مات وحكي عنه ابو يعلى المقرئ قال كنا عنده فسمع صوت الرعد فقال فوق خباط واسفل خباط فقال ابو يعلى وقال ابياتا اخذتها منه بخطه وهي ... نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فألفيته غرا وليس له خبر ... فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغد وقد تكنفنا الشر ... فلا من يحل الزيج وهو منجم ... ولا من عليه الوحي ينزل والذكر ... يحل لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم اضلهم السكر ... عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر ...
وكان مع هذا الاعتقاد يعرف منه فواحش واغرى بالطلب من الناس لا عن حاجة فخلق ثلثمائة دينار ومات يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر وصلى عليه في رحبة الجامع ودفن بمقبرة باب حرب وكتب الى ابو بكر الدلال وكان من اهل السنة الجياد قال رأيت في ما يرى النائم كأني في سوق وكأن صدقة بن الحسين الحداد عريان وحوله جماعة فتبعته فصعد درجة فصعدت خلفه فقلت يا شيخ صدقة ما فعل الله بك فقال لي ما غفر لي فقلت له كذا قال نعم واعاد

القول مرة اخرى وغير عبارته قال قلت له اغفر لي قال ما اغفر لك ونزل من الدرجة فقلت اين تسكن فقال في بيت في خان فانتبهت فلقيت رجلا كان صديق صدقة فحدثته بما رأيت فقال لي اني رأيت في المنام امرأة اعرف انها ميتة فقلت لها رأيت صدقة قالت نعم وسألته ما فعل الله بك قال قد وكل بي كل ملك في السماء وقد ضايقوني حتى قد حنقوني فقلت اين تكون قال مسجون

366 - فاطمة بنت نصر
ابن العطار توفيت يوم الاربعاء سادس عشر رمضان واخرجت جنازتها بكرة الخميس الى جامع القصر ونحي شباط المقصورة لأجلها وحضر جميع ارباب الدولة سوى الوزير وصلى عليها اخوها صاحب المخزن وامتلأت الاسواق والشوارع بالناس اكثر من يوم العيد وتبعها الى مقبرة احمد بن حنبل خلق كثير من الاكابر ودفنت عند ابيها وشاع عنها الذكر الجميل والزهد في الدنيا وحدثني اخوها صاحب المخزن انها كانت كثيرة التعبد شديدة الخوف ما خرجت في عمرها من بيتها الا ثلاث مرات لضرورة وما كانت تلتفت الى زينة الدنيا
367 - محمد بن احمد
ابن عبد الجبار ابو المظفر الحنفي يقال له المشطب ولد سنة اثنتين وتسعين واربعمائة كان فقيها على مذهب ابي حنيفة مناظرا افتى ودرس سنين وتوفي ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الاولى وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الخيزران
368 - محمد بن اسعد
ابن محمد بن ابي منصور العطاري المعروف بحفدة ولد بطوس وكانت له معرفة جيدة بالخلاف وانس بالتفسير وكان يعظ بتبريز وناظر طويلا ودرس وافتى وقدم بغداد بعد الستين وخمسمائة فناظر بها وتوفي بتبريز في رجب هذه السنة

369 - محمد بن عبد الله
ابن هبة الله بن المظفر رئيس الرؤساء ابي القاسم ابن المسلمة ابو الفرج الوزير ولد في جمادى الآخرة من سنة اربع عشرة وخمسمائة وكان ابوه استاذ دار المقتفي وتولى المستنجد فأقره على ذلك ورفع قدره فوق ما كان فلما ولي المستضيء بأمر الله الخلافة استوزره وكان يحفظ القرآن وقد سمع الحديث وله مروءة واكرام للعلماء والفقراء ثم جرى له مع قيماز ما جرى فعزله الخليفة ثم مات قيماز فأعيد الى الوزارة وخرج من بيته الى الحج يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة فضربه الباطنية اربع ضربات على باب قطفتا فحمل الى دار هناك ولم يتكلم الا انه يقول الله الله وقال ادفنوني عند أبي ثم مات بعد الظهر وحمل يوم الخميس الى جامع المنصور فصلى عليه ولده الأكبر ودفن عند أبيه بمقبرة الرباط عند الجامع

370 - محمد بن محمد
ابن هبة الله بن احمد ابن الزيتوني ابو الثناء سمع الحديث ووعظ وانقطع في مسجده وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن في زاويته الملاصقة لمسجده

371 - محمد بن أبي نصر
ابو سعد ابن المعوج حاجب الباب قد ذكرنا انه ضربه الباطنية يوم قتل الوزير وحمل الى داره بنهر معلى فدفن بها

سنة
ثم دخلت سنة اربع وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه كان مفتتحها الثلاثاء فتقدم الي بالكلام تحت منظرة باب بدر فتكلمت بكرة وحضر امير المؤمنين وتكلمت هناك يوم عاشوراء حضر امير المؤمنين وقلت ولو أني مثلت بين يدي السدة الشريفة لقلت يا امير المؤمنين كن لله سبحانه مع حاجتك اليه كما كان لك مع غناه عنك انه لم يجعل احدا فوقك فلا ترض أن يكون أحد أشكر منك فتصدق يومئذ أمير المؤمنين عقيب المجلس بصدقات واطلق محبوسين
وانكسف القمر بعد ثلث الليل الاخير ليلة النصف من ربيع الاول فبقي على حاله الى ان غاب بعد طلوع الشمس وانكسفت الشمس يوم الاربعاء تاسع عشرين ربيع الاول وقت العصر فبقيت الى قريب الغروب كذلك
وولدت امرأة من جيراننا في بطن واحدة ثلاثة اولاد ابن وبنتان فعاشوا بعض اليوم وذلك في جمادى الاولى
وفي اوائل جمادى الآخرة تقدم امير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الامام احمد بن حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة وبني لها جانبان ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله امير المؤمنين وفي وسطه هذا قبر تاج السنة وحيد

الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الامام ابي عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الاولى فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة الف وتاب خلق كثير وقطعت شعور ثم نزلت فمضيت الى زيادة قبر احمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف
وفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الاولى اطلق تتامش الى داره وتقدم امير المؤمنين بعمل دكة بجامع القصر للشيخ ابي الفتح ابن المنى الفقيه الحنبلي جلس فيها يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة فماتوا اهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة وما كانت العادة قد جرت بذلك وجعل الناس يقولون لي هذا بسببك فانه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان حتى مال الى الحنابلة الا بسماع كلامك فشكرت الله تعالى على ذلك
ولقد قال لي صاحب المخزن ما يخرج الي شيء من عند السلطان فيه ذكرك الا يثني عليه وقال له يوما نجاح الخادم انت تتعصب لابن الجوزي فقال والله ما يتعصب له سيدك بقدر ما اتعصب له الا خمسين مرة وما يعجبه كلام غيره وكان يقول الوزير ابن رئيس الرؤساء ما دخلت قط على الخليفة الا جرى ذكر ابن الجوزي وصار لي خمس مدارس وهذا شيء ما رآه الحنابلة الا في زمني ولي مائة وثلاثون مصنفا الى اليوم وهي في كل فن وقد تاب على يدي اكثر من مائة الف وقطعت اكثر من عشرين الف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء
وفي يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة تكلمت بباب بدر وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد
وفي بكرة السبت رابع رجب حضر الناس الدعوة في دار امير المؤمنين على رسمهم في كل سنة فأكلوا ودبرت ختمات وقرأ القراء كلهم وعاد للختمة

ابن المهتدي الخطيب وانشد ابن شبيب
وتكلمت يوم الخميس بعد العصر تاسع رجب تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر والزحام شديد وبالغت في وعظ امير المؤمنين فمما حكيت له ان الرشيد قال لشيبان عظني فقال يا امير المؤمنين لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الامن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدر لك الخوف قال فسر لي هذا قال من يقول لك انت مسؤول عن الرعية فاتق الله انصح لك ممن يقول انتم اهل بيت مغفور لكم وانتم قرابة نبيكم فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله وقلت له في كلامي يا امير المؤمنين ان تكلمت خفت منك وان سكت خفت عليك فانا اقدم خوفي عليك لمحبتي لك على خوفي منك وتكلمت يوم السبت مفتتح رمضان في مدرستي بدرب دينار فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الابواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق من المفسدين
وخرج كانون ولم يأت فيه الا شيء يسير من المطر وخرج كانون الثاني خاليا عن مطر وكذلك خرج شباط وآذار وجاء نيسان مرة شيء يسير وشاع في الناس ان في الموصل الغلاء وفي ما حولها وانهم استسقوا فلم يسقوا واما دجلة فما رأيت فيها زيادة ولا انقطع الجسر طول السنة وهلك من الزرع ما كان سقيه بالمطر واجدبت واسط فكانوا ينقلون الطعام من بغداد اليها فمنع ذلك وصار الخبز الحواري كل ستة ارطال بقيراط والشعير كل اربعة ارطال بحبة وهم على حذر من الغلاء الشديد هذا والناس يحصدون
وجاء رجل الى بغداد في رمضان فذكر انه يضرب بالسيف والسكين فلا يعمل فيه ولكن ذكروا ان ذلك سيفه وسكينه خاصة وكان يقول لهم انا مشعبذ
وفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان كبس بالكرخ على رجل يقال له ابو السعادات ابن قرايا كان ينشد على الدكاكين ويقال انه كان يذكر على العوني وغيره من الرفض فوجدوا عنده كتبا كثيرة فيها سب الصحابة وتلقيفهم فأخذ فقطع لسانه بكرة الجمعة وقطعت يده ثم حط الى الشط ليحمل

الى المارستان فضربه العوام بالآجر في الطريق فهرب الى الشط فجعل يسبح وهو يضربونه حتى مات ثم أخرجوه وأحرقوه ثم رمي باقيه الى الماء فطفا بعد ايام فقالت العامة ما رضيته السمك وقالت العامة فيه الشعر الكثير المسمى بكان وكان فقال بعضهم ... زورو الشبيك وخلوا ... سرداب سامرا ... السنة خل المشبه حامض ... وقعت فيه هراك ...
ما رأيتم ابن قرايا رأيا ظهر فيه معجزة ان ردت بل وتقدم هذا عقوبة ذاك
ثم ريع جماعة من الروافض فجعلوا يحرقوا كتبا عندهم من غير أن يطلع عليها مخافة ان ينم عليهم وخمدت جمرتهم بمرة وصاروا أذل من اليهود
وفي ليلة السبت تاسع عشرين رمضان حضر الجماعة على طبق صاحب المخزن فتكلم ابن البغدادي الفقيه فقال ان عائشة قاتلت عليا عليه السلام فصارت من جملة البغاة فتقدم صاحب المخزن باقامته من مكانه ووكل به في المخزن وكتب الى امير المؤمنين بذلك فخرج التوقيع بتعزيره فجمع الفقهاء فقيل لهم ما تقولون فيما قال وهل يجوز أن يترك تعزيره اذا اقر بالخطأ فجعل هو يناظر على ما قال والفقهاء يردون ما يقول فقلت انا من بين الجماعة هذا رجل ليس له علم بالنقل وقد سمع انه جرى قتال ولعمري لقد جرى قتال ولكن ما قصدته عائشة ولا علي انما أثار الحرب سفهاء الفريقين ولولا علمنا بالسير لقلنا مثل ما قال وتعزير مثل هذا ان يقر بالخطأ بين الجماعة ويصفح عنه فكتب الى امير المؤمنين بذلك فوقع اذا كان قد أقر بالخطأ فيشترط عليه ان لا يعاود ثم أطلق
وجاء الخبر بقلة الماء في طريق مكة وبعدم العشب والجمال فنودي في الناس لا يخرج ماش ولا صاحب تجارة فقعد خلق كثير ورجع قوم قد قدموا من الموصل للحج فعادوا يبيعون زادهم وخرج من خرج على خوف ومخاطرة وعاد جماعة من الحلة ونزل اكثرهم في السفن فخرج عليهم عرب فأخذوا اكثر الاموال وقتل منهم قوم وشاع انه قدم قوم من الباطنية يريدون قتل

قوم من الاكابر فوقع الاحتراز وحكى لي ثقات ان الارض زلزلت بعد العصر يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة اربع مرات ولم احس انا بذلك
ومما جرى في هذا الشهر أن رجلا تاجرا اكرى مع مكارية من الموصل وكان معه الف دينار فعلم بها المكارية فسرقوها في الطريق فلم يتكلم حتى دخل بغداد فاستعدى عليهم فأحضرهم صاحب المخزن فأقر أحدهم اني أنا أخذتها وهي مدفونة في الياسرية فبعث فجيء بها فنقصت خمسين دينارا فطولب فقال هي مع قرابة لي فقال صاحب المخزن احبسوا هذا حتى نصلبه غدا فقام الرجل في الليل فصلب نفسه
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذي القعدة هبت ريح شديدة وغامت السماء نصف الليل وظهرت اعمدة مثل النار في اطراف السماء كأنها تتصاعد من الارض فاستغاث الناس استغاثة شديدة وبقي الامر على ذلك الى ضحوة ذي الحجة ولم ير الهلال ليلة الثلاثين فأرخ الناس الشهر بالجمعة على التمام وكان الهلال زائدا على الحد في الكبر والعلو فجعلنا ندهش من كبره
ومن العادة ان اول رمضان هو يوم الاضحى وهذا ليس كذلك فبقي الامر على هذا يوم الجمعة الى يوم الجمعة قبل الصلاة فوصل من بعض البلاد ما أوجب ان علم الناس ان اليوم يوم عرفة فأخرج المنبر وهيئت امور العيد وتقدم الى الجلوس عشية الجمعة فجلست للتعريف بباب بدر وامير المؤمنين حاضر

ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
372 - احمد بن عيسى
ابن ابي غالب ابو العباس الابروزي الضرير قرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه وناظر وكان فيه دين توفي يوم الجمعة عاشر رجب وصلى عليه يومئذ بجامع

القصر ودفن بمقبرة احمد بن حنبل
373 - سعد بن محمد
ابو الفوارس الصيفي الناقد الشاعر ويلقب بالحيص بيص سمع شيئا من الحديث ومدح الاكابر وتقدم عندهم على الشعراء ومن شعره يمدح الوزير علي بن طراد ... ما انصفت بغداد ناشئيها الذي ... كثر الثناء به على بغداد ... شاني اذا مد الجدال رواقه ... بصوارم غير السيوف حداد ... وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسيل مد الى قرار الوادي ... وذعرت ألباب الخصوم بخاطر ... يقظان في الاصدار والايراد ... فتصدعوا متفرقين كأنهم ... مال تفرقه يد ابن طراد ...
وقال ايضا ... كل ما وسعت حلمي جاهلا ... اوسع الجهل له فحش المقال ... واذا شاردة فهت بها ... سبقت مر النعامي والشمال ... عز بأسي أن أرى مضطهدا ... وأبى لي غرب عزمي أن أبالي ... لا تلمني في شقائي بالعلا ... رغد العيش لربات الحجال ... سيف عز زانه رونقه ... فهو بالطبع غني عن صقال ...
توفي ليلة الاربعاء سادس عشر شعبان هذه السنة
374 - شهدة بنت احمد
ابن عمر الابري المدعوة فخر النساء الكاتبة سمعت الحديث من ابن السراج وطراد وغيرهما وقرأت عليه كثيرا وكان لها خط حسن وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة وعاشت مخالطة للدار ولاهل العلم وكان لها بر وخير وقرئ عليها الحديث سنين وعمرت حتى قاربت المائة وتوفيت ليلة الاثنين رابع عشر المحرم وصلي عليها بجامع القصر وازيل شباك المقصورة لأجلها وحضرها خلق كثير وعامة العلماء ودفنت بمقبرة باب ابرز

375 - عمار بن سلامة
ابو البقاء الحراني كان من اماثل التجار كثير الصدقة ملازما لمجلس الذكر كثير الخشوع والبكاء متعصبا لأهل السنة مبالغا في حب أصحاب احمد بن حنبل مرض ثلاثة ايام وتوفي ليلة الاحد ثالث عشر محرم هذه السنة وصليت عليه بمدرستي بدرب دينار وحضر خلق كثير ودفن بمقبرة الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه
والله تعالى اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
تم الجزء الثامن من الكتاب المنتظم في تاريخ الملوك والامم بتمامه وكماله تأليف الشيخ الامام العالم الحافظ ابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين وكان الفراغ من تعليق جملته يوم السبت حادي عشرين ذي القعدة الحرام سنة اربع وخمسين وثمانمائة احسن الله عاقبتها في خير
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا الى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11