كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس

وقوله
( تمن يلذ المستهام بمثله ... وإن كان لا يغني فتيلا ولا يجدي )
( وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ... ولكنه غيظ الأسير على القد ) - من الطويل -
وقوله
( ومكائد السفهاء واقعة بهم ... وعداوة الشعراء بئس المقتني )
( لعنت مقاربة اللئيم فإنها ... ضيف يجر من الندامة ضيفنا ) - من الكامل -
وقوله
( وما الخيل إلا كالصديق قليلة ... وإن كثرت في عين من لا يجرب )
( إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب ) - من الطويل -
وقوله
( تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى منها وما يتوقع )
( ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع ) - من الكامل -
كأنه مأخوذ من قول لبيد
( أكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل ) - من الرمل -
وكقوله
( وأتعب خلق الله من زاد همه ... وقصر عما تشتهي النفس وجده )
( فلا ينحلل في المجد مالك كله ... فينحل مجد كان بالمال عقده )

( ودبره تدبير الذي المجد كفه ... إذا حارب الأعداء والمال زنده )
( فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ... ولا مال في الدنيا لمن قل مجده )
( إذا كنت في شك من السيف فابله ... فإما تنفيه وإما تعده )
( وما الصارم الهندي إلا كغيره ... إذا لم يفارقه النجاد وغمده ) - من الطويل -
وقوله
( إنما تنجح المقالة في المرء ... إذا وافقت هوى في الفؤاد )
( وإذا الحلم لم يكن في طباع ... لم يحلم تقادم الميلاد )
( إنما أنت والد والأب القاطع ... أحنى من واصل الأولاد ) - من الخفيف -
وقوله
( وما الحسن في وجه الفتى شرفا له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق )
( وما بلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق )
( وجائزة دعوى المحبة والهوى ... وإن كان لا يخفى كلام المنافق )
( وما يوجع الحرمان من كف حارم ... كما يوجع الحرمان من كف رازق ) - من الطويل -
وقوله
( إنما أنفس الأنيس سباع ... يتفارسن جهرة واغتيالا )
( من أطاق التماس شيء غلابا ... واقتسارا لم يلتمسه سؤالا )
( كل غاد لحاجة يتمنى ... أن يكون الغضنفر الرئبالا ) - من الخفيف -
وقوله
( لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال )

( وقلما يبلغ الإنسان غايته ... ما كل ماشية بالرجل شملال )
( إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال )
( ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما قاته وفضول العيش أشغال ) - من البسيط -
وقوله
( يرى الجبناء أن العجز حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم )
( وكل شجاعة في المرء تغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم ) - من الوافر -
قيل له أنى يكون الشجاع حكيما فقال هذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
( وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم )
( ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والعلوم )
وقوله
( ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ... يققا يميت ولا سوادا يعصم )
( والهم يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصبي ويهرم )
( ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم )
( لا يخدعنك من عدو دمعه ... وارحم شبابك من عدو يرحم )
( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم ) - من الكامل

قال ابن جني أشهد بالله لو لم يقل غير هذا البيت لتقدم به أكثر المحدثين
وهذه الأبيات كلها غرر وفرائد لا يصدر مثلها إلا عن فضل باهر وقدرة على الإبداع ظاهرة
( والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم )
( ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم )
( ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضر ويؤلم )
وقوله
( أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه ... حريصا عليها مستهاما بها صبا )
( فحب الجبان النفس أورده التقى ... وحب الشجاع النفس أورده الحربا )
( ويختلف الرزقان والفعل واحد ... إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا ) - من الطويل -
وقوله
( وفيك إذا جنى الجاني أناة ... تظن كرامة وهي احتقار )
( بنو كعب وما أثرت فيهم ... يد لم يدمها إلا السوار )
( بها من قطعه ألم ونقص ... وفيها من جلالته افتخار )
( لهم حق بشركك في نزار ... وأدنى الشرك في نسب جوار )
( لعل بنيهم لبنيك جند ... فأول قرح الخيل المهار )
( وما في سطوة الأرباب عيب ... ولا في ذلة العبدان عار ) - من الوافر

وقوله
( من اقتضى بسوي الهندي حاجته ... أجاب كل سؤال عن هل بلم )
( ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم )
( هون على بصر ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم )
( لا تشكون إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم )
( وكن على حذر للناس تستره ... ولا يغرنك منهم ثغر مبتسم )
( وقت يضيع وعمر أنت مدته ... في غير أمته من سائر الأمم )
( أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم ) - من البسيط -
وقوله
( الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني )
( فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان )
( ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الأقران )
( لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان ) - من الكامل -
وقوله يمدح كافورا
( لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب ... فكل بعيد الهم فيها معذب )
( ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... ولا أشتكي فيها ولا أتعتب )
( وبي ما يذود الشعر عني أقله ... ولكن قلبي يا ابنة القوم قلب )
( أما تغلط الأيام في بأن أرى ... بغيضا تنائي أو حبيبا تقرب ) - من الطويل

وقوله يمدحه أيضا
( أبي خلق الدنيا حبيبا تديمه ... فما طلبي منها حبيبا ترده )
( وأسرع مفعول فعلت تغيرا ... تكلف شيء في طباعك ضده ) - من الطويل -
وقوله يمدحه أيضا
( إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم )
( وعادي محبيه يقول عداته ... وأصبح في ليل من الشك مظلم ) - من الطويل -
ومنها
( وما كل هاو للجميل بفاعل ... ولا كل فعال له بمتمم )
ومنها
( فأحسن وجه في الورى وجه محسن ... وأيمن كف فيهم كف منعم )
( وأشرفهم من كان أشرف همه ... وأكثر إقداما على كل معظم )
( لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ... سرور محب أو مساءة مجرم )
وقوله يمدح المغيث بن علي العجلي
( فؤاد ما تسليه المدام ... وعمر مثل ما يهب اللئام )
( ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام )
( وما أنا منهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام )
( وشبه الشيء منجذب إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطغام )
( ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام )

( ولو حيز الحفاظ بغير عقل ... تجنب عنق صيقله الحسام ) - من الوافر -
وقوله
( أبدا تسترد ما تهب الدنيا ... فيا ليت جودها كان بخلا )
( فكفت كون فرحة تورث الغم ... وخل يغادر الوجد خلا )
( وهي معشوقة على الغدر لا تحفظ ... عهدا ولا تتمم وصلا )
( كل دمع يسيل منها عليها ... وبفك اليدين عنها تخلى ) - من الخفيف -
أي كل من أبكته الدنيا فإنما يبكي لفوت شيء منها ولا يخليها الإنسان إلا قسرا بفك يديه
وفي هذه القصيدة
( شيم الغانيات فيها فلا أدري ... لذا أنث اسمها الناس أم لا )
( ولذيذ الحياة أنفس في النفس ... وأشهى من أن يمل وأحلى )
( وإذا الشيخ قال أف فما مل ... حياة وإنما الضعف ملا )
( آلة العيش صحة وشباب ... فإذا وليا عن المرء ولى )
ومنها افتضاضه أبكار المعاني في المراثي والتعازي
كقوله
( سالم أهل الوداد بعدهم ... يسلم للحزن لا لتخليد ) - من المنسرح -
أي إذا مات الصديق يسلم صديقه للحزن لا للخلود لأن كلا ميت
( فما ترجى الخلود من زمن ... أحمد حاليه غير محمود )

أي أحمد حاليك أن تبقى مع صديقك وهو مع ذلك غير محمود لتعجيل الحزن وانتظار الأجل
وقوله
( المجد أخسر والمكارم صفقة ... من أن يعيش بها الكريم الأروع )
( والناس أنزل في زمانك منزلا ... من أن تعايشهم وقدرك أرفع )
( قبحا لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبح برقع )
( أيموت مثل أبي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع ) - من الكامل -
وقوله
( عدمته وكأني سرت أطلبه ... فما تزيدني الدنيا على العدم )
( من لا يشابهه الأحياء في شيم ... أمسى يشابهه الأموات في الرمم ) - من البسيط -
أحسن والله أبدع ما شاء
وقوله
( وقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب )
( سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها ... منعنا بها من جيئة وذهوب )
( تملكها الآتي تملك سالب ... وفارقها الماضي فراق سليب ) - من الطويل -
هذا كقول بعضهم في الموعظة وإن ما في أيديكم أسلاب الهالكين ويستخلفها الباقون كما تركها الماضون
( علينا لك الإسعاد إن كان نافعا ... بشق قلوب لا بشق جيوب )
( فرب كئيب ليس تندى جفونه ... ورب كثير الدمع غير كئيب )

( وللواجد المكروب من زفراته ... سكون عزاء أو سكون لغوب )
وقوله
( ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى ... أن الكواكب في التراب تغور )
( ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى ... رضوى على أيدي الرجال تسير )
( خرجوا به ولكل باك خلفه ... صعقات موسى يوم دك الطور )
( حتى أتوا جدثا كأن ضريحه ... في كل قلب موحد محفور )
( كفل الثناء له برد حياته ... لما انطوى فكأنه منشور ) - من الكامل -
وقوله في تعزية سيف الدولة عن أخته
( ولعمري لقد شغلت المنايا ... بالأعادي فكيف يطلبن شغلا )
( وكم انتشت بالسيوف من الدهر ... أسيرا وبالنوال مقلا )
( خطبة للحمام ليس لها رد ... وإن كانت المسماة ثكلا )
( وإذا لم تجد من الناس كفوا ... ذات خدر أرادت الموت بعلا ) - من الخفيف -
هذا أحسن ما قيل في مرثية حرم الملوك
وقوله في مرثية طفل لسيف الدولة وتعزيته عنه
( فإن تك في قبر فإنك في الحشا ... وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل )
( ومثلك لا يبكي على قدر سنه ... ولكن على قدر المخيلة والفضل )
( عزاءك سيف الدولة المقتدى به ... فإنك نصل والشدائد للنصل )

( ولم أر أعصى فيك للحزن عبرة ... وأثبت عقلا والقلوب بلا عقل )
( تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرجل )
( ويبقى على مر الحوادث صبره ... ويبدو كما يبدو الفرند على الصقل )
( وما الموت إلا سارق رق شخصه ... يصول بلا كف ويسعى بلا رجل )
( يرد أبو الشبل الخميس عن ابنه ... ويسلمه عند الولادة للنمل )
( إذا ما تأملت الزمان وصرفه ... تيقنت أن الموت ضرب من القتل )
( وما الدهر أهل أن يؤمل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل ) - من الطويل -
وقوله
( نحن بنو الدنيا فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه )
( تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هن من كسبه )
( فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجسام من تربه )
( لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه )
( لم ير قرن الشمس في شرقه ... فشكت الأنفس في غربه )
( يموت راعي الضأن في جهله ... موتة جالينوس في طبه )
( وربما زاد على عمره ... وازداد في الأمن على سربه )
( وغاية المفرط في سلمه ... كغاية المفرط في حربه )
( فلا قضى حاجته طالب ... فؤاده يخفق من رعبه ) - من السريع

ومنها الايجاع في الهجاء
كقوله
( إن أوحشتك المعالي ... فإنها دار غربه )
( أو آنستك المخازي ... فإنها لك نسبه ) - من المجتث -
وقوله
( إني نزلت بكذابين ضيفهم ... عن القرى وعن الترحال محدود )
( جود الرجال من الأيدي وجودهم ... من اللسان فلا كانوا ولا الجود )
( ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم ... إلا وفي يده من نتنها عود ) - من البسيط -
يعني العود الذي يتناوله المعالج للشيء القذر ليكون واسطة بينه وبين يده
وقوله
( العبد ليس لحر صالح بأخ ... لو أنه في ثياب الحر مولود )
( لا تشتر العبد إلا والعصا معه ... إن العبيد لأنجاس مناكيد )
( من علم الأسود المخصي مكرمة ... أقومه البيض أم آباؤه الصيد )
( أم أذنه في يد النخاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود )
( وذاك أن الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السود ) - من البسيط -
كأنه من قول أبي علي البصير
( عجز الراكب البصير وأولى ... منه بالعجز راجل مكفوف ) - من الخفيف -
وقوله
( فلا ترج الخير عند امرئ ... مرت يد النخاس في رأسه ) - من السريع

وقوله
( أخذت بمدحه فرأيت لهوا ... مقالي للأحيمق يا حكيم )
( ولما أن هجوت رأيت عيا ... مقالي لابن آوى يا حليم )
( فهل من غادر في ذا وهذا ... فمدفوع إلى السقم السقيم ) - من الوافر -
وقوله
( لقد كنت أحسب قبل الخصي ... بأن الرءوس مقر النهى )
( فلما نظرت إلى عقله ... رأيت النهى كلها في الخصى ) - من المتقارب -
وقوله يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ
( يمشي بأربعة على أعقابه ... تحت العلوج ومن وراء يلجم )
( وجفونه ما تستقر كأنها ... كطروفة أو فت فيها حصرم )
( وتراه أصغر ما تراه ناطقا ... ويكون أكذب ما يكون ويقسم )
( وإذا أشار مكلما فكأنه ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم )
( يقلي مفارقة الأكف قذاله ... حتى يكاد على يد يتعمم ) - من الكامل -
ومنها إبراز المعاني اللطيفة في معارض الألفاظ الرشيقة الشريفة والرمز بالطرف والملح
كقوله في الجمع بين مدح سيف الدولة وقد فارقه وبين مدح كافور وقد

قصده في بيت واحد
( فراق ومن فارقت غير مذمم ... وأم ومن يممت حير ميمم ) - من الطويل -
ثم قال معرضا بسيف الدولة
( وما منزل اللذات عندي بمنزل ... إذا لم أبجل عنده وأكرم )
( رحلت فكم باك بأجفان شادن ... علي وكم باك بأجفان ضيغم )
المصراع الثاني تصديق لقوله
( ليحدثن لمن ودعتهم ندم ... )
( وما ربة القرط المليح مكانه ... بأجزع من رب الحسام المصمم )
( فلو كان ما بي من حبيب مقنع ... عذرت ولكن من حبيب معمم )
وهذا أيضا مما نبهت عليه من إجرائه الممدوح من الملوك مجرى المحبوب في كثير من شعره
( رمى واتقى رمي ومن دون ما اتقى ... هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي )
وكقوله في مدح كافور والتعريض بالقدح في سيف الدولة
( قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم ... إلى غيوث يديه والشآبيب )
( إلى الذي تهب الدولات راحته ... ولا يمن على آثار موهوب )
( ولا يروع بمغرور به أحدا ... ولا يفزع موفورا بمنكوب )
( يا أيها الملك الغاني بتسمية ... في الشرق والغرب عن نعت وتلقيب ) - من البسيط

يعني أنا مستغن بشهرته عن لقب كلقب سيف الدولة
( أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محبا غير محبوب )
وهذا أيضا من ذاك
وقوله من قصيدة لسيف الدولة بعد ما فارق حضرته يعرض باستزادة يومه وشكر أمسه وهو من فرائده
( وإن فارقتني أمطاره ... فأكثر غدرانها ما نضب )
( وإني لأتبع تذكاره ... صلاة الإله وسقي السحب ) - من المتقارب -
ومنها في التعريض بكافور
( ومن ركب الثور بعد الجواد ... أنكر أظلافه والغبب )
وقوله في هز كافور والتعريض باستزادته
( أبا المسك هل في الكأس فضل أناله ... فإني أغني منذ حين وتشرب ) - من الطويل -
يقول مديحي إياك يطربك كما يطرب الغناء الشارب فقد حان أن تسقيني من فضل كأسك
( وهبت على مقدار كفي زماننا ... ونفسي على مقدار كفيك تطلب )
وقوله أيضا في التعريض بالاستزادة
( أرى لي بقربي منك عينا قريرة ... وإن كان قربا بالبعاد يشاب )
( وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أملت منك حجاب )
( أقل سلامي حب ما خف عنكم ... وأسكت كيما لا يكون جواب )

( وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب ) - من الطويل -
وكقوله في وصف الفرس
( ويوم كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس أيان تغرب )
( وعيني إلى أذني أغر كأنه ... من الليل باق بين عينيه كوكب ) - من الطويل -
أي كأنه قطعة من الليل وكأن الغرة في وجهه كوكب وعينه إلى أذنه لأنه كامن لا يرى شيئا فهو ينظر إلى أذني فرسه فإن رآه قد توجس بهما تأهب في أمره وأخذ لنفسه وذلك أن أذن الفرس تقوم مقام عينيه وتقول العرب أذن الوحشي أصدق من عينيه
( له فضلة عن جسمه في إهابه ... تجيء على صدر رحيب وتذهب )
( شققت به الظلماء أدنى عنانه ... فيطغى وأرخيه مرارا فيلعب )
أي إذا جذبت عنانه طغى برأسه لطماحه وعزة نفسه وإذا أرخيت عنانه لعب برأسه
( وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عنه مثله حين أركب )
وكقوله في التوديع
( وإني عنك بعد غد لغاد ... وقلبي في فنائك غير غاد )
( محبك حيث ما اتجهت ركابي ... وضيفك حيث كنت من البلاد ) - من الوافر -
وكقوله
( سر حيث شئت يحله النوار ... وأراد فيك مرادك المقدار )
( وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار )

( وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... حتى كأن صروفه أنصار )
( أنت الذي بجح الزمان بذكره ... وتزينت بحديثه الأسمار ) - من الكامل -
وكقوله في اللطف بالصديق والعنف بالعدو
( إني لأجبن عن فراق أحبتي ... وتحس نفسي بالحمام فأشجع )
( ويزيدني غضب العداة جراءة ... ويلم بي عتب الصديق فأجزع ) - من الكامل -
وكقوله في حسن الكناية
( تشتكي ما اشتكيت من ألم الشوق ... إلينا والشوق حيث النحول ) - من الخفيف -
وإنما كنى عن تكذيبها ولم يصرح به أي أنا أشتكي الشوق ونحولي يدل على ذلك وهي غير ناحلة فليست مشتاقة
وكقوله
( أبيض ما في تاجه ميمونه ... عفيف ما في ثوبه مأمونه ) - من الرجز -
أي عفيف الفرج فكنى به
وكقوله في حسن الحشو
( صلى عليك الله غير مودع ... وسقى ثرى أبويك صوب غمام ) - من الكامل -
غير مودع حشو ولكنه حسن
وكقوله
( ويحتقر الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا ) - من الطويل -
سبحان الله ما أحسن الحشو بقوله وحاشاك

وكقوله
( إذا خلت منك حمص لا خلت أبدا ... فلا سقاها من الوسمي باكره ) - من البسيط -
وكقوله في العيادة
( لا نعذل المرض الذي بك شائق ... أنت الرجال وشائق علاتها )
( ومنازل الحمى الجسوم فقل لنا ... ما عذرها في تركها خيراتها ) - من الكامل -
أي لا عذر للحمى في تركها جسمك إذ هو أفضل الجسوم
وكقوله
( قصدت من شرقها ومغربها ... حتى اشتكتك البلاد والسبل )
( لم تبق إلا قليل عافية ... قد وفدت تجتديكها العلل ) - من المنسرح -
وقوله
( تجشمك الزمان هوى وودا ... وقد يؤذى من المقت الحبيب )
( وكيف تعلك الدنيا بشيء ... وأنت لعلة الدنيا طبيب )
( وكيف تنوبك الشكوى بداء ... وأنت المستجار لما ينوب ) - من الوافر -
وكقوله في التهنئة وهي تهنئة سيف الدولة
( المجد عوفي إذ عوفيت والكرم ... وزال عنك إلى أعدائك الألم )
( وما أخصك في برء بتهنئة ... إذا سلمت فكل الناس قد سلموا ) - من البسيط

وكقوله
( إنما التهنئات للأكفاء ... ولمن يدني من البعداء )
( وأنا منك لا يهنئ عضو ... بالمسرات سائر الأعضاء ) - من الخفيف -
وكقوله
( الصوم والفطر والأعياد والعصر ... منيرة بك حتى الشمس والقمر )
( ما الدهر عندك إلا روضة أنف ... يا من شمائله في دهره زهر )
( ما ينتهي لك في أيامه كرم ... فلا انتهي لك في أعوامه عمر )
( فإن حظك من تكرارها شرف ... وحظ غيرك منها النوم والسهر ) - من البسيط -
وكقوله
( تغير حللي والليالي بحالها ... وشبت وما شاب الزمان الغرانق ) - من الطويل -
وكقوله
( تسود الشمس منا بيض أوجهنا ... ولا تسود بيض العذر واللمم )
( وكان حالهما في الحكم واحدة ... لو احتكمنا من الدنيا إلى حكم ) - من البسيط -
وقوله
( مشب الذي يبكي الشباب مشيبه ... فيكف توقيه وبانيه هادمه )
( وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح ولكن أحسن الشعر فاحمه ) - من الطويل

ومنها حسن المقطع
كقوله
( قد شرف الله أرضا أنت ساكنها ... وشرف الناس إذ سواك إنسانا ) - من البسيط -
قال ابن جني لا يعجبني قوله سواك إنسانا لأنه لا يليق بشرف ألفاظه ولو قال أنشاك أو نحو ذلك لكان أليق بالحال
قلت أنا ولو قال غير ما قاله لم يكن فصيحا شريفا
لأن في القرآن ( ثم سواك رجلا ) ولا أفصح ولا أشرف مما ينطق به كتاب الله عز ذكره وكقوله
( سما بك همي فوق الهموم ... فلست أعد يسارا يسارا )
( ومن كنت بحرا له يا علي ... لم يقبل الدر إلا كبارا ) - من المتقارب -
وكقوله يمدح سيف الدولة
( أنلت عبادك ما أملوا ... أنالك ربك ما تأمل ) - من المتقارب -
وكقوله في المغيث بن علي العجلي
( وأعطيت الذي لم يعط خلق ... عليك صلاة ربك والسلام ) - من الوافر -
ذكر آخر شعره وأمره
لما أنجحت سفرته وربحت تجارته بحضرة عضد الدولة
ووصل إليه من صلاته أكثر من مائتي درهم استأذنه في المسير عنها ليقضي حوائج في نفسه

ثم يعود إليها فأذن له وأمر بأن تخلع عليه الخلع الخاصة ويقاد إليه الحملان الخاص وتعاد صلته بالمال الكثير فامتثل ذلك وأنشده أبو الطيب الكافية التي هي آخر شعره وفي أضعافها كلام جرى على لسانه كأنه ينعي فيه نفسه وإن لم يقصد ذلك فمنه قوله
( فلو أني استطعت خفضت طرفي ... فلم أبصر به حتى أراكا ) - من الوافر -
وهذه لفظة يتطير منها ومنه
( إذا التوديع أعرض قال قلبي ... عليك الصمت لا صاحبت فاكا )
( ولولا أن أكثر ما تمنى ... معاودة لقلت ولا مناكا )
أي لو أن أكثر ما تمنى قلبي أن يعاودك لقله له ولا بلغت أنت أيضا منتك وهذا أيضا من ذاك ومنه
( قد استشفيت من داء بداء ... وأقتل ما أعلك ما شفاكا )
أي قد أضمرت يا قلب شوقا إلى أهلك وكان ذلك داء لك فاستشفيت منه بأن فارقت عضد الدولة ومفارقته داء لك أيضا أعظم من داء شوقك إلى أهلك وهذا شبه قول النبي ( كفى بالسلامة داء ) وقول حميد بن ثور
( وحسبك داء أن تصح وتسلما ... ) - من الطويل -
وأقتل ما أعلك ما شفاكا من ألفاظ الطيرة أيضا ومنه
( وكم دون الثوية من حزين ... يقول له قدومي ذا بذاكا )
الثوية من الكوفة يقول له قدومي ذا بذاك أي هذا القدوم بتلك الغيبة وهذا السرور بذلك الحزن لم يقل إن شاء الله تعالى ومنه
( ومن عذب الرضاب إذا انخنا ... يقبل رحل تروك والوراكا )

تروك اسم ناقة لم ير مثلها لعضد الدولة أمر له بها والوراك شيء يتخذه الراكب كالمخدة تحت وركه
( يحرم أن يمس الطيب بعدي ... وقد عبق العبير به وصاكا )
وهذا أيضا من تلك الألفاظ ومنه
( وفي الأحباب مختص بوجد ... وآخر يدعي معه اشتراكا )
( إذا اشتبهت دموع في خدود ... تبين من بكى ممن تباكى )
وهذا أيضا من ذاك ومنه
( فزل بعد عن أيدي ركاب ... لها وقع الأسنة في حشاكا )
هذه استعارة حسنة لأنه خاطب البعد وجعل له حشا ومنه
( وأيا شئت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا )
جعل قافية البيت الهلاك فهلك وذلك أنه ارتحل عن شيراز بحسن حال ووفور مال فلما فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمر به كاستمرارها في مملكة عضد الدولة ولم يقبل ما أشير به عليه من الاحتياط باستصحاب الخفراء والمبذرقين فجرى ما هو مشهور من خروج سرية من الأعراب عليه ومحاربتهم إياه وتكشف الوقعة عن قتله وابنه محسد ونفر من غلمانه وفاز الأعراب بأمواله وذلك في سنة أربع وخمسين وثلثمائة
أنشدني أبو القاسم المظفر بن علي الطبسي الكاتب لنفسه في مرثية المتنبي
( لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان )

( ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثان يرى لبكر الزمان )
( كان من نفسه الكبيرة في جيش ... وفي كبرياء ذي سلطان )
( كان في لفظة نبيا ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني ) - من الخفيف -
فصل وقد جمح بي القلم في إشباع هذا الباب وتذييله وتصييره كتابا برأسه في أخبار أبي الطيب والاختيار من أشعاره والتنبيه على محاسنه ومساويه وقد كان بعض الأصدقاء سألني عمل ذلك وله الآن فيه كفاية وبه غنية فإن أحب إفراده عن الأبواب كان كتابا على حدة وإن نشط لانتساخ الجميع تضاعفت الفوائد لديه وانثالت القلائد عليه بمشيئة الله وإرادته
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

278

الباب السادس
16 - في ذكر النامي والناشي والزاهي وإخراج غرر أشعارهم
أبو العباس أحمد بن محمد النامي شارع من فحولة شعراء العصر وخواص شعراء سيف الدولة وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة والرتبة وقد أخرجت من ديوانه ما هو شرط الكتاب من عقائل شعره وفرائد عقده فمن ذلك قوله من قصيدة
( له من هواها ما لصب متيم ... وذمة حب عهده لم يذمم )
( أفارق نفسي شعبة بعد شعبة ... فريقين باتا منجدا بعد متهم )
( فقد كثرت في كل أرض ديارهم ... ككثرة عذالي علي ولومي )
( ولم أر يوما كان أثلم للحشا ... من اليوم بين الجزع والمتثلم ) - من الطويل -
ومنها
( لكم يا بني العباس سيف على العدا ... حسام متى يعرض له الداء يحسم )
( أخف إلى يوم الوغى من حمامة ... وأثبت من شوق بقلب متيم )

وقوله من أخرى
( أمير العلا إن العوالي كواسب ... علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد )
( يمر عليك الحول سيفك في الطلا ... وطرفك ما بين الشكيمة واللبد )
( ويمضي عليك الدهر فعلك للعلا ... وقولك للتقوى وكفك للرفد ) - من الطويل -
ومنها في وصف أشعاره
( ريايحن أذهان سماحك غارس ... لها فاجنها بالعرف من روضة الحمد )
( من المذهبات الدارميات شرد ... تدق معانيها على الملك الكندي )
وقوله من أخرى
( أحقا أن قالتي زرود ... وأن عهودها تلك العهود )
( وقفت وقد فقدت الصبر حتى ... تبين موقفي أني الفقيد )
( وشكت في عذالي فقالوا ... لرسم الدار أيكما العميد ) - من الوافر -
ومثل هذا النمط من التشبيه قول السري
( إذا ما الراح والأترج لاحا ... لعينك قلت أيهما الشراب ) - من الوافر -
وقول بعض أهل العصر
( لي سيد فاتن يعلمني ... بحسنه كيف يعبد الصنم )
( لما رآني وفي يدي قلم ... لم يدر مولاي أينا القلم ) - من المنسرح

ومنها
( إليك صدعن أفئدة الليالي ... وفيهن السخائم والحقود )
( فعيدان الأراك لها عظام ... وأسقية السنان لها جلود )
ومنها
( وشعر لو عبيد الشعر أصغى ... إليه لظل لي عبدا عبيد )
( كأن لفكرة نشر ابن حجر ... ونودي من حفيرته لبيد )
وقوله من أخرى
( إلمامة بمغاني داره لمم ... إذ لا أمامة في دار لها أمم )
( بأي حكم لأيام الفراق نأت ... بناعب كاعب والبين يحتكم )
( عقلت عيسا كأني كنت حاسدها ... بدار سلمى وترب الدار مستلم )
( إحدى الحسان أساءت بي وقد صرمت ... يوم الحمى وهواها ليس ينصرم ) - من البسيط -
أخذه من قول ابن الرومي
( يا رب حسانه منهن قد فعلت ... سوءا وقد يفعل الأسواء حسان ) - من البسيط -
رجع
( كأن قلبي معار للنوى جزعا ... من قلب قرن علي وهو منهزم )
( ناط الحمائل في ليث وفي قمر ... وفي الحمائل قد نيطت به الهمم )
( كأنه أجل أو طرفه وجل ... أو سيفه قدر في الروح يحتكم )

( يا مظمئ الخيل أو تروى ذوابله ... والخيل تشرب من أشداقها اللجم )
( إذا ملائكة النصر اختلطت بها ... تشابه العالم النوري والنسم )
( لم تدع يا علم المجد المقابلنا ... إلا وسبح إجلالا لك العلم )
( لا يكتم النصر يوما أنت شاهده ... واليوم من نقعه قد كاد ينكتم )
( النصر أسرجها والعز ألجمها ... والحزم أمسك بالأسراج لا الحزم )
( قال النهار له والشمس مغمدة ... وللمنايا شموس غمدها القمم )
( هذا عجاج فأين الأفق وهو قنا ... وتلك خيل فأين الأرض وهي دم )
( بحد سيفك سيف الدولة انحطمت ... قواعد الشرك والأرواح تنحطم )
( يحدث الذئب ذئب وهو مبتهج ... ويخبر النسر نسر وهو مبتسم )
( قد أرضعتك ثدي الأرض درتها ... ورمحك ابن رضاع ليس ينفطم )
( من آل حمدان حيث الملك مقتبل ... والمال مقتسم والحمد مغتنم )
( قوم إذا حكموا يوما لأنفسهم ... جار السماح عليهم في الذي حكموا )
( أمن علا أم ندى أدعوك أم بهما ... فأنت ذا والحيا والصارم الخذم )
( إن يعجل الرأي تلحقه بغايته ... كذا الجواد من الإعجاب يحتدم )
( وإن تأنيت عزما لم يفتك عدا ... إن الأسود تمطى ثم تعتزم )
( إن لم أقم أمما للمدح من فكري ... فشك فيك يقيني أنك الأمم )
( إذا طلبتك لم ألحقك في أمد ... ما حيلتي قد تناهى دونك الكلم )
( وما علي إذا ما كنت ناظمها ... فعطلت كل ما قالوا وما نطموا )

وقوله من أخرى
( أمرن هوانا أن يصح لنسقما ... فأدمى قلوبا صاديات إلى الدمى ) - من الطويل -
ومنها
( أرتنا جنى العناب للورد ظالما ... ومن أقحوان مرمض متظلما )
ما أحسن هذا البيت وأظرفه وفيه كناية عن حك الوجه بالبنان المخضب وعض اليد بالثغر الأشنب
( طوى البين ديباج الخدود ونشرت ... يد البين وشيا للخدود منمنما )
( تقسمت الأهواء قلبي كما غدا ... نوال علي في العلا متقسما )
( ويوم كأجياد العذارى حليه ... فريد ندى في جيده قد تنظما )
( جلونا به وجهي عروس وكاعب ... على طفل زهر قد بكى وتبسما )
( وأخرس يصبينا بخمسة ألسن ... إلى أيها مد السنان تكلما )
( لدن غدوة حتى إذا الشمس ودعت ... مغاربها واستأذنتها التصرما )
( ثوينا كأنا بعض أبناء قيصر ... غدا فيهم سيف الأمير محكما )
( أطعت العلا حتى كأنك عبدها ... وإن كنت مولاها وكنت لها ابنما )
( مكارم لا تنفك تتعب حاسدا ... يؤخره سعي لها قد تقدما )
( زكت فكري فيها وأينع هاجسي ... فظلت على أهل القريض مقدما )
( وولد شعري فيك شعرا لمعشر ... فكنت عليهم مثل نعماك منعما )

وقوله من أخرى
( سلاها لم اسود الهوى في ابيضاضه ... وإلا سلاني كيف بيض مسودي )
( كأن برأسي عسكرين تحاربا ... فقد كثر استئمان جند إلى جند )
( وليل له نجم كليل عن السري ... تحير لا يهدى لقصد ولا يهدي )
( كأني وابن الغمد والطرف أنجم ... على قصدها والنجم ليس على قصد )
( إلى أن رأيت الفجر والنسر خاضب ... جناحيه ورسا عل بالعنبر الوردي )
( وحلت يد الجوزاء عقد وشاحها ... إزاء الثريا وهي مقطوعة العقد )
( فقلت أخيل التغلبي مغيرة ... أم الفجر يرمي الليل سدا على سد )
( فتى قسم الأيام بين سيوفه ... وبين طريفات المكارم والتلد )
( فسود يوما بالعجاج وبالردى ... وبيض يوما بالفضائل والمجد )
( ألم تر فرعونا وموسى تجاريا ... فغودرت العقبى لذي الحق لا الحشد )
( جهدت فلم أبلغ مداك بمدحة ... وليس مع التقصير عندي سوى جهدي )
( يزيد على شأوي زياد وجرول ... وقد غودر ابن العبد في نظمها عبدي ) - من الطويل -
وقوله من أخرى
( له سورة في البشر تقرأ في العلا ... وتثبت في صحف العطاء وتكتب )
( إذا ما علي أمطرتك سماؤه ... رأيت العلا أنواؤها تتحلب )
( يرجى ويخشى ضره وهو نافع ... كذا البحر في أزاته متهيب )

( يروع ويبدو الأنس منه كأنه الهوى ... لذعه بين الجوانح يعذب )
( وأزهر يبيض الندى منه في الرضى ... وتحمر أطراف القنا حين يغضب )
( أمير الندى ما للندى عنك مذهب ... ولا عنك يوما للرغائب مرغب )
( إذا فاخرت بالمكرمات قبيلة ... فتغلب أبناء العلا بك تغلب )
( قناة من العلياء أنت سنانها ... وتلك أنابيب عليها وأكعب )
( وخيل كأمثال القنا في لبودها ... فإن صهلت فهي اليراع المثقب )
( وضرب يريك الخيل مج نجيعه ... وأشبهها من لون أشقر يخضب ) - من الطويل -
وقوله من أخرى
( سألت بالفراق صبا وما ينبئها ... بالفراق مثل خبير )
( هو بين الحشا صدوع وفي الأعين ... ماء وجمرة في الصدور )
( نحن أبناء ذا الهوى تسكن الأنفس ... منا إلى الضنا والزفير )
( نال منا يوم الفراق كما نال ... من الناكثين سيف الأمير )
( في خميس للنصر فيه لواء ... عقده من لوائه المنصور )
( رجله كالدبا وفرسانه كالأسد ... بأسا وخيله كالصقور )
( وسجاياك يا أبا الحسن الغر ... وإتعابهن شكر الشكور )
( لو غدا الدهر صافحا لي عن الحظ ... وأعلى من جد حال عثور )
( لتعطرت من غبار مذاكيك ... رواحي وكان عطري بكوري )
( ثم صيرت من دماء أعاديك ... خلوقي وكان منه طهوري )

( ولقيت المنون تحت عواليك ... معدا ذخرا ليوم نشوري )
( سر على السعد تستظل من الأيام ... ظلي سلامة وحبور )
( بين فرضين من جهاد وشهر ... أنت في الناس مثله في الشهور )
( سمع النصر فيه أمرك لما ... خاطبته الأقدار بالتأمير )
( أنتم دارة العلا يا بني حمدان ... سكان بيتها المعمور )
( وتسيرون في القنا فترى الآجال ... مرتابة بذاك المسير )
( في شموس من الحديد عليها ... أنجم يفترون فوق بدور )
( وعجاج كأنه من دخان الند ... يلقى الهواء بالتعطير )
( عبق من علاكم فكأن الأرض ... مسك والجو من كافور )
( فتحبو بمدحتي فهي ريحانة ... حمد تبقى بقاء الدهور ) - من الخفيف -
وقوله من أخرى
( ومنازلين إذا بدوا في شارق ... شبوا ضياء وقوده بوقود )
( ردوا على داود صنعة سرده ... لغناهم بالصبر عن داود )
( لا يصبحون إذا انتضوا بيض الظبا ... وشبا القنا غير المنايا السود ) - من الكامل -
وقوله من أخرى
( ألم تر أعداء الأمير كوفره ... يظل لتوفير العلا غير وافر )
( وحساده مما تذوب كخيله ... بلغن مدى أنفاسهن الزوافر ) - من الطويل -
وقوله من أخرى
( وصارم مثل لحظ البرق أسلك في ... مثال جدول ماء فيه منسكب )

( تنأى به الهام عن أجسامهن كما ... تنأى الخواتيم عن مقروءة الكتب ) - من البسيط -
وقوله من أخرى
( في ناظر الشمس إن عنت له رمد ... ومسمع الرعد إن أصغى له صمم )
( يردها ونظام الملك متسق ... والموت في خرز الأعناق ينتظم )
( أسعد بعيد إذا كارمته حكمت ... لك المعاني وأمضى حكمها الكرم )
( عيد وفتح وملك والأمير له ... دامت سلامته ما أورق السلم )
( الله أعطاك أقسام الفخار فما ... خلق يساميك مذ حيزت لك القسم )
( لو كان يرضى لك الدنيا لما فنيت ... ونلت فيها خلودا أنت والنعم ) - من البسيط -
وقوله في صفة منارة
( سامية في الجو مثل الفرقد ... قاعدة فيه وإن لم تقعد )
( يكاد عاليها وإن لم يبعد ... يغرف من حوض الغمام باليد ) - من الرجز -
وقوله
( خليلي هل للمزن مقلة عاشق ... أم النار في أحشائها وهي لا تدري )
( أشارت إلى أرض العراق فأصبحت ... وكاللؤلؤ المبتول أدمعها تجري )
( تسربل وشيا من خروز تطرزت ... مطارفها طرزا من البرق كالتبر )
( سحاب حكت ثكلى أصيبت بواحد ... فعاجت له نحو الرياض على قبر )
( فوشي بلا رقم ونقش بلا يد ... ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر ) - من الطويل

ودخل على ناصر الدولة ويده وجعة قد لطخت بلطوخ فقال له هل قلت شيئا قال ما علمت قال فقل فقال ارتجالا
( يد في برئها برء الأيادي ... ووعك للطريف وللتلاد )
( يد الحسن التي خلقت سماء ... موكلة بأرزاق العباد ) - من الوافر -
17 - أبو الحسين الناشئ الأصغر
أنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني أبو الحسين الناشئ بحلب لنفسه
( إذا أنا عاتبت الملوك فإنما ... أخط بأقلامي على الماء أحرفا )
( وهبه ارعوى بعد العتاب ألم يكن ... تودده طبعا فصار تكلفا ) - من الطويل -
قال وأنشدني لنفسه
( ليس الحجاب من آلة الأشراف ... إن الحجاب مجانب الإنصاف )
( ولقل من يأتي فيحجب مرة ... فيعود ثانية بقلب صافي ) - من الكامل -
وله في سيف الدولة يودعه
( أودع لا أني أودع طائعا ... وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا )
( وأرجع لا ألقى سوى الوجد صاحبا ... لنفسي إن القيت بالنفس راجعا )
( تحملت عنا بالصنائع والعلا ... فنستودع الله العلا والصنائعا )
( رعاك الذي يرعى بسيفك دينه ... ولقاك روض العيش أخضر يانعا ) - من الطويل

وله
( إذا لم تنل همم الأكرمين ... وسعيهم وادعا فاغترب )
( فكم دعة أتعبت أهلها ... وكم راحة نتجت من تعب ) - من المتقارب -
وله أيضا
( يا خليلي وصاحبي ... من لؤي بن غالب )
( حاكم الحب جائر ... موجب غير واجب )
( لك صدغ كأنما ... نونه نون كاتب )
( يلذع الناس إذا تعقرب ... لذع العقارب ) - من مجزوء الخفيف -
18 - أبو القاسم الزاهي
وصاف محسن كثير الملح والظرف ولم يقع إلي شعره مجموعا وإنما تطرفته من أفواه الرواة واستفدته من التعليقات
أنشدني أبو نصر سهل بن المرزبان فيما أنشدنيه من النتف التي استفادها ببغداد وأتحفني به من اللطائف التي استصحبها منها للزاهي
( سفرن بدورا وانتقبن أهلة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا )
( وأطلعن في الأجياد بالدر أنجما ... جعلن لحبات القلوب ضرائرا ) - من الطويل

وإنما احتذى في البيت الأول مثال المتنبي في قوله
( بدت قمرا ومالت غصن بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا ) - من الوافر -
وممن نسج على هذا المنوال أبو عامر إسمعيل بن أحمد الشاشي فإنه قال من قصيدة
( رأيت على أكوارنا كل ماجد ... يرى كل ما يبقى من المال مغرما )
( ندوم أسيافا ونعلو قواضبا ... وننقض عقبانا ونطلع أنجما ) - من الطويل -
وقال أبو الحسن الجوهري في الخمر إلا أنه قلب التشبيه
( يقولون بغداد التي اشتقت برهة ... دساكرها والعكبري المقيرا )
( إذا فض عنه الختم فاح بنفسجا ... وأشرق مصباحا ونور عصفرا ) - من الطويل -
ولبعض أهل العصر في غلام مغن
( فديتك يا أتم الناس ظرفا ... وأصلحهم لمتخذ حبيبا )
( فوجهك نزهة الأبصار حسنا ... وصوتك متعة الأسماع طيبا )
( وسائلة تسائل عنك قلنا ... لها في وصفك العجب العجيبا )
( رنا ظبيا وغنى عندليبا ... ولاح شقائقا ومشى قضيبا ) - من الوافر -
وللزاهي
( أرى الليل يمضي والنجوم كأنها ... عيون الندامى حين مالت إلى الغمض )
( وقد لاح فجر يغمر الجو نوره ... كما انفجرت بالماء عين على الأرض ) - من الطويل

وأنشدني أبو سعد نصر بن يعقوب في كتابه كتاب روائع التوجيهات من بدائع التشبيهات للزاهي
( الريح تعصف والأغصان تعتنق ... والمزن باكية والزهر معتبق )
( كأنما الليل جفن والبروق له ... عين من الشمس تبدو ثم تنطبق ) - من البسيط -
ومن مشهور شعر الزاهي قوله
( لولا عذارك ما خلعت عذاري ... ولكنت في وزر من الأوزار )
( ما كنت أحسب أن أعاين أو أرى ... تخطيط ليل في بياض نهار )
( حتى نظرت إلى عذارك فاغتدى ... سقم القلوب ونزهة الأبصار )
( فتركت قولي في الوعيد لأجله ... وعزمت فيك على دخول النار ) - من الكامل -
ووجدت في كتاب أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان في مجموعة المترجم بحاطب الليل قصيدة للزاهي أولها
( الليل من فكري يصير ضياء ... والسيف من نظري يذوب حياء )
( والخيل لو حملتها علمي بها ... لتركتها تحت العجاج هباء ) - من الكامل -
ومنها
( أحصي على دهري الذنوب بمقلة ... لدموعها لا أملك الإحصاء )
سرقه من قول ديك الجن
( أنا أحصي فيك النجوم ولكن ... لذنوب الزمان لست بمحص ) - من الخفيف

رجع
( عجبا لصرف الدهر كيف يخون من ... غمر البرية نجدة ووفاء )
( عدم الصباح فناب عنه بفكره ... وعلت يداه فطاول الجوزاء )
وأنشدت له بيت معمى وما أراه قاله
( من كان آدم جملا في سنه ... هجرته حواء السنين من الدمى ) - من الكامل -
آدم في حساب الجمل خمس وأربعون وحواء خمسة عشر
وله في وصف الأترج
( وذات جسم من الكافور في ذهب ... دارت عليه حواشيه بمقدار )
( كأنها وهي قدامي ممثلة ... في رأس دوحتها تاج من النار ) - من البسيط

الباب السابع
19 - في ذكر أبي الفرج عبد الواحد الببغاء وغرر نثره ونظمه
هو أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي من أهل نصيبين
نجم الآفاق وشمامة الشام والعراق وظرف الظرف وينبوع اللطف واحد أفراد الدهر في النظم والنثر له كلام بل مدام بل نظام من الياقوت بل حب الغمام فنثره مستوف أقسام العذوبة وشروط الحلاوة والسهولة ونظمه كأنه روضة منورة تجمع طيبا ومنظرا حسنا
وقد أخرجت من شعره
ما يشهد بالذي أجريت من ذكره وإنما لقب بالببغاء للثغة فيه سيجري وصفها في ذكر ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابي من طرف المكاتبات وملح المجاوبات وكان في عنفوان أمره وريعان شبابه متصلا بسيف الدولة مقيما في جملته ثم تنقلت به بعد وفاة صاحبه الأحوال في وروده الموصل وبغداد ومنادمته بهما الملوك والرؤساء وإخفاقه مرة وإنجاحه أخرى وآخر ما بلغني من خبره ما سمعت الأمير أبا الفضل عبد الله بن أحمد الميكالي يورده من ذكر التقائه معه عند صدره من الحج وحصوله ببغداد في سنة تسعين وثلاثمائة ورؤيته بها شيخا عالي السن متطاول الأمد نظيف اللبسة بهي الركبة مليح اللثغة ظريف الجملة قد أخذت الأيام من جسمه وقوته ولم تأخذ من طرفه وأدبه وأنه مدح أباه الأمير أبا نصر بقصيدة فريدة أجزل عليها صلته ثم السلامي وغيره من شعراء العراق ثم عرض على القاضي أبو بشر الفضل بن محمد بجرجان سنة إحدى وتسعين كتاب

أبي الفرج الوارد عليه من بغداد مشتملا من النظم والنثر على ما أثرت فيه حال من بلغ ساحل الحياة ووقف إلى ثنية الوداع ولست أدري ما فعل الدهر به وأغلب ظني أنه إلى الآن قد لحق باللطيف الخبير وأنا أبدأ بسياق قصة له من عبارته وحكايته لم أسمع أظرف منها في فنها ولا ألطف ولا أعذب ولا أخف وإن كان فيها بعض الطول والبديع غير مملول
قال أبو الفرج تأخرت بدمشق عن سيف الدولة رحمه الله مكرها وقد سار عنها في بعض وقائعه وكان الخطر شديدا على من أراد اللحاق به من أصحابه حتى إن ذلك كان مؤديا إلى النهب وطول الاعتقال واضطررت إلى إعمال الحيلة في التخلص والسلامة بخدمة من بها من رؤساء الدولة الإخشيدية وكان سني في ذلك الوقت عشرين سنة وكان انقطاعي منهم إلى أبي بكر علي بن صالح الروزباري لتقدمه في الرياسة ومكانه من الفصل والصناعة فأحسن تقبلي وبالغ في الإحسان بي وحصلت تحت الضرورة في المقام فتوفرت على قصد البقاع الحسنة والمتنزهات المطرفة تسليا وتعللا فلما كان في بعض الأيام عملت على قصد دير مران وهذا الدير مشهور الموقع في الجلالة وحسن المنظر فاستصحبت بعض من كنت آنس به
وتقدمت لحمل ما يصلحنا وتوجهنا نحوه فلما نزلنا أخذنا في شأننا وقد كنت اخترت من رهبانه لعشرتنا من توسمت فيه رقة الطبع وسجاحة الخلق حسبما جرى به الرسم في غشيان الأعمار وطروق الديرة ومن التطرف بعشرة أهلها والأنسة بسكانها ولم تزل الأقداح دائرة بين مطرب الغناء وزاهر المذاكرة إلى أن فض اللهو ختامه ولوح السكر لصحبي أعلامه وحانت مني نظرة إلى بعض الرهبان فوجدته إلى خطابي متوثبا ولنظري إليه مترقبا فلما أخذته عيني أكب يزعجني بخفي الغمز ووحي الإيماء فاستوحشت لذلك وأنكرته ونهضت عجلان واستحضرته فأخرج إلي رقعة مختومة وقال لي قد لزمم فرض الأمانة فيما تضمنته هذه الرقعة وونى وسقط

ذمام كاتبها في سترها بك عني ففضضتها فإذا فيها بأحسن خط وأملحه وأقرئه وأوضحه
بسم الله الرحمن الرحيم
لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة يا مولاي بين حزم يحث على الانقباض عنك وحسن ظن يحض على التسامح بنفيس الحظ منك إلى أن استنزلتني الرغبة فيك على حكم الثقة بك من غير خبرة ورفعت بيني وبينك سجف الحشمة فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة والمستماح منك جعلني الله فداك زورة أرتجع بها اغتصبتنيه الأيام من المسرة مهنأة بالانفراد إلا من غلامك الذي هو مادة مسرتك
وما ذاك عن خلق يضيق بطارق ولكن لأخذي بالاحتياط على حالي فإن صادف ما خطبته منك أيدك الله قبولا ولديك نفاقا فمنية غفل الدهر عنها أو فارق مذهبه فيما أهداه إلي منها وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره وأهواه وأترقبه من قربك وأتمناه فذمام المروءة يلزمك رد هذه الوقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها
وإذا بأبيات تتلو الخطاب وهي
( يا عامر العمر بالفتوة والقصف ... وحث الكؤوس والطرب )
( هل لك في صاحب تناسب في ... الغربة أخلاقه وبالأدب )
( أوحشه الدهر فاستراح إلى ... قربك مستنصرا على النوب )
( فإن تقبلت ما أتاك به ... لم تشن الظن فيه بالكذب )
( وإن أتى الزهد دون رغبتنا ... فكن كمن لم يقل ولم يجب ) - من المنسرح

قال أبو الفرج فورد علي ما حيرني واسترد ما كان الشراب حازه من تميزي وحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة خطا وترسلا ونظما فشاهدته بالفراسة من ألفاظه وحمدت أخلاقه قبل الاختبار من رقعته وقلت للراهب ويحك من هذا وكيف السبيل إلى لقائه فقال أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا وأما السبيل إلى لقائه فمتسهل إن شئت قلت دلني قال تظهر فتورا وتنصب عذرا تفارق به أصحابك منصرفا وإذا حصلت بباب الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه فرددت الرقعة عليه وقلت ارفعها إليه ليتأكد أنسه بي وسكونه إلي وعرفه أن التوفر على إعمال الحيلة في المبادرة إلى حضرته على ما آثره من التفرد أولى من التشاغل بإصدار جواب وقطع وقت بمكاتبته ومضى الراهب وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي نهضت به فأنكروا ذلك فاعتذرت إليهم بشيء عرض لي واستدعيت ما أركبه وتقدمت إلى من كان معي ممن يخدم بالتوفر على خدمتهم وقد كنا عملنا على المبيت فأجمعوا على تعجل السكر والانصراف وخرجت من باب الدير ومعي صبي كنت آنس به وبخدمته وتقدمت إلى الشاكري برد الدابة وستر خبري ومباكرتي وتلقاني الراهب وعدل بي إلى طريق في مضيق وأدخلني إلى الدير من باب غامض وصار بي إلى باب قلاية متميز عما يجاوره من الأبواب نظافة وحسنا فقرعه بحركات مختلفة كالعلامة فابتدرنا منه غلام كأن البدر ركب على أزراره مهفهف الكشح مخطفه معتدل القوام أهيفه تخال الشمس برقعت غرته والليل ناسب أصداغه وطرته في غلالة تنم على ما تستره وتجفو مع رقتها عما تظهره وعلى رأسه مجلسية مصمت فبهر عقلي واستوقف نظري ثم أجفل كالظبي المذعور وتلوته والراهب إلى صحن القلاية فإذا أنا ببيت فضي

الحيطان رخامي الأركان يضم طارقة خيش مفروشة بحصير مستعمل فوثب إلينا منه مقتبل الشبيبة حسن الصورة ظاهر النبل والهيئة متزي من اللباس بزي غلامه فلقيني حافيا يعثر بسراويله واعتنقني ثم قال إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك يا سيدي لأجعل ما لعلك استحسنته من وجهه مصانعا عما ترد عليه من مشاهدتي فاستحسنت اختصاره الطريق إلى بسطي وارتجاله النادرة على نفسه حرصا في تأنيسي وأفاض في شكري على المسارعة إلى أمره وأنا أواصل في خلال سكناته المبالغة في الاعتداد به ثم قال يا سيدي أنت مكدود بمن كان معك والاستمتاع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك وقد كان الأمر على ما ذكر فاستلقيت يسيرا ثم نهضت فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفتها في دور أكابر الملوك وأجلة الرؤساء
وأحضرنا خادم له لم أر أحسن منه وجها ولا سوادا طبقا يضم ما يتخذ للعشاء مما خف ولطف فقال الأكل مني يا سيدي للحاجة ومنك للممالحة والمساعدة فنلنا شيئا وأقبل الليل فطلع القمر ففتحت مناظر ذلك البيت إلى فضاء أدى إلينا محاسن الغوطة وحبانا بذخائر رياضها من المنظر الجناني والنسيم العطري وجاءنا الراهب من الأشربة بما وقع اتفاقنا على المختار منه ثم اقتعدنا غارب اللذة وجرينا في ميدان المفاوضة فلم يزل يناهبني نوادر الأخبار وملح الأشعار ونخلط ذلك من المزح بأظرفه ومن التودد بألطفه إلى أن توسطنا الشراب فالتفت إلى غلامه وقال له يا مترف إن مولاك ما ادخر عنا السرور بحضوره وما يجب أن ندخر ممكنا في مسرته فامتقع وجه الغلام حياء وخفرا فأقسم عليه بحياته وأنا لا أعلم ما يريد ومضى فعاد يحمل طنبورا وجلس فقال لي يا سيدي تأذن لي في خدمتك فهممت بتقبيل يده لما تداخلني من عظم المسرة بذلك فأصلح الغلام الطنبور وضرب وغنى
( يا مالكي وهو ملكي ... وسالبي ثوب نسكي )

( نزه يقين الهوى فيك ... عن تعرض شك )
( لولاك ما كنت أبكي ... إلى الصباح وأبكي ) - من المجتث -
فنظر إلى الغلام وتبسم فعلمت أن الشعر له فكدت والله أطير طربا وفرحا بملاحة خلقه وجودة ضربه وعذوبة ألفاظه وتكامل حسنه فاستدعيت كيزانا فأحضرنا الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد المحكم فشربت سرورا بوجهه وشرب بمثل ما شربت ثم قال لي أنا والله يا سيدي أحب ترفيهك وأن لا أقطعك عما أنت متوفر عليه ولكن إذا عرفت الاسم والنسب والصناعة واللقب فلا بد أن تشي ليلتنا بشيء يكون لها طرازا ولذكرها معلما فجذبت الدواة وكتبت ارتجالا وقد أخذ الشراب مني
( وليلة أوسعتني ... حسنا ولهوا وأنسا )
( ما زلت ألثم بدرا ... بها وأشرب شمسا )
( إذا أطلع الدير سعدا ... لم يبق مذ بان نحسا )
( فصار للروح مني ... روحا وللنفس نفسا ) - من المجتث -
فطرب على قولي ألثم بدرا وأشرب شمسا وجذب غلامه فقبله وقال ما جهلت ما يجب لك يا سيدي من التوقير وإنما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته فبحياتي إلا فعلت مثل ذلك بغلامك فاتبعت آثاره خوفا من احتشامه وأخذ الأبيات وجعل يرددها ثم أخذ الدواة وكتب إجازة لها
( ولم أكن لغريمي ... والله أبذل فلسا )
( لو ارتضى لي خصمي ... بدير مران حبسا ) - من المجتث -
فقلت إذا والله ما كان أحد يؤدي حقا ولا باطلا وداعبته في هذا المعنى بما حضر وعرفت في الجملة أنه مستتر من دين قد ركبه وقال لي قد خرج لك أكثر الحديث فإن عذرت وإلا ذكرت لك الحال لتعرفها على صورتها فتبينت ما يؤثره من كتمان أمره فقلت له يا سيدي كل ما لا يتعرف بك نكرة
وقد

أغنت المشاهدة عن الاعتذار ونابت الخبرة عن الاستخبار وجعل يشرب وينخب علي من غير إكراه ولا حث ولا استبطاء إلى أن رأيت الشراب قد دب فيه وأكب على مجاذبة غلامه والفطنة تثنيه في الوقت بعد الوقت فأظهرت السكر وحاولت النوم وجاء الغلام ببرذعة ففرشها لي بإزاء برذعته فنهضت إليها وقام يتفقد أمري بنفسه فقلت له إن لي مذهبا في تقريب غلامي مني واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من هذه الحال في غلامه فتبسم وقال لي بسكره جمع الله لك شمل المسرة كما جمعه لي بك وأظهرت النوم وعاد يجاذب غلامه بأعذب لفظ وأحلى معاتبة ويخلط ذلك بمواعيد تدل على سعة وانبساط يد وغلامه تارة يقبل يده وتارة فمه وغلبتني عيناي إلى أن أيقظنى هواء السحر فانتبهت وهما متعانقان بما كان عليهما من اللباس فأردت توديعه وحاذرت إنباهه وإزعاجه فخرجت ولقيني الخادم يريد إيقاظه وتعريفه انصرافي فأقسمت عليه أن لا يفعل ووجدت غلامي قد بكر بما أركبه كما كنت أمرته فركبت منصرفا وعاملا على العود إليه والتوفر على مواصلته وأخذ الحظ من معاشرته ومتوهما أن ما كنت فيه منام لطيبه وقرب أوله من آخره واعترضتني أسباب أدت إلى اللحاق بسيف الدولة فسرت على أتم حسرة لما فاتني من معاودة لقائه وقلت في ذلك
( ويوم كأن الدهر سامحني به ... فصار اسمه ما بيننا هبة الدهر )
( جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا ... إلى دير مران المعظم والعمر )
( بحيث هواء الغوطتين معطر النسيم ... بأنفاس الرياحين والزهر )
( فمن روضة بالحسن ترفد روضة ... ومن نهر بالفيض يجري إلى نهر )
( وفي الهيكل المعمور منه افترعتها ... وصحبي حلالا بعد توفية المهر )
( ونزهت عن غير الدنانير قدرها ... فما زلت منها أشرب التبر بالتبر )

( وحل لنا ما كان منها محرما ... وهل يحظر المحظور في بلد الكفر )
( فأهدت لي الأيام فيه مودة ... دعتني في ستر فلبيت في ستر )
( أتى من شريف الطبع أصدق رغبة ... تخاطبني عن معدن النظم والنثر )
( وكان جوابي طاعة لا مقالة ... ومن ذا الذي لا يستجيب إلى اليسر )
( فلاقيت ملء العين نبلا وهمة ... محلى السجايا بالطلاقة والبشر )
( وأحشمني بالبر حتى ظننته ... يريد اختداعي عن جناني ولا أدري )
( ونزه عن غير الصفاء اجتماعنا ... فكنت وإياه كقلبين في صدر )
( وشاء السرور أن يلينا بثالث ... فلاطفنا بالبدر أو بأخي البدر )
( بمعطي عيون ما اشتهت من جماله ... ومضني قلوب بالتجنب والهجر )
( جنينا جني الورد في غير وقته ... وزهر الربا من روض خديه والثغر )
( وقابلنا من وجهه وشرابه ... بشمسين في جنحي دجى الليل والشعر )
( وغنى فصار السمع كالطرف آخذا ... بأوفر حظ من محاسنه الزهر )
( وأمتعنا من وجنيته بمثل ما ... تمزج كفاه من الماء والخمر )
( سرور شكرنا منة الصحو إذا دعا ... إليه ولم نشكر به منة السكر )
( كأن الليالي نمن عنه فعندما ... تنبهن نكبن الوفاء إلى الغدر )
( مضى وكأني كنت فيه مهوما ... يحدث عن طيف الخيال الذي يسري )
( وهل يحصل الإنسان من كل ما به ... تسامحه الأيام إلا على الذكر ) - من الطويل -
ولم أزل على أتم قلق وأعظم حسرة وأشد تأسف على ما سلبته من فراق الفتى لا سيما ولم أحصل منه على حقيقة علم ولا يقين خبر يؤديانني إلى الطمع

في لقائه إلى أن عاد سيف الدولة إلى دمشق وأنا في جملته فما بدأت بشيء قبل المصير إلى الراهب وقد كنت حفظت اسمه فخرج إلي مرعوبا وهو لا يعرف السبب فلما رآني استطار فرحا وأقسم ألا يخاطبني إلا بعد النزول والمقام عنده يومي ذلك ففعلت فلما جلسنا للمحادثة قال ما لي لا أراك تسأل عن صديقك قلت والله ما لي فكر ينصرف عنه ولا أسف يتجاوز ما حرمته منه ولا سررت بعودي إلى هذه البلدة إلا من أجله ولذلك بدأت بقصدك فاذكر لي خبره فقال لي أما الآن فنعم هذا فتى من المادرانيين جليل القدر عظيم النعمة كان ضمن من سلطانه بمصر ضياعا بمال كثير فخاس به ضمانه لقعود السعر وأشرف على الخروج من نعمته فاستتر ولما اشتد البحث عنه خرج متخفيا إلى أن ورد دمشق بزي تاجر فكان استتاره عند بعض إخوانه ممن أخدمه فإني عنده يوما إذ ظهر لي وقال لصديقه إني أريد الانتقال إلى هذا الراهب إن كان علي مأمونا فذكر له صديقه مذهبي وأظهرت السرور بما رغب فيه من الأنس بي وأنا لا أعرفه غير أن صديقي قد أمرني بخدمته وحصل في قلايتي فواصل الصوم فلما كان بعد أيام جاءنا الرسول من عند صديقنا ومعه الغلام والخادم وقد لحقا به ومعهما سفاتج وعليهما ثياب رثة
فلما نظر إلى الغلام قال يا راهب قد حل الفطر وجاء العيد ووثب إليه فاعتنقه وجعل يقبل عينيه ويبكي ووقف على السفاتج فأنفذها مع درج رقعة منه إلى صديقه فلما كان بعد يومين حمل إليه ألفي دينار وقال له ابتع لنا ما نستخدمه في هذه الضيعة فابتاع آلة وفرشا ولم يزل مكبا على ما رأيت إلى أن ورد عليه بالبغال والآلات الحسنة وكتب أهله باجتماعهم إلى صاحب مصر وتعريفهم إياه الحال في بعده عن وطنه لضيق ذات يده عما يطالب به والتوقيع

بحطيطة المال عنه مقترنا بالكتب فلما عمل على المسير قال لغلامه سلم جميع ما بقي معك من نفقتنا إلى الراهب ليصرفه في مصالح الدير إلى أن نواصل تفقده من مستقرنا وسار وما له حسرة غيرك ولا أسف إلا عليك يقطع الأوقات بذكرك ولا يشرب إلا على ما يغنيه الغلام من شعرك وهو الآن بمصر على أفضل الأحوال وأجلها ما يبخل بتفقدي ولا يغب بري فتعجلت بعض السلوة بما عرفت من حقيقة خبره وأتممت يومي عند الراهب وكان آخر العهد به انتهى كلامه
في بيان غرر من رسائله الموصولة بمحاسن شعره
كتب إلى سيف الدولة يذكر منصرفه من بعض الغزوات ظافرا إلى الثغر ومقامه على ابن الزيات صاحبه وقد عصي وأخذه إياه وانكفاءه بعد ذلك إلى حلب
الرياسة أيد الله سيدنا حلة موموقة ومرتبة مرموقة يتفاضل الناس فيها بقدر الهمم وينالونها بحسب مراتبها من الكرم فما تدرك إلا بالسماح ولا تملك إلا بأطراف الرماح
ولا تتقمص إلا بالحمد
ولا تخطب إلا بلسان المجد فكل من أدركها طلبا واستحقها بأفعاله لقبا من غير الدخول لسيدنا تحت شرف التعبد ورق الإخلاص لا التودد فقد حرم نيل الكمال وعدل عن الحقيقة إلى المحال
( لأنه الغاية القصوى التي عجزت ... عن أن تؤمل إدراكا لها الهمم )
( ما تستحق ملوك الدهر مرتبة ... في الفضل إلا له من فوقها قدم )

( ذكاؤه إن دجا ليل الشكوك ضحى ... وظله إن خطا صرف الردى حرم )
( فلو عدا الكرم الموصوف راحته ... عن أن يجاوزها لم يكرم الكرم ) - من البسيط -
الشجاعة أقل أدواته والبلاغة أصغر صفاته يطرق الدهر إذا نطق وينطق المجد إذا افتخر
فالآمال موقوفة عليه والثناء أجمع مصروف إليه نهض بما قعدت همم الملوك عن ثقله وضعف الدهر عن معاناة مثله
بهمم سيفية وعزائم علوية فرد شمل الدين جديدا وذميم الأيام حميدا بحق أوضحه وخلل أصلحه
وهدى أعاده وضلال أباده
( فلا انتزع الله الهدى عز بأسه ... ولا انتزع الله الوغى عزنصره )
( وأحسن عن حفظ النبي وآله ... ورعي سوام الدين توفير شكره )
( فما تدرك المداح أدنى حقوقه ... بإغراق منظوم الكلام ونثره ) - من الطويل -
لأن أدنى نعمة تستغرق جماع الشكر وأيسر منة تفوت المبالغة في جميل الذكر فأما هذا الفتح الشريف خطره الحميد أثره المشهور بلاؤه الواجب ثناؤه الباسق فرعه العام نفعه فأشرف من أن يحد بالصفات أو يعد بأفصح العبارات لإجراء الله تعالى سيدنا فيه من نيل الإرادة على مشكور العرف والعادة فيما ابتسم به من ثغر الدين وشمل صلاحه كافة المسلمين
( كأنما ادخر الرحمن معظمة ... دون الملوك لسيف الدولة البطل )
( رآه أكرمهم في الخير إن ذكروا ... وصفا وأفضلهم في القول والعمل )
( فهزه وظبا الأسياف مغمدة ... واستله غير منسوب إلى الفلل )

( حتى غدا الدين من بعد العبوس به ... جذلان يرفل من نعماه في حلل )
( فلو تكلم في حال وقيل له ... من خير هذا الورى لم يسم غير علي ) - من البسيط -
وله من رسالة أخرى
شهاب ذكاء وطود وفاء وكعبة فضل وغمامة بذل وحسام حق ولسان صدق
فالليالي بأفعاله مشرقة والأقدار لخوفه مطرقة تحمده أولياؤه وتشهد له بالفضل أعداؤه
( يقابلنا البدر من برده ... ويشملنا السعد من سعده )
( ولو فخر المجد لم تلقه ... فخورا شيء سوى مجده ) - من المتقارب -
وله من رسالة أخرى
ثم إن شكري نعمة الله تعالى بما جددت من ملاحظة سيدنا حالي وتداركه بطول التطول مرض آمالي ما لا أؤمل مع المبالغة والإغراق فيه فك نفسي بحال من رق أياديه غير أني أحسن لها النظر وأجمل عندها الأحدوثة والخبر بالدخول في جملة الشاكرين والاتسام بفضيلة المخلصين إذ كان أدام الله عزه قد نصر نباهتي على الخمول واستنقذني من التعهد للتأميل
( فصرت أمسك عن أوصاف نعمته ... عجزا وينطق عن آثارها حالي )
( لما تحصنت من دهري بمعقله ... سمت بحملانه ألحاظ إقبالي )
( وواصلتني صلات منه رحت بها ... أختال ما بين عز الجاه والمال )
( فلينظر الدهر عقبي ما صبرت له ... إذ كان من بعض حسادي وعذالي )
( ألم أكده بحسن الانتظار إلى ... أن صنت حظي عن حل وترحال )

( بلغت ما لا يجوز السؤل نائله ... ولا يدافع عن فضل وإفضال )
( يا عارضا لم أشم مذ كنت بارقه ... إلا رويت بغيث منه هطال )
( رويد جودك قد ضاقت به هممي ... ورد عني برغم الدهر إقلالي )
( لم يبق لي أمل أرجو نداك به ... دهري لأنك قد أفنيت آمالي ) - من البسيط -
والله ينهضني من شكر طوله والنهوض بحقوق فضله
لما يبلغني رتبة الزيادة ونيل السؤل والإرادة بمنه وكرمه
وله من رسالة إليه يلتمس رسمه من الكسوة
والعادة جارية بإعانتي على ما أوثره من التجمل في الخدمة بمتابعة النظر ومواصلة التفقد
( فإن رأى لا رأى سوءا ولا برح الإقبال ... مشتملا أيام دولته )
( أن يقتضي لي من إنعامه خلعا ... تنوب عن منطقي في شكر نعمته )
( إذا تأملها الحساد لائحة ... تيقنوا أنها عنوان نيته ) - من البسيط -
فعل إن شاء الله
وله من رسالة إلى المهلبي الوزير
ولما كانت مناقب سيدنا من المعجز الذي لا يتعاطى استطاعة الوصف مطالوته ولا إمكان البلاغة مساجلته عدلت إلى شكر الله تعالى على ما ألهمنيه من تأميل سيدنا والتجمل بحمل منته واكتساب الشرف بسمة ذكره
متحققا أني على البعد منه حاضر بالإخلاص لا حق بذوي الحظوة والاختصاص
إذ كانت خدمة مثلي إنما هي بلبه لا بقربه وبفهمه لا بجسمه
( وفي الحقيقة لولا أن معتقلي ... عن السرى جود سيف الدولة الملك )

( لما اقتصرت على غير المسير إلى ... من حظه في المعالي غير مشترك )
( لكنه فلك الفضل المحيط وما ... من عادة الشمس أن تنأى عن الفلك ) - من البسيط -
وفي هذه الرسالة
( وإن رأى المتناهي من سيادته ... إلى المحل الذي لم يرقه أحد )
( أن يقتضي لي حظا من مكارمه ... يغري على العدى من أجله الحسد )
( فالشمس تدنو ضياء وهي نازحة ... والسحب تروي ومن أوطانها البعد ) - من البسيط -
وله من رسالة إلى أبي محمد جعفر بن محمد بن ورقاء
وقد كنت أوثر أن لا يصدر كتابي هذا إلا بقصيدة في الأمير غير أن الوقت لم يتسع لما أوثره فأنفذت هذه الأبيات وأرجو أن يكون موقعها باسطا لي إلى ما أوثره من المواصلة بأمثالها ولا والله ما حسبت فيها ولا فيما تقدمها من المنثور عنان القلم وهي
( جاد ربعا حللته يا همام ... من ندى كفك العزيز رهام )
( فقبيح إن استزدت له صوب ... غمام وأنت فيه غمام )
( ما بأرض لم تبد فيها صباح ... ما بدار حللت فيها ظلام )
( وإذا ما حللت في بلد فهو ... جميع الدنيا وأنت الأنام )
( سؤدد عنده التفاخر ذل ... وندى عنده الكرام لئام )
( وسجايا كأنها الروض إلا ... أنها للعدو موت زؤام )
( أنتم أنفس العلا يا بني ورقاء ... والناس كلهم أجسام )

( سخط المال من أكفكم ما ... حمدته السيوف والأقلام ) - من الخفيف -
وله من رسالة كتبها بعد وفاة سيف الدولة إلى عدة الدولة أبي تغلب بن ناصر الدولة يذكر رغبته في قصده وإيثاره الانقطاع إليه وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة
ومن أبرز لسيدنا صفحة رجائه ووفق للانقطاع إلى سعة نعمائه فقد استظهر لما بقي من عمره وحكم لنفسه بالفوز على دهره
( فما يقدح الفقر في حاله ... ولا يطمع الدهر في قصده )
( وكيف وقد صار ضيف الغمام ... وهو قريب على بعده )
( ومن علقت بأبي تغلب ... يداه احتذى البدر من سعده )
( همام قضى الله من عرشه ... له بالإمارة في مهده )
( فطود السيادة في دسته ... وشمس الرياسة في برده ) - من المتقارب -
ولما ورد الجواب عن مكتوبه مقرونا بإزاحة العلة في جميع ما يحتاج إليه في سفره والتوقيع بالمبادرة في المسير إلى الموصل وردها ولقي أبا تغلب برسالة طويلة منها
أفصح دلائل الإقبال وأصدق براهين السعادة أطال الله بقاء سيدنا ما شهدت العقول بصحته ونطقت البصائر بحقيقته ونعمة الله تعالى على الدين والدنيا بما أولاهما من اختيار سيدنا لحراستهما بناظر فضله وسترهما بظل عدله مفصحة بتكامل الإقبال مبشرة بتصديق الآمال
( محروسة ضمن الشكر الوفي لها ... عن الزيادة نيل السؤل في الدرك )
( تحقق الدهر أن الملك منذ نشا ... له أبو تغلب اسم غير مشترك )

( واستخلف الفلك الدوار همته ... فلو ونى أغنت الدنيا عن الفلك ) - من البسيط -
موفر الحسنات مأمون الهفوات متناصر الصفات ربعي النفاسات حمداني السياسة ناصري الرياسة عطاردي الذكاء موفق الآراء شمسي التأثير فلكي التدبير قمري التصوير للصدق كلامه والعدل أحكامه وللوفاء ذمامه وللحسام عناؤه وللقدر مضاؤه وللسحاب عطاؤه
( دعوته فأجابتني مكارمه ... ولو دعوت سوى نعماه لم تجب )
( وجدته الغيث مشغوفا بعادته ... والروض يجني بما في عادة السحب )
( لو فاته النسب الوضاح كان له ... من فضله نسب يغني عن النسب )
( إذا دعته ملوك الأرض سيدها ... طرا دعته المعالي سيد العرب ) - من البسيط -
فأجمل بره وتقبله مدة مقامه بحضرته إلى أن سار عنها إلى مدينة السلام سنة تسعة وخمسين وثلاثمائة وجعل يعاود الموصل مرة ومدينة السلام أخرى
وله من رسالة شكر
وكأني أرى عواقب اشتمالك علي وتفقدك المتواصل إلي من مرآة العقل وبصيرة الذكاء والفضل إذ كانت أمارات الإقبال على حالي بك لائحة وشواهد السعادة لدي بعنايتك واضحة
( فمن نظر يسارع في صلاحي ... ومن وصف يحث على نفاقي )
( فإنعام أسر من التداني ... على عدم أفظ من الفراق ) - من الوافر

وله في مثلها
من كان جميل رأي سيدنا عدته أمن من الدهر شدته ومن فزع إلى إحسانه استظهر على زمانه ومن توجه برغبته إليه لم تقدم الأيام عليه
( وأنا الذي علمت من طلب الغنى ... كيف الطريق إلى الغنى برجائه )
( فظللت مخصوصا بحمد عفاته ... وغدوت ممدوحا بشكر عطائه )
( وأفدت قدما معجزات فضائلي ... من نور فطنته ونار ذكائه )
( فإذا نطقت نطقت من ألفاظه ... وإذا وهبت وهبت من نعمائه ) - من الكامل -
ذكر ما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابي
كان كل منهما يتمنى لقاء صاحبه ويكاتبه ويراسله فاتفق أن أبا الفرج قدم مرة بغداد وأبو إسحاق معتقل منذ مدة بعيدة فلم يصبر عنه فزاره في محبسه ثم انصرف عنه ولم يعاوده فكتب إليه أبو إسحاق
( أبا الفرج اسلم وابق وانعم ولا تزل ... يزيدك صرف الدهر حظا إذا نقص )
( مضى زمن تستام وصلي غاليا ... فأرخصته والبيع غال ومرتخص )
( وآنستني في محبسي بزيارة ... شفت كمدا من صاحب لك قد خلص )
( ولكنها كانت كحسوة طائر ... فواقا كما يستفرص السارق الفرص )
( وأحسبك استوحشت من ضيق محبسي ... وأوجست خوفا من تذكرك القفص )
( كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه ... إذا عاين الأشراك تنصب للقنص )

( فحوشيت يا قس الطيور فصاحة ... إذا أنشد المنظوم أو درس القصص )
( من المنسر الأشغى ومن حزة المدى ... ومن بندق الرامي ومن قصة المقص )
( ومن صعدة فيها من الدبق لهذم ... لفرسانكم عند الطعان بها قعص )
( فهذي دواهي الطير وقيت شرها ... إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص ) - من الطويل -
فأجابه أبو الفرج في الحال مع رسوله
( أيا ماجدا مذ يمم المجد ما نكص ... وبدر تمام مذ تكامل ما نقص )
( ستخلص من هذا السرار وأيما ... هلال توارى بالسرار فما خلص )
( برأفة تاج الملة الملك الذي ... لسؤدده في خطة المشتري خصص )
( تقنصت بالألطاف شكري ولم أكن ... علمت بأن الحر بالبر يقتنص )
( وصادفت أدنى فرصة فانتهزتها ... بلقياك إذ بالحزم تنتهز الفرص )
( أتتني القوافي الباهرات تحمل البدائع ... من مستحسن الجد والرخص )
( فقابلت زهر الروض منها ولم أرع ... وأحرزت در البحر منها ولم أغص )
( فإن كنت بالببغاء قدما ملقبا ... فكم لقب بالجور لا العدل مخترص )
( وبعد فما أخشى تقنص جارح ... وقلبك لي وكر ورأيك لي قفص )
فانتهى الابتداء والجواب إلى عضد الدولة فأعجب بهما واستظرفهما وكان ذلك أحد أسباب إطلاق أبي إسحاق من اعتقاله ثم اتصلت بينهما المكاتبة والمودة

وكتب أبو إسحاق إلى أبي الفرج أبياتا في صفة القبج والخطاطيف ثم كتب إليه هذه الأرجوزة في صفة الببغاء
( أنعتها صبيحة مليحة ... ناطقة باللغة الفصيحة )
( غدت من الأطيار واللسان ... يوهمني بأنها إنسان )
( تنهي إلى صاحبها الأخبارا ... وتكشف الأسرار والأستارا )
( سكاء إلا أنها سميعه ... تعيد ما تسمعه طبيعه )
( وربما لقنت العضيهه ... فتغتدي بذيئة سفيهه )
( زارتك من بلادها البعيده ... واستوطنت عندك كالقعيده )
( ضيف قراه الجوز والأرز ... والضيف في أبياتنا يعز )
( تراه في منقارها الخلوقي ... كلؤلؤ يلقط بالعقيق )
( تنظر من عينين كالفصين ... في النور والظلمة بصاصين )
( تميس في حلتها الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء )
( خريدة خدورها الأقفاص ... ليس لها من حبسها خلاص )
( تحبسها وما لها من ذنب ... وإنما تحبسها للحب )
( تلك التي قلبي بها مشغوف ... كنيت عنها واسمها معروف )
( نشرك فيها شاعر الزمان ... والكاتب المعروف بالبيان )
( وذاك عبد الواحد بن نصر ... تقيه نفسي عاديات الدهر )
فأجابه أبو الفرج بهذه الأرجوزة
( من منصفي من حكم الكتاب ... شمس العلوم قمر الآداب )

( أضحى لأوصاف الكلام محرزا ... وسام أن يلحق لما برزا )
( وهل يجاري السابق المقصر ... أم هل يساوي المدرك المعذر )
( ما زال بي عن غرض معرضا ... ولي بما يصدره مستنهضا )
( فتارة يعتمد الخطافا ... ببدع تستغرق الأوصافا )
( وتارة يعني بنعت القبج ... من منطق لفضله محتج )
( يحوم حول غرض معلوم ... ومقصد في شعره مفهوم )
( حتى تجلت رغوة الصريح ... وسلم التلويح للتصريح )
( وصح أن الببغاء مقصده ... بكل ما كان قديما يورده )
( فلم يدع لقائل مقالا ... فيها ولا لخاطر مجالا )
( أهدى لها من كل نعت أحسنه ... وصاغ من حلي المعاني أزينه )
( أحال بالريش الأشيب الأخضر ... وباحمرار طوقها والمنسر )
( على اختلاط الروض بالشقيق ... وأخضر الميناء بالعقيق )
( تزهى بدواج من الزمرد ... ومقلة كسبج في عسجد )
( وحسن منقار أشم قاني ... كأنما صيغ من المرجان )
( صيرها انفرادها في الحبس ... بنطقها من فصحاء الإنس )
( تميزت في الطير بالبيان ... عن كل مخلوق سوى الإنسان )
( تحكي الذي تسمعه بلا كذب ... من غير تغيير لجد أو لعب )
( غذاؤها أزكى طعام رغدا ... لا تشرب الماء ولا تخشى الصدا )
( ذات شغى تحسبه ياقوتا ... لا ترتضي غير الأرز قوتا )

( كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفو على عقارها )
( إقدامها ببأسها الشديد ... أسكنها في قفص الحديد )
( فهي كخود في لباس أخضر ... تأوي إلى خركاهة لم تستر )
( ووصفها المعجز ما لا يدرك ... ومثله في غيرها لا يملك )
( لو لم تكن لي لقبا لم أختصر ... لكن خشيت أن يقال منتصر )
( وإنما تنعت باستحقاق ... لوصفها حذق أبي إسحاق )
( شرفها وزاد في تشريفها ... بحكم أبدع في تفويفها )
( فكيف أجزي بالثناء المنتخب ... من صرف المدح إلى اسمي واللقب )
وكتب إليه أبو إسحاق بأحسن ما قيل في مدح الألثغ
( أبا الفرج استحققت نعتا لأجله ... تسميت من بين الخلائق ببغا )
( بيانا منيرا كاللجين مضمنا ... نضارا من المعنى أديبا وأفرغا )
( فلو لامرئ القيس انتدبت مجاريا ... كبا أو لقس في فصاحته صغا )
( متى ما يرم ذا الاسم غيرك رائم ... ليبلغ من غايات فضلك مبلغا )
( فإني أسميه به ثم أنثني ... فأسلبه باء من الاسم إذ بغى )
( إذا أنا سلمت البلاغة طائعا ... إليك فأي الناس خالفني طغى )
( كفتك على رغم الحسود شهادتي ... بأن كنت منه ثم مني أبلغا )
( وما هجنت منك المحاسن لثغة ... وليس سوى الإنسان تلقاه ألثغا )

( أتعرفها فيما تقدم خاليا ... لعير إذا ما صاح أو جمل رغا )
( فيا لك حرفا زدت فضلا بنقصه ... فأصبحت منه بالكمال مسوغا )
( بقيت ولا تعدم بقاء مرفها ... وعشت ولا تعدم معاشا مرفغا ) - من الطويل -
ولما نقل عز الدولة باختيار ابنته المزوجة بعدة الدولة أبي تغلب إليه بالموصل كتب عنه أبو إسحاق في معناها فصلا من كتاب استحسنه الناس وتحفظوه وأقر له بالبراعة والبلاغة كل بليغ وهو
قد توجه أبو النجم بدر الحرمي وهو الأمين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك يا سيدي ومولاي أدام الله عزك بالوديعة وإنما نقلت من وطن إلى سكن ومن مغرس إلى معرس ومن مأوى بر وانعطاف إلى مثوى كرامة وإلطاف ومن منبت درت لها نعماؤه إلى منشأ تجود عليها سماؤه وهي بضعة مني انفصلت إليك وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك
وما بان عني من وصلت حبله بحبلك وتخيرت له بارع فضلك
وبوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك وأسكنته الكنف الفسيح من كرم شيمك وطرائقك ولا ضياع على ما تضمه أمانتك ويشتمل عليه حفظك ورعايتك وأرجو أن يقرن الله موردها بالطائر السعيد والأمر الرشيد والعز الزائد والمجد الصاعد والنماء في الائتلاف والعصمة من الفرقة بالخلاف حتى تكون عوائد البركة بأحوالها منوطة ومن عوادي الأيام وغيرها محوطة
وإنما ألم أبو إسحاق في تسميته لها بالوديعة بالفصل الذي كتبه جعفر ابن محمد بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة إليه وهو
وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك

عناية بها وحياطة لها ورعاية لموالاتك فيها
فلما عرضه على الوزير عبد الله بن سليمان ارتضاه جدا واستحسنه وقال له تسميتك إياه بالوديعة نصف البلاغة ووقع له بالزيادة في إقطاعه ومشاهرته
ولما قرئ الفصل من إنشاء الصابي بحضرة أبي تغلب اعتمد في الجواب عنه على أبي الفرج الببغاء وكتب كتابا يشتمل على هذا الفصل الذي هو الجواب عن الفصل المذكور وهو وأما أبو النجم بدر الحرمي أيده الله المستوجب للارتضاء والإحماد الموفى بمناصحته على كل مراد فقد أدى الأمانة إلى متحملها وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها فحلت من محل العز في وطنها وأوت من حمى السؤدد إلى مستقرها وسكنها متنقلة من عطن الفضل والكمال إلى كنف السعادة والإقبال وصادرة عن أنبل ولادة ونسب إلى أشرف اتصال وأنبه سبب وفي اليسير من لوازم فروضها وواجبات حقوقها ما صان رعايتي عن الوصاة بها ونزه وفائي عن الاستزادة لها وكيف يوصي الناظر بنوره أم كيف يحض القلب على حفظ سروره وإن سببا قرن بإحماد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ذكراى ووصل بحبل السيد العم ركن الدولة أدام الله تأييده حبلي ومنح عز الدولة أيده الله مكنون ودي واختص الأخوة من ولد أبيه السعيد رضي الله عنه وأيدهم بوثيق عهدي إلى أن صرت بفضل الجماعة قائلا ودونها بالنية والفعل مناضلا وبمحاسنها المجموعة إلى ناطقا وبمالي عندها من المساهمة والمشاركة واثقا لحقيق بالتناهي في الإعظام وخليق بالمبالغة في الإيجاب والإكرام والله يعين على ما اعتقده من ذلك وأخفيه
ويوفقني لما يوفي على المحبة والبغية فيه
بمنه وقدرته وحوله وقوته

هذا ما أخرج من شعر أبي الفرج الذي يتغنى به
فمنه قوله
( لقد عز العزاء علي لما ... تصدى لي لتقتلني الصدود )
( إذا بعد الحبيب فكل شيء ... من الدنيا ولذتها بعيد ) - من الوافر -
وقوله
( يا سادتي هذه نفسي تودعكم ... إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع )
( قد كنت أطمع في روح الحياة لها ... فالآن إذ بنتم لم يبق لي طمع )
( لا عذب الله روحي بالبقاء فما ... أظنني بعدكم بالعيش أنتفع ) - من البسيط -
وقوله
( حصلت من الهوى بك في محل ... يساوي بين قربك والفراق )
( فلو واصلت ما نقص اشتياقي ... كما لو بنت ما زاد اشتياقي ) - من الوافر -
وقوله
( يا مسقمي بجفون سقمها سبب ... إلى مواصلة الأقسام في جسدي )
( وحق جفنيك لا استعفيت من كمدي ... دهري ولو مت من هم ومن كمد )
( عذرت من ظل في حبيك يحسدني ... لأنه فيك معذور على حسدي ) - من البسيط -
وقوله
( يا من تشابه منه الخلق والخلق ... فما تسافر إلا نحوه الحدق )
( توريد دمعي من خديك مختلس ... وسقم جسمي من جفنيك مسترق )

( لم يبق لي رمق أشكو هواك به ... وإنما يتشكى من به رمق ) - من البسيط -
وقوله
( ومهفهف لما اكتست وجناته ... حلل الملاحة طرزت بعذاره )
( لما انتصرت على عظيم جفائه ... بالثلب كان القلب من أنصاره )
( كملت محاسن وجهه فكأنما اقتبس ... الهلال النور من أنواره )
( وإذا ألح القلب في هجرانه ... قال الهوى لا بد منه فداره ) - من الكامل -
وقوله
( ما ضر من بعد السرور ببعده ... لو كان يجمل في صيانة عبده )
( يبدو فأطرق هيبة ومخافة ... من أن يؤثر ناظري في خده )
( قد صرت أعجب أن علة طرفه ... ليست تؤثر علة في وده ) - من الكامل -
وقوله
( يا طيف من أنا عبده من أين لي ... شكر يقوم ببعض ما توليه )
( ينأى فتدنيه إلي على النوى ... فأراه كالتحقيق في التشبيه )
( ما كان أحسن حالتي لو أن ما ... أوتيت من كرم وعطف فيه ) - من الكامل -
وقوله
( علمت طيفك اسعافي فما هجعت ... عيناي إلا وطيف منك يطرفني )
( فكيف أشكر من إن نمت واصلني ... بالطيف منه وإن لم أغف قاطعني ) - من البسيط

وقوله
( خيالك منك أعرف بالغرام ... وأرأف بالمحب المستهام )
( فلو يستطيع حين حظرت نومي ... علي لزار في غير المنام ) - من الوافر -
وقوله
( قد كان أحسن شيء بعد بعدهم ... بروح مثلك أن تنأى عن الجسد )
( هم بالوصال أعادوها إليك فلم ... ذخرتها بعدهم للصبر والجلد )
( وعدت بالدمع تعليلا كأنك قد ... أظهرت ما ليس موجودا لدى أحد ) - من البسيط -
وقوله
( يا من إذا خفت فيه العذل آمنني ... جميل إنصافه من عذل عذالي )
( ما يستحق زماني وهو سامحني ... بمثل ودك أن أشكوه في حال )
( رآك غاية آمالي فما برحت ... تسعى لياليه حتى نلت آمالي ) - من البسيط -
وقوله
( أو ليس من إحدى العجائب أنني ... فارقته فحييت بعد فراقه )
( يا من يحاكي البدر عند تمامه ... ارحم فتى يحكيه عند محاقه ) - من الكامل -
وقوله
( جاورت بالحب قلبا لم تذر فكري ... للحب مستمتعا فيه ولم تدع )
( مفرقا بين هم غير مفترق ... عنه وبين سلو غير مجتمع ) - من البسيط

وهذه غرر من شعره في الغزل والخمر
أنشدت له في رمد المحبوب وهو أحسن ما سمعت في معناه
( بنفسي ما يشكوه من راح طرفه ... ونرجسه مما دهى حسنه ورد )
( أراقت دمي ظلما محاسن وجهه ... فأضحى وفي عينيه آثاره تبدو )
( غدت عينه كالخد حتى كأنما ... سقى عينه من ماء توريده الخد )
( لئن أصبحت رمداء مقلة مالكي ... لقد طالما استشفت بها مقل رمد ) - من الطويل -
وله في الفصد
( بأبي الغائب الذي لم يغب عني ... فأشكو إليه هم المغيب )
( باشرته كف الطبيب فلو نلت ... الأماني قبلت كف الطبيب )
( فعلت في ذراعه ظبة المبضع ... أفعال لحظه بالقلوب )
( فأسالت دما كأن جفوني ... عصفرته بدمعها المسكوب )
( طاب جدا فلو به سمح الدهر ... لأمسي عطري وأصبح طيبي ) - من الخفيف -
وله في غلام خرج غازيا
( يا غازيا أتت الأحزان غازية ... إلى فؤادي والأحشاء حين غزا )
( إن بارزتك كماة الروم فارمهم ... بسهم عينيك تقتل كل من برزا ) - من البسيط -
وله في وصف معصرة
( ومعصرة أنخت بها ... وقرن الشمس لم يغب )
( فخلت قزازها بالراح ... بعض معادن الذهب )

( وقد ذرفت لفقد الكرم ... فيها أعين العنب )
( وجاش عباب واديها ... بمنهل ومنسكب )
( وياقوت العصير بها ... يلاعب لؤلؤ الحبب )
( فيا عجبا لعاصرها ... وما يغني به عجبي )
( وكيف يعيش وهو يخوض ... في بحر من اللهب ) - من مجزوء الوافر -
قوله في الخمر والقدح
( بالقفص للقصف منزل كثب ... ما للتصابي في غيره أرب )
( جادت به ديمة السرور وحل ... اللهو فيه وعرس الطرب )
( دارت نجوم السرور في فلك ... منه له من فتوتي قطب )
( من كل جسم كأنه عرض ... يكاد لطفا باللحظ ينتهب )
( نور وإن يغب ووهم وإن ... صح وماء لو كان ينسكب )
( لا عيب فيه سوى إذاعته السر ... الذي في حشاه يحتجب )
( كأنما صاغه النفاق فما ... يخلص صدق منه ولا كذب )
( فهو إلى لون ما يجاوره ... على اختلاف الطباع ينتسب )
( إذا ادعاه اللجين أكذبه ... بالراح في صبغ جسمه الذهب )
( جلت عروس المدام حالية ... فيه علينا الأوتار والنخب )
( فالراح بدر والجام هالته ... والأفق كفي والأنجم الحبب )
( حال به الماء عن طبيعته ... بالمزج حتى خلناه يلتهب )

( ونحن في مجلس تدير به الخمر ... علينا الأقداح لا العلب )
( ينسى بأوطانه الحنين إلى الأوطان ... من بالسرور ويغترب )
( لولا حفاظي المشهور ما أمنت ... من بعد بغداد سلوتي حلب ) - من المنسرح -
وله
( ومدام كأنها في حشا الدن ... صباح مقارن لمساء )
( فهي نفس لها من الطين جسم ... لم تمتع فيه بطول البقاء )
( ما توهمت قبلها أن في العالم ... نارا تذكي بقرع الماء )
( بزلت والضحى عن الليل محجوب ... فلاحت كالشمس في الظلماء )
( وتلاه الفجر المنير فعناه ... لأنا عن نوره في غناء )
( مازجت جوهر الزجاج فجاءت ... كشعاع ممازج لهواء )
( وتحلت من الحباب بدر ... يتلاشى باللحظ والإيماء )
( بينما تسكتسي به زرد البلور ... حتى ترفض مثل الهباء )
( فكأنا بين الكؤوس بدور ... تتهادى كواكب الجوازاء )
( وكأن المدير في الحلة البيضاء ... منها في حلة صفراء )
( حبذا العيش حيث تسري الأماني ... بين جد الغنا وهزل الغناء )
( حيث سكر الشباب أقضى على قلبي ... وأمضى من نشوة الصهباء ) - من الخفيف -
وله وهو من أبلغ ما قيل في عتق الخمر
( وعريقة الأنساب والشيم ... موجودة والخلق في العدم )
( قدمت فلا تعزى إلى حدث ... إلا إذا عزيت إلى الهرم )

( هي آدم الكرم المولد في الدنيا ... وحوا الخمر في القدم )
( كملت فضائلها وقصر عن ... أوصافها الإغراق في الكلم )
( ظهرت ونور الشمس في فلك ... من قبل خلق الصبح والظلم )
( فانهل جوهرها بمنسكب ... لم يعتصر بيد ولا قدم )
( واشتق معنى اسم السلاف لها ... من كونها في سالف الأمم )
( فكأنها في صفوها خلقي ... وكأنها في عتقها كرمي ) - من الكامل -
وله
( غادني بالصبوح قبل الصباح ... واجر في حلبة الصبا والمراح )
( واغتنم زائر الغرام فقد بشر ... بالغيث من نسيم الرياح )
( عاطنيها كالجلنار إذا ما ... كللت من حبابها بالأقاح )
( في اختصاص التفاح بالطيب والخمرة ... لا في كثافة التفاح )
( غير نكر أن تستمد شعاع الشمس ... منها كواكب الأقداح )
( فهي أصل الأنوار لطفا كما كاساتها ... عنصر الزلال القراح )
( خدمتها الأجسام بالطبع لما ... شاهدت قربها من الأرواح )
( فتدارك بها حشاشة أفراحي ... وحرك بها سكون ارتياحي )
( بين وردين من بنان وخد ... وشرابين من رضاب وراح )
( ونشيد مستنبط من حديث ... وغناء يغني عن الأقتراح )
( فألذ الحياة ما خلط العاقل ... فيه فساده بصلاح ) - من الخفيف

وله في وصف شراب في قدح أزرق فيه صور
( كم منة للظلام في عنقي ... بجمع شمل وضم معتنق )
( وكم صباح للراح أسلمني ... من قلق ساطع إلى فلق )
( فعاطنيها بكرا مشعشعة ... كأنها في صفائها خلقي )
( في أزرق كالهواء يخرقه اللحظ ... وإن كان غير منخرق )
( كأن أجزاءه مركبة ... حسنا ولطفا من زرقة الحدق )
( ما زلت منه منادما لعبا ... مذ أسكرتها السقاة لم تفق )
( تختال قبل المزاج في أزرق الفجر ... وبعد المزاج في الشفق )
( تغرق في أبحر المدام فيستنقذها ... شربنا من الغرق )
( فلو ترى راحتي وزرقته ... من صبغها في معصفر شرق )
( لخلت أن الهواء لاطفني ... بالشمس في قطعة من الأفق ) - من المنسرح -
وله من قصيدة
( كم للصبابة والصبا من منزل ... ما بين كلوا ذا إلى قطربل )
( جادته من ديم المدام سحائب ... أغنته عن صوت الحيا المتهلل )
( غيث إذا ما الراح أو مض برقه ... فرعوده حث الثقيل الأول )
( لطفت مواقع صوبه فسجاله ... تهمي على كرب النفوس فتنجلي )
( راضعت فيه الكأس أهيف ينثني ... نحوي بجيد رشا وعيني مغزل )
( فأتى وقد نقش الشعاع ثيابه ... بممزح من نسجها ومثقل )
( وكسا البنان بها خضابا ياله ... لو أنه من وقته لم ينصل )
( قدح البزال زنادها من دونها ... فتهافتت مثل الشراب المرسل )

( وطغت لعجز الماء عن إطفائها ... حتى ظننت الكأس جذوة مصطلي )
( فوردت أروي مورد وشربت أحلى ... مشرب ونهلت أعذب منهل )
( ونزعت لا في السكر خنت تصوني ... بخنا ولا في الصحو شنت تجملي ) - من الكامل -
وقال في الورد
( زمن الورد أظرف الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان )
( أدرك النرجس الجني وفزنا ... منهما بالخدود والأجفان )
( أشرف الزهر زار في أشرف الدهر ... فصل فيه أشرف الإخوان )
( وأجل شمس العقار في يد بدر الحسن ... يخدمك منهما النيران )
( وأدرها عذراء وانتهز الإمكان ... من قبل عائق الإمكان )
( في كؤوس كأنها زهر الخشخاش ... ضمت شقائق النعمان )
( واختدعها عند البزال بألفاظ ... المثاني ومطربات الأغاني )
( فهي أولى من العرائس إن زفت ... بعزف النايات والعيدان ) - من الخفيف -
وقال في النرجس
( ونرجس لم يعد مبيضه الكأس ... ولا أصفره الراحا )
( تخال أقحاف لجين حوت ... من أصفر العسجد أقداحا )
( كأنما تهدي التحايا به ... لطفا إلى الأرواح أرواحا )
( يلهي عن الورد إذا مارنا ... ويخلف المسك إذا فاحا )
( أحبب به من زائر راحل ... عوض بالأحزان أفراحا )
( فانتهز الفرصة في قربه ... وكن إلى اللذات مرتاحا )

( وهاتها عذراء لم تفترع ... في الليل إلا عاد إصباحا )
( كأنما كل بنان حوت ... كاساتها تحمل مصباحا )
( واجن بألحاظك من وجنتي ... مديرها وردا وتفاحا ) - من السريع -
غرر شعره في سائر الفنون
وله من قصيدة
( صحبت الدهر في سهل وحزن ... وجربت الأمور وجربتني )
( فلم أر مذ عرفت محل نفسي ... بلوغ غنى يساوي حمل من )
( ولم تتضمن الدنيا لحظي ... منال مسرة إلا بحزن )
( حملت على السوابق ثقل همي ... وشاهدت العواقب صفو ذهني )
( وشمت بوارق الآمال دهرا ... فلم أظفر على ظمأ بمزن )
( ولم أر كالجياد أصح ودا ... إذا عدل الودود إلى التضني )
( نكلفها عزائمنا فتكفي ... ونستدني الحظوظ بها فتدني )
( وهبت لمثل قطع الليل منها ... أغر كمثل ضوء الصبح مني )
( وكنت بحيث ظن من اعتزام ... وكان من المضاء بحيث ظني )
( وثالثنا ابن جد لا يرى أن ... يصاحب في تصرفه ابن وهن )
( حجبت لجفنه الأبصار عنه ... ومن لي أن يكون الجفن جفني )
( سقيت نداي ما أسنى محلى ... وأرفع همتي وأعز ركني )
( رسا في تربة العلياء أصلي ... وأينع في بروج العز غصني )

( وليس علي بغير الجد فيما ... سعيت له لأستغنى وأغني )
( فإن أحرم فلم أحرم لعجز ... وإن أبلغ فنفسي بلغتني ) - من الوافر -
وله من أخرى
( ما الذل إلا تحمل المنن ... فكن عزيزا إن شئت أوفهن )
( إذا اقتصرنا على اليسير فما العلة ... في عتبنا على الزمن ) - من المنسرح -
وله من أخرى
( جزيت أفضل ما يجزاه ذو كرم ... أحلافه في دياجي دهره شعل )
( حماه وهو غلام غير مكتهل ... عن المطامع فضل فيه مكتهل ) - من البسيط -
وله من أخرى
( أكل وميض بارقة كذوب ... أما في الدهر شيء لا يريب )
( أبى لي أن أقول الهجر قدر ... بعيد أن تجاور العيوب ) - من الوافر -
وله من أخرى في سعد الدولة بن سيف الدولة
( لا غيث نعماه في الورى خلب البرق ... ولا ورد جوده وشل )
( جاد إلى أن لم يبق نائله ... مالا ولم يبق للورى أمل ) - من المنسرح -
وله
( واليوم من غسق العجاجة ليلة ... والكر يخرق سجفها الممدودا )
( وعلى الصفاح من الكفاح وصدقه ... روع أحال بياضها توريدا )

( والطعن يغتصب الجياد شياتها ... والضرب يقدح في التريك وقودا )
( وعلى النفوس من الحمام طلائع ... والخوف ينشد صبرها المفقودا )
( وقد استحال البر بحرا والضحى ... ليلا ومنخرق الفضاء حديدا )
( وأجل ما عند الفوارس حثها ... في طاعة الهرب الجياد القودا )
( حتى إذا ما فارق الرأي الهوى ... وغدا اليقين على الظنون شهيدا )
( لم يغن غير أبى شجاع والعلا ... عنه تناجي النصر والتأييدا ) - من الكامل -
وله من أخرى
( من كل متسع الأخلاق مبتسم ... للخطب إن ضاقت الأخلاق والحيل )
( يسعى به البرق إلا أنه فرس ... في صورة الموت إلا أنه رجل )
( يلقى الرماح بصدر منه ليس له ... ظهر وهادى جواد ما له كفل ) - من البسيط -
وله من أخرى
( في سالب للشمس ثوب ضيائها ... بعجاجة ملء الفضاء لهام )
( كالليل إلا أن ثوب ظلامه ... من عثير ونجومه من لام )
( يلقى الدجى من بيضه بضحى كما ... يلقى الضحى من نقعه بظلام ) - من الكامل -
وله من أخرى
( قاد الجياد إلى الجياد عوابسا ... شعثا ولولا بأسه لم تنقد )
( في جحفل كالسيل أو كالليل أو ... كالقطر صافح موج بحر مزبد )
( متوقد الجنبات يعتنق القنا ... فيه اعتناق تواصل وتودد )

( مثعنجر بظبا الصوارم مبرق ... تحت الغبار وبالصواهل مرعد )
( رد الظلام على الضحى فاسترجع الإظلام ... من ليل العجاج الأربد )
( وكأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلة في الجلمد )
( وكأن طرف الشمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الإثمد ) - من الكامل -
ما أحسن هذا التشبيه وأوقعه وكل هذه الأوصاف مالا مزيد عليه حسنا وبراعة
وله من أخرى
( من كل مختالة تنقب بالعثير ... وجه الضحى من الخجل )
( تضم أحشاءها على أسد ... تزأر في غابة من الأسل ) - من المنسرح -
وله من أخرى
( في خميس كأنما السمر والأبطال ... غيل حمته أسود )
( سلب الشمس ضوءها بشموس ... طالعات أفلاكهن حديد )
( عارض كلما جلته بروق البيض ... حثته بالصهيل الرعود ) - من الخفيف -
وله من أخرى
( وموشية بالبيص والزغف والقنا ... محبرة الأعصاب بالضمر القب )
( بعيدة ما بين الجناحين في السرى ... قريبة ما بين الكميين بالضرب )

( من السالبات الشمس ثوب ضيائها ... بثوب تولى نسجه عثير الترب )
( يعاتب نشوان القنا صادح الظبا ... إذا التقيا فيها على قلة الشرب )
( أعادت علينا الليل بالنقع في الضحى ... وردت إلينا الصبح في الليل بالشهب )
( تبلج عن شمسي نزار ويعرب ... وتفتر عن طودي علا تغلب الغلب )
( موقرة يقتاد ثني زمامها ... بصير بأدواء الكريهة والحرب )
( أصح اعتزاما من خؤون على فلا ... وأنفذ حكما من غرام على صب ) - من الطويل -
وله من أخرى
( ويوم أغص اتساع الفضاء ... جيش لمن أمه مهول )
( يخيل أن ما له آخر ... إذا ما تراءى له أول )
( ويغصب شمس الضحى نورها ... من الخيل ما تبعث الأرجل )
( دجى أنت بدر به والنجوم ... زرقك والظلمة القسطل ) - من المتقارب -
وله من أخرى
( في عارض ضاقت الأرض الفسيحة ... عن سراه إذ سال فيها سيله العرم )
( كأنه الليل لا قرب ولا بعد ... يخفى عليه ولا فج ولا علم )
( يهدي الغبار إليه الشمس كاسفة ... كأنها فيه سر ليس ينكتم )
( شق الغضنفر آجام الرماح به ... والموت يسفر أحيانا ويلتثم )
( فراسل الدهر في الأعداء عزمته ... وكاتب النصر عنه السيف لا القلم )
( وما سمعنا بليث قبل رؤيته ... إذا سرى صاحبته في السرى الأجم )

( الباذل العرف والأنواء باخلة ... والمانع الجار والأعمار تخترم )
( حيث الدجى النقع والفجر الصوارم ... والأسد الفوارس والخطية الأجم ) - من البسيط -
وله من أخرى
( وكل بعيد قرب الحين نحوه ... سلاهبك الجرد الخفاف قريب )
( تباشر أقطار البلاد كأنها ... رياح لها في الخافقين هبوب )
( تماشي بفتيان كأن جسومهم ... لخفتها فوق السروج قلوب ) - من الطويل -
وله من أخرى
( أتاهم بألحاظ الجياد ولم تكن ... لينأى عليها المنزل المتباعد )
( من اللاء يهجرن المياه لدى السرى ... ويعتضن شم الجو والجو راكد )
( مرن على لدغ القنا فكأنما ... عليهن من صبغ الدماء مجاسد )
( نسجن ملاء النقع ثم حرقنه ... بكر لها منه إلى النصر قائد )
( عليهن من نسج الغبار غلائل ... رقاق ومن نضح الدماء قلائد ) - من الطويل -
وله من قصيدة في وصف فرس
( إن لاح قلت أدمية أم هيكل ... أو عن قلت أسابح أم أجدل )
( تتخاذل الألحاظ في إدراكه ... ويحار فيه الناظر المتأمل )
( فكأنه في اللطف فهم ثاقب ... وكأنه في الحسن حظ مقبل ) - من الكامل

وله من قصيدة يشكر بها بعض إخوانه وقد أهدى إليه بغلة
( قد جاءت البغلة السفواء يجنب منها ... البرد غيث ندى ينهل ماطره )
( عريقة ناسبت أخوالها فلها ... بالعتق من كرم الجنسين فاخره )
( ملء الحزام وملء اللبد مجفرة ... يريك غائبها في الحسن حاضره )
( أهدى لها الروض من أوصافه شية ... خضراء ناضرة إذ حال ناضره )
( ليست بأول حملان شريت به ... حمدي ولا هي ياذا المجد آخره )
( كم قد تقدمها من سابح بيدي ... عنانه وعلى الجوزاء حافره ) - من البسيط -
وله في وصف بركة
( وقوراء كالفلك المستدير ... تروق العيون بلألائها )
( حبتها البحار بأمواجها ... وسحب السماء بأنوائها )
( كأن تدفق تيارها ... يداك تفيض بنعمائها )
( وجودك أغزر من جريها ... وخلقك أعذب من مائها ) - من المتقارب

332

الباب الثامن
20 - في ذكر الخليع الشامي والوأواء الدمشقي وأبي طالب الرقي
أما الخليع فكنيته أبو عبد الله وقد ذهب عني اسمه وكان شاعرا مفلقا قد أدرك زمان البحتري وبقي إلى أيام سيف الدولة فانخرط في سلك شعرائه
فحدثني أبو بكر الخوارزمي قال رأيت الخليع بحلب شيخا قد أخذت منه السن العالية وثقلت عليه الحركة فمما أنشدنيه لنفسه قوله
( جيراننا جار الزمان عليهم ... إذا جار حكمهم على الجيران )
( ما الشأن ويحك في فراق فريقهم ... الشأن ويحك في جنون جناني )
( خذ يا غلام عنان طرفك فاثنه ... عني فقد ملك الشمول عناني )
( سكران سكر هوى وسكر مدامة ... أنى يفيق فتى به سكران ) - من الكامل -
وقوله وهو مما يتغنى به
( بأي المدامين لم أسكر ... بكأسك أم طرفك الأحور )
( سقيت من الشمس مشمولة ... على غرة القمر الأزهر )
( إذا الماء خالطها جنحت ... أكاليل در على جوهر )

( كأن على الشرب من لونها ... ثيابا من الذهب الأحمر ) - من المتقارب -
وقوله لسيف الدولة
( أنا شاعر أنا شاكر أنا ناشر ... أنا راجل أنا جائع أنا عاري )
( هي ستة فكن الضمين لنصفها ... أكن الضمين لنصفها بعيار )
( والنار عندي كالسؤال فهل ترى ... أن لا تكلفني دخول النار ) - من الكامل -
وأنشدني غيره للخليع وأنا أشك فيه
( لو لم تحل ما سميت حالا ... وكل ما حال فقد زالا )
( انظر إلى الظل إذا ما انتهى ... يأخذ في النقص إذا طالا ) - من السريع -
21 - أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الدمشقي الملقب بالوأواء
من حسنات الشام وصاغة الكلام ومن عجيب شأنه ما أخبرني به أبو بكر الخوارزمي قال كان الوأواء مناديا في دار البطيخ بدمشق ينادي على الفوكه وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه ووقع فيه ما يروق ويشوق ويفوق حتى يعلو العيوق ثم أخبرني أبو الحسن المصيصي بما يصدقه وأنشدني لمعا يسيرة من شعره وذكر أنه سمعها من إنشاده وأول من حمل ديوانه إلى نيسابور أبو نصر سهل بن المرزبان فإنه استصحبه من بغداد في جملة ما حصله من اللطائف والبدائع التي عنى بها وأنفق الرغائب عليها وأتحفني بذلك في دفتر صغير الجرم خفيف الحجم ثم ألحق به ما استملاه من القوال المعروف بعين الزمان وهو غير ثقة في الرواية والحكاية وكنت تأنقت في إخراج ما يفتقر الأديب

إلى فقره ولا يستغنى الشاعر عن غرره من شعر الوأواء في النسخة الأولى من هذا الكتاب ولم أزد في هذه المقررة كثير زيادة وقرأت في بعض الكتب عن ابن حمدون قال كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من سره فقال لي مرة أشعرت يا أبا عبد الله أني انصرفت البارحة من مجلس أمير المؤمنين فلما دخلت منزلي استقبلتني فلانة يعني جارية له فلم أتمالك أن قبلتها فوجدت فيما بين شفتيها هواء لو رقد المخمور فيه لصحا فكان هذا ما يستحسن ويستظرف من كلام الفتح وكأن الوأواء قد سمع ذلك فألم به ونظمه في قوله
( سقى الله ليلا طاب إذ زار طيفه ... فأفنيته حتى الصباح عناقا )
( بطيب نسيم منه يستجلب الكرا ... ولو رقد المخمور فيه أفاقا )
( تملكني لما تملكت مهجتي ... وفارقني لما أمنت فراقا ) - من الطويل -
ومما أنشدنيه كل من الخوارزمي والمصيصي له ووجدته في ديوان شعره والبيت الرابع منه نهاية في الملاحة
( أتاني زائرا من كان يبدي ... لي الهجر الطويل ولا يزور )
( فقال الناس لما أبصروه ... ليهنك زارك البدر المنير )
( فقلت لهم ودمع العين يجري ... على خدي له در نثير )
( متى أرعى بروض الحسن منه ... وعيني قد تضمنها غدير )
( ولو نصبت رحى بإزاء دمعي ... لكانت من تحدره تدور ) - من الوافر -
وأقدر أنه ألم في البيت الرابع بقول ابن المعتز
( وإن تك في خديك للحسن روضة ... فإن على خدي غديرا من الدمع ) - من الطويل

ومن ملح قوله في وصف الدمع
( كل دمع فبالتكلف يجري ... غير دمع المحب والمهجور )
( ورد البين ومع عيني فأضحى ... كعقيق أذيب في بلور ) - من الخفيف -
ومن ملحه في الخمر
( عذبتها بالمزاج فابتسمت ... عن برد نابت على لهب )
( كأن أيدي المزاج قد سبكت ... في كأسها فضة على ذهب ) - من المنسرح -
وقوله
( فامزج بمائك نار كأسك واسقني ... فلقد مزجت مدامعي بدمائي )
( واشرب عغى زهر الرياض مدامة ... تنفي الهموم بعاجل السراء )
( لطفت فصارت من لطيف محلها ... تجري كمجرى الروح في الأعضاء )
( وكأن مخنقة عليها جوهر ... ما بين نار أذكيت وهواء )
( وكأنها وكأن حامل كأسها ... إذ قام يجلوها على الندماء )
( شمس الضحى رقصت فنقط وجهها ... بدر الدجى بكواكب الجوزاء ) - من الكامل -
وقوله
( يطوف براح ريحها ومذاقها ... نسيم الصبا والعيش في زمن الصبا ) - من الطويل -
ومن ملحه في الخط
( وشمس بأعلاه وليلين أسبلا ... بخديه إلا أنها ليس تغرب )
( ولما حوى نصف الدجى نصف خده ... تحير حتى ما درى أين يذهب ) - من الطويل

وقوله
( زار بليل على صباح ... على قضيب على كثيب )
( حتى أتت ألسن الليالي ... معتذرات من الذنوب )
( فيا لها زورة أخذنا ... بها أمانا من الخطوب ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( بدر تقنع بالظلام ... على قضيب في كثيب )
( تدعو محاسنه القلوب ... - إلى مشافهة الذنوب )
( فعلت به ريح الصبا ... ما ليس تفعل بالقضيب )
( عقلت ركائب حسنه ... بعقولنا عند المغيب )
( وتلطمت وجناتنا ... بيد الدموع من النحيب )
( وكأنما تشويشنا ... تشويش ألفاظ المريب )
( يا بدر بالبدر الذي ... أطلعت من فلك الجيوب )
( وبعقرب الصدغ الذي ... زرفنت من حسن وطيب )
( ترعى وما استرعيتها ... ثمر القلوب بلا دبيب )
( هب لي مزارك في الكرا ... كيما أراك بلا رقيب ) - من الكامل -
ومن بدائع تشبيهاته قوله
( قالت وقد فتكت فينا لواحظها ... كم ذا أما لقتيل الحب من قود )
( وأسبلت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضت على العناب بالبرد ) - من البسيط

هذا البيت مما أحسن فيه وضمنه خمس تشبيهات بغير أداة التشبيه
( إنسانة لو بدت للشمس ما طلعت ... من بعد رؤيتها يوما على أحد )
( كأنما بين غابات الجفون لها ... أسد الحمام على طرق الهوى رصدي )
وقوله
( قد سترت وجهها عن النظر ... بساعد حل عقد مصطبري )
( كأنه والعيون ترمقه ... عمود نور في دارة القمر ) - من المنسرح -
وقوله
( جعلت تشتكي الفراق وفي أجفانها ... عقد لؤلؤ منثور )
( فكأن الكحل السحيق مع الدمع ... على خدها بقايا سطور ) - من الخفيف -
وقوله في قوس قزح مع البروق والشمس
( سقيا ليوم ترى قوس السماء به ... والشمس مسفرة والبرق خلاس )
( كأنها قوس رام والبروق له ... رشق السهام وعين الشمس برجاس ) - من البسيط -
وقوله وهو مما يتغنى به
( لا تنكري ما بي فليس بمنكر ... عند التفرق دهشة المتحير )
( يا هذه روحي إليك هدية ... فتجملي في أخذها لي واعذري )
( وتأملي غير الزمان فإنها ... تحكي تغير عهدك المتغير )
( ولرب ليل ضل عنه صباحه ... وكأنه بك خطرة المتذكر )
( والبدر أول ما بدا متلثما ... يبدي الضياء لنا بخد مسفر )

( فكأنما هو خوذة من فضة ... قد ركبت في هامة من عنبر ) - من الكامل -
وقوله في غلام عليل
( إبيض واصفر لاعتلال ... فصار كالنرجس المضعف )
( كأن نسرين وجنتيه ... بشعر أصداغه مغلف )
( يرشح منه الجبين ماء ... كأنه لؤلؤ مصنف ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( ليت ليلي أمد من نفس العاشق ... طولا إذ زار فيه الخليل )
( ما اعتنقنا حتى افترقنا وخفان ... الدجى عن قميصه محلول )
( وكأن الهلال تحت الثريا ... ملك فوق رأسه إكليل ) - من الخفيف -
وقوله
( وغداف الظلام في شرك الفجر ... شريكي في قبضة الارتهان )
( وكأن النجوم أحداق روم ... ركبت في محاجر السودان ) - من الخفيف -
وقوله من أبيات
( كم حث شربي بكأسه قمر ... بقد غصن وخصر زنبور ) - من المنسرح -
وقوله من قصيدة
( يقمن لنا برق الثغور أدلة ... إذا ما ضللنا في ظلام الذوائب ) - من الطويل

ومما يتغنى به من شعره
( يا من سقام جفونه ... لسقام عاشقه طبيب )
( حزت المودة فاستوى ... عندي حضورك والمغيب )
( كن كيف شئت من البعاد ... فأنت من قلبي قريب ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( أستودع الله في بغداد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه )
( ودعته وبودي أن تودعني ... روح الحياة وأني لا أودعه )
( وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه )
( وكم تشفع في أن لا أفارقه ... وللضرورة حال لا تشفعه ) - من البسيط -
وقوله
( بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه )
( وعرضا بي وقولا في كلامكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه )
( فإن تبسم قولا عن ملاطفة ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه )
( وإن بدا لكما من سيدي غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه ) - من البسيط -
وقوله
( زمان الرياض زمان أنيق ... وعيش الخلاعة عيش رقيق )
( وقد جمع الوقت حاليهما ... فمن ذا يفيق ومن يستفيق )
( فيا من هو الفوز لي والمنى ... ومن هو بالود مني حقيق )
( أدر لحظ عينيك وامرجه في ... مروج الرياض تجدها تشوق )
( ترى مزوج الحسن في مفرد ... جليل المحاسن فيه دقيق )

( إذا ضاحك الزهر زهر الوجوه ... فكيف الخلاص وأين الطريق )
( بهار بهير به غيرة ... على نرجس وشقيق شقيق )
( فذا عاشق وجل خائف ... وذا خجل وكذاك العشيق )
( مداهن يحملن طل الندى ... فهاتيك تبر وهذي عقيق )
( تنظم أوراقها درها ... وتنثر منها التي لا تطيق )
( يميل النسيم بأغصانها ... فبعض نشاوى وبعض مفيق )
( ويوم ستارته غيمة ... وقد طرزت رفرفيها البروق )
( جعلنا البخور دخانا له ... ومن شرر الراح فيه حريق )
( تظل به الشمس محجوبة ... كأن اصطباحك فيه غبوق )
( على شجرات رافعات الذيول ... لماء الجداول منها شهيق )
( سجدنا لصلبان منثورها ... وقد نصرتنا عليها الرحيق )
( وقلنا بها ولضوء الصباح ... على عنبر الفجر منها خلوق )
( أدر يا غلام كؤوس المدام ... وإلا فيكفيك لحظ وريق )
( أيا من هو الفوز لي بالمنى ... ومن هو بالود مني حقيق )
( تغنم بنا غفلة الحادثات ... فوجه الحوادث وجه مفيق )
( وحث الصبوح لضوء الصباح ... فمتسع الهم فيه يضيق ) - من المتقارب -
وقوله
( وزائر راع قلب الناس منظره ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل )
( ألقى على الليل ليلا من ذوائبه ... فهابه الصبح أن يبدو من الخجل )
( أراد بالهجر قتلي فاستجرت به ... فاستل بالوصل روحي من يدي أجلي )

( وصرت فيه أمير العاشقين فقد ... صارت إمارة أهل العشق من قبلي ) - من البسيط -
وقوله
( وما أبقى الهوى والشوق مني ... سوى روح تردد في خيال )
( خفيت عن النوائب أن تراني ... كأن الروح مني في محال ) - من الوافر -
وقوله
( ما حكم البين إلا جار محتكما ... ولا انتضى سيفه إلا أراق دما )
( يا دارهم خبرينا ما الذي فعلوا ... فربما جهل المشتاق ما علما )
( الله يعلم أني يوم بينهم ... ندمت إذا لم أمت في إثرهم ندما )
( قد سرني أنهم قد سرهم سقمي ... فازددت كيما يسروا بالضنا سقما ) - من البسيط -
وقوله
( رماه ريم فأصاب ... ب القلب منه إذرمي )
( واحتج في قتلته ... بأنه ما علما )
( يا معشر الناس أما ... ينصفني من ظلما )
( علم سقم طرفه ... جسمي منه سقما )
( فسقم جسمي في الهوى ... من طرفه تعلما )
( لو قيل لي ما تشتهي ... مخيرا محكما )
( لقلت أن ألثمه ... نحرا ووجها وفما ) - من مجزوء الرجز -
وقوله
( له مضحك برقه خاطف ... عقول الرجال إذا ما ابتسم )

( أقول له إذ بدا دره ... شهدنا لصانعه بالحكم )
( أرى الدر يثقبه الناظمون ... وما ثقبوا ذا فكيف انتظم ) - من المتقارب -
وقوله
( تملكت يا مهجتي مهجتي ... وأسهرت يا ناظري ناظري )
( وفيك تعلمت نظم الكلام ... فلقبني الناس بالشاعر )
( وما كان ذا أملي يا ظلوم ... ولا خطر الهجر في خاطري ) - من المتقاب -
وقوله
( وحديث كأنه ... أوبة من مسافر )
( كان أحلى من الرقاد ... لدى طرف ساهر )
( بت ألهو بطيبه ... في رياض زواهر )
( بين ساق وسامر ... ومغن وزامر ) - من مجزوء الخفيف -
حدثني أبو بكر الخوارزمي قال حضرت مع الشيخ أبي الحسن النمري دعوة القاضي أبي بكر الحميري فغنى بعض القوالين بهذه الأبيات
( قم يا غلام إلى المدام ... قم داوني منها بجام )
( قم فاسقني برق الثغور ... فقد مضى برق الغمام )
( بادر إلى صرف الحميا ... سابقا صرف الحمام )
( وتغنم الغفلات من ... دهر يجور على الكرام ) - من الكامل -
فاستملحها أبو الحسن وسألني عن قائلها فأخبرته أنها لأبي الفرج

الوأواء فاقترح علي معارضتها فارتجلت أبياتا ثم أتممتها قصيدة منها
( لما بدت روح الضياء ... تدب في جسم الظلام )
( وغدت نجوم الليل وهي ... تفر من حدق الأنام )
( والديك يتلو دائما ... هجو النيام على القيام )
( ناقضت ما قال المؤذن ... بالفعال وبالكلام )
( هو قال حي على الصلاة ... وقلت حي على المدام ) - من الكامل -
ومنها
( لما رأيت الهم يطرق ... من أتاه بلا سلام )
( ضيف يزور فليس يأكل ... عير لحمي أو عظامي )
( والدهر قد حمل السلاح ... على الكرام عن اللئام )
( داويته بالراح إن ... الراح ترياق الكرام )
ومن ملح الوأواء وطرفه قوله في جرب معشوقه
( يا صروف الدهر حسبي ... أي ذنب كان ذنبي )
( طرقتني نائبات الدهر ... في إعلال حبي )
( علة عمت وخصت ... في حبيب ومحب )
( دب في كفيه ما من ... حبه دب بقلبي )
( فهو يشكو حر حب ... واشتكائي حر حب ) - من مجزوء الرمل -
وقوله في زرقة عين محبوبه
( يا من هو الماء في تكوين خلقته ... ومن هو الخمر في أفعال مقلته )

( ومن بزرقة سيف اللحظ طل دمي ... والسيف ما فخره إلا بزرقته )
( علمت إنسان عيني أن يعوم فقد ... جادت سباحته في بحر دمعته ) - من البسيط -
وللسري الموصلي في مثله
( وقالوا بمقلته زرقة ... تشين فظل لها مطرقا )
( وهل يقطع السيف يوم الوغى ... إذا لم يكن متنه أزرقا ) - من المتقارب -
ومن ملح الوأواء
( يا ذا الذي ورد خديه إذا أخذت ... منه اللواحظ شيئا رده الخجل )
( ماذا يضرك أن تجني وقد ضمنت ... أضعاف ما تجتني من لحظها المقل )
( هذا لعمرك ماعون بخلت به ... على العيون وبئس الخلة البخل ) - من البسيط -
وله
( رثى له مما به نابه ... صب غدا صبا بأوصابه )
( ميت يرى حيا ولكنه ... تربته ما بين أثوابه )
( أي حياة لامرئ قد بلى ... بالقرب من فرقة أحبابه ) - من السريع -
وقوله من قصيدة
( قد أطلت الصلاة في قبلة الكأس ... بتسبيح ألسن العيدان )
( كم صلاة على فتى مات سكرا ... قد أقيمت فينا بغير أذان ) - من الخفيف

22 - أبو طالب الرقي
لم أجد ذكره إلا عند أبي بكر الخوارزمي وسمعته يقول إنه أحد المقلين المحسنين الذين يطبقون المفصل في أغراضهم وينظمون الدر المفصل في معانيهم وألفاظهم ثم أنشدني له قوله
( ولقد ذكرتك في الظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق )
( وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على زجاج أزرق )
( والفجر فيه كأنه قطر الندى ... ينهل من سح الغمام المغدق ) - من الكامل -
وقوله
( ومعير وجه البدر ما في وجهه ... والغصن ما في قده المتأود )
( رمدت جفوني من تورد خده ... فكحلتها من عارضيه بإثمد ) - من الكامل -
وقوله
( ديباج خدك بالعذار مطرز ... وشبيه وجهك في البرايا معوز )
( وكأنما إنسان عينك شاهر ... سيف اللحاظ يصيح من ذا يبرز )
( يا من أعز بذلتي في حبه ... مثلي رأيت بذلة يتعزز ) - من الكامل -
وقوله
( ومشتمل ثوبي عفاف وفتنة ... يرى قتل من يهوى إلى النسك مسلكا )
( إذا طاف بالأركان طاف به الورى ... فيقضي ولا يقضون للحج منسكا )

( جنى اللحظ من خديه وردا موردا ... ومن عارضيه ياسمينا ممسكا )
( فيا رائحا منه بأوفر فتنة ... تجهز لعام بعد هذا لعلكا ) - من الطويل -
وقوله
( مصفرة الظاهر بيضاء الحشا ... أبدع في صنعتها رب السما )
( كأنها كف محب دنف ... مبعد يحسب أيام الجفا ) - من الرجز -
وقوله
( ووردة في بنان معطار ... جئت بها في لطيف أسرار )
( كأنها وجنة الحبيب وقد ... نقطها عاشق بدينار ) - من المنسرح

348

الباب التاسع
في ملح أهل الشام ومصر والمغرب وطرف أشعارهم ونوادرهم
هذا باب كثرته على غرر تلقفتها من أفواه الرواة وتطرفتها من أثناء التعليقات ولم أجد لأصحابها أشعارا مجموعة يتفسح في طريق الاختيار منها وإنما هي تفاريق تلتقي أطرافها وتجتمع حواشيها ولن تعدم القلائد فيها بحمد الله ومشيئته
أنشدني أبو بكر الخوارزمي للتلعفري ولم يسمه ولم يكنه
( ما أصعب العيش على بائس ... معاشه في حلب النحو )
( ليس له في بردها جبة ... ولا قميص لا ولا فرو ) - من السريع -
ثم أنشدني له مرة هذين البيتين ومرة لبعضهم وزعم أنهما مما يتغنى بهما
( يا راكب العيس قف وعرج ... واقرأ سلامي على بني طي )
( وقل لهم ظبيكم جفاني ... لما رآني وما معي شي ) - من مخلع البسيط -
ووجدت للسري والسلامي هجاء في التلعفري يدل على أنه من مذكوري الشعراء بتلك البلاد
ثم أنشدني محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن علي بن أحمد

التلعفري بنصيبين لنفسه من قصيدة أولها
( من ذا يدل على الرقاد جفوني ... قد ضاع صبابتي وشجوني )
( أما النجوم فقد ألفن رعايتي ... والعائدات فقد مللن أنيني ) - من الكامل -
قال وأنشدني أيضا علي بن محمد الشاشي بميا فارقين قال أنشدني لنفسه في غلام نصراني
( غريب الحسن من سماك بدرا ... وبدر التم في خديك خال )
( كتمت هواك إذ قلبي سليم ... فذاب القلب وانحل العقال )
( وكنت كمودع الحلفاء نارا ... وكتم النار في قصب محال ) - من الوافر -
وأنشدني أيضا
( رب ليل سهرت حتى تجلى ... مغرما في ظلامه أتقلى )
( والثريا كأنها رأس طرف ... أدهم زين باللجام المحلى ) - من الخفيف -
وقوله
( ومتيم أبدى إلي غرامه ... فعذلته والعذل فعل الجاهل )
( حتى إذا أبصرت مالك رقه ... كادت لواحظه تصيب مقاتلي )
( إن عدت أعذل عاشقا من بعده ... فأصابني ربي بحتف عاجل ) - من الكامل -
وأنشدني أيضا قال أنشدني أبو نصر بن أبي الفتح بن كشاجم بصيداء

الشام لنفسه في وصف الكتاب من أبيات
( وصاحب مؤنس إذا حضرا ... جالسني بالملوك والكبرا )
( جسم موات تحيا النفوس به ... يجل معنى وإن دنا خطرا )
( ملكت منه كنزا غنيت به ... فما أبالي ما قل أو كثرا )
( أظل منه في مجلس حفل ... بالناس طرا ولا أرى بشرا )
( وإن أطفل به فيا لك من ... مستحسن منظرا ومختبرا )
( أعجب به جامعا ولو جعلت ... عليه كف الجليس لاستترا ) - من المنسرح -
وله في شمعة
( بركة صفر عمودها شمع ... تفيض نارا من موضع الماء )
( تبكي إذا ما المقص خمشها ... فرط حياء من الأخلاء )
( كأنها عاشق مخايله ... فيه بواد لمقلة الرائي )
( صفرة لون وذوب معتبة ... ودمع حزن ونار أحشاء ) - من المنسرح -
قلت شبه أربعة بغير حرف تشبيه وقال في بخيل
( صديق لنا من أبدع الناس في البخل ... وأفضلهم فيه وليس بذي فضل )
( دعاني كما يدعو الصديق صديقه ... فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي )
( فلما جلسنا للطعام رأيته ... يرى أنه من بعض أعضائه أكلي )
( ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده ... وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي )
( فأقبلت استل الغذاء مخافة ... وألحاظ عينيه رقيب على فعلي )
( أمد يدي سرا لأسرق لقمة ... فيلحظني شزرا فأعبث بالبقل )

( إلى أن جنت كفي لحتفي جناية ... وذلك أن الجوع أعدمني عقلي )
( فجرت يدي للحين رجل دجاجة ... فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي )
( وقدم من بعد الطعام حلاوة ... فلم أستطع فيها أمر ولا أحلي )
( وقمت لو أني كنت بيت نية ... ربحت ثواب الصوم مع عدم الأكل ) - من الطويل -
وكتب على تفاحة حمراء بالذهب إلى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفضل ابن الفرات وأنفذها إليه وقد خرج إلى متنزهه بالمقس
( إذا الوزير تجلى ... للنيل في الأوقات )
( فقد أتاه سمياه ... جعفر بن الفرات ) - من المجتث -
وله في طبيب
( عيسى الطبيب ترفق ... فأنت طوفان نوح )
( يأبى علاجك إلا ... فراق جسم لروح )
( شتان ما بين عيسى ... وبين عيسى المسيح )
( فذاك محي موات ... وذا مميت صحيح ) - من المجتث -
وقال في فصد إسحاق بن كيغلغ
( يا فاصدا شق عرق إسحاق ... أي دم لو علمت مهراق )
( سفكته من يد معودة ... لنيل مال وضرب أعناق )
( لو يوم حرب أصبت من دمه ... إذا أقام الدنيا على ساق ) - من المنسرح -
وأنشدني له يصف جونة الطعام من قصيدة مزدوجة
( وجونة موصوفة من الجون ... قد جمع الطباخ فيها كل فن )

( من كل سخن منضج وبارد ... ما بين ألوان إلى بوارد )
( فمن رقاق ناعم رقاق ... يحمد في المنظر والمذاق )
( وأرغف تشف للصفاء ... كما تشف أوجه المرائي )
( ومن مصوص من مخاليف الحجل ... كأنما كانت ترف في الجبل )
( ومن فراريج بماء الحصرم ... تصلح للمخمور أو للمحتمي )
( قد شوشت أكبادها ببيض ... فهي كمثل نرجس في روض )
( وجاءنا فيها ببيض أحمر ... كأنه العقيق ما لم يقشر )
( حتى إذا قدمه مقشرا ... أبرز من تحت عقيق دررا )
( حتى إذا ما قطع البيض فلق ... رأيت منه ذهبا تحت ورق )
( يخال أن الشطر منه من لمح ... أعاره تلونيه قوس قزح )
( ما بين أوساط لطاف القد ... مقدودة كمثل قد الند )
( من صدر دراج وصدر حجله ... بملحها وبقلها متبله )
( فيها جبن صادق الحرافه ... مقطع باللطف والنظافه )
( قد ألبست قضبان طلع غضه ... كأنها سلاسل من فضه )
( وجاءنا فيها بباذنجان ... مثل قدود أكر الميدان )
( قد قارن الهليون بالممازجة ... تقارن الكرات بالصوالجه )
( ثم أتت سكارج الكوامخ ... كمثل أنوار من اللخالخ )
( ما بين طرخون وبين صعتر ... وفيجن غض وبين كزبر )

( وبين بن عدة المشطور ... كأنه تعلية النحور )
( ثم أتى براضع لم يعتلف ... كأن في جنبيه قطنا قد ندف )
( وحمل مبزر مشبر ... كأنه مضمخ بعنبر )
( يتلوه جدي قارس بخل ... كأنه بالزعفران مطلي )
( تخاله في خله المزعفر ... مركبا تحت عقيق أحمر )
( وقد عملت أطرافه سلاقه ... عجيبة الصنعة والمذاقه )
( زيدت من الخردل والصباغ ... وكشف القحف عن الدماغ )
( وصف فيه فلق الرمان ... مثل رصيع خرز المرجان )
( ثم أتى بناطف هياج ... يحر طبع البارد المزاج )
( كأنه في العين والقياس ... سبائك جاءت من الروباس )
( ثم أتانا بعده لوزينج ... كأنه في الأتحمي مدرج )
( تنشله من دهنه العميق ... كما أخذت بيد الغريق )
( وجاءنا الغلمة بالمدام ... ونحن لم ننهض من الطعام )
( بغير ترتيب ولا صواني ... وغير أنقال ولا ريحان )
( لأن في الجونة أنواع الأرب ... وعوضا من كل شيء يطلب )
( هذا هو النوع الذي أختاره ... ليس الذي عذبنا انتظاره ) - من الرجز -
وأنشدني عبد الصمد بن وهب المصري قال أنشدني أبو نصر بن أبي

الفتح كشاجم لنفسه
( غبط الناس بالكتابة قوما ... حرموا حظهم بحسن الكتابه )
( وإذا أخطأ الكتابة حظ ... سقطت تاؤها فصارت كآبه ) - من الخفيف -
وأنشدني الخوارزمي لعبد الرحمن بن جعفر النحوي الرقي
( قل لمن تاب ولم يقض ... من اللذات نحبه )
( توبة الحشوي لا تعدل ... عند الله حبه )
( أم من تسبقه أنت ... إلى الجنة قحبه ) - من مجزوء الرمل -
وأنشدني أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي قال أنشدني أبو العميد هاشم بن محمد المتيم الأطرابلسي لنفسه
( مضت للهو أوقات ... وللأوقات لذات )
( إلهيا أنا مشتاق ... وقد فاتت بمن فاتوا )
( وما لي عوض عنهم ... وأحيا الناس أموات )
( مضى أهل المروءات ... فلم تبق المروءات ) - من الهزج -
وقرأت في كتاب التحف والظرف لابن لبيب غلام أبي الفرج الببغاء لأبي عمارة الصوفي في ثقيل خفيف على القلب
( وثقيل لو كان في حسناتي ... وجميع الأنام في سيئاتي )
( لاستخف الذنوب بل كسر الميزان ... من ثقله على الكفات ) - من الخفيف

وله في ثقيل
( ثقيل براه الله أثقل من برى ... ففي كل قلب بغضة منه كامنه )
( مشى فدعا من ثقله الحوت ربه ... فقال إلهي زدت في الأرض ثامنه ) - من الطويل -
وأنشدنا أبو الحسن محمد بن أحمد الإفريقي المتيم في كتاب أشعار الندماء لأبي الحسن الممشوق الشامي ولست أتحقق اسمه في المشمش
( أما ترى المشمش يا خل الأدب ... مشطبا أكرم بهاتيك الشطب )
( مثقب الهامات من غير ثقب ... كأنه بنادق من الذهب )
( قد صاغها صائغها بلا تعب ... ) - من الرجز -
وله في جام فالوذج
( إني اتخذت أبا علي ذا العلا ... معقودة لك ذات طعم طيب )
( فقد اغتدت في جامها وكأنها ... شمس على بدر أوان المغرب )
( وتخال فيها اللوز وهو منصف ... أنصاف در فوق صحن مذهب )
( فتعال نخمش وجهها بأكفنا ... غضبت علينا أو غدت لم تغضب ) - من الكامل -
وأنشدني غيره للممشوق
( فؤادي كفيك إذا ما نطقت ... وصبري كخصرك في دقته )
( وما آس عارضك المستنير ... كالقلب مني في حرقته )
( وبالجسم مني الذي يشتكيه ... طرفك من غير ما علته )

( أشبه وعدك إما وعدت ... بعقرب صدغك في عطفته )
( وأزداد في كل يوم هوى ... وحبيك يزداد في فتنته ) - من المتقارب -
وأنشدني محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن الممشوق صاحب المتنبي لنفسه
( ليلة بتها بقرتم أسقي ... عاتقا عتقت مداها الدهور )
( وكأن السماء والبدر والأنجم ... روض ونرجس وغدير ) - من الخفيف -
وأنشدني أيضا محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي
( لما تأمل جودك القطر ... وسما ليدرك صدرك البحر )
( خجلا جميعا مثل ما خجلا ... إذ قابلاك الشمس والبدر )
( يا صالح الخيرات ما صلحا ... إلا لك التأييد والأمر ) - من الكامل -
وأنشدني أيضا للحسن بن عبد الرحيم الزلالي صاحب كتاب الأسجاع على معنى الحمدوني في طيلسان ابن حرب
( طيلسان كان رسما ... ثم قد أصبح وهما )
( لا تراه العين إلا ... بعد أن يهجع حلما )
( تتعب المقلة كي تدرك ... منه أثرا ما )
( تعب الفكرة في إخراجها ... البيت المعمى ) - من مجزوء الرمل

وقوله
( نظرة كانت لحتفي سببا ... جلب الحين لها ما جلبا )
( ضحكت أسماء من ذي لمة ... ضاحك الأشيب فيه الأشيبا )
( إنما يعرف أيام الصبا ... من صبا في غير أيام الصبا ) - من الرمل -
وللأنطاكي في وصف عود
( وبربط صحب الترنام نغمته ... أحلى من اليسر وافى بعد إعسار )
( يملي القريض عليه لفظ محسنه ... فينبري مخبرا عنها بإجهار )
( ما حث أوتاره في وجه نائبة ... إلا استفاد بتارات وأوتار )
( تحنو عليه أم تخاطبه ... سرا فيخبر بالنجوى بإظهار )
( وإن هفا عركت آذانه شفقا ... عليه من وصمة النقصان والعار ) - من البسيط -
وأنشدني أبو الحسن علي بن مأمون المصيصي وغيره لتميم بن معد أبي تميم صاحب مصر وهي مشهورة
( ما بان عذري فيه حتى عذرا ... ومشى الدجى في خده فتحيرا )
( همت تقبله عقارب صدغه ... فاستل ناظره عليها خنجرا )
( والله لولا أن يقال تغيرا ... وصبا وإن كان التصابي أجدرا )
( لأعدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبرا ) - من الكامل

وأنشدني أبو نصر سهل بن المرزبان قال أنشدت بمدينة السلام لمعد ابن تميم ويروي للوأواء
( لا تظلموا الناس ولا تطلبوا ... بثأري اليوم أذى مسلم )
( ويا لقومي دونكم شادنا ... معتدل القامة والمبسم )
( وإن أبى إلا جحودا له ... واكتتم الأمر فلم يعلم )
( قولوا له يكشف عن وجهه ... فإن فيه نقطة من دمي ) - من السريع -
وأنشدني المصيصي له
( وجنة من شفني هواه ومن ... أفنيت فيه دموع آماقي )
( كأنما الصيرفي دنر ما ... نجم منها ودرهم الباقي ) - من المنسرح -
ووجدت له من قصيدة
( وما بلد الإنسان إلا الذي به ... له سكن يشتاقه وحبيب )
( إلى الله أشكو وشك بين وفرقة ... لها بين أحشاء المحب ندوب )
( ترى عندهم علم وإن شطت النوى ... بأن لهم قلبي علي رقيب ) - من الطويل -
وأنشدني أبو حفص عمر بن علي الفقيه لأبي منصور نزار بن معد أبي تميم وقد وافق بعض الأعياد وفاة ابنه وعقد المأتم عليه
( نحن بنو المصطفى ذوو محن ... يجرعها في الحياة كاظمنا )

( عجيبة في الأنام محنتنا ... أولنا مبتلى وآخرنا )
( يفرح هذا الورى بعيدهم ... طرا وأفراحنا مآتمنا ) - من المنسرح -
وأنشدني المصيصي للأمير تميم
( شربنا على نوح المطوقة الورق ... وأردية الروض المفوفة البلق )
( معتقة أفنى الزمان وجودها ... فجاءت كفوت اللحظ أو رقة العشق )
( كأن السحاب الغر أصبحن أكؤسا ... لنا وكأن الراح فيها سنا البرق )
( فبتنا نحث الكأس فينا وإننا ... لنشربها بالحث صرفا ونستسقي )
( إلى أن رأيت النجم وهو مغرب ... وأقبلن رايات الصباح من الشرق )
( كأن سواد الليل والفجر طالع ... بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق ) - من الطويل -
أحسن في هذا البيت ما شاء
وأنشدت للمرواني في الهلال وأجاد
( والبدر في جو السماء قد انطوت ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق )
( وتراه من تحت المحاق كأنما ... غرق الكثير وبعضه لم يغرق ) - من الكامل -
وهو من قول ابن المعتز
( قد أثقلته حمولة من عنبر ... ) - من الكامل -
قال وسمعت الشيخ الإمام أبا الطيب يحكي أن المرواني صاحب الأندلس كتب إليه صاحب مصر كتابا يسبه ويهجوه فيه
فكتب إليه أما بعد فإنك عرفتنا

فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك والسلام
وأنشدني أبو سعيد بن دوست قال أنشدني الوليد بن بكر الأندلسي الفقيه المالكي لأميرهم محمد بن أبي مروان بن أخي المستنصر بالله المدعو الخليفة بالأندلس وهو الحكم بن عبد الرحمن المرواني من قصيدة كتب بها إلى صاحب مصر يفتخر
( ألسنا بني مروان كيف تبدلت ... بنا الحال أو دارت علينا الدوائر )
( إذا ولد المولود منا تهللت ... له الأرض واهتزت إليه المنابر ) - من الطويل -
وذكر أن المستنصر وهو أبو الحسن قتل ابن أخيه خوفا منه على المملكة
قال وأنشدني لوزير المستنصر وهو أبو الحسن جعفر بن عثمان المصحفي
( يا من أراني بألحاظ يصرفها ... عني الصبا والهوى رشدي وتوفيقي )
( جمعت فيك غليل العاشقين كما ... جمعت ما تشتهي من كل معشوق ) - من البسيط -
وله أيضا
( لعينيك في قلبي علي عيون ... وبين ضلوعي للشجون شجون )
( لئن كان جسمي مخلقا في يد الهوى ... فحبك غض في الفؤاد مصون )
( نصيبي من الدنيا هواك وإنه ... عذابي ولكني عليه ضنين ) - من الطويل -
وله أيضا في الخمر
( صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل أيم لاذع )

لم يحسن في تشبيه دبيب الخمر في جسم شاربها بدبيب الحية اللاذعة وقد أحسن في البيت الذي يليه جدا
( خفيت على شرابها فكأنهم ... يجدون ريا من إناء فارغ )
قال وأنشدني لعيسى بن وطيس كاتب المستنصر
( يا سيدا أفرطت بالعبد سطوته ... ما كل مالك رق مغضب حنق )
( أعتق وإلا فبع كم ذا تعذبني ... إن العبيد إذا ما عذبوا أبقوا )
( وثقت مني بأن الحب قيدني ... أجل وحقك إني فوق ما تثق ) - من البسيط -
ومعنى بيته الثاني مما يزيفه نقدة الشعر المتغزلون ولا يرضونه
وإنما يميلون إلى مثل ما قال أهل العصر
( لي مولى أقسى البرية قد قاسيت ... فيه الهموم والأشواقا )
( قلت إذ لج في جفائي واحتج ... عليه فساق نحوي السياقا )
( أيهذا المليك رأيك في سوء ... امتلاكي فلن أروم الفراقا ) - من الخفيف -
قال وأنشدني حبيب بن أحمد الأندلسي لنفسه
( ثلاثون من عمري مضين فما الذي ... أؤمل من بعد الثلاثين من عمري )
( أطايب أيامي مضين حميدة ... سراعا ولم أشعر بهن ولم أدر )
( كأن شبابي والمشيب يروعه ... دجى ليلة قد راعها وضح الفجر ) - من الطويل

وأنشدت لأحمد بن عبد الرحمن المتيم النحوي
( إذا ما نلت من دنياك حظا ... فأحسن للغني وللفقير )
( ولا تمسك يديك على قليل ... فإن الله يأتي بالكثير ) - من الوافر -
23 - عبد المحسن بن محمد الصوري
أحد المحسنين الفضلاء المجيدين الأدباء وشعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام فمن شعره قوله
( أترى بثأر أم بدين ... علقت محاسنها بعيني )
( في خصرها وقوامها ... ولحاظها ما في الرديني )
( وبوجهها ماء الشباب ... خليط نار الوجنتين )
( بكرت علي وقالت اختر ... خصلة من خصلتين )
( إما الصدود أو الفراق ... فليس عندي غير ذين )
( فأجبتها ومدامعي ... منهلة كالمرزمين )
( يا هذه لا تعجلي ... إن حان بينك حان حيني )
( فكأنما قلت اذهبي ... فمضت مسارعة لبيني ) - من الكامل -
قال وأعطاه بعض الأمراء عمامة حسنة فلبسها أياما ثم باعها ولبس عمامة

لطيفة ومشى فقال بعض من رآه ثقلت عليه العمامة فباعها
فقال ارتجالا
( قالوا عسى ثقلت عليه ... فباعها من غير عدم )
( والله ما ثقلت علي ... عمامتي بل خف كمي ) - من الكامل -
وقوله
( وكم آمر بالصبر لم ير لوعتي ... وما صنعت نار الأسى بين أحشائي )
( ومن أين لي صبر وفي كل ساعة ... أرى حسناتي في موازين أعدائي ) - من الطويل -
وقوله
( ومعتذر العذار إلى فؤادي ... لجرم سابق من مقلتيه )
( وكم أعرضت عنه فأعرضت بي ... عن الإعراض خضرة عارضيه )
( ولما قلت إن الشعر يسعى ... لقلبي في الخلاص سعى عليه ) - من الوافر -
وقوله
( لحظات تترامى ... بي إلى المرمى القصي )
( طرحتني من علي ... بين ألحاظ علي )
( فادعى رقي وما رقى ... بدعوى المدعي )
( أنا عبد المحسن الصوري ... لا عبد المسي ) - من مجزوء الرمل -
وقوله
( جنى ما جنى وانصرف ... وأنكر ثم اعترف )
( وظن بأن القصاص ... يمنع منه الترف )
( سلوا صدغه لم جرى ... ولما جرى لم وقف )
( وكان على أنه ... يجوز المدى فانعطف ) - من مجزوء المتقارب

وقوله
( بالذي ألهم تعذيبي ... ثناياك العذابا )
( والذي ألبس خديك ... من الورد نقابا )
( والذي صير حظي ... منك هجرا واجتنابا )
( يا غزالا صاد باللحظ ... فؤادي فأصابا )
( ما الذي قالته عيناك ... لقلبي فأجابا ) - من مجزوء الرمل -
وقوله
( تعلمت وجنته رقية ... لعقرب الصدغ فما تلسع )
( صمت عن العاذل في حبه ... أذني فما لي مسمع يسمع ) - من السريع -
وقوله في صبي اسمه عمر
( نادمني من وجهه روضة ... مشرقة يمرح فيها النظر )
( فانظر معي تنظر إلى معجز ... سيف علي بين جفني عمر ) - من السريع -
وقوله
( زففت إلى نبهان من عفو فكرتي ... عروسا غدا بطن الكتاب لها خدرا )
( فقبلها عشرا وهام بذكرها ... فلما ذكرت المهر طلقها عشرا ) - من الطويل -
وأنشدني له وقد مر بقبر صديق له
( عجبا لي وقد مررت بآثارك ... أني اهتديت قصد الطريق )
( أتراني نسيت عهدك يوما ... صدقوا ما لميت من صديق ) - من الخفيف

وقوله
( أمنون بدت لنا أم جفون ... حركات للسقم فيها سكون )
( بعتها ما حييت طول هجوعي ... بدموعي فأينا المغبون ) - من الخفيف -
وقوله
( تعلقته سكران من خمرة الصبابة ... غفلة عن لوعتي ولهيبي )
( وشاركني في حبه كل أغيد ... يشاركني في مهجتي بنصيب )
( فلا تلزموني غيرة ما عرفتها ... فإن حبيبي من أحب حبيبي ) - من الطويل -
وقوله
( قلت وقد أوردني حبه ... مواردا ليس لها مصدر )
( أفسدت دنياي ولا دين لي ... تفسده فاصدع بما تؤمر ) - من السريع -
وقوله
( أتابعت أهل البيعة اليوم في دمي ... غلبت فخذ أخطارهم وتقدم )
( ولا تورثن عينيك سقمي فإنه ... حرام على الذمي ميراث مسلم ) - من الطويل -
وقوله
( رأيت ما لم يره رائي ... ماء غدا يسبح في ماء )
( أومأت باللحظ إلى جسمه ... فكاد أن يدميه إيمائي ) - من السريع -
وقوله
( ظبي أقام قيامتي ... من قبل أن تأتي القيامه )

( عطب القلوب جفونه ... فعلام سموه سلامه ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( ولئن كنت قد رحلت بقلبي ... فاعلمي أن سر حبك فيه )
( لا تقولي ضيعته بعد بين ... ضيعيه إن شئت أو فاحفظيه ) - من الخفيف -
وقوله
( رقت فكادت لا ترى ... في كأسها إلا التماسا )
( لولا الحباب لخالها ... شرابها في الكأس كاسا ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( لما تبينت أن حبكم ... يحسن عندي وليس يحسن بي )
( بشرت طرفي بحسن عاقبتي ... فيكم وقلبي بسوء منقلبي ) - من المنسرح -
وقوله
( يا مطيع العذول في عصياني ... ومذيقي حرارة الهجران )
( اتق الله لا ترعني بالصد ... وجاز الإحسان بالإحسان )
( كيف أبقى على الزمان وهجرانك ... مما جنت صروف الزمان )
( صرت أجفوك مكرها وعلى الحب ... دليل من ناظري ولساني )
( فإذا عدت بالتجلد عنكم ... كذبتني نواظر الأجفان )
( كيف تجني ولا تخاف عقابا ... وفؤادي معاقب غير جاني )
( خل ما بين مقلتيك وقلبي ... فعلينا يد من السلطان )
( لا تكونن ثالثا لقويين ... فلو كان واحد لكفاني )
( لك والله في صميم فؤادي ... لذة الماء في فم العطشان ) - من الخفيف

وقال يهجو بعض من أضافه
( وأخ مسه نزولي بقرح ... مثل ما مسني من الجوع قرح )
( قيل لي إنه جواد كريم ... والفتى يعتريه بخل وشح )
( بت ضيفا له كما حكم الدهر ... وفي حكمه على الحر قبح )
( قال لي إذ نزلت وهو في السكرة ... والهم طافح ليس يصحو )
( لم تغربت قلت قال رسول الله ... والقول منه نصح ونجح )
( سافروا تغنموا فقال وقد قال ... تمام الحديث صوموا تصحوا ) - من الخفيف -
وقوله
( بدر تم يثنيه دعص وخوط ... عذري في عذاره مبسوط )
( أي در للثقب أي كتاب ... لو تأتت بصفحتيه الخطوط )
( وإذا اغتر قلت ظبي غرير ... وإذا افتر قلت در سقيط ) - من الخفيف -
وقوله
( يستوجب العفو الفتى إذا اعترف ... وتاب مما قد جناه واقترف )
( لقوله قل للذين كفروا ... إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) - من الرجز -
وقوله
( طرة مسك وشارب أخضر ... وثغر در ومقلتا جؤذر )
( ريم إذا رمت أن أكلمه ... كلمني من جفونه خنجر )
( وإن تعوضت من عوارضه ... لثما تجنى علي واستكبر )

( كأن خيلانه ووجنته ... سماء حسن نجومها تزهر )
( سبحان من صاغه على قدر ... فذلك الله خير من قدر ) - من المنسرح -
وقوله
( يا حار إن الركب قد حاروا ... فاذهب تجسس لمن النار )
( تبدو وتخبو إن خبت وقفوا ... وإن أضاءت لهم ساروا )
( قام عليها موقد مرشد ... له بفضل الزاد إيثار )
( فلا تلوموني إذا مسكم ... أو مسها من قربكم عار )
( وسائل يسأل عن حالتي ... قلت كما تهوى وتختار )
( وأين ما أسررت في لحظه ... مما أسر الطين والقار )
( ما نظرة إلا لها سكرة ... كأنما طرفك خمار )
( هذا هوى يصدر عنه جوى ... تتلوه لوعات وأفكار )
( وهذه أفعالها هذه ... ما بعد رأي العين إخبار )
( ولست أعتد عليك الضنا ... ألست من جفنيك أمتار ) - من السريع -
وقوله
( هواي الذي أبدى وأضمره يحيى ... وسؤلي في دار الخلود وفي الدنيا )
( وعيني التي أرعى بها من يودني ... وكفي التي أرمي الأعادي بها رميا )
( أأصبر عن يحيى وأطوي وصاله ... إذا فطواني عنه صرف الردى طيا )
( كتمت الهوى جهدي ونفيت طاقتي ... وقد زاد حتى ما أطيق له نفيا )
( يود أناس لو عميت عن الصبا ... إذا فأراني الله أعينهم عميا )

( فما بالهم لا قدس الله بالهم ... ولا حاط ميتا منهم لا ولا حيا )
( يلومون في يحيى ولو أن لائما ... رأى وجهه لاستقبح اللوم واستحيا )
( فيا منيتي كم فيك عاصيت عاذلا ... أرى غيهم رشدا ورشدهم غيا )
( وكم جاءني ما قاله فيك كاشح ... فزدتك حبا كلما زادني نعيا )
( أأسمع فيك العذل ممن يلومني ... فلا سمعت أذني إذا بعدهم شيا )
( فما أحسن الدنيا إذا كنت جانبي ... وإن غبت عن عيني فما أقبح الدنيا ) - من الطويل -
وله يهجو
( حديثه كالحدث ... يرفث كل الرفث )
( يود من يسمعه ... لو أنه في جدث ) - من مجزوء الرجز -
وله يرثي
( قالوا ألم تحضر عليا بعد ما ... دفنوه قلت هناك بئس المحضر )
( لا أستطيع أرى المعالي بينكم ... محمولة وأرى المكارم تقبر )
( لم يمض قبلك من أراه أسوة ... فأقول هذا مثل ذاك فأصبر )
( قد كنت جزءا والأكارم كلهم ... جزء ولكن الأقل الأكثر )
( ما كان أكثرهم وأنت جليسهم ... وأقلهم إذ شيعوك وكبروا ) - من الكامل -
ومما يتغنى به من شعره قوله
( ما عليها سهرت أم بت نائم ... بعد أن لا يلم بي طيف حالم )
( تسأل الناس كيف حالي ومن أعلم منها ... وفاعل الشيء عالم )
( وغزال أغن أغيد ساجي الطرف ... مستحسن الخلائق ناعم )

( لم يصلني ولم يعدني وقال اكتم ... فماذا أسر حتى أكاتم ) - من الخفيف -
وقوله
( قبلتها أشتفي بقبلتها ... فزادني ذلك اللمى ألما )
( وساءلتني عن مبتدا سقمي ... مسقم جفنيك مسقمي بهما ) - من المنسرح -
وقوله
( يا علة الأجفان كفي كفي ... ما حملت منك وما استوثقت )
( وساعدينا واعلمي أنها ... قد نذرت قتلي وما أعتقت ) - من السريع -
وقوله
( أرى الليالي إذا عاتبتها جعلت ... تمن أن جعلتني من ذوي الأدب )
( وليس عند الليالي أن أقبح ما ... صنعن بي أن جعلن الشعر مكتسبي )
( إن كان لا بد من مدح فها أنا ذا ... بحيث آمن في قولي من الكذب ) - من البسيط -
وقوله
( إذا كسدت سوق الثناء فجوده ... طلوب لأسباب الثناء كسوب )
( تضيق بما تحوي يداه وصدره ... بتفريق ما تحوي يداه رحيب ) - من الطويل -
وقوله
( وغزال مثل الغزالة يحكيها ... كمالا إلا بقلب وود )
( رق جسما فرق دمعي عليه ... فجرى مثل خده فوق خدي ) - من الخفيف -
وقوله
( والله ما عورضت في مهجتي ... إلا لأن أرفع عنها يدي )

( الأهيف الأغيد والنفس ما ... آلفها للأهيف الأغيد )
( يعجبها أن ترتدي حسنه ... والحسن قد يردى به المرتدي )
( طوفان نوح طبق الأرض لا ... يبرح منها آخر المسند )
( طاف علينا فاستوينا على الجودي ... من جود أبي أحمد )
( أبوالعلا إذ ذكرت وابنها ... يا ذا المكانين من السؤدد )
( غير من حالي ومن نيتي ... في غيره كم مصلح مفسد )
( لو كان من أحببته بعض ما ... في يده زارت بلا موعد ) - من السريع -
وقوله من قصيدة
( فتى كلما قالوا تناهى صعوده ... إلى كل مجد خالف القول صاعدا )
( ترى كل ملقى المقاليد في الوغى ... إليه إذا لاقاه ألقى المقالدا )
( ولست ترى بيتا من المجد أو ترى ... من الجود أركانا له وقواعدا )
( لقد شرفت أبيات عوف وطهرت ... من الرجس حتى خلتهن معابدا )
( وكل يعاف الورد من بعد ربه ... وأرماح عوف لا تعاف المواردا )
( ترى منهم يوم الوغى كل ناشر ... من النقع فوق الدار عين مطاردا )
( ينالون ما أمسى بعيدا مناله ... كأنهم طالوا الرماح سواعدا )
( وقلبت الهيجاء أعيان خلقهم ... فقد وثبوا أسدا ودبوا أساودا )

( على أن من لاقيت منهم مسالما ... لقيت به نوء السماك مجاودا ) - من الطويل -
وقوله
( وقد حسدت على ما بي فواعجبي ... حتى على الموت لا أخلو من الحسد )
( ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ... ولا أسلمها إلا يدا بيد ) - من البسيط -
ومن قصيدة يقول في مدحها
( طالما جاد لي وظن بأن الجود ... يبلي في كل يوم مجدد )
( بيمين طالت فكم تضرب الأيام ... عني بها وكم تتجلد )
( أحسن الفعل بي فأحسنت قولا ... فاشتبهنا فقيل جاد وجود ) - من الخفيف -
وقوله
( وغريرة مغرورة بجمالها ... وتظن أن المنتهى كالمبتدي )
( ظلت تناكرني الهوى من بعد ما اعترفت ... به زمنا فقلت تقلدي )
( ليكن عقابك لي بقدر تجلدي ... لا بالنوى فضعيفة عنها يدي ) - من الكامل -
وقوله في أبي الجيش حامد بن سلهم
( ما زال ينحلني أبو الجيش اسمه ... فيما يجد وكل يوم جودا )
( حتى غدوت أنا المسمى حامدا ... وغدا يسمى حامدا محمودا ) - من الكامل -
وقوله
( نام الخليون من حولي فقلت لهم ... ما كل عين لها عين تسهدها )
( لا تنكروا عقلتي عامين في يده ... فإن صيداء معروف تصيدها )

( كأنما أهلها أهل المقيم بها ... فذلك الزهد في الأوطان يبعدها ) - من البسيط -
وقال يهجو أخاه عبد الصمد
( قال لي أنت أخو الكلب وفي ... ظنه أن قد تناهى واجتهد )
( أحمد الله كثيرا أنه ... ما درى أني أخو عبد الصمد ) - من الرمل -
وقوله من قصيدة أولها
( لا بتماديك على هجري ... ولا بإكثارك من ذكري )
( عهدتكم من حيث عاهدتكم ... لم تعرفوا شيئا سوى الغدر )
( فما لكم لما نذرتم دمي ... صرتم من الموفين بالنذر )
( جاءت عطاياك موفرة ... فلم يكن عندي سوى النشر )
( مقرونة بالعذر إني لفي التقصير ... أولى منك بالعذر ) - من السريع -
وقوله من قصيدة أولها
( حتى متى كل مشتك زاجر ... واللوم مثل الهوى بلا آخر )
( كم عاذل عاشق وكنت أرى ... أن الذي جرب الهوى عاذر )
( يا نافرا نفرة الغزال وكان ... الحزم لو أنني أنا النافر )
( يبيت ما تستعد مقلته ... من خمرها فوق ثغره قاطر )
( فطرفه عاصر وليس به ... خمر وفوه خمر بلا عاصر )
( وشادن طائف على نفر ... شخص الكرى من يمينه دائر )
( صرعهم حوله وأوجسهم ... بما اشتكى نائب له ساهر )
( فحثني ساعة فلم ترني ... في أثر القوم بعدهم سائر )
( فقال أوصيك بي وأسلمه الصبر ... على رغمه إلى الصابر )

( فبت في روضه ألف على الغادة ... طرفي وأمرح الناظر ) - من المنسرح -
يقول في مدحه بالكتابة وأجاد
( لا يخطر الفكر في كتابته ... كأن أقلامه لها خاطر )
( القول والفضل يجريان معا ... لا أول فيهما ولا آخر )
وقوله
( وأغن أغيد وده ... مستأنس بي وهو نافر )
( إن قلت زرني قال نم ... فالطيف ليس يزور ساهر )
( ويقول لي فيما يقول ... نعم وما للقول آخر )
( حتى أشاور قلت لكني ... هويت ولم أشاور ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( سهلت عنده المسالك حتى ... أوصلته إلى العلا وهي وعره )
( ثم هامت به المعالي فصارت ... تتقي صده وتحذر هجره ) - من الخفيف -
وقوله من قصيدة يقول فيها
( هلموا اسألوا عن سلو يباع ... أو استخبروا عن كرى يكترى )
( هل الناس مثلي وإلا فما ... أشد القلوب وما أصبرا )
( وصفراء تنفذ من كأسها ... فتترك ما حولها أصفرا )
( بمد إذا شعشعت كالهباء ... لمن كان قدامها أو ورا )
( وفي القوم من لم يكن عنده ... إذا سكر القوم أن يسكرا )

( سقاني وشد معي مئزرا ... فما شد من بعدها مئزرا ) - من المتقارب -
وقوله
( عندي حدائق شكر غرس جودكم ... قد مسها عطش فليسق من غرسا )
( تداركوها وفي أغصانها رمق ... فلن يعود أخضر العود إن يبسا ) - من البسيط -
وقوله من قصيدة يقول في مدحها
( بئس السياسة والرياسة منزل ... أصبحت وحدك في ذراه مقيما )
( وجعلت تفعل مثل ما فعل الألى ... فيه وتتخذ الخطوب خصوما )
( ولو اختصرت على القديم كفى العلا ... إن القديم ليوجب التقديما )
( للحادثات معي حديث مبهم ... أضحى النهار علي منه بهيما )
( وصناعتي عربية وكأنني ... ألقى بأكثر ما حفظت الروما )
( فلمن أقول وما أقول فأين بي ... فأسير أولا اين بي فأقيما )
( وإذا اشتكيت إلى امرئ ما حل بي ... فأقول يرحمني أراه حليما ) - من الكامل -
وقوله من قصيدة يقول فيها
( يروح إلى كسب الثناء ويغتدي ... إذا كان هم الناس كسب الدراهم )
( وإن جلس الأقوام عن واجب الندى ... وحق العطايا كان أول قائم )
( يزيد ابتهاجا كلما جاء قاصد ... كأن به شوقا إلى كل قادم ) - من الطويل -
وقوله
( إن لها من لوعة شانا ... أضرمت الأحشاء نيرانا )
( وحالفت دمعي فلم يطفها ... وقد جرى سحا وتهتانا )

( وآل ما زال عدوا لها ... مذ كانت النار ومذ كانا )
( لكن في حيني وفي شقوتي ... ما يجعل الأعداء خلانا )
( وغادة قمت لتوديعها ... أسعى إلى التفريق عجلانا )
( فغاض دمعي وجرى دمعها ... زورا على الحب وبهتانا )
( ثم انثنت قائلة ما له ... لم يبكه البين وأبكانا )
( فقلت جار الدمع في حكمه ... ففاض من أجفان أجفانا ) - من السريع -
وقوله
( ما زال يبني كعبة للعلا ... ويجعل الجود لها ركنا )
( حتى أتى الناس فطافوا بها ... وقبلوا راحته اليمنى ) - من السريع -
وقوله في أبي الجيش حامد بن سلهم
( أبا الجيش حسب الشعر ما أنت صانع ... فقد عجزت عن وصف ذاك القصائد )
( أما انصلحت للمال منك طوية ... فتصلحه حتى متى أنت حاقد )
( سبقت بني الدنيا فما هب قائم ... سواك إلى جود ولا قام قاعد ) - من الطويل -
وقوله
( ومن بني القواد من بغته ... عن سيفه سيوف أجفانه )
( سلطان عينيه له سطوة ... أشد من سطوة سلطانه ) - من السريع

وقوله
( يا ذا الذي في خده ... جيشان من زنج وروم )
( هذا يغير على القلوب ... وذا يغير على الجسوم )
( إني وقفت من الهوى ... في موقف ضنك عظيم )
( كوقوف عارضك الذي ... قد حار في ماء النعيم ) - من الكامل -
وقوله
( غنني يا أعز ذا الخلق عندي ... حي نجدا ومن بأكناف نجد )
( واسقني ما يصير ذو البخل منه ... حاتما والجبان عمرو بن معدي )
( لي وما فوق وجنتيك من الورد ... مدام كالمسك في لون ورد )
( فاسقينها ملأى فقد فضح الليل ... هلال كأنه فتر رند )
( والثريا خفاقة بجناح الغرب ... تهوي كأنها رأس فهد )
( في أوان الشباب عاجلني الشيب ... فهذا من أول الدن دردي ) - من الخفيف -
وقوله
( إن خيالا زارنا وهنا ... من عندكم هاج لنا حزنا )
( أحبابنا لا بلغت منكم ... أيدي النوى ما بلغت منا )
( فلم يغب عنكم على بعدكم ... ما فعلت غيبتكم عنا )
( أيسر ما في عهدكم أننا ... لما حفظنا عهدكم ضعنا ) - من السريع

24 - أحمد بن سليمان الفجري
شاعر ماهر كتب إلى عبد المحسن الصوري هذه الأبيات
( أعبد المحسن الصوري لم قد ... جثمت جثوم منهاض كسير )
( فإن قلت العبالة أقعدتني ... على مضض وعاقت عن مسيري )
( فهذا البحر يحمل هضب رضوى ... ويستثني بركن من ثبير )
( وإن حاولت سير البر يوما ... فلست بمثقل ظهر البعير )
( إذا استحلى أخوك قلاك يوما ... فمثل أخيك موجود النظير )
( تحرك عل أن تلقى كريما ... تزول بقربه إحن الصدور )
( فما كل البرية من تراه ... ولا كل البلاد بلاد صور ) - من الوافر -
فأجابه عبد المحسن
( جزاك الله عن ذا النصح خيرا ... ولكن جاء في الزمن الأخير )
( وقد حدث لي السبعون حدا ... نهى عما أمرت من المسير )
( ومذ صارت نفوس الناس حولي ... قصارا عدت بالأمل القصير ) - من الوافر -
25 - أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبي الرقعمق
نادرة الزمان وجملة الإحسان وممن تصرف بالشعر الجزل في أنواع الجد

والهزل وأحرز قصب الفضل وهو أحد المداح المجيدين والفضلاء المحسنين وهو بالشام كابن حجاج بالعراق فمن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة أولها
( قد سمعنا مقاله واعتذاره ... وأقلناه ذنبه وعثاره )
( والمعاني لمن عنيت ولكن ... بك عرضت فاسمعي يا جاره )
( من مراديه أنه أبد الدهر ... تراه محللا أزراره )
( عالم أنه عذاب من الله ... مباح لأعين النظاره )
( هتك الله ستره فلكم هتك ... من ذي تستر أستاره )
( سحرتني ألحاظه وكذا كل ... مليح لحاظه سحاره )
( ما على مؤثر التباعد والإعراض ... لو آثر الرضى والزياره )
( وعلى أنني وإن كان قد عذب ... بالهجر مؤثر إيثاره )
( لم أزل لا عدمته من حبيب ... أشتهي قربه وآبى نفاره ) - من الخفيف -
يقول في مدحها
( لم يدع للعزيز في سائر الأرض ... عدوا إلا وأخمد ناره )
( فلهذا اجتباه دون سواه ... واصطفاه لنفسه واختاره )
( لم تشيد له الوزارة مجدا ... لا ولا قيل رفعت مقداره )
( بل كساها وقد تخرمها الدهر ... جلالا وبهجة ونضارة )
( كل يوم له على نوب الدهر ... وكر الخطوب بالبذل غاره )
( ذو يد شأنها الفرار من البخل ... وفي حومة الوغى كراره )

( هي فلت عن العزيز عداه ... بالعطايا وكثرت أنصاره )
( هكذا كل فاضل يده تمسي ... وتضحي نفاعة ضراره )
( فاستجره فليس يأمن إلا ... من تفيا بظله واستجاره )
( فإذا ما رأيته مطرقا يعمل ... فيما يريده أفكاره )
( لم يدع بالذكاء والذهن شيئا ... في ضمير الغيوب إلا أناره )
( لا ولا موضعا من الأرض إلا ... كان بالرأي مدركا أقطاره )
( زاده الله بسطة وكفاه ... خوفه من زمانه وحذاره )
وقوله من أخرى أولها
( إن ربعا عرفته مألوفا ... كان للبيض مربعا ومصيفا )
( غيرت آية صروف الليالي ... وغدا عنه حسنه مصروفا )
( ما مررنا عليه إلا وقفنا ... وأطلنا شوقا إليه الوقوفا )
( آلفا فيه للبكاء كأني ... لم أكن فيه للغواني ألوفا )
( حاسدا للجفون لما أزالت ... في مغانيه دمعها المذروفا )
( إن يعقوب قد أفاد وأقنى ... وأعاد الندى وأغنى الضعيفا )
( سل سيفا من البصيرة والرأي ... فأغناه أن يسل السيوفا )
( باذلا للعزيز دون حماه ... مهجة حرة ورأيا حصيفا )
( لم تزل دونه تخوض المنايا ... وترد الردى وتلقى الصفوفا )
( ناصحا مشفقا محبا ودودا ... قائما في رضاه صعبا عسوفا )
( ليس يخشى فساد أمر تولاه ... وأضحى برأيه مكنوفا )

( ما رأيناه قط إلا رأينا ... خلقا طاهرا وفعلا شريفا )
( ورأينا قرما كبيرا هماما ... منعما مفضلا رحيما رؤوفا )
( لذ طعم العطاء وهو إذا جاد ... وأعطى يرى الكثير طفيفا )
( خلق منه منذ كان كريم ... يستلذ الندى ويقري الضيوفا )
( ويريش الفقير بالذل والجود ... ويعطي ويسعف الملهوفا )
( فأرانا الإله صرف الليالي ... أبدا عن فنائه مصروفا ) - من الخفيف -
وقوله من أخرى
( حي الخيام فإني ... مغرى بأهل الخيام )
( بالراميات فؤادي ... بصائبات السهام )
( أسقمتني وتألين ... لأشفين سقامي )
( أيام وصلي حرام ... والهجر غير حرام )
( لا عذب الله قلبي ... إلا بطول الغرام )
( سقيا لدهر تولى ... بشرتي وغرامي )
( كأنما ذلك العيش ... كان في الأحلام )
( لم يبق من نرتجيه ... لحادث الأيام )
( إلا ابن أحمد ذو الطول ... والأيادي الجسام )
( كفاه أغدق جودا ... من واكفات الغمام )
( يلقى العفاة بوجه ... مستبشر بسام )

( معظما ترتجيه ... للنائبات العظام )
( يرمي الخطوب برأي ... أمضى من الصمصام )
( قرم له عزمات ... تفل حد الحسام ) - من المجتث -
وله من أخرى
( توهمت أمرا فلم أنبس ... بحرف وناديت بالأكؤس )
( حميا كأن سنا نورها ... سنا بارق لاح في الحندس )
( يعاطيكها رشأ طرفه ... سريع إلى تلف الأنفس )
( بخد يروقك توريده ... وعين تنوب عن النرجس ) - من المتقارب -
يقول في مدحها
( له قلم أبدا ناطق ... بأسعد قوم وبالأنحس )
( إذا ما انتضاه لأمر رمى ... به الدهر عن صائبات القسي )
( رآه الوزير على غاية ... من الفضل تعلو على الخنس )
ومن أخرى
( أظن ودادها من غير نية ... وهل هي فيه إلا مدعية )
( فتاة لا تمل عذاب قلبي ... ولا تخليه وقتا من أذيه )
( ولا ذنب له إلا التوافي ... لمن في الحب ليست بالوفيه )
( ويعجبني التمنع والتشاجي ... من الخود الممنعة الشجيه )
( فوا أسفا على حر يعزي ... أخا رزء على عظم الرزيه ) - من الوافر

ومنها
( وذلك أن إيري فيه رطل ... وما في حرها إلا وقيه )
( ومن بعث المدام فليس بد ... ولاتك غير بكر بابليه )
( فثم هناك حر شافعي ... عظيم الشأن واست مالكيه )
( ونفسي غير مائلة إليها ... لأحوال مقبحة بذيه )
( أحب دنوها وتحب قربي ... وهذا لا يكون بلا بليه )
( وما لاقيتها إلا تلاقى ... مبالانا بإسقاط التقيه )
( وهذا الرأي لا رأي سواه ... فلا تحفل بأقوال الرعيه )
( ولا عيش سوى تقليب بظر ... وثقب من صبي أو صبيه )
( على أني أقول بكل شيء ... سوى نيك العجوز القذمليه )
( ولا ألوي على أحد يراني ... بعين النقص والحال الدنيه )
( ومن نال العلاء حجا ومجدا ... وأفعالا مهذبة سنيه )
( تشابه خلقه والخلق حسنا ... وحسبك بالنفاسة والسجيه )
( تشاهد منه طودا مشمخرا ... وأفعال الملوك الكسرويه )
( له الأقلام كيف يشاء تجري ... بتأييد القضاء بالمشية )
( كأن اللفظ في القرطاس زهر ... تفتح عن معان معنويه )
ومن أخرى
( كفي ملامك يا ذات الملامات ... فما أريد بديلا بالرقاعات )

( كأنني وجنود الصفح تتبعني ... وقد تولت مزامير الرطانات )
( قسيس دير تلا مزماره سحرا ... على القسوس بترجيع ورنات )
( وقد مجنت وعلمت المجون فما ... أدعي بشيء سوى رب المجانات )
( وذاك أني رأيت العقل مطرحا ... فجئت أهل زماني بالحماقات )
( إني سأدخل عذالي على عذل ... في الحب أن عذلوني في الحرامات )
( أفدي الذي نأوا والدار دانية ... وشتتوا بالجفا شمل المودات )
( كم قد نتفت سبالي في صدودهم ... والصد أصعب من نتف السبالات )
( سقيا ورعيا لأيام لنا سلفت ... بالقفص قصرها طيب اللذاذات )
( إذا لا أروح ولا أغدو إلى وطن ... إلا إلى ربع خمار وحانات )
( أيام أسحب أذيال الهوى مرحا ... مصرعا بين سكرات ونشوات )
( عوضت منهم أحزانا تؤرقني ... بعد السرور وفرحات بترحات )
( لولا عذار تعالى كيف صوره ... رب العباد لتعذيبي وحسراتي )
( كأنه مشقة من خد من شقيت ... روحي بهجرانه أو عطف نونات )
( لما حللت بدار مالها أحد ... إلا أناس تواصوا بالخساسات )
( لو كنت بين كرام ما تهضمني ... دهر أناخ على أهل المروءات ) - من البسيط -
ومنها
( لو نيل بالمجد في العلياء منزلة ... لنال بالمجد أعنان السموات )
( يرمي الخطوب برأي يستضاء به ... إذا دجا الرأي من أهل البصيرات )
( فليس تلقاه إلا عند عارفة ... أو واقفا في صدور السمهريات )

( يا من غدت أوجه الأيام مشرقة ... بجوده مستهلات منيرات )
( مالي بلا سبب غودرت مطرحا ... وقد حرمت عطاياك الجزيلات )
( ولي مدائح قدما فيك سائرة ... مستطرفات بألفاظ طريفات )
ومن أخرى
( كل بشعري مفتون ومشغوف ... وجيد الشعر منعوت وموصوف )
( كلفت من أمرهم ما لا أقوم به ... ومن يقوم بأمر فيه تكليف )
( لأنتفن سبالي طاعة لهم ... والذقن إن دام ذا الإعراض منتوف )
( أمسي وأصبح مجفوا ومطرحا ... هذا ورأسي وما والاه مكشوف )
( وبي وعندي وفي ملكي ولا رزقوا ... رزقي قذال أصم السمع مكفوف )
( من تلك أقفية القوم الكشاخنة الفدم ... الذين لهم منها مجاديف )
( مفوقات بتنفيش وأطبعها ... لا شك ما فيه تنقيش وتفويف )
( معطوفة وبنفسي يا ابن أم قفا ... على الأخادع مثني ومعطوف )
( كم قاتل ويداه في أطايبه ... وطيب الشيء مجني ومقطوف )
( فإن يكن ذا فلا غرو ولا حرج ... فلليالي وللأيام تصريف )
( هذا الذي من رآه دون ملمسه ... لم يأكل اللحم إلا وهو معلوف )
( ولم يمد إلى رأس على طرب ... يديه إلا وفي اليمنى تطاريف )
( بينا يرى الثوب منشورا بلا سبب ... حتى يرى وهو بعد النشر ملفوف )
( فكم ألام وكم ألحى وهل حمقي ... إلا نتيجة رأس فيه تخفيف )
( ألفته حسب مالي من محبته ... دون البرية والمحبوب مألوف )

( إلف المكارم والجدوى فتى أسد ... محمد خير من ناداه ملهوف )
( حر إذا ذكر الأحرار مشتمل ... على السماح ببذل العرف معروف )
( بمثله يدفع الخطب الجليل إذا ... تصرفت ببني الدنيا تصاريف )
( ندب نماه كرام سادة نجب ... شم الأنوف بها ليل غطاريف )
( تحصى النجوم ولا تحصى فضائله ... ولا يحيط بها وصف وتكييف ) - من البسيط -
ومن أخرى
( لمن أمدح بالشعر ... لمن أقصد لا أدري )
( إلى من إن دجا خطب ... ونابت نوب الدهر )
( فقد والشفع والوتر ... ومن أقسم بالفجر )
( تحيرت فما أدري الذي ... أصنع في أمري )
( على أني بالدهر ... وبالأيام ذو خبر )
( ولكني للحيرة ... سكران بلا سكر )
( كأني لست مخلوقا ... لغير الجهد والضر )
( ومذ كنت فمدفوع ... إلى الفاقة والفقر )
( فما أصنع في مصر ... إذا لم أحظ في مصر )
( وفي الآفاق أقوام ... يميلون إلى شعري )
( ونبئت بأن القوم ... لا يخلون من ذكري )
( ففيم الترك للسير ... وهل في ذاك من عذر )
( وقد قدمت أثقالي ... وسيري غرة الشهر )
( فأما أكثر الحمق ... فقد سيرت في البحر )
( وباقيه معي يذهب ... في البر على ظهري )

( ولا أترك في مصر ... لذكر الحمق من أثر )
( فمن بعدي ليطبيه ... في النظم وفي النثر )
( ومن يلعب في الرأس ... من العصر إلى العصر )
( ومن من شدة الصفع ... له رأس بلا شعر )
( ومن هامته أقوى ... على الصفع من الصخر )
( ومن يضرط في الذقن ... بلا كيل ولا حزر )
( ومن ينتف بالدبق ... سبالات بني البظر )
( ولكني لا كنت ... لما في من الكبر )
( إذا أمراني الصفع ... تجشأت من الدبر )
( وهيهات ترى صفعا ... لغيري أبدا يمري ) - من الهزج -
ومنها
( ألا يا منتهى الجود ... ويا ذا المجد والفخر )
( ويا ابن السادة الغر ... ويا ابن الأنجم الزهر )
( ويا أبهى من الشمس ... ضياء ومن البدر )
( لماذا أنت لا تعدي ... على الأيام والدهر )
( همام طاهر الذيل ... سليل السادة الغر )
( كريم الأصل والخيم ... رحيب الباع والصدر )
( جواد غير مدفوع ... عن الإفضال والبر )

( وما زال إلى كل ... له عارفة تسري )
( لقد عمت أياديه ... جميع البدو والحضر )
ومن أخرى
( عجب ما مثله عجب ... فعلوا بي غير ما يجب )
( قرقرت بطني فواحزني ... ذقن من بالسلح يختضب )
( هربا من شرها هربا ... فعسى أن ينفع الهرب )
( ذهب الناس فما أحد ... يشتهي أن تنفخ القرب )
( حزني أني مذ زمن ... ما لعبناه ولا لعبوا )
( ولكم بتنا على طرب ... ورؤوس القوم تستلب )
( وكؤوس الصفع دائرة ... ملؤها اللذات والطرب )
( وانتخبناها وهاههم ... وأكف القوم تصطخب )
( وكأن الصفع بينهم ... شعل النيران تلتهب )
( والعمى منهم وإن شغلوا ... عنه باللذات مقترب )
( سوف يدرون أيما رجل ... ضيعوا مني إذا طربوا )
( بسيوف شركها أدم ... مرهفات للعمى سبب )
( وعجيب والحسين له ... راحة بالجود تنسكب )
( أن شربي عنده رنق ... ولديه مربعي جدب )
( وله الورد المعاذ به ... والجناب الممرع الخصب )

( وهو الغيث الملث إذا ... أعوزتنا درها السحب )
( وإلى الرسي ملجؤنا ... من صروف الدهر والهرب )
( سيد شادت علاه له ... في العلا آباؤه النجب )
( وله بيت تمد له ... فوق مجرى الأنجم الطنب )
( حسبه بالمصطفى شرفا ... وعلي حين ينتسب )
( رتبة في العز شامخة ... قصرت عن نيلها الرتب )
( ذاك فخر ليس تنكره ... لكم عجم ولا عرب )
( ولأنتم من بفضلهم ... جاءت الأخبار والكتب )
( وإليكم كل منقبة ... في الورى تعزي وتنتسب )
( وبكم في كل معركة ... تفخر الهندية القضب )
( وبكم في كل عارفة ... ترفع الأستار والحجب )
( وإذا سمر القنا اشتجرت ... فبكم تستكشف الكرب ) - من المديد -
وقوله من قصيدة في الرسي أولها
( باح وجدا بهواه ... حين لم يعط مناه )
( مغرم أغرى به السقم ... فما يرجى شفاه )
( كاد يخفيه نحول الجسم ... حتى لا تراه )
( لو ضنا يخفى عن العين ... لأخفاه ضناه ) - من مجزوء الرمل -
ومنها
( حبذا الرسي مولى ... رضي الناس ولاه )

( جعل الله أعاديه ... من السوء فداه )
( فلقد أيقن بالثروة ... من حل ذراه )
( من رقى حتى تناهى ... في المعالي مرتقاه )
( فات أن يبلغ في السؤدد ... والمجد مداه )
( ملك مذ كان بالسطوة ... ممنوع حماه )
( بحر جود ليس يدرى ... أين منه منتهاه )
( لم يضع من كان إبراهيم ... في الناس رجاه )
( لا ولا يفرق من صرف ... زمان إن عراه )
( من به استكفى أذى الأيام ... والدهر كفاه )
( كيف لا أمدح من لم ... يخل خلق من نداه )
وقوله من أخرى يقول فيها
( لو برجلي ما برأسي ... لم أبت إلا بنجد )
( خفة ليست لغيري ... لا أراني الله فقدي )
( ومحال أن يرى مثلي ... أو يبصر بعدي )
( رجل لا يضرط الضرطة ... إلا بعد جهد )
( فلذا الأمر تراه ... يأكل التمر بزبد )
( غير أني قيل عني ... إنني مغرى بدعد )
( وبليلي وبسلمي ... وبسعدى وبهند )
( ثم لا أملك شيئا ... غير سنور وخلد )
( وحماقات وعمري ... إن لي رأسا مرندي )

( أصبر الأرؤس في صفع ... بلا حزر وعد ) - من مجزوء الرمل -
ومنها
( خلقت كفاه من جود ... لراجيه ورفد )
( مورد يورد راجيه ... إلى أعذب ورد )
( لا خلا من منة منه ... إلى الأحرار يسدي )
( فهو القائم بالحق ... وموفي كل عهد )
ومن أخرى
( قلبي لك الخير بالأفراح معمور ... مستبشر جذل بالفتح مسرور ) - من البسيط -
يقول فيها
( خذ في هناتك مما قد عرفت به ... مما به أنت معروف ومشهور )
( واحك العصافير صي صي صي ... صصي صصصي )
( إذا تجاوبن ... في الصبح العصافير )
( ففيك ما شئت من حمق ومن هوس ... قليله لكثير الحمق إكسير )
( كم رام إدراكه قوم فأعجزهم ... وكيف يدرك ما فيه قناطير )
( لا تنكرن حماقاتي لأن بها ... لواء حمقي في الآفاق منشور )
( ولست أبغي بها خلا ولا بدلا ... هيهات غيري بترك الحمق معذور )
( لا عيب في سوى أني إذا طربوا ... وقد حضرت يرى في الرأس تفجير )

( والأخدعان فما زالا يرى بهما ... لكثرة المزح توريم وتحمير )
( وذا الفعال مع الإعراض مطرد ... صفع ونقع وتيسير وتعسير )
( فذا وذاك وهذا ثم ذاك وذا ... كذا الليالي لها صفو وتكدير )
( أستغفر الله مما قلته عبثا ... لغير شيء وما في الصحف مسطور )
( أقول للنفس لما استشعرت جزعا ... وبات يردعها خوف وتحذير )
( إن الإمام نزارا مدحه فثقي ... ذخر لمثلك عند الله مذخور )
( هو الذي ليس بعد الله من أحد ... سواه في الناس محمود ومشكور )
( مشمر في المعالي ذيل مجتهد ... وماله في سوى العلياء تشمير )
ومن أخرى
( أترضى بالتخلف والتواني ... على ضرب اللجاجة والحران )
( وما أنا والأحاديث اللواتي ... تزهد في المثالث والمثاني )
( ألا طربت إلى النشوات نفسي ... وتقت إلى معتقة الدنان )
( كما طربت أباريق الندامى ... إلى أصوات قهقهة القناني )
( ويومك إذ تطوف به فتاة ... على الخدين منها وردتان )
( مهفهقة القوام إذا تثنت ... تثنت كالقضيب الخيزران )
( ولم أر قبلها شمسا تبدت ... ولا قمرا بأعلى غصن بان )
( لحاه الله من شيخ ضروط ... ضجيج ظراطه بالنهروان )
( ولكن رأسه جلد جليد ... صبور عند مختلف الطعان )

( ولم أر قبله رأسا سواه ... غدا وقفا على حرب عوان )
( ولا سيما إذا الأيدي توالت ... عليه والتقت حلق البطان ) - من الوافر -
ومنها
( إلى من راحتهاه ندى وجود ... علينا بالمواهب ثرتان )
( كريم لا يدافع عن سماح ... جواد ماله في الجود ثان )
( تناهت عنده الآمال لما ... غدا أقصى النهاية في الأماني )
ومن أخرى
( كل يوم أنا من إيري ... في أمر عجاب )
( ليس يخليني من هم ... وحزن واكتئاب )
( لم يدع لي ذهبا إلا ... رماه بالذهاب )
( وابتدى المشؤوم أن يعمل ... في أمر التباب )
( هل مجير لي منه ... أهل ودي وصحابي )
( أو وإلا ثبت والرحمن ... من لعب الكعاب )
( أنا مبلي من بلاياه ... بنصب وعذاب )
( أنا لولاه لألفيت ... قليل الاضطراب )
( وتجزيت بنزر ... من طعام وشراب )
( ولما طال انتزاحي ... عن بلادي واغترابي )
( لعنة الله عليه ... وبراغيث الكلاب )

( فلكم أوقفني موقف ... خزي واكتئاب )
( ولكم أغلقت بابا ... من هواه دون باب )
( رب قد أبليتني منه ... بمعتوه مصاب )
( عينه في كل من دب ... على وجه التراب )
( ثم لا يرضيه منه ... غير دبر مستطاب ) - من مجزوء الرمل -
ومنها
( وبإحسان تميم ... عذت من عظم مصابي )
( بالأمير السيد الماجد ... والقرم اللباب )
( والهمام المنعم المفضل ... والبحر العباب )
( والذي لا فرق ما بين ... جداه والسحاب )
( تنثني منه إلى ذي ... كرم رحب الجناب )
( رافع دون بني الآمال ... أستار الحجاب )
( لم أزره قط إلا ... بت محمود الإياب )
( ذكره أعذب في الأنفس ... من ذكر الشباب )
( ولقد رق عن الماء ... وعن طبع الشراب )
( أكثم في الرأي والفضل ... وقس في الخطاب )
وقوله
( كتب الحصير إلى السرير ... أن الفصيل ابن البعير )

( فلمثلها طرب الأمير ... إلى طباهجة بقير )
( فلأمنعن حمارتي ... سنتين من علف الشعير )
( لا هم إلا أن تطير ... من الهزال مع الطيور )
( فلأخبرنك قصتي ... فلقد وقعت على الخبير )
( إن الذين تصافعوا ... بالقرع في زمن القشور )
( أسفوا علي لأنهم ... حضروا ولم أك في الحضور )
( لو كنت ثم لقيل هل ... من آخذ بيد الضرير )
( ولقد دخلت على الصديق ... البيت في اليوم المطير )
( متشمرا متبخترا ... للصفع بالدلو الكبير )
( فأدرت حين تبادروا ... دلوي فكان عمي المدير )
( يا للرجال تصافعوا ... فالصفع مفتاح السرور )
( لا تغفلوه فإنه ... يستل أحقاد الصدور )
( هو في المجالس كالبخور ... فلا تملوا من بخور )
( ولأذكرن إذا ذكرت ... أحبتي وقت السحور )
( ولأحزنن لأنهم ... لما دنا نضج القدور )
( رحلوا وقد خبزوا الفطير ... ففاتهم أكل الفطير )
( لا والذي نطق النبي ... بفضله يوم الغدير )
( ما للإمام أبي علي ... في البرية من نظير ) - من الكامل -
وله من أخرى أولها
( سلام على الربع ربع الجدا ... سلام على تمره واللبا )

( سلام عليه سلام امرئ ... معنى بتذكار ما قد مضى )
( سلام عليه فكم موقف ... وقفناه فيه ندير الدلا )
( لعهدي فيه شيوخ لنا ... غلاظ الرقاب عراض اللحى )
( إذا ما قبضت على لحية ... وناديت بطني أجاب الخرا )
( وكنا من الظرف لو أننا ... أقمنا نصافع شهرا ولا )
( نعيب الوفاء ولهفي على ... أخادع من لا يعيب الوفا )
( ولا عذر إلا أدير اللطام ... إذا الصفع دار وكلي قفا )
( وقد كنت تبت ولكنني ... إذا الصفع دار أتاني الجشا )
( فلا تترك الصفع جهلا به ... فما أطيب الصفع لولا العمى )
( ومالي أكاتمكم قصتي ... وأضرب بالطبل تحت الكسا )
( إذا كان في الصيف لي جنة ... لأية حال أذم الفرا )
( ولم أكسب الحمق لكنني ... خلقت رقيعا كما قد ترى )
( لقد فقت فيه كما الفارسي ... في الرمي فاق جميع الورى )
( كأن البنادق طوع له ... فهن يصبن له ما اشتهى )
( إذا ما رمى طائرا حطه ... ولو أنه بمكان السها )
( فيالك من موقف مبهج ... عجيب ومن منظر مشتهى )
( فعيد الطيور به مأتم ... وأضيافه عنده في القرى ) - من المتقارب -
ومن أخرى
( عاذل كم فيه تعذليني ... وكم إلى كم تؤنبيني )
( لو بك ما بي من التصابي ... لكنت لا شك تعذريني )

( إن الذي قد أذاب جسمي ... بالثغر والجيد والجفون )
( بدر تمام على قضيب ... ركب من نغمة ولين )
( ما شئت من نرجس جني ... غض وورد وياسمين )
( عيناه تسطو على فؤادي ... والموت في سطوة العيون ) - من مخلع البسيط -
ومنها
( فأطيب العيش كان عندي ... أيام للفسق قلدوني )
( وكنت طبا به بصيرا ... وأقود الناس في سكون )
( فكم غزال أخذت قسرا ... وكم مليح حوت يميني )
( والناس يسعون نحو داري ... من كل أرض ويقصدوني )
( فذا يوافي بثوب خز ... وذا يوافي بثوب توني )
( وذا يفدي وذاك يهدي ... وذاك يمضي وذا يجيني )
( وكل علق إلى مراحي ... أهدى من الطير للوكون )
( وكان خلقي لهم رضيا ... أصفعهم ثم يصفعوني )
( قد أجمع الناس أن حمقي ... أحسن من عفتي وديني )
( قد عشت دهرا أعول عقلي ... والناس إذ ذاك يبعدوني )
( فمذ تحامقت قد كساني ... حمقي وقد عالني جنوني )
( ومن بلائي أبو عمير ... معرض لي إلى المنون )
( منتصب ما ينام وقتا ... وليس يهدى من الرنين )
( من كان ذا زوجة فإني ... لشقوتي زوجتي يميني )
( عميرة قد جلدت حتى ... خشيت والله يجلدوني )

( فراقبوا الله في أموري ... فطلقوها وزوجوني )
ومن أخرى
( يا أهل ذا المنزل هل حيلة ... تنجي فمن ظبيكم معطبي )
( عقرب صدغيه فقلبي إذا ... هم توقى لدغة العقرب )
( وكلما لاحظني طرفه ... لاحظني عن مقلة الربرب )
( يبسم إن ناولني ثغره ... عن ذي غروب واضح أشنب )
( أنجبت في الحمق وهل فاضل ... كناقص في الحمق لم ينجب )
( لو علموا مالي من لذة ... لم ألح في الحمق ولم أعتب )
( أعتبني الدهر ولولا الذي ... عم الورى بالبذل لم يعتب )
( لما رأى الآمال مصروفة ... إلى السديد ابن أبي الطيب )
( فارقني من شره صاحب ... كان لعمري شر مستصحب )
( هناك لو تبصرني تائها ... على بني الدهر تعلقت بي )
( تطلب مني نائلا بعد أن ... كنت أرى الرزق مع الكوكب )
( كذاك من صاحب من لم يزل ... رب جناب ممرع مخصب )
( أكرم من جاد فما بعده ... لطالبي جدواه من مطلب )
( أول من يثني به خنصر ... وأصفح النفس عن المذنب )
( مهذب الآراء محمودها ... مفضل في الشرق والمغرب )
( لا فرق عندي بين أقلامه ... وبين فعل الصارم المقضب )
( ما استلها إلا أذلت له ... من الأعادي كل مستصعب ) - من السريع

ومن أخرى
( إني ليرتاح قلبي ... إلى اصطحاب المثاني )
( بحيث تنفي همومي ... معتقات الدنان )
( مع شادن ذي دلال ... مهفهف فتان )
( يرنو إلي بطرف ... وناظر وسنان )
( أعار حسن التثني ... تثني الأغصان )
( إذا تبسم تيها ... يفتر عن أقحوان )
( لأسخطن عذولي ... فيه بخلع العنان )
( فقم رفيقي فاحثث ... كؤوسنا غير واني )
( وهاتها كسنا البرق ... لاح من نعمان )
( صفراء مما اقتناها ... كسرى أنو شروان )
( صفت ورقت ففاتت ... إدراكها بالعيان )
( فليس تدرك بالحس ... لا ولا الأذهان )
( روح من الراح لكنها ... بلا جثمان )
( فالريح للمسك منها ... واللون للزعفران ) - من المجتث -
يقول في مدحها
( من قال من غير خبر ... بأن في الناس ثاني )
( لسؤدد ابني علي ... قد جاء بالبهتان )
( يداهما بالعطايا ... وبالندى ثرتان )

ومن أخرى
( رب يوم قد قطعناه ... حديثا وعتابا )
( وجمعنا بين خمرين ... مداما ورضابا )
( وشفينا غلة النفس ... دنوا واقترابا )
( وترشفت على شوق ... ثناياه العذابا )
( وسألنا ذلك الشيء ... جهارا فأجابا ) - من مجزوء الرمل -
يقول في مدحها
( ورحلنا نطلب السيد ... والقرم اللبابا )
( فرأينا العز والثروة ... والبحر والعبابا )
( ورأينا أفضل الناس ... وأحلامهم خطابا )
( يقظا يدرك بالفطنة ... ما فات وغابا )
( هذبته فطنة العلم ... فما يخشى معابا )
( عرف اللذة للبذل ... فأعطى وأثابا )
( وإذا ما كرم الأصل ... زكا الفرع وطابا )
ومن أخرى يقول فيها
( كأنما عذاره ... سطرا سواد في يقق )
( كأنما رضابه ... خمر بمسك قد فتق ) - من مجزوء الرجز -
ومنها
( إن نكته فاستمعن ... نصحك من خل شفق )

( كن حذرا كن حذرا ... كن حذرا من الغرق )
( لأنه من سعة ... يصلح للبحر طبق )
( إن قلت إني حسن ... والحسن مني مسترق )
( قلنا مقالا بينا ... لا كذبا ولا خرق )
( كل امرء صوره ... خالقه كما اتفق )
( كن غصنا كن قمرا ... كن شمس دجن في الأفق )
( كن يوسف الحسن الذي ... من طينة الحسن خلق )
( هل أنت إلا خلق ... زدت على كل خلق )
( يا أيها العلق الذي ... فتحته بلا غلق )
( خانك في الود الذي ... بوده كنت تثق )
ومن أخرى
( خليلي من عامر اسعدا ... على الشوق خلا بلا مسعد )
( قفا وقفة بربوع الحمى ... فلولا الوفا لهوى الخرد )
( لما عجت بالركب مستنجدا ... دموعي على الطل الملبد )
( معاهد لهو كأن الهوى ... بها بعد زينب لم يعهد )
( فسبحان من جعل المكرمات ... جميعا بكف أبي أحمد )
( وقال له كن كما تشتهي ... فكان النهاية في السؤدد )
( وهل غيره أحد يرتجى ... ويعدى على الزمن المعتدي ) - من المتقارب

ومن أخرى
( عد عن قال وقيل ... وصعود ونزول )
( حصحص الحق فماذا ... شئت من قول فقولي )
( غير أني أقبل الناس ... لشيء مستحيل )
( فاسمعن مني ودعني ... من كثير وقليل )
( وصغير وكبير ... ودقيق وجليل )
( قد ربحنا بالحماقات ... على أهل العقول )
( فرعى الله ويبقى ... كل ذي عقل قليل )
( ما له في الحمق والخفة ... مثلي من عديل )
( فمتى أذكر قالوا ... شيخنا طبل الطبول )
( شيخنا شيخ ولكن ... ليس بالشيخ النبيل )
( طالما نادى نداماه ... إلى شرب الشمول )
( قائلا بالشادن الأغيد ... ذي الطرف الكحيل )
( أطرب الناس إذا غنى ... على ثاني الثقيل )
( قف على المنزل بالنحتين ... فالرسم المحيل )
( وقفة الواله للتسآل ... ما بين الطلول )
( أهملن دمعك فالراحة ... في الدمع المهمول )
( عد عما أنت فيه من ... محال وفضول )
( واصرف المدح إلى ذي الطول ... والفعل الجميل )

( الذي ذكراه في كل ... محل وقبيل )
( ذي يد بالجود أندى ... من ندى الغيث الهطول )
( لم يكن قط لراجيه ... سوى سمح منيل )
( أسمح الأمة بالمال ... وبالنيل الجزيل )
( وإذا ما سيل الفي ... بالندى غير بخيل )
( لم يزل يذخر للحادث ... والخطب الجليل )
( ناهض إذ عجز الأقوام ... بالعبء الثقيل )
( ليس يصغي في المقالات ... إلى عذل العذول )
( وإذا ما قال قولا ... لم يكن غير فعول )
( ولقد عزت به الآداب ... من بعد الخمول ) - من مجزوء الرمل -
ومن أخرى في الرثاء
( لعمرك إنه رزء عظيم ... وخطب أمره جلل جسيم )
( رزئنا من صلاة الله تترى ... عليه ما دجا ليل بهيم )
( وما أطت إلى البيت المطايا ... وما طلعت على الأرض النجوم )
( لعمرك ما المصاب به خصوص ... ولكن المصاب به عموم )
( سقى جدثا به حماد أضحى ... من الوسمي هطال سجوم )
( ففيه المجد أمسى والمعالي ... وفيه العز والفخر القديم )
( أبعد وفاته يدعى همام ... لخطب أو يقال بقي كريم )
( كأنا يوم منعاه إلينا ... وقد فتكت بأنفسنا الهموم )

( ثواكل حزنهن على الليالي ... وإن قدم المدى حزن مقيم )
( وكان ربيعنا في كل محل ... إذا ضنت بوابلها الغيوم )
( جميل الفعل محمود السجايا ... يزين فعاله كرم وخيم ) - من الوافر -
ومن أخرى
( هل من سبيل إلى بيتي وجاريتي ... أنى وكيف وما داري بدانية )
( أم هل سبيل إلى البيت الذي سكنت ... فيه التي بفراقي غير راضية )
( لا أحمد البعد عنها بعد معرفتي ... بأنها لبعادي غير حامدة )
( أشكو إلى الله دهرا غير متئد ... من قبح ما لج فيه من معاندتي )
( ما زدت فيه اجتهادا في معاتبة ... إلا وزاد اجتهادا في مغايظتي )
( أقول والدهر لا يألو مراغمة ... وليس يثنيه شيء عن مراغمتي )
( يا واحدا ليس إلا من يؤمله ... ويرتجى عفوه جد لي بواحدة )
( وامنن علي على أني وإن نزحت ... عني فما هي عن قلبي بنازحة )
( ناشدتك الله فيما أشرت به ... إلا قبلت ولا تهمل مناشدتي )
( واستعمل السخف واترك ما سواه فما ... لذاذة العيش إلا في المساخفة )
( والصفع إياك منه فالعمى أبدا ... بغير شك منوط بالمصافعة ) - من البسيط -
ومنها
( لكن مدحت حميدا فامتدحت فتى ... وقفا على منة تسدى وعارفة )
( رأيته فرأيت البدر في أفق ... والشمس طالعة من كل شارقة )
( والبحر معترضا والغيث منبجسا ... برائح لمرجيه وغادية )

( ساس الأمور بآراء مهذبة ... صوادر بين أفكار وبادرة )
( مستحسن اللفظ في القرطاس موجزه ... موفق الرأي محمود المخاطبة )
( ذو أنمل ما انتضت في حادث قلما ... إلا وفل شباه كل حادثة )
( في كل يوم له نعمى مجددة ... ليست إذا طلعت عنا بآفله )
( ما زال يتبع معروفا بعارفة ... جودا ويجهد نفسا في معاونتي )
( حتى رأيت صروف الدهر عائذة ... من بعد ضربي وحربي بالمسالمة )
ومن أخرى
( نشدتك أن تحول عن الوداد ... وعن حال الصلاح إلى الفساد )
( ولو عاينت ما لك في ضميري ... ولو شاهدت ما لك في فؤادي )
( إذا لعلمت أنك منه تمسي ... وتصبح دون غيرك في السواد )
( فما آلوك نصحا في وداد ... ولا آلوك جهدا في اجتهاد )
( وليس سوى المودة والتصافي ... أبا عبد الإله لك اعتقادي )
( ولو في ذاك حاولت ازديادا ... إذا ما اسطعت فيه على ازدياد )
( ولم أعهدك في طلب المعالي ... وكسب الحمد غير فتى جواد )
( ومن ألف المكارم والعطايا ... كإلفك جاد عن غير اعتداد )
( ويوشك أن يجود بما حواه ... وأن يهب الطريف مع التلاد )
( ووعدك في الحياة له مرادي ... ولست أريده يوم التناد ) - من الوافر -
ومنها
( فكم منن قرنت بهن شكرا ... كشكر الروض منهل الغوادي )

( وكم لك يا محمد من أياد ... لدي ومن جميل وافتقاد )
ومن أخرى
( ليلي بتنيس ليل الخائف العاني ... تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني )
( أقول إذ لج ليلي في تطاوله ... يا ليل أنت وطول الدهر سيان )
( لم يكف أني في تنيس مطرح ... مخيم بين أشجان وأحزان )
( حتى بليت بفقدان المنام فما ... للنوم إذ بعدوا عهد بأجفاني )
( ما صاعد البرق من تلقاء أرضهم ... إلا تذكرت أيامي بنعمان )
( ولا حننت إلى نجران من طرب ... إلا تكنفني شوق لنجران )
( لا تكذبن فما مصر وإن بعدت ... إلا مواطن أطرابي وأشجاني )
( ليالي النيل لا أنساك ما هتفت ... ورق الحمام على دوح وأغصان )
( أصبو إلى هنوات فيك لي سلفت ... قطعتهن وعين الدهر ترعاني )
( مع سادة نجب غر غطارفة ... في ذروة المجد من ذهل بن شيبان )
( وذي دلال إذا ما شئت أنشدني ... وأن أردت غناء منه غناني )
( سقيته وسقاني فضل ريقته ... وجاد لي طرفه عفوا ومناني )
( ما زلت أجني بلحظي ورد وجنته ... وأستغير على تفاح لبنان )
( ما زال يأخذها صفراء صافية ... حتى توسد يسراه وخلاني )
( الله يعلم ما بي من صبابته ... وما علي جناه طرفه الجاني )
( كم بالجزيرة من يوم نعمت به ... على تصاخب نايات وعيدان )
( سقيا لليلتنا بالدير بين ربا ... باتت تجود عليها سحب نيسان )

( والطل منحدر والروض مبتسم ... عن أصفر فاقع أو أحمر قان )
( والنرجس الغض منهل مدامعه ... كأن أجفانه أجفان وسنان ) - من البسيط -
ومنها
( أستغفر الله من عقل نطفت به ... مالي وللعقل ليس العقل من شاني )
( لا والذي دون هذا الخلق صيرني ... أحدوثة وبحب الحمق أغراني )
( ما للشذائي من مثل يقاس به ... ولا له في اصطناع العرف من ثان )
( مهذب الرأي محمود خلائقه ... رحب المكارم سمح غير منان )
( من كان في الجود والإفضال لذته ... لم يخله الجود من فضل وإحسان )
( وجملة الأمر فيه أنه رجل ... يراقب الله في سر وإعلان )
( إن كنت قلت سوى ما فيه أعرفه ... إذا كفرت بمعبودي ودياني )
( إذا جرت يده في الطرس كاتبة ... تبلج الطرس عن در وعقيان )
( وإن تكلم جاءته براعته ... بكل ما شاء من فهم وتبيان )
26 - أبو القاسم الحسين بن الحسين بن واسانة بن محمد المعروف بالواساني
أعجوبة الزمان ونادرتة وفريد عصره وباقعته وهو أحد الفضلاء المجيدين في الهجاء وكان في زمانه كابن الرومي في أوانه فمن شعره قوله يهجو ابن أبي أسامة
( يا ساكني حلب العواصم ... جادها صوب الغمامه )
( أنا في مدينتكم غريب ... لست من أهل الإقامه )

( والخان يحدث للغريب ... إذا أبن به سآمه )
( فقرضت من طول المقام ... بها وأعوزت المدامه )
( وخرجت في بعض الليالي ... قاصدا باب السلامة )
( وشربت من بئر بها ... من يأتها ينقع أوامه )
( ورتعت في فلواته ... وعلوت مرتقيا أكامه )
( فلمحت في بعض الوهاد ... وقد قعدت سواد هامه )
( فسعيت أحسبها غرابا ... أو حداة أو حمامه )
( وإذا بأسود كالفنيق ... يقل إيرا كالدعامه )
( وإذا بشيخ تحته ... حسن الوسامة والقسامه )
( والشيخ يعصر تحته ... قد بل من عرق حزامه )
( فزجرت نايكه فقال ... له ألست ترى مقامه )
( انهض فديتك علنا ... نقضي بنهضتنا ذمامه )
( ونعود بعد عزوبه ... عنا وتربحنا خصامه )
( فسطا عليه وقال نك ... لا كان ذاك ولا كرامه )
( هذا الرقيع بعينه ... لي في رقاعته علامه )
( لولا فضول فيه لم ... يصرف إلى دبري اهتمامه )
( وبكى وقال لي امض ... ويحك واسأل الله السلامه )

( واشكره لما صار سرمك ... لا يريد له صمامه )
( واعلم بأني كنت من ... أهل الرياسة والزعامه )
( يومي إلي إذا عبرت ... يقال ذا ابن أبي أسامه )
( حتى ابتليت بمبعري ... فحصلت بين الناس شامه )
( فعجبت من تلك الفصاحة ... وهو يعفج والعرامه )
( شيخ له سمة تخاطبني ... بألفاظ مقامه )
( والأير يغرق في استه ... قد غاب في مفساه قامه )
( فتضاحك الحبشي منه ... وقال لا تسمع كلامه )
( هذا وعيشك دأبه ... من قبل مبلغه احتلامه )
( أبدا يباري باسته ... بين الورى صوب الغمامه )
( واستله من دبره ... وكأنه عنق النعامه ) - من الكامل -
وقال يهجو منشا بن إبراهيم القزاز
( قال منشا يوما لسعدانه ... وهي سحور العينين فتانه )
( من بعد أن غلف العوارض بالطيب ... وغلا بالمسك أسنانه )
( وامتص من خمرة معتقة ... تحول بين الدنان في الحانه )
( وكان خشف قد باسها بفم ... وهي من البوس بعد شبعانه )
( هل لك في قبلة وهاك خذي ... خمسين حمرا وحل هميانه )
( قالت له هاتها ودونك فاسطعني ... بجعص وعجل الآنه )
( فباسها ثم قال قد بقيت ... أخرى فقالت وعظمت شانه )

( ما هي قل لي ألم أبس شرجا ... جمشت أعفاجه ومصرانه )
( ألم أقدم فما أظن به ... إلى كنيف أطرت ذبانه )
( فقال أن تدخلي لسانك في ... في فردت مرد حردانه )
( يا ألف كشخان وابن زانية ... نعم ويا زوج ألف كشخانه )
( لم ترض أني قبلت مقعدة ... تحت سبال كأنها عانه )
( حتى تناهيت في الهوان فشبهت ... لساني ببنت وردانه ) - من المنسرح -
وقوله فيه
( إن منشا قد زاد في التيه ... وزاد في شامنا تعديه )
( فلا ابن هند ولا ابن ذي يزن ... ولا ابن ماء السما يدانيه )
( وهو مغيظ علي الوصي ومن ... يعزى إليه من يواليه )
( يذكر أيام خيبر بهم ... وهم قذى جال في أماقيه )
( وقد حكى أن فاه أطيب من ... سرمي وأني ممن يعاديه )
( ومن يقول القبيح فيه ومن ... أصبح بالمعضلات يرميه )
( فسوكوه بكل طيبة الريح ... تعفي على مساويه )
( ومضمضوه بالخل واجتهدوا ... معا بكل اجتهادكم فيه )
( وأطعموه من الجوارش ما ... يعمل بالمسك والأفاويه )
( واسقوه من خمرة معتقة ... قد صانها القس في خوابيه )
( واستفقحوني واستنكهوه فإن ... كان لسرمي فضل على فيه )

( فحملوا الكلب والحمار على ... عياله واصفعوا محبيه ) - من المنسرح -
وقوله فيه
( يا راكبا يقطع عرض الفلا ... على أمون جسرة حرف )
( أبلغ أبا سهل إذا جئته ... رسالة عن عبده المنفي )
( وقل له عرنين ذاك الفتى ... في حالة جلت عن الوصف )
( قد ذاب مذ ليلة ساررته ... وصار للسقم على النصف )
( يبكي فما ترقا له عبرة ... ويسهر الليل فما يغفي )
( حزنا على أرنبة غودرت ... تقطر قطرا من دم صرف )
( فهو بسرم الكلب يا سيدي ... من داء أنفاسك يستشفي )
( من عاذري من رجل زرته ... للحين والإدبار والحرف )
( فقال عندي لك أحدوثة ... مليحة تكتب في الصحف )
( فادن لكي تسمعها واحتفظ ... بالسر في مكنون ما تخفي )
( فقمت للغفلة مستعجلا ... أمشي برجلي إلى حتفي )
( ففاه عن أنتن من جعسه ... يعد بين البخر بالألف )
( وشارب فيه دم فارث ... ولثه تشخب كالخلف )
( تحوم ذبان الخلا حوله ... مثل حمام طار من كف )
( كشعر زق الدبس أو شعرة الحائض ... أو مكنسة الكنف )
( وشك خيشومي بنشابة ... من يد حر طامش وجف )

( تصمى العرانين ولو أنها ... في الدلص الموضونة الزغف )
( وتدرك الهارب منها ولا ... ينجو ولو كان على طرف )
( فانغمرت روحي وناديته ... يا أيها الثعبان بالكهف )
( بحق من كلم موسى على الطور ... فدك الطور بالرجف )
( هب لي ما أبقيت مني فقد ... أشفى على مثل شفا الجرف )
( ولم أزل أدفعه جاهدا ... وقد تقاعست إلى خلف )
( فانقد بعض الثوب في كفه ... وقال أفلت فيالهفي )
( وكان للحين على موضع ... مستشرف مرتفع السقف )
( فانكسرت ساقي وهيضت يدي ... واندق صدري ووهى كتفي )
( وقمت أجري بعدها هاربا ... أسعى على رجلي كالخشف )
( يا معشر الناس اسمعوا ما أنا ... قائله واسمعوا وصفي )
( إذا أردتم سرم أستاذنا ... فلتكن الآناف في غلف )
( ثم اغسلوا شعر اللحى بعدها ... غسل الدرابيك أو القطف )
( وبخروها بعد تطييبها ... بكل شيء طيب العرف )
( وما أرى سائر ما قلته ... يغني ولا أحسبه يكفي )
( أو فانتفوها واستريحوا فما ... ينجيكم شيء سوى النتف )
( وسوكوه بخروا أمه ... في رأس كرناف من الرعف )

( فإن جالينوس ما عالج البخرة ... إلا بخرا القلف ) - من السريع -
وقال في الغزل ويعرض بابن بسطام في الهجاء ويذكر أنها لميسر
( ومهفهف يزهو علي بجيده ... وبخصره وبردفه وبساقه )
( وافى إلي وقلبه متخوف ... كتخوف المعشوق من عشاقه )
( حتى إذا مددته وحللت عن ... كفل مباح الحل بعد وثاقه )
( وافت إلي أصنة من دبره ... بخلاف ما قد فاح من أطواقه )
( فأجبته ماذا فقال بحرقة ... ودموعه تنهل من آماقه )
( هذا ابن بسطام أتاني طارقا ... بلطيف حيلته وحسن نفاقه )
( وعلا على كفلي وبلغم مثقبي ... برياله المنهل من أشداقه )
( فبقى صنان رضابه في مثقبي ... زمنا لحاه الله بعد فراقه )
( فالله يحرمه معيشته كما ... قد سد مكسب مثقبي ببصاقه ) - من الكامل -
وقال يصف ما جرى عليه في الدعوة التي عملها في قرية حرايا من أعمال دمشق
( من لعين تجود بالهملان ... ولقلب مدله حيران )
( يا خليلي أقصرا عن ملامي ... وارثيا لي من نكبتي وارحماني )
( ومتى ما ذكرت دعوة أولاد ... البغايا والعاهرات الزواني )
( فانتفا لحيتي وجزا سبالي ... وبنعل الكنيف فاستقبلاني )
( ما الذي ساقني لحيني إلى حتفي ... وما غالني وماذا دهاني )

( من عذيري من دعوة أوهنت عظمي ... وهدت بهولها أركاني )
( كنت في منظر ومستمتع عنها ... ومن ذا يغتر بالحدثان )
( فنزت بطنتي وهاجت على نفسي ... بلاء ما كان في حسباني )
( كان عيشي صاف فكدره أهل ... صفائي بنو أبي صفوان )
( فارثوا لي يا معاشر الناس من ضري ... ومن طول عطلتي وامتحاني )
( ضرب البوق في دمشق ونادوا ... لشقائي في سائر البلدان )
( النفير النفير بالخيل والرجل ... إلى فقر ذا الفتى الواساني )
( جمعوا لي الجموع من خيل جيلان ... وفرغانة إلى ديلمان )
( ومن الروم والصقالب والترك ... وخلقا من بلغر واللان )
( ومن الهند والطماطم والبربر ... والكيلجوح والبيلقان )
( لم يبقوا ممن عددت من الآفاق ... من مسلم ولا نصراني )
( والبوادي من الحجاز إلى نجد ... معديها مع القحطاني )
( كل ضرب فمن طوال ومن حدب ... قصار والحول والعوران )
( وشيوخ مثل الفراخ وشبان ... رحاب الأشداق والمصران )
( معد جوعت ثلاثين يوما ... بسلاح شاك من الأسنان )
( من مرند ومن تكين وطرخان ... وكسرى وخرد وطعان )
( وخمار وزيرك وعجيب ... وبديع وفارس وجوان )
( وجريح ونار قسطا ويونان ... وبرحفثيا يوحنان )
( وطراد وجهيل وزياد ... وشهاب وعامر وسنان )
( قمس جمعوا بغير عقول ... ردعتهم عني ولا أديان )

( هل سمعتم بمعشر جمعوا الخيل ... وساروا في الرجل والفرسان )
( رحلوا من بيوتهم ليلة المرفع ... من أجل أكلة مجان )
( يركضون البريد تسعة أميال ... بنص الوجيف والذملان )
( شره بارد وحرص على الأكل ... بأنا قوم من المجان )
( ما شعرنا ونحن من آمن العالم ... إلا بصرخة الديدبان )
( أدركوني فهذه غرر الخيل ... وسمر يعسلن كالأشطان )
( لست أنسى مصيبتي ويوم جاءوني ... وقد غص منهم الواديان )
( وردوا ليلة الخميس علينا ... في خميس ملء الربا والمحاني )
( متلئب كالسيل لا يلتقي منه ... لفرط انتشاره الطرفان )
( شزروني بأعين تقدح النيران ... خوص إلى العدو زواني )
( أشرفوا لي على زروع وأحطاب ... وبيت من خيره ملآن )
( لبن قارس وخبز كثير ... وقدور تغلي على الدادكان )
( وشواء من الجداء ومعلوف ... دجاج وفائق الحملان )
( وشراب ألذ من زورة المعشوق ... بعد الصدود والهجران )
( يخجل الورد في الروائح والطعم ... ويحكي شقائق النعمان )
( أذكرتني جيوشهم يوم جاءوني ... جيوش العدو في رغبان )
( بقدم القوم هاشمي هريت الشدق ... رحب المعي طويل اللسان )

( هو نمس الدجاج والبط والأوز ... وذئب النعاج والخرفان )
( والشريفان أشرفا في خلال الخيل ... في موكب من الحبشان )
( وسواد من عظمه طبق الأرض ... وخيل تهوين كالظلمان )
( وأبو القاسم الكبير على طرف ... كميت أقب كالسرحان )
( وأخوه الصغير يعترض الخيل ... على قارح عريض اللبان )
( وهما يهويان بالسوط والرجل ... إلى ما يسوءني مسرعان )
( أي قلب يطيق شتم بني خير ... البرايا وأكرم النسوان )
( غير أني يوم القيامة أشكوهم ... إلى الحرة الحصان الرزان )
( وأنادي يا بنت خير النبيين ... ويا أم أكرم الفتيان )
( أي شيء صنعت بابنيك حتى ... غزواني في الزنج والسودان )
( والسري الذي سرى في جيوش ... أضعفتني وقصرت من عناني )
( بفم أشوه وشدق رحيب ... وبكف يجول كالصولجان )
( وأخوه الفضل الذي بان للعالم ... من فضل أكله نقصاني )
( والشمولي خلقه خلق تراس ... عريض الأكتاف عبل الحران )
( لست أنساه جاثيا جاحظ العين ... عبوسا في صورة الغضبان )
( كالعقاب الغرثان يقتنص اللحم ... ويهوي إلى طيور الخوان )
( والأديب الذي به كنت أعتد ... غزاني للحين فيمن غزاني )

( وكذا الكاتب الذي كان جاري ... وصديقي ومشتكى أحزاني )
( غيرته الأيام حتى أتاني ... جائعا للشقاء مذ سنتان )
( وصديق الأشراف أخنى على خمري ... وأفنى بالكرع ما في دناني )
( كلما شقق الفراريج شققت ... لغيظي من فعله قمصاني )
( وهو في أمره مجد رخي البال ... لم يعنه الذي قد عناني )
( مجرهد كالسوس في الصوف في الصيف ... بقلب خال من الإيمان )
( قلت قل يا ابن المبشر ما شأنك ... من بين من غزاني وشاني )
( ليس هذا من شهوة الأكل هذا ... من طريق البغضاء والشنآن )
( قلت للفيلسوف لما غدا في الأكل ... أعني فتى أبي عدنان )
( واستحث الكؤوس صرفا بلا مزج ... مكبا كالهائم العطشان )
( ليت شعري أمن رسائل بقراط ... تعلمت ذا وسمع الكيان )
( أنت تزداد يا خليلي بهذا الفعل ... علما بالعالم الروحاني )
( ثم لا تنس ما لقيت وما مر ... لشؤمي من عسكر الفرغاني )
( أعجمي اللسان أفصح من قس ... إذا ما نشا ومن سحبان )
( قال قم فأتنا بخبز ولحم ... ونبيذ في حمرة الأرجوان )
( وغلام مقين حسن الوجه ... يحاكي بقده غصن بان )
( لم توكل فرغان إلا بتفريغ ... دناني وصبها في الجفان )
( إن من أعظم المصائب يا قوم ... بلائي بذلك الطرمذان )
( رجل كالفنيق فدم بلا لب ... طويل في صورة الشيطان )

( يققا كالعمود يستعذب الصفع ... ورأس أصم كالسندان )
( زائد الخلق ناقص العقل والدين ... غليظ القذال كالقلتان )
( يبلع الطيبات بلعا بلا مضغ ... ويحسو النبيذ كالثعبان )
( لا تمتني حتى أراه وقد قصر ... من فضل طوله شبران )
( وأتوني بزامر زمره يحكي ... ضراط العبيد والرعيان )
( ومغن غناؤه يطلق البطن ... ويأتي بالقيء والغثيان )
( قصدت هذه الطوائف حمرا ... يا لهتكي وذلتي وامتحاني )
( قلت ما شأنكم قالوا أغثنا ... ما طعمنا الطعام منذ ثمان )
( وأناخوا بنا فيا لك من يوم ... عبوس عصبصب أرونان )
( نزلوا حجرتي وأطلقت الأفراس ... بين الرطبان والقصلان )
( لم يكن مربعا سوى ساعة حتى ... رأيت الزروع كالفلحان )
( أفقروني وغادروني بلا دار ... ولا ضيعة ولا بستان )
( حيروني ودلهوني فقد صرت ... بليدا كالذاهل السكران )
( أسمع اللفظ كالطنين لسهوي ... وهو لفظ يجري لغير معاني )
( تركوني يا قوم أفقر من فرخ ... وأعرى ظهرا من الأفعوان )
( أكلوا لي من الجرادق ألفين ... ببن تشتاقه العارضان )
( أكلوا لي أضعافها غير مسطور ... ومالوا إلى سميد الفران )
( أكلوا لي من الجداء ثلاثين ... قريصا بالخل والزعفران )

( أكلوا ضعفها شواء وضعفيها ... طبيخا من سائر الألوان )
( أكلوا لي تبالة تبلت عقلي ... بعشر من الدجاج السمان )
( أكلوا لي مضيرة ضاعفت ضري ... بروس الجداء والعصبان )
( أكلوا لي كشكية قرحت قلبي ... وهاجت لفقدها أشجاني )
( أكلوا لي سبعين حوتا من النهر ... طريا من أعظم الحيتان )
( أكلوا لي عدلا من المالح المشوي ... ملقى في الخل والأنجدان )
( أكلوا لي من القريشاء والبرني ... والمعقلي والصرفان )
( ألف عدل سوى المصقر والبردي ... واللؤلؤي والصيحاني )
( أكلوا لي من الكوامخ والجوز ... معا والخلاط والأجبان )
( ومن البيض والمخلل ما تعجز ... عن جمعه قرى حوران )
( فتتوا لي من السفرجل والتفاح ... والرازقي والرمان )
( والرياحين ما رهنت عليه ... جبتي عند أحمد الفاكهاني )
( درسوا لي من البنفسج والنرجس ... ما ليس مثله في الجنان )
( ذبحوا لي بالرغم يا معشر الناس ... ثمانين من معين وضان )
( ما كفاهم ما مر من غنم القرية ... حتى أخنوا على الثيران )
( ذبحوها والدمع يجري على خدي ... انسيابا مثل انسياب الجمان )
( أكلوا كل ما حوته يميني ... وشمالي وما حوى جيراني )
( ثم قالوا هلم شيئا فناديت ... غلامي قم ويحك فاخبأ حصاني )
( لم تدع لي بطونكم يا بني البظر ... سواه وذا شطوب يماني )
( فتمالوا علي شتما ولعنا ... واستباحوا عرضي بكل لسان )
( من له قدرة على الشعر يهجوني ... ومن كان مفحما يلحاني )

( وكأني أنا الذي عثت في الخير ... وغيرت صورة الحيوان )
( ثم جاء المعقبون من الساسة ... والشاكري والعبدان )
( فرأيت النخاغ واللطم والدفع ... وكدم الأنوف والآذان )
( وتفانوا صفعا وفاح من القوم ... غبار من الفسا والصنان )
( ثم لما أتوا على كل شيء ... ختموا محنتي بكسر الأواني )
( ثم قاموا إلى الجلاهق والباشق ... والمحدقات والزربطان )
( فرأيت الحمام بعضا على بعض ... وبعضا ملقى على الأغصان )
( ورأيت الدجاج في وسط القرية ... ملقى مكسر السيقان )
( أكلوا ما ذكرت واستعملوا لي ... يا ثقاتي كرا من الأشنان )
( ومن المحلب المطيب بالبان ... وماء الكافور سبع براني )
( شربوا لي عشرين ظرفا من الراح ... لذيذ المذاق أحمر قان )
( فأقاموا سواسهم والمكارين ... إلى أن سمعت صوت الأذان )
( ينقلون الأحطاب من حيث وافوها ... فبالطير مر لي غيضتان )
( جوزة كان حملها أحسن الحمل ... وكانت ظليلة الأفنان )
( كان لي في فنائها منزل رحب ... أنيق يحفه نهران )
( ورياض مثل البرود علاها الطل ... بين البهار والأقحوان )
( وطيور ما بينها تتغنى ... بجميع اللغات والألحان )
( هي كهفي ومستظلي من الحر ... وذخري لنائبات الزمان )
( أحرقوها يا قوم في ساعة القفز ... وضرب الأحطاب بالنيران )
( كسروا السكر فاختلطت فقالوا ... كيف تبقى بغير شاذروان )
( قطعوا اللوز والسفرجل أحطابا ... ومالوا بها على غلماني )

( والنواطير مددوا وعلوهم ... حنقا بالعصي والقضبان )
( طالبوني بالنيك في آخر الليل ... وجمع النساء والمردان )
( قم فأسرع فبعضنا يطلب المرد ... وبعض مستهتر بالغواني )
( فتوهمته مزاحا فجدوا ... قلت هذا ضرب من الهذيان )
( ليس يبقي على أرامل حمرا ... يا سوى بذلهن للضيفان )
( لو سمعتم يا قوم في غسق الليل ... بكاء النساء والولدان )
( يتنادون بالعويل والويل ... وراء الأبواب والجدران )
( ويقولون ويلنا من أبي القاسم ... هذا المطرمذ المخرقاني )
( قصدته الأعداء فاستملكونا ... فحصلنا أسرى بغير أمان )
( أوجروني النبيذ بالرطل حتى ... صرت أمشي كمشية الفرزان )
( فجعوني لما سكرت بهمياني ... وشقوا عصائب الطيلسان )
( كان في أول النهار على رأسي ... فأمسى على رءوس القيان )
( ثم راحوا بعد الهدوء إلى داري ... فلم يتركوا سوى الحيطان )
( كان لي مفرش وكل مليح ... فوقه مطرح من الميساني )
( وبساط من أحسن البسط مذخور ... لعرس أو دعوة أو ختان )
( غرقوه بالزيت والبول والقيء ... فأضحى وقدره بعرتان )
( أوقدوا زيتنا جزافا بلا كيل ... يكيلونه ولا ميزان )
( خلت داري يا إخوتي المسجد الجامع ... ليلا للنصف من رمضان )
( سرقوا جبتي وسيفي وسكيني ... وخفي وجوربي وراني )

( ثم لما انتهت بهم شدة الكظة ... خروا صرعى على الأذقان )
( هوموا ساعة كتهويمة الخائف ... في غير أرضه الفزعان )
( ثم قاموا ليلا وقد جنح النسر ... ومال السماك والفرقدان )
( يصرخون الصبوح يا صاحب البيت ... فأبكوا عيني وراعوا جناني )
( سحبوني من جوف بيتي على وجهي ... كأني أدعى إلى السلطان )
( بقلوب أشد حرا من الجمر ... وأقسى من الصفا الصوان )
( قلت رقوا لذلك الطفل ميمون ... ولا تؤتموه يا إخواني )
( ما تفي أكلة بقتل غريب ... ذي عيال ناء عن الأوطان )
( علقوني بفرد رجل إلى السقف ... وعذبت ليلتي بالدخان )
( لو رآني أبي وأمي على رأسي ... ورجلاي بالعصا تنقران )
( بكيا لي من ذاك واشترياني ... من يديهم بكل ما يملكان )
( وقع الضرب يا خليلي على جسم ... من السوط والعصا قرحان )
( قلت للفضل والسري غثاني ... ومماتي قد حل بي خلصاني )
( واذكرا عشرتي وودي وإخلاصي ... وحنا علي واستبقياني )
( أنتما إن قتلتماني وحق الله ... من أجل أكلة تندمان )
( أي شيء تركتماه لضعفي ... قد مضى لي بالأمس ما قد كفاني )
( أحلفاني أن ليس عندي مشروب ... ولا في خزانتي لقمتان )
( فاستشاطا علي غيظا وقال الفضل ... قل لي بأي عين تراني )
( نحن من أجهل البرية طرا ... إن حصلنا منكم على الأيمان )
( قطعوا الحبل فانقلبت على رأسي ... وظهري فاندق لي ضلعان )

( ثم لما تمكن اليأس خلوني ... ومالوا حشوا على الأتبان )
( وأجيري مسخر ينقل الأتبان ... بالذل عاريا والهوان )
( وهو يبكي فقلت ويحك ما تصنع ... بالتبن بعد موتة الفدان )
( سرقوا السرج والقناديل والزيت ... وأقداحنا وكل القناني )
( والنبيذ استقوه واغتنموه ... آخر الليل كاستقاء السواني )
( زودوه سواسهم والمكارين ... معا بالجرار والكيزان )
( لو ترى الفضل وهو يحمل في السرج ... قميصا مخيط الأردان )
( قد حشاه لحما وطيرا وسبعين ... رغيفا من أعظم الرغفان )
( سرقوا الراح في الزقاق وراحوا ... بطعام منضد في الصواني )
( ميزوا خيلهم بكل كسير ... وعقير مدبر جربان )
( خلفوه يرعى بقية زرعي ... رعي لا خائف ولا متوان )
( ما رثى لي سوى المبارك من ضري ... وذاك القصير الدحدحاني )
( رفهاني وخففا الثقل عني ... فهما من ملامتي سالمان )
( والسري السرى حقا كما سمى ... أيضا من بطنه أعفاني )
( هل سمعتم فيما سمعتم بإنسان ... عراه في دعوة ما عراني )
( أسعدوني يا إخوتي وثقاتي ... بدموع تجري من الأجفان )
( إخوتي من لواكف الدمع محزون ... كئيب مدله حيران )
( هائم الفكر ساهر الليل باكي العين ... واهي القوى ضعيف الجنان )
( لم يكن ذا القران إلا على شؤمي ... فويلي من نحس ذاك القران ) - من الخفيف -
قد أحسن في هذه القصيدة غاية الإحسان وأبان فيها عن مغزاه أحسن بيان وتصرف فيها وأطال وأمكنه القول فقال وإذا تخلص الشاعر عند الإطالة

والوصف هذا التخلص وسلم مما يؤديه إلى التكلف والتلصص فهو الذي لا يدرك غوره ولا يخاض بحره
وقال أيضا يهجو أبا الفضل يوسف بن علي ويعرض فيها بمنشأ بن إبراهيم ابن القزاز ويقال إن هذه القصيدة كانت سبب عزله من عمله وقد تصرف فيها كل التصرف وهي سالمة عن التكلف ولم يقل في معناها مثلها وهي
( يا أهل جيرون هل لسامركم ... إذا استقلت كواكب الحمل )
( في ملح كالرياض باكرها ... نوء الثريا بعارض هطل )
( أو مثل نظم العقود بالشذر والدر ... ووشي البرود والكلل )
( يلذ للسامع الغناء بها ... على خفيف الثقيل والرمل )
( كنت على باب منزلي سحرا ... أنتظر الشاكري يسرج لي )
( وطال ليلي لحاجة عرضت ... باكرتها والنجوم لم تمل )
( فمر بي في الظلام أسود كالفيل ... عريض الأكتاف ذو عضل )
( أشغى له منخر ككوة تنور ... وعين سجراء كالشعل )
( ومشفر مسبل كخب رحى ... على نيوب مثل المدى عصل )
( مشقق الكعب أفدع اليد والرجل ... طويل الساقين في سمل )
( فأهدت الريح منه لي أرجا ... مثل جني الروض في الندى الخضل )
( مسكا وقفصية معتقة ... شيبا ببان وعنبر شمل )
( فقلت ما هكذا يكون إذا ... راح الندامى روائح السفل )

( أسود غاد من الأتون له ... عرف أمير نشوان في فضل )
( هذا ورب السماء أعجب من ... حمار وحش في البر منتعل )
( أردده يا نصر كي أسائله ... فشأنه عضلة من العضل )
( فقال يخشى فوات حاجتنا ... وليس هذا من أكبر الشغل )
( فقلت ترك الفضول يا ناقص الهمة ... عين الإدبار والكسل )
( بادره من قبل أن يفوتك في ... سلوكه بين هذه السبل )
( فصد عني تغافلا ومضى ... يعجب من عقله ومن خللي )
( وصاح من خلفه رويدك يا ... أسود مالي بالعدو من قبل )
( ارجع إلى ذلك الرقيع وإن ... أطال في خطبه فلا تطل )
( أجب إذا ما سئلت مقتصدا ... في اللفظ واسكت إن أنت لم تسل )
( وهو بترك الفضول أجدر لو ... يسلم من خفة ومن خطل )
( فكر نحوي عجلان يعثر في ... مرط كساء مبرغث قمل )
( وقد مذى والمذي يقطر من ... غرموله في الذيول كالوشل )
( وظن أني صيد فأبرز لي ... فيشلة مثل ركبة الجمل )
( سوداء قد طوقت بطوق خرا ... أصفر تزهى به على الحجل )
( وقال لج داركم لأولجها ... فيك وإن كنت لم تبل فبل )
( فطالما أسهلت طبيعة من ... ليس لأمثالها بمحتمل )
( هذا على أنها مؤدبة ... من الفياشي المروضة الذلل )
( وطال والله ما خدمت بها الملوك ... خلف الستور والكلل )
( وكنت أغشاهم على فرش الخز ... بلا سقطة ولا زلل )

( لأنها صنعتي وصنعة آبائي ... قديما في الأعصر الأول )
( وزاد في دولة اليهود بها ... شرطي على ما مضى من الدول )
( حتى لقد فتقت فروشهم ... وطريت بالغدو والأصل )
( فانظر إليها فإن رأيت لها ... شبها فلا تدعني أبا الجعل )
( وخذ عمودا أغلافه شرج ... لم يمتهن ساعة ولم يذل )
( قلت له لا عدمت برك قد ... بذلت ما لم يكن بمبتذل )
( وجدت عفوا من غير مسألة ... بدرة لا تباع بالجمل )
( لكنني والذي يمد لك العمر ... ويعطيك غاية الأمل )
( ما شق دبري مذ قط فيشلة ... ولا انتخاب الأيور من عملي )
( ولا لهذا دعيت فاطلب لميلوخك ... من يستلذه بدلي )
( وهات قل لي بالله من أين أقبلت ... ودعني من هذه العلل )
( فقال لي بت عند عاملكم ... هذا أبي الفضل يوسف بن علي )
( فصاك بي طيبه وصاك به ... مني صنان في حدة البصل )
( تركته بالنهار أخفش لا ... ينظر في خدمة ولا عمل )
( قلت تزيدت وادعيت على ... شيخ نبيل ينمى إلى نبل )
( أبوه سمح وجده ملك ... يدعى حنينا وعمه الصملي )
( لعل ذا غيره فصفه فما ... يخدع مثلي بهذه الحيل )
( فإن تكن صادقا نجوت وأنحيت ... عليه باللوم والعذل )
( وإن تكن كاذبا صفعتك بالنعل ... فإن كنت قائلا فقل )
( فقال يا سيدي عجلت بمكر ... وهي وكان الإنسان من عجل )
( هذا الذي بت عنده نصف ... دون مسن وفوق مكتهل )

( في فيه نتن وتحت عصعصه ... عين تمج الصديد في دغل )
( آدر رخو العجان منخرق المبعر ... ألحى مهيج السفل )
( حيضة باسوره إذا اختلطت ... بالسلح كالسمن شيب بالعسل )
( له إذا ما علوته نفس ... أمضى من السيف في يد البطل )
( يصرع طير السماء في الأفق الأعلى ... ويوهي مخارم القلل )
( أنتن من كل ما يقال إذا ... بالغ في الوصف ضارب المثل )
( وهو على ذاك مولع أبدا ... لشؤم بختي بالعض والقبل )
( نعم وفي باب سرمه وضح ... أبيت ليلي منه على وجل )
( أخاف يعدى أيري ببرصته ... فأغتدى مثلة من المثل )
( أسود كالليل بين أكرعه ... عمود صبح ينجاب عن طفل )
( فقلت هذى صفاته ولقد ... شغلت قلبي بذلك الرجل )
( فقال أما إذ اهتممت به ... فإنه في نهاية الجذل )
( قد طاب عيشا وقد أصاب من اللذة ... ما لم يصب ولم ينل )
( يكون مثل العروس مفترشا ... طورا وطورا كالفحر في الإبل )
( فيجمع اللذتين مغتبطا ... ذي دبره تارة وفي قبل )
( وهو عوان لم يخش من ألم الحمل ... عقيم لم يخش من حبل )
( وأنت يا ابن الخراء محتفل ... بأمره وهو غير محتفل )
( فقلت قل لي من أين تعرفه ... فقال ذرني من هذه العقل )
( كنت أجيرا بيد معصرة ... بصور كانت لكاتب البجل )
( وكنت أضحى النهار في ظاهر اليد ... إذا ما انصرفت من شغلي )

( فنمت يوما وكنت من سهر الليل ... وقيذا كالشارب الثمل )
( وهبت الريح فانكشفت ولم ... أشعر وطار الشراع عن قبلي )
( واجتاز للحين والقضاء الذي ... حم منشا في موكب زجل )
( حف بصفر البنود والخيل والرجل ... وبيض الصفيح والأسل )
( على كميت أقب كالصخرة الصماء ... قدت من قنة الجبل )
( ليس بأشغى ولا أجش ولا ... أهضم طاوي الحشى ولا شغل )
( وهو أمام الصفوف تقدمه ... جرد الهوادي شوازب المقل )
( مجنبات كأنهن سرا ... حين قطاء أو كالقنا الذبل )
( وحان منه التفاتة فرأى ... ذيل قميصي قد قد من قبل )
( فاشتد تحديقه إلي كما ... حدق ذئب طاو إلى حمل )
( ولم أبت ليلتي وعيشك يا ... مولاي حتى دعيت بالرسل )
( فجئته خائفا كما يلج العصفور ... مستكرها على الورل )
( فارتعت لما رأيت لحيته ... وكدت أخرى من شدة الوهل )
( وظن أني استحييته فغدا ... يبسطني بالمزاح والغزل )
( وقال هذا الحياء يا بأبي ... أنت بريد النكول والفشل )
( فاطرح الهيبة المضرة بي ... واعتزل الخوف أي معتزل )
( إن كنت أكرمتني لترفع من ... قدري فبعض الهوان أنفع لي )

( انتف سبالي واصفع قفاي ولا ... تنظر إلى قدرتي ولا خولي )
( ولا عبيدي ولا فروشي ولا ... طيبي ولا حليتي ولا حللي )
( إن يشق أعلاي باللطام فقد ... يسعد بالرهز بعده سفلي )
( وليس بعد المزاح يا بأبي ... في الرأس من حشمة ولا خجل )
( ولم يزل دائبا يشمرخ شا ... قولي ويختال لي على مهل )
( فحين أدليت كالحمار بدا ... يرفع أجلاله عن الكفل )
( وخر للوجه والجبين وقد ... رطب حول خصييه بالبلل )
( طعنته طعنة بصدق الأنابيب ... أصم الكعوب معتدل )
( فقال أوجعت جوف مقعدتي ... وظل يدعو بالويل والهبل )
( وقرقرت بطنه وربتما ... حذرت من مثلها ولم أبل )
( ثم رماني بسلحة خطمت ... أنفي فزاولتها على ميل )
( فقلت يا سيدي ويا أملي ... أظن ذا السرم من بني ثعل )
( فقال أخطأت إذ أسلت دمي ... فقلت كلا والله لم يسل )
( أين النجيع القاني فديتك من ... لطخ رجيع كالورس منسحل )
( ألا تبرزت لا أبالك أو ... شددت من باب سرمك النغل )
( فقال لما أنشأت تعفجني ... في استى برمح لم يعتصم سفلي )
( ألم تكن عالما بأن سلاح ... استي سلاحي في كل منتضل )

( خذ آبنوسا حليته ذهبا ... فالحلى أولى به من العطل )
( ولا تلمني فيكف أصنع في ... سرم شديد الحكاك مؤتكل )
( تمنعه اللذة الحياء فتسترخي ... حواشي مثقف نغل )
( نعم وعاجلتني بجانفة ... أصمت ومرت في موضع العلل )
( عاجلت قلبي عن التحفظ في ... أمري برهز كالبرق مشتعل )
( وخاض جعسي أير به هوج ... يجوز حد الجنون والخبل )
( يا سيدي ما اسمه فقلت أبو الأسود ... يكنى وليس بالدؤلي )
( فقال يا حبذا أبو الأسود الزاهد ... فينا بسلحة قبلي )
( هل رابه غيرها وقد جعل الماء ... طهورا لكل مغتسل )
( فامض وعد بعدها لترويني ... من بعد نومي علا على نهل )
( ولا تخف بعدها وصاح بفراش ... قصير السربال معتمل )
( فقال ذاك الفراش مالك قدمت ... كذا فاغتسل ولا تبل )
( فهذه عادة لسيدنا ... موروثة عن أبيه لم تزل )
( ولم أزل في خزانة الفرش أياما ... مخلى في زي معتقل )
( حتى انثنت صعدتي وبان له ... في أناة الفتور والكسل )
( ثم تغني والأير في يده ... قد خف بعد العتو والثقل )
( يا دار هند بالخيف من ملل ... حييت من دمنة ومن طلل )
( وقال لي ويك في دمشق أخ ... للوقف والخرج والضياع بلى )
( وهو بحب السودان أعرفه ... وليس عن رأيه بمنتقل )
( فخذ كتابي وسر إليه ولا ... تترك مقالا مذ قط لم يقل )

( وقل سرت بي في الليل ذعلبة ... تهدي صدور المهرية البزل )
( تمطو جماحا إذا المطي ونت ... حتى تراخى لها من الجذل )
( أهوى بطون الأقطار في غسق اللميل ... وآوي مناهل الوعل )
( وليس لي شافع إليك سوى ... فيشلة أسهلت أبا سهل )
( فإنه سوف يلتقيها ويحبوها ... إذا أقبلت بحيهل )
( وتغتدي عنده أعز من الأهلين ... والأقربين والخول )
( فجئته واثقا بقول أبي ... سهل ومن يسمع المنى يخل )
( فما حصلنا إلا على سهر ... يعمي ورهز يوهي القوى نكل )
( وكان هذا ابتداء معرفتي ... به فحسبي فاقطع ولا تصل )
( وقد مضى يومنا بلا عمل ... ترجى له أجرة ولا أمل )
( ظننت للنيك قد دعيت ولم ... أدري بأني دعيت للجدل ) - من المنسرح -
صرف عنه بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أصال ولم يصرفه صرف عند بعض الأدباء وهو ابن خيران العبد لأنه أطال ولم يصرفه بعد منثور يتقدم ذلك
( قلت له اذهب مصاحبا فلقد ... حدثت عنه بحادث جلل )
( فمر يسعى كأنه ثمل ... من سهر كده ومن ملل )
( يقول في سيره وقد وضح الصبح ... ألا رب واثق خجل )
( كان نكاح إبليس زوره ... بلا شهود ولا حضور ولي )
( لا بارك الله فيهما فلقد ... جاءا بما لا يجوز في الملل )

( وعدت بالله أستعيذ من السوء ... ومن كل موقف رذل )
( والحمد للواهب السلامة من ... جرح يداوي بهذه الفتل )
وإن اتفق وجود المنثور ألحقته بعون الله وقدرته
27 - أحمد بن محمد الطائي الدمشقي
قال
( قد غدونا إلى صلاة الغداة ... ثم ملنا منها إلى الحانات )
( فشربنا مدامة كدم الخشف ... عقارا تضيء في الكاسات )
( فإذا شجها السقاة بماء ... أبرزت مثل ألسن الحيات )
( وكأن الأنامل اعتصرتها ... من شقيق الخدود والوجنات ) - من الخفيف -
28 - أبو محمد الموصلي
قال يرثي أم الأمير أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان وقد رثاها الناس على طبقاتهم
( يا أميرا علا على النجم همه ... مثل ما قد زرى على الخلق عزمه )
( أكثر الناس في التعازي وقالوا ... كل معنى ينسي أخا الهم همه )
( فاختصرت العزاء في نصف بيت ... كل خطب إذا تعداك نعمه ) - من الخفيف

29 - أبو محمد الحسن بن علي بن وكيع التنيسي
شاعر بارع وعالم جامع قد برع في إبانه على أهل زمانه فلم يتقدمه أحد في أوانه وله كل بديعة تسحر الأوهام وتستعبد الأفهام فمن ملح شعره وغرائبه قوله من قصيدة مربعة
( رسالة من كلف عميد ... حياته في قبضة الصدود )
( بلغه الشوق مدى المجهود ... ما فوق ما يلقاه من مزيد )
( جار عليه حاكم الغرام ... فدق أن يدرك بالأوهام )
( فلو أتاه طارق الحمام ... لم يرده من شدة السقام )
( له اهتزاز وارتياح وطرب ... لوجه من أورثه طول الكرب )
( فهل سمعتم في أحاديث العجب ... بمن مناه قرب من منه العطب )
( ما غاب عنه الحزم في الأمور ... لكن مقدار الهوى ضروري )
( صاحبه يخبط في ديجور ... منفسد التقدير بالمقدور )
( إذا التقى في مسمعيه العذل ... وقيل من دون المراد القتل )
( قال لهم لوم المحب جهل ... إن الهوى يغلب فيه العقل )
( ما العذر في السلوة في غزال ... منقطع الأقران والأشكال )

( تستخلف الشمس لدى الزوال ... ضياء خديه على الليالي )
( بخفة الروح احتوى صلاحي ... فصرت لا أرغب في الفلاح )
( والشكل والخفة في الأرواح ... أملح ما يعشق في الملاح )
( من عشق الفدم وإن دق البصر ... فليقصد البيعة وليهو الصور )
( من كان يهوي منظرا بلا خبر ... فما له أوفق من عشق القمر )
( ظبي سلوي عنه مثل جوده ... خياله أكذب من موعوده )
( أجفانه أسقم من عهوده ... أردافه أثقل من صدوده )
( يا وصله صل مثل وصل صده ... يا حكمه كن في اعتدال قده )
( يا قلبه كن رقة كخده ... يا خصره كن مثل ضعف عهده )
( أما وخصر ضعفه كصبري ... له ووجه حسنه كشعري )
( له عذار قام لي بعذري ... لا تبت من شوقي إليه دهري )
( أضحى لإبليس به استقدار ... على بني آدم واستبشار )
( وقال في ذا تستطاب النار ... ما لهم عن مثل ذا اصطبار )

( تمت لي الحيلة في العباد ... أدركت من صالحهم مرادي )
( بمثل ذا أمكنني إفسادي ... لأنفس العباد والزهاد )
( والهفتي من خده الأسيل ... إذا انجلى عن صفحتي صقيل )
( واحربي من طرفه الكحيل ... من منصفي منه ومن مديلي )
( من مقلة كالصارم البتار ... ألحاظها أمضى من المقدار )
( تحكم في لبي وفي اصطباري ... نظير حكم الدهر في الأحرار )
( حل قواي العقد من زناره ... ألهب قلبي خده بناره )
( عذر صبري مبتدأ عذاره ... حيرني بالطرف واحوراره )
( جاء بوجه حسنه محبوب ... تطيب في أمثاله الذنوب )
( وقامة ذل لها القضيب ... والقد تنقد به القلوب )
( هفا بقلبي منه إفراط الهيف ... فقلت لما أن تثنى وانعطف )
( يا سيدي من دون ذا الميل التلف ... وشرط من كان ظريفا في القطف )

( ما قصر القامة مثل الطول ... ولا البدين الجسم كالمهزول )
( عشق الرشيق الأهيف المجدول ... شأن ذوي الأفهام والعقول )
( لا يعشق الضخم الغليظ الجسم ... غير غليظ الطبع جاف فدم )
( مكدر الحس ركود الفهم ... يقول في الحسن بغير علم )
( قد صحت لما خفت منه القتلا ... وكدت من فرط السقام أبلى )
( يا حاكما جانب في العدلا ... مهلا بمن يهواك مهلا مهلا )
( يا ظالما يقتلني مجاهره ... قد منع الوجد من المساتره )
( هلم إن شئت إلى المناظرة ... واستعمل الإنصاف لا المكابره )
( في أي دين حل قتل الروح ... وهل كما تفعل من مبيح )
( إن قلت ذا جاء عن المسيح ... فليس ما تزعم بالصحيح )
( مرقص ما أخبرنا بذا الخبر ... عنه ولا لوقا حكاه في الأثر )
( وقد نهى عن ذا يوحنا وزجر ... ولا ارتضى متى به ولا أمر )
( أربعة ليس لهم عديل ... ولا لهم في أمرهم كفيل )

( ما فيهم من قال ما تقول ... فهل سوى إنجيلهم إنجيل )
( فإن زعمت أن ذا موجود ... في زبر جاء بها داود )
( فما الزبور بيننا مفقود ... فكيف لم تعلم به اليهود )
( ولم يخبر أحد سواكا ... من النصارى كلهم بذاكا )
( لا تتقول غير ما أتاكا ... وغلب الحق على هواكا )
( سفك دمي يحظر في الأديان ... فدع حجاجا ظاهر البطلان )
( لا تجمع الإثم مع البهتان ... وكن على خوف من العدوان )
( واعلم بأني إن تمادى بي الهوى ... وخفت أن أتلف من فرط الضنى )
( ودمت في هجرك لي كما أرى ... ولم أجد منك لما بي مشتكى )
( شكوت ما تلقاه نفسي البائسة ... من خطرات للهموم هاجسه )
( عفت رسوم الصبر فهي دارسه ... إلى جميع عصبة الشمامسة )
( فإن هم لم يرحموا أنيني ... وخيبوا في قصدهم ظنوني )

( ولم أجد في القوم من معين ... ينصفني منك ولا يعديني )
( شكوت ما يلقى من الأحزان ... قلبي إلى مشيخة الرهبان )
( عساك تستحي من الشيخان ... وإن تهاونت بهم في شاني )
( فلا أراك مغضبا عبوسا ... إذا أتيت أسأل القسيسا )
( معونة أرجو لها التنفيسا ... عن مهجة قاربت النسيسا )
( واعلم بأني إن رددت شافعي ... هذا ولم يرجع بأمر نافع )
( فليس ذا بحاسم مطامعي ... كم طالب جد بجد مانع )
( لو كنت مبذولا لنا لم تطلب ... وإنما نرغب إذ لم ترغب )
( وكلت النفس بترك الأقرب ... وشدة الحرص على المستصعب )
وإن تماديت على جفائكا ... ودمت بالقلة من حبائكا )
( في هجرنا على قبيح رأيكا ... واستيأس الرهبان من إصفائكا )

( فلا تلمني إن قصدت الأسقفا ... من برح السقم به رام الشفا )
( فلا تقل أبديت مكنون الخفا ... أنت الذي أحوجتني أن أكشفا )
( سوف إلى المطران أنهي قصتي ... إن دام ما تؤثره من هجرتي )
( فإن رثى لي طالبا معونتي ... ولم تشفعه بكشف كربتي )
( شكوت ما يلقاه من فرط السقم ... قلبي إلى البطرك والحبر العلم )
( عساك إن حالفته فيما حكم ... يدخلك الحرم فويل من حرم )
( هناك تأتي مستقيلا ظلمي ... تسألني عطف الرضى بالرغم )
( ترضى بما ينفذ فيك حكمي ... إذا بك اشتد عذاب الحرم )
( دع ذا فهذا كله تهديد ... أرجو به قربك يا بعيد )
( هيهات سري أبدا جحود ... فيك وقولي كلما تريد )
( مولاي قد ضاقت بي الأمور ... فقلت ما قلت وقولي زور )
( قلبي إلا في الهوى جسور ... فلا تلم أن ينفث المصدور )

( مولاي بالرحمن أحي مغرما ... يخاف أن تغضب إن تظلما )
( إليك أشكو فعسى أن تنعما ... مهلا قليلا قد قتلت المسلما )
( يا جرجس ارفق بفؤاد هائم ... يا سيدي خف سوء عقبي الظالم )
( وقد رضينا بك في التحاكم ... والجور لا يشبه فعل الحاكم )
( أقصى رجائي منك نيل الود ... وقبلة تشفي غليل الوجد )
( يا جائرا أفرط في التعدي ... منك إليك في الهوى أستعدي ) - من الرجز -
وقال في أزمنة السنة مزدوجة
( يا سائلي عن أطيب الدهور ... وقعت في ذاك على الخبير )
( سألتني أي الزمان أحلى ... وأيه بالقصف عندي أولى )
( عندي في وصف الفصول الأربعة ... مقالة تغني اللبيب مقنعه )
فصل الصيف
( أما المصيف فاستمع ما فيه ... من فطن يفهم سامعيه )
( فصل من الدهر إذا قيل حضر ... أذكرنا بحره نار سقر )
( تبصر فيه النبت مقشعرا ... والأرض تشكو حره المضرا )
( نهاره مقسم بين قسم ... جميعها يعاب عندي ويذم )
( أوله فيه ندى مبغض ... كأنه على القلوب يقبض )
( يلصق منه الجسم بالثياب ... وتعلق الأذيال بالتراب )

( حتى تراها مثل منديل الغمر ... فيهن تخطيط كتخطيط الحبر )
( حتى إذا ما طردته الشمس ... وفرحت بأن يزول النفس )
( فتحت النار له أبوابها ... وشب فيها مالك شهابها )
( حر يحيل الأوجه الغرانا ... حتى ترى الروم بها حبشانا )
( يعلو به الكرب ويشتد القلق ... وتنضج الأبدان منه بالعرق )
( تبصره فوق القميص قد علا ... حتى ترى مبيضه مصندلا )
( إن كان رثا زاد في تمزيقه ... أو مستجدا حل حبل زيقه )
( ثم يعيد الماء نارا حامية ... تزيد في كرب قلوب الضاويه )
( شاربه يكرع في حميم ... كأنه من ساكني الجحيم )
( ينسيه ما يلقى من التهابه ... أن يحمد الله على شرابه )
( حتى إذا عنا انقضى نهاره ... وأرخيت من ليله أستاره )
( تحركت في جنحه دواهي ... سارية وأنت عنها ساهي )
( من عقرب يسعى كسعي اللص ... سرحها في إبر كالشص )
( وحية تنفث سما قاتلا ... تزود الملدوغ حتفا عاجلا )
( تبصر ما في جلدها من الرقش ... كوجنة مصفرة فيها نمش )
( لو نهشت بالناب منها الخضرا ... لبترت منه الحياة بترا )
( فإن أردت الشرب في إبانه ... على الذي وصفته من شانه )
( أبشر بما شئت من الصراع ... فضلا عن التهويس والصداع )

( وعلل تعجز إحصاء العدد ... من جرب ومن دوار ورمد )
( وبعد حمى الكبد لا تنساه ... لأنه أول ما تلقاه )
( ولا تقل إن جاء يوما أهلا ... فلعنة الله عليه فصلا )
فصل الخريف
( حتى إذا زال أتى الخريف ... فصل بكل سوءة معروف )
( أهوية تسرع في كل الجسد ... وهو كطبع الموت يبسا وبرد )
( يخشى على الأجسام من آفاته ... فأرضه قرعاء من نباته )
( لا يمكن الناس اتقاء شره ... من اختلاف برده وحره )
( تبصره مثل الصبي الأرعن ... في كثرة التغيير والتلون )
( فإن أردت الشرب للعقار ... في حينه بالليل والنهار )
( فأنت منه خائف على حذر ... لأنه يمزج بالصفو الكدر )
( أحسن ما يهدي لك النسيما ... يقلبه في ساعة سموما )
( وهو على المعدود من ذنوبه ... خير من الصيف على عيوبه )
فصل الشتاء
( حتى إذا ما أقبل الشتاء ... جاءتك منه غمة غماء )
( أقبل منه أسد مزير ... له وعيد وله تحذير )
( لو أنه روح لكان فدما ... أو أنه شخص لكان جهما )
( يأتيك في إبانه رياح ... ليس على لاعنها جناح )

( حراكها ليس إلى سكون ... تضر بالأسماع والعيون )
( يحدث من أفعالها الزكام ... هذا إذا ما فاتك الصدام )
( ثم يليها مطر مداوم ... كأنه خصم لنا ملازم )
( يقطعنا بغضا عن الطريق ... وعن قضاء الحق للصديق )
( وربما خر عليك السقف ... وإن عفا عنك أتاك الوكف )
( هذا وكم فيه من المغارم ... وكثرة الإنفاق للدراهم )
( في ملبس يدفع شر برده ... يكف عنا منه غرب حده )
( ملابس تعيي الجليد حملا ... كأنما يحمل منها ثقلا )
( يحكي بها المنحوف أصحاب السمن ... لكن تراه سمنا غير حسن )
( فإن أردت بالنهار الشربا ... فيه فقد قاسيت خطبا صعبا )
( واحتجت أن توقد فيه النارا ... تطير نحو الحدق الشرارا )
( تترك مبيض الثياب أرقطا ... تحكي السعيدي لك المنقطا )
( وبعد ذا تسدد الثقابا ... من خوفه وتغلق الأبوابا )
( نعم وترخي نحوه الستورا ... حتى ترى صاحبه ديجورا )
( فحسن لون الراح فيه لا يرى ... لأنه صار سواء والدجى )
( تشرب فيه إن شربت الخمرا ... ليس لأن تلهو أو تسرا )
( لكن لتحمي خضر الأعضاء ... فشربها ضرب من الدواء )
( وإن أردت الشرب في الظلام ... عاقك عن تناول المدام )
( حسبك أن تندس في اللحاف ... وخشية البرد على الأطراف )

( ورعدة تشغل عن كل عمل ... وتؤثر النوم وتستحلي الكسل )
( حتى إذا ملت إلى الرقاد ... نمت على فرش من القتاد )
( إن البراغيث عذاب مزعج ... لكل ما قلب وجلد تنضج )
( لا يستلذ جنبه المضاجعا ... كأنما أفرشته مباضعا )
( قبح فصلا فوق ما ذممته ... لو أنه يظهر لي قتلته )
( حتى إذا ما هو عنا بانا ... وزال عنا بعضه لا كانا )
فصل الربيع
( جاء إلينا زمن الربيع ... فجاء فصل حسن الجميع )
( لبرده وحره مقدار ... لم يكتنف حدهما الإكثار )
( عدل في أوزانه حتى اعتدل ... وحمد التفصيل منه والجمل )
( نهاره من أحسن النهار ... في غاية الإشراق والإسفار )
( تضحك فيه الشمس من غير حجب ... كأنها في الأفق جام من ذهب )
( وليله مستلطف النسيم ... مقوم في أحسن التقويم )
( لبدره فضل على البدور ... في حسن إشراق وفرط نور )
( كجامة البلور في صفائها ... أو غرة الحسناء في نقابها )
( كأنها إذا دنت من نحره ... جوزاؤه قبل طلوع فجره )
( رومية حلتها زرقاء ... في الجيد منها درة بيضاء )
( هذا وكم يجمع من أمور ... إسراف مطريها من التقصير )
( فيه تظل الطير في ترنم ... حاذقة باللحن لم تعلم )
( غناؤها ذو عجمة لا يفهمه ... سامعه وهو على ذا يقرمه )

( من كل دبسي له رنين ... وكل قمري له حنين )
( في قرطق أعجل أن يوردا ... خاط له الخياط طوقا أسودا )
( هذا وفيه للرياض منظر ... يفشي الثرى من سرها ما يضمر )
( سر نبات حسنه إعلانه ... إذا سواه زانه كتمانه )
( فيه ضروب للنبات الغض ... يحكي لباس الجند يوم العرض )
( من نرجس أبيض كالثغور ... كأنه مخانق الكافور )
( وروضة تزهر من بنفسج ... كأنها أرض من الفيروزج )
( قد لبست غلالة زرقاء ... فكايدت بلونها السماء )
( تبصرها كثاكل أولادها ... قد لبست من حزن حدادها )
( يضحك فيها زهر الشقيق ... كأنه مداهن العقيق )
( مضمنات قطعا من السبج ... فأشرفت بين احمرار ودعج )
( كأنما المحمر في المسود ... منه إذا لاح عيون الرمد )
( أما ترى أترجه ما أحسنه ... يختال في غلائل مبينه )
( وانظر إلى الخشخاش إن نظرتا ... يحكي كرات ظوهرت كيمختا )
( وارم بعينيك إلى البهار ... فإنه من أحسن الأنوار )
( كأنه مداهن من عسجد ... قد سمرت في قضب الزبرجد )
( فانهض إلى اللهو ولا تخلف ... فلست في ذلك بالمعنف )
( واشرب عقارا طال فينا كونها ... يصفر من خوف المزاج لونها )

( من كف طبي من بني النصارى ... ألبابنا في حسنه حيارى )
( إذا بدا جماله لذي النظر ... قال تعالى الله ما هذا بشر )
( يبدي جمالا جل عن أن يوصفا ... لو أنه رزق حريص لاكتفى )
( تزينه أحشاء كشح طاويه ... وسرة محشوة بالغاليه )
( لا سيما مع مسمع وزامر ... قد سلما من وحشة التنافر )
( دونك هذه صفة الزمان ... مشروحة في أحسن التبيان )
( فأصغ نحو شرحها كي تسمعا ... ولا تكن لحقها مضيعا )
( وارض بتقليدي فيما قلته ... فإنني أدرى بما وصفته )
( ولا تعارضني في هذا العمل ... فإنني شيخ الملاهي والغزل ) - من الرجز -
وقال أيضا
( باعثا لدعوتي غلامه ... وعاتبا من تركنا إلمامه )
( إذا أردت أن تزار في غد ... فلا تغال في الطعام واقصد )
( واعمد إلى ما أنا منه واصف ... فإنني بالطيبات عارف )
( ابعث فخذ عشرا من الرقاق ... تلذها نواظر الأحداق )
( تكاد مما رق من حرسائها ... تشف للأعين من صفائها )
( أرقها الصانع حتى خفت ... ولطفت أجسامها ومدت )
( تكاد لولا حذقه في صنعته ... تطيرها أنفاسه من راحته )
( حتى أتت في صورة البدور ... أو مثل جامات من البلور )

( حتى إذا فرغت منها متقنا ... ولم ير العائب فيها مطعنا )
( فاعمد إلى مدور من البصل ... فإنه أكبر أعوان العمل )
( يحكي لعينيك اخضرار قشره ... إذا رماه ناظر بفكره )
( غلائلا خضرا على جسوم ... بيض رطاب من بنات الروم )
( حتى إذا أحكمته تقطيعا ... وقلت قد جودته صنيعا )
( خلطته باللحم خلطا جيدا ... ولم تزل تخلطه مرددا )
( حتى إذا أنت أجدت فعله ... ثم جمعت في الرقاق شمله )
( صيرته يا ذا العلا السنيه ... شابورة ليست لها سميه )
( ثمت أغل الشبرق المقشرا ... من فوقه حتى تراه أحمرا )
( مكتسيا حلته الخمريه ... من بعدما عهدتها فضيه )
( ثم أدر كأس الشمول منعما ... أكرم بهذا مشربا ومطعما )
( فلست في فعلك ذا مبذرا ... كلا ولا في حقنا مقصرا ) - من الرجز -
وله في الروض
( أسفر عن بهجته الدهر الأغر ... وابتسم الروض لنا عن الزهر )
( أبدى لنا فصل الربيع منظرا ... بمثله تفتن ألباب البشر )
( وشيا ولكن حاكه صانعه ... لا لابتذال اللبس لكن للنظر )
( عاينه طرف السماء فانثنى ... عشقا له يبكي بأجفان المطر )
( فالأرض في زي عروس فوقها ... من أدمع القطر نثار من درر )
( وشي طواه في الثرى صوانه ... حتى إذا مل من الطي نشر )

( أما ترى الورد كخدي كاعب ... راودها فامتنعت منه ذكر )
( كأنما الخمر عليه نفضت ... صباغها أو هي منه تعتصر )
( أخجله النرجس إذ جاد له ... فاحمر من فرط حياء وخفر )
( قال له العين وما الخد لها ... موازنا في عظم قدر وخطر )
( ماذا الذي يرجى لخد بهج ... مستحسن صاحبه أعمى البصر )
( فاحمر من حجته إذ ظهرت ... والحق لا يدفع يوما إن ظهر )
( وانظر إلى النارنج في بهجته ... يلوح في أفنان هاتيك الشجر )
( مثل دنانير نضار أحمر ... أو كعقيق خرطت منه أكر )
( وانطر إلى المنثور في ميدانه ... يرنو إلى الناظر من حيث نظر )
( كجوهر مختلف ألوانه ... أسلمه سلك نظام فانتثر )
( كأن نور الباقلا إذا بدا ... لناظريه أعين فيها حور )
( كمثل ألحاظ اليعافير إذا ... روعها من قانص فرط الحذر )
( كأنه مداهن من فضة ... أوساطها بها من المسك أثر )
( كأنها سوالف من خرد ... قد زينت بياضها سود الطرر )
( وانظر إلى الأطيار في أرجائه ... إذا دعا الثاكل منها وصفر )
( كأنها تصفر في رياضها ... سرب قيان فوق بسط من حبر )
( فانهض إلى اللهو ولذات الصبا ... لامك من يعذل فيها أو عذر )
( فقلما يغنيك من يعذل فيما ... تشتهي حتى تواريك الحفر )
( فكيف هجران اللذاذات ولم ... يبد نهار الشيب في ليل الشعر )
( والنسك في عصر الصبا كأنه ... من قبحه خلع عذار في الكبر )

( يا لائما يعذلني في طربي ... حسبك قد أكثرت من هذا الهذر )
( أعرف فضل العقل إلا أنه ... لعيش من آثره عين الكدر )
( الجهل ينبوع مسرات الفتى ... والعقل ينبوع الهموم والفكر )
( فاجسر على ما تشتهي جهالة ... ما فاز باللذات إلا من جسر )
( واشرب عقارا لو أصابت حجرا ... لطار من خفته ذاك الحجر )
( عدوة الحزن الذي ما ظفرت ... قط به إلا أساءت في الظفر )
( لو رام أن يجيره من كيدها ... صرف الزمان الحتم يوما ما قدر )
( أرقها الدهر إلى أن شاكلت ... من رقة شعر جميل وعمر )
( خفية الحيلة في جسم الفتى ... تحدث في الجسم دبيبا وخدر )
( كأنما الأوطار فيها جمعت ... فليس في العيش لجافيها وطر )
( لا سيما من كف ظبي لم يشن ... بفرط طول لا ولا فرط قصر )
( له سهام من لحاظ صيب ... كأنما يرمين عن قوس القدر )
( مزنر شككني في دينه ... حتى أحلت الكفر فيمن قد كفر )
( لأنه كالحور في تصويره ... والحور لا يسكنها الله سقر )
( لو لم يكن زناره في وسطه ... يمسك ضعف الخصر منه لانبتر )
( وبان منه نصفه عن نصفه ... لكنه جاء له على قدر )
( إن قلت يحكي قمرا عنفني ... عقل له أعدمه عند القمر )
( أنى يوازيه وهذا ناطق ... وذاك إن خوطب لم ينطق حصر )

( يا لك منه منظرا أشهى إلى ... قلبي من جنة عدن أو أسر )
( يا طيب ذي الدنيا لنا منزلة ... لو لم نكن نزعج منها بسفر ) - من الرجز -
وقال أيضا
( علل فؤادك والدنيا أعاليل ... لا يشغلنك عن اللهو الأباطيل )
( ولا يصدنك عن أمر هممت به ... من العواذل لا قال ولا قيل )
( فخير يوميك يوم أنت فيه إذا ... ميزت في الناس محمود ومعذول )
( وإن أتوك فقالوا كن خليفتنا ... فقل لهم إنني عن ذاك مشغول )
( فإن ذلك أمر مع نفاسته ... ونبله بفناء العمر موصول )
( وارض الخمول فلا يحظى بلذته ... إلا امرؤ خامل في الناس مجهول )
( ولا تبع عاجل الدنيا بآجل ما ... ترجو فذلك أمر شأنه الطول )
( واسفك دم القهوة الصهباء تحي به ... روحي فإن دم الصهباء مطلول )
( يا خائف الإثم فيها حين تشربها ... لا تقنطن فعفو الله مأمول )
( قم فاسقني النض مما حرموه ولا ... تعرض لما كثرت فيه الأقاويل )
( من قهوة عتقت في دنها حقبا ... كأنها في سواد الليل قنديل )
( عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها للمزح إكليل )
( كأنها بأكف القوم إذ جليت ... ذوب من الذهب الإبريز محلول )
( في فتية جعلوا للهو طاعتهم ... فما لهم عن طريق اللهو معدول )
( جليسهم ليس يروى من حديثهم ... يوما وبعض حديث القوم مملول )
( لا كالذين إذا ما كنت حاضرهم ... ففي سكوتهم المأمول والسول )
( ترى مجالسهم مملوءة لجبا ... وكل ذاك فضول عنك معزول ) - من البسيط

وقال أيضا
( اشرب فقد طابت العقار ... وابتسم الورد والبهار )
( من قهوة ما انبرت لهم ... إلا وولى له انشمار )
( لها جيوش من الملاهي ... للهم قدامها الفرار )
( لألاؤها في الدجى نهار ... يظلم من نوره النهار )
( إذا استقرت حشا لبيب ... رأيته ما له قرار )
( لم يرها ناظر حديد ... إلا ثنى لحظه انكسار )
( خيالها جسمه لجين ... وجسمها شخصه نضار )
( كأنها تحته كميت ... عليه من فضة عذار )
( لها لدى حزن شاربيها ... ثأر وعند الحلوم ثار )
( فالحزن عن أهلها مطار ... والحلم في إثره مطار )
( فلا انتصار لذا عليها ... ولا عليها لذا انتصار )
( يسعى بها جؤذر غرير ... في لحظ أجفانه احورار )
( يحسن مني الوقار إلا ... فيه فما يحسن الوقار )
( أغار مني عليه حتى ... عليه من نفسه أغار )
( كل جمال ترى فمنه ... إذا تأملت مستعار )
( كأن صدغا له تراه ... وهو على خده مدار )
( ميدان آس بدا جنيا ... ألهب في جانبيه نار )
( بيت من الحسن لي إليه ... حج مدى الدهر واعتمار )
( زيارة البيت كل عام ... ودهر ذا كله يزار )

( قلت له إذ بدا وقلبي ... من لاعج الشوق مستطار )
( يا جامع الحسن كل حسن ... للناس من شرطك اختصار )
( ما فضل الغانيات عندي ... عليك إلا امرؤ حمار ) - من مخلع البسيط -
وقوله أيضا
( اشرب فقد طابت المدام ... وافتر عن ثغره الغمام )
( من قهوة حرمت علينا ... والصبر عن مثلها حرام )
( جلت عن الوصف فهي شيء ... يدق شأنها الكلام )
( إذا استذم الأسى إليها ... فما له عندها ذمام )
( طوقها الماء سمط در ... ليس لمنثوره نظام )
( كأنها تحته كميت ... عليه من فضة لجام )
( إذا بدت للهموم ظلت ... وهي لإعظامها قيام )
( تلوذ منها فلا لواذ ... ينفع منها ولا اعتصام )
( في فتية كلهم كريم ... وخير من يصحب الكرام )
( يكسد سوق الفتاة فيهم ... ظرفا ولا يكسد الغلام )
( أئمة كلهم عليم ... بكل ما فعله أثام )
( لكنني فيهم على ما ... وصفت من فضلهم إمام )
( وعندنا شادن غرير ... في لحظ أجفانه سقام )
( للحسن قدامه جيوش ... للصبر قدامها انهزام )
( يخف في حبه التصابي ... كمثل ما يثقل الملام )
( ذا العيش فافطن له وبادر ... من قبل أن يفطن الحمام )

( وانعم فعام السرور عندي ... يوم ويوم الهموم عام ) - من مخلع البسيط -
وقال أيضا
( جانبت بعدك عفتي ووقاري ... وخلعت في طرق المجون عذاري )
( ورأيت إيثار الصبابة في الذي ... تهوى النفوس ممحق الأعمار )
( لا تأمرني بالتستر في الهوى ... فالعيش أجمع في ركوب العار )
( إن التوقر للحياة مكدر ... والعيش فهو تهتك الأستار )
( من تابعت أمر المروءة نفسه ... فنيت من الحسرات والأفكار )
( لا تكثرن علي إن أخا الحجا ... برم بقرب الصاحب المهذار )
( خوفتني بالنار جهدك دائبا ... ولججت في الإرهاب والإنذار )
( خوفي كخوفك غير أني واثق ... بجميل عفو الواحد القهار )
( أقررت أني مذنب ومحرم ... تعذيب ذي جرم على الإقرار )
( انظر إلى زهر الربيع وما جلت ... فيه عليك طرائف الأنوار )
( أبدت لنا الأمطار فيه بدائعا ... شهدت بحكمة منزل الأمطار )
( ما شئت للأزهار في صحرائه ... من درهم بهج ومن دينار )
( وجواهر لولا تغير حسنها ... جلت عن الأثمان والأخطار )
( من أبيض يقق وأصفر فاقع ... مثل الشموس قرن بالأقمار )
( ناحت لنا الأطيار فيه فأرهجت ... عرس السرور ومأتم الأطيار )
( دار له اتصل البقاء لأهلها ... لم يحفلوا بنعيم تلك الدار )
( فانهض بنا نحو السرور فإنه ... ما زال يسكن حانة الخمار )

( فاشرب معتقة كأن نسيمها ... مسك تضوعه يد العطار )
( أخفى دبيبا في مفاصل شربها ... وأدق ألطافا من المقدار )
( أحكامها في العقل إن هي حكمت ... أحكام صرف الدهر في الأحرار )
( يرضى على الأقدار شاربها الذي ... ما زال ذا سخط على الأقدار )
( وكأنها والكأس ساطعة بها ... ذوب تحلل في عقيق جاري )
( لا سيما من أغيد شادن ... يسبي العقول بطرفه السحار )
( فضل الغصون لأنها من غرسنا ... عند التأمل وهو غرس الباري )
( قد غيب الزنار دقة خصره ... حتى ظنناه بلا زنار )
( منتصر قويت على إسلامنا ... بالحسن منه حجة الكفار )
( قالوا أيصنع مثل هذا ربكم ... ويرى فساد صنيعه بالنار )
( مع مسمع حلفت له أوتاره ... أن لا تنافر رنة المزمار )
( فطن يحرك كل عضو ساكن ... تحريكه لسواكن الأوتار )
( شدو إذا الحلماء زار حلومهم ... باعوا بطيب السخف كل وقار )
( والشدو أحسنه الذي لم يستمع ... إلا أطار العقل كل مطار )
( ذا العيش لا نعت المهامه والفلا ... وسؤال رسم الدار والأحجار )
( لا فرج الرحمن كربة جاهل ... يبكي على الأطلال والآثار ) - من الكامل -
وقال أيضا
( قد رضينا من الغزال الكحيل ... بغرور العدات والتعليل )
( وهجرنا سواه وهو منيل ... وهويناه وهو غير منيل )

( فكثير البغيض غير كثير ... وقليل الحبيب غير قليل )
( يا عذولي زعمت صبري صوابا ... وطريق الصواب غير محيل )
( هلك العزم بين شوق صحيح ... أنا فيه وبين صبر عليل )
( لا تعب من هويت بالبخل إني ... لا أحب الحبيب غير بخيل )
( يجمل البخل بالملاح وإن كان ... بغير الملاح غير جميل )
( كل من سره حبيب جواد ... فلتطب نفسه بقرن طويل ) - من الخفيف -
وقال أيضا
( ألست ترى وشي الربيع المنمنما ... وما رصع الربعي فيه ونظما )
( فقد حكت الأرض السماء بنورها ... فلم أدر في التشبيه أيهما السما )
( فخضرتها كالجو في حسن لونه ... وأنوارها تحكي لعينيك أنجما )
( فمن نرجس لما رأى حسن نفسه ... تداخله عجب بها فتبسما )
( وأبدى على الورد الجني تطاولا ... فأظهر غيظ الورد في خده دما )
( وزهر شقيق نازع الورد فضله ... فزاد عليه الورد فضلا وقدما )
( وظل لفرط الحزن يلطم خده ... فأظهر فيه اللطم جمرا مضرما )
( ومن سوسن لما رأى الصبغ كله ... على كل أنوار الرياض تقسما )
( تجلب من زرق اليواقيت حلة ... فأغرب في الملبوس منه وأعلما )
( وألوان منثور تخالف شكلها ... فظل بها شكل الربيع متمما )
( جواهر لو قد طال فينا بقاؤها ... رأيت بها كل الملوك مختما )
( فقم فاسقني ما حرموه فما أرى ... من العيش حلوا غير ما قيل حرما ) - من الطويل

وقال أيضا
( قالوا عشقت كثير البخل ممتنعا ... فقلت هيهات عنكم غاب أطيبه )
( لو جاد هان وقيل الجود عادته ... وإنما عز لما عز مطلبه ) - من البسيط -
وقال
( أرجي دنو الوصل من بعد بعده ... كما قد ترجى في الجدوب السحائب )
( وأكثر في الهجر العتباب كأنني ... لدهري من ظلم الكرام أعاتب )
( وأهوى مواعيد المنى عنك بالرضى ... وقد تمنع الآمال وهي كواذب ) - من الطويل -
وقال
( حبذا زور أتاني ... طارقا بعد اجتنابه )
( شق جنح الليل بدر ... لاح من ثني نقابه )
( طربت نفسي إليه ... وإلى طيب اقترابه )
( طرب الشيخ إذا ذكر ... أيام شبابه ) - من الرمل -
وقال
( خلعت في حبه عذاري ... وطاب لي العيش باشتهاري )
( وذقت طعم الجنون فيه ... فكان أحلى من العقار )
( إن أبد في حبه خضوعا ... فليس ذل الهوى بعار )
( لو كان في الحب لي اختيار ... لكان تركي له اختياري )
( من روحه في يدي سواه ... فهو حقيق بأن يداري )
( لا تحمدوني على احتمالي ... هوانه واحمدوا اصطباري ) - من مخلع البسيط

وقال
( متى وعدتك في ترك الهوى عدة ... فاشهد على عدتي بالزور والكذب )
( أما ترى الليل قد ولت عساكره ... وأقبل الصبح في جيش له لجب )
( وجد في أثر الجوزاء يطلبها ... في الجو ركض هلال دائم الطلب )
( كصولجان لجين في يدي ملك ... أدناه من كرة صيغت من الذهب )
( فم بنا نصطبح صفراء صافية ... كالنار لكنها نار بلا لهب )
( عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها تاج من الحبب ) - من البسيط -
وقال
( قم فاسقني والخليج مضطرب ... والريح تثنى ذوائب القضب )
( كأنها والرياح تعطفها ... صف قنا سندسية العذب )
( والجو في حلة ممسكة ... قد طرزتها البروق بالذهب ) - من المنسرح -
وقال
( وسحاب إذا همى الماء فيه ... ألقت الرعد في حشاه البروقا )
( مثل ماء العيون لم تجر إلا ... ظل يذكي على القلوب حريقا ) - من الخفيف -
وقال
( جوهري الأوصاف يقصر عنه ... كل وصف لكل ذهن دقيق )
( شارب من زبرجد وثنايا ... لؤلؤ فوقها فم من عقيق ) - من الخفيف -
وقال
( صوره خالقه جامعا ... لكل شيء حسن بارع )

( وكل حسن من جميع الورى ... مختصر من ذلك الجامع ) - من السريع -
وقال
( عشقت من لا ألام فيه وما ... يخلو من اللوم كل من عشقا )
( رأي الورى في سواه مختلف ... وأنت تلقاه فيه متفقا )
( وكل قلب إليه منصرف ... كأنه من جميعها خلقا ) - من المنسرح -
ألم فيه بقول إسحاق بن إبراهيم الموصلي خلق من كل قلب فهو يغني كلا ما يشتهيه
وقال
( زارني في دجا الظلام البهيم ... قمر بات مؤنسي ونديمي )
( بحديث كأنه عودة الصحة ... في الجسم بعد يأس السقيم )
( تتلقى القلوب منه قبولا ... كتلقي المخمور برد النسيم ) - من الخفيف -
وقال
( ظفرت بقبلة منه اختلاسا ... وكنت من الرقيب على حذار )
( ألذ من الصبوح على غمام ... ومن برد النسيم على خمار ) - من الوافر -
وقال
( لا تلفين مقارنا ... من لا يزين من الصحاب )
( فالثوب ينفذ صبغه ... فيما يليه من الثياب ) - من الكامل -
وقال
( ريق إذا ما ازددت من شربه ... ريا ثناني الري ظمآنا )

( كالخمر أروى ما يكون الفتى ... من شربها أعطش ما كانا ) - من السريع -
وقال
( حملت كأسه إلى شفتيه ... كفه والظلام مرخي الإزار )
( فالتقى لؤلؤا حباب وثغر ... وعقيقان من فم وعقار ) - من الخفيف -
وقال
( وصفرا من ماء الكروم كأنها ... فراق عدو أو لقاء صديق )
( كأن الحباب المستدير بطوقها ... كواكب در في سماء عقيق )
( صببت عليها الماء حتى تعوضت ... قميص بهار من قميص شقيق ) - من الطويل -
وقال
( سلا عن حبك القلب المشوق ... فما يصبو إليك ولا يتوق )
( جفاؤك كان عنك لنا عزاء ... وقد يسلى عن الولد العقوق ) - من الوافر -
وقال
( كأن أوراق زهر ... للباقلاء بهيه )
( خواتم من لجين ... فصوصها حبشيه ) - من المجتث -
وقال
( أسنى الأماني كلها ... وأجل منها ما ينال )
( كأس ومسمعة وإخوان ... تحادثهم ومال ) - من الكامل -
وقال
( أبصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبل ذا رآه )

( فقال لي لو هويت هذا ... ما لامك الناس في هواه )
( قل لي إلى إلى من عدلت عنه ... فليس أهل الهوى سواه )
( فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالحب من نهاه ) - من مخلع البسيط -
وقال في ثقيل
( ما السقم في سفر والدين مع عدم ... يوما بأثقل منه حين يلقاني )
( مالي عليه معين حين أبصره ... غير الصدود وتغميضي لأجفاني ) - من البسيط -
وقال
( إن كان قد بعد اللقاء فودنا ... دان ونحن على النوى أحباب )
( كم قاطع للوصل يؤمن وده ... ومواصل بوداده يرتاب ) - من الكامل -
وقال
( لا ووعد الوصل باللحظ ... على رغم الرقيب )
( واختلاس القبلة الحلوة ... من خد الحبيب )
( وسماع مستطاب ... جاء في لفظ مصيب )
( ما سوى الراح لداء الهم ... عندى من طبيب ) - من الرمل -
وقال
( يا من إذا لاحت محاسن وجهه ... غفرت بدائعها جميع ذنوبه )
( النجم يعلم أن عيني في الدجا ... معقودة بطلوعه وغروبه )
( إن كان في تعذيب قلبي راحة ... لك فاجتهد بالله في تعذيبه )
( لو كان سفك دمي إليك محببا ... لرأيتني متضرجا بصبيبه ) - من الكامل

قال
( ازهد إذا الدنيا أنالتك المنى ... فهناك زهدك من شروط الدين )
( فالزهد في الدنيا إذا ما رمتها ... فأبت عليك كعفة العنين ) - من الكامل -
وقال
( لا تحسدن صديقا ... على تزايد نعمه )
( فإن ذلك عندي ... سقوط نفس وهمه ) - من المجتث -
وقال
( وجلنار بهي ... ضرامه يتوقد )
( بدا لنا في غصون ... خضر من الري ميد )
( يحكى فصوص عقيق ... في قبة من زبرجد ) - من المجتث -
وقال
( أقبل والعذال يلحونني ... فكلهم قال من البدر )
( فقلت ذا من طال في حبه ... منكم لي التعنيف والزجر )
( قالوا جهلنا فاغتفر جهلنا ... فليس عن ذا لامرئ صبر )
( عذرك في الحب له واضح ... وما لنا في لومنا عذر ) - من السريع -
وقال
( بما بعينيك من فتون ... ومن فتور بها وسحر )
( وبالعذار الذي تولى ... خلع عذاري وبسط عذري )

( ومضحك منك لؤلؤي ... ممتزج مسكه بخمر )
( جد لي بالصفح عن ذنوبي ... أولا فعاقب بغير هجر ) - من مخلع البسيط -
وقال
( عدت إلى الغي بعد نسكي ... ولذ لي فيك طعم محكي )
( أضحك للكاشحين جهرا ... ولي ضمير عليك يبكي )
( تمنعني أن أبوح نفس ... تأنف من ذلة التشكي )
( عيني التي أوقعت فؤادي ... يا عين ماذا لقيت منك ) - من مخلع البسيط -
وقال
( واحربي من جفون ظبي ... أقام عذري به عذاره )
( أسقم جسمي بسقم طرف ... حيرني في الهوى احوراره )
( عجبت من جمر وجنتيه ... يحرقني دونه استعاره )
( هذا اختياري فأبصروه ... شاهد عقل الفتى اختياره ) - من مخلع البسيط -
وقال
( لا تقبلن من الرشيد كلامه ... وإذا دعاك أخو الغواية فاقبل )
( ودع التزمت والتجمل للورى ... فالعيش ليس يطيب بالمتجمل )
( واشرب مزعفرة القميص سلافة ... من صبغة البردان أو قطربل )
( كأس إذا رمت الهموم بسهمها ... لم يخط نافذه سواء المقتل )
( تحلو وتعذب في النفوس كأنها ... كبت العدو ورغم أنف العذل )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12