كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس

( وهي للأرواح ... في أبداننا نعم الصديق )
( قلت لما لاح لي ... منها شعاع وبريق )
( أشقيق أم عقيق ... أم رحيق أم حريق ) - مجزوء الرمل -
وأنشدت له في ذم المتصوفة
( تبا لقول جعلوا ... دينا لدنيا مأكله )
( تستروا بأنهم ... صوفية محنبله )
( وما يساوي نسكهم ... قمامة من مزبله )
( إتخذوا شباكهم ... إحفاءهم للأسبله ) - مجزوء الرجز -
وله من قصيدة في أبي الفتح بشر بن علي
( رؤياك في أمري روية حازم ... ذي حنكة فأقول قولا مبرما )
( إن تقصني أمسيت مضغة ضيغم ... أو تدنني أصحبت ذاك الضيغما ) - الكامل -
وله فيه من قصيدة وقد كبت به دابته في نهر عميق فهلكت وسلم أبو الفتح
( بنحس أعاديك دار الفلك ... وما دار يوما بسعد فلك )
( وإن هم دهر بما لا أقول ... فنفسي الفدا وعلي الدرك )
( بقيت جوادا فلا تحزنن ... لفقد الجواد الذي قد هلك )
( فإن أذنب الدهر في أخذه ... فخير من الطرف ما قد ترك ) - المتقارب

42 - أبو عبد الله المغلسي المراغي
قد تقدم له ذكر في الفصل من رسالة أبي الحسين بن فارس وهو القائل في محك الذهب
( ومشتمل من صبغة الليل بردة ... يفوف طورا بالنضار ويطلس )
( إذا سألوه عن عويص ومشكل ... أجاب بما أعيا الورى وهو أخرس ) - الطويل -
وله في اللواء
( ومرتفع للناظرين محارب ... ترى رأسه في بسطة الباع مائلا )
( حكى ثملا أصغى إلى البين فاغتدى ... يشق عن الأذيال منه الغلائلا ) - الطويل -
وأخبرني أبو الحسين النحوي أن له في الأوصاف وما يجري مجرى العويص شيئا كثيرا وإذا وقع إلي منه ما يصلح للإلحاق بهذا الفصل ألحقته إن شاء الله تعالى
43 - القاضي أبو بكر الأسي
من أهل الري بلغتني له أبيات يسيرة في نهاية خفة الروح كقوله
( يا غزالا هو للحسن ... مقر ومحط )
( لم تكن أنت بهذا ... الحسن والبهجة قط )
( مذ بدا في عاج خديك ... من العنبر خط ) - مجزوء الرمل -
وقوله
( وزائر زار خائفا رصدا ... لم أرج منه زيارة أبدا )

( لو جاز أن يعبد امرؤ أحدا ... من دون رب الورى إذا عبدا )
( قمت لإكرامه فباس يدي ... أكرم بها في الهوى علي يدا )
( يا قبلة أصبحت لها شفتي ... تموت من غيظ راحتي كمدا ) - المنسرح -
فصل في ذكر نفر من الطارئين على بلاد الجبل
44 - أبو عبد الله البطحاوي
قال
( يا حمامي وحميمي ... وغرامي وغريمي )
( وسقيم الود والعهد ... لذي جسم سقيم )
( لم يزل ذكرك مذ ... فارقت ندماني نديمي )
( وجهك الزاهر لي روض ... ورياك نسيمي )
( غير أني أشتكي منك ... إلى غير رحيم )
( معرض عن وجه إقبالي ... خلي عن همومي ) - مجزوء الرمل -
45 - ابن حماد البصري
قال
( إن كان لابد من أهل ومن وطن ... فحيث آمن من ألقى ويأمنني )
( يا ليتي منكر من كنت أعرفه ... فلست أخشى إذا من ليس يعرفني )
( لا أشتكي زمني هذا فاظلمه ... وإنما أشتكي من أهل ذا الزمن )

( قد كان لي كنز صبر فافتقرت إلى ... إلى إنفاقه في مزاراتي لهم وقني )
( وقد سمعت أفانين الحديث فهل ... سمعت قط بحر غير ممتحن ) - البسيط -
46 - شمسويه البصري
قال في غلام يبيع الفراني
( قلت للقلب ما دهاك أجبني ... قال لي بائع الفراني فراني )
( ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني أمت بما أو دعاني ) - الخفيف -
47 - أبو الفضل النهر عاسي
قال
( لولا تعاليل النفوس وأنها ... مخدوعة ما سرها محبوب )
( خاب امرؤ محض النصيحة نفسه ... كل يشوب لنفسه ويروب ) - الكامل -
48 - أحمد بن بندار
قال
( وقالوا يعود الماء في النهر بعد ما ... عفت منه آثار وجفت مشارعه )

( فقلت إلي أن يرجع الماء عائدا ... ويعشب شطاه تموت ضفادعه ) - الطويل -
49 - أبو عبد الله الروزباري
قال في وصف الثلج
( ما لإبن هم سوى شرب ابنة العنب ... فهاتها فهوة فراجة الكرب )
( أدهق كؤوسك منها واسقني طربا ... على الغيوم فقد جاءتك بالطرب )
( أما ترى الأرض قد شابت مفارقها ... بما نثرن عليها وهي لم تشب )
( نثار غيث حكى لون الجمان لنا ... فاشرب على منظر مستحسن عجب )
( جاد الغمام بدمع كاللجين جرى ... فجد لنا بالتي في اللون كالذهب ) - البسيط

الباب الثامن في ذكر من هم شرط الكتاب من أهل فارس والأهواز سوى من تقدم ذكرهم في ساكني العراق
كعبد العزيز بن يوسف وأبي أحمد الشيرازي وسوى من يتأخر ذكرهم في الطارئين على خراسان كأبي إسحاق المتصفح كان ببخارى وأبي الحسن محمد بن الحسين النحوي المقيم الآن بإسفرائين من نيسابور وأبي الحسين الأهوازي صاحب كتاب القلائد والفرائد المقيم كان بالصغانيات
50 - أبو بكر هبة الله بن الحسين الشيرازي المعروف بابن العلاف
كان بفارس للأدب مجمعا وللشعر مفزعا مع التصرف في مدارج الأحكام والمعرفة بشعب الحلال والحرام والقبول التام عند الخاص والعام خنق التسعين ولم تبيض له شعرة وهو القائل في التبرم بشبابه من قصيدة
( إلام وفيم يظلمني شبابي ... ويلبس لمتي حلل الغراب )
( وآمل شعرة بيضاء تبدو ... بدو البدر من خلل السحاب )
( وأدعى الشيخ ممتلئا شبابا ... كذي ظمأ يعلل بالسراب )

( فيا هلكي هنا لك من مشيبي ... ويا خجلي هنا لك واكتئابي )
( ألا يا خاضب الشيب المعنى ... أعنيفي الشباب على الخضاب )
( فكافور المشيب أجل عندي ... وفي فودي من مسك الشباب )
( وأين من الصباح ظلام ليل ... وأين من الرباب دجى ضباب )
( ألا من يشتري مني شبابا ... بشيب واسودادا باشهباب ) - الوافر -
ومما يستحسن من شعره في عضد الدولة قوله
( يا علم العالم في الجود ... مثلك جودا غير موجود )
( بيضت من وجه الندى بالندى ... ما اسود في أيامه السود )
( كم لك في كسبك للحمد من ... سعي على الأيام محمود )
( بين مطيع لك أصفدته ... وبين عاص لك مصفود )
( بك استوى الجود على خدمة ... كما استوى الفلك على الجودي )
( كم مورد منك ندى أو ردى ... بين الرضا والسخط مورود )
( وسؤدد منك بعز العلا ... يا عضد الدولة معضود )
( والدهر طوع لك في كل ما ... تحده من كل محدود )
( وكل جار لك من جوره ... في ظل أمن بك ممدود )
( فعش وعيد سالما آمنا ... ما عاد لطف الماء في العود )
( واسعد يد الدهر بما شئت من ... ملك لأبنائك موطود ) - السريع -
ومما يستجاد من شعره قوله في الغزل
( خداك للخنس السبع العلا فلك ... ومقلتاك لشراد الهوى شرك )

( وفيك نفع وضر يجريان كما ... يجري بما يحتوي في وسعه الفلك )
فالضر أجمع مخصوص به بدني ... والنفع بيني وبين الناس مشترك ) - البسيط -
وقوله
( أبعد دنو الدار من داركم أجفى ... فلا غلة تشفي ولا لوعة تطفى )
( وكنت إذا سلسلت في كأس ذي هوى ... من الريق السلسال في كأسه أصفى )
( ففيم يخون العهد من صنت عهده ... ويمزجني من كان يشربني صرفا ) - الطويل -
وقوله في الزهد
( ما عذر من جر غاويا رسنة ... ما عذره بعد أربعين سنه )
( أكلما طالت الحياة به ... أطال عن أخذ حذره رسنه )
( قل لي إذا مت كيف تتنقص من ... سيئة أو تزيد في حسنه ) - المنسرح -
51 - أبو بكر بن شوذبة الفارسي
وجدت في سفينة بخط الشيخ الرئيس أبي محمد عبد الله بن إسمعيل الميكالي لأبي بكر بن شوذبة الفارسي
( إذا لم يكن ممن يؤوب هدية ... فلا لقيته بالسعادة داره )
( وإن يهد أقلاما ونقسا وكاغدا ... فلا قر يوما بالمقام قراره )
( وإن يهد بردا أو رداء محبرا ... فلا زال عنا ظله وجواره ) - الطويل -
وله

( يا ضماني على الربيع وشرطي ... طال شوقي فما ترى في التلاقي )
( استزرني بحرمتي أو فزرني ... إن هذا الربيع ليس بباق )
( آفة البدر ما علمت كسوف ... وكسوف المحب يوم الفراق ) - الخفيف -
وله
( أنعم بيوم المهرجان فإنه ... يوم أتاك به الزمان جديد )
( ومضى المصيف وحره وعجاجه ... وأتى الخريف ووقته المحمود )
( إن كان هذا اليوم عيدا للورى ... فبقاء عمرك كل يوم عيد )
( والراح طيبة إذا ما عللت ... بسماع أهيف في يديه عود ) - الكامل -
وله
( أكل من كان له نعمة ... أوسع من نعمة إخوانه )
( أم كل من كانت له كسرة ... يبذلها في بعض أحيانه )
( أم كل من كان له جوسق ... مشرف شيد بأركانه )
( يرى بها مستكبرا تائها ... على أدانيه وخلانه ) - السريع -
52 - أحمد بن الفضل الشيرازي
كان يهوى فتى من أولاد الأغنياء المترفين بشيراز فقال فيه
( ومن البلية والعظائم أنني ... علقت واحد أمه وأبيه )
( فهما ذوا حذر عليه تراهما ... يتلقطان كلامه من فيه )
( قد دللاه وأورثاه رعونة ... من نخوة مشتقة من تيه ) - الكامل

53 - المعروف المنبسط الشيرازي
سمعت أبا نصر سهل بن المرزبان يقول أضاف المنبسط بعض إخوانه ثم خرج وخلاه في منزله فكتب إليه
( يا خالي الجيب من عقل ومن أدب ... وإن تحليت من خال ومن نسب )
( تركتني ومعي في البيت واحدة ... وأنت تعلم ما يجري به لقبي ) - البسيط -
54 - أبو رجاء أحمد بن عفو الله الكاتب الشيرازي
قال
( غضبت من قبلة بالكره جدت بها ... فها فمي لك فاقتصيه أضعافا )
( لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما يراه الله إنصافا ) - البسيط -
55 - أبو عبد الله الخوزي
قال
( ويل لمن عدله القاضي ... والله عنه ليس بالراضي )
( تمضي القضايا بشهاداته ... وهو إلى النار غدا ماض ) - السريع -
56 - أبو الحسن بن أبي سهل الأرجاني
قال
( مدحت ابن كلثوم صهر الوصي ... فأنزلني بالمحل القصي )

( فأطعمه الله سلح الخصي ... وكلل يافوخه بالعصي ) - المتقارب -
57 - أبو علي بن غيلان السيرافي
قال
( قد كنت ألتمس الشراب ... فقد بدا لي في الشراب )
( وأهمني خبز الشعير ولم يكن ذا في حسابي ... ) - مجزوء الكامل -
58 - ابن خلاد القاضي الرامهرمزي
هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد
من أنياب الكلام وفرسان الأدب وأعيان الفضل وأفراد الدهر وجملة القضاة الموسومين بمداخلة الوزراء والرؤساء وكان مختصا بابن العميد تجمعهما كلمة الأدب ولحمة العلم وتجري بينهما مكاتبات بالنثر والنظم كما تقدم ذكر صدر منهما وهكذا كانت حاله مع المهلبي الوزير وهو الكاتب إليه لما استوزر
( الآن حين تعاطى القوس باريها ... وأبصر السمت في الظلماء ساريها )
( الآن عاد إلى الدنيا مهلبها ... سيف الوزارة بل مصباح داجيها )
( تضحي الوزارة تزهى في مواكبها ... زهو الرياض إذا جاءت غواديها )

( تاهت علينا بميمون نقيبته ... قلت لمقداره الدنيا وما فيها )
( معز دولتها هنئتها فلقد ... أيدتها بوثيق من رواسيها ) - البسيط -
فأجابه المهلبي بهذه الأبيات
( مواهب الله عندي ما يدانيها ... سعي ومجهود وسعي لا يوازيها )
( والله أسأل توفيقا لطاعته ... حتى يوافق فعلي أمره فيها )
( وقد أتتني أبيات مهذبة ... ظريفة جزلة رقت حواشيها )
( ضمنتها حسن إبداع وتهنئة ... أنت المهنا بباديها وتاليها )
( فثق بنيل المنى في كل منزلة ... أصبحت تعمرها مني وتبنيها )
( فأنت أول موثوق بنيته ... وأقرب الناس من حال ترجيها ) - البسيط -
ومن ملح ابن خلاد قوله في نفسه
( قل لإبن خلاد إذا جئته ... مستندا في المسجد الجامع )
( هذا زمان ليس يحظى به ... حدثنا الأعمش عن نافع ) - السريع -
وقوله وقد طولب بالخراج
( يا أيها المكثر فينا الزمجره ... ناموسه دفتره والمحبره )
( قد أبطل الديوان كتب السحره ... والجامعين وكتاب الجمهره )
( هيهات لن يعبر تلك القنطره ... نحو الكسائي وشعر عنتره )
( ودغفل وابن لسان الحمره ... ليس سوى المنقوشة المدوره ) - الرجز -
وقوله
( غناء قليل مالك ومحمد ... إذا اختلفت سمر القنا في المعارك )

( تجمل بمال واغد غير مذمم ... بمشراط حجام ومنوال حائك ) - الطويل -
وما يتغنى به من شعره قوله في غلام من أبناء الديلم
( يا من لصب قلق ... بات يراعي الفلكا )
( جار به مسلط ... يجور فيمن ملكا )
( يهزأ من عاشقه ... يضحك منه إن بكى )
( مر بنا يخطر في ... سريحة دللكا )
( كشادن ريع من الصياد أبدى شركا ... )
( فقلت يا أحسن من ... تبصر عيني من لكا )
( فقال لي بغنة ... إليك لا أجرحكا )
( تبا لقاض يبتغي ... من المعاصي دركا )
( فقلت والله الذي ... صيرني عبدا لكا )
( ما إن أردت ريبة ... ولم أرد سوءا بكا )
( وأنت في قولك ذا ... آثم ممن أشركا ) - مجزوء الرجز -
وقوله من قصيدة في عضد الدولة أبي شجاع رحمه الله تعالى
( جادت عراصك مزنة يا دار ... وكساك بعد قطينك النوار )
( فلكم أرقت بعقوتيك صبابة ... ماء المدامع والجوانج نار )
( ولقد أديل من الجهالة والصبا ... زمن على زنة العقول عيار ) - الكامل -
ومنها في المدح

( كر الفرار بيمنه وسعوده ... فعلت به لذوي الحجى أقدار )
( عمرت من الأدب الفقيد دياره ... ودنا من الكرم البعيد مزار )
( والفقه والنظر المعظم شأنه ... ظهرا وناضل عنهما أنصار )
( عادت إلى الدنيا بنوها واغتدت ... تبني القوافي يعرب ونزار )
( وسمت إلى فصل الخطاب وأهله ... والقائلين بفضله أبصار )
( آب الحصين وعنتر ومهلهل ... والأعشيان وأقبل المرار )
( والنابغان وجرول ومرقش ... وكثير ومزرد وضرار )
( وسما جرير والفرزدق والذي ... يعزى الصليب إليه والزنار )
( وغدا حبيب والوليد ومسلم ... والآخرون يقودهم بشار )
( وأتى الخليل وسيبويه ومعمر ... والأصمعي ولم يغب عمار )
( نشرت بفنا خسروا أربابها ... كالأرض ناشرة لها الأمطار )
( أحيا الأمير أبو شجاع ذكرهم ... فنما القريض وعاشت الأشعار )
ولما توفي ابن خلاد رثاه صديق له بقصيدة في نهاية الحسن أولها
( همم النفوس قصارهن هموم ... وسرور أبناء الزمان غموم )
( ومصير ذي الأمل الطويل وإن حوى ... أقصى المنى حتف عليه يحوم )
( وسعادة الإنسان على استحلائها ... مر وعقد وفائها مذموم )
( وسنيحها برح وخصب ربيعها ... جدب وناصع عيشها مسموم )
( لا سعدها يبقى ولا لأواؤها ... يفنى ولا فيها النعيم مقيم )

( محسودها مرحومها ورئيسها ... مرءوسها ووجودها معدوم )
( وبقاؤها سبب الفناء ووعدها ... إبعادها وودادها مصروم )
( أما الصحيح فإنه من خوف ما ... يعتاده من سقمه لسقيم )
( وسليمها طي السلامة دائبا ... يرنو إلى الآفات وهو سليم )
( وغنيها حذر الحوادث والردى ... في ظل أكناف اليسار عديم )
( سيان في حكم الحمام وريبه ... عند الناهي جاهل وعليم )
( أودي ابن خلاد قريع زمانه ... بحر العلوم وروضها المرهوم )
( لو كان يعرف فضله صرف الردى ... لانحاز عنه ونابه مثلوم )
( عظمت فوائد علمه في دهره ... فمصابه في العالمين عظيم )
( إقليم بابل لم يكن إلا به ... فاليوم ليس لبابل إقليم )
( أنى اهتدى ريب المنون لسائر ... فوق النجوم محله المرسوم )
( ظلم الزمان فبز عنه كماله ... ومن العجائب ظالم مظلوم )
( لا تعجبن من الزمان وغدره ... فحديث غدرات الزمان قديم )
( لو كان ينجو ماجد لتقية ... نجى ابن خلاد التقى والخيم )
( لكنه أمر الإله وحكمه ... وقضاؤه في خلقه المحتوم )
( روض في الآداب غض زهره ... ركد الهجير عليه فهو هشيم )
( وحديقة لما تزل ثمراتها ... تحف الملوك أصابهن سموم )
( شمامة الوزراء حلو حديثه ... تحف لهم دون النديم نديم )
( ريحانة الكتاب من ألفاظه ... يتعلم المنثور والمنظوم )
( أما العزاء فما يحل بساحتي ... والصبر عنك كما علمت ذميم )

( وإذا أردت تسليا فكأنني ... فيما أدرت من السلو مليم )
( فعليك ما غنى الحمام تحية ... ومع التحية نضرة ونعيم ) - الكامل -
59 - محمد بن عبد العزيز السوسي
أحد شياطين الإنس يقول قصيدة تربى على أربعمائة بيت في وصف حاله وتنقله في الأديان والمذاهب والصناعات أولها
( الحمد لله ليس لي بخت ... ولا ثياب يضمها تخت )
( سيان بيتي لمن تأمله ... والمهمه الصحصان والموت )
( أمنت في بيتي اللصوص فما ... للص فيه فوق ولا تحت )
( فمنزلي مطبق بلا حرس ... صفر من الصفر حيثما درت )
( إبريقي الكوز إن غسلت يدي ... والطين سعدي وداري الطست )
( وعاجل الشيب حين صيرني ... فرزدقي المشيب إذا شبت )
( سلكت في مسلك التصوف ... تنميسا فكل للذبول قصرت )
( سويت سجادة بيوم وأحفيت ... سبالا قد كنت طولت )
( وفي مقام الخليل قمت كما ... قام لأني به تبركت )
( وقلت إين أحرمت من بلدي ... وفي حرامي إن كنت أحرمت )
( ثم كتبت العطوف حتى بتدبيري ... بين الرءوس ألفت )
( حتى إذا رمت عطف بعل على ... عرس عكست المنى وطلقت )
( حرفي منقى من التراب فكم ... ذريته مرة وغربلت )
( يا ليت شعري مالي حرمت ولا ... أعطي من إن رأيته اغتظت )
( بل ليت شعري لما بدا يقسم ... الأرزاق في أي مطبق كنت )

( والحمد لله قاسم الرزق في الخلق ... كما اختار لا كما اخترت ) - المنسرح -
60 - أبو محمد السوسي
قال
( باكر علي ببكر ... حمراء من كف بكر )
( وأحي بالقفص قصفي ... وأفن في العمر عمري )
( روح براحك روحي ... وحز بسكري شكري )
( فساعة لم أعشها ... في القصف تقصف ظهري ) - المجتث -
61 - أبو الحسن بن غسان
سمعت أبا الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي يقول ورد أبو الحسن بن غسان البصري الشاعر الطبيب على أبي مضر عامل الأهواز في جملة شعراء امتدحوه ومرض في أثناء ذلك فعالجه أبو الحسن حتى برىء من مرضه وكتب للشعراء ولأبي الحسن خطوطا بصلات فأخر ترويجها فكتب إليه
( هب الشعراء تعطيهم رقاعا ... مزورة كلاما من كلام )
( فلم صلة الطبيب تكون زورا ... وقد أهدى الشفاء من السقام ) - الوافر

قد تمت بحمد الله تعالى وحسن توفيقه مراجعة الجزء الثالث من كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع مفتتحا بالباب التاسع في ذكر من هم شرط الكتاب من أهل جرجان وطبرستان نسأل الله جلت قدرته أن يعين على إكماله بمنه وفضله

الباب التاسع
ذكر من هم شرط الكتاب من أهل جرجان وطبرستان
1 - القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز
حسنة جرجان وفرد الزمان ونادرة الفلك وإنسان حدقة العلم ودرة تاج الأدب وفارس عسكر الشعر يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحتري وينظم عقد الإتقان والإحسان في كل ما يتعاطاه وله يقول الصاحب
( إذا نحن سلمنا لك العلم كله ... فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها ) - من الطويل -
وكان في صباه خلف الخضر في قطع عرض الأرض وتدويخ بلاد العراق والشام وغيرها واقتبس من أنواع العلوم والآداب ما صار به في العلوم علما وفي الكلام عالما ثم عرج على حضرة الصاحب وألقى بها عصا المسافر فاشتد اختصاصه به وحل منه محلا بعيدا في رفعته قريبا في أسرته وسير فيه قصائد أخلصت على قصد وفرائد أتت من فرد وما منها إلا صوب العقل وذوب الفضل وتقلد قضاء جرجان من يده ثم تصرفت به أحوال في حياة الصاحب وبعد وفاته بين الولاية والعطلة وأفضى محله إلى قضاء القضاة فلم يعزله عنه إلا موته رحمه الله

وعرض علي أبو نصر المصعبي كتابا للصاحب بخطه إلى حسام الدولة أبي العباس تاش الحاجب في معنى القاضي أبي الحسن وهذه نسخته بعد الصدر والتشبيب
قد تقدم وصفي للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز أدام الله تعالى عزه فيما سبق إلى حضرة الأمير الجليل صاحب الجيش أدام الله تعالى علوه من كتبي ما أعلم أني لم أؤد فيه بعض الحق وإن كنت دللته على جملة تنطق بلسان الفضل وتكشف عن أنه من أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب والعلم فأما موقعه مني فالموقع تخطبه هذه المحاسن وتوجبه هذه المناقب وعادته معي أن لا يفارقني مقيما وظاعنا ومسافرا وقاطنا واحتاج الآن إلى مطالعة جرجان بعد أن شرطت عليه تصيير المقام كالإلمام فطالبني مكاتبتي بتعريف الأمير مصدره ومورده فإن عن له ما يحتاج إلى عرضه وجد من شرف إسعافه ما هو المعتاد ليستعجل انكفاءه إلي بما يرسم أدام الله أيامه من مظاهرته على ما يقدم الرحيل ويفسح السبيل من بدرقة إن احتاج إليها وإلى الإستظهار بها ومخاطبة لبعض من في الطريق بتصرف النجح فيها فإن رأى الأمير أن يجعل من حظوظي الجسيمة عند تعهد القاضي أبي الحسن بما يعجل رده فإني ما غاب كالمضل الناشد وإذا عاد كالغانم الواجد فعل أن إن شاء الله تعالى
ولما عمل الصاحب رسالته المعروفة في إظهار مساوئ المتنبي عمل القاضي أبو الحسن كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه في شعره فأحسن وأبدع وأطال وأطاب وأصاب شاكلة الصواب واستولى على الأمد في فصل الخطاب وأعرب عن تبحره في الأدب وعلم العرب وتمكنه من جودة الحفظ

وقوة النقد فسار الكتاب مسير الرياح وطار في البلاد بغير جناح وقال فيه بعض العصريين من أهل نيسابور
( أيا قاضيا قد دنت كتبه ... وإن أصبحت داره شاحطه )
( كتاب الوساطة في حسنه ... لعقد معاليك كالواسطه ) - من المتقارب -
فصل من هذا الكتاب المذكور
ومتى سمعتني أختار للمحدث هذا الاختيار وأبعثه على الطبع وأحسن له في التسهل فلا تظنن أني أريد بالسهل السمح الضعيف الركيك ولا باللطيف الرشيق الخنث المؤنث بل أريد النمط الأوسط وما ارتفع عن الساقط السوقي وانحط على البدوي الوحشي وما جاوز سفسفة نصر ونظرائه ولم يبلغ تعجرف هميان بن قحافة وأضرابه نعم ولا آمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرى واحدا ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه بل أرى لك أن تقسم الألفاظ على رتب المعاني فلا يكون غزلك كافتخارك ولا مديحك كوعيدك ولا هجاؤك كاستبطائك ولا هزلك بمنزلة جدك ولا تعريضك مثل تصريحك بل ترتب كلا مرتبته وتوفيه حقه فتلطف إذا تغزلت وتفخم إذا افتخرت وتتصرف للمديح تصرف مواقعه فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المديح باللباقة والظرف ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام ولكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به وطريق لا يشاركه الآخر فيه وليس ما رسمته لك في هذا الباب بمقصور على الشعر دون الكتابة ولا بمختص بالنظم دون النثر

بل يجب أن يكون كتابك في الفتح أو الوعد أو الوعيد أو الإعذار خلاف كتابك في الشوق أو التهنئة أو اقتضاء المواصلة وخطابك إذا حذرت وزجرت أفخم منه إذا وعدت ومنيت فأما الهجو فأبلغه ما جرى مجرى التهكم والتهافت وما اعترض بين التعريض والتصريح وما قربت معانيه وسهل حفظه وسرع علوقه بالقلب ولصوقه بالنفس فأما القذف والإفحاش فسباب محض وليس للشاعر فيه إلا إقامة الوزن وتصحيح النظم
فصل آخر منه
وكانت العرب ومن تبعها من سلف هذه الأمة تجري على عادة في تفخيم اللفظ وجزالة المنطق لم تألف غيره ولا عرفت تشبيها سواه وكان الشعر أحد أقسام منطقها ومن حقه أن يخص بتهذيب ويفرد بزيادة عناية فإذا اجتمعت تلك العادة والطبيعة وانضاف إليها العمل والصنعة خرج كما تراه فخما جزلا وقويا متينا وقد كان القوم أيضا يختلفون في ذلك وتتباين فيه أحوالهم فيرق شعر الرجل ويصلب شعر الآخر ويدمث منطق هذا ويتوعر منطق غيره
وإنما ذلك بحسب اختلاف الطباع وتركيب الخلق
فإن سلاسة اللفظ تتبع سلاسة الطبع ودماثة الكلام بقدر دماثة الخلقة وأنت تجد ذلك ظاهرا في أهل عصرك وأبناء زمانك وترى الجافي الجلف منهم كر الألفاظ جهم الكلام وعر الخطاب حتى إنك ربما وجدت الغضاضة في صوته ونغمته وفي حديثه ولهجته ومن شأن البداوة أن تظهر بعض ذلك ومن أجله قال النبي ( من بدا جفا )

ولذلك تجد شعر عدي بن زيد وهو جاهلي أسلس من شعر الفرزدق وجرير وهما إسلاميان لملازمة عدي الحاضرة وإيطانه الريف وبعده عن جلافة البدو وجفاء الأعراب وترى رقة الشعر أكثر ما تأتيك من قبل العاشق المتيم والغزل المتهالك
وإذا اتفقت الدماثة والصبابة وانضاف الطبع إلى الغزل فقد جمعت لك الرقة من أطرافها
ولما ضرب الإسلام بجرانة واتسعت ممالك العرب وكثرت الحواضر ونزعت البوادي إلى القرى وفشا التأدب والتظرف اختار الناس من الكلام ألينه وأسهله وعمدوا إلى كل شيء ذي أسماء فاستعملوا أحسنها مسمعا وألطفها من القلب موقعا وإلى ما للعرب فيه لغات فاقتصروا على أسلسها وأرشقها كما رأيتهم فعلوا في صفات الطويل فإنهم وجدوا للعرب نحوا من ستين لفظا أكثرها بشع شنع فنبذوا جميع ذلك وأهملوه واكتفوا بالطويل لخفته على اللسان وقلة نبو السمع عنه في البيان
قال مؤلف الكتاب وأنا أكتب من خطبة كتاب القاضي في تهذيب التاريخ فصلين بعد أن أقول إنه تاريخ في بلاغة الألفاظ وصحة الرواية وحسن التصرف في الانتقادات وأجريتهما وما تقدمهما من كتاب الوساطة مجرى الأنموذج من نثر كلامه ثم أقفي على أثره بلمع من غرر أشعاره إن شاء الله تعالى
فصل ولولا التاريخ لما تميز ناسخ من منسوخ ومتقدم من متأخر وما استقر من الشرائع وثبت مما أزيل ورفع ولا عرف ما كان أسبابها وكيف مست الحاجة إليها وحصلت وجوه المصلحة فيها ولا عرفت مغازي رسول الله

وحروبه وسراياه وبعوثه ومتى قارب ولاين وسارر وخافت وفي أي وقت جاهر وكاشف ونبذ أعداءه وحارب وكيف دبر أمر الله الذي ابتعثه له وقام بأعباء الحق الذي طوقه ثقله وأي ذلك قدم وأيها أخر وبأيها بدأ وبأيها ثنى وثلث وإن الولد البر ليتفقد من آثار والده والصاحب الشفيق ليعني بمثله من شأن صاحبه حتى يعد إن أغفله مستهينا به مستوجبا لعتبه فكيف لمن هو رحمة الله المهداة إلينا ونعمته المفاضة علينا ومن به أقام الله دنيانا وديننا وجعله السفير بينه وبيننا وأي أمر أشنع وحاله أقبح من أن يحل الرجل محل المشار إليه المأخوذ عنه ثم يسأل عن الغزوتين المشهورتين من مشهور غزواته والأثرين من مستفيض آثاره فلا يعرف الأول من الثاني ولا يفرق بين البادي والتالي
فصل آخر
وهذا كتاب قصدت به غرضي دين ودنيا أما الدين فان اقتديه من آثار رسول الله وأخباره ومعارف أحواله وأيامه وذكر ما طمس الله من معالم الشرك وأوضح معارف الحق وما خفض بعلو كلمته وعلى أيدي أنصاره وشيعته من رايات كانت عالية على الأبد مكنوفة بحصافة العدد وكثافة العدد ما يعلم به العاقل المتوسم أن تلك الفئة القليلة والعدة اليسيرة على قلة الأهبة وقصور العدة وخمول الذكر وضعف الأيدي وعلو أيدي الأعداء وشدة شوكة الأقران لا تستمر لها ولا تتفق بها مغالبة الأمم جمعا
ومقاومة الشعوب طرا وقهر الجنود الجمة والجموع الضخمة وإزالة الممالك الممهدة والولايات الموطدة
في الدهر الطويل والزمن المديد مع وفور العدة وانبساط القدرة
واستقرار الهيبة إلا بالنصرة الإلهية
والمعونة السماوية وإلا بتأييد لا يخص الله

به إلا الأنبياء ولا ينتخب له إلا الأولياء
وإن اختص فيه من معاناة أنصاره وأتباعه والقائمين بإظهار دينه في حياته وعمارة سبيله بعد وفاته من مصابرة اللأواء ومعالجة البأساء
وبذل النفوس والأموال وأخطار المهج والأرواح ما يزيد القلوب للإسلام تفخيما
وبحقه تعريفا
ولما عساها تستكبر من أفعالها تصغيرا
وفي الإزدياد منه ترغيبا ما أجريه في خلال ذلك من تذكير بآلاء الله وتنبيه على نعم الله بما أقتص من أنباء الأولين وأبث من أخبار الآخرين وأبين من الآيات التي أمر الله بالمسير في الأرض لأجلها وبعث على الاعتبار بها وبأهلها
فقال ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) فيحرص العاقل على استبقاء نعمة الله عنده بالشكر الذي ضيعه من سلبه الله تلك النعم ويتحرز من غوائل الكفر الذي أحل بهم تلك النقم
وأما غرض الدنيا فأن أقيم بفناء الصاحب الجليل أدام الله بهاء العلم بدوام أيامه من يخلفني في تجديد ذكري بحضرته وتكرير اسمي في مجلسه ومن ينوب عني في مزاحمة خدمته على الاعتراف بحق نعمته وعلمت أني لا أستخلف من هو أمس به رحما وأقرب منه نسبا وهو أرفع عنده موضعا وألطف منه موقعا وأخص به مدخلا ومخرجا وأشرف بحضرته مقاما وموقفا من العلم الذي يزكو عنده غراسا فيضعف ريعا ويحلو طعما
ويطيب عرفا ويحسن إسما
فاخترت لذلك هذا الكتاب ثقة بوجاهته وعلما بقرب منزلته وكيف لا يكون عنده وجيها مكينا ومقبولا قرينا
وإنما هو نتاج تهذيبه وثمرة تقويمه وجناء تمثيله وريع تحريكه فلولا عنايته لما صدقت النية ولولا إرشاده لما نفذت الفطنة
ولولا معونته لما استجمعت الآلة وما يبعد به عن إيثار

العلوم وتعظيمها وعن تقديمها وتقريبها وهو الذي نصبه الله لها مثالا وأقامه عليها منارا وجعله لها سندا ولإحيائها سببا
ملح من شعره في الغزل والتشبيب وسائر الفنون
قال
( أفدي الذي قال وفي كفه ... مثل الذي أشرب من فيه )
( الورد قد أينع في وجنتي قلت ... فمي باللثم يجنيه ) - من السريع -
وقال
( بالله فض العقيق عن برد ... يروي أقاحيه من مدام فمه )
( وامسح غوالي العذار عن قمر ... نقط بالورد خد ملتثمه ) - من المنسرح -
وقال
( قل للسقام الذي بناظره ... دعه وأشرك حشاي في سقمه )
( كل غرام تخاف فتنته ... فبين ألحاظه ومبتسمه ) - من المنسرح -
وقال
( أنثر على خدي من وردك ... أودع فمي يقطف من خدك )
( ارحم قضيب البان وارفق به ... قد خفت أن ينقد من قدك )
( وقل لعينيك بنفسي هما ... يخففان السقم عن عبدك ) - من السريع

وقال
( قد برح الشوق بمشتاقك ... فأوله أحسن أخلاقك )
( لا تجفه وارع له حقه ... فإنه خاتم عشاقك ) - من السريع -
وقال في الفصد
( يا ليت عيني تحملت ألمك ... بل ليت نفسي تقسمت سقمك )
( وليت كف الطبيب إذ فصدت ... عرقك أجرت من ناظري دمك )
( أعرته صبغ وجنتيك كما ... تعيره إن لثمت من لثمك )
( طرفك أمضى من حد مبضعه ... فالحظ به العرق وارتجز ألمك ) - من المنسرح -
وله
( وفارقت حتى ما أسر بمن دنا ... مخافة نأي أو حذار صدود )
( وقد جعلت نفسي تقول لمقلتي ... وقد قربوا خوف التباعد جودي )
( فليس قريبا من يخاف بعاده ... ولا من يرجى قربه ببعيد ) - من الطويل -
وله
( من ذا الغزال الفاتن الطرف ... الكامل البهجة والظرف )
( ما بال عينيه وألحاظه ... دائبة تعمل في حتفي )
( واها لذاك الورد في خده ... لو لم يكن ممتنع القطف )
( أشكو إلى قلبك يا سيدي ... ما يشتكي قلبي من طرفي ) - من السريع -
وله
( هذا الهلال شبيهه في حسنه ... وبهائه كلا وفترة جفنه )

( هبك ادعيت بهاءه وضياءه ... كيف احتيالك في تأود غصنه )
( لو لاحظتك جفونه بفتورها ... أقسمت أنك ما رأيت كحسنه ) - من الكامل -
وقال
( يا قبلة نلتها على دهش ... من ذي دلال مهفهف غنج )
( قد حير الخشف غنج مقتله ... والورد توريد خده الضرج )
( إذا تثنى أو قام معتدلا ... قال له الغصن أنت في حرج )
( قد قسم الحسن مقلتيك أبا القاسم ... بين الفتور والدعج )
( قل لهما يرفقا بقلب فتى ... طويت أحشاءه على وهج )
( فمنهما لا عدمت ظلمهما ... سقم فؤادي ومنهما فرجي ) - من المنسرح -
وله سامحه الله
( وغنج عينيك وما أودعت ... أجفانها قلب شج وامق )
( ما خلق الرحمن تفاحتي ... خديك إلا لفم العاشق )
( لكنني أمنع منها فما ... حظي إلا خلسة السارق ) - من السريع -
وله أيضا
( من عاذري من زمن ظالم ... ليس بمستحي ولا راحم )
( تفعل بالأحرار أحداثه ... فعل الهوى بالدنف الهائم )
( كأنما أصبح يرميهم ... عن جفن مولاي أبي القاسم ) - من السريع -
وله أيضا
( ولو تراني وقد ظفرت به ... ليلا وستر الظلام منسدل )

( وللكرى في الجفون داعية ... وقد حداها حاد له عجل )
( وحوصت أعين الوشاة كما ... جمش معشوقه الفتى الغزل )
( فذاك مغف وذاك مختلط ... يهذي وهذا كأنه ثمل )
( وقلت يا سيدي بدا علم الصبح ... وكاد الظلام يرتحل )
( ثم انثى يبتغي وسادي إذ ... أيقن أن الوشاة قد غفلوا )
( فبات يشكو وبت أعذره ... وليس إلا العتاب والعلل )
( لخلتنا ثمة شعبتي غصن ... يوم صبا نلتوي ونعتدل )
( يا طيبها ليلة نعمت بها ... غراء أدنى نعيمها القبل ) - من المنسرح -
وله سامحه الله تعالى
( يا نسيم الجنوب بالله بلغ ... ما يقول المتيم المستهام )
( قل لأحبابه فداكم فؤاد ... ليس يسلو ومقلة لا تنام )
( بنتم فالسهاد عندي مقيم ... مذ نأيتم والعيش عندي حمام )
( فعلى الكرخ فالقطيعة فالشط ... فباب الشعير مني السلام )
( يا ديار السرور لا زال يبكي ... بك في مضحك الرياض غمام )
( رب عيش صحبته فيك غض ... وجفون الخطوب عنا نيام )
( في ليال كأنهن أمان ... من زمان كأنه أحلام )
( وكأن الأوقات فيها كؤوس ... دائرات وأنسهن مدام )
( زمن مسعد وإلف وصول ... ومنى تستلذها الأوهام )
( كل أنس ولذة وسرور ... قبل لقياكم علي حرام ) - من الخفيف

وله
( سقى جانبي بغداد إخلاف مزنة ... تحاكي دموعي صوبها وانحدارها )
( فلي فيهما قلب شجاني اشتياقه ... ومهجة نفس ما أمل ادكارها )
( سأغفر للأيام كل عظيمة ... لئن قربت بعد البعاد مزارها ) - من الطويل -
وله من قصيدة يتشوق فيها بغداد ويصف موضعه بناحية رامهرمز ويمدح صديقا له من أهلها
( أراجعة تلك الليالي كعهدها ... إلى الوصل أم لا يرتجى لي رجوعها )
( وصحبة أقوام لبست لفقدهم ... ثياب حداد مستجد خليعها )
( إذا لاح لي من نحو بغداد بارق ... تجافت جفوني واستطير هجوعها )
( وإن أخلفتها الغاديات رعودها ... تكلف تصديق الغمام دموعها )
( سقى جانبي بغداد كل غمامة ... يحاكي دموع المستهام هموعها )
( معاهد من غزلان أنس تحالفت ... لواحظها أن لا يداوي صريعها )
( بها تسكن النفس النفور ويغتدي ... بآنس من قلب المقيم نزيعها )
( يحن إليها كل قلب كأنما ... يشاد بحبات القلوب ربوعها )
( فكل ليالي عيشها زمن الصبا ... وكل فصول الدهر فيها ربيعها )
( وما زلت طوع الحادثات تقودني ... على حكمها متسكرها فأطيعها ) من الطويل -
ومنها
( فلما حللت القصر قصر مسرتي ... تفرقن عني آيسات جموعها )
( بدار لها يسلى المشوق اشتياقه ... ويأمن ريب الحادثات مروعها )

( بها مسرح للعين فيها يروقها ... ومستروح للنفس مما يروعها )
( يرى كل قلب بينها ما يسره ... إذا زهرت أشجارها وزروعها )
( كأن خرير الماء في جنباتها ... رعود تلقت مزنة تستريعها )
( إذا ضربتها الريح وانبسطت لها ... ملاءة بدر فصلتها وشيعها )
( رأيت سيوفا بين أثناء أدرع ... مذهبة يغشى العيون لميعها )
( فمن صنعة البدر المنير نصولها ... ومن نسج أنفاس الرياح دروعها )
( صفا عيشنا فيها وكادت لطيبها ... تمازجها الأرواح لو تستطيعها )
وله من قصيدة
( من أين للعارض السارق تلهبه ... وكيف طبق وجه الأرض صيبه )
( هل استعان جفوني فهي تنجده ... أم استعار فؤادي فهو يلهبه )
( بجانب الكرخ من بغداد لي سكن ... لولا التجمل ما أنفك أندبه )
( وصاحب ما صحبت الصبر مذ بعدت ... دياره وأراني لست أصحبه )
( في كل يوم لعيني ما يؤرقها ... من ذكره ولقلبي ما يعذبه )
( ما زال يبعدني عنه وأتبعه ... ويستمر على ظلمي وأعتبه )
( حتى لوت لي النوى من طول جفوته ... وسهلت لي سبيلا كنت أرهبه )
( وما البعاد دهاني بل خلائقه ... ولا الفراق شجاني بل تجنبه ) - من البسيط -
لمع من شعره في حسن التخلص
قال من قصيدة في الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد
( أوما انثنيت عن الوداع بلوعة ... ملأت حشاك صبابة وغليلا )
( ومدامع تجري فيحسب أن في ... آماقهن بنان إسماعيلا ) - من المتكامل

ومن قصيدة في أبي مضر محمد بن منصور
( إذا استشرفت عيناك جانب تلعة ... جلت لك أخرى من رباها جوانبا )
( يضاحكنا نوارها فكأنما ... نغازل بين الروض منها حبائبا )
( تبسم فيها الأقحوان فخلته ... تلقاك مرتاحا إليك مداعبا )
( وحل نقاب الورد فاهتز يدعي ... بواديه في ورد الخدود مناسبا )
( أقول وما في الأرض غير قرارة ... تصافح روضا حولها متقاربا )
( أباتت يد الأستاذ بين رياضها ... تدفق أم أهدت إليها سحائبا )
( أألبسها أخلاقه الغر فاغتدت ... كواكبها تجلو علينا كواكبا )
( أوشت حواشيها خواطر فكره ... فأبدت من الزهر الأنيق غرائبا )
( أهز الصبا قضبانها كاهتزازه ... إذا لمست كفيه كفك طالبا )
( أخالته يصبو نحوها فتزينت ... تؤمل أن يختار منها ملاعبا ) - من الطويل -
ومن قصيدة في دلير من بشكروز
( وما أقيم بدار لا أعز بها ... ولا يقر قراري حيث أبتذل )
( وقد كفاني انتجاع الغيث معرفتي ... بأن دلير لي من سيبه بدل )
( تجنبت نشوات الخمر همته ... وأعلمتنا العطايا أنه ثمل ) - من البسيط -
ومن قصيدة في شيراز بن سرخاب
( ألم تر أنواء الربيع كأنما ... نشرن على الآفاق وشيا مذهبا )
( فمن شجر أظهرن فيه طلاقة ... وكان عبوسا قبلهن مقطبا )

( ومن روضة قضى الشتاء حدادها ... فوشحن عطفيها ملاء مطيبا )
( سقاها سلاف الغيث ريا فأصبحت ... تمايل سكرا كلما هبت الصبا )
( كأن سجايا شيرزاد تمدها ... فقد أمنت من أن تحول وتشحبا ) - من الطويل -
ومن قصيدة في الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير
( ولما تداعت للغروب شموسهم ... وقمنا لتوديع الفريق المغرب )
( تلقين أطراف السجوف بمشرق ... لهن وأعطاف الخدور بمغرب )
( فما سرن إلا بين دمع مضيع ... ولا قمن إلا فوق قلب معذب )
( كأن فؤادى قرن قابوس راعه ... تلاعبه بالفيلق المتأشب ) - من الطويل -
ومن قصيدة له فيه أيضا
( ليلة للعيون فيها وللأسماع ... ما للقلوب والآمال )
( نظمت للندام فيها الأماني ... مثل نظم الأمير شمس المعالي ) - من الخفيف -
ومن قصيدة في الصاحب
( وما بال هذا الدهر يطوي جوانحي ... على نفس محزون وقلب كثيب )
( تقسمني الأيام قسمة جائر ... على نضرة من حالها وشحوب )
( كأني في كف الوزير رغيبة ... تقسم في جدوي أغر وهوب ) - من الطويل -
ومن أخرى فيه وصف الإبل
( يقربن طلاب العلا من سمائها ... ويهدين رواد الندى لجوادها )
( فلاقين مولانا وقد صنع السرى ... بهن صنيع كفه بتلادها ) - من الطويل

غرر من شعره في المدح وما يتصل به
قال من قصيدة في الصاحب
( يا أيها القوم الذي بعلوه ... نال العلاء من الزمان السولا )
( قسمت يداك على الورى أرزاقها ... فكنوك قاسم رزقها المسئولا ) - من الكامل -
ومن أخرى فيه
( فتى كيف ما ملنا رأينا له يدا ... بعيدة رمى الشكر مطلبها سهل )
( خفيف على الأعيان محمل منها ... ولكن على الأفكار من عدها ثقل )
( ووالله ما أفضى من المال مانشا ... إلى كفه إلا العنان أو النصل ) - من الطويل -
ومن أخرى فيه
( يا من إذا نظر الزمان ... إليه أكثر عجبه )
( رحل المصيف فلا تزل ... أبدا تودع ركبه )
( وبدا الخريف فحي خالصة ... الزمان ولبه )
( زمن كخلقك ناصر ... إن كان خلقك يشبه )
( رق الهواء فما ترى ... نفسا يعالج كربه )
( وصفا وإن لاحظت ... أبعده ظننتك قربه )
( فلو استحال مدامة ... ما كنت أحظر شربه )
( فتهنه يا فرده ... وتمله يا قطبه ) - من مجزوء الكامل

ومن أخرى فيه
( ولا ذنب للأفكار أنت تركتها ... إذا احتشدت لم تنتفع باحتشادها )
( سبقت بأفراد المعاني وألفت ... خواطرك الألفاظ بعد شرادها )
( فإن نحن حاولنا اختراع بديعة ... حصلنا على مسروقها ومعادها ) - من الطويل -
ومن أخرى فيه
( أغر أورع تلهينا وقائعه ... في المال والقرن عن صفين والجمل )
( مسترضع بثدي المجد مفترش ... حجر المكارم مفطوم عن البخل )
( أمضى من السيف لفظا غير لجلجة ... تغشاه إن مال مضطر إلى العلل ) - من البسيط -
ومنها
( وسائل لي عن نعماك قلت له ... تفصيلها مستحيل فارض بالجمل )
( هذي صبابة ما أبقت يداي وقد ... عرفت حرفهما فانظر ولا تسل ) - من البسيط -
ومن أخرى فيه
( لا وجفون يغضها العذل ... عن وجنات تذيبها القبل )
( ومهجة للهوى معرضة ... تعيث فيها القدود والمقل )
( ما عاش من غاب عن ذراك وإن ... أخر ميقات يومه الأجل ) - من المنسرح -
ومن قصيدة عيادة له
( بعيني ما يخفي الوزير وما يبدي ... فنورهما من فضل نعمائه عندي )
( سأجهد أن أفدي مواطيء نعله ... فإن أنا لم أقبل فما لي سوى جهدي )
( لأعدي تشكيك البلاد وأهلها ... وما خلت أن الشكو بعدي على البعد )

( ولم أدر بالشكوى التي عرضت له ... ونعماه حتى أقبل المجد يستعدي )
( وما أحسب الحمى وإن جل قدرها ... لتجسر أن تدنو إلى منبع المجد )
( وما هي إلا من تلهب ذهنه ... توقد حتى فاض من شدة الوقد )
( ليفدك من نعماك مالك رقة ... فكل الورى بل كل ذي مهجة يفدي )
( وما زالت الأحرار تفدي عبيدها ... لتكفيها ما تتقي مهجة العبد ) - من الطويل -
ومن أخرى في التهنئة بالبرء
( بك الدهر يندي ظله ويطيب ... ويقلع عما ساءنا ويتوب )
( ونحمد آثار الزمان وربما ... ظللنا وأوقات الزمان ذنوب )
( أفي كل يوم للمكارم روعة ... لها في قلوب المكرمات وجيب )
( تقسمت العلياء جسمك كله ... فمن أين فيه للسقام نصيب )
( إذا ألمت نفس الأمير تألمت ... لها أنفس تحيا بها وقلوب ) - من الطويل -
ومنها
( ووالله لا لاحظت وجها أحبه ... حياتي وفي وجه الوزير شحوب )
( وليس شحوبا ما أراه بوجهه ... ولكنه في المكرمات ندوب )
( فلا تجزعن تلك السماء تغيمت ... فعما قليل تبتدي فتصوب )
( تهلل وجه المجد وابتسم الندى ... وأصبح غصن الفضل وهو رطيب )
( فلا زالت الدنيا بملكك طلقة ... لا زال فيها من ظلالك طيب )
ومن قصيدة في أبي مضر محمد بن منصور
( هذا أبو مضر كفتنا كفه ... شكوى اللئام فما نذم لئيما )
( هذا الجسيم مواهبا هذا الشريف ... مناصبا هذا المهذب خيما )

( سمكت كهمته السماء ومثلت ... فيها خلائقه الشراف نجوما )
( نشوان قد جعل المحامد والعلا ... دون المدامة ساقيا ونديما )
( أعدى الأنام طباعه فتكرموا ... لو جاز أن يدعى سواه كريما ) - من الكامل -
ومن قصيدة في دلير بن بشكروز
( كريم يرى أن الرجاء مواعد ... وأن انتظار السائلين من المطل )
( وخير الموالي من إذا ما مدحته ... مدحت به نفسي وأخبرت عن فضلي ) - من الطويل -
ومن أخرى
( قل للأمير الذي فخر الزمان به ... ما الدهر لولاك إلا منطق خطل )
( كفتك آثار كفيك التي ابتدعت ... في المجد ما شاده آباؤك الأول )
( ما زال في الناس أشباه وأمثلة ... حتى ظهرت فغاب الشكل والمثل ) - من البسيط -
درر من شعره في وصف الشعر
قال من قصيدة
( وما الشعر إلا ما استفز ممدحا ... وأطرب مشتاقا وأرضى مغاضبا )
( أطاع فلم توجد قوافيه نفرا ... ولم تأته الألفاظ حسرى لواغبا )
( وفي الناس أتابع القوافي تراهم ... يبثون في آثارهن المقانيا )
( إذا لحظوا حرف الروي تبادروا ... وقد تركوا المعنى مع اللفظ جانبا )

( وإن منعوا حر الكلام تطرقوا ... حواشيه فاجتاحوا الضعيف المقاربا )
( ولكنني أرمي بكل بديعة ... يبتن بألباب الرجال لواعبا )
( تسير ولم ترحل وتدنو وقد نأت ... وتكسب حفاظ الرجال المراتبا )
( ترى الناس إما مستهاما بذكرها ... ولوعا وإما مستعيرا وغاصبا )
( أذود لئام الناس عنها وأتقي ... على حسبي إن لم أصنها المعايبا )
( وأعضلها حتى إذا جاء كفؤها ... سمحت بها مستشرفات كواعبا )
( وأي غيور لا بجيب وقد رأى ... مكارمك اللاتي أتين خواطبا ) - من الطويل -
ومن أخرى
( ووفاك وفد الشكر من كل وجهة ... ثناء يسدى أو مديحا ينظم )
( يزف إلى الأسماع كل خريدة ... تكاد إذا ما أنشدت تتبسم )
( أطافت بها الأفكار حتى تركنها ... يقال أأبيات تراها أو أنجم ) - من الطويل -
ومن أخرى
( أهدن لمجدك حلة موشية ... تكسو الحسود كآبة وذبولا )
( أحيت حبيبا والوليد ففصلا ... منها وشائع نسجها تفصيلا )
( فأفادها الطائي دقة فكرة ... والبحتري دمائه وقبولا ) - من الكامل -
ومن أخرى
( لو لم أشرف بامتداحك منطقي ... ما انقاد نحوك خاطري مزموما )
( لكن رأى شرف المصاهر فاغتدى ... يهدي إليك لبابه المكتوما )
( فحباك من نسج العقول بغادة ... قطعت إليك مقاصدا وعزوما )

( لما تبينت الكفاءة أقسمت ... أن لا تغرب بعدها وتقيما )
( لا تبغها مهرا فقد أمهرتها ... نعماك عندي حادثا وقديما )
( ألزمت شكرك منطقي وأناملي ... وأقمت فكري بالوفاء زعيما ) - من الكامل -
من أخرى
( أتتنا العذارى الغيد في حلل النهى ... تنشر عن علم وتطوي على سحر )
( تلاعب بالأذهان روعة نشرها ... وتشغل بالمرأى اللطيف عن السبر )
( ألذ من البشري أتت بعد غيبة ... وأحسن من نعمى تقابل بالشكر )
( فلم أر عقدا كان أبهى تألقا ... وأشبه نظما متقنا منه بالنثر )
( ترى كل بيت مستقلا بنفسه ... تباهى معانيه بألفاظه الغر )
( تحلت بوصف الجسم ثم تنكرت ... ومالت مع الأعراض في حيز تجري )
( أرنت سحاب الفكر فيها فأبرزت ... لآليء نور في حدائقها الزهر )
( فجاءت ومعناها ممازج لفظها ... كما امتزجت بنت الغمامة بالخمر )
( أشد إليه نسبة من حروفه ... وأحوج من فعل جميل إلى نشر )
( نظمتهما عقدا كما نظم الحجى ... وفاءك في عقد السماحة والفخر )
( كأنك إذ مرت على فيك أفرغت ... ثناياك في ألفاظها بهجة البشر )
( كفتنا حميا الخمر رقة لفظها ... وأمننا تهذيبها هفوة السكر ) - من الطويل -
وكتب إليه بعض أهل رامهرمز أبياتا يمتدحه فيها وقد كان بلغه عنه أبيات يشكو فيها أهل ناحيته فقال هلا انتقل واتصل ذلك بقائلها فضمن أبياته اعتذارا من المقام لتعذر النقلة
فكتب إليه مجيبا له قصيدة منها
( بدأت فأسلفت التفضل والبرا ... وأوليت إنعاما ملكت به الشكرا )

( وللسابق البادي من الفضل رتبة ... تقصر بالتالي وإن بلغ العذرا )
( أتتنا عذاراك اللواتي بعثتها ... لتوسعنا علما وتلبسنا فخرا )
( فأفصحن عن عذر وطوقن منة ... وقلن كذا من قال فليقل الشعرا )
( فأوليتها حسن القبول معظما ... لحق فتى أهدى بهن لنا ذكرا )
( تناهي النهى فيها وأبدع نظمها ... خواطر ينقاد البديع لها قسرا )
( إذا لحظت زادت نواظرنا ضيا ... وإن نشرت فاحت مجالسنا عطرا )
( تنازعها قلبي مليا وناظري ... فأعطيت كلا من محاسنها شطرا )
( فنزهت طرفي في وشي رياضها ... وألقطت فكري بين ألفاظها الدرا )
( تضاحكنا فيها المعاني فكلما ... تأملت منها لفظة خلتها شعرا )
( فمن ثيب لم تفترع غير خلسة ... وبكر من الألفاظ قد زوجت بكرا )
( يظل اجتهادي بينهن مقصرا ... وتمسي ظنوني دون غايتها حسرى )
( إذا رمت أن أدنو إليها تمنعت ... وحق لها في العدل أن تظهر الكبرا )
( وقد صدرت عن معدن الفضل والعلا ... وقد صحبت تلك الشمائل والنجرا )
( فتمت لك النعمى وساعدك المنى ... ومليت في خفض أبا عمر العمرا )
( كفتنا وإياك المعاذير نية ... إذا خلصت لم تذكر الوصل والهجرا )
( مدحت فعددت الذي فيك من علا ... وألبستني أوصافك الزهر الغرا )
( وما أنا إلا شعبة مستمدة ... لمغرز فيض منك قد غمر البحرا )
( وقد كان ما بلغته من مقالة ... أنفت بها للفضل أن يألف الصغرا )
( إذا البلد المعمور ضاق برحبه ... على ماجد فليسكن البلد القفرا )

( وكم ماجد لم يرض بالخسف فانبرى ... يقارع عن هماته البيض والسمرا )
( ومن علقت نيل الأماني همومه ... تجشم في آثارها المطلب الوعرا )
( فلا تشك أحداث الزمان فإنني ... أراه بمن يشكو حوادثه مغرى )
( وهل نصرت من قبل شكواك فاضلا ... لتأمل منهن المعونة والنصرا )
( وما غلب الأيام مثل مجرب ... إذا غلبته غاية غلب الصبرا ) - من الطويل -
فقر له من كل فن
قال من قصيدة
( يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما )
( وما زلت منحازا بعرضي جانبا ... من الذم أعتد الصيانة مغنما )
( إذا قيل هذا مشرب قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر لا تحمل الظما )
( ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما )
( ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما )
( أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما ) - من الطويل -
وقال من أخرى
( وقالوا اضطرب في الأرض فالرزق واسع ... فقلت ولكن مطلب الرزق ضيق )
( إذا لم يكن في الأرض حر يعينني ... ولم يك لي كسب فمن أين أرزق ) - من الطويل -
ومن أخرى
( على مهجتي تجني الحوادث والدهر ... فأما اصطباري فهو ممتنع وعر )

( كأني ألاقي كل يوم ينوبني ... بذنب وما ذنبي سوى أنني حر )
( فإن لم يكن عند الزمان سوى الذي ... أضيق به ذرعا فعندي له الصبر )
( وقالوا توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر )
( وبيني وبين المال بابان حرما ... على الغنى نفسي الأبية والدهر ) - من الطويل -
ومنها
( إذا قال هذا اليسر أبصرت دونه ... مواقف خير من وقوفي بها العسر )
( إذا قدموا بالوفر أقدمت قبلهم ... بنفس فقير كل أخلاقه وفر )
( وماذا على مثلي إذا خضعت له ... مطامعه في كف من حصل التبر )
وكتب على لسان غيره
( أبا حسن طال انتظار عصابة ... رجتك لما يرجى له الماجد الحر )
( وقد حان بل قد هان لولا المطال أن ... يحل لهم عن وعدك الموثق الأسر )
( وقد فاتهم من قربك الأنس والمنى ... وحاربهم فيك اختيارك والدهر )
( فإن كنت عوضت عنهم بغيرهم ... فعوضهم راحا يزول بها الفكر )
( فأنس الفتى في الدهر خل مساعد ... وإن فاته الخل المساعد فالخمر )
( فإما رسول بالنبيذ مبادر ... وإلا فلا تغضب إذا غضب الشعر ) - من الطويل -
وقال من قصيدة كتبها إلى أخوين له من انقباضه عنهما وإغبابه زيارتهما
( أيها معهد الأحباب ذكرهم عهدي ... ودم لي وإن دام البعاد على الود )
( ولي خلق لا أستطيع فراقه ... يفوتني حظي ويمنعني رشدي )
( نفور عن الإخوان من غير ريبة ... تعد جفاء والوفاء لهم وكدي )

( غذيت به طفلا فإن رمت هجره ... تأبى وأغرتني به ألفة المهد )
( كما ألفت كفا كما البذل والندى ... فأعيا كما أن تمنعا كف مستجدي )
( على أنني أقضي الحقوق بنيتي ... وأبلغ أقصى غاية القرب في بعدي )
( ويخدمهم قلبي وودي ومنطقي ... وأبلغ في رعي الذمام لهم جهدي )
( فإن أنتما لم تقبلا لي عذرة ... وألزمتماني فيه أكثر من وجدي )
( فقولا لطبعي أن يزول فإنه ... يرى لكما حق الموالي على العبد ) - من الطويل -
وقال
( جفاؤك كل يوم في مزيد ... وما تنفك تشمت بي حسودي )
( فإن يكن الصدود رضاك فاذهب ... فإني قد وهبتك للصدود )
( فحسبي منك أن يهواك قلبي ... وحسبك أن أزورك كل عيد ) - من الوافر -
وأهدى إلى صديق له بعض إخوانه تحفة وفيها أفراخ وباقلاء وباذنجان فقال على لسانه يذكر ذلك
( أبى سيد السادات إلا تظرفا ... وإلا وصالا دائما وتعطفا )
( وساعدني فيه الزمان فخلته ... تحرج من ظلمي فتاب وأسعفا )
( وأهيف لو للغصن بعض قوامه ... تقصف عارا أن أسميه أهيفا )
( تحين غفلات الوشاة فزارنا ... يعرج عن قصد الطريق تخوفا )
( فما باشرت نعلاه موضع خطوة ... من الأرض إلا أورثاه تصلفا )
( وتلحظ خديه العيون فتنثني ... تساقط فوق الأرض وردا مقطفا )

( فقلت أحلم أم خواطر صبوة ... تصوره أم أنشر الله يوسفا )
( وفيم تجلى البدر والشمس لم تغب ... أحاول منها أن تحول وتكسفا )
( أما خشيت عيناك عينا تصيبها ... وغصنك ذا إذ مال أن يتقصفا )
( ولم يحذر الواشين من لحظاته ... تقلب سيفا بين جفنيه مرهفا )
( فقال اشتياقا جئتكم وصبابة ... إليكم وإكراما لكم وتشوقا )
( وليس الفتى من كان ينصف حاضرا ... أخاه ولكن من إذا غاب أنصفا )
( ومر فلم أعلم لفرط تحيري ... أطير سرورا أم أموت تأسفا )
( فيازورة لم تشف قلبا متيما ... ولكنها زادت غرامي فأضعفا )
( فلما تمثلنا الهدية خلته ... تمثل فيها بهجة وتظرفا )
( ولما مددنا نحوهن أناملا ... براها الضنى في حبه فتحيفا )
( إلى باقلاء خيف أن لا تقله ... يداي لما بي من هواه فنصفا )
( حملنا بأطراف البنان ولم نكد ... بنانا زهاها الحسن أن تتطرفا )
( وسودا تروت بالدهان وبدلت ... بتوريدها لونا من النار أكلفا )
( كأفواه زنج تبصر الجلد أسودا ... وتبصر إن فرت لجينا مؤلفا )
( كخلق حبيب خاف إكثار حاسد ... فأظهر صرما وهو يعتقد الوفا )
( ومنتزع من وكر أم شفيقة ... يعز عليها أن يصاد فيعسفا )
( يغذى غذاء الطفل طال سقامه ... فحن عليه والداه ورفرفا )
( فلما بدت أطراف ريش كأنه ... مبادي نبات غب قطر تشرفا )
( تكلفه من يرتجي عظم نفعه ... فكان به أحفى وأحنى وأرأفا )

( يزق بما يهوي ويعلف ما اشتهى ... ويمنع بعد الشبع أن يتصرفا )
( فلما تراءته العيون تعجبا ... وقيل تناهى بل تعدى وأسرفا )
( أراق دما قد كان قبل يصونه ... كدمعة مضنى القلب روعه الجفا )
( تضرب حتى خلت أن جناحه ... فؤادي حينا ثم عوجل وانطفا )
( فجيء به مثل الأسير تمكنت ... أعاديه منه بعد حرب فكتفا )
( له أخوات مثله ألفت ثنى ... على مثل ما كانا زمانا تألفا )
( وقال لي الفأل المصيب مبشرا ... كذا أبدا ما عشتما فتألفا )
( فيا لك من أكل على ذكر من به ... تطيب لنا الدنيا تعطف أم جفا )
( ولم أر قبل اليوم تحفة بعده ... ومن عاشر الحر الظريف تظرفا ) - من الطويل -
2 - أبو الحسن علي بن أحمد الجوهري
نجم جرجان في صنائع الصاحب وندمائه وشعرائه فسكن دورة صناعة الشعر في ريعان عمره وعنفوان أمره وتناول المرمى البعيد بقريب سعيه وكان في إعطاء المحاسن إياه زمامها كما قيل جذع بين على المذاكي القرح
وكان الصاحب يعجب أشد الإعجاب بتناسب وجهه وشعره حسنا وتشابه روحه وشمائله خفة وظرفا ويصطنعه لنفسه ويصرفه في الأعمال والسفارات وعهدي به وقد ورد نيسابور رسولا إلى الأمير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلثمائة يملأ العيون جمالا والقلوب كمالا وحين انكفأ إلى حضرة الصاحب وجهه إلى أبي العباس الضبي بأصبهان وزوده كتابا بخطه ينطق بحقائق أوصافه وأخباره وهذه نسخته بعد الصدر

أوصافي لمولاي أدام الله تعالى عزه تودع الشوق إليه حبات القلوب كما تملأ له بالمحبة أوساط الصدور
فلا تغادر ذا قدح فائز في الفضل وخصل سابق في خصال العلم إلا ونار الحنين حشو ثيابه أو يرحل إليه وينيخ ركائب السير لديه لا جرم أن جل من يحضرني يطالبني بالإذن له في قصده ويهتبل غرة الزمان في الخطوة بقربه نعم وذوو التحصيل إذا حظوا لدي بزلفة وأحصفوا عروة خدمة واعتقدوا أنهم إن لم يعتمدوا ظله ولم يعتلقوا حبله كانوا كمن حج ولم يعتمر ودخل ظفار ولم يحمر إلا أن جميعهم إذا دفعته اندفع وإذا خدعته انخدع غير واحد ملط ملحف مشط يغريه الرد بالمراجعة ويغويه المنع للمعاودة ويقول بملء لسانه إلى أن يسأم ويقتضي طول زمانه حتى يسأم وكم جررته على شوك المطل ونقلته من حزن إلى سهل
وصرفته على إنجاز وعد بوعد ودفعته من استقبال شهر إلى انسلاخ شهر ثم خوفته كلب الشتاء أجعل الربيع موعدا وحذرته وهج المصيف أعطيه للخريف موثقا
وكم شغلته بعمالة بعد عمالة ووفادة بعد وفادة أريد في كل أن أصدفه عن وجهته وأصده عن عزمته ليس لغرض أكثر من أن السؤال منه والدفاع مني تساجلا والالتماس منه والامتناع من جهتي تقابلا فلما خشيت صبابته بأصبهان أن يردها بل بخدمة مولاي أن يعتقدها تجنى على قلبه أو يتحيف بمس من الجنون ثابت عقله ألقيت حبله على غاربه وبردت بالإذن جمرات

جوانحه فإن يقل مولاي من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته أقل من فضله برهان حق وشعره لسان صدق
ومن أطبق أهل جلدته على أنه معجزة بلدته
فلا يعد لجرجان بعيدا ولا قريبا أو لأختها طبرستان قديما ولا حديثا مثله ومن أخذ برقاب النظم أخذه
وملك رق القوافي ملكه ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره وقبل أن تحدثه الآداب وقيل جري المذكيات غلاب أبو الحسن الجوهري أيده الله وبناؤه عند مولاي منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين إلا أن لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر مزية لا يستقصيها الخبر وإن امتد نفسه وطال رعانه ومرسه وقد ألف إلى هذه الفضيلة التي فرع بنيها وأوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها نفاذا في أدب الخدمة ومعرفة بحق الندام والعشرة وقبولا يملأ به مجلس الحفلة إنصاتا للمتبوع إلا إذا وجب القول وإعظاما للمخدوم إلا إذا خرج الأمر وظرفا يشحن مجلس الخلوة وحديثا يسكت به العنادب ويطاول البلابل فإن اتفق أن يفسح له في الفارسية نظما ونثرا طفح آذيه
وسال أتيه فألسنة أهل مصره إلا الأفراد بروق إذا وطئوا أعقاب العجم وقيود إذا تعاطوا لغات العرب حتى إن الأديب منهم المقدم والعليم المسوم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه كأنه لم يدر من عدنان ولم يسمع من قحطان ومن فضول أخينا أو فضله أنه يدعى الكتابة ويدارس البلاغة ويمارس الإنشاء ويهذي فيه ما شاء وكنت أخرجته إلى ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم فوفق التوفيق كله صيانة لنفسه وأمانة في ودائع لسانه ويده وإظهارا لنسك لم أعهده في مسكه
حتى خرج وسلم على نقده وإن نقده لشديد لمثله
ومولاي يجريه بحضرته مجراه بحضرتي فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه

إما بين يدي أو بأقرب المجالس لدي
ولا يقولن هذا أديب وشاعر أو وافد وزائر
بل يحسبه قد تخفف بين يديه أعواما وأحقابا وقضى في التصرف لديه صبا وشبابا
وهذا إنما يحتاج إلى وسيط وشفيع ما لم ينشر بزه ولم يظهر طرزه
وإلا فسيكون بعد شفيع من سواه
ووسيط من عداه
فهناك بحمد الله درقه وحدقه ووجنة مطرفه وما أكثر ما يفاخرنا بمناظر جرجان وصحاريها
ورفارفها وحواشيها فليملأ مولاي عينه من منتزهات أصبهان فعسى طماحه أن يخفف وجماحه أن يقل
وشريطة أخرى في بابه وهي أنه ليس موضعا لماله فسبيل ما يرزأه أن يكون ما أقام في حجره وإن أذن له مولاي في العود داخلا في حظر
فما أكثر ما يباري البرامكة تبرما بجانب الجمع وتخرقا في مذاهب البذل
ونسبة للرياح إلى الإمساك والبخل
فبينا تراه الثروة أقرب وصفيه حتى تلقاه والحاجة أحد خصميه وكم وكم تداركت أمره فما ازداد الخرق إلا وسعا لا يقبل رتقا وتهاونا لا يسع تلافيا وما كنت مع إبرامه لأفسح له في الخروج وأمد له طول النهوض مع أنسي الشديد بحضوره واستمتاع النفس بعلقه وجنونه غير أني أزرته من ينظر بعيني
ويسمع بأذني ومن إذا ارتاح للأمر فقد ارتحت وإذا انشرح صدرا فقد انشرحت
ونكتة أخرى وهي واسطة التاج وفاتحة الرتاج
مولاي سمح بماله مقرب لمناله بخيل بجاهه ضنين بكلامه
وأبو الحسن لا يقبل العذر أو يصدق النذر فيجعل جوده بلسانه أبلغ من جوده ببنانه
وحقا أخبر أن قصده الأكثر الارتفاع لا الانتفاع غير أني أنبأت عن سره
وعن سن بكره وانقضت

الخطبة والسلام
ولما انقلب من أصبهان إلى جرجان مسرورا لم تطل به الأيام حتى أصبح مقبورا
ملح من مقطوعاته في كل فن
قال
( ومغلف بالمسك في خديه ... سطرا يشوق العاشقين إليه )
( ما جاءه أحد ليخطف نظرة ... إلا تصدق بالفؤاد عليه ) - من الكامل -
وقال
( من عاصمي يا ابن أبي عاصم ... من لحظك المقتدر الظالم )
( يا خاتم الحسن أغث مدنفا ... صارت عليه الأرض كالخاتم ) - من السريع -
وقال
( يا ليل أفدي أختك البارحة ... ما كان أذكى ريحها الفائحة )
( كانت لها خاتمة لو درت ... وجدي بها كانت هي الفاتحة ) - من السريع -
وقوله
( عشقت وكم من كريم عشق ... وخفت وكم من حسود فرق )
( لقد سرق اللحظ منك الفؤاد ... خلاسا وكم مثل قلبي سرق ) - من المتقارب

وقال
( يا حبذا الكأس من يدي قمر ... يخطر في معرض من الشفق )
( بدا وعين الدجى محمرة ... أجفانها من سلافة الفلق ) - من المنسرح -
وقال يصف حب الرمان
( وحبات رمان لطاف كأنها ... شوارد ياقوت لطفن عن الثقب )
( أشبهها في لونها وصفائها ... بقطرات دمع وردت من دم القلب ) - من الطويل -
وقال يصف الباذنجان
( وباذنجانة حشيت حشاها ... صغار الدر باللبن الحليب )
( تقمصت البنفسج واستقلت ... من الآس الرطيب على قضيب ) - من الوافر -
ولابن الرومي
( إذا أجاد الذي يشبهه ... وأحكم الوصف فيه بالنعت )
( قال كرات الأديم قد حشيت ... بسمسم قمعت بكيمخت ) - من المنسرح -
وقال في ليلة راكدة الهواء هب فيها نسيم طيب
( بادر الصهباء فالدهر فرص ... ولقد طاب نسيما وخلص )
( أهدت الريح إلينا نسما ... جمش الأرواح منا وقرص )
( فكأن الكأس لما جليت ... طرب الجو عليها فرقص )
( وإذا خص زمان بمنى ... فزمان الورد باللهو أخص ) - من الرمل

وقال
( وعارض كالبنفسج الغض ... يزهي على صحن سوسن فضي )
( سألت عنه فقيل ذا قمر ... درع ثوب الظلام للعرض )
( نظرت فيه فصد معتديا ... وكاد بعضي يصد عن بعضي ) - من المنسرح -
وقال يستدعي صديقا له
( عفا الدهر عنا واستقلت بنا المنى ... وحث بنا ربع من الأنس عامر )
( وضمت أكف الراح شمل عصابة ... وجوههم للزهرات ضرائر )
( فإن زرتني شوقا وإلا فإنني ... إذا جد جد السكر والشوق زائر ) - من الطويل -
وقال في معنى لم يسبق إليه
( ألا يا أيها الملك المعلى ... أنلني من عطاياك الجزيله )
( لعبدك حرمة والذكر فحش ... فلا تحوج إلى ذكر الوسيله ) - من الوافر -
وقال يهجو
( انظر إلى أمر عجيب قد حدث ... أبو تميم وهو شيخ لا حدث )
( قد يحبس الأصلع في بيت الحدث ... ) - من الرجز -
وقال في أبي نصر الكاتب النيسابوري
( إني قصدت أبانصر بمسألة ... يقل وصفي إياها عن الكلم )
( فظل يرعد خوفا من مكالمتي ... وكاد يسقط قرناه على القدم )
( فقلت نفسك إني وفد مكرمة ... واذهب فإنك في حل من الكرم ) - من البسيط

وقال فيه
( حكوا لي عن أبي نصر ... وقد أورد من حقق )
( بأن الشيخ يستدخل ... أيرين إذا استحلق )
( فما صدقت حتى قلت ... للشيخ وقد أطرق )
( أيحوي الغمد سيفين ... فقال الشيخ يا أحمق )
( وما تنكر أن يعمل ... ملاحان في زورق ) - من الهزج -
وقال فيه
( أبو النصر قد أبدع ... في ابنته بدعه )
( حكوا لي أنه يبلغ ... عرض الأير في دفعه )
( وذا من كاتب شيخ ... عميد مثله شنعه )
( ولولا أنه شيخ ... تركنا عذله فظعه )
( وخليناه يستدخل ... خمسا شاء جو سبعه )
( ومن يحسد طست الشمع ... يا قوم على الشمعة ) - من الهزج -
غرر من قصائده
قال من قصيدة
( يا سقيط الندى على الأقحوان ... شأنك الآن في الصبوح وشاني )
( أنت أذكرتني دموعي وقد صوبن ... بين العتاب والهجران )
( إن يكن للخليج فيك أوان ... بتقضي المنى فهذا أوابي )
( شجر مدنف وجو عليل ... وصباح يميل كالنشوان )
( صاح إن الزمان أقصر عمرا ... أن يراع المنى بصرف الزمان )

( رق عني ملاحف الليل فانهض ... برقيق من صوب تلك الدنان )
( قهوة عقها النواظر لما ... حسبتها عصارة العقيان )
( كعصير الخدود في يقق الأوجه ... أو كالدموع في الأجفان ) - من الخفيف -
ومن قصيدة في الصاحب يمدحه ويعتذر من خروجه حاجا من غير إذنه ويعرض بقوم أساءوا المحضر له بجرجان
( قليل لمثلي أن يقال تغيرا ... وفارق مخضلا من العيش أخضرا )
( زمان كعتبي من حبيب نوده ... إذا مر منه أدهر كن أشهرا )
يقولون بغداد الذي اشتقت برهة ... دساكرها والعبقري المقيرا )
( إذا فض عنه الختم فاح بنفسجا ... وأشرق مصباحا ونور عصفرا )
( ودجلتها الغناء والزو نافضا ... جناحيه يحكي الطائر المتحدرا )
( إذا رفع الملاح جنبيه خلته ... تشقق من غيظ على الماء معجرا )
( وقمرة روض حسنها وحديثها ... إذا الليل من بدر الزجاجة أقمرا )
( إذا رقصت حول المثاني بنانها ... ترى كل جزء من فؤادك مزهرا )
( وليل على النجمي شطت نجومه ... عن العين حتى قيل لن يتصورا )
( تغور ويبديها الظلام كأنها ... عيون سكارى منتشين من الكرا )
( عكفنا على صهباء لو مرت الصبا ... بها لاكتست ثوبا من الحسن أحمرا )

( ندامى كأن الدهر يعشق شملهم ... فإن عزموا يوما على البين أنكرا )
( أذلك خير أم بساط تنوفة ... نداماك فيها الغول والقهوة السرى )
( فقلت أما والله لولا تقاته ... لطال على العذال أن أتسترا )
( دعوني ومرو الثعلبية إنني ... أرض بمرو الثعلبية عنبرا )
( رعى الله مولانا الوزير ورأيه ... جوادا إلى العلياء لن يتغيرا )
( يمثل دينا بين قلبي وناظري ... فلست أرى شيئا سواه ولا أرى )
( لقد طويت عن خطبتي صحف الندى ... وقد كنت عنوانا عليها مسطرا )
( تحير عيشي بالعراق وهمتي ... بجرجان أبدت دهشة وتحيرا )
( حججت لعمر الله مكة معذرا ... وكنت بحجي ذلك الباب أعذرا )
( رأى الدهر أني ناهض بقوادمي ... فطيرني من قبل أن أتخيرا )
( وأبصر أيامي تفتح ناظري ... فأعمينني من قثبل أن أتبصرا )
( رويدك لم أهجر علاك وإنما ... بخلت بنفسي أن تمل وتهجرا )
( وقدت فكنت النار تأكل نفسها ... وسلت فكنت الماء ينصب في الثرا )
( قدرت على قتلي فاقتصد ... وكنت على قتلي بسيفك أقدرا )
( وأقسم لو رويت سيفك من دمي ... لأورق بالود الصريح وأثمرا )
( فكم مدبر بالود تلقاه مقبلا ... وكم مقبل تلقاه بالود مدبرا ) - من الطويل -
ومن قصيدة كتبها من دهشتان إلى الصاحب وهو على بعض ضياعها يصف تبرمه بها وخراب مستغله بجرجان
( يا ليلة قصرت فطابت وانقضت ... وأفدت منها ظلمة وضياء )
( حميت بأنفاسي نجومك فانثنت ... يجذبن من برد الصباح رداء )
( أيدي ضعفت عن الأعنة فاقنعي ... بالكأس طرفا والهوى بيداء )

( لو لم تخن قدمي مقاصد همتي ... لم أرض إلا الفرقدين حذاء )
( نكبتني الأيام في مستحضر ... قد كان يسبق عدوه النكباء )
( أبقى الحفا منه ثلاث قوائم ... مثل الأثافي ما يرمن فناء )
( ولطالما ترك الرياح هبوبه ... حسرى تخال أمامهن وراء )
( هذا وقد أخذت بآفاق المدى ... كف الوزير توزع النعماء )
( وقد استقل سريره بعلائه ... يستعرض الشعراء والندماء )
( عيد أنو شروان قال لعظمه ... ضحوا بأكواب وعفوا الشاء )
( يتقرب الدهقان فيه ببنته ... فيزفها في كأسها حمراء )
( نسج الزمان من الندى لثنائه ... بيد السحاب غلالة دكناء )
( واغبر وجه الجو مما رفرفت ... فيه الغيوم فأشبه الغبراء )
( وسجا أديم الأرض من برد الضحى ... حتى تراه في الإناء إناء )
( ونعى الشتاء إلي بيتي إذا رأى ... أعلاه ليس يكفكف الأنداء )
( وسواريا لو دب فوق متونها ... نمل هوت من أصلهن هباء )
( وعليلة بليت بلاي وأصبحت ... غرفاتها عن أهلهن خلاء )
( أخشى الرياح إذا جرت من حولها ... أبدا وأحذر فوقها الأنواء )
( قولا لمن ذم القوافي وادعى ... أن القريض يهجن الرؤساء )
( ويقول بغيا هل تصرف شاعر ... أو نافس العمال والضمناء )
( سائل دهشتان العتود بمن يلي ... أعمالها عن حملي الأعباء )
( هيهات لا تحقر عيون قصائدي ... إني خدمت ببعضها الوزراء )
( وبها وصلت إلى ابن عباد العلا ... وخدمت تلك الحضرة الغراء )

( ومتى لثمت يديه أو أنشدته ... لم اقتنع بالمشرقين حباء )
( فارقت بطحاء المكارم عنده ... ونزلت أرضا بعده شنعاء )
( مغنى اللصوص ومنبع الشر الذي ... أفنى الرجال وجشم الأمراء )
( قوم إذا شبقوا أتوا أنعامهم ... أو أعدموا باعوا البنات إماء )
( مثل الثعالب ينبعثن فإن عوى ... ذئب دخلن الأيكة العوصاء )
( كانوا ذوي ثقتي فصرت كأنني ... عين تقلب منهم الأقذاء )
( وولايتي عزل إذا لم أعتنق ... باب الوزير وتلكم الآلاء ) - من الكامل -
ومن أخرى يصف فيها ضيق ذات يده وخراب حجرته وكثرة عياله ويهنئ الصاحب ببنائه الجديد بجرجان
( أهش لأنواء الربيع إذا انبرت ... وأكره أبواء الربيع وأنكر )
( تظل جفوني كلما مر بارق ... تطول إلى خيط السماء وتقصر )
( حذارا على خاوي الجوانب مائل ... يكاد بأنفاسي عليه يقطر )
( لدى عرصات أصبحت غرفاتها ... مناخل أمطار تروح وتبكر )
( أساطين حكتها السنون كأنها ... قيام تثنت للركوع تكبر )
( رثى لي أعدائي بها وتطيرت ... برؤيتها العين التي لا تطير )
( يقولون هلا تستجد مرمة ... وحالي منها بالمرمة أجدر )

( إذا كشف الأيام وجه تجملي ... وأظهرت الحال التي أنا مضمر )
( فكل مكان للتبذل موقف ... وكل لباس للتهتك مئزر )
( ثمانية يرجون صوب قصائدي ... على أنه من صوب طبعي أنزر )
( يمدون أعناق النعام إلى يدي ... وتفتح أفواه السباع وتفغر )
( إذا رحت عن دار الوزير تبسطت ... أناملهم نحو الندى تتشمر )
( يرون خطيبا ملء بردي ومطرفي ... يحدث عن آلائه ويخبر )
( بنيت إلى دنياك دنيا جديدة ... هي الجنة العليا وأنت المعمر )
( معارج مجد واحد فوق واحد ... تعثر فيها فكرتي وتحير )
( طرائح عز لبنة فوق لبنة ... تربع في صحن العلا وتدور )
( بنيت لعمري سؤددا لا بنية ... وهل سؤدد إلا بربعك يعمر ) - من الطويل -
ومن أخرى
( تثنى إلى برد النسيم المرفرف ... يبث جوى من قلبه المتشوف )
( تنسم أنفاس الضحى بحشاشة ... توقد من حر الغرام وتنطفي )
( تجافيت إلا عن محاسن قهوة ... أجر إليها شملة المتظرف )
( دعوا رمقي يستنصر الراح إنها ... سلالة مجد في غلالة مدنف ) - من الطويل -
ومن أخرى
( زر الصباح علينا شملة السحب ... ومدت الريح منها واهي الطنب )
( صك النسيم فراخ فانزعجت ... ينفضن أجنحة من عنبر الزغب ) - من البسيط

لو لم يقل إلا هذا البيت لكان أشعر الناس
( تسعى الجنوب بطرف حولها ثمل ... من الندى وفؤاد نحوها طرب )
ومنها
( كفى العواذل أني لا أرى قدحا ... إلا شققت عليه جلدة الطرب )
( إن قيل تاب يقول الغي لم يتب ... أو قيل شاب يقول اللهو لم يشب )
ومن أخرى
( لو ثار ما اقتدحته النفس من هممي ... لصك ناصية الجوزاء ملتهبا )
( لو أن ساعدي اليمنى تساعدني ... على سوى الجود صغت الأرض لي ذهبا )
( يا مسرجا صهوات الريح منتجعا ... قرب خطاك فإن الجود قد قربا )
( لا تركب البحر إلا بحر مكرمة ... يسقي الفرات ولا يودي بمن ركبا )
( سكنت روعة حالي بعدما ادرعت ... من اعتراض عوادي فقرها رعبا )
( فصرت منك أقوي بالغنى سببا ... وأدعى لمحلي في العلا سببا ) - من البسيط -
ومن أخرى في فخر الدولة
( سرير بأحداق النجوم مسمر ... وملك بأعراف السحاب معمم )
( تقود صروف الدهر في عرصاته ... جيادا بسلطان السياسة تلجم )
( يزم بفخر الدولة الدهر مذعنا ... ويملك أعناق الخطوب ويخزم )
( مكارمه في جبهة الدهر غرة ... وسؤدده في غرة الدهر ميسم ) - من الطويل

ومن أخرى
( الصبح يرمق عن جفون مخمر ... والليل يرفع من ذيول مشمر )
( والجو في حجب النسيم كأنما ... تسعى إليه يد الشمال بمجمر )
( ريح تمايل بين أنفاس الضحى ... بممسك من ثوبها ومعنبر )
( ملك تهيبه النجوم إذا بدا ... وتحار بين مهلل ومكبر )
( يكفي القوافي أنها بعنايتي ... تختال بين سريره والمنبر )
( لو أنها شعرت بعظم مقامها ... لم تقتنع بعمومة في بحتر )
( ما زال يأمل أن يعود إلى المنى ... شعري بتشريف عليه مزرر )
( فبعثت منه جوهريات أبت ... أن لا تكون ضرائرا للجوهر ) - من الكامل -
ومن أخرى في أبي العباس الضبي بأصبهان
( إني ملكت عنان الرأي من زمن ... إذا سعيت لمجد كان لي قدما )
( إني أهين جمان الدمع منتثرا ... إذا رأيت جمان العز منتظما )
( أفدي بوجه هرند زندروز وإن ... شربت ماء حياتي عندها شبما )
( تركت فيه على الجسرين دسكرة ... يشدو بذكرى فيشجي طيرها نغما )
( محلة ما طرقت الدهر جانبها ... إلا عزمت على دهري كما عزما )
( أني أحج بطاح اللهو آونه ... إذا رأيت محلي عندها حرما )
( لم تثنني لمع للشيب في لممي ... عن أن ألم بأطراف المنى لمما )

( وإنما قدم التوفيق تحملني ... إلى فتى ملء حيزوم العلا همما ) - من البسيط -
ومن أخرى
( إذا ما أدل السابقون فإنني ... أدل بعهد الخدمة المتقادم )
( ورب مصل سابق بوفائه ... وكم قاعد في نصحه ألف قائم )
( سأخدمه عمري ويخدم بابه ... إذا مت عني خادم بعد خادم ) - من الطويل -
ومن أخرى
( قد كان أمسك وحي الشعر مذ قطعت ... يد الحوادث عن نعمائه علقي )
( فما نظمت لمعنى عقد قافية ... إلا نثرت له عقدا من العرق )
( وهذه لليال قد سهرت لها ... أروي معالي مولانا على نسق )
( وقلت حين رأيت الطبع ينسجها ... نسج الربيع حواشي روضة العبق )
( عسى خطرت ببال فاتسقت ... له فرائد نظمي كل متسق ) - من البسيط -
ومن أخرى في يوم ميلاده وتحويل سنه
( يوم تبرجت العلا ... فيه ومزقت الحجب )
( يوم أتاه المشتري ... بشهاب سعد ملتهب )
( بسلالة المجد الفصيح ... وصفوة المجد الزرب )
( ملك إذا ادرع العلا ... فالدهر مسلوب السلب )
( وإذا تنمر في الخطوب ... فيا لنار في حطب )
( وإذا تبسم للندى ... مطرت سحائبه الذهب )

( يا غرة الحسب الكريم ... وأين مثلك في الحسب )
( هذا صباح حليت ... بسعوده عطل الحقب )
( ميلادك الميمون فيه ... وهو ميلاد الأدب )
( عرج عليه بمجلس ... ريان من ماء العنب )
( واضرب عليه سرادقا ... للأنس ممتد الطنب )
( فرخ وعشش في المسرة ... منه واستأنس وطب ) - من مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( بشعلة الرأي تذكي شعلة الباس ... ولذة المجد تنسي لذة الكاس )
( ما كل ما احمر للعينين منظره ... ورد ولا كل ما يخضر بالآس )
( ليت الجهول بطرق المجد يتركه ... ما كل غصن له ماء بمياس )
( لا تنفع المرء في الهيجاء شكته ... حتى يشد إليها شكة الباس )
( كل يشنج عند السيف جبهته ... ولا هوادة عند السيف للراس )
( الحق أبلج باد لا خفاء به ... والملك أشوس لا يعنو لأنكاس )
( وليس كل ابتسام من أخي كرم ... بشرا ولا كل تقريب بإيناس ) - من البسيط -
ومن أخرى في الأستاذ أبي الحسن محمد بن علي بن القاسم العارض يستدعي منه الشراب
( الدهر مخبره مسك ومنظره ... والروض مطرفه ورد ومعجزه )

( والجو يفتح جفنا في محاسنه ... من الندى وأديم الغيث محجره )
( يسعى الشمال بند في جوانبه ... من النسيم وحر الشمس مجمره )
( طاب الصبوح وكأسي جد فارغة ... كأنها خاتم قد غاب خنصره )
( أشتاقه ونسيم الورد يعذلني ... أن لست أسكر مهتزا فأسكره ) - من البسيط -
ومن أخرى في الحسن الحسني
( لا عتب إن بذلت عيني بما أجد ... فقد بكى لي عوادي لما عهدوا )
( لو أن لي جسدا يقوى لطفت به ... على العزاء ولكن ليس لي جسد )
( تبعتهم بذماء كان يمسكه ... تعللي بخيال كلما بعدوا )
( يا ليلة غمضت عني كواكبها ... ترفقي بجفون غمضها رمد )
( أهوى الصباح وما لي فيه منتصف ... من الظلام ولكن طالما أجد )
( لو أن لي أمدا في الشوق أبلغه ... صبرت عنك ولكن ليس لي أمد )
( بكيت بعد دموعي في الهوى جلدي ... وهل سمعت بباك دمعه جلد )
( تذوب نار فؤادي في الهوى بردا ... وهل سمعت بنار ذوبها برد )
( قالوا ألفت رباجي فقلت لهم ... الحب أهل وإدراك المنى ولد )
( أندى محاسن جي أنه بلد ... طلق النهار ولكن ليله نكد )
( إذا استحب بلاد للمعاش بها ... فحيثما نعمت حالي به بلد )
( وللمكارم قوم لا خفاء بهم ... هم يعرفون بسيماهم إذا شهدوا )
( لله معشر صدق كلما تليت ... على الورى سورة من مجدهم سجدوا )
( ذرية أبهرت طه بجدهم ... وهل أتى بأبيهم حين ينتقد )
( وإن تصنع شعر في ذوي كرم ... يا ابن النبي فشعري فيك مقتصد )
( أصبت فيك رشادي غير مجتهد ... وليس كل مصيب فيك مجتهد )

( بسطت عرض فناء الدهر مكرمة ... طرائق الحمد في حافاتها قدد ) - من البسيط -
ومن أخرى يصف فيها سقامه وكربه ويشكو تأخر إخوانه عن عيادته ويخاطب بها أبا الفتح محمد بن صالح ليعرضها في مجلس الصاحب
( قلت لما تأخر العواد ... أي سقم عليله لا يعاد )
( ما لكم إخوة الرجاء وما لي ... كل أيامكم نوى وبعاد )
( قد صددتم عني صدود التعالي ... لسقامي كأن سقمي وداد )
( إن تجنبتم العدوى فلم لم ... أعدكم بالهوى وسقمي سهاد )
( ملني مضجعي وعاف نديمي ... مجلسي واجتوى جفوني الرقاد )
( طرز السقم ما كسانيه بالعز ... فهذا حتف وهذا حداد )
( لي وشاح من الضنا ونجاد ... ووساد من الأسى ومهاد )
( قلمي يتقي بناني وسيفي ... وعناني ويتقيني الجواد )
( وتناست يدي مناولة الكأس ... وسمعي ما ينفر العواد )
( لو سوى العز نالني مرضتني ... خدمة دونها الشباب المفاد )
( قد لواني عن جنة العز سقمي ... ويح نفسي كأن سقمي ارتداد )
( روضة نورها العلا وغدير ... كل أكنافه ندى معتاد )
( باعد العر بين عيشي وبيني ... فبياض الزمان عندي سواد )
( يا أبا الفتح قد تفردت عني ... بمنى لا تخصها الأعداد )

( بلغ المجلس الرفيع سلامي ... واشتياقي وقل سقاك العهاد )
( واجتهد أن تقبل الأرض عني ... حيث لا يستطيعه القواد )
( حيث يبدو الوزير في معرض ... الفضل ويهتز غصنه المياد )
( وتغنم خير التبسم فيه ... إن بشر السلطان غنم مفاد )
( ثم قل إن حال خادم مولانا ... لحال يملها العواد )
( سقم مجحف وعر كريه ... واختصاص بكربة وانفراد )
( كل عضو مني له حسرات ... واشتياق كأن كلي فؤاد ) - من الخفيف -
ومن أخرى
( قولا لعاذلتي جمحت فلم أزد ... إلا لجاجا في الهوى وجماحا )
( جنح الظلام فبادري بمدامة ... بسطت إليك من العقيق جناحا )
( صهباء لو طافت بها قمرية ... أذكت عليها ريشها مصباحا )
( رعت الزمان ربيعه وخريفه ... فأتت تبث الورد والتفاحا ) - من الكامل -
3 - أبو معمر بن أبي سعيد بن أبي بكر الإسماعيلي
جمع شرف النفس إلى شرف الطبع وكرم الأدب إلى كرم النسب واستولى على أمد الفقه في اقتبال العمر وحسن تصرفه في الشعر حتى كتب الصاحب في وصف قصيدة نفذت منه فصلا من كتاب طويل إلى أبيه أبي سعيد وهذه نسخة الفصل
وبعد فهل أتاك حديث الإعجاب منا وقد طلعت من أرضك فقرة

الفقر وغرة الغرر وحديقة الزهر وخليفة المطر تلك حسنة انتشرت عن ضوئك وغمامة نشأت بنوئك
ونار قدحت بزندك
وصفيحة فضل طبعت على نقدك وإنها لقصيدة ولدنا أبي معمر عمره الله تعالى ما اختار وعمر به الرباع والديار
خطت بأقدام الإجادة وقطعت مسافة الإصابة وسعت إلى كعبة القبول وحلت حرم الأمن خير الحلول
تلبي وقد تعرت من لباس التعمل وتجردت عن عطاف التبذل
فلم تدع منسكا من البر إلا قضته ولا مشعرا من الفضل إلى عمرته
ولا معرفا من العلم إلا شهدته ولا محصبا من الفهم إلا حضرته
واجتمعنا حولها وإنا لأعداد جمة وفينا واحد يقال إنه أمه كأنا عديد الموسم يعظمون الشعائر
ويعلقون الستائر
ويحتضنون الملتزم ويلثمون المستلم
وهذا الكتاب يرد عليكم بالخبر أسرع من اللمح البارق نعم ومن اللمع الخاطف وأخف من سابق الحجيج وإن كان المثل الأعلى لبيت الله العتيق
فأحمد الله إذ قرن فضل فتاك بفضلك وجعل فرعك كأصلك وأنبت غصنك على شجرك واشتق هلالك من قمرك وأراك من ظهرك ومن يحذو على نجرك ويصل فخره بفخرك ويشيد من بناء الدراية ما أسست ويسقي من شجر الرواية ما غرست
قال مؤلف الكتاب فمن غرر شعر أبي معمر قوله من قصيدة الصاحب
( ما عهدت القضيب بالحقف ... ولا البدر للتمام استسرا )
( حبذا الطارق الذي زار وهنا ... فأعاد الظلام إذ زار فجرا )
( ثمل العطف وهو ما نال خمرا ... عطر الحبيب وهو ما مس عطرا )

( والحياء الملم بالخد منه ... صيرفي يبدل العين أخرى )
( ضمني ضمة الوداع فعاد الشفع ... منا عند التعانق وترا )
( وسقاني بفيه خمرا برودا ... عاد بعد الفراق في القلب جمرا )
( ملك طوعه الملوك علاء ... وهو طوع العفاة جاها وقدرا )
( ملك أنهب العروض فأضحى ... العرض منه على البرية حظرا )
( ملك لا يرى سوى الحمد مالا ... لا ولا الكنز غير ما جر شكرا )
( فإذا المحل حل حل غماما ... وإذا النقع ثار ثار هزبرا )
( وإذا ما أفاد نحل كعبا ... وإذا ما أفات نهنه عمرا )
( وإذا ما سطا تطاول جهرا ... وإذا ما حبا تطول سرا ) - من الخفيف -
وقوله من قصيدة في وصف الثلج
( لك الخير من سار معان على السرى ... نصبنا قرى الأرض الفضاء له قرى )
( أجاز الدجى حتى أناخ إلى الضحى ... قلائصه غر الشواكل والذرى )
( فرحنا وقد بات السماء مع الثرى ... وغاب أديم الأرض عنا فما يرى )
( كأن غيوم الجو صواغ فضة ... تواصوا برد الحلي عمدا إلى الورى )
( وللقطر نفحات تصوب خلالها ... كصوب دلاء البئر أسلمها العرى )
( لقد عم إحسان الشتاء وبرده ... بلى خص أرباب الدساكر والقرى ) - من الطويل -
وقوله
( وليلة من الليالي القاسيه ... مدت ظلاما كالجبال الراسيه )

( فغادرت كل الورى سواسيه ... البيض دهما والعراة كاسيه )
( لبستها والصبر من لباسيه ... بهمة على الأسى مواسيه )
( ونبعة صليبة لا جاسيه ... حتى شممت الصبح في أنفاسيه )
( فالصبر صبر النفس لا عن ناسيه ... ) - من الرجز -
وكتب إليه بعض العصريين من أهل نيسابور
( يا فريدا في المجد غير مشارك ... عز باريك في الورى وتبارك )
( يا أبا معمر عمرت ولا زالت ... سعود الأفلاك تعمر دارك )
( يا هلال الأنام قد كتب الأيام ... في دفتر العلا آثارك )
( ولسان الزمان يدرس في كل ... مكان على الورى أخبارك )
( سيدي أنت من يشق غبارك ... بأبي أنت من يروم فخارك )
( أنت من فيه خالق الخلق بارك ... وحباك العلا وزكى نجارك )
( ما ترى في مناسب في الآداب ... قد صار دأبه تذكارك )
( شوقته إليك أوصافك الغر ... فجاب البلاد حتى زارك )
( هل تراه لديك أهلا لأن تمنحه ... يا أخا العلا إيثارك )
( فهل ضيف قراه أنفس علق ... فاقره الود واسقه أشعارك )
( وتمل الزمان في ظل عيش ... مثمر لا يمل قط جوارك ) - من الخفيف -
فأجابه بهذه الأبيات
( زارك الغيث وانتحى القطر دارك ... كلما التف صوبه وتدارك )
( فلها من نداك ديمة فضل ... طبقتها فأظهرت آثارك )

( ولها من علاك شمس حوتها ... فهي تجلو على الورى أنوارك )
( وبها منك للعلوم بحار ... جاورتها فمن يخوض بحارك )
( يا قريبا في البر ما يتجافى ... وبعيدا إلى مدى لا يشارك )
( وبديعا ملء الصفات فلو رمت ... فخارا لما حصرت فخارك )
( جاءنا نظمك البديع فقلنا الروض ... إما أعرته أو أعارك )
( هو روض أطاعك الحسن فيه ... فأطاع الإحسان فيه اختيارك )
( وسطا بالبياض خطك حتى ... مد ليلا وما خلعت نهارك )
( وتناهيت في الخطابة حتى ... عجز القرن أن يشق غبارك )
( راعه شأوك البعيد ومن يجري ... ويجري إذا رأى مضمارك )
( فانثنى جامد القريحة يستشعر ... أن الأشعار باتت شعارك )
( يا كريما ضمت عليه المعالي ... فادرعها واشدد بها آزارك )
( قد أتاك الثناء وهو أبي ... ذاك مما منحته إيثارك )
( فاصحب الفخر وامض في الخير قدما ... واقض في طاعة الندى أوطارك ) - من الخفيف -
4 - القاضي أبو بشر الفضل بن محمد الجرجاني
صدر كثير الفضل
جم المناقب جزل الأدب فصيح القلم حريص على اقتناء الكتب
وله يقول الصاحب وقد اعتل
( تشكي الفضل من سقم عراه ... فإن الفضل أجمع من أنينه )
( وعاد بعقوتي يشكو جواه ... كما يحنو القرين على قرينه )

( فقلت له وقاك الله فيه ... فإن السعد يطلع من جبينه )
( هو العين التي أبصرت منها ... وصار سواد عيني في جفونه )
( ستفديه يميني لا شمالي ... فعين المرء خير من يمينه ) - من الوافر -
وكان ولاه قضاء جرجان فلما انقضت أيام الصاحب وعاد الأمير شمس المعالي من خراسان إلى مملكته ولاه قضاء قضاته مضافا إلى رياسة جرجان وله شعر ينطق به لسان فضله كقوله من قصيدة في الأمير شمس المعالي
( سنة أقبلت مع الإقبال ... وزمان من الميامن حالي )
( رفرفت فوقنا سحائب نعمى ... مطرتنا السرور في كل حال )
( حسبي الله في الأمور نصيرا ... ثم حسبي الأمير شمس المعالي )
( قد رآه خليفة الله في الأرض ... فريدا فقال للإقبال )
( ما رأينا له مثالا وهذا ... لقب مثله فقيد المثال )
( عانق اللفظ وفق معناه فانظر ... كيف أنس الأشكال بالأشكال )
( ولدا توأمين كالجسم والروح ... بعيدين من سماء المنال )
( ومعال مشتقة من معان ... ومعان مشتقة من معالي )
( لم ينل من جداه مثل الذي نلت ... ولا قيل في علاه مقالي )
( ويشيع الذي يشيد من المجد ... وقولي يسير كالأمثال )
( لي من شيبه ضياعي وأفراسي ... ودوري وأعبدي وبغالي )
( حرس الله ملكه ووقاه ... في بقاء يطيب بالإمهال )
( سايس الملك سالم النفس طلق العيش ... مستوفيا شروط الكمال ) - من الخفيف

5 - أبو القاسم العلوي الأطروش
من نازلي إستراباذ وأفاضل العلوية وأعيان أهل الأدب كتب إلى القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز رقعة تشتمل على النظم والنثر نسختها
الشيخ أدام الله عزه قد أعلقني من مودته ما لا أزال أحرص عليه وأفادني حظا كثرت المنافسة مني فيه إذ هو الأوحد الذي لا يجاري إلى غاية طول وكرم طبع
وإن من اعتلق منه سببا واستفاد منه ودا فقد احرز الغنيمة الباردة وفاز بالخير والسعادة ورجوت أن تكون الحال بيننا زائدة إذ محله عندي المحل الذي لا يتقدمه فيه أحد وشغل قلبي بانقباضه عني مع الثقة الوكيدة بأني مغمور المحل عنده موفور الحظ من رأيه وعنايته لا أعدمني الله النعمة ببقائه ودوام سلامته وأنهضني بالحق في شكره وما هو إلا قصر النفس على تطلب محمدته والسعي بها إلى مرضاته
وقد كتبت في هذه الرقعة أبياتا مع قلة بضاعتي في الشعر وكثرة معرفتي بأن من أهدي إليه الشعر الجيد المطمع الممتنع المصبوب في قالبه فكمن حمل التمر إلى هجر والقضب إلى اليمن وهي هذه
( يا وافر العلم والإنعام والمنن ... ووافر العرض غير الشحم والسمن )
( لقد تذكرت شعر الموصلي لما ... سمعت من لفظك العاري عن الدرن )
( يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق يا أبا الحسن )
( إني رأيتك أعلى الناس منزلة ... في العلم والشعر والآراء والفطن )

( فاسمع شكاة ودود ذي محافظة ... يعفي المودة عند السر والعلن )
( لقد نمتك ثقيف يا علي إلى ... مجد سيبقى على الأيام والزمن )
( مجد لو أن رسول الله شاهده ... لقال إيه أبا إسحاق للفتن )
( صلى الإله على المختار من رجل ... ما ناحت الورق فوق الأيك والفنن ) - من البسيط -
فإن وقع فيها خطل أو زلل فعلى الشيخ اعتماد في إقالة العثرة وصرف الأمر إلى الجميل الذي يوازي فضله ويشاكل نبله
لأني كنت من قبل أهدي البيت والبيتين إلى الإخوان وبعد العهد به الآن
فإن رأى أراه الله محابه أن يتأمل ما خاطبته به فعل إن شاء الله
وأنشدت له في بعض رؤساء جرجان
( خليلي فرا من الدهخذا ... خذا حذرا من وداده خذا )
( يكنى بسعد ونحسا حذا ... وكل الخلائق منه كذا ) - من المتقارب -
6 - أبو نصر عبد الله بن محمد البجلي الإستراباذي
أنشدني أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال وجدت بخط البجلي هذه الأبيات من قصيدة في الأمير شمس المعالي
( لله شمسان تذكير لخيرهما ... وللمؤنثة النقصان ملتزم )
( أزرى بتلك سنا من غير معرفة ... فيها وزين هذا المجد والكرم )
( يا أيها الملك الميمون طائره ... وخير من في الورى يمشي به قدم )
( لو كنت من قبل ترعانا وتحرسنا ... لما تهدى إلينا الشيب والهرم ) - من البسيط

وأنشدني له غيره
( دمعي يفيض ولا يغيض كأنما ... من ماء ذاك الوجه جاد بمده )
( وأرى فؤادي فوق جمر محرق ... فكأنه من فوق حمرة خده )
( وجه أعار الصبح من مبيضه ... شعر أعار الليل من مسوده )
( وكأن وجنته اكتست من وصله ... وكأنما الصدغ اكتسى من صده ) - من الكامل -
7 - فصل في ذكر شعراء طبرستان أبو العلاء السبروي
واحد طبرستان أدبا وفضلا ونظما ونثرا
وقد تقدم ذكره فيما جمعه وابن العميد من مشاكلة الأدب
وما كان يجري بينهما من المساجلة في المكاتبة وله كتب وشعر سائر مشهور كثير الظرف والملح فمنها قوله
( مررنا على الروض الذي قد تبسمت ... ذراه وأوداج الأبارق تسفك )
( فلم نر شيئا كان أحسن منظرا ... من الروض يجري دمعه وهو يضحك ) - من الطويل -
وقوله من قصيدة
( أما ترى قضب الأشجار قد لبست ... أنوارها تتثنى بين جلاس )
( منظومة كسموط الدر لابسة ... حسنا يبيح دم العنقود للحاسي )
( وغردت خطباء الطير ساجعة ... على منابر من ورد ومن آس ) - من البسيط

وقوله في النرجس
( حي الربيع فقد حيا بباكور ... من نرجس ببهاء الحسن مذكور )
( كأنما جفنه بالغنج منفتحا ... كأس من التبر في منديل كافور ) - من البسيط -
وقوله في التفاح
( وتفاحة قد همت وجدا بظرفها ... فما شعر ذي حذق يحيط بوصفها )
( أشبه بالمعشوق حمرة نصفها ... وبالعاشق المهجور صفرة نصفها ) - من الطويل -
وقوله في الغزل
( ومعشق الحركات تحسب نصفه ... لولا التمنطق بائنا من نصفه )
( يسعى إليك بكأسه فكأنما ... يسعى إليك بخده في كفه )
( يا من يسلم خصره من ردفه ... سلم فؤاد محبه من طرفه ) - من الكامل -
ومن قصيدة
( ذو طرة كأنما ركب في ... صفيحة الفضة شباك سبج )
( وعارض كالماء في رقته ... تزهر فيه وجنة ذات وهج )
( كأنما نساج ديباجته ... من ورق النسرين والورد نسج ) - من الرجز -
وقال
( نبا قلبه من شغل قلبي بغيره ... فقلت رويدا إنما أنت أول )
( فقال دع العذر الضعيف فليس من ... يولى على أمر كمن عنه يعزل ) - من الطويل

وقوله من قصيدة
( حي شيبا أتى لغير رحيل ... وشبابا مضى لغير إياب )
( أي شيء يكون أحسن من عاج ... مشيب في آبنوس شباب ) - من الخفيف -
وكتب إليه شاعر غريب يشكو إليه حجابه أبياتا أولها
( جئت إلى الباب مرارا فما ... إن زرت إلا قيل لي قد ركب )
( وكان في الواجب يا سيدي ... أن لا ترى عن مثلنا تحتجب ) - من السريع -
فأجابه عن ظهر رقعته
( ليس احتجابي عنك من جفوة ... وغفلة عن حرمة المغترب )
( لكن لدهر نكد خائن ... مقصر بالحر عما يجب )
( وكنت لا أحجب عن زائر ... فالآن من ظلي قد أحتجب ) - من السريع -
ومن سائر شعره قوله في غلام سكران
( بالورد في وجنتيك من لطمك ... ومن سقاك المدام لم ظلمك )
( خلاك ما تستفيق من سكر ... توسع شتما وجفوة خدمك )
( مشوش الصدغ قد ثملت فما ... تمنع من لثم عاشقيك فمك )
( تجر فضل الرداء منخلع النعلين ... قد لوث الثرى قدمك )
( أظل من حيرة ومن دهش ... أقول لما رأيت مبتسمك )
( بالله يا أقحوان مبسمه ... على قضيب العقيق من نظمك ) - من المنسرح -
8 - أبو الفياض سعد بن أحمد الطبري
شاعر مفلق محسن مبدع ممتد الأوضاح والغرر في شعر الصاحب وهو القائل من قصيدة فيه أولها

( الدمع يعرب ما لا يعرب الكلم ... والدمع عدل وبعض القوم متهم )
( أما يد الصاحب اليمنى فأكرم ما ... يد تصاحب فيها السيف والقلم )
( وللأعنة يسري في أناملها ... أعنة الرزق والآجال تنتظم )
( تخالف الناس إلا في محبته ... كأنما بينهم في حبه رحم ) - من البسيط -
ومنها في وصف أفراس قيدت إليه من فارس
( زارتك من فارس الغناء ناشرة ... أعرافها قائداها العتق والكرم )
( كأن أعينها ولين أرجلها ... فالعين آمرة والرجل ترتسم )
( من كل أشهب لم تكحل بشهبته ... عينا فتى فدرى ما الظلم والظلم )
( ومن أغر يراع العاشقون له ... كأن غرته ثغر ومبتسم )
( وكل أدهم عمت جسمه شية ... كجد قوم بغوك الشر فاصطلموا )
ومنها في وصف الخلعة والسيف
( وخلعة تأسر الأحداق مخملة ... بالنور للشمس من لألائها سقم )
( وصارم لم يودع قط مضجعه ... إلا وقد ودعت أعناقها القمم )
( كالكوكب الفرد لكن إن رجمت به ... شيطان حرب طوت أوصاله الرجم )
( يلقى السيوف فوجه مثل وجهك لم ... يطلع من الغمد إلا قيل يبتسم )
ومنها قوله في وصف السكين والدواة والأقلام
( ومطفل من بنات الزنج مرضعة ... من لم تلده ولم يخلق لها رحم )
( حتى إذا وضعت عادت أجنتها ... إلى حشاها فلا طلق ولا وحم )

( أعجب لأطفالها تبكي عيونهم ... إن أرضعتهم ولا يبكون إن فطموا )
( ألاف مذروبة إن تابعت لهم ... في الذبح صحوا وإن أعفتهم سقموا )
ومنها في وصف الدست
( وروضة لم تول السحب صنعتها ... ولم تحط بها أثقالها الديم )
( ترنو العيون إليها والشفاه فيجنين ... العلا وهي إلا منهما حرم )
( تفتر عن شبل عباد ولا عجب ... فالأسد تفتر عنها الروض والأجم )
ومن أخرى
( بدوية ضربت على حجراتها ... أيدي العريب من القنا أسدادا )
( ممن يعد الوحش أهلا والفلا ... وطنا وأكباد الأعادي زادا )
( قالت وقد صبت علي ذراعها ... فتمكنت فوق النجاد نجادا )
( أوهى قناتك بعدنا حمل القنا ... فطفقت تحمل منكبا منآدا )
( يا هذه منن الوزير جفونه ... وإذا شكوت إليه عاد فزادا )
( صابت علي يمينه فكأنما ... صابت علي يمينه حسادا )
( فالعز ضيف لا يراه بربعه ... من لا يرى بذل التلاد تلادا )
( والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضى جوادا يوم مات جوادا )
( أغرت يمين ابن الأمين وفيضها ... بفنائه الوراد والروادا )
( ودعت بني الآمال من أوطانهم ... فاستوطنوا الأكوار والأقتادا ) - من الكامل

ومن قصيدة في أبي علي الحسن بن أحمد
( لأخت بني نمير في فؤادي ... صدى أعيا على الماء النمير )
( ليالي كان عصيان المشير ... ألذ لدي من رأي مشور )
( وينظمنا العناق ولا رقيب ... يروعنا سوى القمر المنير )
( وغشتني بمثل الكرم وحف ... وبت أعل من أشهى الخمور )
( ولا كرم سوى شعر أثيث ... ولا خمر سوى خمر الثغور )
( أروضتنا سقاك الله هل لي ... إلى أفياء دوحك من مصير )
( غنينا في ذراك على غناء ... يوافق رجعه سج الطيور )
( وكم في فرع أثلك من صفير ... وكم في أصل أثلك من زفير )
( وأحشاء تؤلفها الحشايا ... كتأليف العقود على النحور )
( وشدو ترقص الأعضاء منه ... ويم لا يمل عراك زير )
( فيا لك روضة راحت فراحت ... رضى الأبصار من نور ونور )
( أطاعتها عيون الغيث حتى ... جزتها الشكر ألسنة الشكور )
( كسون ظهورها ما تكتسيه ... بطون الصحف من فكر الوزير )
( إذا الحسن بن أحمد زف خيلا ... يلف بها السهول على الوعور )
( عرائس تحمل الفرسان شوسا ... كعقبان تمطى بالصقور )
( فقل في حومة تعطى بنيها ... ببيض الهند بيضات الخدور )
( أولئك معشر لهم نفوس ... تكلفهم جسيمات الأمور )
( شعاب المجد سابلة عليهم ... ومن ينهى الشعاب عن البحور ) - من الوافر

ومن أخرى
( لله ما جمعت على عشاقها ... تلك العيون ولحظها السحار )
( فصفاحها أحداقها ورماحها ... ألحاظها وطعانها الآثار )
( وحرابها في حربها لمحبها ... أهدابها وشفارها الأشفار )
( سارت أمامة فيك سيرة أهلها ... في كل من نمت عليه نار )
( قوم إذا ابتسم الصباح أغاروا ... في كل حي أنجدوا أم غاروا )
( يا هذه هلا علقت فعالهم ... فيمن عنوا بجواره فأجاروا )
( لن يستجيب خمارها لمحبها ... حتى يخاض إلى الخمار غمار )
( بكرت يشيعها القنا الخطار ... وتعيث في طلابها الأخطار )
( قالوا سيوجدك الربيع صفاتها ... فلحسنه من حسنها تذكار )
( فوجدت حبي مكرها في فعله ... وكلاهما في فعله مكار )
( يبكي ويضحك والدموع غزيرة ... ويبين في استغرابه استعبار )
( فكأنه هي إذ تفيض دموعها ... بين البكا والضحك حين تغار )
( عبقت بما علقته من أنفاسها ... ساعاته فكأنها أسحار )
( وتبلجت آصاله وتبرجت ... فكأنما أبكاره الأبكار )
( أنظر إلى النيروز كيف تسوقه ... سحب كأجفان المحب غزار )
( سحب متى سحبت على هام الربى ... أذيالها فغبارها الأمطار )
( فالأرض أرض والسماء كأنها ... روض ولكن زهرها الأزهار )
( ومصرعين من الخمار وما بهم ... غير السرور على السرور خمار )
( جمحوا على الفلك المدار فكأسهم ... فلك بما تهوي النفوس مدار )

( ولاهم الأستاذ مولانا المنى ... فترشفوا من عيشهم ما اختاروا )
( يا دولة الحسن بن أحمد خيمي ... ما طارد الليل البهيم نهار ) - من الكامل -
ومنها في وصف القلم
( لما زممت الدهر عن أفعاله ... فله بأثناء الزمام عثار )
( حملت عبء الدهر أظمى مخطفا ... تعنو له الأسماع والأبصار )
( وسبرت غور الدين والدنيا به ... فكأنه من ضمره مسبار )
( أعجب به يجري على يافوخه ... رهوا وتجري تحته الأقدار )
( فكأنه الفلك المدار بعينه ... وسعوده ونحوسه أطوار )
( جمعته والرمح الأصم ولادة ... وله من السيف الصقيل غرار )
وله من أخرى في أبي العباس الضبي
( وإني وأفواف القريض أحوكها ... لأشعر من حاك القريض وأقدرا )
( كما تضرب الأمثال وهي كثيرة ... بمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا )
( ولكنني أملت عندك مطلبا ... أنكبه عمن ورائي من الورى )
( ألم تر أن ابن الأمير أجارني ... ولم يرض من أذرائه لي سوى الذرى )
( وأوطأني الشعرى بشعري منعما ... ليفطمني عن خلقي السير والسرى )
( ولي أمل شدت قواي عداته ... ثلاثة أعوام تباعا وأشهرا )
( عدا الدهر عنه كي يفوز بشكره ... فكن عند ظني شافعا ومذكرا ) - من الطويل

ومن أخرى
( أصبيحة النيروز خير صبيحة ... حييت بها الأنواء والأنوار )
( فبكل شعب روضة معطار ... تفتر عنها ديمة مدرار )
( ماست بها الأفنان في أسحارها ... نشوى فماست تحتها الأشجار )
( وتبرجت أزهارها وتبلجت ... فكأنما أزهارها أبصار )
( وتحدثت عنها الرياض كأنما ... بين الرياض ولا سرار سرار )
( وعصابة للروض من قسماتهم ... روض ومن أنوارهم نوار )
( يتذاكرون على علاك فتلتقي الكاسات ... والأوتار والأشعار ) - من الكامل -
9 - أبو هاشم العلوي الطبري
هو الذي يقول فيه الصاحب
( إن أبا هاشم يد الشرف ... مادحه آمن من السرف )
( حل من المجد في أواسطه ... وخلف العالمين في طرف ) - من المنسرح -
وأبو هاشم هو القائل
( وإذا الكريم نبت به أيامه ... لم ينتعش إلا بعون كريم )
( فأعن على الخطب العظيم فإنما ... يرجى الكريم لدفع كل عظيم ) - من الكامل -
وكتب إليه الصاحب وقد اعتل
( أبا هاشم مالي أراك عليلا ... ترفق بنفس المكرمات قليلا )

( لترفع عن قلب النبي حزازة ... وتدفع عن صدر الوصي غليلا )
( فلو كان من بعد النبيين معجز ... لكنت على صدق النبي دليلا ) - من الطويل -
وكتب أبو هاشم إلى الصاحب
( دعوت إله الناس شهرا مجرما ... ليدفع سقم الصاحب المتفضل )
( إلى بدني أو مهجتي فاستجاب لي ... فها أنا مولانا من السقم ممتلي )
( فشكرا لربي حين حول سقمه ... إلي وعافاه ببرء معجل )
( وأسأل ربي أن يديم علاءه ... فليس سواه مفزع لبني علي ) - من الطويل -
فأجابه الصاحب
( أبا هاشم لم أرض هاتيك دعوة ... وإن صدرت عن مخلص متطول )
( فلا عيش لي حتى تدوم مسلما ... وصرف الليالي عن ذراك بمعزل )
( فإن نزلت يوما بجسمك علة ... وحاشاك فيها يا علاء بني علي )
( فناد بها في الحال غير مؤخر ... إلى جسم إسماعيل دوني تحولي ) - من الطويل -
وأطال الله بقاء مولاي الشريف ما علمت ولو علمت لعدت
أغناه الله بحسن العادة عن العيادة وهو حسبي
ولأبي هاشم في فخر الدولة
( يا فلك الأرض وبحر الورى ... وشمس ملك ما لها من مغيب )
( دعوت مولاك بنيل المنى ... وقد أجاب الله وهو المجيب )
( فقال خذ ما شئت مستوليا ... ودبر الدنيا برأي مصيب )
( يا من كتبنا فوق أعلامه ... نصر من الله وفتح قريب ) - من السريع

66

الباب العشر
10 - في ذكر الأمير السيد شمس المعالي قابوس بن وشمكير
وإيراد نبذ مما أسفر عنه طبع مجده وألقاه بحر علمه على لسان فضله
أختم بها هذا الجزء الثالث من كتابي هذا بذكر خاتم الملوك وغرة الزمان وينبوع العدل والإحسان ومن جمع الله له إلى عزة الملك بسطة العلم وإلى فصل الحكمة نفاذ الحكم
فأوصافه لا تدرك بالعبارات ولا تدخل تحت العرف والعادات
وإلى أن أعمل كتابا في أخباره وسيره وذكر خصائصه ومآثره التي تفرد بها عن ملوك عصره
فإني أتوج هذا الكتاب بلمع من ثمار بلاغته التي هي أقل محاسنه ومآثره
وأكتب فصولا من عالي نثره مختومة ببعض ما ينسب إليه من شريف نظمه
ما يجري مجرى الأمثال من كلامه
الكريم إذا وعد لم يخلف وإذا نهض لفضيلة لم يقف الرجاء كنور في كمام والوفاء كنور في ظلام ولا بد للنور أن يتفتح وللنور أن يتوضح العفو عن المجرم من مواجب الكرم وقبول المعذرة من محاسن الشيم بزند الشفيع تورى القداح ومن كف المفيض ينتظر فوز القداح الوسائل أقدام ذوي

الحاجات والشفاعات مفاتيح الطلبات من أقعدته نكاية الأيام أقامته إغاثة الكرام من ألبسه الليل ثوب ظلمائه نزعه عنه النهار بضيائه قوة الجناح بالقوادم والخوافي وعمل الرماح بالأسنة والعوالي اقتناء المناقب باحتمال المتاعب وإحراز الذكر الجميل بالسعي في الخطب الجليل الدنيا دار تغرير وخداع وملتقى ساعة لوداع وأهلها متصرفون بين ورد وصدر وصائرون خبرا بعد أثر غاية كل متحرك سكون
ونهاية كل متكون أن لا يكون وآخر الأحياء فناء والجزع على الأموات عناء وإذا كان ذلك كذلك فلما التهالك على هالك حشو هذا الدهر أحزان وهموم وصفوه من غير كدر معدوم إذا سمح الدهر بالحباء فأبشر بوشك الانقضاء وإذا أعار فاحسبه قد أغار للدهر طعمان حلو ومر وللأيام صرفان عسر ويسر والخلق معروض على طوريه مقسوم الأحوال بين دوريه لكل شيء غاية ومنتهى وانقطاع وإن بعد المدى ترك الجواب داعية الارتياب والحاجة في الاقتضاء كسوف في وجه الرجاء هم المنتظر للجواب ثقيل والمدى فيه وإن كان قصيرا طويل النجيب إذا جرى لم يشق غباره والشهاب إذا سرى لم تلحق آثاره من أين للضباب صوت السحاب وللغراب هوى العقاب هيهات أن تكتسب الأرض لطافة الهواء ويصير البدر كالشمس في الضياء كل غم إلى انحسار وكل عال إلى انحدار
فصل يستحسن الشيخ أن يخرس عنه ألسنة الحمد وتلتوي عليه حواجب المجد فقد احتجب صبح ذلك الأمر
وصار مطلوبا في ليلة القدر فإن كان أنزله من قلبه ناحية النسيان
وباع جليل الربح به في سوق الخسران فيستحي له فضله من فعله وكفى به نائبا عني في عذله وإن كان لعذر دعاه إلى التواني

فقد أربى ذلك على سير السواني وكلا فإن كرمه يراوده عن أشرف الخصال ويأبى له إلا محاسن الأفعال
فصل عاد فلان وقد علته بشاشة النجاح ودبت في نشوة الارتياح تلوح مسرة اليسر على جبينه وتصيح بانقضاء العسر أسرة يمينه
فصل وأما إعجاب ذلك الفاضل بالفصول التي عرضتها عليه لم يكن على ما أحسبه إلا لخلة واحدة وهي أنه وجد فنا في غير أهله فاستغربه وفرعا في غير أصله فاستبدعه
وقد يستعذب الشريب من منبع الزعاق ويستطاب الصهيل من مخرج النهاق
ولكنك فيما أقدمت عليه من بسط اللسان بحضرته وإرخاء العنان فيه بمشهده كنت كمن صالت بوقاحته الحجر وحاسن بقباحته القمر
ولا كلام فيما مضى ولا عتب فيما اتفق
فصل وجرى توقيع له قبيح بمن تسمو همته إلى قصد من تغلو عنده قيمته أن تكون على غيره عرجته أو إلى سوى بيته زيارته وحجته
ومن مشهور ما ينسب إليه من الشعر قال
( قال للذي بصروف الدهر عيرنا ... هل حارب الدهر إلا من له خطر )
( أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ... ويستقر بأقصى قعره الدرر )
( فإن تكن نشبت أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تمادي بؤسه الضرر )
( ففي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ) - من البسيط -
كأنه ألم فيها بقول ابن الرومي
( دهر علا قدر الوضيع به ... وترى الشريف يحطه شرفه )

( كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلا وتعلو فوقه جيفه ) - من الكامل -
ومثله
( بالله لا تنهضي يا دولة السفل ... وقصري فضل ما أرخيت من طول )
( أسرفت فاقتدي جاوزت فانصرفي ... عن التهور ثم أمشي على مهل )
( مخدمون ولم تخدم أوائلهم ... مخولون وكانوا أرذل الخول ) - من البسيط -
وينسب له هذان البيتان وقد يغنى بها
( خطرات ذكرك تستثير مودتي ... فأحس منها في الفؤاد دبيبا )
( لا عضو لي إلا وفيه صبابة ... فكأن أعضائي خلقن قلوبا ) - من الكامل -
هذا آخر القسم الثالث من كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر حسب تقسيم المؤلف رحمه الله تعالى ويليه القسم الرابع في محاسن أهل خراسان وما وراء النهر نسأل الله تعالى أن يعين على إكماله بمنه وفضله

في محاسن أشعار أهل خراسان وما وراء النهر من إنشاء الدولة السامانية والغزنية والطارئين على الحضرة ببخارى من الآفاق والمتصرفين على أعمالها وما يستظرف من أخبارهم
وخاصة أهل نيسابور
والغرباء الطارئين عليها
والمقيمين بها
قال مؤلف الكتاب
لما كان أول الكتاب مرتهنا بآخره وصدره موقوفا على عجزه ولم تكد تحصل تمام الفائدة في فاتحته وواسطته إلا عند الفراغ من خاتمته واستعنت الله تعالى على عمل هذا الربع الرابع منه وأخرجته في عشرة أبواب والله سبحانه الموفق للصواب

72

الباب الأول
في إيراد محاسن وظرف من أخبار وأشعار قوم سبقوا أهل عصرنا هذا قليلا وتقدموهم يسيرا ومن أبناء الدولة السامانية وإنشاء الحضرة البخارية وسائر شعراء خراسان الذين هم مع قرب العهد في حكم أهل العصر
11 - أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب
أبوه أبو بكر بن حامد كان كاتب الأمير إسماعيل بن أحمد ووزير الأمير أحمد بن إسماعيل قبل أبي عبد الله الجبهاني الكبير وكان أبو أحمد ربيب النعمة وغذي الدولة وسليل الرياسة ومن أول من تأدب وتظرف وبرع وشعر بما وراء النهر وحذا في قرض الشعر حذو أهل العراق وسار كلامه في الآفاق وهو القائل
( لا تعجبن من عراقي رأيت له ... بحرا من العلم أو كنزا من الأدب )
( واعجب لمن ببلاد الجهل منشؤه ... إن كان يفرق بين الرأس والذنب ) - من البسيط -
وكان يجري في طريق ابن بسام ويقفو أثره في عبث اللسان وشكوى الزمان واستزادة السلطان وهجاء السادة والإخوان ويتشبه به في أكثر الأحوال وكان ابن بسام هجا أباه وأخاه حتى قيل فيه

( من كان يهجو عليا ... فشعره قد هجاه )
( لو أنه لأبيه ... ما كان يهجو أباه ) - من المجتث -
فضرب أبو أحمد على قالبه ونسج على منواله حتى قال في أبيه
( لي والد متحامل ... من غير ما جرم عملته )
( إن لم يكن أشنى إلي ... من المنون فلا عدمته ) - من مجزوء الكامل -
وقال في أخيه منصور
( أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... أبي قد كان يبذر في السباخ )
( تجاريني فلا تجري كجريي ... وهل تجري البيادق كالرخاخ ) - من الوافر -
وكان يرى نفسه أحق بالوزارة من الجبهاني والبلغمي لما له فيها من الوراثة مع التبريز في الأدب والكتابة ولا يزال يطعن عليهما ويصرح بهجائهما ولا يوفيهما حق الخدمة والحشمة حتى أوحشاه وأخافاه فذهب مغاضبا ولج وحج
ثم أقام ببغداد برهة وحن إلى وطنه فعاود بخارى وحين حصل بقرية يقال لها آمل قال فأحسن
( قطعت من آمل المفازه ... قطعا به آمل المفازه ) - من البسيط -
ولم ير ببخارى غير ما يكره من إعراض الأمير واستخفاف الوزير
فلزم منزله واشتغل باتخاذ الندماء وعقد مجالس الأنس والجري في ميدان العزف والقصف وجعل يتخرق في تبذير ماله حتى رقت حاشية حاله
وكان مولعا

بشعر العطوي حافظا لديوانه مقدما على نظرائه كثير المحاضرة بأمثاله وغرره في مخاطبته ومكاتباته فلقب بالعطواني وفيه يقول أبو منصور العبدوني وكان من ندمائه مع أبي الطيب الطاهري والمصعبي
( أبا أحمد ضيعت بالخرق نعمة ... أفادكها السلطان والأبوان )
( فقد صرت مهتوك الجوانب كلها ... ولقبت للإدبار بالعطواني )
( وأفكرت في عود إلى ما أضعته ... وقد حيل بين العير والنزوان )
( فرأيك في الإدبار رأي أخذته ... وعلمته من مشية السرطان ) - من الطويل -
ثم إنه تقلد أعمال هراة وبوشنج وباذغيث فشخص إلى رأس عمله واستخلف عليه أبا طلحة قسورة بن محمد واصطنعه ونوه به حتى صار بعده من رؤساء العمال بخراسان وكان قسورة من أولع الناس بالتصحيفات فقال له أبو أحمد يوما إن أخرجت مصحفا أسألك عنه وصلتك بمائة دينار قال أرجو أن لا أقصر عن إخراجه فقال أبو أحمد في قشور هينم جمد فوقف حمار قسورة وتبلد طبعه وتقشر فلسه فقال إن رأي الشيخ أن يمهلني يوما فعل فقال أمهلتك سنة فحال الحول ولم يقطع شعره فقال له أبو أحمد هو اسمك قسورة بن محمد فازداد خجله وأسفه وعلى ذكر أبي طلحة فإنه كان كوسجا وفيه يقول اللحام
( ويك أبا طلحة ما تستحي ... بلغت سبعين ولم تلتحي ) - من السريع -
ولما استعفى أبو أحمد من عمله وخطب بنيسابور أجيب إلى مراده فمن قوله بنيسابور وقد طالب العمال أرباب الضياع ببقايا الخراج
( سلام الله مني كل يوم ... على كتاب ديوان الخراج )
( يرومون البغايا في زمان ... عجزنا فيه عن مال الزواج ) - من الوافر

وبلغه أن الساجي هجاه بالحضرة فقال
( إنا أناس إذا أفعالنا مدحت ... أنسابنا فهجينا لم نخف عارا )
( وإن هجونا بسوء الفعل أنفسنا ... فليس يرفعنا مدح وإن سارا ) - من البسيط -
وقال للجبهاني
( أيها السيد الرئيس ومن ليس ... عليه فضلا ونبلا قياس )
( أنت سهل الطباع مرتفع القدر ... ولكن منادموك خساس ) - من الخفيف -
ومن هجائه قوله فيه
( يا ابن جبهان لا وحقك لا تصلح ... فاغضب أو فارضين بالحراسه )
( عجبا للجميع إذ نصبوا مثلك ... في صدر ملكهم للرياسه )
( ولو أن التدبير والحكم في الخلق ... على العدل ما وليت كناسه ) - من الخفيف -
ومن أمثاله السائرة قوله
( إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ ... نصيب ولا حظ تمنى زوالها )
( وما ذاك من بغض لها غير أنه ... يرجي سواها فهو يهوى انتقالها ) - من الطويل -
وقوله
( إني وجعفر بعد ما جربته ... وبلوت في أحواله أخلاقه )
( كمعيد شك في خرا قد شمه ... فأراد معرفة اليقين فذاقه ) - من الكامل -
وقوله
( أحسن إذا أحسن الزمان ... وصح منه لك الضمان )
( بادر بإحسانك الليالي ... فليس من غدرها أمان ) - من مخلع البسيط -
وكتب إلى أبي نصر بن أبي حبة يستزيره فلم يجبه واعتذر بعلة فكتب إليه أبو أحمد

( تعاللت حين أتاك الرسول ... وليس كذاك يكون الوصول )
( وأقسم ما نابك من علة ... ولكن رأيك فينا عليل ) - من المتقارب -
ومما يستحسن لأبي أحمد قوله
( اختر لكأسك ندمانا تسر بهم ... أولا فنادم عليها جلة الكتب )
( فالأنس بين ندامى سادة نجب ... منزهين عن الفحشاء والريب )
( هذا يفيدك علما بالنجوم وذا ... يأيتك بالخير المستظرف العجب )
( وبين كتب إذا غابوا فأنت بها ... في أنزه الروض بين العلم والأدب )
( إذا أنست ببيت مر مقتضب ... أفضى إلى خبر يلهيك منتخب )
( ويكمل الأنس ساق مرهف غنج ... يسعى بياقوتة سلت من العنب )
( فأنت من جد ذا في منظر أنق ... وأنت من هزل ذا في مرتع خصب )
( وخير عمر الفتى عمر يعيش به ... مقسم الحال بين الجد واللعب )
( فحظ ذلك من علم ومن أدب ... وحظ هذا من اللذات والطرب ) - من البسيط -
وحكي أن أبا حفص الفقيه عاتب يوما أبا أحمد على لبسه الخاتم في يمينه
فقال أبو أحمد إن فيه أربع فوائد
إحداها السنة المأثورة من غير وجه عن النبي أنه كان يتختم في اليمين وكذلك الخلفاء الراشدون بعده إلى أن كان من أمر صفين والحكمين ما كان حين خطب عمرو بن العاص فقال ألا إني خلعت الخلافة من علي كخلع خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري فبقيت سنة عمرو بين العامة إلى يومنا هذا
والثانية من كتاب الله تعالى وهي قوله ( لا يكلف الله نفسا إلى وسعها ) ومعلوم أن اليمين أقوى من اليسار فالواجب أن يكلف حمل الأشياء الأقوى دون الأضعف

والثالثة من القياس وهو أن النهي عن الاستنجاء باليمين صحيح والأدب في الاستنجاء باليسار ولا يخلو نقش خاتم من اسم الله تعالى فوجب تنزيهه عن مواضع النجاسة
والرابعة أن الخاتم زينة الرجال واسمه بالفارسية انكشت أراى فاليمين أولى من به من اليسار
ولما عاود أبو أحمد بخارى من نيسابور وورد على ماله كدر وأسباب مختلفة مختلة وقاسى من فقد رياسته وضيق معاشه قذاة عينه وغصة صدره استكثر من إنشاد بيتي منصور الفقيه فقال
( قد قلت إذ مدحوا الحياة سرفوا ... في الموت ألف فضيلة لا تعرف )
( منها أمان لقائه بلقائه ... وفراق كل معاشر لا ينصف ) - من الكامل -
وقال في معناهما
( من كان يرجو أن يعيش فإنني ... أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا )
( في الموت ألف فضيلة لو أنها ... عرفت لكان سبيله أن يعشقا ) - من الكامل -
وواظب على قراءة هذه الآية في آناء ليله ونهاره وإذ قال موسى لقومه ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) فقال بعض أصدقائه إنا لله قتل أبو أحمد نفسه فكان الأمر على ما قال فشرب السم فمات

12 - أبو الطيب الطاهري
هو طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر من أشعر أهل خراسان وأظرفهم وأجمعهم بين كرم النسب ومزية الأدب إلا أن لسانه كان مقراض الأعراض فلا تزال تخرج من فيه الكلمة يقطر منه دمه وتتبرأ منه نفسه
وكان وقع في صباه في شرذمة من أهل بيته إلى بخارى فارتبط بها وردت عليه ضياع نفيسة للطاهرية فتعيش بها وكان يخدم آل سامان جهرا ويهجوهم سرا
ويطوي على بغض شديد لهم
ويتمنى زوال ملكهم وزوال أمرهم لما يرى من ملك أسلافه في أيديهم
ويضع لسانه حيث شاء من ثلبهم وذم وزرائهم وأركان دولتهم وهجاء بخارى مقر حضرتهم ومركز عزهم
فحدثني أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الفارسي يقول في يوم من أيام وروده نيسابور على ديوانها إن أصحاب أخبار السر كانوا ينهون إلى كل من الأميرين الشهيد والسعيد في أيامهما ما يقدم عليه هذا الطاهري من هجائهما فيغضبان عليه ويهبان جرمه لأصله وفضله ويتذممان من قتل مثله فدخل يوما على السعيد نصر بن أحمد فهش له وبسطه وحادثه ثم قال له في عرض الحديث يا أبا الطيب حتى متى تأكل خبزك بلحوم الناس فنكس رأسه حياء ثم قام يجر ذيل خجل ووجل
ولم يعد لعادته في التولع به
قال أبو زكرياء ومما يحكى من كلمات السعيد الوجيزة الدالة على فضله وكرمه قوله لأبي غسان التميمي وقد حمل إلى حضرته في يوم المهرجان كتابا من تأليفه ما هذا يا أبا غسان قال كتاب أدب النفس قال فلم لا تعمل به وكان أبو غسان من الأدباء الذين يسيئون آدابهم في المجالس

ومن ملح هجاء أبي الطيب للشهيد قوله
( طال غزو الأمير للبط حتى ... ماله عن عداته إقفال )
( فهنيئا له هنيئا مريئا ... كل قرن لقرنه قتال ) - من الخفيف -
وقوله
( بخارى من خرى لا شك فيه ... يعز بربعها الشيء النظيف )
( فإن قلت الأمير بها مقيم ... فذا من فخر مفتخر ضعيف )
( إذا كان الأمير خرا فقل لي ... أليس الخرء موضعه الكنيف ) - من الوافر -
وهو أول من هجا بخارى وذمها ووصف ضيقها ونتنها حتى اقتدى به غيره في ذكرها فقال أبو أحمد بن أبي بكر
( لو الفرس العتيق أتى بخارى ... لصار بطبعه فيها حمارا )
( فلم تر مثلها عيني كنيفا ... تبواه أمير الشرق دارا ) - من الوافر -
وقال ويروى لأبي الطيب
( بخارى كل شيء ... منك يا شوهاء مقلوب )
( قضاة الناس ركاب ... فلم قاضيك مركوب ) - من الهزج -
وقال أبو منصور العبدوي
( إذا ما بلاد الله طاب نسيمها ... وفاحت لدى الأسحار ريح البنفسج )
( رأيت بخارى جيفة الأرض كلها ... كأنك منها قاعد وسط مخرج )
( فيا رب أصلح أهلها وانف نتنها ... وإلا فعنها رب حول وفرج ) - من الطويل

وقال أبو منصور الخزرجي ويروى لأبي أحمد
( فقحة الدنيا بخارى ... ولنا فيها اقتحام )
( ليتها تفسو بنا الآن ... فقد طال المقام ) - من مجزوء الرمل -
وقال الغربيامي
( ما بلدة منتة من خرا ... وأهلها في جوفها دود )
( تلك بخارى من بخار الخرى ... يضيع فيها الند والعود ) - من السريع -
وقال أبو علي الساجي
( باء بخارى فاعلمن زائده ... والألف الأولى بلا فائده )
( فهي خرا محض وسكانها ... كالطير في أقفاصها آبده ) - من السريع -
وقال الحسن بن علي المروروذي
( أقمنا في بخارى كارهينا ... ونخرج إن خرجنا طائعينا )
( فأخرجنا إله الناس منها ... فإن عدنا فإنا ظالمونا ) - من الوافر -
وقوله من قصيدة
( أودى ملوك بني ساسان وانقرضوا ... وأصبح الملك ما ينفك ينتقض )
( أضحت إمارتهم فيهم وجوهرهم ... عبيدهم وهم في عرضها عرض )
( فليبك من كان منهم باكيا أبدا ... فما لما فاتهم من ملكهم عوض )
( من لان مرقده فالدهر مبدله ... عنه فراشا له من تحته قضض )
( هاتيك عادته فيمن تقدمهم ... وكل مرتفع يوما سينخفض )

( دعهم إلى سقر واشرب على طرب ... فالفجر في الأفق الغربي معترض )
( غدا الربيع علينا والنهار به ... يمتد منبسطا والليل منقبض )
( والنور يضحك في خضر البنان ضحى ... والبرق مبتسم والرعد مؤتمض )
( وقوضت دولة قد كنت أكرهها ... وزال ما كان منه الهم والمرض )
( إن أنت لم تصطبح أو تغتبق فمتى ... الآن بادر فإن اللهو مفترض ) - من البسيط -
ومن عجيب ما يحكى عن أبي الطيب أنه كتب إلى أخيه أبي طاهر الطيب بن محمد بن طاهر بكرة يوم الرام بهذين البيتين
( وإني والمؤذن يوم رام ... لمختلفان في هذي الغداة )
( أنادي بالصبوح كه كيادا ... إذا نادى بحي على الصلاة ) - من الوافر -
وإذا برسول أبي طاهر جاءه قبل وصول رقعته برقعة فيها
( وإني والمؤذن يوم رام ... لمختلفان في هذا الصباح )
( أنادي بالصبوح كه كيادا ... إذا نادى بحي على الفلاح ) - من الوافر -
وكان التقاء رسوليهما بالرقعتين في منتصف الطريق
ومن سائر شعر أبي الطيب قوله في السعيد نصر بن أحمد
( قديما جرت للناس في الكتب عادة ... إذا كتبوها أن يعادلها الصدر )
( وأول هذا الأمر كان افتتاحه ... بنصر وإن ولى فآخره نصر ) - من الطويل -
ومما يستحسن من شعره ويغني به ويقع في كل اختيار قوله
( خليلي لو أن هم النفوس ... دام عليها ثلاثا قتل )

( ولكن شيئا يسمى السرور ... قديما سمعنا به ما فعل ) - من المتقارب -
وناوله غلام له باقة نرجس فقال فيه
( لما أطلنا عنه تغميضا ... أهدى لنا النرجس تعريضا )
( فدلنا ذاك على أنه ... قد اقتضانا الصفر والبيضا ) - من السريع -
ومن ملحه قوله في الجبهاني من ضادية
( تقلدت بالوسواس صرفا وزرتنا ... فزدت بها تيها علي عريضا )
( ولست بزاو عنك ودا عهدته ... ولا قائل ما عنه مريضا )
( فما كان بهلول مع الشتم والخنا ... وقذف النساء المحصنات بغيضا ) - من الطويل -
وقوله في معناه
( ولست بشيء من جفائك حافلا ... ولا من أذى جرعتنيه مغيظا )
( فأطيب أحوال المجانين ما رموا ... وزنوا وعاطوك الكلام غليظا ) - من الطويل -
وكان أبو ذر الحاكم البخاري عرضة لهجائه فقال فيه من قصيدة
( أف للدهر أف له ... قد أتانا بمعضله )
( بأبي ذر الذي ... كان ملقى بمزبله )
( كلما بات ليلة ... وإسته فيه مهمله )
( بات يقرا إلى الصباح ... وبئر معطله ) - من مجزوء الخفيف

وقوله في ابنه
( لأبي ذر بني ... طفس لا كان ذا ابنا )
( فهو لا يقرأ من القرآن ... إلا والنا )
وقوله في غيرهما
( طلحة يا كبرائي ... سلحة في الأمراء )
( إن شاها أنت فرزان ... له بادي العراء ) - من مجزوء الرمل -
13 - أبو منصور الطاهري
لم يرث الفضل والشعر عن كلالة وهو القائل
( بكيت لفقد الوالدين ومن يعش ... لفقدهما تصغر لديه المصائب )
( فعزيت نفسي موقنا بذهابها ... وكيف بقاء الفرع والأصل ذاهب ) - من الطويل -
ومن أحسن ما سمعت في المعنى نثرا قول بعض الحكماء لرجل مات أبوه وابنه لقد مات أبوك وهو أصلك
ومات ابنك وهو فرعك فما بقاء شجرة ذهب أصلها وفرعها
مما يستجاد لأبي منصور قوله
( شيئان لو أن ليثا يبتلى بهما ... في غيله مات من هم ومن كمد )
( فقد الشباب الذي ما إن له عوض ... والبعد بالرغم عن أهل وعن ولد ) - من البسيط -
وهو مأخوذ من قول الآخر
( شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناي حتى يؤذنا بذهاب )

( لم يقضيا المعشار من حقيهما ... شرخ الشباب وفرقة الأحباب ) - من الكامل -
وقد ملح أبو منصور في قوله
( أقول وقد رأيت له خوانا ... له من لحظ عينيه خفير )
( أرى خبزا وبي جوع شديد ... ولكن دونه أسد مزير ) - من الوافر -
ومثله للرشيد وقد رأى جارية سكرى فراودها فقالت إن أباك ألم بي فكف عنها وقال
( أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود ) - من الوافر -
14 - أبو الحسين محمد بن محمد المرادي
كان شاعر بخارى وله شعر كثير مدون ومن مشهور أخباره أن السعيد نصر بن أحمد ركب يوما للضرب بالصوالجة فجاءت مطرة رشت السهلة ولما قضى وطره وأقبل إلى الدار تصدى له المرادي فأنشد
( أشهد أن الأمير نصرا ... يخدمه الغيث والسحاب )
( رش تراب الطريق كي لا ... يؤذيه في الموكب التراب )
( لا زال يبقى له ثلاث ... العز والملك والشباب ) - من مخلع البسيط -
فأمر له بثلاثة آلاف درهم وقال لو زدت لزدناك وكان المرادي ينشد لنفسه
( إنما همي كسيره ... وإدام من قديره )
( وخميره في زكيره ... بلغتي منها سكيره )

( وصبيح أو قبيح ... قد كفى جلد عميره )
( ودنينير لدنيا ... بات في ضمن صريره )
( من رأى عيشي هذا ... عاش لا يطلب غيره ) - من مجزوء الرمل -
ثم يقرأ على أثرها ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )
وورد نيسابور لحاجة في نفسه فرأى من أهلها جفاء فقال
( لا تنزلن بنيسابور مغتربا ... إلا وحبلك موصول بسلطان )
( أو لا فلا أدب يغني ولا حسب ... يجدي ولا حرمة ترعى لإنسان ) - من البسيط -
وقال
( قال المرادي قولا غير متهم ... والنصح ما كان من ذي اللب مقبول )
( لا تنزلن بنيسابور مغتربا ... إن الغريب بنيسابور مخذول ) - من البسيط -
وقال في المصعبي
( أرى صحبة الأشراف صعبا مرامها ... وصحبة هذا المصعبي فأصعب )
( يذللني فيما يروم اكتسابه ... فأستام عزا بالمذلة يكسب ) - من الطويل -
وقال في موت أبي جعفر الصعلوكي
( وقد تلفت نفسه الدنيه ... ما كان أولاه بالمنيه )
( ما أخطأ الموت حين أفنى ... من كان ميلاده خطيه ) - من مخلع البسيط -
وقال لأبي علي الصاغاني من قصيدة
( لم ألق غيرك إلا ازددت معرفة ... بأن مثلك في الآفاق معدوم )

( أرى سيوفك في الأعداء ماضية ... ركن الضلال بها ما عشت مهدوم )
( يهمي الندى والردى من راحتيك فلا ... عاصيك ناج ولا راجيك محروم ) - من البسيط -
وقال في بكر بن مالك
( قلد الجيش سيد ... وهو جيش على حده )
( يد بكر وسيفه ... ويد الله واحده ) - من مجزوء الخفيف -
ومن ملحه وظرفه قوله
( هل لكم في مطفل ... شربه شرب قبره )
( لو رأى في جواره ... خيط زق لأسكره ) - من مجزوء الخفيف -
ولما احتضر أنفذ إليه الجبهاني ثيابا للكفن
فأفاق وأنشأ يقول
( كساني بنو جبهان حيا وميتا ... فأحييت آثارا لهم آخر الزمن )
( فأول بر منهم كان خلعة ... وآخر بر منهم صار لي كفن ) - من الطويل -
ثم أغمي عليه ساعة فأفاق وقال
( عاش المرادي لأضيافه ... فصار ضيفا لإله السما )
( والله أولى بقرى ضيفه ... فليدع الباكي عليه البكا ) - من السريع -
ثم كان كأنه سراج انطفأ
15 - أبو منصور العبدوني أحمد بن عبدون
من أظهر كتاب بخارى تحصيلا وأظرفهم جملة وتفصيلا وكان ريحانة الندماء وشمامة الفضلاء ونارنج الظرفاء وله شعر عذب المذاق حلو المساغ في نهاية خفة الروح وقد تقدمت له أبيات وبلغني أن صديقا له كتب إليه

يستعير منه دابة ويقول
( أردت الركوب إلى حاجة ... فمن لي بفاعلة من دببت ) - من المتقارب -
فوقع تحت البيت
( برذوننا يا أخي عامر ... فكن بأبي فاعلا من غدوت ) - من المتقارب -
وقال في صاحب ديوان يطيل المكث فيه
( أقسم بالله وآياته ... أنك في الثقل رحى بزر )
( وذا كما قلت وإلا فلم ... تقعد في الدار إلى العصر )
( والناس قد أخلوا دواوينهم ... وانصرف الطير إلى الوكر ) - من السريع -
وقال
( أكتاب ديوان الرسائل ما لكم ... تجملتم بل متم بالتجمل )
( وأرزاقكم لا تستبين رسومها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل )
( إذا ما شكا الإفلاس والضر بعدكم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل )
( خلقتم على باب الأمير كأنكم ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) - من الطويل -
وقال في أبي نصر بن أبي حبة وكان من تلامذته
( يا قوم إن ابن أبي حبة ... قد سبق الكتاب في الحلبه )
( وأدخل الكتاب من حذقه ... في الكوز والجرة والدبة ) - من السريع -
وقال في كتاب أدب الكتاب لابن قتيبة
( أدب الكتاب عندي ... ما له في الكتب ند )

( ليس للكاتب منه ... إن أراد العلم بد ) - من مجزوء الرمل -
وقال
( عنقي يا قوم كانت ... عند شربي الراح عبله )
( فتركت الشرب أياما ... على عمد لعله )
( فانحنى الظهر وذاب الجسم ... في أيسر مهله ) - من مجزوء الرمل -
وحدثني أبو سعيد عن بعض مشايخ الحضرة وقد ذهب على اسمه أن مجلسا للأنس جمع يوما جماعة من أفاضل بخارى كأبي أحمد بن أبي بكر والطاهري والمصعبي والخزرجي والعبدوني وفيهم فتى من أهل أشروسنه يسمى يشكر أحسن من نعم الله المقبلة ومن العافية في البدن فأفضى به الحديث إلى رواية الأهاجي وطفق كل واحد منهم يروى أجود شعره في الهجاء فقال بعض الحاضرين إن هجاء من هجوتموه ممكن معرض فهل فيكم من يهجو هذا الفتى يعني يشكر فقالوا لا والله ما نقدر على هجائه وليت شعري أيهجي خلقه أم اسمه فارتجل العبدوني أبياتا منها
( وشكر يشكر من ناكه ... ويشكر لله لا يشكر ) - من المتقارب -
فتعجبوا من سرعة خاطره في ذم مثله واشتقاقه الهجاء من اسمه وأقروا له بالبراعة وحين رأى خجل الفتى لما بدر من هجائه إياه من غير قصد أخرج من يديه زوجي خاتم ياقوت وفيروزج وأعطاهما إياه وقال هذا بذلك

16 - أبو الطيب المصعبي محمد بن حاتم
كان في جميع أدوات المعاشرة والمنادمة وآلات الرياسة والوزراة على ما هو معروف مشهور وكانت يده في الكتاب ضرة البرق وقلمه فلكي الجري وخطه حديقة الحدق وبلاغته مستملاة من عطارد وشعره باللسانين نتاج الفضل وثمار العقل ولما غلب على الأمير السعيد نصر بن أحمد بكثرة محاسنه ووفور مناقبه ووزر له مع اختصاصه بمنادمته لم تطل به الأيام حتى أصابته عين الكمال وأدركته آفة الوزارة فسقى الأرض من دمه
ومن مشهور شعره وسائر قوله
( اختلس حظك في دنياك ... من أيدي الدهور )
( واغتنم يوما ترجيه ... بلهو وسرور )
( واصنع العرف إلى كل ... كفور وشكور )
( لك ما تصنع والكفران ... يزري بالكفور ) - من مجزوء الرمل -
وقوله في ذم الشباب
( لم أقل للشباب في كنف الله ... وفي ستره غداة استقلا )
( زائر زارنا مقيم إلى أن ... سود الصحف بالذنوب وولى ) - من الخفيف -
وقوله في غلام أعجمي
( بأبي من لسانه أعجمي ... وأرى حسنه فصيح الكلام ) - من الخفيف -
ويروى له ما كتب به إلى بعض إخوانه
( عبت فلم يأتني رسول ... ولم يقل علة عليل )
( هيهات لو كنت لي خليلا ... فعلت ما يفعل الخليل ) - من مخلع البسيط

وله
( اليوم يوم بكور ... على نظام سرور )
( ويوم عزف قيان ... مثل التماثيل حور )
( ولا تكاد جياد ... تروى بغير صفير ) - من المجتث -
ووقع في كتاب
( قد قلت لما أن قرأت كتابكم ... عض الملل ببظر أم الكاتب ) - من الكامل -
17 - أبو علي الساجي
من فضلاء المقيمين ببخارى ووجوه المتصرفين بها وفيها يقول في غلام تركي
( لا سمرة لا بياض فيه لا سمن ... ولا هزال ولا طول ولا قصر )
( ذو قامة قام فيها عذر عاشقها ... وصورة قبحت مع حسنها الصور ) - من البسيط -
ويقول
( أنا بالحضرة واقف ... للتعازي والتهاني )
( ولتشييع فلان ... والتلقي لفلان ) - من مجزوء الرمل -
وله في مرو
( بلد طيب وماء معين ... وثرى طيبه يفوق العبيرا )
( وإذا المرء قدر السير عنه ... فهويناه باسمه أن يسيرا ) - من الخفيف -
وله
( لا تأس من دنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه )

( إن فات شيء كنت تسعى له ... ففيهما من فائت كافيه ) - من السريع -
وله
( لست أدري ماذا أقول ولكن ... أبتغي من عريض جاهك نفعا )
( والفتى إن أراد نفع أخيه ... فهو يدري في أمره كيف يسعى ) - من الخفيف -
18 - أبو منصور الخزرجي
أديب شاعر في المرتبطين الذين كانوا ببخارى مع أبي غسان التميمي والبوشنجي والكسروي وأضرابهم من الأفاضل كتب إلى أبي أحمد بن أبي بكر في أوائل شهر رمضان قصيدة منها
( الصوم ضيف ثوى فداره ... قد يؤجر العبد وهو كاره )
( واحمل على النفس في قراه ... في ليله منك أو نهاره )
( فإن تجافى على كريم ... بر حريص على مزاره )
( فالضيف ماض غدا ومثن ... عليك أن حطت من ذماره ) - من مخلع البسيط -
ومن ملحه ويروي لغيره
( أتدخل من تشاء بلا حجاب ... وكلهم كسير أو عوير )
( وأبقى من وراء الباب حتى ... كأني خصية وسواي أير ) - من الوافر -
وقال للمصعبي
( يا من تخلق حتى صار مرتفعا ... من السماء إلى أعلى مراقيها )
( لا تأمنن انحطاطا وارع حرمتنا ... وانظر إلى الأرض واذكر كوننا فيها ) - من البسيط

وقال وأنشدنيها له أبو زكريا الحربي وتروى لغيره
( يا ذا الكواكب والدوائر ... والعجائب والمجره )
( أجحف بالفطن الأريب ... فخاض في الغمرات دهره )
( يا عرة في فعله ... أعطيت خيرك كل عره )
( أخرفت من طول السرى ... أم زدت للحركات سره )
19 - أبو أحمد محمد بن عبد العزيز النسفي
قال في رئيس كان ينام بالنهار ويسهر بالليل
( ينام إذا ما استيقظ الناس بالضحى ... فإن جن ليل فهو يقظان حارس )
( وذاك كمثل الكلب يسهر ليله ... فإن لاح صبح فهو وسنان ناعس ) - من الطويل -
وقال في أبي علي الصاغاني
( الدار داران للباقي وللفاني ... والخلق كلهم يكفيهم اثنان )
( فأحمد لمعاش الناس قاطبة ... وأحمد لمعاد الناس سيان ) - من البسيط -
وقال
( إن الرؤوس بإجماع ... آكليها ثقيله )
( وحقها شرب صرف ... قصيرة من طويله ) - من المجتث

20 - أبو القاسم الكسروي
هو أردستاني من أهل أصفهان من الأدباء الطارئين على بخارى والمرتبطين بها وكان جامعا بين الكتابة والشعر ضاربا بأفور السهم في الظرف وكان يقول قولي لعدوي أعزه الله إنما أريد أعزه الله حتى لا يوجد في الدنيا وقولي أطال الله بقاك وأدام عزك وتأييدك وجعلني فداك أي من هذا الدعاء كله فصار الدعاء لي دونه
وكان يبغض الشطرنج ويذمها ولا يقارب من يشتغل بها ويطنب في ذكر عيوبهم ويقول لا ترى شطرنجا غنيا إلا بخيلا ولا فقيرا إلا طفيليا ولا تسمع نادرة باردة إلا على الشطرنج فإذا جرى ذكر شيء منها قيل جاء الزمهرير ولا يتمثل بها إلا فيما يعاب ويذم ويكره فإذا خرئ السكران قيل قد فرزن وإذا كان مع الغلام الصبيح المليح رقيب ثقيل قيل معه فرزان بيدق وإذا استحقر قدر الإنسان قيل كأنه بيدق ولا سيما إذا اجتمع فيه قصر القدر وصغر القدر كما قال الناجم
( ألا يا بيدق الشطرنج في القيمة والقامة ... ) - من الهزج -
وإذا ذكر وقوع الإنسان في ورطة وهلكه على يد عدو قيل كما قال عبد الله ابن المعتز وأجاد
( قل للشقي وقعت في الفخ ... أودت بشاهك ضربة الرخ ) - من الكامل -
وإذا رؤي طفيلي يسيء الأدب على المائدة قيل انظروا إلى يد الكشحان كأنها الرخ في الرقعة
وإذا رؤي زيادة لا يحتاج إليها قيل زاد في الشطرنج بغلة وإذا سب دخيل ساقط قيل من أنت في الرقعة وإذا ذكر وضيع ارتفع قيل كما قال أبو تمام
( قل لي متى فرزنت سرعة ... ما أرى يا بيدق ) - من مجزوء الكامل

ويروى أنه دخل يوما على أبي عبد الله محمد بن يعقوب الفارسي وقد ولد له مولود فأنشد
( هنئت نجم سعادة ... قد حل أول أمس رحلك )
( فأحله المولى من الآداب ... والعليا محلك )
( وأطال عزكما وعمركما ... وأكثر منك مثلك ) - من مجزوء الكامل -
فأمر له بثلثمائة دينار
وكتب إلى بعض الرؤساء رسالة في الهز والاقتضاء وفي آخرها قوله
( فرأى الشيخ مولى المجد في أن ... يشرفني بإحدى الحسنيين )
( بنقد أرتيجه أو بيأس ... فإن اليأس إحدى الراحتين ) - من الوافر -
وله من قصيدة
( كسبت ما شئت من مال فأتلفه ... كف كسوب بعون الله متلاف )
( لن يلبث المال عندي أو يفرقه ... طبع امرئ همه بذل وإسراف )
( إن عادتي فيما حوته يدي ... وعاده الله جل الله إخلاف )
( فهذه عادتي فيما حوته يدي ... وعاده الله جل الله إخلاف )
( إن الحقوق ليفني المال واجبها ... وفي قضاء حقوق الناس إنصاف ) - من البسيط -
وله
( كفاك مذكرا وجهي بأمري ... وحسبي أن أراك وأن تراني )
( وكيف أحث من يعنى بشأني ... ويعرف حاجتي ويرى مكاني ) - من الوافر

21 - أبو بكر محمد بن عثمان النيسابوري الخازن
وقع إلى بخارى وتصرف بها وتقلد الحزن وكان من أدباء الكتاب وفضلائهم وأهدى جزءا بخطه يشتمل على ملح وغرر بخارية له ولغيره ممن جاورهم بالحضرة فمما كتبه لنفسه قوله
( لكلب عقور أسود اللون رابض ... على صدر سوداء الذوائب كاعب )
( أحب إليها من معانقة الذي ... له لحية بيضاء فوق الترائب ) - من الطويل -
وله
( وعنين يريد قيام إير ... بأدوية لأوقات الجماع )
( فقلت له هلاك الزق يوما ... إذا ما احتيج فيه إلى الرقاع ) - من الوافر -
ومما وجدته بخطه ولست أذكر أكتبه لنفسه أم لغيره من كتاب عصره لغيبة ذاك الجزء عني هذه الأبيات
( وهت عزماتك عند المشيب ... وما كان من حقها أن تهي )
( وأنكرت نفسك لما كبرت ... فلا هي أنت ولا أنت هي )
( فإن ذكرت شهوات النفوس ... فما تشتهي غير أن تشتهي ) - من المتقارب -
22 - الحسين بن علي المروروزي
من آدب أصحاب الجيوش بخراسان وأشعرهم وأكرمهم وفيه يقول بعض الشعراء لما صرف عن مرو بأحمد بن سهل ويذكر دار الإمارة فيها

( أقام بصحنها لؤم ابن سهل ... وفارق ربعها كرم الحسين )
( وكانت جنة فغدت جحيما ... فيا بعد اختلاف الحالتين ) - من الوافر -
ومن سائر شعر الحسين قوله في أبي الفضل البلغمي لما تلطف لإطلاقه من حبس القمندر بهراة
( ألا اسقني من زبيب شمس ... عدو همي حبيب نفسي )
( أرق من دين آل تيم ... ومن عدي وعبد شمس )
( أشرب بتذكار من تولى ... بناء مجدي بهدم حبسي ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( ثنتان يعجز ذو الرياضة عنهما ... رأي النساء وإمرة الصبيان )
( أما النساء فميلهن إلى الهوى ... وأخو الصباه يجري بغير عنان ) - من الكامل -
وقوله من أبيات في بعض قواده
( وجيش يكون أميرا لهم ... قصارى أولئك أن يهزموا ) - من المتقارب -
23 - محمد بن موسى الحدادي البلخي
كان يقال أخرجت بلخ أربعة من الأفراد أبا القاسم الكعبي في علم الكلام وأبا زيد البلخي في البلاغة والتأليف وسهل بن الحسن في شعر الفارسية ومحمد بن موسى في شعر العربية وكان يكتب للحسين بن علي وشعره سائر مدون كثير الأمثال والغرر كقوله
( إن كنت أشكو من يرق ... عن الشكاية في القريض )
( فالفيل يضجر وهو أعظم ... ما رأيت من البعوض ) - من مجزوء الكامل

وقوله
( ألقحت منه حرمة ... متوقعا ما تنتج )
( فإذا رعايته لها ... والله سقط مخدج ) - من مجزوء الكامل -
وقوله
( لا غرو إن كنت بحرا لا يفيض ندى ... فالبحر غمر ولكن ليس بالجاري )
( أمسيت جاري من بين الأنام فلا ... تغفل وصاة رسول الله بالجار ) - من البسيط -
وقوله من قصيدة
( كم فيك من رشأ أغن كأنما ... خلقت مفاصله بغير عظام )
( كم قد غللت يد النديم بقهوة ... سهدت بأن الغل من إكرامي ) - من الكامل -
ومن أخرى
( ما بال فرقة شملنا لا تجمع ... وإلى متى يصل الزمان ويقطع )
( كم خلفت تلك الركاب وراءها ... من منزل فيه لنا مستمتع )
( فالورد يلطم خده وجدا بنا ... وعيون نرجسه علينا تدمع ) - من الكامل -
ومنها
( ولرب كرم قد رضعت ثديه ... ومن العجائب أن كهلا يرضع )
ومن أخرى
( أذلت فيما بيننا حرمة ... كحرمة الإبريق والكأس )
( قدك أما يمنعك الفضل أن ... رحت على عرش كناس ) - من السريع

ومن أخرى
( وحكى سوادا في شقائق حمرة ... صلب الغوالي في خدود الروم ) - من الكامل -
ومن أخرى
( إن كان أغلق دوني بابه فلقد ... أعددت صبري لذاك الباب مفتاحا ) - من البسيط -
ومن أخرى
( يسرني من حسد الناس لي ... أني فيهم غير محروم )
( وأنني من كرم لابس ... وأنني عار من اللوم ) - من السريع -
24 - أبو الفضل السكري المروزي أحمد بن محمد بن زيد
شاعر مرو وظريفها وله شعر مليح خفيف الروح كثير الملح والأمثال كقوله
( لا تعتبن على الزمان وصرفه ... ما دام يقنع منك بالأطراف )
( وإذا سلمت فلا تكن لك همة ... إلا دوام سلامة الألاف ) - من الكامل -
وقوله
( ما أعجب الرزق وأسبابه ... كل له في رزقه بابه )
( مقدوره من بابه واصل ... والمرء لا يعرف أسبابه ) - من السريع -
وقوله
( أشرف القصد في المطالب ... للناس أربعه )
( كثرة المال والولاية ... والعز والدعه )

( فارض منها بواحد ... تلف ما دونه معه )
( دعة النفس بالكفاف ... وإن لم تكن سعه )
( كل ما أتعب النفوس ... فما فيه منفعة ) - من مجزوء الخفيف -
وقوله من مزدوجة ترجم فيها أمثالا للفرس
( من رام طمس الشمس جهلا أخطا ... الشمس بالتطيين لا تغطى )
( أحسن ما في صفة الليل وجد ... الليل حبلى ليس يدري ما يلد )
( من مثل الفرس ذوي الأبصار ... الثوب رهن في يد القصار )
( إن البعير يبغض الخشاشا ... لكنه في أنفه ما عاشا )
( نال الحمار بالسقوط في الوحل ... ما كان يهوى ونجا من العمل )
( نحن على الشرط القديم المشترط ... لا الزق منشق ولا العير سقط )
( في المثل السائر للحمار ... قد ينهق الحمار للبيطار )
( والعنز لا يسمن إلا بالعلف ... لا يسمن العنز بقول ذي لطف )
( البحر غمر الماء في العيان ... والكلب يروى منه باللسان )
( لا تك من نصحي في ارتياب ... ما بعتك الهرة في الجراب )
( من لم يكن في بيته طعام ... فما له في محفل مقام )
( منيتنى الإحسان دع إحسانك ... اترك بحشو الله باذنجانك )
( كان يقال من أتى خوانا ... من غير أن يدعي إليه هانا ) - من الرجز -
وكان مولعا بنقل الأمثال الفارسية إلى العربية فمما اخترته من ذلك بعد المزدوجة قوله
( إذا وضعت على الرأس التراب فضع ... من أعظم التل إن النفع منه يقع ) - من البسيط

وقوله
( إذا الماء فوق غريق طما ... فقاب قناة وألف سوا ) - من المتقارب -
وقوله
( إذا لم تطق أن ترتقي ذروة الجبل ... لعجز فقف في سفحه هكذا المثل ) - من الطويل -
وقوله
( في كل مستحسن عيب بلا ريب ... ما يسلم الذهب الإبريز من عيب ) - من البسيط -
وقوله
( إذا حاكم بالأمر كان له خبر ... فقد تم ثلثاه ولم يصعب الأمر ) - من الطويل -
وقوله
( ما كنت لو أكرمت أستعصي ... لا يهرب الكلب من القرص ) - من السريع -
وقوله
( طلب الأعظم من بيت الكلاب ... كطلاب الماء في لمع السراب ) - من الرمل -
وقوله
( ادعى الثعلب شيئا وطلب ... قيل هل من شاهد قال الذنب ) - من الرمل -
وقوله
( هو الثعلب الرواغ في مهمه سلك ... يرى التوفيه وما إن يرى الشبك ) - من الطويل

وقوله
( من مثل الفرس سار في الناس ... التين يسقى بعلة الآس ) - من المنسرح -
وقوله
( تبختر إخفاء لما فيه من عرج ... وليس له فيما تكلفه فرج ) - من الطويل -
وقد ذكرتني هذه الأمثال الفارسية قصيدة لبعض من ذهب عني اسمه وكتبت ما اخترت منها ليقترن بما تقدمها وذلك
( ما أقبح الشيطان لكنه ... ليس كما ينقش أو يذكر )
( يكفي قليل الماء رطب الثرى ... والطين رطبا بله أيسر )
( إلى شفا النار أماشي أخي ... لكنني إن خاضها أصبر )
( أنتهز الفرصة في وقتها ... وألقط الجوز إذا ينثر )
( يطلب أصل المرء من فعله ... ففعله عن أصله يخبر )
( كم ماكر حاق به مكره ... وواقع في بعض ما يحفر )
( فررت من قطر إلى مثعب ... علي بالوابل يثعنجر )
( إن تأت عورا فتعاور لهم ... وقل أتاكم رجل أعور )
( خذه بموت تغتنم عنده ... الحي لا تشكو ولا تجأر )
( الباب فانصب حيث ما يشتهي ... صاحبه فهو به أخبر )
( والكلب لا يذكر في مجلس ... إلا تراءى عندما يذكر ) - من السريع

25 - أبو عبد الله الضرير الأنبوردي
له شعر ذكر في أهل أنبورد وله القصيدة التي ترجم فيها أمثال الفرس أولها
( صيامي إذا أفطرت بالسحب ضلة ... وعلمي إذا لم يجد ضرب من الجهل )
( وتزكيتي مالا جمعت من الربا ... رياء وبعض الجواد أخزى من البخل )
( كسارقة الرمان من كرم جارها ... تعود به المرضى وتطمع في الفضل )
( ألا رب ذئب مر بالقوم خاويا ... فقالوا علاه البهر من كثرة الأكل )
( وكم عقعق قد رام مشية قبجة ... فأنسي ممشاه ولم يمش كالحجل )
( يواسي الغراب الذئب في كل صيده ... وما صاده الغربان في سعف النخل ) - من الطويل -
ومن سائر شعره قوله
( وإذا أراد الله رحلة نعمة ... عن دار قوم أخطأوا التدبيرا ) - من الكامل -
ومن ملحه قوله
( أردت زيارة الملك المفدى ... لأمدحه وآخذ منه رفدا )
( فعبس حاجبا فقرأت أما ... من استغنى فأنت له تصدى ) - من الوافر -
26 - أبو محمد السلمي
كاتب متصرف في الأعمال حسن التصرف في ملح الشعر وظرفه كثير النوادر وسائر النتف لا يسقط له بيت واحد

أنشدني غير واحد له من أهل الأدب في الحاكم الجليل قوله
( لا رواء لا بهاء ... لا بيان لا عباره )
( لا يرى رد سلام الناس ... إلا بالإشاره )
( أنا أهواك ولكن ... أين آلات الوزاره ) - من مجزوء الرمل -
وله أيضا
( أكل من كان له نعمة ... أوسع من نعمة إخوانه )
( أم كل من كان له جوسق ... مشرف شيد بأركانه )
( أم كل من كان له كسوة ... يبذلها في بعض أحيانه )
( يرى بها مستكبرا تائها ... على أدانيه وخلانه ) - من السريع -
وله
( قد كانت الضيعة فيما مضى ... تغل من يملكها دائبه )
( فأضحت الضيعة في يومنا ... مهجة من يملكها ذائبه )
( يستغرق الغلة في خرجها ... ويعرض الكلفة والنائبه )
( فإن يقم صاحبها كل ذا ... ينج وإلا نتفوا شاربه ) - من السريع -
وله
( يا أبا مالك الناسي ... أسباب التصافي )
( يا دعيا باتفاق ... عربيا باختلاف )
( هبك في أشرف بيت ... لبني عبد مناف )
( أنا ما ذنبي إذا ما اطردت ... فيك القوافي ) - من مجزوء الرمل

وله
( وكنت أذم أبا جعفر ... وأعجب من أمره المهمل )
( فلما بلونا أبا جعفر ... أطلت البكاء على الأول ) - من المتقارب -
وله
( لو طبخت قدر بمطمورة ... بالروم أو أقصى حدود الثغور )
( وأنت بالصين لوافيتها ... يا عالم الغيب بما في القدور ) - من السريع -
وله
( قد كان آراؤكم فيما مضى كرة ... كأنما خرطتها كف خراط )
( فالآن تسعون رأيا من وزيركم ... في السوق لا تشترى منكم بقيراط ) - من البسيط -
وله
( رأيت ملكا كبيرا ... كثير مال وشحنه )
( يسوس ذاك وزير ... قليل عقل وفطنه )
( وللأمير وزيران ... يرميان بأبنه )
( فلعنة الله تترى ... على كليل ودمنه ) - من المجتث -
وله
( تشكى فقلنا ثابت ويزيد ... وأن فقلنا آن منه خمود )
( هي العلة الموصول بالموت حبلها ... فإن ذهبت يوما فسوف تعود ) - من الطويل -
وله ويروى لغيره
( تفاقر كي يخفي على الناس أمره ... وللناس أبصار على الغيب نافذه )

( فأبلغ دهاة الناس في كل بلدة ... بأنا وإن كنتم دهاة جهابذه ) - من الطويل -
27 - أبو ذر البلخي الحاكم
قال من قصيدة في أبي العباس المأموني وقد وثبت رجله
( إن الجبائر منك قد شدت على ... قدم لها في المكرمات تقدم )
( ولئن غدت مجبورة فلطالما ... جبر الكسير بها وريش معدم ) - من الكامل -
28 - أبو أحمد اليمامي البوشنجي
شاعر بوشنج وغرتها وشعره مدون سائر وبلغني أن الصاحب كان يحفظ خائية أحمد ويتعجب من حسنها وجودتها وهي
( أقول ونوار المشيب بعارضي ... قد افتر لي عن ناب أسود سالخ )
( أشيبا وحاجات الفؤاد كأنما ... يجيش بها في الصدر مرجل طابخ )
( وما كان حزني للشباب وإن هوى ... به الشيب عن طود من الأنس شامخ )
( ولكن يقول الناس شيخ وليس لي ... على نائبات الدهر صبر المشايخ ) - من الطويل -
ومما يستحسن من شعره
( إن تمام السرور للمرء أن ... يأكل من طيبات غرس يده )
( وأن يغنى بشعره ويلي ... خدمته من يحب من ولده )
( وقد حوى بعضنا الثلاث وقد ... نغصها كلها ضنى جسده ) - من المنسرح

وقوله
( لقد فكرت في أمري طويلا ... فما أدري أأبخل أم أجود )
( أخاف البخل من غيري ومني ... وأعلم أنه عار عتيد )
( ويعجبني السخاء وأشتهيه ... وذاك لأنه خلق حميد )
( فأخشى الفقر إن طاوعت جودي ... وعدم المال في الدنيا شديد )
( فأفضل ما أرى خلق وسيط ... لذات يدي ينقص أو يزيد ) - من الوافر -
وقوله وهو منقول من كلام بعض السلف
( غالبت كل شديدة فغلبتها ... والفقر غالبني فأصبح غالي )
( إن أبده يفصح وإن لم أبده ... يقتل فقبح وجهه من صاحب ) - من الكامل -
وقوله لأبي الفضل البلغمي وقد عرض عليه الشراب
( لو كنت واجد عقل أشتريه إذا ... جالست من زينة الدنيا محياه )
( لكنت أطلبه جهدي وأجمعه ... إلى الذي هو عندي حين ألقاه )
( فكيف أشرب شيئا لا يفارقني ... حتى أفارق عقلي حين أسقاه ) - من البسيط -
وكتب إلى صديق له في آخر يوم من شعبان
( فديتك هذا اليوم يوم وراءه ... ثلاثون يوما للذاذة تفتك )
( فإن شئت فاحضرنا وإن شئت فادعنا ... إليك فما للهو في اليوم مترك )
( وفي الغد إن لم تدفع الشك مجزع ... ومبكى فدعنا اليوم نبكي ونضحك ) - من الطويل -
وله في وصف رامسية آذريون ناوله إياها عبد الحميد الحاكم وأمره بأن يصفها
فقال
( أعطاني الحاكم من كفه ... رامسية تخبر عن ظرفه )
( من نور آذريون تزجى بأن ... جاءت بما حازته من عرفه )

( شبهتها حين تأملتها ... تأمل المبدع في وصفه )
( بمدهن من ذهب أحمر ... مضمنا مسكا إلى نصفه ) - من السريع -
29 - أبو علي السلامي
من رستاق بيهق من نيسابور كاتب مؤلف الكتب موفق للتجويد منخرط في سلك أبي بكر بن محتاج وبانه أبي علي
وله كتاب التاريخ في أخبار ولاة خراسان وكتاب نتف الظرف
وكتاب المصباح وغيرها وشعره في أشعار مؤلفي الكتب كشعر الصولي ومن أشف ما وجدته له قوله
( هذب ما يكتب من يعتقد ... أن جميع الناس يلقونه )
( وهم مصيخون إلى لفظه ... فرام من قول الخنا صونه ) - من السريع -
البيتان لم أسمعهما منه وإنما وجدتهما في نسخته
30 - أبو القاسم علي بن محمد الإسكافي النيسابوري
لسان خراسان وغرتها وعينها وواحدها وأوحدها في الكتابة والبلاغة ومن لم يخرج مثله في البراعة والصناعة
وكان تأدب بنيسابور عند مؤدب بها يعرف بالحسن بن المهرجان من أعرف المؤدبين بأسرار التأديب والتدريس وأعلمهم وأدراهم بطريق التدريج في التخريج ثم حرر مديدة في بعض الدواوين فخرج منقطع القرين وواسطة عقد الفضل ونادرة الزمان وبكر الفلك كما قال فيه الهريمي من قصيدة

( سبق الناس بيانا فغدا ... وهو بالإجماع بكر الفلك )
( أصبح الملك به متسقا ... لسليل الملك عبد الملك ) - من الرمل -
ووقع في ريعان عمره وعنفوان أمره إلى أبي علي الصاغاني فاستأثره فحسن أثره واستخلصه لنفسه وقلده ديوان الرسائل فحسن خبره وسافر أثره وكانت كتبه ترد على الحضرة في نهاية الحسن والنضرة
وتقع المنافسة فيه ويكاتب أبو علي في إيثار الحضرة به فيتعلل ويتسلل لواذا ولا يفرج عنه إلى أن كان من كشف أبي علي قناع العصيان وانهزامه في وقعة جرجيل إلى الصغانيان كما كان
وحصل أبو القاسم في جملة الأسرى من أصحاب أبي علي فحبس في القمندر وقيد مع حسن الرأي فيه وشدة الميل إليه ثم إن الأمير الحميد نوح بن نصر أراد أن يستكشفه عن سره ويقف على خبيئة صدره فأمر أن تكتب إليه رقعة على لسان بعض المشايخ ويقال له فيها إن أبا العباس الصاغاني قد كتب إلى الحضرة يستوهبك من السلطان ويستدعيك إلى الشاش لتتولى له كتابة الكتب السلطانية فما رأيك في ذلك فوقع تحته في الرقعة ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه )
فلما عرض التوقيع على الحميد حسن موقعه منه فأعجب به وأمر بإطلاقه وخلع عليه وأقعده في ديوان الرسائل خليفة لأبي عبد الله كله وكان الاسم له والعمل لأبي القاسم وعند ذلك قال بعض مجان الحضرة
( تبظرم الشيخ كله ... ولست أرضى ذاك له )
( كأنه لم ير من ... أقعد عنه بدله )
( والله إن دام على ... هذا الجنون والبله )
( فإنه أول من ... ينتف منه السبله ) - من مجزوء الرجز

وكان أبو القاسم يهجوه كما تقدم ذكره في الجزء الثاني من هذا الكتاب ومن شعره قوله
( هذا الذي يدعى كله ... ما شأنه إلا البله )
( في رأسه عمامة ... مكفوفة مزمله )
( كأنها في لونها ... قدر على سفرجله ) - من مجزوء الرجز -
ولما توفي أبو عبد الله تولى أبو القاسم العمل برأسه وعلا أمره وبعد صيته وجمعت رسائله أقسام الحسن والجودة وازداد على الأنام تبحرا في الصناعة وقدرة على الإنشاءات التي يؤنس مسمعها ويؤيس مصنعها
ويحكى أن الحميد أمره ذات يوم أن يكتب إلى بعض أصحابه الأطراف كتابا وركب إلى متصيده واشتغل أبو القاسم عن ذلك بمجلس أنس عقده وإخوان جمعهم عنده وحين رجع الحميد من متصيده استدعى أبا القاسم وأمره بإحضار الكتاب الذي رسم له كتبه ليعرض عليه ولم يكن كتبه فأجاب داعيه وقد نال منه الشراب ومعه طومار أبيض أوهم أنه مكتوب في الكتاب المرسوم له فقعد بالبعد منه فقرأ عليه كتابا طويلا سديدا بليغا أنشأه في وقته وقرأه عن ظهر قلبه فارتضاه الحميد وهو يحسب أنه قرأه من مسودات مكتوبة وأمره بختمه فرجع إلى منزله وحرر ما قرأه وأصدره على الرسم في أمثاله
ومن عجيب أمره أنه كان أكتب الناس في السلطانيات فإذا تعاطى الإخوانيات كان قاصر السعي قصير الباع وكان يقال إذا استعمل أبو القاسم نون الكبرياء تكلم من في السماء
وكان من علو الرتبة في النثر وانحطاطها في النظم كالجاحظ ورسائله كثيرة مدونة سائرة في الآفاق لايسع هذا الكتاب إلا الأنموذج مما يجري مجرى الغرر والأمثال منها

وهذه فقر من كلامه
الحمد لله الذي لم يستفتح بأفضل من ذكره كلام ولم يستمنح بأحسن من صنعه مرام للزمان صروف تحول وأمور تجول الأخلاق تنميها الأعراق والثمار تنزعها الأشجار الشكر به ذكاء النعمى والوفاء معه صلاح العقبى السعيد من تحلى بزينة الطاعة واقتدح بزند الجماعة العامة لا تفقه حقائق المذاهب ولا تعرف عواقب التألب والتجارب لا يشوقنك غرارة الصبا ولا يروقنك زخرف المنى استعذ بالله من نزعات الشيطان ونزقات الشبان من خلا له الجو باض وصفر ومن تراخى له الليث نزا وطفر المخذول يرفع رأسا ناكسا ويبل فما يابسا
وهذه ملح من شعره
كتب إلى بعض إخوانه يستدعيه
( كتبت من الباغ يوم الفراغ ... وذا نعمة آذنت بالبلاغ )
( فأقبل فما دون لقياك للزمان ... وإحسانه من مساغ )
( لأنك صفوة أبنائه ... وسائرهم فكمثل الرداغ )
( رداغ بخارى ولا سيما ... إذا المرء لم يحتجز بالجناغ ) - من المتقارب -
وقال على لسان ما وردية فضة
( الحسن من ظاهري يلوح ... والطيب من باطني يفوح )

( فالنصف مني نصيب جسم ... والنصف مني نصيب روح ) - من مخلع البسيط -
وكتب إلى أبي أحمد العارض مع حب بلور مخلوط أهداه له
( بعثت للفأل حبا ... يسقيك صفو المحبة )
( فعش لزرع المعالي ... ما أنبت الزرع حبه ) - من المجتث -
وكتب إلى بعض الرؤساء
( صديقك غير محتشم ... وأنت فغير مغتنم )
( وقد أهدى كما يهدي ... أخو ثقة لذي كرم )
( فرأيك في قبول العذر ... في السكين والقلم ) - من مجزوء الوافر -
ذكر آخر أمره
لما انقضت أيام الأمير الحميد وملك عبد الحميد أقر أبا القاسم على ديوان الرسائل وخلع عليه وزاد في مرتبته فلم تطل به المدة حتى مرض مرضه الذي احتضر فيه
فحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الفارسي قال كان أبو جعفر محمد بن العباس بن الحسين الوزير وأبو القاسم المقانعي من خلص أصدقاء الإسكافي وممن يكبرون عنده فلما مرض الإسكافي كتب إليه اللحام وكان أبو جعفر يلقب بطويس والمقانعي بقاشر
( طويس إحدى الفواتر ... شؤما وقاشر قاشر )
( ومنهما يا أبا قاسم ... عليك أحاذر )
( فلا يكن واحد منهما ... ببابك عابر )
( إن لم يكن بك شوق إلى ... الثرى والمقابر ) - من المجتث

ثم إنه دخل عليه عائدا فوجد عنده أبا جعفر بن العباس بن الحسين وأبا القاسم المقانعي وابن مطران فقال
( ثلاثة أودوا بفذ عصره ... أودوا به في عنفوان أمره )
( قصدته يوما بعيد فجره ... وكان قلبي مولعا بذكره )
( لفضله ونبله وفكره ... إذا طويس جالس في نحره )
( وقاشر قد انبرى من قشره ... عن سلة الشؤم وعن قمطره )
( فقلت قد أعوز جبر كسره ... من بعد ما كان دنا من جبره )
( وقد تقضى فاطوه بغيره ... الشأن فيمن هم على ممره ) - من الرجز -
ولما انتقل إلى جوار ربه أكلم ما كان شبابا وآدابا وغدت لفراقه الكتابة شعثاء
والبلاغة غبراء أكثر فضلاء الحضرة رزيته وأكثروا مرثيته فمما أحاضر به الآن قول الهرثمي الأبيوردي من قصيدة منها
( ألم تر ديوان الرسائل عطلت ... لفقدانه أقلامه ودفاتره )
( كثغر مضى حاميه ليس يسده ... سواه وكالكسر الذي عز جابره )
( ليبك عليه خطه وبيانه ... فذا مات واشيه وذا مات ساحره ) - من الطويل

114

الباب الثاني
في ذكر العصريين المقيمين بالحضرة البخارية والطارئين عليها والمتصرفين في أعمالها
وتوفية الكتاب شرطه من ملح أشعارهم وظرف أخبارهم
كانت بخارى في الدولة السامانية مثابة المجد وكعبة الملك ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض وموسم فضلاء الدهر
فحدثني أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي قال اتخذ والدي أبو الحسن دعوة ببخارى في أيام الأمير السعيد جمع فيها أفاضل غربائها كأبي الحسن اللحام وأبي محمد بن مطران وأبي جعفر بن العباس بن الحسن وأبي محمد ابن أبي الثياب وأبي النصر الهرثمي وأبي نصر الظريفي ورجاء بن الوليد الأصبهاني وعلي بن هارون الشيباني وأبي إسحاق الفارسي وأبي القاسم الدينوري وأبي علي الزوزني ومن ينخرط في سلكهم فلما استقر بهم مجلس الأنس أقبل بعضهم على بعض يتجاذبون أهداب المذاكرة ويتهادون رياحين المحاضرة ويقتفون نوافج الأدب ويتساقطون عقود الدر وينفثون في عقد السحر
فقال لي أبي يا بني هذا يوم مشهود مشهور فاجعله تاريخا لاجتماع أعلام الفضل وأفراد الوقت واذكره بعدي في أعياد الدهر وأعيان العمر فما أراك ترى على السنين أمثال هؤلاء مجتمعين فكان الأمر على ما قال ولم تكتحل عيني بمثل ذلك المجمع

31 - أبو الحسن علي بن الحسن اللحام الحراني
من شياطين الإنس ورياحين الأنس وقع إلى بخارى في أيام الحميد وبقي بها إلى آخر أيام السديد يطير ويقع ويتصرف ويتعطل ويهجو وقلما يمدح وكان غزير الحفظ حسن المحاضرة حاد البوادر سائر الذكر ساحر الشعر خبيث اللسان كثير الملح والغرر
راميا من فيه بالنكت لا يسلم أحد من الكبراء والوزراء والرؤساء من هجائه إياه وكان لا يهجو إلا الصدور
فحدثني أبو بكر الخوارزمي قال تحككت وأنا أحدث باللحام فقلت فيه
( رأيت للحام في حلقه ... للشعر تطبيقا وتجنيسا )
( نخوة فرعون ولكنه ... جانس في حمل العصا موسى )
( قرينه إبليس لكنه ... خالف في السجدة إبليسا ) - من السريع -
وأردت بذلك فتح باب إلى مهاجاته فلم يجبني وجرى على قضية قول المتنبي
( وأغيظ من ناداك من لا تجيبه ... ) - من الطويل -
قال مؤلف الكتاب لم أر للحام ديوان شعر مجموعا فعنيت بجمع تفاريقه وضم منتشره ثم اخترت مه ما يصلح لكتابي هذا فمن ذلك قوله في الشكوى
( قد نفدت لاعدمتك النفقه ... منذ ثلاث فمهجتي قلقه )
( وليس في البيت ما يباع وما ... يرهن إلا دراعة خلقه ) - من المنسرح

وقوله
( كنت من فرط ذكاء واشتعال ... كتلظي النار في لجزل اليبيس )
( فتلبدت ولا غرو إذا ... خف كيس المرء مع خفة كيس ) - من الرمل -
وقوله
( أنا من وجوه النحو فيكم أفعل ... ومن اللغات إذا تعد المهمل )
( حتام لا ينفك لي بفنائكم ... أمل يخيب وعود ظن يذبل )
( حال ترشفت الليالي ماءها ... وتجمل لم يبق فيه تحمل )
( هذا وإن أقفلت باب مطامعي ... دوني فما لله باب يقفل ) - من الكامل -
وقوله
( ذابت على قوم سماؤك بالندى ... ويدي تردد تحت غيم جامد )
( وأنا الذي إن جدت لي أو لم تجد ... لك في الثناء على طريق واحد ) - من الكامل -
وقوله لما صرف عن بريد الترمذ بابن مطران
( قد صرفنا وكل من ... كان من قبلنا صرف )
( وصرفنا بشاعر ... نعته ليس ينصرف ) - من مجزوء الخفيف -
أي أنه أحمق والأحمق لا ينصرف
وقوله لما تقلد عمل الإخصاء دفعات
( قد صار هذا الإخصاء رسما ... علي كالرسم في المظالم )
( وصرت أدعي به كأني ... ولدت في طالع البهائم ) - من مخلع البسيط

وقوله
( وأرجو أن يسهل لي وصول ... إلى المنشور من قبل النشور ) - من الوافر -
مدحه
قوله في أبي جعفر العتبي
( الشيخ أكبر من قولي وإكثاري ... لكن أحلي بذكر الشيخ أشعاري )
( وأعتب الدهر إذ عاتبته بفتى ... من آل عتبة نفاع وضرار )
( كأنما جاره في كل نائبة ... جار الأراقم في أيام ذي قار )
( يجري المكارم في لاء وفي نعم ... فالناس في جنة منه وفي نار ) - من البسيط -
وقوله في الحسن بن مالك
( لبسنا كل داجي اللون حالك ... وقطعنا المسالك والممالك )
( وأعملنا السرى حتى نزلنا ... بزم في ذرى الحسن بن مالك )
( فتى قد حاز إفضالا وفضلا ... ولم يحلل بها إلا لذلك )
( فقل للدهر كد غيري رجالا ... فلسنا بعد هذا من رجالك ) - من الوافر

ما يستملح من أهاجيه
قال في الحاكم الجليل
( قولا لنوح ثم للفتكين ... لشؤم هذا الحاكم اللعين )
( سللتما عن مثل ملك الصين ... كسلة الشعر من العجين ) - من الرجز -
وقال في القحطبي
( أما الهمام فهمه ... في صون ملك المشرق )
( والقحطبي فللذي ... يهواه غير موفق )
( ومتى يوفق من له ... في طي ذاك اليلمق )
( شبره يبيع الدين فيه ... بفلذة أو جردق )
( ويد كأن بنانها ... قطعت مخازن زئبق )
( لو دق كلتا مرفيه ... لحبه لم يرقق )
( أو شك حبة قلبه ... في حبه لم ينطق )
( يختال بين مخنث ... ومواجر مسترزق )
( فكأن من يغشاهما ... في جنح ليل مغسق )
( من ذاكر أضياف جفنة ... في الزمان الأسبق ) - من مجزوء الكامل -
وقال وأبدع في تضمين هجائه بيتا للنابغة في وصف الأقحوان
( يا سائلي عن جعفر علمي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد )
( كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعاليه وأسفله ندي ) - من الكامل

وقال في أبي جعفر العتبي
( تغيرذت أخلاق هذا العتبي ... وصار لا يعرف غير العتب )
( وغير ضرب دائم وسب ... وقد حشا فصار مثل الدب )
( عليه ألف لعنة من ربي ... ) - من الرجز -
وقال فيه
( ما لقينا من القصير ... العريض الملزز )
( كان حرا فصار نبزا ... على كل أنبز )
( عذب الله نفسه ... في حبوس القمندز ) - من مجزوء الخفيف -
وقال فيه
( برئت من وائل وبكر ... ومفجر وابل وبكر )
( إن جئتكم طالبا لشغل ... وأحمد بن الحسين صدر ) - من مخلع البسيط -
وقال في قوم من صنائعه وأصحابه
( صنائع الشيخ سوى حمد ... بيادق الشطرنج والنرد )
( منهم أبو نصر وسبحان من ... براه من أسطمة البرد )
( ولعنة الله على بعضهم ... وهو أبو بكر بن شهمرد )
( وبعد لولا الحفظ للعهد ... لقلت في المضطرب القد )
( فارجع إلى حمد فما فيهم ... يا سيدي أنذل من حمد ) - من السريع

ويحكى أن حمد بن شاهمرد لما سمع الأبيات اهتز لإخراجه إياه من جملة من هجاهم فلما سمع البيت الأخير استرجع وقال ليته أجراني مجراهم ولم يخصني بالذم
وقال يوما أبو أحمد بن منصور للحام قد هجوتني قال لا قال فاهجني وخلاك الذم وقدم إليه القرطاس والدواة فكتب
( قالوا أبو أحمد حر فقلت لهم ... حر لعمري ولكن فاكسروا الحاء )
( فإن أردتم محالا أو به سفها ... فأبدلوه بياء وانقطوا الراء ) - من البسيط -
وقال لأبي طلحة قسورة بن محمد
( إني امرء يا أبا طلحة ... بنصحك صب )
( هذا زمانك فاختم ... بالطين والطين رطب )
( وقد وعظتك إن كنت ... للمواعظ تصبوا )
( وإن رجوتك من ... بعدها فإني كلب )
( أحسن فمالك عذر ... وما على الدهر عتب )
( فإن سقيا الليالي ... فيها أجاج وعذب ) - من المجتث -
وقال
( يا أبا طلحة استمع ... قول من فيك قد صدق )
( لك وجه كأنه ... صيغ من قمقم خلق )
( وخلال إخالها ... من كنيف قد انبثق )
( قم فلا خير فيك يا ... خلق الخلق والخلق ) - من مجزوء الخفيف

وقال في بطة بن كوسيد وفي أبي مازن قيس بن طلحة وأبي يحيى الحمادي
( ملك الديوان قيس ... وأبو يحيى وبطه )
( كلهم أخزاهم الله ... على الأحرار سخطه )
( ليس فيهم من يساوي ... في نفاق السوق ضرطه ) - من مجزوء الرمل -
وفي أبي يحيى
( تكذب الكذبة جهلا ... ثم تنساها قريبا )
( كن ذكورا يا أبا يحيى ... إذا كنت كذوبا ) - من مجزوء الرمل -
وقال في بطة
( ولا تدع قط قفا بطه ... فإنه قد صار كالبطه )
( أثرى بمرو بعد أن لم يكن ... يملك إذ حل بها ضرطه ) - من السريع -
قال في ابن حسان
( بالراح أقسم صرفا ... والعود والسرناء )
( أن ابن حسان في حال ... شدة ورخاء )
( ما آثر الباغ إلا ... لفرط داء البغاء )
( حتى إذا عز أير ... أنحى على القثاء ) - من المجتث -
وقال في تميم بن حبيش
( يا تميم بن حبيش ... كل ذاك الطيش أيش )

( إنما أنت وكيل الباب ... لا صاحب جيش )
( قد تبظرمت وقدما ... كنت في أنكد عيش )
( كنت ذميا فصرت اليوم ... في أعلى قريش ) - من مجزوء الرمل -
وقال من نتفه
( ويبرز للرائين وجها كأنما ... كساه إهابا من قشور الخنافس ) - من الطويل -
وقال في أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين
( محمد بن علي ... سبط الحسين بن حامد )
( وافى فسر ولي ... به وأكمد حاسد )
( قد قلت لما بدا لي ... في مسك بعض الأساود )
( الحمد لله شكرا ... قد زاد في الزط واحد ) - من المجتث -
وقال في أبي علي البلعمي
( وزارة البلعمي منقلبة ... وهو كقفل غدا على خربه )
( لم يرع للأولياء حرمتهم ... فيها ولا للوجوه والكتبه )
( قد قلبت وجه كل مكرمة ... متى تراها عليه منقلبه )
( فهو أحق الورى بداهية ... تضحي لها رأسه على خشبه ) - من المنسرح -
وقال فيه والعتبي منفي إلى بست
( متى أرى الشيخ الذي ببست ... كالبدر يبدو طالعا في الدست )
( لحية هذا البلعمي في استي ... ) - من الرجز

وقال فيه
( أبا علي أنلني بعض آمالي ... يرضيك أيري وإن لم ترض أقوالي )
( إن كان ساءك أقوال نطقت بها ... فسوف يرضيك عني حسن أفعالي ) - من البسيط -
وقال في ابن عزيز
( إذا فقد البؤس في بلدة ... وأعوز وجدانه في العوير )
( ولم يوجد الجود في مجلس ... سحيق الأقاصي ولا قعر دير )
( فمعدن وجدانه حاضر ... خوان محمد بن العزير )
( خوان عظيم ولكنه ... خلي الجوانب من كل خير )
( فتى لا يرجى على الحادثات ... لتقريب خير ولا دفع ضير )
( كثير التنقل في داره ... فمن أصل إير إلى أصل أير )
( فغلمته بقناديلهم ... يطوفون من دبره حول دير ) - من المتقارب -
وقال فيه
( طعام محمد بن عبد العزير ... تداوى به المعدة الفاسده )
( حشائش بقراط معجونة ... به وعقاقيره الفارده )
( جرادقه درة ذرة ... على عدد الفتية الوارده )
( على عدد القوم رغفانه ... فلست ترى لقمة زائدة )
( أرى الصوم في أرضه للفتى ... إذا حلها أعظم الفائده ) من المتقارب -
وقال فيه
( لقيت أشأم طير ... وسرت أنكد سير )
( مواصلا كل شر ... مجانبا كل خير )

( طارت عليك نحوس ... تجري بأشأم طير )
( فأنت خنزير خلق ... تغدو بأخلاق عير )
( وليس يعرف ما قد ... حوى قميصك غيري )
( إن ساء فيك مقالي ... فسوف يرضيك أيري ) - من المجتث -
وقال في غيره
( تثنى بما فيك من سوء التناشيم ... يأوي إليها الخنا والجهل والبكم )
( حماك حل ومن يأويه مبتذل ... لنايكيك وما في كفك الحرم )
( قسمت نصفين علو شأنه بخل ... عند السؤال وسفل زانه كرم )
( يا كاتبا كلما أفنى أدراجه ... دس الطوامير في وجعائه الخدم )
( إن الكتابة أمست غير طاهرة ... مذ حاض في يدك القرطاس والقلم ) - من البسيط -
حدثني أبو القاسم الأليماني قال بني أبو الفضل القاشاني دارا سر بها فلما فرغ منها سأل اللحام وقد دخل إليها مهنئا أن يدور فيها ويتأملها ففعل وأنشأ يقول
( متى أراها ينادي حولها البوم ... وللنساء بها نوح وتلطيم )
( متى أراها يبابا لا أنيس بها ... متى يقام على الشيخ المآتيم )
( إسمع أبا الفضل لا أسمعت صالحة ... يا كلب يا قرد يا خنزير يا بوم ) - من البسيط -
وأنشدني أبو القاسم قال أنشدني اللحام لنفسه في علي بن الحسين
( إلى الله أشكو أهل يزد بأسرهم ... وألعن شخصا جاء من جانبي يزد )

( زنيما إلى أبناء ساسان ينتمي ... بوجه عريق اللؤم في نسب الهند )
( إذا عد أهل الخير كان بضدهم ... وإن عد أهل الشر لم يك بالضد )
( لسان إلى البهتان أهدى من القطا ... وكف على العدوان أعدى من الفهد )
( فأخرسه رب على ذاك قادر ... وأفرد كفيه جميعا من الزند ) - من الطويل -
وأنشدني غيره له في الحاكم الجليل
( بعد الخمول غدوت صدر الموكب ... وجررت كبرا ذيل كل تسحب )
( يا من يمر على الورى متبظرما ... أنظر إلى أطلال دار المصعبي ) - من الكامل -
وله في أبي مازن لما صرف عن الديوان وأمر بلزوم منزله
( أبو مازن لازم منزله ... وأصبح في الناس لا ذكر له )
( رماه الزمان بأحداثه ... ومن حيث أخرجه أدخله ) - من الكامل -
وله فيه وفي أبي بكر محمد بن سباع
( مضى أبو مازن لا ضير وارتفعت ... تهب لابن سباع ريح إقبال )
( كذلك الدهر في تصريفه عجب ... ما زال يبدل أنذالا بأنذال ) - من البسيط -
وله في أبي جعفر بن العباس وابن مطران
( عاد إلى الحضرة إثنان ... طويس والنذل ابن مطران )
( اثنان ما إن لهما ثالث ... إلا عصا موسى بن عمران ) - من السريع -
وقال في ابن مطران من أبيات
( ما زال بالشاش فوق باكية ... يسقط حتى احتواه مسقطه )
( وكاد فيمن يموت من سغب ... هنا لولا استه وبربطه ) - من المنسرح

وله فيه
( هذا الشويشي الذي وافى ... لسانه معتقل فافا )
( يخالف الرحمن في قوله ... ( لا يسألون الناس إلحافا ) ) - من السريع -
وقال في بعض الحكام
( قلنسوة على رأس صليب ... مساحته جريب في جريب )
( وإن يدي وهامته ونعلي ... قريب من قريب من قريب ) - من الوافر -
وله في أهل خوارزم
( ما أهل خارزم سلالة آدم ... ما هم وحق الله غير بهائم )
( أترى شبيه رءوسهم ولغاتهم ... وصفاتهم وثيابهم في العالم )
( إن كان يقبلهم أبونا آدم ... فأنا بريء من أبينا آدم ) - من الكامل -
وله فيهم وقد حصل على عمل البريد بها
( لا نال من ربه مناه ... ولا شفاه ولا رعاه )
( من سامني الكون في بلاد ... رءوس سكانها جباه )
( أغدو بلا مؤنس وأمسي ... إمساء من ليله ضحاه )
( لدى خسيس يظن تيها ... أن ليس في ذا الورى سواه )
( له ثنايا كأنما قد ... عض بأطرافها خراه ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( وقائل لي دنست النجاء بمن ... يدنس أن أقعى وإن شردا )

( فقلت أنصفت لكن هل سمعت بمن ... إن هر كلب عليه نازل الأسدا ) - من البسيط -
وله
( يا رب لا ترضي الذي يرضى ... اخسف به وبداره الأرضا )
( يا رب لا ترضي الذي يرضى ... اخسف به وبداره الأرضا )
( إن لم يكن خسف فلا عجب ... أدخله جوف حرامه عرضا ) - من الكامل -
وقوله
( قلقل الله ماضغيك وفكيك ... وبت الكفين من زنديكا )
( كم تصلي على جنائز موتاك ... أما آن أن نصلي عليكا ) - من الخفيف -
وله
( عبدان هامته للصفع معتاده ... لا سيما من أكف السادة القاده )
( كأن أيدي الندامى في تناولها ... أيدي صيام إلى كيزان براده ) - من البسيط -
وله
( سبحان ذي الملكوت من متقدس ... لم يبق شيء في الورى لم يخنس )
( داءان كانا في الملوك فأدبرا ... وتواضعا داء البغا والنقرس ) - من الكامل -
وله في أبي عبد الله الشبلي يهجوه
( وألف أير من أيور الزنج ... مضروبة في رقعة الشطرنج )
( بلا حزام وبلا برطنج ... في إست بعض الناس من بوشنج ) - من الرجز

ما علق بحفظي في فنون شتى
قوله في الغزل
( ما على مسقمي بألحاظة ... لو ترفقا )
( لك حل دمي فرأيك ... فيه موفقا )
( أنا لا شك ميت ... فلك العمر والبقا ) - من مجزوء الخفيف -
وقال في استهداء الشراب
( عندي يا سيدي ومولائي ... من بهواه قد طال بلوائي )
( وقد رأى أن يبيت مبتديا ... وكان ما قد رآه من رائي )
( وليس عندي من الشراب له ... وحق ما بيننا سوى الماء ) - من المنسرح -
وقوله لبعض الوزراء
( إن الذين مشوا إليك على دمي ... لم أصغ فيك لهم وهم عذالي )
( حتى إذا ما استيأسوا مني سعوا ... ووشوا بما لم يجر قط ببالي ) - من الكامل -
وقوله
( إني اعتللت علة ... سقطت منها في يدي )
( وكان في الإخوان من ... لم أرهم في العود )
( فقلت في كلهم ... قول امرئ مقتصد )
( أير الذي قد عادني ... في است الذي لم يعد ) - من مجزوء الرجز -
وله
( بعثت يا سيدي بقرعه ... فبلها لي ولو بجرعه )
( فعندنا أمرد قبيح ... لكنه في الفساد بدعه ) - من مخلع البسيط

وله من قصيدة
( ما إن أرقت بحرصي قطرة فجرت ... من ماء وجهي إلا خلت ذاك دمي )
( ولا مشت قدمي في حظ مطعمة ... إلا تمنيت أني ما مشت قدمي )
( جاريت دهري زمانا راكبا طعمي ... فدمت أجري على حال ولم يدم )
( فما رأيت بخيلا حال عن بخل ... يوما ولم أر مطبوعا على الكرم ) - من البسيط -
ذكر نبذ من هجائه
قال ابن مطران فيه
( أبا حسن ألا قل لي ... وبين منتهى أدبك )
( بأية حيلة قومت ... عطف الحاء من لقبك ) - من مجزوء الوافر -
وقال أبو جعفر محمد بن العباس الوزير فيه
( من احتاج إلى السيف ... فما في فيك يكفيك )
( وما جارحة فيك ... لنا أجرح من فيك )
( وأطراف المساويك ... لتنبي عن مساويك ) - من الهزج -
وقال فيه
( إن الذي أفنى الخطيئة بعدما ... أفنى الهجاء وباء بالآثام )
( وأباد هجاء الخلائق دعبلا ... من بعده وفنى بني بسام )
( سيرد أعراض الكرام بمنه ... ولطيف قدرته من اللحام ) - من الكامل

وقال أبو نصر الهزيمي
( لم لا تبيع ولم لا تشتري اللحما ... يا شر من شتم الأحرار أو شتما )
( لقد صددت عن القول الجميل فما ... فتحت مذ كنت إلا بالقبيح فما )
( عميت من طول ما تهجو الكرام ومن ... عمي الفؤاد بدا في ناظريك عمى ) - من البسيط -
ذكر آخر عمره
لما لم تزده الشيخوخة إلا بذاء وتولعا بأعراض الأحرار ومجاهرة بالوقيعة في المحتشمين والكبار ولم يسلم منه أحد من أصحاب السيوف والأقلام وشاع من شنيع هجائه للبلعمي ما يبقى على الأيام وساءت الآراء فيه واتصلت الشكايات منه خرج الأمر السلطاني بتأديبه وعرك أديمه
وتطهير الحضرة من خبث أقاويله فأنفذ إليه وإلى الشرط مسودا امتثل فيه الأمر ولزمه حتى عبر به النهر فقال فيه ابن مطران الطويل
( لسانك يا لحام ألقاك في ورطه ... ومزدحم الأسواء لاقاك بالضغطه )
( لئن كان لم يدبغ لسانك دابغ ... لقد أحسنت بالأمس دبغ استك الشرطه )
( إلى كم تسوء الناس عيشك سالما ... فمت هرما يا كلب إن لم تمت عبطه )
( ولا نلت ما عمرت خيرا ولم تزل ... لدائرة الأسواء رأسك كالنقطة )
ثم إن البلعمي ندم على استحيائه وخاف بادرة لسانه وعلم أنه لم يتوجه إلا تلقاء نيسابور
فكتب إلى صاحب الجيش أبي الحسن بن سيمجور وكان قد هجاه أيضا في إذكاء العيون عليه والجد في تحصيله وكفاية شغله ووافق ورود الكتاب قدوم اللحام نيسابور ونزوله خان وشمكير فم يشعر إلا بهجوم من أزعجه وحمله وضبنه على البغال سائرا به إلى قائن وهو مريض لا يقل رأسه

فلما شارف المقصد قضى نحبه ولقي بصحيفته السوداء ربه
32 - أبو محمد المطراني الحسن بن علي بن مطران
شاعر الشاش وحسنتها وواحدها فإنها وسائر بلاد ما وراء النهر لم تخرج مثله إلا أبا عامر إسماعيل بن أحمد بعده وكان ابن مطران بخير وحسن حال يرد الحضرة بالمدح وينصرف بالمنح ويتصرف في أعمال البرد بما يرتفق به ويرتزق منه وشعره مدون كثير اللطائف
حدثني السيد أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي قال كنت ببخارى كثيرا ما تجمعني وابن مطران فأرى رجلا مضطرب الخلقة من أجلاف العجم فإذا تكلم حكى فصحاء العرب على حبسة يسيرة في لسانه وكان يجمع بين أدب الدرس وأدب النفس وأدب الأنس فيطرب بنثره كما يطرب بشعره ويؤنس بهزله كما يؤيس بجده وقد عيره اللحام في بعض أهاجيه وكان بينهما سوق السلاح قائمة فيتهاجيان ويتهاتران ولا يكادان يصطلحان
وكان اللحام يربي عليه في الهجاء ولا يشق غباره في سائر فنون الشعر وبلغني أن ديوان شعر ابن مطران حمل إلى حضرة الصاحب فأعجب به فقال ما ظننت أن ما وراء النهر يخرج مثله ومر له في الشراب المطبوخ
( وراح عذبتها النار حتى ... وقت شرابها نار العذاب )
( يذيب الهم قبل الحسو لون ... لها في مثل ياقوت مذاب )
( ويمنحها المزاج لهيب خد ... تشرب ماؤه ماء الشباب ) - من الوافر -
فتعجب من حسن البيت الأول وتحفظه وكان كثيرا ما ينشده ويقول

كأنه مقلوب قول السرى في الخمر
( هات التي هي يوم الحشر أوزار ... كالنار في الحسن عقبى شربها النار ) - من البسيط -
ومن سائر شعره قوله في أبي علي البلعمي من قصيدة أولها
( ألم المشيب برأسي نذيرا ... وولى الشباب بعيشي نضيرا )
( وأصبح ضوء صباح المشيب ... لغربان ليل شبابي مطيرا )
( كذاك إذا لاح نور البكور ... لسود الطيور هجرن الوكورا )
( هو الشيب مخبره مظلم ... وإن كان منظره مستنيرا )
( وقد كان إظلامه في العيون ... يجلو العيون ويشفي الصدورا )
( فأعجب بلون سواد أنار ... ولون بياض أبى أن ينيرا )
( كأن الغواني رمد العيون ... يطالعن من شيب فودي نورا )
( إذا هن قابلن نور المشيب ... أدرن على ذلك النور نورا )
( وإن هن واجهن زور الخضاب ... أعرضن عن ذلك الزور زورا ) - من المتقارب -
ومنها في المدح
( بلوناك حين يرجى الولي ... عرفا ويخشى العدو النكيرا )
( فلم تك إلا اختيارا نفوعا ... ولم تلك إلا اضطرارا ضرورا )
( ولم ترد الشر إلا جزاء ... أراد بك الله خيرا كثيرا )
( ولو لم تخف سوء ظن الشكور ... لما كنت بالسوء تجزي الكفورا ) - من المتقارب -
وله من قصيدة
( ترمي مكايدة العدو ... بما التحفظ منه ضائع )
( من واقعات بالمقاتل ... قاتلات بالمواقع ) - من مجزوء الكامل

وله من تشبيب قصيدة
( أخو الهوى يستطيل الليل في سهره ... والليل في طوله جار على قدره )
( ليل الهوى سنة في الهجر مدته ... لكنه سنة في الوصل من قصره ) - من البسيط -
وله في مثل هذه الصنعة وإن كانت في معنى آخر
( كان التصرف في خفض وفي دعة ... أقل مدته فيما يقال سنه )
( فالآن قد صار من شؤم ومن نكد ... بالخفض من سنة حتى يقال سنه ) - من البسيط -
وله في استهداء العنب
( يا أحمد الأكرمين سيره ... فيهم وأذكاهم سريره )
( ومن بهماته العوالي ... أضحت عيون العلا قريره )
( ومن يرى بشره بشيرا ... أمواجه ثرة غزيره )
( لترمني راحتاك شهبا ... مضلعات ومستديره )
( أشب العنبر المعلى ... مسكا به دهمة يسيره )
( بلاد مجموعها ثلاث ... الهند والترك والجزيرة )
( ولا يكن حبسها طويلا ... عني وأعدادها قصيره ) - من مخلع البسيط -
وله من نيروزية
( قد أتاك النيروز وهو بعيد ... مر من قبله قريبا رسيل )
( سل سبيلا فيه إلى راحة النفس ... براح كأنها سلسبيل )
( واشتمالا على السرور وهل يجمع ... شمل السرور إلا الشمول )
( وهدايا النيروز ما يفعل الناس ... ولكن هديتي ما أقول ) - من الخفيف

وله من تشبيب قصيدة
( مهفهفة لها نصف قضيب ... كخوط البان في نصف رداح )
( حكت لينا ولونا واعتدالا ... ولحظا قاتلا سمر الرماح ) - من الوافر -
وله أيضا من تشبيب قصيدة أخرى
( ظباء أعارتها المها حسن مشيها ... كما قد أعارتها العيون الجآذر )
( فمن حسن ذاك المشي جاءت فقبلت ... مواطئ من أقدامهم الضفائر ) - من الطويل -
أخذه من قول ابن الرومي فزاد فيه وحسنه
( ووارد فاحم يقبل ... ممشاه إذا اختال مشية عذره ) - من المنسرح -
وقال في استهداء حنطة في سنة قحط ببخارى
( يا أيها ذا السيد المؤمل ... أرسى من الدهر علي كلكل )
( يكاد أن ينفك منه المفصل ... ثلاثة عيشي بهن مثقل )
( القحط والعيلة والتعطل ... لي من بني الروم إمام مقول )
( قد باسط السادة فيما يؤكل ... ولست ممن لاغتنام يسأل )
( لكن إذا أعياني التمحل ... والحنطة السمراء حين تحمل )
( أحسن من بيضاء حين ترفل ... والحب للنفس الحبيب الأول )
( فليس لي إلا به تعلل ... تنور داري مهمل معطل )
( ومطبخي مع الخوان مهمل ... والسوق قفر ليس فيها مأكل )
( والضيق في ذا العام ضيق يشمل ... لا زلت من جاه ومال تبذل )
( أفضل حر يرتجى ويسأل ... لا زالت الدنيا عليك تقبل )

( بخيرها والخير منك يقبل ... ما زرع البر وطال السنبل ) - من الرجز -
وقال في أبي حاتم محمد بن الربيع الطوسي
( كأن أبا حاتم لا يزال ... يصرف في الصرف لا في العمل )
( إذا حل أرضا دنا ظعنه ... توقع رحيلا إذا قيل حل )
( فتى لا يبيت على بطنة ... ولا يأكل الخبز إلا بخل )
( فتى عنده أنه يستقل ... بكل الأمور ولا يستقل )
( ويوجب تدبيره أن يكون ... رئيسا يعز ولا يستذل ) - من المتقارب -
وله في ثلجة سقطت بعد النيروز وبرد أضر بالأنوار
( عجبا لآذر جاء في آذار ... وتفاوت الأفلاك في الأدوار )
( طلعت عشاء للبيات سحائب ... أنواؤهن خسفن بالأنوار )
( أبدى الربيع لنا شتاء مضمرا ... يأبى ظهور ضمائر الأشجار )
( ندم الشتاء على التقضي فانثنى ... لينال منتقما بقايا الثار ) - من الكامل -
وكتب إلى صديق له رأى عنده غلاما فاستشرطه
( رأيت ظبيا يطوف في حرمك ... أغن مستأنسا إلى كرمك )
( أطمعني فيه أنه رشأ ... يرشى ليحشى وليس من خدمك )
( فاشغله بي ساعة إذا فرغت ... دواته إن رأيت من قلمك ) - من المنسرح -
وله وقد سمع قول محمد بن عبد الله بن طاهر ما جمشت الدنيا بأظرف من النبيذ
( ألا إن دنياك معشوقة ... تجمشها كل عيش لذيذ )

( ولكتها قط ما جمشت ... من الملهيات بمثل النبيذ ) - من المتقارب -
وله من قصيدة
( كم غصت في مدحك فكرا على ... در نفيس غير مثقوب )
( ولم يغص رأيك يوما على ... بري ولا رأي لمكذوب )
( إن كان موعودك الجود لي ... أكذب من موعود عرقوب )
( فإن إخبارك في مدحتي ... أكذب من ذئب ابن يعقوب ) - من السريع -
وله من أخرى
( يا من إذا مادح أثنى عليه بما ... في نفسه قام من مرآة شاهده )
( والمرء مرآه مرآة يلوح بها ... في الغيب منه لعيني من يشاهده ) - من البسيط -
ألم فيه بقول الرومي
( وإذا ما محابر الناس غابت ... عنك فاستشهد الوجوه الوضاء )
( بشر البرق بالحيا وسنا الصبح ... بأن يقلب الدجى أضواء ) - من الخفيف -
( وله من أخرى
( شهر الصيام جرى باليمن طائره ... عليك ما جد باديه وعائده )
( ودام قصرك مرفوعا مجالسه ... لزائريه ومنصوبا موائده )
( ودام صدر عظيم أنت ماهده ... وعش لملك عزيز أنت واحده )
( فأنت منظره الأبهى وناظره الأعلى ... ومنكبه الأقوى وساعده ) - من البسيط -
وله في أخوين كريم ولئيم
( بين أخلاقه التي هي أخلاق ... وأخلاقك العتاق مسافه )
( ولعمري لفي ادعائك إياه ... ابن أم إبطال علم القيافه ) - من الخفيف

وقال في وصف الشتاء
( وشتاء محمق الكلب ... فلا يغلو قديره )
( كلما رام نباحا ... زم فاه زمهريره ) - من مجزوء الرمل -
وله في أكول
( إن أبا طالبنا ... له فم كالمعده )
( يهضم ما يمضغه ... من غير أن يزدرده ) - من مجزوء الرجز -
وله
( والمودات ما خلت ... من تهاد مكدره )
( كطبيخ خلا من اللحم ... يدعى مزوره ) - من مجزوء الخفيف -
وله وهو من ظرفه
( تزهى علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها ) - من المنسرح -
وله في أبي الفضل المعافى بن هزيم الأبيوردي
( أصبح الملك مبتلى بالمعافى ... وهو مما به ابتلاه معافى )
( ورد الباب لانتصاف من الدهر ... فأفنى الصحاح والأنصافا ) - من الخفيف -
وقال في اللحام وقد اعتذر إلى بعض الرؤساء من هجائه
( قل للحيحيم إن مدحك عن ... هجوك ما إن يقوم معتذرا )
( وهل يعفى على إساءته ... تبصيص الكلب بعد ما عقرا ) - من المنسرح

وله من قصيدة
( طال افتتاني بظبي ورد وجنته ... يجنى فؤادي وكفي ليس تجنيه )
( نص ينم على أسرار نعمته ... لباسه فكما يكسوه يعريه )
( فكيف ألثمه واللحظ يؤلمه ... والشم يكلمه والضم يدميه ) - من البسيط -
وله من أخرى
( ظبي أنس فدته وحش الظباء ... شف جسمي بطول منع الشفاه )
( شادن يرتعي سويداء قلبي ... حسن يرنو من مقلة سوداء )
( شب فيه الشباب نار جمال ... عدلت ناره بماء البهاء ) - من الخفيف -
وله في وصف ثوب أهداه إليه صديق
( أبا نصر سمحت لنا بثوب ... حكى في فرط ضيق العرض باعك )
( سخافة نسجه تحكيك لكن ... غلاظة نسجه تحكي طباعك ) - من الوافر -
وله من قصيدة كتب بها إلى إخوان له بالشاش من رباط كان التجأ إليه من فتنة وقعت بالناحية
( فزتم بآنس ألفة وخلاط ... وتركتموني في كنيف رباط )
( وسعت صحون فيه إلا أنها ... من ضيق صدري مثل يم خياط )
( جاورت فيها نسوة ساسية ... نسل الحرام حلائل السقاط )
( سلب الزمان شعورها وشعورها ... طهر السواك وزينة الأمشاط )

( يحملن أطفالا كأن وجوههم ... طليت بصمغ من يبيس مخاط )
( فيهن فتيات إذا غنينني ... عنيننى وقصمن ظهر نشاطي )
( أمعاؤها أوتارها وبطونها ... أعوادها واللحن رجع ضراط )
( ولهن أزواج على أكتافهم ... كنف معلقة من الآباط )
( إن يسهروا لتسامر فكلامهم ... لا يستبان كصرة الوطواط )
( أو يرقدوا فحلوقهم وأنوفهم ... مما تغط كحقة الخراط )
( وخلال ذلك يسمعونك كارها ... صوت الضراط كمثل شق رباط )
( حتى يغص بع الرباط كأنما ... إرساله من غير ذات رباط )
( ختموا الطريق بطينة بطنية ... ليفك ذاك الختم رجل الواطي )
( لا أستطيع تحفظا منها ولو ... أعملت فيه توقي المحتاط )
( أمشي بأطراف الأصابع بينها ... حذرا كأني فوق حد صراط )
( وبراغث مثل الخطوب طوارق ... حدب الظهور غليظة الأوساط )
( يحسون ماء حياتنا فجلودنا ... كمصاحف محمرة الأنقاط ) - من الكامل -
33 - أبو جعفر محمد بن العباس بن الحسن
هو ابن العباس بن الحسن وزير المكتفى والمقتدر وأخباره مشهورة وأيامه في الوزارة مذكورة
وأبو جعفر هذا كاتب بليغ حسن التصرف في النظم والنثر رمت به حوادث الدهر إلى بخارى فأكرم مثواه كالعادة كانت للملوك السامانية في معرفة حقوق الناس وأبناء النعمة وأغذياء الرياسة لا سيما الجامعين إلى كرم النسب شرف الأدب وتقسمت أيامه بين الأولية السنية والطلعة الهنية
وكان على تماسك حاله وانتعاشه وارتياشه شاكيا لزمانه
مستزيدا لسلطانه وله القصيدة التي سارت في البلاد وطارت في الآفاق لحسن ديباجتها وبراعة

تجنيساتها وكثرة رونقها وأنشدنيها غير واحد ممن أنشده أبو جعفر إياها وأولها
( لئن أصبحت منبوذا ... بأطراف خراسان )
( ومجفوا نبت عن لذة ... التغميض أجفاني )
( ومحمولا على الصعبة ... من إعراض سلطاني )
( ومخصوصا بحرمان ... من الأعيان أعياني )
( وصرف عند شكواي ... من الآذان آذاني )
( ومكلوما بأظفار ... ومكدوما بأسنان )
( وملقى بين أخفاف ... وأظلاف توطاني )
( كأن القصد من أحداث ... أزماني إزماني )
( فكم مارست في إصلاح ... شاني ما ترى شاني )
( وعاينت خطوبا جرعتني ... ماء خطبان )
( أفادت شيب فودي ... وأفنت نور أفناني )
( أغصتني بأرياقي ... لدى إيراق أغصاني )
( وقادتني إلى من هو ... عني عطفه ثاني )
( سوى أني أرى في الفضل ... فردا ليس لي ثاني )
( كأن البخت إذ كشف ... عني كان غطاني )
( وما خلاني إلا ... زمانا فيه خلاني )
( سأسترفد صبرى إنه ... من خير أعواني )

( وأستنجد عزمي إنه ... والحزم سيان )
( وأنضو الهم عن قلبي ... وإن أنضيت جثماني )
( وأنجو بنجاتي إن ... قضاء الله نجاني )
( إلى أرضي التي أرضى ... وترضيني وترضاني )
( إلى أرض جناها من ... جنى جنة رضوان )
( هواء كهوى النفس ... تصافاه صفيان )
( رخاء كرخاء شرد ... الشدة عن عاني )
( وماء مثل قلب الصب ... قد ريع بهجران )
( رفيق الآل كالآل ... وفيه أمن إيمان )
( وترب هو والمسك ... لدى التشبيه تربان )
( فإن سلمني الله ... وبالصنع تولاني )
( وأولاني خلاصا جامعا ... شملي بخلصاني )
( وأرآني أودائي ... وآواني لإيواني )
( وأوطأني أوطاني ... وأعطاني أعطاني )
( وأخلى ذرعي الدهر ... وخلاني وخلاني )
( فإني لا أجد العود ... ما عاد الجديدان )
( إلى الغربة حتى تغرب ... الشمس بشروان )
( فإن عدت لها يوما ... فسجاني سجاني )
( وللكوت الوحى الأحمر ... القاني ألقاني ) - من الهزج

وأنشدني أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم قال أنشدني أبو جعفر بن العباس لنفسه
( لست في ذا العذار والأمرد الحاسر ... عن رأسه العذار بخالع )
( الوقايات في الوقاية عندي ... فلهذا مقانعي في المقانع ) - من الخفيف -
وأنشدت له أيضا
( بوجهك يا من رق منه أديمه ... وراق الدمى حسنا أريق دمي عمدا )
( فأقسم أن لو قسمت صبوتي على ... بسيم الصبا ما نسم النسم البردا ) - من الطويل -
وأنشدني أبو القاسم الأليماني قال أنشدني أبو جعفر لنفسه في أبي جعفر العتبي
( ألا من مبلغ المكروب قولا ... بدا عن نصح مأمون المغيب )
( جعلت الدهر حربك وهو سلم ... فلم تسلم عليه من الحروب )
( وحالفت العبوس لغير بؤس ... فأسلمك القطوب إلى الخطوب ) - من الوافر -
وكان بالحضرة رجل من الظاهرية يقال له أبو العباس الظاهري ينادم الكبراء ويتعاطى آلة اللهو وربما يشعر وكان يلقب ببشار لسوء في عينيه وعبث منه بالشعر فقال فيه أبو جعفر
( إن الأمير أبا العباس بشار ... قرم نمته إلى العلياء أخيار )
( فما يفارقه في الحجر مزهره ... وما يفارقه في الحجر مزمار ) - من البسيط -
وقال فيه أيضا
( أضحى أبو العباس مع علمه ... بالقلب والإبدال مفتنا )
( فعينه غين إذا ما رنا ... وغينه عين إذا غنا ) - من السريع

وقال فيه وكانت له أم ولد مغنية تحضر معه مجالس الأنس
( بشار لولا غناء حرمتك الجامع ... بين الإحسان والطيب )
( لكنت مثل المجذوم مجتنبا ... إن لم تصدق فقل لها توبي ) - من المنسرح -
34 - ابن أبي الثياب أبو محمد
من ندماء ابن العميد وله فيه شعر كثير وكان فسيح مجال الفضل وافر الحظ من الظرف ولما فارق ابن العميد وورد بخارى نجحت سفرته وحظي بالقبول ونادم فضلاء الصدور وهاجى أبا جعفر محمد بن العباس فمن قوله فيه
( إن ابن عباس أبا جعفر ... يبذل للناكة أوراكه )
( تراه من تيه ومن نخوة ... كأنه ناك الذي ناكه ) - من السريع -
وأنشدني السيد أبو جعفر الموسوي له في أبي العباس وكان يلقب بطويس
( وقائل قال سرا ... عن غير لب وكيس )
( لم لا تنيك طويسا ... وأنت جار طويس )
( فقلت كيف افتراشي ... عنزا ولست بتيس ) - من المجتث -
وأنشدني حاضر بن محمد الطوسي لابن أبي الثياب في كتاب معنون بالحمرة
( هذا كتاب فتى جفاؤك مضرم ... نارا من الأشجان بين ضلوعه )

( ودليله في فيض مقلته دما ... أن الكتاب مخضب بنجيعه ) - من الكامل -
ووجدت له بخط الرئيس أبي محمد الميكالي رحمه الله تعالى
( يا هماما يطول كل همام ... بالقديم المشهود في الأقوام )
( والحديث الذي أذاع حديثا ... عن سماء تهمي بغير غمام )
( أنت بحر يجيش بالدر لكن ... نظم در البحار للنظام )
( فارع للشعر ذمة في ولي ... قد كفاه الولاء كل ذمام )
( وأعد أوجه المنى لبنيها ... ضحكا عن مدامع الأقلام )
( فسواد التوقيع يجلو لعيني ... بياضا من الأيادي الجسام )
( لست أشكو إليك أيام دهر ... أنت فيها ذخيرة للأنام )
( حسبي الله في إدامة نعمائك ... للمسلمين والإسلام ) - من الخفيف -
وأنشدني بديع الزمان له من قصيدة
( وهاجرة تشوي الوجوه كأنها ... إذا لفحت خدي نار تأجج )
( وماء كلون الزيت ملح كأنما ... بوجدي يغلي أو بهجرك يمزج )
( تعسفها السير الأشد إلى فتى ... سنا وجهه جنح الدجى يتبلج ) - من الطويل -
وأنشدني أبو سعد يعقوب له في وصف شمعة
( ومجدولة مثل صدر القناة ... تعرت وباطنها مكتسي )
( لها مقلة هي روح لها ... وتاج على الرأس كالبرنس )
( إذا غازلتها الصبا حركت ... لسانا من الذهب الأملس )
( فنحن من النار في أسعد ... وتلك من النار في أنحس )
( وقد ناب وجهك عن حسنها ... وعن ذا البنفسج والنرجس )

( فيا حامل العود حث الغنا ... ويا حامل الكأس لا تحبس ) - من المتقارب -
35 - أبو الحسن علي بن هارون الشيباني
وليس بالمنجم
من فضلاء الطارئين على تلك الحضرة المتحلين بالأدب والشعر الحاصلين بين أنياب الدهر وهو القائل لوزير الوقت
( حمل الرياسة ما علمت ثقيل ... والدهر يعدل مرة ويميل )
( يا راكب الآثام في سلطانه ... انظر إلى الأيام كيف تحول )
( هي ما سمعت وما رأيت سبيلها ... التحويل والتنقيل والتبديل )
( لا تعتلل بالشغل إنك إنما ... ترجى لأنك دائما مشغول )
( وإذا فرغت ولا فرغت فغيرك ... المقصود للحاجات والمأمول ) - من الكامل -
أخذه من قول أبي العباس لما قال له عبد الله بن سليمان ( اعذرني فإني مشغول ... ) فقال
( ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل ) - من الطويل -
وله
( أيها التائه في الدولة ... مهلا في اقتدارك )
( كم إلى كم تجعل التيه ... علينا من شعارك )
( ما تبالي بخراب الأرض ... في عمران دارك )

( أي شيء كان لو فكرت ... في دار قرارك )
( ته كما شئت وصل واسط ... علينا في جوارك )
( فلنا صبر على ذاك ... إلى يوم بوارك ) - من مجزء الرمل -
ولد في منصور بن بابقرا
( يا مكثرا للعظمه ... أسرفت في الكبر فمه )
( فكم رأينا من كبير ... كبره قد قصمه )
( غدت على أبوابه ... مواكب مزدحمه )
( فراح قد صب الردى ... على الثرى جهرا دمه )
( وانتهبت أمواله ... كذاك عقبى الظلمه )
( فاحذر وبادر إنني ... أرى أمورا مظلمه )
( ترى لها وقت الضحى ... كمثل لون العتمه ) - من مجزوء الرجز -
36 - أبو النصر الهزيمي المعافى بن هزيم
أديب أبيورد وشاعرها وله كتاب محاسن الشعر وأحاسن المحاسن وكان يكثر المقام ببخارى ويخدم فضلاء رؤسائها ويترود حسن آثارها ثم يعاود أبيورد وينقلب إلى معيشة صالحة وقد دون شعره ببخارى وأبيورد
وحدثني أبو القاسم الأليماني قال لما احتضر الأمير الرشيد أبو الفوارس عبد الملك بن نوح بالسقطة من مهر صعب غير مروض ركبه وقام الأمير السديد أبو صالح منصور بن نوح فقال في تلك الحال القائلون وتصرفوا بين التعزية

والتهنئة واجتمعت قصائد كثيرة لم يرتض منها إلى قصيدة الهزيمي التي أولها
( الطرف بالدمع أولى منه بالنظر ... فخله لنجيع منه منهمر )
( ألم خطب عظيم لا كفاء له ... رزء يذم عليه كل مصطبر )
( هذا الذي كانت الأيام توعدنا ... به وما لم نزل منه على حذر )
( مدت إلى الملك الميمون طائره ... أيدي الحوادث والأيام والغير )
( تركن حارس دنيانا وفارسها ... فريسة بين ناب الموت والظفر )
( ما بين غبطته حيا وغبطته ... في الملك والهلك والإيوان والعفر )
( إلا كرجع الصدى في وشك مدته ... أو كالهنيهة بين السيل والمطر )
( يا ميتة لم يمتها قبله ملك ... فيها لكل عظيم أعظم العبر )
( كان الموفق إلا عند ركضيته ... وللمنون اعتلالات على البشر )
( وكان أقدر مخلوق على فرس ... أبو الفوارس لولا قدرة القدر )
( وكل عمر وإن طالت سلامته ... لا بد يوما قصاراه إلى قصر )
( فالحمد لله إذ جلت مصيبته ... عن المصيب من الآراء والفكر )
( في دعوة القائم المنصور دعوته ... منصور المعتلي في القدر والخطر )
( من كان يصلح للإسلام يحرسه ... والتاج يلبسه والقصر والسرر )
( سوى أبي صالح غيث الندى الهمر ... ليث الوغى الهصر غصن العلى الخضر ) - من البسيط -
هذه التصريعات خطأ في صنعة الشعر على أن أبا تمام قال
( يقول فيبدع ويمشي فيسرع ... ويضرب في ذات الإله فيوجع ) - من الطويل -
ومما يستجاد من شعره قوله للبلعمي من قصيدة وصف فيها الشتاء والبرد
( وشتوة شت أبناء السبيل لها ... وغار في نفق منها المغاوير )

( يشكو جليدهم مس الجليد ضحى ... والماء جلدته قرا قوارير )
( فللحى من لحاء البرد أغشية ... وللعيون من الشفاف تغوير )
( إذا تنكبت النكباء عن أذن ... فللجنوب من الجنبين تقوير ) - من البسيط -
وقوله
( إليك ركبت البحر والهول والدجى ... فصن أملي يا خير من ركب الطرفا )
( أذكرك القربى من العلم بيننا ... وقول حبيب يا أكابرنا عطفا ) - من الطويل -
وقال من أخرى
( لئن قمت في حاجتي آنفا ... ونفضت عن وجه حالي الغبارا )
( فكم منة لك في سالف ... علي كبيت من الشعر سارا )
( وما كان نفعك لي مرة ... ولا مرتين ولكن مرارا ) - من المتقارب -
وله في قصيدة في الإسكافي
( خط كما انفتحت أزاهير الربى ... متنزه الألباب قيد الأعين )
( وبلاغة ملء العيون ملاحة ... نال النبي بها صلاة الألسن ) - من الكامل -
ومن قصيدة يشكر فيها بعض الصدور على بذله المنشور في صيانة ضياعه
( أوليتني في ضياعي منك ما وقفت ... حمدي عليك وخير الحمد ما وقفا )
( لما بذلت من المنشور فهي حمى ... لا تعرف النزل والأجعال والكلفا )
( هذاك شكري على إسقاطه مؤنا ... فكيف شكري له إن أسقط العلفا )

( إذا تراني كمن يحيا بزاوية ... في الخلد ثم ينال الحور والغرفا ) - من البسيط -
وكتب ببخارى يستهدي التبن
( خير ما يهدى إلى مر ... تبط البرذون تبن )
( واحتشاميك على ما ... بيننافي الود غبن )
( ما بمن شجعه جودك ... عن رفدك جبن )
( أنت للخائف والمعدم ... إيسار وأمن )
( فلهذا أنت كنز ... ولهذا أنت ركن ) - من مجزوء الرمل -
وله من أبيات في استهداء الفحم
( هب البرد بالري لم ينسج ... وفي سقط البرد لم يدرج )
( رسولك ذاك الذي قال لي ... أحيء مع الفحم أم لا أجي ) - من المتقارب -
وأنشدني السيد أبو جعفر الموسوي قال أنشدني الهزيمي لنفسه
( من كف سيف علي عن مقاتله ... كففت غرب لساني عن تناوله )
( من الفضول دخولي في مظالمه ... وتركي القول في أقصى فضائله )
( الله يسأل عبدا عن جريرته ... وعن جرائر قوم غير سائله ) - من البسيط -
وله أيضا
( تيه المزور على الزوار يمنعهم ... عن الزيارة فامنعهم عن التيه )
( والناس ما لم يروا حرصا بصاحبهم ... ورغبة فيهم لم يرغبوا فيه )

وله في ضيعته
( كفتني ضيعتي مدح العباد ... وظعنا في البلاد بغير زاد )
( غدت سكني وخادمتي وظئري ... وفيها أسرتي وبها تلادي )
( ألا فليعتمد من شاء شيئا ... فحزني ليس يعدوه اعتمادي )
( صديق المرء ضيعته وكم من ... صديق في الصداقة مستزاد )
( يخونك في المودة من تؤاخي ... ومالك لا يخونك في الوداد )
( أخوك على المعاش معين صدق ... ومالك للمعاش وللمعاد ) - من الوافر -
وله وهو من قلائده السائدة
( لما رأيت الزمان نكسا ... وفيه للرفعة اتضاع )
( كل رئيس له ملال ... وكل رأس له صداع )
( لزمت بيتي وصنت عرضا ... به عن الذلة امتناع )
( أشرب مما ادخرت راحا ... لها على راحتي شعاع )
( لي من قواريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع ) - من مخلع البسيط -
هذا بيت القصيدة وهو أمير شعره
( وأجتني من عقول قوم ... قد أقفرت منهم البقاع )
( بشر وكعب أمام عيني ... هذا يغوث وذا سواع )
وحدثني أبو الحسن الحمدوني قال كان أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بكر الجرجاني الملقب بالحضرة طير مطراق ورد طر أبيورد على علم البندرة واتخذ الهزيمي خليلا ونديما ومدرسا ثم حدثت بينهما وحشة وخرج الهزيمي إلى ضيعة له وبلغ أبا بكر أنه هجاه فأشخصه بعدة من الفرسان وسيب عليه ما كان سوغه أباه من خراجه قال واستقبلني عند دخوله البلد مع المشخصين فلما

وقع بصره علي قال
( بندارنا من أدبه ... أوقعنا في لقبه ) - من مجزوء الرجز -
فقلت له يا أبا نصر من هنا أتيت وثنيت عناني معه إلى البندار فأصلحت أمره ولم أبرح حتى تصالحا وتمالحا
وأنشدني أبو القاسم أحمد بن علي المظفري له
( قد كنت أنظر قبل اليوم في كتب ... فيها الحكايات والأشعار والخطب )
( ودفتر الطب مما لا ألم به ... إذ لم يكن فيه لي من صحتي أرب )
( فجاءت التسع والخمسون تحوجني ... إلى العلاج فما لي غيره كتب ) - من البسيط -
وكان للهزيمي أخ يكنى بالوليد لا بأس بشعره كقوله في رجل يكنى أبا سهل
( يكنى بسهل وهو حزن أوعر ... من ذاك قيل للغراب أعور )
( لأنه من الطيور أبصر ... ) - من الرجز -
وقوله
( في الكذب أنت أبا الفوارس فارس ... وعن الفوارس في الصناعة راجل )
( فتسابق الأدباء في ميدانهم ... وأبو الفوارس خلفهم متحاجل ) - من الكامل

37 - أبو نصر الظريفي الأبيوردي
حدثني السيد أبو جعفر الموسوي قال كان للظريفي علي الهزيمي درس ومنه اقتبس فخرج كاتبا شاعرا ظريفا كلقبه وكان واردا على الحضرة كثير الإقامة بها مداخلا لفضائلها متصرفا منها على أعمال البريد وكان أبو علي البلعمي يكرمه وينادمه فاقترح عليه قصيدة يسلك فيها طريق المتقدمين فخامة وجزالة فأنشده من الغد قصيدة في مدحه كأنها صدرت عن أحد فحولة الشعراء الجاهليين فارتضاها وخيره في أعمال البريد ببلاد خراسان فاختار بلده أبيورد وتنجز المنشور والصلة وشخص
ومن مشهور سائر شعره قوله
( أرى وطني كعش لي ولكن ... أسافر عنه في طلب المعاش )
( ولولا أن كسب القوت فرض ... لما برح الطيور من العشاش ) - من الوافر -
وقوله
( سر الفتى من دمه إن فشا ... فأوله حفظا وكتمانا )
( واحتط على السر بإخفائه ... فإن للحيطان آذانا ) - من السريع -
وقوله
( يكف ليلا ويفسو ... وسط الندى نهارا )
( يديم ذلك حتى ... يملا بخارى بخارا ) - من المجتث -
وقوله
( حوى المصري أنواع المخازي ... وراح وماله فيها موازي )
( ولو جمعت مخازيه لزادت ... بكثرتها على كتب المغازي ) - من الوافر

وقوله
( يا دولة خلصت لأعور معور ... ما أنت إلا دولة عوراء ) - من الكامل -
وقوله
( خافوا على الملك عيون العدا ... فصيروا عوذته أعورا ) - من السريع -
وحكى أنه تقلد مرة عمل البريد بالجبل وكان أمراؤها لا يقيمون لأصحاب البريد وزنا فلما وصل إلى الوالي بها قال له أنت صاحب البريد قال نعم
فاستظرفه ونادمه وأفضل عليه
ودخل يوما على بعض وزراء الحضرة فجلس في أخريات الناس فقيل له في ذلك فقال لأن يقال لي ارتفع أحب إلي من أن يقال لي اندفع
38 - رجاء بن الوليد الإصبهاني أبو سعد
من جلة الكتاب والعمال المتصرفين من الحضرة على أعمال خراسان وكان له أدب فائق وشعر رائق وكان به طرش فإذا كلمه من لا يسمعه قال له ارفع صوتك فإن بأذني بعض ما بروحك
وتنسب هذه النادرة أيضا إلى الناصر الأطروش صاحب طبرستان ويجوز أن يكون سمعها رجاء عنه فاستعملها
وكان في ذكاء القلب وجودة الحدس بحيث يفطن لكل ما يكتب بالأصبع على يده ويستغنى بذلك عن السماع فيجيب عنه
وفي التبجح بطرشه يقول
( حمدت إلهي إذ بليت بحبه ... على طرش يشفي ويغني عن العذر )

( إذا ما أراد السر ألصق خده ... بخدي اضطرارا ليس يدي الذي أدري ) - من الطويل -
وإنما حذا به مثال من قال في أحول
( حمدت إلهي إذ بليت بحبه ... على حول يغني عن النظر الشزر )
( نظرت إليه والرقيب يخالني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر ) - من الطويل -
ومن ملح رجاء قوله في باقة ريحان
( وشمامة مخضرة اللون غضة ... حوت منظرا للناظرين أنيقا )
( إذا شمها المعشوق خلت اخضرارها ... ووجنته فيروزجا وعقيقا ) - من الطويل -
وقوله
( هذي المدام وهذه التحف ... والكأس بين الشرب تختلف )
( فكأنهم وكأن ساقيهم ... سين ترى قدامها ألف ) - من الكامل -
أخذه من قول ابن المعتز
( وكأن السقاة بين الندامى ... ألفات بين السطور قيام ) - من الخفيف -
وأنشدني أبو نصر سعد بن يعقوب له نتفا مليحة منها
( خط يريك الوصل في طوماره ... متبسما والهجر في أنفاسه )
( فكأنما مقل الغواني كحلت ... من حسن أسطره على قرطاسه ) - من الكامل -
39 - أبو القاسم الدينوري عبد الله بن عبد الرحمن
من رؤساء الأدباء ورؤوس الكتاب ووجوه العمال بخراسان وأخبرني منصور ابنه أنه من أولاد عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ومصنفاته في

محاسن الآداب تربى على الثلاثين وله شعر كثير يخرج منه الملح كقوله من قصيدة في وصف الخمر
( كأنها في يد الساقي المدير لها ... عصارة الخمر في ظرف من الآل )
( لم تبق منها الليالي في تصرفها ... إلا كما أبقت الأيام من حالي ) - من البسيط -
وقوله من أخرى
( يا لعصر الخلاعة المورود ... ولظل الشبيبة الممدود )
( وللهوى ولذتي وسروري ... ولسفكي دم ابنة العنقود )
( وارتشافي الرضاب من برد الثغر ... وشمي عليه ورد الخدود )
( وغدوي إلى مجالس علم ... ورواحي إلى كواعب غيد )
( في قميص من السرور مذال ... ورداء من الثياب جديد )
( ولأيامي القصار اللواتي ... كن بيضا قد حليت بالسعود )
( غير الدهر حالها فاستحالت ... مظلمات من الليالي السود )
( وأتاني من المشيب نذير ... غض مني وفت في مجلودي )
( وتدانت له خطامي برغمي ... ونحاني له خصوصا عمودي )
( وتيقنت أنني في مسيري ... إثر شرخ الشباب غير بعيد ) - من الخفيف -
وقوله
( مضى الإخوان وانقرضوا ... فها أنا للردى غرض )
( مرضت فقيل لي لا بأس ... عندك إنه عرض )

( فأول منزل للمرء ... نحو معاده المرض ) - من مجزوء الوافر -
وقوله
( أرقت لضيف من الشيب زارا ... فأهدى إليك النهى والوقارا )
( وجلك الحلم ثوب الكرام ... وبزك ثوب الشباب المعارا )
( وقد كان شرخ الشباب الذي ... تولى عدوا وإن كان جارا )
( أمل على ملكيك الذنوب ... حتى أملهما ثم سارا ) - من المتقارب -
أخذه من قول أبي الطيب المصعبي
( زائر لم يزل مقيما إلى أن ... سود الصحف بالذنوب وولى ) - من الخفيف -
وقوله
( شوقي إليك كشوق المدنف الحرض ... إلى الطبيب الذي يشفي من المرض )
( فإن يكن لك عني يا أخي عوض ... فلا وحقك مالي عنك من عوض ) - من البسيط -
وقوله من قصيدة في بعض الوزراء
( ومطهم برح العنان معود ... خوض المهالك كل يوم براز )
( وإذا توقل في ذرى مسمع ... صعب بعيد العهد بالمجتاز )
( تركت سنابكه بصم صخوره ... أثرا يلوح كنقش صدر البازي ) - من الكامل -
ومنها
( يا أيها الشيخ الجليل بحقه ... لا من طريق تملق ومجاز )
( إن لم يكن لي في جنابك مرتع ... فالرأي في الإبعاد لي بجواز )

وأنشدني ابنه أبو منصور لأبيه في سفرجل وتفاح ورمان وآذريون أهداها إلى بعض الرؤساء في يوم مهرجان
( بعثت إليك ضحى المهرجان ... بمعشوقة العرف والمنظر )
( معطرة صانها في الحجال ... مطارف من سندس أخضر )
( نضت حين زارتك عنها الفريد ... وجاءتك في سرق أصفر )
( ببسر وبهنكة نضة ... وثدي مبتلة معصر )
( وبيضاء رائقة غضة ... منقطة الوجه بالعصفر )
( وحق عقيق ملاه الهجير ... من الجوهر الرائق الأحمر )
( وأقداح تبر حشت قعرها ... يد الشمس بالمسك والعنبر )
( فكن ذا قبول لها إنها ... هدايا مقل إلى مكثر )
( وحي على الراح قبل الرواح ... ومطربة الشدو والمزهر )
( وعش ما تشاء كما تشتهي ... بعزم يدوم إلى المحشر ) - من المتقارب -
وله من نتفة يسترجع بها كتابا معارا
( أنا أشكو إليك فقد نديم ... قد فقدت السرور منذ تولى )
( كان لي مؤنسا يسلي همومي ... بأحاديث من منى النفس أحلى )
( عن أبي حاتم عن ابن قريب ... واليزيدي كل ما كان أملى )
( وهو رهن لديك يشكو ويبكي ... ويغني قد آن لي أن أخلى )
( فتفضل به علي فإني ... لست إلا بمثله أتسلى ) - من الخفيف -
وله من أخرى في معناها
( طلبت مني كتابا ... ألفته في شبابي )

( ألفته إلف عظمي ... لحمي ولحمي إهابي )
( وقد تأخر حتى ... لبست ثوب اكتئاب )
( وقد أتاني عنه ... ما لم يكن في حسابي )
( من نظم شعر بديع ... مستظرف مستطاب )
( أما كريم رحيم ... يرثي لطول اغترابي )
( يا رب يسر إيابي ... قد حان وقت انقلابي ) - من المجتث -
وله في أبي الحسن العتبي
( يا سائلي عن وزير ... مدحرج مستدير )
( كبط شط سمين ... عريض صدر قصير )
( إن كنت أبصرت قردا ... مذ كنت فوق سرير )
( فهو الوزير وإن كان ... في عداد الحمير ) - من المجتث -
وله من نتفة في قابض كفه
( الله صور كفه ... لما براه فأبدعه )
( من تسعة في تسعة ... وثلاثة في أربعه ) - من مجزوء الكامل -
وله من أخرى
( تغيرت مع الدهر ... لنا يا شاعر البصره )
( ولم ترع لنا عهدا ... قديم الود والعشره )
( عسى صيرك الشيخ الذي ... يكنى أبا مره ) - من الهزج -
وله
( لزوم البيت أرواح في زمان ... عدمنا فيه فائدة البروز )

( فلا السلطان يرفع من محلي ... ولست على الرعية بالعزيز )
( ولست بواجد حرا كريما ... أكون لديه في كنف حريز ) - من الوافر -
وله
( أشكو إلى الله ضيق ذات يدي ... قد بان صبري وخانني جلدي )
( وقد جفاني الأنام قاطبة ... حتى عبيدي وعقني ولدي ) - من المنسرح -
وله في ابنه
( ربيته وهو فرخ لا نهوض له ... ولا شكير ولا ريش يواريه )
( حتى إذا ارتاش واشتدت قوادمه ... وقد رأى أنه آنت خوافيه )
( مد الجناحين مدا ثم هزهما ... وطار عني فقلبي فيه ما فيه )
( وقد تيقنت أني لو بكيت دما ... لم يرث لي فهو فظ القلب قاسيه ) - من البسيط -
وله في ابنه أبي طاهر
( لو كنت أعلم أني والد ولدا ... يكون لا كان في عيني كالرمد )
( فلا أسر على طول الحياة به ... جببت نفسي كي أبقى بلا ولد )
( كم قد تمنيت لو أن المنى نفعت ... ولا مرد لحكم الواحد الصمد )
( وقلت لو أن قولي كان ينفعني ... يا ليت أني لم أولد ولم ألد ) - من البسيط -
وله في النارنج
( أما ترى شجر النارنج طالعة ... نجومها في غصون لدنة ميل )
( كأنها بين أوراق تحف بها ... زهر المصابيح في خضر القناديل ) - من البسيط

وله في البراغيث
( وحمش القوائم حدب الظهور ... طرقن فراشي على غرة )
( فنقطنني بخراطيمهن ... كنقط المصاحف بالحمرة ) - من المتقارب -
وله في عارض
( وعارض دنس العرض ... ناقص في الصناعه )
( كلب بل الكلب في لومه ... يعاف طباعه )
( قد رامني بالدواهي ... فقصر الله باعه ) - من المجتث -
وله
( إذا الزمان رماني ... منه بخطب جسيم )
( صبرت صبر كريم ... على جفاء لئيم ) - من المجتث -
وله
( من عذيري من بديع الحسن ... ذي قد رشيق )
( أنبتت في فمه اللؤلؤ ... أرض من عقيق ) - من مجزوء الرمل -
وله
( بأبي أنت لقد ... طبت لنا ضما وشما )
( ضاق فوك العذب والعين ... وشيء لا يسمى ) - من مجزوء الرمل -
وله من نتفة
( أساء وقد أتاني مستتيبا ... أما هذا من العجب العجاب ) - من الوافر -
وله من أخرى
( وما آسى على دهر تولى ... ولا جسم مباح للسقام )

( ولا ما فات من عمري ولكن ... أحن إلى صلاة من قيام ) - من الوافر -
وله من أخرى
( عشت من الدهر ما كفاني ... ومر ما مر من زماني )
( وقد حنتني وقوستني ... تسع وتسعون واثنتان )
( وقد سئمت الحياة مما ... ألقى من الذل والهوان )
( ومن أخ كنت أرتجيه ... لحادث الدهر قد قلاني )
( ومن غلام إذا ينادي ... تصامم النذل وهو داني )
( مدمدم لا أراه إلا ... مقطب الوجه ما رآني ) - من مخلع البسيط -
فهذا ما أخرجته من ملح الدينوري فأما ابنه
40 - أبو منصور أحمد بن عبد الله
ففاضل كثير المحاسن وعهدي به عاما أول صادرا من أبيورد وكان على البريد بها ونازلا داره بسكة البلخية بنيسابور وأنا على موعد منه في إخراج ما يصلح لكتابي هذا من شعره وإنفاذه إلى إن شاء الله تعالى
41 - أبو منصور أحمد بن محمد البغوي
أحد الصدور الأفراد الأمجاد بخراسان بلغ من الأدب والكتابة والثروة والمروءة أعلى مكان وتصرف في الأعمال الجلائل ثم ولي ديوان الرسائل وكان جمع كتابا مترجما بزاملة النتف يشتمل على ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين من

محاسن الأخبار والأشعار ولطائف الآداب ونتائج الألباب ويقع في ثلاثين مجلدة بخطه وقسمها على أيام شهره فكان لا يخلو من إحدى قطاعها مجلسه وديوانه وساق حقه لا يكاد يفارقه في سفره وحضره ووقع إلى بعض مجلدات منها بعد انقضاء أيامه فتنزه الطرف في رياضها واستمتعت النفس بثمارها ولم يبلغني عنه شعر إلا ما أنشدنيه السيد أبو جعفر الموسوي قال أنشدني البغوي لنفسه
( تراءت لنا من خدرها بسوالف ... كما لاح بدر من خلال سحاب )
( ووجنتها من تحت فاحم صدغها ... كما روحت باز بريش عقاب ) - من الطويل -
وصدر البيت الثاني مما أنسانيه الشيطان أن أذكره فغرمته من عندي
42 - أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني
تثنى به الخناصر وتضرب به الأمثال في حسن الخط والبلاغة وأدب الكتابة والوزارة وكان في حداثته يكتب لأبي منصور محمد بن عبد الرزاق ثم تمكن بالحضرة خمسين سنة يتصرف ولا يتعطل حتى قيل فيه
( وقالوا العزل للعمال حيض ... لحاه الله من حيض بغيض )
( فإن يك هكذا فأبو علي ... من اللائي يئسن من المحيض ) - من الوافر -
وولى ديوان الرسائل دفعات والوزارة مرات وكان يقول الشعر ولا يظهره ويحب الأدب ويكرم أهله
وأنشدني أبو عبد الله بن السري الرامي هذين البيتين له ثم وجدتهما لغيره
( يا أيها القمر المنير الزاهر ... الأبلج البدر العلي الباهر )

( أبلغ شبيهتك السلام وهنها ... بالنوم واشهد لي بأني ساهر ) - من الكامل -
وأنشدني السيد الشريف أبو جعفر الموسوي قال أنشدني أبو علي محمد ابن عيسى ولم يسم قائلا
( تذكر إذ أرسلته بيدقا ... فيك فوافاني فرزانا ) - من السريع -
ثم أخبرني بعض كتابه أن هذا البيت له
وأنشدني له أيضا
( وكاتب كتبه تذكرني القرآن ... حتى أظل في عجب )
( فاللفظ قالوا قلوبنا غلف ... والخط تبت يدا أبي لهب ) - من المنسرح -
ولم يذكر أن أحدا من الصدور يسع دعاؤه وتربيته وكنيته واسمه واسم أبيه وبلده بيتا واحدا من الشعر سواه فإن أبا القاسم الأليماني أنشدني لنفسه قصيدة فيه ومنها هذا البيت
( إلى الشيخ الجليل أبي علي ... محمد بن عيسى الدامغاني ) - من الوافر -
43 - أبو علي الزوزني الكاتب
أخبرني الثقة أنه وقع إلى الحضرة ببخارى في ريعان شبابه وله أدب بارع وخط تأخذه العين ويستولي عليه الحسن فما زال يتصرف في ديوان الرسائل ويغرس الدر في أرض القراطيس وينشر عليه أجنحة الطواويس إلى أن ثقلت عليه الحركة وأخذت منه السن العالية وكان قصير القد طويل الفضل وفيه يقول اللحام وما كان يهجو إلا الكبار

( وقصير من قرى زوزن ... في قامة شبر )
( يدعي الكتاب إلا ... أنه في فهم عير )
( ولقد فكرت فيه ... وكذا فكر غيره )
( كيف يستدخل أيرا ... وهو في قامة أير ) - من مجزوء الرمل -
واقتدى باللحام غير واحد من الشعراء فهجوه بالقصر ووصفوا قامته بالصغر حتى قال المعروف بالمضرب البوشنجي
( للزوزني أبي علي قامة ... قامت بسوق هجائه المتراكم )
( هي عمدة الشعراء يعتمدونها ... بقواضب من شعرهم وصوارم )
( والبعض شبهها بأير قائم ... والبعض شبهها بجعس جاثم )
( يا ليتها طالت فقصر طولها ... عنه طوال معايب وشتائم ) - من الكامل -
وكان أبو علي مع حسن خطه حسن الشعر كثير التنكيت وهو القائل في أبي جعفر العتبي
( يا قليل الخير موفور الصلف ... والذي قد حاز في التيه السرف )
( كن بخيلا وتواضع تحتمل ... أو سخيا يحتمل منك الصلف ) - من الرمل -
ووجدت بخط الرئيس أبي محمد الميكالي لأبي علي في ابنه
( يا من تمنى أن يموت أبوه ... ستذوق موتك قبل ما ترجوه )
( إن المريد ردى أبيه قبله ... يردى ويسعد بالحياة أبوه ) - من الكامل -
وأنشدني أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان له
( الحمد لله وشكرا له ... على المعافاة من الأبنه )

( فليس فيما المرء يبلى به ... أعظم منها في الورى محنه ) - من السريع -
وأنشدني حاضر بن محمد له في علوي
( من كان خالق هذا الخلق مادحه ... فإن ذلك شيء منه مفروغ )
( فإن أطل أو أقصر في مدائحه ... فليس بعد بلاغ الله تبليغ ) - من البسيط -
وله أيضا
( إن أذني تمل طول كلامه ... وفؤادي يمل طول مقامه )
( إن أمري وأمره لعجيب ... مت من بغضه وحب غلامه ) - من الخفيف -
44 - أبو عبد الله الشبلي
من حسنات بوشنج وأفرادها وكان يكتب ببخارى للأفتكين الخازن ويعنون كتبه بمحمد بن أحمد الشبلي فلما قلد الوزارة لصاحبه وارتفع مقداره أسقط الشبلي من كتبه واقتصر على اسمه واسم أبيه وقال فيه بعض الشعراء
( محمد أسقط الشبلي من كتبه ... ترفعا باسمه عن ذكر منتسبه )
( كأنني بقفاه وهو مرتجع ... تصحيف ما قد نفاه الآن عن كتبه ) - من البسيط -
وتنقلت بالشبلي أحوال بعد هلاك صاحبه فبدرت منه أمور أدت إلى نفي صاحب الجيش أبي الحسن بن سمحور إياه إلى النون من بلاد قهستان فلما طال مقامه بها قال
( تعلمت بالنون أكل الأقط ... وغزل العهون ونسج البسط )

( وما كنت فيما مضى هكذا ... ولكن من الدهر جاء الغلط ) - من المتقارب -
وإنما احتذى فيه قول بابك
( تعلمت في السجن نسج التكك ... وقد كنت من قبل حبسي ملك )
( وقد صرت من بعده عدة ... وما ذاك إلا بدور الفلك ) - من المتقارب -
45 - أبو علي المسبخي
هو الذي يقول فيه الحكام
( لم أر في الحكام كالمسبخي ... يطمع في الجلد الذي لم يسلخ ) - من الرجز -
وكان باقعة في الحكام وفي العلوم من الأعلام وفي نفسه كما قال بعض العصريين من أهل نيسابور في غيره
( يا طبيبا منجما وفقيها ... شاعرا شعره غذاء الروح )
( أنت طورا كمثل جامع سفيان ... وطورا تحكي سفينة نوح ) - من الخفيف -
وتولى المظالم ببلخ مرة فكتب إليه أبو يحيى العمادي يداعبه ويطايبه ويستهديه من ثمرات بلخ فأهدى إليه عدل صابون وكتب إليه كتابا قال في فصل منه وقد بعثت إلى الشيخ أيده الله تعالى عدل صابون ليغسل به طمعه عني والسلام
وتولى مرة قضاء سجستان فمن قوله فيها
( حلولي سجستان إحدى النوب ... وكوني بها من عجيب العجب )
( وما بسجستان من طائل ... سوى حسن نرجسها والرطب ) - من المتقارب -
وهو القائل فيها
( يا سجستان قد بلوناك دهرا ... في حراميك من كلا طرفيك )

( أنت لولا الأمير فينا لقلنا ... لعن الله من يصير إليك ) - من الخفيف -
وله
( وعدتني وعدا وقربته ... تقريب حر ليس بالمستزاد )
( حتى إذا ما رمت تحصيله ... كان بعيدا مثل يوم المعاد ) - من السريع -
وله
( هل الدهر إلا ساعة تنقضي ... بما كان فيها من عناء ومن خفض )
( فهونك لا تحمل مساءة عارض ... ولا فرحة سرت فكلتاهما تمضي ) - من الطويل -
وعندي له أبيات قد خفي علي مكانها وفيما كتبته من شعره كفاية
46 - أبو الحسن أحمد بن المؤمل
كاتب أبي الحسن فائق الخاصة من كبار الكتاب بخراسان وأكثرهم محاسن وفضائل وله شعر كثير يجمع الجزالة والحلاوة فمن ملحه ما أنشدنيه وقوافيه متشابهة في طريقة أبي الفتح البستي
( طرا علي رسول في الكرى طاري ... من الطيور وأعطاني بمنقار )
( كتاب حب بعيد الدار أملح من ... يمشي على الأرض من باد ومن قاري )
( تركتني في بلاد لا أراك بها ... كأن قلبك من صخر ومن قار ) - من البسيط -
وأنشدني أيضا لنفسه
( إن أسيافنا العضاب الدوامي ... تركت ملكنا قرين الدوام )

( لم نزل نحن في سداد ثغور ... واصطلام الأبطال في وسط لام )
( واقتحام الأهوال من وقت حام ... واقتسام الأموال من وقت سام ) - من الخفيف -
وله من قصيدة في أبي نصر بن زيد أولها
( تولى ونار الشوق في القلب واقده ... ونار نشاطي مذ تباعد هامده )
( نهاري بلا أنس وليلي كأنني ... إلى الصباح ملقى تحت ساعد ساعده ) - من الطويل -
ومنها
( تراعى طوال الليل عيني فراقده ... وعين الذي لا تفقد الألف راقده )
( أأيامنا هل أنت عائدة لنا ... كما كنت أم هل في بكائك عائده )
ومنها
( أبا نصر القرم الذي عقمت بمن ... يشاكله في مجده كل والده )
( هو القمر الفرد الذي لروائه ... تظل نجوم الأفق لا شك ساجده )
ومنها
( له قلم سوق القضاء إذا جرت ... به يده في النهي والأمر كاسده )
( ويملي فيصغي الكاتبان تطربا ... إلى مبدعات هن والسحر واحده )
( ولولا خلال يحظر الدين ذكرها ... لقلت الذي يملي قران على حده )
وله وقد نقل معناه من بيتين للروزكي وهما
( تصور الدنيا بعين الحجى ... لا بالتي أنت بها تنظر )
( الدهر بحر فاتخذ زورقا ... من عمل الخير به تعبر ) - من السريع -
وله وقد نقل معناه من بيتين للمعروفي وهما
( إذا لم تكن لي من لدنك مبرة ... وزال رجائي عن نوالك في نفسي )

( فأنت إذا مثلي أنيس مصور ... فلم أعبد الشيء المصور من جنسي ) - من الطويل -
وله من قصيدة
( سقيا لدهر مضى إذ نحن في شغل ... بالعزف والقصف عن شغل السلاطين )
( إذ يومنا يوم عيد طول مدتنا ... ولينا كله ليل الشعانين )
( وفتية كنجوم الليل طالعة ... شم العرانين من شم العرانين )
( غدوا صحاحا إلى الحانات وانصرفوا ... إلى المنازل في عقل المجانين )
( عادوا أراجيح من حاناتهم أصلا ... وقد غدوا نحوها مثل الموازين ) - من البسيط -
وله
( وقائلة لي ما بالك الدهر طافحا ... وأنت مسن لا يليق بك السكر )
( فقلت لها أفكرت في الخمر مرة ... فأسكرني ذاك التوهم والفكر ) - من الطويل -
وله في معناه
( وسائل عن مقتضى سكري ... وما درى لم هكذا صرت )
( قلت له استنشقت من منتش ... رائحة الخمر فأسكرت ) - من السريع -
وأنشدني أبو بكر الخوارزمي قول الآملي من قصيدة يذكر فيها حنينه إلى أحمد بن حجر
( وحجر على عيني أن يطعما الكرى ... إلى أن يرى حجرا يناغي على حجر ) - من الطويل -
فقال الآن علمت أنه إنما سمى ابنه حجرا ليطرد هذا البيت
وقال

( نأى مذ نأيتم نوم عيني فلم يعد ... وغبتم فغابت سرتي ومسرتي )
( كفى بي اعتبارا أنني مذ عبرتم ... كيعقوب ما ترقا من الشوق عبرتي ) - من الطويل -
47 - أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفارسي
من الأعيان في علم اللغة والنحو وورد بخارى فأجل وبجل
ودرس عليه أبناء الرؤساء والكتاب بها وأخذوا عنه وولي التصفح في ديوان الرسائل فلم يزل يليه إلى أن استأثر الله به وله شعر لم يقع إلي منه إلا أنشدنيه حاضر بن محمد الطوسي من قصيدة له في بعض رؤساء الحضرة يستهدي منه جبة خز أبيض غير لبيس وهو هذا
( وأعن على برد الشتاء بجبة ... تذر الشتاء مقيدا مسجونا )
( سوسية بيضاء يترك لونها ... ألوان حسادي شواحب جونا )
( عذراء لم تلبس فكفك في العلا ... تؤتي عذاراها وتأبى العونا )
( تسبي بهجتها عيونا لم تزل ... تسبي قلوبا في الهوى وعيونا )
( مثل القلوب من العداة حرارة ... مثل الخدود من الكواعب لينا ) - من الكامل -
48 - أبو جعفر الرامي محمد بن موسى بن عمران
من أفراد الأدباء والشعراء بخراسان عامة وحسنات نيسابور خاصة
إذ هو من الرام أحد رساتيق نيسابور وكان مع سبقه في ميادين الفضل راجحا في موازين العقل وترقت حاله من التأديب بنيسابور إلى التصفح في ديوان الرسائل ببخارى بعد أبي إسحاق الفارسي وهبت ريحه وبعد وصيته وله شعر كعدد الشعر غلب

عليه التجنيس حتى كاد يذهب بهاؤه ويكدر ماؤه وكل كثير عدو الطبيعة فمن ملحه التي تستملح من وجه ولا تستجاد من آخر قوله هذه الأبيات
( مضى رمضان مرمض الذنب فقده ... وأقبل شوال تشول به قهرا )
( فيا لك شهرا أشهر الله قدره ... لقد شهرت فيه سيوف العدا شهرا ) - من الطويل -
ومن تجنيسه المستجاد المرتضى قوله من مقصورة في وصف السيف
( مهند كأنما صقيله ... أشربه بالهند ماء الهندبا )
( يختطف الأرواح في الروع كما ... تختطف الأبصار حين ينتضى ) - من الرجز -
وقوله في جارية له توفيت
( لي في المقابر درة ... أمسى التراب له صدف )
( لما غدت هدف البلا ... أصبحت للبلوى هدف ) - من مجزوء الكامل -
وقوله من قصيدة
( ومن منصفي من ريب دهري فإنني ... صريح بآدابي يد الدهر للدهر )
( أسير أسيرا للحوادث مقصدا ... بدهياء مقصودا بفاقرة الفقر )
( فإن تكن الأيام أزرت بهمتي ... فلا ضير إني قد شددت لها أزري )
( أويت إلى كهف المكارم والعلا ... لأغلي به قدري وأعلي به قدري )
( أعادت سجاياه اللجين بجوده ... نضارا وقد أهدت نثارا إلى التبر )
( لقد صيغ من بيض السبائك طبعه ... فحال سبيك الصفر صيغ من الصفر ) - من الطويل

وله من تشبيب قصيدة
( مزجت سوابق عبرة بعبير ... وسرت عزائم صبوتي لمسيري )
( وتبسمت بين البكاء فخلتها ... برقا تألق من خلال صبير )
( فكأنما هي روضة ممطورة ... ترنو إلي بنرجس ممطور ) - من الكامل -
ومن أخرى
( لشؤون عيني في البكاء شؤون ... وجفون عيني للبلاء جفون )
( وخلال أثوابي خلال مذهب ... أضناه هم في الحشى مدفون )
( أبديت مكنون الهوى لما بدا ... للعين ذاك اللؤلؤ المكنون )
( وأزارني جون العقارب بغتة ... وردان فوقهما عقارب جون )
( والقلب مقرون بكل بلية ... مذ لاح ذاك الحاجب المقرون ) - من الكامل -
وله من أخرى
( لزم السخاء فلا يقال ضنين ... ونحا الوفاء فلا يقال ظنين )
( ما البائس المسكين غير تلاده ... إذ يعتفيه البائس المسكين ) - من الكامل -
وله من أخرى
( السحر من مقلتيك ينتثر ... والخمر من وجنتيك يعتصر )
( يا شادنا سخر الجمال له ... فكل أفكارنا له سخر )
( الريق والطرف منك يا سكني ... ضدان ذا سكر وذا سكر )
( خصرني خصرك الهضيم ولا ... دواء إلا رضابك الخصر )

( الله فينا فإن رحمته ... حجرا على من فؤاده حجر )
( صورك الله فتنة فغدت ... صورا إليك العيون والصور )
( غادرت في جفن ناظري غدرا ... يمدها الغدر منك يا غدر )
( يسومني الصبر عاذلي سفها ... والصبر عن مثل وجهك الصبر )
( هان على الأملس المسيب ما ... يلقاه من ثقل حمله الدبر ) - من المنسرح -
وله من أخرى
( لي حبيب بالشط شطت دياره ... وغدا للأسود زارا مزاره )
( كان جاري فجار عني لا بل ... جار بغيا علي والله جاره )
( فر مني تدللا ثمت افتر ... بنفسي فراره وافتراره )
( رشأ أرسل الرشاء من المسك ... على عارض يروق احمراره )
( عاذلي اعذرا فإن عذاري ... عانق الشيب حين طر عذاره )
( لم يعانق ظلامي الصبح إلا ... بعد أن عانق الظلام نهاره ) - من الخفيف -
وله من نتفة
( أيها السيد الجليل الذي أصبح ... في المجد والمكارم فردا )
( استمع من قريض عبدك بيتا ... سار في الخافقين غورا ونجدا )
( ليس غير الكريم من ينجز الوعد ... ولكن من يجعل الوعد نقدا ) - من الخفيف

49 - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الجرجاني المقلب طر مطراق
كاتب شاعر ظريف فاضل من أعيان العمال ببخارى وقد تقدم ذكره عند ذكر الهزيمي
أنشدني السيد أبو جعفر الموسوي قال أنشدني أبو عبد الله لنفسه
( نصيبنا من طول آمالنا ... تعسف في خدمة دائبه )
( وحاصل الذل بلا طائل ... والشأن في منتظر العاقبه ) - من السريع -
ومما يستظرف ويستلمح من شعره قوله في فتى من أبناء الموالي ببخارى وكان متهالكا في هواه
( أنا والصبر فقد بشرني ... نائب المسك بصفحات العقيق )
( سنة أخرى وقد أخرجني ... شعر خديك من العقد الوثيق ) - من الرمل -
وأنشدني أبو سعد نصر بن يعقوب له من قصيدة في وصف الجركاه
( كأنه سحب من فضة ضربت ... وزينت بدنانير مفاصله )
( إن قر ليل كفى النيران ساكبه ... أو جاد غيث بغشاه هاطله )
( لا تخذر الهدم فيه حين تنزله ... إذا توالت على بيت زلازله ) - من البسيط -
50 - أبو محمد عدي بن محمد الجرجاني
من ذوي الفضل الطالبين للفضل ببخارى والمتصرفين على عمل البريد منها وله شعر حسن مشهور فمن ذلك قوله
( متى أشربت ماء الحياة وجوهنا ... تنقل عنها ماؤها وحياؤها )

( إذا كانت الصهباء شمسا فإنما ... يكون أحاديث الرجال هباؤها ) - من الطويل -
51 - عبد الرحيم بن محمد الزهري
أديب شاعر يقول لأبي محمد عبد الله بن محمد بن عزيز قبل وزارته
( اليمن أنشقني نسيمه ... وأزاح عن قلبي همومه )
( بمكانة الشيخ الرئيس ... وعز رتبته العظيمه )
( فلأغنين بفضله ... عن ذكر خدمتي القديمه ) - من مجزوء الكامل -
ويقول في مرثية ابن العتبي
( مر على قبرك أعوانكا ... فكلهم هالهم شانكا )
( ولم يزيدوك على قولهم ... عز على العلياء فقدانكا ) - من السريع -
52 - أبو القاسم إسماعيل بن أحمد الشجري
كاتب شاعر أدركته حرفة الأدب فأزعجته عن وطنه ورمت به إلى بخارى فلم يجد للغربة شافع أدبه وفضله ووجد متصرفا فتماسكت حاله ولما انقضت الدولة السامانية عاود وطنه ثم فارقه وورد به على أبي الفتح البستي فأقام عليه مدة ثم قصد الفاريات واستوطنها ومن ملحه قوله وهو منقول من بيتين بالفارسية للأعاجم
( إن شئت تعلم في الآداب منزلتي ... وأنني قد عداني العز والنعم )
( فالطرف والسيف والأوهاق تشهد لي ... والعود والنرد والشطرنج والقلم ) - من البسيط

وله وقد دعاه إخوان له إلى بعض المنتزهات ببخارى فخرج فلم يهتد إليهم
( ظننتم في التجشم بي جميلا ... وأرجو أن أكون كما ظننتم )
( وما أعصيكم أمرا ونهيا ... ولكن لست أدري أين أنتم ) - من الوافر -
وله من قصيدة
( نهاري ولم أبصر محياه مظلم ... وليلي إذا أبصرته غير مظلم )
( أتظلمني الأيام وهي خبيرة ... بأن إليه إن ظلمت تظلمي ) - من الطويل -
ومن أخرى
( بباب غيرك للأخيار أخبية ... وما ببابك إلا الفقر والبوس )
( أيخدمونك لا والله عن مقة ... وما لهم منك مطعوم وملبوس ) - من البسيط -
وله من نتفة
( جميل محياه وكالدعص ردفه ... حميد سجاياه وليس له خصم ) - من الطويل -
وله من قصيدة في ابنه
( نصحتك في التأدب ألف مره ... فلم ينفعك نصحي فيه ذره )
( أؤمل أن تكون لكل باب ... من الآداب للأدباء غره )
( فلما خنت فيك رجوت أن لا ... تخل بكلها فتكون عره )
( ولست أقول أنت فتى غبي ... ولكن فيك إعجاب وشره )
( ولا أني علمت السر لكن ... أدلائي على السر الأسره )

( وكم من مضمر أمرا خفيا ... تعرفني الأسرة فيه سره )
( إذا ما لم تطع من أنت منه ... فلا تأمل تحفيه وبره )
( ولا تغفل بحلو هواك وعظي ... فإن مغبة الإغفال مره ) - من الوافر -
وكتب إلى أبي الحسن أحمد بن منصور
( مالي وكنت مقربا أقصيت ... وذكرت فيما قبل ثم نسيت )
( وحجبت بعد الإذن كنت مشرفا ... بجماله في أي وقت شيت )
( وحرمت حظي من تحفيك الذي ... قد كنت مسعودا به فشقيت )
( ألزلة فأتوب أم لملالة ... فألوم إذ شمل الملوك شتيت )
( إن كنت ترضى بالقطيعة شيمة ... فبطاعتي لك حيث كنت رضيت )
( إن لم أكن في خدمتي ومودتي ... لك مخلصا فمن الإله بريت ) - من الكامل -
53 - أبو الحسن محمد بن أحمد الإفريقي المتيم
صاحب كتاب أشعار الندماء وكتاب الإنتصار للمتنبي وغيرهما وله ديوان شعر كبير ورأيته ببخارى شيخا رث الهيئة تلوح عليه سيماء الحرقة وكان يتطبب ويتنجم فأما صناعته التي يعتمد عليها فالشعر ومما أنشدني لنفسه
( وفتية أدباء ما علمتهم ... شبهتهم بنجوم الليل إذ نجموا )
( فروا إلى الراح من خطب يلم بهم ... فما درت نوب الأيام أين هم ) - من البسيط -
ومما أنشدني أيضا لنفسه
( تلوم على ترك الصلاة خليلتي ... فقلت اغربي عن ناظري أنت طالق )

( فوالله لا صليت لله مفلسا ... يصلي له الشيخ الجليل وفائق )
( وتاش وبكتاش وكنباش بعده ... ونصر بن ملك والشيوخ البطارق )
( وصاحب جيش المشرقين الذي له ... سراديب مال حشوها متضايق )
( ولا عجب إن كان نوح مصليا ... لأن له قسرا تدين المشارق )
( لماذا أصلي أين باعي ومنزلي ... وأين خيولي والحلى والمناطق )
( وأين عبيدي كالبدور وجوههم ... وأين جواري الحسان العواتق )
( أصلي ولا فتر من الأرض يحتوي ... عليه يميني إنني لمنافق )
( تركت صلاتي للذين ذكرتهم ... فمن عاب فعلي فهو أحمق مائق )
( بل إن علي الله وسع لم أزل ... أصلي له ما لاح في الجو بارق )
( فإن صلاة السيء الحال كلها ... مخارق ليست تحتهن حقائق ) - من الطويل -
وأنشدني أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان له في فتى صبيح من أولاد الرؤساء خلع عليه دراعة وقد كان لبسها
( أتت على ماء ظهري ... دارعة أهديت لي )
( إذا علتني تذكرت ... من علته فأدلي ) - من المجتث -
وأنشدني له أيضا
( وصديق جاءني يسألني ... ماذا لديك )
( قلت عندي بحر خمر ... حوله آجام نيك ) - من مجزوء الرمل -
ومن ملح الإفريقي في غلام تركي
( قلبي أسير في يدي مقلة ... تركية ضاق لها صدري )

( كأنها من ضيقها عروة ... ليس لها زر سوى السحر ) - من السريع -
وقوله في معناه
( قد أكثر الناس في الصفات وقد ... قالوا جميعا في الأعين النجل )
( وعين مولاي مثل موعده ... ضيقة عن مراود الكحل ) - من المنسرح -
54 - أبو الحسين أحمد بن محمد بن ثابت البغدادي
أحد الفضلاء الطارئين على تلك الحضرة والمقيمين بها وله شعر كثير النكت كقوله وأنشدنيه له أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان
( قال لي من يسره أن يراني ... ناحل الجسم لا أطيق حراكا )
( قم أضحى يسر وجدا ويذري ... دمعة العين منه سحا دراكا )
( أين من كان واصلا لك في الصحة ... حتى إذا اعتللت جفاكا )
( كل من لم يعدك في حالة السقم ... تمنى لك الردى والهلاكا )
( حذرا أن يراك يوما من الدهر ... صحيحا فيستحي أن يراكا )
( قلت لا تعجلن فإن رحا الدهر ... بأنيابه تزور عداكا )
( سوف تبرا ويمرضون وتجفوهم ... فإن عاتبوا فقل ذا بذاكا )
( كل من لم يعدك في حالة السقم ... تمنى لك الردى والهلاكا ) - من الخفيف -
وله
( هي حالان شدة ورخاء ... وسجالان نعمة وبلاء )
( والفتى الحازم اللبيب إذا ما ... خانه الدهر لم يخنه العزاء )

( إن ألمت ملمة بي فإني ... في الملمات صخرة صماء )
( صابر في البلاء طب بأن ليس ... على أهله يدوم البلاء )
( فالتداني يتلو التنائي والإقتار ... يرجي من بعده الإثراء )
( وأخو المال ماله منه في دنياه ... إلا مذمة أو ثناء )
( وإذا ما الرجاء أسقط بين الناس ... فالناس كلهم أكفاء ) - من الخفيف -
55 - أبو منصور البوشجني الملقب بمضراب الشعر
استغرق أيامه ببخارى يشعر بلا رأس مال في الأدب وكثيرا ما يأتي بالملح وجل قوله في الوزراء فمن ذلك قوله
( أبو علي وأبو جعفر ... ويوسف الهالك بالأمس )
( ثلاثة لم يك لي منهم ... نفع بدينار ولا فلس )
( لذاك لم أبك على هالك ... غيب منهم في ثرى رمس ) - من السريع -
وقوله
( نحن بأبواكم حيارى ... وأنتم مثلنا حيارى )
( فبعضنا يستجير بعضا ... وبعضنا عندكم أسارى )
( وكلنا من شراب جهل ... بوصف أحوالنا سكارى )
( وأي عذر لنا فحول ... تعد في جملة العذارى ) - من مخلع البسيط -
وقوله
( وكنا زمانا نذم الزمان ... ونرثي الوزارة بالبلعمي )

( فأخرنا العمر حتى انتهت ... من البلعمي إلى البرعشي )
( وسوف تؤول على ما أراه ... من البرعشي إلى البرمكي ) - من المتقارب -
وقوله
( وكنا نذم الدهر من غير خبرة ... بيوسفه والبلعمي وغيره )
( إلى أن رمانا بالغفاري بعدهم ... وعاندنا في عبده وعزيره )
( وما قد رعانا في ابن عيسى وزوره ... وفي ابن أبي زيد السفيه وسيره )
( ولم نرض بالمقدور فيهم فأمنا ... بكل كسير في الورى وعويره ) - من الطويل -
وأنشدني أبو نصر العتبي في أبي الحسن العتبي
( قلوب الناس والهة سقاما ... ونفس المجد والهة سقيمه )
( وما فجعت بك الدنيا ولكن ... تركت بفقدك الدنيا يتيمه ) - من الوافر

الباب الثالث
في ذكر المأموني والواثقي ومحاسن أخبارهما وأشعارهما
لما كان أبو طالب المأموني وأبو محمد الواثقي من جملة الطارئين على بخارى والمقيمين بها ومميزين عنهم بشرف المنصب وكرم المنتسب وفضل المكتسب أفردت لهما بابا يتلو الباب المقصور عليهم ليجاوراهم ويقارباهم من جهة ويفارقاهم ويباعداهم من أخرى
56 - أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني
من أولاد المأمون أمير المؤمنين
كان أحد بل أوحد أفراد الزمان شرف نفس ونسب وبراعة فضل وأدب فياض الخاطر بشعر بديع الصنعة مليح الصيغة مفرغ في قلب الحسن والجودة ولما فارق وطنه بغداد لحاجة في نفسه وهو حدث لم يبقل وجهه ورد الري وامتدح الصاحب بقصائد فرائد ملكه العجب بها وأبهره التعجب منها فأكرم مورده ومثواه وأحسن قراه ووعده ومناه فدبت به عقارب الحسدة من ندماء الصاحب وشعرائه وطفقوا يركبون الصعب والذلول في رميه بالأباطيل ويتقولون عليه أقبح الأقاويل فطورا ينسبونه إلى

الدعوة في بني العباس ومرة يصفونه بالغلو في النصب واعتقاده تكفير الشيعة والمعتزلة وتارة ينحلونه هجاء في الصاحب يعرب عن فحش القدح ويحلفون على انتحاله ما أصدر من شعره في المدح حتى تكامل لهم إسقاط منزلته لديه وتكدر ماؤه عنده وعليه وفي ذلك يقول من قصيدة يستأذنه فيها للرحيل أولها
( يا ربع كنت دمعا فيك منسكبا ... قضيت نحبي ولم أقض الذي وجبا )
( لا ينكرن ربعك البالي بلى جسدي ... فقد شربت بكأس الحب ما شربا )
( ولو أفضت دموعي حسب واجبها ... أفضت من كل عضو مدمعا سربا )
( عهدي بعهدك للذات مرتبعا ... فقد غدا لغوادي السحب منتحبا )
( فيا سقاك أخو جفن السحاب حيا ... يحبو ربا الأرض من نور الرياض حبا )
( ذو بارق كسيوف الصاحب انتضيت ... ووابل كعطاياه إذا وهبا ) - من البسيط -
ومنها
( فكنت يوسف والأسباط وأبو الأسباط ... أنت ودعواهم دما كذبا )
( وعصبة بات فيها الغيط متقدا ... إذ شدت لي فوق أعناق العدى رتبا )
( قد ينبح الكلب ما لم يلق ليث شرى ... حتى إذا ما رأى ليثا قضى رهبا )
( أرى مآربكم في نظم قافية ... وما أرى لي في غير العلا أربا )
( عدوا عن الشعر إن الشعر منقصة ... لذي العلاء وهاتوا المجد والحسبا )
( فالشعر أقصر من أن يستطال به ... إن كان مبتدعا أو كان مقتضبا )

ومنها
( أسير عنك ولي في كل جارحة ... فم بشكرك يجري مقولا ذربا )
( ومن يرد ضياء الشمس إن شرقت ... ومن يرد طريق الغيث إن سكبا )
( إني لأهوى مقامي ذي ذراك كما ... تهوى يمينك في العافين أن تهبا )
( لكن لساني يهوى السير عنك لأن ... يطبق الأرض مدحا فيك منتخبا )
( أظنني بين أهلي والأنام هم ... إذا ترحلت عن مغناك مغتربا )
ثم إنه فارق الري وقدم نيسابور فأشار عليه أبو بكر الخوارزمي بإنشاء قصيدة في الشيخ أبي منصور كثير بن أحمد يسأله فيها تقرير حاله عند صاحب الجيش أبي الحسن بن سيمجور فعملها وأوصلها أبو بكر ووشعها من الكلام بما أوقعها موقعها أولها
( أبى طارق الطيف إلا غرورا ... فينوي خيالك أن لا يزورا )
( فما أكره الطيف في نفسه ... ولكنني أكره الوصل زورا )
( إلى الله أشكو منى في الحشى ... تضمن جنباي منها سعيرا )
( تفارق بين كل يوم خيلا ... وتفجع بي كل يوم عشيرا )
( فإن تسألاني يا صاحبي ... نص السرى تجداني خبيرا )
( ففي كل يوم تراني الركاب ... أفارق ربعا وأحتل كورا )
( إذا سرت عن صاحبي قلت عد ... لعودي السنين وخل الشهورا )
( أراني ابن عشرين أو دونها ... وقد طبق الأرض شعري مسيرا )
( إذا قلت قافية لم تزل ... تجوب السهول وتطوي الوعورا )
( ولو كان يفخر ميت بحي ... لكان أبو هاشم بي فخورا )
( ولو كنت أخطب ما أستحق ... لما كنت أخطب إلا السريرا )

( ولو سرت صاحت ملوك البلاد ... بين يدي النفير النفيرا )
( ولكنني مكتف باليسير ... إذا سهل الله ذاك اليسيرا )
( إذا أكثر الناس شيم الغمام ... فلا شمت في الأرض إلا كثيرا )
( فتى ملئت بردتاه علا ... ونبلا ومجدا وفضلا وخيرا )
( إذا ضمه الدست ألفيته ... سحابا مطيرا وبدار منيرا )
( وإن أبرزته وغى خلته ... حساما بتورا وليثا هصورا )
( فطورا مفيدا وطورا مبيدا ... وطورا مجيرا وطورا مبيرا )
( ترى في ذراه لسان المنى ... طويلا وباع الليالي قصيرا )
( تضم الأسرة منه ذكا ... وتحمل منه المذاكي ثبيرا )
( إليك من الشعر عذراء قد ... طوت طيئا وأجرت جريرا )
( إذا أنا أنشدتها أفحم الزمان ... وأسمع قولي الصم الصخورا )
( ولو أن أفئدة السامعين ... تسطيع شقت إلي الصدورا )
( ولست أحاول مهرا لها ... سوى أن تبلغ أمري الأميرا )
( فأنت يد ولسان له ... إذا أحدث الدهر خطبا كبيرا )
( فلا زلتما للعللا معصمين ... تدعى الأمير ويدعى الوزيرا ) - من المتقارب -
فلما وقف على صورة حاله أنهاها إلى صاحب الجيش فاستدعاه وحين وصل إليه استقبله بخطوات مشاها إليه وبالغ في إعظامه وأبلغ في إكرامه ثم خيره بين المقام بنيسابور وبين الانحدار إلى الحضرة ببخارى فاختار الخروج فوصله وزوده من الكتب إلى وزير الوقت وغيره من الأركان ووكيله بالباب أبي جعفر الرماني فأحسن موقعه وأثره وحصل معه وطره

ولما دخل بخارى لقي أبا الحسن عبد الله بن أحمد بقصيدته التي منها
( وليل كأني فيه إنسان ناظر ... يقلب في الآفاق جفنيه دانيا )
( إذا ما أمالتني به نشوة الكرى ... تمايل في كفي المثقف صاحيا )
( وإن ما طمي لج المنى بين أضلعي ... تعسفت لجا من دجى الليل طاميا )
( فأمسى شجا في ظلمة الليل والجا ... وأضحى قذى في مقلة الصبح غاديا )
( حسامي نديمي والكواكب روضتي ... وبيت السرى ساقي والسير راجيا )
( ولما رأى الشيخ الجليل إقامتي ... عليه وتطليقي لديه المهاريا )
( دعاني وأدناني وقرب منزلي ... ورحب بي وانتاشني واصطفانيا )
( همام يبكي المشرفية ساخطا ... ويضحك أبكار الأماني راضيا )
( ولو أن بحرا يستطيع ترقيا ... إليه لأم البحر جدواه راجيا ) - من الطويل -
وبقصائد غيرها فتقبله بكلتا اليدين وأعجب منه بفتى من أولاد الخلافة يملأ العين جمالا والقلب كمالا وواصل صلاته وخلع عليه وألحقه في الرزق السلطاني بمن كان هناك من أولاد الخلفاء كابن المهدي وابن المستكفي وغيرهما
ولما قام أبو الحسن المزني مقام العتبي زاد المأموني إكراما وإجلالا وأفضل عليه إفضالا بسبب مناسبة الآداب التي هي من أوكد الأسباب وأقرب الأنساب
ولما كانت أيام ابن عزيز وأيام الدامغاني وأيام أبي نصر بن أبي زيد جعل كل منهم يربي على من تقدمه في الإحسان إليه وإدرار الرزق عليه وإخراج الخلع

السلطانية والحملانات بمراكب الذهب له حتى حسن حاله وتلاحق ماله وظهرت مروءته
فمن شعره في المزني قوله من قصيدة أولها
( أنا بين أحشاء الليالي نار ... هي لي دخان والنجوم شرار )
( فمتى جلا فجر الفضاء ظلامها ... صليت بي الأقطار والأمصار )
( بي تحلم الدنيا وبالخير الذي ... لي منه بين ضلوعها أسرار )
( فبكل مملكة علي تلهف ... وبكل معركة إلي أوار )
( يا أهل ما شطت برجلي رحلة ... إلا لتسفر عني الأسفار )
( لي في ضمير الدهر سر كامن ... لا بد أن تستله الأقدار )
( حقنت يداه دم المكارم مذ غدا ... دم كل حر فاه وهو جبار )
( طبعت مزينة منه عضبا ماله ... في غير هامات الأسود قرار )
( أراؤه بيض الظبى وحديثه ... روض الربى ويمينه تيار )
( ضمت على الدنيا بدائع لفظه ... فكأنها زند وهن سوار )
( وإذا العلوم استبهمت طرقاتها ... فذووه أعلام لها ومنار )
( عزماتهم قضب وفيض أكفهم ... سحب وبيض وجوههم أقمار )
( ختم الرياسة بالوزارة فيهم ... أسد له السمر الذوابل زار ) - من الكامل -
ومنها
( يا من إذا طرأ القبائل شاعر ... صلت على آبائه الأشعار )
( فارحم بمنكبك السماء أما ترى ... لسواك في خطط النجوم جوار )

( والأرض ملكك والورى لك غلمة ... والدهر عبدك والعلا لك دار )
ومن شعره في أبي محمد عبد الله بن أحمد بن عزيز قوله من قصيدة
( سيخلف جفني مخلفات الغمائم ... على ما مضى من عمري المتقادم )
( بأرض رواق العز فيها مطنب ... على هاشم فوق السهى والنعائم )
( يدين لمن فيها بنو الأرض كلهم ... وتعنو لهم صيد الملوك الأعاظم )
( ويهماء لا يخطو بها الوهم خطوة ... تعسفتها بالمرقلات الرواسم )
( وقد نشرت أيدي الدجى من سمائها ... رداء عروس نقطت بالدراهم )
( فخلنا نجوما في السماء أسنة ... مذهبة ما بين بيض صوارم )
( أعط قميصي قسطل ودجنة ... بذات الشكيم أو بذات العزائم )
( أيمم عبد الله نجل محمد ... وزير بني سامان تتميم حاتم )
( فمن مبلغ أهلي بأني واجد ... طلا بي من بحر الندى والمكارم )
( وأني من الشيخ الجليل وظله ... مطنب بيت تحت ظل الغمائم )
( وأن عيون الجود طوع أناملي ... تدفق حولي بالسيول السواجم )
( لقد علمت أرض المشارق أنها ... بيمنك قد عادت بليث ضبارم )
( وقد أيقنت أن ليس غيرك يرتجى ... لقمع الأعادي أو لدفع المظالم )
( فلاذت بلا وان ولا متقاعس ... ولا ناكل عن نصرة الدين جاثم )
( ولا تارك رأيا تلونا ... ولا قارع عند الندى سن نادم )
( يعمم بالهندي حين يسله ... أسود الوغى بالضرب فوق العمائم )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12