كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس

( مثل الغمامة ملئت ... أكنافها برقا ورعدا )
( رأس كقلة شاهق ... كسيت من الخيلاء جلدا )
( فتراه من فرط الدلال ... مصعرا للناس خدا )
( يزهى بخرطوم كمثل ... الصولجان يرد ردا )
( متمرد كالأفعوان ... تمده الرمضاء مدا )
( أو كم راقصة تشير به إلى الندمان وجدا ... )
( وكأنه بوق تحركه ... لتنفخ فيه جدا )
( يسطو بساريتي لجين ... يحطمان الصخر هدا )
( أذناه مروحتان أسندتا ... إلى الفودين عقدا )
( عيناه غائرتان ضيقتا ... لجمع الضوء عمدا )
( قاسوه باسطرلاب يجمع ... ثقبه ما لن يحدا )
( تلقاه من بعد فتحسبه ... غماما قد تبدى )
( متنا كبنيان الخورنق ... ما يلاقي الدهر كدا )
( ردفا كدكة عنبر ... متمايل الأوراك نهدا )
( ذنبا كمثل السوط يضرب ... حوله ساقا وزندا )
( يخطو على أمثال أعمدة ... الخباء إذاتصدى )
( أو مثل أميال نضدن ... من الصخور الصم نضدا )
( متورد حوض المنية ... حيث لا يشتاق وردا )
( متلفعا بالكبرياء ... كأنه ملك مفدى )
( أدنى إلى الشيء البعيد ... يراد من وهم وأهدى )
( أذكى من الإنسان حتى لو رأى خللا لسدا ... )
( لو أنه ذو لهجة ... وفي كتاب الله سردا )

( قل للوزير عبدت حتى ... قد أتاك الفيل عبدا )
( سبحان من جمع المحاسن ... عنده قرنا وبعدا )
( لو مس أعطاف النجوم ... جرين في التربيع سعدا )
( أو سار في أفق السماء ... لأنبتت زهرا ووردا ) - مجزوء الكامل -
ومن قصيدة أبي محمد الخازن
( حازوا سعود ديار سعدى ... ورعوا جناب العيش رغدا )
( وقضوا مآرب للصبا ... مذ أبدلوا بالغور نجدا )
( سكنوا محلا بالدمى ... أضحى محلا مستجدا )
( عطفت علي ظباؤه ... ما شئت سالفة وقدا )
( وشفيت حر الوجد من ... برد سقى الأكباد بردا )
( عجبا أشيم لثغرها ... برقا ولست أحس رعدا )
( وغدوت أجني من غصون ... البان تفاحا ووردا )
( وبنفسي القمر الذي ... لمعا تصدى ثم صدا )
( يا هذه أهدي الوصال ... تكرما إن كان يهدى )
( وتذكري عهد الصبا ... في بيت عاتكة المفدى )
( لا تنكري شيبا ألم ... بفوده وفدا فوفدا )
( وتعلمي أن الشباب ... وإن وفى قرض يؤدى )
( وإذا أعير فإنه ... لا بد من أن يستردا )
( كم ليلة ساورتها ... وقضيتها حسنا وجدا )
( وأرى النجوم لآلئا ... في الجو تجلو اللازوردا )
( حتى تحول أدهم ... الظلماء في الأفقين وردا )

( وبدا الصباح يحل من ... جيب الدجى ما كان شدا )
( وقريت همي أعنسا ... تذر الربى بالوخد وهدا )
( فوردن أفنية العلا ... معمورة فحمدن وردا )
( حيث الفضائل والفواضل ... فتن إحصاء وعدا )
( حيث الوغى مشبوبة ... نيرانها وهجا ووقدا )
( ومهابة كادت لها ... صم الجبال تخر هدا )
( أفياله يقدحن في ... ظلم الوغى زندا فزندا )
( تسري كسحم سحائب ... بجانب تزجى وتحدى )
( ولبسن دكن ملابس ... غبرا معاطفهن ربدا )
( ورمقن عن أجفان مضمرة ... على الأعداء حقدا )
( وفغرن أفواها كأفواه ... المزاد تروغ دردا )
( وكشرن عن أنيابها ... مثل الحراب شبا وحدا )
( من كل جهم خلته ... يوم الوغى غولا تصدى )
( كبنية من عنبر ... دعمت سواري الساج نضدا )
( وعليه طارونية ... يزهى بها حرا وبردا )
( لولا إنقلاب لسانه ... لرأيته خصما ألدا )
( متوليا أمرا ... ونهيا مالكا حلا وعقدا )
( وكأنما خرطومه ... راووق خمر مد مدا )

( أو مثل كم مسبل ... أرخته للتوديع سعدى )
( وإذا التوى فكأنه الثعبان ... من جبل تردى )
( وكأنما انقلبت عصا ... موسى غداة بها تحدى )
( متعطفا كالصولجان ... بساحة الميدان يحدى )
( يكسى الحداد وتارة ... يكسى نسيج الدرع سردا )
( وكأنما هو خاضب ... بالإثمد الجاري جلدا )
( لون حكى إظلامه ... لون الشمبه ليس يهدى )
( مستيقظ أبدا ويكبر أن يعير العين رقدا ... )
( كفل تموج الكثيب ... تهيله صوبا وصعدا )
( قد ساد كل بهيمة ... كيسا ومعرفة وجدا )
( فكأنه يوم الوغى ... يكسى من الخيلاء بردا )
( وإذا انثنى من حربه ... يسعى فيرقص دستبندا )
( أودى بمن عادى الوزير وعمهم حصرا وحصدا ... )
( من عزمه كالغصب قد ... وعلمه كالبحر مدا )
( مستوحش بالسلم لم ... تألف ظباه قط غمدا )
( كالغيث يهطل سائحا ... والليث يبرز مستبدا )
( وزر الملوك ونابها ... الأعلى وساعدها الأشدا )
( أي اسم فخر لم يحزه ... وأي مجد لم يعدا )

( أم أي ثغر لم يفته ... ولم يشده ولم يسدا )
( كافي الكفاة المرتجى ... والسيد الهادي المفدى )
( ما الحر إلا من غدا ... للصاحب المأمول عبدا )
( ولئن أجدت مديحه ... فلطالما أغنى وأجدى )
( وقربت منه فالتفت إلى الزمان وقلت بعدا ... )
( واعتضت غير مخيب ... من مستمر النحس سعدا )
( وكفيت ثمدا ناضبا ... وسقيت ماء العيش رغدا )
( ومنحت إنصافا بعون ... الله من دهر تعدى )
( خذها إليك شواهدا ... في السن الراوين شهدا )
( هذبتها وجلوتها ... في الحسن خاتمة ومبدا )
( قد كان يكدي خاطري ... لكن بمدحك قد أمدا )
( أعددت للحدثان جودك ... دون عداء علندى )
( وعلمت أنك واحد ... في العالمين خلقت فردا )
( تذر الوعيد نسيئة ... كرما وتحبو الوعد مقد )
( ويفوح خلقك عن عبير ... حوله زهر مندى )
( أنا غرسك الزاكي ... بكفك مثمر أدبا وودا )
( فسأملأ الدنيا بما استمليت من جدواك حمدا )
( هي طاعتي حتى أرى ... متبوئا في الترب لحدا )
( تفديك نفسي من عوادي ... كل مكروه ومردى ) - مجزوء الكامل -
ولم يحضرني الآن من الفيليات أكثر من هذه الثلاث وإذا وجدت من

أخواتها ما يصلح للإلحاق بها ألحقته بمشيئة الله تعالى وإذنه والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا
خبر سبطه الشريف أبي الحسن عباد بن علي الحسني
لما أتت الصاحب البشارة بسبطه أبي الحسن عباد أنشأ يقول
( أحمد الله لبشرى ... أقبلت عند العشي )
( إذ حباني الله سبطا ... هو سبط للنبي )
( مرحبا ثمة أهلا ... بغلام هاشمي )
( نبوي علوي ... حنسي صاحبي ) - مجزوء الرمل -
ثم قال
( الحمد لله حمدا دائما أبدا ... إذ صار سبط رسول الله لي ولدا ) - البسيط -
فقال أبو محمد الخازن على وزنه ورويه قصيدة أولها
( بشرى فقد أنجر الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا )
( وقد تفرع في أرض الوزارة عن ... دوح الرسالة غصن مورق رشدا )
( لله آية شمس للعلا ولدت ... نجما وغابة عز أطلعت أسدا )
( وعنصر من رسول الله واشجة ... كريم عنصر إسماعيل فاتحدا )
( وبضعة من أمير المؤمنين زكت ... أصلا وفرعا وصحت لحمة وسدى )
( ومثل هذي السعادات القوية لا ... يحوزها غيره دامت له أبدا )

( يا دهره حق أن تزهى بمولده ... فمثله منذ كان الدهر ما ولدا )
( تعجبوا من هلال العيد يطلع في ... شعبان أمر عجيب قط ما عهدا )
( فمن موال يوالي الحمد مبتهلا ... ومخلص يستديم الشكر مجتهدا )
( وكادت الغادة الهيفاء من طرب ... تعطي مبشرها الإرهاف والغيدا )
( فلا رعى الله نفسا لم تسر به ... ولا وقاها وغشاها رداء ردى )
( وذي ضغائن طارت روحه شفقا ... منه وطاحت شظايا نفسه قددا )
( علما بأن الحسام الصاحبي غدا ... مجردا والشهاب الفاطمي بدا )
( وأنه انسد شعب كان منصدعا ... به وأمرع شعب كان محتصدا )
( فأرفع المجد أعيانا وأسمقه ... مجد يناسب فيه الوالد والولدا )
( فليهنأ الصاحب المولود ولترد ... السعود تجلو عليه الفارس النجدا ... )
( لم يتخذ ولدا إلا مبالغة ... في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا ) - البسيط -
ما أشرف معنى هذا البيت وأبدعه وأبرعه
ومنها
وخذ إليك عروسا بنت ليلتها ... من خادم مخلص ودا ومعتقدا )
( أهديتها عفو طبعي وانتحيت بها ... سحرا وإن كنت لم أنفث له عقدا )
( وازنت ما قلته شكرا لربك إذ ... جاء المبشر بيتا سار واطردا )
( الحمد لله شكرا دائما أبدا ... إذا صار سبط رسول الله لي ولدا ) - البسيط -
وقال أبو الحسن الجوهري في التهنئة قصيدته التي منها
( كافي الكفاة بقصد من صرائمه ... حامي الحماة بحصد من مناصله )

( ما زال يخطب منه الدين مجتهدا ... قربى توطد من عليا وسائله )
( وكان بعد رسول الله كافله ... فصار جد بنيه بعد كافله )
( هلم للخبر المأثور مسنده ... في الطالقان فقرت عين ناقله )
( فذلك الكنز عباد وقد وضحت ... عنه الإمامة في أولى مخايله ) - البسيط -
لما وردت الشيعة أن بالطالقان كنزا من ولد فاطمة يملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت جورا والصاحب من قرية الطالقان من قرى أصبهان ورزق سبطا فاطميا تأولوا له هذا الخبر وأنا بريء من عهدته
( الصاحبي نجارا في مطالعه ... والطالبي غرارا في مقاتله )
( يهني الوزير ظبا في وجه صارمه ... من صارم وشبا في حد عامله )
وقال عبد الصمد بن بابك قصيدة منها
( كساك الصوم أعمار الليالي ... وأعقبك الغنيمة في المآب )
( فلا زالت سعودك في خلود ... تبارى بالمدى يوم الحساب )
( أتاك العز يسحب بردتيه ... على ميثاء حالية التراب )
( ببدر من بني الزهراء سار ... تعرى عنه جلباب السحاب )
( تفرع في النبوة ثم ألقى ... بضبعيه إلى خير الصحاب )
( تلاقت لإبن عباد فروع النبوة والوزارة في نصاب ... )
( فلا تغرر برقدته الليالي ... ولا تشحذ له الهمم النوابي )
( فمن خضعت له الأسد الضواري ... ترفع عن مراوغة الذئاب ) - الوافر -
وكان الصاحب إذا ذكر عبادا أنشد وقال
( يا رب لا تخلني من صنعك الحسن ... يا رب حطني في عباد الحسني ) - البسيط

ولما فطم قال
( فطمت أبا عباد يا ابن الفواطم ... فقال لك السادات من آل هاشم )
( لئن فطموه عن رضاع لبانه ... لما فطموه عن رضاع المكارم ) - الطويل -
ولما أملك عباد بكريمة بعض أقرباء فخر الدولة أبي الحسن قال أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد الشاشي قصيدة منها
( المجد ما حرست أولاه أخراه ... والفخر ما ألتف أقصاه بأدناه )
( والسعي أجلبه للحمد أصعبه ... والذكر أعلاه في الأسماع أغلاه )
( والفرع أذهبه في الجو أنضره ... والأصل أرسخه في الأرض أنقاه )
( اليوم أنجزت الآمال ما وعدت ... وأدرك المجد أقصى ما تمناه )
( اليوم أسفر وجه الملك مبتسما ... وأقبلت ببريد السعد بشراه )
( اليوم ردت على الدنيا بشاشتها ... وأرضي الملك والإسلام والله )
( والملك شدت عراه بالنبوة فار ... تزت دعائمه واشتد ركناه )
( وصار يعزى بنو ساسان في مضر ... صنعا من الله أسداه فأسناه )
( قد زف من جده كافي الكفاة إلى ... من خاله ملك الدنيا شهنشاه )
( سبطان سدى رسول الله سلكهما ... فألحم الله ما قد كان سداه )
( أولاد أحمد ريحان الزمان ومولانا ... الوزير من الريحان رياه )
( أولاد أحمد منه لا يميزهم ... عنه ولاء ولا مال ولا جاه )
( متى ابتنى واحد منهم بواحدة ... فإنما صافحت يمناه يسراه ) - البسيط -
قال مؤلف الكتاب كنت عزمت على إيراد غرر مما مدح به الصاحب في هذا المكان فاقتصرت على ما سيمر منها عند ذكر شعرائه وسياقة البدائع من

محاسنهم والوسائط من قلائدهم بإذن الله سبحانه وتعالى ومشيئته وإرادته
وهذه غرر من فقر ألفاظ الصاحب تجري مجرى الأمثال
وقد جمعت فيها بين ما أخرجه الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد منها في كتابه ملح الخواطر وسبح الجواهر وبين ما أخرجته أنا سالكا سبيله ومحتذيا تمثيله
من استماح البحر العذب استخرج اللؤلؤ الرطب من طالت يده بالمواهب امتدت إليه ألسنة المطالب من كفر النعمة استوجب النقمة من نبت لحمه على الحرام لم يحصده غير الحسام من غرته أيام السلام حدثته ألسن الندامة
من لم يهزه يسير الإشارة لم ينفعه كثير العبارة رب لطائف أقوال تنوب عن وظائف أموال الصدر يطفح بما جمعه وكل إناء مؤد ما أودعه اللبيب تكفيه اللمحة وتغنيه اللحظة عن اللفظة الشمس قد تغيب ثم تشرق والروض قد يذبل ثم يورق والبدر يأفل ثم يطلع والسيف ينبو ثم يقطع العلم بالتذاكر والجهل بالتناكر إذا تكرر الكلام على السمع تقرر في القلب الضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح الشيء يحسن في إبانه كما أن الثمر يستطاب في أوانه الآمال ممدودة والعواري مردودة الذكرى ناجعة وكما قال الله تعالى نافعة متن السيف لين ولكن حده خشن ومتن الحية ألين ونابها أخشن عقد المنن في الرقاب لا يبلغ إلا بركوب الصعاب بعض الحلم

مذلة وبعض الإستقامة مزلة كتاب المرء عنوان عقله بل عيار قدره ولسان فضله بل ميزان علمه إنجاز الوعد من دلائل المجد واعتراض المطل من إمارات البخر وتأخير الإسعاف من قرائن الإخلاف خير البر ما صفا وضفا وشره ما تأخر وتكدر فراسة الكريم لا تبطي وقيافة الشر لا تخطي قد ينبح الكلب القمر فليلقم النابح الحجر كم متورط في عثار رجاء أن يدرك بثار بعض الوعد كنقع الشراب وبعضه كلمع السراب قد يبلغ الكلام حيث تقصر السهام ربما كان الإقرار بالقصور أنطق من لسان الشكور ربما كان الإمساك عن الإطالة أوضح من الإبانة والدلالة لكل امرىء أمل ولكل وقت عمل إن نفع القول الجميل وإلا نفع السيف الصقيل شجاعة ولا كعمرو ومندوب ولا كصخر لا يذهبن عليك تفاوت ما بين الشيوخ والأحداث والنسور والبغاث كفران النعم عنوان النقم جحد الصنائع داعية القوارع تلقى الإحسان بالجحود تعريض النعم للشرود قد يقوى الضعيف ويصحو النزيف ويستقيم المائد ويستيقظ الهاجد للصدر نفثة إذا أحرج وللمرء بثة إذا أحوج ما كل امرىء يستجيب للمراد ويطيع يد الإرتياد قد يصلى البرىء بالسقيم ويؤخذ البر بالأثيم ما كل طالب حق يعطاه ولا كل شاتم مزن يسقاه إن الأحداث لا رياضة لهم بتدبير الحوادث إن السنين تغير السنن من ثقلت عليه النعمة خف وزنه ومن استمرت به الغرة طال حزنه أطع سلطان النهي دون شيطان الهوى

فصول له ورقاع في الملاطفة والمداعبة
فصل من كتاب له إلى أبي العلاء الأسدي
ذكرت أن أدهمك قطع الدهر رباطه أو قطع الموت نياطه ووصفت الحمار الذي استعضته فلا أدري أقرطته أم عضدته وقد كتبت بابتياع مركوب لك يعبوب أو يعسوب أو مرجوب بل رمست أن يقاد إليك في كيس أعجر فإن شئت فاتركه عندك أشهب وإلا فابتع به أدهم أو أشقر والتوقيع درج كتابي فليوصل والنقد عند الحافر وبه يملك الخف والحافر ويجنب الأعز السائل والأقرح النادر
فصل من كتاب في الغضائري
الغضائري وما أدراك ما الغضائري
استزاد إلى الجمال جمالا وعاد بدرا وكان هلالا فإن شئت فالغصن ميالا وإن شئت فالدعص منهالا
( كأن جميع الناس يلقون وجهه ... بناظرك المفتون والحب شامل )
( رويدك إن أحببت فالغصن مائل ... وإن تصب بعد الدعص فالدعص هائل ) - الطويل -
وهو يهدي إليك سلاما كرقة خده ونسيم عرفه وغزارة دمعك من بعده

) سلاما كما رق النسيم على الصبا ... وجاء رسول الورد في زمن الورد ) - الطويل -
تأبى أيها العبد الصالح إلا أن تغمسنا معك في مزح المازح
( ألا رب ذي مزح يحرك حبله ... وحبل التقى من قلبه محصد شزر ) - الطويل -
فصل
وما الشأن إلا في أنك تنتقل في الهوى تنقل الأفياء وتتميل في الحب كشارب الصهباء
فمرة الغضائري حتى إذا حسبناك قد صرت له وصار لك وعلق بك أمله وأملك
بعت قديما بحديث وتليدا بطريف واستهوتك حبائل القمى فقمت تفتل في حبله وتحرص على وصله ثم تطمع أن تضم ضدا إلى ضد وتجمع سيفين في غمد
وهيهات إن الغضائري قد أبلغه ذلك فازور وتنمر وغار وتنكر وقد كان له عزم في المسير إلى أصبهان ففتر بفتور صبوتك وخف بظهور نبوتك
( نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول ) - الكامل -
وقد جعله بعض الشعراء للحبيب الآخر وأما نحن فننشد لكثير
( إذا ما أرادت خلة أن تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول ) - الطويل -
والله يسقي عهدك العهاد ويعيدنا وإياك على البعاد

رقعة استزارة
هذا اليوم يا سيدي طاروني يعجبني نوؤه الفاختي وإذ قد غابت شمس السماء عنا
فلا بد أن تدنو شمس الأرض منا فإن نشطت للحضور شاركتنا في السرور وإلا فلا إكراه ولا إجبار ولك متى شئت الإختيار
وفي مثلها
غدا يا سيدي ينحسر الصيام وتطيب المدام
فلا بد من أن نقيم أسواق الأنس نافقة وننشر أعلام السرور خافقة فبالفتوة فإنها قسم للظراف يفرض حسن الإسعاف لما بادرتها ولو على جناح الريح إن شاء الله تعالى
أخرى نحن يا سيدي في مجلس غني إلا عنك شاكر إلا منك
قد تفتحت فيه عيون النرجس وتوردت فيه خدود البنفسج وفاحت مجامر الأترج وفتقت فارات النارنج وأنطقت ألسنة العيدان وقام خطباء الأوتار وهبت رياح الأقداح ونفقت سوق الأنس وقام منادي الطرب وطلعت كواكب الندماء وامتدت سماء الند فبحياتي لما حضرت لنحصل بك في جنة الخلد وتتصل الواسطة بالعقد
في مثلها نحن وحياتك في مجلس راحه ياقوت ونوره در ونارنجه

ذهب ونرجسه دينار ودرهم ويحملها زبرجد وألسنة العيدان تخاطب الظراف بهلم إلى الأقداح لكنا بغيبتك كعقد غيبت واسطته وشباب أخذت جدته فأحب أن تكون إلينا أسرع من الماء في إنحداره والقمر في مداره
في مثلها مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك معول في إغنائه عليك وقد أبت راحة أن تصفو إلا أن تتناولها يمناك وأقسم غناؤه لا طاب أو تعيه أذناك فأما خدود نارنجه فقد احمرت خجلا إبطائك وعيون نرجسه فقد حذفت تأميلا للقائك فبحياتي عليك لما تعجلت لئلا يخبث من يومي ما طاب ويعود من همي ما طار
في مثلها صرنا أيد الله مولانا في بستان كأنه من خلقه خلق ومن خلقه سرق فرأينا أشجارا تميل فتذكر تبريح الأحباب وقد تداولتهم أيدي الشراب وأنهارا كأنها من يد مولانا تسيل أو من راحته تفيض وحضرنا فلان فعلا نجمنا وحمد أمرنا وتسهل طريق الخير لنا فلما دبت الكؤوس فيهم دبيب البرء في السقم والنار في الفحم
رأى أن نجعل أنسنا غدا عنده فقلت سمعا ولم أستجز لأمره دفعا والتمس أن أخلفه في تجشيم مولاي إلى المجمع ليقرب علينا متناول البدر بمشاهدته ولمس الشمس بمطالعته فإن رأى أن يشفعني أسعفني إن شاء الله تعالى
فصل
أنا على طرف بستان أذكرني ورده المتفتح بخلقك وجدوله السابح بطبعك وزهره الجني بقربك
فصل من كتاب آخر
علقت هذه الأحرف وأنا على حافة حوض ذي ماء أزرق كصفاء ودي

لك ورقة قولي في عتابك ولو رأيته لأنسيت أحواض مأرب ومشارب أم غالب وقد قابلتني شقائق كالزنوج تجارحت فسالت دماؤها وضعفت فبقي ذماؤها وسامتني أشجار كأن الحور أعارتها أثوابها وكستها أبرادها وحضرتني نارنجات ككرات من سفن ذهبت أو ثدي أبكار خلقت وقد تبرم بي الحاضرون لطول الكتاب فوقفت وكففت وصدفت عن كثير مما له تشوفت
ومن رقعة مضيت وشاهدت أحسن منظر فالأرض زمردة والأشجار وشيء والماء سيوف والطير قيان
رقعة في الإعتذار من هفوة الكأس
سيدي أعرف بأحكام المروءة من أن يهدى إليها وأحرص على عمارة سبل الفتوة من أن يحض عليها وقديما حملت أوزار السكر على ظهور الخمر وطوي بساط الشراب على ما فيه من خطأ وصواب وكنت البارحة بعقب شكاة أضعفتني ونقلتني عن عادتي واستعفيت السقاة غير دفعة فابوا إلا إلحاحا علي وإتراعا إلي وكرهت الإمتناع خشية أن أوقع الكساد في سوق الأنس وتفاديا من أن يقعد على خنصر الثقيل فلما بلغت الحد الذي يوجب الحد بدر مني ما يبدر ممن لا يصحبه لبه ولا يساعده عقله وقلبه
ولا غرو فموالاة الأرطال تدع الشيوخ كالأطفال
فإن رأى أن يقبل عذري فيما جناه سكري ويهب جرمي

لمعرفته نيتي في صحوي وإن أبى إلا معاقبتي جعلها قسمين بين المدام وبيني فعل إن شاء الله تعالى
في تنوير باكورة خلاف قد نور
لتنوير الخلاف فضائل لا تحصى ومحاسن تطول أن تستقصى منها أنه أول ثغر يبسم عنه الربيع ويضحك ودر يعقد على القضبان ويسبك ولتمايله ادكار بقدود الأحباب وتهييج لسواكن الأطراب وحمل إلى قضيب منه ورداته متعادلة ولذاته متقابلة
فأنفذته مع رقعتي هذه إليك وسألت الله أن يعيده ألف حول عليك وقلت
( وقضيب من الخلاف بديع ... مستخص بأحسن الترصيع )
( قد نعى شدة الشتاء علينا ... وسعى في جلاء وجه الربيع )
( وحكى من أحب عرفا وظرفا ... واهتزازا يثير ماء ضلوعي )
( رقة ما نظمت نحو بديع المجد ... حاكى الربيع حسن صنيعي ) - الخفيف -
في إهداء أترجة
ما زلت يا سيدي أفكر في تحفة تجمع أوصاف معشوق وعاشق وتنظم نعوت مشوق وشائق
حتى ظفرت بأترجة كأن لونا لوني وقد منيت ببعدك وبليت بصدك وكأن عرفها مستعار من عرفك وظرفها مشتق من ظرفك فكأنها بعض من لا أسميه وأنا أفديه فأنفذتها وقلت
( مولاي قد جاءتك أترجة ... من بعض أخلاقك مخلوقه )

( ألبسها صانعها حلة ... من سرق أصفر مسروقه ) - السريع -
في إهداء اقلام
قد خدمت دواة مولاي بأقلام تتخفف بأنامله وتتحمل نفحات فواضله وتأنقت في بريها فأتت كمناقير الحمام واعتدال السهام خمسة منها مصرية مقومة
عليها حلل مسهمة وعشرة منها بيض كأياديه وأيام مؤمليه والله يديم له مواد نعمته ويوفقني لشرائط خدمته
تهنئة ببنت
أهلا وسهلا بعقيلة النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار والمبشرة بإخوة يتناسقون نجباء يتلاحقون
( فلو كان النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجال )
( وما التأنيث لإسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للهلال ) - الوافر -
فادرع يا سيدي اغتباطا واستأنف نشاطا فالدنيا مؤنثة والرجال يخدمونها والذكور يعبدونها والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية وفيها كثرت الذرية والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحليت بالنجم الثاقب والنفس مؤنثة وبها قوام البدن وملاك الحيوان
والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام ولا عرف الأنام والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون ولها بعث المرسلون فهنيئا هنيئا ما أوليت وأوزعك الله شكر ما أعطيت وأطال بقاءك ما عرف النسل والولد وما بقي الأمد وكما عمر لبد

رقعة مداعبة
خبر سيدي عندي وإن كتمه عني واستأثر به دوني وقد عرفت خبره البارحة في شربه وأنسه
وغناء الضيف الطارق وعرسه وكان ما كان مما لست أذكره وجرى ما جرى مما لست أنشره وأقول إن مولاي امتطى الأشهب فكيف وجد ظهره وركب الطيار فكيف شاهد جريه وهل سلم على حزونة الطريق وكيف تصرف أفي سعة أم ضيق وهل أفرد الحج أم تمتع بالعمرة وقال في الحملة بالكرة
ليتفضل بتعريفي الخبر فما ينفعه الإنكار ولا يغني عنه إلا الإقرار وأرجو أن يساعدنا الشيخ أبو مرة
كما ساعده مره فنصلي للقبلة التي صلى إليها ونتمكن من الدرجة التي خطب عليها هذا وله فضل السبق إلى ذلك الميدان لكثير الفرسان
ومن أ خرى
انفردت يا سيدي بتلك انفراد من يحسب مطلع الشمس من وجهها ومنبت الدر من فمها
وملقط الورد من خده ومنبع السحر من طرفها وحقاق العاج من ثديها ومبادئ الليل من شعرها ومغرس الغصن في قدها ومهيل الرمل في ردفها وكلا فإنها شوهاء
ورهاء خرقاء خلقاء كأنما محياها أيام المصائب وليالي النوائب وكأنما قربها فقد الحبائب وسوء العواقب وكأنما وصلها عدم الحياة وموت الفجأة وكأنما هجرها قوة المنة
وكأنما فقدها ريح الجنة

ومن كتاب مداعبة
الله الله في أخيك لا تظهر كتابة فيحكم عليه بالماليخوليا وبالتخاييل الفاسدة فقد ذكر جالينوس أن قوما يبلغ بهم سوء التخيل أن يقدروا أجسامهم زجاجا فيجتنبوا ملامسة الحيطان خشية أن يتكسروا
وحكى أن قوما يظنون أنفسهم طيورا فلا يغتذون إلا القرطم والحظ كتابي دفعة ثم مزقه فلا طائل فيه ولا عائد له ولا فرج عنده وعلى ذكر الفرج فقد كانت بهمذان شاعرة مجيدة تعرف بالحنظلية وخطبها أبو علي كاتب بكر فما ألح عليها وألحفت كتبت إليه
( أيرك أير ما له ... عند حري هذا فرج )
( فاصرفه عن باب حري ... وادخله في حيث خرج ) - مجزوء الرجز -
هذه والله في هذين البيتين أشعر من كبشة أم عمرو والخنساء أخت صخر ومن كعوب الهذلية وليلى الأخيلية
ومن فقر رسائله من سائر الفنون
رسالة كتبها إلى أبي علي الحسن بن أحمد في شأن أبي عبد الله محمد بن حامد وسمعت الأمير أبا الفضل عبيد الله بن أحمد يسردها فزادني جريها على لسانه وصدروها عن فمه إعجابا بها وهي كتابي هذا وقد أرخى الليل سدوله وسحب الظلام ذيوله ونحن على الرحيل غدا إن شاء الله إذا مد الصباح غرره قبل أن يسبغ حجوله
ولولا ذاك

لأطلته كوقوف الحجيج على المشاعر
ولم أقتصر منه على زاد المسافر فإن المتحمل له وسيع الحقوق لدي حقيق أن أتعب له خاطري ويدي وهو أبو عبد الله المحامدي أعزه الله تعالى كان وافانا مع ذلك الشيخ الشهيد أبي سعيد الشبيبي السعيد رفع الله منازله
وقتل قاتله يكتب له فآنسنا بفضله وأنسنا الخير من عقله فلما فجع بتلك الصحبة وبما كان له فيها من القربة لم يرض غير بابي مشرعا وغير جنابي مرتعا وقطع إلي الطريق الشاق مؤكدا حقا لا يشق غباره ولا ينسى على الزمان ذماره
وكنت على جناح النهضة التي لم يستقر نواها ولم تبن حصباها ولم تلق عصاها فأمرج الحر المبتدأ الأمر القريب العهد بوطأة الدهر حامل عليه بالمركب الوعر فرددته إليك يا سيدي لتسهل عليه حجابك وتمهد له جنابك وتترصد له عملا خفيف الثقل ندى الظل فإذا اتفق عرضته عليه ثم فوضته إليه وهو إلى أن يتفق ذاك ضيفي وعليك قراه وعندك مربعه ومشتاه ويريد اشتغالا بالعلم ليزيده في الإستقلال إلى أن يأتيه إن شاء الله خبرنا في الإستقرار ثم له الخيار إن شاء أقام على ما وليته وإن شاء لحق بنا ناشرا ما أوليته وقد وقعت له إلى فلان ما يعينه على بعض الإنتظار إلى أن تختار له أيدك الله كل الإختيار فأوعز إلي بتعجيله واكفني شغل القلب بهذا الحر الذي أفردني بتأميله إن شاء الله تعالى
رقعة له إلى القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني عند وروده باب الري وافدا عليه
( تحدثت الركاب بسير أروى ... إلى بلد حططت به خيامي )

( فكدت أطير من شوقي إليها ... بقادمة كقادمة الحمام )
أفحق ما قيل أمر القادم أم ظن كأماني الحالم لا والله بل هو درك العيان وإنه ونيل المنى سيان فمرحبا أيها القاضي براحلتك ورحلك
بل أهلا بك وبكافة أهلك ويا سرعة ما فاح نسيم مسراك ووجدنا ريح يوسف من رياك فحث المطى تزل غلتي بسقياك وتزح علتي بلقياك ونص على يوم الوصول لنجعله عيدا مشرفا
ونتخذه موسما ومعرفا ورد الغلام أسرع من رجع الكلام فقد أمرته أن يطير على جناح نسر وأن يترك الصبا في عقال وأسر
( سقى الله دارات مررت بأرضها ... فأدتك نحوي يا زياد بن عامر )
( أصائل قرب أرتجي أن أنالها ... بلقياك قد زحزحن حر الهواجر )
رقعة في ذكر مصحف أهدي إليه
البر أدام الله الشيخ أنواع تطول به أبواع وتقصر عنه أبواع فإن يكن فيها ما هو أكرم منصبا وأشرف منسبا
فتحفة الشيخ إذا أهدي ما لا تشاكله النعم ولا تعادله القيم كتاب الله وبيانه وكلامه وفرقانه ووحيه وتنزيله وهداه وسبيله
ومعجز رسول الله ودليله طبع دون معارضته على الشفاه وختم على الخواطر والأفواه
فقصر عنه الثقلان وبقي ما بقي الملوان لا ئح سراجه واضح منهاجه منير دليله عميق تأويله يقصم كل شيطان مريد ويذل كل جبار عنيد وفضائل القرآن لا تحصى في ألف قران فأصف الخط الذي بهر الطرف وفاق الوصف وجمع صحة الأقسام وزاد في نخوة الأقلام

بل أصفه بترك الوصف فأخباره آثاره وعينه فراره وحقا أقول إني لا أحسب أحدا ما خلا الملوك جمع من المصاحف ما جمعت وابتدع في استكتابها ما ابتدعت وإن هذا المصحف لزائد على جميعها زيادة القرعة على الغرة بل زيادة الحج على العمرة
( لقد أهديته علقا نفيسا ... وما يهدي النفيس سوى النفيس )
فصل من كتاب له إلى ابن العميد صدر جوابا عن كتابه إليه في وصف البحر وكان أبو بكر الخوارزمي يحفظه وكثيرا ما كان يقرؤه ويعجب السامعون من فصاحته ولم أره يحفظ من الرسائل غيره وصل كتاب الأستاذ الرئيس صادرا عن شط البحر بوصف ما شاهد من عجائبه وعاين من مراكبه ورآه من طاعة آلاته للرياح كيف أرادتها واستجابة أدواتها لها متى نادتها
وركوب الناس أشباحها والخوف بمرأى ومسمع والمنون بمرقب ومطلع والدهر بين أخذ وترك والأرواح بين نجاة وهلك إذا أفكروا في المكاسب الخطيرة هان عليهم الخطر وإذا لاحت لهم غرر المطالب الكثيرة حبب إليه الغرر وعرفت ما قاله من تمنيه كوني عند ذلك بحضرته وحصولي على مساعدته ومن رأى بحر الأستاذ لأحواله واستعظامه لأهواله كما لا شيء أبلغ في مفاخره وأنفس في جواهره من وصف الأستاذ له فإني قرأت منه الماء السلسال
لا الزلال والسحر الحرام لا الحلال وقد علم أنه كتب ولما أخطر بفكره سعة

صدره فلو فعل ذلك لرأى البحر وشلالا يفضل عن التبرض وثمدا لا يكثر عن الترشف
( وكم من جبال جبت تشهد أنك الجبال ... وبحر شاهد أنك البحر )
ومحاسن فقر الصاحب تستغرق الدفاتر وتستنزف في الإنتخاب منها الخواطر وليس يتسع هذا الكتاب لغيض من فيضها وقطرة من سيحها
هذا ما اخترته من ملح شعره في الغزل وما يتعلق به
قال
( تسحب ما أردت على الصباح ... فهم ليل وأنت أخو الصباح )
( لقد أولاك ربك كل حسن ... وقد ولاك مملكة الملاح )
( وبعد فليس يحضرني شراب ... فأنعم من رضابك لي براح )
( وليس لدي نقل فارتهني ... بنقل من ثناياك الوضاح ) - الوافر -
قال
( لا ترجو إصلاح قلبي بلوم ... حلف الجفن لا أستقل بنوم )

( وهواه لئن تأخر عني ... طول يومي إني سيحضر يومي ) - الخفيف -
وقال
( علي كالغزال وكالغزالة ... رأيت به هلالا في غلاله )
( كأن بياض غرته رشاد ... كأن سواد طرته ضلاله )
( كأن الله أرسله نبيا ... وصير حسنه أقوى دلاله )
( إذا ما زدت وصلا زدت خبلا ... كأن حبال وصلك لي خباله ) - الوافر -
وقال
( هذا علي علي في محاسنه ... كأنما وصفه أن يبلغ الأملا )
( وكم أقول وقد أبصرت طلعته ... هذا الذي في طراز الله قد عملا ) - البسيط -
وقال
( وشادن أصبح فوق الصفه ... قد ظلم الصب وما أنصفه )
( كم قلت إذ قبل كفي وقد ... تيمني يا ليت كفي شفه ) - السريع -
وقال في معناه
( أبا شجاع يا شجاع الورى ... ومن غدا في حسنه قبله )
( قبل فمي إن كنت لي مؤثرا ... فاليد لا تعرف القبلة ) - السريع -
وقال في معناه
( وشادن جماله ... تقصر عنه صفتي )

( أهوى لتقبيل يدي ... فقلت لا بل شفتي ) - مجزوء الرجز -
وقال
( قل لأبي القاسم إن جئته ... هنيت ما أعطيت هنيته )
( كل جمال فائق رائق ... أنت برغم البدر أوتيته ) - السريع -
وقال
( قل لأبي القاسم الحسيني ... يا نار قلبي ونور عيني )
( البدر زين السماء حسنا ... وأنت زين لكل زين ) - مخلع البسيط -
وقال من باب الإقتباس من الحديث
( ومهفهف يغني عن القمر ... قمر الفؤاد بفاتن النظر )
( خالسته تفاح وجنته ... من غير إبقاء ولا حذر )
( فأخافني قوم فقلت لهم ... لا قطع في ثمر ولا كثر ) - الكامل -
وقال في مثله
( قال لي إن رقبي ... سيء الخلق فداره )
( قلت دعني وجهك ... الجنة حفت بالمكاره ) - مجزوء الرمل -
وقال في مثله
( أقول وقد رأيت له سحابا ... من الهجران مقبلة إلينا )
( وقد سحت غزالتها بهطل ... حوالينا الصدود ولا علينا ) - الوافر

وقال
( الحب سكر خماره التلف ... يحسن فيه الذبول والدنف )
( عابوه إذ لج في تصلفه ... والحسن ثوب طرازه الصلف ) - المنسرح -
وقال
( وشادن يكثر من قول لا ... أوقع قلبي في ضروب البلا )
( قلت وقد تيمني طرفه ... هذا هو السحر وإلا فلا ) - السريع -
وقال رحمه الله
( وشادن ذي غنج ... طاوي الحشى معتدل )
( أنشدته شعرا بديعا ... حسنا من عملي )
( فقال فيمن ولمن ... فقلت هذا فيك لي )
( فطار في وجنته ... شعاع نار الخجل ) - مجزوء الرجز -
وقال
( قد قلت لما مر يخطر ماشيا ... والناس بين معوذ أو عاشق )
( لم يكف ما صنعت شقائق خده ... حتى تلبس حلة بشقائق ) - الكامل -
وقال
( دعتني عيناك نحو الصبا ... دعاء يكرر في كل ساعه )
( ولولا تقادم عهد الصبا ... لقلت لعينيك سمعا وطاعه ) - المتقارب

وقال
( شتمت من تيمني مغالطا ... لأصرف العاذل عن لجاجته )
( فقال لما وقع البزاز في ... الثوب علمنا أنه من حاجته ) - الرجز -
وقال
( أتاني البدر باكيا خجلا ... فقلت ماذا دهاك يا قمر )
( قال غزال أتى ليعزلني ... بحسنه فالفؤاد منفطر )
( فقلت قبل ترابه عجلا ... واسجد له قال كل ذا غرر )
( قد بايعت أنجم السماء له ... فليس لي مفزع ولا وزر ) - المنسرح -
وقال
( يا قمرا عارضني على وجل ... وصاله يشبه تأخير الأجل )
( وقال تبغي قبلة على عجل ... قلت أجل ثم أجل ثم أجل ) - الراجز -
وقال
( وشادن في الحسن كالطاووس ... أخلاقه كليلة العروس )
( قد نال باللحظ من النفوس ... ما لم تنله الروم من طرسوس ) - الرجز -
وقال
( بدا لنا كالبدر في شروقه ... يشكو غزالا لج في عقوقه )
( يا عجبا والدهر في طروقه ... من عاشق أحسن من معشوقه ) - الرجز -
سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول أنشدني الصاحب هذه القوافي ليلة

وقال هل تعرفون نظيرا لمعناها في شعر المحدثين فقلت لا أعرف إلا قول البحتري
( ومن عجب الدهر أن ... الأمير أصبح أكتب من كاتبه ) - المتقارب -
فقال جودت وأحسنت وهكذا فليكن الحفظ وقال
( عزمت على الفصد يا سيدي ... لفضل دم كظني مؤلم )
( فلما تأخرت عن مجلسي ... أرقت لغير افتصاد دمي ) - المتقارب -
وقال
( ومهفهف شكل المجون ... أضنى فؤادي بالفتون )
( فنسيمه ملء الأنوف ... وحسنه ملء العيون ) - مجزوء الكامل -
وقال
( فمن كان يقطف ورد الجنان ... فقطفي مذ كنت ورد الخدود )
( وهمي مذ كنت در الثغور ... إذا اهتم غيري بدر العقود ) - المتقارب -
وقال
( كنا وأسباب الهوى متفقه ... نبتا من الورد معا في ورقه )
( فالآن إذ أسبابه مفترقه ... قد صارت الأرض علينا حلقه ) - الرجز -
وقال
( يا خاطرا يخطر في تيهه ... ذكرك موقوف على خاطري )
( إن لم تكن آثر من ناظري ... عندي فلا متعت بالناظر ) - السريع

وقال
( تأخرت عني والغرام غريم ... وما مل قرب الأكرمين كريم )
( وأوهمتني سقما وأنت مصحح ... بلى لك عهد كيف شئت سقيم )
( ولو شئت لم تخلط وصالا بهجرة ... كما شيب بالماء الزلال حميم )
( ففي الدهر كاف أن يفرق إنه ... وصي ظلوم والكريم يتيم ) - الطويل -
وقال ويروي لغيره
( رشأ غدا وجدي عليه كردفه ... وغدا اصطباري في هواه كخصره )
( وكأن يوم وصاله من وجهه ... وكأن ليلة هجره من شعره )
( إن ذقت خمرا خلتها من ريقه ... أو رمت مسكا نلته من نشره )
( وإذا تكبر واستطال بحسنه ... فعذار عارضه يقوم بعذره ) - الكامل -
ملح من شعره في الصدغ والخط والعذار
قال
( يا شادنا في صدغه عقرب ... ما يستحيب الدهر للراقي )
( يسلم خداه على لدغها ... ولدغها في كبدي باقي ) - السريع -
وقال
( وعهدي بالعقارب حين تشتو ... تخفف لدغها وتقل ضرا )
( فما بال الشتاء أتي وهذي ... عقارب صدغه تزداد شرا ) - الوافر

وقال
( رأيت عليا في لباس جماله ... فشاهدت منه الروض ثاني مزنه )
( ولما تبدى لي امتداد عذاره ... رايت طراز الله في ثوب حسنه ) - الطويل -
وقال
( إن كنت تنكره فالشمس تعرفه ... أو كنت تظلمه فالحسن ينصفه )
( ما جاءه الشعر كي يمحو محاسنه ... وإنما جاءه عمدا يغلفه ) - البسيط -
وقال
( لما بدا العارض في الخد ... زاد الذي ألقى من الوجد )
( وقلت للعذال يا من رأى ... بنفسجا يطلع من ورد ) - السريع -
وقال
( دب العذار على ميدان وجنته ... حتى إذا كاد أن يسعى به وقفا )
( كأنه كاتب عز المداد له ... أراد يكتب لاما فابتدا ألفا ) - البسيط -
وقال
( عذار كالطراز على الطراز ... وشمس في الحقيقة لا المجاز )
( تبدى عارضاه فعارضاني ... وقالا لا تمر بلا جواز )
( فقلت القلب عندكم مقيم ... وما حسن الثياب بلا طراز ) - الوافر -
وقال
( أنظر إليه كأنه ... شمس وبدر حين أشرف )
( والحظ محاسن خده ... تعذر دموعي حين تذرف )
( فكأنها الواوات حين يخطها قلم محرف ... ) - مجزوء الكامل

وقال
( أبو نصر بن بكران ... مليح الحظ والخط )
( فهذا النمل في العاج ... وذاك الدر في السمط ) - الهزج -
وقال
( إن لبس السواد أقوى دليل ... لأمير يلي أمور العباد )
( وأمير الملاح يأتيه عزل ... حين تلقاه لابسا للسواد ) - الخفيف -
وقال
( وخط كأن الله قال لحسنه ... تشبه بمن قد خطك اليوم فأتمر )
( وهيهات أين الخط من حسن وجهه ... وأين ظلام الليل من صفحة القمر ) - الطويل -
وقال في صباح الحاجب
( خداه ورد وصدغه سبج ... ومقلتاه الغناء والراح )
( إن هز أطرافه على نغم ... شقت جيوب وطاح أرواح )
( وجملة القول في محاسنه ... أن أمير الصباح صباح ) - المنسرح -
وقال
( رق الزجاج ورقت الخمر ... فتشابها فتشاكل الأمر )
( فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر ) - الكامل -
وقال
( وقهوة قد حضرت بختمها ... فقلت للندمان عند شمها )

( لا تقبضن بالماء روح جسمها ... فحسبها ما شربت من كرمها ) - الرجز -
وقال
( متغايرات قد جمعن وكلها ... متشاكل أشباحها أرواح )
( وإذا أردت مصرحا تفسيرها ... فالراح والمصباح والتفاح )
( لو يعلم الساقي وقد جمعن لي ... من أي هذي تملأ الأقداح ) - المتكامل -
وقال
( ولما بدا التفاح أحمر مشرقا ... دعوت بكأسي وهي ملأى من الشفق )
( وقلت لساقيها أدرها فإنها ... خدود عذارى قد جعلن على طبق ) - الطويل -
وقال من قصيدة
( وكأس تقول العين عند جلائها ... أهل لخدود الغانيات عصير )
( تحاميتها إلا تعلل واصف ... وقد يطرب الإنسان وهو كبير ) - الطويل -
ومن قصيدة
( وصفراء أو حمراء فهي نحيلة ... لرقتها إلا على المتوهم )
( تشككنا في الكرم أن انتماءه ... إلى الكرم أم هاتا إلى الكرم ينتمي ) - الطويل -
ومنها
( تمتع ندمان بها وأحبة ... وحظي منها أن أقول ألا انعمي )
( لك الوصف دون القصف مني فخيمي ... بغير يدي وارضي بما قاله فمي ) - الطويل -
أراد أنه جلس مع الشرب من غير شرب

وقال
( وشادن قلت له ما اسمكا ... فقال لي بالغنج عباث )
( فصرت من لثغته ألثغا ... فقلت أين الكاث والطاث ) - السريع -
ملح في الأوصاف والتشبيهات
قال
( أقبل الثلج فانبسط للسرور ... ولشرب الكبير بعد الصغير )
( أقبل الجو في غلائل نور ... وتهادى بلؤلؤ منثور )
( فكأن السماء صاهرت الأرض ... فصار النثار من كافور ) - الخفيف -
أخذه من قول ابن المعتز
( وكأن الربيع يجلو عرسا ... وكأنا من قطره في نثار ) - الخفيف -
وقال فيه
( هات المدامة يا غلام معجلا ... فالنفس في قيد الهوى مأسوره )
( أو ما ترى كانون ينثر ورده ... وكأنما الدنيا به كافوره ) - الكامل -
وقال فيه
( هات المدامة يا غلام مصيرا ... نقلي عليها قبلة أو عضه )
( أو ماترى كانون ينثر ورده ... وكأنما الدنيا سبيكة فضه ) - الكامل

سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول عند إنشاد هذه الثلجيات كل هذه الثلجيات عيال على قول الصنوبري
( ذهب كؤوسك يا غلام ... فإنه يوم مفضض ) - مجزوء الكامل -
فقلت قد أخذه منه من لم يزد على معناه فقال
( جاد الغمام بدمع كاللجين جرى ... فجد لنا بالتي في اللون كالذهب ) - البسيط -
وقال الصاحب في النارنج
( بعثنا من النارنج ما طاب عرفه ... فقيل على الأغصان منه نوافج )
( كرات من العقيان أحكم خرطها ... وأيدي الندامى حولهن صوالج ) - الطويل -
وقال في الند
( ند لفخر الدولة استعماله ... قد زاد عرفا من نسيم يديه )
( فكأنما عجنوه من أخلاقه ... وكأنه طيب الثناء عليه ) من - الكامل -
وقال في حبة عنب
( وحبة من عنب ... من المنى متخذه )
( كأنها لؤلؤة ... في وسطها زمرذه ) - مجزوء الرجز -
وقال فيه
( وحبة من عنب قطفتها ... تحسدها العقود في الترائب )
( كأنها من بعد تمييزي لها ... لؤلؤة قد ثقبت من جانب ) - الرجز

وقال في الشمع
( ورائق القد مستحب ... يجمع أوصاف كل صب )
( صفرة لون وسكب دمع ... وذوب جسم وحر قلب ) - مخلع البسيط -
وقال في التين
( تين يزين رواؤه مخبوره ... متخير في وصفه يتحير )
( عسل اللعاب لديه مما يجتوي ... وجنى النحيل لديه مر ممقر )
( وكأنما هو في ذرى أغصانه ... قطع النضار أدارهن مدور )
( ويقول ذائقه لطيب مذاقه ... الله أكبر والخليفة جعفر ) - الكامل -
وقال في الخط واللفظ
( بالله قل لي أقرطاس تخط به ... من حلة هو أم ألبسته حللا )
( بالله لفظك هذا سال من عسل ... أم قد صببت على أفواهنا عسلا ) - البسيط -
وقال في الوحل
( إني ركبت وكف الأرض كاتبة ... على ثيابي سطورا ليس تنكتم )
( والأرض محبرة والحبر من لثق ... والطرس ثوبي ويمني الأشهب القلم ) - البسيط -
من ملح إخوانياته
كتب إلى أبي الفضل بن شعيب
( يا أبا الفضل لم تأخرت عنا ... فأسأنا بحسن عهدك ظنا )

( كم تمنت نفسي صديقا صدوقا ... فإذا أنت ذلك المتمنى )
( فبغصن الشباب لما تثنى ... وبعهد الصبا وإن بان منا )
( كن جوابي إذا قرأت كتابي ... لا تقل للرسول كان وكنا ) - الخفيف -
وكتب إلى أبي الحسين الطبيب
( إنا دعوناك على انبساط ... والجوع قد أثر في الأخلاط )
( فإن عسى ملت إلى التباطي ... صفعت بالنعل قفا بقراط ) - الرجز -
وكتب إلى أبي بكر الخوارزمي
( أسعدك الله بيوم الفصح ... وعشت ما شئت بيوم سمح )
( يا رأس مالي في الورى وربحي ... وظفري ونصرتي ونجحي )
( شربا ولا تصغ أهل النصح ... فالحزم أن تسكر قبل تصحي )
( سكر النصارى في غداة الفصح ... ) - الرجز -
وكتب إلى أبي القاسم القاشاني
( يا أبا القاسم قل لي ... قل لماذا لا تزور )
( كنت قد قدمت وعدا ... فإذا وعدك زور )
( وبذرت الورد بالقول ... فلم تزك البذور )
( ونحرت الود بالهجر كما يهدى الجزور ... )
( إن أم الصدق في الود ... لمقلاة نزور ) - مجزوء الرمل -
وكتب إليه أيضا
( مولاي لم لم تدع عبدك ... عند إحضار المدام )

( أعرفته من بينهم ... متبسطا وقت الطعام )
( أم قيل عربد ذات يوم ... حين صار إلى المدام )
( أم لم يساعد حين ملت إلى الغلامة والغلام ... )
( إن كنت تبخل بالطعام ... فكيف تبخل بالكلام )
( لسنا نحاول دعوة ... فاسمح علينا بالسلام ) - مجزوء الكامل -
وقال رحمه الله
( لو فتشوا قلبي رأوا وسطه ... سطرين قد خطا بلا كاتب )
( حب علي بن أبي طالب ... وحب مولاي أبي طالب ) - السريع -
وقال
( يا ابن يعقوب يا نقيب البدور ... كن شفيعي إلى فتى مسرور )
( قل له إن للجمال زكاة ... فتصدق بها على المهجور ) - الخفيف -
وكتب إلى أبي العلاء الأسدي
( أبا العلا يا هلال الهزل والجد ... كيف النجوم التي تطلعن في الجلد )
( وباطن الجسم غر مثل ظاهره ... وأنت تعلم مما قلت قصدي ) - البسيط -
سمعت أبا الفتح علي بن محمد البستي يقول لم أسمع في إنفاذ الحلواء إلى الأصدقاء أحسن من قول الصاحب
( حلاوة حبك يا سيدي ... تسوغ بعثي إليك الحلاوة ) - المتقارب -
فقلت له وأنا لم أسمع في النثار للرؤساء أحسن من قولك
( ولو كنت أنثر ما تستحق ... نثرت عليك سعود الفلك ) - المتقارب -
ثم تذاكرنا في أحسن ما نحفظه في كل باب فجرت نكت كثيرة فسألني أن

أؤلف كتابا في الأحاسن وأورد فيه أحسن ما سمعته في كل فن فأجبته إلى ذلك وحين ابتدأته عرضت موانع وقواطع عن استتمامه أقواها غيبته عن خراسان ثم وفاته رحمه الله تعالى
وقال الصاحب
( قولوا لإخواننا جميعا ... من كلهم سيد مرزا )
( من لم يعدنا إذا مرضنا ... إن مات لم نشهد المعزى ) - مخلع البسيط -
وقال لمحمود التاجر
( طويت محمودا على جفوته ... مخلصا نفسي من خلته )
( قدرته يقلق من علتي ... مثل انزعاجي كان من علته )
( لم يطر ما بي لا ولا مر بي ... كأن سقمي كان من شهوته )
( من لم يطالعني على علة ... إن مات لم أمض إلى تربته ) - السريع -
وقال للقاضي أبي بشر الجرجاني
( يصد الفضل عنا أي صد ... وقال تأخري عن ضعف معده )
( فقلت له جعلت العين واوا ... فإن الضعف أجمع في الموده ) - الوافر -
وقال
( بعدت فطعم العيش عندي علقم ... ووجه حياتي مذ تغيبت أرقم )
( فما لك قد أدغمت قربك في النوى ... وودك في غير النداء مرخم ) - الطويل

ملح من مدائحه
قال من قصيدة في عضد الدولة
( همام رأى الدنيا سواما فحاطها ... ليالي في غير الزمان وقور )
( ولم يخطب الدنيا احتفالا بقدرها ... فموقعها من راحتيه يسير )
( ولكن له طبع إلى الخير سابق ... ورأي بأبناء الرجال بصير )
( وإن لم يلاحظهم بعين حمية ... فتلك أمور لا تزال تمور ) - الطويل -
ومن أخرى
( سعود يحار المشتري في طريقها ... ولا تتأتىفي حساب المنجم )
( وكم عالم أحييت من بعد عالم ... على حين صاروا كالهشيم المحطم )
( فوالله لولا الله قال لك الورى ... مقال النصارى في المسيح ابن مريم )
( محامد لو فضت ففاضت على الورى ... لما أبصرت عيناك وجه مذمم )
( وكلا ولكن لو حظوا بزكاتها ... لما سمعت أذناك ذكر ملوم )
( ولو قلت إن الله لم يخلق الورى ... لغيرك لم أحرج ولم أتأثم ) - الطويل -
ومن أخرى
( ياأيها الملك الذي كل الورى ... قسمان بين رجائه وحذاره )
( فمناصح قد فاز سهم طلابه ... ومداهن قد جال قدح بواره )
( هذه بخارى تشتكي ألم الصدى ... وتقول قولا نبت في أخباره )
( ماذا عليه لو يهم بعرصتي ... فأكون بعض بلاده ودياره ) - الكامل

ومن عميدية ذكر فيها نقرسا نال يمناه
( أبو الفضل من أجرى إلى الفضل يافعا ... فظل به يدعى وصار به يكنى )
( سلامته شمس المعالي وسقمه ... كسوف المعالي لاكسفن ولا بنا )
( ولم يأته ورد السقام لغير ما ... عرفنا فخذ معنى تألمه منا )
( وما راده إلا ليشغل عن ندى ... وإلا فلم قد خص بالألم اليمنى )
( وما يحجز البحر الخضم عن الندى ... ولا السيد الأستاذ عن جوده يثنى ) - الطويل -
وكتب إلى مؤيد الدولة أبي منصور
( سعادة ما نالها قط أحد ... يحوزها المولى الهمام المعتمد )
( مؤيد الدولة وابن ركنها ... وابن أخي معزها أخو العضد ) - الرجز -
وقال في فخر الدولة وقد افتصد
( يا أيها الشمس إلا أن طلعتها ... فوق السماء وهذا حين يقتصد )
( لما افتصدت قضينا للعلا عجبا ... وما حسبت ذارع الشمس يفتصد ) - البسيط -
وقال فيه لما بنى قصره بجرجان (
يا بانيا للقصر بل للعلا ... همك والفرقد سيان )
( لم تبن هذا القصير بل صغته ... تاجا مفرق على مفرق جرجان )
( وقصرك المبني من قبله ... ملكك والله هو الباني )
( فاقبل نثار العبد بل نظمه ... فإنه والدر مثلان )
( واسمع مقالا لم يقل مثله ... مذ كانت الدنيا لإنسان )
( لو كان للخلق إلهان ... لكان فخر الدولة الثاني ) - السريع

ملح من شعره في الهجاء والمجون
قال في ابن متويه
( يا فتى متوي رفقا ... لست من ينكر أصله )
( إنما ينكر منه ... من جنون فيه ثقله )
( أنت نذل من كرام ... أنت في الطاووس رجله ) - مجزوء الرمل -
كأنه مقلوب بيت المتنبي
( فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال ) - الوافر -
وقال في معناه
( أبوك أبو علي ذو علاء ... إذا عد الكرام وأنت نجله )
( وإن أباك إذ تغزى إليه ... لكالطاووس يقبح من رجله ) - الوافر -
وقال فيه
( أحمد هذا سبط متويه ... في موته بعد غد تهنيه )
( والشأن في أني على بغضه ... أحتاج أن أقعد للتعزيه ) - السريع -
وقال فيه
( قال ابن متويه لأصحابه ... وقد حشوه بأيور العبيد )
( لئن شكرتم لأزيدنكم ... وإن كفرتم فعذابي شديد ) - السريع -
وقال فيه
( أبصرت في كف ابن متوي عصا ... فسألته عنها ليوضح عذرا )

( فأجابني إني بها متشايخ ... هذا ولي فيها مآرب أخرى ) - الكامل -
وقال فيه
( سبط متوي إن دارك دار ... قد عرفت الإدبار إذ تبنيها )
( لا تكثر تزويقها وترفق ... عن قليل يكون قبرك فيها ) - الخفيف -
وقال فيه
( كلما زدت عتابا ... زدت في هجوك بيتا )
( أو ترى طبعي غيضا ... أو أرى جسمك ميتا ) - مجزوء الرمل -
وقال فيه
( سبط متوي رقيع سفله ... أبدا يبذل فينا أسفله )
( اعتزلنا نيكه في دبره ... فلهذا يلعن المعتزله ) - الرمل -
وقال فيه
( رام ابن متوي أيري ... وبرجه فيه طير )
( فقلت تطلب أيري ... هذا وفي استك أير )
( فقال لي لا تحمق ... زيادة الخير خير ) - المجتث -
وقال فيه
( عندي سر لإبن متويه ... وعزمي الساعة أن أفشي )
( أخبرني بعضي عن بعضه ... بأنه أوسع من يمشي ) - السريع -
وقال في الغويري
( إن الغويري له نكهة ... نتنتها أربت على الكنف )

( يا ليته كان بلا نكهة ... أو ليتني كنت بلا أنف ) - السريع -
قال في رجل يتعصب للعجم على العرب ويعيب العرب بأكل الحيات
( يا عائب الأعراب من جهله ... لأكلها الحيات في الطعم )
( فالعجم طول الليل حياتهم ... تنساب في الأخت وفي الأم ) - السريع -
وقال فيمن زوج أمه
( زوجت أمك يا فتى ... وكسوتني ثوب القلق )
( والحر لا يهدي الحرام ... إلى الرجال على طبق ) - مجزوء الكامل -
وقال
( لم أر مثل جعفر مخلوقا ... يشبه طبلا ويحب بوقا ) - الرجز -
وقال
( يا بركة ملأى من الشبوط ... قفاك بغاء وكفي لوطي ) - الرجز -
وقال
( لنا قاض له رأس ... من الخفة مملوء )
( وفي أسفله داء ... بعيد منكم السوء ) - الهزج -
وقال
( إن قاضينا لأعمى ... أم على عمد تعامى )
( سرق العبد كأن ... العبد من مال اليتامى ) - مجزوء الرمل

وقال
( يا قاضيا بات أعمى ... عن الهلال السعيد )
( أفطرت في رمضان ... وصمت في يوم عيد ) - المجتث -
وقال
( إذا ما لاح للعين ... أبو بكر فتى القاضي )
( وقد زاد من التيه ... على القاهر والراضي )
( فواجهه بإمضاض ... وقابله بإغضاض )
( وقالوا في حر أمك ... قمد الحاكم الماضي ) - الهزج -
وقال
( رايت لبعض الناس فضلا إذا انتمى ... يقصر عنه فضل عيسى ابن مريم )
( عزوه إلى تسع وتسعين والدا ... وليس لعيسى والد حين ينتمي ) - الطويل -
وقال
( سيأتيك برق من هجائي خلب ... إذا كنت ذا برق من الود خلب )
( وأنشد إذ أصبحت تغلب قدرتي ... بعجزك لم يغلبك مثل مغلب ) - الطويل -
وقال
( مطفل أطفل من أشعب ... ما زال محروما ومذموما )
( لو أنه جاء إلى مالك ... لقال أطعمني زقوما ) - السريع

وقال
( انظر إلى وجه أبي زيد ... أوحش من حبس ومن قيد )
( وحوشه ترتع في ثوبه ... وظفره يركب للصيد ) - السريع -
وقال في رجل كثير الشرب بطيء السكر
( يقال لماذا ليس يسكر بعدما ... توالت عليه من نداماه قرقف )
( فقلت سبيل الخمر أن تنقص الحجى ... فإن لم تجد عقلا فماذا تحيف ) - الطويل -
وقال
( هذا ابن متوي له آية ... يبتلع الأير وأقصى الخصى )
( يكفر بالرسل جميعا سوى ... موسى بن عمران لأجل العصا ) - السريع -
وقال
( أنت تيس لا كالتيوس لأن التيس ينزو وأنت ينزى عليكا ... ) - الخفيف -
وقال
( أبو العباس تحضره جموع ... من الفقهاء لجوا في العواء )
( كأنهم إذا اجتمعوا عليه ... ذباب يجتمعن على جراء ) - الوافر -
وقال
( أبو العباس قد أضحى فقيها ... يتيه بفقهه في الناس تيها )
( وذلك أن لحيته أتتني ... تناظر فقحتي فخريت فيها ) - الوافر

وقال
( أبو العباس في الأير ... ينساب انسياب الأيم )
( فتى يأذن بالفقحة ... للأسياف بالشيم ) - الهزج -
وقال
( هذا الأديب الذي وافى يفاخرنا ... أضحى إلى كمر السودان مشتاقا )
( فما يفارق طومارا يعالجه ... إلا بآخر يمضي فيه إعناقا )
( كأنما هو حرباء ببيضته ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا ) - البسيط -
وأنشدني له الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي
( نيئت أنك منشد ما قلته ... في سب عرضك لا تخاف وعيدي )
( والكلب لا يخزى إذا أخسأته ... والقار لا يخشى من التسويد ) - الكامل -
وأنشدني له أيضا
( شرط الشروطي فتي أير ... وما سواه غير مشروط )
( أبغى من الإبرة لكنه ... يوهم قوما أنه لوطي ) - السريع -
وأنشدني له غيره
( تزلزلت الأرض زلزالها ... فقالوا بأجمعهم مالها )
( مشى ذا الثقيل على ظهرها ... فأخرجت الأرض أثقالها ) - المتقارب

وقال
( قد طال قرنك يا أخي ... فكأنه شعر الكميت ) - مجزوء الكامل -
ما أخرج له رحمه الله في سائر الفنون
قال
( تصد أميمة لما رأت ... مشيبا على عارضي قد فرش )
( فقلت لها الشيب نقش الشباب ... فقالت ألا ليته ما نقش ) - المتقارب -
وقال
( ولما تناءت بالأحبة دارهم ... وصرنا جميعا من عيان إلى وهم )
( تمكن مني الشوق غير مسامح ... كمعتزلي قد تمكن من خصم ) - الطويل -
وقال
( كنت دهرا أقول بالإستطاعه ... وأرى الجبر ضلة وشناعة )
( ففقدت استطاعتي في هوى ظبي ... فسمعا للمجبرين وطاعه ) - الخفيف -
وقال
( لقد قلت لما أتوا بالطبيب ... وصادفني في أحر اللهيب )
( وداوي فلم أنتفع بالدواء ... دعوين فإن طبيبي حبيبي )
( ولست أريد طبيب الجسوم ... ولكن أريد طبيب القلوب )
( وليس يزيل سقامي سوى ... حضور الحبيب وبعد الرقيب ) - المتقارب

وقال
( ناصب قال لي معاويه خالك ... خير الأعمام والأخوال )
( فهو خال للمؤمنين جميعا ... قلت خالي لكن من الخير خال ) - الخفيف -
وقال
( حب علي بن أبي طالب ... هو الذي يهدي إلى الجنه )
( إن كان تفضيلي له بدعة ... فلعنة الله على السنه ) - السريع -
وقال في شهر رمضان
( قد تعدوا على الصيام وقالوا ... حرم الصب فيه حسن العوائد )
( كذبوا في الصيام للمرء مهما ... كان مستيقظا أتم الفوائد )
( موقف بالنهار غير مريب ... واجتماع بالليل عند المساجد ) - الخفيف -
وقال
( راسلت من أهواه أطلب زورة ... فأجابني أو لست في رمضان )
( فأجبته والقلب يخفق صبوة ... أتصوم عن بر وعن إحسان )
( صم إن أردت تحرجا وتعففا ... عن أن تكد الصب بالهجران )
( أولا فزرني والظلام مجلل ... واحسبه يوما مر في شعبان ) - الكامل -
وقال في مرض علوي
( يا سيدا أفديه عند شكاته ... بالنفس والولد الأعز وبالأب )
( لم لا أبيت على الفراش مسهدا ... وقد اشتكى عضو من أعضاء النبي ) - الكامل

وقال يرثي أبا الحسن السلمي
( إذا ما نعى الناعون أهل مودتي ... بكيت عليهم بل بكيت على نفسي )
( نعوا مهجة السلمي وهي سلامة ... غلبت عليها فالسلام على الأنس ) - الطويل -
وقال يرثي أبا منصور كثير بن أحمد
( يقولون لي أودي كثير بن أحمد ... وذلك رزء في الأنام جليل )
( فقلت دعوني والعلا نبكه معا ... فمثل كثير في الرجال قليل ) - الطويل -
وقال
( يا أهل سارية السلام عليكم ... قد قل في أرضكم الخطباء )
( حتى غدا الفأفاء يخطب فيكم ... ومن العجائب خاطب فأفاء ) - الكامل -
وقال في أخوين صبيح وقبيح
( يحيا حكى المحيا ولكن له ... أخ حكى وجه أبي يحيى ) - السريع -
وقال
( لقد صدقوا والراقصات إلى منى ... بأن مودات العدى ليس تنفع )
( ولو أنني داريت عمري حية ... إذا مكنت يوما من اللسع تلسع ) - الطويل -
وقال
( إذا أدناك سلطان فزده ... من التعظيم واحذره وراقب )
( فما السلطان إلا البحر عظما ... وقرب البحر محذور العواقب ) - الوافر -
وقال
( وقائلة لم عرتك الهموم ... وأمرك ممتثل في الأمم )

( فقلت دعيني على غصتي ... فإن الهموم بقدر الهمم ) - المتقارب -
نبذ من ذكر سرقاته
سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول قال بعض ندماء الصاحب له يوما أرى مولانا قد أغار في قوله
( لبسن برود الوشي لا لتجمل ... ولكن لصون الحسن بين برود ) - الطويل -
على قول المتنبي
( لبسن الوشى لا متجملات ... ولكن كي يصن به الجمالا ) - الوافر -
فقال كما أغار هو بقوله
( ما بال هذي النجوم حائرة ... كأنها العمى ما لها قائد ) - المنسرح -
على العباس بن الأحنف في قوله
( والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد ) - الكامل -
وسمعت أيضا أبا بكر يقول أنشدني الصاحب نتفة له منها هذا البيت
( لئن هو لم يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بترياق ريقه ) - الطويل -
فاستحسنته جدا حتى حممت من حسدي له عليه ووددت لو أنه لي بألف بيت من شعري
قال مؤلف الكتاب فأنشدت الأمير أبا الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي هذا البيت وحكيت له هذه الحكاية في المذاكرة فقال لي أتعرف من أين

سرق الصاحب معنى هذا البيت فقلت لا والله قال إنما سرقه من قول القائل ونقل ذكر العين إلى ذكر الصدغ
( لدغت عينك قلبي ... إنما عينك عقرب )
( لكن المصة من ... ريقك ترياق مجرب ) - مجزوء الرمل -
فقلت لله در مولانا الأمير فقد أوتي حظا كثيرا من التخصص بمعرفة التلصص
قلت ومعنى قول الصاحب في الثلج
( وكأن السماء صاهرت الأرض ... فكان النثار من كافور ) - الخفيف -
ينظر إلى قول ابن المعتز
( وكأن الربيع يجلو عروسا ... وكأنا من قطره في نثار ) - الخفيف -
وقول الصاحب
( يقولون لي كم عهد عينك بالكرى ... فقلت لهم مذ غاب بدر دجاها )
( ولو تلتقي عين على غير دمعة ... لصارمتها حتى يقال نفاها ) - الطويل -
مأخوذ لفظ البيت الثاني من قول المهلبي الوزير
( تصارمت الأجفان منذ صرمتني ... فما تلتقي إلا على عبرة تجري ) - الطويل -
وقول الصاحب
( هات مشطا إلى وليك عاجا ... فهو أدنى إلى مشيب الرءوس )
( وإذا ما مشطت عاجا بعاج ... فامشط الآبنوس بالأبنوس ) - الخفيف

مأخوذ من قول أبي عثمان الخالدي
( ورأتني مشطت عاجا بعاج ... فامشط الآبنوس بالآبنوس ) - الخفيف -
وأخذ قوله
( فم الغويري إذا ... فتشته أنتن فم )
( كم قلت إذ كلمني ... واأسفى على الخشم ) - مجزوء الرجز -
من قول المهلبي الوزير
( وإن أبصرت طلعته ... فوالهفي على العمش ) - مجزوء الوافر -
وأخذ قوله في ابن العميد
( إلى سيد لولاه كان زماننا ... وأبناؤه لفظا عريا عن المعنى ) - الطويل -
من قول المتنبي
( والدهر لفظ وأنت معناه ... ) - المنسرح -
وقوله في القافية الأخيرة
( وناصح أسرف في النكير ... يقول لي سدت بلا نظير )
( فكيف صغت الهجو في حقير ... مقداره أقل من نقير )
( فقلت لا تنكر وكن عذيري ... كم صارم جرب في خنزير ) - الرجز -
من قول الحمدوني
( هبوني أمرأ جربت سيفي على كلب ... ) - الطويل

وقوله في البيت الأخير من هذه الأبيات
( ومهفهف حسن الشمائل أهيف ... تردى النفوس بفترتي عينيه )
( ما زال يبعدني ويؤثر هجرتي ... فجذبت قلبي من إسار يديه )
( قالوا تراجعه فقلت بديهة ... قولا أقيم مع الروي عليه )
( والله لا راجعته ولو أنه ... كالشمس أو كالبدر أو كبويه ) - الكامل -
مأخوذ من قول ابن المعتز
( والله لا كلمته ولو أنه ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي ) - الكامل -
نبذ مما هجي به الصاحب
( مازالت الأملاك تهجى وتمدح ... )
قال أبو العلاء الأسدي
( إذا رأيت مسجى في مرقعة ... يأوي المساجدا حرا ضره بادي )
( فاعلم بأن الفتى المسكين قد قذفت ... به الخطوب إلى لؤم ابن عباد ) - البسيط -
وقال أبو الحسن الغويري
( إن كان إسماعيل لم يدعني ... لأن أكل الخبز صعب لديه )
( فإنني آكل في منزلي ... إذا دعاني ثم أمضي إليه ) - السريع

وقال السلامي
( يا ابن عباد بن عباس ... بن عبد الله حرها )
( تنكر الخير وأخرجت إلى العالم كرها ... ) - مجزوء الرمل -
وقال أبو بكر الخوارزمي
( صاحبنا أحواله عاليه ... لكنما غرفته خاليه )
( وإن عرفت السر من دائه ... لم تسأل الله سوى العافيه ) - السريع -
ذكر آخر أمره
لما بلغت سنوه الستين اعترته آفة الكمال وانتابته أمراض الكبر جعل ينشد قوله
( أناخ الشيب ضيفا لم أرده ... ولكن لا أطيق له مردا )
( رداء للردى فيه دليل ... تردى من به يوما تردى ) - الوافر -
ولما كنى المنجمون عما يعرض له في سنة موته قال
( يا مالك الأرواح والأجسام ... وخالق النجوم والأحكام )
( مدبر الضياء والظلام ... لا المشتري أرجوه للإنعام )
( ولا أخاف الضر من بهرام ... وإنما النجوم كالأعلام )
( والعلم عند الملك العلام ... يا رب فاحفظني من الأسقام )
( ووقني حوادث الأيام ... وهجنة الأوزار والآثام )

( هبني لحب المصطفى المعتام ... وصنوه وآله الكرام ) - الرجز -
وكتب بخطه على تحويل السنة التي دلت على انقضاء عمره
( أرى سنتي قد ضمنت بعجائب ... وربي يكفيني جميع النوائب )
( ويدفع عني ما أخاف بمنه ... ويؤمن ما قد خوفوا من عواقب )
( إذا كان من أجرى الكواب أمره ... معيني فما أخشى صروف الكواكب )
( عليك أيا رب السماء توكلي ... فحطني
( وأدفع عن أموالهم ونفوسهم ... بجدي وجهدي باذلا للمواهب ) من شر الخطوب الحوارب )
( وكم سنة حذرتها فتزحزت ... بخير وإقبال وجد مصاحب )
( ومن أضمر اللهم سوءا لمهجتي ... فرد عليه الكيد أخيب خائب )
( فلست أريد السوء بالناس إنما ... أريد بهم خيرا مريع الجوانب )
( ومن لم يسعه ذاك مني فإنني ... سأكفاه إن الله أغلب غالب ) - الطويل -
وبلغته عن بعض أصحابه شماتة فقال
( وكم شامت بي بعد موتي جاهلا ... بظلمي يسل السيف بعد وفاتي )
( ولو علم المسكين ماذا يناله ... من الظلم بعدي مات قبل مماتي ) - الطويل -
ووجد في بعض أيام مرضته التي توفي فيها خفة فأذن للناس وحل وعقد وأمر ونهى وأملى كتبا تعجب الحاضرون من حسنها وفرط بلاغتها وقال
( كلامنا من غرر ... وعيشنا من غرر )
( إني وحق خالقي ... على جناح السفر ) - مجزوء الرجز

ثم لما كانت ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلثمائة انتقل إلى جوار ربه ومحل عفوه وكرامته ومضى من الدنيا بمضيه رونق حسنها وتاريخ فضلها رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه بمنه وكرمه
أنموذج من مراثيه
من قصيدة أبي القاسم بن أبي العلاء الإصبهاني تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته
( يا كافي الملك ما وفيت حظك من ... وصف وإن طال تمجيد وتأبين )
( فت الصفات فما يرثيك من أحد ... إلا وتزيينه إياك تهجين )
( ما مت وحدك لك مات من ولدت ... حواء طرا بل الدنيا بل الدين )
( هذي نواعي العلا مذ مت نادبة ... من بعد ما ندبتك الخرد العين )
( تبكي عليك العطايا والصلات كما ... تبكي عليك الرعايا والسلاطين )
( قام السعاة وكان الخوف أقعدهم ... فاستيقظوا بعد ما مت الملاعين )
( لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا ... مضى سليمان وانحل الشياطين ) - البسيط -
ما أحسن هذا المثل وأمكن موقعه
ومن قصيدة أبي الفرج بن ميسرة
( ولو قبل الفداء لكان يفدى ... وإن جل المصاب على التفادي )
( ولكن المنون لها عيون ... تكد لحاظها في الإنتقاد )
( فقل للدهر أنت أصبت فالبس ... برغمك دوننا ثوبي حداد )
( إذا قدمت خاتمة الرزايا ... فقد عرضت سوقك للكساد ) - الوافر

ومن قصيدة أبي سعيد الرستمي
( أبعد ابن عباس يهش إلى السرى ... أخو أمل أو يستماح جواد )
( أبى الله إلا أن يموتا بموته ... فما لهما حتى المعاد معاد ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي الفياض سعيد بن أحمد الطبري
( خليلي كيف يقبلك المقيل ... ودهرك لا يقيل ولا يقيل )
( ينادي كل يوم في بنيه ... ألا هبوا فقد جد الرحيل )
( وهم رجلان منتظر غفول ... ومبتدر إذا يدعى عجول )
( كأن مثال من يفنى ويبقى ... رعيل سوف يتلوه رعيل )
( فهم ركب وليس لهم ركاب ... وهم سفر وليس لهم قفول )
( تدور عليهم كأس المنايا ... كما دارت على الشرب الشمول )
( ويحدوهم إلى الميعاد حاد ... ولكن ليس يقدمهم دليل )
( ألم تر من مضى من أولينا ... وغالتهم من الأيام غول )
( قد احتالوا فما دفع الحويل ... وأعولنا فما نفع العويل )
( كذاك الدهر أعمار تزول ... وأحوال تحول ولا تؤول )
( لنا منه وإن عفنا وخفنا ... رسول لا يصاب لديه سول )
( وقد وضح السبيل فما لخلق ... إلى تبديله أبدا سبيل )
( لعمرك إنه أمد قصير ... ولكن دونه أمد طويل )
( أرى الإسلام أسلمه بنوه ... وأسلمهم إلى وله يهول )
( أرى شمس النهار تكاد تخبو ... كأن شعاعها طرف كليل )

( أرى القمر المنير بدا ضئيلا ... بلا نور فأضناه النحول )
( أرى زهر النجوم محدقات ... كأن سراتها عور وحول )
( أرى وجه الزمان وكل وجه ... به مما يكابده فلول )
( أرى شم الجبال لها وجيب ... تكاد تذوب منه أو تزول )
( وهذا الجو أكلف مقشعر ... كأن الجو من كمد عليل )
( وهذي الريح أطيبها سموم ... إذا هبت وأعذبها بليل )
( وللسحب الغزار بكل فج ... دموع لا يذاد بها المحول )
( نعى الناعي إلى الدنيا فتاها ... أمين الله فالدنيا ثكول )
( نعى كافي الكفاة فكل حر ... عزيز بعد مصرعه ذليل )
( نعي كهف العفاة فكل عين ... بما تقذى العيون به كحيل )
( كأن نسيم تربته سحيرا ... نسيم الروض تقبله القبول )
( إذا وافى أنوف الركب قالوا ... سحيق المسك أم ترب مهيل )
( أيا قمر المكارم والمعالي ... أبن لي كيف عاجلك الأفول )
( أبن لي كيف هالك ما يهول ... وغالك بعد عزك ما يغول )
( ويا من ساس أشتات البرايا ... وألجم من يقول ومن يصول )
( أدلت على الليالي من شكاها ... وقد جارت عليك فمن يديل )
( بكاك الدين والدنيا جميعا ... وأهلهما كما يبكى الحمول )
( بكتك البيض والسمر المواضي ... وكنت تعولها فيمن تعول )

( بكتك الخيل معولة ولكن ... بكاها حين تندبك الصهيل )
( قلوب العالمين عليك قلب ... وحظك من بكائهم قليل )
( ولي قلب لصاحبه وفي ... يسيل وتحته روح تسيل )
( إذا نظمت يدي في الطرس بيتا ... مجاه منه منتظم هطول )
( فإن يك رك شعري من ذهولي ... فذلك بعض ما يجني الذهول )
( كتبت بما بكيت لأن دمعي ... عليك الدهر فياض همول )
( وكنت أعد من روحي فداء ... لروحك إن أريد لها بديل )
( أأحيا بعده وأقر عينا ... حياتي بعده هدر غلول )
( حياتي بعده موت وحي ... وعيشي بعده سم قتول )
( عليك صلاة ربك كل حين ... تهب بها من الخلد القبول ) - الوافر -
ومن قصيدة الشريف أبي الحسن الرضي الموسوي النقيب
( أكذا المنون يقطر الأبطالا ... أكذا الزمان يضعضع الأجبالا )
( أكذا تصاب الأسد وهي مدلة ... تحمي الشبول وتمنع الأغيالا )
( أكذا تقام عن الفرائس بعدما ... ملأت هماهمها الورى أوجالا )
( أكذا تحط الزاهرات عن العلا ... من بعد ما شاق العيون منالا )
( أكذا تكب البزل وهي مصاعب ... تطوي البعيد وتحمل الأثقالا )
( أكذا تغاض الزاخرات وقد طغت ... لججا وأوردت الظماء زلالا )
( يا طالب المعروف حلق نجمه ... حط الحمول وعطل الأجمالا )

( وأقم على يأس فقد ذهب الذي ... كان الأنام على نداه عيالا )
( من كان يقري الجهل علما ثاقبا ... والنقص فضلا والرجاء نوالا )
( ويجبن الشجعان دون لقائه ... يوم الوغى ويشجع السؤالا )
( خلع الردى ذاك الرداء نفاسة ... عنا وقلص ذلك السربالا )
( خبر تمخض بالأجنة ذكره ... قبل اليقين وأسلف البلبالا )
( حتى إذا جلى الظنون يقينه ... صدع القلوب واسقط الأحمالا )
( الشك أبرد للحشى في مثله ... يا ليت شكي فيه دام وطالا )
( جبل تسمنت البلاد هضابه ... حتى إذا ملأ الأقالم زالا )
( يا طود كيف وأنت عادي الذرى ... القى بجانبك الردى زلزالا )
( ما كنت أول كوكب ترك الدنا ... وسما إلى نظرائه فتعالى )
( أنفا من الدنيا تبت حبالها ... ونزعت عنك قميصها الأسمالا )
( لا رزء أعظم من مصابك إنه ... وصل الدموع وقطع الأوصالا )
( إن قطع الآمال منك فإنه ... من بعد يومك قطع الآمالا )
( يا آمر الأقدار كيف أطعتها ... أو ما وقاك جلالك الآجالا )
( هلا أقالتك الليالي عثرة ... يا من إذا عثر الزمان أقالا )
( وأرى الليالي طارحات حبالها ... تستوهق الأعيان والأرذالا )
( يبرين عود النبع غير فوارق ... بين النبات كما برين الضالا )
( لا تأمن الدنيا عليك فإنها ... ذات البعول تبدل الأبدالا )

( كم حجة في الدين خضت غمارها ... هدر الفنيق تخمطا وصيالا )
( بسنان رمحك أو لسانك موسعا ... طعنا يشق على العدى وجدالا )
( إن نكس الإسلام بعدك رأسه ... فلقد رزى بك موئلا ومآلا )
( واها على الأقلام بعدك إنها ... لم ترض بعد بنان كفك آلا )
( أفقدن منك شجاع كل بلاغة ... إن قال جلى في المقال وجالا )
( من لو يشا طعن العدى برءوسها ... وأثار من جريانها قسطالا )
( سلطان ملك كنت أنت تعزه ... ولرب لسطان أعز رجالا )
( إن المشمر ذيله لك خيفة ... أرخى وجرر بعدك الأذيالا )
( طلبو التراث فلم يروا من بعده ... إلا علا وفضائلا وجلالا )
( هيهات فاتهم تراث مخاطر ... جمع الثناء وضيع الأموالا )
( قد كان أعرف بالزمان وصرفه ... من أن يثمر أو يجمع مالا )
( مفتاح كل ندى ورب معاشر ... كانوا على أموالهم أقفالا )
( كان الغريبة في الزمان فأصبحوا ... من بعد غارب نجمه أمثالا )
( من فاعل من بعده كفعاله ... أو قائل من بعده ما قالا )
( سمع يرفع للسؤال سجوفه ... ويحجب الأهزاج والأرمالا )
( يا طالبا من ذا الزمان شبيهه ... هيهات كلفت الزمان محالا )
( إن الزما أضن بعد وفاته ... من أن يعيد لمثله أشكالا )
( وأرى الكمال جنى عليه لأنه ... غرض النوائب من أعير كمالا )
( صلى الإله عليك من متوسد ... بعد المهاد جنادلا ورمالا )
( كسف البلى ذاك الهلال المجتلى ... وأجر ذاك الموقل الجوالا )

( ورأيت كل مطية قد بدلت ... من بعد يومك بالزمام عقالا )
( لمن الضوامر عريت أمطاؤها ... حول الخيام تنازع الأطوالا )
( بدلن من لبس الشكيم مقاودا ... مربوطة من السروج جلالا )
( فجعت بمنصلت يعرض للقنا ... أعناقها ويحصن الأكفالا )
( طرح الرجال لك العمائم حسرة ... لما رأوك تسير أو إجلالا )
( قالوا وقد فجئوا بنعشك سائرا ... من ميل الجبل العظيم فمالا )
( وتبادروا عط الجيوب وعاجلوا ... عض الأنامل يمنة وشمالا )
( ما شققوا إلا كساك وآلموا ... إلا أنامل نلن منك سجالا )
( من ذا يكون معوضا ما مزقوا ... ومعولا لمؤمل وثمالا )
( فرغت أكف من نوالك بعدها ... وأطال عظم مصابك الأشغالا )
( أعزز علي بأن يبدل زائر ... بعد التهلل عندك استهلالا )
( أو أن يناديك الصريخ لكربة ... حشدت عليه فلا تحير مقالا )
( قد كنت آمل أن أراك فأجتني ... فضلا إذا غيري جنى أفضالا )
( وأفيد سمعك منطقي وفضائلي ... وتفيدني أيامك الإقبالا )
( وأعد منك لريب دهري جنة ... تثني جنود خطوبه فلالا )
( فطواك دهرك طي غير صيانة ... وأعاد أعلام العلا أغفالا )
( قبر بأعلى الري شق ضريحه ... لأغر حفزه الردى إعجالا )
( فرعاه من أرعى البرية سيبه ... وسقاه من أسقى به الآمالا )
( إن يمس موعظة الأنام فطالما ... أمسى مهابا للورى ومهالا )

( لنسلي الدنيا عليه فإنها ... نزعت به الإحسان والإجمالا ) - الكامل -
ولأبي العباس الضبي وقد مر بباب الصاحب
( أيها الباب لم علاك اكتئاب ... أين ذاك الحجاب والحجاب )
( أين من كان يفزع الدهر منه ... فهو اليوم في التراب تراب ) - الخفيف -
ولبعض بني المنجم لما استوزر أبو العباس الضبي ولقب بالرئيس وضم إليه أبو علي ولقب بالجليل بعد موت الصاحب تغمده الله برحمته آمين
( والله والله لا أفلحتم أبدا ... بعد الوزير ابن عباد بن عباس )
( إن جاء منكم جليل فاجلبوا أجلي ... أو جاء منكم رئيس فاقطعوا راسي ) - البسيط -
وأنشدني أبو العباس العلوي الهمذاني الوصي لنفسه في مرثية الصاحب
( مات الموالي والمحب لأهل ... بيت أبي تراب )
( قد كان كالجبل المنيع ... لهم فصار مع التراب ) - مجزوء الكامل -
وأنشدني أيضا فيه لنفسه
( نوم العيون على الجفون حرام ... ودموعهن مع الدماء سجام )
( تبكي الوزير سليل عباد العلا ... والدين والقرآن والإسلام )
( تبكيه مكة والمشاعر كلها ... وحجيجها والنسك والإحرام )
( تبكيه طيبة والرسول ومن بها ... وعقيقها والسهل والأعلام )
كافي الكفاة قضى حميدا نحبه ... ذاك الإمام السيد الضرغام )

( مات المعالي والعلوم بموته ... فعلى المعالي والعلوم سلام ) - الكامل -
ولبعض أهل نيسابور من قصيدة
( ألا يا غرة العليا ... ألا يا نكبة الدنيا )
( وشمس الأرض فرد الدهر ... عين السؤدد اليمنى )
( أما استحيا أبو يحيى ... لفض المهجة الكبرى )
( لئن ختمت بك الدنيا ... لقد فتحت بك الأخرى ) - الهزج

338

الباب الرابع
17 - في ذكر أبي العباس أحمد بن إبراهيم الضبي وملح من نثره ونظمه
هو جذوة من نار الصاحب أبي القاسم ونهر من بحره وخليفته النائب منابه في حياته القائم مقامه بعد ونفاته وكان الصاحب استصحبه منذ الصبا واجتمع له الرأي والهوى فاصطنعه لنفسه وأدبه بآدابه وقدمه بفضل الإختصاص على سائر صنائعه وندمائه وخرج به صدرا يملأ الصدور كمالا ويجري في طريقه ترسما وترسلا وفي ذرى المعالا توقلا وتحقق قول أبي محمد الخازن فيه من قصيدة
( تزهى بأترابها كما زهيت ... ضبة بالماجدين ماجدها )
( سماؤها شمسها غمامتها ... هلالها بدرها عطاردها )
( يروى كتاب الفخار أجمع عن ... كافي كفاة الورى وواحدها ) - المنسرح -
وقوله فيه من أخرى
( نماه ضبة في أزكى مناصبه ... فخرا وأوطاه الشعرى وأمطاه )
( يعطي ويخفي ولا يبغي الثناء به ... حتى كأن الذي أعطاه غطاه )
( يسير يوم الوغى والدهر يقدمه ... كأنما الدهر أيضا من سراياه )

( وإن بدا أحيت الآمال طلعته ... حتى تقدر محياها محياه )
( ومن يوالي ابن عباد مخالصة ... يحز سعادة دنياه وأخراه )
( فما الصنائع إلا ما تخيره ... وما الودائع إلا ما تولاه )
( فاسلم ودم أيها الأستاذ مبتهجا ... وخذ من العيش أصفاه وأضفاه )
( فقد تقيلت في الجدوى معالمه ... كما توخيت في الجلى قضاياه ) - البسيط -
وقد كانت بلاغة العصر بعد الصاحب والصابي بقيت متماسكة بأبي العباس وأشرفت على التهافت بموته وكادت تشيب بعده لمم الأقلام وتجف غدر محاسن الكلام لولا أن الله تعالى سد ببقاء الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد ثلم الأدب والكتابة وداوى بالدفاع عن نفسه كلم البلاغة والبراعة
وجعله فرد الزمان ولسان خراسان وكافل يتم الفضل ومنفق سوق النثر والنظم
وسيمر بك في القسم الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله من نثره الذي هو نثر الورد ونظمه الذي هو نظم العقد ما ينير به الليل المظلم وينصف به الدهر الظالم
لمع من نثر أبي العباس
فصل من كتاب له في الصاحب في ذكر أحمد بن عضد الدولة
وكنت أستحضر كاتبه بل كاذبه وأحذره سرا وأبصره جهرا وهو يروغ روغان الثعالب ويتفادى تفادي الموارب وقد كنت منعت المستأمنة

والمنهزمة أول مورد من تكثير عدده علما بأنهم مؤن بلا منن وعناء بلا غنى
فصل له من كتاب إلى أبي سعيد الشيبي
وقد أتاني كتاب شيخ الدولتين فكان في الحسن روضة حزن بل جنة عدن في شرح النفس وبسط الأنس برد الأكباد والقلوب وقميص يوسف في أجفان يعقوب
وبعد فإن المنازعين للأمير حسام الدولة نسور قد اقتنصتها العصور ودولته حرسها الله في إبان شبابها واعتدالها وريعان إقبالها وأقتبالها
قد أسست على صلاح وسداد وعمارة دنيا ومعاد فهي مؤذنة بالدوام في ظل أساورة الإسلام
ومنها فبينا نحن في تجهيز الخيول ليوصل إلى إيثاره ويؤخذ له بثاره إذ جن
فقلب لنا المجن ثم لم يقنعه العصيان والكفران حتى أراد الإستيلاء على البلد والجناية على النفوس والأهل والولد ونظر إلي فقال كاتب لا منازع ومحارب نعم وقال من يشجع من الديلم لهز الزانة في صدري وتجريد السيف في وجهي ولم يدر أن دولة مولانا لو أنكرت الفلك لكفته عن مجراه وأن تدبير الصاحب لو رصد النجم لصده عن مسراه وأنه مصطنعي فلم يعتمدني لأعظم الأمور وأهم الثغور إلا وقد زرع في أرض تريع ووكل السرح إلى من لا يضيع

( وإن بدا أحيت الآمال طلعته ... حتى تقدر محياها محياه )
( ومن يوالي ابن عباد مخالصة ... يحز سعادة دنياه وأخراه )
( فما الصنائع إلا ما تخيره ... وما الودائع إلا ما تولاه )
( فاسلم ودم أيها الأستاذ مبتهجا ... وخذ من العيش أصفاه وأضفاه )
( فقد تقيلت في الجدوى معالمه ... كما توخيت في الجلى قضاياه ) - البسيط -
وقد كانت بلاغة العصر بعد الصاحب والصابي بقيت متماسكة بأبي العباس وأشرفت على التهافت بموته وكادت تشيب بعده لمم الأقلام وتجف غدر محاسن الكلام لولا أن الله تعالى سد ببقاء الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد ثلم الأدب والكتابة وداوى بالدفاع عن نفسه كلم البلاغة والبراعة
وجعله فرد الزمان ولسان خراسان وكافل يتم الفضل ومنفق سوق النثر والنظم
وسيمر بك في القسم الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله من نثره الذي هو نثر الورد ونظمه الذي هو نظم العقد ما ينير به الليل المظلم وينصف به الدهر الظالم
لمع من نثر أبي العباس
فصل من كتاب له في الصاحب في ذكر أحمد بن عضد الدولة
وكنت أستحضر كاتبه بل كاذبه وأحذره سرا وأبصره جهرا وهو يروغ روغان الثعالب ويتفادى تفادي الموارب وقد كنت منعت المستأمنة

حبال الأمل فيها بأسباب الأجل يفطم أمام تكامل الرضاع ويفرق قبل الإمتاع بحسن الإجتماع
فمن اعتصم بتوفيق الله عز اسمه ورضي بما نفذ به حكمه
لبس في وجوه الحوادث جنة لا تنضوها الشدائد وأكد في مصابرة النوائب منة لا تنقضها الخطوب الأوابد
وأخذ في الصدمة الأولى بالحزم وذخيرة العزم ففاز بالغنم الأكبر والحظ الأشرف الأوفر ومن اتبع هواه وأرتع دينه لدنياه فتهالك في القلق المذموم وتقاعس عن الرضى بالقدر المحتوم ظهر في شعار المستكبرين على الله والمنكرين التأدب بأدب الله فعظم مصابه وعدم ثوابه وكان إلى الصبر بعد اقتران الوزر مآله ومآبه لأريت المحققين برعاية المعهود وتأبين الحبيب المفقود كيف تتحمل الأرزاء ويحرم العزاء ويطاع داعي الوله ويراع جانب القلب المرفه
ومنها وعرف كل من ورد وصدر وبدأ وحضر أن من قبض فاستوحش الأنس بمفارقته واستبشرت الملائكة لمرافقته وكان مثل الشريفين ريحانة روضه والبارد العذب من فيضه والثمر الحلو من دوحته والورق النضر من نبعته والشاهد العدل لمآثره والمشيد الندب لمناقبه ومفاخره فهو في حكم الخالد وإن أصبح فانيا والمقيم في أهله وإن أضحى بالعراء ناويا عزيت الشريفين أدام الله تعالى عزهما عما ألم بساحتهما من الخطب ولسان جزعي أنطق وعرضت لهما بواجب السلو وحاجتي إلى من يصرح لي به أصدق ولكني جريت على سنة للدين محمودة وعادة بين الأحباب معهودة تركت أفراد كل من الأشراف سادتي إخوة الشريفين حرس الله عليهم ما خولهم من كرم محض وخلق غض وأحسن متاع بعضهم ببعض بالمخاطبة فيما اقتضاه حكم الحادثة إذ كانت فروعهم بإذن الله متشابكة ونفوسهم في السراء والضراء متشاركة وقلوبهم على الصفاء متعاقدة ومهجاتهم لا زالت مصونة مهجة واحدة

ملح من نظمه
قال
( ترفق أيها المولى بعبد ... فقد فتنت لواحظك النفوسا )
( وأسكرت العقول فليس ندري ... أسحرا ما تسقي أم كؤوسا ) - الوافر -
وقال وهو مما يتغنى به
( ألا يا ليت شعري ما مرادك ... فقلبي قد أضر به بعادك )
( وأي محاسن لك قد سباني ... جمالك أم كمالك أم ودادك )
( وأي ثلاثة أوفى سوادا ... أخالك أم عذارك أم فؤادك ) - الوافر -
وقال
( لا تركنن إلى الفراق ... فإنه مر المذاق )
( الشمس عند غروبها ... تصفر من فرق الفراق ) - مجزوء الكامل -
وكتب إلى الصاحب
( أكافي كفاة الأرض ملكك خالد ... وعزك موصول فأعظم بها نعمى )
( نثرت على القرطاس درا مبددا ... وآخر نظما قد فرعت به النجما )
( جواهر لو كانت جواهر نظمت ... ولكنها الأعراض لا تقبل النظما ) - الطويل -
وقال في وصف الدجاج وهو المسمى بالفارسية سنكين سر
( وطيرين قد ألفا مرقدي ... نديمين لي فيه حتى الصباح )

( أرى من وشائع متنهيما ... نجوما مرصعة في وشاح )
( وسري عندهما لا يذيع ... ولا خوف واش ولا خوف لاح )
( يسرانني بصفيريهما ... خفيفين عند انتشار الجناح )
( صفير يعيد شريد الرقاد ... وشجو يحث على شرب راح )
( سقى بلد الهند مغناهما ... سماء من المزن غمر السماح )
( ولا زال وكراهما عامرين ... نبسل مباح وخير متاح ) - المتقارب -
ومما قرأته بخطه في الأوصاف والتشبيهات من شعره وكان أنفذه إلى أبي سعيد نصر بن يعقوب ليضمنه كتابه كتاب روائع التوجيهات في بدائع التشبيهات قوله في الثريا وهو مسبوق إليه قديما
( خلت الثريا إذ بدت ... طالعة في الحندس )
( سنبلة من لؤلؤ ... أو باقة من نرجس ) - مجزوء الرجز -
وقوله فيها
( إذا الثريا اعترضت ... عند طلوع الفجر )
( حسبتها لامعة ... سنبلة من در ) وقوله في قصر الليل
( وليلة أقصر من ... فكري في مقدارها )
( بدت لعيني وانجلت ... عذراء من قرارها ) - مجزوء الرجز -
وقوله في طول الليل
( رب ليل سهرته ... مفكرا في امتداده )

( كلما زدت رعيه ... زادني من سواده )
( فتبينت أنه ... تائه في رقاده )
( أو تفانت نجومه ... فبدا في حداده ) - مجزوء الخفيف -
وقوله في الأترج
( أو ما ترى الأترج منضودا لنا ... سطرا كأشخاص جثون على الركب )
( وكأنما أجسادها وجسادها ... صور السلاحف قد صنعن من الذهب ) - الكامل -
وقوله في النمام
( قلت لمن أحضرني زهرة ... ومجلسي بالأنس بسام )
( وقرة العينين نيل المنى ... عندي ولا سام ولا حام )
( تجنب النمام لا تجنه ... فإنما النمام نمام )
( أخشى علينا العين من أعين ... يبعثها بالسوء أقوام ) - السريع -
وقوله في الشيب
( قالوا اكتهلت فقلت ليل لابس بردي نهار ... )
( هل حسن كافور كمسك في حكومة ذي اعتبار )
( وشهوبة في عنبر ... كشبيبة في لون قار )
( وفضيلة للشيب أخرى وهي أبهة الوقار ... ) - مجزوء الكامل -
أين هذا من قول البحتري
( وبياض البازي أصدق حسنا ... إن تأملت من سواد الغراب ) - الخفيف

وكتب إلى أبي مسلم محمد بن الحسن
( يا أبا مسلم سلمت على الدهر خدين العلا أمين الجليس ... )
( بعض إخواننا تشهى علينا ... كرما منه مستطاب الهريس )
( وقديد السكباج بالأكبر العذب ... ومغمومة مني للجليس )
( واتخذنا الجميع وهي كما تذكر ... نعم الفراش للخندريس )
( وإذا شئت أن تساعد فيها ... كنت فينا الرئيس وابن الرئيس ) - الخفيف

348

الباب الخامس في محاسن أشعار أهل العصر من إصبهان
لم تزل إصبهان مخصوصة من بين البلدان بإخراج فضلاء الأدباء وفحولة الكتاب والشعراء فلما أخرجت الصاحب أبا القاسم وكثيرا من أصحابه وصنائعه
وصارت مركز عزه ومجمع ندمائه ومطرح زواره استحقت أن تدعى مثابة الفضل وموسم الأدب وإذا تصفحت كتاب إصبهان لأبي عبد الله حمزة بن الحسين الإصبهاني وانتهيت إلى ما أورد فيه من ذكر شعرائها وشعراء الكرخ المقطعة عنها وسياقة عيون أشعارهم وملح أخبارهم كمنصور بن باذان وأبي دلف العجلي وأخيه معقل بن عيسى وبكر بن عبد العزيز وأحمد ابن علويه والنضر بن مالك وعلي بن المهلب وأبي نجدة وأحمد بن القاسم الديمرتي وأبي عبد الله تاج الكاتب وسهلان بن كوفي وصالح بن أبي صالح وأحمد بن واضح ومحمد بن عبد الله بن كثير وعبد الرحمن ابن مندويه وأبي بكر بن بشرويه وابن زرويه وأبي الهدهد وأبي قتيبة ومحمد بن غالب والحسن بن إسحاق بن محارب وأبي بكر الزبيري وأبي علي بن رستم وأبي مسلم بن بحر وأبي الحسين بن طباطبا وابن كره والنوشجان بن عبد المسيح وعلي بن حمزة بن عمارة وإبراهيم بن سيارة الكادوسي وأبي جعفر بن أبي الأسود وأبي سعد بن نوفة وأبي العباس بن أحمد بن معمر وأبي عمرو همام وأبي سوادة وأبي القاسم بن أبي سعد

وغيرهم ثم تأملت هذا الباب من كتابي هذا وقرأت ما ينطق به من ذكر شعرائها العصريين وغرر كلامهم كعبدان الإصبهاني المعروف بالخوزي وأبي سعيد الرستمي وأبي القاسم بن أبي العلاء وأبي محمد الخازن وأبي العلاء الأسدي وأبي الحسن الغويري حكمت لها بوفور الحظ من أعيان الفضل وأفراد الدهر وساعدتني على ما أقدره من حسن آثار طيب هوائها وصحة ترتبها وعذوبة مائها في طباع أهلها وعقول أنشائها وأرجع إلى المتن فقد طال الإسناد ولا يكاد الكلام ينتهي حتى ينتهي عنه
18 - عبدان الإصبهاني المعروف بالخوزي
هو على سياقة المولدين وفي مقدمة العصريين خفيف روح الشعر ظريف الجملة والتفصيل كثير الملح والظرف يقول في الخضاب ما لم أسمع أحسن منه ولا أظرف ولا أعذب منه ولا أخف
( في مشيبي شماتة لعداتي ... وهو ناع منغص لحياتي )
( ويعيب الخضاب قوم وفيه ... لي أنس إلى حضور وفاتي )
( لا ومن يعلم السرائر مني ... ما به رمت خلة الغانيات )
( إنما رمت أن أغيب عني ... ما ترينيه كل يوم مراتي )
( فهو ناع إلي نفسي ومن ذا ... سره أن يرى وجوه النعاة ) - الخفيف -
وكان خفيف الحال متخلف المعيشة قاعدا تحت قول أبي الشيص

( لا تنكري صدي ولا إعراضي ... ليس المقل عن الزمان براضي ) - الكامل -
وهو القائل
( قلت للدهر من فضولي قولا ... وحداني عليه طيب الأماني )
( أتراني بخلعة أنا أحيا ... ذات يوم وفاخر الحملان )
( قال هيهات أنت والنحس تربان ... وقد كنتما رضيعي لبان )
( لا تؤمل ركوب متن سوى النعش ولا خلعة سوى الأكفان ... ) - الخفيف -
وله من أبيات
( تكلفني التصبر والتسلي ... وهل يسطاع إلا المستطاع )
( وقالوا قسمة نزلت بعدل ... فقلنا ليته جور مشاع ) - الوافر -
وقال أيضا
( تعيب الغانيات علي شيبي ... وتخفي شيبها عني المقانع )
( وقال لي العذول تعز عنها ... وإلا فانظرن ما أنت صانع )
( فقلت له متى قدمت خيرا ... وأيرا بعده ليست تمانع ) - الوافر -
وله من كلمة
( هيهات نجمي آفل شارد ... ولى فما يخرق أبراجه )
( أظل أخفي حججا أدبرت ... والسبع والسبعون محتاجه )
( وشر أيام الفتى آخر ... فيه يسمى للشقاء خواجه ) - السريع -
وله

( أللشيب تخشى من ملال خرائد ... وهن لعلات الفؤاد مراهم )
( إذا كنت ذا مال فأنت محبب ... إليهن صيد الغانيات الدراهم )
وله في كلمة وصفت هنه
( ولي صاحب ما حال عن حسن عهده ... ولم تر عيني منه أوفى وأكرما )
( يساعدني دون الأخلاء في الدجا ... إذا نام من قد كان شوقا تنجما )
( فأهدا ولا يهدي وإن نمت لم ينم ... ويغري بذكراكم إذا الليل أظلما )
( ينادي على لحفي وصحبي نوم ... وإن هو لم يفضض بنطق له فما )
( أشبهه والقطر باد ولم يبن ... بمنقار فرخ قد تلقط قرطما ) - الطويل -
وله
( تركنا لخوف الخوف الخيل والترك دورنا ... فلله صرف الدهر كيف ترددا )
( دهاليزنا ضاقت لخوف نزولهم ... كأنا يهود ندخل الباب سجدا ) - الطويل -
وأنشدني أبو بكر الخوارزمي لعبدان
( إن كنت تنشط للغبوق فليلنا ... خلف النهار بغرة عزاء )
( وإذا صفا لك مثلنا في دهرنا ... فاذكر عواقب ليلة كدراء ) - الكامل -
وكان أبو العلاء الأسدي عرضة لأهاجي عبدان فمن ملح قوله فيه
( أبا العلاء اسكت ولا تؤذنا ... بشين هذا النسب البارد )

( وتدعي في أسد نسبة ... ولا تثبت الدعوى بلا شاهد )
( أقم لنا والدة أولا ... وأنت في حل من الوالد ) السريع -
وقوله
( قابل هديت أبا العلاء نصيحتي ... بقبولها بواجر الشكر )
( لا تهجون أسن منك فربما ... تهجو أباك وأنت لا تدري ) - الكامل -
وقوله
( أبو العلاء زاعم ... بأنه من العرب )
( ويدعي في أسد ... أبوة بلا سبب )
( أقسم أني مفتر ... عليه في هذا النسب )
( فآثم لكنني ... ألصقه خوف الغضب ) - مجزوء الرجز -
وقوله
( أضحى الملوم أبو العلاء يسبني ... وأنا أبوه يعقني ويعادي )
( والمنتمون إليه من أولاده ... والله يعلم أنهم أولادي )
( ولو أنه يسخو علي بواحد ... عند التكاثر زينة للنادي )
( ألصقته بي واقتديت بمن رأى ... بأبيه إلصاق الدعي زياد ) - الكامل -
وقوله
( حمق بهذا الأسدي الذي ... قد كان مني آمن السرب )
( وإنما جربت هجوي به ... تجربة السيف على الكلب ) - السريع

وقوله في غيره
( رغيفك في الأمن يا سيدي ... يحل محل حمام الحرم )
( فلله درك من سيد ... حرام الرغيف حلال الحرم ) - المتقارب -
وقال من أبيات
( يعلو ويعلى وكل من سجيته ... يعلو الكنيف ويعلى بالغراميل ) - البسيط -
وقال في رجل ارتفع قدره وكان أبوه حلاجا
( أقول وقد قالوا ابن مأسدة غدا ... على مركب لا من حمير أبيه )
( ولا الصوت محلاج ولا السرج لوحه ... ولا حب قطن كالشعير بفيه )
( مقال الوليد البحتري فإنه ... قد أنبأنا عن مثله وذويه )
( متى أرت الدنيا نباهة خامل ... فلا ترتقب إلا خمول نبيه ) - الطويل -
وقال في قينة
( لنا قينة تحمي من الشرب شربنا ... فقد أمنوا سكرا وخوف خمار )
( تكشر عن أنيابها في غنائها ... فتحكي حمارا شم بول حمار ) - الطويل -
وقال في شاعر
( ما قال بيتا مرة ... ولا يقول ما بقي )
( وكل شعر قاله ... فإثمه في عنقي ) - مجزوء الرجز

وقال في علوي
( كم غاصب حقكم ليهزلكم ... وقد تفقا من شدة السمن )
( واحربا إن قضيت لم أر ما ... آمله فيكم وواحزني ) - المنسرح -
وقال
( أقسمت حقا بما أوتيت من كرم ... فإنه بعد ربي غاية القسم )
( أن لو وليت أمور الناس مقتدرا ... ما خاف راع على شاء ولا نعم )
( وظلت العصم للآساد آلفة ... واستأنست طلس الذؤبان بالغنم )
( مواهب خصك الله العزيز بها ... وليس يرضى لك الحساد بالقسم )
( هذا الثناء وهذاك الداعاء وما ... لي غير ذين وما سديني بمتهم ) - البسيط -
وقال
( سقيت وفي كف الحبيبة وردة ... وأترجة تغري النفوس بصونها )
( مداما فلما قابلتني بوجهها ... شربت فحيتني بلوني ولونها ) - الطويل -
19 - أبو سعيد الرستمي محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن رستم
من أبناء إصبهان وأهل بيوتاتها ومن يقول الشعر في الرتبة العليا ومن شعراء العصر في الطبقة الكبرى وهو القائل

( إذا نسبوني كنت من آل رستم ... ولكن شعري من لؤي بن غالب ) - الطويل -
ومن نظر في شعره المستوفي أقسام الحسن والبراعة المستكمل فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة أقبلت عليه الملح تتزاحم والفقر تتراكم والدرر تتناثر والغرر تتكاثر
( كلم هي الأمثال بين الناس إلا ... أنها أضحت بلا أمثال ) - الكامل -
وكان الصاحب يقول مرة هو أشعر أهل عصره وتارة هو أشعر أهل عصره ويقدمه على أكثر ندمائه وصنائعه وينظمه في عقد المختصين به وفيه يقول مداعبا
( أبو سعيد فتى ظريف ... يبذل في الظرف فوق وسعه )
( ينيك بالشعر كل ظبي ... فأيره في عيال طبعه ) - مخلع البسيط -
وكان يسد ثلمة حاله ويدره حلوبة ماله ويسوغه خراج ضياعه ولا يخليه من مواد إنعامه وإفضاله وبلغني أن أبا سعيد لما أسفر له صبح المشيب وعلته أبهة الكبر أقل من قول الشعر إما لترفع نفسه وإما لتراجع طبعه
فقرأت فصلا للصاحب أظنه إلى أبي العباس الضبي في ذكره واستزادة شعره وهذه نسخته كان يعد في جمع أصدقائنا بإصبهان رجل ليس بشديد الإعتدال في خلقه ولا ببارع الجمال في وجهه بل كان يروع بمحاسن شعره وسلامة وده أما الشعر فقد غاض حتى غاظ وأما الود ففاض أو فاظ فإن تذكره مولاي بوصفه وإلا فليسأل عن خاله وعمه أما العمومة ففي آل رستم وثم الذروة والغارب

ولواء العجم وغالب وأما الخؤولة ففي آل جنيد كما قال شاعرهم في سعد وسعيد وقد سألت عن خبره وفد نجران والركب بجبلى نعمان فلم يذكروا إلا أنه مشغول بخطبة سبطه أبي القاسم بن بحر رحمه الله تعالى لفتاه أعزه الله وليس في ذلك ما يوجب أن يطوينا طي الرداء ويلقى عهدنا إلقاء الحذاء وقد يعود الصلاح فسادا ويرجع النفاق كسادا
( فلعل تيما أن تلاقي خطة ... فتروم نصرا من بني العوام ) - الكامل -
وهذا ما أخرجته من محاسن شعره
وما محاسن شيء كله حسن
من قصيدة له فريدة في مؤيد الدولة
( بدت يوم حزوى من كواها المحاجر ... فعاد عذولي في الهوى وهو عاذر )
( فكيف وقد أبدين ما في قناعها ... وأبرزن ما التفت عليه المعاجر )
( مررن بحزوى والجآذر ترتعي ... فلم تدر حزوى أيهن الجآذر )
( ومالت على الأنقاء فاشتبهت بها ... أهن النقا أم ما تضم المآزر )
( وأرست على الأعجاز سود فروعها ... فأزرت بحيات الغدير الغدائر )
( بدور زهتهن الملاحة أن يرى ... لهن نقاب فالوجوه سوافر ) - الطويل -
سرقه من قول القائل
( ولما تنازعنا الحديث وأسفرت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا )

رجع
( وودعني من نرجس بجفونها ... على ورد خد لؤلؤ متناثر )
( وسائلة عبري متى أنت آيب ... إلينا وهل يقضي الإياب المسافر )
( حططت لها رحلي وسيبت ناقتي ... وأمنتها والعيس مما تحاذر )
( نصيبي من الدنيا رضى أم معمر ... وسائر ما تحويه في الريح سائر )
( وقلت اربطي جأشا عليك فإنه ... سيغنيك عن سيري القوافي السوائر )
( سيكفيك سيري في الدجى إن كرهته ... صباح كضؤ البدر والنجم باهر )
( أمير كأن الغيث من نفحاته ... يصوب ومن أخلاقه الروض زاهر )
( إذا ما علا صدر السرير جرى لنا ... به فلك بالخير والشر دائر )
( يد لأمير المؤمنين طويلة ... وناب إذا ما نابه الخطب كاشر )
( ينافي الكرى من حزمه وهو دارع ... ويغشى الوغى من بأسه وهو حاسر )
( إلى أي أرض أرحل العيس صاديا ... وبحرك مورود وروضك ناضر )
ومنها
( فأقسمت ما في الأرض غيرك ماجد ... يزار ولا في الأرض غيري شاعر بقيت مدى الدنيا وملكك راسخ ... وظلك ممدود وبابك عامر )
( يرد سناك البدر والبدر زاهر ... ويقفو نداك البحر والبحر زاخر )
( وهنئت أعيادا توالت سعودها ... كما يتوالى في العقود جواهر ) - الطويل -
وله من أخرى فيه أيضا
( مررنا بأكناف العقيق فأعشبت ... أباطح من أجفاننا ومسايل )

( وكادت تناجينا الديار صبابة ... وتبكي كما نبكي عليها المنازل )
( فمن واقف في جفنة الدمع واقف ... ومن سائل في خده الدمع سائل )
( تأس بيأس أو تعز بسلوة ... فمالك في أطلال عزة طائل )
( ألم تر أيام الربيع تبسمت ... أجارع من أنوارها وخمائل )
( كأن غصون النرجس الغض بينها ... نشاوى كرى أعناقهن موائل )
( كأن شقيق الأبرين كواعب ... عليهن من صبغ الجساد غلائل )
( وقد حملت سوسانها في حجورها ... رواضع إلا أنهن حوامل )
( وضمر خيل الضيمران كأنها ... مرازب فوق الهام منها أكالل )
( ونور قضبان الخلاف فأبرزت ... أصابع لم تخلق لهن أنامل )
( تخال أزاهير الرياض خلالها ... مصابيح ليل ما لهن فتائل )
( وقد شربت ماء الغمامة فانثنت ... كما يتثنى الشارب المتمايل )
( فمن أقحوان ثغره متبسم ... وورد على أكنافه الطل جائل )
( وقد ماج وادي الزندروز بفيضه ... كما ماج للريح النقا المتهايل )
( كأن نعاج الرمل في جنباته ... يناطح بعض بعضها ويقاتل )
( كأن هدير الموج فوق متونه ... هدير قروم هاجهن الشوائل )
( سرى بين أحشاء السرى فتشابهت ... أحياته تسري بها أم جداول )
( إذا ماج فوق الأرض أو هاج خلته ... خيولك في الهيجا وهن صواهل )
( أيا ملكا فاق الملوك وبذهم ... فراح سنانا والملوك عوامل )

( إذا نحن أثنينا عليه تبادرت ... فأثنت كما نثني القنا والقنابل )
( ينير الدجى من وجهه وهو حالك ... ويندى الثرى من كفه وهو ماحل )
( وذو لحظات كلهن فواضل ... وذو حركات كلهن فضائل )
( دهاء لديه رأي أكثم فائل ... وجود لديه حاتم الجود باخل )
( وحلم لديه ركن يذبل ذابل ... وعزم لديه فارس الخطب راجل ) - الطويل -
ومنها في مسألة أخراج ضيعة له من الإقطاع
( ضياعي نهبي قد تفرق شملها ... فما في يدي منهن إلا الأنامل )
( فكم ضيعة مالت لأبواب مالها ... قناتي وغيري منه نشوان مائل )
( فحظي من الحظين هم وحسرة ... وحاصلها أني على الهم حاصل )
( ألا ليت شعري هل أرى لي جماعة ... تمد بها فوق الشطور الحواصل )
( تقاربها الأنموذجات كأنها ... إذا هي صروها الثدي الحوافل )
( وهل أرني يوما وكيلي حاضري ... أناقشه طورا وطورا أساهل )
( ويخرج بإسمي في الأدراج كاتب ... حسابا ويستأدي خراجي عامل )
( على عدل مولانا الأمير توكلي ... فإحسانه في الشرق والغرب شامل ) - الطويل -
ومن أخرى فيه أيضا أولها
( عذيري لدى الواشين حسن عذاره ... وعذري لدى اللاحين حسن اعتذاره )
( بنفسي خبيب زار بعد أزوراره ... وعاودني بالأنس بعد نفاره )
( وأشنب معشوق الدلال منعم ... معقرب صدغ كالهلال مداره )
( إذا ما استعار الجلنار بخده ... أعار الحشى من خده جل ناره )
( سل البيض عن عاداته في عداته ... وسمر القنا عن نهبه ومغاره )

( وقائع نال النسر غاية سؤله ... بهن ونال النصر غاية ثاره ) - الطويل -
ومن قصيدة في الصاحب أولها
( عقني بالعقيق ذاك الحبيب ... فالحشى حشوه الجوى والنحيب )
( وإذا جفت الشؤون وخفت ... ندبتها من الضلوع الندوب )
( لست أدري أأدمعي أم جمان العقد ... ينسل أم عقيق يذوب )
( حبذا حبذا ونعم وسعدي ... ونصيبي من وصلهن نصيب )
( إذ زماني غر وغصني رطيب ... وشبابي غض وبردي قشيب )
( إذ بوادي العقيق عيشي أنيق ... وبوادي الجنوب ريحي جنوب )
( كم شجاني ببطن رامة ريم ... وبظبي الكثيب ظبي ربيب )
( أيها الرمل كم مضى فيك عيش ... لي مهاة ومرتع لي خصيب )
( وأليفاي فيك ريا وأروي ... وحليفاي فيك زق وكوب )
( وبقلب الحسود منا ندوب ... وبطرف العذول عنا نكوب )
( وعفا الله عن ذنوب تقضت ... لي بها حين تستتاب الذنوب )
( حيث لا لوم أن يزور محب ... هاجه الشوق أو يزار حبيب )
( حيث لا ينكر الغرام ولا يخشى ملام ولا يخاف رقيب ... )
( ما يذم الشباب عندي بشيء ... غير أن المشيب منه قريب )
( غلب الصاحب الجواد بني الجود ... كما يغلب الشباب المشيب )
( بذهم في الندى وغطى علاهم ... بعلاه فالمكرمات ذنوب )
( وإذا ما سعى لإحداث مجد ... فمساعيهم عليهم ذنوب )

( واجد بالعلا وبالمجد وجدا ... لم يجده بيوسف يعقوب )
( وإذا ما أتاه طالب جدوى ... راحتيه فالطالب المطلوب )
( قل لباغي الندى خف الله لا تسأله عمرا فإنه موهوب ... ) - الخفيف -
من قول أبي تمام
( ولو لم يكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله )
رجع
( إنما حاتم وأوس وكعب ... مثل في الندى له مضروب )
( يا حساما مهندا وغماما ... ديمتاه الترغيب والترهيب )
( فيك ما يكمد الحسود وما فيك سوى ... الجود والندى ما يعيب )
( راحة ثرة ووجه طليق ... ولسان عضب وصدر رحيب )
( وبيان غض تلدد فيه ... حين خاطبته الألد الخطيب )
( وإذا ما وخدت في طلب المجد فذو المجد وخده تقريب ... )
( عزمات يرض منهن رضوي ... ويكاد الوليد منها يشيب )
( فلشمس النهار منها وجوب ... ولقلب الزمان منها وجيب )
ومنها
( وإذا ما دعوت شعري فيه ... طرب المدح واستهل النسيب )
( مدح كالنسيب رقة ألفاظ ... وما للنسيب منه نصيب )
( محكمات محكمات إذا أنشدن نال المنى بهن الأديب ... )

( رفعت من أعنة الرفع حتى ... ذل منها المخفوض والمنصوب )
ومنها
( أنا من قد عرفت سرا وجهرا ... أعجمي نما به التعريب )
( ليت شعري إذا دعيت شعاري ... نسبي واضح وعودي صليب )
( لست من أمدح الملوك ولا أنضي المطايا ولا الفلاة أجوب ... )
( أنا للصاحب الجليل أبي القاسم ... مولى وخادم وربيب ) - الطويل -
ومن أخرى أيضا
( غيضن عبرتهن يوم الوادي ... فأرحن عازب أنس ذاك النادي )
( فجنين بالأسماع نور حديثنا ... وكرعن في الشكوى كروع الصادي )
( ووصفن سقم قلوبنا بعيونها ... فشفين منا غلة الأكباد )
( لا غرو أن يجنين من ثمر الهوى ... لي في مراقدهن شوك قتاد )
( فلطالما أسهرنني جنح الدجا ... وأطلن ليلي وانتهبن رقادي )
( لا والذي جعل الجفون عليلة ... وأعار حب البيض حب فؤادي )
( إني لأرحم من أسرن فؤاده ... سرا فما لفؤاده من فادي )
( وأذم أيام الفراق فإنها ... علل وإن خفيت على العواد )
( قل للزمان إذا تنمر ساخطا ... وعدا علي بوجه ليث عادي )
( أبرق وأرعد ليس يرتعد الحشى ... لي منك بالإبراق والأرعاد )
( الصاحب العالي الصنائع صاحبي ... في النائبات وعدتي وعتادي )
( ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد )
( يروي عن العباس عباد وزارته ... وإسماعيل عن عباد )

( شرف كعقد الدر واصل بعضه ... بعضا كأنبوب القنا المنآد )
( وعلا كأيام السنين ترادفت ... آياتها بمكرر ومعاد )
( لا كالذين إذا سموا لكريمة ... ضحكت جدودهم من الأجداد )
( أعلى المكارم ما تقادم عهده ... والمجد موروث عن الأمجاد )
( لا والذي جعل المكارم كلها ... لك والعلا في مبدأ ومعاد )
( ورآك أهلا للرشاد وللهدى ... وكساك آيات الإمام الهادي )
( لو كان غير الله يعبد ما انثنت ... إلا إليك أعنة العباد ) - الكامل -
هذا معنى قد أكثر الناس فيه وأظن السابق إليه ابن أبي البغل حيث قال في الرشيد
( لو عبد الناس سوى ربهم ... أصبحت دون الله معبودا )
رجع
( هذا الربيع وأنت أكرم مجتنى ... منه وأعجبه إلى المرتاد )
( زارتك في حلل الرياض وفوده ... وكأنهن يمسن في الأبراد )
( ورأت صنائعك التي أزرت بها ... فغدت تذم إليك صوب الغادي )
( وحكاك وادي الزندروز فأقبلت ... أمواجه يقذفن بالأزباد )
( مثل الرمال تناطحت أوعالها ... فأعانهن العين بالإمداد )
( يرمي السواحل مدة فكأنه ... ملك يهز الأفق بالإيعاد )
( يهدي المدينة واديان تجاورا ... وكأنما وردا على ميعاد )
( مدان هذا ليس ينفد فيضه ... أبدا وهذا فيضه لنفاد )
( روض يرف ومزنة تهمي عزا ... ليها وطير في الغصون ينادي )
( فكأن ذا يثني وذا يدعو وذا ... يبدي الرضا ويبوح بالأحماد )

( فاسعد بدنيا قد نظمت أمورها ... وسددتها بالرفق أي سداد )
( ورعية أصلحتها بتألف ... وتعطف من بعد طول فساد )
( داويت من سقم النفاق قلوبها ... وشفيت مرضاها من الأحقاد )
( فنصبت للإسلام أكرم راية ... وقسمت أهل الجبر والإلحاد )
( وأفضت عدلك في البلاد وأهلها ... وضربت دون الظلم بالأسداد ) - السريع -
ومنها في الإذكار والإستعانة والإستزادة وشكوى الخراج ومسألة التسويغ وما منها إلا ما لا غبار عليه ولا شوب فيه ولا مزيد على حسنه
( يا خير من يدعى لخطب فادح ... ويحل عقد الحادث المنآد )
( عمت فواضلك البرية واغتدت ... طوع العنان لحاضر أو بادي )
( ووسائلي ما قد علمت ولاية ... مذ كنت أعهدها وصفو وداد )
( ومنقبات في البلاد غريبة ... وصلت سرى الإتهام بالإنجاد )
( تروى ولم يسمع لهن بقائل ... تعزى إليه سوى حداء الحادي )
( من كل رائقة المحاسن حلوة ... ريا الرواية غضة الإنشاد )
( لم يكسها الإكفاء في أكفائها ... عيبا ولا أزرى بها لسناد )
( هذا وحرمة خدمة مرعية ... للأبعدين قديمة الميلاد )
( ما زلت من أبرادها متوحشا ... بمفوف يزهى على الأبراد )
( يا حلية الوزراء حل قصائدي ... بمحاسن الإرفاد والإصفاد )
( ما لي ظمئت وبحر جودك زاخر ... سهل مشارعه على الوراد )
( وريت زناد السائلين بسيله ... وبفيضه وخصصت بالإصلاد )

( ما كان أجمل في التجمل ملبسي ... وأعف في ظل القناعة زادي )
( لولا زمان أزمنت حالي له ... نوب تراوح تارة وتغادي )
( وأذى فراخ ضاق بي أوكارها ... وكذا البغاث كثيرة الأولاد )
( وأذى خراج لو سرى لأدائه ... غرر الليالي عدن وهي دآدي )
( أبدت نجوم الليل سود نجومه ... في مفرقي فأنار بعد سواد )
( حصة حصت مني جوانب هامتي ... صفعا أوافقه من المستادي )
( ووفود سوء يألفون زيارتي ... من صادر أو رائح أو غادي )
( ورجالة مترادفون كأنما ... غصت مدارجهم برجل جراد )
( من كل منتفش الشوارب مسمع ... عبد لآل ربيعة أو عاد )
( صهب اللحى سود الوجوه كأنما ... خضبوا الرؤوس بيانع الفرصاد )
( ما غاب عني واحد إلا ... ويقفوا إثره ثان وآخر بادي )
( هذا يواجه شاربي متهددا ... ويقوم هذا من وراء العادي )
( ففرائصي من خوفهم مملوءة ... أبدا من الإخفاق والإرعاد )
( وإذا أصادر غدوة لم يرتفع ... عند المساء سواي في الأوراد )
( ما في يد النقاد من ضربي سوى ... ضربي ودق الجيد دون جياد )
( يا حلية الوزراء حقي واجب ... ونداك صوبا أنعم وأيادي )
( وقع بتسويغي خراجي كله ... أو لا فعاودني على الإيراد )

( وامنن علي بفضل جودك واكفني ... دار الخراج وجهمة الحداد )
وله من أخرى
( قولوا لو سنان نام عن أرقي ... فيه وحاشا جفونه الأرق )
( ارث لمن قد رثى ... لمقلته الدمع ورقت لقلبه الحرق )
( لم يبق من جسمه سوى رمق ... ينتظر الموت ذلك الرمق )
( يا بأبي منه طرة سبج ... إذا تبدت وغرة يقق )
( ولؤلؤ من لسانه برد ... ولؤلؤ في لباته نسق )
( وجه به الجلنار مبتسم ... يفتر والأقحوان متسق )
( شعلة نار ملاحة وسنا ... يكاد منه الجليس يأتلق )
( غنى فجلى الظلام غرته ... عنا وغصت بشدوه الأفق )
( فودت العين أنها أذن ... تسمع والأذن أنها حدق ) - المنسرح -
زاد على من قال
( غنت فلم يبق في جارحة ... إلا تمنت بأنها أذن )
رجع
( والله لو كانت الأزاهر والأوتار ... ناسا وأبصروا عشقوا )
( شانىء أيامه يذوب شجى ... من كمد والحسود يزدهق )
( كذلك النار حين أعوزها ... ما أحرقته تبيت تحترق ) - المنسرح -
سرقة من قول ابن المعتز حيث قال
( كالنار تأكل نفسها إن نفسها ... وإن لم تجد ما تأكله )

رجع
( وإن ذكرنا اسمه لطيبته ... يبقى بأفواهنا له عبق )
( والناس لولا سناه ما رمقوا ... والناس لولا نداه ما رزقوا )
( إسعد بشهر وافتك مقبلة ... أعياده بالسعود تستبق )
( ثلاثة قد قرن في قرن ... خوة روز والنضح والسذق )
( مقدمات من الربيع غدت ... وفودها من صبابة سبقوا )
( أما ترى المزن حل حبوته ... في الروض فالروض زاهر أنق )
( فنوره من سناك مقتبس ... ونوءه من نداك مسترق )
( فاعمر لدنيا لولاك ما خلقت ... وأهل دينا لولاك ما خلقوا )
( وعد جديدا على الزمان كما ... عاد جديدا في عوده الورق )
( ما صحبتك الأيام دمت لها ... فليس في صفوا عيشنا رنق ) - مجزوء الكامل -
وله من قصيدة في نهاية الحسن وكثرة الملح والنكت أولها
( عزيز علينا أن تشط منازله ... سقته الغوادي من عزيز تزايله )
( ولا زال حاديه دميثا فجاجه ... وقمرا لياليه وصفوا مناهله )
( يحل عزالي الغيث حيث يحله ... ويغشى كما يغشى الربيع منازله )
( ومهجورة خافت عليها يد النوى ... فلم تبق في حافاتها ما أسائله )
( سوى كحل عين ما اكتحلت بنظرة ... إلى جفنه إلا شجتني مكاحله )
( وقفت فأما دمع عيني فسائل ... عليه وأما وجد قلبي فسائله )

( أقلب قلبا ما يخف غرامه ... عليه وطرفا ما تجف هوامله )
( لعلي أرى من أهل ريا وإن نأت ... بأرجائه شبها لريا أواصله )
( فأصبحت قد ودعت ريا ووصلها ... كما ودعت شمس النهار أصائله )
( بكرهي زال الحي من بطن عازب ... وغودر مني عازب اللب زائله )
( وقلب إذا ما قلت خف غرامه ... وأبصر غاويه وأقصر عاذله )
( دعاه الهوى فاهتز يهوي كما دعا ... صبا الريح غصن البان فاهتز مائله )
( وهاجرة من نار قلبي شببتها ... وقد جاش من حر الفراق مراجله ... صليت بها والآل يجري كما جرى ... من الدمع في جفني للبين جائله )
ومنها
( وبعض مذاق العرف مر وإن حلا ... إذا لم يكن أحلى من العرف باذله )
( وما الجود إلا ما تطوع أهله ... ولا السمح إلا ما تبرع نائله )
( وأروع أنواء الربيع صنائع ... لديه وأنوار الربيع فضائله )
( أهان مصونات الذخائر كفه ... وهان عليه ما يقول عواذله )
( وفاح كما فاح الرياض فعاله ... ولاح كما لاح البروق شمائله )
( يسيل على العافين عفو نواله ... فيلقى ابتذال الوجه للبذل سائله )
( شفيع الذي يرجوه حسن صنيعه ... وسائله عند الرجاء وسائله )
( ولم يجتمع كفاه والمال ساعة ... كأني وريا ماله وأنامله )

هذا البيت من إحسانه المشهور السائر ومنها
( أيصبح مثلي في جنابك صاديا ... وأنت الحيا تحيا وتروي هواطله )
( ولولا فراخ زعزع الدهر وكرها ... علي وقد غال الجناح غوائله )
( أعرت ظلال الحر نفس ابن حرة ... تقاصره الأيام حين تطاوله )
( فخذني من أنياب دهري بعاجل ... من النصر دان أكرم النصر عاجله )
( بقيت مدى الدنيا لمجد تشيده ... وقرم تساميه وخصم تجادله )
( وهاتيك أمثال النجوم جلوتها ... عليك كما تجلو الحسام صياقله )
( قريض كساه المزن أثواب روضة ... فرقت أعاليه ورقت أسافله )
( تطيب على الأيام ريا نشيده ... وأطيب من رياه ما أنت فاعله ) - الطويل
وله من أخرى
( وحسناء لم تأخذ من الشمس شيمة ... سوى قرب مسراها وبعد منالها )
( وإني لأهوى الشيب من أجل لونه ... وإن نفرت عني الدمى من فعالها )
( وأروع يستحيي الحيا من يمينه ... فيرتد فوق الأفق حيران والها )
( أقام قنا الأيام بعد اعوجاجها ... وحاط ذرى الإسلام بعد ابتذالها )
( عزائم لو ألقى على الأرض ثقلها ... شكت منه ما لم تشكه من جبالها )
( وجود بنان سبح الغيث عندها ... وهلل صوب البحر عند أنهلالها )
( يد كل ما تحوي يد من نوالها ... وبيض أياديها وغزر سجالها )
( تأمل فما لاحظته من هباتها ... لدينا وما لاحظته من عيالها )
( من النفر العالين في السلم والوغى ... وأهل العوالي والمعالي وآلها )
( إذا نزلوا اخضر الثرى من نزولها ... وإن نازلوا احمر الثرى من نزالها )

( ببيض كأن الملح فوق متونها ... ودهم كأن الزنج تحت جلالها ) - الطويل -
انظر إلى حسن هذا التصرف وشرف هذا الكلام
( مساميح كل الغيث بعض نوالها ... وكل المعالي خلة من خلالها )
( سمت فوق آفاق السماء فأصبحت ... ثراها الثريا والسهى من نعالها )
( إليك ابن عباد بن عباس إنثنت ... أعنة شكر الدهر بعد انفتالها )
( بك افتر ثغر الملك واهتز عطفه ... وجرت بك الدنيا ذيول اختيالها )
( تشكى الثرى إظلامها ومحولها ... فأغنيتها عن مزنها وهلالها )
وله من قصيدة كأنه جمع محاسنه ولطائفه فيها أولها
( سلام على رمل الحمى عدد الرمل ... وقل له التسليم من عاشق مثلي )
( وقفت وقوف الغيث بين طلوله ... بمنسكب سح ومنسجم وبل )
( وما رمت حتى خالني الريم رمة ... وأذرف آجال الحمى الدمع من أجلي )
( خليلي قد عذبتماني ملامة ... كأن لم يقف في دمنة أحد قبلي )
( ومما شجاني والعواذل وقف ... ولي أذن صمت هناك عن العذل )
( ظباء سرت بالأبطحين عواطلا ... وكنت أراها في الرعاث وفي الحجل )
( تبدلن أسماء سوى ما عرفتها ... لهن فلا تدعي بسعدي ولا جمل )
( تشابهن أحداقا وطول سوالف ... وخص الغواني بالملاحة والدل )
( ومكحولة الأجفان مخضوبة الشوى ... ولم تدر ما لون الخضاب من الكحل )
( ذكرت بها من لست أنسى ذنوبها ... وإن بعدت والشيء يذكر بالمثل )

( سقى الدمع مغنى الوابلية بالحمى ... سواجم تغني جانبيه عن الوبل )
( ولا برحت عيني تنوب عن الحيا ... بدمع على تلك المناهل منهل )
( مغاني الغواني والشبيبة والصبا ... ومأوى الموالي والعشيرة والأهل )
( ليالي لا روض الكثيب بلا ندى ... ولا شجرات الأبرقين بلا ظل )
( وما كان يخلو أبرق الحزن من هوى ... ولكنني أمسي بغير الهوى شغلي )
( فراخ نباني وكرهن وهاجني ... كما هاج ليث الغاب وعوعة الشبل )
( وكم قد رحلت العيس في طلب العلا ... فلما بكت سعدي حططت لها رحلي )
( نزلت على الأيام ضيفا فلم أجد ... قرى عندها غير النزول بلا نزل )
( وقد سامني أهلي المقام بذلة ... ولست بأهل للذي سامني أهلي )
( سبيل الغنى رحب على كل سالك ... فما لي أسعى منه في مدرج النمل )
( أينكر نص العيس والبيد والدجا ... لمن عزمه عزمي ومن فضله فضلي )
( دعوني أصل إرقالها بذميلها ... وأطوي الدجا حتى أرى صبحها المجلي )
( حيا لم يفت منا وليا وليه ... ولم يخل من أفضاله كف ذي فضل )
( ومبتده الجدوى إذا ما سألته ... فأعطاك لم يعتد ذلك من البذل )
( فتى حاز رق المجد من كل جانب ... إليه وخلى كاهل الشكر ذا ثقل )
( بعفو بلا كد وصفو بلا قذى ... ونقد بلا وعد ووعد بلا مطل )
( من النفر الأعلين في حومة الوغى ... يميلون زهوا غير ميل ولا عزل )
( هم راضة الدنيا وساسة أهلها ... إذا افتخروا لاراضة الشاء والإبل )
( محلهم عال على السبعة العلا ... وعالمهم موف على العالم الكلي )

( إذا أنت رتبت الملوك وجدتهم ... هم الإسم والباقون من حيز الفعل )
( مساميح عند العسر واليسر لاتني ... مراجلهم في كل أحوالهم تغلي )
( ولم يغلقوا أبوابهم دون ضيفهم ... ولا شتموا خدامهم ساعة الأكل )
( ولا شددوا دون العفاة حجابهم ... وقالوا لباغي الخير نحن على شغل )
( لتهن ابن عباد قواف كأنها ... جنى لؤلؤ رطب من العقد منسل )
( أبى لي حسنا أن أبالي بعده ... بشعر ولو أنشدت للنمر العكلي )
( وقل له ما قال في هرم الندى ... زهير وأعشى قيس في هوذة الذهلي )
( وما كنت لولا طيب ذكرك شاعرا ... ولا منشدا بين السماطين في حفل )
( ولكنني أقضي به حق نعمة ... سرت مثلا لما وسمت به عقلي )
( إذا لم تكن لي أنت عونا ومعديا ... على الزمن العادي علي فقل من لي )
( من الناس من يعطي المزيد على الغنى ... ويحرم ما دون الغنى شاعر مثلي )
( كما ألحقت واو بعمرو زيادة ... وضويق بسم الله في ألف الوصل )
( أعر من ورائي من عبيدك لحظة ... بعين العلا واجمع على شكرها شملي )
( فما لي رجاء في سواك ولا يرى ... يمر قريضي عند غيرك أو يحلي )
( وهل بارق يشتام إلا من الحيا ... وهل عسل يشتار إلا من النحل )
( وقاك بنو الدنيا جميعا صروفها ... جميعا فإن الجفن من خدم النصل ) - الطويل -
وله من أخرى
( كفتك عن عذلي الدموع الوكف ... ونهتك عن عتبي الضلوع الرجف )
( لله عيش بالمدينة فاتني ... ايام لي قصر المغيرة مألف )

( حجي إلى الباب الجديد وكعبتي الباب ... العتيق وبالمصلى الموقف )
( والله لو عرف الحجيج مكاننا ... من زندروز وجسره ما عرفوا )
( أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا ... بالخندقين عيشة ما طوفوا )
( زار الحجيج منىوزار ذوو الهوى ... جسر الحسين وشعبه واستشرفوا )
( ورأوا ظباء الخيف في جنباته ... فرموا هنالك بالجمار وخيفوا )
( أرض حصاها جوهر وترابها ... مسك وماء المد فيها قرقف )
( ما لي وللواشين لا يهنيهم ... ما نمنموه من النميم وزخرفوا )
( أعياهم سبب التهاجر بيننا ... فتفاءلوا لي بالفراق وأرجفوا )
( لا واعتلاقي بالوزير وحبله ... ما أحسنوا ما أجملوا ما أنصفوا )
( ما للوزير عن المعالي مصرف ... أبدا ولا لي عن هواه مصرف )
( يا من نعوذ من المكارم باسمه ... ونعزه وهو الأعز الأشرف )
( ونجل عن خطر اليمين حياته ... فبفضل نعمته علينا نحلف )
( وعظيم ما أوليتني من نعمة ... ما للسماح سواك رب يعرف )
( يا ابن الذين إذا بنوا شادوا وإن ... اسدوا يدا عادوا وإن يعدوا وفوا )
( إن حاربوا لم يحجموا أو قاربوا ... لم يندموا أو عاقبوا لم يشتفوا )
( ومتى استجيروا أسعفوا ومتى استنيلوا أسرفوا ومتى استعيدوا أضعفوا )
( إن عاهدوا لم يخفروا أو عاقدوا ... لم يغدروا أو ملكوا لم يعسفوا ) - الكامل -
ومنها التهنئة بالخلعة
( تهنى ابن عباد بن عباس بن عبد الله ... نعمى بالكرامة تردف )
( يهنيه زائد نعمة متجدد ... أبدا وحادث نعمة يستطرف )

( خلع كأنوار الربيع مدبج ... وموشم ومنمنم ومفوف )
( بهرت عيون الناظرين وأبرزت ... حسنا يكاد البرق منه يخطف )
( لو نالت الشمس المنيرة حسنها ... ما كانت الشمس المنيرة تكسف )
( ولئن كبرت عن الملابس والحلى ... وبك الملابس والحلى تتشرف )
( فالبيت يكسى وهو أشرف بقعة ... في كل عام مرة ويسجف )
ألم فيه بقول من قال
( تزهى بك الخلعة الميمون طائرها ... كزهو خلعة بيت الله بالبيب )
رجع
( كالشمس حفت بالسعود وحوله ... خدم كأمثال الكواكب وقف )
( وكأن مجلسه عروس تجتلى ... والمادحون به قيان تعزف )
( ما تشتهي الآذان تسمعه وما ... تهوى العيون من المناظر تطرف )
( أو ما ترى حسن الزمان وطيبه ... والجو صاف والجنان تزخرف )
( عاد الربيع إليك في كانونه ... فشتاؤه للحسن صيف صيف )
( شمس محجبة وظل سجسج ... وغمامة سح وروض رفرف )
( وعلى الجبال من الثلوج أكالل ... وعلى السماء من السحائب مطرف )
( نبأ تباشرت القلوب لذكره ... أذكى من المسك الذكي واعرف )
( فلكل عين قرة ومسرة ... ولكل نفس عزة وتغطرف ) - الكامل

وله من قصيدة في علي بن أبي القاسم
( معان نظمت بهن الصبا ... كما نظم الغانيات العقودا )
( بباب الجديد لنا موقف ... لبسنا به العيش غضا جديدا )
( وكم بالمحصب من ليلة ... شفعنا إلى الصبح أن لا يعودا )
( ويوم قصير بتلك القصور ... تحسبه الغيد للحسن عيدا )
( تراه عبيرا وحصباءه ... عقيقا وأشجار واديه عودا )
( علي بن أبي القاسم ارفق بنا ... فقد عاقنا الشكر أن نستزيدا )
( لئن لم تمل ندى أن تفيد ... لقد مل راجيك أن يستفيدا )
( وقالوا انتجعت حيا نازحا ... وهل عاق بعد الحيا أن يجودا )
( سنا البدر بغشى الثرى والورى ... جميعا وإن كان منهم بعيدا )
( قواف إذا ما رآها المشوق ... هزت لها الغانيات القدودا )
( كسون عبيدا ثياب العبيد ... وأمسى لبيد لديها بليدا )
( ولو لم أكن محسنا نظمهن ... لحسن قصدي إليك القصيدا )
( عرفنا بعرفك كيف الطريق ... وجودك علمنا أن نجيدا ) - المتقارب -
وأنشدني أبو بكر الخوارزمي من نتفه
( ثقلاء الأرض عندي خمسة ... صالح والإبن منهم أربعة ) - الرمل -
ومن نتفه
( تركت الشعر للشعراء إني ... رأيت الشعر من سقط المتاع ) - الوافر -
وأنشدني له في أبي الحسن الغويري
( في حر ام الشعر أيري ... لست أعني أير غيري )

( إنما يرفع قول الشعر ... أمثال الغويري ) - مجزوء الرمل -
20 - أبو القاسم غانم بن أبي العلاء الإصبهاني
شاعر ملء ثوبه محسن ملء فمه مرغوب في ديباجة كلامه متنافس في سحر شعره ولم يقع إلى ديوانه بعد وإنما حصلت من أفواه الرواة على قطرة من سيح غرره وغيض من فيض ملحه ولا يأس من وجدان ضالتي المنشودة من مجموع شعره وقد مرت في الصاحبيات أبيات له قلائل إلا أنها قلائد وهذا مكان ما أحاضر به من أخواتها الرائقة الفائقة الشائقة
وأنشدني المعروف بالقاضي الإمام الأصبهاني قال أنشدني أبو القاسم بن أبي العلاء لنفسه
( أصبحت صبا دنفا ... بين عناء وكمد )
( أعوذ من شر الهوى ... بقل هو الله أحد ) - مجزوء الرجز -
وأنشدني أيضا قال أنشدني أبو القاسم لنفسه
( المستغاث من الهوى بالله ... من شادن فتن الورى تياه )
( ما كنت أعلم قبله حر الهوى ... والوجد ما هو والصبابة ما هي )
( حتى بليت أغن مدللا ... كالريم يعصي في هواه الناهي )
( فمدامعي عبري وقلبي واله ... وجوانحي حرى وصبري واهي ) - الكامل -
وله
( أيها الخشف كم أود وأجفى ... وأسام الهوان صنفا فصنفا )
( لو كشفت الغطاء عن سر قلبي ... لقرأت الأحزان حرفا فحرفا )

( إن نفسي موقوفة بين شيئين رجائي عليهما بات وقفا ... )
( بين أن ينصف الزمان وأعطى ... أملي فيك أو أموت فأكفى ) - الخفيف -
ومن قصيدة
( الطف بطرفك ما أردت وداره ... لا يفضحنك إن مررت بداره ) - الكامل -
وأنشدني له في نفسه
( رجلي وأيري وبيضي ... في إست أم القويضي )
( لما أراد هجائي ... وفيضه دون غيضي )
( ورام تدنيس عرضي ... فصار خرقة حيض ) - المجتث -
وأنشدني أبو القاسم علي بن الكرخي له فقال
( وقائلة قالت فلانة طلقت ... فقلت ونفسي أطلقت بانطلاقها )
( تزوج قلبي الهم يوم تزوجت ... وطلق قلبي الهم يوم طلاقها ) - الطويل -
وأنشدني الأمير أبو الفضل له من قصيدة يعاتب فيها الصاحب ويستبطئه
( فإن قيل لي صبرا فلا صبر للذي ... غدا بيد الأيام تقتله صبرا )
( وإن قيل لي عذرا فوالله ما أرى ... لمن ملك الدنيا إذا لم يجد عذرا ) - الطويل -
وأنشدني أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي له من قصيدة
( ورد البشير بما أقر الأعينا ... وشفى النفوس فنلن غايات المنى )
( وتقاسم الناس المسرة بينهم ... قسما فكان أجلهم حظا أنا ) - الكامل

21 - أبو محمد عبد الله بن أحمد الخازن
من حسنات أصبهان وأعيان أهلها في الفضل ونجوم أرضها وأفرادها في الشعر
ومن خراص الصاحب ومشاهير صنائعه وذوي السابقة في مداخلته وخدمته
وكان في اقتبال شبابه وريعان عمره يتولى خزانة كتبه وينخرط في سلك ندمائه ويقتبس من نور آدابه ويستضيء بشعاع سعادته فتصرف من الخدمة فيما قصر أثره فيه عن الحد الذي يحمده الصاحب ويرتضيه كالعادة في هفوات الشبيبة وسقطات الحداثة
فلما كان ذلك يعود بتأديبه إياه وعزله ذهب مغاضبا أو هاربا وترامت به بلدان العراق والشام والحجاز في بضع سنين ثم أفضت حاله في معاودة حضرة الصاحب بجرجان إلى ما يقتضيه ويحكيه في كتاب كتبه إلى أبي بكر الخوارزمي وذكر فيه عجزه وبجره وقد كتبته تنبيها على بلاغته وبراعة كلامه واختصارا للطريق إلى معرفة قصته وهذه نسخته كتابي أطال الله بقاء الأستاذ سيدي ومولاي من الحضرة التي نرحل عنها اختيارا ونرجع إليها اضطرارا ونسير عن أفيائها إذا أبطرتنا النعمة ثم نعود إلى أرجائها إذا أدبتنا الغربة ومن لم تهذبه الإقالة هذبه العثار ومن لم يؤدبه والده أدبه الليل والنهار
وما الشأن في هذا ولكن الشأن في عشر سنين فاتت بين علم ينسى وغم لا يحصى وإنفاق بلا ارتفاق وأسفار لم تسفر عن طائل ولم تغن عني ريش طائر وبعد عن الوطن على غير بلوغ الوطر
ورجعت يشهد الله صفر اليدين من البيض والصفر أتلو ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) وأنا بين الرجاء في أن أقال العثار والخوف من أن يقال زأر الليث فلا قرار إلا أني كنت قدمت تطهير نفسي فلججت حتى حججت وعدت بغبار

الإحرام وبركة الشهر الحرام وحين خيمت بأصبهان أنهى سيدنا الأستاذ الفاضل أبو العباس أدام الله تمكينه خبري إلى الحضرة العالية حرس الله بهاءها وسناءها والناس ينظرون هل أقبل فيتلقوني بأكبر الرتب أم أسخط فيتحاموني كالبعير الأجرب فورد توقيع مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله مدته وكبت أعداءه وحسدته بعالي خطه وقد نسخته على لفظه ليعلم مولانا الأستاذ أدام الله عزه أن الكرم صاحبي لا برمكي وعبادي لا حاتمي وأنا نتجرم ثم نتندم ونميل على جانب الإدلال ثم لا نروى من الماء الزلال والتوقيع
ذكر مولاي أدام الله عزه عود أبي محمد الخازن أيده الله للفناء الذي فيه درج والوكر الذي منه خرج
وقد علم الله أن إشفاقي عليه في اغترابه لم يكن بأقل منه عند إيابه فإن أحب أن يقيم مديدة يقضي فيها وطر الغائب ويضع معها أوزار الآيب
فليكن في ظل من مولانا ظليل ورأي منه جميل وبر من ديواننا جزيل
وإن حفزه الشوق فمرحبا بمن قربته التربية لدينا فأفسدته الغرة علينا وردته التحربة إلينا وسبيله أن يرفد بما يزيل شغر قلبه بعياله ويعنيه على كل ارتحاله إن شاء الله تعالى
هذه نسخة التوقيع الوارد على سيدنا الأستاذ أبي العباس أدام الله عزه في معناي فلا جرم أني أخذت مالا وأغنيت عيالا وقلت ليس إلا الجمازة والمفازة فصبحت جرجان مسى عاشرة أهدى من القطا الكدرى كأني دعميص الرمل أستاف أخلاف الطرق وأنا مع ذلك أحسب العفو عني حلما ولا أقدر ما جنيت يعقب حلما فكأني ما خطوت إلا في التماس قربه وما أخطأت إلا لتأثيل حرمه وكأني لم أفارق الظل الظليل وأخذ في بقول الله

تعالى فاصفح الصفح الجميل فقد روى في التفسير أنه عفو من غير عتب وعدنا للقرب في المجلس وكرم اللقاء والمشهد وراجعت أيدينا ثقل الصرر وجلودنا لين الحبر
وركبنا صهوات الخيل وسبحنا إلى دورنا بفضلات الخير وأقبلنا على العلم وصافحنا يد النثر والنظم
وراجع الطبع شيئا كان يدعى الشعر كذلك آدم أسكن الجنة بمن الله وفضله ثم خرج عنها بما كان من جرمه وهو عائد إليها بفضل الله وطوله هذا خبري وأما كتاب سيدي الأستاذ أدام الله عزه فورد وذكرت قول سلم الخاسر طيف ألم بذي سلم لأنه حل محل الخيال وورد بأخصر المقال وما تركت السؤال عن خبره ساعة وردت
فعرفت من سلامته ما بشرت به فاستبشرت وعلمت كيف كانت النكبة وكيف انحسرت المحنة وكيف اتفق الخروج إلى بخار المزن من المزني صاب بعد أن أصابه الدهر بما أصاب وشوقي إلى سيدي الأستاذ الشوق الذي كنت أصلى بناره وداري إزاء داره
ولم أستطع في التقريب أكثر من أن خرجت عن الموصل إلى جرجان وشارفت أدنى خراسان ولله اللطائف التي تخلصتني من الموصل فإني كنت في وقعة باد أباده الله وعراني مما ملكت وهتكني فتهتكت وخرجت على مذهب مشايخنا في ضرب الحراب على صفحة المحراب
وهذا حديث طويل والكثير منه قليل
ذكر الأستاذ سيدي أن الشيخ أبا الفتح الحسن بن إبراهيم أخر عنه نسخة الرسائل مع خروج الأمر الناجز وقد عجبت من ذلك فإن أوامر الحضرة أقدار جارية وسيوف ماضية وأنا أجري حديثا وأنتجز كتابا جديدا
فأما شعري فليس يروى إلا في ديوان باد منذ فارقت آل عباد وفجعت بكتبي جملة وضرب عليها أولئك اللصوص ضربة
بل عملت في تهنئة مولانا أدام الله سلطانه وحرس مكانه حين رزق سبطا نبويا علويا فأشرقت الأرض ودعت السماء وأمنت الكواكب وقال الشعراء وذلك أنه لما سمع الخبر قال

( الحمد لله حمدا دائما أبدا ... إذ صار سبط رسول الله لي ولدا ) - البسيط -
فعملت على ذلك ما قد أثبته فإن يكن ليس بالمسخوط فمن بركة الحضرة والخدمة وإن يكن ممقوتا فمن بقايا الغربة
ومن خبري أن لي ضيعة بأصبهان مقطعة وقد برقت لي في حلها بارقة مطمعة لأن مولانا أدام الله مدته أمرني أن أعمل في السلطان العظيم أطال الله بقاءه مدحا نيروزيا أشق بسموطه السماطين هذا ولو كنت عاملا لكنت اليوم في مرموق الدرجات فقد وردت ورأيت جماعة لم أكن يومئذ دونها وقد صارت في منازل أحتاج إلى خافية العقاب حتى ألحق بها زادهم الله ولا نقصني وهناهم ولا نغصني
ومنهم شيخنا أبو القاسم الزعفراني أيده الله وما أقول إنه ليس بأهل لأضعاف ما خول وتخول به ومول
إذ قد تفضل الله عليه بما أعلم أنه لو حكم بما تحكم فيه وقد قرنت بالقصيدة في المولود المسعود أخرى عيدية أبقى الله مولانا ما عاد عيد وطلع نجم جديد وسقى الله سيدي الأستاذ العهاد والرذاذ والطل والوبل والديمة والتهتان وجميع ما في كتاب المطر للنضر بن شميل فما رأيت أتم منه وحسبي الله وصلواته على محمد وآله الطاهرين
فهذا كلام كما تراه يجمع بين الجزالة والحلاوة وحسن التصرف في لطائف الصنعة ويملك رق الإتقان والإبداع والإحسان ويعرب عما وراءه من أدب كثير وحفظ غزير وطبع غير طبع وقريحة غير قريحة
فأما شعره فجار مجرى عقد السحر مرتفع الحسن عن الوصف وما أصدق قوله
( لا يحسن الشعر ما لم يسترق له ... حر الكلام وتستخدم له الفكر )

( انظر تجد صور الأشعار واحدة ... وإنما لمعان تعشق الصور )
( والمقدمون من الإبداع قد كثروا ... وهم قليلون إن عدوا وإن حصروا )
( قوم لو أنهم ارتاضوا لما قرضوا ... أو أنهم شعروا بالنقص ما شعروا ) - البسيط -
وكان أبو بكر الخوارزمي أنشدني لمعا يسيرة من شعر أبي محمد كقوله في وصف غبار الركب وذكر أنه لم يسمع في معناه أملح منه
وأجمع لأقسام الحسن والظرف وهو
( إن هذا الغبار ألبس عطفي ... سوادا وديني التوحيد )
( وكسا عارضي ثوب مشيب ... ورداء الشباب غض جديد ) - الخفيف -
وقال في الغزل
( حث المطي فهذه نجد ... بلغ المدى وتزايد الوجد )
( يا حبذا نجد وساكنها ... لو كان ينفع حبذا نجد )
( وبمنحنى الوادي لنا رشأ ... قد ضل حيت الضال والرند )
( هند ترى بسيوف مقلتها ... ما لا ترى بسيوفها الهند ) - الكامل -
وأعطاني نسختي القصيدتين اللتين ذكرهما في الكتاب الصادر فشوقني إلى سائر شعره وبقيت أسأل الرياح عنه إلى أن أتحفني أبو عبد الله محمد بن حامد الحامدي في جملة ما لا يزال يهديه إلي من ثمرات أرضه ولطائف بلده العقيلة الكريمة والدرة اليتيمة من مجموع شعر أبي محمد وقد كانت حضرة الصاحب جمعتهما ومناسبة الأدب ألفت بينهما فأوجب من الإعتداد وفر الأعداد وجمعت يدي منه على العلق النفيس فرتعت في روضته الأنيقة فبينا أنا أباهي به وأهتز لحصوله إذا أصابه بعض آفات الكتب وامتدت إليه يد بعض الخونة

( وسهم الرزايا بالذخائر مولع ... وأي نعيم لا يكدره الدهر ) - الطويل -
فصنع الله تعالى في القوارع من إخراج ما يصلح لكتابي هذا منه فمن ذلك قوله من قصيدة في الإستعطاف والإعتذار عند تغير الصاحب عليه واستمرار الأسفار بأبي محمد
( أيا من عفوه دانى السحاب ... صدوق البرق ثقاب الشهاب )
( مديد الظل معقود الأواخي ... على الجانين مضروب القباب )
( فكيف حجبت عنك وأنت شمس ... تجل عن التستر بالحجاب )
( أيرتج باب عفوك دون ذنبي ... وعفوك لم يشن برتاج باب )
( وإعراض الوزير أشد مسا ... على الأحرار من ضرب الرقاب )
( ثنى غربي وفل شبا شبابي ... وصب علي أسواط العذاب )
( ولم تبق الليالي في بقيا ... لعتب منك فضلا عن عقابي )
( فهب لزيارتي حطئي وعمدي ... لقصدي واغتراري لإغترابي )
( فما في الأرض إلا من يراني ... بعين المحنق الضرم الضباب )
( كأني قد أثرت بهم ذئابا ... أو استنفرت منهم أسد غاب )
( حصلت وكنت ضيفك في الثريا ... وصرت ولست ضيفك في التراب )
( أعدني للقرى واجعل جوابي ... وإيجابي جفانا كالجوابي )
( وجد برضاك فهو العيش غضا ... وكلا فهو ريعان الشباب )
( ولو زعت الحسام العضب سخطا ... لذاب ذبابه بين القراب )

( أعيذك أن تصيخ إلى عدوي ... وسمعك عن هنات القول نابي )
( على أني أتوب إليك مما ... كرهت فرق لي واقبل متابي )
( وإن لم تعف عن ذنبي سريعا ... فها إني وحق أبي لمابي )
( سألثم من ثراك الروض غضا ... ومن يمناك منهل السحاب )
( أصبت بخاطري فأتى بشعر ... عليل مسه ألم المصاب )
( وما لي غير مدح أم ثناء ... مشيد أم دعاء مستجاب ) - الوافر -
وقوله من قصيدة في معناها هي أحسن عندي من اعتذارات النابغة إلى النعمان وإبراهيم بن المهدي إلى المأمون وعلي بن الجهم إلى المتوكل
( لنار الهم في قلبي لهيب ... فعفوا أيها الملك المهيب )
( فقد جاز العقاب عقاب ذنبي ... وضج الشعر واستعدى النسيب )
( وفاضت عبرة مهج القوافي ... وغصصها التذلل والنحيب )
( وقد قصمت عراها واعتراها ... بسخطك بعد نضرتها شحوب )
( وقالت ما لعفوك ليس يندى ... لنا وسماء مجدك لا تصوب )
( ومن يك شوط همته بعيدا ... فمثنى عطفه سهل قريب )
( تجاوزت العقوبة منتهاها ... فهب ذنبي لعفوك يا وهوب )
( وأحسن إنني أحسنت ظني ... وأرجو أن ظني لا يخيب )
( أترضى أن أكون لقى مقيما ... على خسف أذوب ولا تثوب )
( أبيت ومقلتي أبق كراها ... وفي ألحاظها صاب صبيب )
( وقيذا لا يلائمني طعامي ... ولا ينساغ لي الماء الشروب )

386 - ( صببت علي سوطا من عذاب ... يذل لبأسه الدهر الغلوب )
( وأرهقني نكيرك لي صعودا ... من الأشجان ليس له صبوب )
( وما عوني على بلواي إلا ... رجائي فيك والدمع السكوب )
( فإن تعطف على رجل غريب ... فإني ذلك الرجل الغريب )
( عليك أنيخ آمالي فرحب ... بها وإليك من ذنبي أتوب )
( وأخطر ما يريب إذا دهتني ... غوامضه إلى ما لا يريب )
( فأية طربة للعفو إن الكريم وأنت معناه طروب ... )
( فإني نشء دارك والمغذى ... بسيبك والصنيعة والربيب )
( وأبت إليك من عفو مدلا ... بما يقضي علاك لمن يؤوب )
( ولذت ببابك المعمور علما ... بأن ذراك لي مرعى خصيب )
( وأن شعابه أندى شعاب ... إليها يلجأ الرجل الأديب )
( وسقت بنات آمالي إليها ... وقد حفيت وأنضاها الدءوب )
( فبوئني اختصاصك حيث تجني ... ثمار العز والعيش الرطيب )
( ولكن كادني خب حقود ... لعقرب كيده نحوي دبيب )
( وما لجموح ألفته جنيب ... وما لشمال فرقته جنوب )
( ولا يشفيه مني لو رآني ... وقد أخذت بحلقومي شعوب )
( بلوت الناس من ناء ودان ... وخالطني القبائل والشعوب )
( فكل عند مغمزه ركيك ... وكل عند مشربه مشوب )
( فجد لي بالرضا واقبل متابي ... وعذري إنني أسف كئيب )

( طريح في فنائك مستضام ... غريب لا يكلمني غريب )
( أأمنع من بوادي العلم منعا ... كأني ليس لي فيها نصيب )
( وأحرم من كلامك كل بدع ... تناهبه النواظر والقلوب )
( فلم لا ينتهي ويكف عني ... عقابك بعد ما انتهت الذنوب )
( وغاية ما يصير إليه شعر ... إذا استعطفت أو مدح مصيب )
( ومن سقيا سحابك جاد طبعي ... ولولا الغيث لم ينبع قليب ) - الوافر -
وكتب إلى أبي العلاء بن سهلويه وقد ورد بغداد رسولا وأبو محمد بها قصيدة منها
( أأبا العلاء وردت أكرم مورد ... أرض العراق وأنت أنجح آيب )
( وحويت في الحالين شأو مبرز ... متحرز لم يأت غير الواجب )
( وخدمت شاهنشاه أحسن خدمة ... رضيت وأوثقها لرأي الصاحب )
( أبلغ رسالتي الوزير وقل له ... قولا يسهل لي سبيل مطالبي )
( ويضيء آفاقي ويمرع مرتعي ... ويحق آمالي ويخصب جانبي )
( بحياته قسم الكرام وعهدهم ... لا تلوني عنه بظن خائب )
( واذكر موالاتي الصريحة إنها ... أبهى وأنضر من عهود حبائب )
( وكفاك علمك بي وودي شاهدا ... فاذكر خلوص عقائدي ومذاهبي )
( خذها إليك شذور طبع لاعب ... بالشعر مرتاح له لا لاعب )
( وكأنه في حسنه وروائه ... نظم العقود على نحور كواعب )
( أهديت من حلواء باب الطلق ما ... يزري على حلواء ذاك الجانب )
( وأشد منه حلاوة شعري الذي ... سحر القلوب بسحره المتناسب ) - الكامل -
وله من أبيات عملها بديهة لينشد الصاحب

( نفض الأذى عن جسمه والروض قد ... ينفي الهشائم وهو غير مصوح )
( ما بحت عنه سوى قذى والعين لا ... تصفو من الأقذاء ما لم تضرح )
( عادت سلامته وأظهر دهره ... ندم المنيب وتوبة المستصفح ) - الكامل -
ومن أخرى
( ما زلت أعتسف المهامه والفلا ... وأواصل الأغوار بالأنجاد )
( حتى نأيت عن الحواضر ملقيا ... رحلي بواد في تخوم بوادي )
( فإذا بسعدي وهي بدر طالع ... من فوق غصن في نقا منهاد )
( وطرقتها وعداتها رقباؤها ... في صورة المرتاب لا المرتاد )
( فحللت منها حيث كان وشاحها ... درعي وساعدها الوثير وسادي )
( وجناؤها حصني وساحر طرفها ... سيفي وفاحمها الأثيث نجادي )
( وعقاصها الموصول زهرة روضتي ... ورضابها المعسول صوب عهادي )
( حيث الصبا عبق الحواشي مونق ... تزهى بناعم غصنها المياد )
( والروض أحوى والحمائم هتف ... والظل ألمى والقيان شوادي )
( ولها ديار غير شرقي الحمى ... شحطت وشطت عن لقاء أعادي )
( دار بذي الأرطى ودار بالغضا ... أخرى ودار باللوى المنقاد )
( لو فاخرت ذات العماد بيوتها ... عادت مقوضة بغير عماد )
( لا تكذبن فما لها دار إذا ... أنصفتني إلا صميم فؤادي )

( فلذاك لا تسقي السحائب أرضها ... إلا بردن حرارة الأكباد ) - الكامل -
ما أبدع هذا المعنى وأبرع هذا اللفظ وقد سبق إلى معنى البيتين ولكنه أبدع في الجمع بينهما وأحسن ما شاء
ومنها
( ولرب ليل لم أنمه ومقلتي ... مطروفة مطروقة بسهاد )
( شوقا إلى ناد جنى ريحانه ... لمع القريض ونغمة الإنشاد )
( ناد تجلى عن مقر سريره ... قمر أناف على البسيطة بادي )
( كافي الكفاة المستجار بظله ... والمستضاء بعزمه الوقاد )
( ملك محبته سلافة مزنة ... ملكت مع الأرواح في الأجساد )
( ملك يقال له حماد إذا التقت ... قحم السنين ولا يقال جماد )
وهي طويلة وما من أبياتها إلا غرة أو درة
ومن أخرى
( ولما تنسمنا صبا صاحبية ... تعيد عجاج الجو وهو عبير )
( تركنا لظى الرمضاء وهي حديقة ... ندى وحصى المعزاء وهي شذور )
( ونلنا هشيم النبت وهو منور ... وردنا قتاد الأيك وهو حرير )
ومنها
( وزير ومما يعجب المجد أنه ... وزير عليه للسماح أمير )
( ويخطب من فوق الثريا بفخره ... فلا تعجبوا إن الخطيب خطير )

( لوى الراسيات الشم أيسر سخطه ... ويكفي من السم النقيع نقير )
( وذلل أعناق الليالي بهمة ... لها مرقب فوق الأثير وفير )
( وخمر رأيا لم يشط ثباته ... فطور ورأي الأكثرين فطير )
( له القاضيات الماضيات مهند ... مبير وعزم كالشهاب مبير )
( وما كان للجوزاء لولا جوازه ... مجاز وللشعرى العبور عبور )
( تساعده الأقدار فيما يريده ... وتسعده الأفلاك كيف تنور )
( أواري بكر أباد صف صعداته ... وقد عقدت منها عليك حبور )
( وصف باسه إذ ظل يصدم وحده ... ثلاثين ألفا والجسور جسور ) - الطويل -
سبحان الله ما أشرف هذا الكلام وأعلاه وأجله
ومنها
( وألوية النصر المبين خوافق ... تطيح بأشتات العدا وتطير )
( وقد كشرت عن نابها أم قشعم ... وللموت في وجه الكمي هرير )
( وفي يده اليمنى ثواب وجنة ... وفي يده اليسرى ردى وسعير )
( ولي مدح فيه غواد روائح ... أشيد مدى عمري بها وأشير )
( ووصف نسيب لو أعير كثيرا ... لوفي تعظيما وقيل كثير )
وله من قصيدة في فخر الدولة
( سقى الله أياما بشرقي منبج ... إلى العلم الأقصى بغربي منعج )
( إلى الحيرة الغناء مطمح ناظري ... ومسرح آمالي ومسري تفرجي )

( منازل لو لم تخط سعدي بأرضها ... لما اهتز غصن في نقا مترجرج )
( ولا راق در فوق أشنب واضح ... ولا راع سحر تحت أكحل أدعج )
( ولم يتحدر طل نرجس مقلة ... على صفحتي تفاح خد مضرج )
( عشية هزت للوداع فأودعت ... محاسنها أعطاف جذع مدبج )
( فكم غرد لما استقل ركابها ... حدا طربا والليل غضبان مدجي )
( وكم ثمل من نشوة الحب يرتعي ... هوى عامر ما بين حجل ودملج )
( أقول وقد لاحت عوالي خيامها ... وفاحت غوالي روضها المتأرج )
( أيا طارقي أحجج ويا رائدي ابتهج ... ويا سابقي عرج ويا صاحبي عج )
( ويا عبرتي كفي ويا ناقتي قفي ... ويا شيبتي احتجي ويا صبوتي ادرجي )
( فقد كتبت أيدي المشيب مواعظا ... بخط على فودي غير مسبج )
( لئن كنت في برد من العيش مبهج ... لقد صرت في طمر من الشيب منهج )
( ولذت من الدهر العسوف بحضرة ... تحاط بأطراف الوشيج المزجج )
( هي الحضرة الغناء تهتز نضرة ... وتزري بأنواع الربيع المثجج )
( هنالك لا زند الرجاء لمرتج ... بكاب ولا باب العطاء بمرتج ) - الطويل -
هكذا فلتمدح الملوك وأبيات هذه القصيدة فرائد كلها وقد كتبت أنموذجا منها
وله من أخرى في وصف الربيع

( طلع الربيع فقال للأرض اشكري ... نعم السماء وأبدئي وأعيدي )
( فغدت حدائقها تواصل شكرها ... بلسان كل مطوق غريد )
( روض إذا نشرت طرائف وشيه ... طويت لها أبراد آل يزيد )
( ريان لم يعثر نسيم صبابتي ... في ظلها إلا بورد خدود )
( واعتل نرجسه فعادته الصبا ... أحسن بنظرة عائد ومعود )
( وببل مسكي الصعيد معنبر ... من مزنة حثت بجيش رعود )
( وزففت حرة مدحة فخرية ... تركت عبيدا وهو بعض عبيدي )
( وأنا الذي أجلو معاني مدحه ... زهرا طوالع في سماء قصيدي )
( يتنافس السحر الحلال وتارة ... يتناثر العقيان حول نشيدي )
( فليفترع أبكار لذات المنى ... وليضرع الراقود للناجود )
( راحا إذا كمنت جلت من حجبها ... فوق الخدود طلائع التوريد )
( ولتجل دولته عروسا كللت ... علياه مفرقها بتاج خلود ) - الكامل -
وله من أخرى
( سمراء تخطر في الوشاح المذهب ... وتميس بين ربائب أو ربرب )
( هيفاء تعذل كل يوم مرة ... شمس الضحى وتردها في مغرب )
( عقدت لواء الحسن ليلة أقبلت ... في موكب الفتيان أعجب موكب )
( في ليلة لو لم تجد بتبسم ... لو ينتطق خصر السماء بكوكب )
( خجلت وقد وجلت فهاك شقائقا ... مغروسة في أرض عاج مذهب )
( وأرى الشباب إذا تطامن شرخه ... لتغير فقد انثنى لتغيب )
( ولئن أطلت فقد أطبت وإنني ... رجل متى أصف المعالي أطنب )

( أطري وأطرب منشدا فليستمع ... شاهانشاه نشيد مطر مطرب ) - الكامل -
22 - أبو العلاء الأسدي
قديم الصحبة للصاحب شديد الإختصاص به ممتد الغرة والتحجيل في شعرائه وصنائعه وندمائه وكان يحبه ويأنس به ويكاتبه نثرا ونظما كقوله له
( قلبي على الجمرة يا أبا العلا ... فهل فتحت الموضع المقفلا ) - السريع -
وإياه يعني بقوله
( أبا العلاء هلال الهزل والجد ... كم النجوم التي يطلعن للجد ) - البسيط -
وإليه كتب أبا العلاء شيخي أين ذلك الميعاد وأين تلك العهود سقتها العهاد وأين ليالينا بحزوى وتصابينا على أروى بل أين الصبا وما ملك وأين الشباب وأية سلم وإذ قد غاب جميع ذلك مغيب الخيال الطارق والضيف المفارق فأين كتبك التي هي ألذ من انتهاء النفس إلى رجائها وابتداء العين في إغفائها من كتاب غير قصير
( فأما شعر أبي العلاء فليس بالمحل العالي لا سيما في المدح وقلة عيونه تمنع من إيراده بعد قلائد ولديه أبي سعيد وأبي محمد ولما كان بعيد الصيت في أصحاب الصاحب لم أجد بدا من ذكره وكتابة ملح من أملح شعره
أنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني أبو العلاء لنفسه قال وأراه عرض بالصاحب

( ورب كريم تعتريه كزازة ... كما قد رأيت الشوك في أكرم الشجر )
( ورب جواد يمسك الله جوده ... كما يمسك الله السحاب عن المطر ) - الطويل -
وأنشدني غيره له
( سيسألني صديقي عنك فيما ... يدور من المسائل والحكايه )
( فأطرق إن سئلت لغير شكوى ... وإطراقي أشد من الشكايه ) - الوافر -
وله أيضا وهو ما يتغنى به
( لا لعمري ما أنصفوا حين بانوا ... حلفوا لي أن لا يخونوا فخانوا )
( شتتوا بالفراق شملي ولكن ... جمع الله شملهم أين كانوا ) - الخفيف -
وله في المجون
( أنا والله أشتهيك فكن عنترا ان شئت أو كعمرو بن معدي ... )
( وتفارس إن شئت أو فتراجل ... ليس هذا مما يضرك عندي ) - الخفيف -
23 - أبو الحسين الغويري
هو في الإختصاص بالصاحب والإشتهار في أصحابه كأبي العلاء وكان كثير الشعر قليل الملح وكانت في خزانة الأمير أبي الفضل عبيد الله بن أحمد مجلدة ضخمة الحجم من شعر الغويري بخطه فاستعرتها واجتمعت أنا وأبو نصر سهل بن المرزبان على إخراج ما هو شرط كتابي هذا منها فما أقل ما حصلنا عليه من ذلك
ولم نجد له خيرا من الأبيات الدارية التي مرت في أخواتها ومن أشف ما وقعت العلامة عليه من ذلك قوله في الإعتذار من هفوة السكر

( بالله رب السماء ... بخاتم الأنبياء )
( بسيد الأوصياء ... بزوجه الزهراء )
( بالبيت والبطحاء ... بالقبر في كربلاء )
( حلفت ما لي ذنب ... الذنب للصهباء )
( وليس لي من شفيع ... إليك غير رجائي )
( فكن محقق ظني ... يا غرة الوزراء )
( فجرح سكري جبار ... كالجرح من عجماء ) - المجتث -
وقوله في الصاحب والبيت الأخير مضمن
( قل للوزير مقالة عن واجد ... يا من نداه كالفرات الزائد )
( ما لي حمرت من ا لأمير نواله ... وسواي يكرع في الزلال البارد )
( ما ضاقت الدنيا علي بأسرها ... حتى تراني راغبا في زاهد ) - الكامل -
وقوله من قصيدة ربيعية
( أيها الصاحب الربيع تجلى ... في رياض تحار فيها العقول )
( نرجس ناضر وأحمر ورد ... وشقيق يزينه التكحيل )
( وغصون تجر أذيال نور ... في حواشي جداول وتميل )
( للزرازير في خلال الأزاهير صفير وللحمام هديل )
( فأقم رسمنا صبيحة نيروز ... به ربع أنسنا مأهول )
( بكؤوس مملوءة من مدام ... أنت فيها لمن حساها عذول )
( واجتنب جلسة الثقيل إليها ... فعلى الشرب لا يخف الثقيل ) - الخفيف -
وله من مهرجانية

( أسيوف الهند سلت ... أم ظبا أجفان هند )
( يا لأيام الصبا والعيش ... في أكناف نجد )
( رب حسناء رداح ... ألصقت خدا بخد )
( أطبقت صفرة دينار ... على حمرة ورد )
( أيها الصاحب علياك ... على الأيام تعدي )
( وعلى جدواك قد عولت ... في حلي وعقدي )
( مهرجان ثغره يفتر عن يمن وسعد ... )
( ورده ورد جساد ... فاح عن مسك وند )
( فابق ما شئت كما شئت لتنويل ورفد ) - مجزوء الرمل -
وله
( يا أيها الشيخ الذي ... هو مشتكاي من البشر )
( أصبحت أختار العمى ... في ناظري على البصر )
( أسفا على عمر يكدره ... لقاء أبي عمر ) - مجزوء الكامل

398

الباب السادس في ذكر الشعراء الطارئين على حضرة الصاحب من الآفاق
سوى من يقع ذكره منهم في أهل خراسان وطبرستان فإن لهم بابا مفردا في هذا الربع الثالث وسوى أبي طالب المأموني وأبي بكر الخوارزمي وبديع الزمان أبي الفضل الهمذاني فإن لذكر كل منهم مكانا في الربع الرابع
24 - أبو الحسن علي بن محمد البديهي
من شهرزور كثير الشعر نابه الذكر خليفة الخضر
سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول وقد جرى ذكره بين يديه إنه كان لا يرجع من البديهة التي انتسب إليها وتلقب بها إلا إلى لفظة الدعوى دون حقيقة المعنى وفي ذلك يقول له الصاحب
( تقول البيت في خمسين عاما ... فلم لقبت نفسك بالبديهي ) - الوافر -
ثم أقبل علي قال أنا أقول في البديهي ما قاله الجاحظ في عمرو القصافي زعم أنه قال الشعر ستين سنة فلم يسر له إلا هذا البيت الواحد

( خوص نواج إذا جد الحداة بها ... رأيت أرجلها قدام أيديها ) - البسيط -
وكذلك البديهي قال شعرا كثير العدة في زمان طويل المدة فلم يستملح له إلا هذا البيت
( أتمنى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حر ) - الخفيف -
وهذا الحكم منه فيه حيف شديد على البديهي فليس شعره في سلامة المتون وقلة العيون على ما ذكره والبيت الذي أشار إليه من أبيات بديعة أولها
( رب ليل قطعته باجتماع ... مع بيض من الأخلاء غر )
( وكأن الكؤوس زهر نجوم ... والثريا كأنها عقد در )
( مر من كنت أصطفيه ... وللدهر صروف تشوب حلوا بمرا ) - الخفيف -
ومن سائر شعر البديهي قوله
( يا شهرزور سقيت الغيث من بلد ... نود وجدا به أنا نقابله )
( طال الفراق فلا واف يراسلنا ... على العباد ولا آت نسائله ) - البسيط -
وله من قصيدة صاحبية وكان الصاحب أخذه معه من بغداد إلى أصبهان أولها
( قد أطعت الغرام فاعص العذولا ... ما عسى عائب الهوى أن يقولا )
( وصحبناه في فياف قفار ... كاد فيها الخليل يجفو الخليلا )
( فبلونا منه دماثة أخلاق ... أعادت تلك الحزون سهولا )

( وأوينا إلى رحاب رحاب ... لم نجد للعفاة عنها عدولا ) - الخفيف -
وله من تشبيب قصيدة
( ولم أر لي يوم الرحيل مساعدا ... على الوجد حتى أقبل الدمع مسعدا )
( وكان دما فابيض منه احمراره ... بنار التصابي حين فاض مصعدا - الطويل -
أخذه من قول من قال
( أرابك دمعي إذ جرى فحملتني ... من الضر والبلوى على مركب صعب )
( فلا تنكرن تلك الدموع فإنما ... يبيضها تصعيدها من دم القلب ) - الطويل -
وللمعروفي بالفارسية في معناه
( خون سيبد بارم بردورخان زردم ... آرى سبيذ باشد خودل معد )
وله من قصدية أخرى ذكر فيها حسن أيامه
( كيف تقضي لي الليالي قضاء ... يشبه العدل والليالي خصومي )
( رب ليل قطته في هوى الشعر ... كأن الشعرى العبور نديمي )
( فتأمل فلست في الخلق والخلق ... المرادين بالذميم الذميم )
( أنا من آلة الندى فلو أحضرتني ... لم يعب نداماك خيمي )
( يرتضى مشهدي ويؤمن غيبي ... وأرى في الملم غير مليم ) - الخفيف -
ومن نوادر شعره قوله
( لما أتيتك زائرا ومسلما ... خرج الغلام وقال إنك نائم )
( فأجبته أبلا لحاف نائم ... هذا المحال وأنت عندي ظالم )

( أنت اللحاف فكيف تطعم عينه ... طعم الرقاد وأنت عنه قائم )
( فتضاحك الرشأ الغرير وقال لي ... أو أنت أيضا بالفضيحة عالم )
( والله ما أفلت منه ساعة ... حتى حلفت له بأني صائم ) الكامل -
وما يتغنى به من شعره قوله
( ذريني أواصل لذتي قبل فوتها ... وشيكا لتوديع الشباب المفارق )
( فما العيش إلا صحة وشبيبة ... وكأس وقرب من حبيب موافق )
( ومن عرف الأيام لم يغترر بها ... وبادر باللذات قبل العوائق ) - الطويل -
25 - أبو القاسم الزعفراني عمر بن إبراهيم
من أهل العراق شيخ شعراء العصر وبقية ممن تقدمهم واسطة عقد ندماء الصاحب وما هم إلا نجوم الفضل وهذا منهم كالبدر وكانت له في صحبته وخدمته هجرة قديمة وله حرمة وكيدة وحاله عنده كما قرأت في كتاب له وأما شيخنا أبو القاسم الزعفراني أيده الله فصورته لدى صورة الأخ أو وده أرسخ
ومحله محل العم أو اشتراكه أعم
وكان مع حسن ديباجة شعره وكثرة رونق كلامه واختلاط ما ينظمه بأجزاء النفس لنفاسته لين قشرة العشرة وممتع المؤانسة حلو المذاكرة جامعا آداب المنادمة
عارفا بشروط المعاقرة حاذقا بلعب الشطرنج متقدم القدم فيه وحين سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب وساعد الصاحب على رفض الشراب ونفض تلك الأسباب أراده فخر الدولة على مجالسته وأخذه بفض

ختام توبته ودرت عليه بحسن رأس الصاحب سحائب إنعامه وأجنت له ثمرات إكرامه ففي ذلك يقول من قصيدة
( هاتها لا عدمت مثلي نديما ... قهوة تنتج السرور العقيما )
( قد أطعت الأمير إذ سامني الشرب ... ولم أعص أمره المحتوما )
( وتخطيت توبتي في هواه ... فوصلت التي هجرت قديما )
( قرقفا تنتمي إلى الشمس لا تعرف ... في جنسها الكرى والكروما )
( خالفت دنها الغليظ فرقت ... واستفادت من السموم نسيما )
( كرمت عنصرا فلو مت فيها ... أبخل الناس غادرته كريما )
( وكأني لما رجعت إليها ... كنت من كل لذة محروما )
( كم عقار صليت منها بنار ... فحكيت الخليل إبراهيما )
( وكؤوس شربت منها سرورا ... كاد يهوي والجلد ينمي هموما )
( قد وجدت الروض الأريض حميما ... ووجدت الخسيف عاد حموما )
( شافهت بي مناي بالقرم فخر ... الدولة اليوم جنة ونعيما )
( وبلغت الذي تمنيت واستخدمت ... فاخترت مجلسا مخدوما )
( ورآني الأمير أيده الله ... لبيبا فقال كن لي نديما )
( جهل الرزق موضعي ورأى ... آثار شاهنشاه فصار عليما )
( أرشدته إلي كف كريم ... ألزمته أن لا يكون لئيما ) - الخفيف -
وكان قد نادم أخاه عضد الدولة وله فيه قصيدة الشطرنجية التي لم يسبق إلى مثلها وهي نهاية في الحسن والظرف فمنها

( لي فؤاد لو أنه لي غريم ... كان عذري لديه أني عديم )
( وأنا مبتلى بقلبي الذي أقعد ... فيما يسومني وأقوم )
( ليس يدري لجهله وهو يقضي ... أن كلي بما جناه زعيم )
( غصبتني عليه خود وقالت ... أنا من قد عرفت واسمي ظلوم )
( هو ثأر نالته يمناي فاطلبه ... بحرب يشيب فيها الفطيم )
( وانثنت بي إلى مجال فسيح ... تدمن الركض فيه زنج وروم )
( فأقمنا صدور فرسان حرب ... خلف رجالة لها لا تريم )
( فالتقى العسكران في حومة النقع أسود على أسود تحوم ... )
( كل فيل نجت من الصلم أذناه ... وأودى ناباه والخرطوم )
( وطمر إذا علته العوالي ... غاب فيها وعاد وهو سليم )
( فاختلطنا وجال في الحرب فرزاني ... وقال الكمي من لا يخيم )
( ثم نادى شاهي برخيه كرا ... ليس بعد الوقوف إلا الهجوم )
( فأحاطا بشاهنا في مضيق ... ضاق ذرعا بمثله المكظوم )
( ثم أزعجته بفيلي فولى ... مستكينا كما يولي اللئيم )
( وكشفت العراء عن وجه رخي ... فعراه الحمام وهو مليم )
( فتخفت من الحياء وغطت ... ورد خد كأنه ملطوم )
( ثم قالت خذ الفؤاد سليما ... إن حبس المرهون عار ولوم )
( ولشتان بين خيلي في الغي ... وخيل صراطها مستقيم )
( قارع الدهر فوقها عضد الدولة ... حتى انتهى إلى ما يروم )

( فأباد العدا وقام به الدين ... وركن الخلافة المهدوم )
( وستقرت به زلازل بغدادا ... وعاد الخليفة المظلوم ) - الخفيف -
ومن غرر قصائده في فخر الدولة
( لو عاينت عيناك بركة زلزل ... ونزلت من عرصاتها في منزل )
( عمرت دور قيانها بك جامعا ... بين الغزالة والغزال الأكحل )
( وبسطت كفي باذل متخرق ... فأقمت غير محلىء عن منهل )
( وسمعت ما يدعو النفوس إلى الهوى ... طربا ويفتح كل قلب مقفل )
( وشربت صافية كأن شعاعها ... لهب الحريق من الرحيق السلسل )
( وغدوت مخمورا جنيت هوى إلى ... حجر الجواري غدوة المتغزل )
( فسرحت بين قدودها وخدودها ... ونهودها طرف الشجي المتأمل )
( وملكت منهن التي لو أنها ... طيف لفزت بقربه المتخيل )
( وثويت في قفر بشاطىء دجلة ... ما بين مزمار وعود معمل )
( متنقلا من روضة مهضوبة ... حلت إلى الروض الذي لم يحلل )
( ورقدت بالنجمي رقدة شارب ... تحت الغصون وحملها المتهدل )
( وسباك صوت خرير ماء سائح ... وشجاك تغريد الحمام المهدل )
( وسعيت سعيا في البطالة والصبا ... لم يدر دمعك في محل محول )
( ولقلت واأسفا على القصف الذي ... لم أجنه بالقفص أو قطربل )
( لا أتبع الأعراب إن هم قوضوا ... من مجهل حتى أحط بمجهل )

( وصرير أرجاء السرير بمسمعي ... أحلى بقلبي من صرير المحمل )
( فالكرخ دار اللهو أعذب مشرعا ... من مشرع يختص دارة جلجل )
( لا در در العيش في متربع ... بمخيم بين الدخول فحومل )
( خفض عليك وكل خفض إنما ... أوقاته فرص تعن لمعجل )
( والعيش عندي ما حبيت بدره ... في ظل مغشي الجناب مؤمل )
( قد ألقت الدنيا أزمتها إلى ... ملك الملوك علي بن أبي علي )
( فاطرب سرورا بالزمان وحسنه ... واشرب على إقبال دولة مقبل ) - الكامل -
وقوله من نيروزية
( بي سكر ما ولدته العقار ... لي جسم للعين عنه ازورار )
( أنا من غادرته أيدي المطايا ... والرزايا شعاره والدثار )
( أيها الليل عقهم بدياجيك ... وهيهات ذاك فيهم نوار ... )
( غادة ما دجا عليها ظلام ... قط إلا ليل علاه خمار )
( يا ربيع الربيع للعيش من بعد ... اصفرار براحتيك اخضرار )
( لا يحول الذي بكفك يسقي ... بل يحول الذي سقاه القطار )
( فهنيئا بطيب فصل ويوم ... زار فيه نيروزك الزوار )
( يخصب المجد في ذراك وتخضر ... الأيادي وتورق الأخبار )
( وتغنيك في الندي طيور ... أنا وحدي من بينهن الهزار ) - الخفيف -
ومن غرر قصائده الصاحبية قوله من قصيدة

( وليل دعاني فجروه فلقيته ... بمجلس طلق الوجه سهل التخلق )
( إذا شئت خضنا في حديث منمنم ... وإن شئت عمنا في رحيق معتق )
( يرد شبابي وهو عني شاسع ... ويدني التصابي بعد ما شاب مفرقي ) - الطويل -
ومنها في المدح
( لقد أعتقتني نعمة لك أطلقت ... يميني بعد اليأس من قد موثق )
( فإن أنتسب كان انتسابي إلى أبي ... وكان ولائي بعد ذاك لمعتقي ) - الطويل -
ومن أخرى
( وصرت إلى الباب الذي ليس دونه ... حجاب ولا كف ترد من اجتنى )
( فما شمت إلا بارقا كان صادقا ... ولا رحت حتى عمت في أبحر الغنا ) - الطويل -
وقوله من أخرى
( مسدد ضربت أيام دولته ... على عيون أعاديه بأسداد )
( هدى إلى الحق وانهلت يداه ندى ... فهو الدليل يعين السفر بالزاد )
( لي عند جرجان ثأر سوف أطلبه ... بكل رحب القرى أو مشرف الهادي )
( حتى أراه فاستغني برؤيته ... عما رويناه عن قوم بإسناد ) - البسيط -
وقوله فيه نقد أزمع الورود عليه والطريق مخيفة
( يا شوق قد قرب السفر ... ودنا الرحيل المنتظر )
( وغدا بإذن الله أو ... تاليه يظهر ما استتر )
( ويسير بي التيسير في ... زمر بايديهم زبر )

سيرا يبشر بالسعادة ... والسلامة والظفر )
( سينيف بي الفرس الأغر غدا على الملك الأغر ... )
( يا حاديي تيقنا ... أني أفارق من فتر )
( وينال رفدي منكما ... ماض يقهقه إن عثر )
( لا يقشعر إذا دنا ... منه الغضنفر أو زأر )
( وردي ووردكما سرى ... ينسيكما ذكر الصدر )
( إن جال في عيني الكرى ... رفقا فأعقبها العور )
( لا زلت أبدع في السرى ... فعلا تعاظمه القدر )
( وأشق قلب الليل عن ... ولد يقال له السحر )
( حتى يقول الحزن لي ... والسهل لست من البشر )
( وتقول خوص تجائبي ... لا خاب سعيك يا عمر )
( إن الجليل من الثواب ... لمن يدقق في النظر )
( سأغض عن زهر الكواكب ... أو يعن لي القمر )
( إني أخف البحور ... ولا أسف إلى المطر )
( وإذا لقيت الصاحب ... المأمون أدركت الوطر )
( وإذا جلست علوت ... ديباجا وسائده بدر )
( وذا ركبت مشى ... عبيدي في المناطق والحبر )

( وأقيم مبتسما إقامة ... من يزاد إذا شكر )
( في نعمة تصفو علي ... به وأخرى تنتظر )
( ذكروا فساد طريقنا ... واستشعروا منه الحذر )
( قلت اركبوه على الذي ... فيه وإن عظم الخطر )
( فالله خير حافظا ... واسم الوزير لنا وزر )
( إن كان غاب فخوفه ... في كل قلب قد حضر )
( ملك تخر له الملوك ... الصيد من مد البصر )
( فالطيب فوق لحاهم ... وجباههم تحت العفر )
( وأجلهم من جد منه ... إليه في وقت النظر )
( جرجان ما نصبي ولا ... دأبي إليك على غرر )
( فيك الذي من ماله ... لحمي وجلدي الشعر )
( لولا ابن عباد رأيت ... الصبر أفضل مدخر )
( وسلكت في زهد عن ... الدنيا سبيل من انزجر ) - مجزوء الكامل -
واعتل قبل ورده فقال ووصله بهذه القصيدة
( قد كنت أحسب أن عيني ... سوف تظفر بالنظر )
( وفمي سيلثم أخمصيك وما وطئت من العفر )
( وإذا بلغتك سالما ... في النفس أدركت الوطر )
( حتى منيت بعائق ... ينهى العليل عن السفر )
( حمى يعاضدها السعال ... وما برجلي من خدر )
( ولعل سيدنا إذا ... عرف المعوق لي عذر ) - مجزوء الكامل

وقوله من أخرى في فخر الدولة
( حبيب عليه من سناه رقيب ... يصد الدجى عن وجهه فيغيب )
( تيممني والليل في طرقاته ... فلما تبدى حال عنه مريب )
( تحمل لوم الشمس فيه وجاءني ... هلال عن البدر المنير ينوب )
( فكان لراحي وارتياحي ومجلسي ... وكلي بطيب الوقت منه نصيب )
( وساعدني ليلي وأرخى سدوله ... وهب نسيم للحياة نسيب )
( وأنعمت حتى ليس يشتاق عاشق ... حبيبا ولا ينوي الإياب غريب ) - الطويل -
ومنها في المدح
( ومزمع حج ينثني عنك ماضيا ... ويذكر ما أوليته فيؤوب )
( عممت الورى بالبر حتى كأنما ... يرد عليهم من لهاك غصوب )
( وعرفتهم طرق الثناء فكلهم ... على طبقات شاعر وخطيب )
( رأى المزن ما تعطي فضم على الأسى ... فؤادا كأن البرق فيه طبيب )
( وكم لاح برق وابتسمت لشائم ... فكنت صدوق الوبل وهو كذوب ) - الطويل -
وقوله من أخرى فيه
( يا سامع الزور في لي ذمم ... منها الضنى في هواك والسقم )
( أنت الذي دنت بالسجود له ... حتى لقد قيل ربه صنم )
( ولي فؤاد غدوت مالكه ... بلا شريك فليس ينقسم )
( حتى إذا صرت في ذرى فلك الأمة ... حيت التقت به الأمم )

( خيمت في دولة مجددة ... خيم فيها الوفاء والكرم )
( وقلت للسفر قد وصلت إلى ... مناي رحلي وناقتي لكم )
( أكرم بحظي لقد أتى فمحا ... ما خطه في جبيني العدم ) - المنسرح -
وله من قصيدة في الصاحب يصف فيها علته بجرجان وتأذبه بهوائها وبراغيثها وبقها ويستأذنه للعود إلى أصفهان
( ألا يا حي جادتك الغوى ... مجللة العزالى والمزاد )
( ولا زالت رباك تفوح مسكا ... يضوع نسيمه في كل نادي )
( فإنك جنة الدنيا لثاو ... أقام بخير أمصار البلاد )
( وأم للغريب فكل آت ... نظير بنيك عندك في الولاد )
( فواآسفي على زمن جنى لي ... ودادك واجتنى لك من ودادي )
( كذا الملك ابن عباد عماد ... الهدى وردى العدا وحيا العباد )
( ومن برقاه دون ظباه أسرى ... فأصلح بين غيك والرشاد )
( وجاد فكان أجرى من سحاب ... سقى زهر الروابي والوهاد )
( وقد أصبحت بعدك في بليد ... درية كل داهية نآدي )
( ولولا أن سيدنا به لم ... تكن جرجان تثنى من قيادي )
( أقمت بها أعالج كل بؤس ... من الأعلال لا العيش المهاد )
( تحدثني بحمى لو تبدت ... بخيبر ألحقتها بالبوادي )
( ملازمة إذا لسعت شقيا ... فكل زمانها وقت العداد )
( تعاونها علي سموم صيف ... بلفح من لظاه واتقاد )
( وذبان أشردها فتأبى ... وترجع كالمراغم ذي الكياد )

( كأني حين أطردها وتأبى ... أفرق بين ذي سغب وزاد )
( ويا ويلي من الليل الموافي ... فإني حين يطرق في جهاد )
( له جيشا براغيث وبق ... يطل علي إطلال الجراد )
( ولي فرش هي الميدان فيه ... براغثه وخمشي في طراد )
( وبق فعله في كل عضو ... فعال النار في يبس القتاد )
( عصائب ينتحين على عروقي ... بعوج كالمباضع في الفصاد )
( فتروى ثم ترجع عاطفات ... علي وهون كالهيم الصوادي )
( وأنقف بعضهن وفي حشاها ... دمى فأنال ثارا من أعادي )
( تفرق بين جنبي والحشايا ... وتجمع بين جفني والسهاد )
( ولو أني ثملت وملت سكرا ... لحالت بين طرفي والرقاد )
( وأستر دونها وجهي بكفي ... وعطف الردن وهو لهن بادي )
( وأظهر في صباحي كل يوم ... بوجه مجدر قلق الوساد )
( وأدمن حك ما تركت بجسمي ... فيحسبني جربت ذوو عنادي )
( وقد وقف الوزير وزير على بلائي ... بما ضاقت به حيلي وآدي )
( وإني لا نهار أقر فيه ... ولا ليل يقيني منه فادي )
( صديقي في دجا ليلي عدوي ... وعبدي لا يجيب إذا أنادي )
( وترك في ظلام دجاه وحدي ... فأذكر ضيق لحدي وانفرادي )
( وفي يمناي مروحة فطورا ... أذود بها وما يغني ذيادي )

( وطورا أستريح إلى أنتصابي ... وطورا أنثني ويدي اعتمادي )
( وعلمني البعوض بلطم خدي ... خلائق لسن من شيمي وعادي )
( فهل للصاحب المأمول عطف ... على عجزي عن الكرب الشداد )
( بإذن لست أسأله اختبارا ... ولكن اضطراري في ازدياد )
( شقاء لا يعاقبه رخاء ... وبلوى تستنيم إلى التمادي )
( وسيدنا أدق الناس حدسا ... وأعرفهم بدخة من يصادي )
( وحسبي ما بلاه في اختياري ... وشاهد من ولائي واعتقادي ) - الوافر -
وأنشدني أبو بكر الخوارزمي قال أنشدني الزعفراني لنفسه
( لي لسان كأنه لي معادي ... ليس ينبي عن كنه ما في فؤادي )
( حكم الله لي عليه فول أنصف ... قلبي عرفت قدر ودادي ) - الخفيف -
وأنشدني له من قصيدة فصلية هذين البيتين وأظهر إعجابا شديدا بهما
( وفصل فيه للأرض اختيال ... لأن جميع ما لبست حرير )
( وللأغصان من طرب تثن ... إذا جعلت تغنيها الطيور ) - الوافر -
26 - أبو دلف الخزرجي الينبوعي مسعر بن مهلهل
شاعر كثير الملح والظرف مشحوذ المدية في الجدية خنق التسعين في

الإطراب والإغتراب وركوب الأسفار الصعاب وضرب صفحة المحراب بالجراب في خدمة العلوم والآداب وفي تدويخه البلاد يقول من أبيات أنشدنيها أبو الفضل الهمذاني
( وقد صارت بلا الله ... في ظعني وفي حلي )
( تغايرن بلبثي و ... تحاسدن على رحلي )
( فما أنزلها إلا ... على أنس من الأهل ) - الهزج -
وكان ينتاب حضرة الصاحب ويكثر المقام عنده ويكثر سواد غاشيته وحاشيته ويرتفع بخدمته ويرتزق في جملته ويتزود كتبه في أسفاره فتجري مجرى السفاتج في قضاء أوطاره وكان الصاحب يحفظ مناكاة بني ساسان حفظا عجيبا ويعجبه من أبي دلف وفور حظه منها وكانا يتجاذبان أهدابها ويجريان فيما لا يفظن له حاضرهما ولما أتحفه أبو دلف بقصيدته التي عارض بها دالية الأحنف العكبري في المناكاة وذكر المكدين والتنبيه على فنون حرفهم وأنواع رسومهم وتنادر بإدخال الخليفة المطيع لله في جملتهم وقد فسرها تفسيرا شافيا كافيا اهتز ونشط لها وتبجح بها وتحفظ كلها وأجزل صلته عليها وقد كتب معظمها بأخرة وكان السلامي هجاه بالأبيات التي أولها
( قال يوما لنا أبو دلف أبرد ... من تطرق الهموم فؤاده )
( لي شعر كالماء قلت أصاب الشيخ ... لكن لفظه براده )
( أنت شيخ المنجمين ولكن ... لست في حكمهم تنال السعادة )
( وطبيب مجرب مال له الحذق ... في كل من يجرب عاده )

( مر يوما إلى مريض فقلنا ... قر عينا فقد رزقت الشهاده ) - الخفيف -
فقال له أبو دلف
( ظل السلامي يهجوني فقلت له ... حييت قلبي ومعشوقي وأستاذي )
( إن لم تكن ذاكرا بالري صحبتنا ... فاذكر ضراطك من تحتي ببغداذ ) - البسيط -
وأنشدني عون بن الحسين الهمذاني قال أنشدني أبو دلف الخزرجي الينبوعي لنفسه في أبي عبد الله العلوي
( لولا النبي محمد ... ووصيه ثم البتول )
( لعلمت أني شاعر ... أسم الرجال بما أقول )
( لكنني أعرضت عن ... ذاك الحديث وفيه طول )
( وتركت للخمر الخمار ... وحبذا تلك الشمول ) - مجزوء الكامل -
وأنشدني أبو علي محمد بن عمر البلخي قال أنشدني أبو دلف الخزرجي لنفسه في إنسان كاتب بالدينور يقال له المشقاع
( يا من يسائلني عن المشقاع ... قد ضاق شعري عنده ورقاعي )
( كاتبته في حاجة عرضت لنا ... فكأنني كاتب وحش القاع )
( نعم الفتى لو لم تكن أخلاقه ... ممزوجة بتوابل الفقاع )
( أنا مثله في جنسه من طرزه ... إن لم أضرطه على الإيقاع ) - الكامل -
وأنشدني بديع الزمان لأبي دلف ونسبه في بعض المقامات إلى أبي الفتح الإسكندري
( ويحك هذا الزمان زور ... فلا يغرنك الغرور )

( زوق ومخرق وكل وأطبق ... واسرق وطلبق لمن يزور )
( لا تلتزم حالة ولكن ... در بالليالي كما تدور ) - مخلع البسيط -
وهذا ما اخترته من قصيدته الساسانية التي أولها
( جفون دمعها يجري ... لطول الصد والهجر )
( وقلب ترك الوجد ... به جمرا على جمر )
( لقد ذقت الهوى طعمين ... من حلو ومن مر )
( ومن كان من الأحرار ... يسلو سلوة الحر )
( ولا سيما وفي الغربة ... أودى أكثر العمر )
( تعريت كغصن البان ... بين الورق والخضر )
( وشاهدت أعاجيبا ... وألوانا من الدهر )
( فطابت بالنوى نفسي ... على الإمساك والفطر )
( على أني من القوم ... البهاليل بني الغر )
( بني ساسان والحامي ... الحمى في سالف العصر )
( تغربنا إلى أنا ... تناءينا إلى شهر )
( فظل البين يرمينا ... نوى بطنا إلى ظهر )
( كما قد تفعل الريح ... بكثب الرمل في البر )

( فطبنا نأخذ الأوقات ... في العسر وفي اليسر )
( فما ننفك من صمي ... وما نفتر من متر )
( فأحلى ما وجدنا العيش ... بين الكمد والخمر ) - الهزج -
الصمى الشرب والمتر والكمد هو النيك
( فنحن الناس كل الناس ... في البر وفي البحر )
( أخذنا جزية الخلق ... من الصين إلى مصر )
( إلى طنجة بل في كل ... أرض خيلنا تسري )
( إذا ضاق بنا قطر ... نزل عنه إلى قطر )
( لنا الدنيا بما فيها ... من الإسلام والكفر )
( فنصطاف على الثلج ... ونشتو بلد التمر )
( فنحن الميزقانيون ... لا ندفع عن كبر )
( هم شتى فسلني ... عنهم ينبيك ذو خبر )
( فمنا كل كماذ ... اللبوسات مع الهر )
( ومنا كل صلاج بكيذ وافر نكر ) - الهزج -
الكماذ النياك واللبوسات الأحراح والهر الدبر والصلاج الذي يصلح أي يجلد عميرة والكيذ الأير
( قد استكفى بكفيه ... عن الثيب والبكر )
( فلا يخشى من الإثم ... ولا يؤخذ بالمهر )
( ولا يحذر من حيض ... ولا حمل على طهر )
( ومنا الكاغ والكاغة ... والشيشق في النحر ) - الهزج -
الكاغ والكاغة المتجانن والمتجاننة والشيشق الحدائد والتعاويذ

التي يلقونها على أنفسهم
( وأشكال وأغلال ... من الجلد أو الصفر )
( ومن دروز أو حر ... زأو كوز بالدغر )
دروز إذا دار على السكك والدروب وسخر بالنساء حرز إذا كتب التعاويذ والأحراز كوز إذا أقام في المجلس والمكوز هو الذي يقوم في مجالس القصاص فيأمر القاص أصحابه بإعطائه ثم إذا تفرقوا تقاسموا ما أعطوه والدغر المقاسمة
( ومن درع أو قشع ... أو دمع في القر )
درع إذا جاء الهراس وطلب قصعة من الهريسة فإذا أعطاه إياها لحسها قشع إذا مشى وعينه إلى الأرض لطلب القطع دمع إذا بكى في الأسواق عند البرد حتى يعطى
( ومن رعس أو كبس ... أو غلس في الفجر )
رعس إذا طاف على حوانيت الباعة فأخذ من هنا جوزة ومن هنا تمرة وتينة كبس إذا دار فإذا نظر إلى رجل قد حل سفتجته كبسه وأخذ منه قطعة غلس إذا خرج إلى الكدية بغلس
( وحاجور وكذابات ... أهل الأوجه الصفر )
الحاجور الذي يثقب بيضة ويجعلها في حجره وهي تسيل ماء أصفر الكذابات العصابات يشدونها على جباههم فيوهمون انهم مرضى
( ومن شطب أو ركب ... للضربات والعقر )
شطب إذا عقر نفسه بالموسى وجعل يكذب على الأعراب والأكراد واللصوص ركب إذا طلى جسمه بالشيرج حتى يسود جلده وأوهم أنه جلد أو لطمته الجن ليلا

( ومن ميسر أو مخطر ... واستنغر للثغر )
ميسر إذا كدى على أنه من الثغر ويقال له الميسراني مخطر إذا بلع لسانه وأوهم أن الروم قطعوه
( ومن ناكذ في القينون ... من جوف أبي شمر )
المناكذة أن يتقاسموا ما يأخذونه من الثياب والسلاح بعلة الغزو والقينون موضع القسمة أبو شمر أول من كدى بعلة الغزاة
( ومن رش وذو المكوى ... ومن درمك بالعطر )
رش إذا كدى بعلة ماء الورد يرشه على الناس ذو المكوى الذي يبخر الناس درمك إذا باع العطر على الطريق
( ومن دكك أو فكك ... أوبلغك بالحر )
المدكك الذي يخرج اللوى من العصيان ويحتال على من به وجع الضرس حتى يجعل دود الجبن فيما بين أسنانه ثم يخرج ويوهم أنه أخرجه بالرقية فكك إذا فك السلاسل على الطرق بلعك إذا جر الخواتيم بالإبريسم الرقيق
( ومن قص لإسرائيل ... أوشبرا على شبر )
من قص هو الذي يروي الحديث عن الأنبياء والحكايات القصار ويقال لها الشبريات
( ومن بشرك أو نوذك ... أو أشرك بالهبر )
بشرك تزيا بزي الرهبان تزهدا نوذك إذا كدي على أنه من الحجاج أشرك بالهبر إذا قاسم شركاءه ما يأخذه

( ومن قدس أو نمس ... أو شولس بالشعر )
قدس إذا أكل الكبد المطحونة المجففة في شهر رمضان خاصة وأوهم أنه يطوي ولا يفطر في الشهر إلا مرة أو مرتين نمس من الناموس شولس من الشالوسة وهم الزهاد يكدون بلباس الشعر
( ومنا العشيريون ... بنو الحملة والكر )
العشيريون الذين يتثاقفون على دوابهم كالغزاة يكدون
( ومنا المصطبانيون ... من ميزق بالأسر )
المصطبانيون قوم يزعمون أنهم خرجوا من الروم وتركوا أهاليهم رهائن عندهم فطافوا البلاد ليجمعوا ما يفكونهم به وتكون معهم شعورهم ويقال لذلك الشعر المصطبان ميزق كدى
( ومنا كل زمكدان ... غدا محدودب الظهر )
( ومنا كل مطراش ... من المكلوذة البتر )
المطراش الذي معه يده يكدى عليها ويقال اليد المقطوعة المكلوذة
( وفي المدرجة الغبراء ... منا سادة الغبر )
المدرجة هؤلاء قوم يقعدون وينامون في السكك والأسواق على طريق لمارة ومدرجة الرياح فتعلوهم غبرة التراب حتى يرحموا ويعطوا
( ومنا كل قناء ... على الإنجيل والذكر )
القناء الذي يقرأ التوراة والإنجيل ويوهم أنه كان يهوديا أو نصرانيا فأسلم

( ومن ساق الولا بالماء ... أو قوس أبي حجر )
ومن ساق هؤلاء قوم يسقون الناس الماء والولا أن يقف فيقول أنا المولى الأبطحي ومنهم من يكون معه قوس عربية وأول من فعل ذلك في الحضر أبو حجر
( ومن طفشل أو زنكل ... أو سطل في السر )
طفشل إذا علق لسانه وتشبه بالأعراب زنكل إذا احتال في سلبهم سطل إذا تعامى وهو بصير يقال للأعمى الإسطيل
( ومن زقى الشغاثات ... غداءات وبالعصر )
زقى صلى والشغاثات المساجد واحدها شغاثة يكدون فيها إذا صلى الناس
( ومن دشش أو رشش ... أو قشش يستدري )
دشش إذا جعل في استه شبه حشو كحقنة وينام على الطريق ويخرج من استه كالدشيشة رشش إذا كانت معه مبولة مع خصاه فإذا جاءه البول رششه على الناس ويقال له المرشش قشش إذا فسا في المساجد فيتأذى به المصلون فيعطونه حتى يخرج
( ومن يزنق أو يخنق ... أو يذلق بالدبر )
يزنق يثقب في بدنه ثقبة وينفخ فيها حتى يتورم بدنه يخنق يصنع المنديل في رقبة نفسه ويفتله حتى ينتفخ رأسه ووجهه يذلق يمشي عريان الأست
( ومنا كل مستعش ... من النعارة الكدر )
مستعش قوم يدورون على أبوابا الدور فيما بين العشاءين ويقولون

رحم الله من عشى الغريب الجائع وينعرون بذلك حتى يأخذوا من كل دار كسرة ويرجعوا بها
( ومن شدد في القول ... ومن رمد في القصر )
ومن شدد قوم يكون معهم دفاتر حديث يروونها ويشددون على الناس في اللواط وشرب الخمر القصر هو الأتون يدخله الواحد من القوم فيطرح نفسه في الرماد ثم يخرج وعليه غبرة الرماد ويوهم أنه أولى إليه من شدة البرد وعدم الملبوس
( ومن يزرع في الهادور ... تكسيحا من البذر )
ومن يزرع في الهادور قوم ينظرون في الفال والزجر والنجوم ويعطون قوما دارهم حتى يأتوهم ويسألوهم عن نجمهم وعما هم فيه فينظروا لهم ثم يردون الدراهم عليه وربما أخذوها وقالوا لا نأخذها لأن نجمك ما خرج كما تريده
الهادور كلام الحلقة التي يجتمع الناس عليها والتكسيح الممانعة
( إلى أن يقع التنبل ... في محصدة الجزر )
التنبل هو الأبله الذي يقبل المخاريق على نفسه ويغتر بما يورد المنجم عليه فيخرج هو أيضا دراهمه طمعا في ردها فيأخذها منه ويسخر به
( ومن قنون أو بنون ... أو طين بالشعر )
وقنون من المقنون وهو الذي يقول كان أبي نصرانيا وأمي يهودية وإن النبي جاءني في النوم وقال لا تغتر بدين أبويك واتبع ملتي فأسلمت
بنون إذا انتسب إلى البانوانية وهم الشطار وقال كنت محبوسا فاحتلت بكذا حتى خرجت طين إذا طين وجهه وساعديه بطين الحمرة وروى الأشعار على رءوس الأشهاد في الأسواق

( ومنا منفذ الطين ... وأصحاب اللحى الحمر )
منفذ الطين قوم يخضبون لحاهم بالحناء ويدعون أنهم شيعة ويحملون السبح والألواح من الطين ويزعمون أنها من قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما فيتحفون بها الشيعة
( ومن شقف بالماء ... ومن شقف بالجمر )
والمشقف هو الذي يأخذ ماء النوشادر فيكتب بها الرقاع ويتركها بين يديه فإذا مر به الأبله قال له جرب بختك وخذ رقعة من هذه فيأخذها ثم يعطيه إياها فيقذفها في النار فيظهر المكتوب أسود وقد يعمل هذا الجنس بماء العفص فإذا غمس في ماء الزاج خرج أسود ويقال للرقعة الشقيفة
( ومن كدى على كيسان ... في السر وفي الجهر )
كيسان قوم عرفوا قوما من الكيسانية والغلاة فيجيبونهم ويكدون عليهم بالمذهب
( ومنا النائح المبكي ... ومنا المنشد المطري )
والنائح المبكي قوم ينوحون على الحسين بن علي ويروون الأشعار في فضائله ومراثيه رضي الله عنه
( ومن ضرب في حب ... علي وأبي بكر )
ومن ضرب في حب قوم يحضرون الأسواق فيقف واحد جانبا ويروي فضائل أبي بكر رضي الله عنه ويقف الآخر جانبا ويروي فضائل علي رضي الله عنه فلا يفوتهما درهم الناصبي والشيعي ثم يتقاسمان الدراهم
( ومن يروي الأسانيد ... وحشو كل قمطر )
ومن يروي الأسانيد هؤلاء قوم يروون الأحاديث على قوارع الطرق

( ومنا كل ممرور ... غدا غيظ بني البظر )
كل ممرور قوم يلبسون الثياب المخرقة ويحلقون لحاهم ويوهمون أنهم موسوسون وأن المرار غلب عليهم فيروون ما يريدون من فضائل أهل البيت وينسبهم العامة إلى الجنون فلا يؤاخذونهم بما يقولون ويأخذون من الشيعة ما يريدون
( ومن يكحل من مستعرض ... دمعته تجري )
ومن يكحل هو الذي معه قطنة مغموسة في الزيت يمرها على عينيه لتدمع ويأخذ في شكاية حاله واستعراض الناس في مسألته وذكر قصته وأنه قطع عليه الطريق أو غصب على ماله والمستعرضون أمهر القوم
( وفي الموقف منا كل ... جبار أخي الصبر )
كل جبار هو الذي يقف في المقام قائما أو قاعدا ولا يبرح أو يأخذ ما يريد
( متى يحف يقل بشباشة ... الخشنى في خصر )
البشباشة اللحية والخشنى الذي لا يكدي وهو عندهم عيب كبير
( وقراع أبي موسى ... لديه دبة البزر )
وقراع رأس أبي موسى هو الخشنى يقول إن رأس هذه السفلة عنده أهون من دبة البزر استخفافا به وبجفائه
( ولا ينطس أو يلحن ... ما يطلب بالقسر )
( وجرار عيالات ... عليهم أثر الضر )
ولا ينطس لا يذهب أو يلحن يعطي وجرار عيالات هو الذي يكتري الصبيان والنساء ويكدي عليهم

( ومن ينفذ سبحات ... حلوى وأبا شكر )
ومن ينفذ سبحات هو الذي يطرح على أبواب الحوانيت السبحات وأقراص الحلوى فمنهم من يعطي ويرد عليه ومنهم من يلقي الملح ويقال للملح أبو شكر
( ومنا حافر الطرس ... بلا خرط ولا جهر )
حافر الطرس هو الذي يحفر القوالب للتعاويذ فيشتريها منه قوم أميون لا يكتبون وقد يحفظ البائع النقش الذي عليه فينفذ التعاويذ إلى الناس ويوهم أنه كتبها ويقال للقالب الطرس
( وبركوش وبركك ... ومعطى هالك الجزر )
بركوش هو الذي يتصامم ويقول للإنسان تكلم على هذا الخاتم باسمك واسم أبيك فيسمع ما يقول وينبئه به وبركك هو الذي يقلع الأضراس ويداوي منها والهالك الدواء والجزر البصر ويقال للعين الجزارة
( ومن قرمط أو سرمط ... أو خطط في سفر )
قرمط هو الذي يكتب التعاويذ بالدقيق والجليل من الخط وسرمط كتب والسرماط الكتاب
( وحراق وبزاق ... بني الشخير والنشر )
( ومن ذكر والقوم ... الزكوريون في الصدر )
الحراق الذي تكون معه مرآة تشعل منها النار وتسمى حراقة والبزاق الذي يرقي المجانين وأصحاب العاهات ويتفل عليهم ذكر كدى على الأبواب وهو من أجلائهم
( ومن دهشم بالكرش ... ويستبرد في النهر )

من دهشم مخرق وموه بأنه صائم والكرش الصوم والجوع أيضا ويكون قد أكل في منزله فإذا عطش نزل في النهر بعلة الإستبراد وشرب ما أراد
( ومن يعطي الضمانات ... من الزنكلة العفر )
الزنكلة والعفر واحد وهم المعافرون يأخذون الحجيج ويضمنون الجنة
( ويشرى عش رضوان ... بنذر الثمن النزر )
ويشري عش رضوان يعني أنه يقول إن لم أحج عنك فحظي من الجنة وقف عليك اللهم اشهد بشراء البيع والعش البيت يريد به الجنة
( ومن حنن كفيه ... وحف الطست كالحر )
حنن هو الذي يخضب كفيه بالحناء وحف شاربه فيتركه كالطست المجلوة وكالحر المنتوف فيدعى أنه من الصوفية العلماء الزهاد فيتشبث به لذلك
( ومنا الشيخ هفصويه ... ويحيى وأبو زكر )
هفصويه هؤلاء الذين سماهم قوم نبط وعجم يكدون ولا يتكلمون العربية
( ومن كان على رأي ... ابن سيرين من العبر )
ومن كان على رأي ابن سيرين هؤلاء من البصراء يعبرون الرؤيا ويكدون من هذه الجهة
( وشكاك وحكاك ... ومعطى بلح الأجر )
الشكاك الذي يبيع دواء الفار واسمه الشك والحكاك الذي يكون معه

حجارة محمولة من در بند يظهر فيها الحديد من الدارهم والدنانير يقال للواحد منها المحك بلح الأجر هو السبح التي تحمل من الجبل يقال لها دموع داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام
( وسمقون عليه السرمل ... الكحل وذو الغزر )
سمقون الصبي الذي يأخذ بيد الضرير يوهم أنه ابنه والسرمل القميص المخرق
( ومن ربى ومن فتى ... وأجرى عقد الزر )
ومن ربى هؤلاء قوم شطار يقولون بالصاحب والغلام فيربون الصبيان
( ومنا قافة الرزق ... وأهل الفال والزجر )
وقافة الرزق قوم يتعاطون التنجيم
( ومن يعمل بالزيج ... وبالتنور والجفر )
الجفر الذي يكون بين أيديهم على هيئة الفلك يدور
( ومنا البشتداريون ... تحت الرحل كالحمر )
والبشتداريون قوم يستأجرهم المكدون الذين يخرجون إلى القرى فيحملون رحالاتهم وما يجمعون بها من الحب والصوف وغيره
( ومن مرق في مصطبة ... الفتيان في قدر )
ومن مرق يطبخون المرق في دار القوم فيبيعونها من المرضى والضعفاء منهم
( ومنا كل مراس ... جسور جاهل هزر )
المراس الحواء معه سلال فيها حيات

( يرى الخش فيأتيه ... بلا خوف ولا ذعر )
الخش الأفعى
( فيستل الذي يخشاه ... من شصوصة الخزر )
الشوص الأنياب بقلعها ويترك واحدة
( ويبقى منه ما يصلح ... للمحنة والسبر )
( فقد أنزل فيه ... ملك الموت على قبر )
( فهذا هالك لسعا ... وهذا كفه يبري )
( وقد يلتمس الخبز ... بمكروه من الأمر )
( ومنا كل نطاس ... على البزرك مستجري )
النطاس القوي القلب من الدستكاريين تراهم على الدواب ومعهم الكلاليب والمباضع يداوون الرمدى وغيرهم من الأعلال والبزرك المواضع
( ومنا كل من شرشر ... بالهلاب والكسر )
الشرشرة القمار والهلاب الثياب والكسر الدرهم والمرجان والدينار
( إذا حاف عليه بخته ... سقف بالنحر )
وحاف عليه يعني أنه إذا قمر فانقلب الفص عليه رفع طرفه إلى السقف ونحر نحو السماء وتكلم بالكفر
( ومنا كل إسطيل ... نفي الذهن والفكر )
الإسطيل الأعمى
( ومنا كل سباع ... عظيم الليث والببر )
( ومن قرد أو دبب ... من كل فتى غمر )

ومن قرد أو دبب هم الذين يكدون على الدببة والسباع والقردة
( وسمان ووسنان ... ومن قتت كالكبر )
والسمان الذي يعطي النساء دواء السمن والسنان الذي يعطي دواء الأسنان وقتت أكل القت بين أيدي الناس كالجمل
( ودكاك السفوفات ... لريح الجوف والخصر )
الدكاك الذي يرقى من القولنج ويكون معه حب مصنوع يحتال حتى يبلعه العليل فيزعم أنه انحل بالرقية
( ومنا ذو الوفا الحر المدلج ... ذو الكر )
والمدلج الذي يأخذ حاجته من البقال والجبان ويحصل عليه أجرة الشهر لبيته فيهرب ليلا ويفوز بما يلزمه أداؤه
( ومنا شعراء الأرض ... أهل البدو الحضر )
( ومنا سائر الأنصار ... والأشراف من فهر )
( ومنا قيم الدين المطيع ... الشائع الذكر )
( يكدى من معز الدولة ... الخبز على قدر )
( ومن يطحن ما ... يطحن بالشدة والكسر )
ومن يطحن هم الذين يطحنون النوى والحديد والزجاج بأيديهم وأضراسهم
( ومطلي دم الأخ ... مع المصموغ كالبثر )
ومطلي دم الأخ هم الذين يضربون دم الأخوين والكثيراء والصموغ وينفخونها على أجسادهم فتخرج بهم بثور يمرضون منها فيكدون
( ومنا كل مشقاع ... من الفتيان كاللغر )

المشقاع الأرعن الذي يكتري الثياب البيض ويلبسها واللغر هم السفل من الناس
( يلذ الشورز الوجدان ... بالخب وبالمكر )
الشورز الأمرد ويلذ يدور به العرب من المكدين فيؤدبه ويقول هذه الفتوة ولا يجوز أن تكون وحدك فإما أن تصير غلاما لأحدنا وإما أن تخرج من دار الفتيان فإذا صار مع أحدهم طبخ له قدر الدسكرة ويقال للقدر بما فيها الخشبوب
( إلى أن يأكل الخشبوب ... كرسا أكل مضطر )
( وما في البيت غير البت ... أو بارية القفر )
( وما للشوزر السوء ... سوى الغيلة والغدر )
( وأن يصميه حتى ... تراه طافح السكر )
يصميه يسقيه الصمى وهو الخمر
( فتجري فيه كيذات ... البهاليل ولا يدري )
الكيذات الأيور البهاليل رؤساء المكدين
( ومنا سعفة الريح ... لضرب الكلب والهر )
وسعفة الريح قوم يرعدون رعدة شديدة تهتز لها مفاصلهم وتصطك أسنانهم ويقول أحدهم إنه قتل سنورا أو كلبا فلطمته الجن
( وذو القصعة والمسراد ... والمكناس والعشر )
وذو القصعة والمسراد هؤلاء قوم ينخلون التراب في الطرق ويعلقون على أنفسهم القصاع ويغسلون الأسواق بالماء ويخرجون إلى البيادر فليقطون القصى وهو ما بقي في السنبل من الحب بعد أن يداس

( وفي الأسواق والأنهار ... والبيدر والقصر )
( ومن يقرأ بالسبع ... وإدغام أبي عمرو )
( وأصحاب المقالات ... من الفاجر والبر )
( ومن علافة ركبت ... الباز مع الصقر )
ومن علافة هذه امرأة تتزوج بمن يحسن أن يكدي فيشد يدها مجموعة الأصابع ويدى أنها مقطوعة ويسمى الباز وربما عوجها كأنها مفلوجة والصقر هو أن يشد عينيها ويقول إنها رمدى أو عوراء ويقال لها أيضا النعلة
( ومنا الكابليون ... ومن يلعب بالجر )
( ومن يمشي على الحبل ... ومن يصعد بالبكر )
( ومنا الزنج الزط ... سوى الكباجة السمر )
والكباجة اللصوص كبج إذا سرق
( ومنا من صما يوما ... فقد هرب في المصر )
ومنا من صما يقول إن من شرب منا الخمر وعرف به فقد أفسد على نفسه البلد والشيء الرديء الفاسد يقال له الهريب والشيء الجيد يقال له الكسيح
( ومنا كل ذي سمت ... خشوع القن كالحبر )
( يرقي وتراه باكيا ... دمعته تجري )
( فإن كبن في السر ... فبالمذقان يستذري )
كبن خري والكبن الإسم منه يقول إنه يظهر الورع والزهد فإذا خلا المسجد وأخذه البطن يخرى تحت السارية أو خلف المنارة ويمسح استه بالمذقان وهو المحراب
( وإن كرس لا ... والله لا تم إلى الظهر )
( ومن صاح بآمين ... من المزلق والذعر )

من المزلق يريد هؤلاء العراة الواحد مزلق يصيحون بآمين من الأسواق
( سخام القص قد نقعهم ... مثل بني النمر )
سخام القصي سواد الأتون
( فذا بقالنا سطل ... وذا استأذنا خري )
فذا بقالنا سطل يقول إذا صاحوا بآمين دعوا على أصحاب الحوانيت ذا بقالنا أعمه يا رب
( وذا فصابنا عسم ... وذا البزاز لا تبري )
وعسم من العسوم وهو المفلوج
( ومن ردهم غلف ... من غالبة الحجر )
( ومنا كل من يمرح ... في الإسظيل كالمهر )
( ومن كدة بهلول ... تخطى ثم كالحجر )
الإسظيل الجامع والكدة المرأة التي تسأل الناس ومعها زوجها في الجامع
( ومن يخرج باليابس يوم الفطر والنحر ... )
من يخرج باليابس قوم يخرجون في أيام الأعياد إلى المصلى عراة حفاة يكدون
( ومنا من تمشى يمسح البلدان كالنسر ... )
( ومن يأوي المصاطيب ... مع المذلقة الضمر )
( ومن يأوي الشغاثات ... مع العقة في الستر )
( وأصحاب التجافيف ... من الثامولة الصبر )

أصحاب التجافيف قوم يأوون المساجد عليهم مرقعات كالتجافيف بعضها مركبة فوق بعض يقال لهم الثامولة الصبر لصبرهم على شدة فقرهم
( وأصحاب الشقاعات ... من المشاطح العكر )
الشقاعات جمع شقاع وهو الوطاء إذا كان من ألوان أو لون واحد يكون مع جنس منهم فيدورون في المواضع ويبسطون الشقاع ويصلون عليها ولا يأوون إلى موضع فلهذا يقال لهم المشاطح لأن المشطح هو الذي يطوف دائبا لا يفتر
( بنو التضريب والتدريب ... والتفتيق والأطر )
بنو التضريب والتدريب قوم ليس لهم عمل إلا جمع الخرق معهم فهم أبدا في رتق أو فتق
( ترى للقمل في كل ... شقاع مائتي وكر )
( ومن دمج في الثلج ... وفي الوحل بلا طمر )
دمج إذا قام في البرد
( ولا ينظر إلى كالحا ... ذا نظر شزر )
( فلا يبرح أو يأخذ ما يأخذ بالصقر ... )
( وفي الغميز منا فتية من رغل قذر ... )
( هم بيت المشاميل ... مع القنابر الحفر )
المشاميل الرغفان واحدها مشمول والقنابر جمع قنبرة وهو الكسرة من الخبز
( غدوا مثل الشياطين ... عليهم أثر الفقر )
( فيأتون ببربازار ... كالقفيا من المجري )
بربازار لأنه ذو ألوان والقفيا هو خبز السبيل الذي يجريه الأعلاء على

الفقراء والضعفاء فيكون لهم رجل مجرى
( وعبوه أنابير ... من الزغبل والبر )
وعبوه أنابير يعني أنهم إذا جمعوا الخبز جعلوه كالأنبارات بين أيديهم من ألوان وكل ما خالف الحنطة فهو الزغبل ثم يتقاسمون ما يتجمع لهم منها
( كما يقتسم البيدر ... بالقفزان والكسر )
( وظلوا يفتنون ... على مالك بالعسر )
( وخصوه بجوازات ... ونصف فجلة تمري )
وخصوه بجوازات يعني أن ما يبقى من المأكول يجلعونه لصاحب الموضع وإن كانوا في أتون جعلوه للوقاد
( سقى الله بني ساسان ... غيثا دائم القطر )
( ترى العريان منهم ظاهر ... السمرة والخطر )
( كنمرود بن كنعان ... قوي الصدر والإزر )
( رجال فطنوا للثقل ... والإغلال والإصر )
( خلنجيون ما حاضوا ... ولا باتوا على طهر )
الخلنجي الذي يخرى ولا يغسل أسته ما حاضوا أي ما تطهروا
( رأوا من حكمة خرط القلادات مع العذر ... )
( يقولون لمن رقى ... تحول فينا تزري )
( وراحوا خارج الدار ... بوارية مع الحصر )
( فحيثما اكتروا قالوا ... من الخشني لا نكري )
( إذا ما سمروا القشقاش ... ذا العثنون والزجر )
سمروا القشقاش أي رأوه وهو الشيخ الطويل اللحية ذو الزجر العالم المتقشف الورع

( لقوه بنثارات ... من البندق والبسر )
( وحيوه بآلاف ... من القنادر الفطر )
يعني أنهم إذا رأوا شيخا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ضرطوا عليه والقنادر الضراط والفطر الذي لم ينضج بعد من الفطيرويصيح الواحد إلى الآخر بندقه بسرة ويضرط
( وكم بين الغرابيب ... وبين الببغ والقمر )
( ألا إني حلبت الدهر ... من شطر إلى شطر )
( وجبت الأرض حتى صرت ... في التطواف كالخضر )
( وللغربة في الحر ... فعال النار في التبر )
( وما عيش الفتى إلا ... كحال المد والجزر )
( فبعض منه للخير ... وبعض منه للشر )
( فإن لمت على الغربة مثلي فاسمعن عذري )
( أمالي أسوة في غربتي ... بالسادة الطهر )
( هم آل الحواميم ... هم الموفون بالنذر )
( هم آل رسول الله ... أهل الفضل والفخر )
( بكوفان وطي كرابلاكم ... ثم من قبر )
( وبغداد وسامرا ... وباخمرى على السكر )
( وفي طوس مناخ الركب ... في شعبان في العشر )
( وسلمان وعمار ... غريب وأبو ذر )
( قبور في الأقاليم ... كمثل الأنجم الزهر )
( فإن أظفر بآمالي ... شفيت غلة الصدر )

( وألممت بأوطان ... قوي النهي والأمر )
( وقد تخفق فوق عزة ألوية النصر ... )
( وإما تكن الأخرى ... وعز جائز الكسر )
( فلا أبت مع السفر ... غداة أوبة السفر )
( ولا عدت متى عدت ... بلا عز ولا وفر )
( وحسبي القصب المطحون ... فيه ورق السدر )
( وأثواب تواريني ... من الإيذاء والأزر )
27 - أبو القاسم عبد الصمد بن بابك
شاعر شعاره إحسان السبك وإحكام الرصف وإبداع الوصف يشبه كلامه مرة في الجزالة والفصاحة كلام المفلقين من الشعراء المتقدمين ويناسب تارة في الرشاقة والملاحة قول المجيدين من المحدثين والمولدين وهو القائل في وصف شعره
( أزرتك يا ابن عباد ثناء ... كأن نسميه شرق براح )
( ولفظا ناهب الحلي الغواني ... وأهدى السحر للحدق الملاح ) - الوافر -
وله في استعطاف الصاحب
( أي جرم لواثق بك راجي ... خبطته غوراب الأمواج )
( وطني أنت والمكارم زادي ... فلمن أزجر القلاص النواجي )
( فارع يا كافي الكفاة ثناء ... نفث السحر في العيون السواجي )

( لو أزرت الحراب ملعب طوقي ... لارتشفن الثناء من أوداجي )
( أنا مذ حرقت سمومك ظلي ... جمرة في شواظك الوهاج )
( لا تقابل زيارتي بازورار ... ومجاجا عسلته بأجاج )
( ليس في الشرط جنس حظي فوقع ... في عيون الحساد بالإخراج ) - الخفيف -
وكان أيام الصاحب يشتي بحضرته ويصيف بوطنه كما قال من قصيدة جرجانية يتسحب فيها على كرم الصاحب ويقرع بابا استبطائه ويستأذنه للعود إلى بلده
( ألا يا أيها الملك الرءوف ... إلى كم يعصى بالنفس اللهيف )
( أأسحب في ذراك فضول ذيلي ... ويسحب ذيل نعمتك الضيوف )
( فإن يملك سواي عنان حظي ... ولي من دونه اللفظ الشريف )
( فكل مطرق مال ولكن ... تعود بها إلى القيم الصروف )
( لواني عن طريق اليأس أني ... على ثقة بأنك لا تحيف )
( فحز إرث الزمان وعش حيمدا ... يناخ ببابك الهم العكوف )
( وحادث بالسراح أخا اشتياق ... يلاعب ظله جسد نحيف )
( له بالريف من جرجان مشتى ... وبالنخلات من غمي مصيف ) - الوافر -
وقرأت للصاحب فصلا في ذكره واستملحته وهو وأما ابن بابك وكثرة غشيانه بابك فإنما تغشى منازل الكرام والمنهل العذب كثير الزحام
قال مؤلف الكتاب وقد كانت تبلغني لمع يسيرة من شعره فتروقني وتشوقني إلى أخواتها حتى استدعى أبو نصر سهل بن المرزبان من بغداد مجموع شعره كعادته في استنساخ الظرف واستجلاب الغرر وبذل النفائس في استحداث

الملح فأهدى إليه ابن بابك مجلدة من شعره بخطه يسحب ذيلها على الروض الممطور والوشي المنشور واللؤلؤ المنثور فلم أدر الدفتر أملح أم الخط أحسن أم الشكل أصبح أم اللفظ أبرع أم المعنى أبدع وجمعت يدي منها على الضالة المنشودة والغريبة الموجودة فأخرجت منها غررا ما هي إلا أنس المقيم وزاد المسافر ومنية الكاتب وتحفة الشاعر كقوله في وصف الشراب من قصيدة
( عقار عليها من دم الصب نفضة ... ومن عبرات المستهام فواقع )
( معودة غصب العقول كأنما ... لها عند أرباب الرجال ودائع )
( تحير دمع المزن في كأسها كما ... تحيرل كما في ورد الخدود المدامع ) - الطويل -
وقوله من أخرى في وصف إضرام النار في بعض غياض طريقه إلى الصاحب
( ومقلة في مجر الشمس مسحبها ... أرعيتها في شباب السذقة الشهبا )
( حتى أرتني وعين النجم فاترة ... وجه الصباح بذيل الليل منتقبا )
( وليلة بت أشكو الهم أولها ... وعدت آخرها أستنجد الطربا )
( في غيضة من غياض الحزن دانية ... مد الظلام على أرواقها طنبا )
( يهدى إليها مجاج الخمر ساكنها ... فكلما دب فيها أثمرت لهبا )
( حتى إذا النار طاشت في ذوائبها ... عاد الزمرد من عيدانها ذهبا ) - البسيط -
ومنها
( مرقت منها وثغر الصبح مبتسم ... إلى أغر يرى المذخور ما وهبا )
( ذو غرة كجبين الشمس لو برقت ... في صفحة الليل للحرباء لانتصبا )
( يا أغزر الناس أنواء ومحتلبا ... وأشرف الناس أعراقا ومنتسبا )

( أصبحت ذائقة بالوفر منك وإن ... قال العواذل ظن ربما كذبا )
( إن المنى ضمنت عنك الغنى فأجب ... فالبحر يمنح فضل الري من شربا )
( فحسن ظني قد استوفى مدى أملي ... وحسن رأيك لي لم يبق لي أربا )
ومن أخرى
( حجبت وما حجبت عن الصباح ... وليل الصب ممطول البراح )
( وبات السقم يكمن في عظامي ... كمون الموت في حد الصفاح ) - الوافر -
ومنها
( كسوت الحمد ذا عرض مصون ... يمتع في حمى مال مباح )
( مزوح اللفظ مجذوع العطايا ... جموح العزم مجنون السماح )
( إذا استجرت على الملك العوالي ... هززت أصم موشى لجناح )
( يريق على الظبا ريق المنايا ... ويكحل بالردى مقل الرماح ) - الوافر -
وقوله من أخرى يمدح ويعاتب ويستبطىء
( أرى الأيام تسرف في عقابي ... ودون رياضتي شيب الغراب )
( ألا يا عامر الآمال مالي ... أسير الطرف في أمل خراب )
( أفوت مطارح الأمل انتظارا ... وأسرح بين سقم واغتراب )
( أراع ولا أراعي والأماني ... لقى بين اكتئاب وارتياب )
( وكم كسر جبرت فكان طوقا ... على نحر الدعاء المستجاب ) - الوافر

وقوله من أخرى
( لقد نشر النيزوز وشيا على الربا ... من النور لم تظفر به كف راقم )
( كأن ابن عباد سقى المزن نشره ... فجاد برشاش من الوبل ساجم ) - الطويل -
ومن أخرى يهنئه بالأضحى
( ليهنك عيد لو تناجت سعوده ... لما اقترحت إلا سماءك مطلعا )
( فضح بمن ماطلته عدة الردى ... فما اكتن صدر السيف إلا ليقطعا ) - الطويل -
وله من قصيدة يذكر خلعة أمر له الصاحب بها
( وخلعة فاجأت بلا عدة ... من منعم في عطائه سرف )
( غلت لساني عن الثناء فما ... يجري ولكن لشأنها يصف ) - المنسرح -
ومن أخرى
( أقبلت في شرف اللباس فأبلسوا ... نظر البغاث إلى انقضاض الجارح )
( إشتق من خلع الفخار عمامة ... ورفاء تهزأ بالكئيب البارح )
( ومزنر الأردان ناقلني الضنا ... وافتر عن سمطي شتيت واضح )
( كالزبرقان تهافتت أنواره ... ليلا بمضطرب الخليج السابح )
( ومهلهل النهدين نازع عطفه ... علم كمنعطف العذار الجامح )
( لأنلتني شرف المقام ورعت بي ... قلب الزمان وصنت وجه مدائحي )
( لله منزلنا التي من شأنها ... جر الرماح على السماك الرامح ) - الكامل

ومن قصيدة في فخر الدولة
( خلقت يقظان مروح العنان ... موقر الجأش جموح الجنان )
( لا أظلم الدهر فقد سرني ... وعشت من أحداثه في أمان )
( فإن تكن أيام دهري خلت ... فشأن أيامي البواقي وشاني )
( لقد تفيأت ظلال الصبا ... وصم عن طاعتي العاذلان )
( واستوقفت طرفي في خصور الدمى ... وانتهبت عقلي حضور الدنان )
( أفتق جلد الليل عن ضوئها ... والصبح كالنار خلال الدخان )
( يسعى بها في سقطات الندى ... أغن معقود حواشي اللسان )
( مروع المقلة طاوي الحشى ... مؤنث الدل مريض البنان )
( مقرطق تنفر أذياله ... عن موجة يجذبها غصن بان )
( مزنر يقلق سرباله ... كأنما زر على خيزران )
( في يده شمطاء متقولة ... ترفل في ملحفتي أرجوان )
( إذا استدارت فرقا صرحت ... عن شرر وابتسمت عن جمان )
( إذا طغا لؤلؤه خلته ... طلا على أرض من الزعفران )
( تذكرني أنفاسها سحرة ... والليل والصبح طليقا رهان )
( نشوة أنفاس الأمير الذي ... أدرك ما شاء برغم الزمان ) - السريع -
لم يحسن في تشبيه طيب رائحة الشراب بنفس الممدوح وهو ملك معظم لأنه إنما يشبه بنفس المعشوق وقد مر مثل هذا النقد في شعر المتنبي وكان ينبغي أن يقول
( نسيم أفعال الأمير الذي ... أدرك ما شاء برغم الزمان )
رجع

( يا فلك الأمة در بالذي ... تهوى فقد دان لك المشرفان )
( مقبل الراحة ما صورت ... كفاه إلا للندى والطعان )
( فالحزم والعزم له عدة ... والمال والسيف له جنتان )
( قد رقم النيروز وشي الربا ... فارقم حواشي جامك الخسرواني )
( واقتبل اللذات واستدعها ... باللهو والقصف وعزف القيان )
( واجتل وجه الراح في روضة ... تبسم عن مثل وجوه الغواني )
( وارع رياض العز في غبطة ... واسكن مدى الأيام ظل التهاني )
ومن أخرى في مهرجانية
( أيا شاهانشاه صل الأماني ... بتجديد البشائر والتهاني )
( فقد جرت السعود وجاء يحدو ... سبوت الدهر سبت المهرجان )
( وإن طغت المثالب والمثاني ... فعاتبها بقهقهة القناني )
( فقد برد النسيم وجاء يسعى ... بها خصر المراشف والبنان )
( فلا عدمت يداك سقيط مزن ... يصفق بالرحيق الخسرواني ) - الوافر -
ومن أخرى يصف مجلس إملاك نثرت فيه الدنانير
( وهز العقد متن الأرض حتى ... كأن قد أشربت حلب العصير )
( وأرسلت السماء رشاش تبر ... شتيت الورق كالورق النثير )
( لقد أمطرتها ذهبا ولكن ... جلوت الشمس في يوم مطير )
( كواكب زرن وجه الأرض حتى ... لقد أذكرتنا عام الهرير ) - الوافر

ومن أخرى
( يا ساقي قضيب الرند ريان ... والبدر ملتحف والصبح عريان )
( وللصبا عثرات لا تقال وفي ... سجع الحمائم ترجيع وإرنان )
( فغالبا نفثتي بالراح واختلسا ... عقلي فقد نفح النسرين والبان )
( واسترجعا لمتي واستنفدا طربي ... قبل الشروق فللأطراب أوطان )
( وعرضا بهوى لبني فلي ولها ... وللزجاجة إن عرضتما شان )
( اليأس وردي إذا سحب المنى هطلت ... والصبر زادي إذا أهل الحمى بانوا )
( ها إن حلبة أرض الله شوط فتى ... في بسطتي يده بطش وإحسان )
( لله ثم لشاهنشاه خلفتها ... ما طل في رملات القاع حوذان )
( إن كان للفلك العلوي مرتكض ... فيها فللفلك الأرضي سلطان ) - البسيط -
ومن أخرى في أبي علي الحسن بن أحمد لما تقلد الوزارة هو وأبو العباس الضبي على سبيل المشاركة والمشاطرة
( برق الثناء وشق ذاك القسطل ... وجرى عنانك والسماك الأعزل )
( ورآك للتشريف أهلا فاجتبى ... بوفائه ملك يقول ويفعل )
( فأعرت شطر الملك ثوب كماله ... والبدر في شطر المسافة يكمل ) - الكامل -
أنظر إلى حسن وصفه لوزارته المشتركة وتدبيره نصف المملكة لفخر الدولة
ومن أخرى
( ذنبي إلى الدهر أني ما خضعت له ... ولا طويت له ثوبي على درن )
( قد كنت أوقف من عنس على طلل ... فصرت أسرع من عذل على أذن )

( هذه بقية نفس فارقت وطنا ... وفرقة النفس تتلو فرقة الوطن )
( نقلت عن عقر دار كنت آلفها ... إلف القرارة صوب العارض الهتن )
( حتى ترنحت في أفياء دولتها ... ترنح الظل بين الماء والغصن )
( فالآن قصر باعي وانتهى طربي ... وشمرت في عقابي سطوة الزمن ) - البسيط -
وقوله من أخرى
( رب ليل مرقت من فحمتيه ... أنا والعيس والقنا والبروق )
( ورقاد كخفقة النبض يغشى ... مقلة راعها الخيال الطروق )
( واستهلت لمصرع الليل ورق ... ثاكلات حدادها التطويق )
( فتضاحكت شامتا وكأن الصبح ... جيب على الدجا مشقوق )
( سبك الشرق منه تبرا مذابا ... لفرند الشعاع فيه بريق )
( وتمشت على الرياض النعامى ... وثنى قده القضيب الرشيق )
( فكأن التراب مسك فريك ... وكأن الأصيل صبح فتيق )
( ليس إلا تطرف العيش حتى ... يتوشى لك المراد الأنيق )
( إنما العيش رنة من حمام ... وسلاف يشجه معشوق )
( ومهب من الشمال عليل ... ووشاح من الرياض أنيق )
( وملاء من الشباب جديد ... ورداء من النسيم رقيق )
( وجمال من الرذاذ نثير ... في مروج ترابهن خلوق )
( لا ترد مشرع الصبابة فاليأس ... رفيق إذا استقل الفريق )
( شافه الهم إن طغى بحريق ... سله من زناده الراووق )

( صفقته يد كأن عليها ... صدفا فيه لؤلؤ وعقيق ) - الخفيف -
وله أيضا
( لم أرض باليأس ولكنني ... أسوف الخسران بالربح )
( تألفتني خطرات المنى ... تألف المسبار في الجرح ) - السريع -
ومن أبيات في غلام يشتكي من قروح به
( يا أيها الرشأ الموفي على شرف ... ماذا دعاك ولم أذنب إلى تلفي )
( لا تشكون قروحا آلمتك فقد ... سرقتها من فؤادي الهائم الدنف )
( أحب منك وإن لج العواذل في ... لومي دلال الرضا في نخوة الصلف ) - البسيط -
ومن أبيات في الإعتذار من ترك التوديع
( إن لم أودعك فعن عذرة ... فاثن إليها أذنا واعيه )
( قرت بك العين فنزهتها ... عن نظرة ليس لها ثانيه ) - السريع -
28 - أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد الشاشي العامري
قد كان يقع التعجب من إخراج الشاش مثل أبي محمد المطراني في حسن شعره وبراعة كلامه فلما أخرجت من إسماعيل من ألقى إليه القول الفصل زمامه وملكه المعنى البديع عنانه كان كما قيل جرى الوادي فطم على القرى وهو أحد الأفراد بحضرة الصاحب وممن رفعتهم سدته وشرفتهم خدمته
ولولا أن الفالج أبطله الآن لكان قد بلغ من التبريز أعلى مكان ولكنه بالري لقى وفي طريق المنية لقى وعنده بقية مما استفاده في أيام الصاحب تتماسك

معها حال معيشته وتنزاح بها علل نفسه
وهذا أنموذج من شعره قال في الصاحب من قصيدة شبب فيها بشكاية الإخوان وذكر مرضا عرض للصاحب
( سرينا إلى العليا فقيل كواكب ... وثرنا إلى الجلي فقيل قواضب )
( وفاضت لنا فوق السنين نوافل ... فما شك محل أنهن سحائب )
( خلقنا أشداء القلوب على الهوى ... فما تزدهينا الآنسات الربائب )
( فمن دأبه منا نحول ودقة ... فمما جنى أحبابنا لا الحبائب )
( أبيت أنادي الدهر جدلي بصاحب ... وجل طلاب الدهر ما أنا طالب )
( فما جاد لي منه بغير مجانب ... وآخر خير منه ذاك المجانب )
( خليل تحامته الأباعد والتوت ... على مهج الأدنين منه العقارب )
( عقارب لا يجرحن غير مودة ... فهن لحبات القلوب لواسب )
( وما كان ظني أن تبين شبيبتي ... وإن بان جيران وشطت أقارب )
( فمذ راعني شرخ الشباب بفرقة ... تيقنت أن لا يستدام مصاحب )
( أخلاي أمثال الكواكب كثرة ... وما كل ما يرمي به الأفق ثاقب )
( بلى كلهم مثل الزمان تلونا ... إذا سر منهم جانب ساء جانب )
( مضى الود والإنصاف والعهد منهم ... فما بقيت إلا الظنون الكواذب )
( وكنت أرى أن التجارب عدة ... فحانت ثقات الناس حتى التجارب )
( تدرع لإخوان الزمان مفاضة ... ولا تلقهم إلا وأنت محارب )
( إذا لم تكن مندوحة من مصاحب ... فسيف ورمح والفلا والركائب )

( فهن إلى وفد الخطوب كتائب ... وهن إلى كافي الكفاة صواحب )
( إلى ملك مذ أشرقت شمس جوده ... تبسم في وجه الرجاء المطالب )
( إلى من حمى عود العلا فهو ناضر ... ورد إليه ماءه وهو ناضب )
( إلى من رعى بالجود سرب نعيمه ... فلا تتمطى في ذراه النوائب )
( وكل نعيم لم يعوذ بشاكر ... تفنن فيه للذهاب مذاهب )
( لعمري بني عباد المجد راسيا ... ولكن لإسماعيل منه المناكب )
( زرارة لم يحلل بواديه مفخر ... ولكن حوى غر المفاخر جانب )
( وحلت قريش في اليفاع بهاشم ... وإن كان سباقا إلى المجد غالب )
( فديناك يا كهف البرية ما الذي ... أعار المعالي سقمك المتناوب )
( عليها من الإشفاق ثوب كآبة ... وخطب يدانيه الضنى متقارب )
( وفي كل دار للأرامل ضجة ... بأدعية ضوضاؤها متجاوب )
( ولو شئت تأديب الليالي فعلته ... فلم ير منها في جنابك خارب )
( ولم تقرب الحمى حماك ولم يكن ... لسورتها في سورة المجد سارب )
( وحوشيت أن تضري بجسمك علة ... ألا إنها تلك الغروم الثواقب )
( ولاعج تدبير وجائش همة ... سرى منهما بين الجوانح لاهب )
( فلا تعذروها أن رأت أشرف الورى ... وحلت به فالحر في الشمس ناشب )
( لقد كانت الأيام حجب شمسها ... دياجي هموم دجنها متراكب )

( فلما انتضاك البرء عادت كأنها ... غياهب بأس قشعتها مواهب )
( نظرت إلى دنياك نظرة قادر ... فلم يبق فيها سائل ومغالب )
( سواي فإني سائل أن تغب لي ... سحائب نعمى كلهن ربائب )
( فما في لساني شكر ما أنت منعم ... ولا في بناني حصر ما أنت واهب )
( أنلني بقدري لا بقدرك إنما ... تجود على قدر الأتي المذانب ) - الطويل -
وقال من أخرى
( مستوقفي بين ذل الصد والملل ... لاحظ لي منك إلا لذة الأمل )
( أرضي بطيفك بل أرضى بذكرك أن ... يتلى وذاكراي مقرونين في الغزل )
( ولا ترحلن فما أبقيت من جلدي ... ما أستطيع به توديع مرتحل )
( ولا من الغمض ما أقري الخيال به ... ولا من الدمع ما أبكي على طلل )
( نعم لي العزمة لغراء إن وخدت ... لم تحتفل بوجيف الخيل والإبل )
( تحوي مرادي على رغم العواذل من ... رب الأكاليل لا من ربة الكلل )
( قد زدت يا ليلة التوديع في حزني ... ولم تزل يا صباح الوصل في جذل )
( وأنت يا جسدا لج القضاء به ... حتى برته يد الأوجاع والعلل )
( كيف احتملت الضنا في الظاعنين ضحى ... وكنت للشوق فيهم غير محتمل )
( عجبت أنى يحل السقم في بدن ... لو شاء جاز الردى سرا من الأجل )
( لم يبق منه سوى قلب يقلبه ... في مطلب العز بين البيض والأسل )
( مقسم قلبه في كل مرحلة ... شوقا إلى العز لا شوقا إلى الغزل )

( نفسي الفداء إذا ما الروع صبحني ... للأعين الخزر لا للأعين النجل )
( لله جسمي فما أبقى حشاشته ... على الحوادث والأسقام والوجل )
( يعدو سقامي على مثل الخيال ضنى ... ويقرع الخطب مني صفحة الجبل )
( ولا يرى في فراشي عائدي شبحا ... ويحمل الدرع مسلوبا عن البطل )
( أنا المقيم وأشعاري على سفر ... كادت تؤلف أعلاما على السبل )
( سارت شوارد أوصاف الوزير بها ... سير الجنوب بصوب العارض الهطل )
( يروي القريض ولما يسم قائله ... فيشهد المجد أن المدح فيه ولي )
( إذا سهرت لتحبير المديح له ... راسلت طبعي ومن إحسانه رسلي )
( ما بعده لشذور القول مدخر ... في مقلة الريم أعلى بغية الكحل )
( وما به حاجة في المدح تنظمه ... الشمس تكبر عن حلي وعن حلل )
( لكنه ملك هامت عزائمه ... بالجود فهو يروم البذل بالحيل )
( ما قال لا قط مذ حلت تمائمه ... بخلا به فوجدنا الجود في البخل )
( أولى الملوك بتدبير الممالك من ... يغني ويقني ولم يورث ولم يسل )
( ومن يبيت من الأيام في خجل ... إن لم يبت والليالي منه في وجل )
( ومن يطبق وجه الأرض عسكره ... يوم القراع ويلقى القرن في الفضل )
( ومن يقود الأسود السود بالوعل ... ومن يصيد البزاة الشهب بالحجل )
( ومن يهم فلا يغزو سوى ملك ... ولا يفرق غير الملك في النفل )
( يا راحلا عنه إن البحر معترض ... فما ورودك ظمآنا على وشل )

( لا تترك السيف مشحوذا مضاربه ... وتطلب النصر عند الجفن والخلل )
( قد وقر الدهر بالتدبير هيبته ... وأرجف الأرض بالغارات والغيل )
( تجري الجياد من القتلى على جبل ... ومن دمائهم يرحضن في وحل )
( ومن جماجمهم يصعدن في نشز ... ومن ذوائبهم يقمصن في شكل )
( تحملت صهوة أخرى شواكلها ... من طول ما حملت سبيا على الكفل )
( قوم إذا ابتدروا يوم الوغى فرقا ... تكاد تعثر أخراهم على الأول )
( قوم أعفاء عن غير العدو فلو ... غزون بالبحر لم يعلقن بالبلل )
( إن التحكم في الدنيا بأجمعها ... لمفرد الرأي أمر ليس بالجلل )
( يا من دعته ملوك الأرض راعيها ... حاشا لما أنت راعيه من الخلل )
( إن الملوك على أيامنا مقل ... فاخلق برأيك أجفانا على المقل ) - البسيط -
ومن أخرى
( رأيت على أكوارنا كل ماجد ... يرى كل ما يبقى من المال مغرما )
( ندوم أسيافا ونعلو عواليا ... وننقض عقبانا ونطلع أنجما )
( إلى من يسير الدهر تحت لوائه ... وتركز أعلام العلا حيث خيما ) - الطويل -
ومن أخرى في فخر الدولة
( أما شبا السيف مسلولا على القمم ... فقد حمدنا ولم نذمم شبا القلم )
( لا أشتكي الدهر والأيام من حولي ... أسوسها والخطوب الربد من خدمي )

( فلو رماني بعد النوم ناظرها ... بريبة أطبقت أجفانها قدمي )
( فالآن أورد ذودي غير محتشم ... وأنزع الغرب ريانا إلى الوذم )
( ولا أؤاخذ أيامي بما صنعت ... في نعمة البرء ما يعفو عن السقم )
( فإن برتني غواديها فلا عجب ... على النفوس جنايات من الهمم )
( ما زلت منغمس الآمال في عدم ... أو في وجود يداني رتبة العدم )
( حتى طلعت وعين السعد ترمقني ... كالصبح منبلجا عن حالك الظلم )
( آوي إلى ظل شاهنشاه من زمني ... كما أوى الصيد مذعورا إلى الحرم )
( زرت الملوك لتدنيني إليه كما ... يبغي إلى الله زلفى عابد الصنم )
( خلفتهم وهم خطاب خدمته ... ومثل ما بي من وجد بها بهم )
( يرون بي حسرات في قلوبهم ... لكنما ثمرات السعي بالقسم )
( وكم نصحت لمن بغداد موطنه ... والنصح من أجلب الأشياء للتهم )
( فكان ذا رمد لج الأساة به ... وما اهتدوا أن يداووا عينه فعمي )
( هل القرابة من لم يرع حرمتها ... فالسيف أولى به وصلا من الرحم )
( له تطاع ملوك الأرض قاطبة ... وللشباب تراعي حرمة الكتم )
( حاشا له أن أسمي غيره ملكا ... وأن أقر بفضل الباز للرخم )
( كل يدل بأشباح يسوسهم ... وما سواه رعاة البهم لا البهم )
( ما قام من سوق أهل الفضل لم يقم ... لو أن ما دام من نعماه لم يدم )
( أعطى فأحيا موات الجود نائله ... فالخصب من فعله والإسم للديم ) - البسيط -
ومنها في ذكر تطهير ابنيه

( أمسست شبليك في حق الهدى ألما ... لولا الهدى لسفكنا فيه ألف دم )
( جلوت سيفا ليرتاح الشجاع له ... شذبت غصنا لتنمي قامة النسم ) - البسيط -
وله من أخرى
( بلوت الليالي فلم يتزن ... بأدنى الإساءة إحسانها )
( فلا تحمدنها على وصلها ... ففي نفس الوصل هجرانها ) - المتقارب -
وأنشدت له
( تنكب حدة الأحد ... ولا تركن إلى أحد )
( فما بالري من أحد ... يؤهل لاسم لا أحد ) - مجزوء الوافر -
29 - أبو حفص الشهر زوري
من ظرفاء الأدباء والشعراء ولشعره وحولاة وعليه طلاوة ولا عيب فيه إلا قلة ما وقع لي منه وكان في بصره سوء فلما ورد حضرة الصاحب قدمه إليه بعض كتابه فجاراه الصاحب في مسائل لم يحمد أثره فيه
فقال له مداعبا
( وكاتب جاءنا بأعمى ... لم يحو علما ولا نفاذا )
( فقلت للحاضرين كفوا ... فقلب هذا كعين هذا ) - مخلع البسيط -
ثم استنشده من ملحه فأنشده أبياتا أعجب بها فلما أنشده
( دعوت على ثغره بالقلح ... وفي شعر طرته بالجلح )

( لعل غرامي به أن يقل ... فقد برحت بي تلك الملح ) - المتقارب -
قال نسجت على منوال جميل في قوله
( رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر نم أنيابها بالقوادح ) - الطويل -
وما أحسنت بعض أحسان ابن المعتز في قوله
( يا رب إن لم يكن في وصله طمع ... وليس لي فرج من طول هجرته )
( فاشف السقام الذي في جفن مقلته ... واستر ملاحة خديه بلحيته ) - البسيط -
ثم أنشده قوله
( يستوجب العفو الفتى إذا اعترف ... بما جناه وانتهى عما اقترف )
( لقوله قل للذين كفروا ... ( إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ) - الرجز -
فأمر أن يكتبا في سفينة الملح مع ما أنشده إياه
ومن قوله في غلام مختط
( الآن أحسن مما كان بستانه ... طابت فواكه فيه وريحانه )
( فيه من الورد محمر جوانبه ... ونرجس كحلت بالغنج أجفانه )
( غطت عناقيد أصداغ مهدلة ... تفاح حسن به قد زين بستانه )
( خاف القطاف على بستان وجنته ... فشكوت حذر السراق حيطانه ) - البسيط -
وقوله
( حكت السماء ندى ... يديك فلم أطق سعيا إليك )
( وحكيتها يا سيدي ... بالدمع من أسفي عليك ) - مجزوء الكامل

30 - بنو المنجم
قد تقدم ذكر بعضهم في أهل العراق وهذا مكان من يحضرني شعره منهم وما منهم إلا أغر نجيب ولهم وراثة قديمة في منادمة الملوك والرؤساء واختصاص شديد بالصاحب وفيهم يقول
( لبني المنجم فطنة لهبيه ... ومحاسن عجمية عربيه )
( ما زلت أمدحهم وأنشر فضلهم ... حتى اتهمت بشدة العصبيه ) - الكامل -
وضرب السلامي المثل في السماع بأحدهم في قوله لعضد الدولة
( عبد رمى يفعا إليك مقشعا ... فالآن قد وخط المشيب عذاره )
( ولطالما أثني عليك فظن أن ... بني المنجم منطق أوتاره ) - الكامل -
أنشدت لهبة الله بن المنجم
( شكى إليك ما وجد ... من خانه فيك الجلد )
( حيران لو شئت اهتدى ... ظمآن لو شئت ورد )
( يا أيها الظبي الذي ... ألحاظه تردي الأسد )
( أما لأسراك فدى ... أما لقتلاك قود )
( الراح في إبريقها ... أحسن روح في جسد )
( فهاتها نصلح بها ... من الزمان ما فسد ) - مجزوء الرجز -
ولأبي عيسى بن المنجم

( آخ من شئت ثم رم منه شيئا ... تلف من دون ما تروم الثريا ) - الخفيف -
وسمعت أبا الفتح علي بن محمد البستي يقول أنشدت لأبي عيسى
( رغيف أبي علي حل خوفا ... من الأسنان ميدان السماك )
( إذا كسروا رغيف أبي علي ... بكى يبكي فيهو باكي ) - الوافر -
فبنيت عليه قولي لبعض من أطايبه
( لنا شيخ بفقحته يواسي ... ويحلق شاربيه بالمواسي )
( إذا بايته في جوف بيت ... فسا يفسو فساء فهو فاسي ) - الوافر -
ولأبي عيسى
( لوم النديم منغص ... طيب المجالس والندام )
( وسماحة الحر الكريم تزيد ... في طيب المدام )
( فإذا شربت الراح فاشربها مع النفر الكرام )
( وتنكبن ما اسطعت ... أخلاق اللئام بني اللئام ) - مجزوء الكامل -
ولأبي الفتح بن المنجم
( كنت أدعو عليه بالشعر حتى ... زاده الشعر في الأنام جمالا )
( وإذا كان هكذا كان خذلاني ... دقيقا وكان شؤمي جلالا )
( وأضر الأشياء أن عذولي ... في هواه أشد مني خبالا ) - الخفيف

ولأبي محمد بن المنجم
( إذا لم تنل همم الأكرمين ... وسعيهم وادعا فاغترب )
( فكم دعة أتعبت أهلا ... وكم راحة نتجت من تعب ) - المتقارب -
ولأبي الحسن بن المنجم
( هو الدهر لم تبدع علي صروفه ... ولم يأت شيئا لم أكن أتخيله )
( وما راعني المكروه إذ هو عادتي ... لديه ولكن راع قلبي تعجله )
( تعجل حتى كاد آخر فعله ... يجيء ولما ينقطع بعد أوله ) - الطويل -
وعمى ابن بابك على أبي الحسن بن المنجم بيتا هو
( بكر العواذل في الصباح ... يلمن من فرط اصطباحي ) - مجزوء الكامل -
فأخرجه أبو الحسن وكتب إليه
( بأبي وأمي أنت من ... خل أعز أخي سماح )
( عميت لي بيتا وجدتك ... فيه عفت بكور لاحي )
( فنقرته نقرا فطن ... ولاح من كل النواحي )
( ووجدته من قول ... مغرى بالخلاعة والمزاح )
( بكر العواذل في الصباح ... يلمن من فرط اصطباحي )
( فانشط وأبهم غيره ... ليجوب ظلمته صباحي )
( ويصح عندك في الحجى ... أن المعلى من قداحي ) - مجزوء الكامل -
فأجابه ابن بابك

( بأبي محاسن زرتني ... وبديعة سلت مزاحي
( وخلائق كالنور باح ... بسره نفس الصباح )
( وخلائق لو صورت ... سكنت أنابيب الرماح )
( كشفت ضباب حديقتي ... وأجابها مزن اقتراحي )
( فأتت تخايل في نظام ... هز أعطاف ارتياحي ) - مجزوء الكامل -
31 - أبو طاهر بن أبي الربيع
هو عمرو بن ثابت بن سعد بن علي الذي ذكره الصاحب في كتاب له وقال وأما قصيدة أبي طاهر بن أبي الربيع فأسن من الربيع ومن قطيعة الربيع وإنها لوثيقة الجزالة أنيقة الأصالة تنطق عن أدب مهيد الأسر شديد الأزر
وله عندنا أسلاف بر أرجو أن لا تبقى في ذمتنا حتى نقضيها فوعد الكريم ألزم من دين الغريم وأول قصيدته التي وصفها الصاحب
( أما لصاحبي بالعذيب معرج ... على دمن أكنافها تتأرج )
( وصهباء بكر يرسب الدر قعرها ... ومطفاه أعلى كأسها حين تمزج )
( سلام على عهد التصابي فإنني ... إلى الرتبة العليا بظلك أحوج )
( إليك ابن عباد شددنا غروضها ... وضوء النهار في دجا الليل يولج )
( وعبر عن مكنون ما في ضمائري ... خلوص ولائي والثناء المدبج ) - الطويل -
وقوله من قصيدة
( سحبت دلادلها على الغبراء ... سحب تثج ودائع الأنواء )

( والشمس تلحظ من خروق حجابها ... مرضى الجفون سقيمة الأضواء )
( وكأنما هتك الحجاب متيم ... عن غر وجه الغادة الحسناء )
( وكأن مولي الرياض ضرائر ... تزهى بخضرتها على الخضراء )
( قد أبرزت زهراتها وازينت ... وتعطرت وتبرجت للرائي )
( والنور منحسر القناع كما بدت ... للناظرين محاسن العذراء )
( والنبت ريان المهزة مائل ... شرق محاجر زهره بالماء )
( مسحت بأجنحة الصبا أعرافه ... وجلت مداوسها متون إضاء )
( فترى الظباء إذا وردن حيالها ... ككواعب قابلتهن مرائي ) - الكامل -
أخذه من قول ابن المعتز
( وترى الرياح إذا مسحن غديره ... صفينه ونقين كل قذاة )
( ما إن يزال عليه ظبي كارع ... كتطلع الحسناء في المرآة ) - الكامل -
32 - أبو الفرج الساوي
أشهر كتاب الصاحب بحسن الخط مع أخذه من البلاغة بأوفر الحظ وكان الصاحب يقول خط أبي الفرج يبهر الطرف ويفوت الوصف ويجمع صحة الأقسام ويزيد في نخوة الأقلام
وأما شعره فمن أمثل شعر الكتاب كقوله في مرثية فخر الدولة
( هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي )
( فلا يغرركم حسن ابتسامي ... فقولي مضحك والفعل مبكي )
( بفخر الدولة اعتبروا فإني ... أخذت الملك منه بسيف هلك )

( وقد كان استطال على البرايا ... ونظم جمعهم في سلك ملك )
( فلو شمس الضحى جاءته يوما ... لقال لها عتوا أف منك )
( ولو زهر النجوم أبت رضاه ... تأبى أن يقول رضيت عنك )
( فأمسى بعد ما قرع البرايا ... أسير القبر في ضيق وضنك )
( أقدر أنه لو عاد يوما ... إلى الدنيا تسربل ثوب نسك )
( دعي يا نفس فكرك في ملوك ... مضوا بل لإنقراض ويك فابكي )
( فلا يغني هلاك الليث شيئا ... عن الظبي السليب قميص مسك )
( هي الدنيا أشبهها بشهد ... يسم وجيفة طليت بمسك )
( هي الدنيا كمثل الطفل بينا ... يقهقه إذ بكى من بعد ضحك )
( ألا يا قومنا انتبهوا فإنا ... نحاسب في القيامة غير شك ) - الوافر -
وأنشدت له في وصف البرغوث
( وأصهب في قد شونيزة ... أقفز من فهد على خشف )
( يسهرني تخمشه دائبا ... وعبثه يعمل في حتفي ) - السريع -
33 - أبو الفرج بن هندو
وهو الحسين بن محمد بن هندو من أصحاب الصاحب وممن تخرجوا بمجاورته وصحبته فظهر عليهم حسن أثر الدخول في خدمته أنشدني أبو حفص عمرو بن علي المطوعي قال أنشدني أبو الفرج لنفسه بالري

( لا يوحشنك من مجد تباعده ... فإن للمجد تدريجا وتدريبا )
( إن القناة التي شاهدت رفعتها ... تنمي فتصعد أنبوبا فأنبوبا ) - البسيط -
وأنشدني أيضا له
( يسر زماني أن أناط بأهله ... وآنف أن أعزى إليه لجهله )
( ويعجبني أن أخرتني صروفه ... فتأخيرها الإنسان برهان فضله )
( فإنا رأينا قائم السيف كلما ... تقلده الأبطال قدام نصله ) - الطويل -
وله أيضا في الغزل
( تقول لو كان عاشقا دنفا ... إذا بدت صفرة بخديه )
( لا تنكريه فإن صفرته ... غطت عليها دماء عينيه ) - المنسرح -
وله
( عابوه لما التحى فقلنا ... عبتم وغبتم عن الجمال )
( هذا غزال وما عجيب ... تولد المسك في الغزال ) - مخلع البسيط -
وقال
( كم من ملح على أذاه ... يسل من فكه حساما )
( صب قذى القول في صماخي ... فصار حلمي له فداما ) - مخلع البسيط -
قال مؤلف الكتاب قد كان اتفق لي في أيام صباي معنى بديع لم أقدر أني سبقت إليه ولا ظننت أني شوركت فيه وهو قولي في آخر هذه الأبيات الأربعة

( قلبي وجدا مشتعل ... على الهموم مشتمل )
( وقد كستني في الهوى ... ملابس الصب الغزل )
( إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها حجل )
( إذا زنت عيني بها ... فبالدموع تغتسل ) - مجزوء الرجز -
وأنشدني أبو حفص من قصيدة لأبي الفرج
( يقولون لي ما بال عينك مذ رأت ... محاسن هذا الظبي أدمعها مطل )
( فقلت زنت عيني بطلعة وجهه ... فكان لها من صوب أدمعها غسل ) - الطويل -
فصح عندي تشارك الخواطر وتواردها في المعاني إذ لم يكن مجال للظن في سرقة أحدنا من الآخر والله أعلم بحقيقة الحال
ومن غرر صاحبياته قصيدته التي أولها
( لها من ضلوعي أن يشب وقودها ... ومن عبراتي أن تفض عقودها )
( بذلت لها الدمع المصون وإن غدت ... تمانعني في نظرة أستفيدها )
( سلام عليها حيث حلت فإنني ... عدمت فؤادي منذ عز وجودها )
( وكم ليلة زارت وقد لان أهلها ... وسامح واشيها وغاب حسودها )
( فحلت بتضييق العناق عقودها ... وحلي من در المدامع جيدها )
( وركب أطار والنوم عنهم وأججوا ... من العزم نارا مستنيرا وقودها )
( على كل هوجاء النجاة كأنها ... تطير فما يؤذي الصخور وخودها )
( تؤم بهم بحر الفضائل والعلا ... ولا سفن إلا رحلها وقتودها )
( يجوزون أجواز السباسب باسمه ... فيصفر داجيها ويدرج بيدها )

( فقد ملكوا العلياء إذ عبدوا السرى ... ولن يملك العلياء إلا عبيدها )
( إليك تحملنا أماني أجدبت ... على ثقة أن النجاح يجودها ) - الطويل -
ومنها في وصف الجيش والحرب
( وشبهاء يثني الشهب كمتا نجيعها ... إذا قارعت والكمت شهبا كديدها )
( تبدت لنا في روضة تنبت القنا ... بماء الطلى أغوارها ونجودها )
( أدارت سقاة البيض والسمر بيننا ... كؤوس المنايا حيت غنى حديدها )
( شفيت غليل الطير منها موسعا ... قراها وهامات الكماة سهودها )
( غمائم إيماض السيوف بروقها ... لديها وإرزام الخيول رعودها )
( ولا غيث إلا أن يصب على العدا ... بنوء الظبا حمر المنايا وسودها )
( يبشرك الينروز باليمن مطلعا ... عليك نجوما ما تغيب سعودها )
( فدم تدفع الجلى وتفترع العلا ... وتبدأ أفعال الندى وتعيدها )
( كسونا بك الأشعار فخرا وزينة ... فخيم بين الشعريين قصيدها )
( وسار بها الركبان في كل بلدة ... ولولاك ما جزاء اللهاة نشيدها )
وملح أبي الفرج كثيرة ولا يسع هذا الباب إلا هذا الأنموذج منها

الباب السابع في ذكر سائر شعراء الجبل والطارئين عليه من العراق وغيرها وملح أخبارهم وأشعارهم
34 - أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المقيم
كان بهمذان من أعيان العلم وأفراد الدهر يجمع إتقان العلماء وظرف الكتاب والشعراء وهو بالجبل كابن لنكك بالعراق وابن خالويه بالشام وابن العلاف بفارس وأبي بكر الخوارزمي بخراسان وله كتب بديعة ورسائل مفيدة وأشعار مليحة وتلامذة كثيرة منهم بديع الزمان وأنا أكتب من رسالة لأبي الحسين كتبها لأبي عمرو محمد بن سعيد الكاتب فصلا في نهاية الملاحة يناسب كتابي هذا في محاسن أهل العصر ويتضمن أنموذجا من ملح شعراء الجبل وغيرها من العصريين وظرف أخبارهم كأبي محمد القزويني وابن الرياشي والهمذاني المقيم بشيراز وابن المناوي وأبي عبد الله المغسلي المراغي وغيرهم ثم أورد ما وقع إلي من ملح أبي الحسين إن شاء الله تعالى
الفصل من الرسالة المذكورة
ألهمك الله الرشاد وأصحبك السداد وجنبك الخلاف وحبب إليك الإنصاف وسبب دعائي بهذا لك إنكارك على أبي الحسن محمد بن علي العجلي تأليفه كتابا في الحماسة وإعظامك ذلك ولعله لو فعل حتى يصيب الغرض الذي يريده ويرد المنهل الذي يؤمه لأستدرك من جيد الشعر ونقيه ومختاره ورضيه كثيرا مما فات المؤلف الأول فماذا الإنكار ولمه هذا

الإعتراض ومن ذا حظر على المتأخر مضادة المتقدم ولمه تأخذ بقول من قال ما ترك الأول للآخر شيئا وتدع قول الآخر كم ترك الأول للآخر وهل الدنيا إلا أزمان ولكل زمان منها رجال وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إلا خطرات الأوهام ونتائج العقول ومن قصر الآداب على زمان معلوم ووقفها على وقت محدود ولمه لا ينظر الآخر مثل ما نظر الأول حتى يؤلف مثل تأليفه ويجمع مثل جمعه ويرى في كل ذلك مثل رأيه وما تقول لفقهاء زماننا إذا نزلت بهم من نوادر الأحكام نازلة لم تخطر على بال من كان قبلهم أو ما علمت أن لكل قلب خاطرا ولكل خاطر نتيجة ولمه جاز أن يقال بعد أبي تمام مثل شعره ولم يجز أن يؤلف مثل تأليفه ولمه حجرت واسعا وحظرت مباحا وحرمت حلالا وسددت طريقا مسلوكا وهل حبيب إلا واحد من المسلمين له ما لهم وعليهم ما عليهم ولم جاز أن يعارض الفقهاء في مؤلفاتهم وأهل النحو في مصنفاتهم والنظار في موضوعاتهم وأرباب الصناعات في جميع صناعاتهم ولم يجز معارضة أبي تمام في كتاب شذ عنه في الأبواب التي شرعها فيه أمر لا يدرك ولا يدري قدره ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير ولذهب أدب غزير ولضلت أفهام ثاقبة ولكلت ألسن لسنة ولما توشى أحد الخطابة ولا سلك شعبا من شعاب البلاغة ولمجت الأسماع كل مردد مكرر وللفظت مقلوب كل مرجع ممضغ وحتام لا يسأم
( لو كنت من زمان لم تستبح إبلي ... )
وإلى متى
( صفحنا عن بني ذهل ... )

ولمه أنكرت على العجلي معروفا واعترفت لحمزة بن الحسين ما أنكره على أبي تمام في زعمه أن في كتابه تكريرا تصحيفا وإيطاء وإقواء ونقلا لأبيات عن أبوابها إلى أبواب لا تليق بها ولا تصلح لها إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة وأمور عليلة ولمه رضيت لنا بغير الرضى وهلا حسبت على إثارة ما غيبته الدهور وتجديد ما أخلقته الأيام وتدوين ما نتجته خواطر هذا الدهر وأفكار هذا العصر على أن ذلك لو رامه رائم لأتعبه ولو فعله لقرأت ما لم ينحط عن درجة من قبله من جد يروعك وهزل يروقك واستنباط يعجبك ومزاح يلهيك
وكان يقزوين رجل معروف بأبي محمد الضرير القزويني حضر طعاما وإلى جنبه رجل أكول فأحس أبو حامد بجودة أكله فقال
( وصاحب لي بطنه كالهاويه ... كأن في أمعائه معاويه ) - الرجز -
فانظر إلى وجازة هذا اللفظ وجودة وقوع الأمعاء إلى جنب معاوية وهل ضر ذلك أن لم يقله حماد عجرد وأبو الشمقمق وهل في إثبات ذلك عار على مثبته أو في تدوينه وصمت على مدونيه
وبقزوين رجل يعرف بابن الرياشي القزويني نظر إلى حاكم من حكامها من أهل طبرستان مقبلا عليه عمامة سوداء وطيلسان أزرق وقميص شديد البياض وخفه أحمر وهو مع ذلك كله قصير على برذون أبلق هزيل الخلق طويل الحلق فقال حين نظر إليه
( وحاكم جاء على أبلق ... كعقعق جاء على لقلق ) - السريع -
فلو شاهدت هذا الحاكم على فرسه لشهدت للشاعر بصحة التشبيه وجودة

التمثيل ولعلمت أنه لم يقصر عن قول بشار
( كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ) - الطويل -
فما تقول لهذا وهل يحسن ظلمه في إنكار إحسانه وجحود تجويده
وأنشدني الأستاذ أبو علي محمد بن أحمد بن الفضل لرجل بشيراز يعرف بالهمذاني وهو اليوم حي يرزق وقد عاب بعض كتابها على حضوره طعاما مرض منه
( وفيت الردى وصروف العلل ... ولا عرفت قدماك الزلل )
( شكا المرض المجد لما مرضت ... فلما نهضت سليما أبل )
( لك الذنب لا عتب إلا عليك ... لماذا أكلت طعام السفل )
( طعام يسوي ببتع النبيذ ... ويصلح من حذر ذاك العمل ) - المتقارب -
وأنشدني له في شاعر هو اليوم هناك يعرف بابن عمرو الأسدي وقد رأيته فرأيت صفة وافقت الموصوف
( وأصفر الليون أزرق الحدقه ... في كل ما يدعيه غير ثقه )
( كأنه مالك الحزين إذا ... هم برزق وقد لوى عنقه )
( إن قمت في هجوه بقافية ... فكل شعر أقوله صدقه ) - المنسرح -
وأنشدني عبد الله بن شاذان القاري ليوسف بن حمويه من أهل قزوين ويعرف بابن المنادى
( إذا ما جئت أحمد مستميحا ... فلا يغررك منظره الأنيق )
( له لطف وليس لديه عرف ... كبارقة تروق ولا تريق

( فما يخشى العدو له وعيدا ... كما بالوعد لا يثق الصديق ) - الوافر -
وليوسف محاسن كثيرة وهو القائل ولعلك سمعت به
( حج مثلي زيارة الخمار ... واتقنائي العقار شرب العقار )
( ووقاري إذا توقر ذو الشيبة ... وسط الندى ترك الوقار )
( ما أبالي إذا المدامة دامت ... عذل ناه ولا شناعة جاري )
( رب ليل كأنه فرع ليلي ... ما به كوكب يلوح لساري )
( قد طويناه فوق خشف كحيل ... أحور الطرف فاتر سحار )
( وعكفنا على المدامة فيه ... فرأينا النهار في الظهر جاري ) - الخفيف -
وهي مليحة كما ترى وفي ذكرها كلها تطويل والإيجاز أمثل وما أحسبك ترى بتدوين هذا وما أشبهه بأسا
ومدح رجل بعض أمراء البصرة ثم قال بعد ذلك وقد رأى توانيا في أمره قصيدة يقول فيها كأنه يجيب سائلا
( جودت شعرك في الأمير فكيف أمرك قلت فاتر ... ) - مجزوء الكامل -
فكيف تقول لهذا ومن أي وجه تأتي فتظلمه وبأي شيء تعانده فتدفعه عن الإيجاز والدلالة على المراد بأقصر لفظ وأوجز كلام وأنت الذي أنشدتني
( سد الطريق على الزمان ... وقام في وجه القطوب ) - مجزوء الكامل -
كما أنشدتني لبعض شعراء الموصل
( فديتك ما شبت عن كبرة ... وهذي سني وهذا الحساب )
( ولكن هجرت فحل المشيب ... ولو قد وصلت لعاد الشباب ) - المتقارب

فلم لم تخاصم هذين الرجلين في مزاحمتهما فحولة الشعراء وشياطين الإنس ومردة العالم في الشعر وأنشدني عبد الله المغلسي المراغي لنفسه
( غداة تولت عيسهم فترحلوا ... بكيت على ترحالهم فعميت )
( فلا مقلتي أدت حقوق ودادهم ... ولا أنا عن عيني بذاك رضيت ) - الطويل -
وأنشدني أحمد بن بندار لهذا الذي قدمت ذكره وهو اليوم حتى يرزق
( زارني في الدجى فنهم عليه ... طيب أردانه لدى الرقباء )
( والثريا كأنها كف خود ... أبرزت من غلالة زرقاء ) - الخفيف -
وسمعت أبا الحسين السروجي يقول كان عندنا طبيب يسمى النعمان ويكنى أبا المنذر فقال فيه صديق لي
( أقول لنعمان وقد ساق طبه ... نفوسا إلى باطن الأرض )
( أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض ) - الطويل -
وهذه ملح من شعر أبي الحسين بن فارس منها قوله في الشكوى
( سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم )
( وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم )
( نسيت الذي أحسنته غير أنني ... مدين وما في جوف بيتي درهم ) - الطويل

وله
( وقالوا كيف حالك قلت خير ... تقضى حاجة وتفوت حاج )
( إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوما يكون لها انفراج )
( نديمي هرتي وأنيس نفسي ... دفاتر لي ومعشوقي الشراب ) - الوافر -
وقوله
( كل يوم لي من ... سلمى عتاب وسباب )
( وبأدنى ما ألاقي ... منهما يودي الشباب ) - مجزوء الرمل -
وقوله
( يا ليت لي ألف دينار موجهة ... وأن حظي منها فلس إفلاس )
( قالوا فما لك منها قلت يخدمني ... لها ومن أجلها الحمقى من الناس ) - البسيط -
وقوله
( مرت بنا هيفاء مقدودة ... تركية تنمي إلي الترك )
( ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي ) - السريع -
وقوله
( قالوا لي اختر فقلت ذا هيف ... بي عن وصال وصده برح )
( بدر مليح القوام معتدل ... قفاه وجه ووجهه ربح ) - المنسرح -
وقوله
( اسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقه )
( إياك واحذر أن تبيت من الثقات على ثقه ... ) - مجزوء الكامل

وقوله
( إذا كان يؤذيك حر المصنف ... وكرب الخريف وبرد الشتا )
( ويلهيك حسن زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لي متى ) - المتقارب -
وقوله
( وصاحب لي أتاني يستشير وقد ... أدار في جنبات الأرض مضطربا )
( قلت اطلب أي شيء شئت واسع ورد ... عند الموارد إلا العلم والأدبا ) - البسيط -
وقوله
( إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم )
( فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدرهم ) - المتقارب -
وقوله
( عتبت عليه حين ساء صنيعه ... وآليت لا أمسيت طوع يديه )
( فلما خبرت الناس خبر مجرب ... ولم أر خيرا منه عدت إليه ) - الطويل -
أخذه من قول القائل
( عتبت على سلم فلما هجرته ... وجربت أقواما رجعت إلى سلم ) - الطويل -
وقوله
( تلبس لباس الرضا بالقضا ... وخل الأمور لمن يملك )
( تقدر أنت وجاري القضاء ... مما تقدره يضحك ) - المتقارب

35 - براكويه الزنجاني المعروف بالثلول
كل ما سمعت من شعره ملح وظرف ونكت لا يسقط منها بيت أنشدني بديع الزمان له
( مضى العمر الذي لا يستعاد ... ولما يقض من ليلى مراد )
( بليت وذكرها عندي جديد ... وشاب الرأس واسود الفؤاد )
( تواصى للرحيل بنوا أبيها ... فقلت لغير رأيكم السداد ) - الوافر -
وأنشدني أبو نصر المغلسي قال أنشدني براكويه لنفسه في غلامه يوسف
( مضى يوسف عنا بتسعين درهما ... وعاد وثلث المال في كف يوسف )
( وكيف يرجى بعد هذا صلاحه ... وقد ضاع ثلثا ماله في التصرف ) - الطويل -
وأنشدني غيره له
( وأهيف نالت الأيام منه ... غداة أظل عارضه السواد )
( تعرض لي ومرض مقلتيه ... فما وريت له عندي زناد )
( وقلت ارجع وراءك وابغ نورا ... أجئت الآن إذ ظهر الفساد )
( فغيرك من يصيد بمقلتيه ... وغنجهما وغيري من يصاد ) - الوافر -
وقوله
( اقسم زمانك بين الورد والآس ... واطلب سرورك بين الكيس والكاس )
( واجعل طبيبك ذا واجعل أنيسك ذا ... واخطب إلى الناس ود الناس بالياس )
( وقد مضى الناس فانظر ما الذي صنعوا ... ولا تكن لرسوم الناس بالناسي ) - البسيط

وقوله
( خرجت مباركا من باب داري ... أحاول حاجة فإذا زهير )
( فلم أثن العنان وقلت أمضي ... فوجهك يا زهير خرا وخير ) - الوافر -
وقوله
( هلم إلينا يا أخا الفضل والحجى ... فإن لدينا من صنوف الأطايب )
( أطايب لهو من سرور ولذة ... ومن طيبات الرزق قدر لطالب )
( مطيبة بكر بخاتم نارها ... وخطابها يأتون من كل جانب )
( وأنت لها أولاهم بافتضاضها ... فحي عليها الآن يا خير صاحب ) - الطويل -
36 - أبو الحسن علي بن محمد بن مأمون الأبهري
أنشدني عون بن الحسين الهمذاني قال أنشدني ابن مأمون الأبهري لنفسه
( ألا يعجب الناس مما دعوت ... يا للأنام لفقد الكرم )
( تيممت أحمد في حاجة ... فقابلني بحجاب أصم )
( وإن الفتى لحقيق بأن ... يهان إذا خف منه القدم )
( ومستخبر كنه ما بيننا ... من الحال قلت أخ وابن عم )
( كلانا إلى منسب نعتزي ... وتجمعنا آصرات الرحم )
( ولكن له الفضل في أنه ... يصول بقرن وأني أجم ) - المتقارب -
وأنشدني أيضا له

( خليلي ماذا أرتجي من غد امرىء ... طوى الكشح عني اليوم وهو مكين )
( وإن امرءا قد ضن عنك بمنطق ... يسد به فقر امرىء لضنين ) - الطويل -
وله
( ما كل من جدد الزمان له ... إلفا تناسى حبيبه الأول )
( إن كنت يا سيدي ويا أملي ... شغلت عني فعنك لم أشغل )
( حسبك أني من طول هجرك لا ... أدري نهاري أم ليلتي أطول ) - المنسرح -
وله
( متى ترغب إلى الناس ... تكن للناس مملوكا )
( وإن أنت تخففت ... على الناس أحبوكا )
( وإن ثقلت عافوك ... وملوك وسبوكا )
( إذا ما شئت أن تعصي ... فمر من ليس يرجوكا )
( وسل من ليس يخشاك ... فيدمي عندها فوكا ) - الهزج -
37 - أبو علي الحسن بن محمد الضبيعي
من بعض كور الجبل يقول في وصف مجمرة ومدخنة
( ومنحوتة من جنس قلبك قسوة ... برزت بها في مثل قدك لينا )
( حوت جمرة في لون خدك حمرة ... وفي حر أحشائي هوى وحنينا )
( يذكرني ما فاح من عرف ندها ... شهورا مضت في وصلنا وسنينا ) - الطويل -
وله في وصف المجمرة

( ومبرقة والبر تنوي وما نوت ... جفاي ولا إبراقها بعقوق )
( لها قسطل في كل ناد تثيره ... على كل خل مخلص وصديق )
( أتت حاملا شمسا توقد في دجا ... وأبناء حام في برود عقيق )
( كأن دخان الند من فوق جمرها ... بقايا ضباب في رياض شقيق ) - الطويل -
وله
( ولما عدتني عنه بادرة النوى ... أبى القلب مني أن يسير مع الركب )
( فسرت وقد خلفت قلبي عنده ... فيا من رأى شخصا يسير بلا قلب ) - الطويل -
وله في غلام تركي
( أضيغم أم غزال ذاك أم بشر ... شمس تزيت بزي الترك أم قمر )
( لقد تحير وصفي في حقيقته ... كما تحير في أجفانه الحور ) - البسيط -
وله
( أنا مملوك لمملوك ... وللدهر صروف )
( أيها السائل عن مولاي ... مولاي وصيف )
( يا غزالا لحظ عينيه ... منايا وحتوف )
( ما الذي ورد خديك ... ربيع أم خريف ) - مجزوء الرمل -
38 - أبو الحسين علي بن الحسين الحسني الهمذاني
من علية العلوية ومحاسن الحسنية وكان الصاحب صاهره بكريمته التي

هي واحدته فرزق منها عباد بن علي الذي تقدم ذكره ولما قال الصاحب قصيدته المعراة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولا في المنظوم والمنثور وأولها
( قد ظل يجرح صدري ... من ليس يعدوه فكري ) - المجتث -
وهي في مدح أهل البيت تبلغ سبعين بيتا تعجب الناس منها وتداولتها الرواة
( فسرت مسير الشمس في كل بلدة ... وهبت هبوب الريح في البر والبحر ) - الطويل -
فاستمر الصاحب على تلك المطية وعمل قصائد كل واحدة خالية من حرف من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون معراة من الواو فانبرى أبو الحسين لعملها وقال قصيدة فريدة ليس فيها واو ومدح الصاحب في عرضها أولها
( برق ذكرت به الحبائب ... لما بدا فالدمع ساكب )
( أمدامعي منهلة ... هاتيك أم غزر السحائب )
( نثرت لآلي أدمع ... لم يفترعها كف ثاقب )
( يا ليلة قد بتها ... بمضاجع فيها عقارب )
( لما سرت ليلى تخب لنآيها عنا الركائب )
( جعلت قسي سهامها ... إن ناضلته عقد حاجب )
( لم يخط سهم أرسلته إن سهم اللخط صائب )
( تسقيك ريقا سكره ... إن قسته للخمر غالب )
( كم قد تشكى خصرها ... من ضعفه ثقل الحقائب )
( كم أخجلت بضفائر ... أبدت لنا ظلم الغياهب )

( إخجال كف الصاحب القرم ... المرجى للسحائب )
( ملك تلألأ من معاقد ... عزه شرف المناصب )
( نشأت سحائب رفده ... في الخلق تمطر بالرغائب )
( خذها إليك فإنني ... نقحتها من كل عائب )
( ألفيت ما لاقيت من ... إلقائه إحدى المصاعب )
( حرفا يعلل كل حرف ... حل من لفظ المخاطب )
( هاذاك ترب الهاء إن ... لم أبده فالنهج لاحب )
( لكن لم تمثال قاف ... خطه في السطر كاتب )
( أني اغترفت خليجها ... من بحرك العذب المشارب )
( فانعم بملك دائبا ... ما حج بيت الله راكب ) - مجزوء الكامل -
وله في دار بعض الملوك
( دار علت دار الملوك بهمة ... كعلو صاحبها على الأملاك )
( فكأنها من حسنها وبهائها ... بنيت قواعدها على الأفلاك ) - الكامل -
39 - أبو سعد علي بن محمد بن خلف الهمذاني
أحد أفراد الزمان الذين ملكو القلوب بفضلهم وعمروا الصدور بودهم يرجع إلى أدب غزير وفضل كثير ويقول شعرا بارعا كأنما أوحى بالتوفيق إلى صدره وحبس الصواب بين طبعه وفكره وكان الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي جاز به عند منصرفه من الحج فخذمه أبو سعد بنفسه ونظمه ونثره وانعقدت بينهما معاقدة المشالكة وصدافة المناسبة
ولما أنشده الأمير

أبياتا لأبي الفتح علي بن محمد البستي مشابهة القوافي قال أبو سعد أبياتا فيه على سبيل أبي الفتح فيها نهج وعلى منواله نسج فمنها قوله
( ما سر مولاي نبي الهدى ... بوحي جبريل وميكال )
( إلا قريبا من سروري بما ... رزقت من ود ابن ميكال )
( لكن نواه قد أطاشت دمي ... فالله فيه لدمي كالي ) - السريع -
وقوله
( أبي الفضل أن يحظى به غير أهله ... من الناس فاختص الأمير أبا الفضل )
( وإني وإن أصبحت حرا فإنني ... عبيد عبيد الله ذي المن والفضل )
( هل الفضل إلا ما حوته خلاله ... وما بعده فضل يعد من الفضل ) - الطويل -
ومما وقع إلي بعد ذلك من غرر شعره التي رضي فيها عن طبعه قوله
( أصرح بالشكوى ولا أتأول ... إذا أنت لم تجمل فلم أتجمل )
( أفي كل يوم من هواك تحامل ... علي ومني كل يوم تحمل )
( وإني على ما كان منك لصابر ... وإن كان من أدناه يذبل يذبل )
( وما أدعي أني جليد وإنما ... هي النفس ما حملتها تتحمل ) - الطويل -
وأنشدني أبو حفص عمر بن علي له
( زاد غرامي لها ... فطر غمام سكبا )
( فعاقني عن قصدكم ... كما تعوق الرقبا )
( وكان عهدي قبل ذا ... بالماء يطفي اللهبا )
( فكيف قد فارق لي ... طباعه وانقلبا )

( وهكذا الدهر يرى ... في كل يوم عجبا ) - مجزوء الرجز -
40 - أبو علي الحسين بن أبي القاسم القاشاني
شاعر حسن الشعر كثير الملح والنكت أنشدني غير واحد له
( عيني مذ شطت الديار بكم ... تحكي سماء والدمع أنجمها )
( كأن في وجنتي أبالسة ... تسترق السمع وهي ترجمها ) - المنسرح -
وأنشدني أبو منصور اللجيمي الدينوري قال أنشدني أبو علي لنفسه في العنب
( نهاني عذولي بل لحاني إذ رأى ... ولوعي بالأعناب أكثر قضمها )
( فقلت له الصهباء كانت عشيقتي ... فقد ألزمتني رقة الحال صرمها )
( فعللت بالأعناب نفسي كمنعظ ... نأت عرسه عنه فواقع أمها ) - الطويل -
وأنشدني ايضا قال أنشدني أيضا لنفسه
( يا ليلة جمعتني والمدام ومن ... أهواه في روضة تحكي الجنان لنا )
( لأشكرنك ما ناحت مطوقة ... على الغصون كما طوقتني مننا ) - البسيط -
وأنشدني غيره لأبي علي
( أليس عجيبا أن جسمي ناحل ... نحول خلال بل نحول هلال )
( وأحمل ثقلا في الهوى لا تقله ... متون جمال بل متون جبال ) - الطويل

وأنشدني أبو حفص عمر بن علي قال أنشدت بالري لأبي علي
( قل للذي يظهر التبرم بي ... وبالرقاع التي أسطرها )
( حاجة مثل إليك عارفة ... عندك بالله لست تشكرها ) - المنسرح -
41 - أبو القاسم عمر بن عبد الله الهرندي
أنشدني الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي له
( الريح تحسدني عليك ... ولم أخلها في العدا )
( لما هممت بقبلة ... ردت على الوجه الردا ) - مجزوء الكامل -
وأنشدني له
( وقالوا أي شيء منه أحلى ... فقلت المقلتان المقلتان )
( نعم والطرتان هما اللتان ... على عمر الهرندي فتنتان ) - الوافر -
وأنشدني هرون بن جعفر الصيمري قال أنشدني عمر الهرندي لنفسه
( لا أحب المدام إلا العتيقا ... ويكون المزاج من فيك ريقا )
( إن بين الضلوع مني نارا ... تتلظى فكيف لي أن أطيقا )
( بحياتي عليك يا من سقاني ... أرحيقا سقيتني أم حريقا ) - الخفيف -
وعلى ذكر الحريق والرحيق فقد قال بعض أهل نيسابور
( وعقار عيش من عاقرها ... عيش رشيق )
( فهي للأنس نظام ... وإلى اللهو طريق )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12