كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس

وقال
( قد وقع الصلح على غلتي ... فاقتسموها كارة كاره )
( لا يدبر البقال إلا إذا ... تصالح السنور والفاره ) - السريع -
وقال وقد سأل صديق عن حاله والعمال يصادرونه
( أيها السائل عن حالي ... أنا المضروب زيد )
( وأنا المحبوس لكن ... ليس في رجلي قيد ) - الرمل -
وقال
( وقائل هو رأس العمال ... بين الناس )
( والرأس يصلح إن لم ... ينفعك للرواس )
( هذا هو الحق والحق ... ما به من باس ) - المجتث -
وقال
( فقر وذل وخمول معا ... أحسنت يا جامع سفيان ) - السريع -
وقال
( الحمد لله إن لي أملا ... أنا إلى الخص منه أستند ) - المنسرح -
وقال
( إن كنت تحتقر العتاب تكبرا ... فالفيل يعمل فيه قرص البرغش ) - الكامل

وقال
( وما الشيء للمرء يحتاله ... ولكنه للفتى يرزقه ) - المتقارب -
وقال
( دعوت نداك من ظمئي إليه ... فعناني بقيعتك السراب )
( سراب لاح يلمع في سباخ ... فلا ماء لديه ولا شراب )
( وليس الليث من جوع بغاد ... على جيف تحيط بها كلاب ) - الوافر -
وقال
( مستحيل المعنى يصلى إلى الحشر ... ويخرى في جانب المحراب ) - الخفيف -
أنصاف أبيات له وأبيات في الأمثال
قال
( ورب كلام تستثار به الحرب ... ) - الطويل -
قال
( حتى متى ترقص في زورقي ... ) - السريع -
وقال
( خود تزف إلى ضرير مقعد ... ) - الكامل

وقال
( أصبحت أخلق منك بالزبد ... ) - الكامل -
وقال
( تفور من نصف خوصة قدري ... ) - المنسرح -
وقال
( فقلت من يفسو على الكنيف ) - الرجز -
وقال
( عجبت من الزمان وأي شيء ... عجيب لا أراه من الزمان )
( أتأخذ قوت جرذان عجاف ... فتجعله لأوعال سمان ) - الوافر -
وقال
( وقد غمزوا مع العيدان عودي ... ليختبروا الصحيح من المريب )
( فلان الخروع الخوار منا ... وبان تكرم النبع الصليب ) - الوافر -
وقال في بواب أعور حجبه عن رئيس
( سمعت فيمن مات أو من بقي ... بمقبل بوابه أعور )
( واللوزة المرة يا سيدي ... يفسد في الطعم بها السكر ) - السريع -
وقال
( ولي شفيع إليك شرفني ... إيجابه لي وزاد في قدري )

( نبهت منه لحاجتي عمرا ... ولم أعول فيها على عمرو ) - المنسرح -
يريد قول بشار
( إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبه لها عمرا ثم نم ) - المتقارب -
وللآخر
( المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار ) - البسيط -
وقال
( عذرت الأسد أن صليت بناري ... مخاطرة فما بال الكلاب )
( وأزواج الحرائر لم يجابوا ... لدي فكيف أزواج القحاب ) - الوافر -
وقال وقد قال له بعض الرؤساء ما أشبهك في الإبرام إلا بابن أبي رافع
( ضربت في الإبرام يا سيدي ... لي مثلا بابن أبي رافع )
( فقلت في ذلك لا تعجبوا ... من متخم يفسو على جائع ) - السريع -
وقال
( إني بليت بأقوام مواعدهم ... تزيدني فوق ما ألقاه من محن )
( ومن يذق لسعة الأفعى وإن سلمت ... منها حشاشته يفزع من الرسن ) - البسيط

الشكوى ووصف سوء الحال
قال في ابن العميد
( فداؤك نفس عبد أنت مولى ... له يرجوك يا خير الموالي )
( حديثي منذ عهدك بي طويل ... فهل لك في الأحاديث الطوال )
( وجملة ما يعبره مقالي ... حصول استي على حر المقالي )
( وأني بين قوم ليس فيهم ... فتى ينهى إلى الملك اختلالي )
( فلحمي ليس تطبخه قدوري ... وحوتي ليس تقليه المقالي )
( ومائي قد خلت منه جبابي ... وخبزي قد خلت منه سلالي )
( وكيسي الفارغ المطروح خلفي ... بعيد العهد بالقطع الحلال )
( أفكر في مقامي وهو صعب ... أصعب منه عن وطني ارتحالي )
( فبي مرضان مختلفان حالي العليلة ... منهما تمسي بحال )
( إذا عالجت هذا جف كبدي ... وإن عالجت ذاك ربا طحالي ) - الوافر -
وكان يكتب في حداثته لرئيس فتأخر عنه فكتب يسأله عن حاله في تأخره فكتب إليه
( سألت يا مولاي عن قصتي ... وما اقتضى بالرسم إخلالي )
( ليست بجسمي علة تشتكي ... وإنما العلة في حالي )
( وذاك داء لم تزل ضامنا ... من سقمه برئي وإبلالي ) - السريع -
وقال
( خليلي قد اتسعت محنتي ... علي وضاقت بها حيلتي )

( عذرت عذاري في شيبه ... وما لمت أن شمطت لمتي )
( إلى كم يخاسسني دائما ... زماني المقبح في عشرتي )
( تحيفني ظالما غاشما ... وكدر بعد الصفا عيشتي )
( وكنت تماسكت فيما مضى ... فقد خانني الدهر في مسكتي )
( إلى منزل لا يواري إذا ... تحصلت فيه سوى سوأتي )
( مقيما أروح إلى منزل ... كقبري وما حضرت ميتتي )
( إذا ما ألم صديقي به ... على رغبة منه في زورتي )
( فرشت له فيه بسط الحديث ... من باب بيتي إلى صفتي )
( ومعدته في خلال الكلام ... تشكو خواها إلى معدتي )
( وقد فت في عضدي ما به ... ولكن عليه غلبت علتي )
( وأغدو غدوا مليا بأن ... يزيد به الله في شقوتي )
( فأية دار تيممتها ... تيمم بوابها حجتي )
( وإن أنا زاحمت حتى أموت ... دخلت وقد خرجت مهجتي )
( فيرفعني الناس عند الوصول ... إليهم وقد سقطت عمتي )
( وإن نهضوا بعد للإنصراف ... أسرعت في إثرهم نهضتي )
( وإن قدموا خيلهم للركوب ... خرجت فقدمت لي ركبتي )
( وفي جمل الناس غلمانهم ... وليس سوائي في جملتي )
( ولا لي غلام فأدعو به ... سوى من أبوه أخو عمتي )
( ركنت مليحا أروق العيون ... أيضا فقد قبحت خلقتي )
( يعرق خدي جفاف الهزال ... وحاف الشناج على وجنتي )

( وقوسني الهم حتى انطويت ... فصرت كأني أبو جدتي )
( وكان المزين فيما مضى ... تكسر أمشاطه طرتي )
( وكنت برأس كلون الغداف ... فقد صرت أصلع من فيشتي )
( ويا رب بيضاء رود الشباب ... كانت تحن إلى وصلتي )
( فصارت تصد إذا أبصرت ... مشيبي وتغضب من صلعتي )
( على أنني قلت يوما لها ... وقد أمضت العزم في هجرتي )
( دعي عنك ما فوقه عمتي ... فإن جمالي ورا تكتي )
( هنالك أير يسر العيون ... طويل عريض على دقتي )
ومنها
( سوى أن قلبي قد صرفته ... في شغله بالأسى عطلتي )
( وكانت بتكريت لي غلة ... فغلت بأجمعها غلتي )
( أغاروا على سمسمي غارة ... تعدت فأنضت إلى حنطتي )
( فلا أزال في نقمة كل من ... أزال بحيلته نعمتي ) - المتقارب -
وقال
( قد قنعنا فهات خبزا بلحم ... أنا من شدة الخوى في السياق )
( فرجي أن أشم رائحة اللحم ... ولو كان من فسا مراق ) - الخفيف -
وقال
( ما حال من يأوي إلى منزل ... أرفق منه المسجد الجامع )

( لا يرتوى العطشان فيه ولا ... يلحق ما يقتاته الجائع )
( وسوقه كاسدة بينكم ... لا مشتر فيها ولا بائع ) - السريع -
وقال
( أتعشى بغير خبز وهذا ... خبري منذ مدة في غدائي )
( فأنا اليوم من ملائكة الدولة ... وحدي أحيا بغير غذاء )
( آية لم تكن لموسى بن عمران ... ولا غيره من الأنبياء ) - الخفيف -
نبذ من لطائف نوادره في أنواع الكدية
قال
( هذا وأيام أكلي ... عند الملوك الكبار )
( ما كنت أفطر إلا ... على كبود القماري )
( مشوية وقلايا ... فاليوم سنور داري )
( إذا أرادت تعشى ... تنغصت لي بفار ) - المجتث -
وقال بواسط وقد باع ثيابه
( يا سادتي قول ميت ... في مثل صورة حي )
( لم يبق في الخرج شيء ... أتأذنون بشيء ) - المجتث -
وقال وقد تولى أقطاعا وخرج إليها فوجدها خربة
( سيدي عبدك في الزيت ... فر من الموت إلى الموت )
( حالي وأقطاعي خراب فقد ... فررت من بيتي إلى بيتي ) - السريع

وقال
( ما لي أرى بيت ما لي حله زحل ... وحسبه من بعيد أن يرى زحلا )
( فما ترى لا رأيت السوء في رجل ... قد شب تحت خطوب الدهر واكتهلا ) - البسيط -
وقال وقد رأى كلاب عز الدولة بختيار تطعم لحوم الجدا
( رأيت كلاب مولانا وقوفا ... ورابضة على ظهر الطريق )
( فمن ورد له ذنب طويل ... يعقفه وملهوب خلوقي )
( تغذى بالجدا فوددت أني ... وحق الله خركوش سلوقي )
( فيا مولاي رافقني بكلب ... لآكل كل يوم مع رفيقي )
( أرى القصاب قد أضحى عدوي ... لشؤم البخت والملحي صديقي )
( فلو أني افتصدت لما وجدتم ... سوى الحلتيت داخل باسليقي )
( جفاني اللحم وهو شقيق روحي ... فمن يعدي على ذاك الشقيق )
( كأن اللحم في صوم النصارى ... توهمني ابن عم الجاثليق )
( وأحسن ما رآه الناس لحم ... جرايته تضاف إلى الدقيق ) - الوافر -
وله في مثل ذلك
( يا سيد الناس عشت في نعم ... تأوي إليها ممالك العجم )
( بديهتي في الخصام حاضرها ... أشهر في الفيلقين من علم )
( والخط خطي كما تراه ولا ... الزهرة بين القرطاس والقلم )
( هذا وخبزي حاف بلا مرق ... فكيف لو ذقت ثردة الدسم )

( ما لي وللحم إن شهوته ... قد تركتني لحما على وضم )
( وما لحلقي والخبز يجرحه ... بالملح يشكو حزونة اللقم ) - المنسرح -
وله في مثل ذلك
( يا من رأى البدر حسن صورته ... فبان في البدر موضع الحسد )
( نحن سنانير أهل دولتكم ... فأنصفونا من صاحب الغدد )
( والله لولاك لم تبت مرق اللحم ... تروي شحومه ثردي )
( ولم يجوزر لي الدقيق ولا ... كانت يحوز المسلقات يدي ) - المنسرح -
وكتب لبعض الوزراء وقد أراد عمارة مسناة داره
( خفي فما أنت بمعذوره ... ولا على نصحك مشكوره )
( أذاك كم يصدع قلبي به ... وإنما قلبي قاروره )
( في كل شيء أنت يا هذه ... مغمومة بي غير مسروره )
( حتى مسناتي التي أصبحت ... وهي خراب غير معموره )
( أيتها المرأة لا تقلقي ... من قبل أن تستعملي الصوره )
( لي سيد أضحت عناياته ... على مسناتي موفوره )
( ناهدته فيها على أنها ... تجعل بالصاروج كافوره )
( مني أنا لا شيء ومن سيدي ... الآجر والصناع والنوره ) - السريع -
وكتب إلى بعض الرؤساء يلتمس منه عمامة
( يا من له معجزات جود ... توجب عندي له الإمامه )

( ما لي إذا ما الشمال هبت ... قامت على رأسي القيامه )
( ودميت في القفا عيون ... بالطول في موضع الحجامه )
( أظن هذا من أجل أني ... في البرد أمشي بلا عمامه ) - مخلع البسيط -
وقال لبختيار حين عاود الحضرة بعد هزيمة الأتراك والحجاج معه
( الحمد لله جاءت النعم ... وانصرفت مع مجيئها النقم )
( واطلع البدر بعد غيبته ... فانكشفت عن وجوهنا الظلم )
( فأي شيء تريد تعمل بي ... فإنني منك لست أحتشم )
( أريد مما افتتحته عملا ... يثرد في دغباجه اللقم ) - المنسرح -
وقال لسهل بن بشر يعرض بطلب مركوب
( يا ابن بشر يا سيدي يا ابن بشر ... يا معيني على ملمات دهري )
( حلق الله ذقن من يتشناك ... وألقاه في غيابة حجر )
( أي شيء تريد تعمل بي اليوم ... فهذا أنا وأنت وشعري )
( أنا في واسط أروح وأغدو ... بين مد من الظنون وجزر )
( تارة يسنح الغنى ليل فأرجوه ... وطورا أرى دلائل فقري )
( راجلا أعزبا فرجلي وأيري ... بين بطن قد أعوزاني وظهر )
( غير أني أرى عميرة بالليل ... يمشي بجلدها بعض أمري )
( وكعابي التي يرضضها المشي ... على من أحيلها ليت شعري )
( أنت تدري وحسب عبدك فيما ... يرتجي منك قوله أنت تدري ) - الخفيف

وكتب إلى ابن قرة يقتضى مركوبا وعد به وهو على جناح السفر
( يا سيدي دعوة ذي رحلة ... مقصر في الجري مسبوق )
( والقوم قد صح بهم عزمهم5وضربوا بالطبل والبوق )
( وضمروا للسير أفراسهم ... وفرسي الأشهب في زيقي )
( بل لي كميت ما رئي مثله ... يا سيدي قط لمخلوق )
( كأنني في متنه راكب ... دالية في رأس زرنوق )
( ما في فضل لا ولا فيه لي ... لأنني وهو على الريق ) - السريع -
وقال يتنجز رداء شرب
( ويحك اسكت فضحتني يا راسي ... أنت بالضد من رءوس الناس )
( أنت والله فارغ القحف إلا ... من كنوز الخباط والإفلاس )
( بسك اقطع ففي ضماني الرداء ... الشرب الأميري عن أبي العباس )
( أبيض الغزل فيه خط سواد ... مثل خط الرئيس في القرطاس ) - الخفيف -
وقال يتنجز دراهم
( يا قمرا في تمامه طلعا ... هذا رسولي إليك قد رجعا )
( في غاية الحسن والدماثة ... والنعمة والظرف والجمال معا )
( عن طيب معناه في لطافته ... كأنه في الكنيف قد وقعا )
( وهو يحب الصرار يفتقها ... ويشتهي أن يجمش القطعا )
( فاحسم بختم القرطاس مقطعه ... وامنع يديه عليه أن تقعا )

( واردده من همة بختمكه ... كأنه بالفلوس قد صفعا ) - المنسرح -
وقال يتنجز شعيرا لدابته
( كميتي اصهل واضرط فقال نعم ... بالسمع يا سيدي وبالطاعه )
( نعم ولكن أين الشعير ترى ... فقلت هو ذا يجيهم الساعه )
( قال فممن فقلت من رجل ... قد صار في الجود حاتم الباعه ) - المنسرح -
وقال وقد بعثه إليه
( كال لي ابن المعدل ... بالقفيز المعدل )
( من شعير بلا تراب ... نقي مغربل )
( ما أرى مثله فلان ... قضيما لدلدل ) - مجزوء الخفيف -
وقال يطلب خيشا
( يا أحرص الناس على مبعر ... يدق مستنجاه بالفيش )
( حتى متى تتركني في لظى ... حر حزيران بلا خيش ) - السريع -
وقال يستعين بأبي قرة على تطهير ابنه
( يا سيدي دعوة من لم تزل ... تعديه بالجود على دهره )
( إن لي ابنا أمس خلفته ... في منزلي كالفرخ في وكره )
( يبكي إذا ما عن ذكري له ... وفي فؤادي النار من ذكره )
( والعزم بي قد جد يا سيدي ... في شهرنا الأدنى على طهره )
( فقوني إني ضعيف القوى ... على الذي أنويه في أمره )
( فأنت ستر الله في وجه من ... أصبح ذاك الطفل في ستره ) - السريع

وقال لبعض بني حمدان
( فتى يغير المدح في داره ... على صناديق وأكياس )
( ذقت ندى راحته مرة ... فطعمه في جوف أضراسي ) - السريع -
وقال لرجل دعاه إلى عرس ثم بداله
( يا وقح الوجه جيد الحدقه ... خست بوعدي وكنت غير ثقه )
( أين نصيبي من الطعام وما ... طمعت في لعقة من المرقه )
( أشفقت مني وكان يقنعني ... عندك ما ليس يوجب الشفقه )
( قطعة لحم في وزن خردلة ... على رغيف كأنه ورقه ) - المنسرح -
وقال يطلب مشروبا
( يا سيدي عشت لي وبعدي ... وأرض نعليك صحن خدي )
( عندك يا سيدي نبيذ ... وليس لي منه رطل دردي )
( تروى وأظمأ وذاك بين ... الأحرار ضرب من التعدي )
( وقد تناهى أمري إلى أن ... بكرت من منزلي أكدي ) - مخلع البسيط -
وقال في مثل ذلك
( أبا الحسين الزمان ذو دول ... أسبابها عند علة العلل )
( والعيش كالصاب في مرارته ... طورا وطورا أحلى من العسل )
( ودار هذي الحياة مذ بنيت ... لم تخل من ساكن منتقل )

( والناس في طيبهم ونتنهم ... ضدان مثل التفاح والبصل )
( وهم مليح وآخر وحش ... ما بين رامشة إلى جعل )
( فوجه هذا للسيف وحشته ... ووجه ذاك المليح للقبل )
( وليس هذا وقت الخطاب على جراية تقتضي ولا عمل )
( الوقت وقت الأرطال تعملها ... ما بين ثاني الثقيل والرمل )
( وقحبة تبلع القضيب ولا ... يعجبها غيره من الحمل )
( فابعث بقفصية تحدثنا ... عن حرب صفين أو عن الجمل )
( غزيرة الورد إن بي ظمأ ... لا يرتوي من صبابة الوشل )
( ولا تجادل أخاك معتذرا ... فلست ممن يقول بالجدل ) - المنسرح -
وقال في مثل ذلك
( يا نديمي قد خلوت بحر ... ليس منه ثقل على ملكيه )
( اسقنيها وحدي سرورا ببدر ... يعلم الله كيف شوقي إليه )
( يا ابن يحيى الذي أموت وأحيا ... في موالاته وبين يديه )
( منك هذا النبيذ والخبز واللحم ... الذي يشرب النبيذ عليه ) - الخفيف -
وقال في مثل ذلك
( استمع شرح قصة أنا منها ... بين وصل ممن أحب وهجر )
( لي وعد على غزال غرير ... ينجز الوعد كل غرة شهر )
( ومغن يحيط بالحال علما ... فهو يأتي ولا يقول بحذر )
( وعليك انتهاء سكرهما اليوم ... إلى غاية المراد وسكري )

( فأرحني من الهموم براح ... تصدر الهم عن موارد صدري )
( وابق حيا يضاف قسط إلى عمرك ... طول الحياة من كل عمر ) - الخفيف -
ما أخرج من خمرياته وما ينضاف إليها
قال
( وليس العيش إلا شرب راح ... إلي بشربها الساقي يشير )
( وكأس يعدل الساقون فيها ... ولكن حكم سورتها يجوز )
( وشدو صغيرة كالخشف يحدي ... بصوت غنائها الرطل الكبير ) - الوافر -
ومن أخرى
( آسقني بالكبار إما بطاس ... أو بكأس محرورة أو بجام )
( لا تكلني إلى الصغار التي تحكي ... قوارير جونة الحجام )
( وتقلد ديوان عشرتي اليوم ... بلا مشرف وغير زمام ) - الخفيف -
ومن أخرى
( الشرب لا الحرب عادتي ومعي ... ستة رهط جند صناديد )
( الدن والرطل والمشمة والنقل ... وطبل التكريع والعود ) - المنسرح

ومن أخرى
( سيدي ما أظنه ... بعد يدري بما جرى )
( ما درى أن عبده ... فلسه قد تقشرا )
( عند قوم معروفهم ... في قد صار منكرا )
( كنت كالمسك مرة ... بالدنانير أشتري )
( فأنا اليوم بعد ما ... صرت شيخا كما ترى )
( عبد من عنده نبيذ ... إذا كان أحمرا )
( خمرة دنها يضمن ... مسكا وعنبرا )
( كم فم ذاقها فطاب ... وقد كان أبخرا )
( وغلام بكأسها ... راح يسعى وبكرا )
( هو فينا بريحها ... عبق قد تعطرا )
( ظل يفسو وعندنا ... أنه قد تبخرا ) - مجزوء الخفيف -
ومن أخرى
( أيلول والعيد واعتدال الهواء في الليل والنهار ... )
( وشهر شوال في تكافي ... ساعات أيامه القصار )
( أربعة تقتضيك دين ... السماع واللهو والعقار )
( فاشرب لها بالكبير ... إن الكبير للسادة الكبار ) - مخلع البسيط -
ومن أخرى
( والكأس تسلبني عقلي وأهون ما ... لهوت عن ذكره عقلي إذا سلبا )
( حمراء يمسي بناني وهو فوق يدي ... منها بمثل شعاع الشمس مختضبا )

( ابتعتها غير مغبون ولو طلب الخمار ... روحي بها أعطيت ما طلبا ... )
( وأربح الناس عندي في تجارته ... محصل يشتري بالفضة الذهبا ) - البسيط -
ومن أخرى
( يا صاحبي استيقظا من رقدة ... تزري عقل اللبيب الأكيس )
( هذه المجرة والنجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس )
( وأرى الصبا قد غسلت بنسيمها ... فعلام شربي الراح غير مغلس )
( قوما اسقياني قهوة رومية ... مذ عهد قيصر دنها لم يمس )
( صرفا تضيف إذا تسلط حكمها ... موت العقول إلى حياة الأنفس ) - الكامل -
ومن أخرى
( من شروط الصبوح في المهرجان ... خفة الشغل من خلو المكان )
( وحضور الطعام قبل طلوع الشمس ... مذ أمس بارد الألوان )
( والعروس التي تزف إلى ... الأرطال في ثوب صبغها الأرجواني )
( رسموا طين دنها وهو رطب ... باسم كسرى كسرى أنو شروان )
( وترى سوسن الكؤوس عليها ... كسوة من شقائق النعمان )
( ثم خفق الطبول بين الأغاني ... واصطكاك الأوتار في العيدان )
( والسماع الذي يمل على الأسماع ما تشتهي بلا ترجمان ... )
( كل صوت من اقتراحات إسحاق ... التي زينت كتاب الأغاني )
( لا أعد الصبوح إلا غبوقا ... إن جعلت الصبوح بعد الأذان )
( يا خليلي قد عطشت وفي ... الخمرة ري للحائم العطشان )

( فاسقياني محض التي نطق ... الوحي بتحريمها من القرآن )
( والتي ليس للتأول فيها ... مذهب غير طاعة الشيطان )
( واعدلا بي عن التي هدت النار ... قواها وحنقت بالدخان )
( إنني خشية من النار أخشى ... كل شيء يمس بالنيران )
( لا تخافا علي دقة كشحي ... لا تكال الرجال بالقفزان )
( فاسقياني بين الدنان إلى أن ... ترياني كبعض تلك الدنان )
( مقعدا بعد خفتي في نهوضي ... أخرسا بعد كثرة الهذيان )
( سكرة بعد سكرة تثبت اسمي ... في المفاليج أو مع العميان )
( اسقياني في المهرجان ولو كان ... لخمس بقين من رمضان )
( اسقياني فقد رأيت بعيني ... في قرار الجحيم أين مكاني )
( أنا حودابة وذهني صديد ... تحت خصي فرعون أو هامان )
( كل شيء قدمته لي فيه ... رأس مال يأوي إلى الخسران )
( غير حبي أهل الحواميم ... والحشر وطه وسورة الرحمن ) - الخفيف -
خمسة حبهم إذا اشتد خوفي ... ثقتي عند خالقي وأماني )
( قد تيقنت أنهم ينقلوني ... من يدي مالك إلى رضوان )
( بهم قد أمنت خوف معادي ... وبهذا الوزير خوف زماني )
( يا أبا طاهر ولولاك ما كان ... لبدر السماء في الأرض ثاني )
( لك يا سيدي دعا الفطر والأضحى ... ويوم النيروز والمهرجان )
ومن أخرى في بختيار يهنئه بالأضحى
( قد صخب البم مع الزير ... فقم قليلا غير مأمور )

( قم هاتها أصفى إذا رقرقت ... في الكاس من دمعة مهجور )
( من يد عذراء لها وجنة ... تحار فيها أعين الحور )
( تحدثت فانتثر الدر من ... مشمة النرجس والخيري )
( وعنبرت أنفاسها نكهة ... تبسم عن نفحة كافور )
( الليل والعشر يقولان لي ... مذ أمس قولا غير مستور )
( أمسلم قلت نعم ظاهري ... وباطني في الخمر نسطوري )
( من أجل هذا أنا مذ جئتما ... ما بين سكران ومخمور )
( فاسعد بيوم العيد واجلس له ... في خلوة جلسة مسرور )
( وضح فيه بالدنان التي ... تخر بين البم والزير )
( من كل دن دم أوداجه ... أحل من لحم الخنازير )
( واستحضر العود ووجه به ... حتى نصلي بالطنابير )
( الركعة الأولى سريجية ... وركعة التسليم ماخوري )
( وهي صلاة العيد لا يستوي ... تجوزي فيها وتقصيري )
( والله لو كنت لها حاضرا ... لحير العالم تكبيري )
( فاشرب على ملك تمليته ... موشح بالعز منصور )
( في قدح أزرق أو ساذج ... أبيض مثل الثلج بلور )
( واستجل مع ذاك وذا أوجها ... صبيحة مثل الدنانير )
( كأنما عينك ما بينهم ... تدور في زهرة منثور ) - السريع -
ومن أخرى في أبي الفتح بن العميد وكان قد هجر النبيذ بعد القبض على

بختيار
وكان ابن بقية الوزير قد شرب وابن الحجاج إذ ذاك يتولى الحسبة ببغداد
( حقي على الأستاذ قد وجبا ... فإليه قد أصبحت منتسبا )
( مولاي ترك الشرب ينكره ... من كان في بغداد محتسبا )
( إن كان من غم الأمير فلم ... وزيره بالأمس قد شربا )
( إن الملوك إذا هم اقتتلوا ... أصبحت فيهم كلب من غلبا )
( فلذاك أسكر غير مكترث ... وألف مع خيشومي الذنبا )
( يا سادتي قد جاءنا رجب ... فتفضلوا واستقبلوا رجبا )
( بمدامة لولا أبوتها ... ما كنت قط أشرف العنبا )
( حمراء مثل النار موقدة ... لم تلق لا نارا ولا حطبا )
( من قال إن المسك يشبهها ... ريحا فلا والله ما كذبا ) - الكامل -
ومن أخرى في بعض الوزراء
( فديت بي يا سيدي وحدي ... وعشت ألفي سنة بعدي )
( قد رحل النرجس فاشرب على ... محاسن المنثور والورد )
( من لي بها عندك مشمولة ... قد أصبحت معدومة عندي )
( يمزجها لي رشأ أغيد ... بريقة أحلى من الشهد )
( نهاية الحر مجس استه ... وريقه في غاية البرد )
( جنى من البستان لي وردة ... أحسن من إنجازه وعدي )
( وقال والوردة في كفه ... مع قدح أذكى من الند )
( اشرب هنيئا لك يا عاشقي ... ريقي من كفي على خدي ) - السريع

ومن أخرى
( يا من حقوق النيروز تلزمه ... رسمك يوم النيروز مشهور )
( فاسكر من الليل واصطبح سحرا ... غدا تراني وأنت مخمور )
( واستنطق الزير إنني رجل ... يعجبني ما يقوله الزير ) - المنسرح -
ومن أخرى
( قم فاسقني الراح أو تراني ... مبلبل العقل واللسان )
( إذا تكلمت لم يفسر ... قولي إلا بترجمان ) - مخلع البسيط -
وله يهنىء نصرانيا بفصحه
( أوجع دماغ القرع بالسلق ... اليوم يوم القطع والبلق )
( اليوم يوم الراح يا سيدي ... فاشرب من الراح كما تسقي )
( كل سيدي واشرب ونك إنما ... الحياة بين الشرب والفسق )
( وافطر من الصوم على فقحة ... زبدتها في طرف الزق )
( وابق سليما ودع الموت لا ... يجنو على الخلق ولا يبقي ) - السريع -
ما أخرج من خرافاته في مجونه ومفاحشاته
قال
( سرى متعرضا طيف الخيال ... فسوف لا محالة بالمحال )

( ولكني انتبهت فكان حزني ... على ما فاتني أسوأ لحالي )
( وما خلق النساء بالبظر إلا ... وبالا حيث كن على الرجال )
( عذيري في الزنا من كل تيس ... عتيق قد تمرد في الضلال )
( يحسن لي الحلال فنحن طول ... النهار إذا اجتمعنا في جدال )
( وليس سوى الزنا همي ورأيي ... فيكار الخصى نيك العيال )
( وفي النيك الحرام خزعبلات ... قليلا ما تراها في الحلال )
( وسرم مر مجتازا بأيري ... كما صلى العشا والدرب خالي )
( فقال له إلى كم تزدريني ... وتكشف بالقبيح إلي بالي )
( ولم تختار وصل الحر دوني ... وتكرهني وتعرض عن وصالي )
( ألم تر أن شكل البدر شكلي ... وأن الحر معكوس الهلال )
( تأمل تكتي فوقي وأني ... الوهاد من الروابي والتلال )
( فنكس رأسه أيري طويلا ... وفكر في الجواب عن السؤال )
( وفكر ثم قال له إذا لم ... توفق للصواب فما احتيالي )
( أبا الدراق ما للحر ذنب ... إذا فكرت في عذري ولالي )
( ولكني رايت الحر فينا ... يسام الخسف حالا بعد حال )
( فيقطع أنفه طفلا وينشو ... كبيرا وهو منتوف السبال )
( ويلكم شدقه في كل وقت ... بغير خصومة وبلا قتال )
( وأنت فسيء الأخلاق جدا ... كما تدري قليل الإحتمال )
( بأول خاطر من غير فكر ... تشرس من لقيت ولا تبالي )
( ومدخلة لها ردف سمين ... وخصر كالهلال من الهزال )
( يؤذن في استها أيري أذان ... الضحى ويقيم في وقت الزوال )
( وتعصف ريح عصعصها شمالا ... وهل ريح أرق من الشمالي )

( وقد بادلتها فمبالها لي ... بمشورة استها ولها قذالي )
( كما لإبن العميد جميع شكري ... ودنيا ابن العميد جميعها لي ) - الوافر -
ومن أخرى
( فحمية السرم ولكنها ... البظراء شيرازية المفرق )
( قالت لأيري بعد ما صب في ... دواتها أكثر من دورق )
( أوحشت عش استي فقل لي متى ... تؤنسه يا عنق اللقلق )
( فقال هيهات وهل يرجع ... اللص إذا فر من المطبق ) - السريع -
ومن أخرى في حسبته
( يا معشر الناس اسمعوا دعوة ... دخالة بالنصح خراجه )
( من منكم طار على حسبتي ... قطعت بالدره أوداجه )
( لأنه أقرن ليست له ... بعدي في زوجته حاجه )
( كأن أيري في آستها زمج ... يطلب بين الشوك دراجه ) - السريع -
ومن أخرى
( جارية أرض نبات استها ... رقيقة التربة خواره )
( تسيح في جانب مفساتها ... عين خرا بالعرض خراره )
( كأن لي منها على عاتقي ... كراع شاة فوق قناره ) - السريع

ومن أخرى
( وقينة كل من يعاشرها ... مغتبط بالسماع مسرور )
( مبرودة الريق بعد هجعتها ... وجوفها في الفراش محرور )
( كأن تنورها الشديد حمى ... بقرب عهد الشباب مسجور )
( تشم ريح استها الزناة كما ... تشم ريح اللحم السنانير )
( فجوفها قربة وفي حرها ... خندق بول وبظرها سور ) - المنسرح -
ومن أخرى
( ولم أزل وهي إلى جانبي ... كظبية عفراء وحشيه )
( أنب مثل التيس فوق استها ... وهي بحال النيك تيسيه ) - السريع -
( صمدت لها وجنح الليل داج ... بأخطف للطريدة من عقاب )
( وأولع بالمباعر من قراد ... وأوقع في المقاذر من ذباب )
ومن أخرى
( فتاة ما عرفنا قط منها ... بحمد الله إلا كل خير )
( فما تهوى سوى أيار شهرا ... وليس إمامها غير الزبير ) - الوافر -
ومن أخرى
( قالوا رأيناك بما فيك من ... هشاشة الفطنة والكيس )
( تحبو إلى باب استها مثل ما ... يحبو ابن عامين إلى الديس )
( فأي شيء كان قلت الذي ... يكون بين العنز والتيس ) - السريع

وقال
( يا سادتي ما استرق ديني ... شيء كمثل الحر السمين )
( لما أراه يزول عقلي ... عني ويعتادني جنوني )
( وأشتهي أن أغوص فيه ... من مشط رجلي إلى جبيني )
( وكلما شلت منه رأسي ... رزقت قوما يغوصوني )
( أغيب شهرا فلا تراني ... العيون والناس يطلبوني )
( حتى إذا كان بعد شهر ... دل على موضعي أنيني )
( فديته كالعروس يجلى ... في دست ورد وياسمين )
( جبينه الصلت من حديد ... وشدقه الرخو من عجين )
( وخير ما يقتنيه أيري ... صلابة بطنت بلين ) - مخلع البسيط -
وله
( يا صاح فاشرب واسقني ... من الشراب العكبري )
( مع أمرد عصعصه ... يجيد بلع الكمر )
( أو قينة طنبورها ... المحفوف صلب الوتر )
( حورية قد شربت ... بالرطل ماء الكوثر )
( من الجنان وجهها ... وسرمها من سقر )
( لها حر كأنه ... وجه غلام خزري )
( ذو شعرة أطرافها ... شبه رءوس الإبر )
( أصيح في نيكي لها ... تقدمي تأخري )

( أحسنت لي هم هكذا ... مدي وشدي واعصري )
( العيش ما أطيب ذا ... يا مهجتي يا بصري )
( لمثل ذا الوقت انتفي ... أو احلقي أو نوري ) - مجزوء الرجز -
ومن أخرى
( صبية بظرها بجنبي ... يبيت مثل الصبي المخضب )
( مفعول باب استها بأيري ... الفاعل فوق الفراش ينصب )
( وسرمها كان أمس غرا ... لم يتفقه ولا تأدب )
( فاليوم قد صار منذ قاسى ... أمور أهل الزنا وجرب )
( إذا رأى الأير من بعيد ... بوق في وجهه ودبدب ) - مخلع البسيط -
ومن أخرى
( تبول من شدق مهزول به عجف ... وقد تفقا عليه بظرها سمنا )
( ترغي وتزبد شدقاه إذا اختلفا ... كأنه شدق مفلوج حسى لبنا ) - البسيط -
ومن أخرى
( ذات حم يسقي الفراغات صرفا ... من عصير الخصي بغير مزاج )
( بات دكشاب فيشتي في خراها ... يخلط الدوغباج بالزيرباج ) - الخفيف -
وقال
( لو أن سرما كان في ... يديه ملك اليمن )

( لكان أولى منه بي ... قطعة بظر عفن ) - مجزوء الرجز -
وقال
( عمرك الله يا ابن عمرو ... عمر ثلاثين ألف نسر )
( وجهك عند الصباح شمسي ... وأنت عند المساء بدري )
( مولاي ذا اليوم يوم سعد ... أشرف عندي من ألف شهر )
( نذرت فيه إذا التقينا ... سكرا إلى الليل بعد سكر )
( مع قينة لا تريد غيري ... فهي تجيني بغير حذر )
( أيري على أنه طويل ... أقصر من بظرها بشبر )
( لصوف شعر استها مداد ... يعجنه بولها بحبر )
( فأي شيء تقول هو ذا ... أقوم حتى أفي بنذري ) - مخلع البسيط -
وقال
( ضرطت ونحن بعكبرا ... فتشوشت سفن الغروب )
( وفست على ريح الشمال ... فألحقتها بالجنوب )
( ومسحت مبقلة استها ... فوجدتها ألفي جريب )
( جاءت إلي وجوفها ... يغلي ولا قدر الزبيب )
( فسلقت بيضي في استها ... وشويت في حرها عسيبي ) - مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( وكم حديث كأنه سمر ... قد مر لي في الزنا مع السمر )
( وافرة الردف فهو يثقلها ... لطيفة الكشح نضوة الخصر )
( طعم خراها مع طعم فيشلتي ... يشبه طعم اللبا مع التمر )

( لو لم أشبب بشعر عانتها ... ما طاب للناس كلهم شعري )
( قيل لأيري وقد رأوه ولا ... الهارب بعد الحصول في الأسر )
( يشتد بعد العشا إلى حرها ... عدوا بلا حشمة ولا فكر )
( ما لك هوذا تطير قال لهم ... أطير مستعجلا إلى وكري )
( ولي خصى لو خرجت أعرضه اشتراه ... مني بروحه دري )
( ايري عليه كأنه وتد ... قد علقت فيه دبة البزر ) - المنسرح -
ومن أخرى
( يا ويحكم واللحم يعرض ... والبزاة على الكنادر )
( قوموا بنا نحشو البظور ... بفيشنا حشو المساور )
( نبدا بكراعاتهم ... ونعود نعثر بالزوامر )
( ثم الحوافظ إنهن ... عجائز شمط عواهر )
( أحراحهم بيض العنافق ... واللحى سود المباعر )
( كشيوخ أصحاب الحديثة إذا تمشوا بالمحابر ) - مجزوء الكامل -
ومن أخرى
( أنا ابن حجاج إليه أبي ... ينمي وقلبي من بني عذره )
( لم يخل جسمي في الهوى من ضنى ... قط ولا عيني من عبره )
( حبائب مثل حصى عكبرا ... والرقبا مثل نوى البصره )
( حامضة البول ولكن لها ... مستنعظ أحلى من التمره )

( لها حر درته درة جرة ... ومبعر روثته صخره )
( فما تلاحظنا سوى مرة ... حتى أتى الشيخ أبو مرة ) - السريع -
نبذ من ملحه القصار من أخباره
كان قد دعا مغنية فلما دارت الكؤوس تساكرت عليه وتناومت وهو جالس فقال
( غطت البظراء لما ... عاينت مفتاح ديري )
( ورجت مني خيرا ... قلت لا ترجين خيري )
( اقعدي عندي وهذا ... فافعليه عند غيري )
( أنت في دعوة أذني ... لست في دعوة أيري ) - مجزوء الرمل -
وحصلت عنده مغنية كان يتعاشق لها
ونام ابن حجاج فتفرقع ظهره فغضبت وانصرفت فقال
( قد غضبت ستي وقد أنكرت ... قرقعة تظهر في ظهري )
( وليس لي ذنب ولكنني ... أضرط بالليل ولا أدري )
( فليت شعري وهي غضبانة ... من حجرها أضرط أم حجري ) - السريع -
وأنا أستظرف كنايته بالفرقعة عن الضراط
ودعا مغنية فخلا بها فهجمت عليه صديقه له فتضاربتا وتجارحتا وطال بينهما الشر
فقال
( رحم الله من أتاني بموسى ... فتقصى بحده جب أيري )

( كل يوم أغضي له عن جنايات ... كأن الحديث فيها لغيري )
( ولعمري كم من صباح بشر ... كان لولاه قد جرى لي بخير ) - الخفيف -
ووردت عليه رقعة صديقين له يدعوانه للشرب وابنه قد جدر وملح فكتب إليهما من
( يا سيدي النبيذ موجود ... وباب شرب النبيذ مسدود )
( قد ملح ابني فكيف يشرب من ... أمسى ولحم ابنه تمكسود ) - المنسرح -
وعرض له صداع فانفرد إخوانه بالشرب مع مغنية كان قد اشترطها فكتب إليهم
( حصلت أنا الشقي على الصداع ... وأنتم بالتمتع والسماع )
( خلوتم بالتي قلبي إليها ... شديد الشوق مشهور النزاع )
( فتاة أصبح الإجماع فيها ... يقر بأنها شرط الجماع ) - الوافر -
وحصل مع رجل يكنى أبا الحسين في دار رجل بخيل فالتمس أبو الحسين العشاء بعد الغداء فقال ابن حجاج
( يا سيدي يا أبا الحسين ... أنت رفيع بنقطتين )
( يا كلب الضرس ما يداوي ... ضرسك إلا بكلبتين )
( ويلك قل لي جننت حتى ... نلتمس الخبز مرتين )
( في دار من خبزه عليه ... ألف رقيب بألف عين ) - مخلع البسيط -
وحضر في دعوة وأخر الطعام فقال
( يا صاحب البيت الذي ... أضيافه ماتوا جميعا )

( حصلتنا حتى نموت ... بدائنا عطشا وجوعا )
( ما لي أرى فلك الرغيف ... لديك مشترفا رفيعا )
( كالبدر لا نرجو إلى ... وقت المساء له طلوعا ) - الكامل -
ونظر إليه يذهب ويجيء في داره فقال
( يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير معنى وبلا فائده )
( قد جن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائده ) - السريع -
وكان بعض أصحاب الدواوين يطالبه بحساب ناحية وليها فكتب إليه
( ايا من وجهه قمر منير ... يضيء لنا وراحته السحاب )
( إذا حضر الحساب أعدت ذكري ... وتنساني إذا حضر الشراب )
( أجبني بالقناني والمثاني ... ووجهك إنه نعم الجواب )
( وكلني في الحساب إلى إله ... يسامحني إذا وضع الحساب ) - الوافر -
وركب إلى بعض الرؤساء يهنئه بعيد النحر فلم يصادفه فكتب إليه
( أيا من وجهه كالشمس توفي ... فيمحق نوره بدر التمام )
( لعيد النحر أيام قصار ... تلم بنا اجتيازا كل عام )
( أمرنا كلنا بالنيك فيها ... وأكل الطيبات وبالمدام )
( فقيل لنا أشربوا وكلوا ونيكوا ... حلالا أو على وجه الحرام )
( وما قيل اقطعوها بالتهاني ... وتكرار التحايا والسلام )

( فيا طوبى لمن صلوا قعودا ... وناكوا في الكواشل من قيام )
( وقد بكرت أمس على كميت ... يقصر خطوه طول المقام )
( جريح الجنب من ضغط الحزام ... قريح الفك من مضغ اللجام )
( فإن أنا لم أعد فالله أولى ... بعذري ثم أنت بلا كلام ) - الوافر -
ووردت رقعة رجل على بعض الرؤساء وهو جالس يعرض عليه جارية رباها ويصف حسنها
فأمره بالإجابة فقال
( يا ذا الذي جاء بحر له ... في السر يهديه إلى أيري )
( علي شغل بالمهم الذي ... تراه فاطلب نايكا غيري ) - السريع -
وكان له صديق ولذلك الصديق ابن يكنى أبا جعفر وكان مستهترا بالقحاب فسأله أن يعاتبه ويشير عليه بالتزوج فقال
( إياك والعفة إياكا ... إياك أن تفسد معناكا )
( أنت بخير يا أبا جعفر ... ما دمت صلب الأير نياكا )
( فنك ولو أمك واصفع ولو ... أباك إن لامك في ذاكا ) - السريع -
وكان الوزير أبو الفضل والوزير أبو الفرج قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب المهلبي عقب موته وأمرا أن تلوث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب وقد كان المهلبي فعل مثل هذا فحضر ابن الحجاج فحجب وخاف النفط فانصرف فقال
( الصفح بالنفط في الثياب ... ما لم يكن قط في حسابي )
( ليس يقوم الوصول عندي ... مقام خيطين من ثيابي )
( يا رب من كان سن هذا ... فزده ضعفا من العذاب )

( في قعر حمراء ليس فيها ... غير بني البظر والقحاب )
( تفعل في لحمه المهري ... ما يفعل الجمر بالكباب )
( فالقرد عندي يجل عمن ... يسن هذا على الكلاب ) - مخلع البسيط -
ووردت عليه رقعة خصم له بما يسوءه فكتب على ظهرها أبياتا منها
( إني جعلت إجابتي في ظهرها ... عمدا ليمكن فضها في المجلس )
( كانت كنيفا فائضا فزرعت في ... ظهر الكنيف حديقة من نرجس ) - الكامل -
وكان ابن شيراز قد صارع السبع فقتله ثم عاد لمثله فكتب إليه ابن حجاج
( يا من إلى مجده انقطاعي ... ومن به أخصبت رباعي )
( قد زاد خوفي عليك جدا ... وعظم الأمر في ارتياعي )
( في كل يوم سبع جديد ... ينفر من ذكره استماعي )
( تغدو إليه بلا احتشام ... ولا انقباض ولا امتناع )
( وليس قتل السباع مما ... يدرك بالختل والخداع )
( فلا تطر بعدها لسبع ... مراسه غير مستطاع )
( إن صراع السباع عندي ... حاشاك ضرب من الصراع )
( اعدل إلى الكأس والندامى ... والأكل والشرب والسماع )
( وأمرد جامع لشرط العناق والبوس والجماع ... )
( بلى أجع لي السباع واطرح ... خصمي في بركة السباع )
( فإن عيشي في أن أراه ... بين سباع الربى الجياع ) - مخلع البسيط

وكان سأل بعض الرؤساء أن يتكلم في أمر كان له فوعده ثم أمسك وسكت فقال
( يا صنما يعبده شعري ... بلا ثواب وبلا أجر )
( إن لم تكن دبا فخاطبهم ... بلفظة تسمع في أمري )
( انطق بنفس قبل أن يحسبوا ... أنك من طين وآجر ) - السريع -
وقال وقد عرضت له علة صعبة ثم صلح بعد اليأس فكتب إلى بختيار
( يا سيدي عشت في نعيم ... حلو الجنى دائم المسره )
( عبدك يشكو إليك حمى ... قد سبكته الصفراء نقره )
( حمى لتنورها وقود ... يزيد في اليوم ألف سجره )
( قد حفرت تربة لصيدي ... فكتدت منها أصير صبره )
( علة سوء كانت تريني ... نفسي فوق الفراش حسره )
( طالعني الموت من زوايا ... برسامها ألف ألف مره )
( قد نصب الفخ لي ولكن ... أفلت من فخه بشعره ) - مخلع البسيط -
وقوله
( يا سيدي دعوة من قلبه ... من خوف ما مر به يخفق )
( قد نصب الفخ لصيدي أبو ... يحيى ولكن أفلت العقعق ) - السريع -
وقلده الوزير ناحية فخرج إليها يوم الخميس وتبعه كتاب الصرف يوم

الأحد فقال
( يا من إذا نظر الهلال ... إلى محاسنه سجد )
( وإذا رأته الشمس كادت ... أن تموت من الحسد )
( يوم الخميس بعثتني ... وصرفتني يوم الأحد )
( والناس قد غنوا علي ... كما رجعت إلى البلد )
( ما قام عمرو في الولاية ... ساعة حتى قعد ) - مجزوء الكامل -
وقال في مثل ذلك
( يا مالك الصدر ما خلوت من ... الإيراد ما عشت فيه والصدر )
( قلدتني ليلة وباكرني ... كتاب صرفي المشوم في السحر )
( فقد بختي فكيف درت به ... دور لي جانب استه وخري ) - المنسرح -
وقال وقد حجبه بواب لبعض الرؤساء مرات فكتب إليه
( قولا لمن إحسانه لم يزل ... شفاء علاتي وأوصابي )
( بي علة تقطع أسبابها ... من راحة الصحة أسبابي )
( أخفيت ما بي اليوم منها فما ... تطلع الناس على ما بي )
( وليس يشفيني سوى نهشة ... من قطعة من كبد بواب )
( تبيت فيها وهي مشبوبة ... بالنار أضراسي وأنيابي )
( فامنن بأن تذبح لي واحدا ... بالنعل في دوارة الباب )
( فنقطة من دم أوداجه ... أنفع لي من رطل جلاب ) - السريع

ملح من نوادره في ذكر الصفع
قال
( يا سخن العين التي لم تزل ... تعيش في الناس بلا عقل )
( إن لم تزن نفسك مستأنفا ... والخوف بين القول والفعل )
( حل بيافوخك مني الذي ... يحل يوم العيد بالطبل )
( لا تجهل اليوم على من له ... معرفة وبالعقل والجهل )
( فتى وإن زلت به نعله ... أصفع خلق الله بالنعل ) - السريع -
وقال
( هارب مني وقد خاف العمى ... بقفا للنعل بادي المقتل )
( وبكفي شمشك منتعل ... والقفا حبر الشمشك المنعل ) - الرمل -
وقال
( في البيت لي درة يحدث عن ... أفعالها الموغلون في الشارع )
( تأكل لحم القفا السمين كما ... يأكل رز البهطة الجائع ) - المنسرح -
وقال
( رب مستصفع نسخت بنعلي ... بين أجفانه شروط القوافي )
( كل نهب الطلى مباح حمى الرأس ... حريب الآذان والأكتاف )
( فاتق الله في غطاريف أذنيك وأعصاب أخدعيك الضعاف ) - الخفيف

وقال
( قل لإبن حسنون وما زال من ... تعجرف يصغو ويستعفي )
( أما ترى رخ يدي جائلا ... وشاه أذنيك على الكشف ) - السريع -
وقال
( قد وقع المنع والحجاب معا ... فكل من رام بابكم صفعا )
( وافيته طامعا لأدخله ... ولم أكن قط أحمد الطمعا )
( فواثبوني جهلا بمرتبتي ... في حيث أشكو الصداع والصلعا )
( لا تطلبوا بعدها مواصلتي ... فإن حبل الوصال قد قطعا ) - المنسرح -
وقال وقد صرف عن عمل كان إليه
( قال وأجفان مقلتيه تكف ... وجسمه ظاهر السقام دنف )
( أعمالنا هذه التي كثر ... الإرجاف فيها بنا فليس تقف )
( قد صرفونا عنها فقلت لهم ... نعم وصادف عين واو نون ألف ) - المنسرح -
وقال
( قلت وقد جاء حر شاذا ... لأي معنى قد جاء هذا )
( قالوا لصفع العباد حتى ... يجعل أقفاءهم جذاذا )
( فقمت وابناي يتبعاني ... ننسل من بينهم لواذا ) - مخلع البسيط

نبذ من ذكر سرقاته
من ذلك قوله
( شيخ فتى والشباب أكثرهم ... قد علم الله غير فتيان ) - المنسرح -
من قول كثير
( يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا ... وقد يكون شباب غير فتيان ) - البسيط -
وقوله
( وأولاد الحرائر لم يجابوا ... لدي فكيف أولاد القحاب ) - الوافر -
من قول دعبل
( إني لأهجو من يجود بماله ... أتظنني أدع اللئيم الواضعا )
( على أني أظنك سوف تنجو ... بعرضك من يدي منجى الذئاب ) - الكامل -
من قول أبي الزيات
( نجا بك لؤمك منجى الذئاب ... حمته مقاذره أن ينالا ) - المتقارب -
وقوله
( وأحسن ما رأينا قط راحا ... إذا كانت مطية كأس راح ) - الوافر -
من قول أبي تمام
( راح إذا الراح كن مطيها ... كانت مطايا الشوق في الأحشاء ) - الكامل -
وقوله
( سترت بظله من ريب دهري ... فعز على النوائب أن تراني ) - الوافر

من قول أبي نواس
( تسترت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني ) - الطويل -
وقوله
( أمشي بقلبي لا برجلي إنما ... تمشي بحسب هوى القلوب الأرجل ) - الكامل -
من قول اللجلاج
( وما زرتكم عمدا ولكن ذا الهوى ... إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرجل ) - الطويل -
وقوله
( وخمار أعد الكأس ظئرا ... لطارقه فلم يرضعه غيلا )
( أوفيه خلاص التبر وزنا ... فيسبكه ويعطينيه كيلا ) - الوافر -
من قول ابن المعتز
( وخمارة من بنات المجوس ... ترى الزق في بيتها شائلا )
( وزنا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا ) - المتقارب - وقوله
( فتاة كالمهاة تروق عيني ... مشاهدها وتفتن من رآها )
( تكاد ترد للمحجوب أيرا ... وتحدث للفتى العنين باها ) - الوافر -
من قول جحظة
( لو مر بالأعمى لأبصر ... أو بعنين لأنعظ ) - مجزوء الكامل

نبذ مما تكرر من معانيه
قال
( وفي فمي سكرة حلوة ... قد نغصتها لوزة مرة ) - السريع -
وله
( واللوزو المرة يا سيدي ... يفسد في الطعم بها السكر ) - السريع -
وله
( كأنه وهو إلى جنبها ... سكرة مع لوزة مره ) - السريع -
وله
( نبهت منه لحاجتي عمرا ... ولم أعول منه على عمرو ) - المنسرح -
وله
( فما استجارت بعمرو مظلمة ... بل حين جاءتك أنت يا عمر )
( فالشعر قد صار فيها وأتى ... مع ذا بتفصيل ذلك الخبر ) - المنسرح -
وله في عكس المعنى
( ولم تنبه عمرا حاجتي ... بل وقعت منك على عمرو ) - السريع -
وله
( خير الستور التي نعلقها ... ستر خصى مسبل على حجر )
( والقدر إن لم يكن لها طبق ... لم يتهر العصيب في القدر ) - المنسرح

وله
( ولم تر العين قط أحسن من ... ستر خصى مسبل على حجر ) - المنسرح -
وله
( كتبت رقعة إلي وقد عبت ... بسطر مقرمط خلف سطر )
( يا فتى ستر باب سرمي خصاه ... هات قل لي متى تعلق بستري ) - الخفيف -
وله
( أحن إذا رأيت الحر ليلا ... بجنبي وهو منتوف نظيف )
( ولا آباه إن هو جاء يوما ... وفي رأس الكلاجق منه ليف ) - الوافر -
وله
( فاستأذنيه غدا وعودي ... إلي منتوفة نظيفه )
( فقد تبينت فوق رأس الحر ذي الزوزك ليفه ) - مخلع البسيط -
وله
( بيضاء وهج استها يفور حمى ... وريقها العذب بارد خصر ) - المنسرح -
وله
( بريقة كالثلج مبرودة ... ومبعر كالنار محروو ) - السريع -
وله
( نهاية الحر مجس استها ... وريقها في غاية البرد ) - السريع

وله
( للبرد في ريقه كزاز ... وللحمى في استه حريق ) - مخلع البسيط -
وله
( يا زوج من ريقها حميم ... وريق مفسائها صقيع ) - مخلع البسيط -
وله
( وغلام شظى بكرفس مفساه ... قديما أسنة الأقلام ) - الخفيف -
وله
( لا ترى كرفسا على باب مفساه ... يشظي بصوفه الأقلاما ) - الخفيف -
وله
( ودواة استها بصوف ولا الليف ... يشظي أسنة الأقلام ) - الخفيف -
وله
( كلما استمددت من سرمها ... شعب ستي قلمي الكرفس ) - الرمل -
وله
( فديت من لقبني مثلما ... لقبته والحق لا يغضب )
( إن قلت يا عرقوب أطمعتني ... قال فلم نفسك يا أشعب ) - السريع -
وله
( وعدتني وعدا وحاشاك أن ... تروغ منه روغة الذيب )

( ما كنت إذ أطمعتني أشعبا ... فيه ولا أنت بعرقوب ) - السريع -
ما جاء له في التضمين
قال وقد كان غاب عن الحضرة مع الوزير ثم عاد فلما قرب توقف عن الدخول
( أيا مولاي دعوة مستغيث ... قد التهبت جوانحه بنار )
( أغثنا بالرحيل غدا فإنا ... من الشوق المبرح في حصار )
( وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار ) - الوافر -
وقال
( قد قلت لما غدا مدحي فما شكروا ... وراح ذمي فما بالوا ولا شعروا )
( علي تحت القوافي من معادنها ... وما علي إذا لم تفهم البقر ) - البسيط -
وقال
( ولم أطرب إلى عذراء رود ... بها عن وصل عاشقها نفار )
( ولا غرثى الوشاح كأن ورد الحياء بوجنتيها الجلنار )
( بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار )
( ولكني طربت إلى خليل ... سمحت ببذله ولي الخيار )
( فلما أن مضى في حفظ من لا ... يضيعه وشط به المزار )
( ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت منه مطلقة نوار )
( فعيني ما تجف لها دموع ... وقلبي ما يقر له قرار ) - الوافر

وقال
( سيدي إن أقمت بعدك ... بالصعد فقلبي علي غير مقيم )
( غير أني أقول بالرغم مني ... ف أكف بأس همومي )
( من يكن يكره الفراق فإني ... أشتهيه لوقفه التسليم ) - الخفيف -
وله يخاطب ابن بقية وقد حجب عنه وهو على الشراب
( بحق رأس الأمير مثلي ... يظمأ في دولة الأمير )
( فما لكم تشربون دوني ... ولست في جملة الحضور )
( قد قلت لما حجبتموني ... فاشتد من بابكم نفوري )
( إن دام هجرانكم على ذا ... طويت من بينكم حصيري ) - مخلع البسيط -
وقال
( صاح أيري ورمحه فوق خصييه ... ولا رمح ضمرة بن هلال )
( قربا مربط النعماة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال )
( ثم أهوى بطعنة بات منها ... سرم ستي ذاك الشقي بحال )
( فتولى يقول وهو طعين ... دمه مع خراه مثل البزال ) لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صالي - الخفيف -
وقال
( أسفر الصبح فاسقياني وقد كان ... من الليل وجهه في نقاب )
( وانظر اليوم كيف قد ضحك الزهر إلى الروض من بكاء السحاب ... )
( إن صحوي وماء دجلة يجري ... تحت غيم يصوب غير صواب )

( اتركاني ومن يعير بالشيب ... وينعي إلي عهد الشباب )
( فبياض البازي أصدق حسنا ... إن تأملت من سواد الغراب ) - الخفيف -
وقال في ابن العميد يودعه ويصف الفرس ويذمه
( أيها السيد الذي طاب في ... المجد فروعا كريمة وأصولا )
( لو مشى بي الشيخ الفرق لسابقتك سيرا إلى الوداع ذميلا ... )
( فتجاوزت خانقين وخلفت ... ورائي على الطريق جلولا )
( لكن الشيخ كان جذعا من الخيل ... طريقا فصار جذعا طويلا )
( كلما سار سال دمع مآقيه ومن حق دمعه أن يسيلا ... )
( مستغيثا يصيح تحتي ضراطا ... مزوجا في طريقه وصهيلا )
( أبصر القت وهو يجري فغنى ... بعد ما كاد عقله أن يزولا )
( أزجر العين أن تبكي الطلولا ... إن في القلب من كليب غليلا ) - الخفيف -
وقال يصف ضعف فرسه
( يسومني المشي مضطرا وليس ... له المسكين بالمشي شبرا واحدا جلد )
( ما كلف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد ) - البسيط -
وقال وقد حجب مع جماعة من الكتاب
( قد قلت لما أن رجعت موليا ... ومعي مدابير من الكتاب )
( نحن الذين لهم يقال وكلنا ... فل العصا وطريدة الحجاب )
( قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب ... نتفت شواربهم على الأبواب ) - الكامل

105 - وقال
( يا ربرب اعبر بنا إلى ملك ... توجه الله بالمهابات )
( يقول للريح كلما عصفت ... هل لك يا ريح في مباراتي ) - المنسرح -
وقال
( قالت وقد كشف الوداع ... قناع حزن قد علن )
( وأذل بالجزع الفراق ... قوى عزاء ممتهن )
( يا من محنت بفقده ... حوشيت فيك من المحن )
( خلفتني والحزن بعدك ... يا قريني في قرن )
( فإذا صبرت ضرورة ... صبر الوقيذ على الوسن )
( فترى يطيق الصبر عنك ... أو السلو أبو الحسن )
( طفل نشا وفؤاده ... بك يا أباه مرتهن )
( كالفرخ يضعف قلبه ... عن أن يودع بالحزن )
( فأجبتها وهي ... التي استولت علي بلا ثمن )
( طلب المعاش مفرق ... بين الأحبة والوطن )
( يا رب فازدد سالما ... سكنا يحن إلى سكن ) - مجزوء الكامل -
وكتب إلى رئيس يستهديه مشروبا وهو مع بعض أصدقائه وعندهم مغنية فلم يفعل
( يا سيدي جودك المشهور ما فعلا ... أبيع بالرخص يا هذا أم ابتذلا )
( واسوأتا من أناس ظلت أطمعهم ... أن الذي التمسوه منك قد حصلا )
( حتى ذا عاد من أرسلته بيد ... صفر وما كان عندي أنه وصلا )

( قالوا لقينتهم غني عليه لنا ... صوتا ضربنا له في شعره مثلا )
( ما زلت أسمع كم من واثق خجل ... حتى بليت فكنت الواثق الخجلا ) - البسيط -
ما أخرج له في التخلص
قال في أبي تغلب وقد توجه من الموصل إلى بغداد
( افضض الدن واسقني يا نديمي ... اسقني من رحيقه المختوم )
( اسقني الخمرة التي نزلت فيها ... على القوم آية التحريم )
( اسقنيها فإنني أنا والقس جميعا نبولها في الجحيم )
( اسقنيها ولا تكلني إلى النقل ... عليها ولا إلى المشموم )
( بادر الصبح بالصبيحة وجها ... فابنة الكرم شرط كل كريم )
( ثم قل للشمال من أين يا ريح تحملت روح هذا النسيم ... )
( أترى الخضر مر لي فيك أم جزت ... برضوان في جنان النعيم )
( أم تقدمت والأمير أبو تغلب ... قد صح عزمه في القدوم ) - الخفيف -
وقال في فتح قلعة أردمشت من قصيدة
( سقاني كأسه سحرا بوقت ... وكان صبوحا في يوم سبت )
( غلام أعجمي فيه ظرف ... وحذق بالتلطف والتأتي )
( سقاني دو وسا وازددت منها ... على سكري وصبحني بهفت )
( فلما نمت قام وقال بروا ... لمن حولي خوى خاني بجفت )

( وفي باب استه زغب لطاف ... ملاح مثل ورد الزاد رخت )
( ولكن كان لا يقوى لشؤمي ... وخذلاني به سودا بختي )
( فشدقت الصبي فدته نفسي ... بدوديكي وتيمردم درست )
( وكان من استه كالبنت بكرا ... مخدرة الخرا ففتحت بنتي )
( كما فتحت وحد السيف يدمي ... من الأعناق قلعة اردمشت ) - الوافر -
وقال في مدح صاعد
( ومهاة غريرة ... غضة الحسن ناهد )
( فتنتني بمعصم ... وبكف وساعد )
( وبثغر منضد ... شنب الريق بارد )
( ونسيم كأنه اشتق من نشر صاعد ... )
( فهو طيبا كذكره ... في الثنا والمحامد )
( همة في العلا اقتدت ... بالسهى والفراقد )
( وندى بخلت به ... كف يحيى بن خالد ) - مجزوء الخفيف -
وقال
( كأنما باب استها ... شكلة كاف مطلقه )
( بين سطور كاتب ... حروفه محققه )
( يصك لي بين يدي ... سيدنا في ورقه )
( باللحم والخبز الذي ... روحي به معلقه )
( يا من به قد فتحت ... أبواب رزقي المغلقه )

( وقع لمن علمه ... جودك حذق العقعقه ) - مجزوء الرجز -
هذه نبذ من ملح ملحه الرائقة وما يتصل بها
قال
( حلفت لقد بلغت مدى المعالي ... وأنت على تجاوزه قدير )
( فبحرك در لجته ثمين ... وغيثك ماء مزنته طهور ) - الوافر -
وقال لبعض الرؤساء في يوم كان المطر يجيء فيه ساعة ثم ينجلي الغيم وتطلع الشمس ثم يعود
( يا سيدي تفديك مهجة خادم ... لك يستقل لك الفداء بنفسه )
( يفديك من جليت أول كربة ... عنه ومن أدركت آخر نفسه )
( انظر إلى اليوم الذي أشبهته ... لو كان جنسك ناشئا من جنسه )
( يحكي نداك بغيثه فإذا انجلى ... فكأن وجهك ما انجلى من شمسه )
( لكن فضلت عليه أنك دائما ... تبقى وهذا اليوم تابع أمسه ) - الكامل -
وقال
( هو الشيخ لما صفا جوهر ... الفضائل منه ولم يكدر )
( أضاف الزمان إليه ابنه ... كما اقترن البدر بالمشتري ) - المتقارب -
وقال لرئيس اختلف ابنه إلى الكتاب
( يا عارضا يروي الثرى غيثه ... ومنهلا يشفي الصدى مورده )

( أقعدت في الكتاب من لم يكن ... يضره أنك لا تقعده )
( أنت أبوه فهو ينمي إلي ... كتابة يوجبها محتده )
( إن شئت علمه وإن شئت لا ... لا بد أن تحكي أباه يده ) - السريع -
وقال
( لا زلت يا عمر أبي عمرو ... أبقى على الدهر من الدهر )
( فتى إذا ما جاء لي بحره ... أمرت من يخرى على البحر )
( وإن بدا لي وجهه طالعا ... صفعت بالشمس قفا البدر ) - السريع -
وله
( فديت عز الدولة المرتجى ... بمهجتي إن قبلت مهجتي )
( ومن أنا في عيلة إحسانه ... وفقر أهلي في عيلتي )
( ثيابه في سفطي بيتها ... وخبزه مأواه في ملتي )
( جراية أصبحت في رزقها ... في كل يوم أجتبي غلتي )
( وكان جوفي بالخوى مأتما ... فاليوم بيت العرس في معدتي ) - السريع -
وقال
( سيدي والذي يقيك من السوء ... يمينا من أوكد الأيمان )
( لا جحدت النعمى لأكفر إسحانك ... عندي يا دائم الإحسان )
( أنا في نزهة من العيش في ... ظلك طول الحياة كالبستان )
( ذات زهر فيه البنفسج والنرجس ... معه شقائق النعمان )
( جالس من تبظرم ترك الحاسد ... يقلى بعر استه بوراني ) - الخفيف

وله في شارب دواء
( يا من به تتباهى ... مجالس الخلفاء )
( ومن تقصر عنه ... مدائح الشعراء )
( يا سيدي كيف أصحبت بعد شرب الدواء ... )
( خرجت منه تضاهي ... في الحسن بدر السماء )
( في ثوب صحة جسم ... مطرز بالشفاء ) - المجتث -
وقال من أبيات في الصاحب
( يا أيها السيد الجليل ... المرجو للحادث الجليل )
( كل مديح أجملت فيه ... يقصر عن فعلك الجميل ) - مخلع البسيط -
وقال في ابن بقية
( يا بدر يا بدر التمام ... بك أشرقت خلع الإمام )
( يا من له الأسما العظام ... بحرمة الأسما العظام )
( هب لي بقا ابن بقية ... هبة تجدد كل عام )
( أنت الكريم فهب لنا ... هذا الكريم من الكرام )
( فلقد علمت بدعوتي ... أني على خبزي أحامي ) - مجزوء الكامل -
قطعة من ملحه في نوادره في سائر الفنون
وقال
( أعصر شبيبتي قف لي قليلا ... أناشدك المودة أن تحولا )

( فديتك يا شبابي أنت مالي ... أراك مكلكلا نضوا عليلا )
( تولى حسنك المفقود عني ... وحول رحله إلا قليلا )
( وقالوا الشيب يكسبه جلالا ... معاذ الله بل خطبا جليلا ) - الوافر -
وقال
( بياض الشيب تكرهه الغواني ... ويعجبها سواد في الشباب )
( وشيب لحى الزناة فدتك نفسي ... ضراط في اللحى عند القحاب ) - الوافر -
وقال
( طاقة آس جنيت منها ... بلحظتي نرجسا ووردا )
( أرضاه مولى وليس يرضى ... مولاي بي في هواه عبدا ) - مخلع البسيط -
وقال
( فديت إنسانا على هجره ... ووصله تحسدني الناس )
( لما احتوى الورد على خده ... ودب في عارضه الآس )
( مزجت كأسي من جنى ريقه ... بمثل ما دارت به الكأس ) - السريع -
وقال في أرمد
( أنا الفداء لعين بعض أسهمها ... مشكوكة بين أحشائي وفي كبدي )
( فيها سقام فتور لا خفاء به ... تجدد السقم في قلبي وفي جسدي )
( كانت تعل فؤادي وهي سالمة ... فكيف بي وهو يشكو علة الرمد ) - البسيط

وقال
( فديت من مر في الرصافة بي ... فقلت يا سيدي فلم يجب )
( واصفر غيظا علي وامتزجت ... صفرة ذاك اللجين بالذهب ) - المنسرح -
وقال في أبي تغلب يستهديه فرسا
( اسمع المدح الذي لو قيل في ... أحد غيرك قالوا سرقا )
( جاء يستهديك مهرا أدهما ... يركب الفارس منه غسقا )
( كالدجى تبصر من غرته ... فوق أطباق دجاه فلقا )
( جل أن يلحق مطلوبا ومن ... طلب الريح عليه لحقا )
( فتراه واقفا في سرجه ... يتلظى من ذكاه قلقا )
( فإذا طار به المشي مضى ... وهو كالريح يشق الطرقا )
( كالسحاب الجون إلا أنه ... ليس يسقي الأرض إلا عرقا )
( جمع الأمرين يعدو المرطى ... في مدى السبق ويمشي العنقا ) - الرمل -
وقال يصف الفرس الذي أهداه له أبو تغلب
( اليوم يوم سروري ... بالموصلي الذنوب )
( من عند قرم كريم ... جزل العطاء لبيب )
( آدابه جعلته ... يعنى بكل أديب )
( ركبت فيه القوافي ... فجاد بالمركوب )
( ذو غرة يتلالا ... في حالك غربيب )

( لون الشباب عليه ... مع غرة كالمشيب )
( صهيله جوف إذني ... ولا غناء غريب )
( وروثه المسك طيبا ... بين اللحى والجيوب )
( لولا اضطراري إليه ... نزهته عن ركوبي ) - المجتث -
وقال في خصم له أعمى
( سمعتم قط أعجب من ضرير ... يقدر أن يجوز على بصير )
( ولو شاء الوزير ولم يزل لي ... صلاحي في مشيئات الوزير )
( لألزمه العصا يمشي عليها ... وعلمزه القران على القبور ) - الوافر -
وفيه
( إن كان هذا الضرير يعنتني ... بحجة مثل عينه غلقه )
( فوقع السوس في عصاه ولا ... بورك في قسطه من الصدقة ) - المنسرح -
وقال
( لا يحسن الإشراف من مقعد ... كأنه زرقة فروج )
( أقصر من يأجوج في قده ... وقرنه أطول من عوج ) - السريع -
وقال
( أزجر العين أن ترى ... أزرق العين أشقرا )
( ما أرى البوم وجهه ... قط إلا تطيرا ) - مجزوء الخفيف

وقال
( سيدي حشمتي عليك حرام ... وبحكم الكريم تقضي الكرام )
( وأرى مذ ملكتني أن مثلي ... أبدا لا تفيدك الأيام )
( خادم ناصح وعبد محب ... وصديق وصاحب وغلام )
( خمسة قد جمعتهم لك وحدي ... لمعاني اختصاصهم والسلام ) - الخفيف -
وقال يتشوق رئيسا ويصف رواقه
( لا والذي يا سيدي ... يفني الأنام وأنت باقي )
( ما للخليفة مثل صحنك ... والتدلي والرواق )
( دار غدت شرفاتها ... توفي على السبع الطباق )
( فقبابها وكواكب الجوزاء ... تسمو باتفاق )
( ولها حصون تشتكي ... حيطانها بعد الفراق )
( ويضيع فيها الخضر وهو ... يسير في ظهر البراق )
( لما دخلت أطوفها ... ومشيت في طول الرواق )
( دار بها يا سيدي ... ما بي إليك من اشتياق ) - الكامل -
وقال يناقض ابن المعتز في قوله
( لا تدعني لصبوح ... إن الغبوق جيبي )
( الليل لون شبابي ... والصبح لون مشيبي ) - المجتث -
وقال
( الصبح مثل البصير نورا ... والليل في صورة الضرير )
( فليت شعري بأي رأي ... يختار أعمى على بصير ) - مخلع البسيط

وقال
( كم من صديق يروق عيني ... بالشكل والحسن واللباقه )
( ليس له في الجميل راي ... ولا بفعل القبيح طاقه )
( كأنه في القميص يمشي ... فالوذج السوق في رقاقه ) - مخلع البسيط -
وقال يصف بغلة
( تعرف لي أحسن من بغلة ... جددت في البر بها عهدي )
( تنساب كالماء على حافر ... كأنه من حجر صلد )
( نابت عن الأشهب لما مضى ... نيابة الكلب عن الفهد ) - السريع -
حاشية من قصيدة لإبن حجاج
( فأقسم لا بيسين وطه ... ولا بالذاريات ولا الحديد )
( ولكن بالوجوه البيض مثل ... الأهلة تحت أغصان القدود )
( وشرب الري من خمر الثنايا ... وشم المسك من ورد الخدود )
( وتطفيتي حرار الوجه يوم الفراق بمص رمان النهود ... )
( وبالخمر التي كانت لعاد ... ولكن بعد محنتهم بهود )
( مدام في قديم الدهر كانت ... تعد لكل جبار عنيد )
( مدام ليس لي فيها إمام ... أصلي خلفه غير الوليد ) - الوافر

فصل
ملح ابن حجاج لا تنتهي حتى ينتهي عنها وفيما أوردته منها كفاية على أنها غيض من فيضها وقراضة من تبرها ولكن الكتاب لا يتسع لأكثر من ذلك والله أسأل العفو والمغفرة
أبو القاسم علي بن جلبات
أحد أفراد الدهر في الشعر وكنت أنشدت له لمعا أوردتها في النسخة الأولى ثم وجدتها منسوبة إلى غيره كقوله
( برزت لنا تحت القناع الأزرق ... ليلا فعاد لنا كصبح مشرق )
( الوجه بدر والقناع سماؤه ... والشعر بينهما كليل مطبق ) - الكامل -
ثم وقع إلي من شعره الصحيح قصائد في الخليفة القادر بالله والوزير أبي النصر سابور بن أردشير فأخرجت غررها وهي سوى ما يقع من شعره في مجموع أشعار أهل العراق في الوزير سابور وإذا سقت ذلك أكرر ذكر ابن جلبات في جملتهم
قال أبو القاسم من قصيدة في الخليفة القادر بالله
( وفي الدهر عن مطل بما هو واعد ... فساخطه راض وشاكيه حامد )
( وأدركت الري الخلافة بعدما ... تجهمها عن موقف الحق ذائد )
( رأت قادرا بالله لم يعد قدره ... مدى العفو عما رام باغ وحاسد )
( رأينا به العباس معنى وصورة ... فما عد عنا غائبا فهو شاهد )

( تقبله فضلا أشاد بذكره ... له قبله جد كريم ووالد )
( كذلك الأصول الزاكيات ذواهب ... إلى ما رأتها بالزكاء المحاتد )
( ومن يك لله المهيمن سعيه ... ينل ساعيا في ظله وهو قاعد )
ومنها
( فلله ما تأتي ولله ما ترى ... وما أنت فيه صادر الأمر وارد )
( ومليت من رب السماء فوائدا ... عدوك منها قبل سيفك فائد )
( فوالله ما ندري أليث ضبارم ... مفيت الأعادي أنت أم أنت عائد )
( كذا الخلفاء الراشدون الأولى مضوا ... وأنت عليهم بالبقية زائد )
( فلا عولت إلا على مجدك العلا ... ولا انتسبت إلا إليك المحامد ) - الطويل -
وقال في الوزير سابور بن أردشير
( رويدك قد تعاليت اطلاعا ... على العلياء هما وارتفاعا )
( ونفسك لا ترى ببلوغ مجد ... وإن أوفى على النجم اقتناعا )
( إذا ما خطة ضاقت عليه ... أشرت لها فأمعنت اتساعا )
( براي ما رأته الشمس إلا ... تمنت أن تكون له شعاعا )
( وأذل بعزه صرف الليالي ... ورام عصيتها حتى أطاعا )
( ندى وبسالة علما يقينا ... بأنهما به في الخلق ذاعا )
( تكفل ذا نداك وما رأينا ... جوادا كاملا إلا شجاعا )
( ودونك كل بكر لم تملك ... سواك لها من الأنف افتراعا )
( رأت حسن اختراعك للمعالي ... فبارتها معانيها اختراعا )
( وها أنا ذا أرى لك كل وقت ... ببدع من مكارمك ابتداعا )

( تراعي أمر ذا وتريش هذا ... فما لي لا أراش ولا أراعي )
( فلا زالت لك الدنيا فناء ... ولا حل الفناء لها رباعا )
( فقد أضحى افتراق المجد فيمن ... حوته من الورى فيك اجتماعا ) - الوافر -
وله من أخرى فيه
( فدم يا وزير العلا والنهى ... تنال المنى وتوقى الحذارا )
( وراع اختلالي سرا ولا ... تراع رباء اختلالي جهارا )
( ولا تستمع خبرا طارئا ... عن المرء أو تبتليه اختبارا )
( ولا تحسبن كل عود يريك ... ما أنت مور من القدح نارا )
( فما كل وحش يرى ضيغما ... ولا كل عود يسمى غفارا ) - المتقارب -
وقال فيه
( أبا نصر وأنت البحر طام ... على العافين جياش العباب )
( يقيم مقام جيش من ليوث ... بفضل نهاه سطرا من كتاب )
ومنها
( رآك لقصده أهلا وأني ... يرجى الغيث من غير السحاب )
( وقد أظمأه ورد سواك إلا ... الأقل وأي ورد من سراب ) - الوافر -
وقال من أخرى
( ويستبشر الإسلام أنك سالم ... وأن بقاء الملك باسمك دائم )

( وأن المعالي ما بنى لك ذو العلا ... وليس لما تبني يد الله هادم )
( أنا الشمس إن لم تستبن عين ناظر ... ضيائي فإن الذنب للعين لازم )
( وما دمت بعد الله لي عنه رازقا ... فما أتظني أنه لي حارم ) - الطويل -
وقال من أخرى
( وأنت فرع زكاء الأصل منه ولا ... يطيب إلا بطيب المنبت الثمر )
( وأنت بحر النهى ما للعقول إلى ... سواه مورد صفو ما له كدر )
( وأنت بيت الندى طافت بكعبته ... حجاجه ونداك الركن والحجر )
( وقد عرفت ولم تحدد بمنزلة ... والشيء يجهل علما وهو مشتهر )
( كالشمس تدركها الأبصار ظاهرة ... وحد منزلها بالغيب مستتر )
( والملك من بعد طول الكد في دعة ... كالعين أغفت وقد أعيا بها السهر )
( إليك جاب الفلا عزم تمثل في ... تحقيقه منك قبل المورد الصدر )
( في كل طامية بالآل ظامية ... تصدى بها النفس ما يروى به النظر )
( إذا الركائب من أشباهها لعبت ... بعد المقيل تولى حثها الأشر )
( أبثها فيك آمالي فما انتظرت ... لفرط ما طويت ما كنت أنتظر )
( حتى إذا هي حلت من ذراك حمى ... قالت إلى منتهى المجد انتهى السفر )
( ألست لي يا أبا نصر مدى أملي ... وأنني بك في اللأواء منتصر )
( فمر زماني لا ينتابني بأذى ... فإنه لك فيما شئت مؤتمر ) - البسيط

3 - محمد بن الحسين الحاتمي
حسن التصرف في الشعر موف على كثير من شعراء العصر وأبوه أبو علي شاعر كاتب يجمع بين البلاغة في النثر والبراعة في النظم وله الرسالة المعروفة في وقعة الأدهم وليس يحضرني من شعره إلا بيتان هما عنوان محاسنه وهما
( لي حبيب لو قيل لي ما تمنى ... ما تعديته ولو بالمنون )
( أشتهي أن أحل في كل جسم ... فأراه بلحظ كل العيون ) - الخفيف -
ومما اخترته لإبنه قوله من قصيدة في الخليفة القادر بالله أمير المؤمنين استهلالها
( حي رسم الغميم تحيى الغميما ... إن فقدت الهوى فحي الرسوما )
( واستمح مقلة الغمام على أطلاله ديمة أبت أن تدوما ... )
( نثرت عقد دمعها فغدا النور ... بأعطاف روضها منظوما )
( هو مأوى الظباء إنسا ووحشا ... ومحل الأسود خلقا وخيما )
( كل ريم يعطو فيصطاد ليثا ... عند ليث يسطو فيصطاد ريما )
( كم رعينا من البطاح وكأس الراح والأوجه الملاح نجوما ... )
( حين رضنا من التصابي جموحا ... وبعثنا من الوصال رميما )
( ودعتنا المنى إلى مرح الفتك ... ولكننا أجبنا الحلوما )

( حين صرف الزمان كان اعتذارا ... ورياح الخطوب كانت نسيما )
( قد وقفنا على الطلول طلولا ... ومثلنا على الرسوم رسوما )
( وخلعنا على البكاء عيونا ... ونزفنا من الدموع جموما )
( ومتى يجشم الظليم مدها ... في سراها فقد ظلمنا الظليما )
( وهي تبدي منها نجارا ومن سير الدجى مخلفا ومني كريما ... )
( وإلى القادر الإمام قريت البيد حرفا أنضى بها الديموما )
( الإمام الماضي العزيم الذي راح ... وأضحى على المعالي زعيما )
( وهو من أسرة هم رسموا ... الدهر ذرى المجد والمعالي قديما )
( وهم كالبحار جودا وكالأنجم ... هديا وكالسيوف عزيما )
ومنها
( أنت أيدت بالخلافة ركن ... الشرع فارتد نهجه مستقيما )
( وذببت العدو عنه ولولاك ... بلا مرية لعط أديما )
( أنت أنكحتني الرجاء فقد ... أضحى ولودا وكان قبل عقيما )
( دم تدم دولة المفاخر والمجد وحسن الزمان في أن تدوما ... )
( والبس المهرجان ما ابتسم الفجر وأهدى من الرياض نسيما ... ) - الخفيف -
وقال
( منازلهم لا شافهتك النوازل ... وأطلالهم حياك طل ووابل )
( كأن الربا لم تلبس الأرض حاليا ... ولا أخملت بالنور تلك الخمائل )

( تعرفتها واستنكر الطرف أنها ... كما استنكرت سقم المحب العواذل )
( وكم قطع ليل بعد ليل قطعته ... وسرح الكرى عن جفن عيني هامل )
( وقد مالت الجوزاء حتى كأنما ... بها راقص من سورة الكأس مائل )
( وخلت الثريا كف عذراء طفلة ... مختمة بالدر منها الأنامل )
( تخيلتها في الأفق طرة جعبة ... ملوكية لم تعتلقها حمائل )
( كأن نبالا ستة من لآلىء ... يوافى بها في قبة الأفق نائل )
( وعيش كنوار الرياض استرقته ... خلاسا وأحداث الليالي غوافل )
( لماما وأغصان الشبيبة رطبة ... وماء الصبا في ورد خدي جائل )
( ويوم كحلي الغانيات سلبته ... حلي الربا حتى انثنى وهو عاطل )
( سبقت إليه الصبح والشمس غضة ... وصبغ الدجى عن مفرق الفجر ناصل )
( ونشوان من خمر الدلال سقيته ... شمولا فنمت عن هواه الشمائل )
( شكا ظمأ منه الموشح وارتوت ... بماء الصبا أردافه والخلاخل )
( إذ العيش مخضر الأصائل ناعم ... وإذ زبرج الدنيا خليل مواصل )
( وليل موشى بالنجوم صدعته ... بأبيض وشى صفحتيه الصياقل )
( إليك أمير المؤمنين ارتمت بنا ... بنات الفلا والمقربات الصواهل )
( إلى من له في جبهة الدهر ميسم ... ومن سيفه في مفرق الدهر سائل )
( تشيم الحيا من كفه وهي لجة ... تشق جيوب القطر فيها الأنامل )

( ومن عودته المكرمات شمائلا ... فليس له عنها ولو شاء ناقل )
( وإن راسل الأعداء فالجرد رسله ... إليهم وأطراف العوالي الرسائل )
( بيوم عقيم يلقح البيض بأسه ... ولود المنايا وهو أشمط ثاكل )
( إذا ما أسر النقع أنوار شمسه ... أذاعت بأسرار الحمام المناصل )
( فيا بدر لا تغرب ويا بحر لا تفض ... ويا نوء لا تخلف حيا منك هاطل )
( عظمت فهذا الدهر دونك همة ... وجدت فهذا القطر عندك باخل ) - الطويل -
وقال في الأمير شمس المعالي
( كم قلوب تحملت بالحمول ... ودموع طلت بتلك الطلول )
( واصطبار أضيع ما بين إيضاع ... المطايا وفي المحل المحيل )
ومنها
( وبنفسي بدر يعود ضياء البدر ... من نور وجهه بالأفول )
( أثمرت وجنتاه روضا جنى ... الورد يفتر عن غدير شمول )
( وإلى مسرح المكارم قابوس ... أراح الندى سوام العقول )
( فارس الكتب والكتائب والمنبر ... والخيل واليراع النحيل )
( تعب البيض والسلاهب والأرماح ... والوفر والندى والعذول )
( وكهول أوهت كواهلها السمر ... تهادى إلى إبتغاء الدخول )
( يتعاطون بالصورم كاسات ... المنايا على غناء الصهيل )

( كم يد للخطوب طالت على ... الأحرار قصرتها بباع طويل )
( فابق ما استعبر الغمام وما علل صبا نسيم روض عليل ) - الخفيف

الباب الثامن في تفاريق قطع من ملح المقلين من أهل بغداد ونواحيها والطارئين عليها من الآفاق والمقيمين بها
4 - القاضي ابن معروف
هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن معروف وكان كما قرأته في فصل للصاحب شجرة فضل عودها أدب وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف تسقيها سماء الحرية وتغذيها أرض المروءة وقد تقدم بعض ذكره في منادمة المهلبي وغيره من الوزراء وجمعه بين جد العلم وهزل الظرف وخشونة الحكم
ولين قشرة العشرة وكان على تقلده قضاء القضاة دفعات بالحضرة واشتغاله بحلائل الأعمال من أمور المملكة يقول شعرا لطيفا في الغزل يتعاوره القوالون والقيان ملحنا
وقرأت لأبي إسحاق الصابي فصلا من كتاب عن الوزير ابن بقية إلى ابن معروف واستحسنه جدا في وصف نظمه ونثره وهو وصل كتاب قاض القضاة بالألفاظ التي لو مازجت البحر لأعذبته والمعاني التي لو واجهت دجى الليل لأزاحته وأذهبته ولم أدر بأي مذاهبه فيها

أعجب ولا من أيها أتعجب أمن قريض عقوده منظومة أم من ألفاظ لآلئها منثورة أم من ولوجها الأسماع سائغة أم من شفائها العلة نافعة وأما الأبيات التي رسم التقدم بتلحينها وقال بمذهب أهل الحجاز فيها فما أعرف كفؤا لمثلها ملحنا ولو كان إسحاق الموصلي ولا مجيبا ولو كان امرأ القيس الكندي ولا أرضى لها مهرا إلا حبات القلوب ولا مجالا إلا أرجاء الصدور وقد جعل الله فيها من الفضل ما يشغلنا حفظه عن تعاطي الإجابة عنه وقرن بها من الأطراب ما يكفينا تأمله عن صياغة الألحان له
ولأبي إسحاق شعر كثير فيه فمن ذلك قوله في افتتاح قصيدة
( أقسمت بالله ما يرجى لمعروف ... في الحادثات سوى القاضي ابن معروف ) - البسيط -
ولإبن حجاج في بعض من كان يناوىء ابن معروف من الحكام
( يا أيها الحاكم الرقيع ... ذقنك في سلحتي نقيع )
( إن ابن معروف في محل ... مرامه متعب منيع )
( فضله الله واجتباه ... للأمر واختاره المطيع )
( هذا له وحده فقل لي ... من أنت في الناس يا وضيع ) - مخلع البسيط -
وقد أوردت ما حضرت به من مشهور ما هو من شرط الكتاب من غرره فمنها قوله من قصيدة
( ولم تسلني الأيام عنك بمرها ... بلى زادني بعد اللقاء تتيما )
( وقد كنت لا أرضى من النيل بالرضا ... وآخذ ما فوق الرضا متلوما )
( فلما تفرقنا وشطت بنا النوى ... رضيت بطيف منك يأتي مسلما ) - الطويل

وقال
( لو كنت تدري ما الذي صنع الهوى ... والشوق بالجسد النحيل البالي )
( لهجرت هجري واجتنبت تجنبي ... ووصلت من بعد الصدود وصالي ) - الكامل -
وقال
( وما سر قلبي منذ شطت بك النوى ... نعيم ولا كأس ولا متصرف )
( وما ذقت طعم الماء إلا وجدته ... سوى ذلك الماء الذي كنت أعرف )
( ولم أشهد اللذات إلا تكلفا ... وأي نعيم يقتضيه التكلف ) - الطويل -
وقال
( احذر عدوك مرة ... واحذر صديقك ألف مره )
( فلربما انقلب الصديق ... فكان أعرف بالمضره ) - مجزوء الكامل -
5 - أبو الفرج الأصبهاني
علي بن الحسين الأموي الأصبهاني الأصل البغدادي المنشأ وكان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان ظرفاء الشعراء والذي رأيته من كتبه كتاب القيان وكتاب الأغاني وكتاب الإماء الشواعر وكتاب الديارات وكتاب دعوة النجار وكتاب مجرد الأغاني وكتاب أخبار جحظلة البرمكي وما أشك في أن له غيرها وكان منقطعا إلى المهلبي الوزير وكثير المدح مختصا به فمن ذلك قوله فيه من قصيدة

( ولما انتجعنا لائذين بظله ... أعان وما عنى ومن وما منا )
( وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فأخصبنا ) - الطويل -
وله من قصيدة يهنئه بمولود من سرية رومية
( اسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر أشرق جنح ليل مقمر )
( سعد لوقت سعادة جاءت به ... أم حصان من بنات الأصفر )
( متبجح في ذروتي شرف الذرى ... بين المهلب منتماه وقيصر )
( شمس الضحى قرنت إلى بدر الدجى ... حتى إذا اجتمعا أتت بالمشتري ) - الكامل -
أخذه من مصراع ابن الرومي
( شمس وبدر ولدا كوكبا ... ) - السريع -
وقال من قصيدة فيه عيدية
( إذا ما علا في الصدر للنهي والأمر ... وبثهما في النفع منه وفي الضر )
( وأجرى ظبى أقلامه وتدفقت ... بديهته كالمستمد من البحر )
( رأيت نظام الدر في نظم قوله ... ومنثوره الرقراق في ذلك النثر )
( ويقتضب المعنى الكثير بلفظه ... ويأتي بما تحوي الطوامير في سطر )
( أيا غرة الدهر ائتنف غرة الشهر ... وقابل هلال الفطر في ليلة الفطر )
( بأيمن إقبال وأسعد طائر ... وأفضل ما ترجوه في أفسح العمر )
( مضى عنك شهر الصوم يشهد صادقا ... بطهرك فيه واجتنابك للوزر )
( فأكرم بما خط الحفيظان منهما ... وأثنى به المثني وأطرى به المطري )

( وزكتك أوراق المصاحف وانتهى ... إلى الله منها طول درسك والذكر )
( وقبضك كف البطش عن كل مجرم ... وبسطكها بالعرف في الخير والبر )
( وقد جاء شوال فشالت نعمامة الصيام ... وأبدلنا النعيم من الضر )
( وضجت حبيس الدن من طول حبسها ... ولامت على طول التجنب والهجر )
( وأبرزها من قعر أسود مظلم ... كإشراق بدر مشرق اللون كالبدر )
( إذا ضمها والورد فوه وكفه ... فلا فرق بين اللون والطعم والنشر )
( وتحسبه إذا سلسل الكأس ناظما ... على الكوكب الدري سمطا من الدر ) - الطويل -
وقال يهنئه بالعافية
( أبا محمد المحمود يا حسن ... الإحسان والجود يا بحر الندى الطامي )
( حاشاك من عود عواد إليك ومن ... دواء داء ومن إلمام آلام ) - البسيط -
وقال فيه
( تأوب عيني طيف ألم ... لظالمة طرقت في الظلم )
( تخيل منها خيال سرى ... فيسلب حلمي بذاك الحلم )
( فما أنس لا أنس إقبالها ... تميس بغصن سقته الديم )
( وقد بدرت مثل بدر الدجى ... سما في السماء علوا وتم )
( على رأسها معجر أزرق ... وفي جيدها سبحة من برم )

( ولم ترتقب لطلوع الرقيب ... ولم تحتشم لطلوع الحشم )
( لقد سؤتني يا نظام السرور ... وأسقمتني يا شفاء السقم )
( أهذا المزار أم الازورار ... وإلمامكم ألم أم لمم )
( ويوم كمثل رداء العروس ... حسنا وطيبا إذا ما يشم )
( خلعت عذاري ولم أعتذر ... ولم أحتشم فيه من يحتشم )
( وقابلت فيه صفاء الشمال ... بصفو الشمول وشجو النغم )
( فداؤك نفسي هذا الشتاء ... علينا بسلطانه قد هجم )
( ولم يبق من نشبي درهم ... ولا من ثيابي إلا رمم )
( يؤثر فيها نسيم الهواء ... وتخرقها خافيات الوهم )
( وأنت العماد ونحن العفاة ... وأنت الرئيس ونحن الخدم ) - المتقارب -
وله فيه
( فداؤك نفسي من الحادثات ... وريب الردى وحلول الحذر )
( فعالك تكبر عن موعد ... ووعدك يسبق أن ينتظر )
( وكفك تهمي على المعتفين ... بفيض عفا وصفا من كدر )
( إذا عاقك الشغل عني ولم ... أذكرك نفسي خوف الضجر )
( تسكعت في حيرة لا أجوز ... منها إلى عضد أو وزر )
( رهنت ثيابي وحال القضاء ... دون القضاء وصد القدر )
( وهذا الشتاء عسوف علي ... كما قد تراه قبيح الأثر )
( يغادي بصر من العاصفات ... أو دمق مثل وخز الإبر )

( وسكان داري ممن أعول ... يلقين من برده كل شر )
( فهذي تحن وهذي تئن ... وأدمع هاتيك تجري درر )
( إذا ما تململن تحت الظلام ... تعللن منك بحسن النظر )
( ولاحظن ربعك كالممحلين ... شاموا البروق رجاء المطر )
( يؤملن عودي بما ينتظرن ... كما يرتجي آيب من سفر )
( فأنعم بإنجاز ما قد وعدت ... فما غيرك اليوم من ينتظر )
( وعش لي وبعدي فأنت الحياة ... والسمع من جسدي والبصر ) - المتقارب -
وقال من أخرى فيه
( يا فرجة الهم بعد اليأس والوجل ... يا فرحة الأمن بعد الروع والوهل )
( اسلم ودم وابق واملك وأنم واسم وزد ... واعط وامنع وضر وانفع وصل وصل ) - البسيط -
وقال في وصف الخمر من قصيدة
( وسلاف كالتبر أذكى من المسك وأصفى صبغا من الزعفران )
( وكأن اليد التي تحتويها ... من صبيب العقيان في دستبان ) - الخفيف -
وقريب منه قوله
( وبكر شربناها على الورد بكرة ... فكانت لنا وردا إلى ضحوة الغد )
( إذا قام مبيض اللباس يديرها ... توهمته يسعى بكم مورد ) - الطويل -
والأصل فيه قول أبي الشيص
( سقاني بها والليل قد شاب رأسه ... غزال بحناء الغزالة مختضب ) - الطويل

وقال في أبي سعيد السيرافي
( لست صدرا ولا قرأت على صدر ... ولا علمك البكي بكافي )
( لعن الله كل شعر ونحو ... وعروض يجيء من سيراف ) - الخفيف -
وقال في القاضي الأيذجي وكان التمس منه عكازة فلم يعطه إياها
( اسمع حديثي تسمع قصة عجبا ... لا شيء أعجب منها تبهر القصصا )
( طلبت عكازة للوحل تحملني ... ورمزتها عند من يخبي العصا فعصى )
( وكنت أحسبه يهوي عصا عصب ... ولم أخل أنه صب بكل عصا ) - البسيط -
وكتب إلى القاضي التنوخي يلتمس منه خبرا
( يا أيها القاضي السني الذكر ... ومن علا على قضاة العصر )
( قد اجتمعنا في محل وعر ... ومنزل ضنك ومثوى قفر )
( خال من الخير كثير الشر ... نلقى زماني ألم وضر )
( من ليل بق ونهار حر ... فقد فقدت جلدي وصبري )
( وليس لي عند مجيء فكري ... سوى تشكي فادحات أمري )
( بقلم يخطها في سطر ... إلى فتى ذي أدب وقدر )
( فاسمع لشكواي وجد بعذر ... قد صفرت محبرتي من حبر )
( ولم أجده مشترى فأشري ... فجد حباك الله طول العمر )
( بمثلها حبرا وفز بشكري ... من بين نظم حسن ونثر )
( ورب مجد باسق وفخر ... نالهما الحر ببذل النزر ) - الرجز

6 - أبو الحسن بن مقلة
من أبناء الوزراء وبقية بني مقلة يقول
( لست ذا ذلة إذا عضني الدهر ... ولا شامخا إذا واتاني )
( أنا نار في مرتقى نفس الحاسد ... ماء جار مع الإخوان ) - الخفيف -
وقال من قصيدة
( وإذا رأيت فتى بأعلى رتبة ... في شامخ من عزه المترفع )
( قالت لي النفس العروف بفضلها ... ما كان أولاني بهذا الموضع ) - الكامل -
وقال
( الدهر يلعب بالفتى فيهيضه ... طورا ويجبر عظمه فيراش )
( وكذا رأينا الدهر في إعراضه ... ينحى وفي إقباله ينتاش ) - الكامل -
وقال
( أدل فيا حبذا من مدل ... ومن ظالم لدمي مستحل )
( إذا ما تعزز قابلته ... بذل وذلك جهد المقل ) - المتقارب -
وقال
( أنت يا ذا الخال في الوجنة ... مما بي خال )
( لا تبالي بي ولا تخطرني ... منك ببال )
( لا ولا تفكر في حالي ... وقد تعرف حالي )
( أنا في الناس إمامي ... وفي حبك غالي ) - الرمل

7 - أبو الحسن علي بن هرون بن المنجم
ذو نسب عريق في ظرفاء الأدباء وندماء الخلفاء والوزراء وفي أسرته يقول الصاحب
( لبني المنجم فطنة لهبيه ... ومحاسن عجمية عربيه )
( ما زلت أمدحهم وأنشر فضلهم ... حتى عرفت بشدة العصبيه ) - الكامل -
ولذكرهم في القسم الثالث من هذا الكتاب مكان في أصحاب الصاحب وشعرائه
فأما أبو الحسن الذي هو كبيرهم فقد اقتصرت من ذكره واقتصاص أمره على نبذ حكاها الصاحب في كتابه المعروف بالروزنامجه مما اتفق له مع أبي محمد الوزير المهلبي حين ورد الصاحب بغداد وقد أرسل يحكيها لأستاذه ابن العميد ثم أوردت ما علق بحفظي من ملحه
فصل
أستدعاني الأستاذ أبو محمد فحضرت وأبناء المنجم في مجلسه وقد أعدا قصيدتين في مدحه فمنعهما من النشيد لأحضره فأنشدا قعودا وجودا بعد تشبيب طويل وحديث كثير فإن لأبي الحسن رسما أخشى تكذيب سيدنا إن شرحته وعتابه إن طويته ولأن أحصل عنده في صورة متزيد أحب إلى من أن أحصل عنده في رتبة مقصر يبتدىء فيقول ببحة عجيبة بعد إرسال دموعه وتردد الزفرات في حلقه واستدعائه من جؤذر غلامه منديل عبراته والله والله والله وإلا فأيمان البيعة تلزمه بحلها وحرامها وطلاقها وعتاقها وما ينقلب إليه حرام وعبيده

أحرار لوجه الله تعالى إن كان هذا الشعر في استطاعة أحد مثله أو اتفق من عهد أبي دؤاد الإيادي إلى زمان ابن الرومي لأحد شكله بل عيبه أن محاسنه تتابعت وبدائعه ترادفت فقد كان في الحق أن يكون كل بيت منه في ديوان يجلمه ويسود به شاعره ثم ينشد فإذا بلغ بيتا يعجب ويتعجب من نفسه فيه قال أيها الوزير من يستطيع هذا إلا عبدك علي بن هرون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم جليس الخلفاء وأنيس الوزراء ثم ينشد الإبن والأب يعوذه ويهتز له ويقول أبو عبد الله استودعه الله ولي عهدي وخليفتي من بعدي ولو اشتجر اثنان من مصر وخراسان لما رضيت لفصل ما بينهما سواه أمتعنا الله به ورعاه وحديثه عجب وإن استوفيته ضاع الغرض الذي قصدته على أنه أيد الله مولانا من سعة النفس والخلق ووفور الأدب والفضل وتمام المروءة والظرف بحال أعجز عن وصفها وأدل على جملتها أنه مع كثرة عياله واختلال أحواله طلب سيف الدولة جاريته المغنية بعشرين ألف درهم أحضرها صاحبه فامتنع من بيعها وأعتقها وتزوج بها
فصل
وسمعت عنده أبا الحسن بن طرخان وقد نمى إلى سيدنا خبر ابنه وحذفه والفتى يبرز عليه مع التمسك بمذهبه وليس بالعراق ولا شيء من الآفاق طنبوري يشاكله أو يقاربه ومما يغنى به من شعر أبي الحسن ويحلف على الرسم أن لا مداني له فيه
( بيني وبين الدهر فيك عتاب ... سيطول إن لم يمحه الإعتاب )
( يا غائبا بوصاله وكتابه ... هل يرتجى من غيبتيك إياب )
( وإذا بعدت فليس لي متعلل ... إلا رسول بالرضا وعتاب )

( وإذا دعوت مساعدا فهو المنى ... سعد المحب وساعد الأحباب )
( لولا التعلل بالرجاء تقطعت ... نفس عليك شعارها الأوصاب )
( لا يأس من روح الإله فربما ... يصل القطوع وتحضر الغياب ) - الكامل -
إلى ههنا من كتاب الروزنامجه
وقرأت للصابي فصلا يشتمل على ذكره وبيتين من شعره وهو قد شغل قلبي أيد الله سيدنا ما بلغني من تألمه من قدمه وأضر بي وبالأحرار انقطاعه بذلك عن مساعي كرمه
وأقول له ما أنشدنيه علي بن هرون بن المنجم لنفسه من قصيدة كتب بها إلى أبي الحواري وقد وثبت رجله من عثرة لحقته
( كيف نال العثار من لم يزل منه ... مقيلا من كل خطب جسيم )
( أو ترقى الأذى إلى قدم لم ... تخط إلا إلى مقام كريم ) - الخفيف -
وقال في قدح أصفر
( وقدح مورس السربال ... من نقشه قبل المدام حال )
( تحسبه ملآن وهو خال ... ) - الرجز -
أخذ معنى قوله من
( نقشه قبل المدام ... قريبه ... ) أبو محمد بن المنجم فقال من قصيدة في وصف دار الصاحب
( وأبوابها أثوابها من نقوشها ... فلا ظلم إلا حين ترخي ستورها ) - الطويل -
ولقد أحسن السرقة وجود اللفظ وزاد في المعنى

8 - الأحنف العكبري أبو الحسن عقيل بن محمد العكبري
شاعر المكديين وظريفهم ومليح الجملة والتفصيل منهم
وقرأت للصاحب فصلا في ذكره فأوردته وهو لو أنشدتك ما أنشدنيه الأحنف العكبري لنفسه وهو فرد بني ساسان اليوم بمدينة السلام وحسن الطريقة في الشعر لأمتلأت عجبا من ظرفه وإعجابا بنظمه ولا أقل من إيراد موضع افتخاره فإنه يقول
( على أني بحمد الله في بيت من المجد ... )
( بإخواني بني ساسان ... أهل الجد والحد )
( لهم أرض خراسان ... فقاشان إلى الهند )
( إلى الروم إلى الزنج ... إلى البلغار والسند )
( إذا ما أعوز الطرق ... على الطراق والجند )
( حذارا من أعاديهم ... من الأعراب والكرد )
( قطعنا ذلك النهج ... بلا سيف ولا غمد )
( ومن خاف أعاديه ... بنا في الروع يستعدي ) - الهزج -
ولهذا البيت الأخير معنى بديع وتفسيره يريد أن ذوي الثورة وأهل الفضل والمروءة إذا وقع أحدهم في أيدي قطاع الطريق وأحب التخلص قال أنا مكدي فانظر كيف غاص وأبرز هذا المعنى المعتاص
إلى ههنا كلام الصاحب
وفي هذه القصيدة
( وقالوا قد سلا عنك ... وقد حال عن العهد )

( ولا والله ما أسلو ... ولكن قل ما عندي )
وأنشدني علي بن مأمون المصيصي قال أنشدني الأحنف لنفس
( عشت في ذلة وقلة مال ... واغتراب في معشر أندال )
( بالأماني أقول لا بالمعاني ... فغذائي حلاوة الآمال )
( لي رزق يقول بالوقف في الرأي ... ورجل تقول بالإعتزال ) - الخفيف -
وقال
( رأيت في النوم دنيانا مزخرفة ... مثل العروس تراءت في المقاصير )
( فقلت جودي فقالت لي على عجل ... إذا تخلصت من أيدي الخنازير ) - البسيط -
وقال
( العنكبوت بنت بيتا على وهن ... تأوي إليه وما لي مثله وطن )
( والخنفساء لها من جنسها سكن ... وليس لي مثلها إلف ولا سكن ) - البسيط -
وقال
( قد قسم الله رزقي في البلاد فما ... يكاد يدرك إلا بالتفاريق )
( ولست مكتسبا رزقا بفلسفة ... ولا بشعر ولكن بالمخاريق )
( والناس قد عملوا أني أخو حيل ... فلست أنفق إلا في الرساتيق ) - البسيط

وقال
( قال رؤيا المنام عندك حق ... قلت هيهات كل ذاك بخار )
( ليت يقظانهم يصح له الأمر ... فكيف المغط والنخار ) - الخفيف -
وقال
( سرير بت بماخور ... على دف وطنبور )
( وصوت الطبل كردم طع ... وصوت الناي طلير )
( فصرنا من حمى البيت ... كأنا وسط تنور )
( وصرنا من أذى الصفع ... كمثل العمى والعور )
( لقد أصبحت مخمورا ... ولكن أي مخمور ) - الهزج -
وقال من قصيدة
( ترى العقيان كالذهب المصفى ... تركب فوق أثفار الدواب )
( وكيسي منه خلو مثل كفي ... أما هذا من العجب العجاب ) - الوافر -
وقال
( قام للشقوة أيري ... وجرى بالنحس طيري )
( وولى حل سراويلك ... يا مولاي غيري )
( وتقرأت علينا ... كسعيد بن جبير )
( أترى قد عقر الناقة ... يا مولاي أيري )
( ليس لي منك سوى صبحك ... الله بخير ) - مجزوء الرمل

9 - ابن العصب الملحي
قد أجريت ذكره عند ذكر السري الرفاء وكان يتطايب في المداخلة والمعاشرة ويقول شعرا خفيف الروح
كتب إليه ابن سكرة
( يا صديقا أفادنيه زمان ... فيه ضن بالأصدقاء وشح )
( بين شخصي وبين شخصك بعد ... غير أن الخيال بالوصل سمح )
( إنما يمنع التآلف منا ... أنني سكر وأنك ملح ) - الخفيف -
فأجابه من أبيات منها
( هل يقول الإخوان يوما لخل ... شاب منه محض المودة قدح )
( بيننا سكر فلا تفسدنه ... أو يقولون بيننا ويك ملح ) - الخفيف -
وقال في قاض
( لنا قاض له وجه ... على أخذ الرشا عابس )
( ولكن لهأيرا يدق الرطب واليابس ... ) - الهزج -
وقال
( ذرفت عين الغمام ... فاستهلت بسجام )
( وبكى الإبريق في ... الكأس بدمع من مدام )
( فاسقني دمعا بدمع ... من مدام وغمام )
( واعص من لامك فيه ... ليس ذا وقت الملام ) - مجزوء الرمل

10 - أبو علي الحسن بن علي الخالع
شاعر مفلق من شعراء الوزير أبي نصر سابور بن أردشير ولذكره موضع آخر في الباب التاسع
ومن ملح شعره قوله من أبيات
( اسقنا من شرابك الصرف نمزجه ... بماء من الثنايا زلال )
( بنت كرم كأنها خجلة الخد ... تبدت في حلة من دلال ) - الخفيف -
وقال
( هو معلم لهواك فاعلم ... وهي الرسوم كما ترسم )
( قف مطلق العبرات ... محتبس الصبابة يا متيم )
( حتى ترى ديباج خدك ... من دموعك فيه معلم )
( واذكر زمان خلاعة ... لك في مغانيه تقدم )
( إذ أنت في مجموع شمل الغانيات به مقسم ... )
( يثني عناقك من سعاد ... ساعدا عبلا ومعصم )
( وتصير من نعم إليك ... معاطف الغصن المنعم )
( أرعيت ألحاظي بموشي ... الربى خضل موشم )
( متضوع الأرجاء من ... نفس الشمال إذا تنسم )
( ألقت بكل قرارة ... فيه يد الأنواء درهم )
( والأقحوان الغض من ... خجل الشقائق قد تبسم )

( فكأنما رياه أخلاق ... الوزير وقد تكرم )
( يا من إليه مقالد ... العلياء عن حق تسلم )
( مات السماح فكنت في ... إحيائه عيسى ابن مريم ) - مجزوء الكامل -
11 - الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد النامي الخوارزمي
أنا أختم هذا الباب بذكر من هو للعلم مجمع وللأدب مفزع
وإليه الرحلة اليوم ببغداد في تدريس كتب الشافعي رحمه الله مع الشيخ أبي حامد الإسفرائيني أيده الله وله لسان يستوفي أقسام الفصاحة ويجمع بين العذوبة وحسن العبارة والبراعة وشعر يشرف بصاحبه ويأخذ من القلب بمجامعه كقوله
( أيا زائر البيت العتيق وتاركي ... قتيل الهوى لو زرتني كان أجدرا )
( تحج احتسابا ثم تقتل عاشقا ... فديتك لا تحجج ولا تقتل الورى ) - الطويل -
وكقوله وكتب به إلى أبي سعيد بن أبي بكر الإسماعيلي
( حاش لله أن أزول عن العهد وإن زاد سيدي في الجفاء ... )
( أنا ذاك الذي عرفت قديما ... لابس للصديق ثوب الوفاء ) - الخفيف -
وأنشدني أبو الحسن الكرخي قال أنشدني الشيخ أبو محمد لنفسه
( يا عين منك شكايتي وبلائي ... أنت التي أسلمتني لشقائي )
( لما نظرت إلى محاسن وجهه ... أشعلت نار الشوق في أحشائي )
( ثم اعتبرت لتخدعيني بالبكا ... فكشفت ذاك السر للأعداء )
( فتأملي ماذا جنيت وأمسكي ... بالله عنا معشر الغرباء ) - الكامل

وقال أنشدني أيضا لنفسه
( عجبت من معجب بصورته ... وكان من قبل نطفة مذره )
( وفي غد بعد حسن صورته ... يصير في الأرض جيفة قذره )
( وهو على عجبه ونخوته ... ما بين ثوبيه يحمل العذره ) - المنسرح -
وقال أنشدني أبو محمد الحامدي له بيتين في سابور استملحتهما جدا وهما
( سابور ويحك ما أخسك ... بل أخصك بالعيوب )
( وجه قبيح في التبسم ... كيف يحسن في القطوب ) - مجزوء الكامل -
وأنشدني أبو حفص عمر بن علي الفقيه قال أنشدني أبو يعلى الواسطي قال أنشدني النامي لنفسه
( قالت له ورأى في وجهها أثرا ... فازور عنه كئيب القلب مدهوشا )
( ما حسن ديباجة الخد المليح إذا ... لم يحك في حسنه الديباج منقوشا ) - البسيط -
قال وأنشدني أبو علي الكندي قال أنشدني النامي لنفسه وقد أهدى هدية مهرجانية إلى بعض الرؤساء
( هدية المهرجان واجبة ... على السلاطين لا على الفقها )
( وإن جرى عبدكم على سنن ... من التهادي فما أتى سفها )
( حمل على أنني لكم قلم ... قط برأسين يكشف الشبها ) - المنسرح

144

الباب التاسع فيما أخرج من مجموع أشعار أهل العراق وغيرهم
12 - في الوزير أبي نصر سابور بن أردشير
منهم من تقدم ذكره ومنهم من تأخر ومنهم من لا يجري له ذكر فيما سواه
قال السلامي من قصيدة فيه وقد أعيد إلى الوزارة وخلع عليه
( اليوم طبق أفق الدولة النور ... وأوضحت فلق الملك التباشير )
( فكل عين إليك اليوم طامحة ... وكل قلب بما خولت مسرور )
( أقبلت في خلع السلطان زينها ... ذيل على أنجم الجوزاء مجرور )
( كأنما نسجتها في الرياض يدا ... غيث فرونقها بالحسن مغمور )
( ورحت فوق جواد كالعقاب جرى ... والجود في سرجه والمجد والخير ) - البسيط -
محمد بن أحمد الحمدوني من قصيدة له فيه
( وفي الظعائن مهضوم الحشى غنج ... يخطو بأعطاف نشوان الخطا ثمل )
( ظبي مشى الورد من لحظي بوجنته ... مشي اللواحظ من عينيه في أجلي )

( ومترف الترب مجاج الندى عطر ... مفوف النور موسوم الثرى خضل )
( قد شام جدوله فيها مهندة ... فاهتز مثل اهتزاز الخائف الوجل )
( إذا نسيم الصبا باحت سرائره ... أصغى إليهن سمع الغصن بالميل )
( والروض تسحب فيه السحب أردية ... مظاهرات عليها أظهر الحلل )
( يا مؤنس الملك والأيام موحشة ... ورابط الجأش والآجال في وجل )
( ما لي وللأرض لم أوطن بها وطنا ... كأنني بكر معنى سار في المثل )
( لو أنصف الدهر أو لأنت معاطفه ... أصبحت عندك ذا خيل وذا خول )
( لله لؤلؤ ألفاظ أساقطها ... لو كن للغيد ما استأنسن بالعطل )
( ومن عيون معان لو كحلت بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل )
( سحر من الفكر لو دارت سلافته ... على الزمان تمشى مشية الثمل ) - البسيط -
أبو الفرج الببغاء
( لمت الزمان على تأخير مطلبي ... فقال ما وجه لومي وهو محظور )
( فقلت لو شئت ما فات الغنى أملي ... فقال أخطأت بل لو شاء سابور )
( عذ بالوزير أبي نصر وسل شططا ... أسرف فإنك في الإسراف معذور )
( وقد تقبلت هذا النصح من زمني ... والنصح حتى من الأعداء مشكور )
( وما لطرف رحائي عنك منصرف ... وهل يفارق جرم المشتري النور ) - البسيط

ابن بابك من قصيدة
( شمت برق الوزير فانهل حتى ... لم أجد مهربا إلى الإعدام )
( وكأني وقد تقاصر باعي ... خائض في عباب أخضر طامي )
( مستفيض الندى كريم السجايا ... عاجل العفو آجل الإنتقام )
( كذب الزاعمون أن المعالي ... في صدور المثقفات الدوامي )
( إنما المجد والندى والمساعي ... والردى في أسنة الأقلام ) - الخفيف -
ابن لؤلؤ من قصيدة
( خصال العلا كلها من خصالي ... وصوب الحيا قطرة من شمالي )
( خلقت كما شاءت المكرمات ... بعيد النظير فقيد المثال )
( تنزهني عن دنايا الأمور ... نفسي وتندبني للمعالي )
( فللبأس طول يدي والحسام ... وللمجد والحمد جاهي ومالي )
( وحرف تعرس فيها الرياح ... إذا ما صغت للوني والكلال )
( أجرت تعوج مثل القسي يحملن ركبا كمثل النبال )
( ومجنوبة في حواشي المطي ... ينفضن أعرافها كالسعالي )
( طلبن الوزير فتى أردشير ... صنو الندى وحليف المعالي )
( بعيد مدى الجود لا يتقى ... مؤمله بكريه المطال )
( أغر يرى لك ما لا تراه ... لديه ويعطيك قبل السؤال )
( ويهتز من طرب للسماح ... هز الصبا للرماح الطوال ) - المتقارب

الخليع النامي من قصيدة
( في أي منزل صبوة لم أنزل ... وبأي منطق عادل لم أعذل )
( ما حق هذا الربع إذ فيه الهوى ... أن يستضام بوقفة المستعجل )
( كل إن حضرت إلى الدموع سؤاله ... فالدمع أفصح من سؤال المنزل )
( يا هذه إن لم يكن لك نائل ... فعدى وإن لم تجملي فتجملي )
( جودي فإن لم تحسني فتعلمي ... الإحسان من هذا الوزير المفضل )
( أعدى الزمان ندا أبي نصر فلو ... سمناه أن يهب الصبا لم يبخل )
( أرضى الديانة والصيانة حكمه ... بكفايتي قلم وقائم منصل )
( يا مؤئل الراجي وهل للحائم الصادي ... سوى قطر الحيا من موئل )
( أسعد بإقبال وعيد قابلا ... بك شخص سعد ليس بالمترحل )
( وتمل فضلك فهو أفخر ملبس ... وتبو عزك فهو أمنع معقل )
( واخبر متى ما شئت إخلاصي تبن ... لك نية المصفي من المتجمل )
( ما قلت قط لمنعم هب لي وفي ... تحصيل رأيك قد رغبت فهبه لي )
( فالآن قد أوفى النجاح على المنى ... بسعادتي في الأصل لا بتوصلي )
( وعلمت أني مقبل وعلامة ... الإقبال أني عذب منك بمقبل ) - الكامل -
الحاتمي من أرجوزة
( أولى بعفو من قدر ... لا عفو عن جان أصر )

( رأيا كمحتوم القدر ... فانصاع كالنجم انكدر )
( يحمد إن ذم المطر ... تهفو الرواسي إن زفر )
( في كفه نفع وضر ... ولحظه خير وشر )
( والدهر طوع ما أمر ... يجري بما ساء وسر )
( ذو خلق سهل يسر ... كمثل نوار الزهر )
( وشبه أنواء المطر ... يحيي أفانين الثمر )
( من بالغ ومنتظر ... كالأمن من بعد الحذر )
( والخير في أعقاب شر ... وكالكرى غب السهر )
( عمرت ما شاء الوطر ... فأنت للملك وزر )
( دونك عذراء الفقر ... تتلى كما تتلى السور ) - مجزوء الرجز -
الخالع من قصيدة
( أفي غلائلها غصن من البان ... يهتز في نعمة أم قد إنسان )
( هيفاء مرهفة الأعطاف إن خطرت ... أهدت نشاط الهوى من خطو كسلان )
( تبسمت فظننا أن مبسمها ... فيه من اللؤلؤ المجلو سمطان )
( وأومأت بيمين لو دنت لفمي ... لأفسدت صالحا من نسك إيماني )
( مقسم العيش في تحصيل مأثرة ... سيارة يتقاضاها لباسان )
( فللدروع عليه يوم ملحمة ... وللدرائع منه يوم ديوان )
( طرز الطلاقة في ديباج غرته ... للبشر فيها إشارات بألوان )
( كأن ماء الحياء الغمر منسكبا ... فيها يفيض على نوار بستان ) - البسيط

محمد بن بلبل من قصيدة
( أضحى الرجاء لبرق جودك شاتما ... وارتد روض الحمد وحفا ناعما )
( سميت نفسي إذ رجوتك واثقا ... ودوعتها لك مذ مدحتك خادما )
( فمتى أقوم بشكر نعمتك التي ... عقدت علي من الخطوب تمائما )
( لا زال جدك للعدو مزاحما ... يعلو وآنف حاسديك رواغما )
( واسعد بعيد قد حبتك سعوده ... عزا يكون مع السعادة قادما ) - الكامل -
أحمد بن علي المنجم من قصيدة
( أيهذا الوزير محصت بالإحسان ... جور الدنيا ووزر الزمان )
( فاشرب الراح راحة القلب أخت الروح ... روح المكرب أنس الأماني )
( وابق ما شئت في نعيم تراه ... لك انموذجا لعيش الجنان ) - الخفيف -
السفياني من قصيدة
( روض المنى بك عاد غضا مونقا ... واهتز غصن المجد فيه وأورقا )
( وابيض وجه الدهر بعد سخومه ... وارتد بعد ظلامه فتألقا )
( فت الأنام فما يجاريك امرؤ ... في حلبة الفخر المنيع المرتقى )
( ولو اغتدى ظهر المجرة راكبا ... وغدا بأذيال السهى متعلقا )
( أجرى فكان مسبقا وصفا فكان ... مروقا وسطا فكان محققا )
( وشأى فكان محدقا وخمي فكان ... مطبقا وعفا فكان موفقا ) - الكامل

أحمد بن المغلس من قصيدة
( أبروق تلألأت أم ثغور ... وليال دجت لنا أم شعور )
( وغصون تأودت أم قدود ... حاملات رمانهن الصدور )
( طالعات من السجوف على الركب ... بدور أبرزتهن الخدور )
( مثقلات أردافهن ولكن ... موهفات من فوقهن الخصور )
( مطمعات في وصلهن ودون ... الوصل إن رمته دماء تمور )
( عز منهن ما يرام كما عز جناب يحتل فيه الوزير ... )
( نصر المجد حافظا حرمة المجد ... أبو نصر الرضا سابور )
( مفرد في الزمان ليس يدانيه ... من الناس مشبه أو نظير )
( إن يواجه فطود حلم ركين ... أو يفاوض فبحر علم غزير )
( أو يجد واهبا فغيث مطير ... أو يصل واثبا فليث هصور ) - الخفيف -
سعد بن محمد الأزدي من قصيدة
( أأجفو الهوى في ربعه لا أخاطبه ... وأمضي ولم تعلب بدمعي ملاعبه )
ومنها في وصف السحاب
( وأقمر منشور الجناح مرفرف ... تحلى بعقيان البروق ترائبه )
( وخلف غمام الخدر بدر مضمخ ... بحسن بديع والحلي كواكبه )
( أرجى أبا نصر لعصر كأنما ... من النار عيناه فمن ذا يغاضبه )

( على عيلة لو حمل الدهر ثقلها ... لزلت به رجلاه وانقض غاربه )
( إذا ما رآه الناس قالوا تعجبا ... تبارك مختار الكمال وواهبه ) - الطويل -
الحسن بن محمد العضدي
( يلقاك إن لاقاك دهرك كالحا ... متبسما كالعارض المتبسم )
( وإذا سما نحو العلا لم يتخذ ... غير المواهب والعلا من سلم )
( سيان عزمك والحسام المنتضى ... وندى يديك وصوب نوء المرزم )
( كم منة لك كم يكدر صفوها ... من وكم نعمي شفعت بأنعم )
( أتراك تحرمني لطيف عناية ... وبك الغداة من الزمان تحرمي )
( وأنا ابن أنعمك القديمة فليصل ... منك السماح مؤخرا بمقدم ) - الكامل - عون بن علي العنبري
( لست على العتب بالمنيب ... ولا للوم بمستجيب )
( جل غرامي وزاد سقمي ... وذبت شوقا إلى مذيبي )
( غير عجيب نحول جسمي ... شوقا إلى حسنه العجيب )
( تلهب الوجنتين منه ... غادر قلبي على لهيب )
( يا دهر أغربت في التعدي ... والجور ظلما على الغريب )
( شوبك لي فرقة بشوق ... أطلع من لمتي مشيبي )
( حسبي أبو نصر المرجى ... عونا على الدهر والخطوب )
( إن ضاق دهر بنا أوينا ... منه إلى صدره الرحيب ) - مخلع البسيط

154

الباب العاشر
13 - في ذكر الشريف أبي الحسن الرضي الموسوي النقيب وغرر شعره
هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ومولده ببغداد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل وهو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادة العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين كالجماني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مدها فأما أبوه أبو أحمد فمنظور علوية العراق مع أبي الحسن محمد بن عمر بن يحيى وكان قديما يتولى نقابة الطالبيين والحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده أبي الحسن هذا وذلك في سنة ثمانين وثلاثمائة فقال أبو الحسن قصيدة يهنىء بها أباه ويشكره على تفويضه أكثر هذه

الأعمال إليه
( انظر إلى الأيام كيف تعود ... وإلى المعالي الغر كيف تزيد )
( وإلى الزمان نبا وعاود عطفه ... فارتاح ظمآن وأورق عود )
( قد عاود الأيام ماء شبابها ... فالعيش غض والليالي عيد )
( إقبال عز كالأسنة مقبل ... يمضي وجد في العلاء جديد )
( وعلا لأبلج من ذؤابة هاشم ... يثني عليه السؤدد المعقود )
( قد فات مطلوبا وأدرك طالبا ... ومقارعوه على الأمور قعود )
( ما السؤدد المطلوب إلا دون ما ... يرمي إليه السؤدد المولود )
( فإذا هما اتفقا تكسرت القنا ... إن غالبا وتضعضع الجلمود ) - الكامل -
وله من قصيدة في أبيه ويذكر حجه بالناس
( دعيني أطلب الدنيا فإني ... أرى المسعود من رزق الطلابا )
( ومن أبقى لآجله حديثا ... ومن عانى لعاجله اكتسابا )
( وما المغبون إلا من دهته ... فلا مجدا ولا جدة أصابا )
( ونصل السيف تسلم شفرتاه ... وتخلق كل أيام قرابا )
( وأيام تجوز عليك بيض ... وقد فتحت من الإقبال بابا )
( وكم يوم كيومك قدت فيه ... على الغرر المقانب والركابا )
( إلى البلد الأمين مقومات ... تماطلها التعجل والإيابا )

( بحيث تفرغ الكوم المطايا ... حقائبها وتحتقب الثوابا )
( معالم إن أجال الطرف فيها ... مسيء القوم أقلع أو أنابا ) - الوافر -
وقال في الطائع لله أمير المؤمنين من قصيدة
( لله ثم لك المحل الأعظم ... وإليك ينتسب العلاء الأقدم )
( ولك التراث من النبي محمد ... والبيت والحجر العظيم وزمزم )
( تمضي الملوك وأنت طود ثابت ... ينجاب عنك متوج ومعمم )
( لله أي مقام دين قمته ... والأمر من دون القضية مبهم )
( فكأنما كنت النبي مناجزا ... بالقول أو بلسانه تتكلم )
( أيام طلقها المطيع وأوحشت ... مذ زال عن ذا الغاب ذاك الضيغم )
( فمضى وأعقب بعده مستيقظا ... سجلاه بؤسي في الرجال وأنعم )
( كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم ... كالنار يخلفه الرماد المظلم ) - الكامل -
ينظر معنى المصراع الأول إلى بيت المتنبي وهو أحسن ما قيل فيه وهو قوله
( فإنك ماء الورد إن ذهب الورد ... ) - الطويل -
ومعنى المصراع الثاني من قول الشاعر
( وبعضهم يكون أبوه منه ... مكان النار يخلفها الرماد ) - الوافر

ومنها في وصف النوق
( هن القسي من النحول فإن سما ... طلب فهن من النجاء الأسهم )
وما أحسن ما جمع بين القسي والأسهم في هذين الوصفين وما أراه سبق إليه على هذا الترتيب
ومنها
( وعظمت قدرا أن يروقك مغنم ... أو أن يصل على بنانك درهم )
( هي راحة ما تستفيق من الندى ... أبد الزمان وبدرة لا تختم )
( ما كان يومي دون مدحك أنني ... صب بغير جلال وجهك مغرم )
( أنت العلا فلقصدها ما أقتني ... من جوهر ولمدحها ما أنظم )
( ما حق مثلي أن يضاع وقوله ... باقي العماد على الزمان مخيم )
( وأنا القريب قرابة معلومة ... والعرق يضرب والقرائب تلحم )
( إني لأرجو منك أن سيكون لي ... يوم أغيظ به الأعادي أيوم )
( وأنال عندك رتبة مصقولة ... إن عاين الأعداء رونقها عموا )
( إني وإن ضرب الحجاب بطوده ... أو حال دونك يذبل ويلملم )
( لأراك في مرآة جودك مثل ما ... يلقى العيان الناظر المتوسم )
( يا دهر دونك قد تماثل مدنف ... واقتص مهتضم وأورق معدم )
( إني عليك إذا امتلأت حمية ... بندى أمير المؤمنين محرم )

( ومذ ادرعت فناءه وعطاءه ... أرمي ويرميني الزمان فأسلم )
وقال من قصيدة لما خلع الطائع يذكر فيها أيامه ويرثيها ويتوجع مما لحقه وذلك في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
( إن كان ذاك الطود خر ... فبعدما استعلى طويلا )
( موف على القلل الذواهب ... في العلا عرضا وطولا )
( قرم يسدد لحظه ... فيرى القورم لا مثولا )
( ويرى عزيزا حيث حل ... ولا يرى إلا ذليلا )
( كالليت إلا أنه ... اتخذ العلا والعز غيلا )
( وعلا على الأقران لا ... مثلا يعد ولا عديلا )
( من معشر ركبوا العلا ... فأبوا عن الكرم النزولا )
( كرموا فروعا بعد ما ... طابوا وقد عجموا أصولا )
( نسب غدا رواده ... يستنخبون له الفحولا )
( يا ناصر الدين الذي ... رجع الزمان به كليلا )
( يا صارم المجد الذي ... ملئت مضاربه فلولا )
( يا كوكب الإحسان ... أعجلك الدجى عنا أفولا )
( يا مصعب العلياء قادتك ... العدى نقضا ذلولا )
( لهفي على ماض قضى ... أن لا يرى منه بديلا )
( وزوال ملك لم يكن ... يوما يقدر أن يزولا )
( ومنازل سطر الزمان ... على مغانيها الحؤولا )
( من يزجر الدهر الغشوم ... ويكشف الخطب الجليلا )

( وتراه يمنع دوننا ... وادي النوائب أن يسيلا )
( عقاد ألوية الملوك ... على العدى جيلا فجيلا )
( صانعت يوم فراقه ... قلبا قد اعتنق الغليلا )
( ظعن الغنى عني وحول ... رحله إلا قليلا )
( إن عاد يوما عاد ... وجه الدهر مقتبلا جميلا )
( ولئن غدا طوع المنون ... ميمما تلك السبيلا )
( فلقد يخلف مجده ... عبئا على الدنيا ثقيلا )
( واستذرت الأيام من ... نفحاته ظلا ظليلا ) - مجزوء الكامل -
وله من قصيدة يذكر فيها الحال يوم القبض على الطائع لله ويصف خروجه من الدار سليما وقد سلبت ثياب أكثر الأشراف والقضاة وانتهبوا وامتحنوا فأخذ هو بالحزم ساعة ووقف على الصورة وبادر إلى نزول دجلة وكان أول خارج من الدار وتلوم من تلوم حتى جرى عليه ما جرى ويذكر غرضا آخر في نفسه ويشكو الزمان ويذم عمل السلطان
( لواعج الشوق تخطيهم وتصميني ... واللوم في الحب ينهاهم ويغريني )
( سلا عن الوجد إني كل شارقة ... تريشني الشيب والأيام تبريني )
( من لي ببلغة عيش غير فاضلة ... تكفني عن أذى الدنيا وتكفيني )
( أخي من باع دنياه وزخرفها ... بصونه كان عندي غير مغبون )
( قالوا أتقنع بالدون الخسيس وما ... قنعت بالدون بل قنعت بالدون )

( إذا ظننا وقدرنا جرى قدر ... بنازل غير موهوم ومظنون )
( أعجب بمسكة نفسي بعد ما رميت ... من النوائب بالأبكار والعون )
( ومن نجاتي يوم الدار حين هوى ... غيري ولم أخل من جزم ينجيني )
( مرقت فيها مروق النجم منكدرا ... وقد تلاقت مصاريع الردى دوني )
( وكنت أول طلاع ثنيتها ... ومن ورائي شر غير مأمون )
( من بعد ما كان رب الملك مبتسما ... إلي أدنيه في النجوى ويدنيني )
( أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه ... لقد تقارب بين العز الهون )
( ومنظر كان بالسراء يضحكني ... يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني )
( هيهات أغتر بالسلطان ثانية ... قد ضل ولاج أبواب السلاطين ) - البسيط -
وقال في القادر بالله أبي العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر عند استقراره في دار الخلافة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة
( شرف الخلافة يا بني العباس ... اليوم جدده أبو العباس )
( وافى لحفظ فروعها وكنيه ... كان المثير مواضع الأغراس )
( هذا الذي رفعت يداه بناءها العالي وذاك موطد الآساس ... ) - الكامل -
كأنه ألم فيه بقول ابن الرومي في المعتضد بالله
( كما بأبي العباس أنشىء ملككم ... كذا بأبي العباس منكم يجدد )
رجع
( ذا الطود بقاه الزمان ذخيرة ... من ذلك الجبل العظيم الراسي )
( فالآن قر العز في سكناته ... ثلج الضمائر بارد الأنفاس )

( وقفت أخامص طالبيه ورفهت ... أيد نقضن معاقد الأحلاس )
( واحتل غاربه ولي خلافة ... ما كان يلبسها على اللباس )
( سبق الرجال إلى ذراها ناجيا ... من ناب كل مجاذب نهاس )
( يقظان يجرح في الخطوب وينثني ... ولهاه للكلم الرغيب أواسي )
( ويرق أحيانا وبين ضلوعه ... قلب على المال المثمر قاسي )
( تغدو ظبي البيض الرقاق بقلبه ... أحلى وأعذب من ظباء كناس )
( فكأن حمل السيف يقطر غربه ... أنسى يمين يديه حمل الكاس )
( أحسود ذي الغرر الشوادخ إنها ... حرم على الأعيار لا الأفراس )
( لا تحسدن قوما إذا فاضلتهم ... فضلوك في الأخلاق والأجناس )
( مجد أمير المؤمنين أعدته ... غضا كنوز المورق المياس )
( وبعثت في قلب الخلافة فرحة ... دخلت على الخلفاء في الأرماس )
( أورق أمين الله عودي إنما ... أغراث مثلك في العلا أغراسي )
( واملك على من كان قبلك سلوة ... في فرط تقريبي وفي إيناسي ) - الطويل -
وله فيه من أخرى يصف فيها جلسة جلسها فأوصل إلى حضرته الحجيج وغيرهم وحضر الشريف ذلك المجلس وعليه السواد في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة منها
( لمن الحدوج تهزهن الأنيق ... والركب يطفو في السراب ويغرق )

( أني اهتديت فلا اهتديت وبيننا ... سور علي من الظلام وخندق )
( ومطلحون لهم بكل ثنية ... ملقى وسادته الثرى والمرفق )
( أبغاة هذا المجد إن مرامه ... دحض يزل بطالبيه ويزلق )
( لا تحرجوا هذي البحار فربما ... كان الذي يروي المعاطش يغرق )
( ودعوا مجاذبة الخلافة إنها ... أرج بغير ثيابهم لا يعبق )
( وأبوكم العباس ما استسقى به ... بعد القنوط قبائل إلا سقوا )
( بعج الغمام بدعوة مسموعة ... فأجابه شرق البوارق مغرق )
( لله يوم أطلعتك به العلا ... علما يزاول بالعيون ويرشق )
( لما سمت بك غرة مرموقة ... كالشمس تبهر بالضياء وترمق )
( وبرزت في برد النبي وللهدى ... نور على أسرار وجهك مشرق )
( وعلى السحاب الجون ليث معظما ... ذاك الرداء وزر ذاك اليلمق )
( وكأن دارك جنة حصباؤها الجادي أو أنماطها الإستبرق ... )
( في موقف تغضي العيون جلالة ... فيه ويعثر بالكلام المنطق )
( والناس إما شاخص متعجب ... مما يرى أو ناظر متشوق )
( مالوا إليك محبة فتجمعوا ... ورأوا عليك مهابة فتفرقوا )
( وطعنت في غرر الكلام بفيصل ... لا يستقل به السنان الأزرق )
( وأنا القريب إليك فيه ودونه ... لندى عدوك طود عز أعبق )
( عطفا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرق )

( ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدا كلانا في المعالي معرق )
( إلا الخلافة ميزتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوق ) - الكامل -
هذه طريقة لم يسبق إليها وما أحسنها في جمع أطراف الإستعطاف والمدح وله من أخرى يذم الزمان ويفتخر
( توقعي أن يقال قد ظعنا ... ما أنت لي منزلا ولا وطنا )
( يا دار قل الصديق فيك فما ... أحس ودا ولا أرى سكنا )
( كيف يخاف الزمان منصلت ... مذ خاف غدر الزمان ما أمنا )
( لم يلبس الثوب من توقعه ... للأمر إلا وظنه كفنا )
( لي مهجة لا أرى لها عوضا ... غير بلوغ العلا ولا ثمنا )
( ما ضرنا لأأننا بلا جدة ... والبيت والركن والمقام لنا )
( سوف ترى أن نيل آخرنا ... من العلا فوق نيل أولنا )
( وأن ما بز من مقادمنا ... يخلفه الله في أواخرنا ) - المنسرح -
ورد عليه أمر أهمه وأقلقه فرأى شيبا في رأسه وسنه ثلاث وعشرون سنة
فقال
( عجلت يا شيب على مفرقي ... وأي عذر لك أن تعجلا )
( فكيف أقدمت على عارض ... ما استغرق الشعر ولا استكملا )
( كنت أرى العشرين لي جنة ... من طارقات الشيب إن أقبلا )
( فالآن سيان ابن أم الصبا ... ومن تسدى العمر الأطولا )

( يا زائرا ما جاء حتى مضى ... وعارضا ما جاد حتى انجلى )
( وما رأى الراؤون من قبلنا ... زرعا ذوي من قبل أن يسبلا )
( ليت بياضا جاءني آخرا ... فدى بياض كان لي أولا )
( وليت صبحا ساءني ضوؤه ... زال وأبقى ليله الأليلا )
( يا ذابلا صوح فينانه ... قد آن للذابل أن يختلى )
( خط برأسي يققا أبيضا ... كأنما خط به منصلا )
( هذا ولم أعد مجال الصبا ... فكيف من جاوز أو من علا )
( من خوفه كنت أهاب السرى ... شحا على وجهي أن يبذلا )
( فليتني كنت تسربلته ... في طلب العز ونيل العلا )
( قالوا دع القاعد يزري به ... من قطع الليل وجاب الفلا )
( قل لعذولي اليوم عد صامتا ... فقد كفاني الشيب أن أعذلا )
( طبت به نفسا ومن لم يجد ... إلا الردى أذعن واستقتلا ) - السريع -
وقال في الوزير أبي القاسم علي بن أحمد يستصوب رأيه في الإستتار لأمر أوجبه
( تأبى الليالي أن تديما ... بؤسا بخلق أو نعيما )
( والمرء بالإقبال يبلغ ... وداعا خطرا عظيما )
( وينال بغيته وما ... أنضى الذميل ولا الرسيما )
( فإذا انقضى إقباله ... رجع الشفيع له خصيما )

( وهو الزمان إذا نبا ... سلب الذي أعطى قديما )
( كالريح ترجع عاصفا ... من بعد ما بدأت نسيما )
( ذاك الوزير وكان لي ... وزرا أحزبه الخصوما )
( فالآن أغدو للعدى ... ونبالها غرضا رجيما )
( سدي العلا وأنار لا ... فض اللقاء ولا ملوما )
( حتى إذا لم يبق إلا ... أن يلام وأن يليما )
( طرح العناء على اللئام ... مجانبا ومضى كريما )
( لم يعتلقه الحبس ممتهنا ... ولم يعزل ذميما )
( أفنى العدى وقضى المنى ... وبنى العلا ونجا سليما )
( وجه كأن البدر شاطره ... الضياء أو النجوما )
( لو قابل الليل البهيم لمزق الليل البهيما ... )
( يجلو الهموم ورب وجه إن بدا جلب الهموما ... )
( كان العظيم وغير بدع ... منه أن ركب العظيما )
( والحر من حذر الهوان ... وحاول الأمر الجسيما )
( بعثوا سواك لها وكان ... مبلدا عنها مليما )
( والعاجز المأفون أقعد ما يكون إذا أقيما ... )
( فسقى بلادك حيث كنت ... المزن منبعقا هزيما )
( فلقد سقى خدي ذكرك ... دمع عيني السجوما ) - مجزوء الكامل -
وقال
( عذيري من العشرين يغمزن صعدتي ... ومن نوب الأيام يقرعن مروتي )

( ألا لا أعد العيش عيشا مع الأذى ... لأن رفيق الذل حي كميت )
( تخوفني بالموت والموت راحة ... لمن سل عزمي قلبه مثل همتي )
( وكم بين ذي أنف حمى وحامل ... موران قد عودن حمل الأحشة ) - الطويل -
وقال
( أكابرنا والسابقون إلى العلا ... ألا تلك آساد ونحن شبولها )
( وإن أسودا كنت شبلا لبعضها ... لمحقوقة أن لا يذل قبيلها ) - الطويل -
وقال
( حذفت فضول العيش حتى رددتها ... إلى دون ما يرضى به المتعفف )
( وأملت أن أجري خفيفا إلى العلا ... إذا شئتم أن تلحقوا فتخففوا )
( حلفت برب البدن تدمى نحورها ... وبالنفر الأطوار لبوا وعرفوا )
( لأبتذلن النفس حتى أصونها ... وغيري في قيد من الذل يرسف )
( فقد طالما ضيعت في العيش فرصة ... وهل ينفع الملهوف ما يتلهف )
( وإن قوافي الشعر ما لم أكن لها ... مسفسفة فيها عتيق ومقرف )
( أنا الفارس الوثاب في صهواتها ... وكل مجيد جاء بعدي مردف ) - الطويل -
وقال
( بنو هاشم عين ونحو سوادها ... على رغم من يأبى وأنتم قذاتها )
( وأعجب ما يأتي به الدهر أنكم ... طلبتم علا ما فيكم أدواتها )

( وأملتم أن تدركوها طوالعا ... دعوها سيسعى للمعالي سعاتها )
( غرست غروسا كنت أرجو لقاحها ... وآمل يوما أن تطيب جناتها )
( فإن أثمرت لي غير ما كنت آملا ... فلا ذنب لي إن حنظلت نخلاتها ) - الطويل -
وقال يرثي أبا منصور أحمد بن عبيد الله بن المرزبان الكاتب الشيرازي
( أي دموع عليك لم تصب ... وأي قلب عليك لم يجب )
( ما لي وما للزمان يسلبني ... في كل يوم غرائب السلب )
( أما فتى ناضر الصبا كأخي ... عندي أو زائد المدى كأبي )
( وإنني للشتاء أحسبني ... ألعب بالدهر وهو يلعب بي )
( ما نمت عنه إلا وأيقظني ... من الرزايا بفيلق لجب )
( في كل دار تغدو المنون ومن ... كل الثنايا مطالع النوب )
( يفوز بالراحة الفقيد وللفاقد طول العناء والتعب ... )
( أحمد كم لي عليك من كمد ... باق ومن جود أدمع سرب )
( ولوعة تحطم الضلوع إذا ... ذكرت قرب اللقاء عن كثب )
( إن قطع الموت حبلنا فلقد ... عشنا وما حبلنا بمنقضب )
( كم مجلس صبحته ألسننا ... نفضن فيه لطائم الأدب )
( من أثر يونق الفتى حسن ... أو خبر يبسط المنى عجب )
( أو عرض أصبحت خواطرنا ... تساقط الدر منه في الكتب )
( كالبادر العذب روقته صبا الفجر ... أو الظلم زين بالشنب )

( غاض غدير الكلام ما بقي الدهر وقرت شقائق الخطب ... )
( يا علم المجد لم هويت وقد ... كنت أمين العماد والطنب )
( يا مقول الدهر لم صمت وقد ... كنت زمانا أمضى من الشهب )
( يا ناظر الفضل لم غضضت وما ... كنت قديما تغضي على الريب )
( كنت قريني ولست لي لدة ... كنت نسيبي ولست من نسبي )
( مما يقوي العزاء عنك وإن ... شرد قلبي العزاء بالكرب )
( أنك أحرزتها وإن رغم الدهر ثمانين طلقة الحقب ... )
( فإن دموعي جرين نهنهها ... علمي أن قد ظفرت بالأرب )
( فليت عشرين بت أحسبها ... باعدن بين الورود والقرب )
( إني أظمأ إلى المشيب ومن ... ينج قليلا من الردى يشب )
( إن سرني طالع البياض أقل ... يا ليت ليل الشباب لم يغب )
( مر على ذلك التراب من المزن ... خفوق الأعلام والعذب )
( فثم بشر أصفى من الغدق ... العذب وجود أندى من السحب )
( لا تحسبن الخلود بعدك لي ... إن المنايا أعدى من الجرب )
( إن أنج منها وقد شربت بها ... فإن خيل المنون في طلبي ) - المنسرح -
ولست أدري في شعراء العصر أحسن تصرفا في المراثي منه
ولما رثى أبا منصور الشيرازي بهذه القصيدة في سنة ثلاث وثمانين رثى أبا إسحاق الصابي في سنة أربع وثمانين بالقصيدة التي أوردتها في بابه ثم لما حال الحول وتوفي الصاحب في سنة خمس وثمانين وتعجب الناس من إنقراض بلغاء العصر الثلاثة على نسق في ثلاث سنين رثاه أيضا بقصيدة سأورد غررها في مراثي الصاحب

وله من قصيدة رثى بها أبا محمد بن أبي سعيد السيرافي وكان من الأعيان الأعلام في العربية وما يتعلق بها وتوفي بعيد الصاحب
( لم ينسنا كافي الكفاة مصابه ... حتى دهانا فيك خطب مضلع )
( قرح على قرح تقارب عهده ... إن القروح على القروح لأوجع )
( وتلاحق الفضلاء أعدل شاهد ... أن الحمام بكل علق مولع ) - الكامل -
وقال من أخرى من - البسيط -
( يا مصعبا بخست أيدي المنون به ... فقيد قود ذليل الظهر مطواع )
( يسقي أسنته حتى تفيض دما ... ويهدم العيس من شد وأيضاع )
وقال
( هيهات أصبح سمعه وعبانه ... في الترب قد حجبتهما أقذاؤه )
( يمسي ولين مهاده حصباؤه ... فيه ومؤنس ليله ظلماؤه )
( قد قلبت أعيانه وتنكرت ... أعلامه وتكسفت أضواؤه )
( مغف وليس للذة إغفاؤه ... مغض وليس لفكرة إغضاؤه )
( وجه كلمع البرق غاض وميضه ... قلب كصدر العضب قل مضاؤه )
( حكم البلى فيه فلو يلقى به ... أعداءه لرثى له أعداؤه )
( إن الذي كان النعيم ظلاله ... أمسى يطنب بالعراء خباؤه )

( قد خف عن ذاك الرواق حضوره ... أبدا وعن ذاك الحمى ضوضاؤه )
( كانت سوابقه طراز فنائه ... يجلو جمال روائهن رواؤه )
( ورماحه سفراؤه وسيوفه ... خفراؤه وجياده ندماؤه )
( ما زال يعدو والركاب حذاءه ... بين الصوارم والعجاج رداؤه )
( لاتعجبن فما العجيب فناؤه ... بيد المنون بل العجيب بقاؤه )
( من طاح في سبل الردى آباؤه ... فليسلكن طريقهم أبناؤه ) - الكامل -
ومن قصيدة رثى بها والدته
( أبكيك لو نقع الغليل بكائي ... وأقول لو ذهب المقال بدائي )
( وأعوذ بالصبر الجميل تعزيا ... لو كان في الصبر الجميل عزائي )
( طورا تكاثرني الدموع وتارة ... آوي إلى أكرومتي وحيائي )
( كم عبرة موهتها بأناملي ... وسترتها متجملا بردائي )
( أبدى التجلد للعدو ولو درى ... بتململي لقد اشتفى أعدائي )
( فارقت فيك تمسكي وتجملي ... ونسيت فيك تعززي وإبائي )
( كم زفرة ضعفت فصارت أنة ... أتممتها بتنفس الصعداء )
( لهفان أنزو في حبائل كربة ... ملكت علي جلادتي وعنائي )
( قد كنت أرجو أن أكون لك الفدا ... مما ألم فكنت أنت فدائي )
( وجرى الزمان على عوائد كيده ... في قلب آمالي وعكس رجائي )
( وتفرق البعداء بعد مودة ... صعب فكيف تفرق القرباء )
( وتداول الأيام يبلينا كما ... يبلى الرشاء تطاوح الأرجاء )
( كيف السلو وكل موقع لحظة ... أثر لفظلك خالد بإزائي ) - الكامل

وقال
( قل لليالي قد ملكت فأسجحي ... ولغيرك الخلق الكريم الأسجح )
( إن ساء فعلك في فراق أحبتي ... فلسوء فعلك في عذاري أقبح )
( ضوء تشعشع في سواد ذؤابتي ... لا أستضيء به ولا أستصبح )
ومنها
( والذل بين الأقربين مضاضة ... والذل ما بين الأباعد أروح )
( وإذا رمتك من الرجال قوارص ... فسهام ذي القربى أشد وأجرح )
( لو لم يكن لي في القلوب مهابة ... لم يطعن الأعداء في ويقدحوا ) - الكامل -
وقال
( أنا ابن الأناجب من هاشم ... إذا لم تكن نجب من نجب )
( تلاث برودهم بالرماح ... وتلوى عمائمهم بالشهب )
( عتاق الوجوه وعتق الجياد ... في الضمر تعرفه والقبب )
( يشف الوضاء خلال الشحوب ... منها وخلف الدخان اللهب ) - المتقارب -
وقال
( الراح والراحة ذل الفتى ... والعز في شرب ضريب اللقاح )
( ما أطيب الأمر ولو أنه ... على رزايا نعم في المراح ) - السريع

وقال وأجاد
( ستعلمون ما يكون مني ... إن مد من ضبعي طول سني )
( أأدع الدنيا ولم تدعني ... وسعت أيامي ولم تسعني )
( أفضل عنها وتضيق عني ... ) - الرجز -
وقال من أخرى
( تجاذبني يد الأيام نفسي ... ويوشك أن يكون لها الغلاب )
( نهضت وقد قعدن بي الليالي ... فلا خيل أعز ولا ركاب )
( وما ذنبي إذا اتفقت خطوب ... مغاضبة وأيام غضاب )
( وبعض العدم مأثرة وفخر ... وبعض المال منقصة وعاب )
( بناني والعنان إذا نبت بي ... ربي أرض ورجلي والركاب )
( سواء من أقل الترب منا ... ومن وارى معالمه التراب ) - الوافر -
كأنه من قول ابن نباتة
( ومن لبس التراب كمن علاه ... )
رجع
( وإن مزايل العيش اختصارا ... مساوي للذين بقوا فشابوا )
( وأولنا العناء إذا طلعنا ... إلى الدنيا وآخرنا الذهاب )
( وإن مقام مثلي في الأعادي ... مقام البدر تنبحه الكلاب )
( رموني بالعيوب ملفقات ... وقد علموا بأني لا أعاب )

( وأني لا تدنسني المخازي ... وأني لا تروعني السباب )
( ولما لم يلاقو في عيبا ... كسوني من عيوبهم وعابوا ) - الوافر -
وقال
( سأبذل دون العز أكرم مهجة ... إذا قامت الحرب العوان على رجل )
( وما ذاك أن النفس غير نفيسة ... ولكن رايت الجبن ضربا من البخل )
( وما المكرهون السمهرية في الطلى ... بأشجع ممن يكره المال بالبذل ) - الطويل -
وقال في ذم بعض الناس
( الله يعلم ميلي عن جنابكم ... ولو تناهيت لي في البر واللطف )
( فكيف بي وعلى عينيك ترجمة ... من الحقود وعنوان من السرف ) - البسيط -
أخذه من قول البحتري
( وفي عينيك ترجمة أراها ... تدل على الضغائن والحقود )
رجع
( أطوف منك بوجه غير ملتفت ... إلى المناجي وعطف غير منعطف )
( فما أغبك من عذر ولا شغل ... ولا أزورك من وجد ولا شغف )
( لا قدس الله نفسا منك جامعة ... كيد البغال وحقد الخلد والسرف )
( ولا سقى الغيث دارا أنت ساكنها ... إلا بأغبر ناري الذري قصف ) - الوافر -
وقال
( زللت من موقفي على طلل ... بال فمن عاذري من الطلل )

( لما تأملت قبح صورته ... رجعت أبكي دما على أملي )
( وجه كظهر المجن مسترق الحسن ... وأنف كغارب الجمل ) - المنسرح -
وقال في الخليفة القادر بالله
( تخطينا الصفوف إلى رواق ... تحجب بالصوارم والرماح )
( وحبينا عظيما من قريش ... كأن جبينه فلق الصباح )
( عليه سيمياء المجد يبدو ... وعنوان الشجاعة والسماح ) - الوافر -
وقال في أبي الحسن النصيح وقد لامه في تأخره عنه
( أكافينا النصيح بقيت ... فينا دائما أبدا )
( تحث إلى العلا قدما ... وتبسط بالنوال يدا )
( لئن حرقتني عذلا ... لقد نوهت بي صعدا )
( علي طروق داركم ... وليس علي أن أردا ) - مجزوء الوافر -
أخذه من قول منصور
( علي أن أزوركم ... وليس علي أن أصلا )
وقال
( أبيعك بيع الأديم النغل ... وأطوي ودادك طي السجل )
( وأنفض ثقلك عن عاتقي ... فقد طالما آذيتني يا جبل )
( قوارص لفظ كحز المدى ... وشزرات لحظ كوقع الأسل )

( وإن أذل الأذلين ... من يروم ببضع النساء الدول ) - المتقارب -
وقال
( يا ليلة كرم الزمان ... بها لو أن الليل باقي )
( كان اتفاقا بيننا ... جار على غير اتفاق )
( فاستروح المشتاق من ... زفرات هم واشتياق )
( واقتص للحقب المواضي ... بل تسلف للبواقي )
( حتى إذا نسمت رياح ... الصبح تؤذن بالفراق )
( برد السوار لها فأحميت القلادة بالعناق ... ) - مجزوء الكامل -
وله في وزير بذل مالا كثيرا حتى يقلد الوزارة فاستصوب رأيه في ذلك
( اشتر العز بما بيع فما العز بغال ... )
( بالقصار الصفر ... إن شئت وبالسمر الطوال )
( ليس بالمغبون حظا ... مشتر عزا بمال )
( إنما يدخر المال ... لحاجات الرجال )
( والفتى من جعل ... الأموال أثمان المعالي ) - مجزوء الرمل -
وقال
( يا عذبة المبسم بلي الجوى ... بنهلة من ريقك البارد )
( أرى غديرا شبما ماؤه ... باد فهل للماء من وارد )
( من لي بذاك العسل الذائب الجاري ... خلال البرد الجامد ) - السريع

وقال
( وسالمت لما طالت الحرب بيننا ... إذا لم تظفر في الحروب فسالم ) - الطويل -
وقال
( لنا الدوحة العليا التي نزعت لها ... إلى المجد أغصان الجدود الأطايب )
( إذا كان في جو السماء عروقها ... فأين عواليها وأين الذوائب ) - الطويل -
وله في غلام أعجمي
( حبيبي ما أزرى بحبك في الحشا ... ولا غض عندي منك أنك أعجم )
( بنفسي من يستدرج اللفظ عجمة ... كما يمضغ الظبي الأراك ويبغم ) - الطويل -
وقال
( كما المقام على جيل سواسية ... ترجو الندى من إناء قط ما رشحا )
( تشاغل الناس باستدفاع شرهم ... عن أن تسومهم الإعطاء والمنحا ) - البسيط -
وقال
( واها على عهد الشباب وطيبه ... والغض من ورق الشباب الناضر )
( واها له ما كان غير دجنة ... قلصت صبابتها كظل الطائر )
( وأرى المنايا إن رأت بك شيبة ... جعلتك مرمى نبلها المتواتر )
( لو يفتدي ذاك السواد فديته ... بسواد عيني بل سواد ضمائري )
( أبياض رأس واسوداد مطالب ... صبرا على حكم الزمان الجائر ) - الكامل -
وكان عمل قصيدة في بهاء الدولة وأنفذها إليه فنسبه بعض الحساد إلى الترفع عن إنشادها فقال

( جناني شجاع إن مدحت وإنما ... لساني إن نسيم النشيد جبان )
( وما ضر قوالا أطاع جنانه ... إذا خانه عند الملوك لسان )
( ورب حيي في السلام وقلبه ... وقاح إذا لف الجياد طعان )
( ورب وقاح الوجه تحمل كفه ... أنامل لم يعرق بهن عنان )
( وفخر الفتى بالقول لا بنشيده ... ويروي فلان مرة وفلان ) - الطويل -
وورد عليه أمر أشغل قلبه فقال
( إن أنشب الخطب فلا روعة ... أو عظم الأمر فصبر جميل )
( فليهون المرء بأيامه ... أن مقام المرء فيها قليل )
( إنا إلى الله وإنا له ... وحسبنا الله ونعم الوكيل ) - السريع -
بعونه تعالى قد تم طبع القسم الثاني من يتيمة الدهر حسب تقسيم المؤلف رحمه الله تعالى ويتلوه إن شاء الله تعالى القسم الثالث ويشتمل على ملح أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان
نسأل الذي بيده الحول والطول أن يعين على إكماله بمنه وفضله

القسم الثالث من يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وهو يشتمل على ملح أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان

180

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله على آلائه وأسأله شكر نعمائه وأصلي على محمد المصطفى المختار وآله وصحبه الأطهار
وبعد فلما تم القسم الثاني من يتمية الدهر أتبعته بالقسم الثالث منها وهو يشتمل على ملح أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان من وزراء الدولة الديلمية وكتابها وقضاتها وشعرائها وسائر فضلائها وغربائها وما ينضاف إليها من أخبارهم وغرر ألفاظهم

182

الباب الأول
14 - في ذكر ابن العميد وإيراد لمع من أوصافه وأخباره وغرره من نثره ونظمه
هو أبو الفضل محمد بن الحسين عين المشرق ولسان الجبل وعماد الملك آل بويه وصدر وزرائهم وأوجد العصر في الكتابة وجميع أدوات الرياسة وآلات الوزارة والضارب في الآداب بالسهام الفائزة والآخذ من العلوم بالأطراف القوية يدعى الجاحظ الأخير والأستاذ والرئيس يضرب به المثل في البلاغة وينتهي إليه في الإشارة بالفصاحة والبراعة مع حسن الترسل وجزالة الألفاظ وسلاستها إلى براعة المعاني ونفاستها
وما أحسن وأصدق ما قال له الصاحب وقد سأله عن بغداد عند منصرفه عنها بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد
وكان يقال بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد
وقد أجرى ذكرهما معا مثلا أبو محمد عبد الله بن أحمد الخازن الأصبهاني في قصيدة فريدة مدح بها الصاحب فلما انتهى إلى وصف بلاغته قال وأحسن ما شاء
( دعوا الأقاصيص والأنباء ناحية ... فما على ظهرها غير ابن عباد )
( والي بيان متى يطلق أعنته ... يدع لسان إياد رهن أقياد )
( ومورد كلمات عطلت زهرا ... على رياض ودرا فوق أجياد )
( وتارك أولا عبد الحميد بها ... وابن العميد أخيرا في أبي جاد ) - البسيط

ولم يرث ابن العميد الكتابة عن كلالة بل كان كما قال ذو الرمة في وصف صياد حاذق
( ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب ... ) - البسيط -
لأن أباه أبا عبد الله الحسين بن محمد المعروف بكلة في الرتبة الكبرى من الكتابة ورسائله مدونة بخراسان
وذكر أبو إسحاق الصابي في الكتاب التاجي أن رسائل أبي عبد الله لا تقصر في البلاغة عن رسائل ابنه أبي الفضل وعندي أن هذا الحكم من أبي إسحاق فيه حيف شديد على ابن العميد والقاص لا يحب القاص
ومن خبر أبي عبد الله أن أصله من قم وكان يكتب لما كان بن كاكي فلما قتل ما كان في المعركة واستبيح عسكره وحمل قواده وخواصه مقرنين في الأصفاد إلى الحضرة ببخارى وفي جملتهم أبو عبد الله نفعته شفاعة فضله ونبله
فأطلق عنه وأكرم ورتب في الدار السلطانية
ولما تقلد ديوان الرسائل للملك نوح بن نصر ولقب الشيخ كالعادة فيمن يلي ذلك الديوان حسده أبو جعفر محمد بن العباس بن الحسين الوزير فقال فيه
( تظلم ديوان الرسائل كله ... إلى الملك القرم الهمام وحق له ) - الطويل -
من أبيات أنسانيها تطاول المدة بها واستعجم علي مكانها وكان إذا ذاك أبو القاسم علي بن محمد النيسابوري الإسكافي يكتب في ديوانه ويرى نفسه أحق برتبته ومكانه ويتمنى زوال أمره ليقوم مقامه ويقعد مقعده
وله فيه أبيات تستظرف وتستملح فمنها قوله
( وقائل ماذا الذي ... من كلة تطلبه )

( قلت له أطلب أن ... يقلب منه لقبه ) - مجزوء الرجز -
وقوله فيه وكان يحضر الديوان في محفة لسوء أثر النقرس على قدمه
( يا ذا الذي ركب المحفة جامعا فيها جهازه ... )
( أترى الإله يعيشني ... حتى يرينيها جنازة ) - مجزوء الكامل -
وقوله فيه وقد استوزر والديوان برسمه
( أقول وقد سرنا وراء محفة ... وفيها أبو عبد الإله كسيرا )
( شقاؤك من شكواك ثم شقاؤنا ... من أيام سوء قدمتك وزيرا )
( ترقيك من هذي المحفة حية ... إلى النعش محمولا تصر صريرا ) - الطويل -
ولم تطل الأيام حتى أتت على أبي عبد الله منيته ووافت أبا القاسم أمنيته وتولى ديوان الرسائل فسبق من قبله وأتعب من بعده ولم يزل أبو الفضل في حياة أبيه وبعد وفاته بالري وكور الجبل وفارس
يتدرج إلى المعالي ويزداد على الأيام فضلا وبراعة حتى بلغ ما بلغ واستقر في الذورة العليا من وزارة ركن الدولة ورياسة الجبل وخدمه الكبراء وانتجعه الشعراء وورد عليه أبو الطيب المتنبي عند صدوره من حضرة كافور الإخشيدي فمدحه بتلك القصائد المشهورة السائرة التي منها
( من مبلغ الأعراب أني بعدهم ... شاهدت رسطاليس والإسكندرا )
( وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملكا متبديا متحضرا )
( ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والأعصرا )
( نسقوا لنا نسق الحساب مقدما ... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا )

( بأبي وأمي ناطق في لفظه ... ثمن تباع به القلوب وتشتري )
( قطف الرجال القول وقت نباته ... وقطفت أنت القول لما نورا ) - الكامل -
ومدحه الصاحب بمدح كثيرة استفرغ فيها جهده وألقى حميته فمن عيون شعره فيه قوله من قصيدة
( من لقلب يهيم في كل واد ... وقتيل للحب من غير واد )
( إنما أذكر الغواني والمقصد ... سعدي مكثرا للسواد )
( وإذا ما صدقت فهي مرامي ... ومنائي وروضتي ومرادي )
( وندى ابن العميد إني عميد ... من هواها ألية الأمجاد )
( لو درى الدهر أنه من بنيه ... لازدرى قدر سائر الأولاد )
( أو رأى الناس كيف يهتز للجود ... لما عددوه في الأطواد )
( أيها الآملون حطوا سريعا ... برفيع العماد واري الزناد )
( فهو إن جاد ضن حاتم طي ... وهو إن قال قل قس إياد )
( وإذا ما ارتأى فأين زياد ... من علاه وأين آل زياد )
( أقبل العيد يستعير حلاه ... من علاه العزيزة الأنداد )
( سيضحي فيه لمن لا يواليه ... ويبقى بقية الأعياد )
( ومديحي إن لم يكن طال أبياتا ... فقد طال في مجالي الجياد )
( إن خير المداح من مدحته ... شعراء البلاد في كل ناد ) - الخفيف -
ما أحسن ما أدمج الإفتخار في أثناء المدح وإنما ألم فيه بقول يزيد بن محمد المهلبي لإبن المدبر
( إن أكن مهديا لك الشعر إني ... لإبن بيت تهدى له الأشعار ) - الخفيف

ومن مختار شعر الصاحب قوله فيه وقد قدم إصبهان
( قدم الرئيس مقدما في سبقه ... وكأنما الدنيا جرت في طرقه )
( فجبالها من حلمه وبحارها ... من جوده ورياضها من خلقه )
( وكأنما الأفلاك طوع يمينه ... كالعبد منقادا لمالك رقه )
( قد قاسمته نجومها فنحوسها ... لعدوه وسعدوها في أفقه )
( ما زلت مشتاقا لنور جبينه ... شوق الرياض إلى السحاب وودقه )
( حتى بدا من فوق أجرد سابح ... إن قال فت الريح فاه بصدقه )
( يحكي السحاب طلوعه فصهيله ... من رعده ومسيره من برقه )
( فنظمت مدحا لا وفاء بمثله ... وسجدت شكرا لا نهوض بحقه ) - الكامل -
وقوله
( قالوا ربيعك قد قدم ... فلك البشارة بالنعم )
( قلت الربيع أخو الشتاء ... أم الربيع أخو الكرم )
( قالوا الذي بنواله ... يغني المقل عن العدم )
( قلت الرئيس ابن العميد ... إذا فقالوا لي نعم ) - مجزوء الكامل - وقوله
( أما ترى اليوم كيف جادلنا ... بمستهل الشؤبوب منسجمه )
( يحكى أبا الفضل في تفضله ... هيهات أن يعتزى إلى شيمه )
( كم حاسد لي وكنت أحسده ... يقول من غيظه ومن ألمه )
( نال ابن عباد المنى كملا ... إذ عده ابن العميد من خدمه ) - المنسرح

وقوله في توديعه
( أودع حضرتك العالية ... ونفسي لا دمعتي هاميه )
( ومن ذا يودع هذا الجناب ... فتهنؤه بعده العافيه )
( جناب رعيت به جنة ... قطوف مكارمها دانيه )
( رأيت به فائضات العلا ... وعلمت ما للهمم العاليه )
( كأني بغداد في شوقها ... إليك وأدمعها الجاريه )
( وأنت المرجى لإظفارها ... بآمالها وبآماليه )
( ولو كنت تأذن لي في المسير ... إذا سرت في جملة الحاشيه )
( سبقت جوادك مد الطريق ... وسرت وفي يدي الغاشيه ) - المتقارب -
ولإبن خلاد القاضي فيه مدح تشوبها ملح كقوله
( بأسعد طالع عيدت يا من ... بطلعته سعادة كل عيد )
( فعش ما شئت كيف تشاء والبس ... جديد العمر في زمن جديد )
( فقد شهدت عقول الخلق طرا ... وحسبك بالبصائر من شهود )
( بأن محاسن الدنيا جميعا ... بأفنية الرئيس ابن العميد ) - الوافر -
ولأبي الحسن البديهي فيه من قصيدة
( إذا اعتمدتني خطوب الزمان ... وكان اعتمادي على ابن العميد )
( تذكرت قربي من قلبه ... فيممته من مكان بعيد )
( تجاوز في الجود حد المزيد ... وجل نداه عن المستزيد )
( وفات الأنام وفاق الكرام ... برأي سديد وبأس شديد ) - المتقارب -
ومما يستبدع فيه ويستحسن معناه قول أبي علي بن مسكويه له عند

انتقاله إلى قصر جديد بناه
( لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها )
( لو زيدت الشمس في أبراجها مائة ... ما زاد ذلك شيئا في فضائلها ) - البسيط -
وأنشده ابن أبي الشباب في يوم مهرجان قصيدة في مدحه أولها
( اقبر لنا طلب ثراك يد الطل ... وحيا الحيا المسكوب ذلك من ثل ) - الطويل -
فتطير من الإفتتاح بذكر القبر وتنغص باليوم والشعر وفي هذه القصيدة
( نعيم فقدناه فما نرتجي له ... معاودة إلا بفضل أبي الفضل )
ودخل أبو بشر الفارسي الحافظ وكان متقدما في علم العربية متأخرا في قول الشعر عليه يوما وقد هاج به النقرس فأنشده
( شكى النقرس نقريس ... أخو علم ونطيس )
( فما دام لكم قوس ... فنفسي لكم جوس ) - الهزج -
فقال له يا أبا بشر هذه رقية النقرس
ولا غنى لهذا الشعر عن التفسير النقريس الداهية والحاذق من الإدلاء والنطيس الفطن بالأمور العالم بها وأنشد
( وقد أكون مرة نطيسا ... طبا بأدواء النسا نقريسا ) - الرجز -
والقوس صومعة الراهب والجوس جمع جايس والجوسان التردد وفي القرآن ( فجاسوا خلال الديار )

ومن أمثل شعر أبي بشر قوله
( وأني لا أكره من شيمتي ... زيارة حي بلا منفعه )
( ولا أحمد القول من قائل ... إذا لم يكن منه فعل معه )
( ومن ضاق ذرعا بإكرامنا ... فلسنا نضيق بأن نقطعه ) - المتقارب -
وكان كل من أبي العلاء السروي وأبي الحسن العلوي العباسي وابن خلاد القاضي وابن سمكة القمي وأبي الحسين بن فارس وأبي محمد بن هندو يختص به ويداخله وينادمه حاضرا ويكاتبه ويجاويه ويهاديه نثرا ونظما ويقال إن أحسن رسائله الإخوانيات وما كاتب به أبا العلاء لصدوره عن صدر مائل إليه محب له مناسب بالأدب إياه
فصل من رسالة له إليه في شهر رمضان وهو مما لم يسبق إليه
كتابي جعلني الله فداك وأنا في كد وتعب منذ فارقت شعبان وفي جهد ونصب من شهر رمضان وفي العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر من ألم الجوع ووقع الصوم
ومرتهن بتضاعف حرور لو أن اللحم يصلى ببعضها غريضا أتى أصحابه وهو منضج وممتحن بهواجر يكاد أوارها يذيب دماغ الضب ويصرف وجه الحرباء عن التحنق ويزويه عن التبصر يقبض يده عن إمساك ساق وإرسال ساق
( ويترك الجاب في شغل عن الحقب ... ويقدح النار بين الجلد والعصب ) - البسيط

ويغادر الوحش وقد مالت هواديها
( سجودا لدى الأرطى كأن رؤوسها ... علاها صداع أو فواق يصورها ) - الطويل -
وكما قال الفرزدق
( ليوم أتت دون الظلال شموسه ... تظل المها صورا جماجمها تغلي ) - الطويل -
وكما قال مسكين الدارمي
( وهاجرة ظلت كأن ظباءها ... إذا ما اتقتها بالقرون سجود )
( تلوذ بشؤبوب من الشمس فوقها ... كا لاذ من وخز السنان طريد ) - الطويل -
وممنو بأيام تحاكي ظل الرمح طولا وليال كإبهام القطاة قصرا ونوم كلا ولا قلة وكسحو الطائر من ماء الثماد دقة وكتصفيقة الطائر المستحر خفة
( كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رجوها أقشعت وتجلت )
( وكنقر العصافير وهي خائفة ... من النواطير يانع الرطب ) - الطويل -
وأحمد الله على كل حال وأسجله أن يعرفني فضل بركته ويلقيني الخير في باقي أيامه وخاتمته وأرغب إليه في أن يقرب على القمر دوره ويقصر سيره ويخفف حركته ويعجل نهضته
وينقض مسافة فلكه ودائرته ويزيل بركة الطول من ساعاته ويرد على غرة شوال فهي أسر الغرر عندي وأقرها لعيني

ويسمعني النعرة في قفا شهر رمضان ويعرض على هلاله أخفى من السر وأظلم من الكفر وأنحف من مجنون بني عامر وأضنى من قيس بن ذريح وأبلى من أسير الهجر ويسلط عليه الحور بعد الكور ويرسل على رقاقته التي يغشى العيون ضوءها
ويحط من الأجسام نوءها كلفا يغمرها وكسوفا يسترها ويرينيه مغمور النور مقمور الظهور قد جمعه والشمس برج واحد ودرجة مشتركة
وينقص من أطرافه كما تنقص النيرات من طرف الزند ويبعث عليه الأرضة ويهدي إليه السوس ويغري به الدود ويبليه بالفار ويخترمه بالجراد ويبيده بالنمل ويجتحفه بالذر ويجعله من نجوم الرجم
ويرمي به مسترق السمع
ويخلصنا من معاودته ويريحنا من دورته ويعذبه كما عذب عباده وخلقه ويفعل به فعله الكتاب ويصنع به صنعه بالألوان ويقابله بما تقتضيه دعوة السارق إذا افتضح بضوئه وتهتك بطلوعه ويرحم الله عبدا قال آمينا وأستغفر الله جل وجهه مما قلته إن كرهه وأستعفيه من توفيقي لما يذمه وأسأله صفحا يفيضه وعفوا يسيغه وحالي بعد ما شكوته صالحة وعلى ما تحب وتهوى جارية ولله الحمد تقدست أسماؤه والشكر
وقد أجمع أهل البصيرة في الترسل على أن رسالته التي كتبها إلى ابن بلكا ونداد خورشيد عن استعصائه على ركن الدولة غرة كلامه وواسطة عقده وما ظنك بأجود كلام لأبلغ إمام

فصل من أولها
كتابي وأنا مترجح بين طمع فيك ويأس منك وإقبال عليك وإعراض عنك فإنك تدل بسابق حرمة وتمت بسالف خدمة أيسرهما يوجب رعاية ويقتضي محافظة وعناية ثم تشفعهما بحادث غلول وخيانة وتتبعهما بآنف خلاف ومعصية
وأدنى ذلك يحبط أعمالك ويمحق كل ما يرعى لك لا جرم أني وقفت بين ميل إليك وميل عليك أقدم رجلا لصدمك
وأؤخر أخرى عن قصدك وأبسط يدا لإصطلامك وإجتياحك وأنثي ثانية لإستبقائك واستصلاحك وأتوقف عن امتثال بعض المأمور فيك ضنا بالنعمة عندك ومنافسة في الصنيعة لديك وتأميلا لفيئتك وإنصرافك ورجاء لمراجعتك وإنعطافك فقد يغرب العقل ثم يؤوب ويعزب اللب ثم يثوب ويذهب الحزم ثم يعود ويفسد العزم ثم يصلح ويضاع الرأي ثم يستدرك ويسكر المرء ثم يصحو ويكدر الماء ثم يصفو وكل ضيقة إلى رخاء وكل غمرة فإلى انجلاء
وكما أنك أتيت من إساءتك بما لم تحتسبه أولياؤك فلا بدع أن تأتي من إحسانك
بما لا ترتقبه أعداؤك وكم استمرت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت واخترت ما اخترت
فلا عجب أن تنتبه انتباهة تبصر فيها قبح ما صنعت وسوء ما آثرت وسأقيم على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح وعلى الإستيناء والمطاولة ما أمكن طمعا في إنابتك وتحكميا لحسن الظن بك فلست أعدم فيما أظاهره من أعذار وأرادفه من إنذار احتجاجا عليك

واستدراجا لك فإن يشأ الله يرشدك ويأخذ بك إلى حظك ويسددك فإنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
فصل منها
وزعمت أنك في طرف من الطاعة بعد أن كنت متوسطها وإذا كنت كذلك فقد عرفت حاليها وحلبت شطريها
فنشدتك الله لما صدقت عما سألتك كيف وجدت ما زلت عنه وكيف تجد ما صرت إليه ألم تكن من الأول في ظل ظليل ونسيم عليل وريح بليل وهواء عذى وماء روي ومهاد وطي وكن كنين ومكان مكين وحصن حصين
يقيك المتالف ويؤمنك المخاوف ويكنفك من نوائب الزمان ويخفظك من طوارق الحدثان عززت به بعد الذلة وكثرت بعد القلة وارتفعت بعد الضعة وايسرت بعد العسرة وأثريت بعد المتربة وأتسعت بعد الضيقة وظفرت بالولايات وخفقت فوقك الرايات ووطىء عقبك الرجال وتعلقت بك الآمال وصرت تكاثر ويكاثر بك وتشير ويشار إليك ويذكر على المنابر اسمك وفي المحاضر ذكرك
ففيم الآن أنت من الأمر وما العوض عما عددت والخلف مما وصفت وما استفدت حين أخرجت من الطاعة نفسك ونفضت منها كفك وغمست في خلافها يدك وما الذي أظلك بعد انحسار ظلها عنك أظل ذو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب قل نعم كذلك

فهو والله أكثف ظلالك في العاجلة وأروحها في الآجلة إن أقمت على المحايدة والعنود ووقفت على المشاقة والجحود
ومنها تأمل حالك وقد بلغت هذا الفصل من كتابي فستنكرها والمس جسدك وانظر هل يحس واجسس عرقك هل ينبض وفتش ما حنا عليك هل تجد في عرضها قلبك وهل حلى بصدرك أن تظفر بفوت سريح أو موت مريح ثم قس غائب أمرك بشاهده وآخر شأنك بأوله
قال مؤلف هذا الكتاب بلغني عن بلكا وكان آدب أمثاله أنه كان يقول والله ما كانت لي حال عند قراءة هذا الفصل إلا كما أشار إليه الأستاذ الرئيس ولقد ناب كتابه عن الكتائب في عرك أديمي وأستصلاحي وردى إلى طاعة صاحبه
أقرأني أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي وقد اجتمعنا بإسفرائين عند زعيمها أبي العباس الفضل بن علي فصلا من كتاب لإبن العميد إلى عضد الدولة وكنت مررت عليه وأنا عنه غافل فنبهني على شرفه في جنسه وحرك مني ساكنا معجبا بحسنه متعجبا من نفاسة معناه وبراعة لفظه وهو قد يعد أهل التحصيل في أسباب انقراض العلوم وانقباض مددها وانتقاض مررها
والأحوال الداعية إلى ارتفاع جل الموجود منها وعدم الزيادة فيها الطوفان بالنار والماء والموتان العارض من عموم الأوباء وتسلط المخالفين في المذاهب والآراء فإن كل ذلك يخترم العلوم اختراما
وينتهكها انتهاكا ويجتث أصولها اجتثاثا وليس عندي الخطب في جميع ذلك يقارب ما يولده تسلط ملك جاهل تطول مدته وتتسع قدرته
فإن البلاء به لا يعدله بلاء وبحسب عظم المحنة بمن هذه صفته والبلوى بمن هذه صورته تعظم النعمة

في تملك سلطان عالم عادل كالأمير الجليل الذي أحله الله من الفضائل بملتقى طرقها ومجتمع فرقها وهي نور نوافر ممن لاقت حتى تصير إليه وشرد نوازع حيث حلت حتى تقع عليه
تتلفت إليه تلفت الوامق وتتشوف نحوه تشوف الصب العاشق
قد ملكتها وحشة المضاع وحيرة المرتاع
( فإن تغش قوما بعده أو تزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل )
وهذه فصول قصار له تجري مجرى الأمثال
وقد أخرجتها مما أخرجه الأمير أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي من غرره وفقره وكفاني شغلا شاغلا وقادني منه شكره وليست تنكر أياديه عندي
فمنها من أسر داءه وستر ظمأه بعد عليه أن يبل من غلله ويبل من علله متى خلصت للدهر حال من اعتوار أذى وصفا فيه شرب من اعتراض قذى خير القول ما أغناك جده وألهاك هزله الرتب لا تبلغ إلا بتدرج وتدرب ولا تدرك إلا بتجشم كلفة وتصعب المرء أشبه شيء بزمانه وصفة كل زمان منتسخة من سجايا سلطانه قد يبذل المرء ماله في إصلاح أعدائه فكيف يذهل العاقل عن حفظ أوليائه هل السيد إلا من تهابه إذا حضر وتغتابه إذا أدبر اجتنب سلطان الهوى وشيطان الميل وغلبة الإرادة المزح والهزل بابان إذا

فتحا لم يغلقا إلا بعد العسر وفحلان إذا ألقحا لم ينتجا غير الشر
ما أخرج من المكاتبات بالشعر التي دارت بينه وبين ابن جلاد القاضي
أهدى ابن خلاد إلى ابن العميد شيئا من الأطعمة وكتب إليه في وصفها وابن العميد إذا ذاك في عقب مرض عرض له فكتب إلى ابن خلاد قصيدة أولها
( قل لإبن خلاد المفضى إلى أمد ... في الفضل برز فيه أي تبريز )
( يعدى اهتزازك للعلياء كل فتى ... مؤخر عن مدى الغايات محجوز )
( ماذا أردت إلى منهوض نائبة ... مدفع عن حمى اللذات ملهوز )
( هززت بالوصف في أحشائه قرما ... ما زال يهتز فيها غير مهزوز )
( لم يترك فيه فحوى ما وصفت له ... من الأطايب عضوا غير محفوز )
( أهديت نبرمة أهدت لآكلها ... كرب المطامير في آب وتموز ) - البسيط -
نبرمة هكذا في النسخة ولست أعرفها وأظن أنها شيء يجمع من الحبوب ويدق ويعجن بحلاوة
( ما كنت لولا فساد الحسن تأمل في ... جنس من السمن في دوشاب شهريز )
( هل غير شتى حبوب قد تعاورها ... جيش المهاريس أو نخز المناخيز )
( رمت الحلاوة فيها ثم جئت بها ... تحذى اللسان بطعم جد ممزوز )

( لو ساعدتك بنو حواء قاطبة ... عليه ما كان فيهم غير ملموز )
( أوقعت للشعر في أوصافها شغلا ... بين القصائد تروى والأراجيز )
( لا أحمد المرء أقصى ما يجود به ... إذا عصرناه أصناف الشواريز )
( ما متعة العين من خد تورده ... يزهى عليك بخال فيه مركوز )
( مستغرب الحسن في توشيع وجنته ... بدائع بين تسهيم وتطريز )
( يوفى على القمر الموفى إذا اتصلت ... يسراه بالكأس أو يمناه بالكوز )
( أشهى إليك من الشيراز قد وضحت ... في صحن وجنتها خيلان شونيز )
( وقد جرى الزيت في مثنى أسرتها ... فضارعت فضة تغلى بأبريز )
( ماذ السماح بتقريظ وتزكية ... وقد بخلت بمذخور ومكنوز )
ومنها
( لا غرو إن لم ترح للجود راحته ... فالبخل مستحسن في شيمة الخوزى )
هكذا في النسخة وأظن أنه
( لم ترح للجود رائحة ... )
فأجابه ابن خلاد بقصيدة منها
( يا أيها السيد السامي بدوحته ... تاج الأكاسر من كسرى وفيروز )
( أتى قريضك يزهى في محاسنه ... زهو الربى باشرت أنفاس نيروز )
( يا حسنه لو كفينا حين يبهجنا ... خطب النبارم فيه والشواريز )
( أقررت بالعجز والألباب قد حكمت ... به علي فقدك اليوم تعجيزي )

( جوز قريضي في بحر القريض فكم ... من قائل عد قوالا بتجويز )
( إن عدت في حلبة تجري بها طمعا ... إني لأشجع من عمرو بن جرموز )
( إنا لمن معشر حطوا رحالهم ... لما استبيروا على أسطمة الخوز )
( لا نعرف الكسم والطرذين يوم قرى ... ولا الغبوق على لحم وخاميز ) - البسيط -
وأهدى ابن خلاد إليه كتابا في الأطعمة
وابن العميد ناقه من علة كانت به فكتب إلى ابن خلاد قصيدة منها
( فهمت كتابك في الأطعمة ... وما كان نولي أن أفهمه )
( فكم هاج من قرم ساكن ... وأوضح من شهرة مبهمه )
( وأرث في كبدي غلة ... من الجوع نيرانها مضرمه )
( فكيف عمدت به ناقها ... جوانحه للطوى مسلمه )
( خفوق الحشى إن تصخ تستمع ... من الجوع في صدره همهمه )
( تتيح له شرها موجعا ... وتغري به نهمة مؤلمه )
( فأين الإخاء وما يقتضيه ... منك بأسبابنا المبرمه )
( وأين تكرمك المستفيض ... فينا إذا غاضت المكرمه )
( وهلا أضفت إلى ما وصفت شيئا نهش لأن نطعمه ... )
( يمد الصديق إليه يدا ... إذا ما رآه ويشجى فمه )
( وأين شواريزك المرتضاة ... إذا ما تفاضلت الأطعمة )
( وأين كواميخك المجتباة ... دون الأطايب بالتكرمه )

( وهل أنت راض بقولي ذا ... ذكرت دعوه فما ألأمه )
( إذا المرء أكرم شيرازه ... فلا أكرم الله من أكرمه )
( وكيف ارتقابي بقيا امرىء ... إذا ليم أعتب بالنبرمه )
( فإن كان يجذبك نعت الطعام ... إذا الجوع ناب أذاه فمه )
( إذا جعت فاعمد لمسوطة ... بجوذابة الموز مستفرمه )
( متى قستها بالمنى جاءتا ... سواء كما جاءت الأبلمه )
( وبز السرابيل عن أفرخ ... تخال بها فلذ الأسنمه )
( تهب النفوس إلى نيئها ... كأن النفوس بها مغرمه )
( فلا الفم إن ذاقه مجه ... ولا الطبع إن زاره استوخمه )
( ودونك وسطا أجاد الصناع ... تلفيق شطريه بالهندمه )
( وعالي على دفه هيدبا ... كثيفا كما تحمل المقرمه )
( سدى من نتائف نيرت بهن ... فأضحت نسائجها ملحمه )
( فمن صدر فائقة قد ثوت ... ومن عجز ناهضة ملقمه )
( ودنر بالجوز أجوازه ... ودرهم باللوز ما درهمه )
( وقاني بزيتونها والجبن ... صفائح من بيضة مدعمه )
( فمن أسطر فيه مشكولة ... ومن أسطر كتبت معجمه )
( وفوف بالبقل أعطافه ... فوافى كحاشية معلمه )
( موشى تخال به مطرفا ... بديع التفاويف والنمنمه )
( إذا ضاحكتك تباشيره ... أضاءت له المعدة المظلمه )

( وهاك خبيصا إذا ما اقترحت ... على العبد إنعامه أنعمه )
( إذا سار في ثغرة سدها ... أو انساب في خلل لأمه )
( فإن شئت فادخل به مفردا ... وإن شئت فادع إليه لمه )
( وإياك تهدم ما قد بناه ... هدما وتنقض ما أبرمه )
( فإن لم تجد ذاك يجدي عليك ... إذا ما سغبت فقل لي لمه )
( تعد من الجود وصف الطعام ... ولست تقول بأن تطعمه )
( وتحظر ما قد أحل الإله ... ضرارا وتطلق ما حرمه )
( فهل نزلت في الذي قد شرعت ... على أحد آية محكمه )
( وهل سنة فيه مأثورة ... رواها لأشياخكم علقمه )
( وقلت تواصوا بصبر جميل ... فأين ذهبت عن المرحمه )
( ومن عجب حاكم ظالم ... يرجى ليحكم في مظلمه ) - المتقارب -
فأجابه ابن خلاد بقصيدة منها
( هلم الصحيفة والمقلمه ... وأدن المحيبرة المفعمه )
( لأكتب ما جاش في خاطري ... فقد عظم الخوض في النبرمه )
( وعجل علي بهذي وذي ... فإني من الخوض في ملحمه )
( ألا حبذا ثم يا حبذا ... كتابي المصنف في الأطمعه )
( كفانا به الله ما راعنا ... بعلة سيدنا المؤلمه )
( أطاب الحديث له في الطعام ... ففتق شهوته المبهمه )
( وعاد بأوصافه للغذاء ... وطاب لنا شكر من سلمه )
( ومن يشكر الله يعط المزيد ... كما قال الأعمش عن خيثمه )
( أيا ذا الندى والحجى والعلا ... ومن أوجب الدين أن نعظمه )

( لئن كان نبرمتي أفسدت ... ولم تأت صنعتها محكمه )
( فسوف يزورك شيرازنا ... فنقسم بالله أن تكرمه )
( يميس بشونيزه كالعروس ... يخطر في الحلة المسهمه )
( ويبطل وسط مسموطة ... وجوذابة عندها محكمه )
( ويزهى الخوان بتقديمه ... عليه ويحمد من قدمه )
( ويرمز إخواننا دونه ... كأن تحاورهم زمزمه ) - المتقارب -
ما أخرج من إخوانياته
وكتب إلى أبي الحسن العباسي هذه الأبيات وهي من مشهور شعره وجيده
( أشكو إليك زمانا ظل يعركني ... عرك الأديم ومن يعدى على الزمن )
( وصاحبا كنت مغبوطا بصحبته ... دهرا فغادرني فردا بلا سكن )
( هبت له ريح إقبال فطار بها ... نحو السرور وألجاني إلى الحزن )
( نأى بجانبه عني وصيرني ... من الأسى ودواعي الشوق في قرن )
( وباع صفو وداد كنت أقصره ... عليه مجتهدا في السر والعلن )
( وكان غالى به حينا فأرخصه ... يا من رأى صفو ود بيع بالغبن )
( كأنه كان مطويا على إحن ... ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني )

( إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن ) - البسيط -
وكتب إلى بعض إخوانه هذه القصيدة ليعرضها على أبي الحسن العباسي وهي سائرة في الآفاق وكأنه قد جمع فيها أكثر إحسانه فقال
( قد ذبت غير حشاشة وذماء ... ما بين حر هوى وحر هواء )
( لا أستفيق من الغرام ولا أرى ... خلوا من الأشجان والبرحاء )
( وصروف أيام أقمن قيامتي ... بنوى الخليط وفرقة القرناء )
( ومثير هيج لا يشق غباره ... فيما خباه مهيج الهيجاء )
( وجفاء خل كنت أحسب أنه ... عوني على السراء والضراء )
( ثبت العزيمة في العقوق ووده ... متنقل كتنقل الأفياء )
( ذي ملة يأتيك أثبت عهده ... كالخط يرقم في بسيط الماء )
( أبكي ويضحكه الفراق ولن ترى ... عجبا كحاضر ضحكه وبكائي )
( نفسي فداؤك يا محمد من فتى ... نشوان من أكرومة وحياء )
( كأس من الشيم التي في ضمنها ... درك العلا عار من العوراء )
( عذب الخلائق قد أحطت بخبره ... وبلوته في شدة ورخاء )
( وبلوت حاليه معا فوجدته ... في العود أكرم منه في الإبداء )
( أبلغ رسالتي الشريف وقل له ... قدك اتئب أربيت في الغلواء )
( أنت الذي شتت شمل مسرتي ... وقدحت نار الشوق في أحشائي )
( وجمعت بين مساءتي ومسرتي ... وقرنت بين مبرتي وجفائي )
( ونبذت حقي عشرتي ومودتي ... وهرقت مائي خلتي وإخائي )

( وثنيت آمالي على أدراجها ... ورددت خائبة وفود رجائي )
( فرجعت عنك بما يؤوب بمثله ... راجي السراب بقفرة بيداء )
( وعرضت ودي بالحقير ولم أكن ... ممن يباع وداده بلقاء )
( ورضيت بالثمن اليسير معوضة ... مني فهلا بعتني بغلاء )
( وزعمت أنك لست تفكر بعدما ... علقت يداك بذمة الأمراء )
( هيهات لم تصدقك فكرتك التي ... قد أوهمتك غنى عن الوزراء )
( لم تغن عن أحد سماء لم تجد ... أرضا ولا أرض بغير سماء )
( وسألتك العتبى فلم ترني لها ... أهلا وجئت بغدرة الشوهاء )
( وردت مموهة ولم يرفع لها ... طرف ولم ترزق من الإصغاء )
( وأعار منطقها التذمم سكتة ... فتراجعت تمشي على استحياء )
( لم تشف من كمد ولم تبرد ... على كبد ولم تمنح جوانب داء )
( من يشف من داء بآخر مثله ... أثرت جوانحه من الأدواء )
( داوت جوى بجوى وليس بحازم ... من يستكف النار بالحلفاء )
( لا تغتنم إغضاءتي فلعلها ... كالعين تغضيها على الأقذاء )
( واستبق بعض حشاشتي فلعلني ... يوما أقيك بها من الأسواء )
( فلو ان ما أبقيت من جسمي قذى ... في العين لم يمنع من الإعفاء ) - الكامل -
نظيره قول المتنبي
( ولو قلم ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من خط كاتب )
( رجع
( فلئن أرحت إلي غارب سلوتي ... ووجدت في نفسي نسيم عزاء )
( لأجهزن إليك قبح تشكر ... ولأنثرن عليك سوء ثناء )

( ولأكسونك كل يوم حلة ... متروعة من حية رقشاء )
( ولأعضلن مودتي من بعدها ... حتى أزوجها من الأكفاء ) - الطويل -
وكتب إلى العلوي
( يا من تخلى وولى ... وصد عني وملا )
( وأوسع العهد نكثا ... وأتبع العقد حلا )
( ما كان عهدك إلا ... عهد الشبيبة ولى )
( أو طائفا من خيال ... ألم ثم تولى )
( أو عارضا لاح حتى ... إذا دنى فتدلى )
( ألوت به نسمات ... من الصبا فتجلى )
( أهلا بما ترتضيه ... في كل حال وسهلا )
( ليجزينك ودي ... بمثل فعلك فعلا )
( إن شئت هجرا فهجرا ... أو شئت وصلا فوصلا )
( صبرت عني فانظر ... ظفرت بالصبر أم لا )
( إني إذا الخل ولى ... وليته ما تولى ) - المجتث -
وكتب إلى أبي محمد بن هندو وقد أهدى له مدادا ارتضاه
( يا سيدي وعمادي ... أمددتني بمداد )
( كمسكنيك جميعا ... من ناظري وفؤادي )
( أو كالليالي اللواتي ... رميننا بالبعاد ) - المجتث -
وكتب إلى أخيه أبي الحسن بن هندو صبيحة عرسه
( أنعم أبا حسن صباحا ... وازدد بزوجتك ارتياحا )

( قد رضت طرفك خاليا ... فهل استلنت له جماحا )
( وقدحت زندك جاهدا ... فهل استبنت له انقداحا )
( وطرقت منغلقا فهل ... سنى الإله له انفتاحا )
( قد كنت أرسلت العيون ... صباح يومك والرواحا )
( وبعثت مصغية تبيت لديك ترتقب النجاحا ... )
( فغدت علي بجملة ... لم تولني إلا افتضاحا )
( وشكت إلي خلاخلا ... خرسا وأوشحة فصاحا )
( منعت وساوسها المسا ... مع أن تحس لكم صياحا ) - مجزوء الكامل -
وهذه الأبيات بديعة في فنها ولم أسمع أملح منها في معناها إلا قول الصاحب وهو أقرب من التصريح وأظرف وأبيات ابن العميد أجزل وأخفى وأدخل في باب الكناية والتعريض
( قلبي على الجمرة يا أبا العلا ... فهل فتحت الموضع المقفلا )
( وهل فككت الختم عن كيسه ... وهل كحلت الناظر الأكحلا )
( إنك إن قلت نعم صادقا ... أبعث نثارا يملأ المنزلا )
( وإن تجبني من حياء بلا ... أبعث إليك القطن والمغزلا ) - السريع -
هذا ما أخرج من مقارضاته
اجتمع عنده يوما أبو محمد بن هندو وأبو القاسم بن أبي الحسين بن سعد وأبو الحسين بن فارس وأبو عبد الله الطبري وأبو الحسن البديهي

فحياه بعض الزائرين بأترجة حسنة فقال لهم تعالوا نتجاذب أهداب وصفها فقالوا إن رأى سيدنا أن يبتدىء فعل فابتدأ وقال
( وأترجة فيها طبائع أربع ... ) - الطويل -
فقال أبو محمد
( وفيها فنون اللهو للشرب أجمع ... ) - الطويل -
فقال أبو القاسم
( يشبهها الرائي سبيكة عسجد ... ) - الطويل -
فقال أبو الحسين بن فارس
( على أنها من فأرة المسك أضوع ... ) - الطويل -
فقال أبو عبد الله الطبري
( وما اصفر منها اللون للعشق والهوى ... ) - الطويل -
فقال أبو الحسن البديهي
( ولكن أراها للمحبين تجمع ... ) - الطويل -
وسئل بعض حاضري مجلسه عن قصة له فقال ولم يقصد وزنا
( أي جهد لقيته ... وشقاء شقيته ) - مجزوء الخفيف -
فقال الأستاذ قولوا على هذا الوزن شعرا وفي المجلس أبو الحسن العباسي وابن خلاد القاضي فقال أبو الحسن

( بي غزال مقرطق ... شفني إذ هويته )
( أحرز السحر طرفه ... وحوى الغنج ليته )
( زاد في الكبر عامدا ... إذ رآني وليته )
( حسبي الله والرئيس ... لما قد دهيته ) - مجزوء الخفيف -
وقال ابن خلاد
( يا خليلي ساعداني ... على ما دهيته )
( انظرا أي معذل ... بقضاء أتيته )
( سامني السيد الرئيس ... محالا شنيته )
( ظل مستعديا على ... رشأ قد هويته )
( عجبا أن يكون لي ... واليا من وليته )
( ما خشيت فيه ولكن الحروب فيه ولكن خشيته ... )
( فاز روحي لو أنني ... في منامي أريته ) - مجزوء الخفيف -
وقال الأستاذ
( أي جهد لقيته ... وشقاء شقيته )
( من نصيح أود من ... نصحه لي سكوته )
( قال صبرا وما درى ... أن صبري رزيته )
( قتل عنك الملام ما ... باختياري هويته )
( لم أكن أجشم البلاء ... لو أني كفيته )
( رب ثوب من المذلة ... فيه كسيته )
( ضل عندي تجلدي ... فكأني نسيته )
( في فؤادي هوى ... يحرقني لو طويته )

( يا ابن خلاد الذي ... شاع في الناس صيته )
( أنصف الهائم الذي ... يتجافى مبيته )
( قل لمن أشبه المها ... مقلتاه وليته )
( ثغره قد أشت شمل اصطباري شتيته )
( ليس يحيى المتيم الصب إلا مميته ... )
( أنت قوتي وما بقاء ... امرىء بان قوته )
( أي ذنب سوى المذلة في الحب جيته ... )
( ما أسيغ السلو عنك ... لو أني سقيته )
( كيف يرجو البقاء إن ... باين الماء حوته )
( ما أشاء السلو عنك ... فإن شئت شيته )
( كل شيء رضيته ... من غرامي رضيته ) - مجزوء الخفيف -
ما أخرج من شعره في الغزل
قال من قصيدة
( هل البث إلا ما تحملنيه ... أم البرح إلا ما تكلفينه )
( متى علقت نفسي حبيبا تعلقت ... به غير الأيام تسلبنيه )
( شفيعي إذا استشفعت غير مشفع ... ووجهي إذا وجهت غير وجيه ) - الطويل -
وقال
( ظلت تظللني من الشمس ... نفس أعز علي من نفسي )

( فأقول واعجبا ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس ) - الكامل -
وقال في الفصد لمعشوقه
( ويح الطبيب الذي جست يداه يدك ... ما كان أجهله فيما قد اعتمدك )
( بأي شيء تراه كان معتذرا ... من مسه بحديد مؤلم جسدك )
( لو أن ألحاظه كانت مباضعه ... ثم انتحاك بها من رقة فصدك ) - البسيط -
ما أخرج من شعره في سائر الفنون
قال من قصيدته الهرية عارض فيها ابن العلاف
( يا هر فارقتنا مفارقة ... عمت جميع النفوس بالثكل )
( لو كان بالحادثات لي قبل ... إذا أتاك الصريخ من قبلي )
( يا مثلا سائرا إذا ذكر الحسن ... تركت الحسان كالمثل )
( وقيل هل تفتديه إن قبل الدهر ... فداء فقلت حيهل )
( أفديه بالصفوة الكرام من ... الإخوان دون الأخدان والخلل )
( بل بمحل الكرى ومعتلج الفكر وحب القلوب والمقل ... )
( بل بسكون الوجيب يجلبه ... الأمن إلى قلب خائف وجل )
( بل بحلول الشفاء يجنبه الصحة بعد الأوصاب والعلل ... )

( بل ببلوغ المني وقاصية البغية ... عفوا ونهبة الأمل ) - المنسرح -
وقال في المغني القرشي
( إذا غناني القرشي يوما ... وعناني برؤيته وضربه )
( وددت لو أن أذني مثل عيني ... هناك وأن عيني مثل قلبه ) - الوافر -
وللمهلبي في هذا المعنى
( إذا غناني القرشي ... دعوت الله بالطرش )
( وإن أبصرت طلعته ... فوا لهفي على العمش ) - مجزوء الوافر - وقال منه أيضا
( إذا غنى لنا أمما ... حشوت مسامعي صمما )
( وإن أبصرت طلعته ... كحلت نواظري بعمى ) - مجزوء الوافر -
وقال
( آخ الرجال من الأباعد ... والأقارب لا تقارب )
( إن الأقارب كالعقارب ... بل أضر من العقارب ) - مجزوء الكامل -
وقال
( وللرأي زلات يظل بها الفتى ... مركبة فوق الثنايا أنامله ) - الطويل

هذا ما أخرج من شعره في المعمي
قال في السفرجل
( يقولون خطب من البين جلا ... ولم أر سير الخليط استقلا )
( وقد لقبوه نوى غربة ... ولم أر أقرب منه محلا )
( وبزت سرابيله عنوة ... فألفى لما تعرى تحلى )
( وأفرد من بين أترابه ... فما غض من حسنه أن تخلى )
( وزل فقلنا لعا ناعشا ... لعال إذا ما تعلى تدلى )
( تزيد مكاسره لذة ... إذا ما الغمام عليه استهلا )
( إذا نال منه السليم استقل ... وإن نال منه السقيم استبلا )
( إذا ما امرؤ مل روح الحياة ... فحاشا لذلك من أن يملا ) - المتقارب -
وقال في ماء الورد
( قل للأديب أبي الحسين ... أتتك صماء الغير )
( نكراء في حالاتها ... لذوي البصائر معتبر )
( دهياء يعترف الضمير بها وينكرها البصر )
( ماذا ترى في درهم ... قد مسه قد الإبر )
( وتحفة من بعده ... تباشرا طرفا وزر )
( أزرى به وسط الردى ... وهو الحياة المشتهر )
( فاكشف لنا عن سره ... بلطيف حدسك والنظر ) - مجزوء الكامل -
وقال في الشمس
( ماذا ترى يا أبا العباس في عجب ... تشابهت منه أولاه وأخراه )

( ترى مقمه شروى مؤخره ... حسنا ويمناه في تمثال يسراه )
( من حيث واجهته أرضاك منظره ... وكيف قابلته أغناك مغناه )
( يهوى المباعد منه قرب منزله ... حتى إذا ما تغشاه تحاماه ) - البسيط

214

الباب الثاني
15 - في ذكر ابنه أبي الفتح ذي الكفايتين والأخذ بطرف من طرف أخباره وملح بنات أفكاره
هو علي بن محمد ثمرة تلك الشجرة وشبل ذلك القسورة وحق على ابن الصقر أن يشبه الصقرا وما أصدق ما قال الشاعر
( إن السري إذا سرى فبنفسه ... وابن السري إذا سرى أسراهما ) - الكامل -
وكان نجيبا ذكيا لطيفا سخيا رفيع الهمة كامل المروءة ظريف التفصيل والجملة قد تأنق أبوه في تأديبه وتهذيبه وجالس به أدباء عصره وفضلاء وقته حتى تخرج وخرج حسن الترسل متقدم القدم في النظم آخذا من محاسن الآداب بأوفر الحظ ولما قام مقام أبيه قبل الإستكمال وعلى مدى بعيد من الإكتهال
وجمع تدبير السيف والقلم لركن الدولة لقب بذي الكفايتين وعلا شأنه وارتفع قدره وبعد صيته وطاب ذكره وجرى أمره أحسن مجرى إلى أن توفي ركن الدولة وأفضت حال أبي الفتح إلى ما سيأتي ذكره آخر الباب بمشيئة الله وعونه
ومن طرف أخباره ما حدثنيه أبو جعفر الكاتب وكان أبو بكر الخوارزمي يدعوه القمغدي لكونه قمي المولد بغدادي المنشأ وكان أبو جعفر هذا من حاشية أبي الفتح فترامت به بعده الحوادث إلى نيسابور قال كان الأستاذ الرئيس قد قبض جماعة من ثقاته في السر يشرفون على الأستاذ أبي الفتح في منزله ومكتبه

ويشاهدون أحواله ويعدون أنفاسه وينهون إليه جميع ما يأتيه ويذره ويقوله ويفعله فرفع إليه بعضهم أن أبا الفتح اشتغل ليلة بما يشتغل به الأحداث المترفون من عقد مجلس الأنس وإتخاذ الندماء وتعاطي ما يجمع شمل اللهو في خفية شديدة وإحتياط تام وأنه كتب في تلك الحالة رقعة إلى من سماه لي أبو جعفر ونسيت اسمه في استهداء الشراب فحمل إليه ما يصلحهم من المشموم والمشروب والنقل
فدس الأستاذ الرئيس إلى ذلك الإنسان من أتاه برقعة أبي الفتح الصادرة إليه فإذا فيها بخطه بسم الله الرحمن الرحيم قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاك يا سيدي وملاي رقدة من عين الدهر وانتهزت فيها فرصة من فرص العمر وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا فإن لم تحفظ علينا النظام بإهدام المدام عدنا كبنات نعش والسلام
فاستطير الأستاذ فرحا وإعجابا بهذه الرقعة البديعة وقال الآن ظهر لي أثر براعته ووثقت بجريه في طريقي ونيابته منابي ووقع له بألفي دينار
وحكى أبو الحسين بن فارس قال كنت عند الأستاذ أبي الفتح في يوم شديد الحر فرمت الشمس بجمرات الهاجرة فقال لي ما قول الشيخ في قلبه فلم أحر جوابا لأني لم أفطن لما أراد فلما كان بعد هنية أقبل رسول والده الأستاذ الرئيس يستدعيني إلى مجلسه فقمت إليه فلما مثلت بين يديه تبسم ضاحكا إلي وقال ما قول الشيخ في قلبه فبهت وسكت وما زلت أفكر حتى تنبهت على أنهما أرادا الخيش فكأن من كان يشرف على أبي الفتح من جهة أبيه الأستاذ أتاه بتلك اللفظة في تلك الساعة ولفرط اهتزازه لها أراد مجاراتي وقرأت صحيفة السرور من وجهه إعجابا بها ثم أخذت أتحفه بنكث نثره وملح نظمه

وكان مما أعجب به وتعجب منه واستضحك له حكايتي رقعة له وردت علي وصدرها رقعة الشيخ أصغر من عنفقة بقة وأقصر من أنملة نملة
قال أبو الحسين وجرى في بعض أيامنا ذكر أبيات استحسن الأستاذ الرئيس وزنها واستحلى رونقها وأنشد جماعة ممن حضر ما حضرهم على ذلك الروى وهو قول القائل
( لئن كففت وإلا ... شققت منك ثيابي )
فأصغى إلينا الأستاذ أبو الفتح ثم أنشدني في الوقت
( يا مولعا بعذابي ... أما رحمت شبابي )
( تركت قلبي قريحا ... نهب الأسى والتصابي )
( إن كنت تنكر ما بي ... من ذلتي واكتئابي )
( فارفع قليلا قليلا ... عن العظام ثيابي ) من الجتث
قال فتأمل هذه الطريقة وانظر إلى هذا الطبع فإنه أتى بمثل ما أنشده في رشاقته وخفته ولم يعد الجنس ولم يقصر دونه
وبذلك تعرف قدرة القادر على الخطابة والبلاغة
قال ومن شعره وهو في المكتب قوله من قصيدة في أبيه أولها
( أليل هو أم شعر ... وبرق هو أم ثغر )
( وحر الصدر ما ضمنت الأحشاء أم جمر ... )
( ويهماء كمثل البحر ... يرتاع لها السفر )

( تعسفت على هول ... وتحتي بازل جسر )
( إلى من وجهه بدر ... ومن راحته بحر )
( ومن جدواه مد للورى ... ليس له جزر )
( هو الغيث هو الليث ... هو الفخر هو الذخر )
( لأمر مظلم يخشى ... وخطب فادح يعرو ) - الهزج -
وقوله من نيروزية فيه
( أبشر بنيروز أتاك مبشرا ... بسعادة وزيادة ودوام )
( واشرب فقد حل الربيع نقابه ... عن منظر متهلل بسام )
( وهديتي شعر عجيب نظمه ... ومديحه يبقى على الأيام )
( فاقبله واقبل عذر من لم يستطع ... إهداء غير نتيجة الأفهام ) - الكامل -
ومن إحساناته المشهورة قوله من قصيدة
( عودي وماء شبيبتي في عودي ... لا تعمدي لمقاتل المعمود )
( وصليه ما دامت أصايل عيشه ... تؤويه في فيء لها ممدود )
( ما دام من ليل الصبا في فاحم ... رجل الذرى قينان كالعنقود )
( قبل المشيب فطارقات جنوده ... يبدلنه يققا بسحم سود ) - الكامل -
وقوله لما تقلد الوزارة بعد أبيه
( دعوت الغنى ودعوت المنى ... فلما أجابا دعوت القدح )
( إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح ) - المتقارب

وقال
( إذا أنا بلغت الذي كنت أشتهي ... وأضعافه ألفا فكلني إلى الخمر )
( وقل لنديمي قم إلى الدهر فاقترح ... عليه الذي تهوي ودعني مع الدهر ) - الطويل -
وله
( أين لي من يفي بشكر الليالي ... إذ أضافت خيالها وخيالي )
( لم يكن لي على الزمان اقتراح ... غيرها منية فجاد بها لي ) - الخفيف -
وقوله في أترجة أهداها إلى والده الأستاذ الرئيس
( أتتك صفراء تحكي لون ذي مقة ... وريح راح حشاها شادن خنث )
( زففتها حين زفت لي على أمل ... إني غلامك لا مين ولا عبث ) - البسيط -
وقوله من قصيدة أخرى في عضد الدولة أولها
( عتبت على الأيام لو عرفت عتبا ... وعاتبتها لو أعقبت ذنبها عتبى )
( قضت بيننا أحكامها البين كلما ... طلعن بنا شرقا غربن بها غربا )
( تحجب عني الشمس من نور وجهها ... وتمنح رياها الركائب والركبا )
ومنها
( وكنت أظن الحب قبل خلابة ... فها هو ذا يغري بمخلبه الخلبا )
( تدور السقاة بالأباريق بيننا ... فنحسبها سربا يزجي لنا سربا )

ومنها
( وقد نظمت في شمل العصابة روضة ... منورة النوار تحسبها عصبا
ومنها في وصف النجائب
( متى لم أنل أقصى المنى بنجابها ... فلا نهضت نجبا تسير بنا نجبا )
( ولا رحلت نحو العفاة رحالها ... ولا كان لي ما بين آمالها نهبا )
( ولا كنت عبدا للذي الدهر عبده ... أعد النجوم بعد صحبته حصبا ) - الطويل -
وقوله من قصيدة أخرى فيه أولها
( أفضت عقود أم أفيضت مدامع ... وهذى دموع أم نفوس هوامع )
( على الملك قوام وللدين حافظ ... وللمال وهاب وللجار مانع )
( أسود ولكن الحراب عرينها ... شموس ولكن الصفوف مطالع )
( أشاحوا وما شحوا ونابوا وما نبوا ... وكان لهم تحت المنايا مناقع )
ومنها في ذل الأعداء
( أذالهم ذل الهزيمة فانحنت ... قناة الظهور واستقام الأخادع )
( وكان لهم لبس المعصفر عادة ... فخاطت لهم منه السيوف القواطع )
ومنها
( بطرتم فطرتم والعصا زجر من عصى ... وتقويم عبد الهون بالهون نافع )

ومنها
( تبسمت والخيل العتاق عوابس ... وأقدمت والبيض الرقاق هوالع )
( صدعت بصبح النصر ليل جموعهم ... وكيف بقاء الليل والصبح صادع )
( فما الصبح مناد ولا الليل خاذل ... ولا النصل خوان ولا السهم طالع )
ومنها في وصف الشعر
( ومقترحات في القوافي بداءة ... بدائع للإحسان فيها ودائع )
( كلام شكور أطلقت من عنانه ... صنائع تخجلن النهار نواصع )
( خدمت بقولي ذا ومن قبل قوله ... خدمت وغى والقول للفعل شافع ) - الطويل -
وقال من أخرى وقد ذكر الشعر
( فإن كان مسخوطا فقل شعر كاتب ... وإن كان مرضيا فقل شعر كاتبي ) - الطويل -
ذكر آخر أمره
حدثني أبو منصور سعيد بن أحمد البريدي قال لما توفي ركن الدولة وقام مقامه مؤيد الدولة خليفة لأخيه عضد الدولة أقبل من أصبهان إلى الري ومعه الصاحب أبو القاسم وخلع على أبي الفتح خلعة الوزارة وألقى إليه مقاليد المملكة والصاحب على جملته في الكتابة لمؤيد الدولة والإختصاص به وشدة الحظوة لديه فكره أبو الفتح مكانه وأساء الظن به فبعث الجند على أن يشغبوا عليه وهموا بما لم ينالوا منه فأمره مؤيد الدولة بمعاودة أصبهان وأسر في نفسه الموجدة على أبي الفتح لهذا الشأن وغيره وانضاف ذلك إلى تغير عضد

الدولة واحتقاده عليه لأشياء كثيرة في أيام أبيه وبعدها منها مما يلته بختيار ومنها ميل القواد إليه بل غلوهم في موالاته ومحبته ومنها ترفعه عن التواضع له في مكاتباته واجتمعت آراء الأخوين على إعتقاله وأخذ أمواله
ولما اعتقل في بعض القلاع بدرت منه كلمات نمت إلى عضد الدولة فزادت في استيحاشه منه وأنهض من حضرته من طالبه بالأموال وعذبه ومثل به ويقال إنه سمل إحدى عينيه قطع أنفه وجز لحيته ففي تلك الحال يقول أبو الفتح وقد يئس من نفسه وأستأذن في صلاة ركعتين فصلاهما ودعا بدواة وقرطاس وكتب
( بدل من صورتي المنظر ... لكنه ما غير المخبر )
( ولست ذا حزن على فائت ... لكن على من لي يستعبر )
( وواله القلب لما مسني ... مستخبر عني ولا يخبر )
( فقل لمن سر بما ساءنا ... لا بد أن يسلك ذا المعبر ) - السريع -
وأخبرني أبو جعفر الذي قدمت ذكره وكان مختصا به
قال كان أبو الفتح قبيل النكبة التي أتت على نفسه قد أغرى بإنشاد هذين البيتين لا يجف لسانه من ترديدهما في أكثر أوقاته وأحواله ولست أدري أهماله أم لغيره
( دخل الدنيا أناس قبلنا ... رحلوا عنها وخلوها لنا )
( فنزلناها كما قد نزلوا ... ونخليها لقوم بعدنا ) - الرمل -
فلما حصل في الإعتقال واستيقن أن القوم يريدون دمه لا محالة وأنه لا ينجو منهم وإن بذل ماله مد يده إلى جيب جبة عليه ففتقه عن رقعة فيها ثبت ما لا يحصى من ودائعه وكنوز أبيه وذخائره فألقاها في كانون نار بين يديه وقال للقائد الموكل به المأمور بقتله بعد مطالبته اصنع ما أنت صانع فوالله لا يصل من أموالي المستورة إلى صاحبك دينار واحد فما زال يعرضه على العذاب ويمثل

به حتى تلف رحمه الله تعالى وفيه يقول بعض أصحابه
( آل العميد وآل برمك ما لكم ... قل المعين لكم وذل الناصر )
( كان الزمان يحبكم فبدا له ... إن الزمان هو المحب الغادر ) - الكامل -
ولأبي بكر الخوارزمي في مرثيته من قصيدة
( يا دهر إنك بالرجال بصير ... فلذاك ما تجتاحهم وتبير ) - الكامل -
وهي تذكر في موضعها من شعره إن شاء الله سبحانه وتعالى

224

الباب الثالث
16 - في ذكر الصاحب أبي القاسم إسمعيل بن عباد وإيراد لمع من أخباره وغرر نظمه ونثره
ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب وجلالة شأنه في الجود والكرم
وتفرده بغايات المحسان وجمعه أشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ولكني أقول هو صدر المشرق وتاريخ المجد وغرة الزمان وينبوع العدل والأحسان ومن لا حرج في مدحه بكل ما يمدح به مخلوق ولولاه ما قامت للفضل في دهرنا سوق وكانت أيامه للعلوية والعلماء والأدباء والشعراء وحضرته محط رحالهم وموسم فضلائهم ومترع آمالهم
وأمواله مصروفة إليهم وصنائعه مقصورة عليهم وهمته في مجد يشيده وإنعام يحدده وفاضل يصطنعه وكلام حسن يصنعه أو يسمعه
ولما كان نادرة عطارد في البلاغة وواسطة عقد الدهر في السماحة جلب إليه من الآفاق وأقاصي البلاد كل خطاب جزل وقول فصل
وصارت حضرته مشرعا لروائع الكلام وبدائع الأفهام وثمار الخواطر ومجلسه مجمعا لصوب العقول وذوب العلوم ودرر القرائح
فبلغ من البلاغة ما يعد في السحر ويكاد يدخل في الإعجاز وسار كلامه مسير الشمس ونظم ناحيتي الشرق والغرب واحتف به من نجوم الأرض وأفراد العصر وأبناء الفضل وفرسان الشعر من يربى عدهم على شعراء الرشيد ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب

القوافي وملك رق المعاني فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك مثل ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء المذكورين كأبي نواس وأبي العتاهية والعتابي والنمري ومسلم بن الوليد وأبي الشيص ومروان بن أبي حفصة ومحمد بن مناذر وجمعت حضرة الصاحب بأصبهان والري وجرجان مثل أبي الحسين السلامي وأبي بكر الخوارزمي وأبي طالب المأموني وأبي الحسن البديهي وأبي سعد الرستمي وأبي القاسم الزعفراني وأبي العباس الضبي وأبي الحسن بن عبد العزيز الجرجاني وأبي القاسم بن أبي العلاء وأبي محمد الخازن وأبي هاشم العلوي وأبي الحسن الجوهري وبني المنجم وابن بابك وابن القاشاني وأبي الفضل الهمذاني وإسمعيل الشاشي وأبي العلاء الأسدي وأبي الحسن الغويري وأبي دلف الخزرجي وأبي حفص الشهزوري وأبي معمر الإسماعيلي وأبي الفياض الطبري وغيرهم ممن لم يبلغني ذكرهم أو ذهب عني اسمه ومدحه مكاتبة الشريف الموسوي الرضى وأبو إسحاق الصابي وابن حجاج وابن سكرة وابن نباتة ولذكر كل من هؤلاء مكان من هذا الكتاب إما متقدم أو متأخر وما أحسن وأصدق قول الصاحب
( إن خير المداح من مدحته ... شعراء البلاء في كل نادي ) - الخفيف -
لمع من أخبار محاسنه وملح من نوادر توقيعاته
سمعت أبا بكر الخوارزمي يقول إن مولانا الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها ودب ودرج في وكرها ورضع أفاويق درها وورثها من أبيه كما قال

أبو سعيد الرستمي
( ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد )
( يروي عن العباس عباد وزراته ... وإسماعيل عن عباد ) - الكامل -
قال ولما ملك فخر الدولة واستعفى الصاحب من الوزارة قال له لك في هذه الدولة من إرث الوزارة ما لنا فيها من إرث الإمارة فسبيل كل منا أن يحتفظ بحقه
وحدثني عون بن الحسين الهمداني التميمي قال كنت يوما في خزانة الخلع للصاحب فرأيت في ثبت حسبانات كاتبها وكان صديق مبلغ عمائم الخزالتي صارت تلك الشتوة في خلع الخدم والحاشية ثمانمائة وعشرين قال وكان يعجبه الخز ويأمر الإستكثار منه في داره فنظر أبو القاسم الزعفراني يوما إلى جميع من فيها من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملونة فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئا فسأل الصاحب عنه فقيل إنه في مجلس كذا يكتب فقال علي به فاستمهل الزعفراني ريثما يكمل مكتوبه فأعجله الصاحب وأمر بأن يؤخذ ما في يده من الدرج فقام الزعفراني إليه وقال أيد الله الصاحب
( اسمعه ممن قاله تزدد به ... عجبا فحسن الورد في أغصانه ) - الكامل -
قال هات يا أبا القاسم فأنشده أبياتا منها
( سواك يعد الغنى ما اقتنى ... ويأمره الحرص أن يخزنا )
( وأنت ابن عباد المرتجى ... تعد نوالك نيل المنى )
( وخيرك من باسط كفه ... وممن ثناها قريب الجنى )
( غمرت الورى بصنوف الندى ... فأصغر ما ملكوه الغنى )

( وغادرت أشعرهم مفحما ... وأشكرهم عاجزا ألكنا )
( أيا من عطاياه تهدى الغنى ... إلى راحتي من نأى أو دنا )
( كسوت المقيمين والزائرين ... كسى لم يخل مثلها ممكنا )
( وحاشية الدار يمشون في ... ضروت من الخز إلا أنا )
( ولست أذكر لي جاريا ... على العهد يحسن أن يحسنا ) - المتقارب -
فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلا قال له احملني أيها الأمير فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية ثم قال له لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذه لحملتك عليه وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص ودراعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف ورداء وجورب ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه ثم أمر بإدخاله الخزانة وصب تلك الخلع عليه وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلامه
وحدثني أبو عبد الله محمد بن حامد الحامدي قال عهدي بأبي محمد الخازن ماثلا بين يدي الصاحب ينشده قصيدة له فيه أولها
( هذا فؤادك نهبى بين أهواء ... وذاك رأيك شورى بين آراء )
( هواك بين العيون النجل مقتسم ... داء لعمرك ما أبلاه من داء )
( لاتستقر بأرض أو تسير إلى ... أخرى بشخص قريب عزمه نائي )
( يوما بحزوى ويوما بالعقيق وبالعذيب يوما ويوما بالخليصاء )
( وتارة تنتحي نجدا وآونة ... شعب العقيق وطورا قصر تيماء ) - البسيط -
قال فرأيت الصاحب مقبلا عليه بمجامعه حسن الإصغاء إلى إنشاده مستعيدا أكثر أبياته مظهرا من الإعجاب به والإهتزاز له ما يعجب الحاضرين فلما بلغ قوله

( أدعى بأسماء نبزا في قبائلها ... كأن أسماء أضحت بعض أسمائي )
( أطلعت شعري وألقت شعرها طربا ... فألفا بين إصباح وإمساء )
زحف عن دسته طربا فلما بلغ قوله في المدح
( لو أن سحبان باراه لأسحبه ... على خطابته أذيال فأفاء )
( أرى الأقاليم قد ألقت مقالدها ... إليه مستبقات أي إلقاء )
( فساس سبعتها منه بأربعة ... أمر ونهي وتثبيت وإمضاء )
( كذاك توحيده ألوى بأربعة ... كفر وجبر وتشبيه وإرجاء )
جعل يحرك رأس مستحسن فلما أنشد
( نعم تجنب لا يوم العطاء كما ... تجنب ابن عطاء لثغة الراء )
استعاده وصفق بيديه ولما ختمها بهذه الأبيات
( أطرى وأطرب بالأشعار أنشدها ... أحسن ببهجة إطرابي وإطرائي )
( ومن منائح مولانا مدائحه ... لأن من زنده قدحي وإيرائي )
( فخذ إليك ابن عباد محبرة ... لا البحتري يدانيها ولا الطائي )
قال أحسنت أحسنت ولله أنت وتناول النسخة وتشاغل بإعارتها نظره ثم أمر له بخلعة وحملان وصلة
وسمعت أبا عبد الله أيضا يقول أهدي إلى الصاحب هدية أهدى منها إلى

شيخ الدولتين أبي سعيد الشبيبي وكتب معها رقعة مصدرة بهذا البيت
( رويت في السنة المشهورة البركه ... أن الهدية في الإخوان مشتركه ) - البسيط -
وحدثني أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي قال سمعت الصاحب يقول أنفذ إلى أبو العباس تاش الحاجب رقعة في السر بخط صاحبه نوح بن منصور ملك خراسان يريدني فيها على الإنحياز إلى حضرته ليلقى إلى مقاليد مملكته ويعتمدني لوزارته ويحكمني في ثمرات بلاده
فكان فيما اعتذرت به من تركي امتثال أمره والصدر عن رأيه ذكر طول ذيلي وكثرة حاشيتي وضمنتي وحاجتي لنقل كتب خاصة إلى أربعمائة جمل فما الظن بما يليق بها من تحمل مثلي
وحدثني أيضا قال سمعت الصاحب يقول حضرت مجلس ابن العميد عشية من عشايا شهر رمضان وقد حضره الفقهاء والمتكلمون للمناظرة وأنا إذ ذاك في ريعان شبابي فلما تقوض المجلس وانصرف القوم وقد حل الإفطار نكرت ذلك فيما بيني وبين نفسي واستقبحت إغفالة الأمر بتفطير الحاضرين مع وفور رياسته واتساع حاله واعتقدت ألا أخل بما أخل به إذا قمت يوما مقامه قال فكان الصاحب لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد العصر أحد كائنا من كان فيخرج من داره إلا بعد الإفطار عنده وكانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة
وحدثني بديع الزمان أبو الفضل الهمذاني قال لما أدخلني والدي إلى الصاحب ووصلت إلى مجلسه واصلت الخدمة بتقبيل الأرض فقال لي يا بني اقعد كم تسجد كأنك هدهد

قال وقد قال يوما لبعض من تأخر عن مجلسه لعلة وجدها ما الذي كنت تشتكيه قال الحما قال قه يعني الحماقة فقال وه يعني القهوة
قال واستأذن عليه الحاجب يوما لإنسان طرسوسي فقال الطر في لحيته والسوس في حنطته
وسمعت الأمير أبا الفضل الميكالي يقول سمعت بعض ندماء الصاحب يقول كنت يوما بين يدي الصاحب فقدم البطيخ فقلت لا مترك فقال بالعجلة لمترك وكنت أريد أن أقول لا مترك للبطيخ فسبقني إلى التنادر بهذا التجنيس
حدثني أبو منصور البيع قال دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما أردت القيام قلت لعلي طولت فقال لا بل تطولت
وحدثني أبو منصور اللجيمي الدينوري قال أهدي العميري قاضي قزوين إلى الصاحب كتبا وكتب معها
( العميري عبد كافي الكفاة ... ومن اعتد في وجوه القضاة )
( خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات ) - الخفيف -
فوقع تحتها
( قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتها الباقيات )
( لست أستغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات ) - الخفيف -
قال وكتب إليه بعض العلوية يخبر بأنه رزق مولودا ويسأله أن يسميه ويكنيه فوقع في رقعته
أسعدك الله بالفارس الجديد والطالع السعيد فقد والله ملأ العين قرة والنفس مسرة مستقرة
والإسم علي ليعلي الله ذكره والكنية أبو الحسن ليحسن

الله أمره
فإني أرجو فضل جده وسعادة جده وقد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال قصدت به مقصد الفال رجاء أن يعيش مائة عام ويخلص خلاص الذهب الإبريز من نوب الأيام والسلام
قال وكتب إليه أبو منصور الجرجاني
( قل للوزير المرتجى ... كافي الكفاة الملتجى )
( إني رزقت ولدا ... كالصبح إذ تبلجا )
( لا زال في ظلك ظل ... المكرمات والحجى )
( فسمه وكنه ... مشرفا متوجا ) - مجزوء الرجز -
فوقع تحتها
( هنئته هنئته ... شمس الضحى بدر الدجى )
( فسمه محسنا ... وكنه أبا الرجا ) - مجزوء الرجز -
وعرض على بعض الإصبهانيين رقعة لأبي حفص الوراق الإصبهاني قد أخذ منها البلى وفيها توقيع الصاحب وهذه نسخة الرقعة لو لا أن الذكرى أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل تنفع المؤمنين وهزة الصمصام تعين المصلتين لما ذكرت ذاكرا ولا هززت ماضيا
ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح ويكد الجواد السمح
وحال عبد مولانا أدام الله تأييده في الحنطة مختلفه وجرذان داره عنها منصرفه
فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله ولم يشد رحله فعل إن شاء الله تعالى وهذه نسخة التوقيع أحسنت أبا حفص قولا وسنحسن فعلا فبشر جرذان دارك بالخصب وأمنها من الجدب فالحنطة تأتيك في الأسبوع ولست عن غيرها من النفقة بمنوع إن شاء الله تعالى

وسمعت أبا النصر محمد بن عبد الجبار العتبي يقول كتب بعض أصحاب الصاحب رقعة إليه في حاجة فوقع فيها ولما ردت إليه لم ير فيها توقيعا وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها فعرضها على أبي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيع وهو الف واحدة وكان في الرقعة فإن رأى مولانا أن ينعم بكذا فعل فأثبت الصاحب أمام فعل ألفأ يعني أفعل
وسمعت الأمير با الفضل الميكالي يقول كتب بعض العمال رقعة إلى الصاحب في التماس شغل وفي الرقعة إن رأى مولانا أن يأمر بإشغالي ببعض أشغاله فوقع تحتها من كتب إشغالي لا يصلح لأشغالي
وحدثني أبو الحسن علي بن محمد الحميري قال رفع الضرابون من دار الضرب قصة إلى الصاحب في ظلامة لهم مترجمة بالضرابين فوقع تحتها في حديد بارد
وحدثني أبو سعد نصر بن يعقوب قال كان الصاحب يقول بالليالي لجلسائه إذا أراد أن يبسطهم ويؤنسهم نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان
وحدثني أيضا قال قال الصاحب ما أفحمني أحد كالبديهي فإنه كان عندي يوما وأتينا بفاكهة ومشمش فأمعن فيه فاتفق أني قلت إن المشمش يلطخ المعدة فقال لا يعجبني الميزبان إذا تطبب
وسمعت أبا نصر سهل بن المرزبان يقول كان الصاحب إذا شرب ماء بثلج أنشد على أثره
( قعقعة الثلج بماء عذب ... تستخرج الحمد من اقصى القلب ) - الرجز -
ثم يقول اللهم جد اللعن على يزيد
وحدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي قال انتحل فلان يعني أحد

المتشاعرين بحضرة الصاحب شعرا له وبلغه ذلك فقال أبلغوه عني
( سرقت شعري وغيري ... يضام فيه ويخدع )
( فسوف أجزيك صفعا ... يكد رأسا وأخدع )
( فسارق المال يقطع ... وسارق الشعر يصفع ) - المجتث -
قال فاتخذ الليل جملا وهرب من الري
وحدثني غيره قال كتب إنسان إلى الصاحب رقعة وقد أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه فوقع فيها هذه بضاعتنا ردت إلينا
ووقع في رقعة استحسنها أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون
ووقع في كتاب بعض مخالفيه فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
ووقع في رقعة أبي محمد الخازن وكان ذهب مغاضبا ثم كتب إليه يستأذنه في معاودة حضرته ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت
وعرض على أبو الحسن الشقيقي البلخي توقيع الصاحب إليه في رقعة من نظر لدينه نظرنا لدنياه فإن آثرت العدل والتوحيد بسطنا لك الفضل والتمهيد وإن أقمت على الجبر فليس لكسرك من جبر
ووقع في رقعة بعض خطاب الأعمال التصرف لا يلتمس بالتكفف إن احتجنا إليك صرفناك وإلا صرفناك
ورفع إليه بعض منهي الأخبار أن رجلا ممن ينطوي له على غير الجميل يدخل داره في الناس ثم يتلوم على استراق السمع فوقع دارنا هذه خان يدخلها من وفى ومن خان

وحدثني أبو الحسين النحوي قال كان مكي المنشد قد انتاب الصاحب بجرجان وكان قديم الخدمة له فأساء أدبه غير مرة فأمر الصاحب بحبسه فحبس في دار الضرب وهي بجواره بجرجان فاتفق أنه صعد يوما سطح داره لحاجة في نفسه وأشرف على دار الضرب فلما رآه مكي نادى بأعلى صوته فاطلع فرآه في سواء الجحيم فضحك الصاحب وقال اخسئوا فيها ولا تكلمون ثم أمر بإطلاقه
وحدثني أبو النصر العتبي قال سمعت أبا جعفر دهقان بن ذي القرنين يقول قدمت إلى الصاحب هدية أصحبنيها الأمير أبو علي محمد بن محمد برسمه واعتذرت إليه بأن قلت إنها إذا نقلت إلى حضرته من خراسان كانت كالتمر ينقل إلى كرمان
فقال قد ينقل التمر من المدينة إلى البصرة على جهة التبرك وهذه سبيل ما يصحبك
وحدثني الهمداني قال كان واحدا من الفقهاء يعرب بابن الخضيري يحضر مجلس النظر للصاحب بالليالي فغلبته عيناه مرة وخرج منه ريح لها صوت فخجل وانقطع عن المجلس فقال الصاحب أبلغوه عني
( يا ابن الخضيري لا تذهب على خجل ... لحادث منك مثل الناي والعود )
( فإنها الريح لا تستطيع تحبسها ... إذ أنت لست سليمان بن داود ) - البسيط -
وحكي أن مثل هذا الأمر وقع للهمذاني في مجلس الصاحب فخجل وقال صرير التخت فقال الصاحب أخشى أن يكون صرير التحت فيقال إن هذه الخجلة كانت سبب مفارقته لتلك الحضرة وخروجه إلى خراسان
وحدثني أبو نصر النمري بجرجان قال سمعت القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز يقول انصرفت يوما من دار الصاحب وذلك قبيل العيد فجاءني

رسول بعطر الفطر ومعه رقعة بخطه فيها هذان البيتان
( يا أيها القاضي الذي نفسي له ... مع قرب عهد لقائه مشتاقه )
( أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدى له أخلاقه ) - الكامل -
وقال وسمعته يقول إن الصاحب يقسم لي من إقباله وإكرامه بجرجان أكثر مما يتلقاني به في سائر البلاد وقد استعفيت يوما من فرط تحفيه بي أو توضعه لي فأنشدني
( أكرم أخاك بأرض مولده ... وأمده من فعلك الحسن )
( فالعز مطلوب وملتمس ... وأعزه ما نيل في الوطن ) - الكامل -
ثم قال لي قد فرغت من هذا المعنى في العينية فقلت لعل مولانا يريد قولي
( وشيدت مجدي بين قومي فلم أقل ... ألا ليت قومي يعلمون صنيعي ) - الطويل -
فقال ما أردت غيره والأصل فيه قول الله تعالى ( يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )
وحدثني أبو حنيفة الدهشتاني قال كتب الصاحب إلى أبي هاشم العلوي وقد أهدى إليه في طبق فضة عطرا
( العبد زارك نازلا برواقكا ... يستنبط الإشراق من إشراقكا )
( فاقبل من الطيب الذي أهديته ... ما يسرق العطار من أخلاقكا )
( والظرف يوجب أخذه مع ظرفه ... فأضف به طبقا إلى أطباقكا ) - الكامل -
وحدثني عون بن الحسين الهمذاني قال سمعت أبا عيسى بن المنجم

يقول سمعت الصاحب يقول ما استأذن لي على فخر الدولة وهو في مجلس الأنس إلا انتقل إلى مجلس الحشمة فيأذن لي فيه وما أذكر أنه تبذل بين يدي ومازحني قط إلا مرة واحدة فإنه قال لي في شجون الحديث بلغني أنك تقول المذهب مذهب الإعتزال والنيك نيك الرجال
فأظهرت الكراهة لإنبساطه وقلت بنا من الجد مالا نفرغ معه للهزل ونهضت كالمغاضب فما زال يعتذر إلى مراسله حتى عاودت مجلسه ولم يعد بعدها لما يجري مجرى الهزل والمدح
وسمعت أبا الحسن العلوي الهمداني الوصي قال لما توجهت تلقاء الري في سفارتي إليها من جهة السلطان فكرت في كلام ألقى به الصاحب
فلم يحضرني ما أرضاه وحين استقبلني في العسكر وأفضى عناني إلى عنانه جرى على لساني ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم فقال إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ثم قال مرحبا بالرسول ابن الرسول الوصي ابن الوصي
وحدثني أبو الحسين النحوي قال كان الصاحب منحرفا عن أبي الحسين ابن فارس لإنتسابه إلى خدمة ابن العميد وتعصبه له فأنفذ إليه من همدان كتاب الحجر من تأليفه فقال الصاحب رد الحجر من حيث جاءك ثم لم تطب نفسه بتركه فنظر فيه وأمر له بصلة
وسمعت أبا القاسم الكرخي يقول دخل أبو سعيد الرستمي يوما دار الصاحب فنظر إلى الخلع والأحبية السلطانية المحمولة برسم الصاحب والناس يقيمون رسم النثار لها فارتجل قصدية أولها
( ميلوا إلى هذه النعمى نحييها ... ودار ليلى فخلوها لأهليها ) - البسيط -
وسمعت أبا جعفر الطبري الطبيب المعروف بالبلاذري يقول إن للصاحب رسالة في الطب لو علمها ابن قرة وابن زكرياء لما زادا عليها
فسأله أن

يعيرنيها إن كانت عنده فذكر أنها في جملة ما غاب عنه في كتبه فاستغربت واستبعدت ما حكاه من تطبب الصاحب ونسبته في نفسي إلى التزيد والتكثر إلى أن ظفرت في نسخة الرسائل المؤلفة المبوبة للصاحب برالة قدرتها تلك التي ذكرها أبو جعفر ووجدتها تجمع إلى ملاحة البلاغة ورشاقة العبارة حسن التصرف في لطائف الطب وخصائصه وتدل على التبحر في علمه وقوة المعرفة بدقائقه وهذه نسختها وأكثر ظني أنه قد كتبها إلي أبو العباس الضبي
قد عرفت ما شرحه مولاي من أمره وأنبأ عنه من أحوال جسمه فدلتي جملته على بقايا في البدن يحتاج معها إلى الصبر على التنقية والرفق بالتصفية فأما الذي يشكوه من ضعف معدته وقلة شهوته فلأمرين أحدهما أن الجسم كما قلت آنفا لم ينق فتنفتق الشهوة الصادقة وترجع العادة السابقة
والآخر أن المعدة إذا دامت عليها المطفئنات ولزت بها المبردات قلت الشهوة وضعف الهضم ومع ذلك فلا بد مما يطفي ويغذي
ثم يمكن من بعد أن يتدارك ضعف المدة بما يقوى منها ويزيل العارض المكتسب عنها كما يقول الفاضل جالينوس قدم علاج الأهم ثم عد وأصلح ما أفسدت
والأقراص في آخر الحميات خير ما نقيت به المعدة وأصلحت به العروق
وقوي به الطحال ليتمكن من جذب العكر لا سيما والذي وجده مولاي ليس الذنب فيه للحميات التي وجدها والبلدة التي وردها فلو صادف الهواء المتغير جسدا نقيا من الفضول لما أثر هذا التأثير
ولا طول هذا التطويل وإنما اغتر مولاي بأيام السلامة فكان ينبسط في أنواع الطعام ويسرف في تناول الشراب فامتلأ الجسم من تقكل الكيموسات الرديئة وورد بلدا شديد التحليل مضطرب الأهوية فوجدت النفس عونا على حل ما انعقد ونقض ما اجتمع
وسيتفضل الله بالسلامة فتطول صحبتها وتتصل مدتها لأن الجسد يخلص خلاص الإبريز إذا زال عنه الخبث وسبك ففارقه الدرن
وأما الرعشة التي

يتألم مولاي منها ويضيق صدرا بها فليست والحمد لله محذورة العاقبة وإنها لتزول بإقبال العافية
فالرعشة التي تتخوف هي التي تعرض من ضعف القوة الحيوانية كما تعرض للمشايخ وتؤذي لمشاركتها الدماغ كثير من العظام فأما هذه التي تعتاد عقيب الحمى فهي على ما قال جالينوس من أن حدوثها يكون إذا شاركت العروق التي تحدث فيها علة العصب وتزول عنه بزوال الفضل
وعجب مولاي من تكرهه شم الفواكه ولا غرو إذا عرف السبب فإن العفونة التي في العروق قد طبقت روائحها آلات الشم فما يصل إليها من الروائح الزكية يرد على النفس مغمورا بتلك الروائح الخبيثة فتكرهها ولا تقبلها وتأباها ولا تؤثرها
ألا يرى مولاي أن الأشياء الحلوة توجد في فم ذي الصفراء بطعم الأشياء المرة لإمتلاء المرارة المضادة للحلاوة على آلات الذوق والمضغ والإدارة وهذا راجع إلى مثل ما حكمنا به أولا من أن هناك فضلا لا يمكن الهجوم على تحليله لما يخشى من سقوط القوة وإن كان مما لم يخرج لم يوثق بوفور الصحة وأنا أحمد الله إذ ليست شهوة سيدي متزايدة فالشهوة الغالبة مع الأخلاط الفاسدة تغري صاحبها الأكل الزائد وتعرض للمزاج الفاسد إلا أن التغذي لا يجوز إهماله دفعة والتبرم به ضربة
فإن البدن إذا احتاج إليه وجب للعليل أن يتناوله تناول الدواء الذي يصبر عليه وذلك أن في دقة الحمية وترك الرجوع أول فأول إلى عادة الصحة إماتة للشهوة وخيانة للقوة
وجالينوس يشرط في العلاجات أجمع استحفاظ القوى لأن الذي يفعله الضعف لا يتداركه أمر إلا أن ذلك بإزاء ما قال الحكيم الأول بقراط في البدن السقيم إنكم متى ما زدته غذاء زدته شرا وهو في نفسه يقول إن الحمية التي في غاية الدقة ليست بمحمودة فالطرفان من الإسراف والإجحاف مذمومان والواسطة أسلم أغنى الله مولاي عن الطب والأطباء بالسلامة والشفاء

وسمعت عونا الهمداني يقول أتى الصاحب بغلام مثاقف فلعب بين يديه فاسحسن صورته
وأعجب بمثاقفته فقال لأصحابه قولوا في وصفه فلم يصنعوا شيئا فقال الصاحب
( مثاقف في غاية الحذق ... فاق حسان الغرب والشرق )
( شبهته والسيف في كفه ... بالبدر إذ يلعب بالبرق ) - السريع -
وأنشدني أبو سعيد بن دوست الفقيه قال أنشدني أبو علي العراقي العوامي الرازي قال أنشدني الصاحب لنفسه
( كم نعمة عندك موفورة ... لله فاشكر يا ابن عباد )
( قم فالتمس زادك وهو التقى ... لن تسلك الطرق بلا زاد ) - السريع -
جرى الشعراء بحضرة الصاحب في ميدان اقتراحه الديارات
أقرأني أبو بكر الخوارزمي كتابا لأبي محمد الخازن ورد عليه في ذكر الدار التي بناها الصاحب بإصبهان وانتقل إليها واقترح على أصحابه وصفها وهذه نسخته بعد الصدر
نعم الله عند مولانا الصاحب أدام الله تأييده مترادفة وأياديه لديه متضاعفة وأرى أولياء النعم كبت الله أعداءهم تتظاهر كل يوم حسنا في إعظامه وبصائرهم تترامى قوة في إكرامه والوفود على بابه المعمور كرجل الجراد وانتقل إلى البناء المعمور بالفأل المسعود فرأينا يوما مشهودا وعيدا يجنب عيدا واجتمع المادحون وقال القائلون ولو حضرتني القصائد لأنفذتها إلى أني علقت

من كل واحدة ما علق بحفظي
والشيخ مولاي يعرف ملك النسيان لرقي فقصيدة الأستاذ أبي العباس الضبي أولها
( دار الوزارة ممدود سرادقها ... ولا حق بذرى الجوزاء لاحقها )
( والأرض قد واصلت غيظ السماء بها ... فقطرها أدمع تجري سوابقها )
( بودها أنها من أرض عرصتها ... وأن أنجمها فيها طوابقها )
( فمن مجالس يخلفن الطواوس قد ... أبرزن في حلل شاقت شقائقها )
( ومن كنائس يحكين العرائس قد ... ألبسن مجسدة راقت طرائقها )
( تفرعت شرفات في مناكبها ... يرتد عنها كليل العين رامقها )
( مثل العذارى وقد شدت مناطقها ... وتوجت بأكاليل مفارقها )
( كل امرئ سوغته الحجب رؤيتها ... وأشرقت في محياه مشارقها )
( مخلف قلبه فيها وناظره ... إذا تجلت لعينيه حقائقها )
( والدهر حاجبها يحمي مواردها ... عن الخطوب إذا صالت طوارقها )
( موارد كلما هم العفاة بها ... عادت مفاتح للنعمى مغالقها )
( دار الأمير التي هذي وزارتها ... أهدت لها وشحا راقت نمارقها )
( هذي المعالي التي اغتص الزمان بها ... وافتك منسوقة والله ناسقها )
( إن الغنائم قد آلت معاهدة ... لا زايلتها ولا زالت تعانقها )
( لأرضها كلما جادت مواهبها ... وفي ديار معاديها صواعقها ) - البسيط -
ومن قصيدة الشيخ أبي الحسن صاحب البريد وهو ابن عمة الصاحب

( دار على العز والتأييد مبناها ... وللمكارم والعلياء مغناها )
( دار تباهى بها الدنيا وساكنها ... طرا وكم كانت الدنيا تمناها )
( فاليمن أصبح مقرونا بيمناها ... واليسر أصبح مقرونا بيسراها )
( من فوقها شرفات طال أدناها ... يد الثريا فقل لي كيف أقصاها )
( كأنها غلمة مصطفة لبست ... بيض الغلائل أمثالا وأشباها )
( انظر إلى القبة الخضراء مذهبة ... كأنما الشمس أعطتها محياها )
( تلك الكنائس قد أصبحن رائقة ... مثل الأوانس تلقانا وتلقاها )
( فالربع بالمجد لا بالصحن متسع ... والبهو لا بالحلى بل بالعلا باهى )
( لما بنى الناس في دنياك دورهم ... بنيت في دارك الغراء دنياها )
( فلو رضيت مكان البسط أعيننا ... لم تبق عين لنا إلا فرشناها )
( وهذه وزراء الملك قاطبة ... بيادق لم تزل ما بيننا شاها )
( فأنت أرفعها مجدا وأسعدها ... جدا وأجودها كفا وأكفاها )
( وأنت آدبها بل أنت أكتبها ... وأنت سيدها بل أنت مولاها )
( كسوتني من لباس العز أشرفه ... المال والعز والسلطان والجاها )
( ولست أقرب إلا بالولاء وإن ... كانت لنفسي من علياك قرباها ) - البسيط -
ومن قصيدة مولاي أبي الطيب الكاتب
( ودار ترى الدنيا عليها مدارها ... تحوز السماء أرضها وديارها )
( بناها ابن عباد ليعرض همة ... على همم إسرافهن اقتصارها )
( يرد على الدنيا بها كل غدرة ... إذا ما تبارت داره وديارها )
( وإن قيل بهتا قد حكت تلك هذه ... فقد يتوارى ليلها ونهارها )

( فإن لم يكن في صحن دارك بعض ما ... أصدر فالدنيا يصح اعتذارها ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي سعيد الرستمي
( نصبن لحبات القلوب حبائلا ... عشية حل الحاجبات حبائلا )
( نشدن عقولا يوم برقة منشد ... ضللن فطالبنا بهن العقائلا )
( عقائل من أحياء بكر ووائل ... يحببن للعشاق بكرا ووائلا )
( عيون ثكلن الحسن منذ فقدنها ... ومن ذا رأى قبلي عيونا ثواكلا )
( جعلت ضنى جسمي لديها ذرائعا ... وسائل دمعي عندهن وسائلا )
( وركب سروا حتى حسبت بأنهم ... لسرعتهم عدوا إليك المراحلا )
( إذا نزلوا أرضا رأوني نازلا ... وإن رحلوا عنها رأوني راحلا )
( وإن أخذوا في جانب ملت آخذا ... وإن عدلوا عن جانب ملت عادلا )
( وإن وردوا ماء وردت وإن طووا ... طويت وإن قالوا تحولت قائلا )
( وإن نصبوا للحر حر وجوههم ... تمثلت حرباء على الجذل مائلا )
( وإ عرفوا أعلام أرض عرفتها ... وإن أنكروا أنكرت منها المجاهلا )
( وإن عزموا سيرا شددت رحالهم ... وإن عزموا حلا حللت الرحائلا )
( وإن وردوا ماء حملت سقاءهم ... أو انتجعوا غيثا حدوت الزواملا )
( أو استنفدت خوص الركائب منهلا ... أعدت لهم من فيض دمعي مناهلا )
( يظنون أني سائل فضل زادهم ... ولولا الهوى ما ظنني الركب سائلا )
( وأقسمت بالبيت الجديد بناؤه ... يحيى ومن يحفي إليه المراقلا )
( هي الدار أبناء الندى من حجيجها ... نوازل في ساحاتها وقوافلا )

( يزرنك بالآمال مثنى وموحدا ... ويصدرن بالأموال دثرا وجاملا )
( قواعد إسمعيل يرفع سمكها ... لنا كيف لا نعتدهن معاقلا )
( فكم أنفس تأوي إليها مغذة ... وأفئدة تهوي إليها حوافلا )
( وسامية الأعلام تلحظ دونها ... سنا النجم في آفاقها متضائلا )
( نسخت بها إيوان كسرى بن هرمز ... فأصبح في أرض المدائن عاطلا )
( فلو أبصرت دار العماد عمادها ... لأمست أعاليها حياء أسافلا )
( ولو لحظت جنات تدمر حسنها ... درت كيف تبنى بعدهن المجادلا )
( يناطح قرن الشمس من شرفاتها ... صفوف ظباء فوقهن مواثلا )
( وعول بأطراف الجبال تقابلت ... ومدت قرونا للنطاح موائلا )
( كأشكال طير الماء مدت جناحها ... وأشخصن أعناقا لها وحواصلا )
( وردت شعاع الشمس فارتد راجعا ... وسدت هبوب الريح فارتد ناكلا )
( إذا ما ابن عباد مشى فوق أرضها ... مشى الزهو في أكنافها متمايلا )
( كنائس ناطت بالنجوم كواهلا ... وعادت فألقت بالنجوم كلاكلا )
( وفيحاء لو مرت صبا الريح بينها ... لضلت فظلت تستنير الدلائلا )
( متى ترها خلت السماء سرادقا ... عليها وأعلام النجوم تماثلا ) - الطويل -
ومنها في وصف الماء الجاري وهو أحسن ما سمعت فيه على كثرته
( هواء كأيام الهوى فرط رقة ... وقد فقد العشاق فيها العواذلا )
( وماء على الرضراض يجري كأنه ... صفائح تبر قد سبكن جداولا )
( كأن بها من شدة الجري جنة ... فقد ألبستهن الرياح سلاسلا )

( ولو أصبحت دارا لك الأرض كلها ... لضاقت بمن ينتاب دارك آملا )
( ولو كنت تبنيها على قدر همة ... سمعت بك واستسرت إليك إليك المراسلا )
( عقدت على الدنيا جدارا فحزتها ... جميعا ولم تترك لغيرك طائلا )
( وأغنى الورى عن منزل من بنت له ... معاليه فوق الشعريين منازلا )
( ولا غرو أن يستحدث الليث بالسرى ... عرينا وأن يستطرف البحر ساحلا )
( ولم يعتمد دارا سوى حومة الوغى ... ولا خدما إلا القنا والقنابلا )
( ولا حاجبا إلا حساما مهندا ... ولا عاملا إلا سنانا وعاملا )
( ووالله ما أرضى لك الدهر خادما ... ولا البدر منتابا ولا البحر نائلا )
( ولا الفلك الدوار دارا ولا الورى ... عبيدا ولا زهر النجوم قبائلا )
( أخذت بضبع الأرض حتى رفعتها ... إلى غاية أمسى بها النجم جاهلا )
( فإن الذي يبنيه مثلك خالد ... وسائر ما يبنى الأنام إلى بلى ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي الحسن الجرجاني
( ليهن ويسعد من به سعد الفضل ... بدار هي الدنيا وسائرها فضل )
( تولى له تقديرها رحب صدره ... على قدره والشكل يعجبه الشكل )
( بنية مجد تشهد الأرض أنها ... ستطوى وما حاذى السماء لها مثل )
( تكلف أحداق العيون تخاوصا ... إليه كأن الناس كلهم قبل )
( منار لأبصار الرواة وربها ... منار لآمال العفاة إذا ضلوا )
( سحاب علا فوق السحاب مصاعدا ... وأحرى بأن يعلو وأنت له وبل )
( وقد أسبل الخيري كمي مفاخر ... بصحن به للملك يجتمع الشمل )

( كما طلع النسر المنير مصفقا ... جناحيه لولا أن مطلعه عقل )
( بنيت على هام العداة بنية ... تمكن منها في قلوبهم الغل )
( ولو كنت ترضى هامهم شرفا لها ... أتوك بها جهد المقل ولم يألوا )
( ولكن أراها لو هممت برفعها ... أبى الله أن تغلو عليك فلم تعلو )
( تحج لها الآمال من كل وجهة ... وينحر في حافاتها البخل والمحل )
( وما ضرها ألا تقابل دجلة ... وفي حافتيها يلتقي الفيض والهطل )
( تجلى لأطراف العراق سعودها ... فعاد إليها الملك والأمن والعدل )
( كذا السعد قد ألقى عليها شعاعه ... فليس لنحس في مطارحها فعل )
( وقالوا تعدى خلقه في بنائها ... وكان وما غير النوال به شغل )
( فقلت إذا لم يلهه ذاك عن ندى ... فماذا على العلياء إن كان لا يخلو )
( إذا النصل لم يذمم نجارا وشيمة ... تأنق في غمد يصان به النصل )
( تمل على رغم الحواسد والعدى ... علاك وعش للجود ما قبح البخل ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي القاسم الزعفراني
( سرك الله بالبناء الجديد ... تلك حال الشكور لا المستزيد )
( هذه الدار جنة الخلد في الدنيا ... فصلها وأختها بالخلود )
( أمة زينت لسيدها المالك ... لا زينة الفتاة الرود )
( حليها حسنها فقد غنيت عن ... كل مستطرف بلبس التليد )
( إرم المسلمين لا ذكر شداد ... بن عاد فيها ولا اسم شديد )
( ما تشككت أن رضوان قد خان ... وإلا لم مثلها في الصعيد )
( كل مستخدم فداء وزير ... خدمته الرجال بعد الأسود )

( ألزم الإنس كل جاف شديد ... عمل الجن كل جاف مريد )
( فابتنوا ما لو أن هامان يدنو ... منه لم يرض صرحه للصعود )
( قد تولى الإقبال خدمته فيه ... على رسمه كبعض الجنود )
( ودرى أنه يزيد معينا ... مثله فاستعان بالتسميد )
( قال للجص كن رصاصا وللآجر ... لما علاه كن من حديد )
( فتناهى البنيان وارتفع الإيوان حتى أناف بالتشديد ... )
( وتبدت من فوقه شرفات ... كنساء أشرفن في يوم عيد )
( قسما لا مدحت بعد ابن عباد ... منيل الشباب والتخليد )
( لا لقيت الزمان إلا بوجه ... ماؤه لا يجوز في جلمود )
( ويد ما حسرت ردني عنها ... فهي سيف يصان عن تجريد )
( أجمع الناس أنه أفضل الناس ... اضطرارا أغنى عن التقليد )
( فلهذا أعد قربي منه ... نعمة ليس فوقها من مزيد )
( لا ذكرت العراق ما عشت إلا ... أن أراه يؤمه في الجنود ) - الخفيف -
ومن قصيدة أبي القاسم بن أبي العلاء
( دار تمكنت المناهج فيها ... نطقت سعود العالمين بفيها ) - الكامل -
ومن قصيدة أبي القاسم بن أبي العلاء - من الكامل -
( دار تمكنت امناهج فيها ... نطقت سفود العلمين بفيها ) ومن قصيدة أبي محمد بن المنجم
( هجرت ولم أنو الصدود ولا الهجرا ... ولا أضمرت نفسي الصروف والغدرا )
( وكيف وفي الأحشاء نار صبابة ... تشبب لي في كل جارحة جمرا )
( تقول لي الأفكار لما دعوتها ... لتنظم في معمور بنيانه شعرا )
( بنى مسكنا باني المفاخر أم فخرا ... وجنتنا الأولى بدت أم هي الأخرى )

( أم الدار قد أجرى الوزير سعودها ... فلم تجر دار في الثرى ذلك المجرى )
( وتبدو صحون كالظنون فسيحة ... تقدرها حلما فتنعتها حزرا )
( وفي القبة العلياء زهر كواكب ... من الضرب المضروب والذهب المجرى )
( إذا ما سما الطرف المحلق نحوها ... رآها سماء صحف أنجمها تقرا ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي عيسى بن المنجم
( هي الجار قد عم الأقاليم نورها ... ولو قدرت بغداد كانت تزورها )
( ولو خبرت دار الخلافة بادرت ... إليها وفيها تاجها وسريرها )
( ولو قد تبقت سر من را بحالها ... لسار إليها دورها وقصورها )
( لتسعد فيها يوم حان حضورها ... وتشهد دنيا لا يخاف غرورها )
( فما حلمت عين الزمان بمثلها ... وحاشا لها من أن يحس نظيرها )
( يقول الأولى قد فوجئوا بدخولها ... وحيرهم تحبيرها وحبيرها )
( أفي كل قطر غادة وحليها ... وفي كل بيت روضة وغديرها )
( وأبوابها أثوابها من نفوسها ... فلا ظلم إلا حين ترخي ستورها )
( معظمة إلا إذا قيس سمكها ... بهمة بانيها فتلك نظيرها )
( هي الهمة الطولى أجالت بفكرها ... مباني تكسوها العلا ويعيرها )
( فجاء بدار دار بالسعد نجمها ... وجنبت المحذور ليس يطورها )
( وقال لها الله الوفي ضمانه ... سأحميك ما ضم الليالي كرورها )
( أهنيك بالعمران والعمر دائم ... لبانيك ما أفنى الدهور مرورها )
( وقد أسجل الإقبال عهدة ملكها ... وخطب بأقلام السعود سطورها )

( ودارت لها الأفلاك كيف أدرتها ... ودانت إلى أن قيل أنت مديرها )
( وهاك ابنة الفكر التي قد خطبتها ... وقدم من قبل الزفاف مهورها )
( فإن كان للدار التي قد بنيتها ... نظير ففي عرض القريض نظيرها )
( وإلا جررت الذيل في ساحة العلا ... وقلت القوافي قد أعيد جريرها ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن المعلى أبوه يكتب لأبي دلف سهلان بن مسافر وقد ورد الباب منذ أشهر وهو ممن يفهم ويدري وله بديهة ومعرفة حسنة
( بي من هواها وإن أظهرت لي جلدا ... وجد يذيب وشوق يصدع الكبدا )
( رمت بأسهم هجر لا تقوم لها ... خيل العزاء وإن ألبستها زردا )
( من مبلغ عني الماهات مألكة ... تحيي الصديق وتردي كل من حسدا )
( أني ترحلت عن قومي بها قنصا ... فإن رجعت إليهم أبصروا أسدا )
( قل للوزير أبن عباد بنيت علا ... أم منزلا أم كلا هذين أم بلدا )
( فمن رأى دار مولانا وزينتها ... رأى بها كوكبا في أفقه فردا ) - البسيط -
رأى الربيع رأى الروض المريع رأى الطود المنيع رأى ثهلان قد ركد
ومن قصيدة أبي العلاء الأسدي
( أسعد بدارك إنها الخلد ... والعيش فيها ناعم رغد )
( دار ولكن أرضها شرف ... ربع ولكن سقفه مجد )
( قد أثمرته همة صعد ... هي قبل والدنيا لها بعد )
( هي للعفاة وللندى قبل ... صلى إليها الشكر والحمد )

( إيوان كسرى في مدائنه ... منذ ابتنيت دموعه سرد )
( ولمارد هم يعانقه ... وكذاك يشجي الأبلق الفرد )
( والجعفرية لأقوام لها ... وصفا البديع وولول القرد )
( أحييت عبادا وأسرته ... فضلا ولم يشقق لهم لحد )
( والحي من حييت مناقبه ... بابن يؤرخ باسمه المجد )
( هذي العقيلة من بني أسد ... تجلى وتحذر صولها الأسد )
( بكر فلم يعرض لها بشر ... قبلي ولم يقدح لها زند )
( زفت إليك وحليها أدب ... وزكت لديك ومهرها نقد ) - الكامل -
ومن قصيدة أبي الحسن الغويري
( دار غدت للفضل داره ... أفلاك أسعده مداره )
( منها المحامد مستقاة ... والمحاسن مستعاره )
( شرفاتها هيف الخصور ... لها تحاسين وشاره )
( فلكل طرف نحوها ... ولكل جارحة إشاره )
( وعلى جميع الدرو في ... الدنيا تقلدت الإماره )
( فترابها مسك سحيق ... شق برد الليل فاره )
( لا تهتدي لنعوت أدناها ... الفحول بنو عماره ) - مجزوء الكامل -
ومن قصيدة لبعض الشبان من أهل البلد
( هي دنيا بنيتها أم دار ... فجميع الأفلاك فيها تدار ) - الخفيف -
ولبعض الشعراء من الغرباء من قصيدة أولها
( رأينا طلعة الدار ... شموسا مع أقمار )

( ولي مسألة بعد ... فعاجلني بأخبار )
( بنيت الدار في دنياك ... أم دنياك في الدار ) - الهزج -
أخذ هذا المعنى من حيث أخذه أبو الحسن بن أبي الحسن البريدي
( لما بنى الناس في دنياك دورهم ... ) - البسيط -
وهما أخذاه من قول أبي العيناء حين قال له المتوكل كيف ترى دارنا هذه فقال يا أمير المؤمنين عهدي بالناس يبنون الدور في هذه الدنيا وأنت بنيت الدنيا في دارك هذه
ولبعضهم قصيدة أولها
( إن الوزير قد بنى دارا ... والسعد في أكنافها دارا ) - السريع -
ومن قصيدة أخرى
( هنئت جنتك التي تبنيها ... وبقيت غضا ناضرا تبليها ) - الكامل -
ومن قصيدة هزلية لإبن عطية الشاعر
( الملك ملك والأمير أمير ... والدار دار والوزير وزير )
ومنها وقد جد
( تزهى الملوك بدورها ولأنت من ... تزهى به الدنيا فكيف الدور )
( لا يعدم الأمراء منك سياسة ... لولا سعادتها وهي التدبير ) - الكامل -
وكان في جملة الطارئين شيخ أنطاكي في زي الكتاب حسن البيان ظريف

اللهجة قد أنافت سنوه على الثمانين وخنقت التسعني فقال قصيدة أولها
( ما أنصف الدار واقف فيها ... يثني على غيرها ويطريها )
( فقف بها ناشرا محاسنا ... وانح به ما حوت نواحيها )
( ووفها النعت غير مختصر ... فليس نزر الثناء يكفيها )
( يكاد يجري السفين سافلها ... يكاد يعلو النجوم عاليها )
( لم يبق في الناس من إذا ذكرت ... بوحدة الكون لم يقل إيها )
( فعج بها الصحب واقض واجبها ... وقف بها وقفة المهنيها )
( إن أغد ذا نعمة فواهبها ... أنت فذاك الورى ومنشيها )
( وما تراه علي من حلل ... فأنت كاس بها ومعطيها )
( وكل ما ضم منزلي ويدي ... من نعمة لي فأنت موليها )
( لا نسي الله حسن فعلك بل ... أسأله في الحياة ينسيها ) - المنسرح -
قال مؤلف الكتاب وأنشدني أبو بكر الخوارزمي لنفسه قصيدة في دار الصاحب عرض بها قصيدة الرستمي في الوزن والقافية إذ هي أجود القصائد فمنها
( أكل بناء أنت بانيه معجز ... بنيت المعالي أم بنيت المنازلا )
( فلا الإنس تبني مثلهن معالما ... ولا الجن تبني مثلهن معاقلا )
( كنائس أضحت للغمام عمائما ... علوا وأمست في الظلام قنادلا )
( رحاب كأن قد شاكلت صدر ربها ... وبيض كأن قد نازعته الشمائلا )
( وبهو تباهي الأرض منه سماءها ... بأوسع منها آخرا وأوائلا )
( وصحن يسير الطرف فيه ولم يكن ... ليقطعه بالسير إلا مراحلا )
( تلوح نقوش الجص في جدرانه ... كما زين الوشم الدقيق الأناملا )
( وماء إذا أبصرت منه صفاءه ... حسبت نجوم الليل ذابت سوائلا )

( رأيت سيوفا قد سللن على الثرى ... وصارت لها أيدي الرياح صياقلا )
( وروض كعيش السائليك نضارة ... ووجهك بشرا حين تلحظ آملا )
( أصائله للنور أضحت هواجرا ... هواجره للطيب أضحت أصائلا )
( هي الدار أمست مطرح العلم فاغتدى ... لها ناهل الآمال ريان ناهلا )
( إذا ما انتحاها اركب لم يتطلبوا ... إليها دليلا غير من كان قافلا )
( وأنت امرؤ أعطيت ما لو سألته ... إلهك قال الناس أسرفت سائلا )
( وإني وإلزاميك بالشعر بعدما ... تعلمته منك الندى والفواضلا )
( كملزم رب الدار أجرة داره ... ومثلك أعطى من طريقين نائلا ) - الطويل -
وأنشدني أيضا لنفسه فيها
( بنيت الدار عالية ... كمثل بنائك الشرفا )
( فلا زالت رءوس عداك ... في حيطانها شرفا ) - مجزوء الوافر -
ذكر البرذونيات
لما نفق برذون أبي عيسى بن المنجم بأصبهان وكان أصدا قد حمله الصاحب عليه وطالت عليه وطالت صحبته له أوعز الصاحب إلى الندماء المقيمين في جملته أن يغزو أبا عيسى ويرثوا أصداه فقال كل منهم قصيدة فريدة فمن قصيدة أبي القاسم الزعفراني
( كن مدى الدهر في حمى النعماء ... مستهينا بحادث الأرزاء )
( ينثني الخطب حين يلقاك عن طود ... شديد الثبات للنكباء )

( بك يا أحمد بن موسى التسلي ... والتعزي عن سائر الأشياء )
( ومعزيك لا يزيدك خبرا ... بالذي قد عرفته بالعزاء )
( قد سخا طرفك المفارق ... بالنفس وطرفي من بعده بالماء )
( يا له جمرة ونجما وشؤبوبا ... وبرقا وطائرا في الرواء )
( راكب الليل خائض السيل عين الخيل عانته أعين الأعداء ... )
( فقد الوحش منه أول قطاع ... إليها المدى أمام الضراء )
( واستراحت من نقعه مقلة الشمس ... ومن لطمه خدود الفضاء )
( ما بدا والصباح قد لاح إلا ... جاءنا من قتامه بالمساء )
( وترى الطود حين يمثل مجموعا ... على ضمر القنا في الهواء )
( كم ركبت البراق منه أبا عيسى ... وإن لم تكن من الأنبياء )
( فرس لو علاه ذو الزهد عمرو بن ... عبيد لتاه في الخيلاء )
( عدة الفارس الذي خانه الصبر ... فرامى بصدره في اللقاء )
( قد تمليته وإن كنت ما شاهدت ... في ظهره وغى الهيجاء )
( فترى ما يراه غيرك في الحرب ... وتقلى طريقة الندماء )
( كل بؤسي أتتك من قبل الله فسلم فيها لجاري القضاء ... )
( سوف تعتاض من خصيك فحلا ... لم يشنه بيطاره بالخصاء )
( من لهى سيد سخي سري ... يشتري بالغلاء كل العلاء )
( أي رزء وأي وزر على من ... يتقوى بأنهض الوزراء )
( أيها الصاحب الجليل أتم الله نعماك عندنا بالنماء ... )

( كم كرعنا من بحر عرفك في كفك ... أصفى ماء بأوفى إناء )
( سنة سنها فتى لا يريد ... الوصل بين البيضاء والصفراء )
( جمع الله شمل معتصم منك ... بحبلي مودة وولاء ) - الخفيف -
ومن قصيدة أبي الحسن بن عبد العزيز الجرجاني
( جل والله ما دهاك وعزا ... فعزاء إن الكريم معزى )
( والحصيف الكريم من إن أصابت ... نكبة بعد ما يعز يعزى )
( هي ما قد علمت أحداث دهر ... لم تدع عدة تصان وكنزا )
( قصدت دولة الخلافة جهرا ... فأبادت عمادها والمعزا )
( وقديما أفنت جديسا وطمسا ... حفزتهم إلى المقابر حفزا )
( أصغ والحظ ديارهم هل ترى من ... أحد منهم وتسمع ركزا )
( ذهب الطرف فاحتسب وتصبر ... للرزايا فالحر من يتعزى )
( فعلى مثله استطير فؤاد الحازم ... الندب حسرة واستفزا )
( لم يكن يسمع القياد على الهون ... ولا كان نافرا مشمئزا )
( رب يوم رأيته بين جرد ... تتقفاه وهو يجمز جمزا )
( وكأن الأبصار تعلق منه ... بحسام يهز في الشمس هزا )
( وتراه يلاعب العين حتى ... تحسب العين أنه يتهزا )
( وسواء عليه هجر أو أسرى ... أو انحط أو تسنم نشزا )
( وكأن المضمار يبرز منه ... متن حسي ينز بالماء نزا )

( استراحت منه الوحوش وقد كان ... يراها فلا ترى منه حرزا )
( كم غزال أنحى عليه وعير ... نال منه وكم تصيد فزا )
( وصروف الزمان تقصد فيما ... يستفيد الفتى الأعز الأعزا )
( فإذا ما وجدت من جزع النكبة ... في القلب والجوانح وخزا )
( فتذكر سوابقا كان ذا الطرف ... إليهن حين يمدح يعزى )
( أين شق وداحس وصبيب ... غمزتها حوادث الدهر غمزا )
( غلن ذا اللمة الجواد ولزت ... طربا واللزاز والسلب لزا )
( ولقد بزت الوجيه ومكتوما ... بني أعصر وأعوج بزا )
( وتصدت للاحق فرمته ... وغراب وزهدم فاستفزا )
( فاحمد الله إن أهون ما ترزأ ... ما كنت أنت فيه المعزى )
( قد رثينا ولم نقصر وبالغنا وفي البعض ما كفاه وأجزى ... )
( ومن العدل أن نثاب أبا عيسى ... على قدر ما فعلنا ونجزى ) - الخفيف -
ومن قصدية أبي القاسم بن أبي العلاء
( عزاء وإن كان المصاب جليلا ... وصبرا وإن لم يغن عنك فتيلا )
( وخفض أبا عيسى عليك ولا تفض ... دموعا وإن كان البكاء جميلا )
( وراجع حجاك الثبت لا يغلب الأسى ... أساك وإن حملت منه ثقيلا )
( ولا تستفزنك الهموم وبرحها ... فحملك قبل اليوم كان أصيلا )
( أقب يروق العين حسنا ومنظرا ... ويرجعها يوم الحضار كليلا )

( إذا ما بدا أبدى لعطفك هزة ... ونفسك إعجابا به وقبولا )
( كلمع الشهاب خفة وتوقدا ... وجذع الحضار هاديا ودليلا )
( إذا قلت قف أبصرته الماء جامدا ... وإن قلت سر ماء أصاب مسيلا )
( خلت قصبات السبق منه وأيقنت ... رياح الصبا أن لا يجدن رسيلان )
( بكته جلال الخز وانتحبت له ... مخالي حرير رحن منه عطولا )
( أقام عليه آل أعوج مأتما ... وأعلى له آل الوجيه عويلا )
( ففي كل إصطبل أنين وزفرة ... تردد فيه بكرة وأصيلا )
( ولو وفت الجرد الجياد حقوقه ... لما رجعت حتى الممات صهيلا )
( وقد أنصفته الخيل ما ذقن بعده ... شعيرا ولا تبنا ومتن غليلا )
( فقدت أبا عيسى بطرفك مركبا ... جليلاوخلا ما علمت نبيلا )
( عتادك في الجلى وكهفك في الوغى ... وعونك يوما إن أردت رحيلا )
( تفرقتما لا عن تقال وكنتما ... لفرط التصافي مالكا وعقيلا )
( وهبت لعقبان الفلاة لحومه ... وكنت بها لولا القضاء بخيلا )
( ووزعتها بين النسور غنيمة ... صفايا ومرباعا لها وفضولا )
( وأعززته دهرا فلما سطا به الردى ... لم تجد بدا فصرت مذيلا ... )
( على أنها الأيام شتى صروفها ... تذل عزيزا أو تعز ذليلا ) - الطويل

ومن قصيدة أبي الحسن السلامي
( فدى لك بعد رزئك من ينام ... ومن يصبو إذا سجع الحمام )
( ونفسي بالفداء عنيت لا من ... ينام عن الحقوق ولا يلام )
( ألا نفق الجواد فلا عجاج ... تقوم به الحروب ولا ضرام )
( وكان إذا طغت حرب عوان ... جرى ورسليه الموت الزؤام )
( إذا رميت به الغابات صلت ... صفوف الخيل وهو لها إمام )
( تمهر في الوقائع وهو مهر ... ولا سرج عليه ولا لجام )
( فلما لم يدع في الأرض قرنا ... تخونه فعاجله الحمام )
( وعود عافيات الطير طعما )
( وشرب دم إذا حرم المدام )
( فلما لم يطق نهضا أتته ... فقال لها أنا ذاك الطعام )
( وجاد بنفسه إذا لم يجد ما ... يجود به كذا الخيل الكرام )
( وكنت البدر عارضه كسوف ... بنحس حين تم له التمام )
( فلا تبعد وإن أبعدت عنا ... فهذا العيش ليس له انتظام )
( إذا لم تكشف الأصدا همومي ... فليت الخيل أصداه وهام )
( طوى الحدثان طرفك يا ابن يحيى ... فطرفي ما يعاوده المنام )
( ولم أحضره يوم قضى فيشكو ... تحمحمه الذي صنع السقام )
( ولا خبرت ليلة جر جسم ... زكت عندي له نعم جسام )
( ألم أقسم عليك لتخبرني ... أمحمول على النعش الهمام )

( مضوا يتناقلون به خفافا ... عليه من الضباع له قيام )
( فبزوه وما عروه درعا ... نبت عنه الصوارم والسهام )
( أيقتله الحمام أشد قرن )
( وأكرمه وتسلبه اللئام )
( أبا عيسى تعز فدتك نفسي ... فإن الموت قرن لا يضام )
( أقم في ظل إسماعيل تضمن ... لك الدرك السلامة والدوام )
( إذا بقي الوزير لنا وفينا ... فقل للدهر يهلك والأنام )
( وعظت بها أخا ورثيت مالا ... وأديت الأمانة والسلام ) - الوافر -
ومن قصيدة أبي محمد الخازن
( لو سامح الدهر أعصما صدعا ... أو كاسرا فوق مربأ وقعا )
( أو صاحبا ساقه نواهضه ... أو سبعا في عرينه شبعا )
( ابقى لنا ذلك الجواد ولم ... يغدو لصفو الهبات منتزعا )
( لست أقيل الزمان عثرته ... فليس يدري الزمان ما صنعا )
( آه على ذلك الجواد فقد ... جرع قلبي من كأسه جرعا )
( آه عليه من أصدأ جزع ... طاوع دهرا أودى به جزعا )
( آه عليه وقد سرى لمعا ... فراح غيضا كبارق لمعا )
( لم يكب في جريه إذا كنت ... الخيل ولا قال راكبوه لعا )
( صفا أديما وحافرا وقحا ... والعين والساعدين والسفعا )
( عريض زور وبلدة وصلا ... رحيب صدر ومنخر ومعا )

( إذا هوى فالعقاب منخفضا ... وإن رقى فالسحاب مرتفعا )
( كأنه بالسماك منتعل ... فليس يشكو في وقعه وقعا )
( أوجعك الله يا زمان فقد ... رحت حزينا بفقده وجعا )
( قد لان للموت أخدعاه ومن ... خادعه الدهر عاد منخدعا )
( كم قلت للنفس وهي مزعجة ... أيتها النفس أجملي جزعا )
( قد شرع القائلون بابا إلى ... الصبر عليه فأصبحوا شرعا )
( لا تصحب الهم في الجواد أبا ... عيسى ودعه ولا تكن جزعا )
( فنائل الصاحب الجليل أبي القاسم إسماعيل الحيا همعا )
( وانظر إليه كأنه قمر ... أزهر من ثني دسته طلعا )
( ولا تضق بالذي فقدت يدا ... إن لنا في نداه متسعا )
( فاسمع قريضا من موجع جزع ... ويرحم الله صاحبا سمعا ) - المنسرح -
ومن قصيدة أبي سعيد الرستمي
( لو أعتب الدهر من يعاتبه ... ولان للعاذلين جانبه )
( أو كان يصغي إلى شكاة شج ... صبت على قلبه مصائبه )
( أحسنت عنك المناب في حرق ... تشعلها في الحشى نوائبه )
( ولم أزل عن شكاته أبدا ... ولم أزل دائبا أعاتبه )
( لهفي على ذلك الجواد وهل ... يفك رهن المنون نادبه )
( لو كان غير الممات حالوه ... لفللت دونه مخالبه )
( أو كان غير المنون يخطبه ... رمل أنف أبداه خاطبه )

( أو حارب الدهر مشفقث حدب ... لقمت في وجهه أحاربه )
( من لجوى حل بي عساكره ... وحط بين الحشى مضاربه )
( فلست أرجو انقلاعه أبدا ... أو يجلب الصبر لي جوالبه )
( يرتد بين الضلوع لي نفس ... من ذكره ضاق بي مساربه )
( لهفي على ذلك الجواد مضى ... في سفر لا يؤوب غائبه )
( لو عرف الخيل من نعيت لها ... ضاقت بها في السرى مذاهبه )
( أو علم القفر من نعيت له ... لانسد للسالكين لاحبه )
( تباشر الوحش في الفلاة له ... فقد صفت بعده مشاربه )
( فنام ملء الجفون شارده ... وسام ملء البطون ساربه )
( تبكي لتقريبه الرياح معا ... فهن في جريها أقاربه )
( عهدي به والجنوب تجنبه ... إذا جرى والصبا تجانبه )
( والهوج في حضره تحاذره ... والنكب في سيره تناكبه ) (
يا حسنه والعيون ترمقه ... وأنت يوم الرهان راكبه )
( ترخى عليه العنان في عنق ... حتى إذا ما التوى تجاذبه )
( إن سار في السهل هاج ساكنه ... أو سار في الحزن صاح صاحبه )
( يوسعه إن رآه حاسده ... مدحا ويثني عليه جاذبه ) - المنسرح -
أخذه من قول أبي تمام
( عوذه الحاسد بخلا به ... )
رجع

( أصدأ يحكي الظلام غرته ... البدر وتحجيله كواكبه )
( أعاره الروض وشي زهرته ... فعاد في لونه يناسبه )
( وطالب لا يفوز هاربه ... وهارب لا ينال طالبه )
( كم موكب سار في جوانبه ... فاهتز زهوا به كتائبه )
( وعسكر زانه تحمحمه ... فارتج من صوته مواكبه )
( ومجهل راح وهو جائبه ... لولاه لم تطوه نجائبه )
( صبرا جميلا وإن سلبت أبا ... عيسى جليلا فالموت سالبه )
( والموت وإن جار في الحكومة أو ... أنصف فالمرء لا يغالبه )
( في الصاحب المرتجى لنا خلف ... من كل ماض خفت ركائبه )
( إن نفق الطرف أو أصبت به ... ما نفقت عندنا مواهبه )
( لم يود طرف وإن فقدت به ... علقا نفيسا ما عاش واهبه )
( دام لنا في النعيم ما طلعت ... شمس وجلى الظلام ثاقبه ) - المنسرح -
ومن قصيدة أبي العباس الضبي
( دعا ناظري لذيذ اغتماضه ... وقلبي يستسعر أليم ارتماضه )
( فقد جاد سباق الجياد بنفسه ... فلا ظهر منها لم يمل لإنهياضه )
( أبيد فما للبيد طرف وطرفه ... صحيح ولم يقرحه حرا ارفضاضه )
( نفوس عتاق الخيل فيضي لفقده ... وأعينها فيضي لوشك انقراضه )
( وأظهرها حطي السروج تفجعا ... له وردي ماء الردى من حياضه )

( لقد كان وفق الجو عند ارتقاعه ... نشاطا وملء الأرض عند انخفاضه )
( لو أن خدود الورد أرض لأرضه ... لما مسها منه أذى بارتكاضه )
( يريك نحول السهم عند اقتباله ... ويبدي مثول الطود عند اعتراضه )
( وقور إذا خليته وطباعه ... وإن هزهز الأرضين فرط انتفاضه )
( ويخفى اصطفاق الرعد رجع صهيله ... ويخفت صوت الليث بين عياضه )
( تعز أبا عيسى وليك ثابت ... وجل التسلي لم يرع بانتقاضه )
( ومن عرف الدنيا استهان بخطبها ... ولا سيما من طال عهد ارتياضه )
( ولو قبل الدهر الخؤون ذخائري ... لقدمتها عنه رضى باعتياضه )
( ولكنه يبقى الذي لا نوده ... ويردي الذي نهوى بصرف غضاضه )
( وهذا الذي بي لو غدا زاد مرضع ... لشيب فوديه اشتعال بياضه )
( سقا الأصدأ الكدري ما نقع الصدا ... غمام حداه الرعد عند ائتماضه )
( وفي بعض حملان الوزير معوضة ... وسلوان قلب مسلم لإنقضاضه )
( فسر كيفما آثرت فوق جياده ... ومس كيفما أحببت بين رياضه ) - الطويل -
ومن أرجوزة أبي دلف الخزرجي
( دهر على أبنائه وثاب ... تعجمهم أنيابه الصلاب )
( فما لهم من كيده حجاب ... يا لك دهرا كله عقاب )
( أصبح لا يردعه العتاب ... إن المنايا ولها أسباب )

( تصيدنا والصيد مستطاب ... واها لناء ما له إياب )
( لكل قلب بعده اكتئاب ... مسوم تعنو له الأسراب )
( أصدأ بادي الحسن لا يعاب ... قد كملت في طبعه الآداب )
( وهذبت أخلاقه العذاب ... أقب مما ولد الأعراب )
( ذو نسب تحسده الأنساب ... وميعة ينزو بها الشباب )
( كأنما غرته شهاب ... كأنما لباته محراب )
( كأنما حجوله سراب ... كأنما حافره مجواب )
( للصخر عند وقعه التهاب ... إذا تدانى فهو الحباب )
( إن القرارات له أنصباب ... وإن علا فالصقر والعقاب )
( للريح في مذهبه ذهاب ... فالوحش ما يلقاه والهراب )
( دماؤها لنحره خضاب ... يا غائبا طال به الإياب )
( لا خبر منك ولا كتاب ... ما كنت إلا روضة تنتاب )
( مستأنسا تألفك الرحاب ... تعشقك العيون والألباب )
( ترتج كالموج له عباب ... تناوبتك للردى أنياب )
( تجزع من أمثالها الأحباب ... وكنت لو طالت بك الأوصاب )
( يخف في مصرعك المصاب ... ما طاب عن أضرابك الإضراب )
( ولا صحا من حبك الأصحاب ... وأنت فرد ما له أتراب )
( يا حزنا إذ ضمك الخراب ... وأغلقت من دونك الأبواب )
( كصارم أسلمه القراب ... وقد جرى من فمك اللعاب )
( وامتار منه النحل والذباب ... واعتورتك الفئة الغضاب )

( وفيك أطراف المدى تنساب ... حتى نضى عن جسمك الإهاب )
( هل هو إلا هكذا العذاب ... وقد غدا الإصطبل والجناب )
( يبكيك والسائس والبواب ... والسرج واللجمام والركاب )
( قل لأبي عيسى وما الإسهاب ... بنافع تم لك الثواب )
( والرأي في دفع الردى صواب ... فاسكن فهذا الصاحب الوهاب )
( شيمته السخاء والإيجاب ... في جوده وفضله مناب )
( آلاؤه ليس بها ارتياب ... يضل في إحصائها الحساب )
( لا زال والدعاء يستجاب ... يبقى لنا ما بقي التراب ) - الكامل -
ومن قصيدة أبي محمد محمود
( بكاء على الطرف الذي يسبق الطرفا ... على ذلك الإلف الذي فارق الإلفا )
( وقف مدد الأحزان وقفا مؤبدا ... عليه وخل الدمع يجري له وكفا )
( على أصدأ زان الحلي إذا اغتدت ... عليه وزان البيض والبيض والزغفا )
( على أصدأ جاراه ألف مشهر ... عتيق فوافانا وقد سبق الألفا )
( على فرس جارى الرياح على حفا ... فغادرها حسرى وخلفها ضعفى )
( جواب الذي ينعى إليه أيا لهفا ... على ذلك الأصدا وقل له لهفي )
( أقام بمثواه الجياد مناحة ... كما عقدت وحش الفلاة به قصفا )
( وآل الغراب والوجيه ولاحق ... أدامت عويلا لا أطيق له وصفا )
( فكم أقرحت خدا وكم ألهبت حشا ... وكم أوجعت قلبا وكم أدمعت طرفا )

( ولو عرفت حسناء داود حقه ... لما ضفرت شعرا ولا خضبت كفا )
( فكم قد حماها يوم حرب وغارة ... وكم نزعت من خوفها القلب والشنفا )
( يطير على وجه الصعيد إذا جرى ... فما إن يمس الأرض من أرضه حرفا )
( ويعطيك عفوا من أفانين ركضه ... إذا سمته التقريب أو سمته القطفا )
( له ذنب ضاف يجر على الثرى ... طويل كأذيال العرائس بل أضفى )
( له غرة مثل السراج ضياؤها ... وأي سراج بالنوائب لا يطفا )
( سقى الغيث رهوا مشبها ذلك الكتفا ... وطودا منيفا حاكيا ذلك الردفا )
( يواجه وجه الوحش إن سار خلفها ... فيجعلها من حيث لم يحتسب خطفا )
( ويرجع مخضوب النبان كأنه ... عروس وقد زفت إلى خدرها زفا )
( وإن خاف من عين النواظر أهله ... عليه فمدوا دون مربطه سجفا )
( إذا ما غزا الغازي عليه قبيلة ... فلا حافرا أبقى عليه ولا خفا )
( يراه كميت وهو لهفان واله ... لميتته يطوي الظلام وما أغفى )
( ولو أنه قد كان حقق موته ... لجز عليه للأسى الشعر الوحفا )
( وما أنا ممن يظهر الشجو آمنا ... وإن عظيمات المصائب لا تخفى )
( ولولا وفاء فيه كنت أقوده ... إليك بلا من ولكنه استعفى )
( كراهية من أن يقوم مقامه ... حفاظا وبعض الخيل يستعمل الظرفا )
( وأعفيته أن الوزير معوض ... ومن ذا الذي يرجو نداه ولا يكفى )
( فعول أبا عيسى عليه فإنه ... سيكفيك خطب الدهر وهو به أكفى )

( ولو لم يرد تعويضه لك عاجلا ... لقال له رفقا وقال له وقفا )
( فإن صروف الدهر تحت يمينه ... فإن شاءها بعثا وإن شاءها صرفا )
( هو البحر يغني الناس من كل جانب ... فغرقا من البحر الذي زرته غرقا )
( هو الغيث يعطي كل غاد ورائح ... عطاء جزيلا لا بكيئا ولا نشفا )
( كيرم إذا ما جاءه ابن حظية ... ألان له عطفا وأبدى له عطفا )
( أقام منار للندى والهدى معا ... فعاد لنا كهفا وصار لنا لطفا )
( تعز أبا عيسى وإن أعوز الأسى ... وعاود هديت اللهو والطيب والعرفا )
( وهاك كأمثال الرياض سوابقا ... تسير قوافي الشعر من خلفها خلفا ) - الطويل -
ومن قصيدة أبي عيسى
( لقد عظمت عندي المصيبة في الأصدا ... وأبدت لي اللذات من بعده صدا )
( وأهدي إلى قلبي المصاب بفقده ... من الحزن ما لو نال يذبل لا نهدا )
( وأصبحت مشغول المدامع بالبكا ... ولي مهجة تستشعر الحزن والوجدا )
( ولو كان يغنيني الفداء فديته ... بنفسي وأهلي فهو أهل لأن يفدى )
( ولكنه لبى المنون مبادرا ... ويا ليته لما دعاه الردى ردا )
( مضى الطرف واستولى على الطرف دمعه ... وألهب في الأحشاء من حرق وقدا )
( مضى الفرس السباق في حلبة الوغى ... فعادت عيون الخيل من بعده رمدا )
( يبيد الرياح كلها في حضاره ... فتتركه كرها وقد بدلت جهدا )
( مواقفه عند الطراد شهيرة ... تجاوز في أعجازها الوصف والحدا )
( نسيم الصبا يحيكه في هزل سيره ... وترهبه ريح الشمال إذا جدا )

( فقد صار نهبي بين وحش وطائر ... غدا سيدا فيها وراح لها عبدا )
( تسل أبا عيسى ولا تقرب الأسى ... وكن حازما شهما وكن بازلا جلدا )
( فقد كمد الأخوان من فرط حزنهم ... وقد شمت الحساد مذ فقد الأصدا )
( وأصبح أبناء الشجاعة حسرا ... فمن قارع سنا ومن لاطم خدا )
( وقد هاج لي حزنا عليه تحسري ... فهيمني وجدا وذكرني نجدا )
( جواد عزيز أن يجود بمثله ... جواد ومن يعدى عليه إذا استعدى )
( سوى الصاحب المأمول للجود والندى ... ومن كفه من صيب حضل أندى )
( أتاح لنا الإحسان من كل جانب ... فحصل منا الشكر والنشر والحمدا )
( له همة فوق السماء مقيمة ... تعلم من يرجوه أن يطلب الرفدا ) - الطويل -
ومن قصيدة لبعض أهل نيسابور قالها على لسان أحد الندماء
( كل نعيم إلى نفاد ... كل قريب إلى بعاد )
( كل هبوب إلى ركود ... كل نفاق إلى كساد )
( وكل ملك إلى زوال ... وكل كون إلى فساد )
( وصادق من يقول فاسمع ... والسمع باب إلى الفؤاد )
( قد بلغ الزرع منتهاه ... لا بد للزرع من حصاد )
( لهفي على أصدأ جواد ... من هبة الصالح الجواد )
( منقطع المثل في البلاد ... وغرة الطرف والتلاد )
( لهفي على أصدأ مسيح ... قد كان ماء وأنت صادي )
( وكان نارا وكل نار ... فمنتهاها إلى الرماد )

( كان من العين والفؤاد ... في العين من مركز السواد )
( لو شرب الصافنات راحا ... لكان ريحانة الجياد )
( عهدي به شاهقا منيفا ... يمر مرا إلى صعاد )
( أسرع من لحظة وأحلى ... في العين من طارق الرقاد )
( أجرأ من ضيغم وأجرى ... من سيل ليل بقعر وادي )
( سليل ريح أخو شهاب ... طود جمال هلال نادي )
( عدة سار عتاد غاد ... قعدة قار عماد بادي )
( أسير مما يقال فيه ... والشعر جوابة البلاد )
( كأنما خلقه سداد ... قد صب في قالب السداد )
( كأنه ساحر عليم ... من راكب الطرف بالمراد )
( عين أصابته لا رأت من ... تهوي لقاه إلى التنادي )
( نفذت يا دهر شر سهم ... أتى على خير مستفاد )
( لو كان يغنى الدفاع عنه ... جعلت ترسا له فؤادي )
( فاصبر لحكم الإله وانقد ... للحق يا فاقد الجواد )
( هون عليك الملم يا أبا ... عيسى وكن ثابت العماد )
( أنت من الصاحب المرجى ... ما عشت في نائل معاد ) - مخلع البسيط -
ذكر الفيليات
لما حصل الصاحب في رقعة جرجان على الفيل الذي كان في عسكر

خراسان أمر من بحضرته من الشعراء أن يصفوه في تشبيب قصيدة على وزن قافية قول عمرو بن معدي كرب
( أعددت للحدثان سابغة ... وعداء علندي ) - مجزوء الكامل -
فمن قصيدة أبي القاسم عبد الصمد بن بابك
( قسما لقد نشر الحيا ... بمناكب العلمين بردا )
( وتنفست يمنية ... تستضحك الزهر المندى )
( وجريحة اللبات تنشر ... من سقيط الدمع عقدا )
( نازعتها حلب الشئون ... وقلما استعبرت وجدا )
( ومساجل لي قد ... شققت لدائه في في لحدا )
( لا ترم بي فأنا الذي ... صيرت حر الشعر عبدا )
( بشوارد شمس القياد ... يزدن عند القرب بعدا )
( وممسك البردين في ... شبه النقا شية وقدا )
( فكأنما نسجت عليه ... يد الغمام الجون جلدا )
( وإذا لوتك صفاتك ... أعطاك مس الروع فقدا )
( فكأن معصم غادة ... في ماضغيه إذا تصدى )
( وكأن عودا عاطلا ... في صفحتيه إذا تبدى )
( يحدو قوائم أربعا ... يتركن بالتلعات وهدا )
( جاب المطرف قد تفرد ... بالفراهة واستبدا )

( وإذا تخلل هضبة ... فكأن ظل الليل مدا )
( وإذا هوى فكأن ... ركنا من عماية قد تردى )
( وإذا استقل رأيت في ... أعطافه هزلا وجدا )
( متقرط أذنا تعي ... زجر العسوف إذا تعدى )
( خرقاء لا يجد السرار ... إذا تولجها مردا )
( أوطأته مرعى نسيبي ... واجتنبت وصال سعدي )
( ملك رأى الإحسان من ... عدد العواقب فاستعدا )
( كافي الكفاة إذا انثنت ... مقل القنا الخطي رمدا )
( تكسوه نشر العرف كف ... من جفون الطل أندى )
( لا زلت يا أمل العفاة ... لفارط الآمال وردا )
( والق الليالي لابسا ... عيشا برود الظل رغدا ) - مجزوء الكامل -
ومن قصيدة أبي الحسن الجوهري
( قل للوزير وقد تبدى ... يستعرض الكرم المعدا )
( أفنيت أسباب العلا ... حتى أبت أن تستجدا )
( لو مس راحتك السحاب ... لأمطرت كرما ومجدا )
( لم ترض بالخيل التي ... شدت إلى العلياء شدا )
( وصرائم الرأي التي ... كانت على الأعداء جندا )
( حتى دعوت إلى العدى ... من لا يلام إذا تعدى )
( متقصيا تيه العلوج ... وفطنة أعيت معدا )
( فيلا كرضوى حين يلبس ... من رقاق الغيم بردا )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12