كتاب : قرى الضيف
المؤلف : عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس

( ما يساوي من أخلائك ... إنسان بدرهم )
78 - أبو الخطاب محمد بن علي الجبلي
هو حي يرزق وشعره عذب متناسب ومدح الشيخ أبا بكر القهستاني أيده الله فأطنب واللهى تفتح اللها وأعطاه ديوان شعره بخطه فشاركني في فوائده كعادته في غيره فاخترت منها قوله في قصيدة
( رويدك قد أصبحت جارا لأحمد ... وحسب امرئ إن يستجير بجاره )
( لأفضل من يغشى على بعد داره ... وأكرم من يعشى إلى ضوء ناره )
ومنها
( ليهنك عيد بالسعادات طالع ... طلوع حبيب مسعف بمزاره )
ومن أخرى
( توالت سعودي حين واليت مجده ... وفرغت قلبي إذ ملأت به كفي )
( صفا خلقه للمكرمات من القذى ... فأضحت له العليا موذنة تصفي )
( يدل على علياه حسن ثنائه ... كذلك فضل الطيب يعرف بالعرف )
ومن أخرى
( معلل لي بوعد غير منجزه ... ومطمع في وصال غير باذله )
( ومستحل بسيف اللحظ سفك دمي ... أحبب بذلك من سيف وحامله )
ومن ربعية
( ورياض مختالة من ثراها ... في برود من زهرها وعقود )

( وكأن الغصون فيها عوان ... تتبارى زهوا بحسن القدود )
( وكأن الأطيار فيها قيان ... تتغنى في كل عود بعود )
( وكأن المياه في خلل الروض ... سيوف تسل تحت بنود )
( وكأن النوار تغمز بالأعين ... منه على ابنة العنقود )
وله من قصيدة يهنيء بعض الرؤساء بالسلامة من نهب الغاغة داره
( تدل على تفضلك الرعايا ... كادلال العبيد على الموالي )
( ولولا شبهة دخلت عليهم ... لما عرضوا لديك لنهب مال )
( إذا سوغت مالك كل عاف ... توهم سايغا في كل حال )
( فلا يطمع ترفقك الأعادي ... فإن الليث يلبد للصيال )
( ولا تستقصرن فرب حلم ... عن الأعداء أبلغ من نكال )
( وما ترضى مساعيك انتصافا ... من السفهاء إلا باحتمال )
( إذا وقع القصاص على التساوي ... فما فضل العلاء على السفال )
ومن أخرى في التهنية بالمصاهره
( موهبة لم تزل لسؤددها ... تسمو الأماني وتطمح الهمم )
( وعقد مهر جمال مفخرة ... أولى به أن يهنأ الكرم )
( فيا لها وصلة إليك بها ... ظلت وفود السعود تزدحم )
( إلى علاها الفخار منتسب ... وعن سناها الزمان مبتسم )
( مجد حوى كفوه وما اقترن السعدان ... إلا تلاقت النعم )
( لما أمرت عقود لحمتها ... ظلت عرى الحادثات تنفصم )

( إن كان وقفا عليك مفخرها ... فسعدها في الأنام مقتسم )
79 - أبو يعلى محمد بن الحسن البصري
من شيوخ الصوفية وظراف الشعراء وفضلاء الغرباء وخلفاء الخضر والأقذاء في عين الأرض قد نقب في البلاد ولقي أفاضلها واستكثر من فوائدهم وحفظ الغرر من ظرائفهم ولطائفهم وطرأ على نيسابور في سنة إحدى وعشرين وأربع مائة فأفادنا مما لم نجد عند غيره وعرف الأمير أبو الفضل أيده الله تعالى حق فضله فأكرم مثواه وأحسن قراه كعادته عند أمثاله واستكثر عند كتابه وأصحابه من تعليق فوائده والاقتباس من نوره وحين أراده الأمير على الإقامة بحضرته وأزمع ارتباطه في جملته لم يصبر عما ألفه من الاضطراب في الاغتراب وتعوده من عيش الحجرة وخبز السفرة وتزود من بره وكتبه وانقلب مسرورا إلى أهله فمن ملح ما أنشدنيه لنفسه قوله من قصيدة في المدح هي غرة شعره
( طربوا إلى نغم القيان فبذهم ... طرب إلى نغم الوغى مرتاح )
( تمحو دجى الإعدام راحة كفه ... كرما كما يمحو الهموم الراح )
( يا ناصر الملك الذي آراؤه ... في كل خطب مظلم مصباح )
( قبلت ثغرا من مديحك نشره ... كالمسك فاح وطعمه التفاح )
ومن أخرى
( يا أبا القاسم الذي قسم الرحمن ... من راحتيه رزق الأنام )
( أنا في الشعر مثل مولاي في الجود ... حليفا مكارم ونظام )
( وإذا ما وصلتني فأمير الجود ... أعطى المنى أمير الكلام )

وقوله من أخرى
( إذا المجد وافاني فليس بضائري ... نفور العذارى من بياض عذاري )
( عفوت عن الليل الطويل بذي الغضا ... لمر ليال بالشآم قصار )
وقوله في دواة آبنوس
( ومغموسة في مثل لون لعابها ... يضم حشاها ساكتا متكلما )
( على مثل قيد الشبر لكن بأسه ... إذا طال طال السمهري المقوما )
( قرنت به هما بعيدا وهمة ... شرودا وفضلا كاملا متقدما )
وقوله في عجوز أكول
( لي عجوز كأنها البدر ... في ليلة المطر )
( ناطق عن جميع أعضائها ... شاهد الكبر )
( غير أضراسها ففيها ... لذي اللب معتبر )
( أعظم غير أنها ... أعظم تطحن الحجر )
80 - أبو الحسن علي بن غسان البصري
حدثني أبو الحسين محمد بن الحسين الفسوي النحوي قال ورد ابن غسان البصري الشاعر الطبيب على أبي مضر عامل الأهواز في جملة الشعراء الذين امتدحوه ومرض أبو مضر في أثناء ذلك فعالجه ابن غسان حتى برأ من مرضه فكتب للشعراء ولابن غسان خطوطا بصلات تأخر ترويجها فقال فيه وملح وظرف
( هب الشعراء تعطيهم رقاعا ... مزورة كلاما عن كلام )

( فلم صلة الطبيب تكون زورا ... وقد أهدى الشفاء من السقام )
قال وكتب إلى طلحة بن عبد الأعلى يحاجيه
( زعموا طلحة أضحى فطنا ... فسلوه الآن إن كان فطن )
( أي شيء هو مهزول إذا ... أشبعوه فإذا جاع سمن )
فكتب إليه يا سيدي أبا الحسن هو ما خرجنا منه

تتمة القسم الثالث في محاسن أهل الري وهمدان وأصبهان وسائر بلاد الجبل وما يجاورها من جرجان وطبرستان
81 - الأمير أبو العباس خسره فيروز بن ركن الدولة
قد سبق ذكره في كتاب اليتيمة وتكررها هنا للعذر الذي أشرت إليه وكان أوحد أبناء الملوك فضلا وأدبا فأدركته حرفة الأدب وأصابته عين الكمال ولما خافه أخوه فخر الدولة على الملك بعده أمر باغتياله نظرا لولده ولم يعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وأن الملك لا يلبث أن ينتقل بعده إلى من قدره الله له وقد كتبت لمعا من شعر أبي العباس يلوح عليها رواء الملك كقوله من قصيدة
( إني أنا الأسد الهزبر لدى الوغى ... خيسي القنا ومخالبي أسيافي )
( والدهر عبدي والسماحة خادمي ... والأرض داري والورى أضيافي )
وله في الشيب وذكر جارية له تسمى الثريا
( ولما أن تنفس صبح شيبي ... طوى عني رداء الحسن طيا )
( تولت منيتي عني فرارا ... ترى وصلي لدى الفتيات غيا )

( فقلت هجرت يا سولي فقالت ... وهل تبقى مع الصبح الثريا )
وقوله أيضا في الشيب
( ولما رأت لمع المشيب بعارضي ... وقد جردت من جانبيه قواضبه )
( بكت ثم قالت للعذارى تجلدا ... وما خير ليل لا تلوح كواكبه )
وقوله فيه ويروى لغيره
( وقالوا أفق عن رقدة اللهو والصبا ... فقد لاح صبح في دجاك عجيب )
( فقلت أخلائي دعوني ولذتي ... فإن الكرى عند الصباح يطيب )
وقد سرقه من ابن طباطبا حيث يقول
( وقالوا لي استيقظ فصبحك لايح ... فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر )
ولأبي العباس
( أنا ابن ركن الدولة المجتبى ... لا تهمس الأقدار من خوفه )
( عدوه أهلك من ماله ... وعزمه أنفذ من سيفه )
وله
( لئن ملك الدنيا على الجور قبلنا ... ملوك فما للعالمين لنا مثل )
( وإن سقاة الشرب لا عن كرامة ... إذا دارت الصهباء تشرب من قبل )
وله أيضا
( سأصبر حتى يجمع الله بيننا ... ولم أر حوتا فارق الماء يصبر )

وله من قصيدة
( تراهم تحت جنح النقع أسدا ... تهمهم في معاركها غضابا )
( تقول له العداة إذا تراءت ... ألا يا ليتنا كنا ترابا )
وحدثني أبو غانم معروف بن محمد القصري قال اشتط بعض المنجمين على أبي العباس في مشاهرته وقد أراد ارتباطه واستخلاصه لنفسه فلما أشرف ولج واحتج وأصر على أنه لا يقنع في الشهر بأقل من مائة دينار نكت أبو العباس بأن قال إذا كان الظن يخطئ ويصيب والنجم يخطئ ويصيب فاستعمال الظن أولى فهو أخف مؤنة من المنجم قال ولما بلغه أن فخر الدولة يتهمه بإضمار السؤلة قال ليته يعلم أن شجر الآس يرضى من الفاس رأسا براس
82 - القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد بن جعفر الأسكي
قد تضمن كتاب اليتيمة نبذا يسيرا من شعره وهذا مكان ما وقع إلي من بعد كقوله وهو غاية في الظرف وأنشدنيه أبو الفتح محمد بن أحمد الدباوندي أيده الله تعالى قال أنشدني القاضي أبو بكر الأسكي لنفسه
( دمع تكمن في الجفون فرعته ... حذر الوشاة فلاذ بالأشفار )
( فكأن أسياف الغواة تكده ... وكأنه عثمان يوم الدار )
فتعجبت من مواردتي إياه بقولي منذ عشرين سنة
( إني بليت بسيد كالدهر إذ ... ينحى بسطوته على الأحرار )
( فرط الفظاظة والصلابة دأبه ... وأنا لديه بذلة وصغار )

( فكأنه عمر بن خطاب إذا ... وكأنني عثمان يوم الدار )
ولم أشك في أنه لم يسمع بقولي كما لم أسمع بقوله وحسبت قولي امثل وأرجح لجمعي بين عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما وما أشبه الحال في هذه المواردة إلا بمواردتي أبا الفرج بن هند وبقولي في صباي من نتفة
( إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها خجل )
( إذا زنت عيني بها ... فبالدموع تغتسل )
ثم وقعت إلي قصيدة له وفيها
( يقولون لي ما بال عينك مذ رأت ... محاسن هذا الظبي أدمعها هطل )
( فقلت زنت عيني بطلعة وجهه ... فكان لها من صوب أدمعها غسل )
وكنت قلت في صباي أبياتا منها
( كم حيلة للوصل أعملتها ... وكم خداع قد تمحلته )
( اسر حسوا في ارتغاء إذا ... ناجيت من أهوى فقبلته )
فأنشدني الأستاذ أبو العلا ابن حسول أيده الله بعد مدة طويلة لنفسه في هذا المعنى بعينه
( جذبت كفي الغدائر منه ... فشممنا منها نسيم العرار )
( الثم الصدغ والسوالف منه ... احتجاجا بأننا في سرار )
فتعجبت من اشتراك الخواطر والتوارد في البدايع عاد شعر القاضي أبو بكر الأسكي أنشدني أبو الفتح الدباوندي له في زوال الدولة وانقراض أهلها

( تخيل شدة الأيام لينا ... وكن بصروف دهرك مستهينا )
( ألم تر دورهم تبكي عليهم ... وكانت مألفا للعز حينا )
( وقفنا معجبين بها إلى أن ... وقفنا عندها متعجبينا )
وله في فتى مليح صلى إلى جنبه
( صلى بجنبي قمر طالع ... وقد توجهت إلى القبله )
( فقال شيطان التصابي انحرف ... فإن هذي قبلة القبله )
وله في الغزل أيضا
( لما لحاني العذال قلت لهم ... والدمع ينطم والصبر مبثوث )
( مروا دعوني كذا على أسفي ... بيني وبين الهوى أحاديث )
وله في الصاحب
( كل بر ونوال وصله ... واصل منك إلى المعتزله )
( يا بن عباد ستلقى ندما ... لفراق الجيرة المرتحله )
83 - أبو علي مسكويه الخازن
في الذروة العليا من الفضل والأدب والبلاغة والشعر وكان في ريعان شبابه متصلا بأن العميد مختصا به وفيه يقول هذين البيتين ووقعا في اليتيمة بلا ثالث
( لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها )
( لو زيدت الشمس في أبراجها مائة ... ما زاد ذلك شيئا في فضائلها )
ثم تنقلت به أحوال جليلة في خدمة بني بويه والاختصاص ببهاء الدولة وعظم شأنه

وارتفع مقداره وترفع عن خدمة الصاحب ولم ير نفسه دونه ولم يخل من نوائب الدهر حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء
( من عذيري من حادثات الزمان ... وجفاء الإخوان والخلان )
( شاب رأسي وقل مالي وصدت ... عني البيض والتحى غلماني )
وله من قصيدة في عميد الملك تفنن فيها وهناه بإتقان الأضحى والمهرجان في يوم وشكا سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر
( قل للعميد عميد الملك والأدب ... اسعد بعيديك عيد العجم والعرب )
( هذا يشير بشرب ابن الغمام ضحى ... وذا يشير عشيا بابنة العنب )
ومنها
( خلايق خيرت في كل صالحة ... فلو دعاها لغير الخير لم تجب )
( هي التي غمستني في مودته ... بالجسم والروح أفديهن لا بأبي )
( أعدن شرخ شباب لست أذكره ... بعدا وردت علي العمر من كثب )
( فطاب لي هرمي والموت يلحظني ... لحظ المريب ولولاهن لم يطب )
( فإن تمرس بي خصم تعصب لي ... وإن أساء إلي الدهر أحسن بي )
ومنها
( أدركت بالقلم الخطي من قصب ... ما ليس يدرك بالخطى والقضب )
( ونلت بالجد والجد اللذين هما ... أمنيتا كل نفس كل مطلب )
( فلو أدرت رحى الدنيا مفوضة ... إليك أقطارها دارت بلا قطب )
ومنها
( وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري ... وكل غربي واستأنست بالنوب )

ومنها
( إذا تملأت من غيظي على زمني ... وجدتني نافخا في جذوة اللهب )
ومنها
( ما الدهر إلا كيوم واحد غده ... كأمس يومك والماضي كمرتقب )
( فإن تمنيت عيش الدهر أجمعه ... وإن تعاين ما ولى من الحقب )
( فانظر إلى سير القوم الذين مضوا ... والحظ كتائبهم من باطن الكتب )
( تجد تفاوتهم في الفضل مختلفا ... وإن تقاربت الأحوال في النسب )
( هذا كتاج على رأس تعظمه ... وذاك كالشعر الجافي على الذنب )
( والناس في العين أشباه وبينهم ... ما بين عامر بيت الله والخرب )
( في العود ما يقرن المسك الذكي به ... طيبا وفيه لقى ملقى مع الحطب )
( لا تطلبوا المال من حول ومن جبل ... فربما جاء مطلوب بلا طلب )
( يأتي الفتى رزقه المقسوم عن سبب ... باد يراه وقد يأتي بلا سبب )
( واستخصموا الفلك الدوار يلقكم ... بحجتي رغب إن شاء أو رهب )
( أراه يسكن عني وهو يركض بي ... ركض الفوارس بالتقريب والخبب )
( كالنار تأكل ما تحيى به لهما ... وليس تفرق بين النبع والغرب )
( أصبحت أجرد والأحداث تجردني ... دأب الجراد إذا استولى على العشب )
( وصرت دينا على الدنيا لآخرتي ... رسل المنايا تقاضاها وتمطل بي )
( قاسيت أحوال هذا الدهر مرتكبا ... أهوالها وصريعا غير مرتكب )
( ومن تعود عض السيف هامته ... هانت على إليتيه عضة القبب )

وهي طويلة وكأنه جمع إحسانه فيها وكتب إلى أبي العلا بن حسول قصيدة منها
( ولقد نفضت بهذه الدنيا ... يدي وحسمت داءي )
( ماذا يغرني الزمان ... وقد قضيت به قضاءي )
( أو بعد ما استوفيت عمري ... وأطلعت على فناءي )
( اصطاد بالدنيا وينصب ... لي بها شرك الرجاء )
( هيهات قد أفضيت من ... صبح الحياة إلى المساء )
( وبلغت من سفري إلى ... أقصاه مذموم العناء )
وله من قصيدة في أبي العباس الضبي كأنها قول ابن الرومي
( ما كان أغنى أبا العباس عن شره ... إلى لحوم سباع كن في الأجم )
( يسترجع القوت على أمضاه سواه لنا ... لوما ويبذله للشاء والنعم )
( صبرت حولا على مكروه نقمته ... فليصبر الآن لي حولا على النقم )
( سيعلم الوغد إن لم تؤت فطنته ... من كثرة الهم أو من قلة الفهم )
( إني لألقاه مما استعد له ... بكل عجراء لكن ليس من سلم )
( إذا خبطت بها عرض امرء لججت ... في سمعه يده شوقا إلى الصمم )
ومنها
( إذا اضطجعت أتاني الشعر يقدح لي ... من ناره وأتاني الليل بالفحم )
( وصائغ الشعر لا يرضى سبيكته ... حتى يفرغها في قالب الحكم )
( يصب في مسمعيه ما أذيب له ... كالقطر أفرغه الباني على الردم )
( إذا تورم غيظا ضاق مضرطه ... حتى يوسعه الأطراق للندم )
( إني وإن كنت لا أرضى الخنى لفمي ... ولا أحط لقول فاحش هممي )

( ليستريح إلي القول أحوجه ... حر السكوت إلى الترويح بالنسم )
( إن القوافي كفتني نظم أنفسها ... فهن ينظمن لي من كل منتظم )
( تدنو شواردها حتى يغص لها ... ذهني فانفضها منه على قلمي )
( خذها إليك أبا العباس جامعة ... شنعاء توقد نار الهجر في علم )
( لقيتني بوقار العلم محتشما ... وهجتني فالق جهلي غير محتشم )
ومنها في هجاء الصاحب بعد موته بزمان
( لا كان اير ابن عباد وغلمته ... ما كان أسرعه في كل مغتلم )
( دمى جبين أبي العباس فهو يرى ... تقيير كل جبين واضح بدم )
( أحفاه بالقلم الحافي وعلمه ... خلاف ما علم الرحمن بالقلم )
( قد كان أهوج رث العقل مقتحما ... على الدنيات وقافا لدى التهم )
( ومن يدر مثل عيني طيشه لمما ... لم يرض من فخذ الأحداث باللمم )
( لأهدين لأفواه الرواة له ... لحما تمضغه الأفواه عن بشم )
وختم القصيدة بقوله للضبي
( مازلت مذ كنت سلاحا على كمر النازي ... عليك وبوالا على القدم )
84 - الأستاذ أبو سعد منصور بن الحسين الآبي
هو الذي يقول فيه الصاحب
( قل لأبي سعد فتى الآبي ... أنت لأنواع الخنى آب )
( الناس من كانون أخلاقهم ... وخلقك المعسول من آب )

وتقلد الوزارة بالري وكان يلقب بالوزير الكبير ذي المعالي زين الكفاة وهو الآن في ولاية فضله وسروره وهناك من شرف النفس وكرم الطبع وعلو الهمة وعظم الحشمة ما الأخبار به سائرة والدلائل عليه ظاهرة ثم هو من أجمع أهل زمانه لمحاسن الآداب وأغوصهم على خبايا العلوم وله من المصنفات كتاب التاريخ الذي لم يسبق إلى تصنيف مثله وكتاب نثر الدر وله بلاغة بالغة وشعر بارع كقوله على طريقة أهل الحجاز
( على التلعات البيض من أبرق اللوا ... تلألؤ برق مثل ما ابتسمت سعدا )
( واتلع إن ناش الأراكة لم يدع ... لها فننا سبطا ولا ورقا جعدا )
( إذا وردت ماء العذيب ركائبي ... فقد أعشبت مرعى وقد أعذبت وردا )
( يرف عليها الأقحوان غدية ... وقد عله طل كدمعي أو أندى )
( هنا لك قوم كلما زرت حيهم ... لقيت أبا سعد به الطائر السعدا )
( عقائله يفرشن بالورد طرقه ... لتوطئه أن جئته الفرس الوردا )
وكتب إلى أبي سعد الزنجاني وقد اصطحبا في استقبال وكانت مع غلام أبي سعد سفرة فردها بعكمها إلى المنزل وتركهم جياعا ويقال إن هذه الأبيات فيما تشتمل عليه سفرة الزنجاني أحسن وأطرف من أبيات كشاجم فيما تضمنته جونته
( بئس المصاحب في السفر ... من ليس يسمح بالسفر )
( يا سفرة رجعت على ... أعقابها تمشي الخمر )
( الوى بها ريب الزمان ... ومن يطيق يدا القدر )
( كم كان فيك من النواهض ... والدجاج وما حضر )
( من لحم جدي إن نظرت ... إليه أمتعت البصر )
( فإذا كشطت الجلد عنه ... كشفت عن بيض الحبر )

( ما بين أرغفه السميذ ... كمثل دارات القمر )
( وقدير سكباج من الملحاء ... أو زور البقر )
( قد زعفروه وقطعوا ... فيه مع البصل الجزر )
( كسبائك العقيان قد ... قرنت إلى اكر النقر )
( يا حبذا تلك القطاع ... وحبذا تلك القدر )
( ومطاول اللفات فيها ... مسبطرا ذا عجر )
( مثل الايور بلا فياش ... والزباب بلا كمر )
قد داعبه بهذا البيت لأنه كان ينسب إلى الابنة
( والبيض مسلوقا على ... شكل اليتيمة في الدرر )
( فمشدخ فيه كنسرين ... يغاديه المطر )
( ومنصف كالنرجس الريان ... في وقت السحر )
( ومدحرج من قشر جوز ... الهند تحكيه الأكر )
( فيه من الملح المطيب ... والأبازير الأخر )
( والجبن والزيتون ... والليمون وشيراز أغر )
( ضحك العيال لعودها ... ومشيت أبكي في الأثر )
وله في غلام هندي
( يا عائبي بالهند إن ... فناهم أضحى بليه )
( أحرقت نفسي في هواه ... لأن ذاك لهم سجيه )
( كالصعدة السمراء غادر ... صعدتي مثل الحنيه )

( صنوا الألوة واللآلى ... والقنا والمشرفيه )
( زين المجالس والمواكب ... والندامى والسريه )
( في الحرب ليث خادر ... والسلم مخدرة حييه )
( ملء المفاضة بكرة ... ملء الحشية بالعشيه )
( ما إن أخاف عليه نماما ... سوى وضح الثنيه )
وكتب إلى الأستاذ أبي العلا هذه القصيدة الكتابية من فيروز كوه يصف البرد الشديد ويذكر أصدقاه بالري ويجد مرة ويهزل أخرى ويفصح عن كل ظرف مليح ومزح لطيف وتدل على اقتدار وتوسع وتجري القصيدة مجرى الكتاب
( يا كاتبي ألق الدواة ... وقط حافية الآباء )
( ارهف يراعتك التي ... تزري مضاء بالقضاء )
( واجمع خواطرك التي اكتسبت ... ذكاء من ذكاء )
( وانقع عليك دواتك ... الحرى بنقس أو بماء )
( وتناول الدرج الملطف ... وانتخبه ذا صفاء )
( واكتب لسيدنا صفي ... الحضرتين أبي العلاء )
( من عبده الآبي معطيه ... القياد بلا إباء )
( أنعم صباحا أيها الأستاذ ... وأنعم بالمساء )
( وتمل عزا دائما ... مرخى له طول الرخاء )
( وأبلغ نهايات المنى ... وتعد أرجاء الرجاء )
( إني كتبت وقد لوت ... عضد السرور يد الثناء )

( وأسالت العبرات من ... عيني دمائي بل ذمائي )
( والبين يخطر بيننا ... وتجر أهداب الرداء )
( متبخرا أي أنني ... أقضي وأظلم في القضاء )
( فكتبت من فيروزكوه ... مقر عزي وارتقائي )
( من مورد الملك الأشم ... ومصدر النعم الرواء )
( لثلاث عشرة جزن من ... شعبان يوم الأربعاء )
( عن نعمة وسعادة ... ومزيد عز واعتلاء )
( وسلامة لو لم يكدرها ... تراخي الالتقاء )
( والحمد لله الذي ... أولى الجزيل من العطاء )
( وعلى النبي وآله الصلوات ... نامية الزكاء )
( مالي كتبت وما أجبت ... تنكبا سنن السواء )
( أأنفت من رد الجواب ... وما أنفت من ابتدائي )
( إني انتميت إلى ولائك ... فارع لي حق الولاء )
( ظهر اعتزازي باعتزاي ... وبدا نماي بانتمائي )
ومنها في وصف البرد
( في موضع خفتت به ... الأصوات بردا في النداء )
( فالريق يجمد في اللها ... والصوت يجمد في الهواء )
( نطأ الزجاج من الزجاج ... إذا مشينا في فضاء )
( والجو يلمع في نواحيه ... ضريب كالهباء )
( وكأنما صقلت به ... بيض السيوف أو المراء )
( جمدت له الصهباء حتى ... قد أتتك بلا إناء )

( فإذا أردت خرطت فصك ... من رحيق أو طلاء )
( لو عاين العذرى مثوى ... قد رضيت به بوائي )
( أو حله الهاه عن حر ... الهوى برد الهواء )
ومنها
( فالآن قل لي كيف أنت ... وكيف إخوان الصفاء )
( من كل مشبوح الذراع ... مشيع غمر الرداء )
( سام تنوس ذؤابتاه ... على شطاط كاللواء )
( واعدد فتى زنجان فيهم ... فهو عين الأصدقاء )
( فهو السليم على انتفادي ... والصحيح على انتفائي )
( عين الصديق بلا امتراء ... والشفيق بلا مراء )
( وعصابة أخرى أحاشيهم ... من الداء العياء )
( ومعاذ ربي أن يزن ... فقيه قوم بالبغاء )
( أو أن يقال لخازن السلطان ... لص ذو ارتشاء )
( بلغ جميعهم السلام ... وقل لقاؤكم شفائي )
( لا تبلغني أن كتبت ... سلام أولاد الزناء )
( وإليك ألف تحية ... من حاجتي لا بل كيائي )
( من جنتي يوم التلاقي ... جنتي يوم اللقاء )
( شمس الندى إذا بدا ... أسد الوغا رشأ الخباء )

( جدي وهزلي منه ما ... بين الغناء إلى الغناء )
( وأراك تشمت إن عرفت ... دنوه للإلتحاء )
( رفقا فقد زاد العذار ... برغمكم ضعفي بلائي )
( والشاطر العيار بلغه ... سلامي في خفاء )
( لا يفطنن لذاك من ... تدري فيغري بالجفاء )
( قمر كأن جبينه ... فلق العمود من الضياء )
( أفديه بالعمر العزيز ... إن ارتضاني للفداء )
( أبلغه مالكتي ونيك ... بالرسول من الشقاء )
( أبلغه أنك نائب ... عني على جهة الإخاء )
( قبله عني لو يروي ... غلتي ويسك دائي )
( رد من مراشفه العذاب ... مشارب العذب الرواء )
( واحلل قراطقه برفق ... واسر أعطاف القباء )
( وإذا هممت بغيره ... لقيت لاذعة الخصاء )
( وسقيت كافورا وسائر ... ما يطفي من دواء )
( وجزيت عن ولهي ووقدة ... لوعتي شر الجزاء )
( أدعو عليك وما أراك ... تخاف عادية الدعاء )
( ولدعوة المظلوم مضطرب ... فسيح في السماء )
وله قصيدة في هجاء أهل الري قالها على لسان أبي القاسم ابن حريش كهذه التي قد مرت في الطول والجودة والتناسب وأولها
( تبا لرجرجة من الكتاب ... ما علموا الآداب في الكتاب )

( ما بين مأبون يواري سوءة ... لأخيه مقتديا بفعل غراب )
ومنها
( أنا إن شعرت أنيك أم كشاجم ... وإذا كتبت أشق سرم الصابي )
وهي أطول من أن يتسع هذا الكتاب للجمع بينها وبين التي تقدمتها وأنشد أبو الفتح الدباوندي له
( إذا الليل أسبل أذياله ... وضم أبا حسن والحسن )
( فإني بريء من المصطفى ... لئن كنت أعلم من ناك من )
85 - الأستاذ أبو العلاء محمد بن علي بن الحسين صفي الحضرتين
أصله من همدان ومنشأوه الري وأبوه أبو القاسم من يضرب به المثل في الكتابة والبلاغة وكلامه في غاية البراعة يصعب على التعاطي ويسهل على الفطنة وقد علق بحفظي فصل من رسالة له في علو السن وتناهي العمر فكتبته وهو ما الظن بمن خلق عمره وانطوى عيشه وبلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداع وأشرف على دار المقام ولم تبق منه إلا أنفاس معدودة وحركات محصورة ومدة فانية وعدة متناهية وسمعت أبا العلاء يقول سمعت أبي يقول لما حبسني الصاحب وطال لبثي في حبسه وكاد اليأس يستولي علي أتاني آت في منامي وقال لي الخير باق والإحسان واق والمرء ما قدم لاق فلم يدر الأسبوع حتى فرج الله عني ويسر خلاصي قال مؤلف الكتاب وأبو العلاء اليوم من أفراد الدهر في النظم والنثر وطال ما تقلد ديوان الرسائل وتصرف في الأعمال الجلائل وحين طلعت الراية المحمودية بالري أجل

وبجل وشرف وصرف وانهض في صحبتها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله رغبة في اصطناعه وتكثرا بمكانه ولما ألقت الدولة المسعودية شعاع سعادتها على مقر الملك ومركز العز زيد في أكرام أبي العلاء والإنعام عليه وأوجب الرأي أن يرد إلى الري على ديوان الرسائل بها فخلع عليه وسرح أحسن سراح ولقيته بنيسابور فاقتبست من نوره واغترفت من بحره وهو الآن بالري في أجل حال وأنعم بال وقد كتبت ها هنا غررا من شعره الكتابي البعيد المرام المستمر النظام فمنها قوله لأبي منصور الآبي من قصيدة
( وبي إلى الدهخذا شوق يورقني ... وإن تغير عما كنت أعهده )
( فيه سجايا من المعشوق أعرفها ... تجنى على عاشقيه ثم يجرد هو )
وفي أخرها
( خذها إليك بلا لفظ تكدره ... على الرواة ولا معنى تجعده )
( كالماء تسكبه والمسك تفتقه ... والوشي تنشره والتبر تنقده )
وأنشدني له أبو الفتح الدباوندي في الغزل
( أتاني ممسيا من غير وعد ... كذاك البدر موعده الأصيل )
( كحيل الطرف ذو خط خفي ... كأن عذاره أيضا كحيل )
وله في الاعتذار من الإخلال بالخدمة لعارض رمد من قصيدة
( قد صدني رمد ألم بناظري ... عن قصد خدمة بابه ولقائه )
( أو يستطيع الرمد أن يستقبلوا ... لمعان نور الشمس في لألائه )
وله في الهجاء
( يا بن بدر إن أغفلتك ... الليالي فللوم ودقة وهوان )

( إنما استقدرتك مسا فحتى ... جزت لؤما على صروف الليالي )
وله في أمرد علوي ولم يسبق إليه
( وأزهر من بني الزهراء يرنو ... إلي كما رنا الظبي الكحيل )
( نهاني الدين والإسلام عنه ... فليس إلى مقبله سبيل )
( إذا أرسلت ألحاظي إليه ... نهاني الله عنه والرسول )
وله في الحكمة
( قد فليت البلاد غورا ونجدا ... وقلبت الأمور ظهرا لبطن )
( فرأيت المعروف خير سلاح ... ورأيت الإحسان خير مجن )
وله في رئيس معزول قعد فوقه في مجلس الوزير
( تقعد فوقي لأي معنى ... للفضل للهمة النفيسه )
( إن غلط الدهر فيك يوما ... فليس في الشرط أن تقيسه )
( كنت لنا مسجدا ولكن ... قد صرت من بعده كنيسه )
( كم فارس أفضت الليالي ... به إلى أن غدا فريسه )
( فلا تفاخر بما تقضي ... كان الخرا مرة هريسه )
وله وقد دخل إلى رئيس فلم يقم له
( دخلت على الشيخ مستأنسا ... به وهو في دسته الأرفع )
( وقد دخل الناس مثل الجراد ... فمن ساجدين ومن ركع )
( فهش ولكن لمردانه ... وقام ولكن على أربع )
( وأرسل في كمه مخطة ... بدت لي على صورة الضفدع )

( فهو عني ما تأملته ... وزعزع روحي من أضلعي )
( وأعرض إعراض مستنكر ... تصدر مثلي ومستبدع )
( فأقبلت أضرط من خيفة ... وافسو على السيد الأروع )
( وقمت فجددت فرض الوضوء ... وكنت قعدت وطهري معي )
( ورام الخضوع الذي رامه ... أبي من أبيه فلم أخضع )
( وكيف أقبل كف امرئ ... إذا صنع الخير لم يصنع )
( فيقبضها عند بذل اللهى ... ويبسطها في الجدا الرضع )
( وأني وإن كنت ممن يهون ... عليه تكبر مستوضع )
( ليعجبني نتف شيب السبال ... وصفع قمحدوة الأصلع )
( خراها ولو أنه ابن الفرات ... وحرها ولو أنه الأصمعي )
وله من قصيدة مداعبة إلى أبي سعد الزنجاني في نهاية الفصاحة والملاحة
( يا أبا سعد الموالي المعادي ... والمصافي لخله والمصاد )
( والذي لا يكاد يفسق إلا ... بالرتوت الأجلة القواد )
( والذي قد أقام ما بين فخذيه ... عمودا يزري بذات العماد )
( فهو شر على الأعادي شمر ... وبلاء بال على الأجناد )
( والذي تعمش الندامى من الصفع ... ويسقي الأضياف من غير زاد )
( والذي يرسل الرياح على الكتاب ... حتى كأنهم قوم عاد )
( فيصيب العنافق الشيب من قوم ... كبار وسادة أمجاد )
( لا يحاشي من عارض العارض الشيخ ... ولا يستحي من الأنداد )

( بل يعم اللحى فليس يبالي ... ببياض وشمطة وسواد )
( والذي قد يرى التطفل دينا ... فهو دين الآباء والأجداد )
( لا تراه في داره قط يوما ... في النواريز لا ولا الأعياد )
( فهو وقف على الطريق متى يسمع ... وطئ الداعي وصوت المنادي )
ومنها
( أنت فرعوننا وذو وتد فرد ... وفرعون كان ذا أوتاد )
( أنت نار في مرتقى نفس الحاسد ... ماء جار لأهل الوداد )
( قد كذبنا فالضد أنت أبا سعد ... فخذ ما يقال في الأضداد )
( أنت ماء لكنه في سواد العين ... نار لكنها في الفؤاد )
( وإذا ما أردت أن يسكن الخطب ... وتنجو من حية بالواد )
( ويعود العتاب عندي عتبى ... وتعاد السيوف في الأغماد )
( فاستزرني أو زرني اليوم أو كن ... للتلاقي غدا على ميعاد )
وله من قصيدة عيدية
( تبلج الأفق الغربي وابتسما ... وأظهر الفلك السر الذي كتما )
( ولاح ذو هيف حلو شمائله ... منحف نجم اللذات إذ نجما )
( مرت ثلاثون يوما كلها حقب ... ألقى بهن الصدى والبارد الشبما )
( ألقى المعازف والقيان سدا ... والكاس مهجورة والرطل مهتضما )
وله من قصيدة تهنية بمولود
( افتر ربعك عن هلاك باد ... فأضاء مطلعه وفاح الناد )

( وافاك ترب على وخدن مكارم ... وسرور أحباب وغيظ أعادي )
( متقيلا لك مذهبا في الفضل والأفضال ... والإسعاف والإسعاد )
( قد أفصحت أخلاقه عن همة ... بعدت على قرب من الميلاد )
( فبقيت منصورا به مستسعدا ... بمكانه نارا على الحساد )
( حتى تبدل مهده بمسوم ... طرف وطوق سخبه بنجاد )
( فيشيد لاحق فضله بسوابق ... قدمت وطارف مجده بتلاد )
وله في المداعبة باقتضاء رسم
( يا من له في الجود تبريز ... وقيت بي أين الشواريز )
( صنفان ذا يعجمه بقله ... وينقط الآخر شونيز )
( والسمن لم يشرط ولكن لكي ... يكون بالثالث تعزيز )
من قوله تعالى فعززنا بثالث
( فأنت عند المحل مزن لنا ... يهمي وعند النقد إبريز )
( ومطلب المأكول مستظرف ... وهو إلى الكدنة دهليز )
وله من نتفة إلى وزيرين أخوين داعب فيها بذكر رجل يعرف بالسويسي ووصفه بالبخر
( تفديكما نفسي التي ... بكما وعندكما تسر )
( هذا السويسي الذي ... في وجهه من فيه دبر )
( يقرا السلام عليكما ... بفم به التسبيح كفر )

وله من قصيدة ذكر فيها همذان
( يا أيها الملك الذي وصل العلى ... بالجود والإنعام والإحسان )
( قد خفت في سفر أطل علي في ... كانون في رمضان من همذان )
( بلد إليه أنتمي بمناسبي ... لكنه قذر من البلدان )
( صبيانه في القبح مثل شيوخه ... وشيوخه في العقل كالصبيان )
86 - الأستاذ أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن علي بن الحريش الأصبهاني رحمه الله تعالى
بقية الشعراء المفلقين وأفراد الدهر المبرزين وأقمار الأرض الجامعين بين بلاغة النثر وبراعة النظم وهو أصبهاني المولد رازي الموطن غزنوي النعمة نيسابوري التربة ولم يزل بالري في ظل الكفاية يطير ويقع ويفيد ويخفق إلى أن طلعت الدولة المحمودية فانضاف إليها وصرف إلى خدمتها وارتبط في جملتها وتوفر حظه من نعمتها ورسم له الانتقال في صحبة الراية العالية إلى خراسان ومنها إلى الحضرة بغزنة حرسها الله ففعل ولم يزل مقيما بها عزيزا مكرما ولجلائل الأعمال مرشحا إلى أن طلعت الراية المسعودية به أدام الله رفعتها فزيد في إجلاله إلى أن كر الركاب العالي إلى نيسابور وهو مشرف بخدمته مرتبط في جملته موفر الحظ من نعمه ومواهبه فجمعتني بها وإياه مناسبة الأدب وفتقنا نوافج المذاكرة وتجاذبنا أهداب المحاضرة والمناشدة ولذ لنا العيش وطاب الوقت بالمعاشرة فأنشدني يوما لنفسه قصيدة منها هذا البيت
( وليل خداري الجناح مخدر الصباح ... حرون النجم طاولته فكرا )
فاستعدته إياه فأعاد فقلت له أو علمت أنه مرصع وفيه تجنيس وتسجيع واستعارة وطباق فاستفسرني فقلت أما التجنيس فقولك خداري الجناح ومخدر وأما التسجيع فقولك خداري الجناح مخدر الصباح وأما الاستعارة فقولك حرون

النجم وأما الطباق فجمعك بين الليل والصباح فقال والله قد نبهتني على ما غفلت عنه وقام إلي فقبل رأسي وقال لي كل حسن ووصفني بكل جميل وقبل رأسي مرة أخرى وذلك إني أنشدته مرثيتي للملك الماضي رضي الله عنه وأرضاه
( عجبا من تماسك الأفلاك ... ومساغ الزلال في الأحناك )
( وثبات الجبال بعد زوال الطود ... ذي الطول مالك الأملاك )
( فلسان الزمان شاك وطرف الدهر ... باك والرزء في الملك ناك )
وأنشدته قولي مرة في السلطان الأعظم أدام الله ملكه
( نثرت عليك سعودها الأفلاك ... وعنت لغرة وجهك الأملاك )
( زوجت بالدنيا لأنك كفؤها ... فاسعد بها وليهنك الأملاك )
( فالأرض دارك والورى لك اعبد ... والبدر نعلك والسماك شراك )
فأراد أن يفعل فعلته الأولى والثانية حتى ناشدته الله وحياة السلطان فاعفاني وجرت بيننا فوائد وقلائد يطول الكتاب بذكرها ولم تطل أيامنا حتى أصابته عين الكمال فلحق باللطيف الخبير في جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وأربع مائة
فمن عزر شعره وعقد سحره قوله وكنت سمعته قديما
( سألت زماني وهو بالجهل عالم ... وللسخف مهتز وبالنقص مختص )
( فقلت له هل من طريق إلى الغنا ... فقال طريقان الوقاحة والنقص )
وقوله
( يا أيها الرجل الذي جربته ... فرأيت شخص النقص كيف يكون )

( والله ما يختار مثلك عاقل ... لكن علامات الزوال فنون )
ومن الغرر التي أنشدنيها لنفسه قوله
( يكلفني أغضاء عيني على القذى ... زمان غبي جائر الحكم جائره )
( وأعظم ما بي أنني غير واجد ... نظيرا أباريه وقرنا أبارزه )
وقوله
( يا طالب الصدق من ذات الوشاح لعا ... من عثرة الظن أو من خيبة الطلب )
( هيهات أن تجد الحسناء ناطقة ... بالصدق ما وجدت بابا إلى الكذب )
وقوله
( المسك من عرفه والراح من فمه ... والورد من خده والرمل في أزره )
( تعجبت بابل من سحر مقلته ... والروم من وجهه والزنج من شعره )
وقوله من قصيدة
( نظرنا فمن قلب تضرم وقده ... أنينا ومن جفن تسلسل ودقه )
( أنادي غزالا مصرع الأسد دابه ... به وهلالا مصنع الوشي أفقه )
( فللشمس مرآه وللجو لطفه ... وللمسك رياه وللراح خلقه )
وقوله وقد استشعر خوفا
( يضيق صدري فيسليني اعتلاق يدي ... حبلا من الله مشتدا مرائره )
( إذا تبينت من ألطافه أثرا ... على طليعة أمري هان سائره )

وقوله في أبي العباس الضبي من قصيدة طويلة كلها غرر
( بنفسي وأهلي شعب واد تحله ... ودهر مضى لم يجد إلا أقله )
( وعطفة صدغ يهتدي فوق خده ... ويضربه روح الصبا فيضله )
( وطيب عناقي منه بدرا أضمه ... إلي وأهوى لثمه فاجله )
( وقفنا معا واللوم يصفق رعده ... ومنا سحاب الدمع يسجم وبله )
( ترق على ديباجتيه دموعه ... كما غازل الورد المضرج طله )
( وينأى رقيب عن مقام وداعنا ... وتبلغه أنفاسنا فتذله )
( يقلقلني عتب الحبيب وعذره ... ويقلقني جد الرقيب وهزله )
( وكيف أقي قلبي مواقع رميه ... ولست أرى من أين ينثال نبله )
( يولي وبالأحداق تفرش أرضه ... ويفدي وبالأفواه ترشف رجله )
( فلو طاف في دارين ما طاب مسكه ... ولو ماج في بئرين ما ماج رمله )
ومنها
( فيا من يكد النفس في طلب العلى ... إذا كبرت نفس الفتى طال شغله )
أخذه من قول أبي الطيب المتنبي
( وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام )
ومنها
( فإن ما ثلوه صورة وتخيلا ... فاغمارنا بالماء والآل شكله )

ومنها
( وليس الفتى يرجى إذا أبيض رأسه ... ولكنه يرجى إذا أبيض فعله )
ومنها
( إليك زففت الشعر يقرب فهمه ... وينأى على طبع المساجل سهله )
( يرق فلا أذن الفصيح تمجه ... كريها ولا نفس البليد تمله )
( إذا شئتم جزلي تلاطم موجه ... وإن شئتم عذبي ترقرق طله )
( وللهم سيف في فؤادي مغمد ... يكاد على رأسي وعنقي يسله )
( ويا ليتني إذ لم أنل بفضيلتي ... على كنت منقوصا يسليه جهله )
ومنها
( وغير قليل ما بلغت بعزكم ... ولكنني في جودكم استقله )
وقوله
( فيا ليتني إذ ضيعت لم أك مخلصا ... وليتك إذ ضعت لم تك ناقدا )
وقوله من قصيدة
( لكل إلى شأو العلى حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات )
( وما بي عن شأو من المجد نبوة ... ولا عند خطب يدلهم أنات )
( ولكن إذا ما الطرف ضاق مجاله ... به فخطاه كلها عثرات )
ومنها
( تصرم شهر الصوم عنك مزودا ... من الخير ما تزكو به البركات )

ومنها
( ولاح هلال الفطر نضوا كأنه ... على جرمه من صومنا وطآت )
( فقل لرواة المعبدية مرحبا ... وقل لسقاة البابلية هاتوا )
وقوله من مهرجانية
( لك اليوم من عند كسرى مقام ... على مضحك الدهر منه ابتسام )
( بسطت يديك فقلنا الفرات ... جرى وثبت فقلنا شمام )
( يقر برأيك ركن العلى ... ويحيا بفضل نداك الأنام )
( فجودك أدنى مراد يراد ... وعزك أبعد شأو يرام )
( إذا دهت الناس سود الخطوب ... تبلجت فانجاب عنها الظلام )
( ففي حب مثلك يزكو الولاء ... وفي وصف فضلك يحلو الكلام )
( فإن صلت ذلت لديك الكماة ... وإن جدت قصر عنك الكرام )
( تهنا بمورد ذا المهرجان ... سعودا حواليك منها زحام )
( وعش والسعادات تترى إليك ... إذا مر عام بها كر عام )
( فلولا بقاؤك ملئته ... لقلنا على الأكرمين السلام )
( إذا كنت تمنع من أن أسير ... ولم تكف أمري فكيف المقام )
( أرى نعما لك عندي قد من ... ولمتك إن كنت ممن يلام )
( يقلن اصطنعت فلم لم ترب الندى ... وابتدأت فأين التمام )

وقوله من أخرى
( غدت للعلى منه سيوب وللطلى ... سيوف وللحرب العوان سيول )
( كفاني من الأيام أنك سالم ... وأن لم تجبني من جنابك سول )
وقوله من سلطانية وهي آخر شعره
( لقد أقبل النيروز جذلان فاسعد ... وإن كنت مسعودا كما أنت فازدد )
( وزف كؤوس الراح خمرا تسليا ... عن الدم في حد الحسام المهند )
( فهذي الصبا غناجة دون نومة ... مرنقة في مقلة النرجس الندي )
( تقبل ثغر الأقحوان وتنتهي ... إلى لطم خد الوردة المتورد )
ومنها
( غدا الملك يرجو آل محمود الرضى ... كما يترجى الدين آل محمد )
( أناصر دين الله حافظ خلقه ... ظهير أمير المؤمنين إسع واسعد )
( خذ السيف واملك لا تدع متغلبا ... على الأرض إلا في وثاق مقيد )
( فليس صلاح الأمر إلا بواحد ... فإن ينتصب للأمر اثنان يفسد )
( واعظم غبن أن يرى الملك مغضيا ... على شر أرض من بلادك مفرد )
87 - أبو القاسم غانم بن محمد بن أبي العلاء الأصبهاني
تضمن كتاب اليتيمة قليلا من شعره وقد كررت ذكره في التتمة لما سبق من العذر فيه وكتبت غررا من شعره مقفية على أثر شعر بلدية ابن حريش وأخبرني

الشيخ أبو الفتح مسعود بن محمد بن الليث أيده الله أنه حي يرزق وأنشدني أبو بكر المرجى له
( اشرب أبا قاسم على الوادي ... وانبذ إلى الأنس حبل مقتاد )
( لا تخل من قهوة ومن رشاء ... وزامر مطرب وعواد )
( وثق بكافي الكفاة وارج ندى ... يديه من رائح ومن غاد )
( والله ما في الأنام محتشم ... سوى أبي القاسم بن عباد )
وأنشدني له في غلام بيده باشق
( واهيف كالقمر المجتلى ... يهيم به العاشق المبتلى )
( بدا وعلى يده باشق ... إذا طلبا قنصا حصلا )
( فذاك يصيد قلوب الرجال ... وهذا يصيد طيور الفلا )
وقد سرقه من أبي الفتح كشاجم حيث قال
( مر بنا في كفه باشق ... فيه وفي الباشق شيء عجيب )
( هذا يصيد الطير من حالق ... وذا بعينيه يصيد القلوب )
قال وكان يساير الصاحب يوما فرسم له وصف فرس كان تحته فقال مرتجلا
( طرف تحاول شأوه ريح الصبا ... سفها فتعجز أن تشق غباره )
( بارى بشمس قميصه شمس الضحى ... صبغا ورض حجارة بحجاره )
ومن مراثيه في الصاحب قوله
( مضى نجل عباد المرتجى ... فمات جميع بني آدم )

( أوازي بقبرك أهل الزمان ... فيرجح قبرك بالعالم )
وله من قصيدة
( هي نفس فرقتها زفراتي ... ودماء أرقتها عبراتي )
( لشباب عذب المشارع ماض ... ومشيب جدب المراتع آت )
( زمن أذرت الجفون عليه ... من شؤوني ما كان ذوب حياتي )
( تتلاقى من ذكره في ضلوعي ... ودموعي مصايف ومشاتي )
( جاد تلك العهود كل أجش الودق ... ثر الأخلاف جون السرات )
( بل ندى الصاحب الجليل أبي القاسم ... نجل الأمير كافي الكفاة )
( تتبارى كلتا يديه عطايا ... ومنايا حتما لعاف وعات )
( ضامنا سيبه لغنم مفاد ... موذنا سيفه بروح مفات )
( وارتياح يريك في كل عطف ... ألف ألف كطلحة الطلحات )
( ويد لا تزال تحت شكور ... لاثم ظهرها وفوق دواة )
أراد أن يقول مثل قول أبي الفياض الطبري فلم يشق غباره
( يد تراها أبدا ... تحت يد وتحت فم )
( ما خلقت بنانها ... إلا لسيف وقلم )
88 - أبو الفضل يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي
بحر العلم وروضة الأدب ولطيمة الشعر وظرف الظرف وقد حدثني أبو

الحسن عبد الرحمن بن أبي عبيد الشيرازي أيده الله تعالى بفضله وبراعته وإمامته إذ اقتبس في اليسير من مدة إقامته عليه بالري كثيرا من نور فوائده وأنشدني غررا ودررا نظمها من عقود قلائده كعادته في اقتناء جواهر المحاسن واصطياد شوارد اللطائف على حداثة سنه وغضاضة عوده وللدهر مواعد فيه ستنجزها مساعيه فمما أنشدني لهذا الشيخ أبي الفضل أيده الله قوله في سقوط السن عند الشيخوخة
( ثناياي أخنى عليه الزمان ... والدهر ما زال مذ كان يخنى )
( وينقص سنا وسنا يزيد ... والدهر يغرب في كل فن )
( أراني الزمان نقيضين لى ... زيادة سن ونقصان سن )
وقوله من قصيدة صاحبية
( رياض كأن الصاحب القرم جادها ... بأنوائه أو صاغها من طباعه )
( يجلي غيابات الخطوب برأيه ... كما صدع الصبح الدجى بشعاعه )
ومنها
( سحاب كيمناه وليل كباسه ... وبرق كماضيه وخرق كباعه )
وقوله في معارضة قول الشاعر
( لكل شيء عدمته خلف ... وما لفقد الحبيب من خلف )
( منعم معجب بليت به ... صب بتعذيب مهجتي كلف )
( لا يرعوي عن صدوده صلفا ... فديته من مدلل صلف )
( إذا أردت السلو منصرفا ... فإن ألحاظه تقول قف )
( لا تعجبوا من تذللي أبدا ... فذلتي من هواه من شرفي )

وقوله في نقل مثل بالفارسية إلى العربية
( يا عجبا من جدي الهابط ... وما مضى في زمن فارط )
( ظننت أني راكب مرة ... عيرا فأصبحت على حائط )
ومما أنشدني غيره قوله من قصيدة إلى الأستاذ أبي العلاء بن حسول أيده الله تعالى
( ما ماء مزنكم الغمام مجلجل ... تزجيه أنفاس الرياح لبسطه )
( أشفى لحامي غلة من رقعة ... من عند سيدنا تكون بخطه )
وقوله من أخرى فيه وقد كان لزم منزله لحال أوجبت ذلك
( صفي الحضرتين أبا العلاء ... يدال المرء في ضمن البلاء )
( وليث الغاب يلبد لامتياح ... وغرب السيف يغمد لانتضاء )
( لساموك الخفاء وكيف تخفى ... وأنت الشمس في رأد الضحاء )
( أبي الإصباح أن يخفى سناه ... ضباب أو يغشى في عطاء )
( ومن يثني الجدالة عن ركون ... ويختزل الغزالة عن ضياء )
( وحد الزاعبية عن نفاذ ... وغرب المشرفية عن مضاء )
( ومن سلب السماك علو سمك ... ومن حجر الذكاء على ذكاء )
( وإن السيل مستن طريقا ... إذا امتلأت به شعب الاضاء )
( وكيف تسوم دنياك استواء ... وهذا الدهر اعصل ذو التواء )
( فلا ترع العذول السمع واعتض ... ثناء المعتفين عن الشراء )
( وعش ما مال بالورقاء غصن ... وما كر الصباح على المساء )

وقوله في فتى حلق صدغه
( أبا نعيم أيا فرد الجمال ومن ... له من الحسن معناه وجملته )
( لا تجزعن لصدغ قد فجعت به ... فإن عارضك الأحوى خليفته )
( إن كان صدغك معزولا فلا أسف ... هذا عذارك قد جاءت ولايته )
وقوله في أبي الفتح الضراب لما استوزر
( أيا للناس من رجل سمين ... نسيناه فثار من الكمين )
( تلقب بالأمين بلا احتشام ... ولم نسمع بخوان أمين )
وقوله زعم
( ما أن نظرت إلى محاسن وجهه ... وفتور مقلته وحسن قوامه )
( إلا وددت بأن تقد نواظري ... بيد الهوى شسعا لنعل غلامه )
وقوله وأنا أشك فيه
( لا يصحبن ملوكنا إلا امرؤ ... لص مغن مفلس قواد )
( فله لديهم زلفة ومنالة ... ولمن تحرج واستعف كساد )
( ما ذاك إلا أنهم أشكالهم ... والقرد يعرف قدره القراد )
وله من قصيدة
( جمعت نفاذا في العلوم وفي الوغى ... ومثلك في الهيجاء والعلم فارس )
89 - أبو علي محمد بن حمد بن فورجة البدوجردي
لم أسمع ذكره وشعره إلا من الفقيه أبي الحسن بن أبي عبيد أيضا إذ ذكر أنه من أهل أصبهان المقيمين بالري المتقدمين بالفضل المبرزين في النظم والنثر وعرض علي جزءا بخطه من شعره كالروض الممطور والوشي المنشور وأنشدني

قال أنشدني لنفسه من قصيدة
( ألم تطرب لهذا اليوم صاح ... إلى نغم وأوتار فصاح )
( كأن الأيك يوسعنا نثارا ... من الورق المكسر والصحاح )
( تميد كأنها علت براح ... وما شربت سوى الماء القراح )
( كأن غصونها شرب نشاوي ... يصفق كلها راحا براح )
وأنشدني له في فستق مملح
( فلو ترى نقلي وما أبدعت ... فيه بماء الملح كف الصنع )
( قلت حمامات على منهل ... شحت مناقير تسيغ الجرع )
وله فيه مملح
( أعجب إلي بفستق أعددته ... عونا على العادية الخرطوم )
( مثل الزبرجد في حرير أخضر ... في حق عاج في غشاء أديم )
وله في الغزل
( أيها القاتلي بعينيه رفقا ... إنما يستحق ذا من قلاكا )
( أكثر اللائمون فيك عتابي ... أنا واللائمون فيك فداكا )
( إن بي غيرة عليك من اسمي ... أنه دائبا يقبل فاكا )
وله
( أكرم أسيرك أن يكون مبادا ... وهب الفتى عبدا لديك مفادا )
( وأخبر مودته بقلبك إنه ... حجر الصيارف شدة وسوادا )

وله في ترجمة بيت بالفارسية للمعروفي
( يظنون ما تذري جفوني أدمعا ... بل الدم منها يستحيل فيقطر )
( تعيد بياضا حمرة الدم لوعتي ... كما ابيض ماء الورد والورد أحمر )
وله
( أما ترون إلى الأصداغ كيف جرى ... لها نسيم فوافت خده قدرا )
( كأنما مد زنجي أنامله ... يريد قبضا على جمر فما قدرا )
وله
( نومي وعيشي والقرار وصحتي ... مما فقدت فليت شعري ما الردا )
( بالله ربك هل سمعت بشادن ... ضحى بأنفس عاشقيه معيدا )
وله من نتفة
( ماذا عليك غزال آل العارض ... من أن أكون فداء ذاك العارض )
90 - أبو الحسن محمد بن أحمد بن رامين
حدثني أبو الفتح الدباوندي أيده الله تعالى قال جمعني وإياه بعض مجالس الأنس وفيه نفر من الفضلاء فسألوه أن يجيز قول مجنون بني عامر
( أقول لظبي مر بي وهو راتع ... أأنت أخو ليلى فقال يقال )
فارتجل على النفس
( فقلت يقال المستقيل من الهوى ... إذا مسه ضر فقال يقال )

فتعجب القوم من حده ذهنه واسراعه في تجنيس القافية وله أرجوزة أجاب بها أبا سعد الآبي من أرجوزته الصادرة إليه من ويمة
( وافتني القصيدة الكريمه ... من كل ما يشينها سليمه )
( وهي لعمري درة يتيمه ... قد أسفرت عنها ظلال ويمه )
وله
( سرت فؤادا وأقرت عينا ... وفجرت من السرور عينا )
( وأصبحت للأخوات عينا ... حتى لقد خفنا عليها عينا )
91 - أبو محمد النظام الخزرجي
حدثني أبو الفتح الدباوندي قال أمر له الأستاذ أبو العلاء بجايزة فأطلق نصفها فكتب إليه
( سألتك أيها الأستاذ حاجه ... ولا شططا طلبت ولا لجاجه )
( فقمت ببعضها وتركت بعضا ... ومن حق المقصر أن يواجه )
( جزاك الله عني نصف خير ... فإنك قد نهضت بنصف حاجه )
92 - أبو سعد علي بن محمد بن خلف الهمداني
قد تقدم ذكره في اليتيمة وتكرر في التتمة ملح وغرر من بدائعه وقعت إلى باخرة وليس لها منزل فمنها ما أنشدني أبو اليقظان عمار بن الحسين أيده الله تعالى

قال أنشدني أبو سعد لنفسه في غلام يشتكي ضرسه ولم أسمع في معناه أحسن وأبدع منه
( عجبا لضرسك كيف تشكو علة ... وبجنبها من ريقك الترياق )
( هلا كمثل سقام ناظرك الذي ... عافاك وابتليت به العشاق )
( أو عقربي صدغيك إذ لدغا الورى ... وحماك من حمتيهما الخلاق )
ومنها قوله
( ولما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع الأسرار قلت لها قفي )
( مخافة أن تلقي عليك شعاعها ... فينظر جلاسي إلى ودك الخفي )
وله من قصيدة في فخر الدولة يذكر فيها بدر بن حسنوية
( هو سيف دولتك الذي أغنيته ... بطويل باعك من وسيع خطاه )
( فغدا بطول يديك لو كلفته ... شق السحاب ببرقه لفراه )
( وإذا هتفت به لرأس متوج ... بالروم من شابور خواست مراه )
( فالرخ بدر والعداة بيادق ... والأرض رقعتها وأنت الشاه )
ومنها
( وتملكت رق السعود بروجه ... بسعود طالعه الذي جلاه )
( فالزهرة الزهراء بعض إمائه ... والمشتري مملوكه وشراه )
( سعدان ذاك لجده ولجده ... أبدا وتلك للهوه ولهاه )
( فإذا تجلى للعيون جلاله ... يوم السلام إنجاب حجب دجاه )
( وقفا بمنطقتي رضاه وقلدا ... كيوان والمريخ سيف سطاه )
( واستكتبا عنه عطارد كل ما ... ينهى ويأمر رأيه ونهاه )

وله من قصيدة فريدة عجيبة في بهاء الدولة وذكر ما شجر بينه وبين الأخوة
( كتبت إلي من العراق كتابي ... عن صبوة وصبابة وتصابي )
( وسلامة إلا من الشوق الذي ... منه تكون منية الأحباب )
( وخفوق قلب ليس ينكر خيفة ... أن يفطن العذال فيك لما بي )
( ودموع عين يرتعدن مخافة ... أن يشعر الغيران بالتسكاب )
( هذا حديثي بالعراق وأنت بالأهواز ... معتكف على الأطراب )
( وعلى استماعات المغاني دائبا ... من عود عودة أو رباب رباب )
( والحمد لله الذي قسم الهوى ... قسمين بين عذوبة وعذاب )
( فأجبتها والدمع يمحو كل ما ... نشرته كفي من سطور كتابي )
( وصل الكتاب فما فضضت ختامه ... حتى شققت من السرور ثيابي )
( ثم اطلعت على الكتاب فكدت من ... قلق له اطفا ولا يدرى بي )
( وحلفت من ثمرات غصن قوامها ... بالورد والرمان والعناب )
( النابتات بخدها وبصدرها ... وبنانها لشفاء ذي الأوصاب )
( ما اعتضت منها خلة أبدا ولو ... خطبت إلي الشمس في الخطاب )
( الله في فإنني ثقة الهوى ... لا تأثمي يا هذه في بابي )
( أأروم غيرك خلة من بعد ما ... أفنيت فيك نضارتي وشبابي )
( كلا ولكني سلوت عن الهوى ... بالمجد وهو من الهوى أولى بي )
( فركبت هادية الدجى متلثما ... بعزيم أروع للدجى ركاب )
( وجعلت ريحاني القتادة والصدى ... نغمي ورقراق السراب شرابي )
( حتى أنخت على السماك رواحلي ... وضربت فوق الفرقدين قبابي )

( في ظل مولانا بهاء الدولة الملك ... الأجل السيد الوهاب )
( ملك الملوك برغم كل منافس ... أغراه فضل سنيه بالإعجاب )
( الفضل يكسبه الفتى بنفاسة ... ونجابة لا شيبة وشباب )
( وكذا بنو يعقوب يوسف خيرهم ... وإن استووا في ذروة الأنساب )
( وبغوا له كيدا فكان له إلى ... درك الذرى من أوكد الأسباب )
( وتشابه الأمرين يوذن أيها الملك ... الأجل بجدك الغلاب )
( وبأن قومك سوف يسجد كلهم ... لك سجدة الاتباع للأرباب )
( مستغفرين ذنوبهم بضراعة ... ومعفرين وجوههم لتراب )
( وتقول لا تثريب عند سجودهم ... كرما تمن به مكان عقاب )
( فاغفر لهم جهلاتهم وألن لهم ... كنف الرعاية منك والإيجاب )
( وابذل لهم كتب الأمان ليسرعوا ... متزاحمين على ورود الباب )
( فإن استمر على الضلال مريدهم ... لشقائه وسفاهة الألباب )
( فإذن لألسنة الظبى فيهم بأن ... يخطبن فوق منابر الأرقاب )
( إن السفيه إذا أبى إصلاحه ... بالحلم لم يكن الحسام بآبي )
( وادخل إلى شيراز أيمن مدخل ... دخلت به أسد الثرى في الغاب )
( ثم ارم بي بعض البلاد وخلني ... أنقض فوق عقابها كعقاب )
( وأهز منبرها بدعوتك التي ... يصل الخطيب بها إلى المحراب )
( لي نجدة الفتاك في الهيجا وإن ... خالفتهم في نسبة الكتاب )
( ولو اختبرت مواقفي لوجدتني ... في الخدمتين معا من الإنجاب )
( ووجدت في درعي وفي دراعتي ... أو في فتى بكتيبة وكتاب )

( لا ابن العميد ولا ابن عباد ولا ... عبد الحميد يعد من أضرابي )
( أنا فوقهم بعلو جدك كلهم ... بشهادة الأدباء والآداب )
( وإذا كتبت كتاب فتحك فارسا ... أرضاك حسن بلاغتي وخطابي )
( وقد ابتدأت أعد آلات الوغى ... من مرهفات أسنة وحراب )
( وسوابق من نسل عوج ضمر ... صم الفصوص لواحق الأقراب )
وأنشدني أبو جعفر محمد بن أبي علي الطبري قال أنشدني أبو الفرج حمد بن أبي سعد بن خلف الهمداني لنفسه
( لئن كنت في نظم القريض مبرزا ... وليست جدودي يعرب واياد )
( فقد تسجع الورقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتار وهي جماد )
93 - أبو غانم معروف بن محمد القصري
كان من رؤوس الرؤساء وكرام البلغاء والغالين في محبة الأدب واقتناء الكتب وجمعتني وإياه في اجتيازه بنيسابور صحبة يسيرة المدة كثيرة الفائدة وقد كان سمع بي ولم يرني فاستنسخ كتبا لي وأنشدني أبياتا لنفسه علق بحفظي منها قوله
( إذا لبس التفاح خلعة طله ... وقابل فيها البدر أصبح محمرا )
( فما بال خدي في سقيط دموعه ... إذا هو لاقى وجهك البدر مصفرا )
وقوله في الشيب
( إن للشيب حساما ... حاسما طيب الرقاد )
( سل في فودي ما أغمد ... منه في فؤادي )

وقوله في الفرس
( حكى فرسي الليل في لونه ... ولازمه البدر عند اضطرار )
( فكان له غرة في التمام ... ونعلا لحافره في السرار )
وقوله في الهلال
( أقبل الليل والظلام ... عن الأفق منجلي )
( فرأيت الهلال فيه ... كتعفيف منجل )
وقوله
( إذا ما تبينت ضعف العدو ... فثاوره تجربه عند الثبات )
( وسالمه إن عصفت ريحه ... كما سالم الريح نجم النبات )
وقوله في الغزل
( أرى شفتيك من مسك وخمر ... وطعمهما إذا ما ذيق مر )
( فإن يمرر كلامك ليس بدعا ... فإن ممره مسك وخمر )
وقوله في الأمير أبي أحمد محمد وبكائه على أبيه
( لا غرو أن تأسى على ملك مضى ... أذرت مدامعها عليه عيون )
( ولئن بكيت وأنت طود للنهى ... فلقد تسيل من الجبال عيون )
94 - أبو القاسم إبراهيم بن عبد الله الكاتب الطائي
من أفراد الكتاب وفضلاء الزمان نقل من الري إلى الحضرة بغزنة حرسها الله تعالى واستخدم في ديوان الرسائل بها ثم ضم إلى الشيخ العميد أبي الطيب طاهر بن

عبد الله ليكتب في ديوانه بالري فهو أعلم بشمس أرضه وهو القائل له بهراة من قصيدة
( البرد يا فرد العلى آت ... يجر ذيل الظالم العاتي )
( والعبد لم يأخذ له أهبة ... يأخذها المشتو والشاتي )
( والحال قد رقت فلا مرفق ... يجبرها أو راتب آتي )
( وأنت لي عون على كل ما ... تجمع في السرعة أشتاتي )
وله من قصيدة
( واشرب معتقة كأن وميضها ... نار على قلل الجبال تسعر )
( يسقيكها رشأ أغن جفونه ... قبل الكؤوس المسكر إنك تسكر )
95 - أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الكاتب
يقول من قصيدة أولها
( صبا قلبي وحن إلى سعاد ... ودون لقائها خرط القتاد )
( أمردود لنا ماضي زمان ... ومن لي بالزمان المستعاد )
( ليالي رصعت تيجان عيشي ... بدر اللهو في سلك المراد )
( تهب صبا صباي علي رهوا ... وتلفح شرتي وجه الرشاد )
ومنها
( سأمتلك المعالي بالعوالي ... وأشحذ غرب عزمي واجتهادي )

( فقد مل اعتزامي من مقامي ... وعاف جمامه الموذي جوادي )
( وكم من ليلة طحياء عادت ... على السارين واضحة الهوادي )
( وهل خاب امرؤ أسرى ورجى ... أبا منصور الواري الزناد )
( ثمال عشيرة وغنى عفاة ... وحامل مغرم وهلال ناد )
( له شيم لو اكتست الليالي ... محاسنها لما دجت الدء آدي )
96 - أبو النجم مسافر بن محمد القزويني
يقول
( لا يغرنكم علو لئيم ... فعلو لا يستحق سفال )
( وارتفاع القرين فيه فضوح ... وعلو المصلوب فيه كمال )
ويقول
( أيدك الله لا تهني ... حقق رجائي وحسن ظني )
( لو حجرا كنت أو حديدا ... أذابني الهجر والتجني )
ويقول
( تصافحت الأكف وكان أشهى ... إلينا لو تصافحت الخدود )
( تسر إذا التقت كف وكف ... فكيف إذا التقى جيد وجيد )
97 - أبو الفتح محمد بن أحمد الدباوندي
ريحانة الرؤساء وشمامة الوزراء يستوطن الري ويرجع إلى فضل كثير وأدب

غزير وحفظ عجيب وبلاغة بالغة ولسان كأنما عناه إبراهيم بن سياه الأصبهاني بقوله في أبي مسلم بن بحر
( لسان محمد أمضى غرارا ... وأذرب من شبا السيف الحسام )
( إذا ارتجل الخطاب بدا خليج ... بفيه يمده بحر الكلام )
( كلام بل مدام بل نظام ... من الياقوت بل قطر الغمام )
وورد نيسابور في صحبة الراية العالية أدام الله علوها فنشر بها طرز فضله وملاها من فوائده وأعرب عن محاسنه ودرت عليه المشاهرة السلطانية والمبار السنية ثم جذبه الشيخ العميد أبو الطيب طاهر بن عبد الله إلى الري ورده في صحبته إلى مستوطنه فمما أنشدني لنفسه قوله في الغزل
( كلفت من أهوى تجشم قبلة ... ظرفا فأولى غاية الإيجاب )
( ولثمت عارضه فكان كخلقه ... عطرا يذيع سرائر الأحباب )
وله في رئيس ممتحن
( بأي يد أصول على الليالي ... وقد خانت أناملها الذراع )
( بودي لو تبيت على جفوني ... ولكن عز ما لا يستطاع )
وله في الاستزارة
( أيا ملك الدنيا كسوت عراصها ... مكارم في وجه الزمان تنقش )
( وطلت كأني في الأنام خطيطة ... سقت جارتيها ديمة وهي تعطش )
وله في قوال يكنى أبا الخطاب يهجوه

( أبا الخطاب يا قمر الزمان ... به برص يشاهد بالعيان )
( وآباط يفوح لها صنان ... وايزار العمى شم الضنان )
( وداخل ثوبه جرب عتيق ... توارثه على قدم الزمان )
( فذا يعمي وذا يعدي فأنى ... تنادم من يكون بذا المكان )
( وفيه ابنة قدمت وشاعت ... مع الشوم المزنر في قران )
( وما دار ألم بها فأبقى ... سوى الأطلال فيها والمغاني )
( فأشأم حين يضحى من قدار ... وأطفل حين يمسي من بنان )
( وأثقل من قضاء السوء وجها ... وأوسخ من قدور الباقلاني )
( وإن أبصرته يوما يغني ... فإن الفقر في تلك الأغاني )
( وإن أخذ القضيب يدوم صوتا ... بكى منه قضيب الخيزران )
( إذا غنى ووقع مستطيلا ... علاه قبل أصوات الأغاني )
( دوار الرأس حشرجة التراقي ... سعال الحلق تفقيع البنان )
( فأبعده فإنك سوف تلقى ... نديما ليس فيه ذي المعاني )
98 - الأستاذ أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو
هو من ضربه في الآداب والعلوم بالسهام الفائزة وملكه رق البراعة في البلاغة فرد الدهر في الشعر وأوحد أهل الفضل في صيد المعاني الشوارد ونظم القلائد والفرائد مع تهذيب الألفاظ البليغة وتقريب الأغراض البعيدة وتذكير الذين يسمعون ويروون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون وكنت ضمنت كتاب اليتيمة نبذا يسيرا من شعره لم أظفر بغيره وهذا مكان ما وقع إلي بعد ذلك من وسائط عقوده

وفوارد أبياته بل معجزاته فمنها قوله في الغزل وما يجري مجراه
( تعانقنا لتوديع عشاء ... وقد شرقت بأدمعها الحداق )
( فما زال العناق يضيق حتى ... توهمنا عناق أم خناق )
وقوله
( وحسبك ما أخرت كتبي عنكم ... لقالة واش أم ملام محرش )
( ولكن دمعي إن كتبت مشوش ... كتابي وما نفع الكتاب المشوش )
وقوله
( أصبح من ودي على حرف ... من لم أخنه قط في حرف )
( أسقمني طرفك من سقمه ... وصحتي في سقم الطرف )
( منك صلاحي وفسادي معا ... والنفح مذكي النار والمطفي )
( صورت من لطف فلم لا أرى ... منك سوى الجفوة والعنف )
وقوله
( عارض ورد الغصون وجنته ... فاتفقا في الجمال واختلفا )
( يزداد بالقطف ورد وجنته ... وينقص الورد كلما قطفا )
وقوله
( أيا بدرا بلا كلف ... به دون الورى كلفي )
( بما في الطرف من كحل ... وما في الخصر من هيف )
( ابن لي در ثغرك ما ... بهاء الدر في الصدف )

وقوله
( ألا ليت شعري كيف أشكر بعض ما ... تطوقت من من الحمام المطوق )
( فدت مهجتي أيكا عليه سقوطه ... وفرخا بدا من بيضه المتفلق )
( لساعد نوحي نوحه حين ملني ... خليلي وخلى صحبتي كل مشفق )
( كلانا سواء في البكا غير أنني ... بكيت لأشواقي ولم يتشوق )
وقوله
( ليت أن الليل دامت ظلمه ... فلقد جلت لدينا نعمه )
( مثلت صدغيك لي ظلمته ... وأرت خديك عيني أنجمه )
وقوله
( لم يستجب لحياتي بعدكم فرح ... ولم يلق ببناني بعدكم قدح )
( شوقي إليكم أعاد الله عهدكم ... شوق له في ميادين الهوى مرح )
( يخفى مرارا ويبديه تلفته ... والنار تكمن حينا ثم تنقدح )
وقوله
( ظبي إذا قتل النفوس بصارم ... من طرفه رضيت بقبلته ديه )
( وإذا دعوت عليه عند تعتبي ... فأشد ما أدعو به أن أفديه )
وقوله
( ليس بي من أذى الفراق اكتياب ... قد كفتني عيني جميع اكتيابي )
( كلما شئت أسبلت دم قلبي ... فأرى فيه صورة الأحباب )
وقوله
( قالوا اشتغل عنهم يوما بغيرهم ... وخادع النفس إن النفس تنخدع )

( قد صيغ قلبي على مقدار حبهم ... فما لحب سواهم فيه متسع )
وقوله
( خلعت عذاري في شادن ... عيون الأنام به تعقد )
( غدا وجهه كعبة للجمال ... ولي قلبه الحجر الأسود )
وقوله
( قولا لهذا القمر البادي ... مالك إصلاحي وإفسادي )
( زود فؤادا راحلا قبلة ... لا بد للراحل من زاد )
وقوله
( أحلك حتى صرت اغسل ناظري ... من النوم خوفا أن يراك خياليا )
( ولو قدرت نفسي لضني بسركم ... إذا حجبت سر الهوى عن فؤاديا )
وقوله
( يطلب الغائص في بحره اللؤلؤ ... والعاشق في حجره )
( فإن يكن عبدك ذا فاقة ... أغناه دمع العين عن دره )
وقوله
( وجريح وجهه قلبي ... بحبيه جريح )
( أنا أفدي من محياه ... على الجرح مليح )
ومنها قوله في الخط والعذار
( أيها الكاتب الذي خير الخلق ... بخطين بين مسك ونقس )
( فجلا المسك في صحيفة عاج ... وجلا النقس في صحيفة طرس )
( ليت جسمي النحيف من بعض ... أقلامك أضحى وليت نفسك نفسي )
( فلعلي يوما أمس بنانا ... منك يا سيدي فيذهب مسي )

وقوله
( أرخي لعارضه العذار فما ... أبقي على ورعي ولا نسكي )
( فكأن نملا قد دببن به ... غمست أكارعهن في مسك )
وقوله
( قالوا صحا قلب المحب وما صحا ... ومحا العذار سنا الحبيب وما محا )
( ما ضره شعر العذار وإنما ... وافى بسلسل حسنه أن يبرحا )
وقوله في ذم العذار
( كفى فؤادي عذاره حرقه ... وكف عينا بدمعها غرقه )
( ما خط حرف من العذار به ... إلا محا من جماله ورقه )
وقوله
( يا من محياه كاسمه حسن ... إن نمت عني فليس لي وسن )
( قد كنت قبل العذار في محن ... حتى تبدى فزادت المحن )
( يا شعرات جميعها فتن ... تتيه في وصف كنهها الفتن )
( ما عيروا من عذاره سفها ... قد كان غصنا فأورق الغصن )
وقوله لبعض الرؤساء وقد انصبت الخمر على كمه في مجلس الشراب
( انصبت الخمر على كمه ... تلثم منه كمه خدمه )
( لو لم ترد خدمته بالتي ... قد فعلت ما خصصت كمه )
وكتب على عود
( رأيت العود مشتقا ... من العود بإتقان )
( فهذا طيب آناف ... وهذا طيب آذان )
وكتب على طنبور
( ودوحة أنس أصحبت ثمراتها ... أغاريد تجنيها ندامى وجلاس )

( تغنى عليها الطير وهي رطيبة ... فلما عست غنى على عودها الناس )
وقال في ذم الخمر
( قد كفاني من المدام شميم ... صالحتني النهى وثاب العزيم )
( هي جهد العقول سمي راحا ... مثل ماقيل للديغ السليم )
( إن تكن جنة النعيم ففيها ... من أذى الجهل والخمار جحيم )
ومنها قوله في الهجا
( لنا ملك ما فيه للملك آلة ... سوى أنه يوم السلام متوج )
( أقيم لإصلاح الورى وهو فاسد ... وكيف استواء الظل والعود أعوج )
وقوله
( قل لابن عبدان الدني الدون ... وزرت من دوني وقدرك دوني )
( ألخطك الملعون أم لكلامك الملحون ... أم لعجانك المطعون )
وقوله لمجد الدولة وكان اتخذ له ابن فضلان دعوة عظيمة
( ومن مبلغ عنى الأمير بن بويه ... ومن عجب الدنيا أمير ولا أمر )
( أسرك من فضلان إصلاح دعوة ... بأموالك اللاتي تخونها الغدر )
( كممهورة من حمقها بعض حليها ... تسر بأن نيكت ومن كيسها المهر )
وقوله
( لم ييأس الكلب من ملك وسلطان ... وقد علوت إلى دست وديوان )
( لا عار باستك أن أزري بها قلح ... من يابس السلح فاستاكت بجردان )

وقوله
( عجبت لقولنج هذا الوزير ... أني ومن أين قد جاءه )
( وفي كل يوم له حقنة ... تنظف بالزب أمعاءه )
وقوله في أقرع
( أكفنا زحمة الذباب بأبعاد ... قذال تنتابه الذبان )
( هبك أوتيت تاج ملك فإني ... لك رأس للتاج فيه مكان )
( ليس ما حزته من المال بدعا ... هاك قد حازت السلاف دنان )
وقوله في الصلاح
( كيف أرجو السماح أو أبتغيه ... في زمان عم البغاء بنيه )
( يولد التوأمان فيه وكل ... منهما ممسك بأير أخيه )
فنون مختلفة الترتيب من بدايع شعره
قال في معنى نظم سبق إليه نثرا
( ليت العناق وشرب الراح قد عقدا ... بالنجم أو خزنا في ذروة الفلك )
( فلم يعانق مليحا غير ذي كرم ... ولم يحب إلى كاس سوى ملك )
( شيئان نغص أهل الفضل طيبهما ... تشارك الناس لا طيب لمشترك )
وقال في مدح الجرب وملح وظرف
( يهيج مسرتي جرب بكفي ... إذا ما عد في الكرب العظام )
( تجنبني اللئام لذاك حتى ... كفيت به مصافحة اللئام )

وقال يهجو
( لو مات لم يأكل الطعام إذا ... ما كان ذاك الطعام من كيسه )
( إن لم نشاهد دخان مطبخه ... فقد شهدنا دخان تعبيسه )
وقال في أحمد القطان القوال الرازي
( إذا أحمد القطان غنى توقفت ... له الطير في جو السماء تصيخ )
( وكاد حياء كل لحن ونغمة ... وعود وناي في التراب يسيخ )
( لقرط سمعي من جلاجل صوته ... فشب سروري والهموم تشيخ )
وقال في مراجعته الشعر بعد تركه إياه
( وكنت تركت الشعر آنف من خنى ... وأكبر عن مدح وأزهد في غزل )
( فما زال بي حبيك حتى تطلعت ... خواطر شعر كان طالعه أفل )
( تزل القوافي عن لساني كأنه ... يفاع يزل السيل عنه على عجل )
( فأصبح شعر الأعشيين من العشى ... لديه وشعر الأخطلين من الخطل )
وقال في الخط
( الآن قد صحت لدي شهادة ... إن ليس مثل جماله بمصور )
( خط يكتبه حوالي خده ... قلم الاله بنقس مسك أذفر )
وقال في الآذريون
( رب روض خلت أذريونه لما توقد ... ذهبا أشعل مسكا في كوانين زبرجد )
وقال في وصف الباذنجان مذموما

( يا ذا الذي يعتد ... باذنجانة في المطعم )
( أنهاك عن صور المحاجم ... قد ملين من الدم )
وقال فيه أيضا
( يا ذا الذي يلقى بباذنجانة خير المآكل ... أنهاك عن صور المحاجم ألبست لون الدمامل )
وقال في طين الأكل
( دع الطين معتقدا مذهبي ... فقد صح فيه حديث النبي )
( من الطين ربي برا آدما ... فآكله آكل للأب )
وقال في الرزق
( جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون )
( جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق في غشاوته الجنين )
وقال في عز الكمال
( وإذا رأيت الفضل فاز به الفتى ... فاعلم بأن هناك نقصا خافيا )
( فالله أكمل قدرة من أن ترى ... لكماله ممن براه ثانيا )
وقال في الشكوى
( ضعت بأرض الري في أهلها ... ضياع حرف الراء في اللثغه )
( صرت بها بعد بلوغ الغنا ... يعجبني أن أبلغ البلغه )
وقال في الحث على الحركة والسعي
( خليلي ليس الرأي ما تريان ... فشانكما أني ذهبت لشاني )
( خليلي لولا أن في السعي نفعة ... لما كان يوما يدأب القمران )

وقال في مثله
( صح بخيل العلى إلى الغايات ... ما غناء الأسود في الغابات )
( لا يرد الردى لزوم بيوت ... لا ولا يقتضيه جوب فلاة )
( مولد الدر حمأة فإذا سافر ... حلى التيجان واللبات )
( أف للدهر ما يني يتعس الفاضل ... في بدئه وفي العقبات )
( يسكن المسك سرة الظبي بدأ ... ثم يصليه وقدة الجمرات )
وقال في ذم البخيل
( يسر بخزن المال قوم ولم أكن ... لدى الخزن إلا مثل تصحيفه حزنا )
وقال في النهي عن اتخاذ العيال والأمر بالوحدة
( ما للمعيل وللمعالي إنما ... يسعى إليهن الوحيد الفارد )
( فالشمس تجتاب السماء وحيدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد )
وقال في الصبر
( تصبر إذا الهم أسرى إليك ... فلا الهم يبقى ولا صاحبه )
وله رسالة هزلية مترجمة بالوساطة بين الزناة واللاطة لا يتسع الكتاب إلا لهذا الفصل منها قالوا قد علمت أن أصحابنا بلغ من جلالة قدرهم وفخامة أمرهم أن لم يقتصروا على الجسمانيين حتى سمت بهم هممهم إلى الروحانيين فأرادوا الملائكة بالوصمة لولا أن الله خصهم بالعصمة ثم بلغ من تناهي هذا الفعل في الطيب وأخذه

بمجامع القلوب إن لوطا استتر لهم بكرائمه عنه فلم يقلعوا وأبدلهم عقائله منهم فلم يقنعوا فما ظنك بهمة تسمو إلى ملائكة السماء ولذة تؤثر على مصاهرة الأنبياء ولا سبيل إلى أن ينكر فضل الذكور على الإناث وقد فضلهم الله في الميراث وشتان ما بين الغلام الذي يصحبك في سفرك كما يصحبك في حضرك فإذا ركبت زان موكبك وإذا مشيت صك منكبك وإذا احتفلت خدمك وإذا خلوت نادمك ثم هو فوق الجواد أسد لا بد وتحت اللحاف رشأ فارد وبين المرأة التي تشيب أنفاسها العنافق وتكاليفها المفارق وتعدم المرافق وتنقض الجسم وتنقص العمر وتكثر النسل وتقل الوفر بلى ما شئت من فادح ثقل الصداق وهم الإمساك والطلاق ونفقة الأعراس والأخراس وشفقة الوحم والنفاس
99 - الشيخ أبو المحاسن سعد بن محمد بن منصور
رئيس جرجان أيده الله تعالى
أجمع أهل زماننا أجمع على أنه أجمع الرؤسا لما يكنى به وأجمعهم بين العلوم والآداب وشرفي الانتساب والاكتساب وأنه عالم في ثوب عالم وبحر في شخص حبر وماله نظير وغصن شبابه نضير وكانت النائبة رحب بي إلى جرجان في سنة ثلاث وأربعمائة فأنزلني أبوه الرئيس أبو سعد محمد بن منصور رضي الله تعالى عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه منزله وأخدمني خدمة وأوسعني فضله وكرمه وكانت حالي عنده ومعه حال من قال
( نزلت على آل المهلب شاتيا ... غريبا من الأوطان في زمن محل )
( فمازال بي إكرامهم واقتفاؤهم ... وألطافهم حتى حسبتهم أهلي )
وأبو المحاسن إذ ذاك صبي لم يبلغ الحلم وقد أتاه الله في إقبال العمر جوامع الفضل وسوغه في ريعان الصبا محامد العلى فكنا نجتمع في جماعة من الفضلاء

والأدباء والشعراء كل يوم وليلة على المدارسة والمذاكرة والمناشدة فيبذنا أبو المحاسن بحسن محاضرته ومبادهته ويعجبنا من بلاغته وبراعته على حدوث ميلاده وقرب إسناده وكتب لي جزءا من شعره بخطه هو حتى الآن عندي وأتممت كتاب اليتيمة بحضرته فافتض عذرته وتحفظ أكثره ولم يفرق بيننا إلا أن جاءني داعي الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزمشاه تغمده الله بغفرانه ومهد له أعلى جنانه فنهضت من جرجان إلى الجرجانية وضرب الدهر ضربانه ودارت الأدوار ومرت الأعوام وتنقلت الأحوال وكتبت للرئيس أبي سعد سعادة المحتضر وأفضى به الأمر إلى الأجل المنتظر وقام الشيخ أبو المحاسن أيده الله تعالى مقامه في الرياسة وأربى عليه في السياسة والسفارة والقبول التام عند الخاص والعام وبلغ من البلاغة والتقدم نحو سيبويه وفي الفقه والشعر مبلغا تثنى به الخناصر وتثنى عليه الشبابات وطلع في سنة أربع وعشرين على نيسابور رسولا إلى حضرة السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه ومؤديا وديعة الكيا الأجل أبي كاليجار أدام الله عزه فملأ العيون جمالا والقلوب كمالا وأوسع أهلها فضلا وأفضالا وأقر عيني منه بلقاء شخص المجد وتجديد العهد القديم بأوحد الدهر ولم يتفق لي تعليق شعره الجديد لعارض من المرض ألم بي حتى فاتني ما مددت عيني إليه من عقود دره وعقد سحره مع انقلابه إلى مركز عزه وعلى كل نجح رقيب من الآفات وأنا أقتصر هاهنا على كتبة نبذ من بنات خاطره القديمة إلى أن الحق بها وسائط من قلائده الحديثة وهذه نسخة فصل من نثره بدأت به ولم أقرأ أبرع وأبدع منه في فنه كنت خاطبت الشيخ بخطاب دللت فيه على غلوي في دين وده وضربي سكة الإخلاص باسمه وتلاوتي سور معاليه التي تكد لطولها لسان راويها وإيماني بشريعة مكارمه التي بعث والحمد لله نبيا فيها فدعا إليها دعوة استجابت لها الكرماء وحجت كعبة فضله الآمال الانضاء وخلد ذكره في صحف المكرمات تخليدا واعتقد الخلود من سودده علما لا تقليدا وقضى حكام المجد بأنه الذي تلقى رايات المجد باليمين وتوخى نظم شاردها بعرق الجبين وهذه نسخة رسالة له إلى بعض خواص الشيخ شمس الكفاة رحمه الله

( أقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم )
( سقيا لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم )
ما أحسبني منذ فارقت الشيخ أدام الله عزه خلوت ساعة من تمثل شخصه والتلفت بأخادع الذكر نحو كريم عهده واستسقاء صوب الربيع المربع لأنيس ربعه والثناء على الدهر الذي وصل حبلي بحبله وألف شملي بمجموع شمله
( وإن لم يكن إلا معرج ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها )
وليت شعري هل يجول ذكري في ميدان فكره أم طواه طي الرداء فليس تهتز لنشره وأقبل على بث الأوطار الفساح بين مناجاة الأوتار الفصاح ومناغاة الوجوه الصباح وأرتشاف ثنايا الكؤوس إذا تجلتها أيدي السقاة جلوة العروس وصلة عرى الصبوح بعرى الغبوق والجري في ميدان اللهو جري السابق لا المسبوق واستغفر الله مما طاش به سن القلم وأعوذ به أن يسخط لهذه الكلم وإليه أرغب في إمتاعي بخلته التي هي من جلائل النعم ولا يسرني بها وحق المجد حمر النعم وهذه المخاطبة واصلة في صحبة فلان وهو من أقارب فلان تجاوز الله عن الماضي وأدام الله عز الباقي ولا خفا بهذا النسب الذي نظم من الكرم عقودا وكان عليه من شمس الضحى نورا ومن فلق الصباح عمودا وما أشك في استغنائه عن هذا الذكر فقد عرف أحوالهم أيام اجتيازه بالري وكان هذا الشيخ نائبا عن أميرها ومنوطا به جميع أمورها حتى انحى عليه صرف الدهر واضطره إلى مفارقة المستقر وقصد حضرة تمنع به جانبه فلا يرام ويدرع ثوب العز فلا يضام وهذه صفة حضرة الصاحب الأجل فإنها الحضرة تخدمها الأيام كما تخدمها السيوف والأقلام وأرجو أن يحظى بهذا القصد ويسعد بساحة المجد فالبحر يعم بفيضه الخلق والربيع يمنح من شام برقه الودق وهذه غرر من شعره في صباه نقلتها من خطه فمنها قوله من قصيدة في مدح أبيه رحمه الله

( قدح النوى زند الغرام ... ومرى دموع المستهام )
( وبنفسي الظبي الذي ... عاطيته كأس المدام )
( ففروعه ليل التمام ... ووجهه بدر التمام )
( طاوى الحشا عذب اللمى ... عبل الشوى غنج القوام )
( لم أدر قبل لحاظه ... إن اللحاظ من السهام )
( لاحظته فحملت من ... أجفانه بعض السقام )
( وفديت محجره وإن ... خلع الفتور على عظامي )
( أعدى تضرج خده ... قلبي فأضحى وهو دام )
( فكأن في قلبي الذي ... في وجنتيه من الضرام )
( سقيا لعيش باللوى ... عذب الجنى صافي الجمام )
( أيام أسحب في التصابي ... فصل أذيال العرام )
( والعيش عذب الورد رطب ... العود غض الغصن نام )
( والأنس تهمي مزنه ... كندى محمد الهمام )
( ذاك الذي أضحى وغيم ... نداه سح القطر هام )
( لله همته التي ... غضت من الهمم العظام )
( كم موقف نثر العوالي ... فيه عقد طلى وهام )
( وتبسمت فيه الظبي ... عن ناجذ الموت الزؤام )

( وأهله الأسياف تهتك ... ستر ظلماء القتام )
( مزقته بحسام رأي ... شيم من غمد اعتزام )
( فالمال عندك في انتثار ... والمعالي في انتظام )
( ما كان غيمك بالجهام ... ولا حسامك بالكهام )
( فاسعد بنيروز ينبه ... جفن أنوار نيام )
( نثر الرذاذ على الثرى ... درا يشذ عن النظام )
( وتفتح الأنوار إذ رشف ... الثرى ريق الغمام )
( وتعصبت بعصائب الأنوار ... هامات الأكام )
( وجلى الربيع ضحى عروس ... الورد من كلل الكمام )
( وكأنما سرق الصبا ريا ... شمائلك الكرام )
( يا من تدفق جوده ... كتدفق الغيم الركام )
( لا زلت في ظل المعالي ... بالغا أقصى المرام )
( واسحب ذيول العز سجي ... ذيل أنعمك الجسام )
وقوله من أخرى
( قفوا لنمري در الدمع في الدور ... فالدمع يشفي انسكابا قلب مهجور )
( فإن عفا الربع أو أقوى ببينهم ... فربعهم في فؤادي جد معمور )
ومنها
( فلو ترى القلم المذروب في يده ... يمضي مضاء صقيل المتن مأثور )
( عجبت من صارم ماضي الفرند غدا ... في كف ماض جديد الحد مشهور )

ومنها
( أسعد فقد جاءك النيروز وانتبهت ... من بعد ما رقدت عين الأزاهير )
( تبكي السماء مساء فعل ذي شجن ... ويضحك الدهر صبحا فعل مسرور )
( والليل يبدي نجوما مثل ما انتثرت ... لآلئ فوق صرح من قوارير )
( والبرق يصبغ خد الغيم حين سرى ... صبغ الحياء خدود النفر النور )
( والروض يجلوه قرن الشمس ضاحية ... في مطرف بيد الأنواء منشور )
( تشققت فيه أجفان الشقيق ضحى ... كأنها إذ بدت أجفان مخمور )
( ولاح فيه الأقاحي كالدراهم إذ ... ألاح حوذانه مثل الدنانير )
( والنرجس الرطب أضحى في حدائقه ... يرنو إلينا بعين الخرد الحور )
( كأنه إذ جلاه طله سحرا ... صهباء ممزوجة في كأس بلور )
( والجو يسرق أنفاس النسيم إذا ... جرى على صفحات الورد والخيري )
( كأن ريا الرياض الزاهرات حكت ... ريا خلائقك الغر المشاهير )
( فاسلم فإنك ليث في الوغى وحيا ... عند المحول وبدر في الدياجير )
وإذا كان شعره هكذا في عنفوان الصبا فما الظن به عند قضاء باكورة الشباب وبلوغ حد الاكتهال سقى الله ربعه وعهده وأبعد عنا بعده
100 - أبو المظفر بن القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني أيده الله ورحم أباه
جامع بين شرف النفس والوالد وطريف المجد والتالد وبين الأدب والفقه والنحو والشعر ترامت به الحوادث إلى نيسابور فأنشدني لنفسه

( كأن العين مني يوم بانوا ... سماء فيض أدمعها نجوم )
( إذا ما هم جفن باستراق ... لغمض صده عنه وجوم )
وأنشدني أيضا لنفسه
( كرم الناس بين ظلام عسر ... وعند لئامهم ضوء يسار )
( كأيمان إليها عقد عشر ... ومجموع المائين إلى اليسار )
وأنشدني أيضا لنفسه
( إني إليك لمشتاق وبي ظمأ ... إلى لقائك والرحمن يشهد لي )
( ولو قدرت لكتب الخط تقرؤه ... لكن عجزي عنه ليس من قبلي )
وأنشدني أيضا لنفسه
( قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى ثياب الغاسل )
101 - صاعد بن محمد الجرجاني
أنشدني أبو الفتح الدباوندي له في المخزومي الذي مر ذكره
( وجدت مخزوميكم هذا ... يا شعراء الناس أستاذا )
( قد صار بالري لكم شاعرا ... وكان بالبصرة نباذا )
( وجدت بندارا على ظهره ... يلقمه أقرع نفاذا )
( لما رأيت الشيخ مستدخلا ... قلت له من عجب ماذا )
( فقال لي لا تعجبن يا فتى ... فإنما الناس على هذا )

وكتب إلى العباس الضبي
( ولو أنني حسب اشتياقي ومنيتي ... منحتك شيئا لم يكن غير مقلتي )
( ولكنني أهدي على قدر طاقتي ... وأحمل ديوانا بخط ابن مقلة )
وله
( مغضبة المرء بلا مملكه ... منخلة للجسم أو مهلكه )
102 - أبو بكر عبد القاهر بن محمد بن الحسن
كتب إلى أبي الفرج بن حسنيل جوابا عن شعر له
( أجاب ودي وطبع الشعر لم تجب ... إذ كان ما قلته في غاية العجب )
( يشتم منه نسيم المسك قارئه ... ويجتلي كوكب العلياء والحسب )
( أبدى الأنام من الأشعار رغوتها ... وأنت أخرجت منها زبدة الحقب )
103 - أبو الحسن عالي بن جبلة الغساني
يقول في أبي الفتح أخي الوزير أبي غالب محمد بن علي بن خلف من قصيدة
( وسرنا نتبع الركب ونقفو أثر السرح ... )
( إلى أن أسفر الصبح لنا عن أحسن اللمح ... )
( وأبدت طلعة الشمس لنا وجه أبي الفتح ... )
104 - أبو علي الحسن بن محمد الدامغاني
من دهاقين قومس وأفراد أدبائها وشعرائها ومن أفضل فضلائها يرجع إلى

كفاية ومروة صالحة ويقول
( إذا عشق الفتى يوما عروبا ... ولم يتعدها منه الوداد )
( فلي في كل غانية مراد ... ولي في كل زاوية فؤاد )
( وما فكت فؤادا بعد سعدي ... رأته رهن مقلتها سعاد )
( وليس الغدر من شيمي ولكن ... بهيج كراهتي الشيء المعاد )
( ومن لم يسبه حدق الغواني ... فما هو في الورى إلا جماد )
ويقول
( العقل والحرف مقرونان في قرن ... والجهل والحظ منظومان في رسن )
( الفضل علم ولا قعبان من لبن ... حلو المذاق ولا بردان من عدن )
ويقول
( قالوا مدحت أناسا لأخلاق لهم ... مدحا يناسب أنواع الأزاهير )
( فقلت لا تعذروني إنني رجل ... أقلد الدر أعناق الخنازير )
ويقول
( أيا حلية الدنيا ويا زينة الورى ... ومن أنا بالفضل الذي فيه أفخر )
( تسيء وأني شاكر لك حامد ... ومن قائل لليت إنك أبخر )
ويقول من قصيدة أولها
( صحا عن هواه واستراح عواذله ... محب شفاه الغانيات مناهله )
ومنها في مدح شمس الكفاة
( وما الفقر من أكناف قومس قاده ... إليك ولكن فضل عز يحاوله )
( ولولاك ما صرت لديك نعاله ... ولولاك ما أطت إليك محامله )

( ولا غادر الخشف الكحيل جفونه ... بلا أثمد جادت بذاك مكاحله )
ومنها
( ولم يبق في هذا الزمان الذي أرى ... من الشعر إلا منطق قل طائله )
( فعارض وزير الشرق شعري بغيره ... يبن لك نهاق الحمير وصاهله )
ويقول في مرثية السلطان الماضي أبي القسم محمود أنار الله برهانه
( مضى الافعوان الصل والأسد الورد ... وتاج ملوك الأرض والفارس النجد )
( فقل لحوا في الخيل لا تشتكي الوجى ... فما خلتها من بعده طلقا تعدو )
( وقل لملوك الأرض قد نامت القطا ... ووحش الفلا والليل أليل مسود )
( ولا ترهبوا منه بياتا على العدى ... بمرد على جرد يضمهم جند )
( ولم أدر أن الشمس يسترها ثرى ... ولا الفلك الأعلى يغيبه لحد )
ويقول في الشيب
( أنور الأقحوان أسأت جدا ... بلا عمد إلى زهر الخزام )
( فصار الرأس حزا فرط ليس ... وعاد المخ دارا في السلام )
ويقول أيضا
( يا بياضا في مقلتي سواد ... هل لعهد الصبا إلي معاد )
( يا خزامي العذار بدلت بعدي ... أقحوانا يند منك الفؤاد )
( لم أعظم قدر الشباب إلى أن ... أنكرتني من المشيب معاد )
( ودعتني عما وهذا لعمري ... لقب للمحب لا يستجاد )

( يا زمان الشباب زرني فإني ... مذ تقضيت لم يزرني الرقاد )
ويقول
( سقى الله أجداث ماضي الملوك ... رعاة الرعايا غياث الأمم )
( وبعدا لأملاكنا إنهم ... ذئاب عواسل حتف الغنم )
ويقول
( اين خط ابن مقلة عن جمال الخط ... في صحن خده المعشوق )
( ذاك صنع الإله فردا من الخلق ... وهاذاك صنعة المخلوق )
ويقول
( ألا يا لقوم للخلال الخسائس ... ورفعة أرجاس برغم المعاطس )
( قفوا فانظروا إذ ضمت الشمل ندوة ... لحادثة من في صدور المجالس )
( تروا من شيوخ السوء فيها عصابة ... أبالس أضحوا في خلال الطيالس )
( صعاليك أموال اليتامى ذئابها ... قراضبة البيداء حتف الفوارس )
( وهم شهداء الزور من قلة التقى ... لحوز منالات إليهم خسايس )
( يعدون ما دون البتيكات وضحا ... رشى لهم من ترهات البسابس )
( بها حللوا عين الحرام وحرموا الحلال ... اتساعا في فنون المقايس )
( كما غصبوا الأملاك معشوقة الورى ... وما سجلوا أيضا بها في الحبايس )
( فيا وحشتي منهم إذا اكتحلت بهم ... جفوني وأنسى بالوحوش الكوانس )
( مضى الرؤساء الأولون وأصبحت ... عراص المعالي كالطلول الدوارس )

ويقول
( خوان ربعه أبدا خلاء ... من الخيرات بادية قواء )
( إذا ما جاءه الأضياف غنى ... وما يغني من الغرث الغناء )
( عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء )
( وإن مفازة لا ماء فيها ... ومائدة بلا خبز سواء )
( أيا معن السخاء بلا عطاء ... وحاتم طائي والتاء راء )
وله وقد عير بترك التعرض لعمل السلطان
( ذروني أكن حلس البييت مكرما ... قنوعا بقوت لا يدر له ضرع )
( ففقرا الفتى خلف السلامة كالغنا ... ولا خير في نفع على عقبه صفع )
وله يرثي الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن الميمندي وقد كان يكرمه عند اتصاله به
( يا غرة لائحة ... فوق جبين الزمن )
( يا درة قد أدرجت ... في حبرات الكفن )
( يا أسدا أعداؤه ... المهجة دون البدن )
( يا عالما مجتمعا ... في أحمد بن الحسن )
( جزيت عني حسنا ... بكل صنع حسن )
( وأنعم بوسمي الندا ... يحيث ترب الجنن )
( ما ناحت الورقاء في ... دوح فويق القنن )

وله في الشيب
( هجرت الهوى وشنفت المدامه ... وعبت الغلام وعفت الغلامه )
( فلا في أميمة لي مطمع ... يحن ولا مرغب في أمامه )
( ولا قلت إذ بكر العاذلات ... بمر الملامة كفى الملامه )
( وعهدي بها حين رأسي الغداف ... وها هو كالنسر تحت العمامه )
( وما عذر ذي نهية في الصبا ... إذا ما خزاماه صارت ثغامه )
وله
( خضبت أناملها بحمرة خدها ... إذ دمعتي يوم الفراق عليها )
( إن كان من ماء الحياة حقيقة ... فهو الذي سقيت من شفتيها )
وله في الشريحي القاضي بقومس
( خليلي ما بال الثلوج كأنها ... قناع على وجه البسيطة مغدف )
( أينتف عثنون الشريحي في الهوا ... لعمركما أم صوف لحييه يندف )
105 - أبو الفرج أحمد بن محمد بن يحيى بن حسنيل الهمداني
يرفعه نفسه وأصله وفضله ويخفضه دهره وقد لفظته الغربة إلى بلاد خراسان فأدركته حرفة الأدب وهو شاعر حسن البديهة كثير الغرر فمنها قوله
( ما أن رأيت وأن سمعت بحمرة ... من وردة ودخانها من عنبر )
( حتى اكتحلت بخده وبخطه ... وغدوت بينهما حريق المجمر )

وقوله من قصيدة
( ها إنني من أسود طعمها كرما ... وحش المعالي فلا ترتاح للجيف )
( وإنني واقتياتي خبث طعمتكم ... كالطرف ساف الثرى من غزة العلف )
( لو كان يعلم دري إن مثلكم ... يكون أعناق نظمي غاص في الصدف )
( مقاطر القلم الصمصام تشهد لي ... إن الوزارة سهمي والعلى هدفي )
( وسوف يطلع دستي شمس مكرمتي ... وترتدي بي الثريا عمة الشرف )
( فأملأ الأرض عدلا والزمان حجى ... والسحب نوأ ودرعي جوهر الظلف )
( لله شكري وللسلطان خالصتي ... وللعفاة الجنى المعسول في كنف )
وقوله من أخرى
( إذا قلت شعرا فالنجوم رواته ... ومن ذا رأى الشعرى روت لامرىء شعرا )
( وما أنا ممن يركب الشعر قدره ... ولكن قدري يركب الشعر والشعرى )
وقوله في غلام جلس في أخريات الناس وتنقب بكمه
( جلست في أخريات الناس يا قمري ... بخلا علي بأن أروى من النظر )
( فصرت من فرج الأشخاص تلمع لي ... كحاجب الشمس ناغى طرة الشجر )
( لم تقتنع بقناعي زحمة ونوى ... حتى تنقبت بالأكمام عن بصري )

179

180

تتمة القسم الرابع في محاسن أهل خراسان وما يتصل بها من سائر البلدان
قد اعتمدت بهذا القسم الأخير من كتاب تتمة اليتيمة أن أبدأ بأهل نيسابور ونواحيها ثم أمتد إلى سائر بلدان خراسان ثم أذكر أركان الدولة وأعيان الحضرة العالية حرسها الله تعالى وآنسها والمتصرفين على أعمالها والمتصلين بخدمتها من المقيمين بها وغيرها وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
106 - السيد أبو البركات علي بن الحسين العلوي
قد تتوج كتاب اليتيمة بذكره وصبابة من شعرة ولا غنية بهذا الكتاب عن غرر له من نكت دهره وما أقول في بقية الشرف وبحر الأدب وربيع الكرم وغرة نيسابور وشيخ العلوية وحسنة الحسينية وأمام الشيعة بها ومن له صدر تضيق عنه الدهناء وتفزع إليه الدهماء
( وكلام كدمع صب غريب ... رق حتى الهواء يكثف عنده )
( رق لفظا ودق معنى فأضحى ... كل سحر من البلاغة عبده )
فصل في عيادة ما عرفت لعلتي هذه سببا إلا أني رأيت نفس الكرم مشتكية

فشاركتها في شكواها ووجدت عين الكمال قذية فاحتملت عنها قذاها وقلت يا عجبا كيف يشتكي من لم يزل يشكي ولا يشكي ولم يمرض من صحت به آمالنا المرضى
فصل كرم الشيخ يطمعني وتقصيري يوئسني وفضله يقدمني وتقريظي يؤخرني ولئن كان استصغار الصغيرة كبيرة فالإصرار على الكبيرة أكبر وإن كان سكوت المعذر وجها فالاعتذار منه أحرى واجدر
فصل بعض الوقت مقت وبعض الحين حين والطالب عجول والمطلوب منه ملول وكل إناء يرشح بما فيه وكل جان يده إلى فيه
لفظه يا أسفي على وفاة الوفاء ولو كتبت أحاسن شعره لاستغرقت الكتاب كله ولكني أكتب لمعا منها تفي بشرط الاختصار والاقتصار كقوله من قصيدة
( كم شادن قد كان بدرا فاكتسى ... خطين فوق مداره لم يكتبا )
( دارت مكان القرط عقرب صدغه ... يا من رأى بدرا تقرط عقربا )
وقوله
( هنيئا لكم يا أهل غزنة قسمة ... خصصتم بها في الناس من هذه الدنيا )
( دراهمنا تجبي إليكم وثلجكم ... يرد إلينا هذه قسمة ضيزى )
وقوله من قصيدة سخرية
( أفناني الدهر ولم أفنه ... وجد في كيدي الجديدان )
( حتى رماني الدهر عن قوسه ... وشق قلبي فهو نصفان )
( فنصفه نهب سجستان ... ونصفه نهب خراسان )
وقوله
( تقضى الشباب فما أمرح ... وبان الحبيب فما أفرح )

( وهذا زمان كما قد ترى ... فقل لي فديتك ما أمدح )
( كتبت على أسمك يا سيدي ... على اليأس منك ولن تفلحوا )
وقوله
( أسرب القطا هل من معير جناحه ... فيوسعني برا وأوسعه شكرا )
( لعلي ألقى من أحب لقاءه ... فقد فرق الأيام ما بيننا دهرا )
وقوله في يوم بارد ثالج
( يوم عبوس كالح وجهه ... بزمهرير البرد موصوف )
( كأن فيه ثلجه ساقطا ... قطن على الصحراء مندوف )
وقوله في الأشجار والقمراء
( ألا صرف لنا خمرا ... فنفس الصب مدهوشه )
( فصرفها وقربها ... وغرب وهي مغشوشه )
( على أنواع ريحان ... بماء الطل مرشوشه )
( ترى الشجراء في القمراء ... بالأفياء منقوشه )
( كأن الأرض من حسن ... بجلد النمر مفروشه )
وقوله من أرجوزة
( والنجم في مطلعه ... كزيبق قد اضطرب )
( والبدر في نقصانه ... كنصف طست من ذهب )
وقوله في البدر
( أما ترى البدر في السمراء ... من قرع الغيم في غشاء )

( دور قدا كترس تبر ... مغرق في غدير ماء )
( أو وجه حسناء في نقاب ... تمشي الهوينا من الحياء )
وقوله في الدمل
( أشكو إلى الشيخ أذى دمل ... أرقني ليلي من وخزته )
( أشد من لذعته أنه ... أقعدني يومي من حضرته )
وقوله في اللاخشة
( لاخشة في الطبق ... كالصبح بين الغسق )
( منضودة أوراقها ... واضحة كالورق )
( حسبتها من لطفها ... وجرمها المرقق )
( غرقى تبيض رقة ... أو قطعا من شرق )
( أكلت لما قدمت ... أكل امرء ذي حنق )
( وخلتني الفضل وقد ... نال المنا من عبق )
وقوله في البرد المجحف بالثمار
( يقولون أن البرد يجحف بالثمر ... وأن معاش الناس منه على خطر )
( فقلت لهم ما دام ربي رازقا ... فلست أبالي الجوائج والضرر )
107 - الأمير أبو إبراهيم نصر بن أحمد الميكالي أدام الله عزه
فرد خراسان وبدرها وصدرها وفخرها ومن لم ير مثله في الجمع بين شرف الأصل وكمال المجد وكرم الطبع وبين الآداب العربية والفارسية والآداب الملوكية

وله شعر بارع قل ما يطهره ولكن درره تلتقط من مجلسه وغرره تختلس من فمه
كقوله
( اتق الله لا الأعداء واعلم يقينا ... بأن الذي لم يقضه لن يصيبكا )
( وحظك لا يعدوك إن كنت قاعدا ... ولا أنت تعدو حين تعدو نصيبكا )
وقوله
( ما قبيح كالبخل قبحا ولا كالجود ... كل الخصال حسنا يفوت )
( ثم بخل مع التواضع خير ... من سخاء يشوبه جبروت )
( ولعمري إن المرند ذا البخل ... لئيم مذمم ممقوت )
وقوله
( لعمرك من ولاك وجه اعتذاره ... من الفعل يأتي وهو في الحال فاعله )
( كمغتذر من أكله ذات بطنه ... إلى آكليه وهو في الحال آكله )
وقوله في مرثية أبي العباس بن طاهر بن زينب
( نعوالي أبا العباس شمس المفاخر ... وبدر المعالي كلها والمآثر )
( فقلت لهم والقلب مني خافق ... أناشدكم لا تجعلوه ابن طاهر )
وقوله وله قصة
( عجبا للزمان حين بلاني ... بأناس لهم عقول سخيفه )
( حسدوني على نزولي خصا ... بعد سكناي في قصور منيفه )
( حسد الكلب والغراب إذا ما ... رأيا الباز واقعا فوق جيفه )

وقوله في تراجع الشرب
( شربت الراح شرب الهيم دهرا ... فصرت الآن أشرب بالتكلف )
( ويكفيني غمير دون صحن ... وما ضر التخلف في التخلف )
وقوله لبعض أصحابه
( حسبتك لب الجود بذلا وهمة ... فأدخلت فيما كنت أحسبه وهنا )
( وكنت كما قدرت لب سماحة ... ولكن كلب الجوز إذ فارق الدهنا )
وقوله في قينة تسمى دهزاره
( تبدى النور والقمري أضحى ... يجاوب في ترنمه هزاره )
( فطاب الوقت والدنيا ولكن ... أمر العيش فرقة دهزاره )
وقوله
( اذا محنة ضاقت بدرعك فاصطبر ... وثق بتقضيها اذا ساعد العمر )
( فرأسك غصن الصبر والصبر دوحة ... وما دام غصن الدوح ينتظر الثمر )
108 - الشيخ الإمام الموفق أبو محمد هبة الله بن محمد بن الحسين أدام الله تعالى عزه
لسان الشريعة وحصن الأمة وشمس الملة ومحله في السؤدد والزعامة وإمامة الخاصة والعامة أجل وأرفع من أن يذكر بالشعر الذي هو أدنى فضائله وأصغر خصائصه ولكني أزين كتابي باسمه وأتوجه بذكره وأنشد له أبياتا نطق بها لسان مجده فمنها قوله في صباه كالعادة للأدباء السادة

( سمحت بروحي في هواها لأنني ... أرى الموت في حب الحسان يسيرا )
( أسير وقلبي في هواها مقيد ... فأعجب بإنسان يسير أسيرا )
وقوله
( ولما بدا لي منها النفور ... عدوت أصيح النفير النفيرا )
وقوله في ذم حمام
( وحمام له طبع عجيب ... يميل إلى البرودة واليبوسه )
( فنجم البرد منه في سعود ... ونجم الحر منه في نحوسه )
وكتب إلى بعض أصحابه الحكام
( يا أيها الحاكم الحاكي شمائله ... حيا الربيع وبدرا لي محياه )
( أظن نار اشتياقي نحوه اشتعلت ... حتى أعارته حماه حمياه )
109 - أبو سعد الكنجروذي
يذكر نيسابور في خمس طبقات من أهلها وهم الفقهاء والأدباء والشعراء والدهاقين والعراة ويعد في كل منها متقدم القدم ممتد الغرة والتحجيل ولا يتسع كتابي هذا من تفصيل هذه الجملة إلا لنبذ من شعره يعرب عن سعة فضله كقوله في الغزل
( إذا انثنى ورنا سلت محاجره ... قواضبا وبدا مياس قضبان )
( ردف كحقف وقد من تمايله ... خوط وخصر حكاه خيط كتان )

وقوله
( يكسر ظهر الصب تكسيره ... للصدغ والجفن لدى الغمزه )
( كأنما التجعيد من شعره ... في ألفات صورة الهمزه )
وقوله
( بين مخط العارض امتد من ... خال وشعر فاحم خط )
( كأنه خط الكتاب الذي ... لاح عليه العجم والنقط )
وقوله
( في وجهك الزاهر لي نزهة ... فهو بما يجمع بستان )
( لي نرجس منه وورد ومن ... شاربه الأخضر ريحان )
وقوله في الخلاف الأحمر
( انظر إلى أحمر الصفصاف تحسبه ... بين الرياض إذا تلقاه ممطورا )
( حمر اليواقيت والأوراق بارزة ... زمردا ونداه الدر منثورا )
وقوله في الثلج
( إلا ترى اليوم قد أصحت سحائبه ... دكنا وأصبح يأتي ثلجه دفعا )
( كأن ورق جمال عدن هائجة ... يرمين بيض لعام تنهمي قطعا )
وفيه أيضا
( جمد الثلج فلي منه ... على العاج معاج )
( وعلى الأرض لنا منه ... زجاج وزجاج )

110 - أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري رحمه الله
ولد بنيسابور ونشأ بها وتأدب فيها مستظلا بظل الكفاية وتخرج فخرج منقطع القرين في أصول الأدب وفروعه والجمع بين ثماره ورياحينه وإضافة نثره الذي هو سحر البيان إلى نظمه الذي هو قطع الجنان وخدع الزمان على الحداثة من سنة والغضاضة من عوده وهو الآن بالحضرة حرسها الله تعالى في أعيان كتاب الرسائل وهذه فصول من نسخة كتاب له يعرب عن تقدم قدمه في الكتابة واتساع باعه في البلاغة كتبه إلى الأديب أبي علي الحسين المروروذي وكان خرج إلى جرجان بعد معاشرته إياه بنيسابور خرج الأستاذ أدام الله عزه والقلب بجناح الشوق نحوه طائر إلا وهو معه سائر مثل صاع العزيز في أرحل القوم ولا يعلمون ما في الرحال استنشق نسيم سلامته من كل واد واهدي إليه سلامي مع كل رائح أو غاد وها أنا مقصد بسهم فراقه موثق في قيد اشتياقه فالسلام على العيش حتى أراه ولا مرحبا بالحياة أو أحيا بمحياه وسقى الله أيامنا في ظله واستسعادنا بقربه وانتهازنا فرص اللذة به إذ العيش غض والزمان غلام ولقاؤه برد على أكبادنا وسلام أذكره الله متنزهنا بآخرة والسماء زرقاء اللباس والشمال ندية الأنفاس والروض مخضل الإزار والغيم منحل الأزرار وكأن السماء تجلو عروسا وكأنا من قطرها في نثار والربى أرجة الأرجاء شاكرة صنيع الأنداء ذهب حيثما ذهبنا ورد حيث درنا وفضة بالفضاء والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيبا والصحارى قد لبست من نسج الربيع بردا قشيبا ولا ربع إلا وللأنس فيه مربع ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع والكؤوس تدور بيننا بالرحيق والأباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالأغصان عبث الدل بالغصون الرشاق والدن يجرح بالمبزال فتل الصايغ طوق الخلخال

( إذا فض عنه الختم فاح بنفسجا ... واشرق مصباحا ونور عصفرا )
ولا نقل إلا من رياض أدبه ومحاسن فضله وخصايص خلقه ومكارم طبعه إلى كلام طويل فهذا نموذج من نثره وهذه غرر من نظمه كقوله
( ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خدا له بدم القلوب مضرجا )
( لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا )
وله من قصيدة
( ورب بيضاء ريا الجلد فاء لها ... ريعان من ترف غض وريعان )
( طرقتها والسرى والعزم قد شهرا ... وهنا غرارين من جفني وأجفاني )
وقوله من قصيدة
( بانوا بهيفاء يعزو سيف مقلتها ... قلب المتيم في جيش من الفتن )
( شمس على غصن هام الفؤاد بها ... يا ويح قلبي من شمس على غصن )
( وطال ما غاب عن جفني لزورتها ... وجفن سيفي غرار النصل والوسن )
وقوله من قصيدة في التوحيد والإنس بالوحدة والكتب والاستغناء به عن معاشرة الناس
( ولقد ألفت قناء بيتي لابسا ... حلل الغنا ألف القطا الأفحوصا )
( لم ادرع طمعا ولم امدد يدا ... نحو النوال ولا زجرت قلوصا )
( أجتاب أن خصرت أنامل راحتي ... من نسج دنى جبة وقميصا )
( وإذا أردت منادما لم تلقني ... إلا على عز العلوم حريصا )

( فترى الكتاب مجالسا لي مودعا ... سمعي فصولا تنتقي وفصوصا )
( لا مفشيا سري ولا متنمرا ... جهم اللقاء ولا علي خروصا )
وقوله من نتفة
( كم جاهل أحصى علي بزعمه ... شيما يظن بها علي مناقصا )
( فأجبته ويد النوائب سددت ... عن قوسها نحو الفؤاد مشاقصا )
( لو كان أيقاع الزمان مساعدي ... لوجدتني في سكر عيشي راقصا )
( الذنب للأيام حين تركنني ... ظلما على جيدي لها متواقصا )
وقوله من نتفة
( شباب هز عطفك لم ترقه ... خليع الرأس في طرب ولهو )
( فأنت إذا وقد ولى حثيثا ... لأخسر صفقة من شيخ مهو )
111 - أبو حفص عمرو بن المطوعي الحاكم
قد نطق كتاب اليتيمة بذكره والإفصاح عن حاله ومحله وتضمن باكورة شعره وهذا مكان ملح بديعة وإفراد معاني أنيقة من غرر سحره التي سنحت له بعد فراغي من تأليف ذلك الكتاب ولا غنية بهذا الكتاب عن التزين بها وهذه ألفاظ له على مقدمتها كقوله من كثر تبره كبر كبره وقوله حفظ الأيمان من وثايق الإيمان وقوله الهوى كثير الهوى والخمر ملاذ الملاذ وقوله بينهما من الصرف ما بين الولاية والصرف وقوله ليس للشاتي كجلد الشاة ومن بدايع شعره قوله في الغزل
( يا خادما يملك مني خادما ... قد صير الدنيا على خاتما )

( كم دم صب قد صببت ظالما ... أخادما أصبحت أم أخادما )
وقوله
( خليلي إني واحد العصر في الهوى ... لمن قد غدا في الحسن واحد عصره )
( قضيب ولكن مبسم النور ثغره ... وبدر ولكن المحاق لخصره )
وقوله
( قالت عهدتك تبكي ... دما حذار التناء )
( فما لعينيك جادت ... بعد الدماء بماء )
( فقلت ما ذاك عندي ... لسلوة أو عزاء )
( لكن دموعي شابت ... لطول عمر بكائي )
وقوله
( بانوا فأمطرت الأجفان بعدهم ... من نور عيني على خدي نوعين )
( حتى إذا نفضت عيني مدامعها ... بقيت أبكيهم دمعا بلا عين )
وقوله
( أضحك كؤوسك بالصهباء مبتكرا ... فقد أتاك سحاب باكر شاكي )
( يبكي ويضحك فيه البرق مبتسما ... كأنه حين يبدو شاكر شاكي )
وقوله في نور الخلاف المسكي
( قم هات دهقانية ... وعليك بالكاس الدهاق )
( أو ما ترى نور الخلاف ... كأنه نور الوفاق )
وقوله فيه أيضا
( أو ما ترى نور الخلاف كأنه ... لما بدا للعين نور وفاق )

( كاكف سنور ولكن نشره ... يسعى بفار المسك في الآفاق )
وقوله في الريباس والباقلاء
( يا حسن ريباس أتاك مزاوجا ... للباقلاء الغض أي زواج )
( كأنامل قد غشيت بزبرجد ... وصلت بهن سواعد من عاج )
وقوله في الاسفاناخية
( قد قلت للطباخ ما جاء في ... مرضي بلون ليس فيه طباخ )
( هلا طبخت لنا سواه فإنه ... أسف أناخ فقيل اسفاناخ )
وقوله في السلطان الأعظم أدام الله تعالى ملكه
( أرى حضرة السلطان يفضي عفاتها ... إلى روض مجد بالسماح مجود )
( وكم لجباه الراغبين لديه من ... مجال سجود في مجالس جود )
وقوله في التلفيق بين ستة من الطير
( يا رب ليل لو تجسم ... لم يكن غير الغداف )
( بتنا به وشرابنا ... صرف كعين الديك صاف )
( يسعى بذاك مهفهف ... بمحاسن الطاووس واف )
( ولنا مغن لحنه ... للعندليب بلا خلاف )
( حتى سمعت تجاوب ... العصفور في قضب الخلاف )
( ورأيت باز الصبح منشور ... القوادم والخوافي )

وقوله في مؤلف هذا الكتاب
( كلام أبي منصور فيه عذوبة ... ينوب عن الماء الزلال لمن يظما )
( فنروي متى نروي بدايع نظمه ... ونظما إذا لم نرو يوما له نظما )
وقوله
( من كان في الحشر له شافع ... فليس لي في الحشر من شافع )
( غير النبي المرسل المصطفى ... ثم اعتقادي مذهب الشافعي )
112 - أبو منصور يحيى بن يحيى الكاتب
فاضل ملء ثوبه كاتب بحقه وصدقه شديد الاختصاص بالأمير أبي الفضل الميكالي أدام الله تعالى عزه مقتبس من نوره يقول
( حدث أخاك إذا عدمت مطية ... إن الحديث مطية للراجل )
( واصحب ذوي الآداب إنك لن ترى ... زلقا لرجلك مثل صحبة جاهل )
113 - ابنه أبو الوفاء محمد بن يحيى
قد حاز في عنفوان شبابه واقتبال زمانه محاسن الأدب وبرع في النثر والنظم وأخذ بأطراف الفضل فمن بارع شعره قوله في الأمير أبي الفضل أدام الله عزه من قصيدة
( سعاد خدمة الأرباب أولى ... بمثلي من سعاد أو رباب )
( عنيت به بني ميكال من لا ... يداني جودهم جود السحاب )
( هم رحضوا خمول الدهر عني ... وأعطوني وقد صفرت وطابي )

( ودلوني على العلياء حتى ... دخلت على العلى من كل باب )
( ومن يمدح عبيد الله يقدح ... بزند في المعالي غير كاب )
( ويستمسك بحبل ليس يخشى ... عليه قط داعية انقضاب )
( سأستغني به عمن سواه ... كما استغني الشباب عن الخضاب )
( أدام الله دولته وأجنى ... يديه ثمار عيش مستطاب )
( وعوده سعادة كل عيد ... يعاوده إلى يوم الحساب )
وكتب إليه أبو عبد الله الحسين بن علي البغوي الكاتب
( رأيت الفضل يحيى يا بن يحيى ... فجانبه أبو يحيى طويلا )
( مودته ممازجة لقلبي ... كما قد مازج الماء الشمولا )
فأجابه أبو الوفاء
( أبا عبد الآله بقيت جزل الكلام ... تنيلنا برا جزيلا )
( فما ابن المزن زوج بنت كرم ... ليمهرها أخو الكرم الغفولا )
( بأشهى من كلامك في فؤادي ... وقد سلى الجوى وشفى الغليلا )
وقال أيضا
( سقى عهد الصبا مطر الدموع ... وأيام الحمى غيث الربيع )
( سنين طويتها شهرا فشهرا ... ولم أعرف جمادى من ربيع )
وقال
( قل للأمير ومن لي ... بأن يرد جوابي )
( سللت جسمي لما ... سللت سيف العتاب )

وقال
( بقيت بمرو الروذ في عدة المطر ... وطول مقام المرء في مثلها خطر )
( إذا ما أذان الرعد آذاننا وعت ... لقينا بها الحيطان تسجد للمطر )
وقال من أخرى أميرية
( لله در الصبا ما كان أطيبه ... لو أن صرف الليالي لم يصب درره )
( أيام غصن شبابي ناضر خضل ... مرفرف الظل تجني راحتي ثمره )
( لا أزجر الطير مهما زرت غانية ... ولا يطيرني العذال والزجره )
( إذا مررت بخدر دون هودجه ... خوادر الأسد آبى أو أرى قمره )
( أرى السعادة في سعدي وطلعتها ... واليمن في حر وشى اليمنة الحبره )
( يا رب يوم بحر الشمس منتقد ... أزارنيها اشتياقي وهي منتظره )
( فاستقبلتني في كحلي معجرها ... كسنة البدر بالظلماء معتجره )
( إذا خطت خطوة نحوي لتكرمني ... رأيت خلخالها يستخدم الشعره )
( ورب ليل يكاد الصبح يسبقه ... أعاره شطر إبهام القطا قصره )
( قد ضمنا تحت أذيال السرور معا ... كالورد قد ضم في أكمامه زهره )
( سقيا له من زمان لست أذكره ... إلا رأيت دموع العين مبتدره )
( هيهات ما للفتى في دهره عوض ... عن الشباب فخذ عن عالم خبره )
( إلا لقاء عبيد الله سيدنا ... هذا الأمير فذاك العيشة النضره )
وهي طويلة

114 - أخوه أبو سلمة أيده الله تعالى
خلف أبيه وشبيه أخيه وكاتب الأمير أبي الفضل أدام الله تعالى عزه والمتخلق بخلقه والجاري في طرقه والمستملي صحف فضله ومن لا يتميز خطه من خطه وهو أشبه به من الغراب بالغراب والتمرة بالتمرة وله شعر كخطه مثل قوله في الغزل
( ظلم الحبيبة من يشبه قدها ... بالغصن عند تبختر وعناق )
( فالغصن يسمج حين يسقط نوره ... وجمالها في كل وقت باق )
وكتب إليه أبو يعلى البصري يستهديه حبرا فأجابه إلى ما طلب وعما كتب بأبيات منها
( وبعد فقط أنفدت حبرا كأنه ... يحاكي ظلام الليل أو منة الوغد )
( إذا ما جرى في الطرس خلت سواده ... على الرق نور الحق مع ظلمة الجحد )
( وحق الهوى لو كان أسود ناظري ... وحبة قلبي كنت أهلا لها عندي )
115 - أبو الفضل إسمعيل بن محمد بن الحسن الكرابيسي الحاكم أيده الله تعالى
من أشعر الفقهاء وأفقه الشعراء ومن العلم حشو ثيابه والعقل والفضل من أوصافه يقول ويحسن
( تمنيت أن تحيى حياة هنيئة ... وأن لا ترى كر الزمان بلا بلا )
( رويدك هذي الدار سجن وقل ما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا )

116 - أبو مسعود أحمد بن عثمان الخشنامي أيده الله
من حسنات نيسابور وفضلائها وشعرائها وكلامه كثير الرونق ظريف الجملة والتفصيل كقوله
( وجاهل لج في مشاتمتي ... ولم يكن مبقيا على جاهي )
( سكت عنه ولم أبال به ... والحلم مما يزين أشباهي )
( وبين فكي صارم ذكر ... أغمده عنه خشية الله )
وقوله
( يا واليا عز الولاية عره ... فسطا لذاك على الأنام وتاها )
( اقصر فذل العزل يتبع عزه ... عطر الولاية لا يفي بفساها )
وقوله
( يا سيدا آثر المعالي ... فليس عنها له انحياز )
( حقيقة المجد في يديه ... وفي يدي غيره مجاز )
( فهو لذنب الزمان عذر ... وهو لثوب العلى طراز )
وقوله
( أقول لمن يعد الشيب نورا ... ويزعم أنه يكسو وقارا )
( أحب من الوقار إلي شعر ... يحاكي لونه سبجا وقارا )
وقوله
( أقول وقد عوتبت حين شربتها ... وحيدا ومن أنس النديم عديما )
( عدمت نديما سالما لي غيبه ... فصيرت كاسي مونسا ونديما )

وقوله في الغزل
( وجه أبي الفتح إذا ما بدا ... يغني عن البدر إذا ما طلع )
( لولا دفاع الله عن خصره ... إذا ثناه راكعا لانقطع )
وقوله في الحكمة
( أترجو في زمانك صفو عيش ... وقد عري الزمان من الصفاء )
( وتأمل من بني الدنيا وفاء ... وما شيء أعز من الوفاء )
وقوله في فتى يشتكي ضرسه وهو يعارض أبا سعد بن خلف
( شكت أقاحيك فاشتكيت لها ... يا قبلة الحسن فتنة البلد )
( وجهك شمس الضحى إذا طلعت ... تضر بالأقحوان والبرد )
117 - أبو الحسن محمد بن الشيخ أبي علي الحسين بن محمد بن طلحة أيدهما الله تعالى
كريم الطرفين شريف الجانبين عريق في الأدب والفضل والكرم وسنه الآن دون العشرين وشعره فوق شعر المفلقين المبدعين وقد مرت بي قصيدة له في أبيه لو قالها البحتري أو أبو فراس الحمداني لما زادا وأولها
( أعاتب صرف الدهر والدهر عاتب ... وأطلب منه رد ما هو ذاهب )
( وأرجو من الأيام بالوصل عودة ... وتلك أماني النفوس الكواذب )
( شكاتي من دهري فمن ذا ألومه ... وعتبي على عيني فمن ذا أعاتب )
( كفى حزنا إني أرى البحر جانبا ... وبي ظمأ عن منهل الري جانب )
( وهون وجدي إنني لست واحدا ... من الناس حرا لم تصبه النوائب )
( وإني على ما بي ليجذب همتي ... إلى ساكني نجد من الشوق جاذب )
( رعى الله دارا بالحمى هي دارنا ... وقوما هم أحبابنا والحبائب )

( فكم بالحمى من مرهف القد ناعم ... قد اختلفت للشعر فيه المناسب )
ومنها
( محياه للورد الجني ملابس ... ورياه للمسك الذكي مسالب )
ومنها
( فيا دار بل يا دارة البدر في الدجى ... سقتك دموعي لا سقتك السحائب )
( أما والذي تنضى إلى حج بيته ... مخيسة قب البطون شوازب )
( لقد خانني إلا اشتياق مبرح ... وأسلمني إلا دموع سواكب )
( قضى ربنا أن يصدع الشعب صادع ... فما طمعي أن يشعب الصدع شاعب )
ومنها
( سأضرب في أقصى البلاد وإنني ... إلى الأمد الأقصى من المجد ضارب )
( وللدهر أنياب ضواح ضواحك ... إلي وأسياف قواض قواضب )
ومنها
( ودوية لا مآء إلا سرابها ... ولا ركب إلا آلها المتراكب )
( كأن مطايانا مخاريق لاعب ... تألق فوق الأكم والأكم لاعب )
ومنها
( قطعنا إلى الشيخ الرئيس مجاهلا ... وجبنا الفيافي وهي قفر سباسب )
( وسار بنا رحل وكور ونمرق ... وساع وساع خطوه متعاقب )

( ليفرح محزون ويقبل مدبر ... ويأمن مرتاع ويظفر طالب )
( وتدرك حاجات وتحوى رغائب ... وتبلغ آمال وتقضى مآرب )
ومنها
( بعيد مناط الهم أقرب همه ... فدع ذكر أقصاه النجوم الثواقب )
( وكم أقرأ الأعداء كتبا حروفها ... ظبى ورماح والسطور مقانب )
( وأمطر فاخضرت بقاع نجوده ... ولا حسنها ناض ولا الماء ناضب )
( وللمجد أعلام سوام سوابق ... إليه وأقدام رواس رواسب )
وختم القصيدة بقوله
( فلا زلت يا شمس المكارم طالعا ... بأفق المعالي والشموس غوارب )
( ولا زلت مخضر الجناب فإنما ... بجودك يخضر السنون الأشاهب )
118 - أبو يوسف يعقوب بن أحمد بن محمد أيده الله
قد امتزج الأدب بطبعه ونطق الزمان بلسان فضله ولئن أحوجه الزمان إلي التأديب على كراهيته إياه وتبرمه به لارتفاع محله عنه أن له أسوة في المؤدبين الذين بلغوا معالي الأمور وبعد صيتهم بعد الخمول كالحجاج بن يوسف وعبد الحميد بن يحيى وأبي عبيد الله الأشعري كاتب المهدي وأبي زيد البلخي وأبي سعيد الشيبي وأبي الفتح البستي وغيرهم وما أليق قول البحتري بحاله

( مواعد للأيام فيه ورغبتي ... إلى الله في إنجاز تلك المواعد )
وكذلك قول ابن الرومي
( أما ترى المسك بينا هو على حجر ... يذله كل ذل فهو عطار )
( إذ بلغته صروف الدهر غايته ... فحل منزله من رأس جبار )
وله نثر حسن وشعر بارع كقوله في مؤلف هذا الكتاب
( لئن كنت يا مولاي أغليت قيمتي ... وأغليت مقداري وأورثتني مجدا )
( وقصرت في شكريك فالعذر واضح ... وهل يشكر المولى إذا أكرم العبدا )
وكتب على ظهر كتاب سحر البلاغة له
( سحرت الناس في تأليف سحرك ... فجاء قلادة في جيد دهرك )
( وكم لك من معالي في معان ... شواهد عندنا بعلو قدرك )
( وقيت نوائب الدنيا جميعا ... فأنت اليوم جاحظ أهل عصرك )
وقال في الحجاب
( يا من غدا سابقا في كل مكرمة ... ودون رتبته الغايات والرتب )
( إن كنت محتجبا عنا فلا عجب ... فالشمس في حجرات السحب تحتجب )
وقال يهجو
( وقالوا لي أبو حسن كريم ... فقلت الميم هاء في العباره )
( وما لجلاله أهجوه لكن ... رأيت الكلب يرمى بالحجاره )
وقال
( لا بارك الرحمن في عمري ... إن سرني قرب أبي عمرو )

( وهو صعيد قد تيممته ... إذ ليس يجري الماء في النهر )
وقال
( عرضت على الخباز نحو المبرد ... وكتبا حسانا للخليل بن أحمد )
( ورؤيا ابن سيرين وخط مهلهل ... وتوحيد جهم بعد فقه محمد )
( وأنشدته شعر الكميت وجرول ... وغنيته لحن الغريض ومعبد )
( فما نفعتني دون أن قلت هاكها ... مدورة بيضا تطن على اليد )
وقال في مراءى
( يرى الناس أني كالمسيح بن مريم ... وفي ثوبه المسيح أو هو أغدر )
( أغركم منه تقلص ثوبه ... وذلك حب تحته الفخ فاحذروا )
وقال
( لم تقعدوا فوقي لفرط نباهة ... وجلال قدر أو علو مكان )
( والنار يعلوها الدخان وطالما ... ركب الغبار عمائم الفرسان )
وقال
( إني بليت بحرفة ... بؤسا لها من حرفه )
( هي حرفة لكنها ... مقرونة بالحرفه )
وقال
( نغوض للسيادة يشتهيها ... وليس هناك آلات السياده )
( كعنين أراد نكاح بكر ... ولم يقدر فمال إلى القياده )

وقال
( من كان يعشق منكم شادنا غنجا ... البدر يشبهه والشمس تحكيه )
( فلست أعشق إلا كل ذي أدب ... الوشي من يده والدر من فيه )
119 - أبو محمد الحسن بن المؤمل الحربي
من أولاد أحمد بن حرب الذي يضرب به المثل في الزهد والنسك ويزار قبره بنيسابور منذ مائتي سنة وترفع الحاجات إلى الله عز ذكره وهو أعمر المشاهد بها وقد لبس أبو محمد برد شبابه على فضل مكتهل وظرف مقتبل وشعر مقبول وأدب معسول فهو كما وصف الصاحب بعض فضلاء الندماء فقال إن أردت فهو سبحة ناسك أو أحببت فهو تفاحة فاتك أو اقترحت فهو مدرعة راهب أو آثرت فهو تحية شارب ومن ملح شعره قوله
( أيا من فضله عم البرايا ... ونال المجتدون به المباغي )
( ترفق بالرسول فدتك نفسي ... فليس على الرسول سوى البلاغ )
وقوله في النيروز
( يا شمس أهل المشرق أسعد فقد ... حلت برأس الحمل الشمس )
( واشرب على طلعة نيروزها ... كأس مدام يدم الأنس )
وقوله من قصيدة
( ثار الغبار غداة ثارت عيسهم ... فشممت من ذاك الغبار عبيرا )
( تالله لو شاهدت وقت وداعهم ... لرأيت دمعا في الخدود غزيرا )

( ولقيت منهم من يشق صداره ... ولقيت منا من يشق صدورا )
وقوله
( قالوا التحي فبدا الظلام بوجهه ... فتسل عنه فإنه لا يرتجى )
( فأجبتهم كيف التسلي بعدما ... زادت محاسن وجه لما دجى )
( فالنجم يحسن في الظلام وقل ما ... يبدو بهاء البدر إلا في الدجى )
وقوله لمؤلف الكتاب
( قد أشرقت أرجاء نيسابور ... وطلعت طلائع السرور )
( بعود مولانا أبي منصور ... لا زال في عز وفي حبور )
( ودولة تبقى على الدهور ... )
120 - أبو الفضل أحمد بن محمد العروضي المعروف بالصفار
إمام في الأدب خنق التسعين في خدمة الكتب وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس متأدبي نيسابور وإحراز الفضايل والمحاسن وهو القائل في صباه
( أوفى على الديوان بدر الدجى ... فسل نجوم السعد ما حطه )
( أخطه أملح أم خده ... ولحظه أفتن أم لفظه )
وأنشدني لنفسه في جمع أسماء الكواكب السبعة في بيت واحد
( يا من يقدر أن الدهر ينصره ... بكوكب عاجز بالله فانتصر )
( لا تشركن برب العرش تجهله ... كوكبا كلها تجري على قدر )
( عطارد زهرة والشمس مع زحل ... كالمشتري الفرد والمريخ كالقمر )

وأنشدني رحمه الله لنفسه
( لعزة الفضة المبرة ... أودعها الله قلب صخره )
( حتى إذا النار أخرجتها ... بألف كد وألف كره )
( أودعها الله كف وغد ... أقسى من الصخر ألف مره )
121 - أبو بكر أحمد بن علي الصبغي
من أهل البيوتات بنيسابور وكان يجمع أدبا وظرفا ويناسب شعره روحه خفة ويخرج في العشرة من القشرة فاحتضر في عنفوان شبابه وتقطعت به أسباب آدابه ورثاه الفاضل الظريف صديقه أبو منصور علي بن أحمد الحلاب الكاتب أيده الله تعالى بقوله
( ولما نعى الناعي أبا بكر الذي ... رمى الدهر عين الفضل حين أصابه )
( تقطع قلبي حسرة وتلهفا ... ولم أبكه لكن بكيت شبابه )
( غزته المنايا من قريب وحددت ... لأترابه طفر الحمام ونابه )
( ويوشك أن ينحو بنا نحوه الردى ... ويسكننا ربع البلى وجنابه )
( سقى الله صوب الغاديات ضريحه ... وأكرم في دار البقاء مآبه )
( خليلي صبرا للرزايا فكل من ... من الترب مخلوق سيلقى ترابه )
ومن ملح أبي بكر قوله
( باكر أبا بكر بكاس ... واشرب على ورد وآس )

( واخلع عذارك جامحا ... ما بين إبريق وطاس )
( فالعيش عيش ذوي الصبا ... والدين دين أبي نواس )
وقوله
( رحم الله من رأى نظم شعري ... فدعا لي بما أشرت إليه )
( قال يا رب نجني من هواه ... أو فرد الذي يحب عليه )
وقوله في إنسان رازي كان يدعي أنه من اللاسكية وينتحل شعر ابن بابك
( أم الذي يزعم أني لاسكي ... حجامة تزوجت بحائكا )
( وكل ما ينشد من أشعاره ... في شعر عبد الصمد بن بابكا )
122 - أبو منصور بن أبي علي الكاتب أيده الله تعالى
من آدب الكتاب بنيسابور وأعرفهم بالرسوم وله خط حسن وشعر كتابي كقوله في ترجمة شعر فارسي حيث قال
( ليس كل الذي انتضى من دواة ... قلما بالغ العلى بالأداة )
( إن حمل العصا لغير بديع ... قلبها حية من المعجزات )
فارسيته
( نه هركو قلم بركرفت ازدوا ... شفا كرد دانذ جهانرا زادا )
( عصا بركرفتن نه معجز بوذ ... همي ازدها كرد بايذ عصا )
وكتب إلى صديق له استعار منه كتابا في شعر
( وقفت على أبياتك الغر إنها ... بدايع ما قدمت لي من نثاركا )
( وإني وأجزاي وما ملكت يدي ... فداء رسول جاء من باب داركا )
( أمامك ما تختار منها وغيرها ... فبادر إلى ما تشتهي باختياركا )

( ودمت لأهل الود دوح مكارم ... تفيدهم طيب الجنى من ثماركا )
وقال في تهنئة بعض العمال بولاية الديوان
( ليهنك يا بدر المجالس والصدر ... طلوعك في الديوان للنهي والأمر )
( تهنا بك الأعمال إذ أنت فخرها ... وقدرك عما نلته أرفع القدر )
( وزينت بك الأيام إذ أنت حليها ... والعصر أنت الفخر للعصر والمصر )
( فلا زلت في ربع العلى متربعا ... تساعدك الأيام في أهنأ العمر )
123 - عبد الرحمن الدوغي الفقيه أيده الله تعالى
يقول في المدح
( جنابك مثل روضات الجنان ... ومنك تنال غايات الأماني )
( حللت من المكارم في ذراها ... ففيها أنت كالسبع المثاني )
( وأنت لفرط فضلك صرت فينا ... أحب من الشباب إلى الغواني )
( إذا عدت محاسنك القوافي ... غفرنا ما جنته يد الزمان )
( فلا زالت من الرحمن يعمى ... لديك قطوفها أبدا دوان )
وله في مختط ينتف
( لما رأى شعر العذار ... بخده قد جاز حده )
( وابتز بهجة وجهه ... أمضى بسوط النتف حده )
وله من قصيدة
( برزت إليك عرايس الأشجار ... في حلية الأنوار والأزهار )
( تحلى سجاياك الحميدة كلما ... عانقن وفد الريح بالأسحار )
( وكأنما الأطيار في ترجيعها ... تنثى إليك بلحن موسيقار )

( وكأن صوب القطر كل عشية ... آثار سيبك في ذوي الأقتار )
ذكر الزوازنة وملح أشعارهم
فمنهم
124 - أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي
كان من أفرادهم أدبا وفضلا ومفلقيهم نظما ونثرا ولفظته زوزن إلى أقطار الأرض وآفاق البلاد وحرفة الأدب زميله ونزيله وحليفه وأليفه وتصرفت به أحوال في تأديب ولد ابن ينفع وانتجاع الصاحب وغيره وطالت مدته في الغربة ثم عاد إلى الوطن على غير قضاء الوطر ولم يلبث أن انتقل من ضيق العيش إلى ضيق القبر لم يلق بين الضيقين فسحة ورحمة الله تعالى حسبه وهذه فصوص من كلامه ورسائله
فصل تحيرت فما أدري أفارة مسك فتقت أم شمامة كافور نفحت أم لطيمة فض ختامها أم قسيمة فرقت أقسامها أم محاسن وصال كأنهن محامد نظمن عقدا وفضايل نسقن عقدا وكأن زمانها عطار ولياليها أسحار
فصل نحن اليوم في باغ وفي زمن غير باغ وظلال أشجار موقرة بالثمار نزود بينها كما نريد بين قيان تجود عليها فتجيد
فصل في وصف أطعمة وحلاوى صحاف أنقى من الفضة بشرة تتناوب على المائدة عشرة عشرة بعد بوادر ومخللات تحسبها الجواهر محللات وقل يا سيدي في الفالوذج المعكك والقرص السكري المفكك والقاطولي الذي يقال عنده لليد طولى والقرص العسلي الذي يهون لبس العسلى أوصاف أرق من أوصافي مفصص بفيروزج الفستق مفضض بلباب اللوز في مثله يتنافس المتنافسون وله يعمل العاملون
فصل بخور لها في مجلس بخار وعقار يهون فيها العقار

فصل صحو يكاد من الغضارة يمطر وأزهار تكاد من الاهتزاز تنظر
فصل أما والحدق المراض وسهام الألحاظ والروض غب القطر فإن لها حقا وأنفاس السحر فإني عبدها رقا إني منذ حرمت منك حلاوة الرضى ودعت العيش المرتضى وبت على مثال جمر الغضا وحد السيف المنتضى ويا ليتني كنت نسيا منسيا قبل أن أعد لديك مجرما ومسيئا وليت الطير يخطفنني والدن تحطمنني فإن ذلك أهون من تفريع ذلك القريع وعتبه الذي صنع بي صنيع السيف الصنيع
فصل أراني الله بها أهلا كانوا للفضل أهلا
فصل الشوق الذي أقاسي يصدع الحجر القاسي والذي مر برأسي يهد الجبل الراسي من نواكب أوهت المناكب وعوارض شيبت العوارض ومحن عظام أثرت في العظام وللأنام دول متعاقبة وللصبر الجميل عاقبة
فصل بلدة هي من أخلاقه جونة العطر ومن محاسنه عيد الفطر
فصل ما أولاه بمثل ما أولاه وأحراه بمثل الذي تحراه وأحقه بالشكر الذي استحقه
فصل هذا وسميه فلا يحرمني وليه وقد سر بالابتداء فليسر بالعود وليه
وهذه غرر ودرر من شعره فمنها قوله من قصيدة أولها
( تبدلت من بعد الحبيب المفارق ... سواد الليالي وابيضاض مفارقي )
ومنها
( سقى البارق الغوري عذبا من الحيا ... محلتنا بين العذيب وبارق )
( وأغنى مغانيها وأرضى رياضها وشق بلطم القطر خد الشقائق )
( محلة ايناسي ومغنى أوانس ... ومركز رايات ومرعى أيانق )
( فيا يومها كم من مناف منافق ... ويا ليلها كم من مواف موافق )
ومنها
( كأني شهد مجتنى لفم الردى ... وكل مصيبات الزمان ذوائقي )

ومنها
( ولم أنتبه إلا وذكرك صاحبي ... ولم أغتمض إلا وطيفك طارقي )
وقوله من قصيدة صاحبية في العيادة والتهنئة بالإقبال
( أطلع الله للمعالي سعودا ... وأعاد الزمان غضا جديدا )
ومنها
( بعث الدهر جنده وبعثنا ... نحو دعوة الآله جنودا )
( يا عميد الزمان إن الليالي ... كدن يتركن كل قلب عميدا )
( حادثات أردن إحداث هدم ... لعلاه فأحدثت تشييدا )
وقوله من أخرى
( سلام عليها إن عيني عندما ... أشارت بلحظ الطرف تخضب عندما )
ومنها
( وزرت به كافي الكفاة وعنده ... أرى الفضل فذا والتفضل توأما )
ومنها
( ينال لديه معتفى الفضل أجر ما ... سقى وينال العفو من كان أجرما )
ومنها
( وما السيف صمصام ولا الرمح في الوغا ... أجم إذا لم يلف عزما مصمما )
وقال يهجو
( أمسى أجل الشعر لا ينتقي ... وأجهل الناس به من نقد )
( إن الذي ميز أشعارنا ... أولى من النقد برعى النقد )

وقال
( مطارحة الوسائد في النوادي ... مميزة اللئام من الكرام )
( يطاهن الكريم بأخمصيه ... وهن يطأن اقفاء اللئام )
وقال في أخرى
( وكلفني من بلايا الفراق ... حكما يطاع وما أن يطاق )
( رقيب يعوق وخل يعق ... وحسن يروق ودمع يراق )
( وقلب يصب ودمع يصب ... ونفس تشاق وروح تساق )
( سقى الله حالين من دهرنا ... طراد العناق وطيب العتاق )
وقال
( اثنان أجمع أهل الآداب ... أن لا يعابا )
( المستميح شرابا ... والمستعير كتابا )
125 - أبو جعفر محمد بن إسحاق بن علي البحاثي
زينة زوزن وظرف الظرف وريحان الروح يقول في هجاء لحيته الطويلة
( يا لحية قد علقت من عارضي ... لا أستطيع لقبحها تشبيها )
( طالب فلم تفلح ولم تك لحية ... لتطول إلا والحماقة فيها )
( إني لأظهر للبرية حبها ... والله يعلم أنني أقليها )
ويقول في ذم خال على وجه بعض من يهجوه
( أبو طاهر في الشوم واللوم غاية ... بعيد عن الإسلام والعقل والدين )
( على وجهه خال قريب من أنفه ... كمثل ذباب واقع فوق سرقين )
وله في مرثية أبي بكر الصبغي الذي تقدم ذكره من نتفة
( وارحمتا لشبابه ... إذ لم يمتع بالشباب )

( وكأنه في قبره شمس ... توارت بالحجاب )
وله في الغزل
( لما ترحل من أهوى ودعني ... وصرت من بعده حيران مبهوتا )
( نظمت درا على القرطاس من غزلي ... ومن دموعي على الخدين ياقوتا )
وله
( ينيكون غزلان الحسان ولا أرى ... غزالا من الغزلان فردا بساحتي )
( فمن يك قد لاقى من النيك راحة ... ففي راحتي والريق أنسي وراحتي )
وله
( ولما رأبت الفقر ضربة لازب ... ولم يك لي في الكف عقد على عقد )
( ولا لي غلام قد يناك ولم يكن ... سبيل إلى الترك المكحلة الجرد )
( شريت قبيحا من بني الهند أسودا ... ونيك هنود السود خير من الجلد )
ومن أحسن ما قيل في وصف البطيخ قوله
( وزائرة تاهت علي ببردها ... ويعجبني منها خشونة جلدها )
( ثقيلة ما بين الإهاب قصيرة ... وصفرتها تبدو بظاهر خدها )
( وفاح لها طيب يسير أمامها ... فيحيي لنفس الصب ميت وجدها )
( فقمت إليها مسرعا فافترعتها ... وذقت لذيذا من عسيلة شهدها )
وقال في قصر بناه ضد له
( بنى أبو العباس في داره ... قصرا فلا متعه الله به )
( نام عن الجود ولكنه ... في بخله مستيقظ منتبه )

وقال في التبرم بالأدب
( إني أقول وخير القول أصدقه ... والصدق يحمل أحيانا على الكذب )
( لا تجمعن أبدا علما ولا أدبا ... وجد في طلب الأموال واغترب )
( في المال زين وفخر إن ظفرت به ... والبؤس والنحس والأدبار في الأدب )
وله عند خروجه في سفر
( خرجت مع الركب الغداة مسافرا ... فيا ليت شعري هل أأوب مع الركب )
( إذا ذكرت نفسي ديار عشيرتي ... تحدر دمع العين سكبا على سكب )
وقال
( أقول إذا رمت الحادثات ... بي من بحار الأسى في لجج )
( أيا نفس صبرا عسى الله أن ... يقدر لي عن قريب فرج )
وقال في أحمد الخشنامي
( وذي أدب بر رميت ببعده ... معين على الأيام أفديه من أخ )
( به أرخ المعروف والمجد والعلى ... ولولا تناهى مجده لم يؤرخ )
( وقد كنت أشكو البين في ربع فرسخ ... فكيف وفيما بيننا ألف فرسخ )
وقال في غلام تركي
( بليت بقناص الضراغم شادن ... من الترك لم تحلل تمائمه بعد )
( تضيق علي الأرض من ضيق عينه ... وينزف شعري شعره الفاحم الجعد )
وقال من قصيدة
( لا وأفخاذ الصغار ... وأحيراح الجواري )

( وستيه من صبي بالغ ... حد العشاري )
( وصغير من بني الترك ... يسقى بالكبار )
( لا أطيع العاذل الجاهل ... في ترك العقار )
( همتي شرب خمور ... من يدي ذات خمار )
( أو يدي ظبي غرير ... رخو معقود الإزار )
( لست والله على اليم ... مع الزير بزاري )
126 - أبو بكر أحمد بن محمد القوهي
أحد فضلاء الزوازنة وشعرائها يقول في شكاية فقهائها لما اختاروا لزعامتهم أسرا فيل الغزنوي
( لنا فقهاء شرهم جد محكم ... وإن زل خير منهم فهو ينسخ )
( أقاموا على الناس القيامة جهرة ... وجاءوا بإسرافيل في الصور ينفخ )
وله من قصيدة
( كم من مود له عقار ... عقاره شد وهو خفا )
أي صار عقار بالتشديد وصار هو موديا بالتخفيف
127 - أبو يعلى الزوزني
من أشهر فضلائها وظرفائها وهو القائل من نتفة
( لم أزل قائلا بفضلك في السراء ... فانظر إلي في الضراء )
وهو القائل
( أنلني يا حليف المجد سؤلي ... ولا تنظر إلى ثقل الرسول )
( فإن ضرورة الأيام تلجى ... أحايينا إلى الرجل الثقيل )

128 - أبو الحسن العبد لكاني
والد أبي محمد العبد لكاني الذي طبق الدنيا بشعره المليح الظريف وكتاب اليتيمة مختوم به وعهدي بملكين يجري شعره على لسان كل منهما وهما الأمير أبو العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه والأمير صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما فأما والده أبو الحسن فإنه يقول في قرية بهداذين من قرى زوزن ما استظرف البيت الأخير منه وهو
( اشرف ببهداذين من قرية ... عن شاينات العيب في حرز )
( لكنها من لؤم سكانها ... حطت إلى الذل من العز )
( ما إن ترى فيها سوى خامل ... جلف دني أصله كز )
( لا تعجبوا منها ومن أهلها ... فالسوس لا ينكر في الخز )
ويقول في التماجن
( رجل أسدى إلينا صالحا ... فمعاذ الله أن نجهله )
( بل نكافيه به أضعافه ... إن من يفس لنا نخر له )
129 - أبو علي بن أبي بكر بن حشبوية الزوزني
أنشدني أبو القاسم بن أبي منصور له
( تعجب من مشيبي في شبابي ... كأن لم تلق من قبلي مشيبا )
( فقلت ذرى التعجب إن هذا ... زمان يجعل الولدان شيبا )
وأنشدني غيره له أيضا
( ليس من قلة العقول أتينا ... بل لما ساقه الجدود العواثر )
( كيف نرجو نجاحنا من رئيس ... ليس يحظى لديه إلا مواجر )

130 - أبو الحسن علي بن أبي علي بن جعفر المعروف بابن سيسنبر الزوزني
يقول في معنى تفرد به وهو يقع في باب تكلم كل إنسان من صناعته وقد مر مثله في ذكر أبي بكر القوهي وغيره
( كفى الشيب عيبا إن صاحبه إذا ... أردت له وصفا به قلت أشيب )
( وكان قياس الأصل إن قست شائبا ... ولكنه في جملة العيب يحسب )
يعنى أن معائب خلق الإنسان في كلام العرب يجيء أكثرها على أفعل مثل أعمى وأعرج وأعور وأزرق واحول وأقرع وأصم وأبخز وأوقص
131 - أبو علي الحسين بن أحمد رزغيل
له
( إلى الله أشكو ما لقيت من النوى ... فلم يلق منها ما لقيت متيم )
( فراق وهجر واشتياق وغربة ... فلله قلب بينهن مقسم )
وله
( ولي همة فوق نجم السماء ... ولكن حالي تحت الثرى )
( فلو ساعدت حالتي همتي ... لكنت ترى غير ما قد ترى )
وله
( أبا الفضل يا عين الفضائل إنني ... عليك لمثن غير إني قاصر )
( وإن الذي يرنو إلى الشمس ناضرا ... ليرجع عنها طرفه وهو حاسر )

ذكر سائر أهل نواحي نيسابور
منهم
132 - طاهر بن عبد الله البيهقي
كتب إلى أحمد بن عثمان الخشنامي الذي تقدم ذكره
( يا بن عثمان يا كريم السجايا ... صانك الله عن جميع البلايا )
( أنت في الفضل والبراعة والظرف ... وكل الخصال فقت البرايا )
( صح لما رأيتك اليوم عندي ... قولهم إن في الزوايا خبايا )
133 - أبو الهيجاء علي بن حمدان الخوافي
يقول في الشيخ الإمام الموفق أدام الله عزه
( إن الموفق لو كانت أنامله ... بحرا لآذن أهل الأرض بالغرق )
( ولو نثرت على الدنيا محاسنه ... ما أنبتت غير حسن الخلق والخلق )
ويقول في مطايبة أهل زوزن
( إن التكهرش عادة يحظى بها ... أهل المروة والذي يتظرف )
( لكنه في أهل زوزن عادة ... مطبوعة ولأهل خواف تكلف )
134 - أبو العباس محمد بن إبراهيم الباخرزي
غرة شادخة في وجه ناحيته مرغوب في شعره أنشدني أبو القاسم علي بن الفضل القائني رحمه الله قال أنشدني أبو العباس الباخرزي الكاتب لنفسه وكان إذ

ذاك يكتب للشيخ العميد أبي القاسم منصور بن محمد بن كثير أدام الله عزه بغزنة
( قل للأمير السيد النحرير ... فقت الورى وفضلت كل أمير )
( إن شئت أن يزداد ملكك بسطة ... بوزير ابن وزير ابن وزير )
( فعليك بالشيخ العميد المرتجى ... منصور بن محمد بن كثير )
( فيكون في الديوان صدر وسادة ... ويكون في الأيوان صدر سرير )
وذكر اسم الممدوح واسم أبيه وجده معا صنعة حسنة في محاسن الشعر فإذا اتفق مع ذلك ذكر الكنية فناهيك به كما قال الأصمعي الشاعر للشيخ أبي الحسين محمد ابن كثير رحمه الله تعالى يوم استوزر ببخارا
( صدر الوزارة أنت غير كثير ... لأبي الحسين محمد بن كثير )
فأحسن في الجمع بين الكنية والاسم واسم الأب وجنس بذكر كثير وكثير فإن كان الباخرزي قصر في ذكر الكنية فقد برع في ذكر اسم الجد وقول الأصمعي أبرع وأحلى ولم أسمع في مثل هذا أشف من قول أبي القاسم الاليماني من قصيدة إلى الشيخ الجليل أبي علي محمد بن عيسى الدامغاني فإنه ذكر بلدة الممدوح وبها كان يعرف فأتى بالاسم والكنية واسم الأب والبلدة ولي في مثل هذا النقد وأشباهه من صنعة الشعر وصيغته ومحاسنه ومعانيه كتاب يقع في مائة باب وقد ابتدأته ولم أتممه بعد وأرجو أن يوفق الله لإتمامه ومن عزمي أن لا أقتصر فيه على النظم دون النثر وأن أعنونه بسر الصناعة إن شاء الله تعالى
عاد ذكر أبي العباس حدثني أبو علي الحسن بن أبي الطيب قال كتبت إلى أبي العباس وهو بغزنة هذين البيتين
( الله أسأل أن أراك قريبا ... ويعود عود الوصل منك رطيبا )
( حتى تكون لداء فرقتك الذي ... شق القلوب مداويا وطبيبا )

فأجابني بهذه الأبيات
( استودع الله الحفيظ حبيبا ... يحكى إذا نظم القريض حبيبا )
( متطبعا طبع الشآم مبرزا ... متدرعا طرف العراق أديبا )
( ضافي المروة ناشيا أو يانعا ... صافي الأخوة مشهدا ومغيبا )
( حقت به لأبيه كنيته التي ... يزداد فيها كل يوم طيبا )
( فخرا به يا أهل مالين التي ... لولاه كان به الأديب غريبا )
وأنشدني له أيضا من نتفة في الهجاء
( ما فيه فضل ولا عقل ولا أدب ... ولا حياء ولا دين وإيمان )
( لو خط في الخبز حرف من معائبه ... لم يأكل الكلب منه وهو غرثان )
( أو شيب بالماء شيء من خلائقه ... لم يشرب القرد منه وهو عطشان )
وله في الشكر والاستعفاء من كثرة البر
( مهلا فما بعد هذا البر امكان ... وليس فوق الذي أحسنت أحسان )
( فالماء إن جاوز المقدار مهلكة ... والعدل إن جاوز المرسوم عدوان )
( إن الأصابع خمس وهي كاملة ... فإن يزدن فذاك الفضل نقصان )
135 - أبو علي الحسن بن أبي الطيب الباخرزي أيده الله تعالى
فتى كثر الله فضائله وحسن شمائله فالوجه جميل تصونه نعمة صالحة والخلق عظيم تزينه آداب راجحة والنثر بليغ تضمنه أمثال بارعة والنظم بديع

كله أحاسن لامعة وأنا كاتب من نثره ما يربي على الدر المنثور ومن نظمه ما يأخذ بمجامع القلوب جملة من ألفاظه في كل فن
نعم العادة للإنسان إعادة الإحسان لا تجعل الجزع كسوة فتكون للنسوة أسوة طوبى لمن عقله يغنيه عما لا يعنيه من قنع بما يكفيه فرايك فيه العذل على البذل فعل النذل السعيد من يبدئ البر ثم يعيد الشقي من شكاه التقي لا تضطرب في مخالب المحنة فتمزقنك بأنياب الاحنة من تزود التقى استمسك بالعروة الوثقى من دفئ بجمر الخمر عري من برد البرد أنزه المناظر والمجالس ما سافر فيه ناظر الجالس والوصب نتيجة النصب والراحة ثمرة الاستراحة الصبر على الأوصاب أمر من ألصاب رداءة الملبوس شعار البوس وجودة البزة علامة العزة من نكد الدنيا طول حياة الحيات وقصر آجال الرجال الرحيق على الريق حريق وبعد الطعام برد وسلام لا يستبدع العبوس من المحبوس لو كان الهدهد طبيبا لصير بيته طيبا من يعدم خيرك يخدم غيرك الطبع على الرخيص حريص وللغالي قال فلان لا يمسكني فأقر ولا يتركني فأفر فلان يخلف عداتي ويشمت عداتي ما شئت من لفظ بار ورزق غير دار لا أشتغل بوصف الشوق فقد كبر عمرو عن الطوق ولا بشرح المودة من الجانبين فقد بين الصبح لذي عينين
فصل لحى الله زماننا من زمان سقط فيه سعر الشعر وظهرت كآبة الكتابة وانخفض علم العلم ونصب نهى النهي وعز وجود الجود وانسد باب الألباب وانطوى بساط الانبساط وارتفع قدر القدروانقطعت فائدة المائدة وخابت وسائل

السائل وقامت سوق الفسوق
ومن بدايع شعره ولطائفه قوله في غلام صوفي لم يسبق إليه
( وشادن يدعي التصوف قد ... أورثت الحور حيرة صفته )
( أصفى له مهجتي تصوفه ... ورقعت توبتي مرقعته )
قوله في غلام خياط
( قولا لخياطنا خفيا ... يا أوحد العصر في الجمال )
( قد مزق الهجر ثوب صبري ... فجد بخيط من الوصال )
وقوله في غلام مزين
( مزين زانه حسن وإحسان ... فما يشاكله في الشكل إنسان )
( حمامه كجحيم من حرارته ... لكن متى تأته يخدمك رضوان )
ومن أفراد معانيه قوله في التلفيق بين النبل والقوس
( وبدر أعير قوام النبال ... تقوست من هجره كالهلال )
( ولما تراءى غداة الوداع ... كالنعمة اقتربت من زوال )
( أطلت الحنين وزدت الأنين ... وأصبحت من سوء حالي بحال )
( كذاك القسي تطيل الأنين ... إذا كلفوها فراق النبال )
وقال في مختط قارب الالتحاء
( يا بدر إنك قد بلغت ... من الجمال مدى كمالك )
( أخشى عليك دجى الكسوف ... وقد بدت آثار ذلك )
( عهدي بخالك وهو عين ... الدهر يشغل عن جمالك )

( فبأي عذر قد سترت ... بكم خطك وجه خالك )
وقوله في مختط خطاط
( قد قلت لما فاق خط عذاره ... في الحسن خط يمينه المستملحا )
( من يكتب الخط المليح لغيره ... فلنفسه لا شك يكتب أملحا )
وقوله في صبية مليحة توفى أبوها فأفرطت في الجزع
( ودرة حسن أنفدت حسن صبرها ... وفاة أبيها فهي تبكي وتجزع )
( فقلت اصبري فاليتم زادك قيمة ... أليس يتيم الدر أبهى وأبدع )
وقوله في قينة بيدها كاس
( ظللت أفكر طول النهار ... وقد حملت ذهبي العقار )
( أفي يدها ذهبي العقار ... بأحسن أم ذهبي السوار )
وقوله
( سأعمر بالشراب شباب عمري ... وترك الشرب قبل الشيب لوم )
( وأبذل فضل مالي قبل موتي ... فمورث ماله عندي ملوم )
( وأهزم بالعقار جنود عقلي ... لكيلا يشغل القلب الهموم )
( ولا أختار قبل الشيب زهدا ... لأن البقل قبل الخبز شوم )
( ولا أرجو دوام العمر علما ... بأن العمر شيء لا يدوم )
وقوله في ذم الشراب
( لا تسقنيه فإني أيها الساقي ... أخاف يوم التفاف الساق بالساق )
( هذا الشراب يهيج الشر نشوته ... فميز الشر عنه واسقني الباقي )

يعني اسقني الماء القراح بالفارسية وقوله في غلام أصهب الشارب
( بدت صهبة في مسك شارب مالكي ... فأطرق عشاق وعابته أعداء )
( وشاربه لا غرو إن كان أصهبا ... فمرتعه ورد وسقياه صهباء )
وقوله
( حشوت قلوبنا بقلى ومقت ... لفرط رعونة في كل وقت )
( فإن تك قد جلست اليوم فوقي ... فربت ليلة قد نمت تحتي )
وقوله
( لنا صاحب للزاد آكل من رحى ... ولكنه للراح أشرب من قمع )
( إذا نحن ضفناه تغير وجهه ... ومهما أضفناه تلألأ كالشمع )
وقوله
( دعاني أحمد قبل الشروق ... وأمسكني إلى وقت الطروق )
( ولما جعت عشاني لديه ... بقرص الشمس مع بيض الأنوق )
136 - أبو جعفر أحمد بن الحسن بن الأمير الباخرزي الخطيب
قاضي الظراف يقول في زعيم ناحيته أبي سعيد خداش بن أحمد
( ولي أبدا أمران يكتنفانني ... هما عدتا ديني ودنياي سرمدا )

( شهادتي التوحيد لله خالصا ... وحبي في الدنيا خداش بن أحمدا )
ويقول
( أهيم بذكر التيرشاذ صبابة ... وما بي إلا حب من حل واديها )
( وإن نسيما من رياح جبالها ... أحب من الدنيا إلي وما فيها )
ويقول
( بحق النبي وحق الوصي ... وحق المشاعر والقبلة )
( أنلني مرادي يا منيتي ... وما أن أروم سوى قبلة )
سائر أهل بلاد خراسان
137 - أبو نصر أحمد بن علي بن حفص العمروي أيده الله
فرد طوس وغرتها وحسنة النوقان ونكتتها وله أدب غزير يجمع الفضل أطرافه ومجد قويم تحرس المروة أكنافه وأنا كاتب من شهره ما هو أدنى فضائله كقوله في الغزل
( مشوش الصدغ ساحر الحدق ... معشق الخلق فاتن الخلق )
( كأن صدغيه فوق عارضه ... من غسق رفرف على فلق )
وقوله في فتى جاءه بآلات البخور ليبخره
( ومورد الخدين بادر ... نحو عاشقه بمجمر )
( بالنفخ صير عوده ... ما بين مجمرة معنبر )
( وبماء ورد خلته ... من ورد عارضه المنور )
( حييته ولعا وقلت ... له مقالا ليس ينكر )
( نفحات ندك دون مسك ... فوق عارضك المكفر )
( والورد في خديك ناب ... عن ابنة الصافي الممطر )

( فاحمر وجنته وأظهر ... حسنه ما كان مضمر )
( وبدت لآل منه في ... صدف من الياقوت أحمر )
وقوله
( تحت القلنسوة السوداء لي قمر ... تحار في حسنه الألحاظ والفكر )
( في سرجه غصن بان منه بان لنا ... من العقيق كمام نوره درر )
( في وسطه أنجم الجوزاء لائحة ... فوق الكثيب ومن أعلاه لي قمر )
وقوله
( وبنفسجي الثوب حيا مدنفا ... ببنفسجي بستانه وعذاره )
( غصن بدا لي في قباء بنفسج ... منه وبدر لاح من أزراره )
ولو حضرني شعر أخويه أبي عمر حفص وأبي عبد الله محمد ابني علي بن حفص أيدهما الله لكتبته فهماهما في الفضل والأدب الغض والكرم المحض وإذا حصلت ألحقته ولم أشن كتابي بالخلو منه إن شاء الله تعالى
138 - أبو علي الفضل بن محمد بن الحسين الطبرستي
من أنجب شبان طوس وأجمعهم للمحاسن والفضائل وأبرعهم في النظم والنثر على غضاضة عوده واقتبال شبابه وهو خلف من أبيه أبي الحسين رحمه الله إذ كان غرة شادخة في وجه بلدته جامعا بين الأدب والشعر والفقه فاخضر وما مات من خلف مثله ومثل أخيه أبي القاسم وقد كتبت بعض ما وقع إلي من شعر أبي علي كقوله

( فديت من قد جفاني في مودته ... لكنني لهواه لا أكافيه )
( إني نظرت إلى فيه فلم أره ... حتى رنوي إلى فيه نكى فيه )
( لو صيغ خاتمة للخصر منطقة ... منه لكان للطف الخصر كافيه )
وقال أيضا
( سبى القلب بدر سر عيني طلوعه ... صباحا فوا قلباه عند غروبه )
( إذا استل سيف الهجر فاضت توجعا ... غروب شؤوني من شؤون غروبه )
وله أيضا في الهجو
( غير المقول عيوبه كالواو من ... عمرو يرى واللفظ عنه قصير )
( كالنون من زيد يقال مديحه ... باللفظ لكن لا يراه بصير )
وله في شكوى الزمان
( لقد ضقت ذرعا من عجائب ذا الدهر ... يوافق نذلا ثم يسطو على حر )
( ترى الحر فيه معسرا ليس عنده ... ولو بلغ المجهود غير أذى الفقر )
( وكل لئيم في رخاء ونعمة ... كذاك أمور الدهر تجري على القدر )
( على ذاك أن الحر يلقى افتخاره ... ورفعته في الفضل لا اليسر والعسر )
( وكم معسر فيه الفضائل جمة ... وكم موسر لا فضل فيه مع اليسر )
وله في نسيب قصيدة
( أبيت مسهدا أبكي انفرادي ... بمن هو في رقاد من سهادي )

( تعاطى الجسم من عينيه سقما ... فعاضت عينه مني رقادي )
( وصوبني انحناء الصدغ منه ... فعلم صدغه قلقا فؤادي )
وفي هذه القصيدة قال للمدوح
( خلائقه الحميدة حين تحصى ... على الأيام تأبى عن نفاد )
( ابر من الأنام وإن يفدى ... له طوعا إذا ما عن فاد )
( لئن قبلت يد الإعسار حرا ... تجده لما جنت يمناه وادي )
( فصار المجتدون إليه طرا ... من الآفاق طامحة الهوادي )
( وألقوا من يديه ما تمنوا ... وبشرهم نداه بالمعاد )
( يبالغ جاهدا في الجود حتى ... ينيل نوال كفيه الأعادي )
139 - أبو القاسم عمر بن عبد العزيز السرخسي الملقب بالجكرزي
من أظرف خلق الله وأحلاهم مذاق معاشرة وأعذبهم مساغ منادمة وأجمعهم بين جد كعلو الجد وهزل كحديقة الورد ومجون ألطف من نسيم الصبا وشعر كعهد الصبا كقوله
( ما قولكم في ماجن ... النيك أكبر همه )
( لم يلق في الدنيا حرا ... مذ كان غير حرامه )
وقوله
( هبت رياح معاشر عاشرتهم ... ووجدت ريحي أولعت بسكون )
( فعجبت منه وقلت بعد تلهف ... يا ليت قوما نكتهم ناكوني )

وقوله
( قالوا التحى قلت مهلا ... حديثنا ذو شجون )
( قد كان بدر تمام ... فعاد كالعرجون )
( ولست أعمى ولكن ... أنيكه لمجوني )
وكتب إلى صديق له مع عراضة هروية أهداها له
( أيها الفاضل الذي قد كستني ... غر آدابه من العز ريطا )
( في أست قاليك ألف زب من القبط ... وهنيت فستقا وقبيطا )
وقال للشيخ حجاج بن الشيخ أبي العباس الاسفرايني وقد خر سقف دهليزه بنسا فتطير من ذلك
( أتاك السعد مشدود النطاق ... يبشرنا بعزك فهو باق )
( وشيد عند بابك للمعالي ... رواقا رائقا عالي المراق )
( وأحكم صنع هيكله فأضحى ... رواق الطين قالب ذا الرواق )
( فلما تم واستعلى مشيدا ... على حسن التئام واتساق )
( تولى السعد نفض رواق طين ... كذاك يهد قالب كل طاق )
وكتب إلى صديق مع هدية
( النمل تعذر في مقدار ما حملت ... والعبد يعذر في مقدار ما ملكا )
( ولو أطاق لأهدى الفرقدين معا ... والشمس والبدر والعيوق والفلكا )

وكتب إلى صديق له دعاه في يوم فطر
( إن شهر الصوم ضيف نازل ... فإذا ما حل فانشط لقراه )
( وقمد الفيل يوم الفطر في ... سرم من يفطر في بيت سواه )
140 - العمركي الميهني
أشهر شعره وأجوده قوله
( إذا أردت أن تعيش سالما ... فكل ما لم يك يعنيك فدع )
( وإن طلبت الرزق فاقنع بالذي ... أوتيته واقطع من الناس الطمع )
( سل رب مسؤوليك تعط أنه ... من سأل السائل خاب واتضع )
( فأنت والناس عبيد واحد ... من شاء أعطاه ومن شاء منع )
141 - أبو بكر النسوي الفقيه
هو محمد بن القاسم وقد ظرف وملح في قوله لغلام صائغ ولم أسمع فيه غيره
( وشادن صائغ هام الفؤاد به ... وحبه في سواد القلب قد رسخا )
( يا ليتني كنت منفاخا على فمه ... كيما أقبل فاه كل ما نفخا )
وله أيضا فيه
( قد كنت ذا قلب رخي فارغ ... حتى ابتليت بحب بدر بازغ )
( ولقد رضيت بأن أكون سبيكة ... فأصاغ في حانوت ذاك الصائغ )

142 - أبو منصور قسيم بن إبراهيم القائني الملقب ببزرجمهر
شاعر مفلق مبدع باللسانين من شعراء السلطان الأجل أدام الله تعالى ملكه يقول في استطالة الشتاء واستبطاء الربيع ما تفرد بمعناه وأحسن كل الإحسان في التشبيه البديع حيث قال
( لقد حال دون الورد برد مطاول ... كأن سعودا غيبت في مناحس )
( وحجب في الثلج الربيع وحسنه ... كما اكتن في بيض فراخ الطواوس )
وله في الهجاء البديع
( بخلتم فود المشركون لو أنهم ... قدورهم كيلا تمسهم النار )
وله أيضا
( رأيتك تبغي بسوء الصنيع ... ثناء جميلا مسوقا إليكا )
( وتغسل قبل الضيوف اليدين ... كأنك تغسل منهم يديكا )
143 - أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي
أديب كاتب شاعر كثير المحاسن سمع قولي في كتاب المبهج كأن ورق النرجس ورق وعينه عين فنظمه بقوله
( ونرجس قد له القد من ... زبرجد في قدر شبرين )
( فالورق الغض مصوغ له ... من ورق والعين من عين )

وأنشدني لنفسه في الورد
( قلت للورد هل ترى لك بدا ... من رحيل يسوءنا منك جدا )
( قال احكي الحبيب لونا ولينا ... ونسيما كما أحاكيه صدا )
وأنشدني لنفسه في معنى تفرد به
( الله أشهد والملائك أنني ... لعظيم ما أوليت غير كفور )
( نفسي وقاؤك لا لقدري بل أرى ... أن الشعير وقاية الكافور )
وفي هذا المعنى بعينه
( نفسي فداؤك وهي غير عزيزة ... في جنب نفسك وهي جد عزيز )
( ولقد يقي الخز الثمين أذاته ... في وقته كف من الشونيز )
وله في الشيب
( فرشت لشيبي أجل البساط ... فلم يستطب مجلسا غير راسي )
( فقلت لنفسي لا تنكريه ... فكم للمشيب كراسي كراس )
وأنشدني لنفسه
( عسى المهم المخوف يكفي ... لطيفة من لطائف الله )
( فلطف صنع الآله عندي ... وظيفة من وظائف الله )
144 - القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي
قد ضمنت كتاب اليتيمة ذكره إلا أني لم أعطه حقه ولم أقدر قدره لعلتين

إحداهما أني في ذلك الوقت لم يكن وقعت بيني وبينه معرفة ولا اتفقت لي بعظم محله وعلو فضله إحاطة والأخرى أن محاسن نظمه وبدائع نثره قلت لدي إذ ذاك بل عزت وأعوزت ثم طلع على من بعد وتقدر لي التقاء به بعد فراغي من كتاب اليتيمة فأحدثت مناسبة الأدب وذمة المعرفة وحرمة الغربة بيننا حالا هي القرابة أو أخص وامتزاج النفوس أو أمس وشملني من جلائل مننه ودقائق كرمه ما أثقل ظهري واستنفد شكري وجمعت يدي من غرر كلامه ودرر نظامه على ما يميز له الليل المظلم ويتصف به الدهر الظالم وقد أودعت الآن كتابي هذا لمعا من نثره ونظمه تتلافى الفائت وتجبر الكسر إن شاء الله تعالى وبه الحول والقوة
فقر ولطائف ونكت من منثور كلامه
فصل كتبت ويدي واحية وعيني ماحية فسل بي الأرق وأنا لا أحمل الورق ولا أفل القلم فاصف الألم
فصل بي أيد الله الشيخ رمد وفي الهواء ومد ولقاء الشيخ فرج ولكن ليس على الأعمى حرج لا سيما والمجلس وطي والمركب بطي ووهج الصيف يثير الرهج ويذيب المهج
فصل عبده الذي يحب الحياة لخدمته وينشر محاسن دولته بلسان فيضه المدح والثناء وقلب حشوه الود والدعاء
وكتب إلى صديق له حيا بباكورة وردة فردة
وصلت أيد الله الشيخ الوردة الفردة لا زال ذكر كرياها عرفا ودهره كفضلها ظرفا وحال أوليائه كأصلها خضرة ووجوه أعدائه كلونها صفرة فسرت الكرب وسرت القلب وأدت الأدب وأهدت الطرب ودعت إلى الرسم المألوف وأمرت بالمنكر

المعروف وافتنا والليل قد حط رواقه وحل نطاقه والصبح قد بسط رداءه ورفع لواءه والجو قد أخذ زيه الأحسن ونشر مطرفه الأدكن والندى طل والنسيم مبتل والمزن منسجم وثغر الصبح مبتسم ونحن نبوح بما في الصدور ونطير بأجنحة السرور فوضعت الوردة على الرؤوس وأديرت مع الكؤوس ونطقت الأوتار فمع كل نفرة نبرة ومع كل نبرة نعرة ومع كل ضربة طربة ومع كل طربة شربة ولكل ذي فطنة فتنة ولكل ذي توبة أوبة ومع كل ذكرة فتره وعند كل لفته حسرة ومع كل دورة سكرة
وله من كتاب صدر من بغداد كتابي أطال الله تعالى بقاء الشيخ وقد محى الشوق اصطباري وحل الشيب يلعب في عذاري
( وما أن شبت من كبر ولكن ... لقيت من الحوادث ما أشابا )
والهموم إذا لقيت الصخر أذابته ففيم أتعجب ومنها أن لقيت الشعر فأشابته ووصل كتابه فأعاد الروض الممطور والوشي المنشور ووجدت كلامه يستفيد تحت مر الأيام ما يستفيد الروض تحت صوب الغمام فيزداد قوة أصول وبهجة فصول
( مثل الهلال بدا فلم يبرح به ... صوغ الليالي فيه حتى أقمرا )
فهو بحمد الله كما يلتقي الوشيان وشي الربى ووشي البرود ويجتمع الوردان ورد الجنى وورد الخدود غير أن رقة الشكوى تركته دمعا ينسكب وجمرا يلتهب وعلمت أنه صدر عن صدر واف وود صاف فإن اللسان يؤدي عن القلب ما يخفيه وإنما يرشح كل إناء بما فيه وبحسن الكلام تعرف صدق الوداد وفي خضرة الروض تحسن آثار العهاد
( ومما قالت الحكماء قدما ... لسان المرء من خدم الفؤاد )

وما أنا معه إلا الطرف والرقاد والصدر والفؤاد ذكر مدينة السلم وحضرة الإسلام ولو نطق عن اختبار لأجرى القول إلى الاختصار وما أبعد الطعوم من الألوان وما أبين البون بين السماع والعيان فإن طرة رأفتك فأخبر فربما أمر مذاق العود والعود أخضر بلى ما شئت من أشواق وأندية وأطواق وأردية ثم قف العطايا ولا تبد الخفايا فإن جاوزت كسوتهم إليهم فليس وراء عبادان قرية وأنا في أجتواء بغداد للإجماع خارق وللجماعة مفارق ولكنه إجماع ما انعقد على تحصيل ولا استند إلى أصل أصيل وها أنا أقيس هراة إليها بل أفضلها عليها
( فوالله ما أدري أزيدت ملاحة ... على الأرض أم رأي المحب فلا أدري )
نسخة كتاب له الى شمس الكفاة رحمه الله تعالى عند عود الوزارة إليه ولم يقصد الشعر
( الشمس في راد الضحى ... والبدر في جنح الدجى )
( والماء في حر الصدى ... والغيث جاد على الثرى )
( والمزن يضحك في الربى ... والورد جمشه الندى )
( والصبح يقدمه الصبا ... والعيش في زمن الصبا )
( والقرب صب على النوى ... والقلب رق مع الهوى )
( والطرف غازله الكرى ... والصفو باعده القذى )
( والحلى في ثغر الدمى ... ومنازل لك بالحمى )
( وعهود سعدى باللوى ... والدهر يسعد بالمنى )
( والبرء في عقب الضنا ... والفقر يطويه الغنا )

( والبشر يتبعه الندى ... والنشر من بعد البلى )
( والود في أثر القلى ... والمحل يطرده الحيا )
( والعتب يمحوه الرضى ... والكف تسمح باللهى )
( ومذكرات ذوي النهى ... والراي يعضده الحجى )
( والجد ساعد فاعتلى ... )
بها وبما لها من الأمثال سارت سوائر الأمثال فيما يونق النفوس والطباع ويونس الأبصار والأسماع وأحسن من هذا كله أيام الشيخ الجليل وقد أتاه اسم ما لم يزل معناه
( فيا حسن الزمان وقد تجلى ... بهذا الفخر والإقبال صدره )
( وكان الدهر يعذر قبل هذا ... فحل وفاؤه وانحل غدره )
( تصدر للوزارة مستحق ... تساوى قدرها شرفا وقدره )
( فقل في النصل وافقه نصاب ... وقل في الأفق أشرق بدره )
فالحمد لله الذي زان الشجر بالثمر وحلى البرج بالقمر وأنس العرين بالأسد وأهدى الروح إلى الجسد لم أنس أدام الله علو مولانا رسم التصدير وما يجب من مراعاته على الصغير والكبير ولكن التهنئة المرسومة تتهاداها الأكفاء وتتعاطاها النظراء فأما الخدم مع الصدور والنجم التاليات مع الأهلة والبدور فالعادة فيها الوفادة ثم إن تعذرت الإرادة ولم تساعد السعادة فالدعاء موصولا منشورا والثناء منظوما منثورا وعلى هذه الجملة عملت وإلى هذا الجانب عدلت فأصدرت كلمة نتجها الود الصريح ونسجها الولاء الصحيح
( فجاءت تودي وجوه الرياض ... أضحكها العارض الهامع )

( وليس لها غير عين الرضى ... لديك ذمام ولا شافع )
وهذه ملح وظرف من شعره كتب إلى بعض ندمائه قصيدة منها
( كتبت ولي بذكراك انتعاش ... ولكن بي من السكر ارتعاش )
( وللشادي نشاط وانبساط ... وللساقي احتثاث وانكماش )
( وما يروى العطاش بغير ماء ... وأنت الماء إذ نحن العطاش )
( فإن تسرع فوجهي والندامى ... وإن تبطئ فحيني والفراش )
وقال في فتى قامره
( رشأ فتور جفونه ... يهدي الفتور إلى البشر )
( ورد الجمال بخده ... ينبث في ورد الخفر )
( قامرته بالكعبتين مساهلا ... حتى قمر )
( فازداد حسنا وجهه ... لما رأى وجه الظفر )
( فنعرت نعرة عاشق ... قمر القمر قمر القمر )
وله
( أفدى الذي كلما تأمله ... طرفي كاد الضمير يلتهب )
( ينتهب اللحظ ورد وجنته ... ولحظه للقلوب منتهب )
وله في النرجس
( ومهفهف لما تثنى خلته ... غصنا يجد به النسيم ويلعب )
( أومى إلي بكاسه فشربتها ... وحسبتني من وجنتيه أشرب )
( ودنا إلي بطاقة من نرجس ... فحسبت بدرا في يديه كوكب )

وله أيضا في الورد الأصفر
( أنسيت إذ نبهت من نبهته ... والفجر من خلل الدجى يتنفس )
( يسعى إليك مع المدام بوردة ... صفراء يحكيها لمن بتفرس )
( كعب من الميناء ركب فوقه ... جام من الذهب السبيك مسدس )
وله فيه أيضا
( أدر المدامة يا غلام فإننا ... في مجلس بيد الربيع منجد )
( والورد أصغر يلوح كأنه ... أقدام تبر كعبت بزبرجد )
وله في الشرب على الثلج
( قم لا عدمتك فاسقني من قهوة ... لو أبرزت للشمس أخفت نورها )
( وانثر على الذهب اللجين أما ترى ... نثر السماء على الثرى كافورها )
وله في البنفسج
( طلع البنفسج زائرا أهلا به ... من وافد سر القلوب وزائر )
( فكأنما النقاش قطع لي به ... من أزرق الديباج صورة طائر )
وله في ترجمة فارسية
( رأيت غذاء الطفل درة أمه ... وإن غذاء الشيخ صرف من الخمر )
( فرجع من الجام الفراش عشية ... وفارق من الجام الفراش مع الفجر )
وله في مطرب مختط
( وشادن تفعل ألحاظه ... بالقلب ما لا يفعل السحر قط )
( لم أنسه يكسر أعطافه ... والورد من وجنته يلتقط )

( مرتبط البربط في حجره ... يا ليتني بربطه المرتبط )
( معتدلا ضربا وصوتا معا ... كما التقى للعين خد وخط )
وله
( حتى متى وإلى متى ... اقصر بذرعك يا فتى )
( فكأنني بك ناظرا ... في أثر صيد أفلتا )
( لا تحسبن جمال ... وجهك دائما لك مثبتا )
( فالخط يفعل ما عملت ... وما علمت وقد أتى )
وكتب ببغداد إلى صديق له يدعوه في أيام الورد وبلغه أنه متشاغل بالنرد
( نحن بالنجمي في يوم ... كما ترضاه أبلج )
( ناضر النبت رقيق الجو ... رطب الطل سجسج )
( بين منثور وخيري ... وورد وبنفسج )
( ولنا وجه من الجونة ... كالروض مدبج )
( ومع اللفات وسط ... وشواء وملهوج )
( ولنا راح كمثل النار ... في الكاس تأجج )
( ومغن ساحر الألحاظ ... ساجى الطرف أدعج )
( فإذا شاء تغنى ... وإذا شاء تغنج )
( فاختر الورد على النرد ... وجئنا نتفرج )
وله في أمرد التحى
( يا من أناف بلحية تيسية ... بدلتنا بالورد شوك العوسج )

( قد كنت تونسنا بطلعة كوكب ... فرجعت توحشنا بطلعة كوسج )
وله
( الله جار عصابة رحلوا ... ساروا وقلب الصب عندهم )
( ما الشان ويحك إنهم رحلوا ... الشان أني عشت بعدهم )
وله
( سكوتي كلام والكلام سكوت ... ولي طمع أحيا به وأموت )
( وليس لروحي غير قربك راحة ... ولا لفؤادي غير حبك قوت )
( وصبري قليل والهموم كثيرة ... وأنت بخيل والزمان يفوت )
( ومن لي بحسن الصبر عنك وإنما ... وصالك لي ماء وقلبي حوت )
وله أيضا
( من وجهه كالقمر الفرد ... أقبل في قرطقة الوردي )
( يسعى على الورد بوردية ... يكسد سوق العنبر الورد )
( فاغد علينا تر ما شئت من ... ورد على ورد على ورد )
وله من قصيدة
( شمائل مشرقة عذبة ... تعادل رقتها والصفاء )
( فهن العتاب وهن الدموع ... وهن المدام وهن الهواء )
وكتب إلى مؤلف الكتاب
( جعلت لك الفداء لو أن كتبي ... بحسب تكثري بك واعتدادي )
( إذا لجعلت أقلامي عظامي ... وطرسي مقلتي ودمي مدادي )
145 - أبو القاسم طاهر بن أحمد الهروي
صاحب البريد كان بنيسابور رحمه الله تعالى غزير الأدب حسن الترسل مليح

الشعر منفرد عن إقرانه بالفضل أنشدني لنفسه
( أعيذ علاه أن يكون ابتداؤه ... زيادة علياه بنقص صديقه )
وأنشدني أيضا لنفسه
( إذا انتهز الأحرار للجود فرصة ... فللمنع والتعويق ينتهز الفرص )
( وإن ذكرت بيض الأيادي فإنما ... يد لك لا تبيض إلا من البرص )
وأنشدني له بعض بلديه وأنا أشك فيه
( ضمان على الإقبال ما أنت طالب ... وحتم على الأيام أنك غالب )
( وما هذه الدنيا لغيرك فانتظر ... مواعد ما تومي إليه العواقب )
( رواقك ممدود وجدك صاعد ... وجندك منصور ونجمك ثاقب )
وهذه فصوص من فصول رسائله
من شكر البحر على التدفق والشمس على التألق والمسك على التأرج والصبح على التبلج فقد عاد بتكلف غير مربح وسعي غير منجح
فصل قصر كتاب الشيخ قصورا ترك الهم طويلا والصبر قصيرا وأورث القلب تفكرا والعيش تكدرا
فصل وصل كتابه فحكى الرياض مجودة والأماني موجودة والمسرات آتية والنعم مواتية
فصل توقعت اتجابا فلم أر إلا حجابا وتوسلت بالحقوق السالفة فلم أحصل إلا على المعاذير العاثرة و محمد

146 - أبو مسعود عصم بن يحيى الهروي
من حسنات هراة وأفراد أدبائها وفضلائها أنشدني لنفسه
( يهنئني الأنام بخصب روض ... حللت بجنبه خضل مطير )
( وما خصب الرياض بنافع لي ... إذا ما كنت في طول قصير )
وله على لسان صديق قدح النار بحضرته فلم يور
( إن كان زندي كبا في مهنة عرضت ... وصادفت غيبة الخدام عن داري )
( فإن سيفي لا تكبو مضاربه ... يوم الجلاد وزندي في العلى وار )
وله في العيادة
( مولاي إن فؤادي جمرة تقد ... والدمع مني على الخدين مطرد )
( إني لأكره إن ألقاك مشتكيا ... فلا أقاسمك الشكوى التي تجد )
147 - المعروف بن أبي الفضل الدباغ الهروي
أنشدني له أبو علي الحسين بن محمد الكاتب النسفي المقيم كان بهراة في هجاء بوشنج وأهلها
( إذا سقى الله أهل منزلة ... فلا سقى الله أرض بوشنج )
( كأنها في اشتباك بقعتها ... خربها الله نطع شطرنج )
( قد ملئت فاجرا وفاجرة ... أكرم منهم خؤولة الزنج )
( كأنما صوتهم إذا نطقوا ... صوت قمد يدس في فرج )

148 - الأستاذ أبو زكريا يحيى بن عماد السجزي
المقيم كان بهراة رحمه الله تعالى هو أشهر وذكره أسير من أن ينبه على محله وكان أمة في علم التذكير والقصص ومتفردا عن أهل طبقته بفضل الأدب وبلغني أنه كان في ابتداء أمره يتكسب بالشعر حتى رفع الله عنه قدره وأعلى أمره
ورفعت إليه قصة فيها
( أيها العالم أنت اليوم ... للعالم قبله )
( عاشق خاطر حتى ... سلب المعشوق قبله )
( أفتنا لا زلت تفتي ... أيبيح السلب قتله )
فوقع تحتها
( أيها السائل عما ... قد يبيح الظرف فعله )
( قبلة العاشق للمعشوق ... لا توجب قتله )
وقال للشيخ الإمام أبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان رضي الله عنه
( سقى الله نيسابور صوب غمامه ... وخص إمام الدين سهلا بوابله )
( تتيه على البلدان أرض ثوى بها ... كما تاهت الدنيا بطيب شمائله )
ومن أشهر شعره وأسيره قوله
( أرى الدنيا على الأدبار هما ... والإقبال مهلكة لديني )
( فما أحد بأغبط من تقي ... تمدد في الضريح على يقين )
( نجا من باطل الدنيا سليما ... وفاز برحمة الحق المبين )

149 - أبو علي البوشنجي الفلجردي
يقول لما حج
( كتبت إلى سادتي من منى ... وإني لفي غاية من منى )
( أبطحآء مكة هذي التي ... أراها عيانا وهذا أنا )
وهو القائل
( وكان ببوشنج وال مهيب ... إذا ما رءآه البري اقشعر )
( فمر وأمر من بعده ... فتى لو رءآه الخصي انتشر )
150 - أحمد بن محمد بن الأشعث البوشنجي
عربي المحتد بوشنجي المولد طوسي الموطن دخل إلي فأنشدته بيتا جمع كنية الممدوح واسمه واسم أبيه فكتب إلى صديقه أبي يوسف يعقوب بن أحمد وهو أحد من يتضمن الكتاب ذكره وشعره
( فلئن غيبت عن منزل أهلي ... وغدا جسمي عن الأوطان مبعد )
( فلقد بلت يميني بكريم ... من أبي يوسف يعقوب بن أحمد )
151 - أبو عبد الله الحسين بن علي البغوي
كان مفخرة كنج رستاق ولم تخرج مثله في الجمع بين الإحسان في الترسل والإتيان في الشعر بالدر المفصل وكان كما قال الصاحب إني ليعجبني أن يكون الكاتب شاعرا كما يعجبني أن يكون الشعر سائرا وأنا كاتب غررا من نثره تقدم

ملحا من شعره بإذن الله ومشيئته
فصل وصل كتاب الشيخ ووضعته على عيني فكان لها برودا ونشرته فكأني أنشر برودا وتذكرت زماننا إذ الأيام والدهر غر والعيش غض وطرف الحدثان مغضوض
فصل أنا أهدي إليه من السلام ما يحكي النسيم السحري والعنبر الشحري والنرجس الطري والأترج الطبري والورد الجني والعيش الهني
فصل ليته جاد علي بكلامه كما جاد بإنعامه ومن علي بثمار أقلامه كما من بآثار غمامه وأوسعني من غرائب بنانه كما أوسعني من رغائب إحسانه فيكون أوصافه في الجوى متناسبة متناسقة وبوارقه في جميع حالاته صادقة وادقة
فصل وصل كتابه بألفاظ يكثف عندها الهواء ويقف عليها الأهواء وتقبح معها الحسناء
فصل نظرت إلى دجلة فرأيت كفه وإلى الفرات فذكرت خلقه وتوسطت الدهناء فتصورت صدره
فصل قد صار الوقت أضيق من بياض الميم ومن صدر اللئيم
وهذه ملح من شعره كقوله
( إن كان يظلمني دهري فإن له ... سجية ظلم أهل الفضل والشرف )
( أو كنت في سمل فالبدر في سدف ... والخمر في خزف والدر في صدف )

وقوله في عقاب طريق غزنة من قصيدة
( عقاب كأني بها في خوافي العقاب ... تطيرني في الفلك )
( فطورا أراني فوق السماك ... وطورا أراني تحت السمك )
وقوله من أخرى
( غمائم من جفوني وهي منشأة ... مما بقلبي من غم ومن غمم )
( وبرقها نار شوق ريحها نفسي ... ورعدها أنتي والقطر فيض دمي )
( وأرضها صحن خدي وهي ممحلة ... أعجب بمحل يرى من صيب الديم )
وقوله في ذم الزمان وأهله
( زمان كله ضيم وضير ... وناس كلهم ذيم وذام )
( وما فيهم سوى لحز لئيم ... شحاح الزند ما فيه ضرام )
( وأعراض لهاجيها حلال ... وأموال لراجيها حرام )
وقوله في الشيب والخضاب
( تقول لقد خضبت الشيب زورا ... فقلت بلى سترت عن العيون )
( فقالت هبك قد أخفيت عنا ... فهل تخفيه عن عين المنون )
وقوله من قصيدة
( أيا عامر الدنيا وعامر أهلها ... بجود له فيض كفيض سحاب )
( عمرت جميع العالمين وها أنا ... غدوت بحال في ذراك خراب )

ومن أخرى
( طلبت بجهدي العز والمجد منضيا ... ظهور المطايا في بطون الفدافد )
( وما كنت في كسب المعالي مقصرا ... ولا مقصرا لو كان دهري مساعدي )
( فليس بياض المجد إلا لمكتس ... سواد الليالي ساهدا غير راقد )
( وكم ليلة راعيت فيها فراقدا ... لكسب على فوق السهى والفراقد )
152 - أبو سعد أحمد بن محمد بن جمل العميدي
يقول في استهداء الحنطة
( يا سيدا لم تزل مبرته ... تعم أهل العلوم والكتبه )
( أنعم ببر بضم أوله ... وابعث إلى الخادم الذي كبته )
وفي التماس الحطب
( ألا يا أيها الشيخ المفدى ... وقيت أذى المكاره والرزيه )
( قد احتجنا لفرط البرد جدا ... إلى مقلوب ما يدعى مزيه )
وله في الهزل والمداعبة
( ألا إن هذي المباغي قسم ... وللناس في الشهوات الهمم )
( فبعض يحب أداة الدواة ... وبعض يحب أداة القلم )

وله في الجد
( يا هاربا من جنود الموت منهزما ... عنها توقف إلى أين المفر لكا )
( هب عشت أكثر من نوح فحين نجا ... بقدرة الله من طوفانه هلكا )
153 - أبو بكر العنبري السجزي
هو القائل
( أفدي أبا نصر وأفدي له ... خلقا جميع الناس عشاقه )
( كم مدحة لي فيه كالدر لا ... يخفى على العالم إشراقه )
( من كل لفظ سيئ حساده ... به ومعنى سر سراقه )
ولم أسمع في تهنئة من زوج ابنته غير قوله وهو من الأفراد
( انكحت حرتك الكريمة ... عامدا إجلالها )
( من لم يكن كفوا سواه ... اليوم في الدنيا لها )
( ما كنت إلا منكحا ... شمس السماء هلالها )
( فضممت محمود الفعال ... إلى اليمين شمالها )
( ستقر عينك عن قريب ... إذ ترى أشبالها )
وله في الشيب
( أشكو إلى الله ظلم شيبي ... أشق منه علي جيبي )
( غير مني جميل وجهي ... أظهر مني جميع عيبي )

ذكر أركان الدولة وأعيان الحضرة المتصرفين بها ومنها والمنتسبين إلى خدمتها واختيار غرر من أنوار نظمهم وثمار نثرهم
154 - الشيخ العميد أبو سهل أحمد بن الحسن الحمدوئي أدام الله تأييده
سليل الرياسة وغذي السيادة وبدر الأرض وشمس الفضل وعمدة الملك وبحر الأدب وطود الكرم ومن ارتفع محله عن الوزارة الكبرى وهي الرتبة العظمى فرغب عنها وقد رغبت فيه وصد عنها وقد تصدت له ونظر فيها أيام الفترة بمؤخر عينه فهذبها وسددها ورمها ورمها وزمها ثم جاد عنها وعافها حتى قال فيه الأستاذ أبو القاسم بن الحريش رحمه الله
( وزارة ضاعت فشرفتها ... بالفضل وانآدت فثقفتها )
( ولم تزل تصبر مظلومة ... حتى تصديت وأنصفتها )
( فارتح لها تدرك طمأنينة ... فإنها تفلق مذ عفتها )
ومن خصائص فضله وبدائع مجده أنه والي الري وسائر بلاد الجبال وهي في سعة المملكة كالعراق والملوك يخدمونه والصدور يقبلون أرضه وهو يقول في الكف عن زخرف الدنيا ونضرتها وإعداد الزاد للمعاد ما لو قالها أزهد الزهاد لما زاد
( الخمر عنوان الفساد ... ورتاج أبواب السداد )
( إدمانها أصل الضلال ... وحبها رأس العناد )
( والعمر زورة طائف ... يأتيك ما بين الرقاد )

( قد زل من ركب الفساد ... عن الطريقة والرشاد )
( فاحذر أبا سهل وتب ... من قبل ميعاد المعاد )
( والبس لباس تضرع ... وتندم قبل التنادي )
( واقلب إلى نور الهدى ... قلبا به أثر السداد )
( من قبل عجزك باللسان ... وقبل ضعفك بالفؤاد )
( وكأنني بك راكبا ... أجيادهم بدل الجياد )
( ترد القيامة فارغا ... متخليا من خير زاد )
( كيف الجواب عن السؤال ... متى يناديك المنادي )
( لا ذخر لي بين الجميع ... من الحواضر والبوادي )
( إلا شهادة واثق ... بالله عن صفو اعتقادي )
( ومشفع عند السؤال ... بعفو أمته ينادي )
ثم هناك من النفس الأمارة بالخير واليد الفياضة بالنيل والخلق الذي لو مزج بالبحر لنفي ملوحته وصفا كدورته ومن الطلاقة التي يترقرق فيها ماء الكرم وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم ما يجمع الأهواء على محبته ويؤلف الآراء في موالاته ومشايعته ومن شعره الدال على مجده وحسن عهده قوله
( لا تنتزع عن عادة عودتها ... أحدا فذاك من الفطام أشد )
( واصبر عليها ما حييت ولا تزل ... عنها فذاك من الجفاء يعد )
ومن شعره البديع الصنعة المليح الصيغة الذي يغبر في وجه أبي الفتح البستي قوله في سراج غير مضيء
( ظلمتك الليل يا سراجي ... ظلمة كفر ويأس راجي )
155 - الشيخ العميد أبو منصور بن مشكان أدام الله عزه
الكتاب ألسنة الزمان وصدور الناس وهو صدرهم وبدرهم وينبوع الفضائل

وشمس ديوان الرسائل وما ظنك بأبلغ الصدور ويكتب لملك الملوك أدام الله سلطانه وحرس عزه ومكانه وقد رفع الله محله عن الشعر الذي ينخفض عن قدره وآتاه البلاغة العالية التي هي أليق به وما هي إلا عفو خطراته وفي التمثل بسلاسة كلامه وعذوبة ألفاظه يقول بعض أهل العصر وهو يصف ماء
( يا حسن ماء قد كسته الصبا ... تشنيج ذيل القرطق الأزرق )
( كأنه لفظ ابن مشكان في ... توقيعه عن ملك المشرق )
ويقول في وصف آثار الربيع من أبيات
( باح الصباح بأسرار البساتين ... وأحيت النفس أنفاس الرياحين )
( وقد حسبت نسيم الروض يقرئني ... كتب ابن مشكان عن صدر السلاطين )
ويقول أيضا في فتى صبيح مليح طرز الشعر ديباجة وجهه وأحرق فضة خده ونقش فص عارضه
( وشادن فاتن الألحاظ طلعته ... ترياق سم لأحزاني وأشجاني )
( كأن خط عذار شق عارضه ... في الحسن خط أبي نصر بن مشكان )
ويقول أيضا
( من رأى غرة العميد ابن مشكان ... ازدرى المشتري ببرج القوس )
( من يطالع آدابه وعلاه ... يطلع في نموذج الفردوس )
( عين ربي عليه من بدر صدر ... وده خزرجي ولقياه أوسي )
( ليس لي طاقة بوصف معليه ... وإن كنت مفلقا كابن أوس )
وهذه غرر ولمع من فصول رسائله السلطانية
فصل العاقل من لا يرفع رأيه إلا بعد الثقة باستقلالها ولا يقدح نارا إلى بعد

التأهب لأذكائها
فصل لكل حال من تصاريف الزمان رسم لا يؤخر امضاؤه وحق لا يضيع قضاؤه
فصل الألقاب نعوت إن حققت والت وآلت قلائدا وعقودا وإن كذبت عادت وعادت على المساوي شهودا
فصل إذا قدر الله أمرا يسر أسبابه ومهد أحواله وأتاح له الدواعي وأماط دونه العوائق والعوادي
فصل صلة الرحم واجبة في الدين والتجاوز عن زلة الشمال قوة اليمين
فصل لا منشور كالسيف المشهور والجد المنصور
فصل رب منع أفضل من إسعاف يشينه تقصير ويكدره تسويف
فصل نقل الطبائع شديد المرام بعيد الحصول في الأوهام
فصل من نصب للغواية شركا اختنق بحبله ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
فصل الآجال تجري على أحكام المقادير وتمتنع على التقديم والتأخير
فصل الإصغاء إلى رأي من لم يبلغ رتبة التدبير ربما أدى إلى خلل لا يدرك سابقه واقترن بضرر لا يضبط جامحه
فصل تقويم الاخوة بالإحسان أبلغ من تأديبهم بالحرمان ما لم يجاوزوا قدر الدالة إلى حد الشقاق والعصيان
فصل العسكر الكثير إذا وجد الخلاف بينهم مجالا عادت كثرتهم مع عدم الوفاق وبالا والعسكر القليل إذا اختلفوا لم يتولد منهم غير الفساد والاعوجاج ولم يصلحوا للسكون والاهتياج
فصل الولي من امترى الزيادة بالخدمة ورعى حق العارفة والنعمة في أيام

الفترة ولم يهتك عند إمكان الفرصة ستر المراقبة والحشمة ليسلم من غوائل الضغينة عند زوال الفتنة ونزول السكينة
فصل من جعله الله بأمر من أمور دينه كفيلا فقد أعطاه من كرامته حظا جزيلا وفضله على كثير من عباده تفضيلا
فصل قوام الملك بالمال والرجال واستمالة القلوب في وقت الاستعطاف أولى من تحصين الأموال وإنما المال عدة لدفع النوائب وعمدة لكشف الكرائب وليس بحازم من يمسكه عند وجوب إنفاقه كما أنه ليس بعاقل من يتلفه عند جواز إمساكه وإنما جمع الملوك ما جمعوه من أموالهم واتخذوا ما اتخذوه من عتادهم ليفرقوه في أوليائهم على حكم الوجوب عند الاشتغال بمنازلة الخطوب
فصل إن الله جعل القرآن نور القلوب وشفاء الصدور والعروة الوثقى لأهل دينه إلى يوم الحشر والنشور قد بين فيه آثار الأمم الخالية فيما اخطأوا فيه وأصابوا وأخبار القرون الماضية فيما أحسنوا فيه وأساؤا ليختار السعيد من عباده ما حمده الله من سائر الأمم ويجتنب ما ذمه من غيرهم من الخصال والشيم
فهذا نموذج من نثره الجزل السهل وقوله الفصل وهو القائل من نتفة في الإعراض عن قرض الشعر
( لما تركت الشعر نكب معرضا ... عني فقل في معرض عن معرض )
وأنشدني أبو القاسم عبد الصمد بن علي الطبري أيده الله تعالى له من قصيدة كتبها إلى الأستاذ أبي العلاء بن حسول أيده الله وعليه زعمه أعني أبا القاسم
( جمال الورى ما المجد إلا مطية ... يمينك أضحت مالكا لقيادها )
( جلت بك قسرا عن بلادك عصبة ... رأت لك فضلا لم يكن في سوادها )

( كذا عادة الغربان تكره أن ترى ... بياض البزاة الشهب بين سوادها )
وأنشدني الحاكم أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي له
( ما دام يسبح في الأفلاك أنجمها ... فليسعدن بملك الشرق مسعود )
( وليفتحن بلاد الغرب قاطبة ... سيوفه البيض بل راياته السود )
( لا زال في نعمة يخضر جانبها ... ما أورق العود بل ما أطرب العود )
وأنشدني غيره له في غلام بازاء حرب كتب يسأل مددا
( كبت البدر واستمد معونه ... وتوخى صلاحه وسكونه )
( فأجبناه إن لحظك جيش ... تتمنى جيوشنا أن تكونه )
( كيف أغفلته وأقبلت تبغي ... مددا قدره يعارض دونه )
وله أيضا
( ظلمناك لما طلبنا قراك ... وما للقرى والفتى الباخل )
( وسمناك ما لم تكن تستطيع ... وتأبى الطباع على النافل )
156 - الشيخ العميد أبو سهل محمد بن الحسن أدام الله عزه
صدر يملأ الصدر جمالا وكمالا وتتناسب صورته حسنا كما يتشابه محله وهمته علوا وتتكاثر فضائله وأياديه وفورا كما يتبارى نثره ونظمه براعة ومما علق بحفظي من ألفاظه قوله في أبي القاسم الميكالي من كتاب إلي هو ثقيل روح

الحركة جامد هواء الراحة حار ظل الشجرة وقوله في رقعة أعادنا الله للالتقاء فما أرق نسيمه وألذ نعيمه وقوله في ذكر الحضرة ملقى الرحال وملتقى الرجال وقبلة الآمال
ومن سحر شعره قوله من نشيب قصيدة وهو أحسن وأجود ما قيل في معناه على كثرته لأنه جمع في بيت واحد ما فرق في أبيات كثيرة وفاز بحسن الترتيب حيث قال
( لقد نثرت درين لفظا وعبرة ... وقد نظمت درين عقدا ومبسما )
وله في غلام هندي
( ولي أسود في أسود القلب حاضر ... ولكنه عن أسود العين غائب )
وأنشدني لنفسه من نتفة خمرية
( كشعاع في هواء ... تتحاماه العيون )
( هي في الدن جنين ... وهي في الرأس جنون )
وله من قصيدة
( تقولين إني قد سلوت عن الهوى ... لعلك قد قايست حالي بحالك )
وله من قصيدة شمسية
( عجبت من الأقلام لم تبد خضرة ... وباشرن منه كفه والأناملا )
( لو أن الورى كانوا كلاما وأحرفا ... لكان نعم منها وباقي الأنام لا )
وله في إنسان ساع قال له حميد مات بزوزن
( يا ويح أهل القبور لما ... حل حميد بهم جوارا )

( لو راج عند الآله ساع ... أشعل فيهم هناك نارا )
157 - الشيخ العميد أبو الطيب طاهر بن عبد الله أدام الله عزه
صدر واسع الصدر ممتد باع الفضل قد بايعته يد المجد ومالت فيه الشورى إلى النص وأشرقت بنوره أرض الري وطال ما تولى ديوان الرسائل إلى سائر الأعمال الجلائل وله شعر في غاية الحلاوة كقوله
( إذا بلغ الحوادث منتهاها ... فرج بعيدها الفرج المطلا )
( وكم كرب تولى إذ توالى ... وكم خطب تجلى حين جلا )
وقوله
( قالوا تبدى شعره فأجبتهم ... لا بد من علم على ديباج )
( والبدر أبهى ما يكون إذا بدا ... متلحفا بظلام ليل داج )
وقوله في الهجاء
( أبو سعد بن حمدان ... كريه الخلق والخلق )
( فهذا الشيب في الفرق ... هذا العظم في الخلق )
158 - الشيخ أبو الحسن محمد بن عيسى الكرجي أدام الله عزه
جامع تفاريق المحاسن وناظم عقود الفضائل ومالك رقاب المكارم ومعلوم أن السلطان الماضي أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان أعلى الملوك رأيا كما كان أعلاهم ملكا وأنه كان ينظر بعين التوفيق إلى أسرار الضمائر ويرمي بسهام خطراته أغراض المقاصد ولا يصرف تدبيره إلا على موقع الأصالة ولا يضع رأيه إلا موضع

الإصابة فلم يتخذ الشيخ أبا الحسن أيده الله مصباح مجلس المفتاح ومفتاح أنسه وثمرة قلبه وريحانة روحه ومستودع سره وأخص بطانته إلا لأنه في الفضلاء والكبراء كهو في الملوك والأمراء وقد كتبت من شعره ما نطق به لسان فضله كقوله البديع الذي تفرد به
( بدا معدن الياقوت في حبة الحشا ... وفي الخد والعينين والشوق يغلب )
( فعيناي حمراوان من كثرة البكا ... وخدي مصفر وقلبي أكهب )
وقوله في الهلال والثريا
( كأن الهلال المستنير وقد بدا ... ونجم الثريا واقف فوق هالته )
( مليك على أعلاه تاج مرصع ... ويزهى على من دونه بجلالته )
وقوله في السلطان الأعظم أدام الله ملكه
( يا سيد الناس كيف يمدحك الخادم ... في شعره كما يجب )
( ما يتأتى له من المدح لا ... يرضى وما يرتضيه يحتجب )
وقوله في الإقلاع عن التصابي عند الشيب
( هجرت اللهو إذ عقلي ... على نفسي أشار به )
( وحلاني حلول الشيب ... كرها عن مشاربه )
( فما أسعى إلى راح ... وساقيه وشاربه )
( وإما عن لي لهو ... لهت كفي بشاربه )
( فهل يا نفس أنت على ... ملازمة المشار به )

وقوله في مدح نيسابور من قصيدة
( وماذا يصنع المرء ... ببغداد وكوفان )
( ونيسابور في الأرض ... كإنسان في إنسان )
( ولا غرو فقد أضحت ... لنا عين خراسان )
( إذا ما دوخ المرء ... بلادا بعد بلدان )
( يراها عندها شاها ... وباقيها كفرزان )
وقوله في حمام مصور
( أعجب ببيت يريك باطنه ... جوارحا أرسلت على الوحش )
( تعدو لصيد الظباء مسرعة ... كأنها في غياضها تمشي )
( طيوره قد تقابلت نسقا ... كأنها وقع على العش )
( فضاؤه طاب فسحة وهوى ... مصقل الأرض مؤنق الفرش )
( وأنت في خلوة مساعدة ... تولع بالدلك ثم بالرش )
159 - الشيخ العارض أبو الحسن مسافر بن الحسن أدام الله عزه
طال ما لقيت في شبيبتي وكهولتي وعند شيخوختي وعلو سني أعيان الفضل وأفراد الدهر ونجوم الأرض وبدور الصدور من أصحاب الأقلام والسيوف فلو حلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أني لم أشاهد مثله في امتزاج الكرم والأدب بطبعه واجتماع الحسن في قوله وفعله وانتظام آلات الرياسة وأدوات السياسة في عقد فضله واقتران الطيب بالحلاوة في ثمار نظمه ونثره لما خشيت أحنث ولما تعدى

الصدق وبحسبك أني كتبت إليه في هذه الأيام
( يا من تشابهت المحاسن والعلى ... فيه وأصبحت القلوب برسمه )
( فالخلق منه كخلقه والخلق منه ... كلفظه والشعر منه كاسمه )
( وغذاء جسمي من سماح يمينه ... وغذاء روحي من بدائع نظمه )
( لا زلت بين سعادة وزيادة ... وسلمت من سيف الزمان وسهمه )
فأجاب في الوقت والساعة بهذه الأبيات
( أفدى الإمام الأوحد الفرد الذي ... من شاء فرد زمانه فليسمه )
( لا زال منصورا كما يكنى به ... ولتفتخر روح غدت في جسمه )
( فغذاء أرواح الورى من كتبه ... والظرف فيهم من لطائف رسمه )
( وبنظمه عطل الفضايل ألبست ... حلى العرائس مذ غدت في قسمه )
وكان قضى لي حوائج مثمرة وأسقط عني مؤنا مجحفة وكتب إلي رقاعا مونقة فكتبت إليه
( من مبلغ الصدر مولانا أبي الحسن ... مسافر نكتة الأيام والزمن )
( خففت ظهري من ثقل الخطوب كما ... أثقلته بالأيادي الغر والمنن )
( صنائع منك جلت في الأنام وقد ... دقت معانيك في الأشعار والفطن )
( وقد أتاني قريض قد نفثت به ... كالسحر والراح والريحان في قرن )
( والله يجزيك عن عبد ومصطنع ... قد كان ميتا بأيدي البث والحزن )
( فعاش عن كلمات منك كن له ... كالروح عائدة منه إلى البدن )

فأجابه في رقعة غير قصيرة
( يا صدر أهل النهى يا أوحد الزمن ... أوهت علاك قوى الأقوال واللسن )
( أهديت نظما فقد أهدت لطافته ... روحا إلى بدني روحا إلى أذني )
( أحيي الخواطر مني بعد ميتتها ... وقام عندي مقام البرء للزمن )
( أزاح عني مقيم الهم والحزن ... نعم وصيرني والأنس في قرن )
( فصفو ودك للحسنى يؤهلني ... وبعد شأوك في الأفضال يكرمني )
( وليس في الشرط أن تولى الجميل وأن ... تفيد علما غزيرا ثم تمدحني )
ولي في الاستطراد بذكره
( سقى الله أياما أشبه حسنها ... وقد كنت في روض من العيش ناضر )
( بشعر بن معتز وخط ابن مقلة ... ودولة مسعود وخلق مسافر )
ولي أيضا فيما يناسبه
( ومهفهف فتن الآله عباده ... إذ ساق حسن العالمين إليه )
( فكأن بابل أصبحت في طرفه ... وكأنما الأهواز في شفتيه )
( وكأن توقيع الرئيس مسافر ... في عرض عارضه يلوح عليه )
ولي أيضا
( وقد سقتنا السماء ماء الغيوم ... فاسقنا يا غلام ماء الكروم )
( نشرب الراح باذكار الرئيس الفرد ... في الجود والعلى والعلوم )
( وإذا ما مسافر سافرت أخبار ... علياه أسفرت عن نجوم )
وأيضا
( يا سائلي وصف مولانا أبي حسن ... مسافر في بديع القول محكمه )

( المسك من ذكره والمزن من يده ... والروض من خلقه والدر من فمه )
إلى أشباه كثيرة لها ومن ثمار خاطره قوله
( لقد لامني قومي على أن صبوتي ... تدوم وليل الشعر صرح بالفجر )
( فقلت اعذروني في تلذذ لحظة ... لدى الفجر إن الفجر يؤذن بالهجر )
وقوله
( أجود بجل مالي لا أبالي ... وأبخل عند مسئلة الكتاب )
( وذاك لأنني أنفقت حرصا ... على تحصيله شرخ الشباب )
وقوله
( مدادك في الكتاب يقوم عندي ... مقام سواد عيني لا المداد )
( لأن كتابك المحبوب عندي ... اسر موانس وأجل زاد )
وقوله
( أرغب في العلم ولا أدعي ... أني إلى غايته أهتدي )
( لأنني آنف من جهل ما ... يقبح أن يجهله المبتدي )
وقال يوبخ نفسه وصديقا له
( تريد وصل رفيق ... وطيب عيش رقيق )
( بقينة وبكاس ... من كف ساق رشيق )
( والهم منك صبوح ... موصل لغبوق )

( والمال من ظلم حر ... وضعته في الحريق )
( ومن مطاعم قوم ... ضعفي وقوت فريق )
( وأنت واثق نفس ... بخدمة المخلوق )
( ولست عن سكر لهو ... وقهوة بمفيق )
( فما تصيخ لنصح ... ولا لقول شفيق )
( فما تظن خليلي ... بكل هذا الفسوق )
( لقد ضللت فنكب ... إلى سواء الطريق )
160 - الشيخ أبو الفتح مسعود بن الليث أدام الله عزه
قد لبس برد شبابه على عقل الشيخ الأفضل وحاز في حداثة سنه آداب المبرز الأكمل وفاز بالحظوة التامة عند السلطان الأعظم أدام الله ملكه فهو من خلص ثقاته وخدمه ومتحملي نعمه وأعيان ديوان رسائله وأكابر رسله وهذه قصيرة من طويلة ونكتة من جملة وله نثر يضحك عن زهر وغرر ونظم ينطوي على حبر ودرر وهذه فصوص من فصوله القصار تجمع بين الأنوار والثمار
فصل راحة الروح في الراح وقرة العين في الوجوه الصباح وقوة النار في الدراهم الصحاح
فصل دواء الخمار قبل الحبيب وطرف الحديث
فصل الدنيا كريق المعشوق كلما ازددت منه ريا ازددت إليه عطشا
فصل من خدم الملوك ولم يستخدموه ذبل عوده وغربت سعوده

فصل مثل نائل الملك كالسحاب كلما أبطأ سيرا كان أكثر خيرا
فصل من سلب الرفعة لغير رفع الأولياء وقمع الأعداء فهو طالب مال لا طالب جلال
فصل من تردى بالقناعة رثت حاله وكسف هلاله
وهذه لمع من ملح شعره كقوله
( حبيب زارني والليل داج ... وفي عينيه تفتير المدام )
( وقد نال الكرى من مقلتيه ... منال الحادثات من الكوام )
وقوله
( يا راميا عن لحظ طرفك أسهما ... تقبيل وردة وجنتيك شفائي )
( عجبا لطرفك كيف دائي كامن ... فيه وثغرك كيف فيه دوائي )
وقوله من نتفة
( ولبست من صدر السرور ... وبت في صدر السرير )
( في مجلس قد رش ماء ... الورد من سحب البخور )
( طلعت علينا أنجم الكاسات ... من أيدي البدور )
وقوله
( نم في ورد وجنتيك من العنبر ... خط فازددت تيها ودلا )
( ولقد حق أن تزيد دلالا ... ولقد حق أن أزيدك ذلا )

وقوله في غلام طبيب
( متطبب كالغصن في حركاته ... صيرت روحي في هواه سبيلا )
( ما جاءني متطببا إلا لأن ... أهوى السقام لكي أراه قليلا )
( عجبا له يبري السقيم بطبه ... وبلحظه يدع الصحيح عليلا )
161 - الشيخ أبو بكر علي بن الحسن القهستاني
شخص الفضل وصورته وينبوع الكرم ومعدنه ورفضة الأدب وغديره وعذر الزمان المذنب وزينته وقد لفظته بلاد المشرق وترامت به الحوادث والنوائب حتى كأنه خليفة الخضر وقذاة في عين الأرض وما هو إلا السيف يزداد على الصروف أثرا والمسك يزداد على السحق طيبا وماء البحر إذا ساغر عذب وكأني به الآن وكأنما يوحي إليه في النثر والنظم ويغرف آدابه من البحر وأنا كاتب من غرر ألفاظه نبذا علق بحفظي فمنها قوله من طلب شيئا وجد وجد ومن قرع بابا ولج ولج وقوله في تواتر الفتوح هذه فتوح ألفتها النفوس والطباع ومرنت عليها الأبصار والأسماع فهي لا تستغرب غرائبها ولا تستعجب عجائبها وقوله في وصف بنية كأن الشياطين نصبت تلك الأساطين وقوله في حكاية ما قيل لبيداء الملك أنك لا تسلم حتى تسلم ولا تأمن حتى تؤمن
وهذه بدائع من شعره كقوله
( أقمت لي قيمة مذ صرت تلحظني ... شمس الكفاة بعيني محسن النظر )
( كذا اليراقيت فيما قد سمعت به ... من لطف تأثير عين الشمس في الحجر )

وكقوله في الشيخ العميد أبي سهل الحمدوي أدام الله تعالى عزه
( يا ما لهذا القلب لا يرعوي ... وقد درى أن قد هوى من هوى )
( هوى ببست وببلخ هوى ... ثان فما هذا الهوى الغزنوي )
( ثلاثة والحق في واحد ... والقول في الاثنين للمانوي )
( وإن تثليث النصارى لمن ... يدين بالإسلام لا يستوي )
ومنها
( هيهات إن الدهر ما قد ترى ... أعصل قرن عسر ملتوي )
( فأحمد الله ومن بعده ... فأحمد بن الحسن الحمدوي )
( من بره استعبد شكري له ... والحر عبد البر فيما روي )
( قد نشر الله تعالى به ... ما كان من صحف المعالي طوي )
ومنها
( أشهد بالله وآياته ... يمين حق غير ذي مثنوي )
( لو بصرت بنت شعيب به ... قالت له هذا الأمين القوي )
وقوله من أخرى
( تمتع من الدنيا فأوقاتها خلس ... وعمر الفتى مليت أطوله نفس )
( وسارع إلى سهم من العيش فايز ... فما ارتد سهم قط يوما ولا احتبس )
( وقض زمان الأنس بالأنس وانتبه ... لحظك إذ لا حظ قيل لمن نعس )
( ولا تتقاض اليوم هم غد ودع ... حديث غد فالاشتغال به هوس )

( هي الروح كالمصباح والراح زيتها ... فدونك عني إنما الرأي يقتبس )
( أنبئك عن نفسي وعما اختبرت لا ... أحاديث تروى عن قتادة عن أنس )
وقوله من أخرى
( وأنت على ما فيك من منعة الصبا ... وقلة أعداد السنين أريب )
( كيحيى الذي قد أوتي الحكم كله ... صبيا كذاك ابن النجيب نجيب )
وقوله من أخرى
( سما بك من فوق السموات رتبة ... أب لك يدعو الله في السر والجهر )
( كما قد دعى موسى لهرون ربه ... أن أشدد به أزري وأشركه في أمري )
ومما يستظرف من شعره قوله
( وشيبني وأعمدني هواه ... لذاك يقال لي الشيخ العميد )
وكتب إلى عمر بن عبد العزيز الجكرزي يتشوقه ويستزيره
( يا قمر الوجه ويا وجه القمر ... حوشيت طال ذا السرار واستمر )
( فاطلع وجل ما بجوى من قتر ... فطال ما اشتاق أبو بكر عمر )
وقال في عجة اتخذت بين يديه
( ما أنس لا أنس يوما باردا كلبا ... وشر دهر الشتاء البارد الكلب )
( إذ لا تقربنا أطرافنا خصرا ... وقد تمكن من أحشائنا السغب )
( جاء الغلام بمقلاة فافرشها ... جمرا وجمر الطوى في الجوف تلتهب )

( وجاء بالبيض مثل الدر يفلقه ... فيها وللدهن صوت بينها لجب )
( فأخرجت مثل قرص الشمس مشرقة ... كأنها فضة قد مسها ذهب )
162 - القاضي أبو الحسن المؤمل بن الخليل بن أحمد البستي
هو في الأدباء والعلماء علم وفي الجود والمروة عالم وكان خطيب غزنة حينا من الدهر ثم تقلد قضاء بست والرخج وهو عليهما الآن كما كان أبوه وجده فهو قاضي ابن قاضي بن قاض وهناك من الكرم والفضل وسعة الرحل وحسن السيرة وقوة البصيرة ما تشهد به أخباره الأرجة وآثاره البهجة وتجمعه وأياي حال في المودة طويلة المدة وعشرة في الغربة مزجت المهجة بالمهجة وطال ما تلاقينا وتصافينا بغزنة وجرينا على حكم مناسبة الأدب وتكاتبنا بالنثر والنظم وسمعته يقول وقد سئل عن بست صفتها تثنيتها يعني أنها بستان وأجاز قول الشاعر
( قبل أنامله فليس أناملا ... لكنهن مفاتح الأرزاق )
بما وازنه فقال
( واذكر صنائعه فلسن صنائعا ... لكنهن قلائد الأعناق )
ولي في الاستطراد بذكره من نتفة
( يا زمانا نعيمه ... لم يعرج على يدي )
( كنسيم معقد ... وشعاع مجسد )
( طيبه كالكرى يلم ... بجفن المسهد )
( أو كخلق المؤمل بن ... الخليل بن أحمد )
ومما أنشدني لنفسه
( ساعد زمانك تسعد ... واقنع بحظك ترشد )

( وهون الأمر فيما ... أيقنت أن سوف ينفد )
( فما مضى فكأن لم ... وما يكون كأن قد )
163 - القاضي أبو القاسم عالي بن علي بن عبد الله الشيرازي أيده الله تعالى
قد آتاه الله تعالى في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوغه في ريعان الشباب محاسن الاستكمال فهو مع أصله الشريف وعرقه الكريم أديب فقيه شاعر خطيب فصيح القلم واللسان عارف بأمور السلطان وكأن أبا الفتح كشاجم عناه بقوله
( ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقيه من العين )
وكنت اقتبست من نوره واستمليت منه أبياتا له في نهاية الحسن وأعددتها لهذا الكتاب فضاعت نسختها وسهم الرزايا بالذخائر مولع وهذا ما علق بحفظي من قصيدة له سلطانية فريدة أولها
( أيام ملكك للورى أعياد ... وثبات سعدك للورى استسعاد )
( وإذا بقيت على الأنام مملكا ... فالأرض روض والسماء عهاد )
( يا من تضعضعت الجدود لجده ... وعنا لراسخ مجده الأمجاد )
( هذي السعادة قد أتتك وفودها ... بمقالد الدنيا إليك تقاد )
( ولها لواحق قد قربن وإنما ... هذا أتتك سوابقا رواد )
( أبشر بملك لا يزال مؤيدا ... بعلى تشاد وبسطة تزداد )
( ومر الزمان بما تريد فإنه ... عبد لأمرك سامع منقاد )

164 - القاضي أبو الفضل أحمد بن محمد الرشيدي اللوكري
له شرف عميم وطبع كريم وخلق عظيم ولسان فصيح ومجد صريح وأدب جزل ومنطق فصل وهو من أولاد هرون الرشيد ولي القضاء بسجستان والوزارة بغرشستان والسفارة بين السلطان الماضي وأمير المؤمنين القادر بالله رضي الله تعالى عنهما فلم يزل فيما نيط به واعتمد عليه بين نصح يؤثره وجميل يؤثره حتى مهد قواعد الصلاح وذلل مقاود النجاح فأحمد وأجل وبجل ولقب بتاج القضاة وزين الكفاة رضي أمير المؤمنين وهو القائل
( قالوا اقتصد في الجود إنك منصف ... عدل وذو الإنصاف ليس يجور )
( فأجبتهم أني سلالة معشر ... لهم لواء في العلى منشور )
( بالله أني شائد ما قد بنى ... جدي الرشيد وقبله المنصور )
وأنشدني لنفسه
( الدهر يلعب بالفتى ... لعب الصوالج بالكره )
( أو لعب ريح عاصف ... عصفت بكف من ذره )
( ويقوده نحو السعادة ... والشقاء بلا بره )
( الدهر قناص وما الإنسان ... إلا قنبره )
وله في أيام الخانية ببلخ
( أرى الأحرار كلهم حيارى ... كأنهم ولحياتهم سكارى )
( وأضحى الأفضلون من البرايا ... بأيدي الترك في بلخ اسارى )
( كأن المسلمين وقد جبوهم ... مجوس أو يهود أو نصارى )
( كأن الترك فوقهم صقور ... وهم من فرط خوفهم حبارى )

وله في الشيخ شمس الكفاة
( إذا قيل من للعلى والندى ... ومن للمكارم في ذا الزمن )
( ومن للعلوم ومن للرسوم ... ومن للفروض ومن للسنن )
( أجبنا وقلنا بإجماعنا ... أبو قاسم أحمد بن الحسن )
165 - الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الأرباعي
من أفراد دهره وحسنات وقته لابس برد شبابه على كهولة فضله جامع بين شرف أصله وكرم طبعه حائز حسن نثره إلى جودة نظمه وأبوه الشيخ أبو عبد الله أيده الله أوجه أمناء السلطان الأجل السيد الملك الأعظم ولي النعم أدام الله ملكه بخراسان يتقلد له بريد نيسابور وطوس وعدة من بلاد خراسان مع الإشراف عليها وقد كتبت من شعر أبي الحسن ما أنشدنيه كقوله من قصيدة في الشيخ الجليل أبي القاسم أحمد بن الحسن رحمه الله لما أعيدت الوزارة إليه
( علت الوزارة إذ علوت محلها ... يا خير من عقد الأمور وحلها )
( هذي الأمور تلاحقت فتهنها ... وهي السعود تلاحقت فتملها )
( إن الوزارة رتبة مرموقة ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها )
( صعبت على أيدي سواك أمورها ... فأظلها استقلالكم فأذلها )
( فالآن عاد وعاذ منك بعقوة ... حلف المكارم لا يريم محلها )
( هذي الوزارة في الحقيقة لا التي ... كانت تقاسمها الأراذل قبلها )
وأنشدني لنفسه في الشكوى أبياتا منها
( يشارطني دهري لئن صرت جاهلا ... رفعتك يا دهري فقدت مشارطا )

( محابرنا يا ليت كنت محاجما ... وأقلامنا يا ليت كنت مشارطا )
وأنشدني أيضا لنفسه
( يا رب حقق دعوة العبد ... وارحم دعاي واشفني وحدي )
( وارحم لبيد الشعر حين شكا ... زمنا يروح عليه بالنكد )
( قد كان يشكو جلد أجربه ... وبقيت في زمن بلا جلد )
وله أيضا
( كل معاش إلى فناء ... كل نعيم إلى زوال )
( كم أخذ الدهر باغتصاب ... قوت فقير وكنز وال )
( كم هش لي وجهه زمانا ... حتى إذا ما انقضى زوى لي )
وله أيضا في الشيخ الأجل أكفى الكفاة أدام الله تأييده من قصيدة
( بلغت السماء إذا فاقتصر ... وحزت ألثناء إذا فاقتصد )
( وأعليت من طالعي ما هوى ... وأصلحت من حالتي ما فسد )
ومن منثور كلامه ما كتب إليه يهنيه بالوزارة شن وافق طبقا وفضل عانق عبقا وخائم فاجأ ماء وزرع صادف سماء وصدر شرف تحلى بصدر وليل تم تجلى ببدر وسيد مملكة سادها وصدر وسادها أحلما أرى أم حقا وكذبا أسمع أم صدقا إن كان حقا فهو طالع الميمون وإن كان حلما فخيرا رأيت وخيرا يكون وما شئت وما شاء فالق الدلو وأرسل الرشاء وجدت وأجدت فهل شكرت وسجدت هناك هناك ثم عناك ومناك وأيها يا زمان أيها فقد أخرجت نبيها دنيا أراها عطرة وكانت دقراء وسماء أراها مطرة وكانت جرباء وفضل يفتر عن برد وقد كان في حرد وعلم يسفر عن شمس وقد

كان في رمس وزمان صالح عنوا وقد كان حربا ودهر سالم كرها وقد كان ألبا دولة أضحكت بما جد وكان في حسرة ومملكة تربح بسير وكانت في حسرة ومولانا يقول ما هذا التعريض والتصريح والتمريض والتصحيح نعم هو حياة البصر يبهره القمر واضطراب الأسماع لمضراب السماع ودهشة العاشق لنجاة الخيال الطارق ولجلجة كلام عبد ظفر بعد القنوط وارتفع بعد الهبوط ورأى كالسعد الذي له تجدد والمجد الذي به تفرد فأقول مرحبا بفلك أطلع علينا سعده وأهلا بهذا اليوم وما بعده والحمد لله الذي صدقنا وعده وأورث مولانا ملك الدست والصدر وملك الحياة والقدر وزمام النهى والأمر يتبوأ منها حيث يشاء فنعم أجر العاملين
166 - أبو بكر عبد المجيد بن أفلح الغزنوي
كثير المحاسن والفضائل جم المحامد والمناقب وكان السلطان الماضي رحمه الله يكرمه ويفضله على الصاحب وقلده بريد طوس وهو الآن مرتب في أعيان كتاب الرسائل ومرشح للأعمال الجلائل وله شعر يروق ويشوق كقوله
( انظر إلى حسن الربيع فقطره ... يحلى على الأغصان درا نابتا )
( وكأن غيم الجو يسكب دمعه ... من حزنه والروض يضحك شامتا )
وقوله في معنى آخر
( وراوي في إنشاد شعري مقصرا ... ولو كنت قد هذبته في الدفاتر )
( مخافة أن يلقى امرؤ من عيوبه ... بخاطره ما لا أراه بخاطري )
وقوله في الحكمة والموعظة الحسنة من نتفة
( قل لمن تاه في الورى بغناه ... لا يساوي الغنى حذار زواله )
( مرن النفس للقناعة كرها ... أي مال يفي بذل سؤاله )

وقوله
( تبين أهل الحجى أن لي ... لسانا فصيحا وقولا صحيحا )
( ولكنني أبدا ساكت ... أعالج بالصبر قلبا جريحا )
( فما لي عدو يساوي الهجاء ... وما لي صديق يساوي المديحا )
وقوله
( لقد كنت حينا اقصد الناس مادحا ... لجهل بهم فالآن أصبحت تائبا )
( أدافع آمالي ببأس لأنني ... نظرت فما أبصرت في الحمد راغبا )
وقوله
( رأيت الدهر يسعد كل نذل ... ويقصد كل حر بامتهان )
( فقلت لقلبي استمسك بصبر ... فإن الدهر دهر بني الزواني )
وقوله
( أرى مثل النجوم دموع عيني ... إذا ما غاب وجهك عن فنائي )
( كذاك الشمس حين تغيب تبدو ... نجوم الليل في أفق السماء )
وقوله
( سلام على بدر الدجى كوكب الحجى ... سماء العلى شمس الفخار أبي الخير )
( على من إذا استطلعت قلبي لا أرى ... لعقلي برهانا على أنه غيري )
وقوله
( أقول لسار في الحزونة والسهل ... ليبصر أعيان البلاد ذوي الفضل )
( تيمم أبا الفضل بن ميكال واترك ... سواه فكل الفضل حيث أبو الفضل )

167 - أبو محمد عبد الله بن محمد الدوغابادي
أعجوبة العصر وبكر عطارد وذلك أنه حديث السن رطيب الغصن ولو قلت أنه معجز بلدته في الشعر لما قلت شططا ومن خبره أنه استظهر كتاب اليتيمة كله وله طبع نافذ وخاطر عامر وقريحة ثاقبة وكياسة نادرة فانتجع بدائع الخواطر واجتنى ثمار الأفكار وحمل على الروح حتى تطبع بطباع أفراد الشعراء العصريين وجرى في طرق المفلقين المبدعين وكسا المعاني البديعة الخفية معارض الألفاظ الرشيقة الجلية فإن شاء فالسري والخالدي وإن أراد فالببغاء والسلامي وإن نشط تغزل وأطرب وإن آثر مدح فأعجب وعجب وهو الآن بالحضرة في ديوان الرسائل مرشح للأعمال الجلائل ومن شعره في الغزل قوله من قصيدة
( ونمل عذاره نقلت إليه ... وهن ضعائف حب القلوب )
( نقلن له القلوب وهن ضعفى ... فكيف إذا قدرن على الدبيب )
وقوله في معناه من أخرى
( فحذار من ذاك العذار فإنما ... نقلت له حب القلوب نمال )
ومن أخرى
( مري جفنك الممراض من غير علة ... يشم سيفه إنا أتيناه عودا )
وقوله من أخرى
( وظبية أنس بين أسد طرقتها ... على حذر والليل في لون خالها )
( وما غرضي منها سوى ورد خدها ... وبرق ثناياها وبرد زلالها )

وقوله
( سلا صدغه المسكي كيف قراره ... على نار خديه وكيف يكون )
( ويشرب من فيه المدام معلقا ... على لهب أن الجنون فنون )
ومن سلطانيات شعره قوله من قصيدة
( الملك بعد نظام الدين محمود ... للقائم الملك المنصور مسعود )
( إن كان داود زار الغيث تربته ... ولى فهذا سليمان بن داود )
( من كان شمس ملوك الأرض وارثه ... ونجله فهو حي غير مفقود )
ومنها
( لا يطمعن أحد في الملك يملكه ... والسيف في يد مسعود بن محمود )
( سقى الكماة كؤوس الموت مترعة ... على غناء صهيل الضمر القود )
ومنها
( طويل عمر المساعي والندى أبدا ... قصير عمر الأعادي والمواعيد )
( يداه فوق أكف الناس كلهم ... عزا وتحت شفاه السادة الصيد )
أخذه من قول أبي الفياض الطبري
( يد تراها أبدا ... فوق يد وتحت فم )
( تبارك الله ما أبهاك من ملك ... في تاج عز بكف الله معقود )
زلقت قدمه في ذكر الكف فإنها لا تضاف إلى الله عز اسمه وتعالى عما لم يصف به نفسه ولولا أنه أضاف اليد إلى نفسه وإن كان تأويلها غير ظاهرها لما استجيز قول من قال يد الله وقد نعى على ابن نباته قوله وعيب بذلك

( إذا تمنت امنت أن تعيش لها ... يا راكب العرش بارك في أمانيها )
لأنه قال ما لم يقل أحد من ركوب العرش وإنما جاز الاستواء لأنه جل ذكره وصف به نفسه وإن كان بعضهم تأول فيه الاستيلاء واحتج بقول الشاعر
( قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق )
عاد الشعر
( قرم يعيد حدود البيض مصلتة ... من الدماء عليها ذات توريد )
( تخالها وهي كابن الغيم صافية ... كأنما مازجتها بنت عنقود )
( لا تستقر ظباها فهي راحلة ... من الجفون إلى هام الصناديد )
ومنها
( مغناك روض أريض مونق خضل ... وإنني عندليب جد غريد )
أخذه من أبي القاسم الزعفراني وزاد عليه
( وتغنيك في الندي طيور ... أنا وحدي ما بينهن الهزار )
( لا زال ملكك مخصوصا بأربعة ... أمن ويمن وتأييد وتأبيد )
( فأنت للملك لا فارقته أبدا ... كالنار للعود بل كالماء في العود )
( وعشت للدين والدنيا وأهلهما ... للعلى والندى والبأس والجود )
وله من قصيدة في الشيخ أبي الطيب طاهر بن عبد الله أيده الله أولها
( سقام عينيك للعواد قتال ... ففي العيادة قل لي كيف أحتال )
ومنها
( ويح المحبين لما سار عيسكم ... في صحبة الدمع من أجفانهم سالوا )

( لم يرزقوا الخير منكم غير أنهم ... فضل الشهادة في سبل الهوى نالوا )
( ناديت دمعي وصوب المزن يسعده ... كلاكما خضل الشؤبوب هطال )
( ولستما كيد الشيخ العميد ندى ... هي الغمام ولكن وبلها المال )
( كم أنبتت يد مولانا وسيدنا ... من روضة نبتها مجد وأفضال )
ومنها
( قل للذي يتمنى نيل رتبته ... ما كل ماشية بالرجل شملال )
( في دسته عارض هام وبحر ندى ... طام يفيض وصمصام وريبال )
( كاف إذا ما امتطى الأقلام أنمله ... فالمرهفات له والسمر عمال )
( يا فارس الدست إن الناس كلهم ... سواك في دست هذا الملك أكفال )
( مر عبدك الدهر يجنبني نوائبه ... فالدهر طوع لما تقضيه فعال )
( وأول ثغري بتقبيلي ثراك ندى ... فإن تقبيل ذاك الترب إقبال )
( وأسلم فإنك في أفق العلى قمر ... وافخر فأنت على خد الندى خال )
( وأنت نبع العلى إذ غيرك الضال ... وأنت بحر الندى إذ غيرك الآل )
وكتب إلى أبي القاسم الطائي الكاتب يسأله تذكيره وعدا له عليه
( أأبراهيم دام صفاء ودك ... على غير الزمان وصفو عهدك )
( دعوتك دعوة التعب المعنى ... لتذكرني بفضلك عند ربك )
168 - أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي
كثير الفضائل جم المحاسن جامع من العلم والأدب بين العنب والرطب

فصيح اللسان والقلم وهو من رياحين الحضرة وطال ما نفد منها رسولا إلى الخليفة القادر بالله رضي الله عنه فأحسن السفارة واستوفى العبارة وهو الآن يتولى أوقاف الهند وله شعر يدخل على الأذن بلا أذن كقوله
( إن شاب رأسي فالمشيب موقر ... وذوو العلوم بشيبهم يتبرك )
( والشيب تغتفر الغواني ذنبه ... ما دام ذاك الشيء فيه يحرك )
وله
( وذي عينين كحلاوين يرمي ... بسهمهما سويداء الفؤاد )
( ألم بعارضيه نصف لام ... وهم بشاربيه نصف صاد )
وله في الهجاء
( أبو بكر بن حمدان ... بلا أصل ولا فضل )
( كأن الله صوره ... من الإعجاب والبخل )
( إذا شاهدت طلعته ... دعوت عليه بالثكل )
( ترى ما شئت من حمق ... ترى ما شئت من جهل )
( ترى نغلا على بغل ... ترى نذلا بلا بذل )
169 - أبو الفتح المظفر بن الحسن الدليغاني
كان من وجوه خدم الحضرة وأعيانها يرجع إلى أدب وفضل وحسن نظم ونثر وتقلد الأشراف بنيسابور فلم يلبث أن أشرف على الآخرة واختصر بالحتل منذ أشهر وكان قرأ كتابي في التغزل بمأتى غلام مختلف الأوصاف والأحوال والصناعات والمذاهب فأنشدني لنفسه في غلام كرامي

( وريم أصار الخانقاه كناسه ... وعارض عمدا رغبتي فيه بالزهد )
( أطال مواعيدي فقلت له أما ... تعبدت في دين الهوى بسوى الوعد )
( فقال اقتصر مني على الوعد في الهوى ... فقد صح إيماني على قولي الفرد )
وأنشدني لنفسه من قصيدة في شمس الكفاة رضي الله عنه والإشارة عليه باصطلام أعدائه الذين سعوا به وأعانوا عليه
( فسد الزمان فما ترى ... إلا ذئابا أو ذبابا )
( هذا يصول فإن يصب ... لم يأل عقرا وانتهابا )
( ويحوم ذاك على أذاك ... فلا تزال به مصابا )
( فابسط حسامك في الذئاب ... فلا تدع ظفرا ونابا )
( واصبب على الذبان من ... عذبات مقرعك العذابا )
وله من قصيدة في الشيخ العميد أبي سهل الحمدوئي أدام الله عزه
( بابي طلوعك أيها القمر ... حتى متى يا بدر تنتظر )
( يا مجملا فيه الجمال له ... خضر كحظي منه مختصر )
( العشق أول مرة نظر ... كم خاض في دم عاشق نظر )
ومنها
( والمجد يحمد فعل أحمده ... في كل ما يأتي وما يذر )
( الحمدوي المكتفي بندى ... كفيه إما أمسك المطر )
ومنها
( وكفى الوزير مهمة فغدا ... منه بحيث السمع والبصر )

( فإذا دجا خطب يفرجه ... عن وجهه آراؤه الزهر )
( بعزيمة كالسهم ماضية ... يرتد عنها الصارم الذكر )
( غرس الصنائع في الورى فغدا ... يجنى له من شكرهم ثمر )
( لا يخش صرف الدهر زائره ... فذراه من أحداثه وزر )
( يا مثريا من كل مكرمة ... إني إلى جدواك مفتقر )
( لي حاجة وقضاؤها أمم ... سهل عليك وما لها خطر )
( ومتى يكن عمرا لها أحد ... فالشيخ سيدنا لها عمر )
( لا زلت ما سجع الحمام وما ... نفح النسيم ونور الزهر )
( في عيشة لا جوها قتر ... فيه ولا في صفوها كدر )
وقال
( ولقد يئست من الرئيس ... ومن بنيه زائده )
( وضربتهم عرض الجدار ... فليس فيهم فائده )
( وغسلت من معروفهم ... كلتا يدي بواحده ) وقال
( أثرنا خبايا العيش في جنب خابيه ... بأجدب حنان وحدبآء حانيه )
170 - أبو نصر أحمد بن محمد الخالدي
أديب بارع شاعر حسن الشعر من المقيمين بغزنة يقول

( متى شملتني صحة وفراغ ... وقوت به لي غنية وبلاغ )
( وأصبحت لهفانا على ما يفوتني ... فرأسي رأس ليس فيه دماغ )
ويقول
( قل للنؤوم عن التفضل ... وادعا وسط الكرى مه )
( أحسن فإن الحر عبد ... للمبرة والكرامه )
وله
( قاض لنا إبليس يشهد أنه ... ما في الفضائح مثله إبليس )
( فكأنما زبر الحديد فياشل ... وكأنما مفساه مغناطيس )
171 - أبو الفتح المظفر بن صالح الرازي المدير
أحد من انتقل من الري في صحبة الراية السلطانية أدام الله نصرتها وتصرف على خدمة الحضرة وهو القائل في سيل أتى بالري بعيد ارتحال الموكب العالي عنها
( أتى كالطود أحمر في اصفرار ... كأن قراه ضمخ بالخلوق )
( أتانا تجرف الدنيا بليل ... لحاه الله من زور طروق )
( تغنم فرصة ونوى بياتا ... لأن البحر مال عن الطريق )
( ولولا رحلة الملك المرجى ... لما جسر السيول على الطروق )

282

خاتمة الكتاب
يشتمل على ذكر أقوام مختلفي الترتيب متفاوتي التاريخ غير معطين حقوقهم من التقديم والتأخير وهم من كل الأقسام الأربعة فبعضهم من استفدتهم بآخرة ومنهم قوم ما أنسانيهم إلا الشيطان أن أذكرهم في أماكنهم فقد جمعت في هذا الفصل محاسنهم على ما خيلت وكتبت من لطائف غررهم وملحهم ما يجري مجرى الحلواء التي تقدم في أواخر الموائد ويكمل به الكتاب والله ولي التوفيق
172 - أبو محمد لطف الله بن المعافى
يقول
( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وهم الكرام السادة الأشراف )
( وبقيت في خلف كأن وجوههم ... خبز الشعير إذا علاه جفاف )
ويقول
( أرى ما أشتهيه يفر مني ... ومالا أشتهيه إلي يأتي )
( ومن أهواه يبغضني عنادا ... ومن أهواه شص في لهاتي )

( كأن الدهر يطلبني بثأر ... فليس يسره إلا وفاتي )
وهو القائل
( وهل يذخر الضرغام قوتا ليومه ... إذا أذخر النمل الطعام لعامه )
هذا البيت لأبي العلاء المعري
173 - أبو القاسم علي بن مسرة البغدادي
يقول
( زعمت إنما هواي محال ... أتراها ظنت نحولي انتحالا )
( ولقد زارني الخيال فما صادف ... مني الخيال إلا خيالا )
( بت أرعى النجوم فيها وباتت ... من وراء السجوف تنعم بالا )
( وشكوت الهوى إليها فقالت ... حضري ينمق الأقوالا )
وقوله
( ألف الحوادث مهجتي فألفتها ... بعد التنافر والكريم ألوف )
( ليس البلاء علي صنفا واحدا ... لكن علي اليوم منه صنوف )
174 - محمد بن أحمد الشيرجي
أديب فقيه ظريف شاعر خليع يقول
( يا خليلي عرجا بي إلى القفص ... وحطا الرحال بالبردان )

( واتركاني من التفقه في الدين ... فحسبى تعلمي ما كفاني )
( واسقياني على وجوه الغواني ... واصطفاق النايات والعيدان )
ويقول
( إلق الدساكر والمعاصر والسواحر والزوامر ... )
( ودع الدفاتر والمحابر والقماطر والمساطر ... )
وكتب إلى صديق له يستزيره
( اليوم يوم انجحار ... ويوم إيقاد نار )
( ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب عقار )
( وكل هذا لدينا ... فاحضر مع الحضار )
وكان كثيرا ما يقول لإخوانه أنعم الله صباحك وأدام لرأسك الخضرة ولوجهك الحمرة ولوجه حاسدك الصفرة
175 - أبو الفضل احمد بن محمد الكاتب
ثقيل وزن الفضل خفيف روح الشعر يقول
( دخلت إلى النخاس يوما وعنده ... غلام صبيح الوجه أتلع أحور )
( فقلت له هذا الغلام تبيعه ... فقال به عيب وذلك يستر )
( فقلت فأظهره فقال أباقه ... فقلت رضى بالعيب فالظبي ينفر )
ويقول
( قد قلت والصدغ على خده ... كالليل يبدو تحته الفجر )

( البدر من أبراجه عقرب ... فصار برج العقرب البدر )
176 - أبو المظفر عبد الجبار بن الحسن البيهقي الجمحي
كثير المحاسن حلو الأدب مليح الشعر يعيش في ظل الكفاية ويخدم السلطان ويعاشر الإخوان ويقول مثل قوله في بعض الصدور
( وإن أبا سعد لعائن ربنا ... عليه لشيخ حامض في المشايخ )
( فلو أنني وليت شغل وكالة ... لوفرت من خديه خل المطابخ )
وقوله
( وجه أبي العباس ما أصلده ... نعم ويوم البعث ما أسوده )
( يخيب من يرجوه في يومه ... ثم مع الخيبة يخشى غده )
( قل لمليك الشرق هذا الذي ... يكتب في الديوان ما أبرده )
( إن شئت أن تبسط بين الورى ... عدل أنوشروان فاقبض يده )
وقوله
( دخلت على أبي سعد وإني ... أداخله على ود سقيم )
( رأيت لديه كتابا ظرافا ... حيارى حول محزون كظيم )
( تصور لي ملائكة كرام ... قعود حول شيطان رجيم )
( ففي ديوانه كرم ولكن ... مدارعه تزر على لئيم )
( يعز علي أن يلقاه شتمي ... بلا ضرب أكرره أليم )

وقوله من قصيدة
( عبق بكفي من خيال طارق ... عند الكرى متصافح متعانق )
( فأبيت أضحك من وصال كاذب ... وأظل أبكي من فراق صادق )
( إني أصافحه بكفي صائن ... لكن ألاحظه بعيني فاسق )
( ما للهموم ألفن كل متيم ... أعشقن مهجة كل صب عاشق )
177 - أبو منصور علي بن أحمد الحلاب
شاب كان متقدم القدم في الفضل والأدب كتب في ديواني الرسائل بنيسابور والري وبرع وخدم وخدم وقد ذكرت له أبياتا في مرثية صديقه أبي بكر الصبغي وكتبت الآن ما أنشدني لنفسه قوله في خط العذار
( كم سقيت الدموع عارض حتى ... اشتهي خطه على غير حين )
( فتباطى النبات حتى إذا ما ... رويت خده وجفت شؤوني )
( دار فيها السواد وهو شبيه ... بخطى النمل في جنى الياسمين )
( كيف أستنكر العذار نباتا ... وهو من عبرتي وزرع جفوني )
وقوله
( حلى المشيب محلا ... عن كل ورد التصابي )
( ما للغواية والصبابة ... غير ريعان الشباب )
178 - أبو سهل الجنبذي الكاتب
من كتاب الرسائل في ديوان السلطان الأعظم ولي النعم أدام الله ملكه ومن الأدب والفضل بحيث يضرب به المثل وله شعر يجمع الحسن واللطف والظرف كما

أنشدني الحاكم أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاثي قال أنشدني هذا الشيخ لنفسه
( أفدي فتاة حرمت ... ظلما علي جمالها )
( ود الهلال بأن يكون ... لساقها خلخالها )
( قد واعدتني زورة ... تشفى الجوى فبدالها )
وأنشدني أيضا قال أنشدني لنفسه
( سقيا لزائرة زارت على عجل ... والليل ألبس غيطان الفلا غسقا )
( في ليلة بات شمل الأنس مجتمعا ... فيها وشمل الأسى والحزن مفترقا )
( قطعت أولها شربا وأوسطها ... سكرا وآخرها ضما ومعتنقا )
( حتى بدا الصبح محمرا ذوائبه ... كأنه موقد في أفقه سذقا )
( قالت تودعني والعين باكية ... يا ليت أن بياض الصبح ما خلقا )
179 - أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي المستوفي
أخبرني أنه واسطي خدم الصاحب والأجلة واقتبس من أنوارهم في صباه وانتقل إلى خراسان فشاخ بها على الاستيفاء في الديوان وكان أديبا كاتبا حاسبا كريما فاضلا به طرش يسير وله حفظ كثير وطلع بنيسابور فأطلع شمس فضله وأنشدني لنفسه
( إن كنت عندك يا مولاي مطرحا ... فعند غيرك محمولا على الحدق )

وأنشدني لنفسه في قائد اسمه فولاذ
( قالوا امتدح فولاذ فاسعد به ... فالحر بالأحرار يعتاذ )
( فقلت لا يغرركم بره ... فإنه في اللوم أستاذ )
( لو أنه الزيبق لم يجر لي ... فكيف تجري وهو فولاذ )
وله في الأمير حسنك رحمه الله تعالى
( أبدى لك الدهر في أحواله عبرا ... لو كنت يوما بما تلقاه معتبرا )
( انظر بعين النهى في حسنك لترى ... سحاب كل بلاء أرضه مطرا )
( صلب ورجم وحز الرأس بعدهما ... من يقهر الناس في سلطانه قهرا )
وانتقل إلى جوار ربه منذ سنيات وله ابن نجيب أديب في ديوان الاستيفاء بالحضرة يكنى أبا غالب
180 - أبو عدي الشهرزوري
له شعر مدون قد انتخبت منه قوله
( حصلت وعدك سيدي ... وكفى به ثقة لآمل )
( لكنني كالناس مشغوف ... الفؤاد بكل عاجل )
وقوله
( ربما كان واحد ... يغلب الألف زائدا )
( رب ألف رأيتهم ... لا يساوون واحدا )
وقوله
( وأنت كالماء يروى الناس كلهم ... وربما شرق الإنسان بالماء )

181 - أبو منصور محمود بن علي المهلبي العماني
حدثني أبو الحسن علي بن محمد الحاجبي بالجرجانية قال كنت في أواخر أيام السامانية أحرر في ديوان الرسائل ببخارا مع جماعة من المحررين وصاحب الديوان إذ ذاك أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني ومعنا في الجملة أبو منصور المهلبي وكان أشعر القوم وكان فينا واحد يعرف بأبي الفوارس النيسابوري ردي الخط غليظ الطبع كثير الكتب قليل الأدب يتعاطى الشعر ويفتضح فيه فمدح أبا علي بما أضحكه والقوم فأمر المهلبي بهجائه ووصف خطه وبلاغته فقال أبياتا منها
( وكاتب كتبه تذكرني القرآن ... حتى أظل في عجب )
( فاللفظ قالوا قلوبنا غلف ... والخط تبت يدى أبي لهب )
فأعجب أبو علي بقوله وأمر له بصلة ولما رأى المهلبي ميل أبي علي إلى وصف خط أبي الفوارس قال فيه يخاطب أبا علي
( يا سيد السادات في المجالس ... أما ترى خط أبي الفوارس )
( كأنما يكتب بالمكانس ... فميمه كمنخر الأفاطس )
( وجيمه كرجل بغل رافس ... وسينه كأرجل الخنافس )
( وواوه مغرفة الهرائس ... ولامه شريجة المحابس )
( وما تراه الدهر غير عابس ... أو ناكسا لرأسه كالناعس )
( يدرس طومارا بفهم دارس ... أو قائلا شعرا بشق هاجس )
( أو غايصا في لجة الوساوس ... كأنه من جملة الأبالس )
( فارم به في شدق ليث ناهس ... فبئس للكتاب من مجالس )

قال ولما قلد أبو محمد عبد الله بن محمد بن غزير الوزارة ببخارا مدحه أبو منصور المهلبي ببيتين فوصله بألفي درهم وهما
( أرى الله البرية كل خير ... وجنبهم بفضل كل ضير )
( ورد حياتهم ببني عزير ... كما رد الحياة على عزير )
وأنشدني غيره للمهلبي
( قد أولع الناس في الدنيا بأربعة ... أكل وشرب وملبوس ومنكوح )
( وغاية الكل إن فكرت فيه إلى ... روث وبول ومطروح ومفضوح )
وله
( إذا اعتل برذون الفتى وهو واحد ... فصاحبه حتى يصح عليل )
182 - أبو منصور نصر بن أحمد بن سعد السعدي
أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن أيده الله له
( أكرم أليفك ما استطعت فإنه ... ما دمت تكرمه فأنت كريم )
( فإذا أضعت ذمامه وتركته ... تركتك الفته وأنت مليم )
وله في ذم صديق
( الفلك تجري في البحار وإنني ... أجريه منك على الصفا والجندل )
( الله يعلم ما أقاسي دائبا ... من سوء خلقك يا نقيع الحنظل )

وله
( يا جامع المال كي تضن به ... تطمع والله في الخلود معه )
( هل حمل المال ميت معه ... أما تراه لغير من جمعه )
ومما ينخرط في سلك هذا النظام قول بعضهم
( يا جامعا للمال يا مانعا ... ألم تثق بالرازق الباعث )
( من شح بالمال على نفسه ... جاد به قهرا على الوارث )
183 - أبو الفرج أحمد بن علي بن خلف الهمداني
في نهاية الفضل وحسن النثر وملاحة الشعر وقد ذكرت له عند أبيه هذين البيتين المرتفعين في الحسن عن النعت الجاريين مجرى السحر
( لئن كنت في نظم القريض مبرزا ... وليست جدودي يعرب وأياد )
( فقد تسجع الورقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتار وهي جماد )
ولم أكن أحفظ إذ ذاك غيرهم ثم اكتبني الشيخ أبو بكر أيده الله بعد حين من الدهر ما كتبته في سويداء القلب كقوله
( تعيرني وخط المشيب بعارضي ... ولولا الحجول البيض لم تحسن الدهم )
( حنى الشيب ظهري فاستمرت عزيمتي ... ولولا انحناء القوس ما نفذ السهم )

وكقوله
( ولرب كرم نقلنا أعنابه ... وشرابنا حلب له مختوم )
( فجمعت بين الأم فيه وبنتها ... عمدا لكي يتضاعف التحريم )
وكقوله من قصيدة فريدة بديعة جدا
( لا تعذليني إن ذكرت كئيبا ... ومنعما غض الجمال ربيبا )
( ومنازلا قضيت بين خيامها ... عيشا كما يرضى التصابي طيبا )
( لولا اشتياق الألف لم تر طائرا ... يوفي على غصن الأراك خطيبا )
( ولقد ترن القوس وهي صليبة ... من أن تفارق سهمها فتغيبا )
( وكفاك من شرف الهوى تقديمنا ... أبدا على مدح الملوك نسيبا )
( مهلا فلست ترى الفتى ذا همة ... طماحة حتى تراه طروبا )
( أما تراني فقد ولهت صبابة ... ورأيت رأى العاشقين مصيبا )
( فلرب يوم قد حجبت سماءه ... بعجاجة تذر الشباب مشيبا )
( غادرت صدر السمهرية مرعدا ... وثنيت في قلب الخميس وجيبا )
( سرنا فسارت للنسور عصائب ... ترجو مقاما للكماة عصيبا )
( وقيننا شمس النهار وصرن من ... دون الهجير سرادقا مضروبا )
( فليجزين صنيعها بفوارس ... تقتات منهم أعينا وقلوبا )
( وأبي الذي شهد الكرام بأنه ... أوفاهم في المكرمات نصيبا )
( هوبي إذا الأبناء عدوا منجب ... وبه أعد إذا افتخرت حسيبا )

( كالبحر ولد دره والغيث أنبت ... روضه والمسك أبدى طيبا )
( أصل وفرع طيبان كلاهما ... ما فيهما أمر تراه معيبا )
وكقوله في حال انقضت
( قربا الأشقر الأغر فإني ... يا خليلي قد مللت المقاما )
( ورأيت الثواء في بلد الذل ... حماما وإن أمنت الحماما )
( وتخيرت للحروب قناة ... صعدة صدقة وسيفا حساما )
( فأجيزا عني الكؤوس فإني ... قد ألفت السرى وعفت المداما )
( ودعاني من الأغاريد إلا ... من طنين السيوف يفلقن هاما )
( ولخير من أن نعيش لئاما ... مستذلين أن نموت كراما )
وقوله من قصيدة
( نشفت بأنفاسي نطاف المناهل ... فأخلفتها دمعي بسحب هواطل )
( ورحت بقلب في الظعائن سائر ... حثيث ودمع بالأباطح سائل )
( وأنكر جاراتي خضاب ذوائبي ... وهن به زين بيض الأنامل )
( فيا عجبا منهن ينكرن باطلا ... علي ولم يحلين إلا بباطل )
( وكنت متى أبدي النصول بياضها ... رأيت نصولا ركبت في مقاتلي )
( فسل مشيبي من خضابي كأنما ... تسل من الأغماد بيض المناصل )
وقوله من أخرى
( شكر لآلآء الوزير فإنه ... أحيى نفوسا قد كمدن تروعا )

( ولئن تبقت لي مآرب لم أزل ... لنداه في إنجازها متوقعا )
( يأبى حيائي أن أطيق بيانها ... وعزوف نفسي أن أرى متوجعا )
( ولأنت تعلم ما أريد فوقني ... ذل السؤال وجد به متبرعا )
( وإذا الفتى سبق السؤال بفعله ... كان الذي يأتيه أحسن موقعا )
وقوله
( تلوم أميمة إني سخوت ... سيصغي إلى لومها الألأم )
( أأمنع ما ملكته يدي ... ويخلع خلته الأرقم )
( فيمنح من جسمه بعضه ... ويعظم في عيني الدرهم )
( إذا هو أولى بنيل العلى ... وموقفه في الندى أكرم )
وقوله
( ولي أنمل تغني وتفني كأنها ... مسار غمام أو مثار حمام )
( فما انبسطت إلا لإغناء مقتر ... ولا انقبضت إلا لهز حسام )
وقوله في الزهد
( في ظلام الدجى وضوء النهار ... آية للمهيمن الجبار )
( فلك دائر وقطب مقيم ... ونجوم تجري بغير اختيار )
( وسماء قامت بغير عماد ... فوق أرض رست بغير قرار )
( وصعيد يحول نبتا نضيرا ... مونق الروض مورق الأشجار )

( شربه واحد وألوانه شتى ... فمن أصفر ومن جلنار )
( شهد الراسخون في العلم طرا ... إن هذا من صنعة الجبار )
( خالق الخلق باسط الرزق فيهم ... مالك الملك عالم الأسرار )
( فهو الواحد الحكيم تعالى ... عن شبيه وعن شريك وجار )
( وهو ذاك الذي إذا خفت أمرا ... قلت يا رب نجني من حذاري )
( فإذا زال ما أخاف وأخشى ... عدت في سكرة وفي إصرار )
( أيها الغافلون عن نوب الدهر ... وناسون سطوة الأقدار )
( إن هذي الديار قد نزلت قبل ... وحلت فأين أهل الديار )
( أين أين الملوك في سالف الدهر ... وما أثروا من الآثار )
( كل ذي نخوة وأمر مطاع ... وامتناع وعسكر جرار )
( ملكوا برهة فسادوا وقادوا ... ثم صاروا أحدوثة السمار )
( لم تخلدهم الكنوز التي قد ... كنزوها من فضة ونضار )
( لم تغثهم يوم الحساب ولكن ... حملوا وزرها مع الأوزار )
184 - أبو الحسين الحسني الهمداني
هو والد عباد سبط الصاحب وكان بهمدان في الشرف والجاه واليسار كيحيى بن عمر العلوي ببغداد وفي الأدب والشعر كالرضي والمرتضى الموسويين بها وكان الصاحب يفتخر بمصاهرته ويتشرف بمواصلته وكان من أعظم الرؤساء مروءة وأوسعهم رحلا وكان له ندماء فضلاء أدباء لا يغبونه ولا يغيبون عن مائدته وكان يسأل كل واحد منهم عما يتشهاه من الأطعمة فيأمر الطباخ باتخاذه وإحضار جميعه فيأكل بشهواتهم وقال لهم يوما تعالوا بنا نتكرم اليوم فقالوا وأي يوم لا يتكرم سيدنا فيه قال

نتكرم من الكرم لا من الكرم قالوا كيف تعمل قال نستغرق مرافق الكرم ومنافعه ومصالحه فنستوقد بقضبان الكرم ونتخذ سكباجة وقلية حصرمية وحلواء دبسية ونشرب العيني وننتقل الزبيب فقالوا لا اختيار على هذا الرأي فأمر بذلك كله وطاب يومهم وكنت علقت له أبياتا ضاعت وعلق بحفظي منها قوله في جارية تحمل شمعة
( خطرت لنا قبل العشاء بشمعة ... تحكي بها شكل القنا الخطار )
( فكأنما طعنت بها عشاقها ... فتكللت بدل النجيع بنار )
وقوله من قصيدة
( أعينا على تسويفه واعتلاله ... وتكديرها بالهجر ماء وصاله )
( لئن كانت الأيام ضنت بقربها ... فإن الليالي أسعفت بخياله )
ومنها
( ينفر عنه النفس سوء فعاله ... ويدعو إليه القلب فرط جماله )
( ألا رب يوم قد نعمت بقربه ... إذا العيش في ريعانه واقتباله )
ومنها قوله من قصيدة صاحبية
( إني وإن كنت من يدنيه أبطحه ... إلى الفخار وتنميه أخاشبه )
( حتى تعليه طورا فواطمه ... إلى النبي وأطوارا زيانبه )
( لعبد أنعمك اللاتي ملأن يدي ... طولا وميزتني عمن أناسبه )

وكتب إلى الصاحب مع طبق فضة فيه من ند الملوك وذلك قبل العيد
( العيد زارك نازلا برواقك ... يستنبط الإشراق من إشراقك )
( فأقبل من الند الذي أهديته ... ما يسرق العطار من أخلاقك )
( والظرف يوجب أخذه مع ظرفه ... فأضف به طبقا إلى أطباقك )
والجواب عنه في نهاية الظرف وقد ضاع في جملة ما ضاع وسهم الرزايا بالذخائر مولع ولئن عثرت عليه ألحقته بحاشية هذه الورقة إن شاء الله تعالى
185 - أبو الحسين التغلبي
أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله قال أنشدني ابن أبي علان الأهوازي لأبي الحسين التغلبي في مدح الصغار من قصيدة
( وإذا رمقت بحلظ طرفك في العلى ... نجما صغيرا فهو فوق الأنجم )
( وصغيرة الخمس الأصابع إنها ... أولى بزينة خاتم المتختم )
( والرمح أصغر عقدة فيه التي ... عند السنان وذاك صدر الهذم )
( وكذلك الدينار يصغر حجمه ... وهو الثمين تراه فوق الدرهم )
وأنشدني غيره في أمرد متكبر
( تكبر لما رأى نفسه ... على هيئة الشمس قد صورت )
( سيندم ألفا على كبره ... إذا الشمس في وجهه كورت )

186 - الخليل بن أحمد القاضي السجزي
من أفضل القضاة وأشهر أدبائهم وله شعر الفقهاء كقوله
( الشيب أبهى من الشباب ... فلا تهجنه بالخضاب )
( هذا غرب وذاك باز ... والباز خير من الغراب )
وقوله
( من أراني في غلو في الجفا ما لم أره ... )
( فانتقامي منه أن أخجله بالبر به ... )
وقوله في الهزل
( إذا نامت العينان من متيقظ ... تراخت بلا شك تشانيج فقحته )
( فمن كان ذا عقل سيعذر ضارطا ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته )
وقوله في الجد
( جنبي تجافى عن المهاد ... خوفا من الموت والمعاد )
( من خاف من سكرة المنايا ... لم يدر ما لذة الرقاد )
( قد بلغ الزرع منتهاه ... لا بد للزرع من حصاد )
187 - أبو درهم البندنيجي
أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله تعالى له من نتفة
( متى ما أقل مولاي أفضل منهم ... أكن للذي فضلته متنقصا )
( ألم تر أن السيف يزري به الفتى ... إذا قال هذا السيف أمضى من العصا )

وله أيضا
( ألم تر هذه الدنيا حطاما ... توقد بيننا فيه الحروب )
( إذا نافست فيه كساك ذلا ... ومسك في مطالبه اللغوب )
188 - أبو محمد يحيى بن عبد الله الأرزني
أحد مدرسي اللغة ببغداد وأصحاب الخطوط بها حدثني أبو الفضل التميمي قال كنت يوما معه في دار بهاء الدولة فجلسنا على برج منها مطل على دجلة مع فتى أسمر مليح وأخذنا نشرب من نبيذ التمر فارتجل أبياتا منها
( كأنا على البرج المطل غدية ... لنا منزل بين السماكين والنجم )
( ومن دوننا فيحاء قد نسجت لها ... يد المزن أفوافا من الوشي والرقم )
( ودجلة تحكي في اطراد حبابها ... مضاعفة التسجين محكمة النظم )
( وكاساتنا تجري بسوداء مالها ... إذا انتسبت غير الأشاءة من أم )
( ولو كان في عمر الحبيس معرسي ... إذا لأتت صهباء من حلب الكرم )
الحبيس كان من بلاد الشام أو الجزيرة
( ولكنما أزرى بنا أن دارنا ... ببلدة لا خال يعد ولا عم )
( بلى قد زهاها أن لونك لونها ... فجاءت تضاهي المسك في اللون الشم )
وأنشدني غيره له في امرأة تزوجها فلم تحمدها وشبهها بالنرجس ذاما لها
( أبنت أبي إسحق هل أنت نرجس ... فإن كلا شخصيكما متماثل )
( فساقاك خضروان والرأس أبيض ... ووجهك مصفر وجسمك ناحل )

189 - أوحد الملك أبو طاهر الحسن بن أحمد بن حسول
يلقب بالأستاذ أوحد الملك ويرشح للوزارة ومحله محل الوزراء وهو ابن عم الأستاذ صفي الملك أبي العلاء وله بلاغة بالغة وشعر مع قرب لفظه بعيد المرام مستمر النظام كقوله
( اشرب فقد أقبل الربيع بلا ... مطل وخل العذول في تعب )
( وسقني قهوة معتقة ... كأنها جذوة من اللهب )
( وانظر إلى ألسن الرياض وقد ... نضنضن يتلو عوارف السحب )
( كأن أشجارها منورة ... منقوطة بالكواكب الشهب )
( تسري إليها الشمال مدنفة ... مسرى شفاء إلى أخ وصب )
( كأنما النرجس الجني اذا ... منحته اللحظ طرف مرتقب )
( والورق مثل القيان في كلل الأغصان ... يوقظن هاجد الطرب )
( وخلني واسخ بي على رشأ ... خلي دموعي مفضوضة السحب )
وكقوله
( وأغيد يهجرني دائبا ... ويمنحني الطيف من سخطه )
( كأن الثريا وقد صوبت ... قبيل التبلج من قرطه )
وله من رسالة
عاقتني عن زيارة مولاي الأنواء مضاهية تدفق بنانه بالعطاء وتموج بحره بالحباء المرتوية من الأنداء ارتواه من الكرم والحياء ثم صدني أيضا ما نحن بصدده في

المعسكر المأهول من الخطر المهول والوحول التي تسوخ فيها أثباج الفيول فضلا عن الخيول
ومن أخرى
غرست في فنا مولاي آمالا متهدلة الأفنان مخضلة الأغصان فلم استثمر منها إلا التأخر عن جماعة لم يجرؤا في الخدمة والطاعة إلى أمد معي ولم يضربوا في الغناء بمثل قدمي ومن أخرى
ومعاذ الله أن استعدى على كرمة إلا بكرمه ولو أحوجت إلى استفاف الثرى أو يشاهد مني غير الثناء ولو أزار نعرتي حد الظبي
ومن أخرى
قد شاهدت عهود الصبا حاضرة وأغصان الشبيبة ناضرة
190 - القاضي أبو علي عبد الوهاب بن محمد
إمام قد غزر علمه ونقى جيبه وسلم غيبه ولم يدنس ذيله واستوى في النزاهة نهاره وليله ولا عهد لنيسابور بمثله في الزهد والورع والبعد عن الطمع وربما يقول شعر أدباء الأيمة كقوله وأنشدنيه له الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن دوست أيده الله قال أنشدني لنفسه
( شباب أنست بأيامه ... فولى بأيامه وانقضى )
( وأورثني عنه شيبا أضاء ... كصبح أتى بعد ليل مضى )
قال وأنشدني أيضا لنفسه
( ما في شكاية من به ... بعض الأذية من حرج )
( والصبر أجمل بالفتى ... والصبر مفتاح الفرج )

191 - الحاكم أبو علي الحسن بن منصور بن العلاء الدرابجردي النيسابوري
من شبان الحكام سنا ومشايخهم علما وفضلا وكأن البحتري يعينه بقوله
( وشبيبة فيها النهى فإذا بدت ... لذوي التوسم فهو شيب أسود )
وله أدب من ثماره شعر حسن كقوله في الغزل
( تجلت كمثل الشمس فوق جبينها ... سلاسل من مسك عقدن على در )
( إذا نظمت تحت العقيق لئالئا ... نثرت يواقيت الجفون على تبر )
وقوله
( وإذا مررت بموضع مرت به ... خلت التراب غدا فتيت العنبر )
( أرجا على أرجائه وكأنما ... خلط العبير به بمسك أذفر )
وقوله
( ولما تداعوا للرحيل وودعوا ... وظل حداة العيس توضع بالوخد )
( ترددت في تلك المواقف باكيا ... ومعكت في آثار أخمصها خدي )
وقوله في الربيع من نتفة
( قد طال لبثك في البيوت كثيرا ... فاعزم إلى صحن الفضاء مسيرا )
( وأنهض إلى حسن الرياض وطيبها ... تشتم مسكا بينها وعبيرا )
( راقت بدائعها فصرن كأنما ... ألبسن من حلل الجنان حبيرا )

( فاحت روائحها وفاح نباتها ... في القلب نورا ساطعا وسرورا )
وقوله في الخريف
( جمع الزمان محاسن الألوان ... وافتر عن بشر وطيب أوان )
( واهتز أعطاف الهواء كأنما ... تحكي الهواء تمايل النشوان )
( وامتد ظل الليل في أطرافها ... مثل امتداد مواقف الهجران )
( فانظر إلى حسن الزمان وطيبه ... وتلون الأشجار بالألوان )
( من بين أحمر قد علاه وأصفر ... مثل العقيق تطمن بالعقيان )
( وتمايلت تلك الغصون فأشبهت ... يوم الوداع تعانق الخلان )
( تتطاير الأوراق في أفق الهوا ... قلقا كقلب الهائم الحيران )
( خلع الرياح على الرياض نثارها ... في أطيب الأوقات والأزمان )
( يا طيب ذاك العيش في أرجائها ... لو نام عنها أعين الحدثان )
192 - أبو الحسن علي بن محمد الحميري
من وجوه العمال بنيسابور أديب فاضل شاعر يقول في أبي علي الزاهر الشاعر البلخي الذي وقع يسير من شعره في اليتيمة
( لنا صديق شعره داجن ... لا يألف الأسفار والغربه )
( لكنني أنشده راعيا ... لحقه في قدم الصحبه )
ويقول في الغزل
( وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه علي بالخد المضرج )

( أفاض على فؤادي الوجد لما ... أضاف إلى شقائقه البنفسج )
ويقول أيضا
( أبو الفضل أخو النقص ... وعم الخرق والجهل )
( حمار من بني آدم ... محمول على بغل )
193 - أبو القاسم علي بن الحسين الأليماني
أصله من الري وكان مقامه بنيسابور بعد تركه التصرف وكان يقول شعرا مليحا ظريفا كقوله في استقبال رئيس
( كيف أستقبل من حيث مضى ... طار قلبي معه في سفره )
( فهو في غيبته يخدمه ... مثل ما يخدمه في حضره )
وكقوله في وزير
( سيرة الشيخ سيرة مذكوره ... وأياديه بيننا مشكوره )
( إذ لديه محل كل كريم ... كمحل الكلاب في المقصوره )
194 - الأمير أبو القاسم علي بن عبد الله الميكالي
أكبر أبناء الأمير السيد أبي الفضل أدام الله عزه وأدبهم وأعلمهم وهو في الكرم همام وفي الطب إمام وله شعر لم يخرج بعد لأنه لا يظهره ترفعا عنه وسوء ظن به فمما اختلسه حفظي منه قوله في شدة الحر
( كأننا والهجير يطبخنا ... والبق تقتات كل من نضجا )
( طبخ صيام يراقبون به ... إدراكه والظلام أن يلجا )

وسألحق ما أجده من غرره بهذا الكتاب إن شاء الله تعالى
195 - الأمير أبو العباس إسماعيل بن عبد الله
كثير المحاسن غزير الفضائل كريم النفس شريف الطبع كتب إلى الأمير أبيه أيدهما الله وكان خرج إلى ناحية أبياتا منها
( ولو أني غداة البين أغدو ... أما الخيل في خدم الأمير )
( للاحت لي تباشير الأماني ... وهشت لي أسارير السرور )
( ولكني لقيد الأذن منه ... أقمت وجد قلبي في المسير )
196 - أبو الحسن علي بن عبد الله الدلشاذي
من كتاب ديوان الرسائل بالحضرة حرسها الله يتناسب وجهه وخطه وشعره حسنا وسنه فويق العشرين وهو من أهل البيوتات بنيسابور يقول في غلام جندي
( يا من حوى جد القتال وهزله ... وسبى الورى بحسام طرف سله )
( صدغاه مثل الصولجان وخده ... ميدانه وقلوبنا كرة له )
197 - أبو منصور عبد الرحمن بن سعيد القائني
أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله له
( يا من تخطا إلى داري فأخطاني ... طوباي طوباي لو قد كنت في الدار )
( لو أن لي ألف دينار وكان معي ... نثرت بين يديه ألف دينار )

198 - السلامي المقيم ببخارا
له ملح ظريفة كقوله
( قال السلامي محنتي عجب ... أصغرها في القياس أعظمها )
( من ذاك أني اشتريت جارية ... خادمة لي فصرت أخدمها )
وكقوله
( قال السلامي إذا شئت أن ... تبصر محروما ومسكينا )
( فذاك من لم تر في كمه ... في زمن البطيخ سكينا )
199 - الأصمعي المقيم بها
لما استوزر الشيخ أبو الحسين محمد بن كثير رحمه الله ببخارا قال الأصمعي
( صدر الوزارة أنت غير كثير ... لأبي الحسين محمد بن كثير )
فأعجب به الصدور والسامعون واستحسنوا قرب المأخذ وسهولة المطلع وممن ذكر الكنية والاسم واسم الوالد والبلدة في بيت واحد أبو القاسم الأليماني حيث قال
( إلى الشيخ الجليل أبي علي ... محمد بن عيسى الدامغاني )
وممن ذكر الاسم واسم الأب واسم الجد واسم جد الأب أبو الحسين بن بلقين في قوله لأبي الفضل العارض بالري
( أنا نرى للملك بعد حوادث ... حدثت به وتصرفت أطوارا )
( في ظل راية زيد ابن محمد بن ... علي بن القاسم استقرارا )

والأصل في مثله قول الأول
( أن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحرث بن شهاب )
ومما يستظرف من شعر هذا الأصمعي قوله
( قد ارتهنت قلبي غداة لقيتها ... وقد هيجت شوقي إلى القمر السعد )
( سرخسية الألحاظ مروية الحشا ... بخارية الألفاظ بلخية القد )
200 - أبو علي الحسين بن أحمد الاسفرايني
من حسنات اسفرائن وأفرادها عقلا وفضلا وكتابة وظرفا ومعرفة بالنجوم
يقول
( يا أيها الشيخ الجليل الذي ... في غير مغناه يذل العزيز )
( طال مقامي وانتهت غربتي ... ومسني الضر وأنت العزيز )
ويقول
( قد قلت لما أن كساه الردى ... يوم الثلاثا بردة الهالك )
( يا ملك الموت تسلمته ... مني فسلمه إلى مالك )
201 - أبو نصر المهلبي القائد
شاعر اسفرائني المولد عراقي المنشأ صحب أعراب البوادي وأخذ عنهم وتفاصح متشبها بهم وكتب إلى الشيخ الإمام الموفق أيده الله وقد تتابعت عليه أمراض في شبيبته

( أقول لأصحابي وقد قال بعضهم ... أرى نفسه في لجة الموت تغرق )
( عزيز عليكم أن يموت فتى له ... لسان بحد الهند وأنى ينطق )
( لئن غبت عن مغناك يا بن محمد ... بموت فكم جيب علي يشقق )
( وكم من سرير زينته يد العلى ... بريحان فضلي في الأقاليم يخرق )
( ولم أر من دنياي بعد لذاذة ... ولم يتمتع بي الغزال المطوق )
( وما سرني دست العلى وأنا الذي ... بأنجم فضلى سنة الشمس تشرق )
202 - أبو القاسم هبة الله بن محمد الاسفرائني الفقيه
أنشدت له في غلام صيدلاني
( قد صاد باللحظ مهجتي غنج ... عذار خديه صولجاني )
( ما خلت كي أتقي مخائله ... أن يحسن الصيد صيدلاني )
203 - ابن هلال العسكري
أنشدت له من قصيدة
( شقائق من تحت أغصان بان ... كمثل العرايس من تحت كله )
( ودجلة زرقاء مثل السماء ... وفيها زبازبها كالأهله )
204 - أبو صالح سهل بن أحمد النيسابوري المستوفي
هناك من الجمع بين الأدب الديواني والشعر الكتابي وتقدم القدم في براعة الصناعة ما لا خفاء بمكانه وله ديوان شعر كتبت منه قوله في أبي سعد بن أرمك من

قصيدة مهرجانية مطبوعة مصنوعة
( سلك ابن أرمك للسماح مسالكا ... لو مر فيها حاتم لم يهتد )
( وسما بهمته التي قد ذللت ... هام السماك وقرن سعد الأسعد )
ومنها
( تهدى إليك طرائف وهديتي ... حلل الثناء عليك تنشرها يدي )
( تفنى الهدايا وهي باقية على ... مر الزمان بقاء نقش الجلمد )
( غراء بكرا صنتها عن غيره ... وزففتها نحو الأغر الأصيد )
( مهرج على يمن وطول سلامة ... ودوام عافية وعز سرمد )
وقوله في سنة الأفاضل من قصيدة
( دهاني الشتاء بضيق اليد ... وأنساني الشغل بالخرد )
ومنها
( ومما أساء له عطلتي ... ودين أقض له مرقدي )
( كأن الزمان وهجر الحبيب ... وبرد الشتاء وضيق اليد )
( تجمعن ثم ترصدن لي ... فوافين مني على موعد )
وهي طويلة في السهولة والعذوبة ومن حقها أن تكتب كلها دون بعضها وكذلك سائر فقره وله من سذقية في بعض أصحاب الدواوين
( إذا حدث المرء عن فضله ... أصاخوا إليه وقالوا صدق )
( كفى أمر ديوانه وحده ... وقام بواجبه فاتسق )

( ودبر أعمال سلطانه ... ودوج من ماله ما انغلق )
ومنها
( ولو لم يقيض لتدبيرها ... لأضحت معالمها تنمحق )
( وبات الرعية في شقوة ... وواليهم لم يكن يرتفق )
ومنها
( أرى الناس يهدون ما استطرفوا ... من البر ما جل منه ودق )
( وكل بمقدار إمكانهم ... يقيمون رسما لهذا السذق )
( وأصبحت عن شأوهم قاصرا ... فجئت السكيت غداة السبق )
( ولو كان في قبضتي مهجتي ... لأنفذتها نحوكم في طبق )
( ولما تعذر ما رمته ... تركت تكلف ما لم أطق )
( ولست لأقدح في همتي ... ولكن تقاصر عنها الورق )
وله من قصيدة ربعية فهي كما تراه كتابة معقودة بالقوافي كشعر البحتري
( أما ترى الدهر في أثواب جدته ... قد عاد فينا فتيا بعد ما هرما )
( تحكي البسيطة جاما من زبرجده ... خضراء حيث وضعت النعل والقدما )
( كأنما ألبس الدنيا لبهجتها ... حليا من النور والنوار منتظما )
( فاشرب على وجهها صهباء صافية ... واستسمع الطير والأوتار والنغما )
( وأنعم بيومك هذا وارع ذمته ... فإن مثلك يرعى الحق والذمما )
( أما الربيع فقد أحيى الربى فغدا ... وجه الثرى عن صنوف الدهر مبتسما )
( كأنما الأرض تجلى وهي ضاحكة ... والجو من غيره تبكي لها ديما )

( وأصبح الروض ذا شكر لنعمته ... كمثل شكريك إذ أوليتني نعما )
وله من مهرجانية
( جاءك المهرجان أطيب وقت ... يتقاضاك ما هو المعهود )
( من سماع يزيد في الروح روحا ... وغناء يصبو إليه الوليد )
( وشراب كأنه المسك نفحا ... طيب الطعم زانه التوريد )
وكتب إلى صديق له في حاجة
( يا قاضي الحاج لإخوانه ... ومشتري الحمد بإحسانه )
( يا من إذا عن لنا مشكل ... فرجه عنا بإمكانه )
( خادم يسأله حاجة ... تخف في كفة ميزانه )
وله في أيام العجوز
( اليوم يوم اعتكاف ... وليس يوم بروز )
( ويوم بيت دفئ ... ويوم لبس الخزوز )
( ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب بكوز )
( فإن يومك هذا ... عنوان برد العجوز )
وله في استبطاء عامل في إقامة مرسومة لحق الحساب
( يا أيها الشيخ الذي بره ... ابطأ عني بعد طول انتظار )
( أغفلة ألهتك أم نية ... نويت في تأخير رمى الجمار )
( إذا انقضى الغرس فلا مرحبا ... بالخرفيات التي تستعار )
وله في المهرجان
( أسعد بيوم المهرجان ... واشرب على نغم القيان )
( لا زلت يا عين الزمان ... تصان عن عين الزمان )

وله في رئيس منكوب
( يا سيد الصدر الذي ... شهد الصدور على بهائه )
( أن كان نابك حادث ... فلتصبرن على بلائه )
( فالبدر يكسف ساعة ... لكن يعود إلى انجلائه )
وله في الشرب الدواء
( شربت الدواء فهنيته ... وألبست من شربه عافيه )
( ولا زال جسمك في صحة ... وآثار أسقامه عافيه )
وله ترجمة فارسية
( خضت بنا الماء مع الخف ... تركتنا نغرق في جرف )
وله في محرر ردئ الخط
( أقبح بخط محرر أقلامه ... لعنت أنامله إذا ما حررا )
( فكأن ما مجت به أقلامه ... آثار أبقع حيث يبحث عن خرا )
وله في كاتب ادعى الحساب
( يا كاتبا يدعي الحساب وقد ... أوتي عجبا بحسن تخطيط )
( دع عنك ذا العجب لست تفرق ... ما بين القناطير والقراريط )
( إذا أخذت الحساب تكتبه ... مقيدا شكله بتنقيط )
( حكيت ذا حرفة يقال لها التوقيع ... في الظهر بالمشاريط )

205 - حيدر الخجندي
استصفع بقوله
( ما أن سألت الله مذ أيقنت ... نفسي أن الذل تحت السؤال )
وإنما كتبته تعجبا من خرقة وحمقه في الترفع عما يدين به أفضل العالم وسيد ولد آدم نبينا محمد ونظيره في الجهل الكثيف والعقل السخيف الصوفي الذي كان إذا ذكر الله سبحانه لا يقول تبارك وتعالى ولا عز و جل فإذا قيل له في ذلك أنشد
( إذا صفت المودة بين قوم ... ودام إخاؤهم سمج الثناء )
206 - أبو الحسن الآغاجي
هو أشهر في شعر الفارسية وفرسانهم من المجرة وله ديوان شعر سائر في بلاد خراسان وربما ترجم شعر نفسه بالعربية كقوله
( إن شئت تعلم في الآداب منزلتي ... وإنني قد غذاني العز والنعم )
( فالطرف والقوس والأوهاق تشهد لي ... والسيف والنرد والشطرنج والقلم )
وقوله في بلخ
( وبلدة قد ركب اسم لها ... من أحرف البخل هي بلخ )
( والعيش فيها كاسمها مبدلا ... من بائها تاء وذا تلخ )
207 - أبو بكر محمد بن علي بن أحمد العبداني
جمع غضاضة الشبان إلى أبهة المشايخ ولم يرث الفضل والأدب عن كلالة

فقد كان أبوه أبو الحسن رحمه الله تعالى روضة الأدب وغدير العلم مع وجاهته عند الملوك والصدور وأبو بكر من أهل بيت المعاذية بنيسابور وهم هم وله شرف الانتساب إلى شرف الاكتساب وشعره في صباه مليح لطيف ووراء طبعه على الأيام غرر ودرر وقد كتبت لمعا من بنات خاطره كقوله من قصيدة
( شموس مغاربهن الكلل ... شققن فؤادي بسهم المقل )
( وحملنني ثقل أردافهن ... يا ويح قلبي مما حمل )
( ونادين قلبي فلبى وقال ... عزاي مع الظاعنين ارتحل )
( فيا عين جودي ولا تبخلي ... وإن كان بالصبر قلبي بخل )
( وأدمعها كاثرت في الورى ... أيادي الوزير الكبير الأجل )
وله من أخرى
( فيا طول إنشادي غداة رحيلهم ... حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا )
( لئن ضاع سري بعد ما قد كتمته ... كذلك سر العاشقين مضيع )
( وإن طال إنشادي مديح محمد ... فمن طرب ورق الحمائم تسجع )
وله من أخرى
( إذا ما كنت ذا رأي سديد ... فلا تغتر بالدهر الخؤون )
( ولا تغضب فإنك بين قوم ... يقيسون الملائك بالقيون )
208 - أبو الحسن علي بن محمد بن عبدونة
يقول من قصيدة
( دموع بما ألقى من الوجد تنطق ... وقلب بنيران الصبابة محرق )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12