كتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
المؤلف : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي

باب في بيان صفة الوضوء
"باب في بيان صفة الوضوء" وهو طهارة مائية تتعلق بأعضاءٍ مخصوصةٍ على وجهٍ مخصوصٍ بنيةٍ. "و" بيان "مسنونه" وهو ما يطلب طلبًا غير جازمٍ فيشمل المندوب "و" بيان "مفروضه" وهو ما يطلب طلبًا جازمًافإن قيل: الوضوء مشتمل على مسنونه ومفروضه فكيف عطفهما عليه؟ فالجواب أنه من باب عطف المفصل على المجمل لزيادة البيان هكذا قرر بعض الشراح، وأقول: هذا الجواب مبني على أن مسنونه ومفروضه معطوفان على لفظ الوضوء، والذي يظهر من تمييزه السنة من الفريضة فيما يأتي بقوله: وغسل اليدين إلى الكوعين والمضمضة1
ـــــــ
1 المضمضة في اللغة: التحريك ومنه: مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس ثم اشتهر باستعمالها في وضع الماء في الفم وتحريكه. قال الفيومي: هي تحريك الماء في الفم يقال: مضمضت الماء في فمي: إذا حركته بالإدارة فيه وتمضمضت في وضوئي: إذا حركت الماء في فميواصطلاحا قال الدردير والنووي: أن يجعل الماء في فيه ويديره فيه ثم يمجه أي يطرحهوقال ابن عابدين: استيعاب الماء جميع الفم ثم مجهوعرفها ابن قدامة بأنها: إدارة الماء في الفم ويؤخذ من هذه التعاريف أن الفقهاء متفقون على أن المضمضة إدخال الماء إلى الفم واختلفوا في إدارة الماء في الفم ومجهومذهب الجمهور عدم اشتراطهما والأفضل عندهم فعلهما ومذهب المالكية اشتراطهما وإلا فال يعتد بهاواختلف الفقهاء في حكم المضمضة على ثلاثة أقوال: قال المالكية والشافعية وأحمد في رواية: إن المضمضة سنة في الوضوء والغسل وبه قال الحسن البصري والزهري والحكم وحماد وقتادة ويحيى الأنصاري والأوزاعي والليث لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فالوجه عند العرب: ما حصلت به المواجهة وداخل الفم ليس من الوجه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عشر من الفطرة" وذكر منها المضمضة والاستنشاق والفطرة سنة وذكرهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله" قال النووي: هذا الحديث من أحسن الأدلة لأن هذا الأعرابي صلى ثلاث مرات فلم يحسنها فعلم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل بحضرة الناس وتشاهد أعمالها فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ كما أمرك الله" ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء لئلا يكثر عليه فلا يضبطها فلو كانت المضمضة واجبة لعلمه إياها فإنه مما يخفى لا سيما في حق هذا الرجل الذي خفيت عليه الصلاة التي تشاهد فكيف الوضوء الذي يخفىويرى الحنفية وأحمد في رواية أخرى أن المضمضة واجبة في الغسل وسنة في الوضوء وبه قال سفيان الثوري لأن الواجب في باب الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس وداخل الفم ليس من جملتها أما ما سوى الوجه فظاهر وكذا الوجه لأنه اسم لما يواجه به الإنسان عادة والفم لا يواجه به بكل حال فلا يجب غسلهوأما وجوب المضمضة في الغسل فلأن الواجب هناك تطهير البدن لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أي طهروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من غير حرج ظاهرا كان أو باطنا ومما يؤكد وجوب المضمضة والاستنشاق قوله صلى الله عليه وسلم: "إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة" وقالوا: في الأنف شعر وفي الفم بشرةوقال الحنابلة في المشهور وابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق وعطاء: إن المضمضة والاستنشاق واجبة في الطهارتين أي الغسل والوضوء لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لابد منه" ولأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقصيا ذكر انه تمضمض واستنشق ومداومته عليهما تدل على وجوبهما لأن فعله يصلح أن يكون بيانا وتفصيلا للوضوء المأمور به في كتاب الله أنظر الموسوعة الفقهية 38/13.

والاستنشاق1 سنة وباقيه فريضة، أن قوله: ومسنونه ومفروضه معطوفان على صفة الوضوء لا على الوضوء، وتركيبه باب في بيان صفة الوضوء وفي بيان المسنون من المفروض، لأنه لا يلزم من بيان صفة الوضوء معرفة ما هو سنة أو فريضة فنص على الأمرين رفقًا بالمتعلمين"و" في "ذكر" صفة "الاستنجاء" وهو عرفًا غسل موضع الخبث بالماء "و" صفة "الاستجمار" وهو إزالة ما على المخرجين من الأذى بحجرٍ أو غيره، وسمي استعمال الحجارة استجمارًا لأن الجمار هي الحجارة الصغيرة "تنبيه": يؤخذ من تعرضه لبيان الفرائض والسنن أنه يطلب من الشخص معرفة ذلك لأنه قد اختلف فيمن عمل عملًا لا يعرف فيه فرضًا من سنةٍ، والصحيح صحته إن أخذ الوصف عن عالمٍ قاله سيدي أحمد زروق. ولما اعتاد الناس تقديم الاستنجاء على الوضوء وكان ذلك مظنة اعتقاد وجوب تقديمه على الوضوء قال: "وليس " فعل "الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء" إذ لم يعد "لا في سنن الوضوء" المحل للإضمار فكان الأولى أن يقول: لا في سننه. "ولا في فرائضه" وإنما هو عبادة مستقلة يستحب تقديمها على الوضوء، عند مالكٍ رضي الله تعالى عنه: فلو توضأ قبل الاستنجاء واستنجى بعد تمام الوضوء صح وضوءه بشرط أن لا يمس ذكره عند الاستنجاء بأن يلف خرقةً على يديه حين فعله، ويشترط أن لا يخرج منه حدث عند فعله"و" إنما "هو من باب" أي طريق "إيجاب" أي طلب "زوال النجاسة به" أي بالاستنجاء وهو تطهير المحل بالماء "أو بالاستجمار" وهو إزالة ما على المحل بالأحجار، وعلل ذلك بقوله:
ـــــــ
1 الاستنشاق: استنشاق الهواء أو غيره: إدخاله في الأنف ويخصه الفقهاء بإدخال الماء في الأنف أنظر الموسوعة الفقهية 4/126.

"لئلا يصلي بها" أي النجاسة "في جسده" فلو صلى قبل إزالة ما على المحل بواحدٍ منهما فعلى القول بسنية إزالة النجاسة يعيد في الوقت ولو عامدًا، وأما على القول بوجوبها فيعيد أبدًا مع الذكر والقدرة وفي الوقت مع العجز أو النسيان"تنبيه": قول المصنف به أو بالاستجمار يوهم أن مرتبتهما واحدة وليس كذلك بل استعمال الماء أفضل، ويمكن الجواب بأن مراد المصنف التسوية بينهما في صحة الصلاة بفعل كل من غير إعادةٍ لا في الوقت ولا غيره، وهو لا ينافي أن الماء أفضل كما يأتي في قوله: والماء أطيب"و" لكونه ليس من الوضوء "يجزئ فعله" أي ما ذكر من الاستنجاء أو الاستجمار "بغير نيةٍ وكذلك غسل الثوب النجس" لأن إزالة النجاسة من باب المتروك، وما كان كذلك لا يفتقر إلى نيةٍ لظهور علة
الحكم فيه وهي هنا النظافة، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك كترك الغصب ونحوه من المنهيات، فإن المكلف يخرج من عهدتها بمجرد تركها، وإن كان لا يثاب على الترك إلا بنية الامتثال، والنية إنما تجب في التعبدات كالصلاة والصوم ونحوهما من سائر القرب كالحج والزكاة، ولا يقال: اشتراط المطلق في إزالة النجاسة يقتضي أنها ليست من المتروك وأنها عبادة، لأنا نقول: إنما طلب المطلق لأجل فعل العبادة بما أزيلت عنه النجاسة من ثوبٍ أو مكان فلا يرد ما قاله ابن عبد السلام من أن قولهم لا تفتقر إزالتها إلى نيةٍ يدل على أنها معقولة المعنى، وقولهم لا تزال إلا بالمطلق يدل على أنها تعبدية فهو تناقضقال ابن ناجي: وما ذكره صحيح لا شك فيه وأوردته في دروس كثيرٍ من المشايخ فكلهم لم يجب إلا بما لا يصلح وقد علمت الجوابثم شرع في صفة الاستنجاء مقدمًا لها عن الوضوء لندب تقدمه على الوضوء كما علمت بقوله: "وصفة الاستنجاء" الكاملة "أن يبدأ بعد غسل" أي بل "يديه" ولو بغير مطلقٍ حيث لم يزل ما على المحل بحجرٍ أو غيره. "فيغسل مخرج البول" قبل غسل مخرج الغائط لئلا تنجس يده من الذكر إذا مس مخرج الغائط قبل مخرج البول، ولذا لو كانت عادته قطر بوله عند مس دبره بالماء يؤخر غسل قبله لأنه لا فائدة في التقديم حينئذٍ"ثم" بعد غسل مخرج البول "يمسح ما في المخرج" المراد ما عليه ففي بمعنى على أو على حذف مضافٍ أي يمسح ما في فم المخرج "من الأذى بمدرٍ" أي طينٍ يابسٍ "أو غيره" من كل ما يزيل النجاسة من الطاهر المنقي الغير المؤذي أو غير المحترم. "أو" يمسحه "ب" شيءٍ من

أصابع "يده" اليسرى إذا لم يجد غيرها، واختلف في الإصبع الذي يستجمر به فقيل الوسطى وقيل البنصر، ويجري مثل ذلك في الاستنجاء بها، ولا ينبغي لا الاستجمار ولا الاستنجاء بالسبابة "ثم" بعد مسح ما على المخرج بإصبع يده "يحكها بالأرض" لإزالة العين "ويغسلها" بما يزيل الرائحة المتعلقة بها من طفلٍ أو صابونٍ أو غاسولٍ، وإلى هذه المسألة أشار خليل بقوله: وبلها قبل لقي الأذى وغسلها بكترابٍ بعده، فأشار إلى أن بلها وغسلها بعد الاستنجاء بكترابٍ إنما هو حيث لاقى بها الأذى، لا إن أزال ما على المحل ابتداءً بحجرٍ أو غيره، فلا يطلب منه بعد الاستنجاء بالماء غسلها بكترابٍ ولا بلها قبل الاستنجاء بها"ثم" بعد كل ما تقدم "يستنجي بالماء" المطلق، قال خليل: وندب جمع ماءٍ وحجرٍ"ويواصل صبه" حين الغسل لأنه أعون على إزالة النجاسة. "و" يستحب أن "يسترخي قليلًا" حال الاستجمار وحال الاستنجاء ليتمكن من إزالة ما غاب في طيات الدبر من الأذى"ويجيد عرك ذلك" أي المخرج "بيده" اليسرى إن قدر حتى "يتنظف" بأن تذهب النعومة وتظهر الخشونة، ويكفي غلبة الظن في ذلك، وقولنا: إن قدر احتراز من عدم تمكنه لفقد يده أو قصرها أو كونه سمينًا فإنه يطلب منه تمكين من يجوز له مباشرة ذلك المحل كزوجته وأمته، لكن الزوجة لا يلزمها ذلك وإنما يستحب لها فقط، وأما الأمة فيجبرها على ذلك إلا أن تتضرر، ولا يجوز له تمكين محرمٍ ولو رضيت لحرمة كشف السوأتين ويلزمه شراء أمةٍ لتزيل أذاه بماءٍ أو حجرٍ إن قدر على ذلك وإلا سقط عنه إزالة النجاسة لأنها لا تجب إلا مع القدرة كما تقدم، وأما الزوجة إذا عجزت عن الاستنجاء بنفسها فلها أن تمكن زوجها إن طاع بخلاف غيره، ولا يجوز لها تمكينه ولو أمتها لأنه لا يجوز لها أن تمكنها من رؤية ما بين السرة والركبة، ويستعمل الماء في بقية جسده ولا يتيمم"تنبيهان" الأول: علم مما قررنا أنه لا يطلب بل يده قبل غسل مخرج البول إلا حيث لم يستجمر بحجرٍ أو غيره قبل صب الماء كما أنه لا يطلب حك يده بالأرض إلا إذا باشر بها إزالة النجاسة، وأما لو أزال النجاسة بحجرٍ أو نحوه قبل صب الماء فإنه لا يطلب منه حكها، وكلام المصنف وخليلٍ أيضًا يشعر بذلك حيث قال: وبلها قبل لقى الأذى وغسلها بكترابٍ بعده فإن الضمير للقي الأذىالثاني: لو استنجى وغلب على ظنه أن المحل نظف ثم توضأ وصلى وبعد الصلاة وجد في غضون المحل حبة تينٍ أو شيئًا من الأذى وشك هل خرج بعد الوضوء أو من الحدث الذي

استنجى منه. قال بعض الفضلاء عند السؤال عن ذلك: يجب عليه الوضوء ويعد ذلك خارجًا بعد الوضوء لغلبة الظن بنظافة المحل عند استنجائه ولما تقدم أن الاستنجاء من باب إزالة النجاسة ولا تطلب إزالتها إلا عن الظاهر من الجسدقال: "وليس عليه" أي مريد الاستنجاء "غسل ما بطن من المخرجين" حال استنجائه لا وجوبًا ولا ندبًا، بل ولا يجوز له تكلف ذلك بأن يدخل الرجل أصبعه في دبره وتدخل المرأة أصبعها في قبلها لأنه من البدع المنهي عنها، إذ هو من الرجل كاللواط، ومن المرأة كالمساحقة، بل المرأة تغسل دبرها كالرجل، وتغسل ما يظهر من قبلها حال جلوسها لقضاء الحاجة كغسل اللوح والمراد بالمخرجين الدبر وقبل المرأةولما قدم أن الاستنجاء إنما يكون من خروج ما له عين قائمة قال: "ولا يستنجي من ريحٍ" أي يكره لخبر: "ليس منا من استنجى من الريح" وصرح الباجي بطهارتهولما اشتهر عند العامة أن الاستجمار لا يقوم مقام الاستنجاء قال: "ومن استجمر" من كل مريد صلاةٍ أو طوافٍ أو غيرهما مما يتوقف على الطهارة "بثلاثة أحجارٍ" أو بحجرٍ له ثلاثة أحرفٍ "يخرج آخرهن نقيا أجزأه" أي كفاه عن استعمال الماء ولو مع وجود الماء، ولا إعادة عليه في وقتٍ ولا غيره، لأنه إنما خالف الأفضل فقط وهو الجمع بين الماء والحجر، ومن ثمرات الإجزاء أن محل الاستجمار لو عرق وأصاب ثوبًا لا ينجسهفإن قيل: العبرة بنقاء المحل لا بنقاء الأحجار فكيف يقول المصنف أجزأه؟ فالجواب: أنه يلزم من نقاء الأحجار نقاء المحل، وأخذ من كلام المصنف جواز الاقتصار على الحجر ولو مع وجود الماء لأن معنى الإجزاء في كلامه الاستغناء عن الماء، ولكن يتوهم من كلامه أن غير الحجر لا يقوم مقام الماء وليس كذلك، بل كل ما ينقي المحل يقوم مقام الماء في محل الاستنجاء فقط ولو يدًا أو نجسًا، فأما غير ذلك مما يجب إزالة النجاسة عنه فلا بد فيه من الماء ولا يكفي إزالتها عنه إلا بالماء، كما أنه يتوهم من كلامه أن ما دون الثلاث لا يجزئ وليس كذلك بل المعتمد إجزاء الواحد حيث حصل به الإنقاء لأن التثليث مستحب فقط لحصول الإيتار. قال خليل: فإن أنقت أجزأت كاليد دون الثلاث، واعلم أنه يستحب له الاستنجاء لما يستقبل من الصلوات. ولما كان الاقتصار على الحجر مفضولًا بالنسبة للماء قال: "والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء" والمعنى: أن استعمال الماء أفضل من الاقتصار على الأحجار قال العلامة خليل: وندب جمع ماءٍ وحجرٍ ثم ما نقوله أظهر أي أبلغ في التطهير من الحجارة.

لأن الماء يزيل العين والحكم والأحجار إنما تزيل العين، ومعنى أطيب أي للنفس لأن استعمال الماء يذهب الشكوقوله: أحب العلماء المراد جمهورهم لأن ابن المسيب من أكابر العلماء ذم استعمال الماء وقال: إنه من فعل النساء، ومعنى الأحبية الأفضلية والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرًا في الطهور فما طهوركم؟" قالوا: نستنجي بالماء، فقال: "هو ذاك فعليكموه" 1 والحاصل أن المراتب ثلاثة: أعلاها الجمع بين الماء والحجر، ويليها الاقتصار على الماء، وأدناها الاقتصار على الأحجارقال خليل: وندب جمع ماءٍ وحجرٍ ثم ماءٍ، ولكن وقع خلاف في موضع الاستجمار فقيل: إنه صار طاهرًا، وقيل: إنه باقٍ على نجاسته إلا أنه معفو عنه لأنه لا يرفع حكم الخبث إلا بالماء المطلق"تنبيهات" الأول: سكت المصنف عن صفة الاستبراء وحكمه مع أنه متفق على وجوبه فكان الأولى بالذكر، وأشار له خليل بقوله: ووجب استبراء باستفراغ أخبثيه وهما محل الغائط والبول فيجب عليه أن يخليهما من الأذى، وذلك بأن يحس من نفسه أنه لم يبق شيء بسبب الخروج والإحساس المذكور إنما يكفي في الغائط، وأما البول فلا بد من مسك ذكره من أصله بالسبابة والإبهام من يساره ويمرهما إلى رأسه وينتره نترًا خفيفًا، فإن لم يبق فيه شيء وضع رأسه على حجرٍ أو نحوه حتى أصبع يده اليسرى عند عدم غيره، ولا يكلف إلى قيامٍ أو تنحنحٍ إلا إذا كانت عادته أنه لا ينقطع حدثه إلا بقيامه أو تنحنحه وإلا لزمه، وإنما وجب الاستبراء لأن به يحصل الخلوص من الحدث المنافي للطهارة، فلو انقبض على شيءٍ لولا قبضه لخرج بطلت صلاتهالثاني: لم يبين المصنف صفة الاستجمار بالأحجار الثلاثة، ويظهر لي أن الراجح أنه يمسح جميع المحل بكل حجرٍ حتى يصدق عليه أنه أوتر، وربما يفيده قول المصنف: يخرج آخرهن نقياالثالث: محل الاكتفاء بالاستجمار عند الماء إذا كان الحدث بولًا أو غائطًا أو مذيًا غير
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها باب: الاستنجاء بالماء حديث 355 وانظر: المشكاة 369.

ناقضٍ للوضوء بأن خرج على وجه السلس، وأما لو كان الحدث مذيًا خرج بلذةٍ أو كان حيضًا أو نفاسًا أو منيا لمن فرضه التيمم فيتعين الماء. قال خليل: وتعين في مني وحيضٍ ونفاسٍ وبول امرأةٍ ومنتشرٍ عن مخرجٍ كثيرٍ، وأما لو خرج المذي بلا لذةٍ أو بلذةٍ غير معتادةٍ فإنه لم ينتقض الوضوء، فتقدم أنه يكفي فيه الحجر، وأما لو نقض الوضوء بأن فارق أكثر الزمن أو قدر على رفعه لوجب فيه الماء ويقتصر على محل الأذى، لأن وجوب غسل الجميع مشروط باللذة المعتادة كما قدمنا، وهذا كله حيث لا عفو عنه بأن لم يأت كل يومٍ وإلا سقط وجوب غسله، ولو كان ينقض الوضوء بأن فارق أكثر الزمن لأن العفو شيء ونقض الوضوء شيء آخرفتلخص أنه إن لم ينقض الوضوء يكفي فيه الحجر ولا يتعين الماء، سواء وجب غسل جميعه بأن خرج بلذةٍ معتادةٍ أو وجب غسل محل الأذى فقط بأن خرج بلا لذةٍ أو لذةٍ غير معتادةٍ، وكما يتعين الماء فيمن خرج منيه وفرضه التيمم يتعين على من خرج منيه ولم يجب عليه الغسل لخروج منيه بلا لذةٍ غير معتادةٍ وكان موجبًا للوضوء، وأما إن لم يوجب غسلًا ولا نقض وضوءًا فإنه يكفي فيه الحجر كالبول والحصى والدود الخارجين ببلةٍ كثيرةٍ لأن اليسيرة يعفى عنها، فتلخص أن الماء يتعين في غسل المني في صورتين: أن يكون ممن فرضه التيمم أو يكون غير موجبٍ الغسل وناقضا للوضوء، ويكفي فيه الحجر في صورةٍ وهي أن لا يوجب وضوءًا ولا غسلًاالرابع: قول المصنف: " ثلاثة " بالتاء مطابق لأحجارٍ وغير مطابقٍ لآخرهن لأن التاء تشعر بالتذكير والنون بالتأنيث، ويمكن الجواب بأنه أنث على تأويل الأحجار بالجماعة وإن كان غريبًا نظير قول الشاعر: يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب وفي قوله أطيب وأطهر إشكال أيضًا، وذلك أن كلا من أطيب وأطهر اسم تفضيلٍ وهو لا يبنى غالبًا إلا من الثلاثي وهو لا يصح هنا من حيث المعنى، لأنه يلزم على أخذه منه أن يكون المعنى أن الطهارة القائمة بالماء أشد من الطهارة القائمة بالحجر، لأن الفعل القاصر لا يجاوز حدثه فاعله وهذا غير مرادٍ، لأن القصد أن تطهير الماء للمحل أشد من تطهير الحجر له ويقال مثله في أطيب، ويمكن الجواب بأن هذا مبني على صوغه من طهر وطيب المضاعفين بعد حذف الزائد على ثلاثةٍ وهو ثاني المضعف فيكون معناه: أن الماء أشد تطهيرًا للمحل من تطهير الحجر له وهذا شأن كل فعلٍ متعد
ولما فرغ من الكلام على الطهارة الخبثية شرع في صفة الحدثية لأن فعل الأولى من باب

التخلية والثانية من باب التحلية، والتخلية مقدمة على التحلية فقال: "ومن لم يخرج منه بول ولا غائط" ولا غيرهما مما يوجب الاستنجاء "وتوضأ" أي أراد أن يتوضأ "لحدثٍ أو نومٍ أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء" ولا يوجب الاستنجاء "فلا بد" له على جهة السنية "من غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء" الذي يتوضأ منهولما كان يتوهم من قوله لا بد وجوب غسل اليدين قال: "ومن سنة الوضوء" ولو مندوبًا "غسل اليدين" إلى الكوعين بمطلقٍ ونيةٍ ولو نظيفتين لأن غسلهما للتعبد ولا بد أن يكون "قبل إدخالهما في الإناء" حتى تحصل السنة حيث كان الإناء صغيرًا يمكن الإفراغ منه، لا إن كان كبيرًا أو بحرًا أو غيرهما مما لا يمكن الإفراغ منه فيغسلهما داخله حيث كانتا طاهرتين أو متنجستين لا يخشى تغييره بغسلهما فيه لكثرته، وأما لو كان عليهما ما يسلب طهورية الماء وكان الماء قليلًا بحيث يتحقق أو يظن تغيره بإدخالهما، فإن كان يمكن التحيل على إزالة ما عليهما قبل إدخالهما أزاله وغسلهما داخله وإلا تركه وتيمم كعادم الماء، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" 1 ولكن ظاهر الحديث أن السنة تتوقف على غسلها ثلاثًا، واقتصر عليه العلامة خليل حيث قال: وسننه غسل يديه أولًا ثلاثًا تعبدًا بمطلقٍ ونيةٍ، وصرح الأجهوري في شرحه على أن السنة تتوقف على التثليث، وقال بعض شراح خليلٍ: التثليث مستحب فقط "لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل يديه تارةً مرتين وتارةً مرةً" كما يستحب غسلهما مفترقتين"تنبيه": كان الأولى للمصنف أن يقول: ومن سنن الوضوء لإتيانه بمن التبعيضية لتعدد المبعض، ولا يقال: يراد بسنته الجنس وهو يقبل التبعيض، لأنا نقول: وجود التاء ينافي ذلك لاقتضائها الوحدة إلا أن يدعي أنها ليست للوحدة بل هي كتاء فضةٍ فلا يمنع وجودها من إرادة الجنسولما قيل بوجوب بعض سننٍ استأنف المصنف ذكرها بقوله: "والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين سنة" فلفظ المضمضة مبتدأ وقوله: سنة خبر عنها وما عطف عليها مقدر مع كل واحدةٍ لأن كل واحدةٍ سنة، والمضمضة بمعجمتين أو مهملتين لغةً التحريكـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب: الاستجمار وترا حديث 162. ومسلم كتاب الطهارة باب كراهة غمس المتوضئ وغير ه يده المشكوك حديث 278, وأبو داود حديث 103, والترمذي حديث 24, والنسائي حديث 1 وابن ماجه حديث 395.

وشرعًا خضخضة الماء في الفم ثم مجه، فلو لم يمجه أو لم يخضخضه لم يكن آتيا بالسنة، والاستنشاق مأخوذ من التنشق وهو لغةً الشم وشرعًا جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه والاستنثار عكسه وهو طرح الماء بنفسه إلى خارج أنفه مع وضع أصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على أنفه، وصفة مسح الأذنين أن يجعل باطن الإبهامين على ظاهر الشحمتين وآخر السبابتين في الصماخين ووسطهما مقابلًا للباطن دائرين مع الإبهامين للآخرة وكره ابن حبيبٍ تتبع غضونهما، وسيعيد المصنف الكلام على تلك السنن في ذكر صفة الوضوء ولما بين المصنف صفة الوضوء قال: "وباقيه فريضة" بمعنى مفروضة وهي ما يثاب على فعله ويعاقب المكلف على تركه، واختلف الناس في عد فرائضه ومشهور المذهب أنها سبعة: أربع مجمع عليها وهي الأعضاء الأربعة وثلاث مختلف فيها، ومشهور المذهب فرضيتها وهي: النية والدلك والفور واعترض بعض الأشياخ قوله: وباقيه فريضة بأن بعض غير ما قدمه سنة، كرد مسح الرأس وتجديد الماء للأذنين والترتيب بين الفرائض، ومنه فضيلة كشفع غسله وتثليثه وبقية المستحبات، وأجيب بأن المراد بباقيه ما هو مذكور في آية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الآية، فإنها سيقت لبيان فروضه المذكورة فيها وهي: الوجه واليدان إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين للكعبين فهذه أربع فرائض، وأعضاء السنن أربع، وهذا لا ينافي أن هناك مفعولاته مما ليس في الآية ما هو فرض كالنية والدلك والموالاة1ـــــــ
1 الموالاة في اللغة: المتابعة يقال: والى بين الأمرين موالاة وولاء بالكسر تابع بينهما ويقال: أفعل هذه الأشياء على الولاء أي متتابعة وتوالى عليهم شهران تتابعا وتطلق الموالاة في اللغة على المناصرة.ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويفال الآبي في تعريف الموالاة بين فرائض الوضوء: الموالاة عدم التفريق الكثير بين فرائض الوضوء ويسمى فوراوقال البركتي: الموالاة في الوضوء: هي غسل الأعضاء على سبيل التعاقب بحيث لا يجف العضو الأولوقال الكاساني: الموالاة: هي أن لا يشتغل المتوضئ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منهواختلف الفقهاء في الموالاة في الوضوء فقال الحنفية والشافعية في القول الصحيح الجديد والحنابلة في رواية: إنها سنة وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومن التابعين الحسن وسعيد بن المسيب والثوري لأن التفريق لا يمنع من امتثال الأمر في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الآية فوجب أن لا يمنع من الإجزاء وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ في السوق فغسل وجهه ومسح رأسه ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد فمسح على خفيه ثم صلى عليها ولأنه =

وما هو سنة كالترتيب والتجديد للأذنين ورد مسح الرأس وما هو مستحب، والحاصل أن سنن الوضوء المتفق عليها ثمانية: غسل اليدين للكوعين والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين وتجديد الماء لهما ورد مسح الرأس وترتيب فرائضه، وزاد اللخمي: مسح الصماخين، وابن عرفة: السواك، وابن رشدٍ: الموالاة، فتصير جملة السنن إحدى عشرة سنةً"تنبيهات": الأول: لم ينبه المصنف على ما يفتقر من السنن إلى نيةٍ وما لا يفتقر، ومحصل الكلام في ذلك أن كل ما تقدم منها على محل الفرض فلا بد له من نيةٍ وذلك كغسل اليدين للكوعين والمضمضة والاستنشاق والاستنثار، وما تأخر عن الشروع في الفرائض فنية الفرض
ـــــــ
تفريق في تطهير فجاز كالتفريق اليسير ولأن كل عبادة جاز فيها التفريق اليسير جاز فيها التفريق الكثير كالحجوقال المسعودي من الشافعية: إن الشافعي جوز في القديم تفريق الصلاة بالعذر إذا سبقه الحدث فيتوضأ ويبني فالطهارة أولىوقال الماوردي: إن الموالاة في الوضوء أفضل ومتابعة الأعضاء أكمل انقيادا لما يقتضيه الأمر من التعجيل واتباعا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فإن فرق فالتفريق ضربان: قريب وبعيدفالقريب: معفو عنه لا تأثير له في الوضوء وحده ما لم تجف الأعضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ولا حر مشتد وليس الجفاف معتبرا وإنما زمانه هو المعتبر ولأنه لا يمكن الاحتراز منهوأما البعيد: فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء ففيه قولان:
أحدهما: وهو الجديد أنه جائز والوضوء معه صحيحوالثاني: وهو القديم لا يجوز والوضوء معه غير صحيحوقال السيوطي: الموالاة سنة على الأصح في الوضوء والغسل والتيمم وبين أشواط الطواف والسعي والجمع بين الصلاتين في وقت الثانيةوقيل: الموالاة واجبة في كل ما سبق وقال: إنها واجبة على الأصح في الجمع في وقت الأولى وبين طهارة دائم الحدث وصلاته وبين كلمات الأذان والإقامة وبين الخطبة وصلاة الجمعة وتجب الموالاة قطعا بين كلمات الفاتحة والتشهد ورد السلاموقال المالكية والشافعية في القول القديم والحنابلة في المذهب: إنها واجبة وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن الفقهاء الأوزاعي لأن مطلق أمر الله تعالى بالوضوء في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] يقتضي الفور والتعجيل وذلك يمنع من التأجيل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء ثم قال: "هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به" يعني بمثله في الولاء وروى جابر عن عمر رضي الله عنه أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" فرجع ثم صلىوأما الناسي والعجز فلا تجب المولاة في حقهما وحينئذ إذا فرق ناسيا أو عاجزا فإنه يبني مطلقا سواء طال أم لا لكن الناسي يبني بنية جديدة وأما العاجز فلا يحتاج لتجديد نيته أنظر الموسوعة الفقهية 39/237.

تشمله كالفضائل وصفة النية أن يقصد بقلبه عند شروعه في غسل يديه الإتيان بسنن الوضوء السابقة على نية الفرضالثاني: لم ينبه أيضًا على شروط الوضوء وكان ينبغي ذكره لتوقف المشروط على شرطه وهي ثلاثة أقسامٍ: ما هو شرط في الوجوب والصحة، وما هو شرط في الوجوب فقط، وما هو شرط في الصحة فقط، فالأول خمسة أشياء: العقل وبلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقطع الحيض والنفاس ووجود الكافي من المطلقوالثاني ستة أشياء: دخول وقت الصلاة الحاضرة أو تذكر الفائتة والبلوغ وعدم الإكراه على تركه وعدم النوم وعدم السهو عن العبادة المطلوب لها الوضوء والشك في الحدثوالثالث ثلاثة أشياء: الإسلام ولو حكمًا كوضوء من أجمع بقلبه على الإسلام ثم أسلم بعد ذلك وعدم الحائل على محل الطهارة وعدم التلبس بالمنافي حال فعل الطهارة، والمراد بشرط الوجوب ما يتوقف عليه الوجوب، وبشرط الصحة ما تتوقف عليه الصحة، ولا يصح تفسير شرط الوجوب بما لا يطلب من الشخص تحصيله وشرط الصحة بما يطلب منه تحصيله لئلا يشكل اجتماعهما، والأولى في التعبير إبدال الوجوب بالطلب ليتناول وضوء الصبيولما فرغ من بيان ما هو سنة وما هو فريضة من الوضوء، شرع في صفته على الوجه الأكمل لاشتمالها على السنن والفضائل فقال: "فمن قام إلى وضوءٍ من نومٍ" موجبٍ للوضوء "أو غيره" من موجباته "فقد قال بعض العلماء" وهو ابن حبيبٍ والأبهري وروي عن مالكٍ أيضًا: إنه "يبدأ فيسمي الله" بأن يقول: بسم الله، وزاد بعضهم: الرحمن الرحيم على جهة الاستحباب"ولم يره بعضهم من الأمر المعروف" عند السلف بل جعله من الفعل المنكر أي مكروهوفي المسألة ثلاث رواياتٍ عن الإمام أشهرها ما صدر به واقتصر عليه العلامة خليل حيث قال في فضائل الوضوء: وتسمية والدليل على طلبها ما في مسلمٍ من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" 1 بل قال ابن عبد السلام: ظاهر الحديث الوجوب "و" من فضائل الوضوء أيضًا "كون الإناء" موضوعًا "على يمينه" إن كان مفتوحًا؛ لأنه "أمكن" أي أسهل "له في تناوله" قال خليل: وتيمن أعضاءٍ وإناءٍ إن فتح "و" بعد وضع الإناء على ما هو أمكن له يسن له
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: في التسمية على الوضوء حديث 101 والترمذي حديث 25, وابن ماجه حديث 397, وأحمد 2/418, حديث 9408 وانظر صحيح الجامع حديث 7514.

أن "يبدأ فيغسل يديه" إلى كوعيه "قبل أن يدخلهما في الإناء" حيث كان يمكن الإفراغ منه على ما بينا سابقًا "ثلاثًا" تعبدًا بمطلقٍ ونيةٍ ولو نظيفتين، ويستحب غسل كل يدٍ على حدتها ويدلكها ويخللها كغسل الفرض، وهذا الذي يبدأ بغسل يديه هو من لم يحصل منه ما يوجب الاستنجاء، وأما غيره فأشار له بقوله: "فإن كان قد بال أو تغوط" أو أمذي "غسل ذلك" المخرج "منه" قبل غسل يديه "
ثم" بعد غسل الأذى الذي خرج منه "توضأ" أي يغسل يديه لكوعيه قبل إدخالهما في الإناء على نحو ما بينا سابقًا، فالمراد الوضوء اللغوي أو أن المراد يشرع يتوضأ. "ثم" بعد غسل يديه لكوعيه "يدخل يده في الإناء ليأخذ الماء فيمضمض فاه" به على جهة السنية كما تقدم. "ثلاثًا من غرفةٍ واحدةٍ إن شاء أو من ثلاث غرفاتٍ" ظاهر كلامه أن الصفتين في الفضل سواء وليس كذلك، بل الراجح أن الثانية أفضل كما يأتي في قوله والنهاية أحسن، والغرفة بالفتح المرة وبالضم اسم للمغروف منه وقيل غير ذلكولما كان يستحب أو يسن الاستياك عند المضمضة قال: "وإن استاك بأصبعه فحسن مرغب فيه" أي مستحب وإنما قلنا مع عدم وجود شيءٍ إلخ إشارةً إلى أن الأفضل الاستياك بغير الأصبع عند وجود الغير، واستظهر الإمام ابن عرفة أنه سنة لحثه صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ" 1 ويستاك عند المرة الأولى أو غيرها، وكما يطلب عند الوضوء يطلب عند الصلاة وعند قراءة القرآن وعند الانتباه من النوم وعند كثرة الكلام، بل يتأكد طلبه وصفته أن يكون في الجانب الأيمن أولًا طولًا في اللسان وعرضًا في الأسنان، وأحسن ما يستاك به الأراك كان رطبًا أو يابسًا إلا في حق الصائم فيكره له الأخضر ولا يستاك بعود الرمان والريحان لتحريكهما عرق الجذام، ولا بالقصب الفارسي لأنه يورث الأكلة والبرص، ولا بعود الشعير والحلفاء ولا بالمجهول مخافة كونه من المحذر منه، ويستاك لا بحضرة الناس ولا في مسجدٍ خيفة خروج شيءٍ من أسنانه وقدره شبر لا أزيد فإن الزائد يركب عليه الشيطان، وحكمة مشروعيته تطييب رائحة الفم للملك لأنه يدنو من فم الشخص عند قراءته، ولأنه يذهب حفر الأسنان ويجلو البصر ويشد اللثة وينقي بالبلغم ويرضي الرب ويزيد في حسنات الصلاة ويصح به الجسد ويذكر الشهادة عند الموت عكس الحشيشةـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب: السواك يوم الجمعة حديث 887. ومسلم كتاب الطهارة باب: السواك حديث 252, وأبو داود حديث 47, والترمذي حديث 22, والنسائي حديث 7, وابن ماجه حديث 287.

"تنبيه": علم مما ذكرنا أن حكمه الأصلي الندب أو السنة، وقد يعرض له الوجوب كإزالة ما يوجب بقاؤه التخلف عن صلاة الجمعة لولاه، وقد تعرض حرمته كالاستياك بالجوز في زمن الصوم، وقد تعرض كراهته كالاستياك بالعود الأخضر للصائم، ويكون مباحًا بعد الزوال للصائم على ما أجاب به بعض الشيوخ عن قول خليلٍ: وجاز سواك كل النهارثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثره ثلاثًا يجعل يده على أنفه كامتخاطه ويجزئه أقل من ثلاثٍ في المضمضة والاستنشاق وله جمع ذلك في غرفةٍ واحدةٍ والنهاية أحسن. "ثم" بعد المضمضة يسن أن "يستنشق بأنفه الماء" أي يدخله فيه ويجذبه بنفسه إلى داخل أنفه "و" يسن أن "يستنثره" أي يطرحه بنفسه إلى خارج أنفه "ثلاثًا" راجع للاستنشاق ويلزم منه أن الاستنثار كذلك. "و" يستحب في حال الاستنثار أن "يجعل يده" أي إبهامه وسبابته من يسراه "على أنفه كامتخاطه" أي كما يستحب له مسك أنفه بيسراه في حال امتخاطه، فالتشبيه في الحكم والصفة، ويكره أن يستنثر أو يمتخط من غير وضع يده أو مع وضع يمناه مع وجود يسراه لأنه كامتخاط الحماروقيل: إن الوضع من تمام السنة. ولما قدم أن المضمضة والاستنشاق يكونان ثلاثًا ثلاثًا خشي أن يتوهم أن ما دون الثلاث لا تحصل به السنة فقال: "ويجزئه" في حصول السنة "أقل من ثلاثٍ في المضمضة والاستنشاق" ومفهوم قوله في المضمضة والاستنشاق أن غسل اليدين للكوعين لا تحصل السنة فيهما إلا بالثلاث وهو ظاهر خليلٍ والحديث وقد علمت ما فيه مع ما قدمنا. والدليل على حصول السنة بأقل من ثلاثٍ "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرةً ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا"، ويؤخذ من تعبيره الإجزاء فيما دون الثلاث أن الأفضل الثلاث وهو كذلك، وقد ذكرنا أن غسل اليدين للكوعين ثلاث والمأخوذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة تحصل حتى بمرةٍ والتثليث مستحب، ولما ذكر ما يعلم منه أن الثلاث أفضل، بين هنا كون الأفضل فعل الثلاث من غرفةٍ أو من ثلاث غرفاتٍ بقوله: "وله جمع ذلك" المذكور من المضمضة والاستنشاق "في غرفةٍ واحدةٍ" يتمضمض منها ثلاثًا على الولاء ثم يستنشق ثلاثًا على الولاء، ويصح أن يتمضمض منها مرةً ثم يستنشق مرةً وهكذا، ولكن الصفة الأولى أفضل للسلامة من التنكيس"و" لكن "النهاية أحسن" أي أفضل وهي أن يتمضمض من ثلاثٍ ويستنشق من ثلاثٍ، قال العلامة خليل: وفعلهما بست أفضل وجاز أو أحدهما بغرفةٍ، فتلخص أن السنة تحصل بمرةٍ ولكن يكره الاقتصار على المرة الواحدة، وأن الأحسنية المشار إليها بقوله والنهاية أحسن بين الثلاث والاثنتين لأن المرة الواحدة لا حسن فيها الكراهة الاقتصار عليها.

"تنبيهان" الأول: يستحب للمتوضئ المبالغة في المضمضة والاستنشاق. قال خليل: وبالغ مفطر وحقيقتها إدارة الماء في أقصى الحلق في المضمضة وفي الاستنشاق جذب الماء لأقصى الأنف، ولذلك كرهت للصائم خيفة أن يسبقه شيء إلى حلقهالثاني: لا يقال كان مقتضى قوة الفرائض على السنن تقديمها على السنن فلماذا قدمت السنن على الفرائض؟ لأنا نقول: إنما قدمت تلك السنن على الفرائض اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولاختبار حال الماء لأن بتقديم اليدين يعرف لون الماء، وبالمضمضة يعرف حال طعم الماء، وبالاستنشاق يعرف ريح الماءثم شرع في الكلام على صفة فعل الفرائض بقوله: "ثم" بعد الاستنثار "يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعًا وإن شاء" يأخذه "بيده اليمنى" لأن الأخذ بها أسهل "فيجعله" أي يصيره "في يديه جميعًا ثم" بعد تفريغه في يديه "ينقله إلى وجهه فيفرغه عليه" حالة كونه "غاسلًا له" أي لوجهه أي دالكًا له "بيديه" إن قدر وإلا استناب كما صرحوا به في الغسل، وهذه هي الفريضة الأولى من فرائض الوضوء وهي غسل الوجه، ويستفاد من كلامه أنه لا يشترط مقارنة الدلك للصب وهو المعتمد وإن كان الأكمل المقارنة، والمراد بيديه باطن كفيه لأن الدلك في الوضوء إنما يكون بهما، فلا يجزي الدلك بظاهر كفه ولا بمرفقه مع إمكانه بباطن كفه، وأحرى غيرهما إلا في دلك إحدى الرجلين بالأخرى فإنه يجزئ على قول ابن القاسم، وقيدنا بالوضوء لأن الغسل يجوز فيه دلك الأعضاء ببعضها"تنبيهات" الأول: ربما يتوهم من قول المصنف: ينقله إلى وجهه شرطية نقل الماء إلى العضو وليس كذلك، إنما الشرط إيصال الماء إلى العضو، ولذا لو غسل عضوًا من المطر عند نزوله أو من ماء الميزاب لكفى، وإنما يشترط النقل في مسح الرأس إذا أريد مسحه، وأما لو قصد غسله نيابةً عن مسحه لكان كبقية الأعضاءقال الأجهوري في شرح خليلٍ: ولا بد من نقل الماء إلى مسح الرأس، فلو نزل على رأسه مطر يسير ومسح به لا يجزئه، وأما لو غسل رأسه فلا يجب نقل الماء إلى الغسل، بل لو نزل على رأسه مطر كثير فغسل رأسه أجزأه لأن النقل للمسح لا للغسل، ومن النقل ملاقاة المطر بيده ثم يمسح رأسه، ويفهم من قوله: يفرغه عليه أنه لو أرسل الماء من يده ومسح وجهه ببلل يديه لم يجزه وهو كذلك، ويفهم من تعبيره يفرغه أنه لا يلطم وجهه بالماء بقوةٍ كما يفعله النساء

فإنه منهي عنه وإن أجزأ حيث عم، وفسرنا الغسل بالدلك تنبيهًا على أن الدلك واجب لنفسه حتى يسمى الفعل غسلًا لأنه شرط في حقيقة الغسل عند مالكٍ أخذًا من قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله تعالى عنها: "وادلكي جسدك بيدك" والأمر للوجوب، ولا فرق على المذهب بين الوضوء والغسلالثاني: أفهم قوله بيديه أنه يجب على الإنسان أن يوضئ نفسه، ولا يجوز له الاستنابة على فعله أو على الدلك فقط إلا من ضرورةٍ فيجوز، بل يجب على نحو الأقطع استنابة من يوضئه أو يدلك له إن قدر على الاستنابة والنية من المستنيب، فلو استناب على الوضوء أو على الدلك اختيارًا فقولان: المعتمد منهما عدم إجزاء الاستنابة على صب الماء فيجوزالثالث: لو أكره شخص على فعل الوضوء فإن لم يستطع الدفع عن نفسه لا يجزئه هذا الوضوء لعقد النية، وأما إن استطاع المخالفة وفعله مع الإكراه أجزأه حيث وجدت النية، كما أنه يجزئه إذا نوى فعله عند العجز عن المخالفة فيما يظهر إذا كان الدلك واقعًا من المكره بالفتح، وأما إن كان الدلك واقعًا من المكره بالكسر فلا يصح الوضوء على المشهور من أن الاستنابة فيه لا تصح إلا عند الضرورة ككونه ذا آفةٍ أو عليلًا كما قال ابن رشدٍ، وبقي ما لو أكره شخص شخصًا على ترك الدلك ومكنه من فعل الوضوء، والظاهر بل المتعين صحة وضوئه لأن الدلك إنما يجب عند القدرةالرابع: لو وكل جماعةً لعذرٍ فوضوءه جملةً واحدةً لصح وضوءه حيث نواه لعدم فرضية الترتيب عندنا على المذهب، إلا أنه تنكيس حكمًا فيسن إعادة المنكس مع ما بعده بالقرب وحده مع البعد لأجل سنية الترتيب بين فرائض الوضوء. قال خليل: وترتيب سننه أو مع فرائضه فيعاد المنكس وحده إن بعد بجفافٍ وإلا مع تابعه، ويستحب أن يكون تفريغ الماء والغسل "من أعلى جبهته" ليسيل الماء على جميع الوجه، ولأن المستحب في الطهارة الابتداء بأول الأعضاء، فإن ابتدأ من أسفلها أجزأه وبئس ما صنع، فإن كان عالمًا علم وإن كان جاهلًا علم، والجبهة ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدإ الرأس مما يصيب الأرض في حال السجود، والجبينان ما أحاط بها يمينًا وشمالًا، والعارضان صفحتا الخد والعذران الشعر النابت على العارضين. قال الفاكهاني: الجبهة والجبينان والعارضان والعنفقة وأهداب العين والشارب كل ذلك من الوجه، فالشعر الكثيف يغسل ظاهره ولا يجب إيصال الماء إلى البشرة وقيل يجب

وما كان خفيفًا يجب فيه إيصال الماء إلى البشرة وهو حقيقة التخليل1 "و" أعلى الجبهة هو "حد منابت شعر رأسه" المعتاد وينتهي الغسل "إلى طرف ذقنه" والذقن مجمع اللحيين بفتح اللام وسكون الحاء وهو ما تحت العنفقة وهذا فيمن لا لحية له، وأما من له لحية فينهي غسله إلى آخر لحيته ولو طالت "و" إلى منتهى "دور وجهه كله من حد عظمات لحييه" وهو ما تحت الأضراس "إلى" أي مع "صدغيه"والحاصل أن الوجه حده طولًا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن أو اللحية، وحده عرضًا من وتد الأذن إلى وتد الأذن الأخرى، والمصنف بين حده طولًا بقوله: من أعلى الجبهة، إلى طرف ذقنه، وعرضًا بقوله: من حد عظمات لحييه إلى صدغيه، فهو كقول خليلٍ ما بين الأذنين ومنابت شعر الرأس المعتاد والذقن، والصدغان تثنية صدغٍ بضم الصاد المهملة والدال المهملة الساكنة والغين المعجمة وهو ما بين الأذن والعين فيجب غسله على المشهور، فإلى في كلام المصنف بمعنى مع كما بينا، وبشرط المعتاد يدخل الأغم ويخرج الأصلع، فيجب على الأغم وهو ما نزل شعر رأسه عن المنبت المعتاد لغالب الناس غسل ما نزل عن
ـــــــ
1 التخليل لغة يأتي بمعان منها: تفريق شعر اللحية وأصابع اليدين والرجلين يقال: خلل الرجل لحيته إذا أوصل الماء إلى خلالها وهو البشرة التي بين الشعر وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه ويقال: خلل الشخص أسنانه تخليلا: إذا أخرج ما يبقى من المأكول بينها وخللت النبيذ تخليلا: جعلته خلاويستعمل الفقهاء كلمة التخليل بهذه المعاني اللغوية أنظر الموسوعة الفقهية 11/50تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء: يسن لغير المحرم تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء عند كل من الشافعية والحنابلة وهو قول أبي يوسف من الحنفية وقول للمالكية وذلك للحديث الوارد أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا توضأ خلل لحيته" وفعله ابن عمر وابن عباس وأنس والحسن رضي الله عنهم وقال أبو حنيفة ومحمد: هو فضيلةقال ابن عابدين: ورجح في المبسوط قول أبي يوسف والأدلة ترجحه وهو الصواب. أهـوقد ورد الترخيص في ترك التخليل عن ابن عمر والحسن ابن علي وطاووس والنخعي وغيرهم وقال من لم يوجبه: إن الله تعالى أمر بغسل الوجه ولم يأمر بالتخليل وإن أكثر من حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يحك أنه خلل لحيته مع أنه كان كثيفها فلو كان واجبا لما أخل بهوفي قول للمالكية: التخليل مكروه وهو الراجح عندهم على ظاهر ما في المدونة من قول مالك: تحرك اللحية من غير تخليلوالقول الثالث للمالكية وهو قول إسحاق بن راهويه: التخليل واجب والتخليل عند من قال به يكون مع غسل الوجه إلا أن الحنابلة نقلوا عن أحمد أن التخليل يكون مع غسل الوجه أو إن شاء مع مسح الرأس وصفته على ما في شرح منتهى الإرادات أن يأخذ كفا من ماء يضعه من تحتها فيخللها بأصابعه مشتبكة أو يضعه من جانبها ويحركها به أنظر الموسوعة الفقهية 35/229, 230.

المبدأ المعتاد، ويسقط عن الأصلع وهو من انحسر شعر رأسه خارجًا عن المحل المعتاد، وهذا لا ينافي أنه يطلب من المتوضئ إدخال جزءٍ من الرأس ليتحقق استيعاب الوجه، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"تنبيه": قد ذكرنا أن العذار1 وهو الشعر النابت على العارض وهو صفحة الخد يجب غسله ولو لم يعلم حكم ما بين العذار والأذن من البياض الكائن فوق وتد الأذن وفيه أربعة أقوالٍ: وجوب غسله مطلقًا، عدم وجوبه مطلقًا، الوجوب على الأمر وعدمه لصاحب اللحية، والرابع سنية غسله، والمشهور الأول وهو وجوب غسله مطلقًاوالحاصل: أن ما بين الأذن والعين وهو المسمى بالصدغ بعضه من الرأس وهو ما فوق العظم الناتئ ففرضه المسح وبعضه من الوجه وهو العظم الناتئ فأسفل فيجب غسله، هذا حكم المحل المشغول بالشعر، وأما البياض الكائن فيه فما بين الشعر والأذن مما فوق العظم الناتئ وفوق وتد الأذن فذكر ابن العربي أن غسله سنة وهو أحد الأقوال الأربعة السابقة. وأما ما نزل عن العظم الناتئ مما تحت وتد الأذن فهذا يجب غسله كما يجب غسل الوتدين لتحقق الاستيعابولما فرغ من بيان حد الوجه طولًا وعرضًا نبه هنا على وجوب تتبع أماكن يبعد عنها الماء غالبًا بقوله: "و" يجب عليه أن "يمر يديه على ما غار" أي غاب "من ظاهر أجفانه" حتى يعمه الماء لا داخل العين لأنه من الباطن "و" يجب عليه أيضًا أن يمرهما على "أسارير جبهته" وهي التكاميش التي تكون فيها عند كبره غالبًا، وهذا إن لم يكن عليه مشقة في ذلك ما ذكر، وإلا وجب إيصال الماء ويسقط الدلك، ومثل ذلك لو كان في وجهه محل غائر لوجب عليه إيصال الماء إليه ودلكه إن أمكن وإلا في إيصال الماء إليه"و" يجب عليه أيضًا أن يمرهما على ما "تحت مارنه من ظاهر أنفهٍ" والمارن ما لان من الأنف والذي تحته هو ما بين المنخرين وهو المسمى بالوترة لأن الماء ينحدر عنها، فإن لم يدلكها بيده تصير لمعةًقال خليل: فيضل الوترة وأسارير جبهته وظاهر شفتيه، والمراد بالغسل إيصال الماء مع الدلك، ولما كان الغسل الفرض يحصل بالمرة بين ما هو الأكمل بقوله: "يغسل وجهه هكذا" أي على الصفة المتقدمة من تعميم الوجه بالماء وإمرار اليد على
ـــــــ
1 العذار: بكسر العين جمع عذر موضع الشعر الذي يحاذي الأذن أنظر معجم لغة الفقهاء 307.

العضو مع الماء أو بعده "ثلاثًا" لكن التي تعم العضو هي الفرض وكل واحدةٍ مما بعدها فضيلة فيعم اعتقاده أن ما زاد على المسبغة فضيلة ولا يزيد على الثلاث المحققات، وأما لو شك في غسلةٍ هل هي رابعة أو ثالثة؟ ففي كراهتها وندبها قولان بخلاف الرابعة المحققة ففي منعها وكراهتها قولان إلا لنحو تدف أو تنظفٍ، ومعنى "ينقل الماء إليه" أنه يوصله إليه لما مر من أن النقل لا يشترط إلا في المسح وهذا مستغنًى عنه بقوله: يغسل وجهه"و" يجب عليه أن "يحرك لحيته" الكثيفة "في" حال "غسل وجهه بكفيه ليداخلها الماء" إذ لو لم يفعل ذلك لم يعمها الماء "لدفع الشعر لما يلاقيه من الماء" ولما كان التحريك غير التخليل قال: "وليس عليه" وجوبًا ولا ندبًا "تخليلها في الوضوء في" مشهور "قول مالكٍ" بل ظاهر المدونة كراهة تخليلها، والدليل على سقوط تخليلها "أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرةً وكانت لحيته كثيفةً ولا يصل الماء إلى بشرته بمرةٍ واحدةٍ" وعن مالكٍ: وجوب تخليلها، وعن ابن حبيبٍ وأصحاب الشافعي: استحباب تخليلها، وقال ابن العربي: هو ظاهر كلام المصنف لأنه إنما نفى الوجوب، قال في البيان: والقول بالاستحباب أظهر الأقوال"و" إذا لم يجب عليه تخليل الكثيفة فيجب عليه "أن يجري عليها يديه بالماء" "منتهيا إلى آخرها" وإن طالت على المشهور، ومفهوم قوله في الوضوء أنه يجب عليه تخليلها في الغسل قولًا واحدًا لقوله صلى الله عليه وسلم "خللوا الشعر وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرةٍ جنابة" 1 وقيد الكثيفة لأن الخفيفة يجب تخليلها حتى في الوضوء، وعلم مما قررنا الفرق بين التحريك والتخليل إذ التحريك ضم الشعر بعضه إلى بعضٍ مع تحريكه ليداخله الماء وهذا عام في الكثيفة والخفيفة، والتخليل إيصال الماء إلى البشرةوالمرأة كالرجل في وجوب تخليل الخفيفة والاكتفاء بتحريك الكثيفة على المعتمد لأن النساء شقائق الرجال، وهذا لا ينافي أنه يجب عليها حلق لحيتها لأنها يجب عليها التزين للرجل، ويقاس على شعر اللحية الحاجب والهدب والشارب، وأفهم قول المصنف يجري عليها يديه أنه لا يجب عليه غسل ما تحتهاقال سيدي أحمد زروق: لا خلاف في عدم دخول ما تحت الذقن في الخطاب لأنه ليس بوجهٍ ورأيت شيخ المالكية نور الدين السنهوري وهو من العلماء العاملين يفعله فلا أدريه لورعٍ أو غيره انتهىقال الشاذلي: قلت: ورد في حديثٍ رواه أبو داود وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
ـــــــ
1 ضعيف أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: في الغسل من الجنابة حديث 248 والترمذي حديث 106, وابن ماجه حديث 597 وانظر ضعيف الجامع 1847.

توضأ أخذ كفا من ماءٍ فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته"1 قال القرافي: وما ورد من الحديث المذكور محمول عند مالكٍ على وضوء الجنابة، فإنه وإن كان مطلقًا بحسب اللفظ لا يعم كل وضوءٍ وأقول: التخصيص يحتاج إلى دليلٍ فإن ثبت عن الشارع فلا إشكال وإلا جاز"خاتمة": قال الأقفهسي: ويستحب أن يقول عند غسل وجهه: اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك، ولا تسود وجهي بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك، إنك على كل شيءٍ قدير"ثم" بعد الفراغ من غسل الوجه وهو أول الفرائض القرآنية ينتقل إلى ثانيها وهو غسل اليدين "يغسل يده اليمنى ثلاثًا أو اثنتين" وصفة غسلها أن "يفيض عليها الماء ويعركها" أي يدلكها "بيده اليسرى" أي بباطن كفها مبتدئًا من أولها كما هو المطلوب في غسل كل عضوٍ "و" يجب عليه أن "يخلل أصابع يديه بعضها ببعضٍ" بأن يدخل أصابع إحداهما بين أصابع الأخرى سواء أدخل من الظاهر أو الباطنولا يقال: الإدخال من الباطن تشبيك وهو مكروه، لأنا نقول: الكراهة في الصلاة لا في غيرها قاله الأجهوري، وقال بعضهم بكراهة التشبيك حتى في الوضوء واستدل بحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فلا يشبك بين أصابعه" فهذا تصريح بالنهي في الوضوء، وما أدري ما رد به الشيخ على من قال بكراهة التشبيك حتى في الوضوء مع وجود هذا الحديث"ثم" بعد غسل اليمنى "يغسل يده اليسرى كذلك" أي كالصفة المتقدمة في غسل اليمنى "ويبلغ فيهما" وجوبًا "بالغسل إلى المرفقين" بفتح الميم وكسر الفاء وبكسر الميم وفتح الفاء، ولما كان المغيا بإلى أصله الخروج وهو هنا داخل قال: "يدخلهما في غسله" وهو جارٍ على قاعدة اللغويين من أن الغاية إذا كانت من أجزاء المغيا تدخل فيه كبعت الثوب من طرفه إلى طرفه فيدخل الطرفان بخلاف {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} لأن الليل ليس جزءًا من النهار، وهذا كله حيث جعل قوله في الآية: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] غايةً إلى المغسولوأما لو جعل غايةً للمتروك لاستقام الخروج، ولتقدير: واغسلوا وجوهكم واتركوا من آباطكم إلى المرافق، وما قدمه من وجوب غسل المرفقين هو المعتمد، ومقابله لابن نافعٍ
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: تخليل اللحية حديث 145 وانظر صحيح الجامع 4696.

وأشهب لا يجب غسلهما وإليه الإشارة بقوله: "وقيل ينتهي إليهما" أي إلى المرفقين "حد الغسل" الفرض "وليس بواجبٍ إدخالهما فيه" أي في الغسل "و" إنما "إدخالهما فيه" أي الغسل على جهة الندب لأنه "أحوط لزوال تكلف التحديد" وهذا بناءً على أن قوله: وإدخالهما إلخ من جملة القيل، ويكون قوله: لزوال تكلف التحديد علةً لسقوط وجوب غسل المرفقين لا علةً للاحتياط، لأن طلب الاحتياط تشديد لا تخفيف فلا يناسب قوله لزوال إلخ، ويحتمل أنه ليس من تمام القيل وإنما هو قول ثالث يجعل غسلهما من باب ما لا يتم غسل الواجب إلا به حيث يخالف الأولفيتخلص أن في غسل المرفقين ثلاثة أقوالٍ: أولها ما صدر به المصنف من أنه داخل في الفرض، ثانيهما سقوطه من الفرض وإنما يستحب غسله، ثالثها أنه واجب لغيره، هذا ملخص كلام شراحه، وسبب تكلف التحديد عدم معرفة غاية الغسل في اليدين بسبب الإتيان في الآية بإلى المحتملة في الجملة دخول الغاية في المغيا وعدم دخولها"تنبيهات" الأول: إتيان المصنف بثم إشارة إلى أن غسل اليدين مرتب مع غسل الوجه على جهة السنية وأما تقديم اليد اليمنى على اليسرى فهو على جهة الاستحباب وقال: يغسل يديه ثلاثًا أو اثنين، إشارةً إلى أن الفرض لا يتوقف على الثلاثة بل يحصل بمرةٍ حيث عمت العضو، وإنما خير في جانب اليدين وجزم بالتثليث في الرجلين والوجه لأنه صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأحيان يغسل الوجه ثلاثًا واليدين مرتين، ووجه فعله صلى الله عليه وسلم أن في الوجه مغابن وجوانب والرجلان محل الأقذار، وبالجملة الزائد مستحب. قال خليل في الفضائل وشفع غسله وتثليثهالثاني: لو قطعت يده لوجب عليه غسل ما بقي منها من الفرض، ومثله لو خلقت ناقصةً ولو لم يوجد له إلا كف بمنكبه كما يجب عليه غسل الزائدة حيث كانت بمرفقٍ مطلقًا أو بمحل الفرض لا إن كانت بغيره ولا مرفق لها فلا يجب غسلهما ولو اتصلت بمحل الفرض على بحث الأجهوري، وقال السنهوري: إن وصلت لمحل الفرض وجب غسل المحاذي للفرض منها لا إن لم تصل إليه، وما جرى في اليدين يجري في الرجلين، وأما لو وجد شخص من النصف الأعلى على صورة رجلين والأسفل صورة واحدٍ لوجب غسل وجهيه والأربعة أيدٍ على جهة الفرضية، لأن الاقتصار على البعض تحكم ولدخول الوجهين والأيدي في عموم: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]الثالث: لو كشط جلد الوجه أو الذراع بعد الوضوء لم يجب عليه غسل موضع الجلد لأنه

ليس كالجبيرة، وأما لو انتقضت طهارته بعد ذلك لوجب عليه غسل موضع الجلد، وكذا الجلد إن كان معلقًا في محل الفرض لا إن خرج عنه فلا يجب غسله وإنما يغسل محله ويجري مثل ذلك في الرجلينالرابع: لو كان باليد خاتم أو سوار لا يجب نزعه إن كان لأنثى مطلقًا وإن كان ضيقًا أو ذهبا، وإن كان لذكرٍ وجب نزعه إن كان مجرمًا كخاتم ذهبٍ أو فضةٍ أزيد من درهمين أو تعدد أو لبسه لزينةٍ، وظاهر بحث الأجهوري وجوب نزعه ولو اتسع، ومقتضى بحث السنهوري الاكتفاء بتحريك الواسع، وأما المباح أو المكروه كخاتم الحديد والرصاص أو الخشب أو العظم فلا بد من نزعه إن كان ضيقًا ويكفي تحريكه إن كان واسعًاالخامس: يجب على المتوضئ تتبع عقد أصابعه ورءوسها كما يتتبع أسارير جبهته بالماء والدلك، وأن يحني كفه ويغسل ظاهره بالأخرى ويجمع رءوس أصابعه ويحكها على كفه، ولا يلزمه إزالة ما تحت أظافره من الأوساخ إلا أن يخرج عن المعتاد فيجب عليه إزالته، كما يجب عليه قلم ظفره الساتر لمحل الفرض"خاتمة" قال الأقفهسي: يستحب أن يقول عند غسله يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابًا يسيرًا، وعند غسل اليسرى: وأعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي أو من وراء ظهري"ثم" بعد الفراغ من غسل اليدين ينتقل إلى الفرض الثالث وهو مسح الرأس "يأخذ الماء بيده اليمنى" إن شاء "فيفرغه على باطن يده اليسرى ثم" بعد صيرورته في يسراه وإرساله منها "يمسح بهما رأسه" وقولنا إن شاء لأن مالكًا أجاز أخذه بيديه معًا وصفة المسح الكاملة أن "يبدأ من مقدمه من أول منابت شعر رأسه" المعتاد "و" الحال أنه "قد قرن" أي جمع "أطراف أصابع يديه" سوى إبهاميه "بعضها ببعضٍ على رأسه وجعل إبهامه في صدغيه ثم" بعد تلك الهيئة "يذهب بيديه ماسحًا" بهما جميع الرأس منتهيا "إلى طرف شعر رأسه مما يلي قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ" ويأخذ بإبهاميه خلف أذنيه إلى صدغيه وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه والأول أحسن ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأه، "و" يجب عليه أن "يأخذ بإبهاميه" أي يمر بهما "خلف أذنيه إلى صدغيه" أي مع صدغيه لأنهما من الرأس وهما ما بين الأذن والعين مما فوق العظمقال الباجي: الصدغ ما فوق العظم بحلقه المحرم وما دون العذار، وقدمنا عند بيان حد الوجه أن ما بين الأذن والعين وهو المسمى بالصدغ بعضه من الرأس يمسح هو ما فوق العظم الناتئ وبعضه من الوجه وهو العظم الناتئ فأسفل فيجب غسله، هذا حكم المحل المشغول

بالشعر، وأما ما بين الأذن والعين من البياض فالذي فوق وتد الأذن فيه أربعة أقوالٍ، والذي تحته يجب غسله كما يجب غسل الوتد، وبما ذكرنا ظهر لك وجه كون إلى بمعنى مع، ولا يصح بقاؤها على بابها لأن المغيا بها خارج، ومنتهى المسح في الصدغ منبت شعر العظم الناتئ، خلافًا لظاهر كلام خليلٍ الموهم أن جميع العظم يمسح، نبه على ذلك الأجهوري عند قول خليلٍ: ومسح ما على الجمجمة بعظم صدغيه مع المسترخي، والمراد بالمسترخي ما طال من الشعر ولو نزل إلى القدم، ولما كانت تلك الصفة غير متعينةٍ قال: "وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب" أي عم "رأسه و" لكن الفعل "الأول أحسن" لأنه صفة فعله صلى الله عليه وسلم لأنه أقبل بيديه ثم أدبر، والمراد أقبل بيديه إلى جهة قفاهولما بين الصفة الكاملة في أخذ الماء ذكر صفةً أخرى بقوله: "ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما" حالة كونهما "مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأه" وإنما أجزأ لأن الفرض تعميم الرأس بالمسح"تنبيهان" الأول: لم يبين المصنف الفرض من ذلك والمسنون، ومحصله أن البدء من المقدم مندوب وأن تعميمه بالمسح فرض والرد سنة، حيث لم يكن له شعر أو له شعر قصير وإلا وجبالثاني: لم يبين حكم ما لو جفت يده في أثناء المسح، والحكم أنه يجب عليه تجديد الماء إن جفت إلا قبل تمام المسح الواجب وإلا كره التجديد، لأن الرد إنما يسن حيث بقي بعد مسح الفرض بلل وإلا سقطت سنة الرد، ولذا وقع من علامة الزمان الأجهوري التردد فيما إذا بقي بعض بللٍ لا يمسح جميع الرأس في الرد، ثم استظهر أنه يمسح بما بقي من البلل"ثم" بعد الفراغ من مسح الرأس "يفرغ الماء على سبابتيه وإبهاميه" بأن يأخذ الماء بيمينه ويفرغه على سبابته اليسرى مع إبهامها، وما اجتمع في كف اليسرى يفرغه على سبابة اليمنى مع إبهامها "وإن شاء غمس ذلك" المذكور من السبابتين والإبهامين "في الماء ثم" بعد إحدى الصفتين "يمسح أذنيه" عل جهة السنية "ظاهرهما" وهو ما يلي الرأس على الأصح "وباطنهما" وهو ما تقع به المواجهة، ويكره تتبع غضونهما لأن المسح مبني على التخفيف والتتبع منافٍ له، وصفة المسح كما قدمنا أن يجعل باطن الإبهامين على ظاهر الشحمتين ويمرهما ويجعل آخر السبابتين في الصماخين ووسطهما ملاقيًا للباطن دائرين مع الإبهامين قاله ابن عباسٍ، وهذا صريح في أن مسح الصماخين داخل في مسح الأذنين والكل سنة واحدة، وقال اللخمي: إن

مسح الصماخ سنة اتفاقًا فلعله مخالف لهذا"تنبيه": علم مما ذكرنا أن مسح الأذنين سنة وهذا لا نزاع فيه، وإنما الخلاف في تجديد الماء لهما فالذي مشى عليه خليل في مختصره أنه سنة مستقلة، والذي نقله في توضيحه وعزاه للأكثر أنه من تمام السنةولما كانت النساء شقائق الرجال قال: "وتمسح المرأة رأسها" وأذنيها "كما ذكرنا" في مسح الرأس مقدارًا وصفةً "و" يجب على المرأة أن "تمسح على دلاليها" بفتح الدال وهو ما استرسل من شعرها على وجهها وعلى صدغيها ولو طال: كما يمسح الرجل شعر الصدغين مما فوق العظم الناتئ ولو طال إلى القدم"و" لو كان على شعرها وقاية "لا تمسح على الوقاية" بكسر الواو وهي الخرقة التي تجعلها على شعرها لتقيه من الغبار لأنه حائل فيجب عليها إزالته وتمسح على الشعر، إلا أن تكون وضعتها لضرورةٍ كصداعٍ أو جراحٍ ولا تستطيع المسح على ما تحتها فيجوز لها المسح على الوقاية، كالرجل الذي لا يستطيع نزع عمامته فيمسح عليها لما في الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته"1 أي لضرورةٍ كانت به، وإذا كان الحائل على بعض الرأس كمل الباقي لأن التعميم واجب، وظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز للمرأة المسح على الوقاية الملبوسة لغير ضرورةٍ، ولو كانت عروسًا فيجب عليها نزع ما على شعرها من زينةٍ أو غيرها، خلافًا لمن رخص للعروس في سبعة أيامٍ المسح على الحائل"و" يجب على المرأة في حال مسح رأسها أن "تدخل يديها من تحت عقاص شعرها في رجوع يديها في المسح" وكل من الإدخال والرد فرض لتوقف التعميم عليه، وبعد تعميم رأسها بالمسح يسن في حقها الرد وتدخل يديها تحته في الرد للسنة أيضًا حيث بقي بيديها بلل، وأفهم قوله من تحت عقاص شعرها أنه لا يلزمها حل المعقوص ولا فك المضفورقال خليل: ولا ينقض ضفر رجلٍ أو امرأةٍ ويدخلان يديهما تحته في رد المسح وظاهره ولو اشتد ضفره حيث لم يكن بخيوطٍ كثيرةٍ وإلا وجب نزعها لأنها حائل"تنبيهات" الأول: الدليل على وجوب تعميم الرأس بالمسح قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فإن الباء للإلصاق وهو ظاهر في تعميم الظاهر، وفعله صلى الله عليه وسلم: فإنه "حين
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب: المسح على الخفين حديث 205.

مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر"1 وهذا صريح في التعميم، وأيضًا الحكم إذا علق باسمٍ مطلقٍ وجب استبقاؤه وهذا مذهب مالكٍ رضي الله تعالى عنه، وقال الإمام أشهب: يكفي مسح بعض الرأس ولو الناصية، وقال أبو الفرج يكفي قدر الثلث، وقال ابن مسلمة: يكفي مسح الثلثين، واختلاف الأئمة رحمة، فالمرأة التي تترك الصلاة لمشقة مسح جميع الرأس وإذا أمرناها بمسح البعض تفعل، فإنه يجب على زوجها تهديدها ولو بالضرب مع ظن إفادته فإن لم تفعل قلدت واحدًا من هؤلاء الأشياخ، لأن الإتيان بالعبادة ولو على قولٍ ضعيفٍ أحسن من تركهاالثاني: لو خالف المتوضئ الواجب في الرأس وغسلها أجزأ وإن كره أو حرم الإقدام على ذلكالثالث: علم مما ذكرنا وقدمنا أيضًا أن نقل الماء لا يشترط عندنا إلا في مسح الرأس، والمراد بنقله تجديده ولو من بلل لحيته لكن مع الكراهة حيث وجد غيره لأنه ماء مستعملالرابع: لو حلق رأسه بعد مسحها لا يعيد مسح موضعها ولو كان شعرها طويلًا قال خليل: ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه، وفي لحيته قولان"ثم" بعد الفراغ من مسح الرأس وهو الفرض الثالث "يغسل رجليه" مع كعبيه الناتئين بمفصلي الساقين لأنه الفرض الرابع لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] على الرفع على الابتداء أو النصب عطفًا على وجوهكم ولا يشكل قراءة الجر المقتضية للمسح لحمله على لابس الخف لأنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم مسح رجليه إلا على الخف، وصفة غسلهما أنه "يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى" ويندب كون الصب من أعلى الرجل "ويعركها" أي يدلكها "بيده اليسرى قليلًا قليلًا" أي دلكًا رفيقًا فلا تجب عليه إزالة الأوساخ الغر المتجسدة لأنه حرج، وإنما أكد الدلك في الرجلين بقليلٍ دون بقية الأعضاء لأن الرجلين محل الأوساخ، فربما كان يتوهم فيهما المبالغة زيادةً على غيرهما ويطلب منه أن "يوعبهما بذلك ثلاثًا" والفرض من ذلك الغسلة الأولى حيث عمت، والثانية مستحبة كالثالثة كما تقدم في بقية الأعضاء على المعتمدين من الخلاف المشار إليه بقول خليلٍ: وهل الرجلان كذلك؟ أو المطلوب الإنقاءـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الوضوء باب مسح الرأس كله حديث 185, ومسلم كتاب الطهارة باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حديث 235, وأبو داود حديث 118, والترمذي حديث 30, والنسائي 97 وابن ماجه حديث 434.

"تنبيه": قوله: ويعركها بيده إلخ العرك باليد غير شرطٍ بل لو دلك إحداهما بالأخرى أجزأ بخلاف غيرهما كاليدين فلا بد من الدلك بباطن الكف عند القدرة على ذلك وهذا حكم الوضوء، وأما الغسل فيجوز دلك بعض الأعضاء ببعضها من غير قيدٍ، ويفهم من قول المصنف يعركها فرضية الدلك لنفسه وهو المشهور، ولذلك لو عجز عنه بنفسه وجب عليه الاستنابةولما كان يتوهم من فرضية غسل الرجلين مساواتهما لليدين في وجوب تخليل أصابعهما قال: "وإن شاء خلل" المتوضئ "أصابعه في ذلك" الغسل "وإن شاء ترك فلا حرج" لا حاجة إلى نفي الحرج بعد قوله إن شاء إلا أن يكون أراد التنبيه على نفي الفريضة بدليل قوله: "و" لكن "التخليل أطيب للنفس" أي أفضل لدفع الوسوسة لأنه أبلغ في التعميم، وبجعلنا فاعل خلل المتوضئ يخرج المغتسل لنحو الجنابة، فإنه يجب عليه تخليلهما على المعتمد كأصابع اليدينوالفرق بين أصابع اليدين حيث وجب تخليلهما في الوضوء شدة اتصال أصابع اليدين حيث استحب تخليلها فيه شدة اتصال أصابع الرجلين ببعضها فأشبه ما بينهما الباطن، وافتراق أصابع اليدين فأشبهت الأعضاء المستقلة، ولا يرد على هذا الفرق وجوب تخليلها في الغسل لأنه يتأكد فيه المبالغة بدليل وجوب تخليل الشعر الكثيف فيه، وصفة تخليلها أن يكون من أسفل الأصابع فيبدأ من خنصر اليمنى لأنه في الجانب الأيمن ويختم بخنصر اليسرى، ولما كان في الرجلين بعض أماكن تشبه الباطن نبه على تتبعها بقوله: "ويعرك" أي يدلك المتوضئ وجوبًا "عقبيه" وهما مؤخر القدم مما يلي الأرض وهي مؤنثة "وعرقوبيه" بضم العين وهما العصب الغليظ الموتر فوق العقب"و" كذلك "ما لا يكاد" أي لا يقرب أن "يداخله الماء بسرعةٍ" إما لارتفاعه أو لخفائه ونبه بقوله: "من جساوةٍ" بجيمٍ وسينٍ مهملةٍ مفتوحتين غلظ في الجلد ينشأ عن قشفٍ "أو شقوقٍ" في الرجل "فليبالغ بالعرك" في تلك الأماكن "مع صب الماء بيده" عليها كأسارير الجبهة، ولما كان في إيصال الماء إلى تلك الأماكن معالجة أتى المصنف فيها بلفظ يكاد الدال على ذلكقال في الصحاح: كل شيءٍ تعالجه فأنت تكيده، فدعوى زيادتها غير صحيحةٍ لأن المعنى وما لا يقرب مداخلة الماء له، وقد ذكرنا أن منتهى غسلهما آخر الكعبين فهما داخلان في المغسول وهما العظمات الناتئان بمفصلي الساقين المعروفان عند العامة بإبراز الرجلين.

ثم ذكر علة المبالغة بقوله: "فإنه" أي الحال والشأن "جاء الأثر" أي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للأعقاب من النار" 1 وويل كلمة تقولها العرب لمن استحق العذاب ووقع في الهلاك، وقيل وادٍ في جهنم ولا مانع من تخصيص التعذيب بالأعقاب دون غيرها، ويجوز أن يعم التعذيب جميع البدن وعليه فيقدر مضاف في كلام المصنف أي لذوي الأعقاب، ونسب العذاب لها لشدته فيها أو لأنها أول معذبٍ، ثم إن هذا يجري في كل لمعةٍ تبقى في الأعضاء، وإنما خص الأعقاب بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قاله حين رأى أعقاب الناس تلوح ولم يمسها الماء في الوضوء. وقوله من النار متعلق بويلٍ بناءً على أنه اسم لمن يستحق الهلاك، لأن المعنى أنها تولول تقول: يا ويلاه وتضج من عذاب النار بناءً على التجوز في الإسناد لأن الذي يولول إنما هم أصحاب الأعقاب، فمن على هذا تعليلية وعلى أنه اسم لوادٍ في جهنم تكون من الداخلة على النار تبعيضية، وفسرنا الأثر بالحديث لأنه في اصطلاح المتقدمين يقع على المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم كما هنا، وعلى الموقوف على الصحابي نحو عن ابن عمر وغير المتقدمين يطلق الأثر على الموقوف على الصحابي ويخص الخبر بالمرفوع، قال القرافي:
وسم بالموقوف ما قصرته ... بصاحبٍ وصلت أو قطعته
وبعض أهل الفقه سماه الأثر، وقد علمت أن المصنف استعمله هنا في المرفوع وفسر العقب بقوله: "وعقب الشيء طرفه" بفتح الراء "و" هو "آخره" لأنه آخر القدم وهو الذي تسميه العامة بالكعب"ثم" بعد الفراغ من غسل الرجل اليمنى على الصفة المتقدمة "بغسل" الرجل "اليسرى مثل ذلك" من صب الماء بيده اليمنى وعركها بيده اليسرى عركًا لطيفًا ويوعبها بذلك ثلاثًا ويخلل أصابعها ندبًا"خاتمة" قال الأقفهسي: يقول عند غسل اليمنى: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تثبت أقدام المؤمنين، وعند غسل اليسرى: وأعوذ بك أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل الأقدامولما قدمنا أن الأعضاء في الوضوء يطلب فيها غسل كل عضوٍ ثلاثًا خشي أن يتوهم الواقف على كلامه وجوبها قال: "وليس تحديد غسل أعضائه" كالوجه واليدين "ثلاثًا ثلاثًا بأمرٍ" أي شأنٍ "لا يجزئ دونه ولكنه" أي التثليث "أكثر ما يفعل" فلا ينافي في أن الواجب مرةً واحدةً
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب العلم باب: من رفع صوته بالعلم حديث 60, ومسلم كتاب الطهارة باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما حديث 240.

حيث أسبغت وكل واحدةٍ من الثانية والثالثة فضيلةقال خليل في الفضائل: وشفع غسله وتثليثه والزائد على الثلاث المحققات قيل مكروه وقيل ممنوع، والدليل على ذلك كله ما روي "أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم" 1 وفي روايةٍ: "فقد عصى أبا القاسم" 2 ويدخل في الزائد المنهي عن الوضوء المجدد قبل أن يفعل به ما يتوقف على طهارةٍ حيث كان ثلاثًاومحل النهي عن الزيادة إذا فعلها على وجه أنها مطلوبة في الوضوء لا إن فعلها لزيادة تنظفٍ أو تبردٍ، وقد قدمنا أن محل النهي عن الزيادة عن تحقق الزيادة، وأما عند الشك في الزيادة فقولان: بالكراهة والندبقال خليل: وإن شك في ثالثةٍ ففي كراهتها قولان، ولما علم من كلامه أن التثليث ليس بفرضٍ قال: "ومن كان يوعب" أي يغسل جميع العضو "بأقل من ذلك" المذكور وهو الثلاث "أجزأه" فعل ذلك في أداء الواجب ولو مرةً واحدةً "إذا أحكم" أي أوعب "ذلك" فهو تأكيد لما قبله، والدليل على الاكتفاء بما يعم ولو غسلةً واحدة قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا} ولم يقيد بعددٍ، فدل ذلك على أن الواجب ما يطلق عليه غسل "ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرةً مرةً وقال: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" الحديث، وأخبر أن الواحدة هي الفرض، وقال القرافي: اختلف في الاقتصار على الواحدة المسبغة، فعن مالكٍ جواز ذلكوعنه الكراهة إلا من العالم لأن غير العالم يخشى عليه من بقاء لمعةٍ، وعنه المنع مطلقًا احتياطيا لأن العامي إذا رأى ذلك يعتمده والغالب عليه عدم الإسباغ بالمرة3، وكذلك يكره النقصان عن اثنتين خيفة ترك لمعةٍ من الأولى، وفيه أيضًا ترك فضيلةٍ وحاصله أن الاجتزاء
ـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: الوضوء ثلاثا ثلاثا حديث 135, والنسائي حديث 140, وابن ماجه حديث 122, وانظر صحيح الجامع 69892 لم أقف عليه3 الإسباغ لغة: الإكمال والتوفية وإسباغ الوضوء: إبلاغه مواضعهواصطلاحا: أن يعم جميع الأعضاء بالماء بحيث يجري عليهاوعرفه الشافعية بأنه: كمال إتمام الوضوء وتوفيتهوالإسباغ إن أريد به تعميم الأعضاء الواجب غسلها بالماء فهو واجب وإن أريد به الزيادة والتوفية فهو مندوب باتفاق الفقهاء لحديث :"أسبغوا الوضوء" وحديث "إسباغ الوضوء على المكاره"واستعمال الفقهاء للإسباغ يرد في الطهارة عند الكلام عن الوضوء أنظر الموسوعة الفقهية 3/142, 143.

بالغسلة الواحدة المسبغة لا نافي كراهة ترك الإشفاع والتثليث، ولا يقال: كيف يكون مكروهًا ويفعله صلى الله عليه وسلم؟ لأنا نقول: هو مطلوب بفعله لقصد التشريع فلا إشكالولما علم من كلامه أن الواحدة تكفي وكان التعميم بها قد يتعذر على بعض الناس قال: "وليس كل الناس في إحكام ذلك" أي في الإتقان والتعميم بالغسلة الواحدة "سواءً" بالنصب خبر ليس، وسواء بمعنى مستويين إذ منهم السمين الذي لا يغسل وجهه إلا أكثر فيتعين عليه فعل ما يحصل به التعميم ولو الثلاث وينوي بها الفرض. والحاصل: أن كل ما يتوقف عليه الإيعاب ينوى به الفرضويلاحظ أن ما زاد عليه هو المندوب ولذلك قال سند: لو غسل وجهه ثلاثًا وترك منه موضعًا لم يصبه الماء إلا في المرة الثالثة فإن لم يخص الثالثة بنية الفضيلة أجزأه ذلك، فدل هذا على أن المطلوب من المتوضئ أن لا ينوي بالزائد على المرة الأولى الفضيلةثم شرع فيما يستحب للمتوضئ الإتيان به بعد تمام وضوئه بقوله: "وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء" أي أتى بفرائضه وسننه وفضائله وقيل أخلص فيه نيته "ثم رفع طرفه" بسكون الراء أي بصره، وأما الطرف الذي هو آخر الشيء فبالفتح لا غير "إلى السماء" أي إلى جهتها وإن لم يرها لحائلٍ أو عمًىوفي شرح الشيخ داود ما يفيد أنه لا بد للنظر إلى السماء بالفعل فإنه قال: والسر في رفع الطرف إلى السماء هو شغل بصره بأعظم المخلوقات المرئية لنا في الدنيا وهي السموات، والإعراض بقلبه وقالبه عن أمر الدنيا، فيكون ذلك أدعى لحضور قلبه وموافقته للسانه، وأما سر رفع اليدين عند الدعاء إليها فلأنها قبلة الدعاء، وقول يوسف بن عمر هذه زيادة في الحديث لم يذكرها غيره فيه نظر إلا أن رواية أحمد رفع بصره "فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" وفي بعض طرقه قبل أن يتكلم زادها الترمذي "فتحت" بالتشديد والتخفيف "له أبواب الجنة" وفي رواية الترمذي "الثمانية يدخل من أيها شاء" 1وورد في روايةٍ أنه يقول هذا ثلاث مراتٍ، والفتح قيل معناه تسهيل أبواب الطاعات الموصلة للجنة، وقيل الفتح على حقيقته ولا يعارضه حديث: "إن في الجنة بابًا يقال له الريان
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب: الذكر المستحب عقب الوضوء حديث 234 من حديث عقبة بن عامر وأبو داود حديث 169, وابن ماجه حديث 1604, وأحمد 4/153 حديث 17431.

لا يدخل منه إلا الصائمون فإذا دخل آخرهم أغلق" لأن التغيير لا يستلزم الدخول منه لجواز أن الله تعالى يزهده فيه ويرغبه في الدخول من غيره، ويرجح هذا القيل قوله: "يدخل من أيها شاء"، ويستفاد من الحديث أن أبواب الجنة ثمانية، وظاهره أنه يحصل هذا الفضل ولو بإحسان الوضوء مرةً واحدةً وهو اللائق بصاحب الفضل العظيم"وقد استحب بعض العلماء" وهو ابن حبيبٍ "أن يقول بإثر الوضوء" بكثر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحها وبعد الذكر السابق كما في رواية الترمذي "اللهم اجعلني من التوابين" أي الذين كلما يذنبون يتوبون "واجعلني من المتطهرين" من صغائر الذنوب وقيل غير ذلك، وهذا الحديث روي مرفوعًا وموقوفًا ومنهم من زاد ومنهم من نقص، ومعلوم أن المروي من وجوهٍ مختلفةٍ يسمى مضطربًاقال العراقي: مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفًا من واحدٍ فأزيدا إلى أن قال: والاضطراب موجب للضعف حيث لم يترجح بعض الوجوه وإلا زال الاضطراب والحكم للراجح، وهنا لم يترجح بعضها فهو مضطرب، لكن قد تقرر أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال حيث لم يشتد ضعفهولما أمر الله تعالى عباده الإخلاص في عبادتهم وقام الإجماع على حرمة عبادة غير الله ولو مع التشريك أشار لذلك المصنف بقوله: "ويجب عليه" أي المكلف المريد للوضوء "أن يعمل عمل الوضوء" أي يأتي بالمطلوب فيه "احتسابًا لله تعالى" أي مخلصًا فيه وممتثلًا "لما أمره به" في قوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} [البينة: 5] والإخلاص إفراد المعبود بالعبادة لا لرياءٍ ولا سمعةٍ وله مراتب ثلاثٍ: دنيا، وهو أن يعمل طمعًا في جنته أو خوفًا من ناره، ووسطى وهي أن يعمل لكونه عبدًا مملوكًا لله يستحق عليه مولاه كل شيءٍ ولا يستحق على مولاه شيئًا، وعليا وهي أن يعمل لأجل الذات العلية لا طمعًا في جنته ولا خوفًا من نارهوالظاهر أن المصنف عمل على المرتبة الأولى من تلك المراتب لتقييد قوله: يعمل عمل الوضوء بقوله: "يرجو تقبله" فإنه حال من ضمير يعمل أي يعمل عمل الوضوء حالة كونه راجيًا من الله تقبله "و" راجيًا "ثوابه وتطهيره من الذنوب به" أي الوضوء لما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم

الرباط" 1 والخبر: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج تقيا من الذنوب" وروى مسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره""و" يجب عليه أيضًا أن "يشعر نفسه" أي يعظها ويعلمها "أن ذلك" الوضوء "تأهبًا" أي استعدادًا "وتنظفًا" أي تطهرًا من الأحداث والذنوب، وما ذكر من نصب تأهبًا وتنظفًا هو الرواية المشهورة عن المصنف، وروي تأهب وتنظف بالرفع ولا إشكال فيها وإنما الإشكال في رواية النصب مع وجوب رفع خبر أن، وأجيب بأوجهٍ أحدها: أن الخبر قوله: "لمناجاة ربه" وتأهبًا وتنظفًا منصوبان على الحال من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور الواقع خبرًا ثانيها: أن نصبهما على الخبرية لكان المحذوفة وجملة كان مع معموليها في موضع رفع خبر إن ولمناجاة صلة تأهبًا. ثالثها: أن نصبهما على طريقة من ينصب بأن الجزأين على حد: إن حراسنا أسدًا، ولمناجاة ربه يتنازعه تأهبًا وتنظفًا على هذا الوجه، والمراد بمناجاة المصلي لربه إخلاص قلبه وتفريغ سره لعبادة ربه"و" لأجل "الوقوف بين يديه تعالى لأداء فرائضه والخضوع له" تعالى "بالركوع والسجود" فإذا استشعر من نفسه ذلك تمكن من قلبه الإجلال وتعظيم خالقه "فيعمل"الوضوء "على يقينٍ" أي إخلاصٍ "بذلك" الوضوء"و" يعمله على "تحفظٍ فيه" أي الوضوء بأن يأتي به على الوجه الأكمل ولما بين أنه يجب على المكلف أن يعمل الوضوء على الإخلاص بين علة ذلك بقوله: "فإن تمام" أي صحة "كل عملٍ" يشترط فيه الإخلاص "بحسن النية فيه" وحسنها إنما يكون بمقارنةٍ من الإخلاص لا مطلق القصد، لأن النية بهذا المعنى تقع من المرائي والكافر ومن ثم وقع الاختلاف بين العلماء في النية والإخلاص، فمن قال: إنها شيء واحد أراد النية الصحيحة المعتبرة شرعًا وهي المقارنة للإخلاص، ومن قال: إنها شيئان فسر النية بمطلق القصد، والإخلاص إفراد المعبود بالعبادة، فعلى وحدتهما تكون النية روح العمل والإخلاص روح النية، ولا بد من موافقتهما
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب: فضل إسباغ الوضوء على المكاره حديث 251 والترمذي حديث 51 والنسائي حديث 143.

للسنة لقوله فيما تقدم: ولا يكمل قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة"تتمات" الأولى: بقي على المصنف من فرائض الوضوء الموالاة ويعبر عنها بالفور وهي الإتيان بأفعال الوضوء في زمنٍ واحدٍ من غير تفريقٍ متفاحشٍ، لأن الذي علم من كلامه خمس فرائض: غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والدلك، ولعل عدم ذكر المصنف الموالاة بعدم الاتفاق على وجوبها، لأنه قيل بسنيتها وقيل بوجوبها مع الذكر والقدرة، فعلى الوجوب إن فرق ناسيًا أو مكرهًا بنى استنانًا فيهما وإن طال لكن بنيةٍ مع النسيان ومع البناء فعل المنسي مع ما بعده ولو كان فعله لأجل الترتيب، لأن عدم الموالاة يصدق بصورتين: إحداهما أن يفعل بعض الأعضاء ويترك جميع ما بعدهوالثانية أن يغسل وجهه مثلًا وينسى اليدين ويمسح الرأس ويغسل الرجلين، فيطلب منه في الصورة الأولى تكميل أعضاء الوضوء، وفي الثانية يغسل اليدين ويعيد مسح الرأس ويغسل الرجلين حيث كان بالقرب لأجل الترتيب، ويقتصر على فعل المنسي بعد الطول كما يفعل المنكس، وإن فرق عمدًا أو عجزًا بنى ما لم يطل، وإن طال ابتدأ الوضوء، وتقدم أن معنى البناء الاعتداد بما فعل والإتيان بعد بالمتروك، ولا يقال: العاجز لا تجب الموالاة في حقه فكان مقتضاه البناء ولو طال الزمان، لأنا نقول: العاجز مقصر بخلاف الناسي لأن المراد بالعاجز من أعد من الماء ما يعتقد أنه كافٍ فيتبين خلافه، لأنه كان الواجب عليه الاحتياط في الماء أو في التحفظ ممن أراقه منه، وليس المراد بالعاجز ضعيف البنية الذي لا يستطيع متابعة غسل الأعضاء بسرعةٍ لأن هذا أولى من الناسي بالبناء مطلقًا فافهم، والطول مقدر بجفاف الغسلة الأخيرة من العضو الأخير مع اعتدال الزمان والمكان والشخص، وعلى السنية إن فرق ناسيًا أو مكرهًا بنى ولو طال بالأولى مع الوجوب وإن فرق عامدًا فكذلك عند ابن عبد الحكم، وعند ابن القاسم إذا حصل طول يعيد الوضوء والصلاة أبدًا كترك سنةٍ من سننها عمدًاوبقي عليه النية أيضًا وهي الفريضة السابعة وادعى بعضهم أنها تؤخذ من قوله: ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابًا، لأن الإخلاص لا يكون إلا مع النية الصحيحة، لما تقدم من أنها روح العمل وحقيقتها قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن تأخرت عن الشروع فيه لم تجز مطلقًا، وإن تقدمت فباطلة اتفاقًا في التقدم بكثيرٍ وفي التقدم بيسيرٍ خلاف ولها ثلاث كيفياتٍ: إحداها نية رفع الحدث بمعنى المنع المترتب على الأعضاء عند أول مفعولٍ، ثانيتها أن ينوي أداء فرض الوضوء أي امتثال أمر الله، ثالثتها أي ينوي استباحة ما يتوقف على الطهارة ولو قال: نويت الوضوء الذي أمر الله به صح، ومحل النية القلب فلا يشترط التلفظ بها بل الأفضل ترك التلفظ إلا أن يراعى الخلاف، وشرطها عدم الإتيان بمنافٍ للمنوي وكون المنوي مكتسبًا للناوي، فلا

يصح أن ينوي شخص فعل غيره وأن يكون المنوي معلوم الوجوب أو مظنونه لا إن كان مشكوكًا فيه لترددها، فلذا لا يصح وضوء من قال: إن كنت أحدثت فله، فشروطها ثلاثة وحكمها الوجوب في كل ما يتوقف صحته عليها والندب فيما يصح بدونها وحكمتها تمييز العبادات، فتلخص أن للنية حقيقةً وحكمًا ومحلا وزمنًا وكيفيةً وشرطًا ومقصودًا حسنًاقال التتائي في شرح الجلاب: سبع سؤالاتٍ أتت في نيةٍ تلفى لمن حاولها بلا وسن حقيقة حكم محل وزمن كيفية شرط ومقصود حسن وقد وضحناها، والوسن بفتحتين النعاس، وأشار بقوله: ومقصود حسن إلى أن المنوي لا بد أن يكون غير منهي عنه، بل لا بد أن يكون معينًا للفاعل وزمنها عند أول الفعلالثانية: سيأتي في باب جامع التعرض لبعض ما يتعلق بالوضوء كمسألة من ترك ا من فرائض وضوئه أو ترك لمعةً حتى صلى وقد أشار إليه خليل بقوله: ومن ترك فرضًا أتى به وبالصلاة، وسنة فعلها لما يستقبل وصفة الإتيان بالفرض أن يفعله مع النسيان ولو طال الزمان مع العجز أو العمد حيث لم يحصل طول، ويفعل المتروك عضوًا أو لمعةً ثلاثًا ولو مع البعد وما بعده مرةً واحدةً مع القرب حيث غسله أولًا ثلاثةً أو اثنتين والأكمل الثلاث، ومع البعد يقتصر على المتروك، وصفة الإتيان بالسنة أنه يفعلها إن لم ينب عنها غيرها حيث لم تقع إعادتها في مكروهٍ، كرد مسح الرأس فلا يرجع له بعد أخذ الماء لرجليه ولا لغسل يديه لكوعيه بعد غسل يديه لمرفقيه، وإنما يفعل نحو المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين، ولا يعيد ما صلى حيث كان تركها سهوًا لا في وقتٍ ولا غيره، وأما مع العمد تستحب الإعادة في الوقتالثالثة: سكت المصنف عن التصريح بجميع الفضائل وأشار لها خليل بقوله: وفضائله موضع طاهر وقلة ماءٍ بلا حد وتيمن أعضاءٍ وإناء إن فتح، وبدأ بمقدم رأسه أو غيره من سائر الأعضاء، وشفع غسله وتثليثه واستقبال القبلة واستحضار النية في جميع الوضوء والجلوس مع التمكن وفي محل مرتفعٍ وترتيب سننه أو مع فرائضه والتسمية، وتقدم في كلامه الإشارة إلى بعضهاالرابعة: لم يتعرض لمكروهاته وعدها بعضهم ستةً: الإكثار من صب الماء، والوضوء في الخلاء، وكشف العورة، والكلام في أثنائه بغير ذكر الله، والزيادة في المغسول على ثلاثٍ وعلى الواحدة في الممسوح، والاقتصار على الواحدة لغير العالم، وحكى القاضي عياض تخليل اللحية الكثيفة، ولما فرغ من الكلام على بيان صفة الطهارة الصغرى شرع في بيان الكبرى فقال:

باب في بيان صفة الغسل
بالضم الفعل وبالفتح اسم للماء على الأشهر وإن كان القياس العكس، لأن مصدر الثلاثي المتعدي فعل بفتح الفاء، وأما بالكسر فاسم لما يفعل به من صابونٍ ونحوه، وتقدم تعريفه بأنه إيصال الماء إلى جمع ظاهر الجسد بنية استباحة الصلاة مع الدلك، ومن الظاهر التكاميش التي في الدبر فيجب على المغتسل أن يسترخي، بخلاف داخل الأنف والأذن والعين والفم فليست من الظاهر في هذا الباب، بخلاف إزالة النجاسة فإنها منه وفرائضه خمسة: تعميم الجسد بالماء والنية والموالاة كالوضوء والدلك وبالاستنابة مع العذر وتخليل الشعر ولو كثيفًا وضغث المضفور وسننه خمس: غسل اليدين للكوعين أولًا والمضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الصماخين فقط وهما الثقبان فيمسح منهما ما لا يمكن غسله، وأما غيرهما مما يمكن إيصال الماء إليه فيجب غسله وذلك بحمل الماء في يديه وإمالة رأسه حتى يصيب الماء ظاهر أذنيه وباطنهماولا يصب الماء في أذنيه صبا لأنه يورث الضرر، ويتحرى التجعيدات فيهما كما يتحرى ثقب الحلقة في أذنيه إن كان فيجب عليه إيصال الماء إليه كموضع الجرح الذي يبرأ غائرًا ولا يلزمه جعل نحو زردةٍ فيه كما يقوله بعض الأئمة، وفضائله سبع التسمية والبدء بإزالة الأذى عن جسده وغسل أعضاء وضوئه كلها قبل الغسل والبدء بغسل الأعالي قبل الأسافل والميامن قبل المياسر وتثليث الرأس وقلة الماء مع إحكام الغسل، ومكروهاته ستة: تنكيس الفعل والإكثار من صب الماء وتكرار الغسل بعد الإسباغ والغسل في الخلاء وفي مواضع الأقذار وغير ذلك، والمصنف اعتنى ببيان الصفة اتباعًا لما التزمه من التعليم وهي متضمنة لذكر الواجبات فقال: و "أما الطهر" المعبر عنه بالغسل "فهو من الجنابة" الشاملة لمغيب الحشفة وخروج المني "ومن الحيض والنفاس سواء" في الصفة الآتي بيانها من وجوب تعميم الجسد بالماء ودلكه وتخليل شعره وغير ذلكوفي الحكم أيضًا: ومن ثمرات المساواة في الحكم أن مريد الغسل لو كان عليه جنابة وانقطع عنه الحيض والنفاس أو هما واغتسل لأحدهما ناسيًا للآخر أو ذاكرًا له ولم يخرجه لأجزأه عن الجمعقال خليل: وإن نوت الحيض والجنابة أو أحدهما ناسيًا للآخر حصلا فقد قال شراحه: لا مفهوم لناسيةٍ ولا مفهوم للجنابة وما معها بل سائر الاغتسالات المسنونة

والمندوبة في الصفة عندنا سواء، فكان الأولى للمصنف أن لو قال: وأما الطهر فهو من الجنابة وغيرها سواء ليشمل سائر الاغتسالات المطلوبة شرعًا، ولعله إنما اقتصر على ما ذكر اهتمامًا بشأنه لوجوبه وكثرة وقوعه، ولأجل قوله بعد: فإن اقتصر المتطهر على الغسل دون الوضوء أجزأه فإنه خاص بالطهر الواجب، ولذا قلنا: إن غير الواجب مثل الواجب في الصفة فقط، وذكر المصنف أن تلك الصفة على الحالتين مفضولة وفاضلة، فالمفضولة أن يقتصر على تعميم الجسد بالماء دون تقدم وضوءٍ وأشار إليه بقوله: "فإن اقتصر المتطهر" من بعض تلك المذكورات "على الغسل" أي تعميم ظاهر الجسد بالماء "دون الوضوء أجزأه" وله الصلاة به إذ لم يمس ذكره حال دلكه، وصورة ما يفعل أن يغسل يديه لكوعيه بنية سنة الغسل ويغسلهما مرةً أو مرتين أو ثلاثًا كما في حديث ميمونة ثم يغسل ذكره بنية رفع الحدث الأكبر ثم يحك يده في الحائط أو غيره ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ويمسح قعر أذنيه وينغمس في الماء أو يصب الماء على رأسه ثلاثًا استحبابًا ويعم سائر جسده ويختم برجليه وقد ارتفع حدثه، وتحل له الصلاة من غير توقفٍ على وضوءٍ، والدليل على ذلك ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل"1 روى ابن ماجه "من الجنابة"وقالت عائشة أيضًا: وأي وضوءٍ أعم من الغسل ما لم يمس فرجه وأجزأ الغسل عن الوضوء على هذا الوجه ولو تبين عدم جنابته قال خليل: ويجزى عن الوضوء وإن تبين عدم جنابته، وقيدنا الطهر بكونه من بعض المذكورات للاحتراز عما لو اغتسل لنحو الإحرام أو الجمعة فإنه لا يجزئه عن الوضوء"تنبيه": وقع الاضطراب في تلك السنن في كونها للغسل أو الوضوء، والذي قاله الأجهوري في شرح خليلٍ بعد قوله وسننه غسل يديه: أن السنة فيهما تتوقف على التثليث والمطلق والنية وكون الغسل قبل الإدخال في الإناء، وأن غسلهما للكوعين قبل غسل الأذى من سنة الغسل قطعًا، وإن لم يكن هناك أذًى يكون غسلهما من سنة الوضوء أيضًا كالمضمضة والاستنشاق حيث توضأ بنية الغسل، وأما لو توضأ ناسيًا للجنابة ثم بعد تمام وضوئه تذكر الجنابة وكمل
ـــــــ
1 حسن: أخرجه الترمذي كتاب الطهارة باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل حديث 107 والنسائي حديث 252 وابن ماجه 579 وانظر صحيح الجامع 4843.

غسل جسده فورًا فإن السنن تكون للوضوء، وتلك الصورة أشار إليها خليل بقوله: وغسل الوضوء عن غسل محله ولو ناسيًا لجنابته، وإنما أجزأت نية الوضوء عن نية الغسل لأنه من باب قيام واجبٍ مقام جزءٍ واجبٍ لاشتراكهما في الوجوب، وأشار إلى الصفة الفاضلة بقوله: "وأفضل له أن يتوضأ" ولو بنية الأصغر لأنها تقوم مقام نية الأكبر في مواضع الوضوء "بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو جسده من الأذى" بنية رفع الأكبر ليستغني عن الوضوء بعد تمام غسلهوقوله: "ثم يتوضأ وضوء الصلاة" مكرر مع ما قبله أو الأول الوضوء اللغوي وهو غسل اليدين للكوعين، وحاصل المعنى بإيضاحٍ: أنه يغسل يديه أولًا لكوعيه بنية السنية قبل إدخالهما في الإناء ثم يزيل الأذى عن جسده بنية رفع الحدث الأكبر ثم يتوضأ وضوء الصلاة، وحديث ميمونة يقتضي أنه بعد إزالة الأذى لا يعيد غسل يديه لكوعيه، وغالب شراح خليلٍ قائل بإعادة غسلهما، وقوله: وضوء الصلاة يوهم أنه يكرر غسل الأعضاء وليس كذلك بل مرةً مرةً قال خليل: ثم أعضاء وضوئه كاملةً مرةً مرةً حتى مسح رأسه وأذنيه وغسل رجليه وهو المفهوم من قول خليلٍ كاملةً مرةًقال شارحه التتائي: مسحًا وغسلًا فلا يؤخر غسل رجليه لفراغ غسله كان الموضع نظيفًا أو وسخًا وهو كذلك على المشهور، وإنما كان مرةً فقط لأنه غسل حقيقةً وصورة وضوءٍ، وقال سيدي يوسف بن عمر بترك مسح رأسه وأذنيه لأنهما يغسلان فلا فائدة في مسحهما، وما قاله يوسف بن عمر يقويه حديث ميمونة وهو: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة وأكفى بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثًا ثم غسل فرجه ثم ضرب يده في الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه الماء ثم غسل جسده ثم تنحى فغسل رجليه"1 الحديث، فهذا صريح في أنه لا يمسح رأسه ولا أذنيه في هذا الوضوء ولم يغسل فيه رجليه أيضًا، ولكن خليلًا اعتمد على ما في الموطأ وغيره من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "أنه عليه السلام كان إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل ثم يخلل شعره بيديه"2 فظاهر قولها توضأ وضوءه للصلاة أنه يكمله ولكن في بعض طرقه غير
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الغسل باب: المضمضة والاستنشاق في الجنابة حديث 259, والترمذي حديث 103, وابن ماجه حديث 5732 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الغسل باب: تخليل الشعر حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته حديث 273, ومسلم متاب الحيض باب: صفة غسل الجنابة حديث 316.

رجليه، ولكن المشهور التكميل فيقدم غسل رجليه سواء كانتا طاهرتين أو متنجستين، هذا هو المشهور خلافًا لمن فصل وخلافًا لمن خير المشار إليه بقوله: "وإن شاء غسل رجليه" في أثناء وضوئه "وإن شاء أخرهما إلى آخر غسله" وهذا الخلاف في الغسل الواجب، وأما في غير الواجب فلا يجوز تأخير غسلهما لإخلاله بالفورية قاله ابن عمر وهو واضح"تنبيه" اختلف الشيوخ إذا أخر غسل رجليه هل يغسلهما بنية الوضوء أو الغسل؟ والذي قاله المصنف: ينوي بغسلهما الوضوء والغسل، وقال القابسي: لا يحتاج إلى نية الوضوء واتفق الجميع على أنه لا ينوي به إتمام وضوئه"ثم" بعد تمام ذلك الوضوء يغسل رجليه على المعتمد كما ذكرنا "يغمس يديه في الإناء" أو يفرغه عليهما إن لم يكن مفتوحًا "ويرفعهما غير قابضٍ بهما شيئًا" من الماء لأن القصد البلل "فيخلل بهما أصول شعر رأسه" استحبابًا لأن فيه فائدتين: طبية وفقهية، فالطبية انسداد المسام التي في الرأس فيحصل الأمن من الزكام ومن قشعريرة الجسد عند صب الماء، والفقهية إيصال الماء إلى البشرة وإلى أصول الشعر بسهولةٍ "ثم" بعد تخليل أصول شعر رأسه بيديه "يغرف بهما" الماء ويصبه "على رأسه" ثلاث مراتٍ ب "ثلاث غرفاتٍ" جمع غرفةٍ بالفتح ملء اليدين جميعًا حالة كونه "غاسلًا له" أي دالكًا للرأس "بهن" قال العلامة ابن حبيبٍ: ولا أحب أن ينقص من الثلاث شيئًا ولو عم بواحدةٍ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمتبادر من كلام المصنف أنه يعم الرأس بكل واحدةٍ من الثلاث، وقال ابن ناجي: إنه ظاهر كلام أهل المذهب وبه الفتوى خلافًا لمن قال: كل واحدةٍ على جانبٍ والثالثة في الوسط لأنه لم يحصل بها تثليث لأن الثلاث على هذا الوجه في معنى الغسلة الواحدة، ويخالف قول أهل المذهب الرأس تثليث دون سائر أعضاء الغسل"فائدة": من كان يخاف بصب الماء على رأسه حصول النزلة فيه فإنه يغسل جميع جسده ويمسح عليهقال الجزولي: وسمعته من شيوخٍ عدةٍ حتى وقع عندي موقع اليقين بحيث لو احتجت إليه لفعلته، ولكن لا بد أن يستند في ذلك إلى تجربةٍ من نفسه أو إخبار طبيبٍ حاذقٍ لا بمجرد الخوف كما هو مقرر في الأعذار المبيحة للترخيص في النقل عن الأصل إلى البدل، ولا ينتقل في تلك الحالة إلى التيمم لأنها طهارة مائية في الجملة"و" لما كانت النساء شقائق الرجال وجب أن "تفعل ذلك" المتقدم "المرأة" فالإشارة للبدء بغسل اليدين للكوعين وبعده إزالة الأذى ثم إكمال أعضاء الوضوء حتى مسح الرأس والأذنين

وغسل الرجلين على ما سبق ثم صب الماء على الرأس ثلاث مراتٍ "و" يجب عليها أن "تضغث" أي تعرك وتحرك "شعر رأسها" ليداخله الماء ولو لم يصل إلى البشرة ولا يلزمها نقض ضفره، وتقدم في الوضوء أن التخليل إيصال الماء إلى البشرة بخلاف التحريك والضغث فإنه عرك الشعر وحبس الماء عليه"و" كذا "ليس عليها حل عقاصها" قال خليل: وتخليل شعره وضغث مضفوره لا نقضه، واعلم أن محل الاكتفاء بالضغث في المضفور أو المعقوص حيث كان مرخوا بحيث يداخله الماء، وإلا وجب نقضه وتخليله ليصل الماء إلى البشرة كغير المضفوركما يجب نقض المضفور المشتد ولو بنفسه أو بخيوطٍ كثيرةٍ ولو لم يشتد لأنها حائل وفي الأجهوري: أن المضفور بخيطٍ أو خيطين لا يجب نقضه، ولو تحقق عدم الوصول إلى ما تحت الخيوط وقاسه على الخاتم الضيق فإنه لا يجب تحريكه ولو لم يصل إلى ما تحته وجعله كالجبيرة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، وفي هذا مخالفة لقول ابن ناجي في شرحه: وليس عليها حل عقاصها وهذا إذا كان مرخوا بحيث يدخل الماء وسطه، وإلا كان غسلها باطلًا، والحاصل أن غير المضفور والمعقوص يجب تخليله حتى يصل الماء إلى البشرة ولو كثيفًا، ويتناول ذلك شعر الحاجب واللحية، ومثله جميع المغابن التي في البدن كشقوق الرجلين إلا ما شق دلكه فيكفي إيصال الماء إليه، والدليل على عدم لزوم حل عقاصها ما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: "قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: "لا، أما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثياتٍ ثم تفيضي عليه الماء فتطهرين" 1 وفي روايةٍ: "أفأنقضه في الحيض والجنابة؟ قال: "لا" ولما بلغ عائشة رضي الله تعالى عنها أن ابن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن شعورهن قالت: "أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ وما أزيد أن أغرف على رأسي ثلاث غرفاتٍ"2 وقال أبو عمران الفاسي: أرخص للعروس في السبعة أيامٍ أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب، وإن استعملته في سائر جسدها
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الحيض باب: حكم ضفائر المغتسلة حديث 330, وأبو داود حديث 251, والترمذي حديث 105, والنسائي حديث 241 وابن ماجه حديث 6032 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الحيض باب: حكم ضفائر المغتسلة حديث 331 وابن ماجه حديث 604.

تيممت لأن إزالته من إضاعة المال المنهي عنها قال الحطاب عقب هذه العبارة، وهذا خلاف المعروف من المذهب، وأقول مما يدل على أنه خلاف المذهب أنهم لم يجوزوا في الوضوء والغسل المسح على الحائل إلا في الضرورة، وما كان للزينة فليس من أنواع الضرورة"تنبيه": كما لا يلزم المرأة حل عقاصها لا يلزمها نزع خاتمها ولا تحريكه، وكذا سائر أساورها ولو ذهبًا أو زجاجًا ولو ضيقةً، وكذا لا يلزم الرجل نزع خاتمه المأذون فيه ولو ضيقًا خلافًا لقول ابن رشدٍ:
وحرك الخاتم في اغتسالك ... والخرص والسوار مثل ذلكا
فإنه خلاف المشهور لإيهامه أن الضيق جدا من خاتمٍ أو سوارٍ يجب نزعه وليس كذلك فقد قال ابن رشدٍ في عدم لزوم إحالة الخاتم ولو ضيقًا بحيث لا يصل الماء إلى ما تحته لأنه إن كان سلسًا فالماء يصل إلى ما تحته ويغسله، وإن كان قد عضن بأصبعه صار كالجبيرة لأن الشارع أباح لبسه قاله الأجهوري في شرح خليلٍ"ثم" بعد غسل الرأس "يفيض الماء على شقه الأيمن" من أعلاه ندبًا فيهما "ثم" بعد تمام غسل الأيمن يفيضه "على شقه الأيسر" بادئًا له من أعلاه، وما ذكرناه من تمام الأيمن قبل الأيسر تبعنا فيه بعض شراح خليلٍ ولأنه المتبادر من كلام المصنف لتعبيره بثم وقال: يفيض الماء على الأيمن إلى الركبة ثم يفيضه على الأيسر إلى الركبة ثم يفيضه على أسفل الجانب الأيمن ثم أسفل الأيسر وسكت عن الظهر والبطنقال الأقفهسي: لدخولهما في الشقين، وقال الشيخ زروق: ويختم بصدره وبطنه، "و" يجب عليه بعد إفاضة الماء على جسده أن "يتدلك" مع القدرة "بيديه" أو ببعض أعضائه سواهما ولو بخرقةٍ ويكون الدلك مقارنًا للصب أو "بأثر صب الماء" على العضو المدلوك وهكذا يفعل"حتى يعم جسده" بالماء والدلك ولو تحقق وصول الماء للبشرة لأنه واجب لنفسه، لأن صب الماء بدون الدلك لا يسمى غسلًا عند مالكٍ مع التمكن منه وإنما يسمى انغماسًا وعلم من كلام المصنف أنه لا يشترط مقارنته للصب وإنما يشترط حصوله مع بقاء الماء على العضو لأنه لو انفصل الماء عن العضو لصار مسحًا، وأما العاجز عن الدلك بنفسه فإنه يجب عليه استنابة غيره فيما يصح له مباشرته لا في ذلك ما بين السرة والركبة إلا أن تكون زوجةً أو أمةً، فإن لم يقدر على الاستنابة سقط وعمم جسده بالماء، وإن استناب غيره مع قدرته عليه لم يصح.

قال ابن رشدٍ: ولا يصح الدلك بالتوكيل إلا لذي آفةٍ أو عليل وما ذكرناه من وجوب الاستنابة على العاجز ولا يسقط إلا عند التعذر هو مذهب سحنونٍ، ومشى عليه العلامة خليل واستظهره في توضيحه ومقابله لابن حبيبٍ وصوبه ابن رشدٍ أنه لا يجب الاستنابة قال المواق: قال ابن عرفة ما عجز عنه ساقطقال ابن رشدٍ: وقول ابن حبيبٍ أشبه بيسر الدين فيوالي صب الماء ويجزيهولما كانت الطهارة لا تحصل إلا بعد الجزم بالتعميم لجميع الجسد قال: "وما" أي الموضع الذي "شك" المغتسل في "أن يكون الماء أخذه" أي عمه "من جسده" بيان لما سواء كان عضوًا أو لمعةً، وكذا لو شك في موضعٍ هل كله أم لا؟ والمراد بالشك عدم اليقين "عاوده بالماء" وجوبًا "ودلكه حتى يوعب جميع جسده" يقينًا ولا يكفيه عدم تيقن وصول الماء إلا أن يكون مستنكحًا أو ضريرًا أو في محل مظلمٍ لقول البرزلي: من توضأ في ضياءٍ أو ظلمةٍ يكفيه غلبة الظن أن الماء أتى على ما يجب تطهيرهوفي كلام الفاكهاني والشيخ داود أنه لا بد من تحقق إيعاب جميع الجسد ولا يكفيه غلبة الظن لأن الذمة عامرة لا تبرأ إلا بيقينٍ ما لم يكن مستنكحًا فيكفيه غلبة الظن ا هـ كلامهماوأقول: الذي يظهر من كلامهم في الصلاة وفي الوضوء وفي مواضع متعددةٍ من وجوب بناء المستنكح على الأكثر عند الشك أي في الركعات أو الغسلات، ومن بنائه على الفعل عند الشك في النية وعدمها، وفي مسح رأسه هل فعله أم لا أنه يكتفي بالظن هنا ولو لم يكن غالبًا وحرره، وإذا أخبره مخبر بتعميم جسده فلا يعول على خبره إلا إذا حصل له اليقين بخبره، والمراد باليقين الاعتقاد الجازم، وقال الحطاب: يقبل إخبار الغير بكمال الوضوء والصوم، انظر ابن عرفة في بحث الشك في الطواف، وظاهره ولو واحدًا وهو كذلك، وينبغي أن يقيد بما إذا كان عدل روايةٍ وأما الصلاة فليست كذلك كما قال ابن رشدٍ: لو شك هل صلى أم لا؟ فأخبرته زوجته وهي معه أو رجل عدل أنه قد صلى لم يرجع إلى قول واحدٍ منهما إلا أن يعتريه ذلك كثيرًا ومثل الشك في أصل الصلاة: ولو شك هل صلى أربعًا أو ثلاثًا؟ ويدل له قول خليلٍ ورجع إمام فقط لعدلين"تنبيه":لم يذكر المصنف هل إعادة المشكوك فيه بنيةٍ أم بغير نيةٍ؟ وبينه سيدي يوسف بن عمر بقوله: فإن كان قريبًا لم يلزمه تجديد النية لذلك وإن بعد لزمه تجديدها، وإن كان قد صلى بهذه اللمعة أعاد أبدًا وسمي غسل تلك اللمعة إعادةً إما باعتبار احتمال فعلها أو لا، أو مراعاةً

لاستعمال العرب لفظ العود في الذي لم يسبق فعله نحو عادوا حممًا أو لتعودن في ملتنا، والرسل لم يعودوا في ملتهم"و" يجب عليه أن "يتابع عمق" بالمهملة والمعجمة "سرته" أي داخلها فيوصل الماء إليه ويدلكه مع الإمكان وإلا كفى إيصال الماء إلى داخلها "و" كذا يتابع "تحت حلقه" المراد تحت ذقنه"و" كذا يجب عليه أن "يخلل شعر لحيته" ولو كثيفًا لخبر: "خللوا الشعر وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرةٍ جنابةً" 1 ولو كان خللها في الوضوء لأن المكروه لا يجزئ عن الواجب، بخلاف ما لو كانت خفيفةً وخللها في الوضوء فيكفيه عن تخليلها في الغسل"و" كذا يجب عليه أن يتابع ما "تحت جناحيه" أي إبطيه "و" ما "بين أليتيه" أي مقعدتيه فيوصل الماء إليه مع استرخائه حتى يتمكن من غسل تكافيش الدبر فإن لم يفعل كان غسله باطلًا"و" كذا يجب عليه أن يتابع "رفغيه" وهما أصول فخذيه مما يلي الجوف "و" كذا ما "تحت ركبتيه" وجميع مغابن جسده "و" كذا "أسافل رجليه" كعرقوبيه وعقبيه"و" يجب عليه أن "يخلل أصابع يديه" في الوضوء إن قدمه وإلا خللهما في الغسل "ويغسل رجليه آخر ذلك" أي آخر غسله "يجمع ذلك" الغسل "فيهما" أي في الرجلين "لتمام غسله ولتمام وضوئه" الذي قدمه على جهة الندب "وإن كان أخر غسلهما" على أحد الأقوال: ولا يكون ذلك التأخير مخلا بالموالاة حيث كان الغسل واجبًا، ومفهوم كلامه أنه لو كان قدم غسلهما عند فعل الوضوء لا يحتاج إلى إعادة غسلهما حيث كان خلل أصابعهما، لأن غسل الوضوء يجزئ عن غسل محله، ولو كان نوى بوضوئه رفع الحدث الأصغر لأن نية الوضوء تجزى عن نية الغسل في محل الوضوء، وأما مسح الوضوء عن مسح محله فأفتى ابن عبد السلام بالإجزاء وصورته: أن من به نزلة في رأسه ولا يقدر على غسله في الغسل فإنه يمسحه، فلو مسحه في الوضوء ووجب عليه الغسل وتوضأ ومسح فقال ابن عبد السلام: يجزئه مسح الوضوء عن مسح الغسل، وقال أشياخه: لا يجزئهـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: في الغسل من الجنابة حديث 248 والترمذي حديث 106, وابن ماجه حديث 597 وانظر ضعيف الجامع 1847.

"فائدة" خرج أبو داود: "فرضت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مراتٍ، وغسل الثوب من البول سبع مراتٍ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى جعل الصلاة خمسًا، وغسل الجنابة مرةً، وغسل الثوب مرةً"1"ويحذر" المغتسل الذي توضأ أولًا وصب الماء على بقية جسده وشرع يتدلك "أن يمس ذكره في" حال "تدلكه بباطن كفه" أو بباطن الأصابع أو بجنب الكف أو جنب الأصابع أو رءوسها"فإن فعل ذلك" المس "و" الحال أنه "قد أوعب" أي أكمل "طهره أعاد الوضوء" لبطلانه بالمس إذا أراد صلاةً أو نحوها مما يتوقف على طهارةٍ، وحكم الإقدام على نقض الوضوء المنع أو الكراهة لمن لا يجد ما يتوضأ به، وعدم الكراهة إن كان واجدًا للماء. قال خليل: ومنع مع عدم ماءٍ تقبيل متوضئٍ وجماع مغتسلٍ إلا لطولٍ، واحترز بمس الذكر عن مس الأنثى فرجها أو الذكر الدبر أو الأنثيين في أثناء الغسل فلا يعاد الوضوء"و" مفهوم أوعب طهره أنه "إن مسه في ابتداء غسله و" لكن "بعد أن غسل مواضع الوضوء منه" أي من المغتسل وقيل تمام الغسل أو حصل المس في أثناء أعضاء الوضوء "فليمر بعد ذلك" أي بعد المس أو الغسل "بيديه على مواضع الوضوء بالماء" الذي يجدده، فإن فعل ذلك ببلل جسده لم يجزئ ويكون ذلك الإمرار "على ما ينبغي" أي يجزئ "في ذلك" الإمرار بأن يعم العضو ويدلكه ويتتبع ما فيه من المغابن ويدلكه بنفسه مع القدرة على ذلك، وإنما خص مس الذكر لأنه الغالب هنا فلا ينافي أن غيره من النواقض كذلك "و" يجب عليه أن "ينويه" أي الوضوء فإن نوى رفع الحدث الأكبر لم يجزئ بمنزلة ما إذا نوى المتوضئ غير الجنب رفع الحدث الأكبر، وهذا الذي ذكره المصنف من وجوب النية خلافه ما قاله القابسي من عدم الاحتياج للنية ويوافقه ظاهر المدونة، وأما إعادة ما فعل من أعضاء الوضوء بعد المس فمتفق عليه. قال عبد الحق: إذا مس المغتسل ذكره فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يمسه قبل أن يغسل من أعضاء وضوئه شيئًا فهذا إذا غسل أعضاء الوضوء بنية الغسل المتقدمة فقد فعل ما وجب عليهثانيها: أن يمسه بعد غسل جميع جسده وكمال طهارته فهذا يجب عليه الوضوء بنية الوضوء ولا يحسن الخلاف فيهـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب: في الغسل من الجنابة حديث 247.

ثالثها: أن يمسه بعد غسل أعضاء الوضوء وقبل كمال طهارته أو بعد غسل أعضاء الوضوء، وفي هذه الصورة قال أبو محمدٍ: لا بد أن يمر بيديه على أعضاء الوضوء بماءٍ جديدٍ ونيةٍ، وقال القابسي: يمر بيديه على ما فعله منها ولا يحتاج لنيةٍ والحاصل كما قال أبو الحسن المغربي شارح المدونة: إن مسه بعد الفراغ لزمته نية الوضوء اتفاقًا لوجوب إعادته، وإن مسه قبل فعل شيءٍ من أفعال الوضوء لا يلزمه نية الوضوء اتفاقًا لأنه لم يفعله حتى ينقض، وإنما الخلاف إذا مسه بعد الفراغ من عضوٍ من أعضاء الوضوء أو بعد أعضاء الوضوء وقبل تمام الغسل فقال أبو محمدٍ: ينوي الوضوءوقال القابسي: لا ينوي، فالصور أربع اتفق على اثنين واختلف في اثنين، ومنشأ الخلاف هل الحدث يرفع عن كل عضوٍ بانفراده وعليه ابن أبي زيدٍ فيلزمه تجديد النية لذهاب الطهارة عن الأعضاء، أو لا يرتفع إلا بتمام الطهارة وهو ملحظ القابسي لبقاء النية ضمنًا في نية الطهارة الكبرى، ولا يقال: إذا كان لا يرتفع إلا بتمام الطهارة فلا حاجة إلى إعادة ما فعل من أعضاء الوضوء قبل المس مع أنه يجب إعادة غسله باتفاق الشيخين، لأنا نقول: مراد القابسي لا يتحقق رفعه إلا بتمام الطهارة، وإلا فالرفع حصل بدليل وجوب إعادة غسله، ولا يقال: إذا حصل رفعه عن كل عضوٍ يجوز أن يمس به المصحف، لأنا نقول: جواز مسه يرفعه عن الماس لا عن العضو فافهم"خاتمة": بقي شيء يجب التنبه له وهو إذا حصل المس بعد إكمال الغسل يتوضأ ويثلث الغسل كوضوء غير الجنب، وأما لو حصل قبل تمام الغسل سواء كان قبل أعضاء الوضوء أو في أثنائها أو بعد الفراغ منها فإنه يتوضأ مرةً مرةً لأن الفرض أنه قبل تمام الغسل ا هـ أجهوري بالمعنى ولما قدم الطهارة الأصلية بقسميها صغرى وكبرى شرع يتقدم عن البدلية فقال:

باب في أحكام من لم يجد الماء
المطلق لطهارته أو وجده وعجز عن استعماله "و" في "صفة التيمم" وهو لغةً القصد، وشرعًا طهارة ترابية تشمل على مسح الوجه واليدين بنيةٍ تستعمل عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، والترابية نسبة إلى التراب، والمراد به هنا سائر أجزاء الأرض ولو الحجر الأملس لصحة التيمم عليه ولو مع وجود التراب، وحكمة مشروعيته إدراك الصلاة في وقتها دل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] وأما السنة فما في مسلمٍ من قوله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاثٍ:

جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها طهورًا إذا لم نجد الماء" 1 وغير ذلك من الأحاديث، وأما الإجماع فقال ابن عمر: الإجماع على أن التيمم واجب عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، فمن جحده أو شك فيه فهو كافر، والمشهور أنه رخصة2 لا عزيمة، ولا يقال: الرخصة يكون الشخص فيها متمكنًا من فعل الحكم الأصلي ولا كذلك هنا فإنه قد لا يتمكن كمن فقد الماء، لأنا نقول: الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب كأكل الميتة للمضطر ونحو ذلك، هكذا قال بعض العلماء، ونازع في ذلك ابن جماعة قائلًا: إن قول من قال: إن الرخصة قد تنتهي للوجوب غير مسلمٍ لأنها إذا انتهت إلى الوجوب صارت عزيمةً وزال عنها اسم الرخصة، فالحق أنه عزيمة في حق العادم للماء، بخلاف من يجد الماء ولا يقدر على استعماله لحصول مشقةٍ فادحةٍ تسوغ له التيمم فإنه رخصة في حقه لتمكنه من فعل الأصل في الجملة، وبهذا علم الفرق بين الرخصة والعزيمة وهو من خصائص هذه الأمة، لأن الأمم السابقة لا تصلي إلا بالوضوء، كما أنها كانت لا تصلي إلا في أماكن مخصوصةٍ يعينونها للصلاة ويسمونها بيعًا وكنائس وصوامع، ومن عدم منهم الماء أو غاب عن محل صلاته يدع الصلاة حتى يجد الماء أو يعود إلى مصلاه، وكالصلاة على الجنائز على الهيئة المعروفة، وقسم الغنائم، والوصية بالثلث، والسواك، والسحور، وتعجيل الفطر، والأكل والشرب، والوطء ليلًا ولو بعد النوم، وسؤال الملكين، والغسل من الجنابة، وإنما كان يفعل بعض المذكورات الأنبياء لأممهاـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد حديث 5222 تطلق كلمة رخصة في لسان العرب على معان كثيرة نجمل أهمها فيما يلي:
أ- نعومة الملمس يقال: رخص البدن رخاصة إذا نعم ملمسه ولان فهو رخص بفتح فسكون ورخيص وهي رخصة ورخيصةب- انخفاض الأسعار يقال: رخص الشيء رخصا بضم فسكون فهو رخيص ضد الغلاءج- الإذن في الأمر بعد النهي عنه: يقال: رخص له في الأمر إذا أذن له فيه والاسم رخصة على وزن فعلة مثل غرفة وهي ضد التشديد أي أنها تعني التيسير في الأمور يقال: رخص الشرع في كذا ترخيصا وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"وفي الاصطلاح عرفها الغزالي بأنها: عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر عجز عنه مع قيام السبب المحرموالحكمة من تشريع الرخص: تحقيق مبدأ اليسر والسماحة في الإسلام تحقيقا عمليا تطبيقيا قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقال جل ذكره: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28] وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". أنظر الموسوعة الفقهية 122/152, 153.

واعلم أن التيمم له فرائض وسنن وفضائل، والمصنف رحمه الله تعالى تعالى إنما يهتم ببيان الصفة دون متعلقاتها، ونحن نذكر ذلك بفضل الله فنقول: فأما فرائضه فستة: النية وتكون عند وضع يديه على الأرض فإن تقدمت ولو يسيرًا أو تأخرت عن الشروع فيه لم يصح تيممه، والصعيد الطاهر، والضربة الأولى، ومسح الوجه واليدين للكوعين والموالاة بين أجزائه وما فعل له، وتخليل الأصابع، ونزع الخاتم ولو واسعًا مأذونًا فيه وسوار امرأةٍوسننه أربع: الترتيب، والضربة الثانية، ومسح اليدين للمرفقين، ونقل ما يتعلق باليدين من الغبار إلى الوجه واليدين والمراد عدم مسحهما فلو مسحهما ولو قويا وتيمم صح تيممه مع فوات السنةوفضائله: التسمية والسواك والصمت إلا عن ذكر الله والتيمم على ترابٍ غير منقولٍ والبدء بظاهر يمناه بيسراه إلى آخر ما يأتي، والمصنف اعتنى ببيان سببه وهو فقد الماء حقيقةً أو حكمًا، وبيان صفته، وبيان حكمه، وابتدأ ببيان حكمه بقوله: "التيمم يجب" وجوب الفرائض "لعدم الماء" الكافي لما يجب تطهيره وهو جميع الجسد بالنسبة للطهارة الكبرى، والأعضاء الأربعة بالنسبة للصغرى، ولا يلتفت إلى غسل ما لا يجب غسله "في" حال "السفر" ولو غير مباحٍ أو أقل من أربعة بردٍ على ما رجحه سند والقرطبي وابن مرزوقٍ، لأن الرخصة إذا كانت تفعل في السفر والحضر لا يشترط فيها إباحة السفر، بخلاف فطر الصائم في رمضان الحاضر فلا يباح له في السفر إلا إذا كان مباحًا، وأربعة بردٍ كقصر الرباعية، ولعل إطلاق المصنف يوافق كلام هؤلاء الأشياخ وهو خلاف كلام خليلٍ فإنه شرط في جواز تيممه إباحة السفر حيث قال: يتيمم ذو مرضٍ وسفرٍ أبيح، وشرط تيممه في السفر إما مطلقًا أو بقيد الإباحة"إذا يئس" من "أن يجده" أي الماء أو غلب على ظنه عدم وجوده "في الوقت" الذي هو فيه اختياريا أو ضروريا، ومفهوم السفر معطل إذ الحاضر كذلك إذا عدم الماء تحقيقًا أو طلبه بنفسه أو بمن يثق به ممن يجهل بخلهم به فلم يجده"تنبيهان" الأول: علم مما قررنا به كلامه أنه ليس المراد باليأس تحقق عدم الماء بلا خوف خروج الوقت قبل وجود الماء فيصدق بالآيس والراجي والمتردد في اللحوق أو الوجود فإن هؤلاء يجوز لهم التيمم، ولكن سيأتي أن وقت تيممهم مختلف، فالآيس أو المختار والمتردد وسطه والراجي آخره.

الثاني: تعبيره بالوقت يقتضي أن التيمم لعدم الماء مختص بصلاة الفرض ونحوه مما له وقت كالفجر، وأما ما لا وقت له فلا يصح تيممه له، وليس كذلك بل المذهب أن المسافر كالمريض يصح لهما أن يتيمما لكل صلاةٍ ولو نفلًا مطلقًا، بخلاف الحاضر الصحيح فإنه لا يتيمم إلا لفرضٍ غير الجمعة وللجنازة المتعينة، وأما النوافل فلا يتيمم لها استقلالًا وإنما يفعلها بتيمم الفرض تبعًا لفعل الفرض لكن بشرط اتصالها بفعل الفرض ولا تكثر جدا سواء نوى فعلها عند تيممه للفرض أم لا على مشهور المذهب، وأما لو قدمها على فعل الفرض الذي لا يتيمم له لصحت في نفسها ولا يصح لها فعل الفرض بذلك التيمم، وإذا كان الحاضر الصحيح يجوز له ذلك فالمريض والمسافر أولى، إذ لا اختلاف إلا في التيمم ابتداءً لغير الفرض فيجوز للمسافر والمريض ولا يجوز للحاضر الصحيحقال خليل: يتيمم ذو مرضٍ وسفرٍ أبيح لفرضٍ ونفلٍ وحاضرٍ صح لجنازةٍ إن تعينت، وفرضٍ غير جمعةٍ إن عدموا ماءً كافيًا أو إن خافوا باستعماله مرضًا أو زيادته، أو تأخر برءٍ أو عطشٍ محترمٍ معه أو بطلبه تلف نفسٍ أو مالٍولما قدم أن عدم الماء يوجب التيمم وكان عدم القدرة على استعماله بمنزلة عدمه قال: "وقد يجب" أي التيمم "مع وجوده" أي الماء الكافي لما يجب تطهره وذلك فيما "إذا لم يقدر" مريد الصلاة "على مسه" سواء كان "في سفرٍ أو حضرٍ لمرضٍ مانعٍ" له من استعماله، كخوفه فوات روحه أو زيادة مرضه أو تأخر برئه، ومنه الذي يعرق ويخشى من استعمال الماء نكسًا، وظاهر كلام أهل المذهب وجوب تيمم المريض على هذا الوجه ولو كان تسبب في المرض وهو كذلك، وكذلك قد يجب التيمم مع وجود الماء على صحيحٍ لا يقدر على مسه لتوقف مرضٍ باستعماله بتجربةٍ أو بإخبار طبيبٍ حاذقٍ "أو" على "مريضٍ يقدر على مسه" أي الماء دون خشية مرضٍ أو زيادته "و" لكن "لا يجد من يناوله إياه" ولو بأجرةٍ أو لا يجد آلةً أو وجد آلةً محرمة الاستعمال أو لا يقدر على أجرة المناول فإنه يجب عليه التيمم"تنبيه": علم مما قدمنا أن مثل المتلبس بالمرض الصحيح إذا كان يخشى حدوث مرضٍ باستعمال الماء كحمى أو نزلةٍ فإنه يتيمم، لكن لا يتيمم واحد من المريض ومن ألحق به بمجرد خوفه، بل لا بد من استناده إلى تجربةٍ من نفسه أو إخبار طبيبٍ حاذقٍ ولو كافرًا مع عدم المسلم إلا أن يكون الكافر أعرف ومثله إخبار الموافق له في المزاج، ولا يكفي في جواز التيمم مجرد التألم الذي يحصل من استعمال الماء خشية مرضٍ أو علةٍ في المستقبل، وينبغي أن يجري هنا

فالآيس أو المختار والمتردد وسطه والراجي آخره، وعلم أيضًا أن قوله: أو مريض معطوف على مقدرٍ لعدم صحة عطفه على مرضٍ، لأن الاسم المشبه للفعل لا يعطف إلا على فعلٍ وعكسه، وأيضًا عدم القدرة على استعمال الماء إنما يعلل بالمرض أو نحوه لا بالمريض فكيف يصح عطفه عليه"وكذلك" يجب التيمم على "مسافرٍ يقرب منه الماء" ويقدر على استعماله "و" لكن "يمنعه منه" أي من الوصول إليه "خوف لصوصٍ" جمع لص وهو السارق "أو سباع" حيث تيقن ذلك أو ظن، وأما لو شك في وجود اللص أو السبع فلا يجوز له التيمم، ومما يجوز لأجله التيمم خوف فوات الرفقة إذا طلب الماء، وأحرى لو خاف باستعمال الماء العطش لنفسه أو لغيره ولو دابةً وكذلك يجب على أهل القوافل الذين يعلمون أن معهم من يحتاج للماء لعطشه ولا يقدر على شرائه ولا الوصول إليه أن يتيمم ويسقي الماء للفقراء، فإن لم تسمح نفسه ببذله توضأ به مع عصيانه"تنبيهات" الأول: قال ابن دقيق العيد: علقوا الحكم بالخوف من اللصوص والسباع وليس هو على ظاهره، بل لا بد من خوف أكل السبع له أو أخذ اللص ماله مثلًا، وأما لو تجرد الخوف عن ذلك فلا اعتبار به، ومثل ماله مال غيره حيث كان معصومًا وله مال وهو ما يتضرر بضياعه وذلك يختلف باختلاف الناسالثاني: ممن يجوز له التيمم الواجد للماء القادر على استعماله وهو حاضر صحيح لكن يخشى خروج الوقت الذي هو فيه باستعماله فإنه يتيمم على الراجح من الخلاف المشار إليه بقول خليلٍ: وهو إن خاف فواته باستعماله خلاف ولو كان حدثه أكبر، فمن لم يتنبه إلا قرب طلوع الشمس وهو جنب ويعتقد إدراك الوقت إن تيمم لا إن استعمل الماء فإنه يجب عليه أن يتيمم ولا تلزمه إعادة ولا يقطع إن تبين له في أثنائه بقاء الوقت، كما أنه لا يعيدها إن تبين له بعد الفراغ منها، بخلاف لو تبين له قبل الشروع لبطلان تيممه حيث كان الوقت متسعًاالثالث: علم مما قدمنا في عد فرائض التيمم، ومن كلام المصنف أن التيمم لا يصح إلا بعد دخول وقت التي يريد فعلها إن كانت حاضرةً أو ذكرها إن كانت فائتةً، وإذ تحقق دخوله صح لكن يختلف الشروع فيه باختلاف الأحوال، لأن العادم للماء عند دخول وقت الصلاة على ثلاثة أقسامٍ: إما موقن بوجود الماء آخر الوقت، أو عنده يأس من وجوده آخر الوقت، أو لا دراية له أو متردد أو مترج له، فالأول يؤخر الصلاة، والثاني يقدمها، والثالث يتوسط بفعلها.

وأشار المصنف إلى أولها بقوله: "وإذا أيقن" أو ظن "المسافر" وكذلك الحاضر فالمفهوم معطل "بوجود الماء" الكافي لما يجب تطهيره "في" أثناء "الوقت" وأما الآن فهو عادم للماء "أخر" التيمم استحبابًا "إلى آخره" بحيث يبقى منه قدر فعله وما يسع الصلاة، والمراد الوقت المختار كما سنبينه، وقولنا استحبابًا على قول ابن القاسم، وخالفه ابن حبيبٍ وقال: التأخير على جهة الوجوبقال الأجهوري: ووجه قول ابن القاسم أنه حين حلت الصلاة ووجب القيام لها غير واجدٍ للماء فدخل في قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43]. وإنما أمر بالإعادة في الوقت لأنه غير تام العدم لوصوله الماء والوقت قائم، ووجه قول ابن حبيبٍ: التيمم في أول الوقت إنما هو لحوز فضيلته، وإذا كان موقنًا بوجود الماء في الوقت وجب عليه التأخير إليه ليصلي بالطهارة الكاملة، فإن خالف وتيمم وصلى كانت صلاته باطلةً ويعيدها أبدًا، فعلم مما ذكرنا أنه لا مفهوم للمسافر ولا لأيقن في كلامه كما ذكرنا، وإنما عبر بأيقن تبعًا للمدونة فلا ينافي أن الظان كذلك، فالمراد بأيقن في كلامه من لم ييأس من وجود الماء في آخر الوقت، ومن لم يتردد في لحوقه أو وجوده فيتناول الراجي، خلافًا لما يقتضيه كلامه الآتي من أنه يتيمم وسط الوقت فإنه خلاف المشهور الذي اقتصر عليه خليل بقوله: والراجي آخره فإنه قال فالآيس أو المختار والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه والراجي آخرهوممن يستحب له التأخير إلى آخر الوقت الفاقد للقدرة على استعماله في أوله ويرجو القدرة على استعماله آخره، فإن تيمم واحد ممن ذكرنا أوله وصلى صحت صلاته، ويستحب له إعادتها في الوقت إن كان تيمم بعد طلب الماء الذي كان يطمح في وجوده آخر الوقتأما لو تيمم أول الوقت من غير طلبٍ ثم وجد الماء في أثناء الوقت فإنه يعيد أبدًا إن وجده في محل كان يظن وجوده فيه إن طلبه ولو من رفقةٍ كثيرةٍ يظن إعطاءهم له، وأما إن وجده في محل كان يشك في وجوده وعدمه فيه إن طلبه فإنه يعيد في الوقت، وأما إن ترك الطلب مع توهم الوجود فلا إعادة عليه ولا في الوقت، وبقولنا: الذي كان يطمع في وجوده يعلم أنه متحقق عدم الماء لا يلزمه طلبه كما لا يلزم متحقق وجوده تحصيله إذا كان على نحو ميلين فأكثر وإن لم يشق عليه كأن يكون على أقل ويشق عليهوأشار إلى ثاني الأقسام بقوله: "وإن يئس منه" أي من وجود الماء في الوقت"تيمم في أوله" استحبابًا ليحوز فضيلة أول الوقت، ومثله الآيس من لحوقه أو من زوال مانع استعماله ولو بغلبة

الظن، وأشار إلى ثالث الأقسام وهو مفهوم الأولين بقوله: "وإن لم يكن عنده من علمٍ" أي يقينٍ بالمعنى الذي قدمناه ولا يأسٍ بل هو جاهل متردد في وجوده ويلحق به العالم بوجوده المتردد في لحوقه "تيمم في وسطه" ندبًا، والخائف من لصوصٍ أو سباعٍ والمريض الذي لا يجد مناولًا والمسجون، فهؤلاء الخمسة يندب لهم التيمم في وسط الوقت "وكذلك" العادم للماء في الحال يندب له التيمم وسط الوقت "إن خاف" أي توهم "أن لا يدركه" أي الماء "في الوقت ورجا" أي طمع بحسب ظنه "أن يدركه فيه" أي في الوقت المختار، وما ذكره المصنف من تيمم الراجي وسط الوقت ضعيف، والمذهب أن الراجي كالمتيقن لوجود الماء آخر الوقت يندب له التأخير كما وضحناه فيما سبق وإنما فسرنا خاف بتوهم ليطابق قوله: ورجا إلخقال الخليل: ولزم فعله في الوقت، فالآيس أول المختار، والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه، والراجي آخره، ومن باب أولى المتيقن ومن غلب على ظنه، فلو أبدل المصنف المتيقن بالراجي لكان موافقًا لخليلٍ ويعلم منه تأخير المتيقن والظان بالأولى، فخليل رحمه الله نص على المتوهمولما كان لا يلزم من براءة الذمة بالصلاة بالتيمم عدم استحباب إعادتها في الوقت، أشار إلى بيان من يندب له الإعادة وهو المقصر بقوله: "ومن" شرطية وفعل الشرط "تيمم من هؤلاء" المذكورين وهو المريض الذي لا يقدر على مس الماء والذي لا يجد مناولًا، ولا الخائف من لص أو سبعٍ والآيس والمتيقن ومن لم يدر وهو المتردد والراجي "ثم أصاب الماء في الوقت" أو أصاب المريض القدرة على استعمال الماء "بعد أن صلى" وجواب الشرط محذوف تقديره أعاد في الوقت إن قصر، وبين المقصر بقوله: "فأما المريض الذي لم يجد من يناوله إياه فليعد" صلاته في الوقت المختار لتقصيره بعدم إعداد الماء وذلك بأن كان لا يتكرر عليه الداخلون، وأما إذا كان يتكرر عليه الداخلون فلا إعادة عليه لأنه لا تقصير عنده حينئذٍ"وكذلك الخائف من سباعٍ ونحوها" يستحب له الإعادة في الوقت إذا تيمم وسط الوقت وصلى ثم تبين عدم ما خافه لتقصيره وما لو تبين ما خافه أو لم يتبين شيئًا فلا إعادة والحاصل كما يؤخذ من كلام الأجهوري أن إعادة الخائف من اللصوص أو السباع مشروطة بتيقن وجود الماء الذي منعه منه الخوف وتيقن خوفه لولا الخوف، وإدراك الصلاة بعد الوضوء به قبل خروج الوقت وتبين عدم ما خافه، فإن لم يتيقن الماء ولا لحوقه لم يعد، وكذا لو تبين ما خافه أو لم يتبين شيء، وكذا لو وجد ماءً غير الذي منعه منه الخوف، ولا بد أن يغلب على ظنه أن

تيممه الذي صلى به إنما كان لأجل الخوف، وأما لو شك بعد زوال الخوف وحصول الماء هل كان للخوف أو للكسل؟ فإنه يعيد أبدًا، ولا يقال: كيف يعد الخائف من اللصوص أو السباع مقصرًا مع وجوب الفرار منهما لحرمة تغرير الشخص بنفسه؟ لأنا نقول: لما تبين عدم ما خافه علم أن خوفه كان لمجرد جبنه لا لشيءٍ رآه"وكذلك" أي تستحب الإعادة في حق "المسافر الذي يخاف" أي يتوهم "أن لا يدرك الماء في الوقت ورجا" أي تيقن أو ظن "أن يدركه فيه" وقلنا: يستحب له تأخير الصلاة لآخر الوقت على المعتمد إذا خالف وقدم الصلاة بالتيمم قبل آخره ووجد الماء الذي كان يرجوه، بخلاف لو وجد غيره فلا تستحب له الإعادة، وقوله المسافر: كان الأولى إبداله بمريد الصلاة ليشمل الحاضر، ثم إن تقريرنا هذا مبني على ما قدمناه من تأخير الراجي وهو المعتمد ويمكن تمشيته على كلام المصنف، وإن كان خلاف الراجح بحمله على ما إذا قدم عن وسط الوقت"ولا يعيد" من هؤلاء السبعة "غير هؤلاء" الثلاثة التي نص على إعادتها بقوله: فأما المريض الذي لم يجد مناولًا والخائف من السباع ونحوها والراجي، وبقولنا من هؤلاء السبعة اندفع الاعتراض على المصنف بأن هناك من تستحب له الإعادة من غير هؤلاء الثلاثة وهو الواجد للماء بقربه أو رحله بعد المبالغة في طلبه والآيس منه وتيمم أول الوقت وصلى ثم وجد الماء الذي أيس منه بعينه قال العلامة خليل: ويعيد المقصر في الوقت وصحت إن لم يعد كواجده بقربه أو رحله، وكالمتردد في وجوده إذا قدم الصلاة عن وسط الوقت، ومثله المتردد في لحوقه مع العلم به إذا تيمم وسط الوقت وأولى لو قدم عن الوسط، وهذا ملخص تحرير الأجهوري في شرح خليلٍ في المتردد، وممن يستحب له الإعادة المقتصر على كوعيه في التيمم، والمتيمم عن أرضٍ مصابةٍ ببولٍ أو غيره من أنواع النجاسات، والمصلي ناسيًا للماء ويذكره بعدها
والحاصل أن قول المصنف: ولا يعيد غير هؤلاء الثلاثة غير مسلمٍ على ظاهره"تنبيهات" الأول: كل من أمر بالإعادة في الوقت ممن صلى بالتيمم، المراد بالوقت لفي حقه المختار إلا من تيمم على مصاب بولٍ، والمتيمم لإعادة الحاضرة المتقدمة على يسير المنسيات ولو عمدًا، ومن قدم إحدى الحاضرتين على الأخرى نسيانا، والمعيد لصلاته بنجاسةٍ، فإن الوقت في حق هؤلاء الضروريالثاني: كل من صلى بالتيمم وأمر بالإعادة في الوقت لا يعيد إلا بالوضوء إلا المقتصر على كوعيه والمتيمم على مصاب البول والمصلي ملابسًا لنجاسةٍ عجزًا أو نسيانًا، ومن يعد لتذكر

إحدى الحاضرتين بعدما صلى الثانية منهما فإنه يتيمم ويصلي الأولى ويتيمم لإعادة الثانية، ومن يعيد في جماعةٍ ومن يقدم الحاضرة على يسير المنسيات ومن تيمم على حشيشٍ مع عدم وجود غيره بناءً على جوازه ويتيمم قبل ضيق الوقت"ولا" يصح أن "يصلي" بالبناء للفاعل "صلاتين" واجبتين "بتيممٍ واحدٍ من هؤلاء السبعة" الذين مر ذكرهم "إلا مريض" فاعل يصلي "لا يقدر على مس الماء لضررٍ بجسمه مقيمٍ" بالجر صفة لضررٍ بمعنى لازمٍ لا يرجو زواله في وقت الصلاة الأخرى فإن له أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فرضٍ، وهذا خلاف المعتمد في المذهب والمعتمد ما ذكره بقوله: "وقد قيل" يجب على كل من لا يجد الماء حقيقةً أو حكمًا أن "يتيمم لكل صلاةٍ" مفروضةٍ ولو مريضًا فكان الأولى الاقتصار عليه، ولذا قال العلامة خليل: لا فرض آخر وإن قصد أو بطل الثاني ولو مشتركةً، وسواء اتحدت جهة الفريضة أو اختلفت كفريضةٍ أصليةٍ ومنذورةٍ، لما روى ابن شهابٍ من أن السنة أن لا يصلى فرضان بتيممٍ واحد، ولأن التيمم طهارة ضعيفة لأنه لا يرفع الحدث على المشهور بل مبيح للعبادة فلا يفعل به إلا أقل ما يمكن، وقيل يرفعه رفعًا مقيدًا بوجود الماء، ولعل هذا أصوب من القول بعدم رفعه لئلا يلزم اجتماع النقيضين وهما المنع والإباحة، ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لنا الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا" 1 ولا يقال: لو كان يرفع لكان يباح به أكثر من فرضٍ كالوضوء، لأنا نقول: التيمم فرع والوضوء أصل"وقد روي عن مالكٍ" رضي الله تعالى عنه "فيمن ذكر صلواتٍ" مفروضاتٍ تركهن نسيانا أو نام عنهن أو تعمد تركهن ثم تاب وأراد قضاءهن "أن يصليها كلها بتيممٍ واحدٍ" وهذا ضعيف، والمعتمد من المذهب أن كل فرضٍ لا بد له من تيممٍ وهو المحكي قبل هذا بقليلٍ"تنبيه": وفهم من التقيد بالفرضين أن النفل يصح بالتيمم الواحد ولو تعدد كعيدٍ وضحًى أو فجرٍ وكسوفٍ ولو كثر النفل كما قدمنا لكن بشرط اتصال بعضها ببعضٍ كما تقدم وأن لا تكثر جداولما فرغ من الكلام على سبب التيمم وهو فقد الماء أو العجز عن استعماله شرع فيما يصح التيمم عليه بقوله: "والتيمم" إنما يكون "بالصعيد الطاهر وهو" أي الصعيد كما قال مالك "ما صعد" أي ظهر "على وجه الأرض" حالة كونه كائنًا "منها" وبينه بقوله: "من ترابٍ" وهو معروف
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد حديث 522.

يصح التيمم عليه ولو نقل على المشهور "أو رملٍ" وهي الحجارة الصغيرة يصح التيمم عليها ولو نقلت أيضًا "أو حجارةٍ" كبيرةٍ يصح التيمم عليها ولو لم يكن عليها تراب ولو نحتت بالقدوم كالبلاط ولو نقل من محل إلى آخر لكن بشرط عدم طبخها، فلا يصح التيمم على الجير ولا على الطوب الأحمر المعروف بالآجر، وأما الرخام فإن كان مصنوعًا بالنار فلا يصح التيمم عليه، وأما لو كان منحوتًا بالقدوم فإنه يصح التيمم عليه، لأن كل ما دخلته صفة غير الطبخ يصح التيمم عليه، فلذا يصح على بلاط المساجد وغيرها كالرحى السفلى والعليا كسرت أم لا، كما يصح على تراب المسجد وإنما منعه بعضهم لأدائه إلى تعفيره"أو سبخةٍ" وهي الأرض ذات الملح، وكذلك الثلج والخضخاض لكن الثلج يتيمم عليه ولو مع وجود غيره، ولا يقال: هو ليس من أجزاء الأرض، لأنا نقول: لما جمد عليه التحق بأجزائها، وأما الخضخاض إنما يتيمم عليه مع عدم وجود غيرهوكذا يصح التيمم على نحو الشب والكبريت والنحاس والحديد وسائر المعادن في محلها سوى معادن الفضة والجوهر، وأما لو نقلت بحيث صارت في أيدي الناس كالعقاقير فلا يصح التيمم عليها، وقيدنا النقل بالحيثية المذكورة للاحتراز عن نقلها لا على هذا الوجه بأن نقلت في محلها من محل إلى آخر أو جعل بينها وبين الأرض حائل فلا يمنع التيمم عليها، وأما معادن الذهب والفضة والجوهر ونحوهما مما لا يقع به تواضع فلا يصح التيمم على شيءٍ منها ولو في محلها ولو لم يجد سواها على مشهور المذهب وتسقط الصلاة، ومقابل المشهور للخمي ومن وافقه يصح التيمم عليها إذا تعذر غيرها وضاق الوقت، ولكن وقع نزاع بين من يقول بالجواز فمنهم من قال: لا يتيمم إلا على ترابها، ومنهم من جوز التيمم على عينها، واحترز المصنف بقوله منها عن نحو الحصير والخشب والحلفاء والنجيل فلا يصح التيمم على شيءٍ منها على المشهور ولو ضاق الوقت ولم يجد سواه، وأما على المقابل فيجوز إذا عدم غيرها وتعذر قلعها وضاق الوقت وعلى المشهور تسقط الصلاة، والدليل على ذلك كله قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] وقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا" 1 وفسر العلماء الطيب بالطاهر كما قال المصنف"تتمة" لو لم يجد من فرضه التيمم الصعيد إلا بالثمن لزمه شراؤه كما يلزمه شراء الماء
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد حديث 522.

بالثمن المعتاد الذي لم يحتج له، كما يلزمه قبوله ممن وهبه له لا قبول ثمنه ويلزمه طلبه لكل صلاةٍقال خليل: بالعطف على ما يلزمه وقبول هبة ما لا ثمن له وقرضه وأخذه بثمنٍ اعتيد لم يحتج له وإن بذمته وطلب لكل صلاةٍ وإن توهمه لا تحقق عدمه طلبًا لا يشق به، ويفهم من قول خليلٍ عند كل صلاةٍ أنه لا يجب على المسافر ولا على نحو الحصاد استصحاب الماء وإنما يستحب فقط والله أعلمولما فرغ من الكلام على ما يصح التيمم عليه شرع في بيان صفته فقال: "يضرب بيديه الأرض" جملة مستأنفة استئنافًا بيانيا فهي واقعة في جواب سؤالٍ نشأ من قوله: والتيمم بالصعيد الطاهر تقديره كيف يفعل؟ فقال: يضرب بيديه الأرض فلو لم يكن له يد تيمم بغيرها من أعضائه فإن عجز استناب فإن لم تمكنه الاستنابة مرغ وجهه فإن عجز أومأ إلى الأرض بوجهه ويديه كما قال القابسي في المربوط المعلق بين السماء والأرض، والمراد بالضرب وضع يديه على الصعيد مسميًا ناويًا استباحة الصلاة وهذا الوضع فرض فلو لاقى بيديه الغبار من غير وضعٍ لا يكفي لأن الوضع مقصود لذاته ولو لم يتعلق بيديه شيء من التراب لما قدمنا من صحة التيمم على الصخور والحجارة التي لا غبار عليها"فإن تعلق بهما شيء" من غبار الأرض "نفضه" استحبابًا "نفضًا خفيفًا" لئلا يؤذي المتعلق وجه المتيمم، ولا يقال: من سنن التيمم نقل ما تعلق باليدين إلى العضو فكيف يستحب نفضهما؟ لأنا نقول: المراد بالنقل الذي هو سنة عدم مسحهما بشيءٍ قبل ملاقاة العضو، ولذا لو مسح بهما على شيءٍ قبل أن يمسح بهما وجهه ويديه صح تيممه وإنما فاته السنة ولو كان المسح قويا، واعلم أنه لا بد من النية عند وضع اليدين على الأرض كما ذكرنا فلو أخرها لوجهه لم يصح تيممه، ونية الوضوء عند فعل أول واجبٍ لا عند أخذ الماء ولعل الفرق ضعف الفرع، وينوي فرض التيمم أو استباحة الصلاة من الحدث ويلاحظ الأكبر إن كان، فإن نوى استباحة الصلاة ولم يتعرض للأكبر وصلى أعاد صلاته أبدًا بعد تيممه بنية رفع الحدث الأكبر، ولو كان عدم التعرض سهوًا أو نسيانًا ولا ينوي رفع الحدث وظاهر إطلاق أهل المذهب ولو على المقابل فكيف بالمشهور القائل بأن التيمم مبيح لا رافع للحدث، ويستحب أن يعين الصلاة التي يريد فعلها من فرضٍ أو نفلٍ أو هما على العموم لاستباحة مطلق صلاة الصادق بالفرض وحده أو النفل وحده فيصلي به النفل لا الفرض، لأن الفرض يحتاج إلى نيةٍ تخصه، فيكون كمن نوى النفل فلا يصلي به الفرض.

ومثله من نوى بتيممه صلاة فرضٍ مطلقٍ ثم ذكر فائتةً فإنه لا يصليها بذلك التيمم لأنه تيمم لها قبل وقتها، وكمن نوى بتيممه فرضًا معينًا فلا يصلي به غيره بخلاف من نوى بتيممه مطلق فرضٍ فإنه يصلي به ما حضر وقته من ظهرٍ أو عصرٍ أو المتقدم منهما، وقدمنا أن من واجباته الموالاة بين أفعاله وبينه وبين ما فعل له فيبطل بعدم الموالاة ولو عجزًا أو نسيانًاقال في المدونة: ومن فرق تيممه وكان أمدًا قريبًا أجزأه وإن تباعد ابتدأ تيممه، لأن كل ما يطلب فيه الموالاة يغتفر فيه التفريق اليسير "ثم" بعد نفض يديه من الغبار "يمسح بهما وجهه كله مسحًا" خفيفًا فلا يتتبع أسارير الجبهة وكذا سائر غضون الوجه، وإنما يتتبع الوترة وحجاج العينين والعنفقة ما لم يكن عليها شعر، ويمر يديه على شعر لحيته الطويلة كثيفةً أو خفيفةً ولا يخللها ويبلغ بهما حيث يبلغ بهما في غسل الوجه "ثم" بعد الفراغ من مسح وجهه يسن أن "يضرب بيديه الأرض" ضربةً ثانيةً تقوي ما بقي من أثر الضربة الأولى "فيمسح" وجوبًا والمستحب في صفة المسح أن يمسح "يمناه بيسراه" وذلك بأن "يجعل أصابع يده اليسرى" غير الإبهام "على أطراف أصابع اليد اليمنى" سوى الإبهام "ثم يمر أصابعه على ظاهر يده" يعني كفه سوى الإبهام "و" على ظاهر "ذراعه و" الحال أنه "قد حنى عليه" أي على ظاهر ذراعه دون كفه "أصابعه" ويستمر يمسح "حتى يبلغ المرفقين" تثنية مرفقٍ، ولعل المصنف قصد بيان غاية المسح بالنسبة لليدين وإلا كان يقول المرفق بلفظ الإفراد لأن كل يدٍ لها مرفق واحد وهو ما يتكئ عليه الإنسانوقيد مرور الأصابع على الذراع بالإنحاء ليتحقق مسح جانبي ذراعه في حال مسح ظاهره، وأما ظاهر الكف فالأصابع فوقه وغيا بحتى للإشارة إلى دخول المرفقين في المسح، لأن الأصح دخول الغاية مع حتى بخلاف إلى، واختلف في المسح من الكوع إلى المرفق بعد الاتفاق على وجوبه للكوعين فقيل سنة وقيل واجب، وعلى كل لو اقتصر على كوعيه فصلى فإنه يستحب له الإعادة في الوقتويجب عليه في حال مسح يديه نزع خاتمه المأذون له في اتخاذه كأساور المرأة ولو اتسع ما ذكر ليمسح ما تحته ويخلل أصابع يديه، ويكفي تخليل واحدٍ بعد تمام التيمم وإن كان الأفضل تخليل كل عند مسحها، ويكون التخليل بباطن الأصابع لا بأجنابها لعدم مسحها للتراب، وفهم من كلام المصنف أنه يمسح بيديه وهو كذلك والعاجز يجب عليه الاستنابة"ثم" بعد الفراغ من ظاهر اليمين بتمام مرفقها "يجعل كف يده اليسرى" والمراد كف اليد لا

أصابعها لأنه قد مسح بها الظاهر، وإنما قال يجعل يده ولم يضمر بأن يقول ثم يجعلها كما هو الصناعة العربية، لأن الكلام في المسح باليسرى لئلا يتبادر إلى الذهن أصابعها لأنه قال أولًا: يجعل أصابع يده اليسرى وهو غير صحيحٍ كما علمت "على باطن ذراعه" الأيمن مبتدئًا له "من طي مرفقه" حال كونه "قابضًا عليه" أي على باطن ذراعه ويكون في حال قبضه في مسحه رافعًا إبطه "حتى يبلغ الكوع من يده اليمنى" وهو رأس الوتد لما يلي الإبهام، ولولا إرادته زيادة الإيضاح لقال منها، ويعلم أن الضمير لليمنى لأن الكلام فيها"ثم" بعد الفراغ من مسح باطن ذراعه "يجري" أي يمر "باطن بهمه" أي إبهامه من يده اليسرى "على ظاهر بهم يده اليمنى" لأنه إنما مسح أولًا ظاهر كفه سواه قال العلامة ابن ناجي: ما ذكره المصنف من ترك مسح الإبهام مع مسح الكف وإمرار البهم عليه بعد ذلك هو لابن الطلاع وظاهر الروايات خلافه، وأنه يمسح ظاهر إبهامه اليمنى مع مسح ظاهر أصابعها وهو ظاهر الكف، وظاهر قول المصنف أو صريحه حتى يبلغ الكوع أنه لا يكمل مسح اليمنى قبل اليسرى بل يبقي باطن الكف وهو قول مطرفٍ وابن الماجشون، والذي عليه العلامة خليل وطريقة الأكثر أنه لا ينتقل إلى اليسرى حتى يمسح باطن الكف من اليمنى إلى آخر الأصابع، ولفظ خليلٍ: وبدأ بظاهر يمناه بيسراه إلى المرفق ثم يمسح الباطن لآخر الأصابع ثم يسراه كذلكوفسرنا البهم بالإبهام لما قاله الفاكهاني: لا أعلم أحدًا من أهل اللغة قال في الأصبع المعروف بهمًا وإنما يقولون إبهامًا، وإنما البهم بفتح الباء وسكون الهاء جمع بهيمةٍ وهي أولاد الضأن، وأما البهم بضم الباء وفتح الهاء جمع بهمةٍ وهي الشجعان، إلا أن يقال: المصنف أكثر اطلاعًا من الفاكهاني، والاعتراض يتوقف على الإحاطة بسائر اللغة وهذا متعسر أو متعذر"ثم" إذا فرغ من مسح اليد اليمنى إلى آخر الأصابع على طريق الأكثر ينتقل "مسح" اليد "اليسرى باليمنى هكذا" أي على الصفة المتقدمة في مسح اليمنى، فيجعل يده اليمنى على أطراف أصابع يده اليسرى غير الإبهام ثم يمر أصابعه على ظاهر كفه وذراعه وقد حنى عليه أصابعه حتى المرفقين ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه قابضًا عليه حتى بلغ الكوع ويجزئ باطن بهم اليمنى على ظاهر بهم اليسرى "فإذا بلغ الكوع" من يده اليسرى "مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه" أي أطراف الكف أراد به باطن الكف والأصابع، وصريح المصنف أن باطن كف اليمنى لم يمسح قبل الانتقال إلى اليسرى، واستحسنه بعض الشيوخ

ليبقى ما عليه من التراب، ولكن قد علمت مما قدمناه أن طريقة الأكثر وقول ابن القاسم أيضًا استكمل اليمنى قبل الشروع في اليسرى محافظةً على الترتيب المندوب بين الميامن والمياسر"فائدة" الكوع آخر الساعد وأول الكف وقيل العظم الذي يلي الإبهام، وأما الذي يلي الخنصر فهو الكرسوع والمتوسط بينها رسغ وهذا في اليد، وأما العظم الذي يلي إبهام الرجل فهو المسمى بالبوع، ولبعض أصحابنا: وعظم يلي الإبهام من طرف ساعدٍ هو الكوع والكرسوع من خنصرٍ تلا وما بين ذين الرسغ والبوع ما يلي لإبهام رجلٍ في الصحيح الذي انجلا "ولو" خالف الصفة المتقدمة و "مسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى كيف شاء وتيسر عليه و" الحال أنه قد "أوعب المسح" ولو بدأ من المرافق أو قدم مسح الباطن على الظاهر "لأجزأه" لأن الصفة المتقدمة مستحبة فقط، والفرض التعميم للوجه واليدين للكوعين وإلى المرفقين سنة، ولكن قول المصنف أوعب يوهم أنه إذا اقتصر على الكوعين لا يجزي، ويعيد صلاته أبدًا وليس كذلك لما قدمنا من أن المقتصر على كوعيه في المسح يعيد في الوقت، ويمكن الجواب بأن المراد بالإجزاء الذي لا إعادة معه فلا ينافي ما ذكرناهولما كان المحدث حدثا أكبر لا يستعمل من الماء إلا ما يعم جميع ظاهر جسده قال: "وإذا لم يجد الجنب أو الحائض الماء للطهر" لجميع ظاهر الجسد "تيمما وصليا" ولو وجدا ما يكفي مواضع الأصغر ويتيممان على التفصيل السابق، فالآيس أو المختار والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه والراجي أو المتيقن آخرهفإن قيل: المصنف قدم أن من لم يجد الماء فرضه التيمم كما نطق به القرآن بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43] فلأي شيءٍ نص على خصوص الحائض والجنب؟ فالجواب أنه قصد الرد على القائل: إن الذي يتيمم صاحب الحدث الأصغر أو الأكبر إن كان مريضًا أو مسافرًا كما هو ظاهر الآية، ودليل المشهور عموم {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] فإنه لم يقيد بمريضٍ ولا مسافرٍ، وخبر "عمار بن ياسرٍ أنه قال: أجنبت فتمعكت أي تمرغت في التراب كما تتمعك الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "إنما يكفيك لو فعلت بيديك هكذا" 1 ووصف له التيمم، أخرجه الشيخانوأما الحائض والنفساء فيتيممان اتفاقًا "فإذا وجد الماء" الكافي لهما "تطهرا ولم يعيدا ما
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الحيض باب: التيمم حديث 368.

صليا" بالتيمم لبراءة الذمة من العبادة بفعله، وإنما وجب عليهما الطهر لبقاء حدثهما لما مر من أن التيمم مبيح للعبادة فقط أو رافع رفعًا مقيدًا، ومحل عدم الإعادة لما صلياه بالتيمم ما لم يحصل منهما تقصير في طلب الماء كواجده بقربه أو رحله، أو تيمما لخوف لصوصٍ أو سباعٍ وتبين عدمهما كما مر،
وأشعر قوله: ولم يعيدا ما صليا أن وجود الماء بعد صلاتيهما بالتيمم، وأما لو وجدا الماء قبل الصلاة فإن كان الوقت متسعًا للغسل والصلاة ولو ركعةً في الوقت الذي هما فيه فإن التيمم يبطل، وأما إن وجداه بعد الدخول فيها وقبل فراغها ولو اتسع الوقت أو قبل الدخول فيها ولكن لم يتسع الوقت للغسل وإدراك ركعةٍ فإنهما يصليان بالتيمم. قال العلامة خليل: وبطل بمبطل الوضوء وبوجود الماء قبل الصلاة لا فيها إلا ناسيه فيقطع إن كان متسعًا وإلا فلا"فائدة": لو كان الماء مشتركًا بين اثنين مثلًا ولا يكفي إلا أحدهما فإن كانا موسرين واتحد حدثهما فإنهما يتقاومان الماء حيث كان يكفي كل واحدٍ على انفراده، فمن بلغه الثمن اللازم شراؤه به وهو الثمن المعتاد اختص به، وإن اختلف حدثاهما اختص به صاحب الأشد كالجنب على صاحب الحدث الأصغر، وكالحائض على الجنب، وكالنفساء على غيرها، وأما لو كانا معدمين لكان لهما بيعه والتساهم عليه فمن خرج له استعمله، وأما لو كان الموسر أحدهما لوجب عليه بذل ثمن حصة شريكه المعدم إلا أن يكون يحتاج لها لنحو شربه، كما لو كان الماء لا يكفي إلا أحدهما لنظافة أعضائه دون شريكه فيختص به دون شريكه، هذا ملخص ما قاله الأجهوري عند قول خليلٍ: وقدم ذو ماءٍ مات ومعه جنب إلا لخوف عطشٍ ككونه لهما وضمن قيمتهولما كان التيمم يقوم مقام الماء في نحو العبادات وخرج عن ذلك من انقطع حيضها وكان فرضها التيمم فلا تحل لزوجها به دون الغسل قال: "ولا" يجوز أن "يطأ الرجل امرأته" أو أمته ولو كافرةً "التي انقطع عنها دم حيضٍ أو نفاسٍ بالطهر بالتيمم" لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أي بالماء {فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] الآيةقال خليل: في الحيض ومثله النفاس، ومنع صحة صلاةٍ وصومٍ ووجوبهما وطلاقًا وبدء عدةٍ ووطء فرجٍ أو تحت إزارٍ ولو بعد نقاءٍ وتيممٍ، اللهم إلا أن يتضرر الزوج من ترك الوطء ويتعذر على المرأة الطهر بالماء فإنه يجوز له وطء من رأت علامة الطهر بالتيمم الجائز لهاومفهوم الوطء يقتضي أن الاستمتاع بها بغيره يجوز وليس على إطلاقه بل على تفصيلٍ

محصله أن الاستمتاع بما بين السرة والركبة ولو من فوق حائلٍ حرام، فأما ما خرج عن ذلك المحل فلا حرج فيه ولو وطئ لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحائض تشد إزارها وشأنك بأعلاها" 1 قال ابن القاسم: شأنه بأعلاها أي يجامعها في أعكانها وبطنها أو ما شاء مما هو أعلاها ولو جبرها على الغسل، ويحل له وطؤها عقبه ولو مع الجبر ولو لم تنو رفع الحدث لأنه حل الوطء لا لرفع حدثٍ ولذلك قلنا ولو كافرةً، والغسل الذي يحتاج إلى نيةٍ هو الغسل الرافع للحدث، وكذلك إذا أسلمت الكتابية بعد ذلك الغسل أو أرادت المسلمة التي اغتسلت بالإكراه ولم تنو رفع حدثها الصلاة وجب عليهما الغسل لرفع حدثها،
يستمر منع وطء من كانت حائضًا "حتى يجد" الزوج وفي نسخةٍ حتى يجدا "من الماء ما تتطهر به المرأة" من حيضها أو نفاسها "ثم ما يتطهران به جميعًا" لما تقرر من أنه لا يجوز للشخص أن يدخل على نفسه الحدث بإبطال طهارتهقال خليل: ومنع مع عدم ماءٍ تقبيل متوضئٍ وجماع مغتسلٍ إلا لطولٍ قال العلامة ابن عمر: يؤخذ من نسخة الإفراد أنه يجب على الزوج تحصيل الماء لطهارة زوجته وهو كذلك لأنه من جملة النفقة، وسواء كان الحدث أصغر أو أكبر ولو باحتلامها أو وطء الغير لها على جهة الغلط، كما يجب عليه تحصيله لشربها ولو بالثمن في الجميع"تنبيهان" الأول: من علم من زوجته أنه إن وطئ ليلًا لا تغتسل زوجته إلا نهارًا والحال أنه لا يمكنه الوطء إلا ليلًا فإنه يجوز له الوطء ويأمرها أن تغتسل ليلًا فإن خالفت فقد أدى ما عليه ومن علم من زوجته أنها لا تغتسل إن جامعها فهل يجوز له وطؤها أو يجب طلاقها؟ فالمشهور أنه يجوز له وطؤها ويأمرها بالغسل ولو بالضرب مع ظن الإفادة، فإن لم تفعل عصت ولا يجب طلاقها خلافًا لبعضهم، وإنما يستحب فراقها فقط كاستحباب فراق الزانية ومن كانت على بدعةٍ محرمةٍالثاني: لم يتكلم المصنف على من لم يجد ماءً ولا صعيدًا أو وجد ولا يستطيع الاستعمال لا بنفسه ولا بنيابةٍ ولو من فوق حائلٍ فقال مالك: تسقط عنه الصلاة أداءً وقضاءً، وقال غيره: يؤدي ولا يقضي، وبعضهم عكسه، ولبعضٍ يؤدي ويقضي، والراجح الأول واقتصر عليه خليل حيث قال: وتسقط صلاة وقضاء بعدم ماءٍ وصعيدٍ، ووجه قول مالكٍ أن الطهارة عنده شرط في
ـــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ 1/57 حديث 124, والدارمي حديث 1032 والبيهقي في الكبرى 7/191, حديث 13859, وقال: هذا مرسل.

صحة العبادة ووجوبها مطلقًا، وأما لو قدر على التيمم من فوق حائلٍ لوجب عليه ولا تسقط عنه، ويدخل في قولنا: أو وجد ولا يستطيع الاستعمال إلخ المريض والمكره على ترك الصلاة وعلى ترك استعمال الماء والتراب حتى يخرج الوقت الضروري، وأما المكره على ترك الصلاة فقط فإنه يجب عليه القضاء إن كان متمكنًا من الطهارة ولو بالتيمم ويصلي ولو بالإيماء أو بالإشارة، هذا هو تحرير المسألة والله أعلم"وفي باب جامع الصلاة" الآتي في كلامه "شيء من مسائل التيمم" كمسألة المريض التي أشار إليها خليل بقوله: ولمريضٍ حائط لبنٍ أو حجرٍ حيث لم يكن مكسوا بالجير ولا مستورًا بنحو التبن، والمراد بالحجر الجبلي لا الآجر لأنه مطبوخ بالنار لا يصح التيمم عليهولما أنهى الكلام على الطهارة البدلية ولو عن جميع الجسد، شرع في النائبة في بعض الأعضاء بقوله:

باب في بيان صفة وحكم المسح على الخفين
ولم يعرفه ابن عرفة، ويؤخذ من كلامه حده بأنه إمرار اليد المبلولة في الوضوء على خفين ملبوسين على طهارةٍ مائيةٍ تحل بها الصلاة بدلًا عن غسل الرجلين ومسح الخفين1 رخصة كما سيصرح به في باب جملٍ وحقيقة الرخصة ما شرع على وجه التخفيف والتسهيل، وعرفها بعضهم بأنها الحكم الشرعي المتغير من صعوبةٍ لسهولةٍ لعذرٍ مع قيام السبب للحكم الأصلي، والحكم خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على رأي الأكثر، فلا تشرع في حق غير المكلف على طريقة الأكثر، وذكر بعض العلماء أن المختص بالمكلف من الحكم الوجوب والحرمة، وأما الندب والإباحة والكراهة فتتعلق حتى بغير المكلف، وعلى هذا فتجري هذه الرخصة وما شابهها من نحو قصر الصلاة حتى في قصر الصبي لأن الصلاة في حقه مندوبة، بل قد يقال: إن
ـــــــ
1 المسح لغة مصدر مسح ومعناه: إمرار اليد على الشيء بسطاوالمسح على الخفين: إصابة البلة لخف مخصوص في محل مخصوص وزمن مخصوصوالأصل في المسح على الخفين الجواز والغسل أفضل عند جمهور الفقهاء وهو رخصة من الشارع والله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تجتنب نواهيهوعند الحنابلة: الأفضل المسح على الخفين أخذا بالرخصة ولأن كلا من الغسل والمسح أمر مشروع وقد يجب المسح على الخفين كأن خاف فوت عرفه أو إنقاذ أسير أو انصب ماؤه عند غسل رجليه ووجد بردا لا يذوب يمسح به أو ضاق الوقت ولو اشتغل بالغسل لخرج الوقت أو خشي أن يرفع الإمام رأسه من الركوع الثاني في الجمعة أو تعين عليه الصلاة على ميت وخيف انفجاره لو غسل أو كان لابس الخف بشرطه محدثا ودخل الوقت وعنده ما يكفي المسح فقط أنظر الموسوعة الفقهية 37/261- 271.

الصبي أحق بالتخفيف من غيره وحكم هذه الرخصة الإباحة، وقد تغير الحكم هنا من صعوبةٍ وهي وجوب غسل الرجلين لسهولةٍ وهي جوازه والعذر مشقة النزع واللبس، والسبب للحكم الأصلي كون العضو قابلًا للغسل وممكنًاولا يقال: كيف تكون الرخصة هنا مباحة مع وجوب المسح؟ لأنا نقول: وجوب المسح إنما هو حيث أراد عدم غسل الرجلين، وأما قبل ذلك فهو جائز إذ له فعله وفعل غسل الرجلين، وهكذا حكم كل فعلين يجب أحدهما لا بعينه، فإنه حيث لم يرد واحدًا بعينه يكون كل جائزًا وعند إرادة أحدهما لا بعينه يكون واجبًا، والمراد بالوجوب هنا ما تتوقف صحة العبادة عليه حتى يشمل الصبي، والدليل على ما قلنا من إباحة المسح قول المصنف: "وله" أي للابس الخف على طهارةٍ تحل بها الصلاة وانتقضت وأراد الوضوء "أن يمسح على الخفين" ومثلهما الجوربان والجورب1 ما وضع على شكل الخف من قطنٍ أو كتانٍ وجلدٍ ظاهره وهو ما يلي السماء وباطنه وهو ما يلي الأرض "في" زمن "الحضر والسفر" المباح وغيره لما تقرر في المذهب من أن الرخصة التي تباح في الحضر لا يشترط في جواز فعلها في السفر إباحة كأكل الميتة للمضطر، ولا يتقيد زمان المسح عليهما بزمنٍ خاص بحيث يجب نزعهما بانقضائه بل يجوز له المسح عليهما ولو طال الزمن ولم يحصل له موجب غسلٍ "ما لم ينزعهما" أو أحدهما من غير مبادرةٍ إلى غسل رجله على حكم الموالاة فتبطل طهارته، وإذا توضأ فليس له أن يمسح عليهما في ذلك الوضوءقال العلامة خليل: وإن نزعهما أو أحدهما بادر للأسفل كالموالاة الناسي يبني مطلقًا والعاجز والعامد حيث لا طول، والأصل في مشروعية المسح فعله صلى الله عليه وسلمقال الحسن البصري رضي الله عنه: حدثني سبعون رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يمسح على الخفين" وإنما فعله عليه الصلاة والسلام ورخص فيه لما يلحق الشخص من المشقة عند خلعه في كل طهارةٍ، والدليل على عدم تجديد مسحه بغايةٍ خبر: "إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما ما لم تنزعهما" وهذا هو المحفوظ عن مالكٍ رضي الله تعالى عنه، وهذا لا ينافي استحباب نزعهما في كل جمعةٍ لغسلهاـــــــ
1 الجورب هو ما يلبسه الإنسان في قدميه سواء كان مصنوعا من الصوف أو القطن أو الكتان أو نحو ذلك. وقد ذهب جمهور الفقهاء على جواز المسح على الجوربين في حالتين: 1- أن يكون الجوربان مجلدين يغطيهما الجلد لأنهما يقومان مقام الخف في هذه الحالة 2- أن يكون الجوربان منعلين أي لهما نعل وهو يتخذ من الجلد وفي الحالتين لا يصل الماء إلى القدم لأن الجلد لا يشف الماء أنظر الموسوعة الفقهية 37/271.

"تنبيه": علم مما قررنا أنه لا مفهوم للخفين بل مثلهما الجرموقان وهما خفان غليظان لا ساقين لهما، والجوربان وهما على شكل الخف إلا أنهما من نحو قطنٍ أو غيره وجلدٍ ظاهرهما وباطنهما كما قدمنا، ولا مفهوم لما ذكرنا أيضًا من اتخاذ الملبوس في كل رجلٍ بل لو لبس في كل رجلٍ خفين أو جوربين أو لبس صحفًا فوق جوربٍ أو لبس في رجلٍ ثلاثةً وفي رجلٍ أقل حيث لبس الأعلى على طهرٍ كالأسفل لا إن لبس الأسفلين على طهرٍ ثم أحدث ثم لبس الأعليين قبل أن يتوضأ فليس له المسح على الأعليين"وذلك" أي جواز المسح على الخفين مشروط بما "إذا أدخل" الماسح "فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوءٍ" أو غسلٍ يرتفع به الحدث الأكبر والأصغر بحيث "تحل به الصلاة" وتعبيره بالغسل يؤخذ منه اشتراط لبسهما على طهارةٍ وكونها مائيةً، ويؤخذ من قوله: تحل به الصلاة أنه لبسهما بعد كمالهما، وزيد رابع وهو أن لا يكون عاصيًا بلبسه كالمحرم الذي لم يضطر، وخامس وهو أن يكون لبسهما لضرورة حر أو بردٍ أو خوف عقارب أو لدفع مشقة النزع عند الوضوء أو اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو لعادةٍ ككونه من الجند أو غيرهم من نحو القضاة لا إن لبسهما للترفه والعظمة أو فعل في رجليه حناء مثلًا لغير ضرورةٍ ولبسه ليمسح لئلا تزول بالغسل فلا يمسح، والحاصل أن الشروط أحد عشر، خمسة في الماسح وقد علمتها وأشار لها خليل بقوله: بطهارة ماءٍ كملت بلا ترفهٍ وعصيانٍ بلبسه أو سفرٍ على مسامحةٍ في السفر، وستة في الممسوح وهي أن يكون جلدًا طاهرًا مخروزًا ساترًا لمحل الفرض فلو نقص عنه لم يجز المسح عليه، وكذا لو كان مخروقًا قدر ثلث القدم لا أقل إن التصق وأن يمكن تتابع المشي به، والسادس أن لا يكون على الخف حائل فإن مسح فوق الحائل كان كمن ترك مسحه فتبطل صلاته إن كان بأعلاه ويعيدها في الوقت إن كان بأسفله"فهذا" الذي أدخل رجليه في الخفين الموصوفين بالشروط المتقدمة هو "الذي إذا أحدث" بعد تلك الطهارة حدثًا أصغر "وتوضأ مسح عليهما" ومعنى توضأ أراد أن يتوضأ يمسح عليهما "وإلا" بأن أدخلهما على غير طهارةٍ أو على طهارةٍ ترابيةٍ أو مائيةٍ ناقصةٍ بأن لبسهما بعد غسل رجليه منكسًا أو كان مترفهًا بلبسه أو لم يكن الخف جلدًا "فلا" يمسح عليهما إذا أراد الوضوءثم شرع في صفة المسح فقال: "وصفة المسح" على الخفين الكاملة "أن يجعل" الماسح "يده اليمنى" حال المسح على ظهر رجله اليمنى "من فوق الخف" مبتدئًا "من طرف" بتحريك الراء "الأصابع" من رجله اليمنى "و" يجعل "يده اليسرى من تحت ذلك" الموضع الذي بدأ منه

"ثم" بعد أن يفعل ذلك "يذهب" أي يمر "بيديه" ماسحًا "إلى حد" أي منتهى "الكعبين" أي الناتئين بطرف الساقين ويدخلهما في المسح كما يدخلهما في غسل الوضوء لأن المسح بدل عن الغسل، ويكره تتبع غضونه وهي تجعيداته لأن المسح مبني على التخفيف ويكون المسح مرةً واحدةً فلا يكررهقال خليل: وكره غسله وتكراره وتتبع غضونه"وكذلك يفعل ب" رجله "اليسرى" مثل ما فعل باليمنى من البداءة من طرف الأصابع والمرور باليدين إلى آخر الكعبين. "و" لكن هنا "يجعل يده اليسرى من فوقها و" يجعل "اليمنى من أسفلها" عكس وضعهما عند مسح اليمنى لأنه أمكن وهذا قول مطرفٍ وابن الماجشون، وقال ابن شبلون: الوضع في مسح اليسرى كالوضع في مسح اليمنى على ظاهر المدونة، وصدر به خليل حيث قال: ووضع يمناه على طرف أصابعه ويسراه تحتها ويمرهما لكعبيه، وهل اليسرى كذلك أو اليسرى فوقها تأويلان"تنبيهات" الأول: ما ذكره المؤلف من طلب الجمع بين مسح أعلى الخف وأسفله متفق عليه، وإنما اختلفوا في الجمع بينهما على أقوالٍ: مشهورها يجب مسح الأعلى ويستحب مسح الأسفل، وقيل: مسح الأسفل واجب غير شرطٍ لقول خليلٍ: وبطلت إن ترك أعلاه لا أسفله ففي الوقت وترك البعض كترك الكل
الثاني: إذا جفت يده في حال المسح في أثناء الرجل كما مسحها بغير تجديدٍ وجدد للرجل الأخرى، وليس مسح الخفين كمسح الرأس في الوضوء في وجوب التجديد له ولو جفت يده في أثنائه، لأن الرأس هو المطهر فيحب أن يجدد له الماء، بخلاف الخف فإنه ليس المطهر وإنما المطهر الرجل فلا معنى لإيصال الماء إلى محل لا يتطهر، وإنما طلب الشارع نقل الماء إليه أو أن تجديد الماء للخف يؤدي إلى إتلافه وإضاعة المال منهي عنهاالثالث: قال الجزولي: يطلب من الماسح بعد فراغه من مسح يمناه غسل يده اليسرى التي مسح بها أسفل خفه لأنه لا يأمن أن يتعلق بها ما ينجس خف اليسرىولما تقدم أن من جملة الشروط عدم الحائل قال: "ولا" يجوز أن "يمسح على طينٍ في أسفل" أو أعلى "خفه أو" أي ولا على "روث دابةٍ" كالفرس والحمار "حتى يزيله بمسحٍ" ولو بطينٍ أو خرقةٍ تزيل العين. "أو غسلٍ" ليقع المسح على الخف الطاهر، وإنما اكتفي هنا بالمسح المزيل للعين رفقًا بصاحب الخف فهو من جملة ما يعفى عنه لعسر الاحتراز. قال خليل في المعفوات: وخف ونعل من روث دواب وبولها إن دلكًا لا غيره، وهذا هو الذي رجع

إليه مالك حيث كان المحل تكثر فيه الدواب، وأفهم كلامه أن غير الطين والروث المذكور كبولٍ أو عذرة الآدمي لا يكفي فيه المسح، بل لا بد له من غسله بالماء المطلق حيث يصح المسح عليه، فإن مسح على الطين أو الروث فإن كان بأعلى الخف كانت صلاته باطلة ولو كان الحائل طاهرًا لأنه بمنزلة من ترك أعلاه، وإن كان بأسفله فيعيد في الوقت إن كان الحائل طينًا، وإن كان روثًا نجسًا أعاد أبدًا مع العمد وفي الوقت مع العجز أو النسيان، وبما ذكرنا علمت أنه لا مفهوم لأسفل الخف وإنما اقتصر عليه لأن الغالب أن نحو الطين والروث إنما يصيبان الأسفلوأشار إلى صفةٍ أخرى للمسح بقوله: "وقيل يبدأ في مسح أسفله من الكعبين" منتهيًا "إلى أطراف الأصابع" والموضوع أنه يضع يمناه على ظهر الرجل اليمنى واليسرى فيها الخلاف السابق، وعلة الابتداء في مسح أسفله من الكعبين "لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من رطوبة ما مسح من خفيه من القشب" إن ابتدأ من طرف الأصابع وسكت عن ابتداء المسح من أعلاه إشارةً إلى أنه من طرف الأصابع كالصفة الأولى قال العلامة ابن عمر: في صفة المسح أقوال: إما يبدأهما معًا من الأصابع إلى الكعبين أو يبدأهما معًا من الكعبين إلى الأصابعوقيل: يبدأ بأعلى الخف من الأصابع، وأسفله من الكعبين إلى الأصابع، ولفظ ابن عرفة: وفي صفته بعد زوال طينه ست الكافي وكيفما مسح أجزأه فلا نطيل ببسط باقي الصفات، وأما قوله: "وإن كان في أسفله أو أعلاه طين" أو نحوه "فلا يمسح" على الخف "حتى يزيله" فهو مستغنًى عنه بما قدمناه من قوله: ولا يمسح على طينٍ في أسفل خفه حتى يزيله بمسحٍ أو غسلٍ، وقد قدمنا أنه إن مسح عليه يكون كترك المسح فيبطل إن كان بأعلاه ويعيد في الوقت إن كان بأسفله"تنبيه": ينتهي حكم المسح بحصول موجب غسلٍ كحيضٍ أو جنابةٍ وبخرقٍ كبيرٍ وهو قدر ثلث القدم أو دونه إن انفتح بحيث يصل البلل إلى الرجل فيجب عليه نزع خفيه معًا ويغسل رجليه ولا يعيد الوضوء وإن كان في صلاةٍ بطلت، ومثل خرقٍ كبيرٍ نزع أكثر قدم رجله على ما قال في الجلاب والإرشاد وشهره في المعتمد، واقتصر عليه خليل في مختصره حيث قال: وبنزع أكثر رجلٍ لساق خفه لا العقب وإن كان المفهوم من المدونة خلافه، وإن نزع أكثر الرجل لا يضر وإنما المضر إخراج كل الرجلقال فيها: وإن أخرج جميع قدمه إلى ساق خفه وكان قد مسح عليهما غسل مكانه فإن أخر

ذلك ابتدأ الوضوء، ولا يخفى أن ما يفهم من المدونة مقدم على تشهير صاحب المعتمد انظر الأجهوري على خليلٍ"خاتمة" لأبواب الطهارة البدلية: لم يتعرض ابن أبي زيدٍ رحمه الله تعالى في رسالته إلى مسح الجبائر مع أن بيانها أهم من غيرها. ومحصل ما يتعلق بها على وجه الاختصار أن الموضع المجروح أو الذي يتألم صاحبه بمسه ولم يكن مجروحًا إن خاف بغسله مرضًا أو زيادته أو تأخر برءٍ كالخوف المجوز للتيمم فإنه يمسح عليه وجوبًا إن خاف هلاكًا، أو شديد أذًى وندبًا إن خشي دون ذلك، فإن لم يستطع مباشرته بالمسح مسح على جبيرته وهو الدواء الذي يجعل عليه، فإن لم يستطع مسح على الخرقة ولو انتشرت وخرجت عن محله حيث احتيج إلى ذلك ولا يشترط لبسها على طهارةٍ، ومثل الجرح الرمد فلا يتيمم الأرمد بحالٍ بل يمسح ولو على الرفراف، وهذا كله إن صح جل جميع جسده إن كان حدثه أكبر أو جل أعضاء الوضوء إن كان أصغروالمراد بالجل ما فوق الأقل فالنصف من الجل أو أقل الصحيح وهو أكثر من يدٍ أو رجلٍ، والحال أن غسل الصحيح لا يضر الجريح في جميع ذلك فإنه يغسل الصحيح ويمسح على الجريح، وأما لو عمت الجراحات جميع الجسد أو أعضاء الوضوء أو كان غسل الصحيح يضر الجريح أو أقل الصحيح جدا بأن كان كيدٍ أو رجلٍ ولو لم يضر غسل الصحيح الجريح ففرضه التيممقال خليل: إن خيف غسل جرحٍ كالتيمم مسح ثم جبيرته ثم عصابته إن صح جل جسده أو أقله ولم يضر غسله وإلا ففرضه التيمم كأن قل جدا كيدٍ فلو تحمل المشقة وغسل الجميع أجزأ، بخلاف لو غسل الصحيح ومسح على الجريح فلا يجزئ، لأنه لم يأت بالأصل ولا بالبدل، وهذا التفصيل عند إمكان مس الجراحات ولو من فوق حائلٍ، وأما لو تعذر مسها بسائر الوجوه بأن لا يستطيع مسها لا بالماء ولا بالتراب لا مباشرةً ولا بحائلٍ، فإن كانت بأعضاء التيمم سقط محلها ويفعل ما سواها من غسلٍ أو مسحٍ في الوضوء أو الغسل، وأما لو كانت بغير أعضاء التيمم فأربعة أقوالٍ: يتيمم مطلقًا، يغسل الصحيح مطلقًا، ثالثها: يتيمم إن كثرت الجراحات ويغسل ما سواها إن قلت وكثر الصحيحوالرابع: يجمعها ويقدم الغسل ويؤخر التيمم ليتصل بالصلاة ولما فرغ من الكلام على الوسيلة وهي الطهارة بسائر أنواعها: أصلية وبدلية عامة وخاصة، شرع في الكلام على مقصدها وهو الصلاة مبتدئًا بأوقاتها لأنها سبب لوجوبها والسبب يقدم على المسبب بقوله:

باب في بيان معرفة أوقات الصلاة
والأوقات جمع وقتٍ وهو الزمان المقدر للمؤدي شرعًا مطلقًا أي سواء كان موسعًا كأوقات الصلوات أو مضيقًا كأوقات الصوم فإنها مضيقة باعتبار الفعل لأنه بمجيء زمنه لا يتأخر عنه بخلاف الصلاة يجوز تأخيرها إلى أثناء الوقت، والزمان لغةً المدة من الليل أو النهار، واصطلاحًا مقارنة متجددٍ موهومٍ لمتجددٍ معلومٍ إزالةً للإبهام من الأول بمقارنته للثاني كما آتيك عند طلوع الشمسقال المازري: إذا اقترن خفي بجلي سمي الجلي زمانًا نحو: جاء زيد طلوع الشمس، فطلوع الشمس زمان المجيء إذا كان الطلوع معلومًا، والمجيء خفيا ولو خفي الطلوع على ضريرٍ أو مسجونٍ مثلًا وقلت له: تطلع الشمس عند مجيء زيدٍ لكان المجيء زمن الطلوعوالصلاة مشتقة من الدعاء لاشتمالها عليه، هذا ما عليه أكثر أهل العربية والفقهاء، وقيل من الصلوين وهما عرقان، وقيل هما عظمات ينحنيان في الركوع والسجود، وقيل من الرحمة فهي في اللغة الدعاء، وشرعًا قال ابن عرفة: قربة فعلية ذات إحرامٍ وسلامٍ أو سجودٍ فقط، فتدخل سجدة لتلاوةٍ وصلاة الجنازة. وفرضت ليلة الإسراء في السماء وذلك بمكة قبل الهجرة بسنةٍ، بخلاف سائر الشرائع فإنها فرضت بالأرض وفرضها عليه عليه الصلاة والسلام وعلى أمته، وفي السماء دليل على مزيتها على غيرها من الفرائض، واختلف هل فرضت ركعتين وزيدت أو أربعًا وهو المشهور ثم قصرت قولان، وكان الفرض قبل ذلك ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي وفي بعض شراح منهاج الشافعية معزوا للرافعي: أن الصبح صلاة آدم، والظهر صلاة داود، والعصر صلاة سليمان، والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس، وأورد خبرًا في ذلك، ومعرفة أوقات الصلاة واجبة إجماعًا على جهة الكفاية عند القرافي فيجوز التقليد فيها وعلى العينية عند صاحب المدخل، ووفق بينهما بحمل كلام صاحب المدخل على معنى أنه لا يجوز للإنسان الدخول في الصلاة حتى يتحقق دخول وقتها لأنه يحرم التقليد فيه، وقد وردت في القرآن مبهمةً وبينتها السنةقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] الآية، فقد دلت الآية على ثلاثة أوقاتٍ: الظهر بدلوكها وهو ميلها عن كبد السماء، وعلى العشاء بغسق الليل، وعلى الصبح بقرآن الفجر، وقيل: دلت على الخمس فدلوكها على الظهر والعصر، وغسق الليل على المغرب والعشاء، وقرآن الفجر على الصبح، وقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ

تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] إلى قوله: {وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] فتمسون دلت على المغرب والعشاء، وتصبحون على الصبح، وعشيا على العصر، وتظهرون على الظهر"و" في بيان معرفة "أسمائها" لأن معرفتها واجبة كمعرفة أوقاتها لأن بها يقع التمييز، لأنه إذا لم يعين الصلاة في نيته كانت باطلةً ووجوب الصلاة معلوم من الدين بالضرورة، فالاستدلال على وجوبها من باب تحصيل الحاصل، فجاحد وجوبها أو ركوعها أو سجودها كافر يستتاب ثلاثةً أيامٍ فإن تاب وإلا قتل كباقي أركان الإسلاموشروطها ثلاثة أقسامٍ: قسم شرط في وجوبها فقط، وقسم شرط في صحتها فقط، والثالث شرط فيهما، فالأول اثنان: عدم الإكراه على تركها والبلوغ، وأما الثاني فخمسة: طهارة الحدث والخبث والاستقبال وترك الكثير من الأفعال وستر العورة مع القدرة عليه والإسلام، وأما الثالث فهو ستة: قطع الحيض والنفاس والعقل وبلوغ الدعوة ووجود الماء أو الصعيد وعدم النوم والسهو ودخول الوقت على قول غير القرافي، وأما على قوله فهو سبب يلزم من وجوده وجود خطاب المكلف بالصلاة ويلزم من عدمه عدم خطابه بها، وكلام القرافي هو الظاهروكل صلاةٍ لها وقتان: أداء وقضاء، ووقت الأداء ضروري واختياري، والاختياري إما وقت فضيلةٍ وإما وقت توسعةٍ، وسيأتي بيان كل ذلك بفضل الله، وبدأ ببيان وقت الصبح لأنها أول صلاة النهار فقال: "أما صلاة الصبح" بالإضافة البيانية أي التي هي الصبح "فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة" على ما قاله مالك "وهي صلاة الفجر" وصلاة الغداة فلها أربعة أسماءٍ: الصبح والوسطى والفجر والغداة، وحينئذٍ فإضافة صلاةٍ إلى تلك الألفاظ من قبيل إضافة المسمى إلى اسمه، فالصلاة هي المسمى وما بعدها الاسم، وسميت بذلك لوجوبها عند الصبح، والصبح والصباح هو أول النهار، والغداة لوجوبها أول النهار وهو يسمى غدوةً وغداةً، وسميت وسطى إما لتوسطها بين أربعٍ مشتركاتٍ: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهي مستقبلة، وقيل معنى الوسطى الفضلى ولذلك حث الله عليها بقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] مشتق من الصباح هو البيان لأنها تجب بأول النهار، وأما حرف فيه معنى الشرط، والفاء الداخلة على ضمير الفصل زائدة لأن جواب الشرط هو قوله: "فأول وقتها" المختار "انصداع" أي انشقاق "الفجر المعترض" أي المنتشر "بالضياء في أقصى" أي أبعد "المشرق" ويقال له الفجر الصادق، وأقصى المشرق موضع طلوع الشمس، وقوله في أقصى يحتمل تعلقه بانصداع

فيفيد أنه يطلع في أقصى المشرق دائمًا وفيه نظر لأنه ضوء الشمس وهو يطلع في موضع طلوعها وهو تارةً أقصى المشرق وذلك في غير زمن الشتاء وتارةً إنما يطلع من القبلة وذلك في زمن الشتاء، فالأحسن تعلقه بالمعترض أي المنتشر في أقصى المشرق، وهذا لا يلزم منه أنه يطلع دائمًا في أقصى المشرق، بل يفيد أنه يطلع من جهة المشرق وهو أعم من أقصاهوإيضاح هذا أن الفجر هو ضوء الشمس ولا شك أنه تابع لها سواء طلعت من أقصى المشرق أو من القبلة، وعلى كل حالٍ يذهب من القبلة إلى دبرها، وخرج بالمعترض بالضياء الفجر الكاذب وهو البياض الذي يصعد كذنب السرحان دقيقًا غير منتشرٍ فهذا لا حكم لهوالحاصل أن الفجر معناه البياض ويتنوع إلى كاذبٍ وصادقٍ وكلاهما من نور الشمس، إلا أن الكاذب لا ينتشر لدقته وينقطع بالكلية إذا قرب زمن الصادق، والصادق ينتشر لقربها ويعم الأفق، والسرحان هو الذئب. قال العلامة ابن عمر: وهذا بيان شافٍ لصفة الفجر فكان في غنيةٍ عن قوله: "ذاهبًا" أي بارزًا وجائيًا "من القبلة إلى دبر القبلة" أي مقابلها "حتى يرتفع فيعم" أي يسد "الأفق" والمراد بدبر القبلة مقابلهاقال في الصحاح: دبر الأمر آخره والأفق بضم الفاء وسكونها هو ما والى الأرض من أطراف السماء، وقيل ما بين السماء والأرض والمراد بكونه يعم الأفق أي يملؤه ويسده كما بينا، ثم إن في جمع المصنف بين قوله أولًا: المعترض بالضياء في أقصى المشرق، وبين قوله: ذاهبًا من القبلة تناقضًا بيانه أن قوله المعترض إلخ يقتضي أن الفجر يطلع من المشرق، وقوله ذاهبًا من القبلة يقتضي أنه إنما يطلع من القبلة لا من المشرق، وقوله أيضًا: إلى دبر القبلة يقتضي أن للقبلة دبرًا وليس كذلك، وافترق الناس في الجواب فمن قائلٍ: إن المصنف أخذ يبين الفجر لأهل المغرب بقوله ذاهبًا من القبلة إلى دبر القبلة وهو الجوف، أو نقول ذاهبًا إلى القبلة وإلى دبر القبلة، فمن بمعنى إلى لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعضٍ وكأنه يقول: فينتشر في المشرق حتى إلى القبلة وحتى إلى الجوف، ومن قائلٍ يقول ذاهبًا من القبلة إلى دبر القبلة في زمانٍ دون زمانٍ، وقال بعض: المعنى ذاهبًا من قبلة الناظر إليه إلى دبر الناظر إليه، فبهذه ثلاث تأويلاتٍ قال بعض: أبينها أولها، والذي يظهر لي أن مراد المصنف بقوله من القبلة إلى دبر القبلة أنه ينتشر من مبدأ طلوعه إلى منتهاه، فالمراد بالدبر الآخر لأن دبر كل شيءٍ آخره، والتعبير بالمشرق تارةً وبالقبلة تارةً لعله لمجرد التفنن، لأن المراد بالمشرق والقبلة ما قابل المغرب، لأن كلا من القبلة والمشرق يقابلانه على أنه قيل في مذهبنا أن القبلة إذا أغميت على

المصلي وجعل المشرق أمامه أو المغرب خلفه يكون مستقبلًا، لأنه إن انحرف عن القبلة يكون انحرافًا يسيرًا، قاله الأجهوري في شرحه على خليلٍولما بين أول وقت الصبح بين آخره بقوله: "وآخر الوقت" الاختياري للصبح "الإسفار البين"1 أي الواضح "الذي إذا سلم منها" فيه "بدا" بغير همزٍ لأن المراد ظهر "حاجب الشمس" أي طرف قرصها فلا ضروري لها، وعزا هذا العلامة خليل لابن حبيبٍ، وعزاه ابن ناجي لرواية ابن وهبٍ وعياضٍ لكافة العلماء وأئمة الفتوى وهو مشهور قول مالكٍوقال ابن عبد البر: عليه الناس، وقال القاضي أبو بكرٍ: هو الصحيح عن مالكٍ، وقيل آخر وقتها المختار الإسفار الأعلى وهو الذي يميز فيه الشخص الذكر من الأنثى وما بعده إلى طلوع الشمس وقت ضروري لها كما في المدونة، ورواه ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالكٍ، واقتصر عليه العلامة خليل حيث قال: وللصبح من الفجر الصادق إلى الإسفار الأعلى، ودليل الأول الذي جرى عليه المصنف هنا ما في مسلمٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس" 2 ودليل ما اقتصر عليه خليل وهو مذهب المدونة خبر أبي داود من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: "وصلى بي الصبح في اليوم الثاني فأسفر" 3 "وما بين هذين الوقتين" أي الطلوع والإسفار "وقت واسع" أي يجوز للمكلف إيقاع الصلاة في أي جزءٍ منه، لأن الوقت المختار أوله وآخره سواء في نفي الإثم إلا أن يظن الموت قبل الفعل فإنه يصير مضيقًا في حقه ويعصى بالتأخير اتفاقًاقال خليل: وإن مات وسط الوقت بلا أداءً لم يعص إلا أن يظن الموت، وإذا أراد التأخير عن أول الوقت حيث لا يظن الموت فقال الباجي: لا حرج عليه ولا يجب عليه العزم على الأداء في الوقت، ولبعضٍ: يجب عليه العزم على الأداء داخل الوقت، ولما كان لا يلزم من
ـــــــ
1 من معاني الإسفار في اللغة: الكشف بقال: سفر الصبح وأسفر: أي أضاء وأسفر القوم أصبحوا وسفرت المرأة: كشفت عن وجههاوأكثر استعمال الفقهاء للإسفار بمعنى ظهور الضوء يقال أسفر بالصبح إذا صلاها وقت الإسفار أي عند ظهور الضوء لا في الغلس.أنظر الموسوعة الفقهية 4/2252 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد باب: أوقات الصلوات الخمس حديث 613, وفيه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: "اشهد معنا الصلاة" فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح حين طلع الفجر ولم أقف على لفظ المؤلف3 حسن: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: في المواقيت حديث 394.

كون جميع الوقت اختياريا التساوي في الفضلقال: "وأفضل ذلك" الوقت الاختياري للصبح "أوله" لقوله عليه الصلاة والسلام: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها" 1 وخبر "أول الوقت رضوان الله بل كل صلاةٍ الأفضل للفذ تقديمها في أول وقتها"قال العلامة خليل: والأفضل لفذ تقديمها مطلقًا صبحًا أو ظهرًا أو غيرهما في صيفٍ أو شتاءٍ، ومثل الفذ الجماعة التي لا تنتظر غيرها وكذلك التي تنتظر غيرها حيث كانت الصلاة غير ظهرٍ، وليس المراد بأوله المبادرة جدا بحيث لا تؤخر أصلًا فإنه من فعل الخوارج، وإنما المراد عدم تأخيرها عما يصدق عليه أول الوقت، فلا ينافي أنه يندب التنفل قبلها حيث كان يندب التنفل قبلها كالظهر والعصر، وأما الصبح أو المغرب فيشرع فيهما بعد فراغ الأذان، وما ذكره المصنف من أفضلية أول الوقت هو مذهب مالكٍ وأكثر العلماء، وقال أبو حنيفة: آخر الوقت في الصبح أفضل لما رواه أصحاب السنن من قوله عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" 2 ودليل مالكٍ ما في الموطإ والصحيحين أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعاتٍ بمروطهن ما يعرفن من الغلس"3وفي روايةٍ: "متلففاتٍ" ولفظ كان يقتضي الدوام والاستمرار، والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، وعلى هذا واظب الصحابة رضي الله تعالى عنهم كأبي بكرٍ وعمر وعثمان وأجابوا عما تمسك به أبو حنيفة بأن معناه أن لا يصلي الصبح حتى يتحقق طلوع الفجر لأن مدرك الفجر خفي، ويدل لذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر" ولم يقل أسفروا بالصلاةولما فرغ من الكلام على الصبح شرع في بيان وقت الظهر وهي أول صلاةٍ صلاها جبريل بالنبي عليه الصلاة والسلام فقال: "و" أما أول "وقت الظهر" المختار فهو "إذا زالت" أي مالت "الشمس عن كبد" بفتح الكاف وكسر الباء أو كسر الكاف وسكون الباء وسط "السماء و" الحال
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: في المحافظة على وقت الصلوات حديث 426 وانظر صحيح الجامع 10932 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب: ما جاء في الإسفار بالفجر حديث 154 والنسائي حديث 548, وأحمد 4/142, حديث 17318, وانظر صحيح الجامع 9703 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: خروج النساء بالليل والغلس حديث 867, ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها حديث 645, ومالك في الموطأ 1/5 حديث 4.

أنه قد "أخذ الظل في الزيادة" إن كان هناك للزوال ظل أو حدث إن كان ذهبقال خليل: الوقت المختار للظهر من زوال الشمس لآخر القامة بغير ظل الزوال، ويعرف الزوال بأن ينصب عود مستقيم في أرضٍ مستويةٍ، فإذا تناهى الظل في النقصان أو ذهب جملةً ثم شرع في الزيادة أو حدث بعد ذهابه فهذا هو وقت الزوال، وذلك لأن الشمس إذا طلعت يظهر لكل شاخصٍ ظل في جانب المغرب وكلما ارتفعت ينقص، وإذا وصلت وسط السماء وهي حالة الاستواء وقف عن النقصان مدةً من الزمان، وعند الزوال قد يبقى للعود ظل قليل وقد لا يبقى شيء من الظل وذلك بمكة وزبيدٍ مرتين في السنة وبالمدينة المنورة مرةً في السنة وهو أطول يومٍ فيها، فإذا مالت الشمس عن وسط السماء لجانب المغرب يتحول الظل إلى جانب المشرق ويأخذ في الزيادة، فعند شروعه في الزيادة أو حدوثه في جهة المشرق تجب صلاة الظهر، فقول المصنف: وأخذ الظل في الزيادة تفسير للزوالوالحاصل أن الوقت الذي لا يزيد فيه الظل ولا ينقص أو يعدم أصلًا يسمى وقت الاستواء وهذا لا تصلى فيه الظهر لأنه لم يدخل وقتها وتحل فيه النافلة، فإذا مالت إلى أول درجات انحطاطها في الغروب يميل الظل إلى جهة المشرق فذلك هو الزوال، إلا أنه لا يتحقق ولا يعرف للناظر إلا بعد حدوث الظل أو شروع الظل في الزيادة فلا تصلى الظهر ولا يؤذن لها قبل ذلك، ولما كانت صلاة الظهر تأتي في حال اشتغال المكلف في أمر معاشه ندب الشارع له تأخيرها وأشار إليه بقوله: "ويستحب أن تؤخر" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل ضمير صلاة الظهر "في الصيف" وكذا في الشتاء على المعتمد لأن العلة الاشتغال في وقتها وهي موجودة حتى في الشتاء وينتهي التأخير"إلى أن يزيد ظل كل شيءٍ ربعه" وتعتبر الزيادة "بعد الظل الذي زالت عليه الشمس" ولا فرق بين أهل المساجد وغيرها، بل حتى المنفرد يستحب له التأخير للظهر على هذا القول"وقيل إنما يستحب ذلك" أي تأخير صلاة الظهر إلى ربع القامة في زمن الصيف "في" حق أهل "المساجد" وكذا كل جماعةٍ تنتظر غيرها بدليل التعليل بقوله: "ليدرك الناس" فضل "الصلاة" في جماعةٍ "وأما الرجل في خاصة نفسه" ومثله الجماعة التي لا تنتظر غيرها "فأول الوقت أفضل له" لخبر: "أول الوقت رضوان الله، ووسطه رحمة الله، وآخره عفو الله"1ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه الدار قطني في سننه 1/249 حديث 22, والبيهقي في الكبرى 1/435 حديث 1892 وانظر ضعيف الجامع 2131.

ولولا تقييد كلامه بالصيف لكان هذا هو المعتمد وموافقًا لما مشى عليه خليل حيث قال: الأفضل لفذ تقديمها مطلقًا أي ولو ظهرًا ثم قال: والأفضل للجماعة تقديم غير الظهر وتأخيرها لربع القامة ويزاد لشدة الحر. "وقيل أما في شدة الحر فالأفضل له" أي لمريد صلاة الظهر "أن يبرد بها وإن كان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح" 1 أي لهب نار "جهنم" وهذا القيل خلاف المعتمد. والحاصل أن كلام المصنف مشتمل على ثلاثة أقوالٍ: الأول ندب التأخير ولو للمنفرد في الصيف خاصةً، الثاني الندب لأهل المساجد دون المنفرد، الثالث ندب التأخير ولو للمنفرد، وكلها مخالفة لخليلٍ لتقييدها بالصيف وشمول أولها للمنفرد، وقد علمت أن الراجح القول باختصاص ندب تأخيرها لربع القامة بكل جماعةٍ تنتظر غيرها ولو في الشتاء، والمختص بالصيف إنما هو باستحباب التأخير زيادةً على ربع القامة في شدة الحرقال خليل عاطفًا على المندوب: وللجماعة تقديم غير الظهر وتأخيرها لربع القامة ويزاد لشدة الحر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" 2 فلا ينافي أن التأخير لربع القامة ولو في الشتاء، ولا يشكل على حديث الإبراد حديث "خبابٍ: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء3 في أكفنا وجباهنا فلم يشكنا" أي لم يزل شكوانا، فيحمل على أنهم طلبوا الزيادة في التأخير على ما يحصل به الإبراد، والمراد بالجماعة في كلام خليلٍ التي تنتظر غيرها، وأما التي لا تنتظر غيرها فهي كالمنفرد الأفضل في حقهم التقديم في أول الوقت لكل صلاةٍ ولو للظهر، ولولا تقييد المصنف التأخير بالصيف لكان القول الثاني في كلامه موافقًا للراجح الذي مشى عليه خليل"وآخر الوقت" المختار للظهر"أن يصير ظل كل شيءٍ" قصيرٍ أو طويلٍ آدمي أو غيره في الأرض المستوية. "مثله بعد" مجاوزة "ظل نصف النهار" الذي أوله طلوع الشمس وآخره الغروب، بخلاف النهار في الصوم فإنه من طلوع الفجر وظل نصف النهار وهو المعروف بظل
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب بدء الخلق باب: صفة النار وأنها مخلوقة حديث 3259, وابن ماجه حديث 680, وأحمد 2/238, حديث 72452 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: تقديم الظهر في أول الوقت حديث 619, والنسائي حديث 497, وابن ماجه حديث 676, وأحمد 5/108 حديث 210903 حر الرمضاء: أي الرمل الذي اشتدت حرارته شرح النووي على مسلم 5/121.

الزوال سمي بذلك لزوال الشمس عن وسط السماء بعده"تنبيه": لم يبين المصنف مقدار ظل نصف النهار، وهو مختلف باختلاف الأشهر القبطية التي أولها توت وظل الزوال فيه أربعة أقدامٍ، ثم يليه بابه وظل الزوال فيه ستة أقدامٍ، ثم يليه هاتور وظل الزوال فيه ثمانية أقدامٍ، ثم يليه كيهك وظل الزوال فيه عشرة أقدامٍ، ثم يليه طوبه وظل الزوال فيه تسعة، ثم يليه أمشير وظل الزوال فيه سبعة، ثم يليه برمهات وظل الزوال فيه خمسة، ثم يليه برمودة وظل الزوال فيه ثلاثة، ثم يليه بشنس وظل الزوال فيه اثنان، ثم يليه بؤونة وظل الزوال فيه واحد، ثم يليه أبيب وظل الزوال فيه واحد أيضًا، ثم يليه مسرى وظل الزوال فيه قدمان، هكذا حرره العلامة الأجهوري وهو مخالف لتحرير الديرينيولما فرغ من بيان وقت الظهر شرع في بيان وقت العصر فقال: "وأول وقت العصر" المختار هو "آخر وقت الظهر" وهو آخر القامة الأولى، فتكون العصر داخلة على الظهر وينبني عليه صحة صلاة العصر في آخر القامة الأولى، وأثم مؤخر صلاة الظهر اختيارًا إلى أول القامة الثانية لأن بينهما اشتراكًا بقدر فعل أحدهما، وقيل: إن وقت الاشتراك في أول القامة الثانية فتكون الظهر داخلةً على العصر وينبني عليه بطلان صلاة العصر في آخر القامة الأولى، وعدم إثم من أخر الظهر إلى أول القامة الثانية، وسبب الخلاف في وقت الاشتراك الخلاف في فهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل "فصلى بي الظهر من الغد حين صار ظل كل شيءٍ مثله" 1 فمنهم من قال معنى صلى شرع فتكون الظهر هي الداخلة على العصر، ومنهم من قال معناه فرغ فتكون العصر هي الداخلة على الظهر والحاصل أن زمن الاشتراك اختياري للصلاتين سواء كان في آخر القامة الأولى أو أول الثانية. "وآخره" أي وقت العصر الاختياري
"أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه بعد"مجاوزة الظل "نصف النهار" وهذا مما لا نزاع فيه في المذهب، ولما قدم أن أول وقت العصر المختار هو آخر وقت الظهر وهو المعتمد ذكر مقابله بقوله: "وقيل" في تحديد أول وقت العصر المختار أنك إذا "استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم" حالة كونك "غير منكسٍ رأسك ولا مطأطئٍ له" تفسير لما قبله"فإن نظرت إلى الشمس" أي قابلتها "ببصرك" بحيث صارت قبالة بصرك لا مرفوعةً ولا مخفوضةً "فقد دخل الوقت" المختار للعصر "وإن لم ترها ببصرك" لكونها على غايةٍ من
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب: ما جاء في مواقيت الصلاة حديث 149 وأحمد حديث 3071.

الارتفاع "ف" تعلم أنه "لم يدخل الوقت" المختار للعصر "وإن نزلت عن بصرك ف" تحقق أنه "قد تمكن دخول الوقت" وهذا القول ضعيف لأنه لا يطرد في كل الأزمنة، لأن الشمس تكون في الصيف مرتفعةً وفي الشتاء منخفضةً، حتى قال ابن الفخار: لم يقل به أحد لأن الأحكام الشرعية لا يصح بناؤها على مثل هذا، والظاهر أن المصنف إنما ذكر هذا القول رحمةً للضعفاء الذين لا يدركون معرفة الأوقات على القول المشهور؛ لأن المصلي على هذا القول موقع للصلاة في اختياريها، سواء كان في صيفٍ أو شتاءٍ، لأنها لا تقابل بصر الناظر إلا وقد ظل كل شيءٍ مثله، والمعتمد ما أشار له بقوله: "والذي وصفه مالك رحمه الله تعالى" في بيان آخر المختار للعصر "أن" أول "الوقت فيها" من آخر وقت الظهر ويستمر "ما لم تصفر الشمس" فإذا دخل وقت الاصفرار صار الوقت ضروريا وهذا هو المعتمد وصدر به ابن الحاجب ورواه ابن القاسم عن مالكٍ، واقتصر عليه خليل حيث قال: وهو أول وقت العصر للاصفرار، وهذا غير مخالفٍ لما صدر به من قوله: وآخره أن يصير ظل كل شيءٍ مثليه لأن الاصفرار لا يحصل إلا بعد ذلك وأما قبل ذلك فتكون الشمس نقيةًقال العلامة ابن عمر ما معناه: وهذا واضح في زمان الصحو، وأما في زمان الغيم الذي لا يظهر فيه ظل فإنه يرجع إلى قول أهل الأوراد والصنائع ممن له دراية بمعرفة الأوقات والاحتياطولما فرغ من بيان وقت العصر شرع في بيان وقت المغرب بقوله: "ووقت المغرب وهي صلاة الشاهد" وفسره بقوله: "يعني الحاضر" ولما استشعر سائلًا عن معنى الحاضر قال: "يعني أن المسافر لا يقصرها" في سفره "ويصليها كصلاة الحاضر" ونقض هذا التعليل بصلاة الصبح، فالأولى في التعليل أنها تطلع عند طلوع نجمٍ يسمى الشاهد "فوقتها غروب الشمس" كأن الصواب إسقاط لفظ فوقها ويقتصر على الخبر وهو غروب الشمس ولا ينظر للحمرة الباقية ولذلك قال: "فإذا توارت" أي غاب جميع قرصها في العين الحمئة أي ذات الحمأة وهي الطين الأسود وهي المراد "بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر عنه وليس لها إلا وقت واحد لا تؤخر عنه" قال خليل: وللمغرب غروب الشمس بقدر فعلها بعد شروطها فوقتها مضيق، ويجوز لمن غربت عليه محصلًا لشروطها من طهارةٍ وسترٍ واستقبالٍ تأخير فعلها بمقدار تحصيلها وذلك بالنظر لعادة غالب الناس، فلا يعتبر حال موسوسٍ ولا من على غايةٍ من السرعة، ويراعى زمن الاستبراء المعتاد لمن احتاج إليه.

"تنبيهات" الأول: فهم من قوله: لا يؤخر عنه لو شرع فيها وطول بحيث غاب الشفق لا إثم عليه وهو كذلك فالشفق بالنسبة للشروع فيها وما ذكره المصنف هو المعتمد، ولذلك اقتصر عليه العلامة خليل ومقابله يمتد وقتها لغروب الشفق الأحمر الذي هو وقت العشاء، وقال ابن العربي فيه: إنه الصحيح وفي أحكامه إنه المشهور من مذهب مالكٍ، لكن قد علمت أن الذي به الفتوى ما ذكره المصنف ولا سيما اقتصر عليه خليلالثاني: ما ذكره المصنف من أن وقت المغرب غروب الشمس إنما هو بالنسبة لمن يكون في رءوس الجبال أو في فلاةٍ من الأرض، وأما من يكون خلف الجبال فلا يعول على غروب الشمس وإنما يعول على إقبال الظلمة من جهة المشرق، فإذا ظهرت كان دليلًا على مغيبها فيصلي ويفطر والله أعلمالثالث: ربما يفهم من قوله: ليس لها إلا وقت واحد أنها متى أخرت عن أول الوقت تصير قضاءً وليس كذلك، بل المراد أنه لا يجوز تأخير الشروع فيها إلا بمقدار تحصيل شروطها، فلا ينافي أن لها وقتًا ضروريا كالظهر والعصر، والمنفي إنما هو وقت التوسعة الموجود في نحو الظهر والعصر فافهمولما فرغ من بيان وقت المغرب شرع في بيان وقت العشاء بقوله: "ووقت صلاة العتمة" المختار: ولما كانت تسميتها بالعتمة غريبةً قال: "وهي صلاة العشاء" بكسر العين والمد "وهذا الاسم أولى بها" وأفضل من لفظ العتمة لأنه المصرح به في القرآن والسنة وخبر وقت "غيبوبة الشفق" وفسره بقوله: "والشفق" هو "الحمرة الباقية في" جهة "المغرب من بقايا شعاع الشمس" من ضوئها كالقضبان "فإذا لم يبق في" ناحية "المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب" أي دخل "الوقت" المذكور للعشاء"ولا ينظر إلى البياض" الباقي "في المغرب" خلافًا لأبي حنيفة، دليلنا ما رواه الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة"1 وأيضًا "الغوارب ثلاثة: أنوار الشمس والشفقان، والطوالع ثلاثة: الفجران والشمس والحكم للوسط في الطوالع والغوارب" "فذلك" أي غيبوبة الشفق الأحمر "لها وقت" ممتد "إلى ثلث الليل" وابتداؤه من الغروبقال خليل: وللعشاء من غروب حمرة الشفق للثلث الأول، والدليل على ذلك ما في
ـــــــ
1 ضعيف أخرجه الدار قطني في سننه 1/269 حديث 3 وانظر ضعيف الجامع 3440.

الصحيحين: "أنه عليه الصلاة والسلام كان يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها"وحديث عائشة: "كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل" وغير ذلك من الأحاديث، ولكن لا ينبغي أن يقع تأخيرها إلى أثناء الثلث إلا "ممن يريد تأخيرها لشغلٍ" مهم كعمله في حرفته التي لا غنى له عنها "أو" لأجل "عذرٍ" كمرضٍ فهو مغاير لما قبله"و" أما من لا شغل ولا عذر له فقد مر أن "المبادرة بها" في أول الوقت "أولى" أي أفضل لإدراك فضيلة أول الوقت وهذا في حق المنفرد، وما في حكمه من الجماعات التي لا تنتظر غيرها، وأما التي تنتظر غيرها فأشار لحكمها بقوله: "ولا بأس" بمعنى أنه يستحب "أن يؤخرها أهل المساجد" والحرس وهم المرابطون وأصحاب المدارس "قليلًا لاجتماع الناس" لصلاتها جماعةًفإن قيل: قد قدمنا أن الأفضل في حق الجماعة التي تنتظر غيرها تقديم غير الظهر ويدخل فيه العشاء، وإنما يندب لهم تأخير الظهر لربع القامة في كل الزمن ويزاد عليها لشدة الحر. فالجواب: أن ما تقدم محمول على غير مساجد أهل القبائل، وما هنا في حق أهل مساجد القبائل، أو أن التأخير هنا في حكم التقديم بدليل قوله قليلًا فليس كتأخير الظهر، وجرى على هذا خليل بقوله: وفيها ندب تأخير العشاء قليلًاولما كانت العشاء تأتي في زمن غلبة النوم فربما يتوهم جوازه قبلها قال: "ويكره النوم قبلها" أي قبل دخول وقتها أي العشاء "والحديث لغير شغلٍ بعدها" وهو أشد كراهةٍ من نومه قبلها، وظاهر كلامه كراهة النوم قبلها ولو وكل من يوقظه وهو كذلك لاحتمال نوم الوكيل أو نسيانه فيفوت اختياريها، وإنما كره النوم قبلها وجاز قبل دخول وقت غيرها كما يأتي لأن وقتها زمن نومٍ بخلاف غيرها، وكراهة الحديث بعدها مخافة نومه عن صلاة الصبح، ومفهوم لغير شغلٍ أن الحديث بعدها لمصلحةٍ لا كراهة فيه سواء كانت دينيةً كالكلام في العلم أو دنيويةً كالمناقشة في أمر الدنيا، وكالكلام مع القادم من السفر ليؤنسه أو العروس، واختلف في فضل النوم على السهر المجرد عن الطاعة"تنبيه": لم يعلم من كلام المصنف حكم النوم قبل صلاةٍ نحو الظهر والعصر وبينه شيخ شيخنا الأجهوري بما محصله: النوم قبل دخول وقت الصلاة لا حرج فيه وظاهره ولو جوز نومه إلى آخر الوقت، وأما بعد دخول الوقت فلا يجوز إلا إذا علم أنه يستيقظ قبل خروج الوقت أو وكل من يوقظه.

"تتمات" الأولى: ذكر المصنف الوقت الاختياري وسكت عن الضروري وهو غالبًا تلو المختار إلى غروب الشمس للظهرين وإلى طلوع الفجر في العشاء، وأما الصبح فعند المصنف لا ضروري لها، وعلى كلام خليلٍ من الإسفار إلى الطلوع، وقيدنا بغالبًا للاحتراز عن الضروري لذي قبل المختار، وهو إنما يكون في حق صاحب السلس الذي يلازمه في كل وقتٍ ثانية المشتركتين فإنه يقدمها في وقت الأول، وفي حق المسافر الذي يكون نازلًا بالمنهل وينوي الارتحال بعد الزوال والنزول بعد الغروب فإنه يجوز له تقديم الثانية بعد فعل الأولى، وكذلك من يجمع العشاء مع المغرب لأجلٍ المطر، وكذلك الظهر مع العصر يوم عرفة، فإن الثانية قدمت على اختياريها، ولا يتصور للصبح ولا للأولى من المشتركتين فافهمالثانية: لم يذكر المصنف أيضًا ما يدرك به الوقت بحيث يكون المصلي مؤديا، وبينه خليل بقوله: وتدرك فيه الصبح بركعةٍ بسجدتيها مع الطمأنينة والاعتدال والكل أداء والظهران والعشاء أن يفصل ركعةً عن الأولى وهذا في الضروري، واختلف فيما يدرك به الاختياري، والذي اختاره العلامة خليل أنه كذلك. وقال الأجهوري فيه: إنه الراجح، وفائدة الإدراك في الضروري على أن الكل أداء وإن كان آثمًا مع عدم الضرورة، وفي المختار: رفع الإثم بإدراكها فيه ولو أخرها اختيارًا، والدليل على أن الكل أداء قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعةً من العصر أي قبل الغروب فقد أدرك العصر" 1الثالثة: لم يتكلم المصنف على حكم الولي يطير من إقليمٍ بعد دخول وقت صلاةٍ إلى إقليمٍ آخر لم يدخل فيه وقت تلك الصلاة لما تقرر من أنه قد يكون وقت الطلوع عند قومٍ غيره عند آخرين، والحكم للمحل الذي يوقع فيه الصلاة سواء كان هو الذي طار منه أو الذي إليه، فإذا زالت عليه الشمس في محل وصلى فيه لم يعد صلاته، وإذا طار قبل فعلها لا يجوز له فعلها في الذي طار إليه قبل زوالها والله أعلمولما انقضى الكلام على الوقت الذي هو سبب لوجوب الصلاة وشرط في صحتها، وكان كل أحدٍ لا يستطيع الوصول إلى معرفته بالزوال والغروب، شرع فيما يعلم به دخوله لكل أحدٍ سمعه وهو الأذان فقال:
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب: "من أدرك من الفجر ركعة" حديث 579, مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك" حديث 608.

باب في حكم صفة الأذان والإقامة
وحقيقة الأذان بالمعنى المصدري ويرادفه الأذين والتأذين بالمعجمة لغةً الإعلام بأي شيءٍ لقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أي إعلام {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أي أعلم وشرعًا الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظٍ مخصوصةٍ دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وأما السنة فما في الحديث عن أبي داود بإسنادٍ صحيحٍ عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: "لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل حامل ناقوسًا في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، فقال: أو لا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى، فقال تقول: الله أكبر إلى آخر الأذان، ثم استأخر عني غير بعيدٍ ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر إلى آخر الإقامة، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها رؤيا حق إن شاء الله تعالى قم مع بلالٍ فألق عليه ما رأيت فإنه أندى منك صوتًا" ، فقمت مع بلالٍ فجعلت ألقي عليه فيؤذن به، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه قائلًا: والذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" 1 ويروى أنه تابع عمر في الرؤيا من الصحابة بضعة عشر رجلًا، ولا يرد على ذلك أن الأحكام لا تثبت بالرؤيا لأنا نقول: ليس مستند الأذان الرؤيا وإنما وافقها نزول الوحي فالحكم ثبت به لا بهافقد روى الترمذي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الأذان ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدةً فوق سبع سمواتٍ ثم قدمه جبريل فأم أهل السماء وفيهم آدم ونوح عليهم الصلاة والسلام فأكمل له الشرف على أهل السماء والأرض"2 وأقول: يشكل على ما روى الترمذي ما روي من حديث أبي داود المتقدم من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بما يجمع به الناس إلى الصلاة حتى قيل له: تنصب رايةً فإذا رأوها أعلم بعضهم بعضًا فلم يعجبه فذكروا له البوق فلم يعجبه وقال: هو من فعل اليهود، فذكروا له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى، فإن الاهتمام يقتضي أنه لم يسمعه ولم يعلم به ليلة الإسراء، إذ لو علمه في السماء لأمر بفعله من غير طلب غيره، ولذلك أجاب بعض: بأن
ـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: كيف الأذان حديث 499 وحسنه الألباني الإرواء 1/2652 لم أقف عليه.

اجتهاده صلى الله عليه وسلم أداه إلى ذلك على اختلافٍ عند الأصوليين في حكمه باجتهاده، وفي هذا الجواب إشكال، إذ كيف يجتهد فيما يدعو به إلى الصلاة مع معرفة الأذان ويمكن على بعدٍ أن يكون سمعه ولم يكن على صفة الإتيان به أو محله أو أن الحديث غير متفقٍ عليه؟ وأما الإجماع فلقول القرافي: أجمعت الأمة على مشروعية الأذان فقد ورد في فضله أحاديث صحيحة، فمما ورد ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين" 1 وله فوائد كثيرة منها: الإعلان بدخول وقت الصلاة وهو المقصود منه الموجب لمشروعيته، ومن فوائده الإعلام بأن الدار دار الإسلام ويؤنس الجيران ويستجاب عنده الدعاء، وذكر الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى أن الأذان الشرعي من خصائص هذه الأمة، وشرع في السنة الأولى من الهجرةوحقيقة الإقامة شرعًا هي ألفاظ مخصوصة تذكر على وجهٍ مخصوصٍ عند الشروع في الصلاة المفروضة ذات الركوع والسجود وستأتي ألفاظها، وقولنا على وجهٍ مخصوصٍ أي من كونها مفردة الألفاظ سوى التكبير، وجرى خلاف في أفضليتها على الأذان، فمن الشيوخ من فضلها لاتصالها بالصلاة وبطلانها على قولٍ بتركها عمدًا، ومنهم من فضل الأذان لوجوبه في المصر على القول المختار، وفضل بعض الشيوخ الإمامة عليهما لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون واظبوا على الإمامة، وقال عليه الصلاة والسلام: "ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" 2 وجرى خلاف أيضًا في أذانه والمعتمد أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم أذن مرةً في سفره وهو راكب وقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، وأما في تشهده في الصلاة فكان مرةً يقول: أشهد أني رسول الله ومرةً أشهد أني محمد رسول الله، كما قاله ابن حجرٍ الشافعي في شرح المنهاجثم شرع في بيان حكم الأذان بقوله: "والأذان واجب" وجوب السنن "في" حق أهل "المساجد" سواء كانت جامعةً أم لا"و" كذلك يجب وجوب السنن في حق "الجماعات الراتبة" في محل ولو لم يكن مسجدًا حيث كانوا يطلبون غيرهم، بل كل جماعةٍ تطلب غيرها ولو لم تكن راتبةً، ولذلك قال خليل:
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الجمعة باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة حديث 1222, ومسلم كتاب الصلاة باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عن سماعه حديث 3892 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأدب باب: رحمة الناس والبهائم حديث 6008 ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: من أحق بالإمامة حديث 674.

سن الأذان لجماعةٍ تطلب غيرها في فرضٍ وقتي، وأما فعل الأذان في الأمصار فهو واجب وجوب الفرائض الكفائية ويقاتلون على تركه. والحاصل أن الأذان تعتريه أحكام خمسة سوى الإباحة: الوجوب كفايةً في المصر، والسنية كفايةً في كل مسجدٍ وجماعةٍ تطلب غيرها، والاستحباب لمن كان في فلاةٍ من الأرض سواء كان واحدًا أو جماعةً لم تطلب غيرها، وحرام قبل دخول الوقت، ومكروه للسنن وللجماعة التي لم تطلب غيرها ولم تكن في فلاةٍ من الأرض، كما يكره للفائتة وفي الوقت الضروري ولفرض الكفايةوإذا توقفت مشروعيته على أجرةٍ كانت على من له عقار في البلد سواء كان ساكنًا به أو لا، بخلاف أجرة مؤدب الأطفال فإنها تكون على من له ولد، ويجوز أخذ الأجرة عليه وحده أو مع الصلاةقال خليل عاطفًا على الجائز: وأجرة عليه أو مع صلاةٍ وكره عليها، وإنما يكره أخذ الأجرة على الصلاة وحدها إذا كانت من المصلين لا من بيت المال أو من وقف المسجد فلا كراهة، لأن المأخوذ من بيت المال أو الأحباس من باب الإعانة لا الإجارة والله أعلمثم ذكر مفهوم الجماعة بقوله: "فأما الرجل في خاصة نفسه" يكون في فلاةٍ من الأرض "فإن أذن فحسن" أي مندوب أذانه، ومثله الجماعة التي لا تطلب غيرها حيث كانت في فلاةٍ من الأرض ولو لم تكن في زمن سفرٍ، وأما قول خليلٍ: وأذان فذ إن سافر فهو غير معتبر المفهوم، وأما إن لم يكن الفذ أو الجماعة في فلاةٍ من الأرض فيكره لهم الأذان، والدليل على ما قاله المصنف ما صح أن أبا سعيدٍ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" 1 قال أبو سعيدٍ الخدري: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام أيضًا: "من صلى بمكانٍ قفرٍ بعد أذانٍ صلى وراءه أمثال الجبال" 2 أي من الملائكة، وصلاة البرية بسبعين صلاةٍ لما تضمنته من إحياء الذكر في ذلك المحلولما كان الإقامة تطلب حتى من المنفرد قال: "ولا بد له" أي للرجل في خاصة نفسه "من الإقامة" على جهة السنية. قال خليل: وتسن إقامة مفردة وهي آكد من الأذان كما قدمنا، ولا بد من اتصالها بالصلاة فإن تراخى بالإحرام أعادها ولا تسن إلا لفرضٍ ولو فائتًا، واعلم أنها سنة
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: رفع الصوت بالنداء حديث 609 والنسائي حديث 6442 أخرجه مالك في الموطأ 1/74 حديث 160.

عينٍ في حق الذكر المنفرد، أو المصلي إمامًا بالنساء فقط، وأما في حق الجماعة من الذكور أو الملفقة من الرجال والنساء فسنة كفائية"وأما المرأة فإن أقامت فحسن" أي فعلها حسن بمعنى مندوب "وإلا" بأن تركت الإقامة "فلا حرج" أي لا إثم وهذا غير متوهمٍ، واعلم أن الإقامة إنما تستحب من المرأة إذا صلت منفردةً أو مع محض نساءٍ وأما إذا صلت مع إمامٍ فتنهى عن الإقامة، وكل من أمر بالإقامة من رجلٍ أو امرأةٍ يستحب له إسرارها إلا المؤذن فيجهر لها للإعلام بالصلاةولا بد من الطهارة في الإقامة بخلاف الأذان. قال في المدونة: ولا بأس أن يؤذن غير متوضئٍ ولا يقيم إلا متوضئ،ومما يسن عند شروع المؤذن في الإقامة تركها والاشتغال بالدعاء من الإمام وبقية المأمومين لفتح أبواب السماء إذ ذاك وقل داعٍ ترد دعوتهويحرم الخروج من المسجد بعد الإقامة للمتطهر إلا أن يكون قد صلى تلك الصلاة وهي مما لا تعاد، وأما الخروج بعد الأذان فمكروه إلا أن يريد الرجوع إليه، فإن خرج راغبًا عن الصلاة جملةً فهو منافق ويخشى عليه من المصيبة كما وقع لبعض الناس، ويستحب للإمام تأخير الإحرام قليلًا بعد الإقامة حتى تعتدل الصفوف، ولا يدخل المحراب إلا بعد الإقامة وهي إحدى المسائل التي يعرف بها فقه الإمام كخطف الإحرام والسلام وتقصير الجلسة الأولى"ولا" يجوز أي يحرم أن "يؤذن لصلاةٍ قبل" تحقق دخول "وقتها" لأنه إنما شرع للإعلام بدخوله فيحرم قبله "إلا الصبح فلا بأس" أي يسن "أن يؤذن لها في السدس الأخير من الليل" قال خليل: غير مقدمٍ على الوقت إلا الصبح فبسدس الليل لما في الموطأ والصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالًا ينادي بليلٍ فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتومٍ" 1 وأيضًا الصبح تأتي والناس نيام فيحتاجون إلى التأهب لها وربما يكون فيهم الجنب ونحوه، ويسن أيضًا أن يؤذن لها عند دخول وقتها فلذا قال الأجهوري: والذي ينبغي أن كل واحدٍ من المقدم والمفعول عند الوقت سنة مستقلة كأذاني الجمعة لا إن مجموعهما سنةولما فرغ من بيان حكم الأذان والإقامة شرع في بيان الصفة بقوله: "والأذان" صفته الشرعية
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: الأذان بعد الفجر حديث 620 ومسلم كتاب الصيام باب: أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر حديث 1093, ومالك في الموطأ 1/74 حديث 161.

أن تقول: "الله أكبر الله أكبر" مرتين بقطع الهمزة من أكبر ومد الجلالة مدا طبيعيا حتى يحصل الإسماع، وينبغي أن لا يبطل بإبدال همزة أكبر واوًا، كما لا يبطل جمعه بين الهمزة والواو بالأولى من عدم بطلان تكبيرة الإحرام بذلك، وأكبر بمعنى كبير على حد: ربكم أعلم بكم بمعنى عالم، أو أن المراد أكبر من كل كبيرٍ بحسب زعم الزاعم "أشهد أن لا إله إلا الله" أي أتحقق وأذعن أن لا معبود بحق سواه، ويكررها فيقول أيضًا: "أشهد أن لا إله إلا الله" ثم يأتي بالشهادتين بالرسالة مرتين أيضًا فيقول: "أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله" ولا بد من رفع رسول لأنه خبر فنصبه يصيره بدلًا ويكون ساكن الكلمات لقول المازري اختار شيوخ صقلية جزم الأذان وشيوخ القيروان إعرابه والجمع جائز فيتخلص أن المعتمد فقهًا أن عدم اللحن في الأذان مستحب فلا يبطل بنصب المرفوع ولا برفع المنصوب، لأن المعتمد صحة الصلاة باللحن في الفاتحة فكيف بالأذان؟"ثم" بعد تكرير الشهادتين يسن أن ترجع من الترجيع بأن تعيد لفظهما فتقول: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله" مرتين كما فعلت أولًا "أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله" مرتين أيضًا هذا قول مالكٍ في تكرير التشهد أربعًا، وظاهر كلامه أن الترجيع إنما يكون بعد الإتيان بالشهادتين، فلا يرجع الأولى قبل الإتيان بالثانية، وإنما سن الترجيع لعمل أهل المدينة ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أبا محذورة، وحكمة طلبه إما لتدبر معنى كلمتي الإخلاص لكونهما المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام، وإما إغاظة الكفار، أو لما قيل: من أن أبا محذورة أخفى صوته بالشهادتين حياءً من قومه لما كان عليه قبل توفيقه للإسلام من شدة بغض النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه وعرك أذنه وأمره بالترجيع، وإذا رجعت تأتي بالشهادتين "بأرفع من صوتك" بهما "أول مرةٍ"قال الإمام أشهب: يرفع غاية صوته بالتكبير ثم يترك من غايته شيئًا في الشهادتين، ثم إذا رجع يرفع صوته بالشهادتين عند الترجيع حتى يساوي صوته بالتكبير، فالحاصل أن المؤذن يرفع صوته بالتكبير حد الإمكان ويخفضه بالشهادتين قبل الترجيع بحيث لا يتجاوز إسماع الناس ويرفع صوته بها عند الترجيع بحيث يساوي صوته بالتكبير، هذا هو المعتمد من المذهب، واختاره المازري وابن الحاجب، وقال خليل: عليه عمل الناس، وعلم مما قررنا أنه لا بد من الإسماع قبل الترجيع وإلا لم يصح الأذان، وظاهر كلام غيره أن الترجيع سنة ولو كثر المؤذنون وهو كذلك، ويعلم من كونه سنةً عدم بطلان الأذان بتركه، ثم بعد الترجيع تقول

بصوتك الذي ابتدأت به: "حي على الصلاة حي على الصلاة" تكررها مرتين، وحي اسم فعل أمرٍ معناه هلموا وأقبلوا على الصلاة، ثم تقول: "حي على الفلاح حي على الفلاح" مرتين أيضًا بمعنى هلموا على الفلاح أي على ما فيه فلاحكم وهو الفوز بالنعيم "فإن كنت في نداء الصبح زدت ها هنا" أي بعد حي على الفلاح "الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم" مرتينقال خليل: وهو مثنى ولو الصلاة خير من النوم المشروعة في نداء الصبح خاصةً، وظاهر كلام المصنف كغيره أن المؤذن يقولها ولو لم يكن أحد بأن كان بفلاةٍ من الأرض وهو كذلك، ألا ترى أن رفع الصوت بالأذان لا بد منه ولو لم يكن هناك أحد؟ ومشروعيتها في الصبح صادر منه عليه الصلاة والسلام، وقول عمر بن الخطاب لمن جاء يؤذنه بالصلاة فوجده نائمًا فقال له: الصلاة خير من النوم اجعلها في نداء الصبح إنكار على المؤذن حيث استعمل ألفاظ الأذان في غير محلها، كما كره مالك التلبية في غير الحج، ومعنى: الصلاة خير من النوم أن التيقظ للصلاة خير من الراحة الحاصلة بالنوم، والصلاة خير من النوم مبتدأ وخبر في محل نصبٍ بزدت لتأولها بمفردٍ وهو هذا اللفظوقوله: "تقل ذلك في غير نداء الصبح" لا حاجة إليه مع قوله: فإن كنت في نداء الصبح، ثم تختم الأذان بقولك: "الله أكبر الله أكبر" مرتين "لا إله إلا الله" تقولها "مرةً واحدةً" وهذه الصفة هي التي علمها صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة1 وعليها السلف والخلف، ولو غير هذه الصفة بأن نكسه أو أوتره ولو جله أعاده مع الطول، ويبني على أوله في الإيتار ويعيد المنكس في التنكيس مع عدم الطول لأن تكرر كلماته من باب التأسيس لا من باب التوكيد اللفظي، وهذا آخر الأذان الشرعي، وما زاد على ذلك مما يقوله المؤذنون من الدعاء والتسبيح فغير مشروعٍ، بل قال ابن شعبان: إنه بدعة فما كان من ذكرٍ أو تسبيحٍ مما يقوله آخر الليل فهو بدعة حسنة وما عدا ذلك فمكروه"تنبيهات" الأول: علم من كلام المصنف أن كلماته مرتبة ومتوالية فلا يجوز له الفصل بينها ولو بإشارةٍ لسلامٍ، فإن فصل ولو بأكلٍ أو كلامٍ ولو وجب لكإنقاذ أعمى بنى إن لم يطل فإن طال ابتدأه لبطلانه، كما يبطل لو مات أو جن أو كفر في أثنائه، ولا يبني الثاني على فعل الأول ولو قرب، وأما لو نسي منه شيئًا فإن كان بالقرب أعاد من موضع نسي إذا كان المنسي جله، وإن
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: صفة الأذان حديث 379.

كان نحو حي على الصلاة مرةً فلا يعيد شيئًا، وإن تباعد أعاد الأذان إن كان الذي أتى به لا يعده السامع أذانًا وإلا لم يعدهالثاني: لم يذكر شروطه وهي على قسمين: شروط صحةٍ وشروط كمالٍ، فشروط الصحة: النية ويكفي نية الفعل، والإسلام فلا يصح أذان الكافر وإن حكم بصحة إسلامه لنطقه بالشهادتين على المشهور في المذهب بل حكى بعضهم الاتفاق عليه، ولو كان ممن يؤمن برسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على الخصوص فيحمل بأذانه على أنه مؤمن بها على العموم بحيث إذا رفع لحاكمٍ يجب عليه الحكم بصحة إيمانه، وإن ادعى أنه فعل ذلك لعذرٍ قبل إن دل على عذره دليل لقول خليلٍ: وقبل عذر من أسلم وقال أسلمت عن ضيقٍ إن ظهر عليه، وعلى كل حالٍ أذانه باطل لابتدائه قبل ما يحصل به الإسلام، واختلف إن أذن عازمًا على الإسلام قبل شروعه فيه، فعلى ما يفيده كلام ابن ناجي يصح، وظاهر كلام خليلٍ كغيره بطلانه ولو كان عازمًا وينظر ما الفرق بينه وبين الطهارة، وأما لو ارتد بعد أذانه مسلمًا قال ابن عرفة: يبطل أذانه ويعاد إن كان وقته باقيًا، وقال المصنف في النوادر: فإن أعادوا فحسن وإن اجتزءوا به أجزأهم، وعلى كلام ابن عرفة: لو خرج الوقت بطل ثوابه كمن ارتد بعد صلاته فإنه إن رجع للإسلام وقتها أعادها وإن رجع بعدها لم يعدها ويبطل ثوابهاقاله الأجهوري في شرح خليل والذكورة: فلا يصح أذان المرأة ولو لنساء، فأذانها بحضرة الرجال حرام، وقيل: مكروه والبلوغ: فلا يصح أذان الصبي المميز للبالغين ولا ينبغي إلا أن يكون ضابطًا تابعًا لبالغٍ فيصح ويصح أذانه لصبيانٍ مثلهوالعقل والعلم بالوقت قال خليل: وصحته بإسلامٍ وعقلٍ وذكورةٍ وبلوغٍ، وشروط الكمال الطهارة وكونه صيتًا حسن الصوت مرتفعًا وقائمًا إلا لعذرٍ ومستقبلًا إلا لإسماعٍالثالث: يستحب لكل من سمع الأذان أن يحكيه لمنتهى الشهادتين من غير ترجيحٍ، كما يستحب للمؤذن والسامع أيضًا أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه ثم يقول عقب الصلاة والسلام: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، والمقام المحمود هو الشفاعة في فصل القضاء يوم القيامة، والدعوة التامة هي دعوة الأذان، والوسيلة منزلة في الجنةثم شرع في بيان صفة الإقامة بقوله: "والإقامة" مصدر أقام والمراد بها الألفاظ المخصوصة "وتر" أي غير مثناةٍ ما عدا التكبير. قال خليل: وتسن إقامة مفردة وثني تكبيرها لفرضٍ وإن

قضاءً تقول: "الله أكبر الله أكبر" مرتين "أشهد أن لا إله إلا الله" مرةً "أشهد أن محمدًا رسول الله" مرةً "حي على الصلاة" مرةً "حي على الفلاح" مرةً "قد قامت الصلاة" مرةً، ومعنى قامت استقامت عبادتها وآن الدخول فيها"الله أكبر الله أكبر" مرتين "لا إله إلا الله" مرةً واحدةً، وتقدم إن شفعها ولو جلها أعادها لبطلانها ولو ناسيًا، فكلماتها اثنان وثلاثون كلمة وجملها عشر، وأما كلمات الأذان فثمانية وستون في غير الصبح، واثنتان وسبعون في الصبح، وجمله سبع عشرة في غير الصبح، وتسع عشرة في الصبح، والدليل على إفرادها وشفع الأذان خبر مسلمٍ: "كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين والإقامة مرةً مرةً"1 وفيه: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة"2 وعليه العمل، فلو أوتر الأذان ولو نصفه على ما يظهر بطل ولو غلطًا أو سهوًا، ومثله شفع الإقامة فلو نكس أعاد المنكس قاله الأجهوري، ولي بحث في بطلان الإقامة بشفعها ولو الجميع"تنبيه": والإقامة مثل الأذان في شروط الصحة ما عدا الذكورة وهي من الصبي للبالغين صحيحة كالأذان حيث كان ضابطًا أو لا يفعلها إلا تبعًا لأمر غيره بل عند حصول تحقيق الأذان من غيره تصح إقامته
لغيره ولو لم يكن ضابطًا ولا تابعًا لغيره. ولما فرغ من الكلام على ما يحصل به العلم بدخول الوقت وما يفعل قبل الإحرام بالصلاة شرع في بيان صفتها فقال:
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود متاب الصلاة باب: في الإقامة حديث 902 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: بدء الأذان حديث 603 ومسلم كتاب الصلاة باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة.

باب صفة العمل في الصلوات المفروضة
"و" صفة العمل في "ما يتصل بها من النوافل والسنن" ولعل المراد بما يتصل بالفرض ما يليه في الطلب ليشمل ما كان من النوافل سابقًا على فعل الفرض كأربعٍ قبل الظهر أو قبل العصر، ويشمل ما كان من السنن غير متصلٍ بفعل فرضٍ كالعيد والكسوف، ومراده بالعمل مطلق الفعل ليشمل الأقوال والأفعال لاشتمال الصلاة على الأقوال والأفعال، واعلم أن فرائض الصلاة سبع عشرة فريضةً: النية وتكبيرة الإحرام والقيام لها والفاتحة والقيام لها والركوع والقيام له والرفع منه والسجود، والرفع منه والجلوس بين السجدتين، والجلوس بقدر السلام والسلام والطمأنينة والاعتدال وترتيب الأداء ونية اقتداء المأموم، والمراد بالنية نية الصلاة المعينة إذا

كانت الصلاة فريضةً أو سنةً أو رغيبةً لافتقار الجميع إلى نيةٍ خاصةٍ، بخلاف ما ليس فريضةً ولا سنةً ولا رغيبةً فيكفي نية فعل ما قصده، ولو لم يلاحظ كونها صلاة ضحًى أو تراويح، ويقال مثل ذلك في نحو الصوم والحجقال ابن بشيرٍ: في تحريره أقوال الصلاة كلها ليست فرضًا إلا ثلاثةً: تكبيرة الإحرام والفاتحة والسلام، وأفعالها كلها فرائض إلا ثلاثةً: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، والجلسة الوسطى والتيامن عند السلام، زاد في المقدمات: والاعتدال فإنه مختلف فيه ا هـ. والمصنف إنما اهتم ببيان الصفة المتضمنة للأركان وغيرها، ولذلك قال سيدي أحمد زروق: يؤخذ من اقتصار المصنف على بيان الصفة أن من أتى بصلاةٍ على صفة ما قال المصنف تجزيه، ولو لم يميز فرضها من سنتها، ومثل ذلك من أخذ وصفها من فعل عالمٍولما كان مفتاحها تكبيرة الإحرام قال: "والإحرام في الصلاة" ولو نافلةً ركن وصفته "أن تقول الله أكبر" بالمد الطبيعي للفظ الجلالة قدر ألفٍ فإن تركه لم يصح إحرامه، كما أن الذاكر لا بد له من ذلك، واعلم أنه لا بد من الإتيان بهذا اللفظ على هذا الترتيب، ويحذر من مد همزة الله حتى يصير مستفهمًا، ومن مد باء أكبر، ومن تشديد رائه، ومن الفصل الطويل بين الله وأكبر، ومن الجمع بين إشباع الهاء من الله، وزيادة واوٍ مع همزة أكبر، فإن جميع ذلك مبطل للتكبير، كما يبطل ما وقع قبل العلم بدخول وقت ما أحرم له من فرضٍ أو سنةٍ، وأما زيادة واوٍ قبل همزة أكبر أو قلب الهمزة واوًا أو إشباع الهاء من الله أو وقفة يسيرة بين الله وأكبر، أو تحريك الراء فلا يبطل به الإحرام، وخبر التكبير جزم لا أصل له وعلى صحته فيحمل على أن معناه لا تردد فيه، فلو أبدل الله أكبر بالعظيم أو الجليل أو أبدل الله بالعزيز لا يجزيه، وتبطل صلاته، حيث قدر على هذا اللفظ العربي ولذلك قال: "لا يجزئ غير هذه الكلمة" بشروطها التي مرت، وأما لو عجز عنها أو قدر منها على ما لا معنى له فيكفيه الدخول بالنية، ولا يكلف الدخول بغيرها كالله العظيم، ولكن لا تبطل صلاته به، ولو كان ما أتى به أعجميا على ما يظهر من اقتصارهم على كراهة الدعاء بالعجمية للقادر على العربية دون قولهم بالبطلانوما قاله بعض شيوخ شيوخنا من البطلان فمبني على كلام القرافي من بطلانها بالدعاء أو التسبيح أو التكبير بالعجمية، والمعتمد عدم بطلان الصلاة بشيءٍ من ذلك، كما يؤخذ من كلام خليلٍ فإنه قال في مكروهات الصلاة أو بعجميةٍ لقادرٍ"تنبيهات" الأول: الدليل على وجوب تكبيرة الإحرام العمل وخبر المسيء صلاته، "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع

حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" 1، رواه الشيخانوخبر: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2 وتجب تكبيرة الإحرام على المأموم كما تجب على الإمام والفذ إلا القيام لها فإنه يجب في حق الإمام والفذ والمأموم غير المسبوق، وأما المسبوق وهو من سبقه الإمام بالركوع ففي وجوب القيام عليه وعدمه تأويلان في فهم قول المدونة، وإذا كبر للركوع ونوى به العقد أجزأه الباجي وابن بشيرٍ التكبير له إنما هو في حال الانحناء قالا: وهو ظاهرها، وقال غيرهما: معناها كبر قائمًاابن المواز: لو كبر منحنيًا لم تصح له تلك الركعة، وشهره في التنبيهات على الوجوب إذا وجد إمامه راكعًا، وابتدأ التكبير قائمًا، وأتمه في حال انحطاطه أو بعد تمام انحطاطه من غير فصلٍ لا يعتد بتلك الركعة، وعلى عدم وجوبه يعتد بها، وفرض المسألة أنه ينوي بتكبيرة الركوع والإحرام أو الإحرام فقط أو لم ينو شيئًا؛ لأنه ينصرف للإحرام، وأما لو ابتدأ التكبير في حال انحطاطه أو أتمه في حال انحطاطه أو بعده من غير فصلٍ، فإن الركعة تبطل قولًا واحدًا، وإحرامه صحيح، وما لو فصل بين أجزاء التكبير لبطلت صلاته سواء افتتحه من قيامٍ أو من انحطاطٍ، فالصور ست: صورتان محل التأويلين، وصورتان تبطل فيهما الركعة فقط، وصورتان تبطل فيهما الصلاةالثاني: ظاهر كلام المصنف أن التكبير نفس الإحرام؛ لأن المبتدأ نفس الخبر مع أن إضافة التكبير للإحرام تقتضي المغايرة، وأجاب بعض بأن الإضافة بيانية، وهذا عين كلام المصنف، وقال ابن العربي: الإحرام النية. وفي الأجهوري: التحقيق أن الإحرام مركب من عقدٍ هو النية، وقولٍ هو التكبير، وفعلٍ هو الاستقبال، فإضافة التكبير إلى الإحرام من إضافة الجزء إلى الكل، وهذا قريب من قول ابن عرفة: الإحرام ابتداؤها بالتكبير مقارنًا لنيتها"فرع" ومن صلى وحده ثم شك في تكبيرة الإحرام، فإن كان شكه قبل أن يركع كبر بغير سلامٍ، ثم استأنف القراءة، وإن كان بعد أن ركع فقال ابن القاسم: يقطع ويبتدئ، وإن تذكر
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات حديث 757, ومسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 3972 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب الآذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة حديث 631.

بعد شكه أنه كان أحرم جرى على من شك في صلاته ثم بان له الطهر، ولو كان الشاك إمامًا فقال سحنون: يمضي في صلاته، وإذا سلم سألهم فإن قالوا: أحرمت رجع قولهم، وإن شكوا أعاد جميعهم، انظر تبصرة اللخمي "و" يستحب لك في إحرامك أن "ترفع يديك" حين شروعك بحيث تجعلها حذو منكبيك"بفتح الميم تثنية منكبٍ وهو مجمع عظم العضد1 والكتف"أو" تجعلهما "دون ذلك" أي بحيث يحاذيان الصدر، وبقي قول ثالث يرفعهما حذو الأذنين، والأول هو المشهور كما قاله القرافي واختاره العراقيون، وصفة رفعهما على كل قولٍ من الثلاثة أن تكون اليدان قائمتين بحيث تحاذي كفاه منكبيه وأصابعه أذنيه على القول الأول، وهي صفة الراغب؛ لأن الراغب للشيء يبسط له يديه، وعند سحنونٍ يرفعهما صفة الراهب بأن يجعل ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض، وفي تت نوع مخالفةٍ لما قدمنا فإنه قال: الراغب يجعل بطون يديه للسماء، والراهب يجعل بطونهما للأرضوهذا يقتضي عدم قيام اليدين عند الإحرام، إلا أن يراد باليدين فيما تقدم غير الكفين، والدليل على الأول ما في البخاري من "أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبه إذا افتتح الصلاة"2
ودليل الثالث ما في الصحيحين: من "أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه".3
ودليل الثاني ما في أبي داود وقال وائل بن حجرٍ: "رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة "4 وهذه الأقوال في رفع الرجل، وأما المرأة فدون ذلك إجماعًا، ويستحب كشفهما عند الإحرام كما يستحب إرسالهما بعد التكبير لكراهة القبض في المفروضة، ويكون إرسالهما برفقٍ ولا يرفعهما إلى قدام، وحكمة استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام إما لمخالفة المنافقين في ضم أذرعهم إلى أجنابهم حرصًا على بقاء أصنامهم
ـــــــ
1 العضد: ما بين المرفق إلى الكتف أنظر الموسوعة الفقهية 24/1192 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح حديث 7353 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام حديث 391, ولم أجده عند البخاري4 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: رفع اليدين في الصلاة حديث 728 وانظر: في صحيح سنن أبي داود 728.

تحت آباطهم فأمرنا بالرفع لمخالفتهم، وللإشارة إلى أن المصلي قد رفض الدنيا وأقبل على ربه"ثم" بعد تكبيرة الإحرام "تقرأ" من غير فصلٍ بتسبيحٍ أو غيره لكراهة ذلك هنا، فثم في كلامه بمعنى الفاء لعدم تأخير القراءة عن التكبير. "فإن كنت في" صلاة "الصبح" أو الجمعة أو المغرب أو العشاء "قرأت جهرًا" بحيث تسمع من يليك "بأم القرآن" وهي فاتحة الكتاب، وسميت بأم القرآن لجمعها لمعانيه ولكن "لا تستفتح" قراءتك "ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولا في السورة" أو غيرها مما تقرؤه "التي بعدها" سرا ولا جهرًا إمامًا كنت أو فذا أو مأمومًا؛ لأنها عند الإمام أحمد وأبي حنيفة ليست آيةً من الفاتحة ولا من أول كل سورةٍ، فينهى المصلي عن قراءتها في الفريضة نهي كراهةٍ هذا هو المشهور في المذهبولابن نافعٍ قول بوجوبها كمذهب الشافعي وعند الإمام مالكٍ إباحتها وعزي لابن مسلمة ندبها، ودليل المشهور حديث عبد الله بن مغفلٍ والعمل، وكان المازري يأتي بها سرا فكلم في ذلك فقال: مذهب مالكٍ كله على صحة صلاة من يبسملومذهب الشافعي على قولٍ واحدٍ ببطلان صلاة تاركها، والمتفق عليه خير من المختلف فيه، وقد ذكر القرافي وابن رشدٍ والغزالي وجماعة أن من الورع الخروج من الخلاف بقراءة البسملة في الصلاة، ومثل ذلك قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بعد إحدى التكبيرات، لكن مع بعض دعاءٍ لتصير الصلاة صحيحةً باتفاقٍ؛ لأن الدعاء عندنا ركن ومحل كراهة البسملة في الفريضة إذا أتى بها على وجه أنها فرض من غير تقليدٍ لمن يقول بوجوبهاوأما إذا أتى بها مقلدًا له أو بقصد الخروج من الخلاف من غير تعرضٍ لفريضةٍ ولا نفليةٍ فلا كراهة، بل واجبة إذا قلد القائل بالوجوب ومستحبة في غيره، وأما البسملة والتعوذ في النافلة فالجواز من غير كراهةٍ"تنبيهات"الأول: ظاهر قول المصنف: ثم تقرأ وجوب القراءة على كل مصل، وليس كذلك بل إنما تجب على الإمام والفذقال خليل: وفاتحة بحركة لسانٍ على إمامٍ وفذ فيجب تعلمها إن أمكن، وإلا ائتم فإن لم يمكنا فالمختار سقوطها، ويستحب أن يفصل بين التكبير والركوع، وأما المأموم فقراءة الإمام قراءة له؛ لأنه ضامن لقراءته، لكن اختلف هل تجب في كل ركعةٍ أو الجل خلاف، والدليل

على فرضية أم القرآن خبر الصحيحين: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 1وخبر: "كل صلاةٍ لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج خداج خداج قاله ثلاثًا" 2 أي غير تمامٍ، وهذا شامل لصلاة الفرض والنفل فلا يقوم غير الفاتحة مقامهاالثاني: حكم الجهر فيما يجهر فيه، وحكم السر فيما يسر فيه من الصلوات الخمس السنية، وسيذكر المصنف حقيقة كل منهما في آخر هذا الباب، وإذا قرأ في محل السر جهرًا وفي محل الجهر سرا فإنه يسجد في الأولى بعد السلام؛ لأنه أتى بزيادةٍ وفي الثاني قبله؛ لأنه أتى بنقصٍ، وهذا حيث لم يتذكر المخالفة له إلا بعد وضع يديه على ركبتيه، وإلا أعاد القراءة على سننها، وهل يسجد بعد السلام أو لا؟ قولان وهذا كله حيث كان ما وقعت فيه المخالفة له بأل كالفاتحة أو جلها، وكانت الصلاة فريضةً وإلا فلا سجود، ومحله أيضًا إذا وقع منه على جهة السهو، وأما لو جهر في محل السر أو أسر في محل الجهر عمدًا فقيل: يستغفر الله ولا تبطل صلاته، وقيل: تبطل. قال خليل: وهل تبطل بتعمد ترك سنةٍ أولًا ولا سجود خلافالثالث: لو قرأ في الصبح أو نحوها مما يسن فيه الجهر سرا، ولم يتذكر إلا بعد وضع يديه على ركبتيه وقلنا لا يرجع فلو خالف رجع لأجل الجهر فقيل: تبطل صلاته لرجوعه من فرضٍ إلى سنةٍ، وقيل: لا تبطل وهو الظاهر كما في تارك الجلوس بعد اثنتين من الرباعية يرجع له بعد استقلاله المشار إليه بقول خليلٍ: ولا تبطل إن رجع ولو استقل"فإذا" قرأت أم القرآن و "قلت ولا الضالين فقل" على جهة الاستحباب "آمين" بالمد وتخفيف الميم على وزن فاعيل، وبالقصر مع تخفيف الميم على وزن فعيل، وبالمد مع تشديد الميم والنون مفتوحةً على اللغات الثلاث، والمشهور لغة وسنة المد مع التخفيف، وعلى هذه اللغة فقيل: إنه عجمي معرب لأنه ليس في كلام العرب فاعيل، وقيل: عربي: مبني على الفتح اسم فعل أمرٍ لطلب الإجابة معناه استجب واسمع وأمنا خيبة دعائنا، وقيل: إنه اسم عربي من أسمائه تعالى فتكون نونه مبنيةً على الضم؛ لأنه معرفة منادًى والتقدير: يا آمين استجب دعاءناـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات حديث 756, ومسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 3942 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 395, وأبو داود حديث 821, والترمذي حديث 2953 والنسائي حديث 909, وابن ماجه حديث 840 واللفظ له.

والمعتمد أنه اسم فعل أمرٍ، وليس من أسمائه تعالى لأن المختار أن أسماءه تعالى توقيفية ولم يرد منها آمين، وعلى هذا ابن عباسٍ وقتادة وأشعر قوله فقل إن آمين ليست من الفاتحة ولا من القرآن، وهو كذلك إجماعًا ومحل ندب التأمين "إن كنت وحدك" سواء كانت الصلاة سريةً أو جهريةً "أو خلف إمامٍ" في السرية أو الجهرية إن سمع قول الإمام ولا الضالين "و" يستحب لك أن "تخفيها" أي لفظ آمين؛ لأنها دعاء والأفضل فيه الإخفاء"ولا يقولها" أي لفظة آمين "الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيما أسر فيه" على جهة السنية، ولما كان يتوهم من قوله: ولا يقولها الإمام الخ الاتفاق على عدم قولها قال: "وفي قوله" أي الإمام "إياها في الجهر اختلاف" والمعتمد الأول قال خليل: وتأمين فذ مطلقًا وإمامٍ بسر ومأمومٍ بسر أو جهرٍ إن سمعه على الأظهر وإسرارهم به، والضمير في سمعه للجهر بآخر الفاتحة وهو لفظ ولا الضالين، وإن لم يسمع ما قبلها لا إن لم يسمع آخرها وإن سمع ما قبله"ثم" بعد قراءة أم القرآن "تقرأ" بعدها على جهة السنية شيئًا من القرآن ولو آيةً قصيرةً كذواتا أفنانٍ أو {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] أو بعض آيةٍ طويلةٍ كآية الدين، والأفضل "سورة" كاملة ويستحب أن تكون "من طوال المفصل" الذي أوله الحجرات على ما رجحه الأجهوري ومنتهاه النازعات، ومن عبس إلى الضحى وسط، ومن الضحى إلى آخر القرآن قصار، فعلم مما ذكرنا أن السنة لا تتوقف على كمال السورة إذ كمالها مستحب، ويكره الاقتصار على بعضها، وأشعر قوله: ثم تقرأ أن السورة مؤخرة على أم القرآن قيل على جهة الوجوب، وقيل إنه شرط في حصول السنية فلو قرأها قبل الفاتحة أعادها إلا
أن يركع ويضع يديه على ركبتيه فكإسقاطها فتفوت ويسجد لها قبل السلام، وإذا أعادها فإنه يسجد بعد السلام، بخلاف ما لو شك بعد قراءة السورة هل قرأ الفاتحة أم لا؟ فقرأ الفاتحة وأعاد السورة فإنه لا سجود عليهوفهم من قوله: سورةً أنه لا يقرأ سورتين في الركعة، وهو كذلك في حق الفذ والإمام، وأما المأموم في السرية فلا بأس بقراءته سورةً ثانيةً إذا طول إمامه"تنبيه": قوله: من طوالٍ، قال الفاكهاني: رويناه طوال بإثبات الألف وكسر الطاء، والأصل فيه طول بضم الطاء وفتح الواو من غير ألفٍ بعد الواو؛ لأنه جمع طولى كأولى وأول وأخرى وأخر وقربى وقرب، وجاء في الحديث: "السبع الطوال" 1 وهو جمع طويلٍ كقصيرٍ وقصارٍـــــــ
1 أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب من جهر بها حديث 786.

قال في الصحاح: الطول بضم الطاء الطويل يقال فيه طويل وطول فإذا أفرط في الطول قيل طوال مشددًا، والطوال بالكسر جمع طويلٍ، وأما الطوال بالفتح فهو الزمن الطويل، يقال: لا أكلمه طوال الدهر وطول الدهر، أي لا أكلمه أبدًا، فطوال وطول الدهر بمعنًى. قال الأجهوري بعد قول الفاكهاني: لأنه جمع طولى، قد يقال إنه جمع طويلٍ فلا إشكال في كلام المصنف حتى يعترض عليه بأن الأصل طول، قلت: لا يصح أن يقال طوال جمع طويلٍ؛ لأن كلام المصنف في وصف المؤنث؛ لأن المراد وصف السور، ووصف المؤنث طولى وجمعها طول وطوال جمع طويلٍ وصف المذكر، فكلام الفاكهاني في محله اللهم إلا أن يكون مراد الأجهوري كالمصنف طوال القرآن المفصل"وإن كانت" السورة التي تقرؤها في الصبح "أطول من ذلك" بأن تقرأ سورةً قريبةً من طوال المفصل "فحسن" أي مستحب "بقدر" زمان "التغليس" بحيث لا يحصل إسفار، والتغليس اختلاط الظلمة بالضياء، والأصل في ذلك ما في كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: صل الصبح والنجوم مشتبكة واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل، وإنما ندب التطويل في الصبح لإدراك الناس جماعتها؛ لأن الغالب على الناس عدم الاجتماع قبل وقتها، وهذا التطويل إنما هو في حق إمامٍ لقومٍ محصورين يرضون بالتطويل، أو شخص منفرد يقوى على التطويل، وإما منفرد لا يقوى على التطويل، أو إمام قومٍ غير محصورين، فالأفضل في حقهم عدم التطويل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم للناس أي إمامًا للناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير وذا الحاجة". 1 "و" يسن أن "نجهر بقراءتها" كما يسن بقراءة أم القرآنفإذا تمت السورة" المراد ما قرأته بعد أم القرآن "كبرت" استنانًا "في" حال "انحطاطك للركوع" قال خليل: وتكبيره في الشروع إلا في قيامه من اثنتين فلاستقلاله فأخذ من كلامه ثلاثة أشياء: طلب التكبير في حال الركوع ومقارنته للشروع فيه والركوع، أما التكبير فسنة لكن اختلف هل كل تكبير الصلاة خلا تكبيرة الإحرام سنة أو كل واحدةٍ سنة؟ وهو قول ابن القاسم، وعلى كلا القولين: لو ترك تكبيرةً واحدةً غير تكبير العيد سهوًا لا يسجد، وإن سجد لها قبل السلام عمدًا أو جهلًا بطلت صلاته، وإن ترك أكثر من سنةٍ ولو جميعه يسجد، فإن ترك السجود
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري بنحوه متاب العلم باب: الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره حديث 90, ومسلم كتاب الصلاة باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام حديث 467, وأبو داود حديث 794, والترمذي حديث 236 والنسائي حديث 823.

وطال فيفترق القولان، فعلى القول بأن الجميع سنة واحدة لا تبطل الصلاة، وعلى الآخر تبطل بترك السجود، لثلاثٍ فأكثر لقول خليلٍ عاطفًا على ما تبطل به الصلاة وبترك قبلي عن ثلاث سننٍ وطال، وأما مقارنته لأفعالها فمستحبة، وأما الثالث وهو الركوع ففرض من فرائض الصلاة المجمع عليها لقوله تعالى: {ارْكَعُوا} [الحج: 77] ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم اركع حتى تطمئن راكعًا" 1 والركوع لغةً انحناء الظهر، وشرعًا فأقله الذي لا يسمى ركوعًا إلا به كما قال ابن شعبان: انحناء مع وضع يديه على آخر فخذيه بحيث تقرب بطنا كفيه من ركبتيه، فلو قصرتا لم يزد على تسوية ظهرهولو قطعت إحداهما وضع الأخرى على ركبتها، فإن لم تقرب راحتاه من ركبتيه لم يكن ركوعًا، ووضع اليدين على الركبتين مستحب، فلو سد لهما في حال ركوعه لم تبطل صلاته، وللوضع ثلاث حالاتٍ أشار لأفضلها بقوله: "فتمكن يديك" أي كفيك مفرقًا أصابعهما في حال ركوعك "من ركبتيك" على جهة الاستحباب "وتسوي ظهرك" حال كونك "مستويًا" أي معتدلًا لما روي عنه صلى الله عليه وسلم من "أنه كان إذا ركع يسوي ظهره بحيث لو صب عليه الماء ووضع القدح عليه لا يذهب منه شيء".2
"ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه" بأن تخفضه إلى أسفل فإنه مكروه"و" إذا مكنت يديك من ركبتيك "تجافي" أي تجنح وتباعد متوسطًا "بضعيك" بفتح الباء وسكون الموحدة "عن جنبيك" فأطلق المجافاة وأراد بها التجنح المتوسط كما يأتي، وهذا في حق الرجل، وأما المرأة فالمطلوب منها الانضمام. قال خليل: ووضع يديه على ركبتيه بركوعه وندب تمكينهما منهما ونصبهما فيؤخذ منه أن وضعً اليدين على الركبتين مستحب، فلو لم يضعهما على ركبتيه حال ركوعه بل سد لهما لم تبطل صلاته، ويؤخذ منه استحباب تسوية الركبتين فلا يبالغ في الانحناء فيجعلهما قائمتين، وهو المراد بقوله نصبهما، ويستحب تسوية القدمين فلا يقرنهما وهذا الذي ذكره المصنف هو الصفة الكاملة في وضع اليدين، وبقي صفتان إحداهما وضع اليدين قرب الركبتين وهذه أدنى، ويليها صفة أخرى وضع اليدين على الركبتين من غير تمكينٍ ف المصنف اقتصر على الأفضلـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات حديث 757, ومسلم كتاب الصلاة باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 3972 صحيح: أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب الركوع في الصلاة حديث 872, وانظر صحيح الجامع 4732.

والحاصل أن أصل الوضع والتمكين والمجافاة المذكورة وتسوية الظهر وعدم رفع رأسه وعدم خفضه الاستحباب فلا تبطل الصلاة بترك شيءٍ منه بل يكره فقط. "و" يطلب منك أن "تعتقد" بقلبك "الخضوع بذلك" أي "بركوعك وسجودك" فقوله بركوعك بيان لاسم الإشارة، والخضوع والتذلل والخشوع متقاربة المعنى، وهو وقوع الخوف في القلب، واختلف في حكم طلب الخشوع في الصلاة فقيل الندب، وهو المشهور عند الفقهاء بدليل صحة من تفكر بدنيوي إذ لم يقولوا ببطلانها مع ضبطه أفعالها، وإنما ارتكب مكروهًا، وقيل: إنه فرض من فرائض الصلاة كما عده عياض، وقال ابن رشدٍ: إنه من فرائضها التي لا تبطل بتركها، وقال بعضهم: يجب في جزءٍ منها وينبغي أن يكون عند تكبيرة الإحرام، عن الشيخ زروقٍ: من أراد أن يصرف الله عنه الخواطر الرديئة فليضع يده على قلبه وليقل: سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال سبع مراتٍ، ثم يقول: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 19- 20]"ولا ندعو" بإثبات الواو؛ لأنه خبر أريد به النهي أي يكره أن تدعو "في ركوعك" وإنما يستحب التعظيم لذلك قال: "وقل" ندبًا في حال ركوعك "إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده" وإن شئت سبحان ربي الأعلى، فقوله: إن شئت ليس المراد التخيير في القول وعدمه أصلًا؛ لأن التسبيح ونحوه مستحب، وقيل سنة فلا يكره تركه سويا لفعله، والدليل على ما ذكره المصنف من كراهة الدعاء وندب غير قوله صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فادعوا فيه بما شئتم أو فاجتهدوا في الدعاء" 1 فقمن أي حقيق أن يستجاب لكم، ولا يعارضه ما صح أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي؛ لأن هذا محمول على أنه فعله لبيان جوازٍ، والأول لبيان الأولى، وأتم من هذا الجواب أن الدعاء هنا وهو قوله: اللهم اغفر لي تبع للتسبيح الذي قبلهومما يدل أيضًا على اختصاص الركوع بالتسبيح ما ورد في الحديث من أنه لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم"ولما نزل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: "اجعلوها في سجودكم" 2 "تنبيه" علم من
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود حديث 479, وأبو داود حديث 876 والنسائي حديث 1045 وأحمد 1/219, حديث 19002 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده حديث 869, وابن ماجه حديث 887, وأحمد 5/389, حديث 23359, وانظر في ضعيف سنن ابن ماجه 186/887.

كلام المصنف كراهة الدعاء في الركوع وهو أحد مواضع الكراهة، ومنها الدعاء بعد الإحرام وقبل الفاتحة، ومنها عقب التشهد الأول، ومنها أثناء الفاتحة وأثناء السورة في الفريضة دون النافلة، ومنها بعد الفاتحة وقبل السورة، ومنها بعد الجلوس وقبل التشهد، ومنها بعد سلام الإمام وقبل سلام المأموم، وليس منها بين السجدتين خلافًا لبعضهم، ولما كان إمامنا يفر من التحديد في النوافل والأذكار قال: "ليس في ذلك توقيت قولٍ" أي أن التسبيح لا يتحدد بعددٍ بحيث إذا نقض عنه يفوته الثواب، بل إذا سبح مرةً يحصل له الثواب، وإن كان يزاد في الثواب بزيادته "ولا حد في اللبث" أي أن الركوع لا حد لزمن المكث فيه زيادةً على ما يطلب؛ لأنه يحصل فرضه بمطلق الطمأنينة فيه مع الاعتدال، إذ الطمأنينة فرض في سائر الأركان، وأما الزائد عليها فهو سنة ولا حد فيه إلا أن ينهى عن الطول المفرط في الفريضة بخلاف النافلة، وهذا كله في حق الفذ، وأما الإمام فالمطلوب في حقه التخفيف"ثم" إذا فرغت من الركوع على النحو الذي قاله المصنف "ترفع رأسك" منه وجوبًا حتى تعتدل قائمًا "وأنت" أي والحال "أنك قائل" على جهة السنية: "سمع الله لمن حمده" إن كنت إمامًا أو فذا، "ثم تقول" مع ذلك على جهة الندب: "اللهم ربنا ولك الحمد" بالواو "إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام" بل يقتصر على: سمع الله لمن حمده "ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده"؛ لأن هذه السنة ساقطة عنه"وإنما يقول اللهم ربنا ولك الحمد"، والحاصل: أن الفذ يجمع بين التسميع والتحميد، والإمام يقتصر على التسميع والمأموم على التحميد، وإنما الفذ بينهما؛ لأن سمع الله لمن حمده بمنزلة الدعاء، وربنا ولك الحمد بمنزلة التأمين، وفي جمع المصنف بين اللهم والواو في ربنا ولك الحمد اتباع لما اختاره مالك وابن القاسم؛ لأن الكلام معهما أربع جملٍ، وروى أشهب عن مالكٍ: اللهم ربنا لك الحمد، وعنه رواية ثالثة بزيادة الواو فقط، ورابعة بنقص اللهم والواو بأن يقول: ربنا لك الحمد، والكلام عليها جملتان، والدليل على هذا التفصيل ما في الموطإ والصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" 1 ومعنى موافقة الملائكة في النية والإخلاص فيستفاد من الحديث أن
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: فضل اللهم ربنا لك الحمد حديث 796, ومسلم كتاب الصلاة باب التسبيح والتحميد والتأمين حديث 409.

الإمام يقتصر على سمع الله لمن حمده، والمأموم إنما يقول: ربنا ولك الحمد، وأما الفذ فيجمع بينهما، والأصل في مشروعية التسميع والتحميد "أن الصديق رضي الله عنه لم تفته صلاة خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء يومًا وقت العصر فظن أنها فاتته معه عليه الصلاة والسلام فاغتم لذلك وهرول ودخل المسجد فوجده صلى الله عليه وسلم مكبرًا في الركوع فقال: الحمد لله وكبر خلف الرسول صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل والنبي عليه الصلاة والسلام في الركوع فقال: يا محمد سمع الله لمن حمده فقل سمع الله لمن حمده فقالها عند الرفع من الركوعوكان قبل ذلك يركع بالتكبير، ويرفع به"1 فصارت سنةً من ذلك الوقت ببركة أبي بكرٍ رضي الله عنه، ولعل المراد بالهرولة الإسراع من غير خببٍ كما سيأتي من أن المحافظة على السكينة مقدمة على إدراك الجماعة:
"تنبيه" علم مما ذكرنا أن ربنا لك الحمد من المندوبات وسمع الله لمن حمده من السنن، ولكن اختلف هل جميع التسميع سنة واحدة أو كل مرةٍ سنة؟ الخلاف في التكبير يأتي هنا وما يتفرع على القولين من بطلان الصلاة بترك السجود للسهو جميعه أو ثلاثٍ بناءً على أن كل واحدةٍ سنة وعدم البطلان بناءً على أن جميعه سنة"و" يجب عليك بعد رفع رأسك من الركوع أن "تستوي" أي تعتدل حالة كونك "قائمًا مطمئنا" قال العلامة خليل: وطمأنينة واعتدال على الأصح لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته "ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا" 2 والفرق بين الطمأنينة والاعتدال أن الاعتدال نصب القامة والطمأنينة استقرار الأعضاء زمنًا ما، ويطلب منك زيادة على الطمأنينة والاعتدال أن تكون "مترسلًا" أي متمهلًا زيادةً على الطمأنينة؛ لأن الزائد عليها سنة، ويحتمل أن يكون مترسلًا تفسيرًا لمطمئنا"ثم" بعد اعتدالك في رفعك "تهوي" بفتح التاء أي تنزل إلى الأرض "ساجدًا لا تجلس" في هويك "ثم تسجد" فإنه مكروه خلافًا لبعض الأئمة حيث جعله سنةً مستدلا بفعله صلى الله عليه وسلم، ولنا ما قالته عائشة رضي الله تعالى عنها "أنه إنما فعله عليه الصلاة والسلام لما كبر سنةً وثقلت أعضاؤه"، ثم إن خالف المطلوب وجلس ثم سجد فإن فعله عمدًا فلا سجود عليه ولا بطلان إن لم يفحش، وأما إن كان سهوًا فلا شيء عليه إلا أن يطول فيسجد له بعد السلام. "و" يسن أن
ـــــــ
1 لم أقف عليه2 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات حديث 757, ومسلم كتاب الصلاة باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة حديث 397.

"تكبر في انحطاطك للسجود" لتعم الركن بالتكبير وتقدم يديك على ركبتيك في هويك للسجود وتؤخرهما عن الركبتين عند القيامقال خليل: وتقديم يديه في سجوده وتأخيرهما عند القيام لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، وما رواه أصحاب السنن: من "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه"1 فمتكلم فيه بالنسخ أو مما انفرد به بعض الرواة، وإذا أردت معرفة حقيقة السجود "فتمكن جبهتك" وهي مستدير ما بين الحاجبين إلى الناصية، والفرض يحصل بمس الأرض بأدنى جزءٍ منها"و" تمكن أيضًا "أنفك من الأرض" أو ما اتصل بها وهذا بيان لصفة السجود الكاملة، وأما أصل الفرض فيحصل بمس الأرض بالجبهة ولو من غير تمكينٍ، ولذا قال العلماء في تعريفه: والسجود شرعًا أقله الواجب لصوق الأرض أو ما اتصل بها من سطح غرفةٍ أو سرير خشبٍ أو شريطٍ للمريض العاجز عن النزول إلى الأرض كائنًا ذلك، واللصوق على أدنى جزءٍ من جبهته وهي مستدير ما بين الحاجبين إلى الناصية، فالفرض يحصل بمس الأرض بأدنى جزءٍ من جبهته وإلصاق جميعها بحيث تستقر منبسطةً مستحب فقط، كما يستحب السجود على الأنف، وقيل: يجب لا على جهة الشرطية فيعيد الصلاة لتركه في الوقت، واقتصر عليه خليل حيث قال: وسجود على جبهته وأعاد لترك أنفه بوقتٍ، وبما قررنا تعلم أن ما اتصل بالأرض كالأرض، وأن الفرض السجود بالجبهة لا بالأنف خلافًا لما يوهمه كلامه، وأما السجود على نحو القطن والصوف والحشيش الذي لا يستقر تحت جبهة الساجد فلا يصح كالسجود على العمامة إلا ما كان قدر الطاقة والطاقتين اللطيفتين، وأما السجود على السرير فإن كان من الخشب فهو كسقف البيت يصح السجود عليه لتنزله منزلة الأرض ولو للصحيح، بخلاف ما كان من شريطٍ أو حبلٍ فلا يصح السجود عليه إلا لمن لا يستطيع النزول على الأرض، وأما من لا يستطيع السجود ولو على سريرٍ فيكفيه الإيماء، ولو كان يستطيع على أنفه فقط؛ لأن السجود على الأنف إنما يطلب تبعًا للسجود على الجبهة فحيث سقط فرضها سقط تابعها"وتباشر" ندبًا "بكفيك الأرض"في سجودك وكذا بجبهتك لأنه من التواضع، ويكره
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه حديث 838, والترمذي حديث 268, والنسائي حديث 1089, وابن ماجه حديث 882 وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود.

السجود على حصيرٍ أو غيره مما فيه رفاهية إلا لنجاسة الأرض أو حر أو بردٍ أو لكونها مفروشةً في المسجد فلا كراهة، وتكون في حال مباشرة الأرض "باسطًا يديك" أي مادا لهما حالة كونهما "مستويتين إلى القبلة" فإلى القبلة ظرف لغوٍ متعلق بباسطًا، ويكره السجود عليهما مقبوضتين أو مادا لهما لغير جهة القبلة، و "تجعلهما" عند وضعهما على الأرض مبسوطتين مستويتين إلى القبلة "حذو أذنيك أو دون ذلك" بأن تضعهما أسفل من الأذنين، وكل ذلك على جهة الاستحباب، فلو خالف شيئًا من ذلك لك يسجد لسهوه ولا تبطل صلاته لعمده، وأما السجود على اليدين فسنة كالسجود على الركبتين والقدمينقال خليل: وسن على أطراف قدميه وركبتيه كيديه على الأصح لخبر: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظمٍ" فإنه محمول عندنا على السنية بدليل آخر الحديث وهو قوله: "ولا أكفت الشعر" فإنهم نصوا على عدم البطلان بكفته، وهو يدل على أن الأمر ليس للوجوب، ولا يقال: إذًا لا يجب السجود على الجبهة فإنها من جملة السبعة، لأنا نقول: السجود أخذت فريضته من قوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وحقيقة السجود وضع الجبهة بالأرض، ولما كان الوضع المذكور لا مزية فيه لبعض الوجوه قال: "وذلك" الجعل "كله واسع" إذ ليس من الفرائض، ويحتمل أن اسم الإشارة راجع لمباشرة الأرض بالكفين وبسطهما وما بعده وهو صحيح "غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض" بل المستحب رفعهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه كافتراش الكلب" 1 لأنه مكروه، كما يكره افتراشهما على فخذيه"ولا تضم عضديك" تثنية عضدٍ وهو المفصل من المرفق إلى الكتف "إلى جنبيك ولكن تجنح" أي تميل "بهما تجنيحًا وسطًا" والأصل في ذلك خبر ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنه "كان إذا سجد جنح بيديه حتى يرى وضح إبطيه أي بياض إبطيه من ورائه"2 والمعنى كما في رواية: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يفرج يديه عن إبطيه"3ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: صفة الجود حديث 897, والترمذي حديث 275, والنسائي حديث 1103, وابن ماجه حديث 891, وأحمد 3/109 حديث 12085. وصححه الألباني في حديث أبي داود2 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم حديث 497, والنسائي حديث 1147, والدارمي حديث 13303 صحيح: أخرجه البخاري كتاب المناقب باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث 3564, ومسلم كتاب الصلاة باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح بها ويختتم حديث 495.

قال خليل: ومجافاة رجلٍ فيه بطنه عن فخذيه ومرفقيه وركبتيه، والحاصل أنه يستحب للساجد في الفريضة والنافلة التي لم يطول فيها أن يفرق بين بطنه وفخذيه، وبين مرفقيه وركبتيه، وبين ذراعيه وفخذيه، وبين ركبتيه، وأما المرأة فسيأتي أنها تكون في سجودها منضمةً"و" يستحب لك أن "تكون رجلاك" أي صدور قدميك "في" حال "سجودك قائمتين" بأن تجعل كعبيك أعلى "وبطون إبهاميهما إلى الأرض" وكذا بطون سائر الأصابع، فالندب متعلق بتلك الهيئة فلا ينافي أن السجود على القدمين سنة "وتقول" على جهة الاستحباب "إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءًا فاغفر لي"؛ لأنها حالة يكون العبد فيها قريبًا من ربه، والتسبيح تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، ومعنى ظلمت نفسي أطعتها في فعل ما لا يحل شرعًا، ومعنى اغفر لي استر ما وقع مني عن الملائكة والخلق يوم الحساب ولا تؤاخذني به، وسبحان من المصادر الملازمة للنصب بعاملٍ مقدرٍ تقديره سبحت أو ذكرت"أو" تقول "غير ذلك" اللفظ المتقدم "إن شئت"؛ لأن الإمام يفر من التحديد، وإنما اختار المصنف التصريح باللفظ المتقدم لما قيل: من أن آدم عليه الصلاة والسلام قاله حين أكل من الشجرة وأهبط إلى
الأرض فابيض وجهه بعد اسوداده من أكل الشجرة ولما كان السجود يجوز فيه غير التسبيح"و" يستحب لك أن "تدعو في سجودك" بدل التسبيح "بما شئت" من الأدعية. قال خليل: ودعا بما أحب وإن لدنيا، لكن لا تدعو إلا بأمرٍ جائزٍ وممكنٍ عادةً وشرعًا، فلا تدعو بممتنعٍ وإن كانت لا تبطل صلاتك على ما استظهره بعض شيوخنا، وإنما قال بما شئت إشارةً إلى أن المندوب يحصل بمطلق دعاءٍقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ويكره الدعاء بلفظٍ خاص لما فيه من إساءة الأدب مع قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}"تنبيهات" الأول: علم مما ذكرنا ندب الدعاء بكل ممكنٍ، سواءً كان من أمر الدين أو الدنيا، سواءً كان في القرآن أو غيره، كما ورد عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه: إني لأدعو الله في حوائجي كلها في الصلاة حتى بالملح لو سمى المدعو عليه في صلاته. قال خليل: ولو قال: يا فلان فعل الله بك كذا لم تبطل صلاته حيث كان غائبًا مطلقًا أو حاضرًا، ولم يقصد مخاطبته وإلا بطلت.

الثاني: اختلف في جواز الدعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة. قال ابن ناجي: أفتى بعض شيوخنا بالجواز محتجا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88] الآية، والصواب عندي أنه لا يجوز وليس في الآية ما يدل على الجواز؛ لأنه فرق بين الكافر المأيوس من إيمانه كفرعون وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنة إما ابتداءً أو بعد عذابٍ، وقد قال عياض في حديث: "لعن الله السارق" إنه حجة للعن من لم يسم؛ لأنه لعن للجنس ولعن الجنس جائز؛ لأن الله أوعدهم وينفذ الوعيد فيمن شاء منهم، وإنما ينهى عن لعن المعين والدعاء عليه بالإبعاد عن رحمة الله وهو معنى اللعنالثالث: قال القرافي: الدعاء على الظالم له أحوال: إما بعزله لزوال ظلمه فقط وهذا حسن، وثانيها بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممن له تعلق به، ولم يحصل منه جناية عليه وهذا ينهى عنه لأذيته من لم يمن عليه، وثالثها الدعاء بالوقوع في معصيةٍ كابتلائه بالشرب أو الغيبة أو القذف فينهى عنه أيضًا؛ لأن إرادة المعصية للغير معصية، ورابعها الدعاء عليه بحصول مؤلماتٍ في جسمه أعظم مما يستحقه في عقوبته، فهذا لا يتجه أيضًا لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ويخص تركه لقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] ففعله جائز وتركه أحسن "وليس لطول ذلك" السجود "وقت"؛ لأن الشارع لم يرد عنه فيه غاية لطوله إلا أنه ينبغي أن لا يخرج عن العرف. "و" أما "أقله" الواجب الذي لا تصح الصلاة إلا به فهو "أن تطمئن مفاصلك" بالأرض حالة كونك "متمكنًا" أي معتدلًا لما مر من أن الطمأنينة فرض وكذا الاعتدال على الأصح"ثم" إذا فرغت من سجودك وتسبيحك أو دعائك "ترفع رأسك" من سجودك على سبيل الفرضية حال كونك متلبسًا "بالتكبير فتجلس" وجوبًا حتى تعتدل جالسًا مطمئنا؛ لأن الجلوس بين السجدتين فرض "فتثني رجلك اليسرى" بأن تجعلها على الأرض "في جلوسك بين السجدتين وتنصب" أي تقيم قدم "رجلك اليمنى و" تجعل "بطون أصابعها إلى الأرض" والمراد بطن بعض أصابعها وهو الإبهامقال خليل: والجلوس كله بإفضاء ورك اليسرى للأرض واليمنى عليها وإبهامها للأرض، وبجعلنا اليسرى صفةً للورك يستفاد منه أن أليته اليسرى مباشرة للأرض، وينصب جانب قدم الرجل اليمنى عليها بحيث يصير الورك الأيمن مرتفعًا عن الأرض، ويفضي بباطن إبهام اليمنى

وبعض أصابعها للأرض فتصير رجلاه إلى الجانب الأيمن وقاعدًا على أليته اليسرى ولا يقعد على رجله اليسرى كما يأتي في كلامه، وتلك الصفة غير مختصةٍ بالجلوس بين السجدتين، واحترز بقوله بين السجدتين عن الجلوس بدل القيام لمن يصلي جالسًا فإن جلوسه حال القراءة والركوع التربع على جهة الندب وعند السجود بغير جلسته كما قال خليل، وتربع كالمتنفل وغير جلسه بين السجدتين"و" يستحب بعد رفع رأسك من السجود وجلوسك على تلك الصفة أن "ترفع يديك عن الأرض" وتضعهما "على ركبتيك" وهذا قول خليلٍ على ما في بعض النسخ، ووضع يديه على ركبتيه فيكون من تتمة الكلام على صفة الجلوس، ولعل المراد بقوله على ركبتيك وضعهما بالقرب من الركبتين فيوافق
قوله بعد على فخذيك، وقول الجواهر: ويضع يديه قريبًا من ركبتيه، والظاهر أن ذلك كله واسع؛ لأن القصد رفعهما عن الأرض، سواء وضعهما على الركبتين أو على الفخذين، واعلم أن المصنف لم يبين حكم وضع اليدين على الركبتين ولا حكم الرفع، وقال ابن ناجي: أما وضعهما على الركبتين فلا خلاف أن ذلك مستحب، وأما رفعهما عن الأرض فقال سحنون: اختلف أصحابنا إذا لم يرفعهما فقال بعضهم بصحة صلاته، وقال بعضهم ببطلانها وشهر كل منهما، ولكن الذي صححه سند واقتصر عليه خليل الصحة، وأن رفعهما عن الأرض مستحب فقط، ويقويه قول القرافي: وعن سنة الجلوس أن يرفع يديه من الأرض على فخذيه، فإن تركهما في الأرض فقال في النوادر: يعيد في الوقت، وقال سند: والأصح أن ذلك خفيف لا يضر تركه"تنبيهان" الأول: سكت المصنف عن الدعاء بين السجدتين هل يطلب أم لا؟ واقتصر خليل على عدم كراهة الدعاء حيث قال لا بين سجدتيهقال شارحه: أي فلا يكره الدعاء بين السجدتين والحكم أنه يستحب كاستحبابه بعد التشهد الأخير، وعن ابن أبي زيدٍ: لا دعاء ولا تسبيح ومن دعا فليخففوفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني واعف عني". 1 وقال ابن ناجي: قيل يستحب الدعاء بين السجدتين بهذا الدعاء، وأقول: الظاهر ندب فعله كما قدمنا عن شرح خليلٍ للحديث لما تقرر من جواز العمل
ـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب: الدعاء بين السجدتين حديث 850 والترمذي حديث 284, وابن ماجه حديث 898 دون: "اعف عني" وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

بالأحاديث في فضائل الأعمال وإن فرض ضعفهاالثاني: يؤخذ من ندب تلك الهيئة في الجلوس كراهة ما خالفها كالإقعاء1 بكسر الهمزة لما في أبي داود من قوله عليه الصلاة والسلام لعلي: "إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي" 2 لا تقع بين السجدتين وهو الجلوس بأليتيه على عقيبه أو الرجوع على صدور القدمين، وأما جلوس الرجل على أليتيه مع نصب فخذيه ووضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب فممنوع كما قاله أبو الحسن في شرح المدونة وهو تفسير أبي عبيدة"ثم" بعد رفعك من السجدة الأولى "تسجد الثانية كما فعلت في" السجدة "الأولى" من تمكين الجبهة والأنف وقيام قدميك ومباشرة الأرض بكفيك، ومقتضى قوله: كما فعلت في الأولى أنه لا يطول الثانية عن الأولى"ثم" بعد السجدة الثانية "تقوم من الأرض كما أنت معتمدًا على يديك" على جهة
ـــــــ
1 الإقعاء عند العرب: إلصاق الإليتين بالأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض وقال ابن القطاع: أقعى الكلب جلس على إليتيه ونصب فخذيه وأقعى الرجل جلس تلك الجلسةوللفقهاء في الإقعاء تفسيران:
الأول: نحو المعنى اللغوي وهو اختيار الطحاوي من الحنفيةوالثاني: أن يضع إليتيه على عقبيه ويضع يديه على الأرض وهو اختيار الكرخي من الحنفيةوجلسة الإقعاء غير التورك والافتراش فالافتراش أن يجلس على كعب يسراه بحيث يلي ظهرها بحيث يلي ظهرها الأرض وينصب يمناه ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابها على الأرض معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعه إلى القبلةوالتورك إفضاء ألية وورك وساق الرجل اليسرى للأرض ونصب الرجل اليمنى على اليسرى وباطن إبهام اليمنى للأرض فتصير رجلاه معا من الجانب الأيمنوالإقعاء بالمعنى الأول مكروه في الصلاة عند أكثر الفقهاء لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الإقعاء في الصلاة" وعند المالكية: الإقعاء بهذه الصورة حرام ولكن لا تبطل الصلاةوأما الإقعاء بالمعنى الثاني فمكروه أيضا عند الحنفية والمالكية والحنابلة إلا أن الكراهة تنزيهية عند الحنفيةوعند الشافعية: الإقعاء بهذه الكيفية بين السجدتين سنة ففي مسلم "الإقعاء سنة نبينا صلى الله عليه وسلم"وفسره العلماء بهذا ونص عليه الشافعي في البويطي والإملاء في الجلوس بين السجدتين. ونقل عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أفعل ولا أعيب من فعله وقال: العبادلة كانوا يفعلونهأما الإقعاء في الأكل فلا يكره روى أنس رضي الله عنه قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا مقعيا يأكل تمرا" أنظر الموسوعة الفقهية 6/87, 882 ضعيف: أخرجه الترمذي كتاب الصلاة باب: ما جاء في كراهية الإقعاء بين السجدتين حديث 282 وانظر ضعيف الجامع 6400.

الاستحباب قال خليل: وتقديم يديه في سجوده وتأخيرهما عند القيام خلافًا لأبي حنيفة حيث ندب عكسه وتقدم دليلنا، والجواب عما تمسك به، "ولا نرجع" من سجودك "جالسًا لتقوم" للركعة الثانية "من جلوسٍ" خلافًا للشافعي في رجوعه جالسًا جلسة الاستراحة، فلو جلس غير مقلدٍ للشافعي فإن كان عامدًا استغفر الله، وإن كان ساهيًا فقيل يسجد بعد السلام"ولكن" المندوب الرجوع من السجود إلى القيام من غير جلوسٍ "كما ذكرت لك" في الهوي من القيام إلى السجود من غير جلوسٍ، فحاصل المعنى: أنك كما تنزل إلى السجود من قيامٍ، ولا تجلس تقوم من السجود إلى الركعة من غير جلوسٍ"وتكبر" استنانًا "في حال قيامك" استحبابًا لشغل الركن بالتكبير إلا في قيامك من اثنتين فتؤخره إلى استقلالك"ثم" بعد انتهاء قيامك للركعة الثانية "تقرأ" في ثانية الصبح "كما قرأت في" الركعة "الأولى" بأم القرآن وسورةٍ من طوال المفصل "أو دون ذلك" أي بيسيرٍ إذ تكره المبالغة في تطويل الأولى، والمبالغة في تقصير الثانية بأن تقرأ في الأولى بيوسف وفي الثانية بالكوثر، ويستحب أن يقرأ على نظم القرآن في المصحف فلا ينكسه، فإن فعل ذلك لا شيء عليهقال الفاكهاني: والمستحب في الصلاة المفروضة تقصير الثانية عن الأولى قال خليل: وتقصير ثانيةٍ عن أولى المراد زمنًا، قال الفقيه راشد: ويكره كون الثانية أطول من الأولى قال الأقفهسي: وله أن يطول قراءة الثانية في النافلة إذا وجد الحلاوة، وما قاله الفاكهاني وخليل من ندب تقصير زمن الثانية في الفريضة عن الأولى نسبه القرافي والأكثر للشافعية ودليله ما في الصحيحين من حديث أبي قتادة واللفظ للبخاري: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى في صلاة الصبح ويقصر في الثانية"1 فقوله: أو دون ذلك إضرار، فأو بمعنى على حد: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي بل يزيدون، والمعنى: يستحب تقصير زمن القراءة في الثانية عن زمن الأولىفإن قيل حينئذٍ في كلام المصنف إشكال بيانه أن قوله تقرأ كما قرأت في الأولى ظاهره المساواة والموجود في النص لا يوافقه؛ لأن ابن عبد الحكم قال في مختصره: لا بأس بطول
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: القراءة في الظهر حديث 759, ومسلم كتاب الصلاة باب: القراءة في الظهر والعصر حديث 451 واللفظ للبخاري.

قراءة ثانية الفريضة عن الأولى، وفي الواضحة استحباب تطويل الأولى وتقصير الثانية عكس ما لابن عبد الحكم، قوله: كما قرأت في الأولى لا يوافق قولًا منهما، ويمكن الجواب بأن المعتمد كلام الواضحة في ندب تقصير الثانية عن الأولى كما في الحديث، وحمل لا بأس في كلام ابن عبد الحكم على ما غيره أفضل منه، وحمل التشبيه في كلام المصنف على كون المقروء من طوال المفصل، ولكن لما كان يتوهم من تعبيره مساواة زمن القراءة في الركعة الثانية للأولى قال: كالمستدرك أو دون ذلك على طريق الإضراب الإبطالي، وحينئذٍ لم يخالف المصنف المنصوص ورجع الخلاف لقولٍ واحدٍ"وتفعل" في الركعة الثانية "مثل ذلك" الذي فعلته في الأولى من جهر قراءتها والطمأنينة والاعتدال في ركوعها وسجودها والتعظيم في الركوع والتسبيح أو الدعاء في السجود حالة كونهما "سواءً" أي مستويتين: سوى ندب تقصير زمن قراءة الثانية عن الأولى كما ذكرناوسوى ما استثناه بقوله: "غير أنك تقنت" ندبًا في الثانية "بعد الركوع، وإن شئت قنت قبل الركوع" لكن "بعد تمام القراءة" وظاهر كلام المصنف استواء الأمرين، وليس كذلك بل المشهور في المذهب واقتصر عليه العلامة خليل أفضليته قبل الركوع لما في الصحيح: من "أنه صلى الله عليه وسلم سئل أهو قبل الركوع أم بعده؟ فقال: "قبل" 1قيل لأنسٍ: إن فلانًا يحدث عنك أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع فقال: كذب فلان، ولما في كونه قبل الركوع من الرفق بالمسبوق فإذا قنت قبل الركوع على ما هو الأفضل فلا يكبر ولا يرفع يديه كما لا يرفع في التأمين ولا في دعاء التشهد، ويستحب أن يكون سرا؛ لأنه دعاء فيطلب إخفاؤهوإذا نسي وركع قبله فإنه يكمل رجوعه ويقنت بعد الركوع ولا يبطل الركوع ويرجع له، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنه لا يرجع من فرضٍ لما هو دونه، واختلف في المسبوق بركعةٍ من الصبح فقيل: يقنت في ركعة القضاء، وقيل: لا يقنت والمعتمد أنه يقنت، ولا يعارضه قول خليلٍ: وقضى القول وبنى الفعل الموهم عدم القنوت من قوله قضى القول؛ لأن المراد بالقول في كلامه خصوص القراءة وما عدا القراءة يكون بانيًا فيه، فيندب له القنوت في الثانية، وإنما يستحب القنوت عندنا في الصبح فقط ولو كانت فائتةً لا في وترٍ ولا في غيره من الصلوات سوى الصبح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، وما ورد من
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة حديث 677 من قول أنس رضي الله عنه.

أنه عليه الصلاة والسلام قنت في المغرب فلم يصحبه عمل فتلخص في أن القنوت خمس مستحباتٍ: كونه قبل الركوع وكونه سرا وكونه في الصبح ومطلق مستحب وكونه بخصوص اللفظ الآتيقال خليل: وقنوت سرا بصبح فقط قبل الركوع ولفظه ولما قال غير أنك تقنت ناسب أن ينص عليه بقوله: "والقنوت" لغةً الطاعة والسكوت والمراد به هنا الدعاءقال ابن عبد البر: قال مالك ليس في القنوت دعاء مخصوص بل المقصود مطلق دعاءٍ، ولكن المستحب خصوص هذا وهو: "اللهم"1 أي يا الله فحذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وشددت؛ لأنها عوض من ياءٍ وهي حرفان ولذا لا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر"إنا نستعينك" أي نطلب منك الإعانة على طاعتك أو على جميع مهماتنا، ويدل عليه حذف المتعلق المؤذن بالعموم على حد: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس: 25] أي جميع عباده "ونستغفرك" أي نطلب منك المغفرة، وهي ستر ذنوبنا وعدم مؤاخذتنا عليها. "ونؤمن بك" أي نصدق بوجوب وجودك وجميع ما يجب لك علينا "ونتوكل" أي نعتمد "عليك" في جميع أمورنا فإنا لا حول لنا ولا قوةقال سيدي أحمد زروق: والصحيح أن لفظ ونتوكل عليك ليس في الرسالة، وإنما هو من زيادة بعض الرواة، وربما ثبت في بعض الروايات. "ونثني عليك الخير كله" والصواب عدم زيادتها "ونخشع" أي ونخضع ونذل ونلجأ "لك"؛ لأن جميع المخلوقات مفتقرة إليك "ونخلع" أي ونزيل ربقة الكفر من أعناقنا بمعنى نترك جميع الأديان الباطلة لاتباع دينك وطريقة نبيك محمدٍ
"ونترك" أي نطرح مودة كل "من يكفرك" ولا يشكل على هذا عدم حرمة نكاح الكتابية مع أن في نكاحها مودةً لأن النكاح من باب المعاملات، ولأن المطلوب عدم المودة التي معها محبة لدينهم المراد بقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية، والنكاح لا يلزم منه محبة الدين إذ يمكن أن يتزوجها مع كراهة دينها بل يجب عليه ذلك"اللهم إياك نعبد" أي نخصك بالعبادة؛ لأن عبادة غيرك كفر، والدليل على هذا تقديم المعمول نحو إياك نعبد "ولك نصلي ونسجد" أي لا نصلي ولا نسجد إلا لك، وذكرهما بعد العبادة تنبيهًا على شرفهما"وإليك نسعى" أي لا نعمل طاعةً ولا شيئًا
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في الكبرى 2/210 حديث 2961, عن خالد بن أبي عمران كما روى موقوفا عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

من أنواع الخير إلا لك "و" إليك "نحفد" بفتح الفاء وكسرها والدال المهملة أي نخدم ونسرع في طاعتك، ومنه تسمية الخدمة حفدةً لسرعتهم في خدمة السادات"نرجو رحمتك" أي نطلب ونطمع في نيل إحسانك، إذ الرجاء تعلق القلب بمرغوبٍ فيه مع الأخذ في أسبابه. "ونخاف عذابك" فنتجنب جميع منهياتك "الجد" بكسر الجيم على الأشهر أي الثابت الحق؛ لأنه ضد الهزل ويروى والجد بالفتح مصدر جد، وجمع بين الرجاء والخوف؛ لأن شأن القادر أن يرجى فضله ويخاف عذابه وهي أحسن الحالات إلا في حال المرض فتغلب الرجاء على الخوف أفضل. وفي الحديث: "لا يجتمعان في قلب عبدٍ مؤمنٍ إلا أعطاه الله ما يرجوه وأمنه مما يخاف منه" إلا أنه في حال الشبوبية والكهولة يغلب الخوف، وفي حال الشيوخة والمرض يغلب الرجاء "إن عذابك" الجد "بالكفار ملحق" بكسر الحاء وفتحها، فالكسر بمعنى لاحق والفتح بمعنى أن الله ملحقه بالكافرين، وهذا القنوت اختاره في المدونة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره في التلقين إلى نحفد وزاد: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت وقنا شر ما قضيت إنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت. واختار ابن شعبان الجمع بينهما مع زيادة الدعاء على الكفار والدعاء للمسلمينفإن قيل:كيف يقول: وقنا شر ما قضيت مع أنه لا يجوز الدعاء إلا بالممكن، والمقضي لا يقع غيره؟ فالجواب ما قاله القرافي من أن معناه أن الله تعالى يقدر المكروه بعد دعاء العبد المستجاب فإذا استجاب دعاءه لم يقع المقضي لفوات شرطه، وحاصل الجواب أن المقضي قد يكون رفعه معلقًا على دعاءٍ أو نزوله معلقًا على دعاءٍ، وليس هذا ردا للقضاء المبرم، ومن هذا صلة الرحم تزيد في العمر والرزق"تنبيه" قال الحطاب قال ابن فرحونٍ: فإن صلى مالكي خلف شافعي يجهر بدعاء القنوت فإنه يؤمن على دعائه ولا يقنت معه والقنوت معه من فعل الجهال، انظر مختصر الواضحة في القنوت في رمضان، ومن إملاء الأجهوري لبعض التلامذة أن الصواب أنه إذا كان في صلاة الصبح يقنت معه من أول القنوت، وادعى أن كلام الواضحة قاصر على قنوت رمضان وهو غير مشروعٍ عندنا"خاتمة" قال عبد الحق في الإحكام: سبب القنوت خبر أبي داود: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر في صلاته إذ جاء جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت فقال يا محمد: إن الله

تعالى لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا وإنما بعثك رحمةً ولم يبعثك عذابًا، {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}1 وعلمه هذا القنوت السابق ذكره، ولذا استحبه الإمام دون غيره، حتى قال ابن وهبٍ: أنه كان سورتين في مصحف ابن مسعودٍ رضي الله عنه ثم نسختا"ثم" بعد الفراغ من القنوت والركوع تهوي ساجدًا و "تفعل في السجود" من الركعة الثانية "و" في "الجلوس" بين السجدتين "كما تقدم من الوصف" في الركعة الأولى "فإذا جلست بعد السجدتين" للتشهد "نصبت رجلك اليمنى" أي قدمها "و" جعلت "بطون أصابعها إلى الأرض وثنيت" أي عطفت رجلك "اليسرى وأفضيت" أي دنوت "بأليتك" بالإفراد مقعدتك اليسرى "إلى الأرض" وما في بعض النسخ من تثنية أليتك فخطأقال الأقفهسي: لأنه إذا جلس عليهما كان إقعاءً وهو مكروه. "ولا تقعد على رجلك اليسرى" هذا مفهوم مما قبله؛ لأنه إذا جلس على وركه الأيسر لم يجلس على قدمه، وإذا جلس على قدمه لم يجلس على وركه، وإنما كرره للرد على أبي حنيفة القائل بأنه يجلس على قدمه اليسرى، وهذه الصفة التي ذكرها المصنف في الجلوس مثلها في المدونة في جميع جلوس الصلاة ونصها على ما قال شيخ الإسلام بهرام في شرح مختصر خليلٍ قال فيها: والجلوس كله سواء يفضي بأليته إلى الأرض وينصب رجله اليمنى وظاهر إبهامها مما يلي الأرض ويثني رجله اليسرى ثم قال: قال في الرسالة "إن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض" وتركت القدم قائمًا، وحنيت الإبهام فقط دون سائر القدم "ف" إن ذلك "واسع" أي جائز. قال العلامة ابن ناجي: ما ذكره المصنف من التخيير في جنب البهم هو خلاف قول الباجي: يكون بطن إبهامها مما يلي الأرض لا جنبها ا هـ، ومثل قول ابن الحاجب: ويستحب في جميع الجلوس جعل الورك الأيسر على الأرض ورجلاه من الجانب الأيمن ناصبًا قدمه اليمنى وباطن إبهامها على الأرض وكفاه مفروجتان على فخذيه ا هـ، والذي في المدونة وجرى عليه خليل أن ظاهر إبهامها مما يلي الأرض لا باطن الإبهام"تنبيهات" الأول: لم يبين المصنف حكم الجلوس والمشهور أنه سنة، ولو تعدد في الصلاة سوى ما كان منه ظرفًا للسلام المفروض قال خليل: والجلوس الأول والزائد على قدر
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في الكبرى 2/210 حديث 2961 عن خالد بن أبي عمران ولم أقف عليه عن أبي داود.

السلام من الثاني وسوى ما كان طرفًا للدعاء فإن الظرف يعطى حكم مظروفهالثاني: لم يؤخذ من كلام المصنف ولا من المدونة ولا من كلام خليلٍ موضع جعل قدم اليسرى، والذي في الجلاب يضعه تحت ساق اليمنى فإنه قال: والجلوس في الصلاة كلها الأول والأخير وبين السجدتين على هيئةٍ واحدةٍ وهو أن يفضي بوركه الأيسر إلى الأرض، وينصب قدمه اليمنى على صدرها، ويجعل قدمه اليسرى تحت ساقه الأيمن ا هـ، ونقله الأقفهسي عن عبد الوهاب ثم قال: وقيل يجعله تحت فخذه الأيمن قيل بين فخذيهالثالث: قال الفاكهاني: كأن الشيخ رحمه الله وهم في قوله بهمها وإنما يقال إبهام كما هو المعروفقال الجوهري: الإبهام الأصبع العظمى وهي مؤنثة وجمعها الإبهام، وأما البهم فقال ابن العماد البهم بفتح الباء اسم جنسٍ جمعي واحدة بهمةٍ بالفتح وهي الصغيرة من أولاد الضأن وأما البهم بضم الباء وفتح الهاء جمع بهمةٍ فهو الرجل الشجاع"ثم" بعد تمام جلوسك على تلك الصفة بعد رفع رأسك من سجود الثانية من الصبح "تتشهد" أي تشرع في التشهد على جهة السببية، وتحصل بمطلق تشهدٍ سواء الوارد عن ابن مسعودٍ1 أو عن ابن عباسٍ2 أو الوارد عن عمر3، ولكن الأفضل عند مالكٍ اللفظ الوارد عن عمر؛ لأنه الذي علمه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعلمه الناس وهو على المنبر من غير نكيرٍ بل قبل خصوصه سنةً، ولذا اختاره المصنف بقوله "والتشهد" الذي ارتضاه مالك "التحيات لله" جمع تحيةٍ واختلف فيها فقيل معناها الملك وقيل العظمة وقيل السلام، وإن حمل على السلام فالتقدير جميع التحيات التي تحيا بها الملوك مستحقة لله، وعلى تفسيرها بالملك فيكون جمعها باعتبار تعلق الذي هو استحقاق التصرف في سائر الموجودات من غير توقفٍ على سببٍ"الزاكيات لله" المراد بها الأعمال الصالحة التي تزكو وتنمو بكثرة الإخلاص "الطيبات" أي الكلمات الطيبات وهي ذكر الله وما والاه "الصلوات" الخمس وقيل كل الصلوات، وقيل العبادات كلها والأدعية وهو الأولى. "لله السلام عليك" أي الله حفيظ عليك؛ لأن السلام اسم
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري كتاب الأذان باب: التشهد في الآخر حديث 8312 صحيح: أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب: التشهد في الصلاة حديث 403 وأبو داود حديث 974, والترمذي حديث 290 والنسائي حديث 11743 صحيح مالك في الموطأ 1/90 حديث 203 والبيهقي 2/140 حديث 2651 وصححه الألباني في صفة الصلاة 128.

من أسماء الله تعالى: "أيها النبي" أي أخص النبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم الأولين والآخرين قال ابن العربي وينبغي إذا قاله المصلي أن يقصد الروضة الشريفة"ورحمة الله" المراد بها ما تجدد من نفحات إحسانه، ولهذا أظهر من تفسير الرحمة بالإرادة، وإن صح لأن الإرادة من صفات الذات "وبركاته" أي خيراته المتزايدة "السلام علينا" أي الله شهيد ومطلع علينا أو أمانه وحفظه علينا "وعلى عباد الله الصالحين" أي المؤمنين من الإنس والجن والملائكة لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا قالها العبد أصابت كل عبدٍ مؤمنٍ في السماء والأرض" 1 قال ابن ناجي: أقيم من هذا الشخص إذا لقي آخر فقال له فلان يسلم عليك ولم يكن فلان أمره بذلك القول أنه غير كاذبٍ لقول المصلي ما يدل عليه وهو قوله: وعلى عباد الله الصالحين، لما علمت من أن المراد المؤمنون، وهذه إقامة ظاهرة حيث كان القائل لذلك يعلم أن المنقول عنه يعلم معنى ما وقعت الإشارة إليه من كونه يعلم مدلول ما هو متكلم به، وأما إذا علم أنه لا يعلم معنى ما يقول أو شك في علمه بذلك فإنه يكون كاذبًا"أشهد" أي أعترف "أن لا إله" أي لا معبود بحق "إلا الله" زاد في بعض الروايات عن عمر "وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" بالضمير وفي بعضها عبد الله ورسولهوفي بعض نسخ ابن الحاجب: وأشهد أن محمدًا رسول الله فيعلم من مجموع تلك الصيغ التوسعة في ذلك، وهذا كله بالنسبة إلينا، وأما نبينا عليه الصلاة والسلام لما كان يتشهد في صلاته فقال الرافعي من أئمة الشافعية أنه كان يقول: إني رسول الله قال ابن حجرٍ: ولا أصل لذلك بل ألفاظ التشهد متواترة عنه صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقول: "أشهد أن محمدًا رسول الله أو عبده ورسوله" فالكلام على إطلاقه، وقد قدمنا عن ابن حجرٍ ما يخالف هذا"تنبيه" هذا آخر التشهد؛ لأن لفظ التشهد علم على هذا اللفظ، وقد مر أن السنة تحصل بمطلق تشهدٍ، واختلف في خصوص هذا فقيل فضيلة وقيل سنة، فالآتي بهذا اللفظ آتٍ بسنتين وقيل سنة وفضيلة، والآتي بغيره آتٍ بالسنة فقط قال ابن ناجي: وليس جميعه سنةً بل إتمامه مستحب والسنة تحصل ببعضه قياسًا على السورة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فقد أدى السنة، وليس المراد بالبعض ما يشمل نحو: التحيات لله الزاكيات لله فإن هذا لا يصدق عليه تشهد لا لغةً ولا شرعًا، وسمي هذا اللفظ تشهدًا لتضمنه
ـــــــ
1 صحيح أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب التشهد في الصلاة حديث 402.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11