كتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
المؤلف : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي

لغلبة الظن بغرقه، فتلخص أن المفقود على ستة أقسام وقد مرت مفصلة الأحكامالثاني: لو مات مورث الغائب وقف نصيب ذلك الغائب منه، فإن قدم أخذه وإن مات بالتعمير فإنه يرجع الموقوف لورثة الميت الأول حين مات المعمر، ويرث المعمر ورثته حين مات بالتعميرولما قدم أن النكاح في العدة يؤيد التحريم شرع في بيان ما يحرم من أسبابه في زمنها بقوله: "ولا" يجوز "أن تخطب" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل "المرأة في عدتها" والمعنى: أنه يحرم على غير صاحب العدة التصريح بالخطبة للمعتدةقال خليل: وصريح خطبة معتدة ومواعدتها كوليها ولو عدة طلاق رجعي، وإن كان الدخول بها في عدتها لا يؤبد كما قدمنا، والمواعدة مفاعلة من الجانبين، وأما لو حصل الوعد من أحدهما لكره فقط وقيدنا بغير صاحب العدة، لأن صاحب العدة من الطلاق البائن بدون الثلاث يجوز له العقد عليها من عدتها فضلا عن الخطبة"تنبيهان" الأول: مثل المعتدة المستبرأة من الزنا تحرم خطبتها في زمن استبرائها ولو منه وكذا مواعدتها، والفرق بين المعتدة والمستبرأة واضحالثاني: لم يبين المصنف حكم ما لو اقتحم النهي وخطبها في عدتها أو استبرائها وفيه تفصيل، فإن عقد عليها بعد العدة أو الاستبراء استحب له فراقهاقال خليل: وكره عدة من أحدهما وتزويج زانية أو مصرح بها بعدها وندب فراقها وإن عقد عليها زمن عدتها ودخل بها ولو بعد انقضاء عدتها، فلا تحل له أبدا إن كانت عدة وفاة أو طلاق بائن وقد قدمنا ذلك، وأشار إلى مفهوم التصريح بالخطبة بقوله: "ولا بأس بالتعريض" من مريد النكاح أو وليه للمعتدة في زمن عدتها "بالقول المعروف" أي الحسن المقتضي لترغيبها في نكاحهقال خليل: وجاز تعريض: كفيك راغب، وأنا لك محب، وأبشري بالخير، ونحو ذلك من كل ما يرغبها في نكاحه منه، ومحل التفرقة بين التصريح والتعريض فيمن يعرف الفرق بينهما كأهل العلم والصلاح، وأما من لا يعرف الفرق فيحرم عليه كل منهما، ومحله أيضا في المعتدة من طلاق غيره البائن لا الرجعي، فيحرم التعريض لها إجماعا كما نقله الأجهوري وعزاه القرطبي.

"تنبيهان" الأول: لم يتكلم على حكم إرسال الهدية للمعتدة، ونص خليل على جوازه لما فيه من إظهار المودة المطلوبة شرعا بين سائر المسلمين، ولكن قال ابن ناجي: الهدية في زماننا أقوى من المواعدة، فالصواب حرمتها إن لم يكن تقدم مثلها، وأقول: ينبغي أن يعلم أنه فعلها لا لإرادة النكاح، وأما إجراء النفقة عليها في زمن العدة فلا نزاع في حرمته لأنه كالتصريح بالخطبة بل أقوىالثاني: لو أهدى أو أنفق وتزوجت غيره ثم أراد الرجوع عليها فلا رجوع له بما أهداه على مذهب ابن القاسم. في التوضيح للعلامة خليل: أن غير المعتدة لا رجوع عليها بما أنفق، وذكر الشمس اللقاني تفصيلا محصله: إن كان عدم النكاح من جهة الرجل لا يرجع، وإن كان من جهة المرأة رجع. قال الأجهوري: وهذا حيث لا عرف ولا شرط وإلا عمل به، وأقول: العرف في زماننا على هذا التفصيلثم ذكر مسألة كان الأنسب ذكرها في باب القسم فقال: "ومن نكح" على زوجته "بكرا" ولو صغيرة أو أمة أو كتابية "فلها" عليه "أن يقيم عندها سبعا" أي سبعة أيام بلياليها "دون سائر نسائه" ويحرم عليه أن يدخل على واحدة منهم في خلال السبعة. "و" أما لو تزوج "الثيب" على غيرها لقضي عليه بالإقامة عندها "ثلاثة أيام" بلياليهاقال خليل: وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث، وإنما تميزت البكر من الثيب بطول الإقامة عندها لما عندها من الوحشة بفراق أهلها وأيضا لتتأنس من الزوج، بخلاف الثيب والإقامة المذكورة لا تنافي الخروج لقضاء مصالحه وصلاته الجمعة وحضور الجماعة، وما قيل من أن لها منعه فليس على مذهب مالك، وبعد تمام المدة يجب القسم ويبدأ بأيتهن أحب، واستحب ابن المواز البداءة بالقديمة، وأما المرأة التي تزوجها ابتداء فلا يلزمه الإقامة عندها ولا البيات إلا أن يقصد إضرارها، فعليه إزالة الضرر بالبيات عندها أو بالمؤانسة كما قدمناه"تنبيه" قد قدمنا لو تزوج امرأتين في ليلة أنه يبدأ في السابقة في الدعوة للدخول أو بالعقد إن تساويا في الدعوة وإلا أقرع، وهذا على الراجح من أن الحق للمرأة، وأما على مقابله فالخيار للزوجثم شرع في مسألة كان الأنسب ذكرها عند الكلام على المحرمات من النساء فقال: "ولا" يجوز بمعنى يحرم أن "يجمع" بالبناء للمجهول ونائب الفاعل "بين الأختين" ونحوهما كعمتين

أو خالتين أو امرأة وأمها. "في ملك اليمين في الوطء" أو غيره من أنواع الاستمتاع لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وقد تقدم أنه لا مفهوم للأختين، وأما الجمع بينهما في الخدمة أو واحدة للخدمة وواحدة للوطء فلا حرج، وأما لو كان تحته واحدة ووطئها وأراد أن يجمع معها غيرها ممن يحرم جمعه معها فأشار إليه بقوله: "فإن شاء" بعد تلذذه بواحدة "وطء الأخرى" أي التي يحرم جمعها مع التي تلذذ بها " فليحرم عليه" أي على نفسه "فرج الأولى" التي تلذذ بها إما "ببيع" بت ولو بعيب دلس به على المشتري "أو كتابة أو عتق" ولو لأجل "وشبهه" أي ما ذكر "مما يحرم به" من كل فعل يحرم فرج الموطوءة عليه كإخدامها الزمن الطويل كالأربع سنين، أو عقد نكاحها اللازم، أو أسرها أو إباقها الموجبين للإياس من عودهاقال خليل: وحلت الأخت ببينونة السابقة، أو زوال ملك بعتق وإن لأجل أو كتابة أو إنكاح بحل المبتوتة، وقال عبد الوهاب: تحل له أختها بكل عقد ليس له حله، فلا تحل بفاسد لم يفت، ولا ببيع خيار أو عهدة ثلاث أو إخدام مدة قصيرة، ولا بحيض ولا نفاس، أو استبراء من وطء فاسد، ولا بردة ولا بإحرام ولا ظهار ولا هبة لمن يعتصرها منه، ولا ببيعها أو هبتها لعبده"تنبيهان" الأول: لم يذكر المصنف حكم ما لو وطئ الثانية قبل تحريم الأولى عليه، والحكم أنه يعاقب بغير الحد، ويوقف عنهما معا حتى يختار واحدة منهما للوطء ويحرم الأخرى، فإن حرم الأولى فلا يطأ الثانية حتى يستبرئها لفساد مائه الحاصل فيها، وإن حرم الثانية لم يستبرئها إلا أن يكون قد وطئها زمن الإيقاف قبل الاختيارقال خليل: ووقف إن وطئهما ليحرم فإن أبقى الثانية استبرأهاالثاني: لم يذكر المصنف حكم ما لو حلت له الثانية بشيء مما سبق مما يوجب تحريم الأولى، ثم رجعت الأولى إلى حالتها الأولى الخالية عن المحرم فلا ترجع الحرمة فيمن حلت، كما لو عجزت المكاتبة أو رجعت المأسورة أو رجعت المبيعة. قال الحطاب: من زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم ولده أقام على وطء الأمة، ولو ولدت الأمة منه ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعا وطئ أيتهما شاء إلا أن يطأ أولاهما رجوعا، وقال أيضا: من باع أمة بعد وطئها ثم تزوج أختها ولم يحصل منه وطء حتى اشترى المبيعة لم يطأ إلا الزوجة، لأن عقد النكاح كالوطء في الملك.

قال خليل: وإن عقد فاشترى فالأولى أي متعينة للبقاء، ثم أشار إلى أن وطء الملك يحصل به تحريم الموطوءة على أصل الواطئ وفرعه كما يحرم بعقد النكاح بقوله: "ومن وطئ" من البالغين "أمة بملك" ولو فاسدا أو تلذذ منها بشيء من مقدماته "لم تحل له أمها" وإن علت "ولا ابنتها" وإن سفلت قياسا على الزوجة، وأما وطء غير البالغ فلا يحرم عليه أم موطوءته ولا ابنتها للقاعدة، وهي أن ما يحصل فيه التحريم بالوطء أو التلذذ يعتبر فيه بلوغ الواطئ، وما يحصل فيه التحريم بمجرد العقد لا يشترط فيه بلوغ العاقد، كما أشار إليه علامة الزمان الأجهوري في شرح خليل. "وتحرم" أيضا تلك الموطوءة أو المتلذذ بها "على آبائه" أي الواطئ والمراد أصوله وإن علوا "و" تحرم أيضا على "أبنائه" المراد فروعه وإن سفلوا، والحاصل أن تحريم المصاهرة بالتلذذ بالملك "كتحريم النكاح" أي العقد قال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وقال تعالى أيضا: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] ومفهوم وطئ أن مجرد عقد الملك لا يحرم أصل المملوكة ولا فرعها على أصوله ولا على فروعه، بل ولا تحرم ذاتها على أصل المالك ولا على فرعه، بخلاف عقد النكاح فإنه يحرم كما قدمنا"تنبيه" فهم مما قررنا أنه لا مفهوم للوطء بل مطلق التلذذ ولو بالنظر، كما فهم أيضا من قوله بملك أنه لو وطئها بزنا لم يحصل التحريم المذكور على المعتمد، لأنه لا يحرم بالزنا حلال كما تقدم، وإطلاقه الوطء في المملوكة يتناول الوطء الحرام كما لو كانت المملوكة مجوسية، وبه أفتى بعض شيوخ الأجهوريثم شرع في مسألة كان الأنسب تقديمها عند مسائل الطلاق بقوله: "والطلاق" كائن "بيد العبد" المكلف الذي تزوج بإذن السيد أو أمضاه له "دون السيد" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق" 1 وهو الزوج، وأما المتزوج بغير إذن سيده ففسخ نكاحه بيد سيدهقال خليل: وللسيد رد نكاح عبده بطلقة وتكون بائنة، بخلاف الأمة تتزوج بغير إذن سيدها فيتحتم على سيدها رد نكاحها كما قدمناه، وإنما قيدنا العبد بالمكلف لقول المصنف: "ولا طلاق" صحيح "لصبي" حر أو عبدقال خليل: وإنما يصح طلاق المسلم المكلف ولو سكر حراما بحيث صار لا تمييز عنده
ـــــــ
1 أخرجه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب: طلاق العبد، حديث "2081"، والبيهقي في الكبرى "7/360"، حديث "14893"، والطبراني في الكبير "11/301"، حديث "11800". والدارقطني في سننه "4/37"، حديث "101".

ولو بأكل حشيشة، وكما لا يصح طلاق الصبي لا يصح طلاق المجنون والمكره ولا السكران بحلال ولا الكافر على المعتمد، وإنما يطلق على الصبي وليه لمصلحة، وهذه الشروط في طلاق الشخص لزوجة نفسه، وأما لو طلق زوجة غيره فيصحقال خليل: وطلاق الفضولي كبيعه أي فيصح بإجازة الزوج ولو كان المطلق صبيا أو كافرا لأن المطلق حقيقة الزوج، ولذلك تعتد المطلقة من يوم إجازته لا من يوم الطلاق، والدليل على ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل" 1 ولأن من طلق تحرم عليه زوجته بطلاقه، وفعل غير المكلف لا يوصف بتحريم ولا تجويز، ولذلك لو أكره الشخص على طلقة فأوقع أكثر أو على العتق فطلق أو عكسه وعلى أن يهب أو يبيع البعض فوهب أو باع الكل لا يلزمه لشبهه بالمجنون، لكن يشترط في ذلك الإكراه كونه غير شرعي، وغلبة الظن بوقوع المخوف به إن لم يفعل، وقدرة المكره بالكسر على فعل ما خوف به المكره بالفتحثم شرع في الكلام على النيابة في الطلاق وهي أربعة أقسام: توكيل ورسالة وتخيير وتمليك، فالتوكيل كما قال ابن عرفة جعل إنشائه بيد المخير باقيا منع الزوج من إنشائه، فله عزل الوكيل منه قبل إيقاعه اتفاقا، وحقيقة الرسالة جعل الزوج إعلام الزوجة ثبوته لغيره إن كانا اثنين كفى أحدهما، والمراد بثبوته حصوله من الزوج، وحقيقة التمليك جعل إنشائه حقا لغيره راجحا في الثلاث يخص بما دونها بنية، وحقيقة التخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق لغيره ثلاثا حكما، أو نصا عليها حقا لغيره فقال: "و" المرأة "المملكة" أي التي ملكها زوجها عصمتها تمليكا مطلقا أي عاريا عن التقييد بالزمان والمكان بأن قال لها زوجها المسلم المكلف: ملكتك أمرك، أو طلاقك أو أمرك بيدك، أو طلقي نفسك، أو أنت طالق إن شئت "و" الزوجة "المخيرة" أي التي خيرها زوجها في اختيار نفسها أو البقاء في عصمة زوجها تخييرا مطلقا عاريا عن التقييد بالزمان والمكان بأن قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك، وخبر المخيرة والمملكة جملة. "لهما أن يقضيا" بالفراق أو البقاء "ما دامتا في المجلس" الذي وقع فيه التخيير أو التمليك ما لم توقف أو توطأ، فإن تفرقا بأبدانهما من غير قضاء بعد التمكن من الاختيار، أو
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود، كتاب الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حداً، حديث "4398"، والترمذي، حديث "1423"، والنسائي، حديث "3432" واللفظ له، وابن ماجه، حديث "2041"، وأحمد "6/101"، حديث "24747"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع 3512".

أوقفها قاض أو وطئت أو طال المجلس بحيث خرجا عما كانا فيه سقط ما بيدها، إلا أن يهرب الزوج مريدا قطع ما بيدهما قبل مضي زمان تختار في مثله ولم تختر فإنه لا يسقط خيارها، وما ذكره المصنف هو قول مالك الأول الذي رجع عنه وأخذ به ابن القاسمقال المتيطي: وما أخذ به ابن القاسم به القضاء، وعليه جمهور أصحاب الإمام، والمرجوع إليه أنهما باقيان على ما جعل لهما ما لم يوقفا عند قاض أو يحصل من الزوج تمكين، ولو حصل مفارقة وخروج من المجلس، ومشى عليه العلامة خليل حيث قال: ورجع مالك إلى بقائهما بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ، وأخذ ابن القاسم بالسقوط، والحاصل أنهما قولان للإمام والمعتمد منهما المرجوع عنه، وجرى عليه المصنف، لأن الإمام رجع إليه آخر أمره واستمر عليه إلى أن مات، وإن كان كلام العلامة خليل موهما عدم الرجوع إليه، ومفهوم المطلق أن التخيير أو التمليك المقيد بزمان، كخيرتك أو ملكتك في هذا اليوم مثلا، أو بالمكان كخيرتك أو ملكتك في هذا المكان أو المجلس، فإنه يتقيد به ولو طال، إلا أن يكون الحاكم اطلع على ذلك فيجب عليه أن يوقفها ولا يمهلها، قال خليل: ووقفت وإن قال إلى سنة متى علم"تنبيهات" الأول: يفهم من قول المصنف: لهما أن يقضيا ما دامتا في المجلس، أنه ليس للزوج عزلهما وهو كذلك، بخلاف لو وكلها في طلاقها فله عزلها قبل أن تطلق نفسها، إلا أن يتعلق لها بذلك حق فليس له عزلهاقال خليل: إن فوضه لها توكيلا فله العزل إلا لتعلق حق لا تخييرا أو تمليكا، والفرق بين التوكيل وغيره أن الوكيل يفعل بطريق النيابة عن الموكل، بخلاف المخير والمملك فإنما يفعل عن نفسهالثاني: لم يذكر المصنف جواب المرأة المخيرة والمملكة، وأشار إليه خليل بقوله: وعمل بجوابها الصريح في الطلاق كطلاقه ورده كتمكينها طائعة، فإن أجابت بالطلاق بأن قالت: أنا طالق منك، أو طلقت نفسي، أو أنا بائنة، أو أنت بائن مني، عمل به وتطلق منه كما تطلق من الزوج بذلك لأنه صريح طلاق، وإن أجابت برد ما جعله لها عمل به كقولها: رددت ما جعلته لي أو لا أقبل ذلك منك، ومثل الرد باللفظ الرد بغيره، كمضي زمن تخييرها، وكتمكينها من نفسها بعد علمها وطوعها ولو مع جهلها بالحكم، ولو لم يفعل ما مكنته منه من قبلة أو غيرها، لا إن مكنته من نفسها غير عالمة بالتخيير أو التمليك فلا يبطل ما جعله لها ولو وطئها بالفعل،

والقول قولها في عدم العلم، وإن أجابت بما يحتمل القبول والرد بأن قالت: قبلت أو قبلت أمري أو ما ملكتني وطلب منها التفسير ويقبل ما فسرت به، فتحصل أنه يعمل بما أجابت به، سواء صريح اللفظ أو الكناية الظاهرة لا الخفية، فلا تعتبر هنا وإن اعتبرت من الزوج في الطلاق، لأن العصمة بيده أصالة فيقبل منه قصد حلها ولو باسقني الماءثم شرع يتكلم على ما لو أوقعت أكثر من طلقة ونازعها الزوج مدعيا إرادة أقل فقال: "وله" أي الزوج الذي فوض لزوجته أمرها "أن يناكر المملكة خاصة" إن أوقعت طلقتين أو ثلاثا. "فيما فوق الواحدة" سواء كانت مدخولا بها أو لا، ومثل المملكة المخيرة غير المدخول بها قال خليل: وناكر مخيرة لم تدخل ومملكة مطلقا، وإنما يناكر الزوج كلا منهما بشروط ذكر المصنف منها واحدا بقوله: فيما فوق الواحدة المشار إليه بقول خليل: إن زاد على طلقة وأن يكون نوى الواحدة عند التخيير أو التمليك لا إن نوى أكثر أو أطلق، وأن يبادر بالمناكرة عند سماع الزائدة، لا إن تأخر بعد السماع فلا مناكرة له وإن كان جاهلا، وأن يحلف أنه لم يرد الزائد، وتكون يمينه عند المناكرة في المدخول بها ليرتجعها، وعند إرادة العقد على غيرها، وأن لا يكون كرر قوله: أمرك بيدك مثلا مع عدم قصد التأكيد، وأن لا يكون التخيير أو التمليك مشترطا للزوجة في صلب العقد، وإلا فلا مناكرة له، وأشار إلى مفهوم الشرط الأول بقوله: "وليس لها" أي المخيرة المدخول بها "في التخيير" المطلق العاري عن التقييد بعدد. "أن تقضي إلا بالثلاث" قال خليل: وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث، والمعنى: أنه يبطل ما بيدها وتبقى في عصمة زوجها بعد، ولها عما جعله الشارع لها من إيقاع الثلاث، وقيدنا التخيير بالمطلق للاحتراز عن المقيد بعدد فلا توقع أكثر منه، فإن أوقعت أقل من العدد الذي سماه فإنما يبطل ما قضت به وتستمر على تخييرهاقال خليل: وبطل إن قضت بواحدة في اختيار تطليقتين أو في تطليقتين ومن تطليقتين، فلا تقضي إلا بواحدة، لأن من للتبعيض وإن أوقعت أكثر لزمه واحدة، ولما قدم أن محل مناكرة المخيرة حيث كانت غير مدخول بها ذكر المدخول بها بقوله: "ثم المخيرة" تخييرا مطلقا بعد الدخول "لا نكرة له فيها" عند إيقاعها الثلاث لبطلان ما بيدها إن قضت بأقل منها كما تقدمقال خليل: ولا نكرة له إن دخل في تخيير مطلق، والفرق بين المملكة يناكرها ولو مدخولا بها، والمخيرة لا يناكرها بعد الدخول بها دلالة اختاري نفسك على قطع العصمة، ولا تنقطع بعد الدخول إلا بالثلاث بخلاف ملكتك أمرك.

"تتمات" الأولى: لم يعلم من كلام المصنف حكم التخيير، وفيه خلاف بالإباحة وعدمها، وأما التمليك فمباح اتفاقا، إلا إن قيد بالثلاث فينبغي جريان الخلاف فيه، وأما التوكيل فاستظهر بعض الشيوخ كراهته إن قيد بالثلاث وسكت عن حكمه عند عدم التقييد، ولعل حكمه الجواز كجواز التوكيل على البيع والشراء، وربما يفهم خفة أمره عن التخيير والتمليك بجواز عزلها فيه دون التخيير والتمليكقال خليل: إن فوض لها توكيلا فله العزل إلا لتعلق حق لا تخييرا أو تمليكا. الثانية: لم ينص المصنف على اشتراط بلوغ الزوج في التخيير والتمليك لعلمه مما سبق من عدم صحة طلاق الصبي، بخلاف الزوجة فإنه يصح تخييرها وتمليكها، ويصح ما قضت به حيث كانت مميزة مطلقا، وقيل إن أطاقت الوطء، ومثل المرأة في عدم اشتراط البلوغ الأجنبي، يجوز للزوج أن يفوض له أمر الزوجة تخييرا أو تمليكا أو توكيلا، ولو كان الصبي ذميا أو عبدا أو امرأة، ولكن لا يفعل إلا ما فيه المصلحة، ويصير بمنزلتها في سائر ما تقدم من مناكرة وعدمها، لكن يشترط حضورها، وقرب غيبته كاليومين لا أكثر فيصير لها ما جعله للبعيدقال خليل: وله التفويض لغيرها وله النظر وصار كهي إن حضر أو كان غائبا غيبة كيومين لا أكثر فينتقل لها النظر، إلا أن تمكن من نفسها فيسقط ما كان بيدها، أو ما كان بيد الغير إذا علم بتمكينها ورضي بذلك، وكذا يسقط حق المجعول له أمرها إذا كان حاضرا أو غاب ولم يشهد أنه باق على حقه، فإن أشهد ففي بقائه بيده أو ينتقل للزوجة قولان. الثالثة: لو ملك أمر امرأته لرجلين وأمرهما بطلاقها، فإن قال لهما: طلقاها إن شئتما فليس لواحد الاستقلال بطلاقها إلا أن يجعل له ذلك كالوكيلين على البيع والشراء، وأما لو قال لهما: طلقاها ولم يقل إن شئتما لكان لكل الاستقلال بطلاقها، وأما لو فوض لهما في إعلامها بطلاقها فإنه يكفي أحدهما في إخبارها وتعتمد على إخباره وتعتد لأن الطلاق وقع منه بمجرد قوله لهما: أعلماها بأني طلقتها أو بطلاقها. هذا تحقيق هذه المسألة كما يشهد له كلام ابن عرفة وبحث الأجهوريولما قيل: إن الإيلاء كان طلاقا في الجاهلية وكان يتسبب عنه الطلاق في الإسلام، ذكر غالب مسائله عقب الطلاق وحقيقته لغة مطلق الامتناع، ثم استعمل فيما كان الامتناع منه بيمين وشرعا حلف زوج على ترك وطء زوجته يوجب خيارها في طلاقه بعد انقضاء مدة التربص المشار إليها بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الآية فقال: "وكل حالف" من زوج مسلم مكلف يتصور منه الجماع ولو سكران سكرا حراما أو أخرس إذا فهم منه

بإشارة ونحوها ككتابة والأعجمي بلسانه ولا ينعقد من كافر لآية: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 192] سواء حلف بالله أو بصفة من صفاته الذاتية لأنها التي ينعقد بها اليمين، أو بما فيه التزام من عتق أو صدقة أو غير ذلك. " على ترك الوطء" لغير مصلحة أو على ما يستلزم تركه، كحلفه أنه لا يغتسل من جنابة أو لا يلتقي معها ومفعول ترك "أكثر من أربعة أشهر" للحر وأكثر من شهرين للعبدقال خليل: الإيلاء يمين مسلم مكلف يتصور وقاعه، وإن مريضا يمنع وطء زوجته غير المرضعة أكثر من أربعة أشهر أو شهرين للعبد، وظاهره كالمصنف ولو قلت الزيادة على مشهور المذهب. "فهو مول" الجملة خبر "كل" الواقع مبتدأ وقرنه بالفاء لما في المبتدأ من العموم فهو شبيه بالشرط، وقولنا من زوج؛ لأن الإيلاء إنما هو حلف الزوج، وأما حلف السيد على وطء أمته فلا يعد إيلاء لآية: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وقولنا مسلم للاحتراز عن الكافر فلا ينعقد منه إيلاء خلافا للشافعي لنا قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فإن الغفران إنما هو للمسلم لآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وقولنا مكلف للاحتراز عن الخصي المجبوب والشيخ الفاني فلا يصح منهم إيلاء، وقولنا لغير مصلحة للاحتراز عما لو حلف على ترك وطء زوجته المرضع مدة رضاعها فإنه لا يكون موليا، إلا إذا قصد بترك الوطء إضرارها، لا إن قصد إصلاح الولد، أو لا قصد له لحمله على قصد الإصلاح، لما أن وطء المرضع يؤذي الولد غالبا، ويفهم من هذا القيد اشتراط إطاقة الزوجة، لا إن لم تطقه لصغر أو رتق أو شدة مرض فلا يقع عليه إيلاء بحلفه على ترك وطئه"تنبيهان" الأول: ظاهر قول المصنف أكثر يقتضي أن مطلق الزيادة على الأربع يقع به الإيلاء وهو كذلك كما قدمنا، كما أن مطلق الزيادة على الشهرين في حق العبد يكفي، وإنما اقتصر المصنف على أجل الحر اعتمادا على ما اشتهر من أن العبد على النصف من الحر في هذا كالحدود والطلاق الثاني، لم يعلم من كلام المصنف حكم الإيلاء، ويظهر من اشتراط قصد الضرر الحرمة، والله أعلم. ولما فرغ من بيان الزمن الذي يكون بالحلف على ترك الوطء فيه مولياشرع في بيان الزمن الذي يضرب له ويطلق عليه عقبه بقوله: "ولا يقع عليه" أي المولي "الطلاق" إلا "بعد مضي أجل الإيلاء" الذي ضربه القاضي للزوج بعد إيلائه "وهو أربعة أشهر للحر" ابتداؤها من يوم الحلف إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء المدة المذكورة، كوالله لا

أطؤك فوق خمسة أشهر، أو من يوم الرفع والحكم إن احتملت المدة الزيادة على المقدر وعدمها، كوالله لا أطؤك حتى يقدم زيدقال خليل: والأجل من اليمين إن كانت يمينه صريحة في ترك الوطء، لا إن احتملت مدة يمينه أقل أو حلف على حنث، فمن الرفع والحكم لأنه في الأجل الذي لها القيام بعد مضيه. "وشهران للعبد" لأنه على النصف من الحر "حتى" ترفعه الزوجة، و "يوقفه السلطان" أو القاضي ويأمره بالفيئة وهي الرجوع إلى الوطء الذي حلف على تركه، فإن وطئ فلا إشكال، وإن وعد به أمهل واختبر المرة بعد المرة باجتهاد الحاكم، فإن لم يطأ طلق عليه، كما لو لم يعد بالوطء بأن قال بلفظه: لا أطأ ولا يتلوم له، فإن ادعى الوطء صدق بيمينه، فإن نكل حلفت المرأة أنه لم يطأ، ويطلق عليه الحاكم إن شاءت المرأة بأن يأمره الحاكم بطلاقها، فإن لم يطلقها فهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم قولان، وتقع عليه طلقة رجعية، ولو حكم به الحاكم لما اشتهر في المذهب من أن الطلاق على المولي والمعسر بالنفقة رجعي، وفهم مما قررنا أن الطلاق لا يقع على المولي بمجرد انقضاء الأجل المضروب، وأن الحق للمرأة في البقاء والفراق ولو صغيرة أو سفيهة، فلها إسقاط حقها في الوطء، إلا أن تكون الزوجة أمة يتوقع حملها فلا بد من رضا سيدها عند إرادتها البقاء؛ لأن له حقا في الولد، والأصل في ذلك قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] ومعنى فاءوا رجعوا إلى الوطء بعد امتناعهم منه، وتحصل الفيئة بمجرد مغيب الحشفة في قبل الثيب، وافتضاض البكر على وجه مباح، ولو مع جنون الرجل لا مع إكراهه، فلا تحصل بوطئه مكرها لقول ابن عرفة: وطء المكره لغو؛ لأن الوطء مع الإكراه لا ينتفي معه قصد الضرر، وإنما قال المصنف حتى يوقفه السلطان للرد على أشهب، فإنه روى عن مالك وقوع الطلاق بمجرد مرور الأجل المضروب وهو الأربعة أشهر للحر والشهران للعبد، وتمسك من قال بالمشهور بما تعطيه الفاء من قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] فإنها تستلزم تأخر ما بعدها عما قبلها فتكون الفيئة بعد الأربعة أشهر"تنبيهان" الأول: اعلم أن السلطان لا يوقف المولي إلا مع عدم انحلال الإيلاء عن المشار إليه بقول خليل: وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف بعتقه ولم يعد بغير إرث، وكتعجيل الحنث، وتكفير ما يكفر، فإن لم يحصل الانحلال فلها ولسيدها إن لم يمتنع وطؤها المطالبة بعد الأجل بالفيئة وهي تغييب الحشفة في القبل إلى آخره.

الثاني: علم مما قررنا أن المولي له أجلان: أحدهما الذي يحلف على ترك الوطء فيه، والثاني الذي يضربه الحاكم للمولي حين إخبار الزوجة له بأن زوجها حلف على ترك وطئها تلك المدة المتقدمة، ولما فرغ المصنف من الكلام على الإيلاء، شرع في الكلام على الظهار، وعرفه خليل بقوله: تشبيه المسلم المكلف من تحل أو أجزاءها بظهر محرم أو جزئه ظهار، والمسلم يشمل الزوج والسيد، فلا يلزم الكافر ظهار ولو رفع أمره إلينا، بخلاف إيلائه فإننا نحكم بينهم عند الرفع، والمكلف يشمل العبد والسكران، وتذكير الأوصاف يقتضي أن الظهار لا يقع من المرأة وحكمه الحرمة لأنه كبيرة، والدليل على حرمته قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} إلى قوله: {مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2] وكان طلاقا في الجاهلية وأول الإسلام، حتى ظاهر أوس بن الصامت من امرأته خولة بنت ثعلبة ونزلت سورة المجادلة حين جادلته صلى الله عليه وسلم، واختلفت الأحاديث في اللفظ الذي جادلته به فقيل: إنها قالت له: أكل شبابي وفرشت له بطني فلما كبر سني ظاهر مني، ولي صبية منه صغار إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا، وهو عليه الصلاة والسلام يقول لها: "اتقي الله في ابن عمك" 1 فما برحت حتى نزل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى قوله: {تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] أي تراجعكما، فقال عليه الصلاة والسلام: "ليعتق رقبة" . قالت: لا يجد. قال: "فيصوم شهرين متتابعين" ، قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: "فيطعم ستين مسكينا" ، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قال: "فإني سأعينه بعرق من تمر" ، قالت: يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر، قال: "قد أحسنت فاذهبي وأطعمي ستين مسكينا وارجعي لابن عمك" 2والعرق بالتحريك ستة عشر رطلا، وبالتسكين سبعمائة وعشرون رطلا، وسمي ظهارا لأنه مأخوذ من الظهر، لأن الوطء ركوب والركوب إنما يكون غالبا على الظهر، وأشار المصنف إلى بيان ما يترتب عليه بقوله: "ومن تظاهر" من الأزواج أو السادات المسلمين المكلفين "من امرأته" ولو المطلقة طلاقا رجعيا أو من أمته ولو مدبرة أو أم ولد ونوى العود لوطئها "فلا يطؤها" ولا يستمتع بها "حتى يكفر" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب في الظهار، حديث "2214"، وأحمد "6/410"، حديث "27360"، وصححه الألباني "الإرواء 2087"2 انظر السابق.

فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ومعنى المظاهرة أن يشبه من تحل كزوجته أو أمته بمن تحرم عليه أبدا بأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو أنت علي كظهر الدابة، وقوله في الآية: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] لا مفهوم له، وقوله فيها: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] المراد لنقيض ما قالوا، لأن الذي قالوه التحريم ونقيضه التحليل، ولو قال المصنف بدل قوله فلا يطؤها فلا يمسها لفهم الوطء بالأولىولذا قال خليل: وحرم قبلها الاستمتاع وعليها منعه ووجب إن خافته رفعها للحاكم، وجاز كونه معها إن أمن، ويلزمها خدمته قبل أن يكفر عنها بشرط الاستتار بغير وجهها ورأسها وأطرافها لجواز نظره لهذه المذكورات بغير لذة، وإنما تجب الكفارة بالعود وتتحتم بالوطء ولا يجزئ إخراجها قبل العود، وهو العزم على الوطء أو مع نية الإمساك. "بعتق رقبة" لا جنين فلا يجزئ ولكن يعتق بعد وضعه، وبين وصفها اللازم بقوله: "مؤمنة" لأن القصد من العتق القربة، وعتق الكافر ينافيهافإن قيل الآية: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ولم يقيدها بمؤمنة، فالجواب: أن الرقبة قيدت بالإيمان في كفارة القتل فحمل المطلق على المقيد. "سليمة من العيوب" فلا يجزئ رقيق مقطوع الأصبع ولا أعمى ولا أبكم، ولا مجنون وإن قل زمن جنونه، ولا مريض مشرف، ولا مقطوع أذنين، ولا أصم، ولا ذو هرم وعرج شديدين، ولا مجذم ولا أبرص ولا أفلج، ونحو ذلك من ذي العيوب المنقصة نقصا متفاحشا، بخلاف ذي المرض الخفيف أو العرج الخفيف أو العور"وليس فيها شرك ولا طرف من حرية" فلا يجزئ الرقيق المكاتب أو المدبر ونحوهما من كل ما فيه شائبة حرية أو اشتري للعتق، لأنه يجب أن تكون تلك الرقبة محررة لأجل الظهار، لا إن اشترى من يعتق عليه كأصله أو فرعه، ولا المشتراة على شرط حريتها بمجرد الشراء، ولا بد أن تكون كاملة، وأن تكون محققة الصحة، لا إن كانت غائبة مقطوعة الخبر، فإن أعتق رقبة متصفة بتلك الأوصاف أجزأت ولو كان معسرا بحيث يجزئه الصوم، ولكن كلف نفسه وتداينها فإنها تجزئه، قياسا على من فرضه التيمم فتكلف الغسل، وكمن فرضه الجلوس فصلى قائماقال خليل: ولو تكلفه المعسر جاز، ويجزئ عتق الغير عنه ولو لم يأذن إن عاد ورضيه، ولما كانت كفارة الظهار ككفارة القتل مرتبة بنص القرآن قال: "فإن لم يجد" عنده رقبة تجزئ ولا ثمنها "صام شهرين متتابعين" وينوي تتابعهما وينوي بهما الكفارة.

قال خليل: ينوي التتابع والكفارة فإن ابتدأهما بالهلال اكتفى بهما وإن كانا ناقصين، وإن ابتدأ الصوم من أثناء شهر صح وتمم المنكسر من الثالث، وشرط صحة الصوم العجز عن العتق وقت الأداء أي إخراج الكفارة، فلا يجزئ الصوم من قادر على الرقبة، وأن يملك محتاج إليه لكمرض أو منصب أو بملك رقبة فقط ظاهر منها فيعتقها عن ظهاره منها ويتزوجها بعد عتقها من غير كفارةفإن قيل: ما الفرق بين المظاهر المالك لما يحتاج إليه لا يجزئه الصوم، وعادم الماء الواجد لثمنه لكن يحتاج إليه يجزئه التيمم مع أن الله تعالى شرط العدم في كل حيث قال في التيمم: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وقال في الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] قيل: الفرق أن المظاهر فعل كبيرة بارتكابه الظهار فشدد عليه، بخلاف التيمم الغالب فيه فقد الماء لضرورة سفر أو مرض، وأيضا تكرر الوضوء لكل صلاة أوجب التخفيف"تنبيه" لم ينبه المصنف على حكم ما إذا حصل له اليسار بعد الشروع في الصوم، ونبه عليه خليل بقوله: وإن أيسر فيه تمادى إلا أن يفسده فيتعين العتق، وندب العتق في كاليومين ونحوهما، وإن حصل له اليسار بعد أكثر من ذلك لم يندب له الرجوع إلى العتق بل يجوز له، ومثل كفارة الظهار في ذلك كفارة القتل، بخلاف كفارة اليمين لغلظ أمرهما "فإن لم يستطع" المظاهر التكفير بالصوم لمرض ونحوه "أطعم" أي ملك "ستين مسكينا" أحرارا مسلمين ومفعول أطعم الثاني "مدين لكل مسكين" بمده عليه الصلاة والسلام ويدفعهما برا إن اقتاتوه أو مخرجا في الفطر فعدلهما قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4] ولم يبين المصنف ما منه الإطعام، للعلم بأن الذي يخرج من الطعام في الكفارات هو الذي يخرج في صدقة الفطر، كالشعير والقمح والسلت والزبيب والأقط والذرة والأرز والدخن والتمر، والمراد بعدلهما أي في الشبع بأن يقال: إذا شبع الرجل من المدين الكائنين من البر كم يشبعه من غير البر فيقال كذا فيخرج ذلك، ولا بد من العدد المذكور، فلا يجوز إعطاء تلك الأمداد لأقل من الستين ولا لأكثر"تنبيهان" الأول: ما ذكره المصنف من أنه يطعم كل مسكين مدين خلاف المشهور، والمشهور كما قال ابن الحاجب وخليل وهو مذهب المدونة: أن الواجب لكل مسكين مد بمد هشام وهو قدر مد وثلثين من أمداده صلى الله عليه وسلم ويمكن الجواب عن المصنف بأنه بنى كلامه على القول بأن مد هشام قدر مدين من أمداده صلى الله عليه وسلم، لأن بعض الشيوخ قال: شاهدت بالمدينة مد

هشام وحققته فوجدته قدر مدين من أمداده صلى الله عليه وسلم، نقل ذلك خليل في التوضيحالثاني: علم من كلام المصنف كغيره أن كفارة الظهار كغيرها لا تصح ملفقة كصوم الشهر وإطعام ثلاثين مسكينا، وعلم من كلامه أيضا ومن نص القرآن أنها من ثلاثة أنواع لكن في حق الحر، وأما العبد فلا يكفر إلا بالصومقال خليل: وتعين لذي الرق ولمن طولب بالفيئة وقد التزم عتق من يملكه عشر سنين، ومعلوم أنه إنما يصوم إذا قدر على ذلك، ولم يكن صومه يضر بسيده من جهة خدمته إن كان عبد خدمة، أو من جهة خراجه إن كان عبد خراج، وإلا أخر الصوم حتى يقوى عليه ويأذن له، وإن أذن له السيد في الإطعام جاز له التفكير به، فقول خليل: تعين لذي الرق معناه لا العتق فلا يصح التكفير به، فلا ينافي أنه يصح بالإطعام بإذن السيدولما كان يتوهم من قوله فيما مر: ومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر جواز الوطء أو غيره من أنواع الاستمتاع بالشروع في الكفارة قال: "ولا يطؤها" أي يحرم على المظاهر أن يمس المظاهر منها ولو بالقبلة. "في ليل أو نهار وحتى تنقضي الكفارة" سواء كانت بالصوم أو بالإطعام، فمعنى قوله فيما تقدم: حتى يكفر حتى تتم الكفارة، قال خليل: وحرم قبلها الاستمتاع وعليها منعه، ومفهوم قوله: ولا يطؤها يقتضي أنه يجوز له وطء غير المظاهر منها وهو كذلك، لكن إن كان التكفير بالإطعام فله وطؤها ولو نهارا، وإن كان بالصوم فله وطء غيرها ليلا لأنه بالنهار صائم "فإن فعل ذلك" أي مس المظاهر منها ولو بغير وطء قبل الشروع في الكفارة "فليتب إلى الله عز وجل" لمخالفته لنص القرآن في قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ووجوب التوبة يقتضي أنه ارتكب المنهي عنه عمدا لأن الإثم مرفوع عن الناسي، وقيدنا بقبل الشروع لأجل قوله: "فإن كان وطؤه" للمظاهر منها أو استمتاعه بها. "بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم" ولو كان الباقي منها يسيرا، كصوم يوم أو إطعام مسكين، سواء صدر منه ذلك غلطا أو نسيانا، في ليل أو نهار، لأن الله تعالى قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وجواب الشرط "فليبتدئها" أي الكفارة لانقطاع التتابع ولبطلان الإطعامقال خليل: وانقطع تتابعه بوطء المظاهر منها أو واحدة ممن فيهن كفارة وإن ليلا ناسيا، ومثل وطء المقدمات على المشهور، لأن الآية فيها المس وهو أعم من الوطء، كبطلان الإطعام ويفطر السفر أو بمرض هاجه، لا إن لم يهجه فلا يقطع كالفطر نسيانا أو لأجل إكراه أو ظن غروب.

فإن قيل: الحكم ببطلان الصوم والإطعام بالوطء مشكل، لأن سبقية بعض الكفارة على الوطء أولى من تأخير جميعها وقد قيل بالإجزاء لو تقدم الوطء على الجميع، فالجواب أن المماسة التي يطلب تقديم الكفارة عليها هي المماسة المباحة، لأن تقدير الآية: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] من قبل أن تباح له المماسة، والمماسة الواقعة في خلاف الكفارة ليست مباحة، فاستؤنفت كفارة أخرى لقصد كفارة سابقة على مماسة مباحة، وأما وطء غير المظاهر منها فلا حرج فيه حيث وقع في الليل ولا يبطل الصوم ولو عالما، كما لا يبطله نهارا مع النسيانولما كان يتوهم من اشتراط سلامة الرقبة من العيوب عدم إجزاء كل ذي عيب والواقع خلاف ذلك، وأن الذي يمنع الإجزاء العيب الفاحش لا الخفيف أشار بقوله: "ولا بأس بعتق الأعور" وهو ما ذهب نور إحدى عينيه "في الظهار" قال خليل: ويجزئ أعور ومغصوب ومرهون وجان إن افتديا وذو مرض وعرج خفيفين ومقطوع بعض أصبع، وكذا مقطوع بعض الأذن أو الأنف، كما يجزئ عتق الغير بشرطه الذي قدمناه، ومثل كفارة الظهار غيرها، فلا بأس هنا للإباحة لقول مالك: وجاز، وقول المدونة: وأجاز مالك عتق الأعور لأن العين الواحدة تسد مسد العينين وتغني عنهما، ولذلك وجب فيها الدية كاملة. "و" كذا لا بأس بعتق "ولد الزنا" في الظهار وغيره من الكفارات، وكذا السابق والآبق من غير نزاع في ذلك. "و" كذا يجوز "يجزئ" عتق "الصغير" في الظهار وغيره ولو صغيرا جدا ولو كان مجوسيا لجبره على الإسلام ولصدق اسم الرقبة عليه وهذا باتفاق، وأما الكتابي ففيه خلاف والأصح الإجزاء، وأما الكافر الكبير الذي يجبر على الإسلام وهو المجوسي ففي إجزاء عتقه وعدمه خلاف، وعلى الإجزاء فقيل: يوقف عن وطء المظاهر منها حتى يسلم، وقيل: لا، وعلى الوقف لو مات قبل إسلامه لا يحل له وطؤها بدون كفارة، وعلى عدمه تحل له لأنه على هذا القول على دين مشتريه، وإنما جاز عتق الصغير الذي لا يقدر على الكسب حالا دون الشيخ الزمن، لأن الصغير ترجى قدرته على الكسب في المستقبل، بخلاف الشيخ الفاني فهو كذي المرض الشديد. "و" عتق الصغير وإن كان مجزئا لكن عتق "من صلى وصام أحب إلينا" قال خليل: وندب أن يصلي ويصوموالمعنى: أنه يستحب في كل كفارة عتق من عرف الإسلام وعقل الصلاة والصوم أي عرف أنهما من القرب بأن بلغ حد التمييز وإن لم يبلغ حد الاحتلام، لأنه إذا بلغ حد التمييز وعرف ما

سبق يصير قادرا على الكسب والعمل بحيث يتمعش من كسبه"خاتمة" من أعتق صغيرا لا قدرة له على الكسب أو أعتق كبيرا زمنا لزمه الإنفاق عليهما، حتى يبلغ الصغير القدرة على الكسب ويموت الكبير، هكذا قاله بعض الشيوخ، ولما فرغ من الظهار شرع في اللعان هو لغة البعد فيقال: لعنه الله أبعده عن رحمته، وكانت العرب تطرد الشرير وتسميه لعينا لئلا تؤاخذ بجرائره، ولذا اشتق اللعان من اللعنة التي في خامسة الزوج لسبقه في اللعان وكونه أقوى وسببا في لعان المرأة، وأما شرعا فعرفه ابن عرفة بقوله: حلف زوج على زنى زوجته، أو نفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض، واحترز باللازم عن غير اللازم، كما لو أتت به لدون مدة الحمل، أو كان الزوج صبيا أو خصيا، فهذا الولد منفي عن الزوج بغير لعان مع فسخ النكاح لتبين وقوعه في العدة، وخرج بقوله: وحلفها ما إذا حلف ونكلت ولم يوجب النكول حدها، كما إذا غصبت فأنكر ولدها وثبت الغصب فلا لعان عليها، واللعان عليه وحده لنفي الولد، وخرج بقوله بحكم قاض عن لعان الزوجين بغير حكم فإنه ليس بلعان شرعي، وحكم اللعان الوجوب إن كان لنفي الحمل، والجواز إن كان لرؤية الزنا، والستر أولى قاله ابن عرفةوسببه: إما رؤية الزنا أو نفي الحمل وهو مختص بالزوجين ولذا قال المصنف: "واللعان" مشروع "بين كل زوجين" ولو فسد نكاحهما أو فسقا أو رقا لا كفرا، بشرط إسلام الزوج وتكليفه ولو عنينا أو هرما، أو خصيا مقطوع الذكر أو الأنثيين، أو ذاهب البيضة اليسرى، أو مجبوبا، لكن في الرؤية والقذف، وأما في نفي الحمل فلا لعان على المجبوب، بل ينتفي بغير لعان، كحمل زوجة الصبي وكذا الخصي بقسميه على كلام ابن القاسم وابن حبيب لأنه لا يلحق بهوقالوا في العدد: يرجع فيه النساء وشرطه إطاقة الزوجة ولو كتابية وغير مدخول بها، لكن البالغ تلاعن كالزوج، والمطيقة إنما يلاعن زوجها دونها، وغير المطيقة لا لعان على واحد منهما، ولا حد على الزوج لعدم لحوق المعرة لها، وقولنا: ولو فسد نكاحهما إشارة إلى أنه لا يشترط في اللعان صحة النكاح، ففي كتاب محمد: كل نكاح يلحق فيه الولد ففيه اللعان وإن فسخ بعد ذلك. وفي الموازية والعتبية، ومن نكح ذات محرم أو أخته غير عالم وقد حملت وأنكر الولد فإنهما يتلاعنان لأنه نكاح شبهة، فإن نكلت حدت، وإن نكل حد للقذف، ويلزمه الولد، ولا يشكل على حصر اللعان في الزوجين ما قاله أبو عمران من أنه يقع في شبهة النكاح

وإن لم تكن زوجته، لأن وطء الشبهة شبيه بوطء النكاح من حيث لحوق الولد وعدم الحد، واحترز بالزوجين عن السيد مع أمته لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فابن الأمة من سيدها لاحق به حيث اعترف بوطئها من غير دعوى استبراء ولا يصح نفيه، وأما لو لم يعترف بوطئها واستبرأها بحيضة وأتت بولد بعد ذلك فله نفيه من غير يمين، كما هو موضح في باب أم الولد، والدليل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكتاب فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] إلى قوله: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وأما السنة فما ثبت في الصحيح من ملاعنة عويمر العجلاني زوجته وهلال بن أمية أيضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الإجماع فقد حكاه الفاكهاني وغيره"تنبيه" يؤخذ من تعريف المبتدأ الذي هو اللعان حصره في الزوجين، لأن المبتدأ المعرف فاللام الجنس محصور في الخبر نحو الكرم في العرب، والخبر في كلام المصنف متعلق الطرف الذي قدرناه بمشروع بين كل زوجين، وأما قوله: "في نفي حمل" فهو حال من الضمير المستتر في الخبر والتقدير: واللعان مشروع بين كل زوجين حال كونه في نفي حمل؛ لأنه إشارة إلى أحد سببي اللعان، ويصح اللعان لنفي الحمل ولو ميتا أو متعددا لكن بشرط أن "يدعى قبله الاستبراء" ولو بحيضة، ومثل الاستبراء دعواه عدم وطئها بعد وضعها الحمل الأول الذي قبل هذا المنفي، والحال أن بين الوضعين ما يقطع الثاني عن الأول وهو ستة أشهر فأكثر، وأشار بقوله: يدعى قبله الاستبراء إلى أنه لا يجوز لأحد نفي حمل زوجته لأن الولد للفراش إلا إذا اعتمد على أمر قوي، وأما مجرد شكه في أنه ليس منه مع استمراره على وطئها فلا يحل له نفيه مع إمكان كونه منه ولا يصح لعانه، ولا يجوز له أن يعتمد في نفيه على عزله، ولا عدم مشابهته له، ولا سواده مع كونه أبيض، ولا على كونه كان يطؤها بين فخذيها حيث كان ينزل، ولا على وطء بغير إنزال حيث وطئ قبله ولم يبل حتى وطئها لاحتمال بقاء المني في قصبة الذكر، وأشار إلى السبب الآخر بقوله: "أو" في دعواه "رؤية الزنا" ولو لم يقل: رأيت فرج الزاني في فرجها "كالمرود" بكسر الميم وفتح الواو "في المكحلة" وحملنا كلامه على خلاف ظاهره لأن المشهور أنه لا يشترط وصفه كالشهود بأن يقول: رأيت فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة، بل يكفي أن يقول: رأيتها تزني، قال خليل في توضيحه: والمشهور أنه إذا تحقق البصير زناها لاعن وإن لم يرها وهو مذهب المدونة، فالحاصل أن الرؤية ليست بقيد بل يكفي التيقن ولو من البصير، فلو قال: أو في الزنا المتيقن لشمل الأعمى فإنه يلاعن حتى في دعوى

الزنا حيث تيقنه بحس أو جس، خلافا لظاهر كلام المصنف الموهم قصره على البصير من تعبيره بالرؤية، وإن كانت لا تشترط على مذهب المدونة بل يكفي التيقن، وإذا لاعن لرؤية الزنا فإنه ينتفي بذلك اللعان ما ولدته لستة أشهر فصاعدا عن يوم الرؤية، وإن أتت بولد سقط لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فإنه يلحق به لأن اللعان إنما كان لرؤية الزناقال خليل: وانتفى ما ولد لستة أشهر وإلا لحق إلا أن يدعي الاستبراء قبل الرؤية فإنه لا يلحق به، وينتفي باللعان الأول حيث كان بين استبرائه ووضعها ستة أشهر فأكثر، وأما لأقل من ستة أشهر فإنه يحمل على أنه كان موجودا في بطنها حال استبرائها"تنبيهات" الأول: شرط اللعان بالرؤية أن لا يطأها بعدها، كما أن شرطه لنفي الحمل المبادرة بهقال خليل: بلعان معجل، ثم قال: وإن وطئ أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع، والحاصل أن كلا من الوطء والتأخير يمنع اللعان إذا كان لنفي الحمل، وأما لو كان لرؤية الزنا فإنما يمنعه الوطء لا التأخيرالثاني: شرط اللعان لرؤية الزنا أن ترفعه إلى الحاكم وأن يقذفها صريحا، وأما بالتعريض فقولان، وعلى عدم اللعان يحد، وشرط لعانها أن لا يثبت غضبهاقال خليل: وتلاعنا إن رماها بغضب أو وطء شبهة وأنكرته أو صدقته ولم يثبت ولم يظهر وإلا التعن فقطالثالث: اللعان إن كان لنفي الحمل لا يتقيد بكون المرأة في العصمة أو في العدةقال خليل: ولاعن في الحمل مطلقا، وأما إن كان لدعوى الزنا فلا بد من كون كل من الدعوة أو الرؤية أو التيقن في العدةقال خليل: وفي الرؤيا في العدة وإن من بائن لا إن ادعى بعد العدة أنه رآها أو تيقن زناها في العدة، وأحرى أنه رآها بعدها فلا لعان وإنما يحد فقط، ولما قدم أن سبب اللعان إما نفي الحمل أو دعوى رؤية أو تيقن الزنا، أشار إلى حكم القذف المجرد عن دعوى الرؤية أو التيقن بقوله: "واختلف في اللعان" وعدمه "في القذف" المجرد عن دعوى الرؤية أو تيقن الزنا أو نفي الحملقال خليل: وفي حده بمجرد القذف أو لعانه خلاف بأن قال: يا زانية أو أنت زنيت، ولم

يقيد ذلك برؤية أو نفي حمل، فقال ابن القاسم: يلاعن والأكثر يحد فقط، ثم شرع يتكلم على ما يترتب على لعانهما بقوله: "وإذا افترقا" أي الزوجان "باللعان" منهما "لم" يحل لهما أن "يتناكحا أبدا" ولا بعد زوج لأن من جملة ما يؤيد تحريم المرأة على الزوج لعانها بعد لعانه أو قبله، وقلنا بعدم إعادتها بعد لعانهقال خليل: وبلعانها تأبيد حرمتها وإن ملكت أو انفش حملها، والدليل على ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين: "حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها" . قال: يا رسول الله مالي، قال: "لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد، وأبعد لك منها" 1 قال بعض الشيوخ: ففي الحديث دلالة على ثبوت مهر الملاعنة بالدخول وهذا مجمع عليه. وفي الموطإ من قول مالك: السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، وإن أكذب نفسه جلد الحد وألحق به الولد ولم ترجع إليه أبدا. وفهم من كلام المصنف كخليل أن الفرقة لا تحصل كالحرمة إلا بتمام لعان الزوجة، وهو المشهور المعروف من قول مالك وأصحابه، ومقابله لسحنون أن الفرقة تحصل بمجرد لعان الزوج، وينبني على الخلاف التوارث، إذا مات أحدهما بعد لعان الزوج وقبل لعانها فعلى المشهور يتوارثان لا على مقابله، وقد ذكرنا فيما مر أنه لا يكون لعانا شرعيا بحيث تترتب عليه تلك الأحكام إلا إذا وقع بحكم قاضثم شرع في بيان صفة اللعان بقوله: "و" صفته أن "يبدأ الزوج فيلتعن" أي يذكر "أربع شهادات بالله" بأن يقول في كل مرة: أشهد بالله ما هذا الحمل مني، أشهد بالله ما هذا الحمل مني، أشهد بالله ما هذا الحمل مني، أشهد بالله ما هذا الحمل مني، إن كان اللعن لنفي الحمل، وهذا أنسب من قول المدونة إنه يقول في اللعان لنفي الحمل: أشهد بالله لزنت لأنه لا يلزم من الزنا كون الحمل من الزاني، وأما لو كان اللعان لرؤية الزنا فإنه يقول أربع مرات: أشهد بالله لرأيتها تزني، ولا يحتاج إلى زيادة: الذي لا إله إلا هو على أشهد بالله على المشهور، وإن وجبت في الحلف على الحقوق، ولذا قال خليل: وشهد بالله أربعا لرأيتها
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين إن أحدكما كاذب، حديث "5312"، ومسلم، كتاب اللعان، باب، حديث "1493"، وأبو داود، حديث "2257"، والنسائي حديث "3476".

تزني، أو ما هذا الحمل مني، وقول الملاعن لرأيتها لعله في الرؤية، وأما عند تيقن الزنا بحس أو جس فيظهر أنه يقول: تيقنتها تزني بدل رأيتها، وحرره "ثم" بعد الأربع شهادات "يخمس باللعنة" بأن يقول: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، أو يقول: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين كما في القرآن وهو الأولى، وليس في الخامسة لفظ أشهد بل هي لفظ اللعنة فقط خلافا لما يوهمه قول خليل ووصل خامسة ولأنه يوهم ذكر أشهد وليس كذلك. "ثم" بعد تمام لعان الزوج "تلتعن هي" أي الزوجة بأن تذكر "أربع شهادات أيضا" ترد بها شهادات الرجل بأن تقول في كل مرة: أشهد بالله ما رآني أزني إن كان لرؤية الزنا، وإن كان لنفي الحمل: أشهد بالله ما زنيت، إن كان قال في شهاداته لزنت، وإن كان قال: ما هذا الحمل مني، تقول: أشهد بالله أن هذا الحمل منه. "وتخمس بالغضب كما قال الله سبحانه" بأن تقول: و {غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] أو لقد كذب فيهما"تنبيهان" الأول: لم يعلم من كلام المصنف حكم بداءة الزوج وبينه غيره بأن حكمه الوجوب، وقد ذكرنا فيما سبق حكم ما لو بدأت المرأة من الخلاف في إعادتها وما يترتب عليهالثاني: لم يعلم أيضا حكم ذكر أشهد وحكمه الوجوب في حق الناطق، فلا يكفي أحلف ولا أقسم، كم يجب لفظ اللعن في خامسة الرجل، والغضب في خامسة المرأةقال خليل: ووجب أشهد واللعن والغضب وبأشرف البلد كالمسجد للمسلمة والكنيسة للذمية، ويجبر الزوج على الدخول معها في الكنيسة، ولا تدخل هي معه المسجد، ويجب كونه بحضور جماعة أقلها أربعة لتظهر الشعيرة، ويستحب كونه إثر صلاة العصر، وقيدنا وجوب أشهد بالناطق للاحتراز من الأخرس فإنه يلاعن بالكتابة أو الإشارةقال ابن الحاجب: ويلاعن الأخرس بالكتابة أو الإشارة إن فهم، كما يصح بيعه وشراؤه ونكاحه وطلاقه، والزوجة الخرساء كذلك، والصماء يقذفها زوجها تلاعن بما يفهم منهاقال ابن شاس: ولو قال بعد الطلاق اللسان لم أرد ذلك لم يقبل منه، فلو اعتقل لسان الناطق قبل اللعان فإن كان يرجى زوال عذره عن قرب أمهل، وأما لو لم يرج برؤه أو يرجى عن بعد فيلاعن بالكتابة أو الإشارةثم شرع في بيان ما يترتب على الممتنع من اللعان بقوله: "وإن نكلت هي" أي الزوجة بعد

إتيان الزوج بشهاداته "رجمت" أي ضربت بالحجارة إلى أن تموت. "إن كانت حرة محصنة" بفتح الصاد "بوطء تقدم من هذا الزوج" الملاعن "أو" من "زوج غيره" في نكاح صحيح لازم، وحصل فيه وطء مباح بانتشار الزوج المسلم المكلف. "وإلا" بأن لم تكن محصنة "جلدت مائة جلدة" حيث كانت حرة مسلمة مكلفة، فإن كانت أمة فنصف الحد، والذمية يلزمها الأدب لأذيتها لزوجها وردت لحكام ملتها بعد تأديبها لاحتمال استحقاقها الحد عندهم بنكولها. "وإن نكل الزوج" بعد رميه زوجته بالزنا أو قوله لها: ما هذا الحمل مني وامتنع من اللعان والحال أن زوجته عفيفة "جلد" أي حد لقذفها "حد القذف ثمانين" جلدة حيث كان حرا مكلفا، وكانت الزوجة حرة مسلمة عفيفة. "ولحق به الولد" لأن الولد للفراش لا ينتفي إلا بلعان، فإن كان صبيا والزوجة بالغة فإن رماها بالزنا فلا لعان ولا حد عليه وإنما يؤدب، وإن ظهر بها حمل انتفى عنه بغير لعان وعليها الحد، وإن كان بالغا وهي صغيرة فإن لم تطق الوطء فلا حد ولا لعان أيضا، وإن كانت مطيقة التعن دونها إلا أن يظهر بها حمل فيتلاعنان، فإن نكل حد، وإن لاعن ونكلت حدت البكر إذا لم يثبت الوطء بعد بلوغها، فإن كان الزوج عبدا مكلفا والزوجة حرة مكلفة تلاعنا، فإن نكل حد للقذف حيث كانت كتابية وأمة فلا يحد لها"تنبيهان" الأول: ظاهر كلام المصنف أن الناكل من الزوجين يحد بمجرد امتناعه من اللعان ولو قال أرجع للعان وليس كذلك، فقد قال خليل: ولو عاد إليه قبل كالمرأة على الأظهر، واعترضه الأجهوري قائلا: المعول عليه التفصيل، الرجل لا يقبل والمرأة تقبل، والفرق أن نكولها كإقرارها بالزنا ولها أن ترجع عنه، ونكول الرجل كإقراره على نفسه بقذف غيره وليس له رجوع عن الإقرار به، والتفصيل طريقة ابن رشدالثاني: اعلم أن الثمرة المترتبة على اللعان ستة أشياء، ثلاثة مترتبة على لعان الزوج، أولها: رفع الحد عنه إذا كانت زوجته حرة مسلمة، أو الأدب إذا كانت أمة أو ذمية. ثانيها: إيجاب الحد على المرأة المسلمة ولو أمة، أو الأدب على الذمية إن لم يلاعن لأنها حينئذ كالمصدقة. ثالثها: قطع نسب الولد. وثلاثة مترتبة على لعان الزوجة، أولها: رفع الحد عنها. ثانيها: فسخ نكاحها اللازم. ثالثها: تأبيد حرمتهاثم أشار إلى مسألة من مسائل الخلع قد تقدم في بابه الوعد بها فقال: "و" يجوز "للمرأة" الرشيدة "أن تفتدي من زوجها" ولو سفيها أو صبيا "بصداقها" جميعه "أو" ب "أقل أو أكثر" بنص للقرآن والسنة وإجماع الأمة، أما القرآن فآية: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً

مَرِيئاً} [النساء: 4] وأما السنة فحديث حبيبة بنت سهل الأنصاري، وأما الإجماع فقد انعقد على جوازه لنص القرآن والسنة عليه، ويفوز الزوج بكل ما افتدت به ولا رجوع لها عليه بشيء منه. "إذا لم يكن" الافتداء ناشئا "عن ضرر بها" غير شرعي "فإن كان" مسببا "عن ضرر" أوقعه "بها" فلا يفوز به و "رجعت" عليه "بما أعطته" له "ولزمه الخلع" بعد إثباتها الضررقال خليل: ورد المال بشهادة سماع على الضرر، ولا يشترط في هذا السماع كونه من الثقات وغيرهم، بل لو ذكرت البينة أنها سمعت ممن لا تقبل شهادته كالخدم ونحوهم عمل بشهادتها أو امرأتين، وقال خليل أيضا: ورد المال بيمينها مع شاهد أو امرأتين، ولا يضرها إسقاط بينة الضرر، وقيدنا بالرشيدة للاحتراز عن الصغيرة والسفيهة والرقيقة يطلقها زوجها على مال فيلزم الطلاق ويرد المالقال خليل: لا من صغيرة وسفيهة وذات رق ورد المال وبانت كما يرد بتبين كونها بائنا منه قبل ذلك الخلع، أو فاسدة النكاح المجمع على فساده كخامسة أو معتدة أو متصفة بعيب موجب للخيار من غير شرط، وما قيل من أن العيب المطلع عليه بعد الموت أو الطلاق كالعدم غير معول عليه على ما بينه الأجهوري في شرح خليل، وقيدنا الضرر بغير الشرعي للاحتراز عما لو ضربها على ترك الصلاة أو الغسل الواجب أو شتمته فإنه يخير في إمساكها مع تأديبها أو يفارقها ولو بشيء يأخذه منها، فإنه يحل له أخذه ولا ترجع به"تنبيه" لم يذكر المصنف ولا خليل حكم ما لو كان المال المخالع به من أجنبي ثم يثبت أن الطلاق لضرر بها، فهل للأجنبي الرجوع به كالزوجة أو لا؟ واستظهر العلامة الأجهوري الرجوع إلى قصد الدافع، فإن قصد بدفعه الصدقة لا رجوع له به، ونظير تلك المسألة من دفع لعبد مالا يوفي به نجوم الكتابة1 وإن قصد تخليصها أو تجرد دفعه عن قصد فله الرجوع به نظرا إلى ما يغلب قصد الناس إليه. "والخلع طلقة لا رجعة فيها" وهذا محض تكرار مع قوله فيما تقدم: والخلع طلقة بائنة لا رجعة فيها إلا أن يقال أعاده ليرتب عليه قوله: "إلا بنكاح جديد" فله مراجعتها بولي وصداق وشهود "برضاها" إذا كانت غير مجبرة وإلا اعتبر رضا المجبر، ويصح العقد عليها ولو في العدة ولو قبل زوج حيث لم يقصد به الطلاق الثلاث،
ـــــــ
1 الكتابة مشتقة من الكتاب، بمعنى الأجل المضربواصطلاحا - عقد يوجب عتقاً على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه فإذا أدى ما عليه من المال صار العبد حراً. والكتابة أخص من العتق؛ لأنها عتق على مال. الموسوعة "29/265".

وتقدم أن البينونة تحصل بدفع العوض ولو من أجنبي ولو بغير رضاها وعلمها، ومثله لو وقع بلفظ الخلع فإنه يكون بائنا، كما أنه يقع بائنا إذا وقع بعوض، ولو شرط أنه رجعي لا بشرط نفي الرجعة فإنه لا يكون بائنا، بل يكون رجعيا بشرط عدم النص على الخلع، وعدم دفع عوض عنده كما في شراح خليل، ولما كان فراق المعتقة تحت العبد بطلاق بائن ناسب ذكره عقب مسألة الخلع بقوله: "و" الزوجة الأمة "المعتقة" كلها عتقا ناجزا وهي "تحت العبد لها الخيار" في "أن تقيم معه" تحته بعد عتقها "أو" أي ولها الخيار في أن "تفارقه" وتستقل بالنظر في أمر نفسها إن كانت رشيدة وغيرها ينظر لها السلطان، فإن نظرت في نفسها مضى إن كان صوابا ويجب وقفها والحيلولة بينها وبين الزوج حتى تختار بطلقة بائنة أو طلقتينقال خليل: ولمن كمل عتقها فراق العبد فقط بطلقة بائنة أو اثنتين، ثم إن كان قبل البناء لا نصف لها لمجيء الفراق من قبلها، كزوجة الأبرص أو الأجذم وقيدنا بكلها، وبناجز للاحتراز عن المدبرة تحت العبد، والمعتقة لأجل أو المبعضة فإنها لا خيار لها، والدليل على ثبوت خيار المعتقة تحت العبد ما في الموطإ وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان في بريرة ثلاث سنن؟ فكانت إحدى السنن أنها عتقت فخيرت في زوجها" الحديث، وفي مسلم وغيره: "كان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها"1 ولو كان حرا لم يخيرها، وما في البخاري من أن زوج بريرة كان حرا فهو من كلام الأسود بن يزيد، وقال بعض الحفاظ فيه: إنه مخالف للناس، أي والذي قاله الناس أنه كان عبدا، ومحل خيارها ما لم يعتقه سيده قبل اختيارها إلا سقط خيارها كسقوطه مع زوجها الحر أصالة"تنبيه" علم من وجوب وقفها بعد عتقها عدم جواز تأخيرها بالاختيار، إلا لأجل حيض أو لأجل النظر في الأصلح من البقاء، فتؤخر مدة النظر بالاجتهاد من الحاكم، ولا يجوز أن تمكنه من نفسها بعد علمها بعتقها إلا بعد اختيارها نفسها، فلو مكنته من نفسها طائعة بعد علمها بالعتق فإنه يسقط اختيارها، فلو تنازعا في العلم بالعتق فالقول قولها ولا يقبل دعواها الجهل،
ولما كان الفسخ يشبه الطلاق لحصول الفراق عقب كل منهما قال: "ومن اشترى زوجته" أو ملكها بسبب غير الشراء كهبة أو صدقة أو إرث. "انفسخ نكاحه" ولو بملك بعضهاـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب: بيع الولاء وهبته، حديث "2536"، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث "1504"، وأبو داود، حديث "2233"، والترمذي، حديث "1154"، والنسائي، حديث "3448".

قال في المدونة: وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه انفسخ نكاحه، لأنها إذا طالبته بحق الزوجية يطالبها بحق الملك فيتعارضان فتسقط النفقة وغيرها من الحقوق، وذلك خلاف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقال خليل: وفسخ وإن طرأ بلا طلاق كمرأة في زوجها ولو بدفع مال ليعتق عنها، وإذا حصل الملك قبل البناء لا صداق لها وله وطؤها بالملك بعد الشراء من غير استبراء لأن الماء ماؤه، ثم شرع في مسائل يخالف العبد الحر فيها بقوله: "وطلاق العبد" ولو فيه شائبة حرية"طلقتان" ولو كانت الزوجة حرة لأن الطلاق معتبر بالرجال دون النساء، فطلاق الحر ثلاث ولو كانت زوجته أمة، ولأن العبد على النصف من الحر فيكمل النصف عليه بالشرع "وعدة" الزوجة "الأمة" ولو فيها شائبة حرية إذا طلقها زوجها وهي ممن تحيض "حيضتان" ولو كان زوجها حرا لأن العبرة في العدة بالمرأة عكس الطلاق وعبر بحيضتين، وإن كانا إمامنا اختار تفسير الأقراء بالأطهار لاستلزام الحيض للطهر فسقط ما قيل من أنه كان الصواب طهران بدل حيضتان، وهذا إذا كانت من ذوات الحيض، وإلا اعتدت بثلاثة أشهر لأن الاعتداد بالأشهر تستوي فيه الحرة والأمة، وإنما ذكر الكلام على العدة قبل بابها جمعا للنظير مع نظيره. "وكفارات الرقيق" المراد من فيه شائبة الرق ولو أنثى"كالحر" في الجملة فما يصح للحر إخراج الكفارة منه يخرج منه للرقيق، وما لا يصح للرقيق، وقولنا في الجملة للاحتراز عن التكفير بالعتق فإنما يكفر به الحر لا الرقيق، إلا أن يكون الحر مديانا فيستويان في عدم التكفير به، ويحتمل أن معنى كلامه: أن العبد ليس على النصف في الكفارة كالطلاق والحد، ويحتمل أنه كالحر في الموجبات للكفارة، وقيل غير ذلك، والمفهوم من كلامه بقرينة قوله: بخلاف معاني الحدود الاحتمال الثاني"بخلاف معاني الحدود والطلاق" فإن العبد بمعنى الرقيق فيها على النصف من الحر، وإضافة معاني الحدود بيانية أو أنها زائدة، فيعد في الزنا والقذف والشرب نصف الحرقال العلامة ابن عمر: ما يساوي العبد الحر فيه وما لا يساويه أربعة أقسام: قسم يجب على الحر دون العبد كالحج والغزو والجمعة والزكاة، وقسم يجب عليهما على التساوي كالصلاة والصوم والكفارات وتحليل المحللات وتحريم المحرمات، وقسم يشاطر الرقيق الحر فيه كالحدود والطلاق والعدة، وقسم فيه الخلاف بين العلماء وهو النكاح وأجل المفقود انتهى، والمشهور التساوي في النكاح، فيجوز للعبد الجمع بين أربع من النساء، وعلى النصف في

أجل المفقود والمعترض، ثم شرع في الرضاع وهو كما قال ابن عرفة: وصول لبن آدمية لمحل مظنة غذاء آخر للتحريم بالسعوط والحقنة، ولا دليل إلا مسمى الرضاع، وعقب ما سبق من الطلاق والفسخ للعان، أو ملك أحد الزوجين صاحبه لحصول المناسبة بين كل لتحريم المرأة بالجميع في الجملة فقال: "وكل ما وصل" ولو مع الشك على ما استظهره بعض شراح خليل كالخطاب وتبعه السنهوري "إلى جوف الرضيع في" داخل "الحولين من اللبن" ولو خلط بغير طالب عليه، وفرع اللبن كالجبن والسمن كهو، واحترز باللبن عن الماء الأصفر فلا يحصل به تحريم وخبر "كل" الواقع مبتدأ. "فإنه يحرم" مثل ما حرمه النسب "وإن" كان الواصل إلى جوف الرضيع "مصة واحدة" على قول أكثر أهل العلم لأن الدليل على التحريم بالرضاع قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وقوله عليه الصلاة والسلام: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" 1 لا تحديد فيه بعشر ولا خمس رضعات، وما ورد من التحديد فمنسوخ بما قدمنا"تنبيه" لم يقيد المصنف صاحبة اللبن بكونها حية أو ميتة، إشارة أنه لا فرق بين الحية والميتة، وأما قوله في الآية: {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] فبالنظر إلى الغالب، فإذا شرب الصغير لبن الميتة أو النائمة صار ابنا لها فلا يتزوج أصولها ولا فروعها، ولم يقيدها أيضا بكونها آدمية، مع أنه لا بد منه كما قدمنا عن ابن عرفة، والآية والأحاديث تدل على ذلك. فلو ارتضع صغيران على بهيمة فلا يحرم أحدهما على الآخر، ولم يقيد أيضا ذات اللبن بكونها كبيرة أو ذات زوج للإشارة إلى عدم اشتراط ذلكقال خليل: حصول لبن امرأة وإن ميتة أو صغيرة ولو غير مطيقة، إلى قوله: محرم، ثم أشار إلى مفهوم قوله في الحولين بقوله: "ولا يحرم ما" أي اللبن الذي "أرضع" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل على ضمير ما "بعد الحولين إلا" ما رضعه في "ما قرب منهما كالشهر ونحوه" فإنه لا يحرم "وقيل والشهرين" وهذا هو المذهب واقتصر عليه خليل، لأنه قول ابن القاسم في المدونة، وشرط التحريم بالرضع مطلقا عدم الاستغناء عنه بالطعام بدليل قوله: "ولو فصل" أو منع الرضيع من لبن أمه "قبل" تمام "الحولين فصالا" بينا بحيث "استغنى فيه" الرضيع "بالطعام" عن اللبن بحيث لا يتضرر بترك اللبن "لم يحرم ما" أي اللبن الذي "ارتضع" بلفظ المجهول "بعد
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت، حديث "2645"، والنسائي، حديث "3306"، وابن ماجه، حديث "1938".

ذلك" قال العلامة خليل: إن حصل في الحولين أو زيادة الشهرين إلا أن يستغني ولو فيهما، فلا تحريم بالرضاع بعد الاستغناء إلا أن يكون زمان الرضاع قريبا من زمن الفطام بنحو اليومين والثلاثة فإنه يحرم، ولأنه لو أعيد للرضاع لكان قوة في غذائه، ولذلك قال المصنف: فصالا بينا"تنبيه" لو تنازعت الأم مع الأب في فطام الصغير لم يلتفت لمن أراد الفطام لأن الحق فيه للأبوين معا، فلو طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر لم يلتفت له ولا بد من رضاهما معا. قاله ابن العربي في أحكامه. قاله التتائي في شرح خليل، ولما كان الرضاع عرفا شرب الولد بفمه وكان التحريم يحصل بوصوله إلى الجوف ولو من الأنف أو من الدبر قال: "ويحرم" اللبن الواصل إلى الجوف "بالوجور" بفتح الواو وضم الجيم وهو الصب في الحلق. "والسعوط" بفتح السين المهملة وهو الصب في الأنفقال خليل: حصول لبن امرأة وإن ميتة أو صغيرة بوجور أو سعوط أو حقنة تكون غذاء أو خلط الأغلب ولا كماء أصفر، إلى قوله محرما ما حرم النسب إلا ما استثني، وتوقف العلامة الأجهوري في الأصل إلى الجوف من ثقبة تحت المعدة وفوقها ويظهر لي التحريم، لأن الثقبة النافذة إلى محل الغذاء تشبه الدبر، والواصل منه إلى محل الغذاء محرم، لأنهم عولوا على الوصول إلى الجوف من غير الأذن والعين وحرر المسألة، نعم جرى التردد في الحاصل بالحقنة هل يشترط حصول الغذاء منه بالفعل أو لا؟ وكلام خليل يقتضي اشتراط ذلك، وكلام ابن عرفة لا، ويظهر لي من التحريم بالمصة رجحان كلام ابن عرفة والله أعلم، ووقع التوقف في لبن الخنثي المشكل، والظاهر أنه يحرم قياسا على من تيقن الطهارة وشك في الحدث، قاله التتائي في شرح خليل"تنبيه" قد ذكرنا أن تحريم الرضاع مثل تحريم الولادة، ويحرم له مثل ما يحرم من النسب إلا ما استثني من نحو أم أخيك المشار إليها بقول خليل: إلا أم أخيك وأختك، أو أم ولدك وجدة ولدك وأخت ولدك وأم عمك وعمتك وأم خالك وخالتك فقد لا يحرمن من الرضاع، قال بعض شراحه: وقد في كلامه للتحقيق وناقشه بعض، راجع الأجهوري
"ومن أرضعت" من الآدميات "صبيا" لم يستغن عن اللبن. "فبنات تلك المرأة" ولو من زوج غير فحلها اليوم "وبنات فحلها" اليوم الذي حصل فيه الرضاع بلبنه ولو من غير تلك المرأة المرضعة. "ما تقدم" على رضاعه "أو تأخر" عند الجميع "أخوة له" أي لهذا الصبي، واعلم أن

أصول التحريم بالرضاع ثلاثة: الرضيع والمرضعة وفحلها، وإن كان الرضيع ذكرا حرمت عليه لأنها أمه من الرضاع وجميع أقاربها إلا بنات إخوتها وأخواتها لأنهن بنات خالات وبنات أخوال، وكذلك يحرم عليه جميع أقارب الزوج صاحب اللبن إلا بنات إخوته وأخواته لأنهن بنات أعمام وعمات، وإن كان الرضيع أنثى حرمت على أقارب المرضعة إلا بني إخوتها وأخواتها، وكذا تحرم على أقارب الزوج إلا على بني إخوته وأخواته، وتحرم الرضيعة على صاحب اللبن وما تناسل منها لأنها بنته، وما يتناسل منها حفدة، ومن الأصول الثلاثة تنتشر الحرمة إلى الأطراف، ثم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، بيانه إذا حرمت المرضعة على الرضيع حرمت عليه أمهاتها نسبا ورضاعا لأنهن جدات، وأخواتها نسبا ورضاعا، وأولادها من الجهتين إخوة، وكذلك أولاد الإخوة، وكذلك أولاد الرضيع أحفاد المرضعة، ولا تحرم المرضعة على أبي الرضيع ولا على أخيه، وكذلك زوج المرضعة أو المرتضع، وأبوه جده، وأخوه عم، وولده أخ، وعلى هذا القياس، ولا يعتبر في لبن الفحل أن يكون من وطء حلال ولو من حرام لا يلحق الولد منه بصاحبه خلافا لظاهر كلام خليل"تنبيهان" الأول: ظاهر المصنف أن الرضيع يصير أخا لأولاد فحل المرضعة، ولو كان رضع عليها قبل أن يتزوجها ذلك الفحل وليس كذلك، بل لا يكون أخا لبنات ذلك الفحل من الرضاع إلا إذا كان قد وطئ المرضعة وأنزل قبل الإرضاع حتى يصدق عليه أنه شرب من لبن ذلك الفحل، وأما لو رضع عليه قبل نكاحه إياها ثم عقد عليها بعد انقطاع الرضاع فلا تكون بناته أخوات له لأنه لم يشرب من لبنه حتى يكون ابنا له، كما هو معلوم من قولهم: يجوز للربيب أن يتزوج ببنت امرأة أبيه من رجل غيره حيث شرطوا عدم رضاعها من لبن أبيه بأن فطمت قبل نكاح أبيه لأمها. الثاني: قول المصنف: ومن أرضع كان مقتضى الظاهر أن يقول: أرضعت بالتاء لأن الفاعل ضمير المؤنث، وقال في الخلاصة:
وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهم ذات حر
والجواب: أنه ذكر الضمير نظرا إلى لفظ من فاته يجوز مراعاة لفظها كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 31] إذ لو راعى المعنى لقال: ومن تقنت لأن التاء مع المضارع كالتاء مع الماضي في اللزوم، وقوله: فبناتها وبنات فحلها إخوة، كان الواجب أن يقول: أخوات لأنه جمع أخت وإخوة جمع أخ المذكور، وجوابه أنه راعى لفظ ما من قوله ما تقدم فإنه مفرد مذكر، ولما كان يتوهم من كون بناتها أخوات للرضيع وعدم حلهن لإخوته قال: "و"

يجوز "لأخيه" أي ذلك الصبي نسبا "نكاح بناتها" لأن الذي يقدر ولدا للمرضعة خصوص الرضيعقال خليل: وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه من وطئه، فكأنه حاصل من بطنها ومن ظهره وفروعه كهو فتحرم عليه المرضعة وأمهاتها وبناتها وعماتها وخالاتها كما تحرم على فصوله، ولا تحرم على أصوله ولا على إخوته، ويستمر كل من رضع ولدا لصاحب اللبن لانقطاعه وإن بعد سنين واشترك مع القديم، فالحاصل أن أصول الرضيع مع النسب، وكذلك إخوته أجانب في تلك المرضعة فتحل لهنقال خليل: وقدر الطفل خاصة ولدا لصاحبة اللبن ولصاحبه من وطئه لانقطاعه وإن بعد سنين فمحترز خاصة أصوله وإخوته، وأما فصوله فلم يحترز بخاصة عنها بل هم مثله في الحرمة كما ذكرنا"تتمتان" الأولى: لم يذكر المصنف ما يثبت به الرضاع، وبينه خليل بقوله: ويثبت برجل وامرأة وبامرأتين إن فشا قبل العقد، سواء كانتا أجنبيتين أو أمهاتهما، قاله أبو الحسن شارح المدونة، لا بامرأة ولو فشا ولو كانت عدلة، ولا فرق بين كون الرضاع حصل في زمن إسلام المرأة أو كفرهاقال خليل: ورضاع الكفر معتبر، فلا يحل لمن رضع على كافرة أن يتزوج بأولادها ولو بعد إسلامهن. الثانية: الرضاع على الخنثى المشكل محرم، كما أن الشك في وصول اللبن إلى جوف الرضيع محرم كما عند ابن ناجي وتبعه الخطاب والسنهوري كما قدمناهولما كان الاستبراء قد يتسبب عن ثبوت الرضاع ناسب ذكر باب العدة والاستبراء بعده بقوله:

"باب في" بيان أحكام "العدة"1
وقدرها، ومن تلزمها، ومن لا تلزمها، وما يجب على المرأة تركه زمنهاوحقيقتها كما قال ابن عرفة: مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه، والمراد منع
ـــــــ
1 العدة لغة: مأخوذة من العد والحساب، والعد في اللغة: الإحصاء، وسميت بذلك لاشتمالها على العدد من الأقراء أو الأشهر غالباً، فعدة المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها هي ما تعده من أيام أقرائها، أو أيام حملها، أو أربعة أشهر وعشر ليالٍ، وقيل: تربصها المدة الواجبة عليها، وجمع العدة: عدد، كسدرة، وسدروفي الاصطلاح: هي اسم لمدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد أو لتفجعها على زوجها. انظر الموسوعة "29/304 - 306".

المرأة؛ لأن مدة منع من طلق رابعة من نكاح غيرها لا يقال له عدة لا لغة ولا شرعا؛ لأنه لا يمكن من النكاح في مواطن كثيرة كزمن الإحرام أو المرض، ولا يقال فيه: إنه معتد "و" في بيان أحكام "النفقة" وهي ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف. "و" في بيان "الاستبراء" 1 وهو في اللغة الاستقصاء والبحث عن كل أمر غامض، وشرعا الكشف عن حال الأرحام عند انتقال الأملاك مراعاة لحفظ الأنسابوأسباب العدة ثلاثة: موت أو طلاق أو فسخ، كما أن أنواعها ثلاثة أقراء وشهور ووضع حمل. وبدأ بالنوع الأول فقال: "وعدة الحرة" البالغ غير الحامل "المطلقة" بعد خلوة زوجها البالغ غير المجبوب خلوة يمكن وطؤها فيها "ثلاثة قروء" جمع قرء بفتح القاف أي أطهار، وتحل لغير المطلق بأول الحيضة الثالثة إن طلقت في طهر، أو الرابعة إن طلقت في حيض أو نفاس، ولكن تستحب لها أن لا تتعجل بالعقد بمجرد رؤية الدم الثالث أو الرابع، بل حتى يمضي يوم أو بعضه؛ لعدم الاكتفاء في العدة بأقل من ذلك. ولا يقال: مقتضى التعليل وجوب التأخير وعدم الحل بمجرد رؤية الدم؛ لأنا نقول: الأصل الاستمرار وعدم الانقطاع قبل مضي يوم أو بعضه، وقيدنا الحرة بالبالغ لقوله ثلاث أقراء، وبغير الحامل؛ لأن عدتها وضع حملها كما يأتي، وبالزوج البالغ؛ لأن زوجة الصبي لا عدة عليها في الطلاق بخلاف الموت، وبغير المجبوب؛ لأن زوجته لا عدة عليها من طلاقه كالمطلقة قبل الدخول، وقيل: عليها العدة إن كان يعالج وينزل، وعلى الأول خليل، وعلى الثاني عياض، وإلى هذه القيود أشار خليل
ـــــــ
1 الاستبراء لغة: طلب البراءة، وبرئ تطلق بإزاء ثلاث معان: برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر. أما الاستبراء فيقال: استبرأ الذكر استنقاه، أي استنظفه من البول. واستبرأ من بوله إذا استنزهوللاستبراء استعمالان شرعيان:
الأول: يتصل بالطهارة كشرط لصحتها، فهو بهذا من مباحث العبادة، وهو داخل تحت قسم التحسين. يقول الشاطبي: "وأما التحسينات فمعناه الأخذ بما يليق من محاسن العادات. ففي العبادات كإزالة النجاسة"الثاني: يتصل بالاطمئنان على سلامة الأنساب، وعدم اختلاطها، فهو بهذا من مباحث النكاح، وهو داخل تحت قسم الضروري، كما ذهب إليه الشاطبيومعنى الاستبراء في النسب، طلب براءة المرأة من الحبل، يقال: استبرأت المرأة: طلبت براءتها من الحبل. وعرفه ابن عرفة بما توضيحه: ترك السيد جاريته مدة مقدرة شرعاً يستدل بها على براءة الرحمويكون تارة بحيضها، إذ الحيض دليل على براءة الرحم، وقد يكون بانتظارها مدة من الزمن توجب الاطمئنان بعدم الحمل، وقد يكون بوضع الحمل الذي علق بها، حيا أو ميتاً، تام الخلقة أو غير تام. انظر الموسوعة الفقهية "3/167".

بقوله: تعتد حرة وإن كتابية بخلوة بالغ غير مجبوب أمكن شغلها منه إن نفياهوأما مقطوع الأنثيين قائم الذكر فيجب على زوجته العدة على المعتمد كما قاله بعض شراح خليل، وإذا وجدت هذه القيود فلا بد من العدة سواء "كانت" تلك الحرة المطلقة "مسلمة أو كتابية" طلقها زوجها المسلم أو أراد مسلم أن يتزوجها"و" أما عدة الزوجة المطلقة "الأمة و" كل "من فيها بقية رق" كمبعضة وأولى المكاتبة وأم الولد والمدبرة فهي "قرءان" بفتح القاف أي طهران، فتحل بأول الحيضة الثانية إن طلقت في طهر، أو الثالثة إن طلقت في حيض، وإنما اعتدت بقرأين مع أن الرقيق على النصف؛ لأن القرء لا يتبعض وسواء "كان الزوج في جميعهن" أي الحرة والأمة القن، ومن فيها بقية رق "حرا أو عبدا" لما تقرر من أن العبرة في العدة بالمرأة، وفي الطلاق بالزوج، والفرق واضح؛ لأن العدة من المرأة والطلاق من الزوج. ثم فسر الأقراء بقوله: " والأقراء" معناه عند مالك والشافعي وأحمد وجمع من الصحابة "هي الأطهار التي" تحصل "بين الدمين" خلافا لمن أراد بها الحيض، وكان الأنسب بلفظ الأقراء الدماء؛ لأن الذي بين الدمين قرء واحد، وظاهر كلام المصنف أنه لا بد من الأقراء، ولو كانت عادتها الحيض في كل سنة مرة أو تأخر حيضها لرضاع أو مرض أو استحاضة وهو كذلك، حيث كانت تميز دم الاستحاضة من غيره، وإلا كانت مرتابة، وسيأتي الكلام عليها"تنبيه". ما ذكره من أن الأقراء هي الأطهار يلزم عليه إشكال لا يتوجه على من فسرها بالدماء وهو أبو حنيفة، وبيان الإشكال أنه يلزم عليها حلها قبل الثلاثة أقراء إذا كان طلاقها في آخر طهر؛ لأنها تحل بأول الحيضة الثالثة، والمنقضي طهران وبعض طهر، وأجيب عن هذا الإشكال بأن الجمع قد أطلق في كلامه -تعالى- على معظم المدة: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] مع أنه في شهرين وعشر ليال، أو أن بعض الطهر منزل منزلة طهر كاملقال خليل: واعتدت بطهر الطلاق وإن لحظةلما فرغ من عدة ذات الحيض شرع في عدة غيرها فقال: "فإن كانت" المطلقة "ممن لم تحض" لصغر ولكن مطيقة للوطء "أو" كانت كبيرة لكن "قد يئست من المحيض" بأن جاوزت السبعين "فثلاثة أشهر" عدتها "في" حق "الحرة، و" مثلها "الأمة" على المشهور لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي عدتهن كذلك فإنه شامل للحرة والأمة، وأيضا الحمل لا يظهر في أقل من ثلاثة أشهر وتعتبر

الشهور بالأهلة، وإذا طلقت في أثناء شهر عملت من الثاني والثالث على الأهلة وكملت المنكسر ثلاثين يوما من الرابع، ولو كان المنكسر ناقصا، ولا تحسب يوم الطلاق إن طلقت بعد فجره، وقيدنا الصغير بالمطلقة؛ لأن غيرها لا عدة طلاق عليهافإن قيل: زوجة الصبي لا عدة عليها ولو كبيرة وهو مطيق، والمطيقة التي لم تحض عليها العدة حيث كان زوجها بالغا. فالجواب: أن الصبي لا ماء له قطعا فعدم الحمل من وطئه محقق، وأما المطيقة فلا يقطع بعدم حملها لاختلاف أحوال البنات باختلاف الأزمنة والمأكل والمشرب"تنبيه" إنما تعتد الصغيرة بشرطها بالأشهر حيث لم تر الحيض في آخرها وإلا انتقلت للأقراء، والآيسة إذا رأت الحيض في أثناء أشهرها ينظرها النساءومما تستوي فيه الحرة والأمة أيضا عدة المستحاضة وأشار إليها أيضا بقوله: "وعدة" الزوجة "الحرة المستحاضة أو الأمة" المستحاضة أيضا يسترسل عليها الدم زيادة على أيام الحيض المعتاد لهما "في الطلاق سنة" بشرط عدم التمييز، ومثلهما في الاعتداد بسنة من تأخر حيضها بغير سبب أو لمرضقال خليل: وإن لم تميز أو تأخر بلا سبب أو مرضت تربصت تسعة أشهر ثم اعتدت بثلاثة، فعلم من كلام خليل أن كل السنة ليس بعدة بل تسعة استبراء وثلاثة أشهر عدة، وإن كان المصنف أطلق على كل السنة عدة، وأما المستحاضة إذا ميزت فإنها تعتد بالأقراء لا بالأشهر؛ لأن الدم المميز بعد طهر تام يعد حيضاقال خليل: والمميز بعد طهر تم حيضا كما قدمناهومما تشترك فيه الحرة والأمة أيضا وضع الحمل، وإليه الإشارة بقوله: "وعدة الحامل من وفاة أو طلاق وضع حملها" كله حيث كان لاحقا أو يصح استلحاقه، وسواء كان كاملا أو دما مجتمعا سواء "كانت" تلك المعتدة "حرة أو أمة" مسلمة "أو كتابية" والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وهذه مخصصة لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] وقوله تعالى أيضا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وإنما خصصت آية الحوامل هاتين الآيتين؛ لأن القصد من العدة الاستدلال على براءة الرحم، ووضع الحمل أقوى في الدلالة من

الزمان والحيض، وقولنا اللاحق بالفعل أو يصح استلحاقه؛ ليدخل حمل الملاعنة للاحتراز عما لو كان الزوج صبيا أو مجبوبا فلا تنقضي عدة زوجته بوضع حملها لا من موت ولا طلاق، بل لا بد من ثلاثة أقراء في الطلاق تعد نفسها حيضة، وعليها في الوفاء أقصى الأجلين، وهو المتأخر من الوضع، أو تمام الأربعة أشهر وعشر في الحرة، أو الشهرين والخمس ليال في الزوجة الأمة، وقولنا كله الاحتراز عما لو كان في بطنها ولدان فلا تحل إلا بوضعهما، فلو نزل بعض الواحد وبقي بعضه ولو الثلث فلا تنقضي عدتها، واستظهر بعض الشيوخ لو مات الحمل بعد خروج بعضه وبقي في بطنها نحو عضو منفصل كما لو تقطع الحمل وتأخر ذلك أن عدتها تنقضي، وهو مخالف لتوكيد خليل بكله؛ لأنه لا فرق بين البعض الباقي المتصل أو المنفصل وحرر المسألة. نعم ظهر لنا حكم آخر، وهو انقضاء العدة بتمام وضع الحمل ولو من غير نوع الأم والأب، كأن تضع حيوانا بهيما، وربما يصدق عليه قوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وحرر المسألةولما كان موجب عدة المطلقة الدخول بها قال: "والمطلقة التي لم يدخل" مطلقها البالغ "بها" أو دخل ولكن لم يمكن وطؤها "لا عدة عليها" إلا أن تقر الزوجة به أو يظهر بها حمل، ولم ينفعه فتجب عليها العدة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ولا مفهوم للمؤمنات، ولأن العدة شرعت لبراءة الرحم، ولذلك لا عدة على زوجة الصغير، ولا على من لم تطق الوطء، وإنما وجبت في الوفاة من غير اعتبار بلوغ زوج أو إطاقة زوجة؛ لأن فيها ضربا من التعبدثم شرع في عدة المتوفى عنها غير الحامل بقوله: "وعدة الحرة من الوفاة" لزوجها ولو عبدا "أربعة أشهر وعشر" برفع أربعة وعشر خبر عدة الواقعة مبتدأ سواء "كانت" الزوجة "صغيرة أو كبيرة" ولو كانت الصغيرة غير مطيقة أو الكبيرة لا يولد لمثلها وسواء "دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية" حيث كان زوج الكتابية مسلما كان الزوج يولد لمثله، أو لا كصبي أو مجبوب حيث كان النكاح صحيحا أو فاسدا مختلفا فيه قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] ولم يفرق بين صغيرة وكبيرة، وأما لو كان النكاح متفقا على فساده كخامسة أو معتدة فلا عدة عليها، إلا إن كان الزوج البالغ قد دخل بها وهي مطيقة فتعتد كالمطلقة، وكذمية تحت ذمي يموت عنها ويريد مسلم أن يتزوجها فعليها الاستبراء بثلاث حيض إن كانت حرة تحيض، أو بحيضة إن كانت أمة.

قال خليل: وإلا فكالمطلقة إن فسد. قال شراحه: أي، وإن تكن المتوفى عنها حاملا والحال أن زوجها قد مات عنها ونكاحها مجمع على فساده فحكمها حكم المطلقة، فعدتها ثلاثة أقراء إن كانت حرة، وقرءان إن كانت أمة وهذا إن كانت مدخولا بها، وإلا فلا عدة عليها، وإن كانت صغيرة مطيقة للوطء أو آيسة استبرئت بثلاثة أشهر، وقول خليل: كالذمية تحت ذمي تشبيه في حكم المطلقة، واحترز بتحت ذمي عما لو كانت تحت مسلم، ومات فإنها تجبر على أربعة أشهر وعشر ولو لم يدخل بها حيث كانت حرة، وعلى الشهرين وخمس ليال بأيامها إن كانت رقيقة"تنبيهان" الأول: ظاهر كلام المصنف أن المتوفى عنها تحل للأزواج بمجرد انقضاء الأربعة أشهر وعشر، سواء كانت تنقضي قبل زمن حيضتها أو لا وليس كذلك بل لا تحل إلا إن تمت قبل زمن حيضتهاقال خليل: إن تمت قبل زمن حيضتها، وقال النسائي: لا ريبة بها، وإلا انتظرتها أي، وإن كانت الأربعة أشهر وعشر لا تتم قبل زمن حيضتها بأن كانت عادتها الحيض في كل شهرين وتأخرت حيضتها إما لغير سبب أو استحاضة ولم تميز، أو كانت تتم الأربعة أشهر وعشر قبل مجيء زمن حيضتها ولكن قالت النساء بها ريبة من جس بطن انتظرت الحيضة؛ لأن تأخر الحيضة عن عادتها، وكذا قول النساء يوجب الشك في براءة رحمها، فلا بد من الحيضة أو تمام تسعة أشهر، وبعد ذلك إن زالت الريبة أو لم تزل حلت، وإن زادت بعد التسعة أشهر انتظرت أقصى الأمد، إلا أن تزول الريبة قبل الأقصى، وإلا حلت، والأقصى قيل أربع وقيل خمس سنين، فهذا كله في المدخول بها ذات الحيض، وأما غيرها فتحل بتمام الأربعة أشهر وعشر، والحاصل أن غير المدخول بها، ومثلها المأمونة الحمل إما لصغرها أو يأسها أو كون الزوج لا يولد له تحل بمجرد فراغ الأربعة أشهر وعشر، وكذا غير مأمونة الحمل ولكن تتم الأربعة أشهر وعشر قبل مجيء زمن حيضتها، أو لا تتم قبل زمن حيضها ولكن أتاها الحيض فيها أو تأخر لرضاع، وأما إن تأخر لمرض أو لغير علة أو استحيضت، ولم تميز فلا بد من الحيضة أو تمام تسعة أشهر وتحل، إلا أن تظهر ريبة بعد التسعة فتمكث أقصى الأجلين كما قدمنا، وما ذكرناه من أن تأخر الحيض لمرض كالتأخر لغير سبب في انتظار الحيض هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وأما على قول غيره، وحكى عليه ابن بشير الاتفاق أنه كالتأخير للرضاع فتحل بتمام الأربعة أشهر وعشر حيث قالت النساء لا ريبة بها.

الثاني: إنما ترك التاء من عشر حيث قال أربعة أشهر وعشر؛ إما لأن المراد عشر مدد كل مدة وليلة، والمدة مؤنثة والتاء تترك من المعدود المؤنث من الثلاث إلى العشرة أو تغليبا لليالي على الأيام لسبقها عليها، فلو زوجت بعد عشر ليال وقبل مضي اليوم العاشر فسخ على هذين القولين، وإليه ذهب مالك والشافعي، وإنما جعلت العدة أربعة أشهر وعشرا؛ لأن الأربعة يتحرك فيها الحمل، وزيدت العشر لاحتمال نقص الشهور أو تأخر الحركة، والقول بأن تأنيث العشر؛ لأن المراد الليلي فقط، وعليه فيصح العقد بعد الأربعة أشهر وعشر ليال قبل مضي اليوم العاشر ضعيف، وإن ذهب إليه بعض الشيوخثم ذكر محترز الحرة بقوله: "و" قدر زمن عدة الوفاة "في" حق الزوجة "الأمة ومن فيها بقية رق" كمبعضة وأم ولد "شهران وخمس ليال" مع أيامها حيث كانت غير مدخول بها أو صغيرة أو آيسة أو ذات زوج مجبوب أو صغير، أو رأت الحيض في داخلها، أو تأخر لرضاع أو مرض على قول ابن بشير، ومن وافقه، وإلا مكثت ثلاثة أشهر وتحل إلا أن ترتاب فتمكث تمام تسعة أشهر وتحل، إلا تزيد الريبة فتمكث أقصى أمد الحمل، وإنما وجب مكثها ثلاثة أشهر عند عدم الحيض من المدخول بها، وإن تمت قبل زمن حيضتها، بخلاف الحرة لقصر مدة عدة الأمة فلا يظهر الحمل فيها قاله بعض الشيوخقال خليل: وتنصفت بالرق، وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة، ومقتضى كلام خليل أن ذات الحيض المدخول بها إن لم تحض داخلها تمكث ثلاثة أشهر، سواء تمت قبل زمن حيضتها أم لا، ولو تأخر لرضاع أو مرض فراجعه، ولما كان حل المعتدة بانقضاء زمن عدتها مشروطا بعدم ريبتها قال: "ما لم ترتب الكبيرة ذات الحيض" سواء كانت حرة أو أمة "بتأخيره عن وقته" ، وإلا "فتقعد حتى تذهب الريبة" إما بحيضة أو بتمام مضي التسعة أشهر، هذا حكم المرتابة بتأخر الحيض، وفرض المسألة أنها مدخول بها وتأخرت حيضتها عن عادتها وزوجها يولد له، وأما لو كانت ريبتها بجس بطن فإنها تمكث أقصى أمد الحمل أربع أو خمس سنين، وقد ذكرنا أن ذات الريبة تستوي فيها الحرة والأمةولما قدم حكم الأمة ذات الحيض شرع في حكم غيرها بقوله: "وأما" الزوجة الأمة ولو بشائبة "التي لا تحيض لصغر أو كبر و" الحال أن الزوج كان "قد بنى بها فلا" يحل أن "تنكح في الوفاة إلا بعد" مضي "ثلاثة أشهر" من وفاة زوجها على أحد أقوال، وهو ضعيف، والمذهب أنها تحل بمضي شهرين وخمس ليال بأيامها كما قدمنا، وأن التي يتوقف حلها على الثلاثة أشهر

إنما هي التي دخل بها الزوج الذي يولد له، وهي ممن تحيض، ولم تر الحيض في الشهرين وخمس ليالقال خليل: وتنصفت بالرق، وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة، وأما إن لم تحض لصغر أو يأس أو حاضت فيها أو كان زوجها صغيرا أو مجبوبا فإنها تحل بمجرد انقضاء الشهرين وخمس ليال بأيامها، فما ذكره المصنف ضعيف كما نبه عليه شراح خليلثم شرع في الكلام على توابع العدة بقوله: "والإحداد" لغة الامتناع من حددت الرجل من كذا إذا منعته منه وأحدت المرأة امتنعت من الزينة، ومنه الحدود؛ لأنها تمنع الجاني من العود لمثل ما فعل مما يوجب الحد، وأما في الاصطلاح فقال ابن عرفة: هو ترك ما هو زينة ولو مع غيره، وفسره المصنف بقوله: "أن لا تقرب" المرأة "المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة" قال خليل: وتركت المتوفى عنها فقط، وإن صغرت ولو كتابية، ومفقودا زوجها التزين بالمصبوغ، ولو أدكن إن وجدت غيره إلا الأسود، والدليل على وجوب الإحداد على المعتدة من الوفاة ما في الصحيحين وغيرهما عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار" 1. قيل: العصب ثياب من اليمن فيها بياض وسواد، والنبذة بضم النون القطعة والشيء اليسير، والقسط بضم القاف، والأظفار نوعان من البخور رخص فيه في الطهر من الحيض لتطهير المحل، وإزالة كراهيته، ولهذا الحديث قصر مالك الإحداد على عدة الوفاة، وحكمة مشروعيته الإبعاد عما تراد المرأة له صونا للأنساب، وإن ارتابت فعليها الإحداد حتى تنقضي الريبة، وصلة الزينة "بحلي أو كحل أو غيره" من نحو إزالة لشعثقال في المدونة: ولا تكتحل إلا من ضرورة فتستعمله ليلا وتمسحه نهارا لما في الموطإ أنه صلى الله عليه وسلم قال لامرأة معتدة اشتكت عينها: "اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه نهارا" 2 وعينها بضم النون فاعل اشتكت؛ لأنه فعل لازم بمعنى مرضت عينها، والحلي يحتمل أنه مفرد فيكون
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، حديث "938"، والنسائي، حديث "3534"2 أخرجه مالك في الموطأ "2/598"، حديث "1249"، والبيهقي في الكبرى "7/440"، حديث "15313".

بفتح الحاء وسكون اللام مع تخفيف الياء، ويحتمل أنه جمع فيكون بضم الحاء وكسر اللام وشد الياء جمع حلي وهو كل ما تتحلى به المرأة من قرط وسوار وخاتم ذهب أو فضة أو غيرهما"تنبيه" علم مما قررنا أن معنى لا تقرب الزينة على جهة الوجوب، فإن استعملت شيئا من الزينة زمن عدتها عصت ووجب عليها التوبة، وإن اكتفت بعدتها. "و" يجب عليها أن "تجتنب" لبس سائر الثياب المصبوغة بأي نوع من أنواع "الصباغ كله إلا" المصبوغة بنوع "الأسود" فإنها لا تجتنبه، وإن وجدت غيره إلا أن يكون زينة لها لشدة بياضها. "و" كذا يجب عليها أن "تجتنب الطيب كله" المذكر وهو ما يظهر لونه ويخفى أثره كالورد والياسمين، ومؤنثه وهو ما يخفى لونه وتظهر رائحته كالمسك والزبدة، وعبر بتجتنب إشارة للتعميم فلا تتطيب به ولا تتجر به، وإن احتاجت إلى ذلك في تمعشها، اللهم إلا أن تضطر إلى ذلك بحيث تخشى على نفسها الضياع بترك ذلك، وإلا انبغى الجواز على ما يظهر؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات وحرر المسألة. "و" كذا يجب عليها أن "لا تختضب بحناء" قال خليل: فلا تمتشط بحناء أو كتم بفتح الكاف والتاء وهو شيء أسود يصبغ به الشعر يذهب حمرته ولا يسوده. "و" كذا يجب عليها أن "لا تقرب دهنا مطيبا ولا تمتشط بما تختمر" أي تبقى رائحته "في رأسها" بخلاف نحو الزيت والسدر وغيرهما مما لا تبقى له رائحة فيجوز لها استعماله، ولما كان الإحداد متحتما على كل متوفى عنها قال: "و" يجب "على الأمة" المتوفى عنها زوجها "والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد" لكن المخاطب بذلك بالنسبة للصغيرة الولي فيجب عليه أن يجنبها كل ما يزين زمن عدتها"واختلف في" المتوفى عنها "الكتابية" في وجوب الإحداد عليها وعدمه، والمذهب الوجوب، واقتصر عليه خليل حيث قال: وتركت المتوفى عنها فقط، وإن صغرت ولو كتابية، ومفقودا زوجها التزين، وعموم الحديث لا تلبس المتوفى عنها المعصفر، ولما كان الإحداد مشروعا خوف اختلاط الأنساب، خص بالمتوفى عنها دون المطلقة ولذا قال: "وليس على المطلقة" زمن عدتها "حداد" ولو كان الطلاق بائنا؛ لأنها لو ظهر بها حمل لأمكن الزوج أن ينفيه إن لم يكن منه بخلاف المتوفى عنها. "وتجبر" الزوجة "الحرة الكتابية على العدة من" زوجها "المسلم في الوفاة والطلاق" فتتربص في الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وفي الطلاق ثلاثة أقراء أو أشهر إن كانت صغيرة تطيق الوطء أو كبيرة لا تحيض، ومفهوم المسلم أنه لو كان

زوجها كافرا لا يكون حكمها كذلك، والحكم أنها إن أراد مسلم أن يتزوجها لا بد لها من ثلاثة أقراء ولو في الوفاة حيث كانت مدخولا بها، أو ثلاثة أشهر إن كانت صغيرة أو كبيرة، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة عليها، ولما كانت العدة مختصة بالزوجةشرع في الكلام على الأمة الموطوءة بالملك يموت عنها سيدها أو يعتقها ببيان ما يجب عليها بقوله: "وعدة أم الولد" وهي الحرة حملها من وطء مالكها عليه جبرا "من وفاة سيدها حيضة" ؛ لأنها في حقها كالعدة في حق الحرة، اللهم إلا أن تكون حاملا فعدتها وضع حملها؛ لأن وضع الحمل يحصل به الاستبراء وتنقضي به العدة ولو عدة حرة ولو من وفاة. "كذلك" تعتد بحيضة "إن أعتقها" قبل موته، وأراد الغير أن يتزوجها، ولا مفهوم لأم الولد بل كل أمة أعتقها سيدها لا تتزوج إلا بعد استبرائها بحيضة، وإنما خص أم الولد؛ لأن فيها شائبة حرية، فربما يتوهم أن الحيضة غير كافية فيها، وإنما وجب عليها تلك الحيضة في الموت أو عند عتقها خشية أن يكون قد وطئها سيدها، ولذلك لو كانت متزوجة بالغير عند موت سيدها لم تجب عليها تلك الحيضة. وظاهر كلام المصنف وجوب الحيضة بعد موت سيدها ولو كان استبرأها قبل موتهقال خليل: وإن استبرئت أو انقضت عدتها استأنفت أم الولد فقط؛ لأنها كالحرة تطهر من الحيض ثم يموت الزوج قبل وطئها فإنها تستأنف العدة، وأما غير أم الولد يستبرئها سيدها بحيضة أو تنقضي عدتها من مطلقها ففيها تفصيل، فإن أعتقها فلا تحتاج إلى حيضة بل تحل مكانها، وأما غير أم الولد يستبرئها سيدها الوارث استبراؤها بحيضة لقول خليل: وبموت سيد، وإن استبرئت أو انقضت عدتها، فالحاصل أن الأمة تستأنف حيضة بعد موت سيدها، ولو استبرئت أو انقضت عدتها أم ولد أو غيرها، وأما لو أعتقت بعد الاستبراء أو انقضت عدتها فتستأنف إن كانت أم ولد لا إن كانت غيرها، هذا ملخص كلام خليلوالفرق بين أم الولد وغيرها شبه أم الولد بالحرة، والحرة تستأنف عدة بموت الزوج ولو صبيا أو غير مدخول بها. "فإن قعدت" أم الولد قبل موت سيدها أو صغرت "عن الحيض فثلاثة أشهر" عدتها من سيدها"تنبيهان" الأول: ما ذكره المصنف من إطلاق العدة على الحيضة من أم الولد بعد سيدها فيه تجوز، إذ هو استبراء حقيقة؛ لأن العدة عرفها ابن عرفة بأنها مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه، فهي مختصة بالزوجة ولو أمة، وأيضا العدة عند مالك هي الأطهار لا الحيض، ويمكن الجواب عن المصنف بأنه إنما تجوز بإطلاق العدة على الاستبراء تبعا

للمدونة؛ لأنه قال فيها: وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضةالثاني: سكت المصنف عن أم الولد التي مات سيدها وزوجها، ولم يعلم السابق منهما، وفيه تفصيل بينه خليل بقوله: إن مات السيد والزوج ولم يعلم السابق فإن كان بين موتيهما أكثر من عدة الأمة أو جهل فعدة حرة، وما تستبرأ به الأمة وفي الأقل عدة حرة، وهل قدرها كأقل أو أكثر قولانثم شرع يتكلم على الاستبراء وهو أحد الأبواب التي ترجم لها وهو لغة الاستقصاء والبحث والكشف على الأمر الغامض، وشرعا الكشف عن حال الأرحام عند انتقال الأملاك مراعاة لحفظ الأنساب وهو واجب كوجوب العدة في الزوجات لخبر سبايا أوطاس وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض" 1فقال: "واستبراء الأمة في انتقال الملك" لمن لم تتيقن براءة رحمها، وكانت تحل له مستقبلا، ولم تكن زوجة له قبل حصول ملكها "حيضة" واحدة حيث كانت تحيض سواء "انتقل الملك ببيع" من الغير له "أو" بقبول من "هبة" أو وصية "أو" انتقل ملكها له "بسبي" لها من أرض الحرب "أو غير ذلك" كإرث ممن لم يكن استمتع بها أو لم يكن استمتاعه بها محرما لها عليه، وإلى هذا أشار خليل بقوله: يجب الاستبراء بحصول الملك إن لم توقن البراءة ولم يكن وطؤها مباحا ولم تحرم في المستقبل، فلو تأخرت حيضتها فأشار إليه خليل بقوله: وإن تأخرت أو أرضعت أو مرضت أو استحيضت، ولم تميز فثلاثة أشهر كالصغيرة واليائسة، ونظر النساء فإن ارتابت فتسعة أي تمكث تمام تسعة أشهر، فإن لم تزد الريبة أو ذهبت حلت، وإن زادت تربصت أقصى أمد الحمل، ثم ذكر محترز ما قدمناه بقوله: "ومن هي" أي الأمة "في حيازته" برهن أو وديعة، والحال أنها "قد حاضت عنده" وعلم بذلك بخبر من يثق به ولو امرأة "ثم إنه اشتراها" أو ملكها بوجه من وجوه الملك "فلا استبراء عليه" لتيقنه براءة رحمها "إن لم تكن تخرج" خروجا يمكن وطؤها فيه أو يلج سيدها عليها، وإلا وجب عليه استبراؤها لسوء الظنثم شرع في بيان ما تستبرأ به من لا تحيض بقوله: "واستبراء الصغيرة في البيع" أي إذا أراد سيدها أن يبيعها أو استحدث ملكها ببيع أو غيره من وجوه الملك "إن كانت توطأ بثلاثة أشهر"
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب، في وطء السبايا، حديث "2157"، والترمذي حديث "1564"، وأحمد في مسنده "3/62"، حديث "11614"، وصححه الألباني "صحيح الجامع "7479".

قبل بيعها أو قبل وطئها؛ لأن الحمل لا يظهر في أقل من ثلاثة أشهر وهي لم يقطع بعدم حملها"و" كذلك استبراء الأمة "اليائسة من المحيض ثلاثة أشهر" وكذا المستحاضة التي لم تميز كما قدمنا، وأما التي تميز فتستبرأ بحيضة كغير المستحاضة، ثم ذكر مفهوم إن كانت توطأ بقوله: "والتي لا توطأ" لصغرها كبنت خمس سنين "فلا استبراء فيها" على مالكها عند إرادة بيعها، ولا على مشتريها عند اشترائها، للعلم ببراءة رحمهاقال خليل: ولا استبراء إن تطق الوطء أو حاضت تحت يده كمودعة، ومبيعة بالخيار ولم تخرج ولم يلج عليها سيدها أو أعتق وتزوج أو اشترى زوجته، وإن بعد البناء. واعلم أن المطية للوطء يجب استبراؤها ولو كانت وخشة ولا تحمل عادةقال خليل: وإن صغيرة أطاقت الوطء أو كبيرة لا تحملان عادة أو وخشا أو بكرا أو رجعت من غصب أو سبي أو غنيمة، أو اشتريت وهي متزوجة، وطلقها زوجها قبل بنائه بهاثم شرع في بيان ما تستبرأ به الحامل فقال: "ومن ابتاع حاملا من غيره" كزوج أو زان "أو ملكها بغير البيع" كإرث أو صدقة "فلا يقربها" بوطء "ولا يتلذذ منها بشيء" من أنواع الاستمتاع "حتى تضع" حملهاقال خليل: وبالوضع كالعدة، وحرم في زمنه الاستمتاع، فإذا وضعت حملها حرم وطؤها فقط حتى تخرج من دم النفاس، بخلاف المقدمات؛ لأن كل ذات حرم وطؤها يحرم الاستمتاع بها بسائر وجوه الاستمتاع، إلا الحائض والنفساء فإنما يحرم وطؤهما، والاستمتاع بهما بما بين السرة والركبة لا بأعلاها لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحائض تشد إزارها وشأنه بأعلاها" وإلا المزني بها والمغتصبة وهي حامل من زوجها أو من سيدها فلا يحرم على زوجها ولا سيدها الاستمتاع بها ولو وطئافيفيد قول خليل بعد بيان عدة الحرة: وقدر عدة الأمة من زوجها ووجب إن وطئت بزنى أو غصب قدرها بغير الحامل فراجع شراحه. والدليل على حرمة ما ذكر من الاستمتاع بالمملوكة الحامل من غير سيدها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره" 1 يعني لا يحل له إتيان الحبالى من غيره، ومفهوم هذا أن زوجته أو أمته الحامل منه لو زنت بغيره زمن حملها لا يحرم عليه وطؤها، وإنما قيل يكرهـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب: في وطء السبايا، حديث "2158"، وأحمد "4/108"، حديث "17031"، وحسنه الألباني "صحيح الجامع 6507".

ثم شرع يتكلم على ما تحتاج إليه المعتدة زمن عدتها من سكنى أو نفقة بقوله: "والسكنى" واجبة "لكل مطلقة مدخول بها" سواء كان طلاقا بائنا أو رجعيا، سواء كان المسكن له أو نقد كراءه أو لا؛ لأنها محبوسة بسببهقال خليل: وللمعتدة المطلقة أو المحبوسة بسببه في حياته السكنى فتدخل المحبوسة بزناه، أو فسخ نكاحه الفاسد لقرابة أو رضاع أو صهارة أو لعان، ولو لم يطلع على الفساد أو نحوه إلا بعد الموت من الحبس بسببه على مذهب المدونة، خلافا لظاهر كلام خليل في التقييد بحياته، والدليل على وجوب السكنى للمطلقة بعد الدخول من غير قيد قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ولم يقيد بكون المسكن له بخلاف المتوفى عنها، وأما غير المدخول بها فلا سكنى لها؛ لأنها لا عدة عليها، وكذلك المدخول بها غير المطيقة كزوجة الصبي والمجبوب ونحوهما من كل ما لا عدة عليها. "ولا نفقة" للزوجة المطلقة "إلا التي طلقت دون الثلاث" حيث كان الطلاق رجعيا؛ لأن الرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها والأكل معها. "و" إلا "للحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا" قال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] لكن يشترط في لزوم نفقة الحامل كون الزوج حرا والزوجة حرة لا إن كانا رقيقين أو أحدهما فلا نفقة لها؛ لأنها إن كانا رقيقين النفقة على السيد؛ لأن الولد رقيق له، وكذا إن كان الزوج عبدا وهي حرة لا نفقة عليه؛ لأن المال للسيد، وإنما تكون نفقة ولده من بيت المال، وكذا لو كانت الزوجة أمة والزوج حرا لا نفقة عليه؛ لأن الملك للسيد فتجب عليه النفقة إلا أن يعتقه فيلزم إياه رضاعه ونفقته، إلا أن يعدم الأب أو يموت فعلى السيد؛ لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه يلزم سيده نفقته حتى يقدر على الكسب؛ لأنه يتهم على إسقاط نفقته بعتقه، قاله ابن رشد"تنبيهان" الأول: إذا ادعت المطلقة طلاقا بائنا أنها حامل لتأخذ النفقة لم تصدق حتى يظهر بحركتهقال خليل: ولا نفقة بدعواها بل بظهور الحمل وحركته فتجب من أوله، ومثل ظهوره بحركته أو شهدت امرأتان بحملها على المشهور، فلو أنفق عليها مدة بعد ما ذكر من الحركة أو شهادة النساء ثم ظهرت غير حامل لرجع عليها بما أنفقه عليها سواء أنفق بحكم أم لاالثاني: لو طلق طلاقا بائنا وهو غائب، وأنفقت الزوجة من ماله في غيبته غير عالمة بطلاقه، فقيل يرجع عليها، وقيل لا رجوع له؛ لتفريطه بعدم إعلامها بالطلاق، وعليه العلامة خليل فإنه

قال: ولا يرجع بما أنفقت المطلقة ويغرم ما تسلفت، وكلام خليل مقيد بما إذا لم يخبرها من يثبت بخبره الطلاق وهو عدلان، وإلا رجع عليها، ولما كانت المطلقة بائنا لا نفقة لها إلا الحامل قال: "ولا نفقة للمختلعة" لبينونتها "إلا في" زمن "الحمل" اللاحق به فيجب عليه نفقتها، إلا أن يكون خالعها على إسقاطها فتسقط، كما تسقط لو خالعها على إسقاط أجرة رضاعها إياه بعد وضعه لقول خليل: وجاز شرطه نفقة ولدها مدة رضاعه فلا نفقة للحمل"و" كذا "لا نفقة للملاعنة" لانقطاع عصمتها بلعانها "وإن كانت حاملا" ؛ لأن نفقة الحامل شرطها كون الحمل لاحقا بصاحب العدة، ولذا لو استلحق الملاعن الولد الذي نفاه حد ولحق به، وترجع عليه المرأة بالنفقة قبل الاستلحاق كان موسرا في تلك المدةقال خليل: ولا نفقة لحمل ملاعنة وأمة ولا على عبد إلا الرجعية، ولما كانت المعتدة في الوفاة وارثة والوارث لا نفقة له في التركة إلا بعد قسمها قال: "ولا" تجب "نفقة لكل معتدة من وفاة" ولو كانت حاملا وكل من قلنا لا نفقة لها فليس لها كسوة لدخولها في مفهوم النفقة وجودا وعدما "و" إنما تجب "لها السكنى إن كانت الدار" مملوكة "للميت أو" كانت مستأجرة والحال أنه "قد نقد كراءها" وهي أحق من الورثة والغرماء بذلكقال خليل: وللمتوفى عنها إن دخل بها والسكن له أو نقد كراءه، وأما لو لم يكن المسكن له ولا نقد كراءه فقيل: لا سكنى لها مطلقا، وقيل: لها السكنى إن كان الكراء وجيبة، فالخلاف في الوجيبة، والراجح القول بالإطلاقوأما غير المدخول بها يموت عنها زوجها فلا سكنى لها إلا أن يكون الزوج أسكنها معه وضمها إليه فلها السكنى، وإن صغيرة لا يجامع مثلها، وأما إن كان زوجها إنما أسكنها؛ ليحفظها عما يكره فلا سكنى لها حيث كانت غير مطيقة للوطء، والحاصل أن المدخول بها لها السكنى بشرطه من غير قيد، وأما غيرها فلا سكنى لها إلا أن يكون سكنها معه في حياته؛ لأجل الزوجية مطلقا، أو أسكنها؛ ليحفظها عما يكره حيث كانت مطيقة، وإلا فلا، هذا ملخص كلام خليل مع التحقيق فراجعهولما قدم أن للمعتدة السكنى زمن عدتها إما مطلقا أو بشرط بين محلها وصفة إقامتها بقوله: "ولا" يجوز أي يحرم أن "تخرج" المعتدة "من بيتها" الذي كانت فيه قبل عدتها، بل لو نقلها منه قبل الموت أو الطلاق واتهم على النقل لوجب عليها الرجوع، أو كانت بغيره قبل الموت أو الطلاق، وإن بشرط في إجارة رضاع أو خدمة، وتفسخ الإجارة إن لم يرض أهل الطفل

بإرضاعه في محلهاقال خليل: وسكنت على ما كانت تسكن ورجعت له إن نقلها واتهم أو كانت بغيره، وإن لشرط في إجارة رضاع وانفسخت، كما يجب عليها أن ترجع إن خرجت لحج الصرورة وبلغها موت الزوج أو طلاقها إن كانت قريبة على مسيرة يومين أو ثلاثة ووجدت ثقة ترجع معه حيث كانت تدرك شيئا من العدة بعد رجوعها، لا إن كانت قريبة الوضع بحيث لا تدرك شيئا إن رجعت، وأما في حج التطوع أو غيره من القرب كالخروج لرباط أو زيارة صالح فترجع، ولو وصلت بل ولو بعد إقامتها نحو ستة أشهروأما لو خرجت للانتقال فبلغها الموت أو الطلاق في أثناء الطريق فلها الخيار في الاعتداد بأي محل شاءت، ومعنى قول المصنف لا تخرج أي خروج انتقال، وأما الخروج لقضاء حوائجها فيجوز لها لكن في الأوقات المأمونة، وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة، ففي الأمصار في وسط النهار وفي غيرها في طرفي النهار، ولكن لا تبيت إلا في مسكنها، كما إذا كانت تتكسب من شيء خارج عن محلها كالقابلة والماشطة، فلو خرجت للانتقال لغير ضرورة وجب على الإمام أن يردها قهرا عليها ولو بالأدب، ولا فرق في ذلك بين كون المرأة "في" عدة "طلاق أو وفاة" فيجب أن تمكث "حتى تتم العدة" لقوله تعالى في المطلقة: {ولا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وقوله عليه الصلاة والسلام في عدة الوفاة للفريعة لما أخبرته بوفاة زوجها وأرادت أن تذهب إلى محل أهلها: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" اللهم "إلا أن يخرجها رب الدار" الساكنة بها قبل انقضاء مدة العارية المحدودة بالشرط أو العادة أو مدة الإجارة. "و" الحال أن رب الدار "لم يقبل من الكراء ما يشبه" أن يكون كراء لها بل طلب أزيد من كراء مثلها "فلتخرج" ولا يلزمها ولا زوجها الإقامة بدفع أكثر من كراء مثلها، كما يجوز لها الخروج لعذر لا يمكنها الإقامة معه، كخوف سقوط المحل أو اللصوص أو ضرر الجيران ولا حاكم بالبلد، وإلا رفعت له، فمن تبين ضرره زجره الحاكم عن صاحبه، وإن أشكل أقرع بينهم فيمن يخرج، هكذا قال خليل، وقال ابن عرفة مخالفا لأهل المذهب: يخرج غير المعتدة"تنبيهان" الأول: أشعر قول المصنف: إلا أن يخرجها رب الدار، وما ألحق به من الأعذار التي ذكرناها، أنه لو كان على الميت دين وأرادت الغرماء بيع الدار لم يكن لهم إخراجها وهو كذلك وأولى الورثة، وإنما يبيعونها إن أرادوا ذلك مع البيان للمشتريقال خليل: وللغرماء بيع الدار في المتوفى عنها، ومثل الغرماء الورثة حيث يكون على

الميت دين بشرط استثناء مدة العدة، وإلا ثبت للمشتري الخيار، فإن ارتابت فهي أحق، وللمشتري الخيار في الصبر والفسخ. وأما لو كانت العدة بالأقراء أو بالحمل فإنه لا يجوز للزوج بيعها، بخلاف الغرماء فإنهم يجوز بيعها في عدة الوفاة كالوارثة بالنسبة للدين، وأما بالأشهر فيجوز بيعها حتى للزوج لكن بشرط استثناء مدة العدةالثاني: قال الأقفهسي: ظاهر كلام المصنف أن لرب الدار إخراج المعتدة لطلب الزيادة مطلقا وليس كذلك، وإنما له ذلك إذا زاد غيره على الأجرة الأولى الناقصة عن أجرة المثل وطالبها بدفع الزيادة فأبت، وأما لو رضيت بدفعها فلا يجوز له إخراجها. "و" يجب عليها بعد خروجها للانتقال عند حصول سببه أن "تقيم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة" ؛ لأنه صار كالأولقال خليل: ولزمت الثاني والثالث"تنبيهان" الأول: لم يبين المصنف من يطالب بأجرة المحل الثاني، وهو الزوج في عدة الطلاق؛ لأنه يلزمه السكنى مطلقا، فيلزمه إبدال المنهدم والمعار والمستأجر بعد انقضاء المدة، وإليه الإشارة بقول خليل: وأبدلت في المنهدم والمعار والمستأجر المنقضي المدة، وأما في عدة الوفاة فإنما تجب لها السكنى إذا كان المسكن مملوكا له، أو نقد كراءه على الوجه السابق، وإذا انهدم سقط حقها من السكنى، وظاهر كلامهما ولو كان له موضع آخر يملكه؛ لأن الحق فيه لغيرهالثاني: لم يتكلم المصنف على امرأة نحو القاضي والأمير من كل ساكن بمحل موقوف على صاحب هذا الوصف ويموت أو يطلق زوجته وينتصب غيره مكانه قبل انقضاء العدة، وأشار إليه خليل بقوله: وامرأة الأمير ونحوه لا يخرجها القادم، وإن ارتابت، بل تستحق السكنى زمن العدة، ولو تولى غير الميت المطلق وتستمر ولو لأقصى أمد الحمل، وكذا امرأة من حبست عليه دار حياته وبعد تصير حبسا على غيره ويموت أو يطلق الأول وتنتقل لغيره، فلا يجوز لمن انتقل الحبس له إخراجها، ولو لأقصى أمد الحمل كخمس سنين، وكذلك من حبس داره على ذريته بعد موته فلزوجته السكنى، ولا يجوز للذرية معارضتها زمن العدةوأما زوجة نحو إمام المسجد أو خطيبه يموت أو يطلقها ففي استحقاقها السكنى خلاف. اقتصر خليل على القول بعدم استحقاقها السكنى زمن عدتها حيث قال: بخلاف حبس مسجد بيده، ويفرق بينها وبين زوجة القاضي والأمير بأن دار الإمارة لبيت المال، وزوجة نحو الأمير

لها حق في بيت المال، ولو بالتبع لزوجها، بخلاف خادم المسجد، وظاهره، ولو كان بيت المسجد موقوفا على خصوص من مات من نحو إمام، خلافا لابن زرقون في تقييده بالدار الموقوفة على المسجد، وأما الموقوفة على خصوص الإمام أو المؤذن ويموت أو يطلق فيكون لها السكنى كزوجة الأمير من غير خلاف، وارتضاه ابن عبد السلام وخالفه تلميذه ابن عرفة، وإطلاق خليل أيضاولما فرغ من الكلام على ما أراد من مسائل الاستبراء وسكنى المعتدة أو نفقتها، شرع يتكلم على من يلزمه إرضاع الصغير من الزوجين، ومن يستحق حضانته بقوله: "و" يجب على "المرأة" أن "ترضع ولدها" من غير أجرة ما دامت "في العصمة" أي أبيه ولو حكما؛ لتدخل المطلقة طلاقا رجعيا؛ لأنها في حكم غير المطلقة في ذلك للزوم نفقتها، وغاية ذلك حتى يستغني عن الرضاع قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] هذا أكثره، والصحيح لا حد لأقله، وجرى خلاف فيمن هو حقه، والصحيح أنه حق للأم لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي طلقها زوجها وأراد أن يأخذ ولدها منها: "أنت أحق به منه ما لم تنكحي" 1. وبعضهم صحح أنه من حقهما، ولذا لا يجوز فطام الولد إلا بتراضيهما على ذلكولما كان لزوم الرضاع للأم مقيدا بغير ذات القدر قال: "إلا أن يكون مثلها لا يرضع" ولده لعلو قدر أو مرض نزل بها فلا يلزمها فعالية القدر، مستثناة من عموم "الوالدات" في الآية على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. قال ابن العربي: اختص مالك دون فقهاء الأمصار باستثناء عالية القدر من عموم الآية؛ لأصل من أصول الفقه، وهو العمل بالمصلحة؛ ولأن العرف عدم تكليفها بذلك، وهو كالشرط، فإن رضيت بالإرضاع فلها الأجر على الأب، كما قال اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وهو المذهبواعلم أن محل سقوط الرضاع عن عالية القدر كون الأب أو الولد غنيا مع وجود من يرضعه غير أمه وقبوله إياها، وإلا لزمها الإرضاعقال العلامة خليل: وعلى الأم المتزوجة والرجعية رضاع ولدها بلا أجر إلا لعلو قدر كالبائن إلا أن لا يقبل غيرها، أو يعدم الأب أو يموت ولا مال للصبي، وإذا لم يقبل إلا أمه لزمها إرضاعه ولها الأجر من ماله حيث يكون له مال على المذهب، وكل من يلزمها الإرضاع ولا لبن لها يلزمها استئجار من يرضعهـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب: من أحق بالوالد، حديث "2276"، وأحمد "2/182". حديث "6707"، وحسنه الألباني "الإرواء 7/244".

قال خليل: واستأجرت إن لم يكن لها لبن، وفاعل استأجرت من يلزمها الإرضاع مجانا؛ لأنه لما كان عليها بحسب الأصل مجانا وجب عليها خلفه ولا رجوع لها بما تدفعه في الأجرة، ويجب فيمن تستأجر أن لا يكون في لبنها عيب ككونها حمقاء أو جذماء؛ لأنه يضر بالرضيع. ومفهوم في العصمة أشار إليه بقوله: "وللمطلقة" البائن "رضاع ولدها" بالأجرة وترجع بها "على أبيه" الموسر، ولو كان عند أبيه من يرضعه مجاناقال خليل: ولها إن قبل أجرة المثل، ولو وجد من يرضعه عنده أو عند أمه مجانا على الأرجح في التأويل، والضمير في لها للأم التي لا يلزمها الرضاع من شريفة قدر أو بائن إذا قبل غيرها أن ترضع بأجرة المثل من مال الأب أو مال الوالدان لم يكن للأب مال، والقول قولها في طلب الأجرة، ولو كان عند الأب متبرعة لئلا يلزم التفرقة بينه وبين أمه، وهي حرام، ولما قدم أن التي مثلها لا ترضع ولدها لا يلزمها الإرضاع وكان يتوهم أنها لو أرضعته لا يجوز لها طلب الأجر دفع ذلك الإيهام بقوله: "ولها" أي التي لا يلزمها الإرضاع لعلو قدرها "أن" ترضع ولدها و "تأخذ أجرة رضاعها" من أبيه "إن شاءت" ولو كانت في عصمة أبيه، ولو لم يقبل غيرها على المذهب فلا مفهوم لقول خليل: ولها إن قبل أجرة المثل، وعلى حمل هذا على من في العصمة اندفع تكرار هذه مع ما قبلهاثم شرع يتكلم على الحضانة، وإن كان زائدا على الترجمة؛ لأن الزيادة على المترجم له ممدوحة فقال: "والحضانة" 1 بفتح الحاء على الأشهر من كسرها مأخوذة من الحضن بكسر الحاء ما دون الإبط كفاية الطفل وتربيته والإشفاق عليه، وهذا نحو قول ابن عرفة هي محصول قول الباجي: حفظ الولد في مبيته، ومؤنة طعامه ولباسه، ومضجعه وتنظيف جسمه حق "للأم بعد الطلاق" من أبي المحضون أو موته غايتها. "إلى احتلام الذكر" المحقق "و" إلى "نكاح
ـــــــ
1 الحضانة في اللغة: مصدر حضن، ومنه حضن الطائرة بيضه إذا ضمه على نفسه تحت جناحيه، وحضنت المرأة بها إذا جعلته في حضنها أو ربته، والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبي يحفظانه ويربيانه، وحضن الصبي يحضنه حضناً: رباهوالحضانة شرعاً: هي حفظ من لا يستقل بأموره، وتربيته بما يصلحهومقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته بما يصلحه. ومقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته لينمو، وذلك بعمل ما يصلحه، وتعهده بطعامه وشرابه، وغسله وغسل ثيابه، ودهنه، وتعهد نومه ويقظتهوتثبت الحضانة على الصغير باتفاق الفقهاء وكذلك الحكم عند الجمهور - الحنفية والشافعية الحنابلة وفي قول عند المالكية – بالنسبة للبالغ المجنون والمعتوه. والمشهور عن المالكية أن الحضانة تنقطع في الذكور بالبلوغ ولو كان زمنا أو مجنونا. الموسوعة "17/300".

الأنثى ودخولها" لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرضاع حيث طلق شخص زوجته، وأراد أن يأخذ ابنها فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها: "أنت أحق به ما لم تنكحي" 1قال خليل: وحضانة الذكر للبلوغ والأنثى كالنفقة للأم ولو لأمه عتق ولدها أو أم ولد، وقيدنا الذكر بالمحقق؛ لأن الخنثى المشكل تستمر حضانته ما دام مشكلا، والمعتبر البلوغ هنا بغير الإنبات بل بالسن أو غيره من العلامات، ولا يعتبر بلوغ الذكر عاقلا قادرا على الكسب، خلافا لابن شعبان فتنتهي حضانة الذكر ببلوغه ولو مجنونا أو زمنا، وإن لم تسقط نفقته عن أبيه لبلوغه مجنونا أو زمنا، وتنتهي حضانة الأنثى بدخول الزوج ولو صغيرين، وإن استمرت نفقتهما على أبيهما؛ لأنه لا تلازم بين سقوط النفقة والحضانة، ألا ترى أن الدخول بالصغير أو الكبير المعسر مسقط للحضانة دون النفقة، والزواج بالبالغ الموسر من غير دخول مسقط للنفقة حيث دعي للدخول مع إطاقتها الوطء مع بقاء الحضانة، فالصور ثلاث، وببيانها يعلم ما في عبارة خليل من تشبيه الحضانة بالنفقة الساقطة بدخول الزوج البالغ أو الموسر، أو المدعو إلى الدخول مع بلوغه، وإطاقتها واستمرار حضانتها، وعبارة المصنف سليمة من إيهام، خلاف المراد لتصريحها بسقوط الحضانة بالدخول، ويفهم منها عدم سقوطها بالعقد دون الدخول، وإن سقطت النفقة، وأشار خليل بقوله: ولو أمة عتق ولدها أو أم ولد، إلى قول مالك: إذا أعتق ولد الأمة وزوجها حر فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب فالأب أحق به، أو يريد الأب انتقالا عن بلد الأم فله أخذه، والعتق نص على المتوهم وأولى إن لم يعتق، وكذا أم الولد أحق بحضانة ولدها من زوجها بعد طلاقها، وكذا ولد الأمة أو أم الولد من سيدهما فلهما حضانته إذا عتقا أو مات سيدهما، لكن يشترط في استحقاق الأمة حضانة ابنها من زوجها أن لا يتسررها لسيد أي يتخذها للوطء؛ لأن تسرر السيد بمنزلة دخول الزوج الأجنبي بالحضانة"تنبيهان" الأول: لم يصرح المصنف بحكم الحضانة، وإن علم أنه حق للأم، ومن هو بمنزلتها وهو الوجوب العيني، إن لو يوجد إلا الحاضن ولو أجنبيا من المحضون والكفائي عند تعدده، ولذا إذا وجد جماعة طفلا منبوذا وجب عليهم التقاطه وحضنه، فإذا قام به البعض سقط عن غيره كسائر فروض الكفايةـــــــ
1 حسن: أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب: من أحق بالولد، حديث "2276"، واحمد "2/182"، حديث "6707" وحسنه الألباني "الإرواء 7/244"، وسبق تخريجه برقم "44".

الثاني: قول المصنف: والحضانة للأم ظاهرة ولو مجوسية أو أسلم زوجها وهو كذلك، وظاهره أيضا حصر الحضانة في الأم لما تقرر في النحو من أن المبتدأ المعرف فاللام الجنس محصور في الخبر نحو: الكرم في العرب، والمجد في قريش، وهو غير صحيح فقها؛ لأن غيرها يحضن، والجواب أنه حصر إضافي، وهو ما يكون بالنظر إلى بعض الأفراد؛ لأن المعنى: الحضانة بعد طلاق الأم لها لا للأب، فلا ينافي أن غيرها له الحضانة إذا سقطت حضانة من قبله في المرتبة كما أشار إليه بقوله: "وذلك" أي استحقاق حضانة الولد "بعد الأم إن ماتت أو نكحت" أي تزوجت بأجنبي ودخل بها ينتقل "للجدة" أم أم المحضون، وإن علت لقرب شفقتها على ولد ابنتها. ومثلها في الاستحقاق أم أب الأم، فالمراد الجدة من جهة الأم الشاملة لجهة الذكور والإناث، وإن قدمت الجدة من جهة الإناث. "ثم" إن لم يكن للمحضون جدة من جهة أمه أو كانت ولكن سقطت حضانتها تنتقل الحضانة "للخالة" أي خالة المحضون، وهي أخت أمه مطلقا "فإن لم يكن" أي يوجد "من ذوي رحم" أي قرابات "الأم أحد فالأخوات" يحضن الطفل"تنبيهان" الأول: ظاهر كلام المصنف بل صريحه أن مرتبة الأخوات بعد خالة المحضون وليس كذلك، بل أسقط بعد الخالة خالة الخالة، وعمة أمه، وعمة خالته، وهما في مرتبة واحدة، وبعدهما الجدة من جهة أبيه كأم أبيه وأم أب أبيه، وبعد الجدة من جهة أب الأب؛ لأنه يقدم على أخوات المحضون، ولفظ خليل: ثم الخالة ثم خالتها ثم جدة الأب ثم الأب، وإن كان خليل أسقط أيضا عمة الأم وعمة الخالة، وبالجملة جعل المصنف الأخوات بعد الخالات ليس بظاهر، إلا أن يحمل كلامه على ما إذا لم يوجد أحد ممن يقدم عليهن؛ لأن المصنف إمام لا يخفى عليه مثل هذا والله أعلمالثاني: يجب تقييد الرحم بالمحرم للاحتراز عن غير المحرم كبنت عمة المحضون أو بنت خالته ونحوهما فلا حق لهن في الحضانة، ولذا قال بعض الشراح: اعلم أن الحضانة من النساء من اشتملت على وصفين:
أحدهما: أن تكون ذات رحموالثاني: أن تكون محرمة على المحضون، فإن كانت ذات رحم ولم تكن محرمة عليه كبنت الخالة وبنت العمة لم يكن لهما حق في الحضانة، وكذا لو كانت محرمة عليه ولم تكن ذات رحم له كالمحرمة عليه بالصهارة أو الرضاع، وبقي شرط وهو انفراد الحاضن في السكنى عمن

سقطت حضانته. "و" يلي مرتبة أخوات الطفل "العمات" المراد عمته من قبل أبيه، سواء كانت أخت الأب أو أخت أب الأب، وبعد العمة من جهة الأب الخالة من جهة الأب، وهي بعد عمة الأب، وسواء أخت أم الأب أو أخت أم أبيه، وإن علت، وإن لم يكن للمحضون من جهة أبيه عمة ولا خالة أو كانت وسقطت حضانتها فقيل: تليها بنت الأخ شقيقة أو لأب أو لأم، وقيل: بنت الأخت شقيقة أو لأم أو لأب، وقيل: هما سواء، وهو الأظهر عند ابن رشدقال خليل: ثم هل بنت الأخ أو الأخت أو الأكفاء منهن أي أو هما في المرتبة سواء، وينظر الإمام في شأنهما فيقضي لأحرزهما، ومن فيه كفاية منهما بالقيام بأمر المحضونثم شرع فيمن يستحق الحضانة بعد الإناث السابقات على الأب والمتأخرات عنه بقوله: "فإن لم يكونوا" أي الإناث السابقات اللاتي لهن الحضانة بعد أم المحضون، ولذا قال بعد: الصواب يكن بنون الإناث؛ لأن الضمير للأخوات والعمات، إلا أن يقال راعى الأشخاص فذكر الضميروالمعنى: فإن لم يوجد أحد من النساء؛ لأنهن يقدمن في الحضانة لرفقهن "فالعصبة" غير الأب هم الذين يستحقون الحضانة، والمراد مطلق العصبة الشامل لعصبة الولاء، وإن قدمت عصبة النسب على عصبة الولاء، ومحل استحقاق العصبة بعد الإناث السابقات حيث لا وصي، وإلا قدم على العصبة في الإناث الصغار، وفي الذكور مطلقا، وله حضانة الإناث الكبار ذوات المحارم، فإن لم يكن ذوات محارم فوقع التردد في حضانته لهن، واستظهر ابن عرفة أن الخلاف في حال، فإن ظهرت أمارات الشفقة فهو أحق، وإلا فلا، ومثل الوصي وصي الوصي، ومقدم القاضي، ويقدم بعد الوصي أخ المحضون، ويقدم الشقيق على غيره؟ قال خليل: ثم الأخ ثم ابنه ثم العم ثم ابنه لا جد لأم واختار خلافه، والمراد ثم بعد الوصي الأخ، وكان ينبغي لخليل أن يقول: ثم الأخ ثم الجد ثم ابن الأخ؛ لأن الجد أب الأب متوسط بين الأخ وابنه على الصواب، وأما الجد من جهة الأم ففيه خلاف، وعلى أنه له الحضانة على اختيار اللخميواستظهر في الشامل أن مرتبته تلي مرتبة الجد أب الأب، ثم المولى الأعلى وهو المعتق بكسر التاء وعصبته من موالي النسب، ثم المولى الأسفل وهو المعتق بفتح التاء وصورته إنسان انتقلت إليه الحضانة وهو مولى أعلى فوجد قد مات وله عتيق فإن الحضانة تنتقل لعتيقه، وقدمنا أن الشقيق يقدم على غيره ممن يدخل فيهم الشقاقة، ثم الذي للأم على ذي الأب لا في نحو

الوصي ولا المولى"تنبيهات" الأول: إنما قيدنا العصبة بقولنا غير الأب؛ لما قدمنا من أن مرتبة أب المحضون قبل أخواته على المعتمد كما في خليل، خلافا لكلام المصنف الموهم أنه داخل في العصبة المؤخرين في المرتبة، كما أن ظاهره أن الوصي لا حضانة له، إذ جعل مرتبة العصبة والية لمرتبة الإناث، وقد علمت أن الوصي مقدم على سائر العصبة ويليه الإخوة كما ذكرنا تبعا لخليل رحمه اللهالثاني: إذا اجتمع شخصان مستويان في المرتبة قدم من له صيانة وشفقة على من ليس كذلك، وإذا انفرد كل واحد بوصف قدم صاحب الشفقة على ذي الصيانة، فإن استويا في جميع الأوصاف قدم بالسواء، فإذا استويا في الجميع فالظاهر القرعةالثالث: لم يتكلم المصنف على شروط الحاضن، وأشار إليها خليل بقوله: وشرط الحاضن العقل والكفاءة بمعنى القدرة على القيام بأمر المحضون، فالزمن والمسن والأعمى والأخرس والأصم لا حضانة لهم، والسلامة من نحو الجذام والبرص والحكة والجرب، لما أجرى الله العادة من حصول مثل ذلك المرض المتصل بصاحبه، وأن يكون عنده نوع من الرشد والضبط بحيث يحفظ ما عنده، وإن لم يكن بالغا؛ لأن الصغير قد يكون عنده الحفظ، ويكتفي بحضن حاضنه بحيث يكون عنده حاضن، وعدم القسوة فمن علم منه قلة الحنان والعطف إما لطبعه أو لعداوة بينه وبين أبوي المحضون قدم عليه غيره، وكون المكان الذي يسكن فيه الحاضن حرزا بأن لا يخشى على البنت الفساد فيه، وكذا الذكر إن كان يخشى عليه الفساد أيضا. وهذا يتضمن اشتراط أمانة الحاضن على المحضون، ومن الشروط أن يكون عند الحاضن الذكر أنثى تحضن كامرأة خالية من الأزواج يستأجرها، أو أمة لم يتخذها للوطء، وكون الأنثى الحاضنة خالية عن دخول الزوج الأجنبي بها، وإلا انتقلت الحضانة لمن بعدها، إلا أن يعلم بالدخول ويسكت العام، وإلا استمرت حضانتها، كما لو كان الزوج محرما للمحضون، ولو لم يكن له حضانة كخالة وتزوج بالحضانة غير الأم أو كان واليا للمحضون كابن عمه، أو كان لا يقبل غير الحاضنة، أو لم يوجد من يرضعه عند من يستحق الحضانة، وإلا استمرت الحضانة لذات الزوج، وهذه الشروط معتبرة في الاستحقاق والمباشرة، فمن اتصف بضدها سقط حقه جملة إلا القدرة فإنها شرط في المباشرة، فالحاضن المسن لو طلب أن يستنيب من يحضن لم يسقط حقه، بخلاف نحو الأجذم أو صاحب القسوة فلا حق له.

الرابع: لم يتكلم المصنف على من يقبض نفقة المحضون، والذي يقبضها الحاضن قهرا على أبيه؛ لأن الأطفال لم ينضبط لهم حال، ولكن قبضها موكول إلى اجتهاد الحاكم، لاختلاف أحوال الناس بالسعة وعدمها، فتكون بالجمعة أو الشهر، وإذا ادعى الحاضن ضياعها فإنه يضمن إلا لبينة على الضياع من غير تفريط على مذهب ابن القاسم، والسكنى تابعة للنفقة، وأجرة محل الحاضن على أب المحضون، ولا يلزم الحاضنة شيء خلافا لظاهر خليل، ولا تستحق الحاضنة شيئا لأجل حضانتها لا نفقة ولا أجرة حضانة، إلا أن تكون الحاضنة أم المحضون وهي فقيرة والمحضون موسر، وإلا وجب لها أجرة الحضانة؛ لأنها تستحق النفقة في ماله من حيث فقرها، ولو لم تحضنه والله أعلمولما فرغ من الكلام على الحضانة شرع في الكلام على ثالث الأبواب التي ترجم لها وهو باب النفقة وحقيقتها كما قال ابن عرفة: ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف وأسبابها ثلاثة: الزوجية والملك والقرابة، فقال: "ولا يلزم الرجل" الموسر "النفقة" على أحد من الأحرار غير الأقارب بغير اضطرار أو التزام "إلا على زوجته" التي دخل بها ولو صغيرة أو مريضة ولو مشرفة، أو التي دعته للدخول بها، وهي مطيقة لوطئه مع بلوغه وليس أحدهما مشرفا، فتجب عليه النفقة عليها سواء "كانت غنية أو فقيرة" قال خليل: يجب للممكنة مطيقة الوطء على البالغ، وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام وكسوة، ومسكن بالعادة بقدر وسعه وحالها والبلد والسعر، وإن أكولة، وتزاد المرضع ما تتقوى به، إلا المريضة وقليلة الأكل فلا يلزم إلا ما تأكل إلا المقرر لها شيء على مذهب من يراه، فيلزم المقرر، ولا يلزم الزوج الحرير، قيل مطلقا وقيل في حق المدنية لقناعتها، فيفرض لها الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة للقادر، ويلزمه الحصير والسرير عند الحاجة إليه، ويلزمه أجرة القابلة، ويلزمه لها الزينة التي تتضرر بتركها كالكحل والدهن المعتادين، ولا يلزمه لها مكحلة ولا دواء إذا مرضت، ولا أجرة حجامة ولا ثياب مخرج، ويلزمها له الخدمة الباطنة من عجن وكنس وفرض واستقاء ماء إن كانت من نساء البوادي اللاتي اعتدن ذلك، لا إن كان زوجها عادة زوجته خلاف ذلك، كبعض الأكابر الذين لا يمتهنون نساءهم فعليه ذلك، وإن لم تكن هي من ذوات الأقدار ولا يلزمها التكسب له كغزل أو حرث أو نسج ولو كان عرف بلدها ذلك، وقال بعض: إلا أن يعتادوا ذلك، وأما نحو الخياطة وغسل الثياب فيجري على العرف، قاله بعض شيوخ شيوخنا.

"تنبيهات" الأول: أشعر قوله الرجل أن الزوج لا يلزمه النفقة على زوجته إلا إذا كان بالغا وهو كذلك، إذ لا يلزم الصبي نفقة زوجته، وإن اتسع في المال وافتضها؛ لأنها أو وليها هي المسلطة له عليها، وكذا لا يلزمه النفقة لغير المدخول بها التي لم تطق الوطء أو تطيقه، لكن لم تمكنه من الدخول أو مكنته ودعته لكنه صبي أو بالغ إلا أنها مشرفة على الموت بأن أخذت في النزع، بخلاف المدخول بها فلا يسقط نفقتها إلا موتهاالثاني: قيدنا الرجل بالموسر؛ لأن المعسر لا يلزمه نفقة، بل تسقط عنه كما تسقط بأكلها معه، ولو مقررة، ولو صغيرة أو محجورة لسفهها؛ لأن السفيه لا يحجر عليه في نفقته، وكذا تسقط إذا منعته الوطء أو غيره من الاستمتاع لغير عذر، أو خرجت من محله بغير إذنه، ولم يقدر على ردها بوجه، وإلا وجب لها النفقة، كما يجب لها النفقة إذا خرجت لضرر بها منه عجز عن ردها، وهذا كله بالنسبة للمرأة الحاضر زوجها وهي في عصمته، لا إن كان غائبا وخرجت من منزله مدة سفره، أو كانت مطلقة طلاقا رجعيا مطلقا أو بائنا، وهي حامل، وإلا فلها النفقة، وإن خرجت من محل طاعته، وإذا وجد شرط الإنفاق وجبت النفقة، ولو كان الزوج عبدا ونفقته من غير خراجه وكسبه إلا لعرف بأنها على السيدالثالث: لو عجز الزوج عن النفقة فلها التطليق عليهقال خليل: ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية إلا أن تتزوجه عالمة بفقره وراضية بهقال خليل: لا إن علمت فقره أو أنه من السؤال إلا أن يتركه أو يشتهر بالعطاء وينقطع، وإلا فلها الفسخ، وصفة الفسخ يفصل فيها بين كون الزوج ثابت العسر والمرأة ثابتة الزوجية، ولو بالشهرة أو يكونان طارئين فيأمره الحاكم بالطلاق، وإن كان غير ثابت العسر فيأمره بالإنفاق أو الطلاق، فإن أنفق أو طلق فلا إشكال، وإلا طلق عليه بعد التلوم عليه باجتهاده بأن يأمرها بطلاقه أو يقول طلقتها منكوبعد الحكم بالطلاق تعتد بالأقراء أو الأشهر، ولا يمكن من رجعتها إلا إن وجد في زمن العدة يسارا يقوم بواجب مثلها، بحيث يجد شيئا يظن معه إدامة النفقة، ويحصل الأمن من العجز عنها معه في المستقبل، وأما لو تجمد لها عليه نفقة فيما مضى من الزمان فلها الطلب بها حيث تجمدت في زمن يسره، ولكن لا تطلق عليه بالعجز عنها كما لا تطلق عليه بالعجز عن

صداقها بعد الدخول بها، بخلاف عجزه عن الحال منه قبل الدخول بها فلها التطليق، وإنما يكون ذلك التطليق من الحاكم أو جماعة المسلمين إذا لم يكن حاكم أو تعذر الوصول إليه، وإنما أطلنا في ذلك لداعي الحاجة إليهولما ذكر أن أسباب النفقة ثلاثة وقدم الآكد منها وهو نفقة الزوجة، شرع في ثاني الأسباب، وهو القرابة بقوله: "و" لا يلزم الشخص الحر الموسر النفقة على أحد من قراباته "على أبويه" دنية الحرين "الفقيرين" قال خليل: وبالقرابة على الموسر نفقة والوالدين المعسرين، سواء كانا مسلمين أو كافرين، سواء كان ذلك الشخص ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا؛ لأن النفقة من باب خطاب الوضع، والضابط أن المطالب بالنفقة إن كان زوجا اشترط بلوغه ويساره، وإن كان قريبا أو مالكا لا يشترط فيه بلوغ، وقيدنا بالحرين؛ لأن الرقيقين غنيان بسيدهما بدنية؛ لأن الأجداد والجدات لا تلزم نفقتهم ولد الولد، للأبوين إثبات فقرهما بشهادة عدلين، ولا يجوز تحليفهما لما فيه من العقوق، وإن كان العسر لا يثبت إلا بعدلين ويمين، واختلف في حمل الولد على الملأ أو العم إذا طلبه الأبوان، وادعى العجز على قولين، إلا أن يكون له أخ مليء، وإلا اتفق على حمله على الملأ حتى يثبت العدم، وقيدنا الولد بالحر؛ لأن الرقيق لا يلزمه الإنفاق على أبويه؛ لأنه لا يلزمه نفقة نفسه، وظاهر كلام المصنف وجوب النفقة على الأبوين، وإن كانا يقدران على الكسب وهي طريقة الباجي وخالفه اللخمي، وإذا كان للوالدين نحو دار لأفضل في ثمنها فكالعدم، وكما يلزم الولد الموسر نفقة أبويه الفقيرين يلزمه نفقة خادمهما وظاهره، وإن كانا غير محتاجين إليه، نعم يظهر أنه يلزمه اتخاذ خادم لهما إن احتاجا إليه وحررهوكذا يلزم الولد نفقة خادم زوجة أبيه، وكذا يجب على الولد إعفاف أبيه بزوجة بناء على أنه من جملة القوت، فلا يلزمه شراء أمة له ولا أكثر من زوجة إلا إذا لم تعفه الواحدة، وإذا تعددت زوجة الأب لم يلزمه إلا نفقة واحدة ويختارها الأب، إلا أن تكون إحداهن أمه فينفق عليها دون غيرهاقال خليل: ولا يتعدد إن كانت إحداهما أمه على ظاهرها بل ينفق على أمه فقط حيث كانت تعفه، وإلا تعددت على الولد. الأم ينفق عليها بالقرابة والأخرى بالزوجية، فلو لم يقدر إلا على الإنفاق على واحدة فالزوجية، والقول للأب فيمن ينفق عليها الولد حيث لم تكن إحداهما أمه وطلب الأب النفقة على من نفقتها أكثر، وإلا تعينت الأم ولو كانت غنية؛ لأن النفقة هنا

للزوجة لا للقرابة"فرع" لو تزوجت الأم الفقيرة بفقير لم تسقط نفقتهاقال خليل: ولا يسقطها تزويجها بفقير، ومثلها البنت لو تزوجت بفقير تستمر نفقتها على أبيها، ولو قدر زوج الأم أو البنت على بعض النفقة لزم الولد والأب إكمالها"تنبيه" إذا كان الولد متعددا ووجب عليه نفقة أبويه أو أحدهما فإنها توزع على الأولاد حسب اليسار على أرجح الأقوال. "و" كما يلزم الولد الموسر إجراء النفقة على أبويه الفقيرين يلزم الولد الموسر إجراؤها "على صغار ولده الذين لا مال لهم" الذكور والإناث، ويستمر وجوب الإنفاق "على الذكور حتى يحتلموا و" الحال أنهم "لا زمانة" أي لا عجز قائم "بهم" قال خليل: ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب، قال شارحه: أي وتجب نفقة الولد الذكر الحر الذي لا مال له ولا سعة تقوم به على الأب الحر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب ويجد ما يكتسب فيه، أما لو كان له مال أو صنعة لا معرة فيها تقوم به لسقطت نفقته عن أبيه، وإلا أن ينفد بالدال المهملة أي يفرغ ماله قبل بلوغه يدفعه الأب قراضا ويسافر العامل ولا يوجد مسلف فتعود على الأب. وأما الولد الرقيق فنفقته على سيده لا على أبيه ولو حرا، ولا على الأب الرقيق نفقة وله ولو حرا، ونفقة ولده الحر على بيت المال حيث كان متخلفا على الحرية، وإن كانت حريته بالعتق فنفقته على معتقه حتى يبلغ قادرا على الكسب، وأما من بلغ زمنا أو مجنونا أو أعمى، أو لم يجد ما يكتسب فيه عند بلوغه أو يلحقه به المعرة لم يسقط نفقته عن أبيه، بخلاف ما لو بلغ صحيحا قادرا على الكسب بحيث سقطت نفقته ثم طرأت زمانته أو جنونه لم تعد نفقته على أبيه على المشهور"تنبيه". علم من مفهوم كلام المصنف أن الصغير الذي له مال لا تجب نفقته على أبيه، وإنما ينفق عليه من ماله، كما علم أن مثل الصغير الذي لا مال له من بلغ زمنا أو مجنونا ولو في بعض الأحيان، ولا مال له أنه في حكم الصغير في وجوب نفقته على أبيه. "و" يجب على الأب الإنفاق "على الإناث" الفقيرات ولو كبرن وجاوزن حد التعنيس "حتى ينكحن" بالبناء للمجهول أي يعقد عليهن "ويدخل بهن أزواجهن" البالغون الموسرون، ومثل الدخول الدعوى للدخول حيث كان بالغا وهي مطيقةقال خليل: ونفقة الأنثى حتى يدخل بها زوجها، وأما لو دخل بها الزوج الصبي أو الفقير فإن نفقتها لا تسقط عن أبيها لما قدمنا من أن نفقة الأم الفقيرة، ومثلها البنت لا تسقط بالزواج

للفقير، فلو طلقها زوجها قبل بلوغها، ولو بعد زوال بكارتها فإن نفقتها تعود على أبيها، بخلاف لو طلقها أو مات عنها بعد بلوغها ثيبة صحيحةقال خليل: واستمرت إن دخل زمنة ثم طلق لا إن عادت بالغة أو عادت الزمانة، والمعنى: إن عادت إلى الأب بطلاق أو موت زوجها وهي ثيب بالغة صحيحة قادرة على الكسب من غير سؤال، أو عادت الزمانة عند الزوج بعد بلوغها صحيحة فلا تعود نفقتها على الأب؛ لأن الضابط في ذلك إن ثيبت عند الزوج مع بلوغها وصحتها سقطت نفقتها عن أبيها، ولو طرأت عليها الزمانة بعد ذلك وطلقت، بخلاف لو دخل بها زوجها زمنة واستمرت حتى طلقها أو مات عنها فإنها تعود على الأب كعودها بطلاقها أو موت زوجها وهي بكر أو صغيرة ولو ثيبا"تنبيهات" الأول: سكت المصنف كخليل عن الكلام على نفقة خادم الأولاد أو اتخاذه عند الحاجة إليه وفيه خلاف، فعند القرويين لا يلزم وهو الموافق لظاهر كلام خليل، والذي في المدونة أنه يلزم الأب أن يخدم الولد إن احتاج وكان مليا قال فيها: وإن أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب النفقة والكسوة والسكنى ما بقوا في الحضانة ويخدمهم إن اتسع إلى ذلكالثاني: لم يذكر المصنف حكم ما لو لم يقدر على النفقة الكاملة على من ينفق عليه من أولاد أو أبوين، والصواب كما يؤخذ من كلام الأجهوري تقديم نفقة الأولاد على نفقة الأبوين عند العجز عنهما؛ لأن نفقة الأولاد بالأصالة ونفقة الأبوين بالعروض، كما تقدم نفقة الأم على نفقة الأب، ونفقة الصغير على نفقة الكبير، ونفقة الأنثى على نفقة الذكر، وعند التساوي يقع التحاصص كما يقع التحاصص في الزوجات عند ذلك، وكذا تقدم نفقة الزوجة على نفقة الأبوين أو الأولاد؛ لأن نفقة الزوجات في مقابلة عوض بخلاف نفقة الأقارب، وأما نفقة نفسه فتقدم ولو على نفقة الزوجة لسقوط الوجوب عنه لغيره حينئذالثالث: مقتضى لقول المصنف: ولا يلزم الرجل الإنفاق إلا على زوجته وأبويه وأولاده أن الأنثى ليست كالذكر، وهو كذلك؛ لأن فيها تفصيلا بين الإنفاق على الأبوين والأولاد فتساوي الرجل في وجوب النفقة على الأبوين، وأما بالنسبة للأولاد فقال ابن عرفة: والمعروف لا نفقة على الأم لولدها الصغير اليتيم الفقير، ولذلك قال ابن العربي في آخر سورة الطلاق: نفقة الولد على الوالد دون الأم خلافا لابن المواز، ولا يرد على هذا لزوم استئجار من لزمها الرضاع ولا لبن لها؛ لجريان العرف بذلك كجريانه بلزوم الإرضاع لغير عالية القدر ما دامت نفقتها على أبيه والعرف كالشرط.

الرابع: مقتضى كلام المصنف كخليل، بل صريح الآية أن نفقة الأبوين الفقيرين واجبة على الولد الموسر من غير توقف على حكم حيث كان فقرهما ثابتا، نعم يشترط في كونها من جملة الدين المسقط لزكاة ما عند الولد من المال الحكم مع التسلف، وأما أصل الوجوب على الولد فلا يتوقف على حكم، وكذلك نفقة الولد الفقير على والده، ولفظ الأجهوري في شرح خليل في باب الزكاة بعد تنظيره في تقرير بعض الشيوخ، إذ يأتي في باب النفقة ما يفيد أن نفقة الولد المعسر تجب على والده الموسر بمجرد العسر وكذلك عكسه فراجعه إن شئت. والمفهوم من المدونة بل صريحها التفرقة بين نفقة الولد على الوالد وعكسه، وهو أن نفقة الولد واجبة بالأصالة فلا تتوقف على حكم، بخلاف نفقة الوالد كانت ساقطة فلا تجب إلا بالحكمالخامس: لو ترك الولد الإنفاق على أحد أبويه مدة مع وجوبها أو عكسه لم يرجع بها من وجبت له على من تجب عليه إلا بشرطقال خليل: وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع على طريقة ابن الحاجب ونازع فيها ابن عرفة، وهذا بخلاف نفقة الزوجة فلا تسقط بحال عن الموسر، ولا تتوقف على حكم؛ لأنها في مقابلة الاستمتاع راجع شراح خليل، ولما كان الإنفاق بالقرابة مختصة بالأبوين والأولاد ففي بعض العبارات أن النفقة بالقرابة محصورة الأبوة وهي صحيحة؛ لأنها إما واجبة على الأب أو له قال: "ولا نفقة" واجبة على الحر الموسر "لمن سوى هؤلاء" المذكورين من الأبوين والأولاد "من الأقارب" فلا تجب النفقة على الأجداد والجدات، ولا على أولاد الأولاد، ولا على الإخوة والأخوات، خلافا للشافعي القائل بوجوبها على الأصول وعلى الابن وابنه وعلى الإخوة والأخوات، وخلافا لأبي حنيفة في إيجابها على كل ذي رحم. ثم أشار إلى مسألة تتعلق بالزوجة وكان ينبغي تقديمها بقوله: "وإن اتسع" الزوج الأهل للإخدام "فعليه إخدام زوجته" المتأهلة للإخدامقال خليل: وإخدام أهله، وإن بكراء ولو بأكثر من واحدة وقضى لها بخادمها إن أحبت إلا لريبة، وإخدامها إنما يكون بأنثى أو بذكر لا يتأتى منه الاستمتاع، ففي كلام خليل التصريح بأنه لا يلزم إخدامها إلا إذا كان هناك أهلية في الزوج والزوجة، وإذا اشترى لها خادما يخدمها فإنها لا تملك إلا بهبة، بخلاف المشترط في صلب العقد فإنها تملكه؛ لأنه في حكم المهر، ومفهوم كلام خليل المفيد لكلام المصنف أنه إذا انتفت الأهلية منهما أو من أحدهما لا يلزمه إخدامها ولو كثر ماله، إلا إذا اشترط عليه ذلك أو كان من الذين لا يمتهنون نساءهم، ومفهوم إن اتسع أن غير المتسع لا يلزمه إخدام، ولو كانت الزوجة أهلا وعليها الخدمة بنفسها.

قال خليل: وعليها الخدمة الباطنة من عجن وكنس كما قدمناهوأشار إلى السبب الثالث من أسباب النفقة بقوله: "وعليه" أي المالك ولو رقيقا "أن ينفق على عبيده" ولو بشائبة حرية كمدبرة أو معتق لأجل أو أم ولد ولو أشرف الرقيق على الموت، بخلاف نفقة الزوجة غير المدخول بها ويكون الإنفاق بقدر كفايتهم، فلا يسرف ولا يقتر وينظر لوسعه وحال العبيد فليس النجيب كالوغد، فإن امتنع السيد من الإنفاق الواجب بيع ما يباع إلا أن يعتقه سيدهقال خليل: إنما تجب نفقة رقيقه ودابته إن لم يكن مرعى، وإلا بيع كتكليفه من العمل ما لا يطيق، وأما من لا يباع كأم الولد فقيل ينجز عتقها وقيل تزوج، وأما المدبر فإن كان في خدمته ما يكفيه خدم وأنفق عليه منها، وإلا نجز عتقه، وإنما قلنا ولو رقيقا؛ لأن السيد لا يلزمه النفقة على عبيد عبيده، وإنما ينفق عليهم سيدهم الأسفل "و" كما تجب عليه نفقة عبيده يجب عليه أن "يكفنهم إذا ماتوا" وسائر مؤن التجهيز؛ لأنه من توابع النفقةقال خليل: وهو على المنفق بقرابة أو رق لا زوجية، والفقير من بيت المال، وإلا فعلى المسلمين، والدليل على جميع ما سبق من وجوب الإنفاق على الزوجة والأصل الداني والفرع القريب والرقيق ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة ما كان عن غنى واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" . تقول المرأة: إما أن تطعمني أو تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الولد: أطعمني إلى من تدعني1، فجعل الذي يعوله الشخص زوجته ورقيقه وولده، وقال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة: 83] ويؤخذ من الحديث مسألة حسنة وهي من قال: الأمر الفلاني وقف على عيالي، أو هذه العلوفة على العيال تدخل زوجته في العيال، وقل أن يعرفها الطالب من غير هذا فافهم. وحكى ابن المنذر الإجماع على وجوب نفقة الوالدين الفقيرين، والآية ظاهرة في الوجوب من غير توقف على حكم حاكم، ولما كان الإنفاق على الزوجة في مقابلة الاستمتاع بها في حال حياتها، وقد تعذر بموتها جرى في الكفن خلاف أشار إليه بقوله: "واختلف في كفن الزوجة" على ثلاثة أقوال. "فقال ابن القاسم" كفنها وسائر مؤن تجهيزها "في مالها" وهذا هو الذي تجب به الفتوى، وعليه اقتصر خليل حيث قال: وهو على المنفق إلى قوله: لا زوجية، وظاهره ولو كانت فقيرة لانقطاع
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال، حديث "5355" بلفظه، وأخرجه مختصراً أبو داود، حديث "1676"، والنسائي، حديث "2544".

الاستمتاع بها بموتها، ويفهم من قوله: من مالها أنها حرة، وأما الأمة فعلى سيدها. "وقال عبد الملك" كفنها، ومؤن تجهيزها "في مال زوجها" إن كان بحيث يلزمه لها النفقة لبلوغه ويسره لبقاء أثر الزوجية لجواز التغسيل والنظر للعورة وعزي لمالك، وظاهر هذا القول: ولو كانت الزوجة أمة "وقال سحنون: إن كانت غنية" بحيث يوجد عندها ما تكفن به "ففي مالها" كسائر مؤن التجهيز. "وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج" ويتفرع على المشهور أن الزوج لو كفنها فإنه يرجع في مالها إلا أن يكون متبرعا"فائدة" سحنون: لقب به لحدة فهمه واسمه عبد السلام وفي سينه وجهان الفتح والضم. قال الأجهوري: الكثير عند الفقهاء الفتح وأما في اللغة فالضم"تتمات" الأولى: سكت عن كفن من يلزم الإنفاق عليه سوى الزوجة، والحكم أنه تابع للنفقةقال خليل: وهو على المنفق بقرابة أو رق لا زوجية، والفقير من بيت المال، وإلا فعلى المسلمين إن كان الميت حرا، ولذلك لو مات شخص ورقيقه ولم يوجد عند السيد إلا ما يكفن أحدهما قدم العبد؛ لأنه لا حق له في بيت المال بخلاف سيدهالثانية: لو مات أبو شخص أو أحدهما وولده ونفقة كل واجبة عليه، وعجز عن تكفين الجميع فحكمه كالنفقة، فيقدم الولد؛ لأن نفقة الولد بالأصالة، وينظر لو لم يقدر إلى على تكفين أحد الأبوين أو بعض الأولاد، ومقتضى الإجراء على النفقة تقديم الأم على الأب، والأنثى على الذكر، والصغير على الكبير، ولتحرر المسألة. ويظهر الاقتراع عند تساوي الولدين، ولم يوجد إلا ما يكفن أحدهما لا بعينه، وأما لو كان الكفن الموجود لا يكفي إلا أحدهما بعينه فإنه يقدم، ويظهر أن المراد يكفي في الستر الواجب، وإلا قسم بينهما وحرره فإني لم أره منقولاالثالثة: لم يتكلم المصنف على ما يتعلق بالمملوك البهيمي، والحكم فيه أنه يجب على مالكه علفه المعتاد، ولو بالشراء أو يبعثه للمرعى، كما يجب عليه أن لا يكلفه من العمل إلا ما يطيقه، فإن لم يطعمه أو كلفه من العمل ما لا يطيقه بيع عليه ما لا يؤكل لحمه، وأما ما يؤكل لحمه فيخير بين بيعه أو ذبحهالرابعة: لم يتكلم أيضا على ما إذا كان له كرم أو زرع يحتاج إلى سقي بحيث يتلف بتركه،

والحكم فيه أنه يجب عليه القيام به، إما بنفسه أو يدفعه لمن يعمل فيه ولو بجميع الثمرة، فإن لم يفعل أثم لما في تركه من إضاعة المال ولم يثبت نص ببيعه. ولما فرغ من الكلام على ما ذكره من عقائد الإيمان وبقية أركان الإسلام وأحكام الذبائح والأيمان والنذور والجهاد والأنكحة، وما يطرأ لها من طلاق وعدة وسكنى ونفقة، شرع في أحكام المعاملات بقوله:

باب في أحكام البيوع
:
جمع بيع مصدر باع، ويتنوع إلى صحيح وفاسد، ولذا صح جمعه، بخلاف المؤكد لعامله لا يثنى، ولا يجمع، وحقيقته في لغة قريش واصطلح عليها الفقهاء تقريبا للفهم: الإخراج عكس اشترى، يقال: باع الشيء إذا أخرجه عن ملكه، واشتراه إذا أدخله في ملكه، وأما شرى فيستعمل فيهما، ومن استعماله في الإخراج قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]؛ لأن المراد باعوه، والضمير في باعوه لإخوة يوسف الذين أخذوه من السيارة بادعاء أنه عبدهم وأبق منهم ثم باعوه لهم، وأما حقيقته في الاصطلاح فقال ابن عرفة: البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة، فيخرج العقد على المنافع والنكاح، ويدخل هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم، وكذلك قال: والغالب عرفا أخص منه بزيادة ذو مكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه لتخرج الأربعة المذكورة الداخلة في الأعم؛ لأن الهبة للثواب لا مكايسة أي لا مغالبة فيها، والصرف والمراطلة والمبادلة العوضان فيها من العين والسلم المعين فيه العين، وهي رأس المال، وأما غير رأس المال، وهو المسلم فيه فإنه في الذمة، ومعنى كون رأس المال معينا أنه ليس في الذمة، ويظهر لي أن تعبير ابن عرفة بالعين في رأس المال مبني على الغالب، وإلا فقد يكون رأس المال حيوانا أو عرضاوينقسم البيع الأعم إلى أربعة أقسام: مساومة، ومزايدة، وهما جائزان اتفاقا، وبيع مرابحة، وهو جائز جوازا مرجوحا لاحتياجه إلى الصدق المتين، وبيع استئمان واسترسال، وحقيقة بيع المساومة أن يتراضى الشخصان على ثمن ولا تقبل زيادة بعده، ولو تضمن غبنا، وحقيقة بيع المزايدة أن يطلق الرجل سلعته في يد الدلال للنداء عليها، فمن أعطى فيها ثمنا لزمه إن رضي مالكها وله أن لا يرضى ويطلب الزيادة، وهذا هو المعروف بين الناس اليوم، وإن كان الأول أحسن؛ لأن هذا يورث الضغائن في القلوبوحقيقة بيع المرابحة أن يشتري الرجل سلعة بثمن ويبيعها بأكثر منه على وجه مخصوص، وحقيقة بيع الاستئمان، ويقال له أيضا الاسترسال أن يصرف أحد الشخصين قدر المعقود عليه

من ثمن أو مثمن لعلم صاحبه بجهل الصارف به أي بقدر المعقود عليه بأن يقول الجاهل للعالم: اشتر مني كما تشتري من الناس، أو بعني كما تبيع الناس، وحكمه الجواز على طريق الأكثر لثبوت الخيار للجاهل إذا كذب عليه العالم بأن غره، ومقابل الأكثر سماع عيسى بن القاسم لا يصح، ويفسخ إن كان المعقود عليه قائما، وإن فات رد مثل المثلي، وقيمة المقوم "و" في بيان أحكام "ما شاكل" أي شابه "البيوع" من سائر العقود، كالشركة والتولية والإقالة والقراض والمساقاة1 والإجارة2، وما يتعلق بذلك. ولما فرغ من الترجمة شرع في بيان
ـــــــ
1 المساقاة في اللغة: مفاعلة من السقي - بفتح السين وسكون القاف - وهي دفع النخيل والكروم إلى من يعمره ويسقيه ويقوم بمصلحته، على أن يكون للعامل سهم "نصيب" والباقي لمالك النخيل. وأهل العراق يسمونها المعاملة. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي. قال الجرجاني: هي دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء من ثمرهواختلف الفقهاء في حكم المساقاة على أقوال: القول الأول: أنها جائزة شرعاً، وهو قول المالكية، والحنابلة، والشافعية، ومحمد وأبي يوسف من الحنفية، وعليه الفتوى عندهم. واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها. وبالقياس على المضاربة من حيث الشركة في النماء فقط دون الأصلالقول الثاني: أنها مكروهة، وحكي هذا القول عن إبراهيم النخعي والحسنالقول الثالث: أنها غير مشروعة، وهو قول أبي حنيفة وزفر. واستدلوا بحديث رافع بن خديج رضي الله عنه حيث جاء فيه "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى" ، وهذا الحديث وإن كان واردا في المزارعة غير أن معنى النهي - وهو الكراء بجزء من الخارج من الأرض – وارد في المساقاة أيضاً. كما استدلوا بحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وغرر المساقاة متردد بين ظهور الثمرة وعدمها، وبين قتلها وكثرتها، فكان الغرر أعظم، فاقتضى أن يكون القول بإبطالها أحقحكمة مشروعيتها: الحكمة في تشريع المساقاة تحقيق المصلحة ودفع الحاجة، فمن الناس من يملك الشجر ولا يهتدي إلى طرق استثماره أو لا يتفرغ له، ومنهم من يهتدي إلى الاستثمار ويتفرغ له ولا يملك الشجر، فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد بين المالك والعامل. الموسوعة "37/ 133 - 115"2 الإجارة في اللغة اسم للأجرة، وهي كراء الأجير وهي بكسر الهمزة، وهو المشهور. وحكي الضم بمعنى المأخوذ وهو عوض العمل، ونقل الفتح أيضاً، فهي مثلثة، لكن نقل عن المبرد أنه يقال: أجر وآجر إجاراً وإجارة. وعليه فتكون مصدراً وهذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحيوعرفها الفقهاء: بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض. ويخص المالكية غالباً لفظ الإجارة بالعقد على منافع الآدمي، وما يقبل الانتقال غير السفن والحيوان، ويطلقون على العقد على منافع الأراضي والدور والسفن والحيوانات لفظ كراء، فقالوا: الإجارة والكراء شيء واحد في المعنىوما دامت الإجارة عقد معاوضة فيجوز للمؤجر استيفاء الأجر قبل انتفاع المسأتجر،، كما يجوز للبائع استيفاء الثمن قبل تسليم المبيع، وإذا عجلت الأجرة تملكها المؤجر اتفاقا دون انتظار لاستيفاء المنفعة وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. انظر الموسوعة الفقهية "1/253".

أحكام ما ترجم له مبتدئا بحكم البيع في الأصل، وهو الجواز بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] بناء على أن الآية من قبيل العام الذي لا تخصيص فيهإن قلنا: إن الفاسد لا يطلق عليه بيع إلا على جهة المجاز أو من قبيل العام الذي دخله التخصص فهو على عمومه، إلا ما قام الدليل على خروجه، وهذا مذهب أكثر الفقهاءوالمعنى على هذا: وأحل الله كل بيع إلا ما قام الدليل على فساده وقد يعرض له الوجوب، كمن اضطر لشراء طعام أو غيره، والندب كمن أقسم على إنسان أن يبيع له سلعة لا ضرر عليه في بيعها؛ لأن إبرار القسم مندوب، والكراهة كبيع الهر والسبع؛ لأخذ جلده، والتحريم كبيع المنهي عن بيعه نحو الكلب، فتلخص أن البيع تعرض له الأحكام الخمسة، وكما دل على حله الكتاب دلت عليه السنة أيضا كقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده" 1 والبيع المبرور الذي لم يعص صاحبه به ولا فيه ولا معه، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا له من أن يأكل من عمل يده" 2 وغير ذلك من الأحاديث"تنبيه" لم يتعرض المصنف هنا لأركان البيع ولا لشروط عاقده، ولا المقعود عليه، وأركانه ثلاثة: العاقد والمعقود عليه والصيغة، وشرط صحة عقد العاقد من بائع أو مشتر التمييز بأن يفهم السؤال ويرد جوابه، ولو صبيا أو عبدا، وشرط اللزوم التكليف بمعنى الرشد والطوع، فلا يلزم بيع الصبي ولا السفيه ولا المكره إكراها حراما، وإن لزم من جهة المشتري حيث كان رشيداقال خليل: وشرط عاقده تمييز، ولزومه تكليف لا إن أجبر عليه جبرا حراما ورد عليه بلا ثمن، ولا يشترط إسلام العاقد، ولو كان المعقود عليه مسلما أو مصحفا، بل يقع العقد لازما ويجبر غير المسلم على إخراجه من تحت يده، وإنما الإسلام شرط في جواز إدامة الملك، وشرط المعقود عليه ثمنا أو مثمنا الطهارة الأصلية، والقدرة على تسليمه، والعلم بالمعقود عليه كمية وكيفية حيث وقع العقد على اللزوم، وإلا جاز ولو لم يذكر جنسه ولا نوعه، وعدم النهي عن بيعه، وأن يكون منتفعا به ولو في المستقبل. والركن الثالث الصيغة، ويكفي فيها كل ما يدل على الرضا ولو معاطاة، خلافا لما يفهم من قوله فيما يأتي: والبيع ينعقد بالكلام، إلا أن يراد بالكلام كلما يفهم معه المراد ولو إشارة؛ لأن الكلام يطلق في اللغة على القول وعلى كل
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أحمد "3/466"، حديث "15874"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع 1126"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده، حديث "2072" بلفظه.

ما يحصل به الإفادة من إشارة وكتابة وغيرهما، وهذا هو المطلوب عند الفقهاءقال خليل: ينعقد البيع بما يدل على الرضا، وإن بمعاطاة، ولا يشترط في الصيغة تقدم إيجاب على قبول، وسيأتي بعد الكلام على الربا في كلام المصنف الإشارة إلى ما يفهم منه بعض ما أشرنا إليه، وإن لم يكن على هذا الوجه "وحرم" الله -سبحانه وتعالى- "الربا" بالقصر بقسميه النساء بالمد، وهو التأخير والفضل، وهو الزيادة، وفي مسلم: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهده" 1 فمن استحل الربا كفر فإن لم يتب قتل، وكان من باع بالربا فهو فاسق يؤدب بعد فسخ بيعه، ويلزمه رأس المال بعد الفوات، ومن قبض أكثر من رأس ماله رده لربه إن عرفه، وإلا تصدق به، وإن أسلم كافر فهو له إن قبضه قبل إسلامه، وإلا فلا يحل له أخذ ما زاد على رأس المال بل يسقط عمن هو عليه. "وكان ربا الجاهلية" ، وهي ما قبل الإسلام "في الديون" إذا تم أجل الدين يقول له من له التكلم في شأنه "إما أن يقضيه" من هو عليه لربه "وإما أن يربي" أي يزيد "له فيه" ويؤخره ولا شك في حرمة هذا سواء كانت الزيادة في القدر أو الصفة. مثال الزيادة في القدر أن يؤخره عن الأجل الأول ويدفع له عن العشرة خمسة عشر. ومثال الثاني أن يؤخره أجلا ثانيا على أن يدفع له بدل عدد الكلاب ريالات، أو عن المحمدية بنادقة، فإن وقع وأخر لم يستحق صاحب الدين إلا رأس ماله. وفي معنى الزيادة في الحرمة أن يتفق معه قبل انقضاء الأجل على أن يؤخره أجلا ثانيا على أن يدفع له رهنا أو يقيم له حملا؛ لما يلزم عليه من سلف جر نفعا، ومن ربا الجاهلية فسخ ما في الذمة في مؤخر مخالف لجنس ما في الذمة، وإن سارت قيمته حين التأخير قدر الدين بأن كان الدين عينا وحل أجلها فأخره بها أجلا ثانيا على أن يدفع له بدلها طعاما أو عرضا. والحاصل أنه يحرم فسخ ما في الذمة في مؤخر ولو معينا يتأخر قبضه كغائب أو مواضعة أو منافع عين. وأما لو أخره أجلا ثانيا من غير شيء من ذلك فلا حرمة، ومن باب أولى لو ترك له بعض الحق وأخره أجلا ثانياثم شرع في بيان ربا الفضل بقوله: "ومن الربا في غير النسيئة" كخطيئة فهو بالمد والهمز الزيادة ويقال لها ربا أي زيادة الفضل "بيع الفضة بالفضة" حال كونه "يدا بيد" أي مناجزة وحال كون المعقود عليه "متفاضلا وكذلك" أي من الربا في غير النسيئة لا يجوز بيع "الذهب بالذهب" متفاضلا يدا بيد سواء كانا مسكوكين أو مصوغين أو مختلفين لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب: لعن آكل الربا ومؤكله، حديث "1597"، والترمذي، حديث "1206"، والنسائي، حديث "5104".

الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضه على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز؛ لما في التأخير من ربا النساء" 1، ومعنى لا تشفوا بضم التاء وكسر الشين المعجمة والفاء المشددة لا تفضلوا"تنبيه" ظاهر كلام المصنف والحديث حرمة المفاضلة في بيع العين بمثلها ولو قلت الزيادة وليس كذلك، إذ قد أجازوا الزيادة اليسيرة في ثلاث مسائل: الأولى المبادلةوهي بيع العين بمثلها عددا فإنها تجوز بشروط أشار لها خليل بقوله: وجازت مبادلة القليل المعدود من الدراهم أو الدنانير بأن تكون ستة فأقل، وأن تكون الزيادة في كل واحد السدس فأقل، وأن تقع تلك المعاقدة على وجه المبادلة، وأن يقصد بالزيادة المعروفوالثانية: المسافر تكون معه العين غير مسكوكة، ولا تروج معه في المحل الذي يسافر إليه، فيجوز له دفعها للسكاك ليدفع له بدلها مسكوكا، ويجوز له دفع أجرة السكة، وإن لزم عليه الزيادة؛ لأن الأجرة زائدة وعلى كونها عرضا تفرض مع العين عينا، وإنما أجيزت للضرورة لعدم تمكن المسافر من السفر عند تأخيره لضربهاالثالثة: الشخص يكون معه الدرهم الفضة ويحتاج إلى نحو الغذاء فيجوز له أن يدفعه لنحو الزيات ويأخذ ببعضه طعاما أو جددا، وبالنصف الآخر فضة حيث كان ذلك على وجه البيع أو عوض كراء بعد تام العمل لوجوب تعجيل الجميع، وكون المدفوع درهما فأقل لا أكثر، وأن يكون المأخوذ والمدفوع مسكوكين، وأن يجري التعامل بالمدفوع والمأخوذ ولو لم تتحد السكة، وأن يتحدا في الرواج بأن تكون الفضة المأخوذة تروج بنصف الدرهم وأن يتعجل الدرهم، ومقابلة من عين، وما معها. ووجه التفاضل في هذه ما قدمناه من غير العين يفرض معها عينا، وأشار خليل إلى الأولى بقوله: وجازت مبادلة القليل المعدود إلخوإلى الثانية بقوله: بخلاف تبر يعطيه المسافر وأجرته دار الضرب؛ ليأخذ زنته. وإلى الثالثة بقوله: وبخلاف درهم بنصف وفلوس إلخ. ثم شرع في مفهوم متفاضلا بقوله: "ولا يجوز" بيع "ذهب بذهب ولا" بيع "فضة بفضة" لا مراطلة ولا مبادلة في أكثر من ستة. "إلا" أن يكون المعقود عليه "مثلا بمثل" ، ومقبوضا "يدا بيد" في غير المسائل الثلاث التي ذكرناها، وهي:
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: بيع الفضة بالفضة، حديث "2177"، ومسلم، كتاب المساقاة، باب: الربا، حديث "1584"، والترمذي، حديث "2141"، والنسائي، حديث "4570".

مبادلة العدد القليل، وإعطاء المسافر نحو التبر ويأخذ مسكوكا، ومسألة الدرهم، وإذا تحققت المماثلة ووجدت المناجزة جاز البيع، سواء كان على وجه المبادلة أو المراطلة، سواء كانت بصنجة أو كفتينولما فرغ من الكلام على بيع العين بنوعها شرع في بيعها بغيره بقوله: "و" بيع "الفضة بالذهب ربا" فيحرم في كل حال "إلا يدا بيد" أي إلا أن يكون على وجه المقابضة والمناجزة فيجوز، ولو اختلفا في الوزن والعدد لما في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" 1 وتلخص أن ربا الفضل لا يدخل في العين إلا إذا كان الجنس واحدا، وأما النساء فيدخل فيه مطلقا مختلفا أو متفقا مسكوكا أو غيره"تنبيه" بيع العين بالعين على ثلاثة أقسام: إما مراطلة، وإما مبادلة، وإما صرف، فالمراطلة بيع النقد بمثله وزنا، والمبادلة بيع النقد بمثله عددا، والصرف بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس، وتجب المناجزة في الجميع، ويفسد العقد في الجميع بعدمها ولو قريبا أو غلبة، وأما المساواة فتجب في المراطلة، وكذا في المبادلة إذا زاد العدد على ستة أو كانت الزيادة في كل واحد منها أو بعضها أكثر من السدس"فرع" لم يتعرض المصنف للإناء المصنوع من الذهب أو الفضة، والحكم فيه أنه يحرم إقناؤه واستعماله ولو في حق الأنثى، ولكن يجوز بيعه لمن يكسره أو يصنعه حليا بعرض أو نقد، لكن إن كان من غير جنسه اشترطت المناجزة فقط، وإن كان من جنسه اشترطت المماثلة في الوزن والمناجزة، وأما المصنع من النقدين فلا يجوز بيعه إلا بالعرض، ولا يجوز بهما أو بأحدهما ولو التابع على المشهور، وأما المحلى بالنقدين فأشار إليه خليل بقوله: وإن حلي بهما لم يجز بأحدهما إلا إن تبعا الجوهر بأن كان الذهب والفضة الثلث، والجوهر الثلثين فإنه يباع بجنس الأقل من الذهب أو الفضة، فإن كان الذهب قدر الفضة لم يجز بيعه إلا بالعرض"خاتمة" وقع خلاف في علة الربا في النقود، فقيل غلبة الثمنية، وقيل مطلق الثمنية، وعلى الأول تخرج الفلوس الجدد فلا يدخلها الربا ويدخلها على الثانيولما فرغ من الكلام على الربا في النقدين، شرع في الكلام على الأطعمة2 وبيان ما يدخل
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، حديث "1587"، واللفظ له2 والأطعمة: جمع طعام، وهو في اللغة: كل ما يؤكل مطلقاً، وكذا كل ما يتخذ منه القوت من الحنطة والشعير والتمر. ويطلقه أهل الحجاز والعراق الأقدمون على القمح خاصة. ويقال: طعم الشيء يطعمه "بوزن: غنم يغنم" طعما "بضم فسكون" إذا أكله أو ذاقه. وإذا استعمل هذا الفعل بمعنى الذواق جاز فيما يؤكل وفيما يشرب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249]
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي الأولوقد يطلق الفقهاء لفظ "الأطعمة" على كل ما يؤكل وما يشرب، سوى الماء والمسكرات".ومقصودهم: ما يمكن أكله أو شربه، على سبيل التوسع، ولو كان مما لا يستساغ ولا يتناول عادةً، كالمسك وقشر البيض. وإنما استثني الماء لأن له بابا خاصا باسمه، واستثنيت المسكرات أيضاً؛ لأنها يعبر اصطلاحا عنها بلفظ "الأشربة"ثم إن موضوع الأطعمة هو عنوان يدل به على ما يباح وما يكره وما يحرم منهاوأما آداب الأكل والشرب فإنها يترجم لها بكلمة "الأدب"وتنقسم الأطعمة إلى نوعين: حيوانية، وغير حيوانية. ثم عن الحيوان ينقسم إلى قسمين رئيسين: مائي، وبري. وفي كل من القسمين أنواع فيها ما يؤكل وفيها ما لا يؤكل. وينقسم المأكول من الحيوان: "أولاً" إلى: مباح، ومكروهويجب التنبه على أن الحيوانات غير المأكول يعبر الفقهاء عادة عن عدم جواز أكلها بإحدى العبارات التالية: "لا يحل أكلها"، "ويحرم أكلها"، "غير مأكول"، "يكره أكلها"، وهذه العبارة الأخيرة تذكر في كتب الحنفية في أغلب الأنواع، ويراد بها الكراهة التحريمية عندما يكون دليل حرمتها في نظرهم غير قطعي الموسوعة "5/123، 124".

فيه الربا منها، وما لا يدخل فيه بقوله: "والطعام" الكائن "من الحبوب" ذات السنبل كالقمح والشعير وألحق بهما السلت "و" الكائن من "القطنية" بكسر القاف أو ضمها وسكون الطاء المهملة وكسر النون والياء المشددة وحكي تخفيفها، وتجمع على قطاني كالفول والحمص والبسيلة والجلبان والترمس واللوبيا والكرسنة، وهي قريبة من البسيلة وفي لونها حمرة، والباجي يقول: هي البسيلة سميت بذلك؛ لأنها تقطن بالمحل ولا تفسد بالتأخير. "و" من "شبهها" أي القطنية "مما يدخر من قوت" كزبيب أو لحم "أو إدام" كسمن وعسل وخبز الطعام الواقع مبتدأ. "لا يجوز" بيع "الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل" للسلامة من ربا الفضل، وللسلامة من ربا النساء اشترط كونه "يدا بيد" وقوله: "ولا يجوز فيه تأخير" بيان لقوله يدا بيد، ويفسد البيع بالتأخير ولو قريبا، وتعتبر المماثلة بالمعيار الشرعي من كيل أو وزن أو عدد إن وجد معيار شرعي، وإلا فالمعيار لأهل محل البيع، فإن جرت العادة عندهم بأمرين اعتبر الغالب، وإلا اعتبر أحدهما، وإن لم تجر العادة فيما يوزن بشيء وجب المصير إلى التحري إن أمكن، وأما نحو المكيل والمعدود فلا يحصل فيهما تعذر، وإلى هذا كله الإشارة بقول خليل: واعتبرت المماثلة بمعيار الشرع، وإلا فبالعادة، فإن عسر الوزن جاز التحري عند إمكانه، وإلا

امتنع ويجب اعتبار الوزن"تنبيه" فهم من قول المصنف: مما يدخر من قوت أن علة أي علامة كون الطعام ربويا أن يكون يحصل به الاقتيات ويمكن ادخاره، وهو كذلكقال خليل: علة طعام الربا اقتيات وادخار، وهل لغلبة العيش تأويلان، ولذلك جرى الخلاف في ربوية التين والزيت والجراد. والحاصل أن ربا الفضل لا يدخل إلا في الطعام المقتات المدخر المتحد الجنس كما هو صريح قول المصنف: لا يجوز بيع الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد، ومعنى الاقتيات قيام بنية الآدمي به، ومعنى الإدخار عدم فساده بالتأخير المعروف فيهولما كان ربا النساء، وهو التأخير محرما ولو في مطلق الجنسين المطعومين قال: "ولا يجوز" بيع "طعام بطعام إلى أجل" ولو قريبا "كان من جنسه" كقمح بمثله "أو من خلافه" سواء "كان مما يدخر" كالقمح والشعير "أو لا يدخر" كالبطيخ والرمان؛ لدخول ربا النساء في كل المطعومات، فتخلص أن ربا الفضل إنما يدخل في متحد الجنس المقتات المدخر، وأما ربا النساء الذي هو التأخير فيدخل في متحد الجنس، ومختلفه ولو غير مقتات غالبا كالخيار والفواكه؛ لأن ربا النساء يدخل في كل ما فيه الطعمية، ولما كان ربا الفضل لا يدخل إلا في المقتات المدخر قال: "ولا بأس بالفواكه" أي ببيع الفواكه كالخوخ والمشمش "والبقول" كالخس والهندبا من كل ما يجز من أصله. "و" كل "ما لا يدخر" من الخضر، وهي كل ما يجز مع بقاء أصله كالملوخية بعضها ببعض ولو "متفاضلا، وإن كان" جميع المعقود عليه "من جنس واحد" حيث وقع التناجز "يدا بيد" ولما قدم ما يفهم منه أن علامة الطعام الذي يدخله ربا الفضل الاقتيات والادخار، ذكر أن أحد الأمرين كاف فقال: "ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة" كالبندق بناء على أن العلة الإدخار فقط ولكنه ضعيف، بل العلة مركبة من الاقتيات والإدخار، وقيل كونه متخذا للعيش غالبا، فالمفتى به ما عليه خليل من أن الفواكه لا يدخلها ربا الفضل فيجوز التفاضل فيهاقال خليل: لا خردل وزعفران وخضر ودواء وتين، وموز وفاكهة ولو ادخرت بقطر، أي فيجوز التفاضل فيها بشرط المناجزة، ورجح بعض الشيوخ ربوية التين بناء على أنه لا يشترط في الإدخار كونه للعيش غالبا"و" كذا لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد من "سائر" أنواع "الإدام" كالسمن والزيت،

فقوله: وسائر بالجر لعطفه على قوله: فيما يدخر "و" كذا لا يجوز التفاضل فيما اتحد من سائر أنواع "الطعام" الكائنة من غير الحبوب كاللحم والمرق فلا يتكرر مع ما سبق"و" كذا لا يجوز التفاضل في كل ما اتحد من أنواع "الشراب" المتخذة مما هو ربوي كالشراب المتخذ من العنب أو التمر. واعلم أن اتحاد الجنسية تابع للغرض، فنحو الأنبذة كلها جنس واحد، وإن اختلفت أصولها؛ لأن القصد والغرض منها الحلاوة، كما أن الخلول كلها صنف واحد؛ لأن الغرض منها الحموضة، وكذا سائر الألبان ولو من بهيمة وآدمي، بخلاف العسول المختلفة الأصول فإنها أجناس لاختلاف الأغراض فيها في استعمالهاثم استثنى من الشراب قوله: "إلا الماء وحده" فيجوز بيع بعضه ببعض ولو متفاضلا، كما يجوز بيعه بالطعام لأجل ولو ماء زمزم؛ لأنه ليس من الطعام. واعلم أن الماء على قسمين: أحدهما العذب، وهو ما يمكن شربه ولو عند الضرورة، وهذا جنس واحد، وثانيهما الأجاج، وهو ما لا يشرب لمرارته كالبحر المالح، وهو جنس آخر، فيجوز بيع أحد الجنسين بالآخر ولو متفاضلا إلى أجل، وأما بيع الماء بماء من جنسه فإن كانا متساويين جاز، ولو إلى أجل، وأما عند اختلافهما بالقلة والكثرة فلا يجوز إلا يدا بيد ويمتنع إلى أجل؛ لأن القليل إن كان هو المعجل ففيه سلف جر نفعا، وإن كان المعجل هو الكثير ففيه تهمة ضمان بجعل، وهكذا يقال في كل ما اتحد جنسه، وهو غير ربوي. ثم صرح بمفهوم قوله: ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر بقوله: "وما اختلفت أجناسه من ذلك" المذكور من طعام وشراب من غير الحبوب. "ومن سائر" أي جميع "أنواع الحبوب" ولو المقتاتة المدخرة "ومن" سائر أنواع "الثمار والطعام" وخبر ما الواقعة مبتدأ قوله: "فلا بأس" أي فلا حرج في بيع بعضه ببعض الآخر "بالتفاضل فيه" حالة كون المعقود عليه "يدا بيد" أي مناجزا فيه لقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر ما فيه الربا: "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" 1، وإنما كرر قوله: "ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه" أي من مطلق الطعام بقرينة قوله: "إلا في الخضر والفواكه" ولو ادخرت بقطر؛ لما قدمنا من أن حرمة التفاضل في الجنس الواحد مقيدة بما إذا كان الجنس مما يقتات ويدخر، وأما غيره فيجوز التفاضل فيه بشرط المناجزةولما قدم أن الجنس الواحد لا يجوز التفاضل فيه بشرطه شرع في بيان ما هو جنس واحد،
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، حديث "1587"، واللفظ له، وتقدم برقم "51".

وما هو أجناس بقوله: "والقمح" مبتدأ "والشعير" ، وهما معرفان "والسلت" بالسين المهملة المضمومة واللام الساكنة حب بين القمح والشعير لا قشر له وخبر القمح الواقع مبتدأ "كجنس واحد" على المعتمد "في" كل "ما يحل منه ويحرم" ؛ لتقاربهما في المنفعة، فلا يجوز بيع القمح والشعير أو السلت إلا مثلا بمثل يدا بيد، خلافا للسيوري وعبد الحميد الصائغ وتبعهما ابن عبد السلام، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة أخذا بظاهر الحديث من قوله: "فإذا اختلفت هذه الأجناس" 1 إلخ ودليل أهل المذهب على المشهور ما في الموطإ عن سعد بن أبي وقاص قال لفتى علف حماره: "خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله" 2 وعن عبد الرحمن الأسود وغيره مثله، وأيضا اشتهر بين أهل المدينة اتحاد القمح والشعير في الجنسية، والناس تبع لأهل المدينة؛ لأن الأحكام نزلت عليهم قبل الناسوإذا ثبت أن القمح والشعير صنف واحد فإن السلت يلحق بهما بلا خلاف في المذهب، وحينئذ يظهر أن المعنى قول المصنف: كجنس واحد أي متفق عليه، وأما اتحاد جنسية هذه الثلاثة ففيها خلاف فلم يزل اتحاد المشبه والمشبه به. "والزبيب كله" أحمره وأسوده رديئه وجيده جديده وعتيقه "صنف واحد" وكذا كل أفراد التين جنس واحد "و" كذلك "التمر كله" برني وصيحاني وعجوة "صنف" واحدقال خليل: وتمر وزبيب ولحم طير، وهو جنس أي كل واحد جنس، فيجب التماثل في بيع الشيء بجنسه ويحرم التفاضل ولو شكا، كأن يكون أحد العوضين رطبا والآخر يابسا، وأما البلح قبل أن يتتمر ففيه تفصيل، فالصغير الذي لا يؤكل علف يجوز بيعه، ولو بالطعام لأجل، وأما البلح الكبير، وهو الرامخ أو البسر، وهو الزهو أو الرطب فيجوز بيع كل واحد منها بمثله، كما يجوز بيع البلح الصغير بجميعها؛ لأنه ليس بطعام، وكذا يجوز بيع البسر بالزهو؛ لأنهما شيء واحد، ولا يجوز بيعهما بالرطب ولا بالتمر لما فيه من بيع الرطب باليابس، والحاصل أن كل شيء يدخله ربا الفضل يجوز بيعه بنوعه بشرط التماثل والتناجز إلا الرطب باليابس، فلا يباع القمح اليابس بالبليلة، ولا الفول اليابس بالحار، ولا النبيذ بالتمر أو الزبيب ولو متماثلا، بخلاف الخل فيجوز بيعه بهما ولو متفاضلا لبعد الخل عن التمر والزبيب، وأما الخل والنبيذ
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، حديث "1587" واللفظ له، وتقدم برقم "51"، "52"2 أخرجه مالك في الموطأ "2/645"، حديث "1321"

فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع التماثل والتناجز لا مع التفاضل أو عدم التناجز، ولعل وجهه لقرب الخل من النبيذ، فلا يشكل عليه أن الشيء إذا انتقل عن أصله صار كالجنس الآخر، لأن هذا عند البعد كاللحم المطبوخ مع النيء ونحو ذلك"والقطنية" بكسر القاف أو ضمها واحدة القطاني كل ما له غلاف يخزن به كالفول والعدس والبسيلة والحمص والجلبان والترمس وعنها الكرسنة حب قريب من البسيلة فيه حمرة، وقال الباجي: هي البسيلة "وأصناف في البيوع" على الأصح في المذهب "و" إن "اختلف فيها قول مالك" فالمشهور من الخلاف ما صدر به من أنها أنواع يجوز التفاضل في النوعين منه بشرط المناجزة اقتصر عليه خليل "ولم يختلف قوله" أي الإمام فيها "في الزكاة" بل جزم "أنها صنف واحد" يضم بعضها لبعض في الزكاة حتى يكمل النصاب رفقا بالفقراء، وقال خليل: وتضم القطاني كقمح وشعير وسلت، وعدم اختلاف قول الإمام بالنظر إلى ما في المدونة فلا ينافي ما قاله في الموازية من أنها أصناف، ومعلوم أن المدونة يقدم ما فيها على ما في الموازية"تنبيهان" الأول: سكت المصنف عن نحو الأرز والدخن والذرة هي أجناس من غير نزاع في البيوع والزكاةالثاني: علم مما قدمنا أن محل منع التفاضل في الجنس الواحد المقتات المدخر مقيد بما إذا لم ينتقل عن أصله، وإلا جاز، بشرط أن يكون بأمر قوي بحيث يبعده عن أصله، وذلك كقلي الحب أو طبخه أو جعله خبزا لا بطحنه ولو عجن، ولا بصلقه إلا الترمس فإنه يصير جنسا آخر بصلقه ووضعه في الماء حتى يصير حلوا، وأما صلق القمح أو الفول أو الحمص فإنه لا ينقله، فلذا لا يباع اليابس بالمصلوق منها، وما يقع في الأرياف من بيع الفول الحار باليابس فهو غير جائزولما فرغ من بيان الجنس والأجناس من الحبوب شرع يبين المتحد والمختلف من أنواع غير الحبوب بقوله "و لحوم" مبتدأ "ذوات الأربع من الأنعام" كالبقر والضأن والإبل "و" من "الوحش" كالغزال وبقر الوحش وخبر لحم "صنف" واحد، وإن اختلفت مرقته. قال في المدونة والمطبوخ كله صنف، وإن اختلفت صفة طبخه كقليه بعسل وأخرى بخل أو لبن، ولا فرق بين كون طبخها بأبزار أم لا، وما قيل من أن الطبخ بالأبزار ناقل عن اللحم الذي لم يطبخ، وفائدة الاتحاد في الصنفية وجوب المماثلة، وحرمة التفاضل في بيع بعضه ببعض، ولو لحم جمل بلحم ضأن "و" كذلك "لحم الطير كلها" الإنسي والوحشي كالنعامة ولو طير ماء أو جراد

بناء على أنه من الطعام الربوي "صنف" واحد خبر لحوم، فالرخمة مثل الحمامة، والحدأة مثل الدجاجة والغراب على مشهور المذهب ولو اختلفت المرقة، كما تقدم في ذوات الأربع"تنبيه". هذا في ذوات الأربع المباحة والطيور المباحة، وأما غيرها فقال في المدونة: ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقدا، ومؤجلا لأنه لا يؤكل لحمها، وأما بالهر والثعلب والضبع فمكروه بيع لحم الأنعام بها لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم. انتهىولم يذكر أبو الحسن أن الكراهة على التحريم، وهو يفيد أن مكروه الأكل من ذوات الأربع ليس من جنس المباح منها، وإلا حرم بيع لحم المباح منها بالمكروه متفاضلا، وحرم أيضا بيع الحي بلحم منها؛ لأنه يحرم بيع اللحم بالحيوان من جنسه، ولكن في الذخيرة ما يفيد أن الكراهة على التحريم وعليه فهما جنس واحد، فيحرم التفاضل بين لحم المكروه والمباح، كما يكره بيع الحي من المكروه بلحم الحيوان المباح أو المكروه، والظاهر كما في الأجهوري أنه يجري في مكروه الأكل من الطير ما جرى في مكروه الأكل من ذوات الأربع. "ولحوم" مبتدأ "دواب الماء" كضفدع وسمك وتمساح وآدمي الماء وكلب الماء وخنزيره الحي والميت منها "كلها" وخبر لحوم "صنف" واحد ولو اختلفت مرقته، ولا ينتقل الصبر بتمليحه عن أصله فالفسخ لا يخرج عن جنس الحلووفي الأجهوري: أن البطارخ في حكم المودع في السمك وليس من جنسه فيباع بالسمك، ولو متفاضلا، كما يباع الطير ولحمه ببيضه ولو متفاضلا، ولو في قياس البطارخ على البيض وقفة لوجود الفارق، وأيضا البطارخ كالشحم، والشحم كاللحم المشار إليه بقوله: "و" كل "ما تولد من لحوم الجنس الواحد" من ذوات الأربع أو الطيور أو دواب الماء "من شحم" أو كبد أو قلب أو طحال أو رأس "فهو كلحمه" بل العظم والمرق والجلد كذلكقال خليل: والمرق والعظم والجلد كهو، لكن إن كان العظم متصلا فالأمر واضح في حرمة التفاضل؛ لأجل العظم؛ لأنه كاللحم، وأما لو كان منفصلا عن اللحم فإنما يكون كاللحم إذا كان يمكن أكله كالقرقوشة إلا إن لم يمكن أكله فإنه يصير أجنبيا كنوى البلح"تنبيهان" الأول: فائدة كون المتولد من اللحم كاللحم حرمة التفاضل في الجنس الواحد كما مر في الحبوب ما لم ينتقل اللحم عن أصله، وإلا جاز التفاضل ونقل اللحم المطبوخ عن اللحم النيء أن يطبخ مع شيء من الأبزار، ولو الخفيفة كالأرز أو البصل زيادة على الملح؛

لأن الجمعية لا تشترط، ومثل طبخ اللحم بالأبزار شيه أو تجفيفه بالشمس أو الهواء بالأبزار، وأما طبخه بغير أبزار فلا ينقله عن اللحم النيء؛ لأنه صلق، وإن نقله عن الحيوان الحيالثاني: لو طبخ لحم من جنسين في قدر أو قدور، فإن طبخا بغير أبزار أو طبخ أحدهما بها والآخر بدونها فهما باقيان على اختلافهما فيباع أحدهما بالآخر ولو متفاضلا، وأما لو طبخا بأبزار ولو في قدرين فقيل هما باقيان على اختلافهما، وقيل صارا جنسا واحدا فيحرم التفاضل بينهما، وأما هما مع لحم آخر فإن كان نيئا أو مطبوخا بغير ناقل فيجوز التفاضل بينهما ولو كان من جنسهما لانتقالهما، وأما لو كان مطبوخا بناقل لجرى فيه الخلافثم شرع في الكلام على الألبان بقوله: "وألبان ذلك الصنف" المتقدم من ذوات الأربع الإنسي منه والوحشي كلها صنف واحد. "و" كذلك "جبنه وسمنه" كل واحد منها "صنف" فصنف مقدر في الألبان والجبن، ولا يتوهم عاقل فضلا عن المصنف أن الثلاثة صنف واحد، ولذلك قال الجزولي تقدير كلامه: وألبان ذلك الصنف صنف وجبنه صنف وسمنه صنف، فكل واحد من الثلاثة يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا، فلا إشكال في كلام المصنف، والعلامة خليل كثيرا ما يسلك هذه العبارة فإنه قال: وتمر وزبيب ولحم طير، وهو جنس المراد كل واحد من الثلاثة جنس، وكون ألبان ذوات الأربع صنفا يوهم أن لبن الآدمي صنف آخر وليس كذلك بل الجميع صنف واحدقال خليل: ومطلق لبن، قال شراحه: ولو لبن آدمي الجميع صنف واحد، فكان الأحسن للمصنف أن لو قال: وجميع الألبان: صنف ليوافق كلام خليل، وليشمل المخيض منه والمضروب والحليب، فيباع الحليب بالمخيض مثلا بمثل يدا بيد"تنبيهان" الأول: إذا عرفت ما قررنا به كلام المصنف من أن كل واحد من الأمور الثلاثة صنف يطرأ عليك إشكال، وهو إيهام جواز بيع اللبن الحليب بالسمن أو الجبن؛ لأن كل واحد جنس مستقل، وليس كذلك، بل الحكم المنع لما فيه من المزابنة، وأنواع اللبن من فروعها سبعة: حليب، ومخيض، ومضروب وجبن وزبد وسمن وأقط، والصور الحاصلة من بيع الأنواع ببعضها أو غيرها بعد إسقاط المكرر ثمان وعشرون صورة، فبيع كل واحد بنوعه متماثلا يدا بيد جائز فهذه سبع صور. ويجوز بيع الحليب والزبد والسمن والجبن بواحد من المخيض والمضروب متماثلا، وهذه ثمان صور، ويجوز بيع المخيض بالمضروب متماثلا فصارت الصور الجائزة ست عشرة، وبقي ثلاث مختلف فيها وهي بيع الأقط بالمخيض والمضروب

وبيع الجبن بالأقط فتصير الصور الجائزة خلافا وفاقا تسع عشرة صورة، والصور الباقية ممنوعة، وهي بيع الحليب بالزبد وبالسمن وبالجبن وبالأقط وبيع الزبد بما بعده وبيع السمن بما بعده وبيع الجبن بالأقطالثاني: ما قدمناه من إيهام جواز بيع اللبن بالسمن أو الجبن لاختلاف الصنفية مبني على أن المراد بالصنف الجنس أو النوع، وأما لو أريد بالصنف حقيقته، وهو ما كان أخص من الجنس والنوع فلا يأتي الإيهام المذكور، ؛ لأن اختلاف الصنف لا يقتضي جواز بيع صنف بآخر، وإنما المقتضى اختلاف الجنس ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم" 1 ولم يقل الأصناف، ومحصل الجواب الاختلاف المجوز ببيع الشيء بغيره متفاضلا للاختلاف في الجنس أو النوع، أو أن المراد بالجواز الذي يوهمه كلام المصنف الجواز في الجملة؛ لأنه يجوز في بيع السمن بالجبن الذي أخرج زبدة، وليس المراد جواز كل الصور الواقع فيها الاختلاف فافهمثم شرع في بياعات نهى عنها الشارع بقوله: "ومن ابتاع طعاما" أو أخذه عوضا عن عمل ولو كرزق قاض أو بعض الجند أو أخذ صداقا أو أرض جناية "فلا يجوز" له "بيعه قبل أن يستوفيه" بكيله أو وزنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله" 2 وفي رواية: "حتى يستوفيه" 3 وفي رواية: "حتى يقبضه" 4. واختلف في وجه الحرمة فقيل تعبدي وقيل معلل بأن غرض الشارع سهولة الوصول إلى الطعام؛ ليتوصل إليه القوي والضعيف، ولو جاز قبل قبضه لربما أخفي بإمكان شرائه من مالكيه، وبيعه خفية فلم يتوصل إليه الفقير، ولأجل نفع نحو الكيال والحمال، ومفهوم ابتاع طعاما أن غيره من حيوان أو عرض يجوز بيعه قبل قبضهقال خليل: وجاز البيع قبل القبض إلا مطلق طعام المعاوضة ولو كرزق قاض"تنبيه" علم مما قررنا من دخول رزق القضاة في طعام المعاوضة؛ لأنه في مقابلة عمل حكم ما يؤخذ من الشون لا في مقابلة عمل مما أصله صدقة لنحو الفقراء، واستمر جاريا إلى هذا الزمن ينتقل من قوم إلى آخرين أنه يجوز بيعه قبل قبضه؛ لأنه ليس من طعام المعاوضة بل
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، حديث "1587"، واللفظ له، وتقدم برقم "51"2 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب: بيع المبيع قبل القبض، حديث "1526"3 أخرجه أحمد "2/22"، حديث "4736"4 أخرجه أحمد "2/46"، حديث "5064".

هو صدقة، والطعام المتصدق به يجوز للمتصدق عليه بيعه قبل قبضه. ولما كان عدم جواز بيع طعام المعاوضة قبل قبضه مشروطا بكونه أخذ بكيل قال: "إذا كان شراؤه ذلك" الطعام "على كيل أو وزن أو عدد" ، وهذا القيد من بيان المتفقهين؛ لأن النهي إنما ورد عن بيع الطعام قبل قبضه، والقبض لا يلزم منه الكيل ولا الوزن ولا العدد"بخلاف" المشترى لا على المكيل بل على وجه "الجزاف" فإنه يجوز بيعه قبل قبضهقال خليل: وجاز بالعقد جزاف؛ لأنه يدخل في ضمان المشتري بمجرد العقد، وأما ما لا ينتقل من ضمان البائع إلا بقبضه فإنه كالمشترى على الكيل في حرمة بيعه قبل قبضه، كلبن شاة اشتري جزافا، أو ثمرة غائبة اشتريت على الصفة جزافا. قاله ابن القاسم. وأشار إليه خليل بالعطف على قوله: أخذ بكيل بقوله: أو كلبن شاة. قال بعض شراحه: أي أو كان كلبن شاة، وكأن قال: أخذ بكيل حقيقة أو حكما، كأن يسلم في لبن شاة أو شياه معينات بشروط للجواز، وهي ثلاثة: كون المأخوذ منها معينة، وكثرة الشياه عند البائع بحيث إذا تعذر أخذ اللبن من هذه يؤخذ من غيرها، ومعرفة قدر حلابها، وأما لو اشترى لبنا كيلا في كل يوم كأن يشتري منه كل يوم في إبان اللبن رطلا أو أكثر من اللبن فذلك جائز، ولا يشترط كثرة الشياه عند البائع، فقول المصنف: بخلاف الجزاف مخرج مما قبله فهو مخالف له في الحكم، بشرط انتقال الضمان إلى المشتري؛ لأنه بصدد بيان الجائز والممنوع، فقول التتائي نقلا عن ابن عمر: إنه ليس مخالفا لما قبله في الحكم فيه نظر، بل هو مخالف له على الوجه الذي ذكرنا، فتلخص أن الجزاف على قسمين: قسم كالمكيل يحرم بيعه قبل قبضه، وقسم يجوز بيعه قبل قبضه كالموهوب والمتصدق، بل هو ما يدخل في ضمان مشتريه بمجرد العقد، بخلاف الأول لا يدخل في ضمان مشتريه إلا بقبضهولما كان يتوهم حمل الطعام السابق على خصوص الربوي قال: "وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب" يحرم بيعه قبل قبضه، ولو مما يدخله ربا الفضل، وما أحسن قول خليل على طريق الاستثناء من قوله: وجاز البيع قبل القبض إلا مطلق طعام المعاوضة ربويا كان أو غيره، كالفواكه ونحوها مما لا يدخله ربا الفضل بقرينة الاستثناء الذي هو معيار العموم بقوله: "إلا الماء وحده" فإنه يجوز بيعه قبل قبضه؛ لأنه ليس بطعام بدليل جواز بيعه بالطعام إلى أجل، كما لو مر ولو كان ماء زمزم، وإن قال فيه ابن شعبان: إنه طعام فإنه مؤول. "و" إلا "ما يكون من" أنواع "الأدوية" كالصبر والحلبة على القول بأنها دواء. "و" إلا "الزراريع" جمع زريعة "التي"

شأنها أن "لا يعتصر منها زيت" بل تؤكل على حالها كحب الفجل الأبيض وحب السلق والجزر واللفت وحب البصل، وزاد بعض ما يعتصر منه زيت للوقود كبذر الكتان. "فلا يدخل ذلك" المذكور من الماء، وما بعده "فيما يحرم من بيع الطعام بل قبضه و" لا يدخل فيما يحرم "التفاضل في الجنس الواحد منه" بل يجوز بيعها قبل قبضها، ويجوز التفاضل في الجنس الواحد منها؛ لأن هذه المذكورات ليست من مطلق الطعام، وقولنا شأنها أن لا يعتصر منها زيت للاحتراز عن نحو الزيتون وحب السمسم المعروف بالجلجلان والقرطم، ومصلحات الطعام كالحبة السوداء فإنها من الطعام حكماقال خليل: ومصلحه كملح وبصل وثوم وتابل كفلفل وكزبرة وأنيسون وشمار وكمونين. قال شراحه: أي أن مصلح الطعام كالطعام، والحاصل أن الزراريع أربعة أقسام: ما لا يعتصر منه زيت ويؤكل حبا، وما يعصر منه شيء لغير الأكل، وهذان القسمان يجوز بيعهما قبل قبضهما، وهما كلام المصنف، وقسمان لا يجوز بيعهما قبل قبضهما، وهما: ما يعصر منه شيء يؤكل كالجلجلان ونحوه، وما لا يعصر منه ويؤكل على حاله كالحبة السوداء أو الشمر والكمون وغير ذلك مما هو مصلح للطعامثم بين مفهوم ابتاع الذي هو طعام المعاوضة بقوله: "ولا بأس ببيع طعام القرض قبل أن يستوفيه" بالبناء للمفعول والنائب ضمير الطعام والمعنى: أنه يجوز لمن اقترض طعاما من شخص لم يشتره أو اشتراه وقبضه أن يبيعه قبل قبضه من مقرضه، ومثله المملوك من نحو صدقة ولو اقترضه على الكيل، وكما يجوز للمقترض بيعه قبل قبضه يجوز له دفعه وفاء عن قرض في ذمته، وقيدنا بكون القرض من غير مشتر لم يقبضه للاحتراز عمن اشترى طعاما ولم يقبضه ثم أقرضه لغيره فإنه لا يجوز لذلك المقترض بيعه قبل قبضه، ويجري هذا القيد في الطعام المتصدق به والموهوب، فشرط جواز بيعه قبل قبضه أن لا يكون من مشتر لم يقبضه لما يلزم عليه من توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض"تنبيه" إذا قلنا: يجوز بيع طعام القرض قبل قبضه فيجوز؛ لأنه للمقترض أن يبيعه من المقرض، ومن غيره، لكن إن باعه للمقرض يجوز بكل شيء إذا حصل نقد الثمن، وأما لو باعه إلى أجل فلا يجوز؛ لأنه فسخ دين في دين، فإن باعه المقترض لأجنبي فيجوز بكل شيء أيضا إذا كان نقدا، وأما لأجل فلا يجوز؛ لأن فيه بيع الدين بالدين هكذا قال الشاذلي، وحاصل كلام الشاذلي أنه يجوز بيعه من غير أجل سواء باعه بعرض أو غيره، ويمتنع إلى أجل سواء باعه لقرضه أو غيره.

وفي الأجهوري في شرح خليل ما يخالف ذلك فإنه قال: كلام المصنف شامل لما إذا باعه لأجنبي أو لمقرضه، وهذا ظاهر إذا باعه لهما بغير طعام مطلقا، وإلا امتنع لما فيه من بيع طعام بطعام لأجل، وإذا باعه لمقرضه فلا بد من قيد آخر، وهو أن يكون أجل القرض إلى أجل السلم أو أكثر، فلا يجوز شراؤه بطعام مطلقا أي ولو لأجل السلم لربا النساء، ولا بيعه لمقرضه بنقد أو عرض حيث كان أجل القرض أقل من أجل السلم؛ لأن القرض يعد لغوا. قال الأمر إلى أن المقرض دفع نقدا أو عرضا في طعام مثل القرض قدرا وصفة يأخذه بعد أجل القرض، وهذا سلم، فيشترط في أجل القرض أن يكون قدر أجل السلم أو أكثر كلامه، وتلخص من كلام الشيخين أنه يجوز بيع طعام القرض قبل قبضه على الحلول مطلقا أي للمقترض أو غيره ولو بطعام، ولا يجوز إلى أجل على كلام الشاذلي مطلقا، وأما على كلام الأجهوري فلا يمتنع إلا بالطعام مطلقا أو بغيره، حيث كان البيع لمقرضه وكان الأجل أقل من أجل السلم، إلا إن كان لأجنبي مطلقا أو للمقرض إلى قدر أو أكثر من أجل السلم فيجوز، وانظر الراجح من الكلامينولما وقع في حديث النهي الآتي عن بيع الطعام قبل قبضه استثناء التولية والشركة والإقالة أشار إليها بقوله: "ولا بأس بالشركة" في طعام المعاوضة قبل قبضه، وحقيقة الشركة هنا جعل مشتر قدرا لغير بائعه باختياره مما اشتراه لنفسه بما نابه من ثمنه. "و" كذلك التولية لا بأس بها في طعام المعاوضة قبل قبضه، وحقيقتها أن يجعل الطعام الذي اشتراه لغير بائعه بثمنه، وهي في الطعام غير جزاف قبل كيله رخصة، فمن اشترى حصة من الطعام على الطعام على الكيل يجوز له أن يدفعها لغيره بثمنها. "و" كذلك "الإقالة" لا بأس بها كالشركة والتولية "في" جميع "الطعام المكيل قبل قبضه" ، وإنما جازت تلك المذكورات في طعام المعاوضة قبل قبضه لشبهها بالقرض في المعروف لخبر أبي داود وغيره عنه عليه الصلاة والسلام: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شركة وتولية، وإقالة" ، وهي ترك المبيع لبائعه بثمنه، لكن شرط أهل المذهب لجواز الإقالة من طعام المعاوضة قبل قبضه أن تقع من جميعه، وأما لو وقعت الإقالة من بعضه فلا تجوز إلا إذا كان رأس المال عرضا يعرف بعينه مطلقا أو كان عينيا، أو طعاما لم يقبض أو قبض ولم يغب عليه أو غاب غيبة لم يمكن الانتفاع به فيها، وأما لو غاب به غيبة يمكنه الانتفاع به فيها لم تجز من البعض والطعام وغيره في ذلك سواء، ومفهوم المكيل وقبل قبضه جواز الإقالة من الجميع المشترى جزافا أو مكيلا بعد قبضه بالأولى، وشرطوا لجواز التولية والشركة أن يستوي عقداهما فيهما حلولا وتأجيلا وفي رأس المال، وأن لا

يشترط المشرك بكسر الراء على المشرك بفتحها أن ينقد عنه. قال خليل بعد قوله، وإقالة من الجميع وتولية وشركة: إن لم يكن على أن ينقد عنك واستوى عقداهما فيها، وإلا فبيع كغيره فلا يجوز شيء منهما إلا بعد القبض، وبقي شرط ثالث في التولية والشركة، وهو أن يكون رأس المال عينا، وأما لو كان غيرها فلا يجوز شيء منهما قبل قبض الطعام، خلافا لأشهب في القرض المثلي، راجع شراح خليل"تنبيهان" الأول: علم مما قررنا، ومن كلام خليل أن لا بأس في كلامه بمعنى الإباحة، سواء كان الطالب لما ذكر الآخذ أو المأخوذ منهالثاني: إذا قال الطالب للشركة للمشترك له: أشركني فإن سمى له جزءا معلوما فلا إشكال، وأما لو أطلق له فإنه يستحق معه النصف، وأما لو كان المسئول اثنين فإن سألهما مجتمعين أو منفردين، وكان السؤال بلفظ أشركاني واستوت أنصباؤهما فله الثلث، وأما لو اختلفت أو قال لكل واحد منفرد عن غيره: أشركني فله نصف حصة كل واحدثم شرع في الكلام عن العقود الفاسدة بقوله: "وكل عقد بيع" ، وهو ما تملك به الذات وقد مر حده "و" عقد "إجارة" ، وهو العقد على منفعة العاقل غالبا "أو" عقد "كراء" ، وهو ما تملك به منفعة الدواب والدور وقد وقع متلبسا "بخطر أو غرر" تفسير الخطر وحقيقة الغرر كما قال ابن عرفة: ما شك في حصول عوضيه أو المقصود منه غالبا، والغرر حرام سواء كان "في ثمن" ، وهو ما يدفعه المشتري "أو" في "مثمون" ، وهو ما يدفعه البائع، والمراد أحد العوضين أو هما كان العقد بيعا أو غيره. "و" كان الخطر في "أجل فلا يجوز" والأصل فيما لا يجوز الفساد؛ لأن شرط صحة عقد البيع أو غيره العلم بالمعقود عليه عوضا، ومعوضا، والأصل المعقود عليه له حصة من العوض، فلا بد من علم ابتدائه وانتهائه بقوله: فلا يجوز خبر كل الواقع مبتدأ، وقرن بالفاء لما في كل من العموم فاكتسى شبها لما شرط. مثال الغرر في الثمن أن يشتري سلعة معينة بعبد آبق أو بما في يده أو صندوقه، والبائع لا يعلم ذلك. ومثال الغرر في المثمون أن يكون المبيع عبدا آبقا أو دابة في السباق1، ولو مباحة الأكل أو مشرفة، وهي
ـــــــ
1 السباق لغة: مصدر سابق إلى الشيء سبقه وسباقا، أسرع إليه. السبق: التقدم في الجري، وفي كل شيء، تقول: له في كل أمر سبقة، وسابقة في هذا الأمر: إذا سبق الناس إليه. يقال: تسابقوا إلى كذا واستبقوا إليه. والسبق - بالتحريك -: ما يتراهن عليه المتسابقون في الخيل والإبل وفي النضال فمن سبق أخذه. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن معناه في اللغةوالرهان: قال في المصباح: راهنت فلانا على كذا رهانا - من باب قاتل - وتراهن القوم: اخرج كل واحد رهناً ليفوز السابق بالجميع إذا غلب. والرهان: المخاطرة، والمسابقة على الخيل. الموسوعة "24/123".

محرمة الأكل. ومثال الغرر في الأجل في البيع أن يشتري سلعة بثمن إلى اليسار أو حتى يقدم زيد، ثم أكد ما سبق بقوله: "ولا يجوز بيع الغرر" قال خليل: كبيعها بقيمتها أو على حكمه أو حكم غير أو رضاه. "ولا بيع شيء مجهول" كبيعه ما في صندوقه أو ما في يده أو غيره مما لا يعلمه المشتري أو البائع. "ولا" البيع "إلى أجل مجهول" كأبيعك هذه السلعة، والثمن من أولادها أو حتى يحصل اليسار"تنبيهات" الأول: لم يبين المصنف الحكم إذا وقع العقد ملتبسا بغرر وحكمه الفسخ قبل الفوات، فإن حصل الفوات بتغير الذات في البيع أو استوفيت المنافع في الإجارة والكراء فالواجب في البيع غرم قيمة السلعة حيث اتفق على الفساد أو الثمن عند اختلافه، والواجب في المنافع أجرة أو كراء المثلالثاني: يستثنى من الغرر ما قل، قال خليل: واغتفر غرر يسير للحاجة لم يقصد كأساس الدار المبيعة وكالجبة المحشوة، وأما السمك في الماء أو الطير في الهواء فممتنع إجماعا وأما بيع السلعة بقيمتها أو بما يحكم به فلان ففيه خلاف، والراجح فيه عدم الجواز، وقيد خليل الغرر اليسير بعدم قصده للاحتراز عن اليسير الذي يقصد لشراء الحيوان بشرط حمله، حيث كان حمله يزيد في ثمنه وذلك في الحيوان البهيمي فإنه غير جائزالثالث: إنما أشار المصنف إلى هذه الكلية لينبه على أن شرط البيع علم المعقود عليه لكل من المتعاقدين، وإلا وقع فاسدا حيث وقع العقد على اللزوم، وأما لو وقع على خيار المشتري عند رؤيته للمعقود عليه فإنه يجوز، ولو لم يذكر البائع، ولا غيره نوع المعقود عليه، كما نبه عليه خليل بقوله: وغائب ولو بلا وصف على خياره بالرؤية. "و" كذا "لا يجوز في البيوع التدليس" ، وهو كتمان عيب السلعة عن المشتري وقت العقد مع ذكره. "ولا" يجوز فيها "الغش" ، وهو أن يحدث في السلعة ما يوهم زيادتها أو جودتها، كخلط اللبن بالماء، وكسقي الحيوان عند بيعه ليوهم أنه سمين، وكتطرير الكتاب ليوهم أنه مقابل أو مقروء. "ولا" يجوز في البيوع أيضا "الخلابة" بكسر الخاء المعجمة واللام المفتوحة المخففة، وهي الكذب في ثمنها إما بلفظ أو كناية. "ولا الخديعة" بأن يفعل صاحب السلعة مع مريد الشراء ما يوجب الاستحياء منه، كأن يجلسه عنده ويحضر له شيئا من المأكول أو المشروب أو غير ذلك. "ولا كتمان

العيوب" ؛ لأنه تدليس، وهو حرام. "ولا" يجوز لمريد البيع أيضا "خلط دنيء" من طعام أو شراب أو عروض بجيد فإن هذا من الغش، ولذلك كان الأنسب لمقام الاختصار حذف قوله: ولا كتمان العيوب؛ لأنه عين التدليس الذي قدمه، وما بعده؛ لأنه مكرره مع ما قبله، إلا أن يقال: إنه أراد بقوله: ولا كتمان العيوب تفسير التدليس، وبقوله: ولا خلط دنيء بجيد تفسير الغش، ولعل هذا هو المتعين، والله أعلم"تنبيه" لم يعلم من كلام المصنف حكم البيع الواقع فيه ما ذكر، ومحصله: أن المشتري يلزمه الأقل من الثمن والقيمة عند فوات السلعة في الغش والخلابة والخديعة، سواء كان البيع مرابحة أو غيرها، وأما في التدليس بالعيوب فيرجع المشتري بأرش العيبقال خليل: والمخرج عن المقصود مفيت فالأرش، وأما عند قيام السلعة فالخيار للمشتري بين التماسك بالسلعة بجميع الثمن، ولا شيء في نظير العيب؛ لأن خبرته تنفي ضرره مع قيامها بحالها من غير حدوث شيء فيها عند المشتري، كما يأتي ذلك في كلام المصنف والرد"فرعان" لو باع شخص حجرا ثم تبين أنه جوهر أو ذهب، فإن اشتراه مع النداء عليه باسمه العام فلا يرد، ومن باب أولى إذا لم يسم بل وقع البيع على رؤية ذاته، وأما إن باعه باسم غيره كأبيعك هذه الزجاجة فيجدها المشتري ياقوتة لم يلزم البائع اتفاقاقال خليل: ولم أره يغلط إن سمى باسمه ولا يعين ولو خالف العادة حيث كان البائع مالكا رشيدا لا إن كان وكيلا أو وصياالفرع الثاني: فلو اشترى شخص سمكة فوجد في بطنها سمكة أخرى فإنهما يكونان للمشتري حيث اشتراهما بالوزن، وإلا كانت الثانية للبائع، وأما لو وجد في بطنها جوهرة أو نحوها فقيل للمشتري وقيل للبائع، ومحل الخلاف لم يكن عليها علامة الملك، وإلا كانت لقطة، وأما الخرزة البدنية فهي للمشتري اتفاقاثم شرع في بيان ما هو أخص مما يجب بيانه على البائع بقوله: "ولا" يجوز لمريد البيع مرابحة أو مساومة "أن يكتم من أمر سلعته ما" أي الأمر الذي "إذا ذكره" البائع "كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له" أي للمبيع "في الثمن" لاقتضائه نقصهقال خليل: ووجب تبيين ما يكره كثوب الأجذم أو الأجرب أو الميت والمشتري بدوي، ومفهومه أن ما لا يكرهه المبتاع لا يجب بيانه، وإن كرهه غيره، فلو وقع وكتم البائع شيئا مما

يجب عليه بيانه فالحكم أن الخيار للمشتري مع قيام السلعة، ومع الفوات يلزمه الأقل من الثمن والقيمة بناء على أن الكتمان لما يجب بيانه من الغشقال ابن ناجي: وأخذ من كلام المصنف وغيره أيضا حرمة الشراء بدراهم الكيمياء؛ لأن من علم بها يكرهها ولو أخبر بعدم تغيرها، ولا يمكنه أن يتصرف فيها مع خوفه على نفسه عند البيان، ونص ابن عبد السلام على تجريح المشتغل بمطلق علم الكيمياء، وأفتى أبو الحسن المنتصر بمنع إمامة المشتغل بها، والدليل على ما ذكر ما ذكره مسلم وغيره من: أنه صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلة فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابه الماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا" 1 أي ليس على سنتنا، ؛ لأن المسلم لا يكفر بفعل المحرم إلا إذا استحله، ويجب على الإمام أن يعزر من فعلها، كما يجب عليه تعزيره لكل معصيةثم شرع يتكلم على حكم من اشترى سلعة ودلس عليه بائعها بعيبها بقوله: "ومن ابتاع" أي اشترى "عبدا" أو غيره وقبضه "فوجد به عيبا قديما" لم يطلع عليه المشتري حين العقد، ومثل القديم الحادث في زمن خيار التروي، والعادة السلامة منه كالإباق والجذامقال خليل: ورد بما العادة السلامة منه. "فله أن يحبسه ولا شيء له" على البائع في نظير العيب "أو يرده ويأخذ ثمنه" إلا أن يطلع على العيب ويسكت، أو يأتي بما يدل على رضاه به كركوب الدابة واستخدام العبد فليس له رده، والدليل على ما قاله المصنف قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصروا الغنم" وفي رواية "-الإبل-، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر" 2 والتصرية ترك الحلاب حتى يعظم الضرع ويتوهم المشتري كثرة اللبن، وهذا إشارة إلى خيار النقيصة، وعرفه ابن عرفة بقوله: لقب لتمكين المبتاع من رد مبيعه على بائعه لنقصه عن حالة بيع عليها غير قلة كمية قبل ضمانه مبتاعه، فقوله: لنقصه أخرج به ما إذا أقاله البائع من المبيع فإن له رده على بائعه، وقوله: غير قلة كمية صفة لحالة أخرج به صورة استحقاق الجل من يد المشتري، وقوله: قبل ضمانه متعلق
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا" ، حديث "102"، والترمذي، حديث "1315"2 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر، حديث "2148"، واحمد "2/446"، حديث "1028".

بالنقص وضمان فاعل بالمصدر، وهو لفظ ضمانه، ولم يقل قبل بيعه ليدخل في ذلك العيب الذي يحدث في السلعة بعد البيع، وفي مدة ضمان البائع كالحادث في المبيع الغائب قبل قبضه، وفي الأمة زمن مواضعتها، فإن حكم هذا حكم الموجود قبل العقد في ثبوت الرد به للمشتريقال العلامة خليل: ورد بعدم مشروط فيه غرض كثيب ليمين فيجدها بكرا، وسواء كان الشرط صريحا أو بمناداة، وبما العادة السلامة منه كعور وقطع ولو أنملة، وخصاء واستحاضة ورفع حيضة استبراء وعسر وزنى وشرب وبخر وزعر، وزيادة سن وظفر وعجر وبجر والدين أو والد لا أخ ولا جد، وجذام أب أو جنونه بطبع لا بمس جن، وكرهص وعثر وحران وعدم حمل معتاد، وكالدين وتقويس الذراعين، وقلة الأكل في الحيوان البهيمي، أو العاقل إذا كان ينقص عمله بسبب قلة أكله. وأما كثرة الأكل فليست عيبا في الحيوان البهيمي، وأما في العبد والأمة فيظهر أنها عيب حيث خرجت عن المعتاد، كما يؤخذ من تخيير من استأجر رجلا بأكله فيوجد أكولا"تنبيهان" الأول: الرد بالعيب ثابت في القليل كالكثير إلا في الدور وغيرها من العقارات فلا رد فيها بالقليل ولا المتوسط، وإنما يجب للمشتري الرجوع بأرض المتوسط، وأما الكثير كالكائن بوجهتها مما ينقص ثمنها فإن للمشتري الرد به أو التماسك ولا شيء له، فعيوبها ثلاثة: كثير فيه الرد ولا أرش له إن تماسك، والمتوسط له الأرش ولا رد له، والقليل جدا لا رد ولا أرش، هكذا قال ابن أبي زيد في غير هذا الكتاب، وفرق أهل المذهب بين الدور وغيرها بأن غيرها قد يراد منه التجارةالثاني: محل الرد بالعيب المذكور أن يكون من العيوب التي يمكن الاطلاع عليها من غير تغيير ذات المبيع كالعيوب التي ذكرناها في كلام خليل، وأما ما يمكن الاطلاع عليه لا بتغير ذات المبيع كسوس الخشب والجوز، ومرارة نحو القثاء، وعدم حلاوة نحو البطيخ، فلا رد للمشتري به إلا لشرط أو عادة على ما استظهره خليل في توضيحه، ومحله أيضا أن لا يتغير عند المشتري لقول خليل: ورد إن لم يتغير، وأما لو تغير عنده قبل اطلاعه على العيب فتغيره على ثلاثة أقسام: متوسط، ومخرج عن المقصود كهرم الدابة وقطع الشفة قطعا غير معتاد، وقليل جدا، وأشار إلى المتوسط بقوله: "إلا أن يدخله" أي المبيع "عنده عيب مفسد" أي ينقص ثمنه ولم يخرجه عن المقصود منه، وهو المتوسط، كعجف الدابة أو سمنها سمنا بينا خارجا عن

العادة بحيث لا تلحق غيرها، أو عمى أو شلل أو تزويج الأمة. "فله" أي المشتري الخيار في "أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن" ولا يرد المبيع "أو يرده" أي المبيع على بائعه "ويرد ما نقصه العيب" الحادث "عنده" ، وهذا التخيير ثابت للمشتري، سواء كان البائع مدلسا أو غير مدلسقال خليل بعد قوله: ورد إن لم يتغير وتغير المبيع إن توسط فله أخذ القديم ورده ودفع الحادث وقوما بتقويم المبيع يوم ضمان المشتري، فيقوم سالما من العيبين بعشرة مثلا، وبالقديم بثمانية، وبالحادث بستة، فإن رد دفع للبائع اثنين، وإن تماسك أخذ اثنين، وإن زاد الثمن أو نقص فبنسبة ذلك منه. والحاصل أن أرش العيب القديم ينسب إلى ثمنه سليما من العيبين، وأرش الحادث ينسب إلى ثمنه معيبا بالقديم، ومحل هذا التخيير ما لم يقبله البائع بالحادث، وإلا نزل الحادث عند المشتري بمنزلة العدم، فيخير المبتاع بين أن يتماسك ولا شيء له في القديم، أو يرد ولا شيء عليه في الحادثقال خليل: إلا أن يقبله بالحادث أو يقل فكالعدم، وفسرنا المفسد بالنقص للثمن؛ لأن المخرج عن المقصود من المبيع مفوت للرد، وموجب للمشتري الرجوع بأرش القديمقال خليل: والمخرج عن المقصد مفيت فالأرش فيقوم سليم من كل عيب؛ لأنه اشتراه على وجه أنه سالم، فإذا قيل: قيمته عشرة، يقال: وما قيمته معيبا بالقديم، فإذا قيل: ثمانية فإنه يرجع من الثمن بنسبة ما نقصته الثمانية عن العشرة، وهو الخمس، فإذا كان الثمن خمسة عشر رجع بثلاثة، وإذا كان الثمن مائة رجع بعشرين، وهكذا، وأما القليل جدا فكالعدم كوعك ورمد وصداع وذهاب ظفر"تنبيه". كلام المصنف في العيب الذي ثبت أنه قديم، وأما لو حصل التنازع في عدم عيب أو حدوثه أو تنازعا في وجود عيب، مثله يخفى، وعدم وجوده، فالحكم في هذا الثاني قبول قول البائع؛ لأن الأصل السلامة ولا يمين عليه، وأما في الأول فالقول للبائع إلا بشهادة عادة للمشتري، ومعنى شهادة العادة أن تقول أهل المعرفة إنه حادث معتمدة في شهادتها على العادة، وكل من قطعت أهل المعرفة بكلامه فالقول قوله من غير يمين، وكل من رجحت قوله فالقول قوله بيمين، وعند الإشكال عليها القول للبائع، وإلى هذا كله الإشارة بقول خليل: والقول للبائع في العيب أو قدمه إلا بشهادة عادة للمشتري، وحلف من لم تقطع بصدقه ويمينه بعته، وما هو به، وتكون بنافي الظاهر وعلى نفي العلم في الخفي. وما كان الرد بالعيب قد

يكون بعد اغتلال المشتري، نبه المصنف على من يستحق العلة بقوله: "وإن رد المبتاع عبدا" مثلا "بعيب قديم، و" الحال أنه كان "قد استغله" قبل اطلاعه على العيب ورضاه أو في زمن الخصام "فله غلته" إلى حين فسخ البيع برد المبيعقال خليل: والغلة له للفسخ، والمراد الغلة التي لا يكون استيفاؤها دالا على الرضا بالسلعة المعيبة، وهي التي تنشأ عن غير تحريك كلبن وصوف، أو عن تحريك واستوفاها قبل الاطلاع على العيب أو بعده حيث لا يكون استيفاؤها منقصا كسكنى الدار في زمن الخصام، وما عدا ذلك فالغلة له من غير غاية؛ لدلالتها على الرضا فلا فسخ له بعد استيفائها كركوب الدابة واستخدام الرقيق المنقصين له، وإن كانت الغلة للمشتري حتى يرد السلعة؛ لأن ضمانها قبل الرد منه، ومثل الرد بالعيب بالفساد وبالاستحقاق وأخذها بالشفعة أو بالفلس، وهذا في الغلة غير الثمرة التي لم تكن مؤبرة يوم الشراء. وكذا فيها إن فارقت الأصول قبل ردها، وأما لو كانت باقية على أصولها فيفصل فيها بين الرد بالعيب أو الفساد فاز بها المشتري إن كانت أزهتوأما في الشفعة والاستحقاق فيفوز بها إن يبست، وأما لو ردت بتفليس فترد ولا يفوز بها المشتري إلا بجدها، وإنما قيدنا بالتي لم تكن مؤبرة يوم الشراء؛ لأن المؤبرة يوم الشراء كالولد والصوف التام ليست بغلة، والأصل في ذلك ما في حديث الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخراج بالضمان" 1 قال عليه الصلاة والسلام فيمن ابتاع غلاما وأقام عنده مدة ثم أراد أن يرده وجاء به إلى الرسول ليرده على صاحبه فقال صاحبه: يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان" 2 ونص خليل على ما تخرج به السلعة من ضمان المشتري وتدخل في ضمان البائع بقوله: ودخلت في ضمان البائع إن رضي بالقبض ولو لم يقبضها بالفعل ولا مضي زمن يمكن قبضها فيه أو ثبت موجب الرد عند الحاكم، وإن لم يحكم بالرد، وهذا إذا كان البائع حاضرا، وأما لو كان غائبا فلا تنتقل إلى ضمانه إلا بالحكم
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب: فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيبا، حديث "3508"، وابن ماجه، حديث "2243"، وأحمد "6/49"، حديث "24270"، وصححه الألباني "الإرواء 5/273"2 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب: فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيبا، حديث "3508"، وابن ماجه، حديث "2243"، وأحمد، "6/49"، حديث "24270"، وصححه الألباني "الإرواء 5/273".

عليه بالردولما فرغ من الكلام على الرد بالعيب القديم ويسمى خيار النقيضة، شرع في خيار التروي، وهو كما قال ابن عرفة: بيع وقف بته أولا على إمضاء يتوقع فيخرج البيع اللازم ابتداء ولكن يؤول إلى خيار بعد الاطلاع على العيب فهذا لم يتوقف بته أولا ويسمى خيار النقيصة، وقد بينا حقيقته عن ابن عرفة فيما سبق بقوله "والبيع" المدخول فيه "على الخيار" للبائع أو المشتري أو أجنبي "جائز" ليتروى في أخذ السلعة أو ردها، والدليل على جوازه ما في الموطإ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" 1 والإجماع على جوازه، والحديث حجة على من شذ بمنعه، وخيار التروي عندنا إنما يكون بالشرط كما قال خليل: إنما الخيار بشرط أو عادة؛ لأنها عند مالك كالشرط بالمجلس فإنه غير معمول به عندنا، وعند أبي حنيفة، وهو قول الفقهاء السبعة، وقيل: إلا ابن المسيب، وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وابن حبيب من أصحابنا: بأن التروي يكون بالمجلس، وسبب الخلاف فهم قوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فحمله الجمهور على ظاهره من التفرق بالأبدان من المجلس، وحمله مالك على التفرق بالقول ويشهد لما قاله إمامنا رضي الله عنه ما في آخر الحديث في قوله: إلا بيع الخيار فإن المتبادر منه أن معناه إلا بيعا شرط فيه الخيار، فلا ينقضي الخيار بالمفارقة بل يبقى بيد من جعل له إلى تمام المدة المشترطة ولو تفرقا، وقال مالك في الموطإ بعد ذكره حديث: "المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا" والعمل عنه على خلافه، وإنما قدم مالك العمل على الحديث الصحيح؛ لأنه خبر آحاد، وعمل أهل المدينة كالخبر المتواتروأشار إلى شرط الجواز بقوله: "إذا ضربا لذلك أجلا" والمعنى: أن الخيار لأحد المتبايعين لا يثبت إلا بالشرط أو العادة، وأن يكون ذلك الأجل معلوما لهما ونهايته "إلى ما تختبر فيه تلك السلعة" وأشار بقوله: إلى ما تختبر فيه تلك السلعة إلى اختلاف مدته باختلاف السلع، ولذلك قال خليل بعد قوله: إنما الخيار بشرط كشهر في دار ولا يسكن وكجمعة في رقيق واستخدمه، وكثلاثة في دابة وكيوم لركوبها في البلد ولركوبها في خارجها يكفي البريد ونحوه، وكثلاثة في
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، حديث "2111"، ومسلم، كتاب البيوع، باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، حديث "1531"، وأبو داود، حديث "3454"، والترمذي، حديث "1246"، والنسائي حديث "4465".

ثوب أو سفينة أو كتاب أو غيرهما مما ليس بحيوان ولا عقار ولا رقيق. وأما نحو الدجاج والطيور وبقية الحيوانات التي لا عمل لها فالظاهر أن مدة الخيار فيها ليست كذلك لإسراع التغير لها، فتكون مدة الخيار فيها ما لا تتغير فيه، ويقاس عليها سائر الفواكه والأطعمة التي تفسد بالتأخيرففي المدونة: من اشترى شيئا من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون غيرهم في هذه الأشياء ويحتاجون إلى رأيهم فلهم من الخيار بقدر الحاجة مما لا يقع فيه تغير ولا فساد. ثم عطف على قوله إلى ما تختبر فيه السلعة قوله: "أو" إلى "ما تكون فيه المشورة" للغير حيث لا تزيد مدة المشورة على مدة الخيار المعلومة لتلك السلعة، وأفاد المصنف بهذا جواز إمضاء البيع على مشورة الغير، ولا شك أن المشورة خلاف اختبار المشتري للسلعة؛ لأن اختبارها امتحانها من جهة قلة أكلها أو عملها أو غير ذلك، وأما المشورة فتكون في الغالب لأجل الإقدام على الشراء أو عدمه، كبت البيع أو رد السلعة، واستفد مما قررنا أن زمن المشورة لو كان يتأخر عن مدة الخيار لأفسد البيعقال خليل: وفسد بشرط مشاورة بعيد أو مدة زائدة أو مجهولة أو غيبه على ما لا يعرف بعينه، ويفهم من قول خليل: وفسد بشرط إلخ أن البيع لو وقع على الخيار ولم يعينا أجلا لم يفسد المبيع، وهو كذلك ويصار إلى أجل تلك السلعة. وصرح بذلك الشاذلي أيضا، وهو ظاهر حيث كانت مدة الخيار لتلك السلعة معلومة بين المتبايعين، ولا مفهوم لقول الشاذلي: وقع على الخيار بل لو سكتا عنه وقت العقد، وكان العرف جاريا به كما عندنا في بلاد الأرياف في بيع الدواب، والعرف عند مالك كالشرط"تنبيهات" الأول: علم من كلام المصنف كخليل أن خيار التروي لا يكون إلا بالشرط أو العادة، وأنه لا يكون بالمجلس، ولم يبينا حكم ما لو شرطاهوفي الأجهوري: أن اشتراط خيار المجلس في العقد يفسده، ولي بحث فيه مع قولهم بصحة البيع المدخول فيه على مشورة شخص قريب كما في كلام المصنف، ولا يفسد العقد بمجرد جهل زمن الخيار كما يفهم من مفهوم قول خليل: وفسد بشرط مشاورة بعيد أو مدة زائدة. والذي يظهر لي عدم فساد العقد باشتراط الخيار لأحدهما ما داما في المجلس لقصر زمان المجلس عرفا عن مدة الخيار، ولا ينافيه ما عليه مالك؛ لأن غاية ما حصل منه نفي ثبوت خيار المجلس لأحد المبايعين بمقتضى المجلس، وهو لا ينافي أنهما لو شرطاه لأحدهما مدة

المجلس لعمل به وحرر الحكم في ذلك. ولا يقال: مدة الخيار محدودة بأكثر من مدة المجلس؛ لأنا نقول: المدة المذكورة في كلامهم حد لأكثره، ولذلك يفسد العقد باشتراط أكثر منها، فلا ينافي جواز اشتراط أقل منها، ألا ترى أنهما لو شرطا نفي الخيار جملة لكان لهما ذلكالثاني: لم يذكر المصنف ما يقطع الخيار ويعد بعد المختار راضيا، وبينه ابن عرفة بقوله: وقاطعه قول وفعل المازري وترك هو عدمهما، فالقول نحو رضيت، والفعل ما أشار إليه خليل بقوله: ورضي مشتر كاتب أو زوج ولو عبدا أو قصد تلذذا أو رهن أو آجر أو أسلم للصنعة أو تسوق أو جنى أو تعمد أو نظر الفرج أو عرب دابة أو ودكها، والترك كالقضاء مدة الخيار، والسلعة تحت يد من له الخيار، ولا بد من انقضاء نحو اليومين بعدها؛ لأنه لو أراد الرد بعد مدة الخيار لكان له الرد في الغد والغداءينقال خليل: ويلزم بانقضائه ورد في كالغدالثالث: لم يبين المصنف ولا خليل الذي تكون عنده السلعة زمن الخيار، ومحصله أنه إن كان الخيار لاختبار الثمن أو للتروي في إمضاء العقد وعدمه فمحل السلعة عند البائع إذا تنازعا فيمن تكون عنده، وإن كان لاختبار أكل السلعة أو عملها أو لبنها فمحلها عند المشتري، ويلزم البائع تسليمها للمشتري إن بين ذلك وقت العقد، فإن وقع العقد مطلقا من غير بيان واتفقا على الإطلاق لم يلزمه تسليمها، وإن لم يتفقا وادعى كل نقيض قصد صاحبه فسخ البيع حتى يحصل الاتفاق على شيء. ولما كانت السلعة في زمن خيار التروي على ملك بائعها لانحلال البيع قال: "ولا يجوز النقد" أي تعجيل الثمن "في" زمن "الخيار ولا في" زمن "عهدة الثلاث" ، وهي بيع الرقيق على أن ضمانه في الثلاث من بائعه ولو بالسماوي. "ولا في" زمن "المواضعة" ، وهي جعل الأمة العلية أو الوخش التي أقر بائعها بوطئها. "بشرط" في المسائل الثلاث لتردد المنقود بين السلفية والثمنية، فالعقد يفسد باشتراط نقد الثمن في هذه المسائلوظاهر كلام أهل المذهب ولو أسقطاه بل ولو لم يحصل نقد بالفعل، ولا يقال: العلة إنما تظهر مع النقد بالفعل؛ لأنا نقول: لما كان النقد بالفعل يصحب الشرط غالبا نزل غير الحاصل منزلة الحاصل، وأشار خليل إلى تلك المسائل بقوله: وفسد بشرط قد نقد كغائب وعهدة ثلاث، ومواضعة وأرض لم يؤمن ربها وجعل، وإجارة بجزء زرع وأجير تأخر شهرا، ومفهوم بشرط جواز النقد تطوعا إلا في المواضعة فإنه يمتنع فيها مطلقا، ومثلها مسائل أشار إليها خليل

بقوله، ومنع، وإن بلا شرط في مواضعه وغائب وكراء ضمن وسلم بخيار، وقوله بخيار راجع للأربع مسائل، وإنما امتنع النقد، وإن تطوعا لما يلزم عليه من فسخ ما في الذمة في مؤخر، وقول خليل: وكراء ضمن لا مفهوم له بل المضمون والمعين سواء على مذهب ابن القاسم في المدونة، فالمفهوم فيه معطل، وموضوع كلام المصنف أن المتبايعين دخلا على شرط المواضعة. وأما لو شرطا عدم المواضعة أو كان العرف جاريا بعدمها كما في بياعات مصر فلا يضر اشتراط النقد، ولكن لا يقران على ترك المواضعة، بل تنزع من يد المشتري، ويجبران على وضعها تحت يد أمينة، وأما الأمة التي لا تتواضع، وهي الوخشة التي لم يقر بائعها بوطئها فإنها تستبرأ بحيضة عند مشتريها، ولا يمتنع اشتراط النقد لثمنها، ولعل الفرق غلبة توقع حمل من تتواضع، وندرة حمل غيرها"تنبيه". علم مما تقدم في كلام المصنف وخليل ما يمتنع النقد فيه بشرط، وهو ثمان مسائل ويجوز تطوعا، ولم يذكر ما يمتنع النقد فيه مطلقا، وهو أربع مسائل وذكرها خليل بقوله: ومنع وإن بلا شرط في مواضعة وغائب وكراء ضمن وسلم بخيارثم شرع في بيان من عليه النفقة والضمان زمن الخيار بقوله: "والنفقة" والكسوة على المبيع بالخيار أو على العهدة أو المواضعة. "في ذلك" الزمن الواقع في تلك المذكورات. "والضمان" كلاهما "على البائع" ؛ لأن المبيع على ملكه في أزمنة تلك المذكوراتقال خليل في الخيار: والملك للبائع، وما يوهب للعبد سوى المستثنى ماله، والنفقة والأرش والغلة للبائع، والقاعدة أن كل من له النماء عليه التواء أي الهلاك، وقال عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان" وإنما يضمنه البائع إذا كان مما لا يغاب عليه، ولم يظهر كذب المشتري ولو لم تشهد بينة على هلاكه أو ضياعه، وكذا إن كان مما يغاب عليه كثوب أو كتاب إن شهدت بينة للمشتري على ما ادعاه من تلف أو ضياع، وإلا كان ضمانه من المشتري، فالحاصل أن ما لا يغاب عليه ضمانه من البائع حيث لم يظهر كذب المشتري ولكن لا بد من حلفه، ولو غير متهم، وصفة يمينه إن كان متهما أن يقول: لقد ضاعت في دعوى الضياع، أو تلفت في دعوى التلف، وما فرطت، وغير المتهم يكفي أن يقول ما فرطت، وأما ما يغاب عليه فيضمنه المشتري ولو حلف، ولا ينفي عنه الضمان إلا شهادة البينة"فرعان" الأول: قال البغداديون: وإذا اشترى رجلان دابتين على خيار فادعى كل واحد أنها ماتت بموضع كذا، فقال أهل ذلك الموضع: لم يمت عندنا إلا واحدة، فكل واحد منهما

مصدق ولا شيء عليه؛ لأن أحدهما صادق قطعا والآخر يضمن بالشك، وقال غير من سبق: يضمن كل واحد منهما النصف، وصوب عبد الحق القول الثاني وأن كل واحد يضمن نصف دابته ويبرأ من النصف الثانيوالفرع الثاني: لو اشترى شخص شيئا بخيار فادعى المبتاع أنه هلك في أيام الخيار وقال البائع بعد أيام الخيار، فإن القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المبتاع يتهم على إرادة نقض البيع، وهذا إن تصادقا على انقضاء أيام الخيار، وأما لو اختلفا في انقضائها فإن ادعى البائع الانقضاء والمشتري البقاء فالقول لمنكر التقضي، وهو المشتريثم شرع في بيان من تجب مواضعتها من الجواري بقوله: "وإنما" يجب أن "يتواضع" أي يوضع "للاستبراء الجارية" العلية هي "التي" تراد "للفراش في الأغلب" سواء أقر بائعها بوطئها أم لا. "أو التي أقر البائع بوطئها، وإن كانت وخشا" قال خليل: وتتواضع العلية أو وخش أقر بائعها بوطئها عند من يؤمن والشأن للنساء، وهذا معنى كلام البيان أن توضع الجارية على يد امرأة أو رجل له أهل حتى تعرف براءة رحمها من الحمل بحيضة إن كانت ممن تحيض، وبثلاثة أشهر إن كانت يائسة من الحيض لصغر أو كبر ممن يوطأ مثلها، بكرا كانت أو ثيبا، أمنت الحمل أم لا، ويندب أن تكون على يد النساء، ويجوز أن تكون على يد رجل مأمون له أهل، وينهى عن كونها على يد أحدهما نهي كراهة إن كان مأمونا، وحرمة إن كان غير مأمون، ويكتفى بامرأة على المعتمد فهي واجبة عند مالك وجميع أصحابه، وإن دخلا على إسقاطها لم يفسد البيع ولكن يجبران عليها، وإن ظهر بها حمل زمن المواضعة كان عيبا في العلية يخير المشتري في ردها والتماسك بها إن كان الحمل من غير السيد، وأما منه فهي أم ولد يفسخ بيعها، ومفهوم كلام المصنف أن الوخش التي لم يقر بائعها بوطئها لا مواضعة فيها، ولكن يجب على المشتري أن يستبرئها بحيضة قبل وطئه. ويقال له الاستبراء المجرد عن المواضعة؛ لأنها تكون في زمنه عند المشتري"تنبيه" يستثنى من قول المصنف: وإنما يتواضع إلخ ما أشار إليه خليل بقوله: ولا مواضعة في متزوجة وحامل، ومعتدة وزانية كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم يغب المشتري، وأما لو غاب المشتري على المردودة بما ذكر ففيها المواضعة، لكن على تفصيل في المردودة بالعيب والإقالة إن كان الرد بهما بعد دخولها في ضمان المشتري وجبت فيها المواضعة، وإن كان الرد بهما قبل دخولها في ضمانه فلا مواضعة"ولا تجوز البراءة من الحمل" الذي يتوقع

ظهوره في الأمة العلية بعد اشترائها "إلا حملا ظاهرا" وقت العقد فيجوزوالمعنى: أنه لا يجوز أن يبيع المالك أمة علية، ويشترط على المشتري أنه بريء من حملها بحيث لا رد له بسببه لما فيه من الغرر، وأما لو كان حملها ظاهرا وقت العقد لجاز التبري من حملها لدخول المشتري على ذلك، كما يجوز التبري من حمل الوخش ولو لم يكن ظاهرافإن قيل: ما الفرق بين العلية لا يجوز التبري من حملها غير الظاهر وبين الوخش يجوز التبري من حملها مطلقا؟ قلت: الفرق أن الحمل يضع من حمل العلية كثيرا فهو غرر وعيب، بخلاف الوخش الحمل يوجب الرغبة فيها. فإن قلت: ما الفرق بين الظاهر والخفي في العلية حيث يجوز التبري من الظاهر دون الخفي؟ فالجواب: وجود الغرر في الخفي؛ لأن المشتري يتردد في وجوده وعدمه، بخلاف الظاهر المشتري جازم بوجوده، ومحل جواز التبري من الحمل الظاهر مطلقا، والخفي في الوخش فقط أن لا يكون البائع قد وطئها ولم يستبرئها، وإلا لم يجز التبري من حملها، وهذا كله في حملها من غير سيدها لاتفاق العلماء على عدم جواز التبري من حمل يلزمه، ومحل جواز التبري من حملها الظاهر أن لا يمضي لها ستة أشهر، وإلا امتنع بيعها بالكلية؛ لأنها حامل مقرب لا يحل بيعها؛ لأنها مريضة والمحرم إذا قوي مرضه لا يجوز بيع ذاتهقال خليل: لا كمحرم أشرف إلى أن قال: وحامل مقرب، والأصل في الممنوع الفساد"تنبيهان" الأول: تكلم المصنف على حكم بيع الأمة مع التبري من حملها وسكت عن بيع الذات بشرط حملها، وأشار إليه خليل بقوله: وكحامل بشرط الحمل تشبيه في الفساد، ومحل الفساد باشتراط ذلك إذا كان اشتراطه لقصد الزيادة في الثمن؛ لكون الحمل يزيد في ثمنها، ولا فرق في ذلك بين كون الحمل ظاهرا أو خفيا؛ لأنه غرر إن لم يظهر، ومن بيع الأجنة إن كان ظاهرا، وهذا تستوي فيه الأمة والبهيمة، وأما لو كان القصد من اشتراط حملها التبري منه فلا فساد على المرتضي من الخلاف، وهذا واضح إذا صرح بالقصد أو فهم من الحال قصده، وأما بيعها بشرط الحمل ولم يصرح بقصده ولا فهم من الحال فإنه يحمل على ما يكثر قصد الناس إليه، وهو الزيادة في الثمن في الحيوان البهيمي، ويمكن جريانه في الرقيق إذا كان حمله يزيد في ثمنه، فإن كان ينقص فيه الثمن فإنه يحمل اشتراطه على قصد التبري، ومن باب أولى في عدم الجواز بيعها مع استثناء جنينها أو بيع جنينها وحدهالثاني: قول المصنف: إلا حملا ظاهرا بالنصب هذا ما في أكثر النسخ، والاستثناء متصل

على الإطلاق في الحمل، وهو الأصل في الاستثناء، وفي بعض النسخ إلا حمل بالجر على أنه بدل من الحمل المجرور بمن، وهو الأولى في المستثنى بعد النفي أو شبههولما كان التبري من عيب المبيع لا يجوز إلا في الرقيق قال: "والبراءة في الرقيق" فقط "جائزة مما لم يعلم" به "البائع" من العيوب، وهذا أحد شرطين، والشرط الثاني أن تطول إقامة الرقيق عند البائع. قال خليل عاطفا على ما يمنع الرد بالعيب: وتبري غيرهما فيه مما لم يعلم إن طالت إقامتهوالمعنى: أن من عنده رقيق طالت إقامته عنده ولم يعلم به عيبا يجوز له أن يبيعه ويتبرأ من عيوبه، بأن يشترط على مشتريه عدم رده عليه بعيب يظهر كإباق أو سرقة أو غيرهما حيث طالت إقامته عنده، بحيث لو كان به هذا العيب لظهر، فأما إن علم بعيبه أو لم تطل إقامته عنده لم يجز له التبري من عيبه، بل يجب عليه إن علم به عيبا أن يبينه للمشتريقال خليل: وإذا علمه بين أنه به ووصفه أو أراه له ولم يحمله فالظاهر كالعور والقطع يريه له، ونحو الإباق والسرقة يصفه وصفا شافيا بعد بيان أنه به بأن يقول له: يأبق أو يسرق وبعد ذلك يفصل له بأن يقول: أبق عندي مرتين أو ثلاثا أو سرق مرارا الأمر الفلاني كذا؛ لأن المشتري ربما يغتفر سرقة نحو الرغيف، ولا يكفي الإجمال بأن يقول فيه جميع العيوب، ووقع التردد فيما إذا قال: إنه سارق واقتصر على ذلك فهل ينفعه في البراءة من يسير السرقة دون المتفاحش وعليه البساطي والنقل يوافقه أو لا ينفعه ذلك ولا في اليسير؛ لأنه من باب الإجمال، وعليه بعض المعاصرين له، والظاهر الرجوع لأهل المعرفة في اليسير والكثير"تنبيهان" الأول: إنما قيدنا بفقط كما هو المفهوم من كلام المصنف؛ لأن التبري من العيوب إنما يصح في الأرقاء فقط؛ لأن الرقيق يمكنه التحيل بكتم عيوبه أو بعضها بخلاف غيره لا يتأتى منه تحيل، فلذا لا يجوز لبائع نحو الجمل أو الثور أو الحمار التبري من عيبه، بل متى ما ظهر به عيب وثبت قدمه عند البائع ولم يعلم به المشتري عند العقد ثبت له الخيار في رده ولو تبرأ منه البائع، كما لا يجوز التبري من عيوب الرقيق الذي لم تطل إقامته عنده، وموضوع المسألة أن الرقيق مباع، وأما العبد المدفوع قرضا فلا يجوز لمقرضه أن يتبرأ للمقترض من عيوبه لأدائه إلى سلف جر نفعا خلافا لمن عمم في الرقيقالثاني: هذا الكلام في البائع البالغ ولو حاكما أو وارثا؛ لأن بيع الحاكم والوارث الرقيق بيع براءة إن بين أنه إرث.

قال خليل: ومنع منه بيع حاكم ووارث رقيقا فقط بين أنه إرث، وأما غير البائع فلا يعتبر علمه، وعلم مما قررنا أن فائدة التبري أن المشتري لا رد له بظهور العيب الذي تبرأ منه البائع على الوجه المذكورومن البياعات المنهي عنها ما أشار إليه بقوله: "ولا" يجوز أي يحرم أن "يفرق" بالبناء للمفعول ونائب الفاعل الظرف أعني "بين الأم" العاقلة "و" بين "ولدها في البيع" ، وما شابهه من كل عقد معاوضة فيشمل كلامه: لو دفع الولد أو الأم أجرة أو صداقا أو وهب أحدهما للثواب، والمراد الأم دنية ولذا قال خليل: وكتفريق أم فقط من ولدها، وإن بقسمةفقول المصنف: في البيع وصف طردي أي غير معتبر المفهوم، وأما بغير المعاوضة كدفع أحدهما صدقة أو هبة لغير ثواب بل لوجه المعطي فلا حرمة ويجبران على جمعهما في ملك، وقيل يكتفى بجمعهما في حوز، ويجوز التفريق بينهما بالعتق، ويكتفى بجمعهما في حوز اتفاقا، فإذا أعتق الولد وباع الأم فيشترط على المشتري الإنفاق على الولد وكسوته إلى حصول الإثغار، وإن أعتق الأم وباع الولد اشترط على مشتريه جمعه مع أمه، ونفقة الأم على نفسها، وإن دبر أحدهما لم يجز له بيع الآخر وحده، ولا مع الآخر قاله في المدونة، بخلاف لو كاتب أحدهما ثم باع كتابته وجب عليه بيع غير المكاتب مع كتابة المكاتب، ويشترط على المشتري أن لا يفرق بينهما إذا عتق المكاتب حتى يحصل الإثغار، وقيدنا بدنية؛ لأنه لا تحرم التفرقة بين الجدة وولد ولدها، كما لا تحرم بين الأب وولده، ولا بين الأم وولدها من الرضاع؛ لأن المراد الأم من النسب، وقلنا العاقلة؛ لأن حرمة التفرقة مختصة بالعقلاء على المشهور، وبالغ خليل بقوله: وإن بقسمة للإشارة إلى أن من مات عن جارية وأولادها الصغار لا يجوز لورثته أن يأخذ واحد الأم والآخر الولد وتستمر الحرمة. "حتى يثغر" الولد فإن أثغر أي سقطت رواضعه ونبتت كلها ولو لم يتكامل نباتها جازت التفرقة، والمراد الإثغار المعتادقال خليل: ما لم يثغر معتادا ويكتفى ببلوغ زمنه المعتاد، وهو بعد السبع ولو لم يثغر بالفعل بناء على المشهور من أن عدم التفرقة حق للأم، ومشى عليه خليل حيث قال: ما لم ترض الأم، وإلا جازت ولو لم يحصل من الإثغار. والدليل على حرمة التفرقة قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا توله والدة على ولدها"1 وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته أو أحبابه
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه البيهقي في الكبرى "8/5"، حديث "15545"، وضعفه الألباني "ضعيف الجامع "6280".

يوم القيامة" 1 وظاهر الحديث كانت الأم مسلمة أو كافرة لكن غير حربية، وسواء كان ولدها من زوجها أو من زنى، ولو كان مجنونا وأمه كذلك إلا أن يخاف من أحدهما على الآخر، وأما الحربية فلا تحرم التفرقة بينها وبين ولدها، فيجوز لبعض المجاهدين أخذ الأم أو الولد دون أمه، والمسبية مع صغير تدعي أنه ولدها فيقبل قولها حيث قامت قرينة على صدقها. قال ابن عرفة: وتثبت البنوة المانعة للتفرقة بالبينة أو بإقرار مالكيهما أو دعوى الأم مع قرينة صدقها، وتصديق المسبية إنما هو من جهة التفرقة فقط لا في غيرها من أحكام البنوة، فلا يختلي بها إن كبر، ولا توارث بينهما لكن هي لا ترث من أقرت به، وأما هو فيرثها إن لم يكن لها وارث يحوز جميع المال"تنبيهان" الأول: لم يذكر المصنف حكم ما لو حصلت التفرقة على الوجه الممنوع، وأشار إليها خليل بقوله: وفسخ إن لم يجمعاهما في ملك إلا أن يمضي زمن الحرمة بأن لم نطلع على ذلك حتى حصل الإثغار المعتاد، وإلا مضى البيع، وأما لو حصلت التفرقة بغير معاوضة فقيل لا بد من جمعهما في ملك، وقيل يكفي جمعهما في حوز ولا سبيل إلى الفسخ، ويضرب بائع التفرقة، ومبتاعها كما قاله مالك وجميع أصحابه، وظاهره ولو لم يعتاداه، ومحل ضربهما إن علما حرمة التفرقة، وإلا عذرا بالجهلالثاني: علم مما قدمنا جواز عتق أحدهما أو كتابته، كما يجوز بيع نصفهما أو ثلثهما ولو لغير العتقويثغر يجوز في يائه الفتح ويسكن المثلثة وكسر الغين المعجمة ويجوز ضمها مع تسكين المثلثة أيضا، وهو سقوط الرواضعثم شرع في ضمان المبيع فاسدا وفيما ينقل ملكه إلى المشتري بقوله: "وكل" مبيع "بيع فاسد" لفقد شرط أو وجود مانع "فضمانه من البائع" لبقائه على ملكه حيث لم يقبضه المبتاع "فإن قبضه المبتاع" قبضا مستمرا بعد بت البيع "فضمانه من المبتاع من يوم" أي زمن "قبضه" قال العلامة خليل: وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض، وإنما ضمنه بقبضه؛ لأنه قبضه على وجهة التملك لا على جهة الأمانة، فإن لم يقبضه فلا ضمان ولو مكنه البائع من قبضه، والضمان ضمان أصالة لا ضمان رهان، فلا ينتفي بإقامة البينة، ولا فرق فيه بين ما يغاب عليه وغيره، وقيدنا القبض بالمستمر للاحتراز عما إذا اشترى سلعة شراء فاسدا فقبضها ثم ردها إلى البائع
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه الترمذي، كتاب البيوع، باب: ما جاء في كراهية الفرق بين الأخوين أو بين الوالدة، حديث "1283"، وأحمد "5/414"، حديث "23560". وصححه الألباني في صحيح الجامع "6412".

على وجه الأمانة أو غيرها فهلكت فإن ضمانها من بائعها؛ لأن هذا القبض بمنزلة العدم، وقيدنا بكونه بعد البت للاحتراز عن بيع الخيار فإن ضمانه من البائع، ولو قبضها المشتري؛ لأن البيع الصحيح إذا وقع على خيار الضمان فيه من البائع لما لا يغاب عليه كغيره إن قامت بينة على تلفه أو ضياعه كما قدمنا"تنبيهات" الأول: أشعر قول المصنف بضمان المبيع فاسدا بعد قبضه من المشتري أنه مما يحل تملكه، وأما نحو الميتة والزبل والكلب فلا ضمان على المشتري ولو قبضه وأدى ثمنه كما قاله ابن القاسم، والمراد الكلب غير المأذون في اتخاذه؛ لأنه لا ضمان على من قتله تعديا كما نذكره عند قول المصنف فيما يأتي: ونهى عن بيع الكلابالثاني: مفهوم الفاسد أن البيع الصحيح ليس كذلك بل فيه تفصيل؛ لأن منه ما ينتقل ضمانه للمشتري بمجرد عقده وذلك إذا كان ليس فيه حق توفيه ووقع بتا، ومنه لا ينتقل ضمانه إلا بقبضه، وذلك إذا كان مما يكال أو يوزن أو يعد، وقبضه بكيل ما يكال أو وزن ما يوزن أو عد ما يعد، ومثل ما فيه حق توفية المحبوسة للثمن أو لإشهاد لا يضمنها المشتري لا بقبضها؛ لأنها عند بائعها كالرهن، وكذلك الغائب المشتري على صفة أو على رؤية متقدمة، وكذلك الأمة التي تجب مواضعتها لا يضمنها مشتريها إلا برؤيتها الدم، وكذا الثمار يستمر ضمانها من بائعها حتى تأمن الجائحة بأن يتناهى طيبها ويتمكن المشتري من أخذها فحينئذ ينتقل ضمانها لمشتريها، وأما لو كان موجب الضمان فيها غير الجائحة فإنه يكون من المشتري بالعقد. ثم قال الأجهوري: وما ذكرناه من أن الضمان في الثمار في البيع الصحيح للأمن من الجائحة حيث إن موجب الضمان الجائحة، وإن كان غير الجائحة فضمانها من المبتاع بالعقد. وأما في البيع الفاسد فإن اشتريت بعض الطيب فضمانها من المشتري بالعقد؛ لأن التمكن من أخذها بمنزلة قبضها، وإن كان الشراء قبل طيبها فضمانها من البائع حتى يجدها المشتري. انتهى. وأقول في هذا وقفة مع ما تقدم من أن الفاسد لا ينتقل ضمانه إلى المشتري إلا بقبضه بالفعل، ولا عبرة بتمكن المشتري من أخذه على القول المعتمد، فلعل ما في الأجهوري زلة قلم؛ لأن الأجهوري إمام عظيم وحرر المسألةالثالث: قد قدمنا أن البيع بيعا فاسدا باق على ملك بائعه؛ لأن العقد الفاسد لا ينقل الملك على الصحيح لوجوب فسخه شرعا قبل الفوات، وقد استشكله الفاكهاني قائلا: جعل الضمان من البائع صريح في أن الفاسد لم ينقل الملك، وجعل الضمان بعد القبض من المشتري يقتضي

أن الفاسد ينقل ولم يذكر جوابا، وأقول: لا ملازمة بين نقل الملك والضمان إذ قد يوجد الضمان من غير تقدم ملك، كمن أتلف شيء غيره من غير تقدم سبب ملك فإنه يضمن لتعديه، والمشتري هنا متعد بقبض المشتري شراء فاسدا، فمحصل الجواب أن ضمان المشتري إنما هو لتعديه بالقبض لما يجب فسخ عقده قبل فواته، ويدلك على ما قلنا أنه يضمن بعد القبض، ولو بأمر سماوي، ولا حاجة إلى بناء الضمان بعد القبض على القول بأن الفاسد ينقل الملك لما ذكرناالرابع: إذا ردت السلعة بسبب الفساد يفوز مشتريها بغلتها. قال خليل بعد قوله: وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ورد ولا غلة أي ولا تصحبه الغلة في الرد بل يفوز بها المشتري؛ لأن الضمان كان منه، والخراج بالضمان كما قدمنا في الرد بالعيب، وظاهر كلام أهل المذهب: ولو علم المشتري بالفساد وبوجوب الفسخ ولو في الثنيا الممنوعة على الراجح إلا في مسألة، وهي: من اشترى شيئا موقوفا شراء فاسدا مع علمه بأنه وقف فإنه لا يفوز بالغلة، بل يجب ردها حيث كان على غير معين أو على معين غير رشيد، وأما لو كان موقوفا على معين وباعه ذلك المعين فإنه يفوز المشتري بغلته ولو علم بأنه وقف حيث كان ذلك البائع رشيدا. واعلم أن المشتري كما يفوز بالغلة لا يرجع على البائع بكلفة الحيوان إذا كانت الغلة قدر الكلفة أو أكثر، وأما لو زادت الكلفة على الغلة أو كان لا غلة فإنه يرجع على البائع بالكلفة؛ لأنه قام عن البائع بما لا بد له منه، وأشار إلى هذا بعض الفضلاء بقوله: واعلم أن كل من أنفق على ما اشتراه وله غلة تبتغى كالغنم والدواب والعبيد ثم رد بعيب أو استحقاق أو فساد لا يرجع بنفقته، بخلاف ما ليس له غلة تبتغى كالنخل إذا ردت مع ثمارها فإنه يرجع بقيمة سقيها وعلاجهاوهذا كله في غير ماله عين قائمة، وأما النفقة فيما له عين قائمة كالبناء والصباغ فإنه يرجع بها وله الغلة كسكنى الدار، نقل جميعه الأجهوري، ولما كان محل بقاء المبيع فاسدا على ملك بائعه إذا لم يفت عند المشتري قال: "فإن حال سوقه" بأن تغير ثمنه بزيادة أو نقص "أو تغير بدنه" تشغر أو كبر "فعليه" أي المشتري غرم "قيمته" إن كان الفساد متفقا عليه وتعتبر قيمته "يوم قبضه" لا يوم العقد ولا يوم الفوات "ولا يرده" على بائعه لانتقال ملكه إلى المشتري بالفوات، وقيدنا بالمتفق عليه؛ لأنه المختلف في فساده إذا فات يمضي بالثمنقال خليل: فإن فات مضى المختلف فيه بين العلماء ولو كان الخلاف خارج المذهب بالثمن، وإلا ضمن قيمته يوم قبضه، وحوالة الأسواق إنما تكون مفيتة في غير المثليات والعقار

بدليل قوله: "وإن كان" المشترى فاسدا وحالت أسواقه "مما يوزن أو يكال" أو يعد "فعليه مثله" أي يجب عليه أن يرد مثله للبائع؛ لأنه لا يفوت بتغير سوقه لقيام مثله مقامهواحترز بقوله: مما يكال أو يوزن أي بالفعل عن المثلي المشترى جزافا إذا فات فإنه يحرز ويقوم ويغرم قيمته ولا يرد مثله؛ لأنه أشبه المقوم في الفوات بحوالة الأسواق. "ولا تفيت الرباع" أيضا وسائر العقارات "حوالة الأسواق" ولا بد من ردها لفساد بيعها، فالحاصل أن المثليات والعقارات لا تفوت بحوالة الأسواق. قال خليل في تصويره، والفوات بتغير سوق غير مثلي وعقار وبطول زمان حيوان وفيها شهر وشهران، واختار أنه خلاف وقال: بل في شهادة وبنقل عروض، ومثلي لبلد بكلفة وبتغير ذات غير مثلي كالهدم والبناء وكبر صغير الحيوان، وهزاله، وبالخروج عن يد مشتريه بأن باع ما اشتراه أو، وهبه أو وقفه، وبتعلق حق الغير به بأن رهنه أو آجرهوالفرق بين تلك المذكورات وبين غيرها أن الغالب في العقار أن يراد للقنية لا للتجارة فلا يطلب فيه كثرة ثمن، والأصل في ذوات الأمثال القضاء بالمثل فلا يفوتان بحوالة الأسواق، وأما زرع الأرض المشتراة شراء فاسدا فلا يفيتها وترد، ثم إن كان الرد في الإبان فعلى المشتري الكراء، ولا يقلع زرعه؛ لأنه صاحب شبهة، وإن كان بعد فواته فلا كراء عليه، وأما غرسها ففيه تفصيل محصله: إن عظمت مؤنته وكان محيطا بها فاتت كلها، وإن كان البياض أكثرها، وإن كان في ناحية منها، فإن كانت فوق نصفها فات جميعها باتفاق، وإن كانت أقل من ربعها فلا يفوت منها شيء وترد كلها ويرجع المشتري بقيمة غرسه قائما، وهذا متفق عليه أيضاوالقسم الثالث: أن تكون تلك الجهة الربع فأكثر إلى الثلث أو حتى النصف على ما عليه أبو الحسن تفوت تلك الجهة فقط، والبناء حكم الغرس في التفصيلقال خليل: وفاتت بهما جهة هي الربع فقط لا أقل وله القيمة قائماولما كان السلف الذي يجر نفعا شبيها بالمبيع فاسدا في وجوب فسخه بعد وقوعه وبعد فواته يرد إلى فاسد أصله، وهو البيع ذكره عقبه بقوله: "ولا يجوز" أي يحرم "سلف يجر نفعا" لغير المقترض بأن يجر للمقرض بكسر الراء أو لأجنبي من ناحية المقترض؛ لأن السلف لا يكون إلا لله، فلا يقع جائزا إلا إذا تمحض النفع للمقترض، فلا يجوز إقراض المقصوص ليأخذ جيدا، ولا الحب القديم ليأخذ جيدا، وأحرى الدخول على أكثر كمية فإنه محض ربا

لقول ابن يونس: من أربى الربا ما جر من السلف نفعا، كشرط عفن بسالم، وكدفع ذات يشق حملها ليأخذ بدلها في الموضع الذي يتوجه إليه وقصده بذلك إراحته من حملها، وأما لو كان الحامل على ذلك كثرة الخوف في الطريق فلا منعقال خليل: وكعين عظم حملها كسفتجة إلا أن يعم الخوف فيجوز أن يسلفها في محلها ويأخذ سفتجة أي ورقة مكتوبا فيها لوكيل المتسلف بإعطاء مثل الذات المدفوعة في بلد بعيد، ومحل المنع، إلا أن يقوم دليل على أن القصد نفع المقترض فقط، وإلا جاز كل ما منع"تنبيه" لم يتكلم المصنف على حكم ما إذا وقع القرض الممنوع، وحكمه أنه يرد أن يفوت بما يفوت به البيع الفاسد فلا يرد ويلزم المقترض القيمة في المقوم، والمثل في المثلي ردا له إلى فاسد أصله، وهو البيع؛ لأن القرض الذي هو السلف فرع والبيع أصله؛ لأن القاعدة أن كل مستثنى من أصل إذا وقع فاسدا يرد إلى فاسد أصله لا إلى صحيح نفسه، ووجه استثناء القرض من البيع أن البيع عقد معاوضة والقرض كذلك، لكن أخرجوا القرض من البيع حيث أجازوا فيه ما لا يجوز في البيع، وهو إقراض المجهول كملء غرارة بمثلها عدم معرفة ما فيها والدخول على ذلك؛ لأن الجزاف المدخول عليه في البيع غير جائز، ويجوز فيه جهل الأجل بخلاف البيع، ويقرض ما لا يباع كجلد الأضحية، ولعل وجه الاستثناء الرفق بالمتسلف حيث يجوز في السلف ما لا يجوز في البيع"ولا يجوز" أيضا اشتراط "بيع وسلف" ؛ "لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع وشرط" ، وحمل أهل المذهب النهي على شرط يناقض المقصود أو يخل بالثمن، فالذي يناقض المقصود كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع تلك السلعة أصلا أو إلا من نفر قليل، أو لا يطأها إن كانت أمة، أو لا يفعل بها شيئا مما تراد له، أو شرط يخل بالثمن كشرط بيع وسلف. ومعنى إخلاله بالثمن أنه يقتضي إما كثرته إن كان الشرط من المشتري، أو نقضه إن كان الشرط من البائع. وأما اجتماع البيع والسلف من غير شرط فلا يمتنع على المعتمد ولو اتهما عليه، خلافا لما جرى عليه خليل في بيوع الآجال"تنبيه". إذا علمت ما حملنا عليه كلام المصنف ظهر أن إطلاق المصنف في اجتماع البيع والسلف غير مسلم على المعتمد، وأن محل الفساد عند الشرط حيث لم يسقطاه، والأصح البيع حيث أسقطاه قبل فوات السلعة، بخلاف إسقاطه بعد فواتها فإنه لا يوجب الصحة، ولذلك يجب على المشتري الأكثر من الثمن والقيمة إن كان هو المسلف؛ لأنه لما سلف البائع

أخذها بالنقص، وإن كان البائع هو المسلف كان على المشتري له الأقل منهما، اللهم إلا أن يكون المشتري قد غاب على السلف بحيث ينتفع، فإنه يلزمه القيمة قلت أو كثرت كما يؤخذ من كلام ابن رشد، أشار إلى ذلك الحطاب، وهذا في المبيع المقوم، وأما المثلي فالواجب مثله مطلقا، هذا حكم الشرط المخل بالثمن، وأما حكم الشرط المناقض للمقصود كموت الجارية التي شرط بائعها على مشتريها أن لا يطأها أو أن لا يبيعها فنص في المدونة على أن للبائع الأكثر من قيمتها يوم قبضها، ومن ثمنها. "كذلك" أي لا يجوز "ما" أي عقد "قارن السلف" وبين عموم ما يقوله "من إجارة أو إكراء" ؛ لأنهما من أنواع البيع، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل بيع وسلف" 1فكما لا يجوز اشتراط السلف مع البيع، لا يجوز شرط السلف مع الإجارة أو الكراء، ولا خصوصية للبيع بل النكاح والشركة والقراض والمساقاة والصرف لا يجوز شرط السلف مع واحد منها؛ لأن الزوج في النكاح مثل المشتري في البيع، والزوجة مثل البائع، وصداق المثل نظير القيمة في السلعة، والمسمى نظير الثمن للسلعة في البيع. والضابط الحاصر لما يمتنع جمعه مع السلف هو كل عقد معاوضة. وأما اجتماع السلف مع الصدقة أو الهبة إن كان السلف من المتصدق أو من الواهب فذلك جائز، وإن كان بالعكس فلا يجوز، وكما لا يجوز جمع البيع، وما معه من نحو الإجارة والكراء، لا يجوز جمع البيع مع النكاح أو الشركة أو الجعل أو المغارسة أو المساقاة، ولا جمع واحد منهم مع الآخرولما قدم أن السلف يحرم جمعه مع البيع، وما معه شرع في حكم السلف وحده وفي بيان ما يجوز سلفه، وما لا يجوز بقوله: "والسلف" ، وهو القرض "جائز في كل شيء" يحل تملكه ولو لم يصح بيعه فيدخل جلد الميتة المدبوغ ولحم الأضحية، وملء الظرف المجهول. "إلا في سلف الجواري" لمن تحل له على تقدير ملكها، فلا يجوز سلفها له لما في ذلك من عارية الفروج؛ لأن المقترض يجوز له أن يرد نفس الذات المقترضة، وربما يكون ردها بعد التلذذ بها، ولذا لا يحرم إقراضها لمن لا يأتي منه الاستمتاع كصغير وشيخ فان، أو كان المقترض امرأة وكانت الجارية لا تشتهى، ولذا قال خليل: إلا جارية تحل للمستقرض وردت إلا أن
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب: في الرجل يبيع ما ليس عنده، حديث "3504"، والترمذي، حديث "1234"، والنسائي، حديث "4611"، وأحمد "2/179"، حديث "6671"، وصححه الألباني "صحيح الجامع 7644".

تفوت بمفوت البيع الفاسد فالقيمة، ولا ترد كاستيلادها ولا يغرم المشتري قيمة ولدها، ولا تكون به أم ولد، واختلفت في الغيبة عليها هل تكون فوتا مطلقا أو بشرط أن يمكن فيها الوطء ثالث الأقوال لا تفوت إلا بالوطء، ومثل الجارية المذكورة في حرمة إقراضها لا تحصره الصفة كتراب الصواغين، وما لا يقدر على وفائه بمثله كالدور والأرضين والأشجار، وإن أمكن وصفها، ولذلك يقع في بعض النسخ عقب قوله إلا في الجواري "وكذلك تراب الفضة" لا يجوز قرضه"تنبيهات" الأول: لم يبين المصنف حقيقة السلف وبينها ابن عرفة بقوله: دفع متمول في عوض غير مخالف له عاجلا تفضلا فقط لا يوجب إمكان عارية لا تحل متعلقا بذمة، وقال غير مخالف ليشمل ما إذا رد عين ما تسلفه، واحترز بقوله لا عاجلا عن المبادلة المثلية، وقوله تفضلا أشار به إلى أنه لا يجوز إلا إذا تمحض النفع للمقترض، لا إن حصل به نفع للمقرض أو لأجنبي من ناحية المقرض فلا يجوزالثاني: تعبير المصنف بجائز يوهم إباحته؛ لأنه الأصل في الجائز وليس كذلك، والجواب أنه أراد بالجائز المأذون فيه شرعا، لا ينافي أنه مندوب لما فيه من إيصال النفع للمقترض وتفريج كربته بل قيل إنه أفضل من الصدقة لما ورد في الحديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مكتوبا على باب الجنة: درهم القرض بثمانية عشر ودرهم الصدقة بعشرة، ثم سأل عليه الصلاة والسلام جبريل وقال: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ فقال: لأن السائل يسأل وعنده والمقترض لا يقترض إلا من حاجته"1وإن كان المعتمد أن الصدقة أفضل من القرض؛ لأن المتصدق لا يأخذ بدلها بخلاف المقرض، والحديث ضعيف أو محمول على صدقة لم تقع الموقع مع قرض وقع لمكروب اندفعت به كربته، وقد يعرض له ما يقتضي وجوبه أو حرمته أو كراهته وتعسر إباحته لما عرفت من أن الأصل فيه الندب، وهو من أعظم أنواع المعروف وقد فعله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكرا فجاءته إبل الصدقة. قال أبو رافع: فأمرني أن أقضي الرجل بكرا، فقلت: لا أجد إلا جملا خيارا رباعيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم
ـــــــ
1 ضعيف: أخرجه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب: القرض، حديث "2431"، والطبراني في الأوسط "7/16"، حديث "6719"، وضعفه الألباني "ضعيف الجامع 2961".

قضاء" 1 ولعل هذا قبل حرمة الصدقة عليه صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يقضي ما عليه من إبل الصدقة والرباعي من الإبل ما دخل في السنة الرابعةالثالث: السلف يملك ويلزم بمجرد القول كسائر أنواع المعروف من صدقة، وهبة ونحلة وعمرى وغيرها للمستلف، وإذا قبضه لا يلزمه رده لربه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله أو يمضي الأجل المشترطقال خليل: وملك ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة، ويجوز ضرب الأجل في القرض عند مالك دون غيره من الأئمة، وإذا دفعه المقترض لزم المقرض قبوله ولو كان غير عين حيث دفعه له بمحله لا بغيره فلا يلزمه، بخلاف العين فيلزمه القبول مطلقا إلا أن يكون المحل مخوفا فلا يلزمه القبول قبل المحل كسائر الديون هذا هو الذي ينبغيثم شرع في بيان أشياء نهى عنها الشارع فقال: "لا تجوز الوضيعة" أي الحطيطة "من الدين" كان من بيع أو من قرض "على" شرط "تعجيله" قبل حلوله كأن يكون لشخص على آخر دين عرض أو عين أو طعام لأجل كشهر مثلا ويتفق مع من عليه الدين على إسقاط بعضه ويعجل له الباقي قبل انقضاء الشهر فهذا حرام، وتسمى هذه الصورة بضع من حقك وتعجل، أي حط عني حصة منه وأعجل لك باقيه، وحرمة ضع وتعجل عامة في دين بالبيع والقرض كما بينا، وإنما امتنع لأدائه إلى سلف جر نفعا بيانه أن من عجل شيئا قبل وجوبه يعد مسلفا لما عجله ليأخذ عنه بعد الأجل ما كان في ذمته، وهو جميع الدين، فإن وقع ونزل رد إليه ما أخذه ويستحق جميع دينه عند حلول الأجل، وإن لم نطلع عليه حتى انقضى الأجل وجب على من عليه الدين أن يدفع له الباقي الذي كان أسقطه عنه صاحب الدين. "و" كما لا يجوز تعجيل الدين على إسقاط بعضه "لا يجوز التأخير" أي تأخير من هو عليه "به على الزيادة فيه" كان من بيع أو قرض، كان من عين أو غيرها؛ لأنه فسخ دين في دين وفيه سلف بزيادة؛ لأن المؤخر لما في الذمة مسلف، وهو يأخذ أكثر من دينه بعد الأجل الثاني كانت الزيادة من المديان أو من أجنبي؛ لأن فسخ ما في الذمة في مؤخر حرام مطلقا، ومفهوم قوله على الزيادة أن تأخير الدين أجلا ثانيا من غير زيادة أو مع ترك بعضه لا حرمة فيه بل مندوب لما فيه من الإرفاق بمن هو عليه والتبرع له بإسقاط بعضه. "و" مما هو محرم أن "لا يعجل عرض" أي غير نقد قبل أجله "على الزيادة فيه"
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب: في حسن القضاء، حديث "3346"، والترمذي، حديث "1318"، ومالك في الموطأ "2/680"، حديث "1359"، وصححه الألباني "ابن ماجه 2285".

سواء كانت تلك الزيادة في الكمية أو الكيفية، ومحل الحرمة"إذا كان" العرض "من بيع" أو سلم. وتعرف هذه المسألة ب "حط الضمان عني وأنا أزيدك" ، ولا فرق في تلك الزيادة بين كونها من جنس الدين أو من غير جنسه، ومثال الزيادة من الجنس في الكمية أن يكون له عشرة أثواب أسيوطية لشهر، ويتفق مع من هي عليه على أن يعجلها له نصف الشهر مع زيادة ثوب من نوعها، ومثال الزيادة من الجنس في الكيفية أن يعجل العدد على وصف أجود من المشترط، ومثال الزيادة من غير الجنس أن يعجل الأثواب على وصفها مع زيادة درهم أو طعام. ومفهوم على الزيادة أن التعجيل من غير زيادة ولا نقصان جائز حيث رضي المسلم بتعجيلها قبل أجلها؛ لأن الأجل من حقهما فيها. وأما التعجيل على أن يأخذ أقل عددا أو أدنى صفة فيمتنع، وهو المتقدم في قوله: ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيلهولما فرغ من الكلام على حكم تعجيل أو تأخير الدين على زيادة أو نقصان كان من بيع أو قرض وعلى تعجيل عرض البيع بزيادة، شرع في الكلام على عرض القرض فقال: "ولا بأس بتعجيله ذلك" العرض على الزيادة فيه حيث كان "من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة" ، ومن باب أولى إذا كان دفع الزيادة في الصفة بعد الأجل؛ لأن زيادة الصفة متصلة فلا تهمة بسببها، ولأنه صلى الله عليه وسلم رد في سلف بكر جملا رباعيا وقال: "إن خيار الناس أحسنهم قضاء" 1 ولأن حط الضمان وأزيدك لا يدخل القرض؛ لأن الأجل في القرض من حق من هو عليه، بخلاف البيع فمن حقهما، ولذلك لو عجل المقترض القرض قبل أجله وفي محله يلزم المقرض قبوله إن كان جميع الحق أو بعضه لعسره بالباقي. وأشار خليل إلى هذه المسألة بقوله: وقضاء قرض بمساو وأفضل صفة أي جائز، سواء حل الأجل أو لم يحل، سواء كان القرض عينا أو طعاما أو عرضا، وأما قضاؤه بأقل صفة أو قدرا أو فيهما فيجوز إن حل لا إن لم يحل، فلا يجوز لما فيه من ضع من حقك وتعجل كما تقدم؛ لأنه شامل للقرض قبل الأجل، ولو نقص صفة لما فيه من ضع من حقك وتعجل، وهي ممنوعة للسلف الذي يجر نفعا كما تقدم أيضا. ولذلك قال خليل أيضا: وإن حل الأجل بأقل صفة وقدرا، وأشار إلى مفهوم قوله في الصفة بقوله: "ومن
ـــــــ
1 صحيح: أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب: في حسن القضاء، حديث "3346"، والترمذي، حديث "1318"، ومالك في الموطأ "2/680"، حديث "1359"، وصححه الألباني "ابن ماجه 2285" وقد تقدم برقم "68".

رد في القرض" الذي عليه "أكثر عددا في مجلس القضاء" المراد بعد حلول الأجل؛ لأن المراد بمجلس القضاء حلول أجل القضاء وذلك إنما يكون بعد فراغ الأجل. "فقد اختلف" العلماء "في ذلك" بالجواز وعدمه وقيد الخلاف بقوله: "إذا لم يكن فيه شرط ولا وأي" أي وعد "ولا عادة" بين الناس بقضاء الأكثر، وبين الخلاف بقوله: "فأجازه أشهب" لظاهر حديث "خيار الناس أحسنهم قضاء" . "وكرهه ابن القاسم" أي منعه بقرينة "ولم يجزه" وكلام ابن القاسم هو المفتى به، وعليه خليل حيث قال: لا أزيد عددا أو وزنا إلا كرجحان ميزان على ميزان فيجوز عند ابن القاسمقال بعض شراحه: فحيث كان التعامل بالعدد يجوز قضاء ذلك العدد كان مثل وزنه أو أقل أو أكثر، ولا يجوز أن يقضيه أزيد في العدد كان مساويا له في الوزن أو أقل أو أكثر، وإن قضاه أقل من العدد، فإن ساوى الأقل وزن جميع العدد أو نقص عنه جاز، وإلا منع هذا كله حيث كان العامل بالوزن، فيجوز أن يقضيه ذلك الوزن زاد على العدد أو نقص أو ساوى. ولا يجوز القضاء بأكثر مطلقا، ويجوز القضاء بأقل حيث حل الأجل، وأما لو كان التعامل بالعدد وبالوزن فاختار الأجهوري إلغاء العدد واختار غيره إلغاء الوزن راجع شراح خليل. وحملنا مجلس القضاء على حلول الأجل؛ لأنه المتعين كما هو موضوع كلام خليل؛ لأن القضاء قبل الأجل بأكثر حرام باتفاق، كما اتفق على حرمة الزيادة عند الشرط أو الوعد أو العادة. ثم شرع في مفهوم العرض بقوله: "ومن عليه دراهم أو دنانير من بيع أو من قرض مؤجل" كل منهما "فله" أي فيجوز لمن عليه ما ذكر "أن يعجله قبل أجله" مساويا لما في الذمة أو أعلى ويجبر صاحبه على قبوله؛ لأن أجل دين العين من حق من هو عليه في الزمان والمكان كان من بيع أو قرض، ولا فرق في جبر صاحب العين على قبولها بين كون الدفع في بلد القرض أو غيره؛ لأنه لا كلفة في حمل العين، وينبغي أن يكون مثل العين غيرها مما يخف حمله كالجواهر النفيسة، وإن ألحقت بالعروض في غير هذا، وإلى هذه المسألة أشار خليل بقوله: وجاز قبل زمانه قبول صفتهقال شراحه: أي وفي محله ثم قال: كفيل محله في القرض مطلقا، وفي الطعام إن حل إن لم يدفع كراء ولزم بعدهما كقاض إن غابقال شيخ مشايخنا الأجهوري: وينبغي أن يقيد لزوم قبول دين العين، وما ألحق بها في غير بلد القرض بأن لا يكون بين البلدين خوف، وإلا لم يلزمه كما في دين غير العين، ويقيد أيضا

لزوم القبول بأن يجعل جميعه أو بعضه مع عسره بالباقي، وقولنا مساويا أو أعلى؛ لأن تعجيل الأقل حرام كما تقدم لما فيه من ضع من حقك وتعجل؛ لأنه يدخل القرض أيضا، وتعجيل الأكثر عددا أو وزنا فوق رجحان الميزان فيه سلف جر نفعا، وهو حرام في القرض، بخلاف ثمن المبيع فإنه يجوز قضاؤه بأكثر إذا كان عيناقال خليل مشبها في قضاء القرض: وثمن المبيع من العين كذلك وجاز بأكثر"تنبيه". إذا عرفت هذا فكان ينبغي للمصنف أن لو قال بدل فله أي يعجله قبل أجله فيجب على صاحبها قبولها قبل أجلها؛ لأن الضمير راجع للدراهم والدنانير، ولأجل الإخراج الآتي في قوله: لا من بيع فإنه مخرج من لزوم القبول لا من جواز التعجيل فإنه غير متوهم، وهو جائز في عروض البيع والسلم، ويجوز لمن هي عليه تعجيلها قبل أجلها، وإن كان المشتري لا يجبر على قبولها؛ لأن الأجل من حقهما فيجوز أن يتراضيا على التعجيل، ولكن المصنف رحمه الله لم يقصد التدقيق في التعبير نظرا لحال من قصده بكتابه، ولما كان دين القرض يفترق فيه عرض البيع من القرض بينه بقوله: "وكذلك له" أي من عليه الدين "أن يعجل العروض والطعام" قبل الأجل إذا كانتا "من قرض" ويجبر المقترض على قبولها؛ لأن الأجل في القرض من حق من هو عليه، فإذا أسقط حقه منه لزم الآخر القبول حيث كان في بلد القرض، وإلا لا يلزمه لكلفة الحمل بخلاف العين كما تقدم "لا من بيع" فلا يلزم صاحب دين العرض والطعام قبوله قبل الأجل؛ لأن الأجل في عرض البيع، ومنه السلم من حقهما، فإذا عجله من هو عليه لا يلزم صاحبه قبوله، وإنما حملنا كلامه على خلاف ظاهره، وهو عدم جواز التعجيل؛ لأنه لا يصح؛ لأنه يجوز لمن عليه دين العرض تعجيله إذا رضي من هو له بقبضه قبل أجله، والحاصل أن دين العين يجوز لمن هو عليه تعجيله ويلزم صاحبه قبوله، لا فرق بين كونه من قرض أو بيع، وأما لو كان من غير العين فيفصل فيه إن كان من قرض، فكذلك يجوز تعجيله ويجبر مستحقه على قبوله، وأما من بيع فلا يجبر مستحقه على قبوله، وإنما كان الأجل في عروض البيع من حقهما؛ لأنها ترصد بها الأسواق طلبا للأرباح"تنبيهان" الأول: تلخص مما قدمناه لزوم قبول دين القرض العين مطلقا أو غير العين حيث كان الدفع في بلد القرض، وأما في غيرها فلا يلزم قبول غير التعين مطلقا، كما لا يلزمه قبول العين إذا كان بين البلدين خوفالثاني: سكت المصنف عن حكم الدفع بعد حلول الأجل لوضوح أمره، وهو وجوب الدفع

على من هو عليه ووجوب القبول على من هو لهقال خليل: ولزم بعدهما كقاض إن غاب وجاز أجود وأردأ لا أقل إلا عن مثله ويبرئ مما زاد، أي يجوز للمسلم أن يقبل من المسلم إليه بعد الأجل، وفي محل السلم الأجود على الأدنى والأدنى عن الأجود؛ لأن قضاء الأجود حسن قضاء والأدنى حسن اقتضاء، وأما قبول الأقل قدرا عن أكثر منه فما لا يدخله الربا كالحديد والخشب يجوز من غير شرط، وأما ما يدخله الربا كالأطعمة والنقود فلا يجوز إلا بشرط أخذ القليل عن مثله، وإبراء ذمة من هو عليه مما زاد كما تقدم في كلام خليل، وأما أخذ القليل صلحا عن الجميع فهذا لا يجوز، هذا ملخص كلام خليل ذكرناه إتماما للفائدةثم شرع في مسائل يعلم منها شرطية الانتفاع والعلم بالمعقود عليه والقدرة على تسليمه وعدم النهي عن بيعه بقوله: "ولا يجوز بيع ثمر" بالمثلثة كبلح وعنب "أو حب" كقمح وفول "لم يبد صلاحه" ؛ لعدم الانتفاع به المعتبر شرعا في البيع، ولذا "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وعن بيع الحب حتى يبيض ويأمن العاهة"، ومحل المنع لما ذكر إن وقع على شرط التبقية أو الإطلاق، وأما على شرط الجذ فيجوز إن نفع واضطر له ولم يتمالأ عليه. وكذا يجوز شراؤه تبعا لأصله بأن اشتريا معه أو الأصل أولا ثم ألحق به، والأصل والأشجار بالنسبة للثمر، والأرض بالنسبة للحبوبقال خليل: وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه إن لم يستتر وقبله مع أصله أو ألحق به أو على قطعه إن نفع واضطر له ولم يتمالأ عليه على التبقية أو الإطلاق، وإذا وقع الشراء على الوجه الممنوع فإنه يفسخ، وضمان الثمرة من البائع ما دامت في رءوس الشجر، فإذا جذها رطبة رد قيمتها وتمرا رده بعينه إن كان قائما، وإلا رد مثله إن علم، وإلا قيمته. ثم شرع في مفهوم لم يبد صلاحه بقوله: "ويجوز بيعه" أي المذكور من ثمر وحب "إذا بدا صلاح بعضه" وأولى كله قال خليل: وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه إن لم يستتر، فإن استتر في أكمامه كقلب لوز وجوز في قشره وكقمح في سنبله وبزر كتان في جوزه لم يصح بيعه جزافا؛ لعدم الرؤية ويصح كيلا، وأما شراء ما ذكر مع قشره فيجوز جزافا ولو باقيا في شجره لم يقطع إذا بدا صلاحه، ولم يستتر بورقه، ثم بالغ على الاكتفاء ببدو صلاح البعض بقوله: "وإن" كان ذلك البعض "نخلة من نخيل كثيرة" إذا لم تكن باكورةقال خليل: وبدوه في بعض حائط كاف في جنسه إن لم تبكر. وأما الباكورة إذا بدا صلاحها

وحدها فلا يجوز بيع غيرها حتى يبدو صلاحها ويجوز بيع ثمرها وحدها. ومفهوم كلام المصنف كخليل أن بدو صلاح البلح لا يكفي في حل بيع نحو العنب، وهذا مختص بالمقاثي والثمر، وأما بدو صلاح بعض الزرع فلا يكفي في حل بيع باقيه بل لا بد من يبس حب جميع الزرع، والفرق بين الثمر والمقاثي يكتفى ببدو صلاح بعض الجنس، والزرع لا يحل إلا ببدو صلاح المعقود عليه إذ إن الثمر إذا بدا صلاح بعضه يتبعه الباقي سريعا، ومثله نحو القثاء بخلاف الزرع، ولشدة حاجة الناس لأكل الثمار رطبة"تنبيهات" الأول: لم يبين المصنف ما يبدو به الصلاح وبينه غيره بأنه في البلح الزهو بضم الزاي والواو المشددة، وهو احمراره أو اصفراره، ويقوم مقام الزهو ظهور الحلاوة في البلح الخضاري، وأما بدوه في نحو العنب والتين والمشمش فظهور الحلاوة وفي الموز بالتهيؤ للنضج، وفي ذي النور بفتح النون بانفتاحه كالورد والياسمين، وفي البقول واللفت والجزر والفجل والبصل بإطعامها واستقلال ورقها بحيث لا تفسد عند قلعها، وأما البطيخ المعروف بالعبدلاوي والقاوون فاختلف فيه على قولين: أحدهما أن يصفر. والثاني يكتفى بتهيئه للاصفرار، وأما البطيخ الأخضر فبدو صلاحه بتلون لبه بالسواد أو الحمرة، وأما قصب السكر فبظهور حلاوته، وأما الجوز واللوز، وما شابههما فبأخذه في اليبس، وأما نحو القمح والفول والعدس ونحوها من بقية الحبوب فبدو صلاحه يبسه على المعتمد، فلو عقد عليه فريكا فسخ إلا أن يفوت بقبضه بعد جذه قال خليل: ومضى بيع حب أفرك قبل يبسه بقبضه، وأقول: الضابط الشامل لكل ما سبق أن يبلغ المعقود عليه الحالة التي ينتفع به فيها على الوجه الكاملالثاني: لم يعلم من كلامه حكم الذي يطرح بطونا وفيه تفصيل محصله أن ما لا تتميز بطونه مما يخالف كالياسمين، والمقاثي كالخيار فللمشتري جميع البطون ولو لم يشترط ذلك؛ لأنه لا يجوز شراء ما تطرحه المقثأة مدة نحو جمعة أو نصف شهر لعدم ضبط ذلك، وأما ما تتميز بطونه بأن تقطع البطن ثم تخلفها أخرى فحكمه أن تباع كل بطن على حدتها، ولا يكفي في حل بيع بطن بدو صلاح أخرىقال خليل: لا بطن ثان أول هذا حكم البطون التي تأتي وتنقطع أصلا، وبقي حكم ما تستمر ثمرته زمنا طويلا فهذا يجب عند بيعه ضرب الأجلقال خليل: ووجب ضرب الأجل إن استمر كالموزالثالث: ما قررناه من نصب "نخلة" على الخبرية لكان المضمرة هو الظاهر لكثرة حذفها مع

اسمها بعد إن ولو الشرطيتين، ويوجد في بعض النسخ رفعها، ويمكن توجيهه على جعله فاعلا بفعل محذوف تقديره، وإن بدا نخلة أي صلاح نخلة ولم يظهر لي وجه استحسان الرفعولما كان من شرط المعقود عليه علمه: "لا يجوز بيع ما في الأنهار" جمع نهر بفتح الهاء وسكونها، وهي البحار. "و" ما في "البرك من الحيتان" لكثرة الغرر وكذلك الطير في الهواء والنحل خارجا عن الجبح؛ لعدم القدرة على تسليمها وتسلمها. وأما لو كان النحل في جبحه فيجوز بيعه ولو بدون جبحه، كما يجوز بيع العصافير بقفصها لكن مذبوحة وأما حية فلا إلا أن يشتريها مع طرفها فيجوز؛ لأنه غرر تابع، وقدمنا أنه يجوز شراء النحل في جبحه ويدخل الجبح تبعا، كما أنه لو عقد على الجبح وسكت عن النحل أنه يدخل النحل ولا يدخل العسل في الصرتين، وما تقدم من منع بيع السمك في الماء قيده بعض الشيوخ بما إذا لم يكن في محل محصور كبركة صغيرة بحيث يتوصل إلى معرفة ما فيها ويقدر على تناولها، وإلا جاز"تنبيه". تكلم المصنف على منع بيع السمك في الماء وسكت عن جواز اصطياده للإجماع على جوازه، إلا أن يكون الماء في أرض مملوكة للغير، وأراد غير المالك للأرض اصطياد ما فيها ففي منعه خلاف، والمعتمد أنه لا يجوز لمالك الأرض منع الاصطياد منها إلا في صورة، وهي أن يكون اصطياد الغير يضر صاحب الأرض، كأن تكون البركة في وسط زرع صاحب الأرض"ولا" يجوز أيضا "بيع الجنين" حال كونه "في بطن أمه" ولا بيع أمه مع استثنائهقال خليل: ولا يستثنى ببيع أو عتق، وعلة الحرمة في البيع الغرر؛ لأن عتق الأم يسري إلى جنينها لخبر: "كل ذات رحم فولدها بمنزلتها" 1. "ولا" يجوز أيضا "بيع ما في بطون سائر الحيوانات" محض تكرار مع ما قبله "ولا بيع نتاج ما تنتج" بضم التاء الأولى وفتح الثانية على لفظ المبني للمفعول الذي بمعنى المبني للفاعل وفاعله " الناقة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع حبل الحبلة" 2 فقد فسره ابن وهب وغيره بنتاج ما تنتج الناقة لما فيه من شدة الغرر؛ لأنه جنين الجنين، وقد تقدم منع بيع الجنين فكيف بجنين الجنين، وبعضهم فسر حبل الحبلة بأنه بيع
ـــــــ
1 من قول مالك في الموطأ "2/810"2 بمعناه: اخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب: بيع الغرر وحبل الحبلة، حديث "2143"، ومسلم، كتاب البيوع، باب: تحريم بيع الحبل الحبلة، حديث "1514"، وأبو داود، حديث "3380"، والترمذي، حديث "1229"، والنسائي، حديث "4623"، وابن ماجه، حديث "2197".

الحيوان الصغير وتأجيل ثمنه ليكون من نتاجه، وهو غير مناسب للحديث، وإن كان ممنوعا أيضا، ولا مفهوم للناقة كما يدل عليه الكلام السابق. "ولا" يجوز أيضا "بيع ما في ظهور الإبل" المراد الفحول مطلقا بأن يقول صاحب الفحل لصاحب الناقة مثلا: أبيعك ما يتكون من ماء فحلي هذا في بطن ناقتك أو ناقتي، لما في البخاري عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن عسيب الفحل، وخبر الموطإ عن سعيد بن المسيب مرسلا: "ألا ربا في الحيوان" 1، وإنما نهى عن ثلاثة المضامين والملاقيح وحبل الحبلةقال مالك: المضامين بيع ما في بطون الإناث، والملاقيح بيع ما في ظهور الفحول، وحبل الحبلة بيع الجزور إلى أن ينتج نتاج الناقة على ما ذكرنا. وإذا وقع العقد على شيء من ذلك فإنه يفسخ إلا أن يفوت المعقود عليه بما يفوت به البيع الفاسد"ولا" يجوز أيضا "بيع" العبد "الآبق ولا البعير الشارد" لعدم القدرة على تسليم الآبق والشارد، وشرط صحة عقد البيع القدرة على المعقود عليهقال مالك: بيع الآبق في إباقه فاسد وضمانه من بائعه ويفسخ، وإن قبض وظاهره ولو كان مقيدا ببلد وحبس لصاحبه، وقال اللخمي: لو كان في بلد موثوقا وحبس لصاحبه جاز بيعه على الصفة ويكون تحصيله على البائع، ويؤخر قبض الثمن إلى حين القبضقال بعض شيوخنا: تفصيل اللخمي وتأمل هذا الضعيف مع قول المدونة في كتاب اللقطة: وإذا عرف أن الآبق عند رجل جاز أن يباع منه أو من غيره ممن يوصف له إذا وصف للسيد أيضا حاله الآن وصفته إن مضى زمن يمكن أن يتغير فيه أو كان المشتري لا يعلم صفته لا إن كان الأمر بالقرب والمشتري يعرف صفته فلا حاجة إلى الوصف، وأن لا يشترطا نقد الثمن، ويشترط في الكائن عنده الآبق أن يكون غير الإمام، ومثله من لم يمكن الوصول إلى ما في يده، فإن كلام اللخمي ملخص كلام المدونة"ونهى" صلى الله عليه وسلم نهي تحريم "عن بيع الكلاب" والمنع متفق عليه إن كان غير مأذون في اتخاذه بدليل "واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها" على ثلاثة أقوال: المنع والكراهة والجواز، والمشهور منها عن مالك المنع، واقتصر عليه العلامة خليل حيث قال وعدم نهي لا ككلب صيد، والكراهة رواها ابن القاسم عن مالك أيضا ولكنها ضعيفة، وإن نقلت عن بعض
ـــــــ
1 مالك في الموطأ "2/654"، حديث "1334".

الأصحاب، والجواز قول ابن كنانة وسحنون حتى قال سحنون: أبيعه وأحج بثمنه، وقد علمت أن المعتمد الأول، والدليل على النهي المذكور ما في مسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن"1، ومهر البغي ما تأخذه المرأة على فرجها، وسمي مهرا مجازا، وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانتهقال ابن عمر: أثمان هذه الثلاثة خبيثة باتفاق، وذلك ما يؤخذ على الجاه حرام باتفاق، وإباحة اتخاذ الكلاب لا تدل على جواز بيعها، فإن وقع ونزل وعقد على الكلب فالحكم أنه يفسخ بيعه إلا أن يطول، وحكى ابن عبد الحكم الفسخ، وإن طال، وعن ابن ناجي المضي بمجرد العقد مراعاة لمن يقول بالجواز، هذا حكم المأذون في اتخاذه، وهو كلب الزرع والحراسة والصيد وأما ما لا يجوز اتخاذه فقد قدمنا أنه لا خلاف في عدم جواز بيعه، وإذا وقع العقد عليه كان باطلا؛ لأنه لا ضمان على قاتله تعديا لقول بعض العلماء يندب قتله، ولما كان لا تلازم بين حرمة البيع وعدم الضمان قال: "وأما من قتله" أي الكلب المأذون فيه "فعليه" غرم "قيمته" يوم قتله على تقدير جواز بيعه من غير تحديد على المعتمد، كغرم قيمة الجلد المدبوغ وأم الولد ولحم الأضحية بعد ذبحها2 لما علمت من أنه لا تلازم بين حرمة البيع وعدم
ـــــــ
1 صحيح: مسلم، كتاب المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي، حديث "1567"2 الأضحية بتشديد الياء وبضم الهمزة أو كسرها، وجمعها الأضاحي بتشديد الياء أيضاً، ويقال لها: الضحية بفتح الضاد وتشديد الياء، وجمعها الضحايا، ويقال لها أيضا: الأضحاة بفتح الهمزة وجمعها الأضحى، وهو على التحقيق اسم جنس جمعي، وبها سمي يوم الأضحى، أي يوم الذي يضحي فيه الناسوقد عرفها اللغويون بتعرفين: "أحدهما" : الشاة التي تذبح ضحوة، أي وقت ارتفاع النهار والوقت الذي يليه، وهذا المعنى نقله المعنى نقله صاحب اللسان عن ابن الأعرابي"وثانيهما" الشاة التي تذبح يوم الأضحى، وهذا المعنى ذكره صاحب اللسان أيضاأما معناها في الشرع: فهو ما يذكى تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصةوقد شرعت التضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المالأما حكمة مشروعيتها، فهي شكرا لله تعالى على نعمة الحياة، وإحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز اسمه بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، وان يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتهاوقد يقال: أي علاقة بين إراقة الدم وبين شكر المنعم عز وجل والتقرب إليه؟ والجواب من وجهين:
"أحدهما" أن هذه الإراقة وسيلة للتوسع على النفس وأهل البيت، وإكرام الجار والضيف، والتصدق=

الضمان ولذلك قالوا: لو حلف شخص لا يبيع ثوبه مثلا فحرقه شخص وأخذ الحالف قيمته لا حنث أي؛ لأنه لم يبعه"و" كذلك "لا يجوز" أي يحرم أيضا "بيع اللحم بالحيوان" حيث كان "من جنسه" ولو كان الحيوان يراد للقنية للمزابنة، وهي بيع معلوم بمجهولقال خليل: وفسد منهي عنه إلا بدليل كحيوان بلحم جنسه إن لم يطبخ، وأما بيع اللحم بحيوان من غير جنسه فيجوز، كبيع لحم طير بحيوان من ذوات الأربع لما مر من أن ذوات الأربع جنس والطير كله جنس آخر، وقيد أهل المذهب منع بيع اللحم بحيوان من جنسه بما إذا لم يطبخ اللحم، وإلا جاز بيعه بحيوان من جنسه، وظاهر كلام أهل المذهب: ولو كان الطبخ بغير أبزار واشتراط الأبزار في انتقال اللحم إنما ذلك في انتقاله عن اللحم لا عن الحيوان. وإذا بيع المطبوخ بالحيوان من جنسه فشرط جوازه التعجيل، وأما إلى أجل فيحرم إلا إذا كان الحيوان يراد للقنية كجمل أو ثور، ومثل اللحم في منع البيع بالحيوان الحيوان الذي لا تطول حياته أو لا منفعة فيه إلا اللحم أو قلت: لا يجوز بيع واحد منها بالآخر؛ لأنه يقدر أحدهما لحما. وأما حيوان يراد للقنية مثلا فيجوز ولو لأجل كجواز بيع حيوان القنية بلحم غير جنسه ولو لأجل، بخلاف حيوان غير القنية فيشترط في جواز بيعه بلحم من غير جنسه التعجيلوأما بيع اللحم باللحم فيجوز مثلا بمثل يدا بيد حيث كانا من جنس واحدوالحاصل أن الصور ست: بيع اللحم بحيوان من جنسه، بيعه بحيوان من غير جنسه، وهاتان صورتان في بيع اللحم بحيوان. وصورتان في بيع اللحم باللحم؛ لأنه تارة يكون من جنسه وتارة من غير جنسه فهذه أربع. وصورتان في بيع الحيوان بالحيوان؛ لأنه إما من جنسه، وإما من غير جنسه، فهذه جملة الست وأحكامها مختلفة؛ لأن اللحم باللحم من جنسه لا يجوز إلا عند المماثلة والمناجزة، وإما بغير جنسه فيكفي المناجزة، كما أنه يكتفى بالمناجزة
ـــــــ
=على الفقير، وهذه كلها مظاهر للفرح والسرور بما أنعم الله به على الإنسان، وهذا تحدث بنعمة الله تعالى كما قال عز اسمه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]"ثانيهما" المبالغة في تصديق ما أخبر به الله عز وجل من أنه خلق الأنعام لنفع الإنسان، وأذن في ذبحها ونحرها لتكون طعاما له. فإذا نازعه في حل الذبح والنحر منازع تمويها بأنهما من القسوة والتعذيب لذي روح تستحق الرحمة والإنصاف، كان رده على ذلك أن الله تعالى عز وجل الذي خلقنا وخلق هذه الحيوانات، وأمرنا برحمتها والإحسان إليها، أخبرنا وهو أعلم بالغيب أنه خلقها لنا وأباح تذكيتها، وأكد هذه الإباحة بأن جعل هذه التذكية قربة في بعض الأحيان. الموسوعة "5/74، 75".

في بيع الحيوانات التي لا تراد للقنية بشيء من الأطعمة ولو لحما نيئا من غير جنسها، وأما الحيوان بالحيوان فتقدم إن كانا يرادان للقنية فالجواز ولو لأجل. وأما ما لا يراد للقنية فيحرم بيعه بمثله ولو نقدا للغرر؛ لأنه يقدر أحدهما لحما، وأما بحيوان من غير جنسه فيجوز نقدا لا إلى أجل، والحيوانات التي لا تراد للقنية كما لا تباع بلحم من جنسها ولو نقدا ولا من غير جنسها لأجل لا يجوز دفعها كراء لأرض ولا قضاء عن دارهم أكريت الأرض بها. والدليل على ما ذكر المصنف "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان"1. ومحمله عند مالك على الجنس الواحد حيث لم يطبخ للمزابنة؛ لأن دافع المذبوح قد يذبح الحي فيصير لحما مغيبا بلحم مغيب، وقد يزيد لحمه على اللحم المدفوع فيه وقد ينقص، والشك في التماثل كتحقيق التفاضل، وأما لو طبخ لجاز بيعه بالحيوان لانتقاله وصار كأنه جنس آخر"ولا" يجوز أيضا "بيعتان في بيعة" أي جمع بيعتين في بيعة أي في عقد لما في الموطإ من "نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيعتين في بيعة" ، ومحمله عند مالك على صورتين، وبين المصنف إحداهما بقوله: "وذلك أن يشتري" شخص "سلعة إما بخمسة نقدا أو بعشرة إلى أجل" والحال أنهما دخلا على أن السلعة "قد لزمته بأحد الثمنين" ، وإنما منع ذلك للغرر؛ لأن البائع لا يدري بم باع، والمشتري لا يدري ما اشترى، ولذلك لو عكس التصوير كأن يبيعها بعشرة نقدا أو بخمسة لأجل لجاز لعدم التردد حينئذ؛ لأن العاقل إنما يختار البيع إلى أجل بالثمن القليل، وتسمية ذلك العقد بيعتين باعتبار تعدد الثمن، ومفهوم قد لزمته أن العقد لو وقع على الخيار لجاز سواء كان لأحدهما أو لهاوالصورة الثانية: أن يبيعه إحدى سلعتين مختلفتين بغير الجودة كثوب ودابة أو رداء أو كساء والحال أنهما دخلا على أن المبيع إحداهما على اللزوم ولو لأحدهما فإنه يمتنع للجهل بالثمن إن اختلف أو بالثمن إن اتحد، وأما على الخيار فيما يعينه فجائز، كما يجوز اختلافهما بالجودة والرداءة؛ لأن الغالب أن المشتري إنما يدخل على أخذ الأجود، وهذا حيث لم تكن السلعة المبيعة أحد طعامين، وإلا امتنع مطلقا بناء على أن من خير بين شيئين يعد منتقلا. وأشار خليل إلى هاتين الصورتين بقوله: وكبيعتين في بيعة يبيعها بالإلزام بعشرة نقدا أو أكثر لأجل، أو سلعتين مختلفتين إلا بجودة ورداءة، وإن اختلفت قيمتها لا طعام، وإن مع غيرهـــــــ
1 أخرجه الدرا قطني في سننه "3/70"، حديث "2252"، واللفظ له، والحاكم في المستدرك "2/41"، حديث "2252"، والبيهقي في الكبرى "5/296"، حديث "10351".

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11