كتاب : جواهر العقود و معين القضاة و الموقعين و الشهود
المؤلف : شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي

من رؤوس الغنم الضأن، وألف كارع من أكارع الضأن السميط السمينة النظيفة المغسولة.
وإن كان السلم في الجلود، فيقول: في ألف جلد من جلود الضأن الخرفان البيض النقية من السواد والحمرة، الرفيعة أو السوداء أو الحمراء، المحكمة الدبغ، السليمة من العيب الشرعي.
وإن كان السلم في جلود البقر أو غيرها، فيقول: من جلود البقر، أو من جلود الجمال، أو من جلود الجواميس المدبوغة والمملوحة أو القطير أو غير ذلك.
وإن كان السلم في الشحم أو اللحم أو الالية والخبز.
فيقول: من لحم الضأن أو المعز أو الشيشك السمين السليخ أو السميط، لحم الكتف أو الفخذ أو الضلع، الخصي، أو الرضيع، أو المعلوف، كذا وكذا رطلا بالرطل الفلاني يقوم له كل يوم كذا وكذا رطلا، أو من الالية الجيدة الخالية من العيب، أو من شحم الغنم الضأن الخالي من المصارين والدرن، الطري أو الكسير المملوح، أو من خبز الحنطة الكماخة الاصفر، المصبغ أو السميذ، المخشخش أو الماوي أو الطلمة طلمة الجراية.
ويصف وزن المصبغ ووزن الكماخة في كل رغيف.
ولك أن تكتب سلما في المكيلات وتعين الوزن فيها، مثل أن يكون السلم في أربعين مكوكا، أو غرارة أو إردبا.
فتقول: زنة المكوك أو الغرارة أو الاردب كذا وكذا رطلا بالرطل الفلاني.
ولك أن تكتب سلما في الموزونات، وتعين الكيل فيها، وتطرح الوزن، كل ذلك
خلافا لاحمد وحده موافقا للائمة الثلاثة.
وإن كان السلم في الجواهر.
فقد أجازه مالك وحده، ومنعه الباقون.
والجواهر تشتمل على أنواع.
منها اللؤلؤ.
وفي تعيينه اختلاف كثير، من كبر الحبة إلى صغرها.
ومنها ما يدخل منه ألف حبة تحت مثقال، وأكثر من ذلك وأقل.
ومنها ما يدخل أكثر من ألف تحت مثقال.
وهو الذي لا يمكن ثقبه لصغره وعدم تدويره.
وإنما يستعمل في الاكحال مصحونا.
وينتقل التفاوت من ذلك إلى أن تكون الحبة الواحدة مثقالا.
ثم الياقوت: ومنه الاحمر والاصفر والازرق والابيض.
ثم البلخش.
وفي أوزان قطعه

اختلاف، وكذلك في القيمة عنه.
فكلما كثر وزن القطعة كانت القيمة كثيرة.
ثم الفيروزج.
وفيه تفاوت كثير.
ثم الماس، وعين الهر.
فهذه مقدمة تعرف بها ما نتكلم عليه من هذه الجواهر المثمنة ذوات القيم النفيسة.
فإن كان السلم في اللؤلؤ، فيقول: من اللؤلؤ الابيض الخالي من الصفرة والكدرة والقشرة، المدور المتناسب الخالي من التبعيج، مائة حبة.
زنتها كذا وكذا مثقالا، أو زنة كل لؤلؤة نصف مثقال، أو أقل أو أكثر.
وإن كان في لؤلؤ صغار، يقول: من اللؤلؤ الصغار كذا وكذا مثقالا يدخل تحت كل مثقال كذا وكذا لؤلؤة.
وإن كان السلم في شئ من الفصوص الجواهر.
كتب: عدة قطعها، وزنة كل قطعة منها.
ويصف كل جنس بوصف الجودة والصفاء، وإشراق اللون وغير ذلك مما هو معتبر في وصف الجوهر.
والله أعلم.

كتاب الرهن وما يتعلق به من الاحكام الرهن في اللغة: مأخوذ من الثبوت والدوام.
تقول العرب: رهن الشئ إذا ثبت.
والنعمة الراهنة: هي الثابتة الدائمة.
يقال: رهنت الشئ فهو مرهون، ولا يقال: أرهنت، إلا في شاذ اللغة.
وفي الشرع: جعل المال وثيقة على الدين ليستوفى منه الدين عند تعذره.
وهو جائز.
والاصل في جوازه: الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * وهذا أمر على سبيل الارشاد، لا على سبيل الوجوب.
وأما السنة: فما روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي (ص) قال: الرهن مركوب ومحلوب إلى غير ذلك من الاحاديث.
وأما الاجماع: فلا خلاف بين الفقهاء في جوازه.
وجمع الرهن: رهان.
ويقال رهن.
الخلاف في مسائل الباب: الرهن جائز في الحضر والسفر عند كافة الفقهاء.
وعقد الرهن يلزم بالقبول.
وإن لم يقبض عند مالك.
ولكنه يجبر الراهن على التسليم.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: من شرط صحة الرهن القبض.
فلا يلزم الرهن إلا بقبضه.
ورهن المشاع مطلقا جائز، سواء كان مما يقسم أو كعبد.
وقال أبو حنيفة: لا يصح رهن المشاع.
واستدامة الرهن عند المرتهن ليست بشرط عند الشافعي، وهو شرط عند أبي حنيفة ومالك.
فمتى

خرج الرهن من يد المرتهن على أي وجه كان بطل الرهن.
إلا أن أبا حنيفة يقول: إن عاد إلى الراهن بوديعة أو عارية لم يبطل.
وإذا رهن عبدا ثم أعتقه، فأرجح الاقوال عند الشافعي: أنه ينفذ من الموسر.
ويلزمه قيمته يوم عتقه رهنا.
وإن كان معسرا لم ينفذ.
وهذا هو المشهور عند مالك.
وقال مالك أيضا: إن طرأ له مال، أو قضى المرتهن ما عليه بعد العتق نفذ.
وقال أبو حنيفة: يعتق في اليسار والاعسار، ويسعى العبد المرهون
في قيمته للمرتهن في عسر سيده.
وقال أحمد: ينفذ عتقه على كل حال.
فصل: وإن رهن شيئا على مائة، ثم أقرضه مائة أخرى.
وأراد جعل الرهن على الدينين جميعا، لم يجز على الراجح من مذهب الشافعي، إذ الرهن لازم بالحق الاول، وهو قول أبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك: بالجواز.
وهل يصح الرهن على الحق قبل وجوبه؟ قال أبو حنيفة: يصح.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يصح.
وإذا شرط الراهن في الرهن أن يبيعه عند حلول الحق وعدم نفعه.
جاز عند أبي حنيفة ومالك وأحمد، وقال الشافعي: لا يجوز للمرتهن أن يبيع المرهون بنفسه، بل يبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن.
فإن أبى ألزمه الحاكم قضاء الدين أو بيع المرهون.
والرفع إلى الحاكم مستحب عند مالك.
فإن لم يفعل وباعه المرتهن جاز.
وإذا وكل الراهن عدلا في بيع المرهون عند الحلول، ووضع الرهن في يده كانت الوكالة صحيحة عند الشافعي وأحمد.
وللراهن فسخها وعزله، كغيره من الوكلاء.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له فسخ ذلك.
وإذا تراضيا على وضعه عند عدل، وشرط الراهن أن يبيعه العدل عند الحلول فباعه العدل، فتلف الثمن قبل قبض المرتهن.
فهو عند أبي حنيفة من ضمان المرتهن.
كما لو كان في يده.
وقال مالك: إن تلف الرهن في يد العدل، فهو من ضمان الراهن، بخلاف كونه في يد المرتهن، فإنه يضمن.
وقال الشافعي وأحمد: يكون والحالة هذه من ضمان الراهن مطلقا.
إلا أن يتعدى المرتهن، فإن يده يد أمانة.
وإذا باع العدل الرهن، وقبض الراهن الثمن، ثم خرج المبيع مستحقا.
فلا عهدة على العدل في البيع.
وهو على المرتهن، لانه بيع له.
وقال القاضي عبد الوهاب: لا ضمان عندنا على الوكيل، ولا على الوصي، ولا على الاب فيما يبيعه من مال ولده.
وهو قول الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: العهدة على العدل، يغرم للمشتري ثم يرجع على موكله.
وكذا يقول في الاب والوصي.
ويوافق مالكا في الحاكم وأمين الحكم،
فيقول: لا عهدة عليهما.
ولكن الرجوع على من باع عليه إن كان مفلسا أو مليئا.
وإذا

قال: رهنت عبدي هذا عندك على أن تقرضني ألف درهم، أو تبيعني هذا الثوب أو عبدا.
صح الرهن.
وإن تقدم وجوب الحق.
فإن أقرضه الدراهم أو باعه الثوب، فالرهن لازم يجب تسليمه إليه عند أبي حنيفة ومالك.
وقال الشافعي وأحمد: القرض والبيع يمضيان، والرهن لا يصح.
فصل: والمغصوب مضمون ضمان غصب.
فلو رهنه مالكه عند الغاصب من غير قبضه صار مضمونا ضمان رهن.
وزال ضمان الغصب عند مالك وأبي حنيفة.
وقال الشافعي وأحمد: يستقر ضمان الغصب، ولا يلزم الرهن ما لم يمض زمن إمكان قبضه.
وعند مالك: المشتري الذي استحق المبيع من يده يرجع بالثمن على المرتهن لا على الراهن.
ويكون دين المرتهن في ذمة الراهن، كما لو تلف الرهن، وكذا عند أبي حنيفة، إلا أنه يقول: العدل يضمن ويرجع على المرتهن.
وقال الشافعي: يرجع المشتري على الراهن.
لان الرهن عليه بيع لا على المرتهن.
وكذلك يقول مالك وأبو حنيفة في التفليس.
وإذا باع الحاكم أو الوصي، أو الامين شيئا من التركة، فللغرماء مطالبتهم، وأخذ الثمن، ثم استحق الثمن.
فإن المشتري عندهما يرجع على الغرماء، ويكون دين الغرماء في ذمة غريمهم كما كان.
والباب كله عند الشافعي وأحمد، والرجوع يكون عنده على الراهن والمديون الذي بيع متاعه.
فصل: وإذا شرط المشتري للبائع رهنا أو ضمينا، ولم يعين الرهن ولا الضمين، فالبيع جائز عند مالك.
وعلى المبتاع أن يدفع رهنا برهن مثله على مبلغ ذلك الدين.
وكذلك عليه أن يأتي بضمين ثقة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: البيع والرهن باطلان.
وقال المزني: هذا غلط.
وعندي: الرهن فاسد للجهل به، والبيع جائز.
وللبائع الخيار إن شاء أتم البيع بلا رهن، وإن شاء فسخه لبطلان الوثيقة.
فصل: وإذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ الدين الذي حصل به الرهن.
فقال الراهن: رهنته على خمسمائة.
وقال المرتهن: على ألف.
وقيمة الرهن تساوي الالف أو زيادة على الخمسمائة: فعند مالك: القول قول المرتهن مع يمينه.
فإذا حلف، وكانت قيمة الرهن ألفا، فالراهن بالخيار بين أن يعطيه ألفا ويأخذ الرهن، أو يترك الراهن للمرتهن.
وإن كانت القيمة ستمائة حلف المرتهن على قيمته، وأعطاه الرهن وستمائة.
وحلف أنه لا يستحق عليه إلا ما ذكر.
وتسقط الزيادة.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: القول قول الراهن فيما يذكره مع يمينه.
فإذا حلف دفع إلى المرتهن ما حلف عليه، وأخذ رهنه.
وزيادة الرهن ونماؤه إذا كانت منفصلة - كالولد والثمرة والصوف والوبر، وغير

ذلك - تكون عند مالك ملكا للراهن، ثم الولد يدخل في الرهن دون غيره.
وقال أبو حنيفة: الزيادة مطلقا تدخل في الرهن مع الاصل.
وقال الشافعي: جميع ذلك خارج عن الرهن.
وقال أحمد: هو ملك المرتهن دون الراهن.
قال بعض أصحاب الحديث: إن كان الراهن هو الذي ينفق على الرهن فالزيادة له، أو المرتهن فالزيادة له.
فصل: واختلف العلماء في الرهن.
هل هو مضمون أم لا؟ فمذهب مالك: أن ما يظهر هلاكه - كالحيوان والرقيق - فهو غير مضمون على المرتهن.
ويقبل قوله في تلفه مع يمينه.
وما يخفى هلاكه - كالنقد والثوب - فلا يقبل قوله فيه، إلا أن يصدقه الراهن.
واختلف قوله فيما إذا قامت البينة بالهلاك.
فروى ابن القاسم وغيره عنه: أنه لا يضمن، ويأخذ دينه من الراهن.
وروى أشهب وغيره: أنه ضامن لقيمته.
والمشهور من مذهبه: أنه مضمون بقيمته قلت أو كثرت.
فإن فضل للراهن من القيمة شئ زائد على مبلغ الحق أخذه من المرتهن.
وقال أبو حنيفة: الراهن على كل حال مضمون بأقل الامرين من قيمته ومن الحق الذي عليه.
فإذا كانت قيمته ألف درهم والحق خمسمائة،
ضمن ذلك الحق ولم يضمن تلك الزيادة، ويكون تلفه من ضمان الراهن.
وإن كانت قيمة الرهن خمسمائة والحق ألفا، ضمن قيمة الرهن، وسقطت عن ذمته، وأخذ باقي حقه.
وقال الشافعي وأحمد: الرهن أمانة في يد المرتهن، كسائر الامانات.
لا يضمنه إلا بالتعدي.
وقال شريح والحسن والشعبي: الرهن مضمون بالحق كله.
وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن وكان مما يخفى.
فإن اتفقا على القيمة فلا كلام.
وإن اتفقا على الصفة واختلفا في القيمة.
قال مالك: يسأل أهل الخبرة عن قيمة ما هذه صفته ويعمل عليها.
وقال أبو حنيفة: القول قول المرتهن في القيمة مع يمينه.
ومذهب الشافعي: أن القول قول الغارم مطلقا.
ولو شرط المتبايعان أن يكون نفس المبيع رهنا، قال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح.
ويكون البيع مفسوخا.
وقال القاضي عبد الوهاب: وظاهر قول مالك.
كقولهم.
ولكنه عندي على طريقة الكراهة، وأنا أدل على جوازه وأنصر القول به.
وعندي أن أصول مالك تدل عليه.
انتهى.
فائدة: لو كان الدين على اثنين بالسوية - مثلا - وهما متضامنان متكافلان في ذلك يأذن كل منهما لصاحبه، ثم إنهما رهنا على ذلك الدين رهنا.
فإن قال الكاتب: ورهنا على هذا الدين ما ذكرا أنه لهما وملكهما وبينهما بالسوية.
كان واحد مرهون على ما في ذمته دون ما كفله.
وإن قال: ورهن كل واحد منهما على هذا الدين ما ذكر أنه له وبيده.

فهذا يقتضي أن الرهن على جميع الدين أصالة وكفالة من كل واحد منهما.
والنكتة في لفظة كل.
وقد سبق التنبيه في مقدمة الكتاب على ذلك.
انتهى.
المصطلح في ذلك يشتمل على صور: منها: الرهن المجمع عليه.
وصورته: أن يكتب - بعد فراغ ذكر الدين وأجله في ذيل المسطور -: ورهن المقر المذكور تحت يد المقر له المذكور، توثقة على الدين
المعين أعلاه وعلى كل جزء منه، ما ذكر أنه له وبيده وملكه تحت تصرفه إلى حين هذا الرهن، أو جميع ما استعاره من زوجته فلانة قبل صدور عقد هذا الرهن ليرهنه على الدين المعين أعلاه وعلى كل جزء منه.
وذلك جميع الدار الفلانية - ويحددها - ثم يقول: رهنا صحيحا شرعيا، مسلما مقبوضا بيد المرتهن بعد تفريغها من السكان والمنازع، والعوائق المانعة لصحة الرهن بإذن الراهن.
وقبل المرتهن المذكور عقد الرهن، قبولا شرعيا.
فإن كان الرهن حصة من دار فهو صحيح عند الثلاثة، باطل عند أبي حنيفة.
وعلة بطلانه عند أبي حنيفة من وجهين.
أحدهما: أن الرهن حصة شائعة.
الثاني: أنه غير مقبوض.
وارتهان رهن قد لزم بالقول من غير تسليم الرهن إلى المرتهن.
ولا قبض على مذهب مالك، سواء كان الرهن مميزا - كالعبد والدار - أو غير متميز، كقفيز من صبرة، لازم عنده على الاطلاق.
وعند أحمد: لازم في المتميز دون غير المتميز.
فإذا كتب الصورة على مذهب مالك يقول: ورهن المقر المذكور عند رب الدين المذكور على جميع الدين المعين فيه، وعلى كل جزء منه، جميع الدار الفلانية - ويحددها - وهذا الرهن متميز، أو مكوكا من الحنطة، أو غرارة، أو إردبا من الحنطة التي قدرها ألف مكوك أو غرارة أو إردب، بالمخزن الفلاني - وهذا غير متميز - رهنا صحيحا شرعيا لازما مقبوضا، بلفظ الراهن للمرتهن بهذا القول، بحضرة شهوده.
ويرفع إلى حاكم مالكي يثبته، ويحكم بصحة الرهن، مع العلم بالخلاف في صحة الرهن بالقول ولزومه من غير تفريغ ولا تسليم.
وإن كتب على مذهب أحمد فيقول: وذلك جميع الدار الفلانية - ويحددها - أو العبد الفلاني ويصفه.
وهذان متميزان.
ولا يكتب القفيز من الصبرة - لانه غير متميز.
ويرفع إلى مالكي أو حنبلي، لان الرهن متميز يحكم بصحته، مع العلم بالخلاف في صحة الرهن الذي لم يتسلمه المرتهن.
وهو قول على رواية من مذهب أحمد.
والرواية
الثانية كمذهب أبي حنيفة والشافعي.

وصورة ارتهان رهن منقول مقبول مستقر بيد المرتهن.
رهنه رجل عند آخر على ما سيجب للمرتهن على الراهن من الحق.
وهذا الرهن صحيح عند أبي حنيفة باطل عند الباقين: رهن فلان عند فلان على ما سيجب عليه من الحق اللازم له شرعا.
وذلك جميع الدار الفلانية - ويحددها - أو التركيبة الذهب المزركش المصري - ويصفها وما فيها من الحاشية والبطانة، ويذكر وزنها بالمثاقيل، ثم يقول: رهنا صحيحا شرعيا مسلما مقبوضا بيد المرتهن.
وقبل عقد الرهن منه قبولا شرعيا.
وصورة الرهن المعاد صحيحة عند الشافعي، باطلة عند أبي حنيفة.
وقد تقدم ذكر الرهن المعاد في كتاب الاقرار.
والتسليم عند مالك ليس بشرط في الاشياء كلها.
وعند أحمد: التسليم ليس بشرط إلا في المتميز.
كالدار والعبد، فإنه يلزم التسليم عنده.
فإن كان الرهن المعاد دارا: ذكر أنه استعادها ليسكنها بأهله، وينتفع بها انتفاع مثله بمثلها مع بقاء حكم الرهن ولزومه.
وإن كان عبدا، فيذكر التسليم والاستعادة للخدمة والافتراش، خلافا للثلاثة.
وإن كان الرهن بقرة حلوبا، أو حمارا مركوبا - وجواز حلب البقرة وركوب الدابة بقدر ما يحتاجان إليه من العلف - على ما حكاه الخرقي من أصحاب أحمد.
وصورة الرهن عند امتناع الراهن من علف الدابة يقول: وذلك جميع البقرة الصفراء الحلوب الراتب.
وجميع الحمار الاسود القارح، رهنا صحيحا شرعيا مسلما مقبوضا بيد المرتهن المذكور، على أن يقوم الراهن المذكور بعلفهما وخدمتهما والانفاق عليهما نفقة مثلهما، وإن امتنع الراهن من ذلك كان للمرتهن الانفاق عليهما والرجوع عليه بنظير ما ينفقه في علفهما وكلفتهما.
وكان له حلب البقرة والانتفاع بلبنها، وركوب الدابة، واستعمالهما بقدر ما يحتاجان إليه من العلف، ويكمل.
والذي حكاه الخرقي: أنه ليس
للمرتهن الانتفاع بشئ من الرهن إلا في هذه الصورة فقط.
وصورة الارتهان على مذهب أبي حنيفة وأحمد - وهو دخول الولد والصوف والثمرة واللبن وأجرة العقار وأجرة الدواب في الرهن، إذا حدث ذلك كله بعد عقد الرهن.
ويكون ملكا للراهن، خلافا للشافعي على الاطلاق، ولمالك.
فإن ذلك جميعه لا يدخل شئ منه في الرهن عند الشافعي.
وأما مالك: فلا يدخل شئ من ذلك عنده في الرهن إلا الولد خاصة.
فيقول: وذلك جميع البقرات الخمس الحوامل، وجميع البقرات الخمس الوالدات المقربات من الوضع المختلفات الشيات والالوان - وإن شاء وصف كل واحدة منها - وجميع البستان المشتمل على أشجار مختلفة الثمار والانواع - ويحدده - وجمع الدار الفلانية - ويحددها - وجميع الحمير الخمس القوارح المعدة لنقل

الحجارة وآلات البناء وغير ذلك.
وجميع الغنم الضأن البياض المختلفة الاسنان والشيات، وعدتها كذا وكذا رأسا.
وهن حوامل مقربات - رهنا صحيحا شرعيا مستقرا بيد المرتهن.
ومهما حدث بعد هذا العقد من نتاج البقر والغنم والضأن، وما تجدد على ظهور الغنم من صوف، ومهما أفضلت البقر والغنم من الحلب بعد رضاع أولادها، ومهما فضل من أجرة الحمير المذكورة، ومن ريع البستان، ومهما تجدد فيه ثمرة، ومهما وجب من أجرة الدار الموصوفة المحدودة بأعاليه.
كان رهنا صحيحا شرعيا على جميع الدين المعين أعلاه.
وعلى كل جزء منه، باقيا على ملك الراهن.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
ويرفع إلى حاكم حنبلي، يثبته ويحكم بموجبه مع العلم بما فيه الخلاف من دخول الحادث من الرهن بعد وقوع عقده في الرهن.
وصورة ارتهان عبد مكتسب، وأن يكون الكسب رهنا مع الاصل على مذهب أحمد، خلافا للباقين: ورهن المقر المذكور عند رب الدين المذكور على جميع الدين المعين أعلاه، وعلى كل جزء منه، جميع العبد الزنجي، أو غيره من الاجناس، الرجل
الكامل المكتسب، الزركشي أو الصائغ أو الحداد، أو غير ذلك من الصنائع، رهنا صحيحا شرعيا مسلما مقبوضا، ومهما اكتسبه العبد المذكور في مدة الرهن كان رهنا معه، ويكمل.
ويرفع إلى حاكم حنبلي يحكم فيه.
وصورة ارتهان بقرة حلوب، أو حمار مركوب، أو فرس، أو بغل، أو جمل.
والانفاق على ذلك في غيبة الراهن بإذن حاكم شرعي، وتصير النفقة دينا على الراهن، يستوفيها المرتهن من ثمن اللبن وظهر الدابة على مذهب أحمد وحده، ولا يحتاج عنده إلى إذن حاكم في الانفاق: ورهن المقر المذكور عند رب الدين المذكور على جميع الدين المعين أعلاه وعلى كل جزء منه جميع البقرة السوداء الحلوب مع الحمار الاخضر القارح المعد للعمل الفلاني، رهنا صحيحا شرعيا مسلما مقبوضا.
وللمرتهن الانفاق على الرهن المذكور في غيبة الراهن، واستيفاء ما ينفقه من لبن البقرة وأجرة الدابة.
ويكمل.
ويرفع إلى حاكم حنبلي يثبته ويحكم بموجبه مع العلم بالخلاف.
وصورة اشتراط في عقد المداينة، واشتراط البيع في عقد الراهن، وتوكيل الراهن للمرتهن في بيع الرهن عند حلول الدين بثمن المثل، وقبض الثمن.
يصدر بالاقرار بالدين.
ويذكر الاجل، ثم يقول: ولزمه ذلك ثمنا عن قماش - ويصفه - ابتاعه منه، فباعه إياه، بشرط أن يرهن عنده المرهون الآتي ذكره.
ويكمل الاقرار بالتسلم والتسليم والرؤية والمعرفة، والمعاقدة الشرعية - ثم يقول: ورهن المقر المذكور عند رب الدين المذكور على جميع الدين المعين أعلاه، وعلى كل جزء منه، ما شرط ارتهانه أعلاه.
وهو ملك

الراهن المذكور، وبيده حالة الرهن.
وذلك جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده، إن كان مما يحدد - الذي اشترط المقر له المذكور على المقر أن يوكله في بيع الرهن المذكور عند حلول الدين وقبضه من دينه المعين أعلاه، رهنا صحيحا شرعيا، مسلما مقبوضا بيد المرتهن.
ووكل المقر المذكور رب الدين المذكور في بيع الرهن المعين أعلاه بثمن
المثل، وقبض الثمن، وإقباضه له من دينه المعين أعلاه، وفي تسليم المبيع لمبتاعه.
توكيلا شرعيا قبله منه.
قبولا شرعيا.
فلا يملك عزله أبدا حتى يقضي هذا الدين جميعه، ويكمل.
وذلك جميعه على مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
وقال الشافعي: الشرط في عقد البيع: أن يرهن المقر عند رب الدين صحيح.
وشرط التوكيل في عقد الرهن باطل.
وهل يبطل الرهن أيضا؟ على قولين.
فصل: وإذا اتفق الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن عند ثالث جاز.
ويكون عدلا أمينا، فيقول: رهنا صحيحا شرعيا مسلما مقبوضا.
وجعلاه عند فلان الذي عرفا عدالته وأمانته باتفاقهما على ذلك ورضاهما به.
وتسلمه فلان المذكور.
واستقر تحت يده استقرارا شرعيا.
وصورة الرهن الذي استعاره الراهن، ورهنه عند المقر له على دينه: ورهن المقر المذكور عند رب الدين المذكور، على جميع الدين المعين أعلاه وعلى كل جزء منه، ما استعاره بشهادة شهوده من فلان.
فأعاره إياه ليرهنه على الدين المذكور عند رب الدين المذكور، مع علمه بقدر الدين وأجله، واعترافه بمعرفة معنى ذلك.
وما يترتب عليه، رهنا صحيحا شرعيا.
ويكمل على نحو ما سبق.

كتاب الحجر والتفليس وما يتعلق بهما من الاحكام التفليس، أصله في اللغة: الفلس.
وفي الشرع: اسم لمن عليه ديون لا يفي ماله بها.
ويسمى معسرا.
والمعسر إذا ثبت إعساره وجب إنظاره بدليل قوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * ولما روي أن رجلا ابتاع ثمرة.
فأصيب بها فقال النبي (ص): تصدقوا عليه.
فتصدقوا فلم يف بما عليه، ثم قال: تصدقوا عليه.
فتصدقوا عليه.
فلم يف بما عليه.
فقال النبي (ص) لغرمائه: خذوا ما وجدتم، ما
لكم غيره وهذا نص.
فإن كان له مال ظاهر باع الحاكم عليه ماله.
وقضى الغريم.
وإن قضى الحاكم للغرماء شيئا من مال من عليه الدين، جاز.
بدليل ما روي أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر.
وقال: ألا إن الاسيفع - أسيفع جهينة - رضي من دينه وأمانته، أن يقال: سابق الحاج - ويروى: سبق الحاج - فادان معرضا.
وأصبح، وقد رين به.
فمن كان له عليه دين فليحضر غدا.
فإنا بايعوا ماله.
فقاسموه بين غرمائه.
وروي فمن كان له عليه دين فليغد بالغداة.
فلنقسم ماله بينهم بالحصص وهذا بمجمع من الصحابة.
ولم ينكر عليه أحد.
فدل أنه إجماع.
تنبيه: قوله: فادان معرضا أي يتعرض للناس ليستدين ممن أمكنه، ويشتري به الابل الجياد، ويروح في الحج فيسبق الحاج.
وقوله: فأصبح وقد رين به يقال: رين بالرجل إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، ولا قبل له به.
ويقال: لما غلبك وعلاك: قد ران بك، وران عليك.
ومنه قوله تعالى: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) *

قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب.
انتهى.
والحجر على ضربين: أحدهما: حجر عام.
والثاني: حجر خاص.
فأما الحجر الخاص: فهو مثل أن يرهن شيئا، أو يكاتب عبده، أو يبيع عبده الآبق أو المغصوب.
والمبيع قبل القبض، ونحو ذلك.
فلا يجوز تصرفه.
وأما الحجر العام: فهو على سبعة أنواع: حجر الافلاس، وحجر السفه، وحجر الجنون، وحجر الصغر، وحجر الرق، وحجر المرض، وحجر الارتداد.
فأما حجر الافلاس: فإنه يقع في المال.
ويرتفع بارتفاع الافلاس.
وأما حجر السفه: فإنه يقع في المال والعتق والاقرارات.
ويرتفع عند الحاكم
بإيناس الرشد.
وأما حجر الجنون: فإنه يقع في كل شئ.
ويرتفع بارتفاع الجنون.
وأما حجر الصغر: فإنه يقع في كل شئ، إلا في مسألتين: التدبير، والوصية.
ويرتفع بالبلوغ.
وإيناس الرشد.
وأما حجر الرق: فإنه يقع في حق السيد.
وأما حجر المرض: فإنه يقع في الثلث، إذا أخرجه المريض عن ملكه في غير طاعة أو مباح، وفي كل المال مع الورثة.
وأما حجر الارتداد: فإنه يقع في كل شئ.
فإن عاد إلى الاسلام نفذت تصرفاته، ورفع عنه الحجر.
وإن لم يعد فلا يرتفع الحجر عنه.
وحكمه القتل بعد ثلاثة أيام.
فإن لم يعد إلى الاسلام قتل.
وكان ماله فيئا.
واثنان من الحجر يحتاج في رفعهما إلى حكم الحاكم.
وهما حجر الافلاس في قول وحجر الارتداد.
وثلاثة منها ترتفع بنفسها، وهي حجر الجنون، وحجر الصغر، وحجر الرق.
وواحد منها يحتاج إلى الحاكم والوالد، وهو إذا بلغ سفيها، ثم صار رشيدا.
والله أعلم.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اعلم أن الحجر المفلس عند طلب الغرماء، وإحاطة الديون بالمدين، مستحق على الحاكم، وأن له منعه من التصرف حتى لا يضر بالغرماء، وأن الحاكم يبيع أموال المفلس إذا امتنع من بيعها ويقسمها، بين غرمائه بالحصص عند الشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو

حنيفة: لا يحجر على المفلس، بل يحبس حتى تقضى الديون.
فإن كان له مال لم يتصرف الحاكم فيه ولا يبيعه، إلا أن يكون ماله دراهم ودينه دراهم، فيقبضها القاضي بغير أمره، وإن كان دينه دراهم وماله دنانير باعها القاضي في دينه.
واختلفوا في تصرفات المفلس في ماله بعد الحجر عليه.
فقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه في تصرفه.
وإن حكم به قاض لم ينفذ قضاؤه، ما لم يحكم به قاض ثان وإذا لم يصح الحجر عليه صحت تصرفاته كلها، سواء احتملت الفسخ أو لم تحتمل.
فإن نفذ الحجر قاض ثان صح من تصرفاته ما لا يحتمل الفسخ، كالنكاح والطلاق والتدبير، والعتق والاستيلاد.
وبطل ما يحتمل الفسخ، كالبيع والاجارة، والهبة والصدقة ونحو ذلك.
وقال مالك: لا ينفذ تصرفه في أعيان ماله ببيع ولا هبة ولا عتق.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما - وهو الاظهر - كمذهب مالك.
والثاني: تصح تصرفاته.
وتكون موقوفة.
فإن قضيت الديون من غير نقض التصرف نفذ التصرف.
وإن لم تقض إلا بنقضه فسخ منها الاضعف فالاضعف.
فيبدأ بالهبة، ثم البيع، ثم العتق.
وقال أحمد، في أظهر روايتيه: لا ينفذ تصرفه في شئ إلا في العتق خاصة.
ولو كان عند المفلس سلعة وأدركها صاحبها، ولم يكن البائع قبض من ثمنها شيئا، والمفلس حي.
قال مالك والشافعي وأحمد: صاحبها أحق بها من الغرماء، فيفوز بأخذها دونهم.
وقال أبو حنيفة: صاحبها كأحد الغرماء، يقاسمونه فيها.
فلو وجدها صاحبها بعد موت المفلس، ولم يكن قبض من ثمنها شيئا.
قال الشافعي: صاحبها أحق بها، كما لو كان حيا.
وقال الثلاثة: صاحبها أسوة الغرماء.
فصل: الدين إذا كان مؤجلا، هل يحل بالحجر أم لا؟ قال مالك: يحل.
وقال أحمد: لا يحل.
وللشافعي قولان كالمذهبين، وأصحهما: لا يحل.
وأبو حنيفة: لا حجر عنده مطلقا.
وهل يحل الدين بالموت؟ قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك: إنه يحل.
وقال أحمد وحده: لا يحل في أظهر روايتيه، إذا وثق الورثة.
ولو أقر المفلس بدين بعد الحجر تعلق الدين بذمته، ولم يشارك المقر له الغرماء الدين، وحجر عليه لاجلهم عند الثلاثة.
وقال الشافعي: يشاركهم.
وهل تباع دار المفلس التي لا غنى له عن سكناها، وخادمه المحتاج إليه؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا يباع ذلك.
وزاد أبو حنيفة وقال: لا يباع عليه شئ من العقار والعروض.
وقال مالك والشافعي: يباع ذلك كله.
وإذا ثبت إعساره عند الحاكم، فهل يحول الحاكم بينه وبين غرمائه أم لا؟ قال أبو حنيفة: يخرجه الحاكم من الحبس، ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه ويلازمونه،

ولا يمنعونه من التصرف، ويأخذون فضل كسبه بالحصص.
وقال مالك والشافعي: يخرجه الحاكم من الحبس، ولا يفتقر إخراجه إلى إذن غرمائه، ويحول بينه وبينهم.
ولا يجوز حبسه بعد ذلك، ولا ملازمته.
بل ينظر إلى ميسرة.
واتفقوا على أن البينة تسمع على الاعسار بعد الحبس.
واختلفوا، هل تسمع قبله؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: تسمع قبله.
وظاهر مذهب أبي حنيفة: أنها لا تسمع إلا بعده.
وإذا أقام المفلس البينة بإعساره.
فهل يحلف بعد ذلك أم لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا يحلف.
وقال مالك والشافعي: يحلف بطلب الغرماء.
واتفقوا على أن الاسباب الموجبة للحجر: الصغر، والرق، والجنون.
وأن الغلام إذا بلغ غير رشيد لم يسلم إليه ماله.
واختلفوا في حد البلوغ.
فقال أبو حنيفة: بلوغ الغلام بالاحتلام، والانزال إذا وطئ.
فإن لم يوجد ذلك فحتى يتم له ثمان عشرة سنة، وقيل: تسع عشرة سنة.
وبلوغ الجارية بالحيض والاحتلام والحبل أو حتى يتم لها سبع عشرة سنة.
وأما مالك: فلم يحد فيه حدا.
وقال أصحابه: سبع عشرة سنة، أو ثمان عشرة سنة في حقها.
وفي رواية ابن وهب: خمس عشرة سنة.
وقال الشافعي وأحمد، في أظهر روايته: حده في حقها خمس عشرة سنة، أو خروج المني، أو الحيض أو الحبل.
ونبات العانة.
هل يقتضي الحكم بالبلوغ به أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا.
وقال مالك
وأحمد: نعم.
والراجح من مذهب الشافعي: أنه يحكم بالبلوغ به في حق الكافر، لا المسلم.
فصل: وإذا أونس من صاحب المال الرشد: دفع إليه ماله بالاتفاق.
واختلفوا في الرشد، ما هو؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: هو في الغلام إصلاح ماله، وتأتيه لتمييزه وعدم تبذيره، ولم يراعوا عدالة ولا فسقا.
وقال الشافعي: هو إصلاح المال والدين.
وهل بين الغلام والجارية فرق؟ قال أبو حنيفة والشافعي: لا فرق بينهما.
وقال مالك: لا يفك الحجر عنها، وإن بلغت رشيدة، حتى تتزوج ويدخل بها الزوج.
وتكون حافظة لمالها كما كانت قبل التزويج.
وعن أحمد: روايتان.
المختار منهما: لا فرق بينهما.
والثانية: كقول مالك، وزاد: حتى يحول عليها حول عنده، أو تلد ولدا.
وقال الثلاثة: إن الصبي إذا بلغ وأونس منه الرشد: دفع إليه ماله.
فإن بلغ غير رشيد لم يدفع إليه ماله، ويستمر محجورا عليه.
وقال أبو حنيفة: إذا انتهى سنه إلى خمس وعشرين سنة دفع إليه المال بكل حال.
وإذا طرأ عليه السفه بعد إيناس رشده: هل يحجر عليه؟ وإن كان مبذرا؟ ويجوز للاب والوصي أن يشتريا لانفسهما من مال اليتيم، وأن يبيعا مال

أنفسهما بمال اليتيم، إذا لم يحابيا أنفسهما عند مالك.
انتهى.
المصطلح عليه المترتب على ذلك: وصورة وضعها في الكتابة يشتمل على أنواع.
منها: صورة الحجر على المفلس بطلب الغرماء: هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا فلان الدين: أنه حجر على فلان حجرا صحيحا شرعيا.
ومنعه من التصرف في ماله الحاصل بيده يومئذ والحادث بعده.
منعا تاما بحكم ما ثبت عليه من الديون الشرعية، الواجبة في ذمته لاربابها، الزائدة على قدر ماله.
ومبلغ ما عليه من الديون الشرعية: كذا وكذا بيان ذلك، ما هو لفلان: كذا، بمقتضى مسطور شرعي تاريخه كذا.
ولفلان كذا، بمسطور تاريخه كذا - ويعد الغرماء،
ويذكر قدر ما لكل واحد من الدين، وتاريخ مسطوره - ثم يقول: وأثبت كل منهم مسطوره عند الحاكم المشار إليه، الثبوت الشرعي، بشهادة العدول الواضعين رسم شهادتهم في آخرها.
واستحلف كلا منهم على ذلك، واستحقاقه لجميعه استحقاقا شرعيا.
وذلك بعد أن ثبت عنده بالبينة الشرعية: أن المديون المذكور معسر عاجز عن وفاء ما عليه من الديون المذكورة، وأن موجوده لا تفي قيمته بما عليه من الدين المذكور، إلا على حكم المحاصصة، الثبوت الشرعي.
وحكم بفلس المذكور، وصحة الحجر عليه، مع العلم بالخلاف، حكما شرعيا مسؤولا فيه.
وفرض له في ماله برسم نفقته ونفقة من تلزمه نفقته - وهم زوجته فلانة وأولاده لصلبه منها فلان وفلان وفلانة - برسم طعامهم وشرابهم، وما لا بد لهم منه من اللوازم الشرعية في كل يوم كذا فرضا شرعيا من تاريخه، إلى حين الفراغ من بيع قماشه وما له من الاثاث والمتاع، وقسم ما يتحصل بين الغرماء بنسبة ديونهم على الوجه الشرعي، مستوفيا شرائطه الشرعية.
ويكمل.
وصورة الحجر بالسفه والتبذير: أشهد عليه سيدنا فلان: أنه حجر على فلان حجرا صحيحا شرعيا، ومنعه من التصرف في ماله الحاصل يومئذ والحادث بعده.
منعا شرعيا، وحجرا معتبرا مرعيا.
بعد أن ثبت عنده بالبينة الشرعية العادلة المرضية أن فلانا المذكور سيفه، مفسد لماله مبذر له، مسرف في إنفاقه، وفي بيعه وابتياعه، مستحق لضرب الحجر عليه.
ومنعه من التصرف إلى أن يستقيم حاله، ويثبت رشده، ويظهر صلاحه، وأن المصلحة في إيقاع الحجر عليه، وإبطال تصرفاته، ثبوتا صحيحا شرعيا.
وحكم بذلك.
وضرب الحجر على المذكور، ومنعه من التصرف.
وحكم بسفهه حكما شرعيا.
ونهاه عن المعاملات.
وأبطل فعله في جميع التصرفات إبطالا شرعيا، وفرض له في ماله برسم نفقته ونفقة من تلزمه نفقته من زوجته فلانة وأولاده الصغار، وهم فلان وفلان

وفلان، وما لا بد لهم منه شرعا كل يوم من تاريخه كذا.
وأوجب لهم ذلك في ماله إيجابا شرعيا، بعد أن ثبت عنده بالبينة الشرعية: أنه تحصل الكفاية له ولمن معه بذلك.
وأن ليس فيه زيادة على كفايته، ثبوتا شرعيا.
ويكمل.
صورة الحجر بالجنون: أشهد على نفسه سيدنا فلان أنه حجر على فلان حجرا صحيحا شرعيا.
ومنعه من التصرف في ماله الحاصل يومئذ والحادث بعده منعا شرعيا.
وذلك بعد أن ثبت عنده جنون المحجور عليه، جنونا مطبقا لا يفيق منه، بل ملازم له في جميع الحالات، وأنه مع كونه ملازما له، مفرط في أمواله مسرف في أعطياته، مسلوب الاهتداء إلى التصرف في أمواله إلا على وجه الاتلاف والافساد، ثبوتا صحيحا شرعيا.
وفرض له في ماله برسم نفقته ونفقة من تلزمه نفقته في كل يوم من تاريخه كذا، وأوجب له ذلك في ماله إيجابا شرعيا.
وأذن للمتكلم الذي نصبه متصرفا في أمواله في إنفاق القدر المفروض عليه في كل يوم بقسطه، إذنا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الحجر بالخبل والعته: أشهد عليه سيدنا فلان الدين أنه حجر على فلان حجرا صحيحا شرعيا.
ومنعه من التصرف في ماله الباطن والظاهر، والحادث بعده، منعا شرعيا، بعد أن ثبت عنده - ثبت الله مجده - بالبينة الشرعية: أنه معتوه مخبول مسلوب، لا يستقيم كلامه، ولا يفهم خطابه، ولا يستمر نظامه، ولا يرد الجواب بالصواب، ولا يصدر منه إلا التخليط، وأنه مستحق لضرب الحجر عليه، الثبوت الشرعي.
وفرض له في ماله برسم نفقته وكسوته وما لا بد له منه شرعا في كل يوم من تاريخه كذا، وأذن لمن ماله تحت يده في صرف القدر المفروض عليه إذنا شرعيا.
ويكمل.
والله أعلم.

كتاب الصلح وما يتعلق به من الاحكام الاصل في جواز الصلح: الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * فأمر الله تعالى بالصلح بين المؤمنين.
وقوله تعالى: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) * وقوله تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدآ إصلاحا يوفق الله بينهما) * فدلت هذه الآيات على جواز الصلح.
وأما السنة: فما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا.
وأما الاجماع: فإن الامة أجمعت على جوازه.
والصلح على أربعة أقسام: الاول: صلح بمعنى الهبة، وهو أن يدعي الرجل عينا في يد رجل، ثم يصالح منها على بعضها.
فيكون الباقي هبة.
والثاني: صلح بمعنى البيع، وهو أن يدعي شيئا أو عبدا في يد رجل.
فيصالح منها على دراهم أو دنانير.
والثالث: بمعنى الابراء والحطيطة.
وهو أن يدعي دراهم أو دنانير في ذمة رجل.
فيصالح منها على بعضها، ويبرئ من البعض.
والرابع: المصالحة مع الكفار.
وسيأتي بيانها في بابها.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اعلم أن من علم أن عليه حقا، فصالح على بعضه لم يحل.
لانه هضم للحق.
أما إذا لم يعلم وادعى عليه، فهل تصح المصالحة؟ قال الثلاثة: تصح.
وقال الشافعي: لا تصح.
والمجهول على المجهول جائز عند الثلاثة.
ومنعه الشافعي.
وإذا وجد حائط بين دارين، ولصاحب إحدى الدارين جذوع، وادعى كل واحد منهما أن جميع الحائط له.
فعند أبي حنيفة ومالك: أنه لصاحب الجذوع التي عليه، مع يمينه.
وقال الشافعي
وأحمد: إذا كان لاحدهما جذوع عليه لم يترجح جانبه بذلك، بل الجذوع لصاحبها مقرة على ما هي عليه.
والحائط بينهما مع أيمانهما.
وإذا تداعيا سقفا بين بيت وغرفة فوقه، فالسقف عند أبي حنيفة ومالك لصاحب السفل.
وقال الشافعي وأحمد: هو بينهما نصفان.
وإذا انهدم العلو أو السفل، فأراد صاحب العلو أن يبنيه، لم يجبر صاحب السفل على البناء والتسقيف، حتى يبني صاحب العلو، بل إن اختار صاحب العلو أن يبني السفل من ماله، ويمنع صاحب السفل من الانتفاع، حتى يعطيه ما أنفق.
فهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
ونقل عن الشافعي كذلك.
والصحيح من مذهبه: أنه لا يجبر صاحب السفل، ولا يمنع من الانتفاع إذا بنى صاحب العلو بغير إذنه، بناء على أصله.
وفي قوله الجديد: إن الشريك لا يجبر على العمارة.
والقديم المختار عند جماعة من متأخري أصحابه: إنه يجبر الشريك، دفعا للضرر، وصيانة للاملاك المشتركة عن التعطيل.
وقال الغزالي في فتاويه: الاختيار أن القاضي يلاحظ أحوال المتخاصمين.
فإن رأى أن الامتناع لغرض صحيح، أو شك في ذلك، لم يجبره.
وإن علم أنه عناد، أجبره.
قال: والقولان يجريان في تبقية البئر والقناة والنهر بين الشركاء.
فصل: وللمالك التصرف في ملكه تصرفا لا يضر بجاره.
واختلفوا في تصرف يضر بالجار.
فأجازه أبو حنيفة والشافعي.
ومنعه مالك وأحمد.
وذلك مثل: أن يبني حماما، أو معصرة، أو مرحاضا، أو يحفر بئرا مجاورة لبئر شريكه، فينقص ماؤها بذلك، أو يفتح لحائطه شباكا أو كوة تشرف على داره فلا يمنع من ذلك لتصرفه في ملكه.
واتفقوا على أن للمسلم أن يعلي بناءه في ملكه، لكن لا يحل له أن يطلع على عورات جيرانه.
فإن كان سطحه أعلى من سطح غيره.
قال مالك وأحمد: له بناء سترة تمنعه من الاشراف على جاره.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزمه ذلك.
وهكذا اختلافهم فيما إذا كان بين رجلين جدار، فسقط.
فطالب أحدهما الآخر ببنائه فامتنع.

وكذلك إذا كان بينهما دولاب أو قناة أو نهر فتعطل، أو بئر.
قال أبو حنيفة بالاجبار في النهر والدولاب والقناة والبئر، لا في الجدار، بل عدم الاجبار في الجدار متفق عليه.
فيقال للآخر: إن شئت فابن وامنعه من الانتفاع حتى يعطيك قيمة البناء.
ووافقه مالك على الاجبار في الدولاب والقناة والنهر والبئر واختلف في الجدار المشترك.
فعنه رواية بالاجبار.
والاخرى بعدمه.
انتهى.
المصطلح المترتب على وضع الكتابة: وصورته على أنواع.
منها: صورة الصلح الحكمي: هذا ما صالح عليه فلان، وهو المصالح بإذن سيدنا فلان.
وأمره الكريم، على فلان اليتيم الصغير الذي هو في حجر الحكم العزيز، لوجود الحظ والمصلحة له في هذا الصلح الآتي ذكره، على الوجه الشرعي، الذي سيشرح فيه، المسوغتين للصلح عليه شرعا، فلانا على ما ادعاه في ذمة والد اليتيم المذكور، وفي تركته.
وهو كذا وكذا.
وأقام البينة لدى الحاكم الآذن المشار إليه، وثبت إقرار والده المذكور بذلك، وجريان حلف المدعي المذكور على الاستحقاق، وعلى عدم المسقط والمبطل، الثبوت الشرعي بجميع كذا، مصالحة شرعية، دعا المصالح المذكور إليها المصالح.
ورضي بها الرضى التام.
ودفع المصالح المذكور إلى المصالح المذكور بالاذن الحكمي المشار إليه: جميع القماش المصالح به المعين أعلاه من مال اليتيم المذكور إلى المصالح المذكور.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
برئت به ذمة والد اليتيم المذكور من جميع الدين الثابت في ذمته المعين أعلاه.
ومن كل جزء منه، البراءة الشرعية.
ويكمل.
وصورة الصلح من وكيل بيت المال على ملك في يد رجل ادعى وكيل بيت المال بحصة فيه، فصدقة صاحب الملك وصالحه: هذا ما صالح عليه سيدنا فلان وكيل بيت المال المعمور بمدينة كذا، بمقتضى الوكالة الشرعية المفوضة إليه - ويذكر جميع ما تقدم
ذكره مما هو متعلق بوكيل بيت المال على نحوه المشروح في كتاب البيوع - أو صالح عنه نائبه بإذنه له، لوجود الحظ والمصلحة والغبطة لجهة بيت المال المعمور، فلان على جميع الحصة الشائعة.
وقدرها كذا من جميع الدار - ويصفها ويحددها - بما مبلغه كذا، مصالحة شرعية.
صارت بها الحصة المصالح عليها ملكا من أملاك المصالح المذكور، وحقا من حقوقه.
ولا حق لبيت المال المعمور مع المصالح المذكور في جميع الدار الموصوفة المحدودة بأعاليه.
ولا في شئ منها، ولا في حق من حقوقها.
واستقرت يد المصالح المذكور على الدار المذكورة جميعها استقرارا شرعيا.
أذن وكيل بيت المال

المعمور المشار إليه للمصالح المذكور في دفع المبلغ المصالح به إلى عمال بيت المال المعمور، الواضعين خطوطهم بهامش كتاب هذا الصلح.
وهم: فلان وفلان وفلان.
فدفعه إليهم، فقبضوه منه قبضا شرعيا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الصلح بين اثنين على دار بعبد أو غيره، وهو عبارة عن بيع: صالح فلان فلانا عما ادعاه، من أنه يملك ويستحق جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها، أو حصة منها - التي هي بيد المدعى عليه المذكور - بعد تنازعهما في عين الدعوى.
واعترف المصالح الاول بعد ذلك بما ادعاه الثاني، وصدقه عليه التصديق الشرعي - بجميع العبد الفلاني - ويصفه، ويذكر جنسه، واعترافه بالرق والعبودية - ثم يقول: الجاري في يده وملكه، وبجميع القماش - ويصفه وصفا تاما يخرجه عن الجهالة - أو بما مبلغه كذا، من عين أو مال، مصالحة شرعية، رضيا بها، واتفقا عليها، وتداعيا إليها.
دفع المصالح الاول إلى الثاني جميع ما صالحه به.
وقبضه قبضا شرعيا.
وأقر المصالح الثاني المذكور: أنه لا يستحق مع المصالح الاول في هذه الدار المصالح عليها حقا ولا استحقاقا، ولا دعوى ولا طلبا، ولا ملكا ولا شبهة ملك، ولا منفعة ولا استحقاق منفعة، ولا شيئا قل ولا جل.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الصلح عن قماش أو غيره بخدمة عبد، أو سكنى دار - وهذا الصلح بمعنى الاجارة -: صالح فلان فلانا عما ادعاه المصالح الثاني في ذمة المصالح الاول.
وهو استحقاق جميع القماش الذي صفته كذا، وعدته كذا، وقيمته كذا، بما مبلغه كذا، أو بخدمة عبده الحبشي الجنس، المسلم البالغ المدعو فلان، المعترف للمصالح الاول بالرق والعبودية، ليخدم المصالح الثاني مدة سنة كاملة من تاريخه خدمة مثله لمثله، أو ليسكن جميع الدار الجارية في ملك المصالح الاول الكائنة بالمكان الفلاني - ويصفها ويحددها - مدة سنة كاملة من تاريخه، وينتفع بها انتفاع مثله بمثلها من غير أجرة، مصالحة عن هذه الدعوى التي جرت بينهما، بالطريق المعتبر الشرعي.
وذلك بعد أن تنازعا في هذه الدعوى.
ثم إن المدعى عليه اعترف بصحتها، وأقر بها إقرارا شرعيا.
وتصادقا على ذلك التصادق الشرعي.
ورضيا به واتفقا عليه.
وتفرقا من مجلس الصلح عن تراض.
وأقر المدعي المذكور أنه لا يستحق على المدعى عليه المذكور.
ولا في ذمته منه حقا، ولا دعوى ولا طلبا - ويسوق ألفاظ الاقرار بعدم الاستحقاق المتقدمة.
ويستعمل منها ما يليق بالواقعة - ثم يقول: وأقر المصالح الاول أن المصالح الثاني المذكور يستحق المبيع الذي قبضه، واستخدام العبد وسكنى الدار، والانتفاع بذلك طول المدة المذكورة أعلاه استحقاقا شرعيا.
ويكمل.

وصورة الصلح على دار يسكنها مدة معينة عما ادعاه الخصم المصالح من دار وغيرها - وهي بمعنى العارية -: صالح فلان فلانا عما ادعاه المصالح الثاني على المصالح الاول من أنه مالك مستحق لجميع الحصة التي قدرها كذا من جميع الدار الفلانية - ويحددها - وأنها انتقلت إليه بالارث الشرعي من والدته فلانة.
وهي التي كانت زوجا لوالد المصالح الاول، المنتقلة إليها بالارث الشرعي من زوجها المذكور، وصدقه المصالح الاول على ذلك، بسكنى جميع الدار الجارية في ملك المصالح الاول الكائنة
بالمكان الفلاني - ويحددها - مدة كذا وكذا سنة من تاريخه، وسلم إليه السكن المذكور، فتسلمه منه كتسلم مثله.
ووجب له السكن بالدار المذكورة، والانتفاع بها بنفسه وأهله المدة المذكورة، وجوبا شرعيا من غير أجرة، ولا عوض ولا مقابل، ولا رجوع بشئ من ذلك.
وأقر المصالح الثاني: أنه لا يستحق على المصالح الاول بسبب الدار الموصوفة المحدودة بأعاليه حقا ودعوى ولا طلبا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الصلح على الانكار: صالح فلان فلانا على جميع الدار الفلانية - ويحددها - التي ادعى المصالح الاول على الثاني باستحقاقها من وجه شرعي.
وأنكر المدعى عليه المذكور ذلك، وطلب من المدعى عليه يمينه على ذلك.
فرأى أن يصالحه عن هذه الدعوى بمال، افتداء ليمينه، ودفعا للخصومة، وقطعا للمنازعة فاصطلحا عن المدعى به، مع الانكار لصحة الدعوى، واعتقاده بطلانها، وإصراره على الانكار إلى حين هذا الصلح وبعده، ودفع إليه مبلغ كذا وكذا.
فقبضه منه قبضا شرعيا، مصالحة جرت بينهما عن هذه الدعوى بإيجاب وقبول شرعيين على الوجه الشرعي.
وأقر المدعي المذكور أن الدار الموصوفة المحدودة بأعاليه ملك المدعى عليه المذكور وحق من حقوقه، وأنه لا حق له معه فيها، ولا في شئ منها بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الاسباب.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
ورضيا به واتفقا عليه.
ويكمل.
ويرفع إلى حاكم حنفي أو مالكي.
وصورة صلح الاجنبي عن المدعى عليه - إذا جاء وصدق الاجنبي.
وقام مقام المدعى عليه صح الصلح، إذا كان المدعى به دينا.
وإن كان عينا فصالح الاجنبي المدعي، وقال له: إن المدعى عليه معترف بذلك في الباطن، وقد وكلني في الصلح: صح الصلح، أو قال الاجنبي: إن المدعى عليه اعترف عندي بحقك ووكلني في الصلح عليه.
صح الصلح.
وهو صحيح عند الشافعي - صالح فلان فلانا على جميع الدار التي هي بيد فلان يومئذ.
وادعى المصالح الثاني أن الدار المذكورة له وملكه، وأنها بيد الذي
صالح عنه الاول بغير حق ولا طريق شرعي.
فقال الاجنبي المصالح الاول: نعم، وهو

معترف بذلك في الباطن.
واعترف عندي، ووكلني في مصالحتك على هذه الدار المدعى بها، وهي التي بيده، بمبلغ جملته كذا وكذا.
فقال المدعي المذكور للاجنبي المذكور: صالحتك عنها بهذا المبلغ مصالحة شرعية، جرت بينهما باللفظ المعتبر الشرعي.
ودفع المصالح الاجنبي المبلغ المعين أعلاه إلى المصالح المدعي المذكور من مال المصالح عنه، دون مال الاجنبي.
فقبضه منه بحكم هذا الصلح ومقتضاه شرعا.
وأقر أنه لم يبق له قبل المصالح عنه في جميع الدار المذكورة، ولا في شئ منها، ولا في حق من حقوقها حق ولا استحقاق، ولا مطالبة ولا علقة ولا تبعة، ولا شئ قل ولا جل.
ويكمل على نحو ما سبق.
تنبيه: جرت عادة كتاب الوثائق أن لا يسموا الرجل الاجنبي، وإنما يقول الكاتب: وإن رجلا بالغا عاقلا جائز التصرف، عرف ذلك معرفة تامة، وأقر بوجوبه لفلان على فلان.
وصالحه عنه من ماله بغير أمر فلان له ولا إذنه في ذلك.
وما يكتب ذلك كذلك إلا إذا خاف الذي في يده الدار أن يقر بها للمدعي.
فلا يجيبه إلى الصلح.
والكل جائز.
انتهى.
وصورة الصلح على وضع الخشب على حائط الدار: صالح فلان فلانا على أن يضع الاول منهما على حائط الثاني - وهو الحائط الذي بين داريهما من الجهة الفلانية - الجاري في ملك المصالح الثاني واختصاصه.
وهاتان الداران بالمكان الفلاني - ويصف كل واحدة منهما ويحددها - ثم يقول: من الاخشاب الجوز، أو غيره، الحزم أو الارباع.
أو الانصاف، أو من اثنين حمل، أو من ستة حمل، أو من ثمانية حمل.
كل عود منها طوله كذا وكذا ذراعا بالذراع النجاري عشرين جذعا مادة قبلة وشمالا، أو شرقا وغربا، بعوض مبلغه كذا.
دفع المصالح الثاني إلى المصالح الاول جميع العوض المذكور.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
ووجب للاول منهما فلان وضع هذه الجذوع على الحائط المذكور واستمرارها عليه.
وانتفاع المصالح المذكور به وورثته.
ومن انتقل إليه ذلك بطريق شرعي وجوبا شرعيا.
وجرى ذلك بينهما على الوضع المعتبر الشرعي، وتصادقا على ذلك ورضياه.
واتفقا عليه.
ويكمل.
وصورة الصلح على إخراج جناح.
أو روشن، إلى أرض الجار: صالح فلان فلانا على أن الاول منهما يخرج روشنا، أو جناحا، من داره الفلانية - ويحددها - على ملك المصالح الثاني، المجاورة لدار الاول من الجهة الفلانية، أو المقابلة لها ويبرز به على أرض جاره، بأخشاب من جوز، أو توت أو غيرها، عدتها كذا وكذا عودا.
وطول بروز الجناح المذكور كذا وكذا ذراعا بالذراع المذكور، وطول الجناح على الحائط كذا وكذا

ذراعا، بعوض مبلغه كذا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الصلح على فتح الباب في الدرب: صالح فلان فلانا وفلانا، وهم أهل الدرب الفلاني، الكائن بالموضع الفلاني، على أن المصالح الاول يفتح بابا للدرب المذكور إلى داره المتصلة بالدرب المذكور من الجهة الفلانية - ويحددها - حسب سؤاله لهم على ذلك، وعلى أن يقوم لهم بما مبلغه كذا.
فأجابوه إلى ذلك، وصالحوه عليه بالمبلغ المذكور، بالسوية بينهم، ودفع إليهم المبلغ المصالح عليه بسبب ذلك المعين أعلاه.
فقبضوه منه قبضا شرعيا.
وأذنوا له في فتح الباب المذكور إذنا شرعيا.
قبل ذلك منهم قبولا شرعيا.
ورضوا بذلك واتفقوا عليه.
وبقي لفلان المصالح المذكور حق الاستطراق بالدرب المذكور إلى داره المذكورة بالسبب المذكور.
ولم يبق لكل من أهل الدرب منعه من ذلك، ولا من شئ منه.
ومتى ادعى أحد منهم بدعوى تخالف ذلك، بنفسه أو بوكيله.
كانت دعواه ودعوى من يدعي عنه باطلة، لا صحة لها، ولا حقيقة لاصلها، وتصادقوا على ذلك كله التصادق الشرعي.
وأشهدوا عليهم بذلك في حالة
الصحة والسلامة والطواعية والاختيار من غير إكراه ولا إجبار.
وينشأ على أصول مسائل الباب فروع: الاول: إذا قال أحد الورثة لصاحبه: تركت حقي من التركة لك.
فقال: قلت: لم يصح.
ويبقى حقه كما كان.
الثاني: إذا باع ناصب الميزاب، أو باني الجدار المائل: الدار.
لم يبرأ من الضمان، حتى لو سقط على إنسان فهلك به.
يجب الضمان على عاقلة البائع.
الثالث: لو أراد الجار أن يبني جداره الخالص أو المشترك مائلا إلى ملك الجار.
فله المنع.
وإن مال فله المطالبة بالنقض، فلو تولد منه هلاك وجب الضمان، كما لو بناه مائلا إلى الشارع.
ولو استهدم الجدار ولم يمل.
قال الاصطخري: لا يطالب بنقضه.
فعلى الاول: لا ضمان عليه فيما يتولد منه.
وعلى الثاني: هو كما لو مال فلم ينقضه.
ومقتضاه لا ضمان في الاصح.
الرابع: لو رش الماء في الطريق، فزلق به إنسان أو بهيمة.
فإن رش لمصلحة عامة - كدفع الغبار عن المارة - فكحفر البئر للمصلحة العامة.
وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضمان.
الخامس: لو بنى على باب داره دكة.
فتلف بها إنسان أو دابة.
وجب الضمان.
وكذا الطواف إذا وضع متاعه في الطريق: فتلف به شئ ضمنه، بخلاف ما لو وضع على طرف حانوته.

السادس: لو بالت دابة أو راثت، فزلق به إنسان أو دابة، أو تطاير منه شئ إلى طعام إنسان فنجسه.
فإن كانت الدابة في ملكه فلا ضمان.
وإن كانت في الطريق، أو ربطها في الطريق، ضمن على الاصح.
ولو أسند خشبة إلى جدار، فسقط الجدار على شئ فأتلفه.
فإن كان الجدار لغير المسند، ولم يأذن له، فعليه ضمان الجدار.
وما سقط
عليه.
وإن كان الجدار للمسند ولغيره.
وقد أذن له في الاسناد، لم يجب ضمان الجدار.
وفي ضمان ما يسقط عليه وجهان.
تنبيه: اعلم أن الضمان حيث أطلق في هذه الصورة وما أشبهها، أو قيل: إنه على الحافر، أو على واضع الحجر، أو القاعد، أو ناصب الميزاب، أو الجناح وملقى القمامة وقشر البطيخ: فالمراد تعلق الضمان بهم.
ومعناه: يجب على عاقلتهم.
انتهى.
تذييل: ويجوز للانسان أن يشرع روشنا في الطريق النافذ إذا لم تتضرر المارة به.
ولا يجوز في الدرب المشترك إلا بإذن الشركاء.
ويجوز تقديم الباب في الدرب المشترك، ولا يجوز تأخيره إلا عن إذن.
وإن أراد أن يضع الجذع على حائط جاره، أو حائط مشترك بغير إذن.
لم يجز في الاصح.
وإن صالحه على ذلك بشئ جاز.
وإن كان معلوما.
وإن كان بينهما حائط واقع، أو لاحدهما العلو والآخر السفل فوقع السقف فدعا أحدهما صاحبه إلى البناء وامتنع الآخر.
ففيه قولان.
أصحهما: أنه لا يجبر عليه والله أعلم.

كتاب الحوالة وما يتعلق بها من الاحكام الحوالة: نقل حق من ذمة إلى ذمة.
وهي مشتقة من قولهم: حولت الشئ من موضع إلى موضع، إذا نقلته إليه والاصل في جوازها: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على ملئ فليحتل وروي: وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع والمراد به الحوالة.
وتصح بوجود خمس شرائط: المحيل، والمحتال.
والمحال عليه.
وأن يكون المال في ذمة المحال عليه، على أصح القولين.
والخامس: أن لا يعتبر رضى المحال عليه.
وهل يفتقر إلى علمه؟ فيه وجهان.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أنه إذا كان لانسان على آخر حق، فأحاله على من له عليه حق.
لم يجب على المحتال قبول الحوالة.
وقال داود: يلزمه القبول، وليس للمحال عليه أن يمتنع من قبول الحوالة عليه، ولا يعتبر رضاه عند أبي حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن

كان المحتال عدوا للمحتال عليه يلزمه قبولها.
وقال الاصطخري من أئمة الشافعية: لا يلزم المحال عليه القبول مطلقا، عدوا كان المحتال أم لا.
وعن داود: إذا قبل صاحب الحق الحوالة على ملئ فقد برئ المحيل على كل وجه.
وبه قال الفقهاء أجمع، إلا زفر.
فقال: لا يبرأ.
واختلفوا في رجوع المحتال على المحيل، إذا لم يصل إلى حقه من جهة المحال عليه، فمذهب مالك أنه إن غره المحيل بفلس يعلمه من المحال عليه أو عدم.
فإن المحال يرجع على المحيل، ولا يرجع في غير ذلك.
ومذهب الشافعي وأحمد: أنه لا يرجع بوجه من الوجوه، سواء غره بفلس أو تجدد الفلس، أو أنكر المحال عليه أو جحد، لتقصيره بعدم البحث والتفتيش.
وصار كأنه قبض العوض.
وقال أبو حنيفة: إنه يرجع عند الانكار.
انتهى.
المصطلح: وصورة تشتمل على أنواع: فصورة الحوالة المتفق عليها: أحال فلان فلانا على فلان بمبلغ كذا، بنظير ما للمحتال المذكور في ذمة المحال عليه من الدين، الموافق لذلك في القدر والجنس والصفة والحلول، والتأجيل أو التقسيط، حوالة صحيحة شرعية.
رضي بها المحتال والمحيل والمحال عليه.
وقبلوها جميعا قبولا شرعيا، برئت بذلك ذمة المحيل من دين المحتال، براءة شرعية.
فإن كانت الحوالة من غير رضا المحال عليه ولا حضوره، كتب رضا المحتال بها.
وقبلها قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الحوالة بغير رضى المحتال ولا المحال عليه في رواية عن أحمد: أحال فلان فلانا على فلان بمبلغ كذا وكذا.
وذلك هو القدر الذي يستحقه المحيل في ذمة المحال عليه.
وهو نظير ما للمحتال المذكور في ذمة المحيل، حوالة جائزة عند من يرى صحتها من أئمة المسلمين.
ويكمل.
ويرفع إلى حنبلي يثبته في وجه المحتال والمحال عليه مع عدم رضاهما.
ويحكم بذلك مع العلم بالخلاف.
وهذه تشبه أن تكون مقاصصة.

كتاب الضمان والكفالة وما يتعلق بهما من الاحكام الاصل في وجوب الضمان: الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * قال ابن عباس: الزعيم الكفيل.
وأما السنة: فروى أبو أمامة: أن النبي (ص) خطب يوم فتح مكة.
فقال: إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه.
فلا وصية لوارث.
ولا تنفق امرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها.
والعارية مؤداة.
والمنحة مردودة.
والدين مقضي.
والزعيم غارم - والزعيم الضمين.
وروى قبيصة بن المخارق: أن النبي (ص) قال: لا تحل الصدقة إلا لثلاثة.
فذكر رجلا تحمل بحمالة، فحلت له المسألة حتى يؤديها، ثم يمسك.
فأباح له الصدقة حتى يؤدي، ثم يمسك فدل على أن الحمالة قد لزمته.
وأما الاجماع: فإن أحدا من العلماء لم يخالف في صحة الضمان، وإن اختلفوا في فروع منه.
ويقال فيه: زعيم، وضمين، وحميل، وكفيل، وقبيل.
والكل بمعنى واحد.
والضمان على ضربين: أحدهما: ضمان النفس.
والثاني: ضمان المال.
فأما ضمان النفس: فعلى ضربين.
أحدهما: في الحدود.
وذلك باطل.
والثاني: في غير الحدود.
فعلى قولين: يجوز.
ولا يجوز.
وأما ضمان المال: فإنه يجوز بثلاثة شرائط: أن يعلم لمن هو، وكم هو، وعلى من هو؟ وأما ضمان المجهول وما لم يجب: فعلى قولين.

أصحهما: أنه لا يجوز.
وأما الاعيان: فغير جائز.
وضمان درك المبيع يلزم البائع، وإن لم يشترطه المشتري.
فأما إذا ضمنه غيره: فعلى قولين.
وأما ضمان تسليم المبيع: ففيه وجهان.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على جواز الضمان.
وأنه لا ينتقل الحق عن المضمون عنه الحي بنفس الضمان، بل الدين باق في ذمته، لا يسقط عن ذمته إلا بالاداء.
وهل تبرأ ذمة الميت المضمون عنه بنفس الضمان؟ فعند الائمة الثلاثة: لا، كالحي.
وعن أحمد روايتان.
وضمان المجهول: جائز عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
ومثاله: أنا ضامن لك ما على زيد، وهو لا يعرف قدره.
وكذلك يجوز عندهم ضمان ما لم يجب.
مثاله: داين زيدا، فما حصل لك عليه فهو علي، أو فأنا ضامن له.
والمشهور من مذهب الشافعي: أن ذلك لا يجوز، ولا الابراء من المجهول.
وإذا مات إنسان وعليه دين، ولم يخلف وفاء، فهل يصح ضمان الدين عنه أم لا؟ فمذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد: أنه يجوز.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يخلف وفاء، لم يجز الضمان عليه.
ويصح الضمان من غير قبول الطالب عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا في موضع واحد، وهو أن يقول المريض لبعض ورثته: اضمن عني ديني، فيضمنه والغرماء غيب.
فيجوز وإن لم يسم الدين.
فإن كان في الصحة لم يلزم الكفيل شيئا.
فصل: وكفالة البدن صحيحة عن كل من وجب عليه الحضور إلى مجلس الحكم العزيز بالاتفاق.
لاطباق الناس عليها، ومسيس الحاجة إليها.
وتصح كفالة البدن عمن
ادعى عليه، إلا عند أبي حنيفة.
وتصح ببدن ميت ليحضره لاداء الشهادة، ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذي شرطه، أراده المستحق أو أباه بالاتفاق، إلا أن يكون دونه يد عادية مانعة.
فلا يكون تسليما.
فلو مات الكفيل بطلت الكفالة إلا عند مالك.
وإن تغيب المكفول أو هرب.
قال أبو حنيفة والشافعي: ليس عليه غير إحضاره.
ولا يلزمه المال.
وإذا تعذر عليه إحضاره لغيبة، أمهل عند أبي حنيفة مدة المسير والرجوع بكفيل إلى أن يأتي به، فإن لم يأت به حبس حتى يأتي به.
وقال مالك وأحمد: إن لم يحضره، وإلا غرم.
وقال الشافعي: لا يغرم المال مطلقا.
ولو لم يعلم مكانه لم يطالب بالاتفاق.
ولو قال: إن لم أحضر به غدا فأنا ضامن لما عليه، فلم يحضر أو مات المطلوب ضمن ما عليه إلا عند الشافعي ومالك.

ولو ادعى رجل على آخر بمائة درهم.
فقال رجل: إن لم يواف بها غدا فعلي المائة، فلم يواف.
لزمه المائة، إلا عند مالك والشافعي ومحمد بن الحسن.
وضمان الدرك في البيع: جائز صحيح عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
وهو الراجح من قولي الشافعي بعد قبض الثمن، لاطباق جميع الناس عليه في جميع الاعصار.
وله قول: إنه لا يصح ضمان ما لم يجب.
انتهى.
المصطلح: وتشتمل صورة على أنواع.
منها: صورة ضمان متفق عليه.
وقد سبق ذكرها في الاقرار.
صورة الضمان عن ذمة الميت.
وقد صححه الائمة الثلاثة إذا خلف وفاء.
ومنعه أبو حنيفة إذا كان الميت مفلسا.
وصححه الباقون، وإن كان مفلسا -: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان، وأشهد عليه شهوده أنه ضمن وكفل عن ذمة فلان المتوفى إلى رحمة الله تعالى، قبل تاريخه لفلان ما مبلغه كذا، حالا أو مقسطا أو إلى أجل - ضمانا شرعيا في ذمته وماله.
أقر بالملاءة والقدرة على ذلك، وبمعرفة معنى هذا الضمان، وما
يترتب عليه شرعا.
وهذه الصورة تكون عارية عن الاذن لتعذره بموت المضمون عنه.
وإن حضر المضمون له كتب قبوله لذلك قبولا شرعيا.
وصورة الضمان عن ذمة شخص لآخر بغير طلب المضمون له، ولا إذن المضمون عنه: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان.
وأشهد عليه شهوده: أنه ضمن وكفل مبلغ الدين المعين أعلاه، إن كانت الكتابة في مسطور الدين على حكمه المعين فيه بغير إذنه له في الضمان.
وإن كانت الكتابة مقتضبة، فيقول: إنه ضمن وكفل لفلان مبلغ كذا وكذا.
وهو الذي في ذمته بمقتضى المسطور المؤرخ بكذا، بغير إدن له في الضمان، ضمانا شرعيا.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك، وذلك على حكم الحلول، أو التقسيط أو التأجيل، في العسر واليسر، والموت والحياة، والغيبة والحضور.
ويكمل.
وهذه الكفالة صحيحة لازمة عند مالك، وفي رواية عن أحمد.
صورة كفالة الاعيان، وهي متفق عليها، إلا في أحد الوجهين للشافعي: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان، وأشهد عليه شهوده: أنه ضمن وكفل عن فلان ما غصبه من فلان - وهو كذا وكذا - أو ضمن وكفل ما أودعه فلان عند فلان من الوديعة.
وهو كذا وكذا، أو ضمن وكفل ما أعاره لفلان.
وهو كذا وكذا، ضمانا شرعيا، بحيث إن المودع أو المستعير إذا خان في الوديعة، أو فرط في حفظها يلزم الكفيل ما يلزمهما أو أحدهما،

بمقتضى ما يلزم المودع بتفريطه أو المستعير.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
واعتراف بمعرفة معنى كفالة الاعيان ومقتضاها، وما يترتب عليها شرعا.
ويكمل.
وصورة كفالة الوجه والبدن تقدمت في الاقرار.
وفيه صورة ثانية: حضر إلى شهوده فلان، وكفل لفلان وجه فلان على أنه متى طالبه بإحضاره إليه في ليل أو نهار أحضره، وسلمه إليه، بحيث يقدر على الانتصاف منه، ويتمكن من مطالبته بالواجب له عليه.
وإن
لم يقدر على تسليمه إليه، فعليه لفلان المكفول له جميع ما يثبت له على فلان من الحق الشرعي، من درهم إلى ألف درهم وأكثر وأقل منه، بالغا ما بلغ، كفالة شرعية، أذنه له في ذلك.
وقبل المكفول له من الكفيل هذه الكفالة بمخاطبته إياه على ذلك.
وإن اختار أن يكتب: أنه إذا عجز عن إحضاره كان عليه القيام بالدين، كتب: وإن عجز عن إحضاره كان عليه القيام بما عليه من الدين الشرعي للمكفول له - وهو كذا وكذا - يؤديه من ماله وصلب حاله.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وتصادقا على أن حاكما من حكام المسلمين جائز القضاء، نافذ الاحكام، حكم على الكفيل بصحة الكفالة ولزومها، ووجوب المال عليه عند العجز عن إحضار المكفول حكما شرعيا لازما.
ويكمل.
والله أعلم.

كتاب الشركة وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في جواز الشركة: الكتاب، والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) * فجعل الخمس مشتركا بين أهل الخمس.
وجعل أربعة أخماس الغنيمة مشتركا بين الغانمين.
وقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) * فجعل الميراث مشتركا بين الاولاد.
وقوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) *.
فجعل الصدقة مشتركة بين هذه الاصناف الثمانية.
وقوله تعالى: * (وإن كثيرا من الخلطآء ليبغي بعضهم على بعض) * والخلطاء: هم الشركاء.
وأما السنة: فما روى جابر: أن رسول الله (ص) قال: من كان له شريك في ربع أو
حائط فلا يبعه حتى يؤذن شريكه وروي عن النبي (ص) أنه قال: يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا.
وفي رواية يقول الله: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه.
فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما يعني البركة.
وروى السائب قال: كان النبي (ص) شريكي.
فلما كان بعد المبعث أتيت النبي (ص) فقلت: يا رسول الله، كنت شريكي.
فكنت خير شريك.
لا تداري ولا تماري يعني لا تخالف ولا

تنازع، من قوله تعالى: * (فادارأتم فيها) * يعني: اختلفتم وتنازعتم.
وأما الاجماع: فإن أحدا من العلماء لم يخالف في جوازها.
والشركة: تنقسم على ستة أقسام: شركة في الاعيان والمنافع، وشركة في الاعيان دون المنافع، وشركة في المنافع دون الاعيان، وشركة في المنافع المباحة، وشركة في حق الابدان، وشركة في حقوق الاموال.
فأما الاول: فهو أن يكون بين الرجلين أو بين الجماعة أرض، أو عبيد، أو بهائم، ملكوها بالبيع، أو بالارث، أو بالهبة مشاعا.
وأما الثاني: فمثل أن يوصي رجل لرجل بمنفعة عبده أو داره.
فيموت ويحلف جماعة ورثته.
فإن رقبة العبد والدار تكون موروثة للورثة دون المنفعة.
وأما الثالث: فمثل أن يوصي بمنفعة عبده لجماعة، أو يستأجر جماعة عبدا فينتفعون به على وجه الاشتراك في المنفعة.
تنبيه: الواقف على الجماعة - إن قلنا: إن ملك الرقبة ينتقل إلى الله تعالى - كانت الشركة بين الموقوف عليهم في المنافع دون الاعيان.
وإن قلنا: ينتقل الملك إليهم، كانت الشركة بينهم في المنافع والاعيان.
انتهى.
وأما الرابع: فمثل أن يموت رجل وله ورثة جماعة، ويخلف كلب صيد أو زرع أو ماشية.
فإن المنفعة مشتركة بينهم.
وأما الخامس: فهو أن يرث جماعة قصاصا، أو حد قذف.
وأما السادس: فهو أن يرث جماعة الشفعة، أو الرد بالعيب، أو خيار الشرط أو حقوق الرهن ومرافق الطريق.
تنبيه: يكره للمسلم أن يشارك الكافر، سواء كان المسلم هو المتصرف، أو الكافر، أو هما.
وقال الحسن: إن كان المسلم هو المتصرف لم يكره.
وإن كان الكافر هو المتصرف أو هما، كره.
انتهى.
وعمدة الشركة: ذكر الشريكين بأسمائهما وأنسابهما.
وذكر صحة العقل والبدن، وجواز الامر، وذكر مبلغ المال الذي اشتركا فيه.
وما لكل واحد منهما منه، ونقده.
وذكر اختلاط المالين حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر.
وذكر اشتراكهما في العمل على ما يصح ويجوز.
والاذن من كل واحد منهما لصاحبه في ذلك.
ويكون ذلك في الدراهم والدنانير.
ومعرفة الشهود بها.
وذكر التاريخ يوم اشتراكهما.

والشركة أنواع: منها: شركة الابدان.
وهي شركة الحمالين والدلالين، ليكون كسبهما بينهما متساويا، مع اتفاق الصنعة أو اختلافها.
ومنها: شركة المفاوضة، وهي أن يشترك اثنان ليكون بينهما ما يكسبان، ويربحان، ويلتزمان من غرم، وينالان من غنم.
ومنها: شركة الوجوه، وهي أن يشترك الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بثمن مؤجل.
على أن يكون ما ابتاعاه بينهما.
فإذا باعاه بينهما ووفيا الاثمان كان الفاضل بينهما.
ومنها: شركة العنان، ولا بد فيها من لفظ يدل على إذن في التصرف.
ويشترط في الشريكين أهلية التوكيل والتوكل.
وعقد الشركة: هو تسليط كل واحد من الشريكين على التصرف على سبيل الغبطة والمصلحة.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اعلم أن شركة العنان جائزة بالاتفاق.
وشركة المفاوضة جائزة عند أبي حنيفة
ومالك، إلا أن أبا حنيفة يخالف مالكا في صورتها.
فيقول: المفاوضة أن يشترك الرجلان في جميع ما يملكانه من ذهب وورق، ولا يبقى لواحد منهما شئ من هذين الجنسين إلا مثل ما لصاحبه.
فإذا زاد مال أحدهما على مال الآخر لم يصح، حتى لو ورث أحدهما مالا بطلت الشركة.
لان ماله زاد على مال صاحبه.
وكل ما ربحه أحدهما كان شركة بينهما، وكل ما ضمن أحدهما من غصب وغيره.
ضمنه الآخر.
ومالك يقول: يجوز أن يزيد ماله على مال صاحبه.
ويكون الربح على قدر المالين.
وما ضمنه أحدهما مما هو للتجارة فبينهما.
وأما الغصب ونحوه فلا.
ولا فرق عند مالك بين أن يكون رأس مالهما عروضا، أو دراهم.
ولا بين أن يكونا شريكين في كل ما يملكانه ويجعلانه للتجارة، أو بعض مالهما.
وسواء عنده اختلط مالهما حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر، أو كان متميزا بعد أن يجمعاه وتصير أيديهما جميعا عليه في الشركة.
وأبو حنيفة قال: تصح الشركة، وإن كان مال كل واحد منهما في يده، وإن لم يجمعاه.
ومذهب الشافعي وأحمد: أن هذه الشركة باطلة.
فصل: وشركة الوجوه جائزة عند أبي حنيفة وأحمد.
وصورتها: أن لا يكون لهما رأس مال.
ويقول أحدهما للآخر: اشتركنا على أن ما اشترى كل واحد منا في الذمة كان شركة.
والربح بيننا.
ومذهب الشافعي ومالك: أنها باطلة.
ولا يصح عند الشافعي إلا شركة العنان، بشرط أن يكون رأس مالهما نوعا واحدا، ويخلط حتى لا يتميز عين أحدهما من عين الآخر ولا يعرف.
ولا يشترط تساوي قدر المالين.

وإذا كان رأس مالهما متساويا، واشترط أحدهما أن يكون له من الربح أكثر مما لصاحبه.
فالشركة فاسدة عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح ذلك.
وإذا كان المشترط لذلك أحذق في التجارة وأكثر عملا.
انتهى.
ولكل واحد منهما فسخ الشركة متى شاء، وتنفسخ بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه.
ويكون الربح والخسران على قدر المالين، تساويا في العمل أو تفاوتا، ويد كل واحد منهما يد أمانة.
فيقبل قوله في دعوى الرد والتلف والخسران.
فإذا ادعى التلف بسبب ظاهر طولب بالبينة على ذلك السبب، ثم يقبل قوله في الهلاك به.
ولو قال من في يده المال: هذا المال لي.
وقال الآخر: بل من مال الشركة.
فالقول قول صاحب اليد.
ولو قال: انقسمنا وصار هذا المال لي.
وأنكر الآخر فالقول قول المنكر.
المصطلح: وصوره تشتمل على أنواع.
منها: صورة شركة العنان: هذا ما اشترك عليه فلان وفلان - أو حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان - وأشهدا عليهما: أنهما أخرجا من مالهما وصلب حالهما ما مبلغه من الذهب كذا، أو الفضة كذا.
وخلطا ذلك حتى صار مالا واحدا، لا يتميز بعضه من بعض.
وأذن كل منهما للآخر أن يبتاع من عرض ذلك ما شاء من أصناف المتاجر، ويبيعه بالحانوت الجاري في إيجارهما، الكائن بسوق كذا، بالنقد والنسيئة.
ومهما أطلع الله في ذلك من ربح، ويسره من فائدة، كان مقسوما بينهما نصفين بالسوية، أو على قدر ماليهما.
وذلك بعد إخراج المؤن والكلف والاجر وحق الله تعالى إن وجب، شركة صحيحة شرعية.
اتفقا عليها وتراضيا بها، وقبلها كل منهما من الآخر قبولا شرعيا.
وعلى كل منهما أداء الامانة وتجنب الخيانة.
والعمل في ذلك كله بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته.
وصورة شركة الابدان: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان، وأشهدا عليهما أنهما اشتركا على أن يحملا للناس أثقالهم إلى أسواقهم وبيوتهم ومحل طلباتهم بالبلد الفلاني، نهارا دون الليل، خلا أوقات الصلوات، ومهما رزق الله تعالى من أجرة كانت بينهما نصفين بالسوية، شركة صحيحة شرعية، اتفقا عليها وتراضيا بها.
وتقبلاها قبولا شرعيا.
ونصبا أنفسهما لذلك بحكم الاشتراك الواقع بينهما على ذلك، على مذهب
من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين.
ويكمل.
وهذه صحيحة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
ويجوز عندهم على اختلاف الصفة بين الشريكين، وعلى تفاوت القسمة بينهما في الاجرة.
وصورة شركة المفاوضة على

الشرائط التي اشترطها أبو حنيفة: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأشهدا عليهما في حال كونهما مسلمين بالغين عاقلين، جائزي الامر شرعا: أنهما اشتركا على أن وضع كل واحد منهما من ماله وصلب حاله ما مبلغه كذا وكذا.
وخلطا ذلك، حتى صار مالا واحدا جملته كذا.
وأذن كل واحد منهما للآخر في الشراء بالمبلغ المذكور ما شاء من أصناف البضائع.
وأنواع المتاجر، على اختلافها بالنقد والنسيئة، ويبيع ذلك بنقد أو نسيئة.
وعليهما المساواة في العمل، وأن لا يبقيا شيئا من جنس مال الشركة إلا ويدخلاه في مال الشركة.
وكل واحد منهما ضامن ما ضمنه صاحبه ولزمه، بعقد ضمان أو غصب أو شراء فاسد.
ومهما اشتراه كل واحد منهما يكون على الشركة، خلا طعام أهل كل واحد منهما وكسوتهم.
وعقدا هذه الشركة على أن كل واحد منهما كفيل لصاحبه، ووكيل عنه في جميع تعلقات هذه الشركة، شركة صحيحة شرعية، على أن مهما رزق الله سبحانه وتعالى في ذلك من ربح، ويسره من فائدة، كان بينهما نصفين بالسوية.
لا مزية لاحدهما على الآخر.
وذلك بعد إخراج رأس المال، وما لا بد من إخراجه شرعا وعرفا.
وحق الله تعالى إن وجب.
قبل كل منهما ذلك من الآخر قبولا شرعيا حسبما اتفقا وتراضيا عليه.
وصورة الشركة في الاحتشاش والاصطياد والاحتطاب، وما يوجد من المعادن، ويجمع من المباحات على مذهب مالك وأحمد: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأشهدا عليهما أنهما اشتركا على أن يحتشا الحشيش ويبيعاه، ويصطادا من جميع ما يصطادا من البر والبحر، وأن يقطعا الحطب من الجبل والحرج والشعاب والجزائر
وغيرها، وأن يجمعا ما جرت العادة بجمعه من الاعشاب والعروق، وجميع الازهار والرياحين من الانهار والمروج، مثل النرجس، وزهر اللينوفر، وغير ذلك من المباحات، ويبيعا ما يتفق لهما جمعه من ذلك.
ومهما رزق الله تعالى في ذلك كان بينهما نصفين بالسوية، شركة شرعية.
اتفقا عليها وتراضيا بها.
وقبلها كل منهما من الآخر قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة شركة الوجوه على مذهب أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهما: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان، وأشهدا عليهما أنهما اشتركا على أن يبتاعا في ذمتهما ما شاءا من أنواع الحبوب، وأصناف البضائع، وأنواع المتاجر.
ويبيعا ذلك بالنقد والنسيئة، وما لزم أحدهما من ضمان فهو عليهما.
ومهما رزق الله تعالى في ذلك من كسب كان بينهما بالسوية، شركة شرعية، ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الشركة والمال من جنسين أو أكثر، على مذهب الائمة الثلاثة خلافا للشافعي، ومع كون قسمة

الريع متفاوتة - حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأشهدا عليهما أنهما أخرجا من مالهما وصلب حالهما ما مبلغه كذا.
فمن ذلك: ما أخرجه الاول من ماله من الذهب كذا.
ومن الدراهم الفضة كذا.
وما أخرجه الثاني من الدراهم الفضة كذا.
فكانت قيمة ما أخرجه الشريك الاول كذا وكذا درهما، وجملة ما أخرجه الثاني كذا وكذا درهما.
واشتركا في ذلك.
وأذن كل واحد منهما للآخر في البيع والشراء، والعمل بسائر أنواع التجارات بالنقد والنسيئة.
ومهما رزق الله في ذلك كان بينهما بالسوية، أو متفاوتا على ما يتفقان، مع كون أن المال بينهما غير متساو، ولا بصفة واحدة، شركة شرعية.
عقداها واتفقا عليها ورضيا بها، وقبلاها قبولا شرعيا.
صورة فسخ الشريكين الشركة، وقبض كل منهما من الآخر لماله قبضه: سبق في الاقرار.

كتاب الوكالة وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في جواز الوكالة: الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) * وهذا وكالة.
وقوله تعالى: * (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي) * وهذا وكالة.
وأما السنة: فروى جابر قال: أردت الخروج إلى خيبر.
فأتيت النبي (ص)، فقلت: إني أريد الخروج إلى خيبر.
فقال (ص): إذا لقيت وكيلي بخيبر، فخذ منه خمسة عشر وسقا من تمر.
فإن ابتغى منك آية - يعني إمارة - فضع يدك على ترقوته فأخبر أن له وكيلا.
وروي أن النبي (ص) وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ووكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة ووكل عروة البارقي في شراء شاة ووكل حكيم بن حزام في شراء شاة.
وأما الاجماع: فإن الامة أجمعت على جواز التوكيل لان بالناس حاجة إليه.
ولان من الناس من لا يتمكن من فعل ما يحتاج إليه بنفسه، إما لقلة معرفته بذلك، أو لكثرته، أو لانه يتنزه عن ذلك.
فجاز التوكيل.
ويشترط في الموكل: التمكن من مباشرة ما وكل فيه بالملك والولاية.
ولا يصح توكيل الصبي والمجنون.
ولا توكيل المحرم في النكاح، ويصح توكيل الولي في حق الطفل.
ويشترط في التوكيل: أن يتمكن من مباشرة التصرف بنفسه.
ولا يصح أن يكون الصبي أو المجنون وكيلا، بل يعتمد قول الصبي في الاذن في دخول الدار، وإيصال الهدية.
ولا يصح أن يكون المحرم أو المرأة وكيلا في النكاح.

ويجوز أن يكون العبد وكيلا في قبول النكاح لا في إيجابه.
ولا يجوز التوكيل في العبادات إلا في الحج، وتفريق الزكاة، وذبح الضحايا.
فيجوز التوكيل في ذلك.
ولا يجوز التوكيل في الايمان والشهادات، ولا في الايلاء، واللعان والظهار، والقسامة.
ويجوز التوكيل في طرفي البيع، وفي السلم وفي الرهن والهبة، والنكاح والطلاق، وسائر العقود والفسوخ، وقبض الديون وإقباضها، وفي الدعوى والجواب.
ويجوز التوكيل في تملك المباحات.
كإحياء الموات، والاصطياد، والاحتطاب.
ولا يجوز التوكيل في الاقرار.
ولو قال: وكلتك في كل قليل وكثير، وفي جميع أموري، أو فوضت إليك كل شئ: لم يصح، لانه مجهول من كل وجه.
فائدة: قال الشيخ العز بن عبد السلام: لا يوكل في رد المغصوب والمسروق مع قدرته على رده بنفسه.
إذ ليس له دفعه إلا إلى مالكه، أو من يجوز له انتزاع المغصوب من الغاصب.
انتهى.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن إقرار الوكيل على موكله في غير مجلس الحكم لا يقبل بحال.
فلو أقر عليه بمجلس الحكم.
قال أبو حنيفة: يصح، إلا أن يشترط عليه أن لا يقر عليه.
وقال الثلاثة: لا يصح.
واتفقوا على أن إقراره عليه بالحدود والقصاص غير مقبول، سواء كان في مجلس الحاكم أو غيره.
ووكالة الحاضر صحيحة عند مالك والشافعي وأحمد، وإن لم يرض خصمه بذلك إن لم يكن الوكيل عدوا للخصم.
وقال أبو حنيفة: لا تصح وكالة الحاضر إلا برضا الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضا، أو مسافرا مسافة على ثلاثة أيام.
فيجوز حينئذ.
وإذا وكل شخصا في استيفاء حقوقه.
فإن وكله بحضرة الحاكم جاز، ولا يحتاج
فيه إلى بينة.
وسواء وكله في استيفاء الحق من رجل بعينه أو جماعة.
وليس حضور من يستوفي منه الحق شرط في صحة توكيله.
وإن وكله في غير مجلس الحكم، فتثبت وكالته بالبينة عند الحاكم، ثم يدعي على من يطالبه بمجلس الحكم.
هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إن كان الخصم الذي وكل عليه واحدا كان حضوره شرطا في صحة الوكالة، أو جماعة كان حضور واحد منهم شرطا في صحة الوكالة.

وللوكيل عزل نفسه بحضرة الموكل، وبغير حضرته عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: ليس له فسخ الوكالة، إلا بحضور الموكل.
وللموكل أن يعزل الوكيل عن الوكالة.
وينعزل، وإن لم يعلم بذلك على الراجح عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا ينعزل إلا بعد العلم بذلك.
وعن أحمد روايتان.
فصل: وإذ وكله في بيع مطلقا.
فمذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد: إن ذلك يقتضي البيع بثمن المثل نقدا بنقد البلد.
فإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله، أو نسيئا بغير نقد البلد.
لم يجز إلا برضا الموكل.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يبيع كيف شاء نقدا أو نسيئا، وبدون ثمن المثل، وبما لا يتغابن الناس بمثله، وبنقد البلد وغير نقده.
وأما في الشراء: فاتفقوا أنه لا يجوز للوكيل أن يشتري بأكثر من ثمن المثل، ولا إلى أجل.
وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه بالاتفاق.
وهل يقبل قوله في الرد؟ الراجح من مذهب الشافعي: أنه يقبل.
وبه قال أحمد، سواء كان يجعل أو بغيره.
ومن كان عليه حق لشخص في ذمته.
أو له عنده عين، كعارية أو وديعة.
فجاءه إنسان.
وقال: وكلني صاحب الحق في قبضه منك، وصدقه أنه وكيله.
ولم يكن للوكيل
بينة.
فهل يجبر من عليه الحق على الدفع إلى الوكيل أم لا؟ قال القاضي عبد الوهاب: لست أعرفها منصوصة لنا.
والصحيح عندنا: أنه لا يجبر على تسليم ذلك إلى الوكيل.
وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: يجبر على تسليم ما في ذمته.
وأما العين، فقال محمد: يجبر على تسليمها.
كما قال فيما في الذمة.
واختلفوا: هل تسمع البينة على الوكالة من غير حضور الخصم؟ قال أبو حنيفة: لا تسمع إلا بحضوره.
وقال الثلاثة: تسمع من غير حضوره.
وتصح الوكالة في استيفاء القصاص عند مالك والشافعي على الاصح من قوليه.
وعلى أظهر الروايتين عن أحمد.
وقال أبو حنيفة: لا تصح إلا بحضوره.
واختلفوا في شراء الوكيل من نفسه.
فقال أبو حنيفة: لا يصح ذلك على الاطلاق.
وقال مالك: له أن يبتاع من نفسه لنفسه بزيادة في الثمن.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه لا يجوز بحال.
واختلفوا في توكيل المميز والمراهق.
قال أبو حنيفة وأحمد: يصح، وقال القاضي

عبد الوهاب: لا أعرف فيه نصا عن مالك، إلا أنه لا يصح.
والوكيل في الخصومة لا يكون وكيلا إلا عند أبي عبد الله وحده.
فائدة: قال الشيخ تقي الدين السبكي: لو جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان صدق بلا بينة، ولو قال عبده: أنا عبد مأذون لم يصدق.
والفرق بينهما: أن الوكيل يستقل بالعقود لنفسه، وإن لم يكن وكيلا.
وليس العبد كذلك.
انتهى.
وعمدة الوكالة: ذكر الموكل، والوكيل، وأسمائهما وأنسابهما.
وذكر ما يوكله فيه وقبول الوكيل منه ذلك.
وذكر قيام الوكيل بما وكله به، ومعرفة الشهود، وصحة العقل والبدن، والطواعية، وجواز الامر، والتاريخ، ولا يشترط القبول لفظا، بل يجوز بالقول والفعل.
المصطلح:
وتشتمل صوره على أنواع.
منها: صورة وكالة حكمية: بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين، الناظر في الحكم العزيز الشافعي بالمملكة الفلانية - أسبغ الله تعالى ظلاله - وكل سيدنا فلان الناظر في أمور الايتام والمحجور عليهم في الحكم العزيز - أو أمين الحكم العزيز - بالمملكة الفلانية فلانا في الكلام في أمر فلان وفلان ولدي فلان، محجوري الحكم العزيز بمدينة كذا.
وفي التصرف لهم على وجه الحظ والمصلحة الظاهرة.
والغبطة الوافرة، بالبيع والشراء والاخذ والعطاء وسائر أنواع التصرفات العائد نفعها على اليتيمين المذكورين - أو الايتام، إن كانوا جماعة - وأن يحتاط لهم في مالهم الاحتياط الكافي، ويجتهد في تثميره وتنميته وازدياده، الاجتهاد المبرئ لذمته وذمة موكله من التبعة الاخروية المكسبة لوزر أو خطيئة، ويكسوهم منه وينفق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير، وأن يقبض ما لهم من المال ببلد كذا بمجلس الحكم العزيز به.
ويحضر إلى بلد الايتام المذكورين ويضيفه إلى ما لهم من المال.
وفي الدعوى والمطالبة بحقوقهم كلها.
وواجباتهم بأسرها، وقبضها واستيفائها ممن هي عليه.
وعنده وفي ذمته، وتحت يده كائنا من كان من سائر النواحي والاماكن والبلدان.
وفي الاستئجار والايجار لهم وعليهم بأجرة المثل، مع ظهور المصلحة لهم.
وفي قبض أجرة ما يؤجره عليهم، ودفع أجرة ما يستأجره لهم من مالهم.
وفي الحبس والترسيم والملازمة والافراج، وفي التسلم والتسليم، والمكاتبة والاشهاد على الرسم المعتاد.
وفي الدعوى وسماعها.
ورد الاجوبة، وإقامة البينات واستيفاء الايمان وردها.
والعفو عنها إذا رأى في ذلك مصلحة.
وفي المحاكمة والمخاصمة والمنازعة، والمحاققة والمحاسبة، والمقابضة والمقايضة، والمعاوضة والمصادقة، والمقاصصة والمقاسمة، والمناقلة والمقايلة.
والمداينة والمساقاة، وطلب الشفعة والاخذ بها، وأخذ الضمناء والكفلاء.
وقبول

الحوالات على الاملياء، وشراء الاملاك وعمارة ما يحتاج إلى العمارة منها، وصرف
الاجور والحقوق المتعين صرفها شرعا.
وفي استخلاص ما صار إليهم بالارث الشرعي من والدهم المذكور، من نقد وعرض وقماش ونحاس وأثاث، وصامت وناطق، ومكيول وموزون، ومعدود ومذروع، ومتمول ومتقوم ومثلي.
وفعل ما يقتضيه الخصام، وتجوزه الاحكام، ويوجبه الحكام، بسبب ذلك ومقتضاه، بسائر الوجوه الشرعية.
وطلب الحكم من حكام الشريعة المطهرة بما يثبت لديهم شرعا.
أقامه في ذلك مقام نفسه.
وأحله محله.
وجعل له أن يوكل في ذلك وفيما شاء منه من شاء من الوكلاء.
ويعزله متى شاء.
ويعيده إذا شاء، وأن يستبدل وكيلا بعد وكيل، توكيلا صحيحا شرعيا.
قبله الوكيل المذكور قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الوكالة السلطانية لاحد أمراء الحضرة الشريفة، أو أحد كفال الممالك الاسلامية: هذا كتاب توكيل صحيح شرعي، وإذن صريح معتبر مرعي أمر بكتابته وتسطيره، وإنشائه وتحريره: مولانا المقام الاعظم الشريف العالي المولوي السلطاني الفلاني - ويسوق ألقاب السلطان.
كما تقدم - ثم يقول، بعد الدعاء له: وأشهد على نفسه الشريفة - صانها الله وحماها، وحرس من الغير حماها - بمضمون هذا الكتاب.
وهو في صحة جثمانه، ونفوذ أوامره وتمكيه سلطانه: أنه وكل المقر الكريم العالي الفلاني - أعز الله أنصاره.
وجمل به أقاليم الملك وأمصاره - في التصرف والكلام في الخواص الشريفة.
وجهاتها ومتعلقاتها، وما هو معروف بها من المطلقات والجهات، على اختلافها وتباين حالاتها، وفعل سائر ما تسوغه الشريعة المطهرة.
وتقتضيه أحكامها المقررة المحررة، وفي عقد عقود المبايعات، على اختلاف الاجناس والانواع والصفات، والاجارات وعروض التجارات والمعاملات، واستخلاص الحقوق والواجبات، واستيفاء الامور المتعينات ممن يتعين عنده.
وفي ذمته وجهته، وتحت يده كائنا من كان وحيث كان.
من سائر الممالك والاقاليم.
والنواحي والجهات والبلدان.
وفي المطالبة بذلك والدعوى به في مجالس الحكام وخلفائهم، وولاة أمور الاسلام ونوابهم.
وفي الحبس
والترسيم، والملازمة والافراج.
وفي التسلم والتسليم.
والمكاتبة والاشهاد على الرسم المعتاد، وأخذ الضمناء والكفلاء، وقبول الحوالات على الاملياء.
وطلب الرهن، واشتراط البراءة من العيوب.
واشتراط الخيار في البيع والشراء فيما يجوز اشتراط الخيار فيه.
وإنشاء العقار.
وحفر الآبار، وشق الانهار.
وسوق المياه في قرى الخواص الشريفة وأراضيها ودورها وبساتينها وطواحينها.
وفي إنشاء الدواليب والنواعير، والسواقي والطواحين، والحمامات والاسواق والخانات، وفتح الاراضي المعطلة وتعليقها بما يليق

بها من الزروع والاشجار من الغراس والنصوب.
وأنواع المزروعات الصيفية والشتوية.
وفي فعل ما يستدعي به مصالح السلطنة الشريفة من المستعملات، والخاصات وخاص الخاصات، من المصنوعات والمنسوجات وغير ذلك من سائر الاصناف، على اختلاف الاجناس والانواع.
وأذن له - أعز الله أنصاره - أن ينصب في ذلك وفيما شاء منه وفي الدعوى به وبما شاء منه لدى حكام الشريعة المطهرة من شاء من الامناء الثقات العدول، الكفاة ممن ظهرت نهضته.
واشتهرت عدالته وأمانته، وجربت مباشرته، وعرفت معرفته، ونوقش في تصرفاته.
فلم يخطئ مناهج السداد والصواب في الخطأ والجواب، توكيلا صحيحا شرعيا، وإذنا معتبرا مرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا، وألزم نفسه العمل بمقتضاه على ما يحبه مولانا السلطان ويرضاه.
وصورة توكيل السلطان وكيلا لبيت مال المسلمين: هذا كتاب وكالة، جمعت شمل المصالح جميع السلامة، وتأيدت بالتوفيق فكان القبول عليها علامة.
أمر بكتابته وتسطيره.
وإنشائه وتحريره: مولانا المقام الشريف الاعظم العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني.
وأشهد على نفسه الشريفة - حرسها الله تعالى، وزادها شرفا وتعظيما وإجلالا - أنه وكل القاضي فلان الدين في المطالبة بحقوق بيت مال المسلمين بالبلد الفلاني، وأعمالها وضواحيها وسائر المملكة المضافة إليها، أين كانت من أرض الله،
وعلى من كانت من عباد الله، ما كان منها قائما موجودا حال التوكيل.
وما يتجدد له من الحقوق.
وفي خلاص واجباته كلها، وأمواله بأسرها.
وفي الدعوى على خصومه وغرمائه.
والمرافعة بسببه إلى القضاة والحكام.
وولاة أمور الاسلام، وإقامة بيناته، وإثبات حججه ومكاتيبه ومساطيره.
وفي الاستحلاف ورد اليمين، والحبس والترسيم، والاطلاق والملازمة.
وفي الافراج.
وفي سماع ما يتوجه على بيت المال المعمور من الدعاوى والبينات، ورد الاجوبة بما يسوغ شرعا.
وفي جرح الشهود بالاسباب الشرعية المعتبرة في الجرح، وفي بيع ما يختص ببيت المال المعمور من العقار الجاري في ملكه، والمنتقل إليه بثمن المثل عند ضرورة المسلمين وحاجتهم إلى البيع، ولمصالح المسلمين العامة.
وبالغبطة الظاهرة عند استغنائهم عن البيع.
وفي بيع ما يختص ببيت المال المعمور من الرقيق والحيوان والقماش والنحاس، وسائر المنقولات بالاثمان المثلية، وقبض الثمن وتسليم المبيع لمبتاعه، وفي إيجار ما يرى إيجاره من أملاك بيت المال المعمور بأجرة المثل، وتسليم المأجور، والمكاتبة والاشهاد على الرسم المعتاد في مثله، بعد النداء والاشهار، وبذلك الاجتهاد.
وفي المصالحة عن بيت المال المعمور على ما تقتضيه المصلحة الشرعية.
والاذن لعمال بيت المال في قبض أثمان ما يتولى بيعه،

وأجور ما يتولى إيجاره، وما يتحصل لبيت المال المعمور من الحقوق.
وفي إيقاع الحوطات على التركات الحشرية، وضبطها وتحريرها.
والعمل فيها بمقتضى الشرع الشريف وموجبه.
وفي وفاء ما يثبت على بيت المال من الحقوق الواجبات بالنواحي والبلدان، وفي فسخ العقود عند ظهور عدم المصلحة لبيت المال، وفي المقابلة والمقاسمة، والمصارفة والمصادقة، والمعاوضة، والمقابضة والمقايضة، والمناقلة والمساقاة والمقاصصة، والمعاقدة وطلب الشفعة، والاخذ بها، والمحاكمة والمخاصمة، والمحاسبة والمحاققة على وجه الغبطة والمصلحة الشرعية، وفي جميع التصرفات التي
يملكها مولانا السلطان بطريق الولاية الشرعية على بيت المال.
وفي طلب كل حق تعين لبيت المال المعمور ممن هو في جهته وتحت يده.
والتوصل إليه وقبضه واستخلاصه واستيفائه بكل طريق ممكن شرعي.
وكله مولانا السلطان - عز نصره - في هذه التصرفات جميعها، القائمة حال التوكيل، والمتجددة بعده، وكالة صحيحة شرعية نافذة ماضية.
وأذن - أدام الله دولته - للوكيل المذكور أن يوكل عنه في ذلك.
وفيما شاء منه من شاء من الوكلاء والعدول الامناء.
وأن يستبدل وكيلا بعد وكيل، رعاية لمصالح بيت المال المعمور.
إذنا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الوكالة المطلقة: وكل فلان فلانا في المطالبة بحقوقه كلها وديونه بأسرها.
وواجباته بأجمعها، ممن هي عليه وعنده وفي ذمته وفي جهته، وتحت يده كائنا من كان، وحيث كان من سائر النواحي والاماكن والبلدان، من غريم وخصم وأمير ومتكلم، ومأذون ووكيل وشريك، ومودع ومعامل ومضارب ووصي.
ووارث وغيره.
وفي المرافعة والدعوى على غرمائه وخصومه في مجالس السادة القضاة والحكام وخلفائهم، وولاة أمور الاسلام ونوابهم، وفي الحبس والترسيم والافراج، والاعادة والملازمة والاطلاق، وأخذ الضمناء والكفلاء.
وقبول الحوالات على الاملياء، والمعاوضة والمصارفة، وقبض مال العوض والصرف، والمحاسبة والمحاققة، والمحاكمة والمخاصمة، وسماع الدعوى عليه.
ورد الاجوبة بما يسوغ شرعا، وإقامة بيناته وإثبات حججه ومساطيره، واستيفاء الايمان وردها.
والعفو عنها، وقبول ما يفتدى به.
وفي المعاملة والمفاسخة والتولية، والاشراك والمرابحة، والرد بالعيب، ومقاسمة كل ما كان بينه وبين شريك له في شئ من الاشياء مما يجوز قسمته، وأخذ ما تقرره له القسمة الجارية بينهما في ذلك بكل نوع من أنواع القسمة الشرعية، وأخذ فضلة قيمته إن وجب له في ذلك شئ من ذلك وإعطاء قيمة ذلك عند وجوبها، وإبراء من يرى إبراءه، ومن كل حق يجب له، ومن كل جزء منه، وأخذ كل ما يجوز له أخذه بالشفعة وطلبها والقيام بها، وإعطاء ثمن ذلك من مال
موكله المذكور لمستحقه عند وجوبه بطريقه الشرعي، وفي بيع ما يرى بيعه، وإيجار ما

يرى إيجاره من أملاكه الجارية في يده واستحقاقه، الشائع منها والمقسوم، ممن يرغب في ابتياعها أو شئ منها، أو استئجارها أو شئ منها بثمن المثل، وأجرة المثل، فما فوق ذلك، على حكم الحلول أو التأجيل، على ما يراه، وتسليم المبيع والمأجور لمبتاعه ومستأجره.
وقبض الثمن والاجرة عن ذلك.
وعمارة كل ما يرى عمارته من ذلك، وإصلاح ما يرى إصلاحه منه وترميمه وإزالة شعثه وقطع عيوبه.
والانفاق على ذلك من موكله، وتولى القيام به بنفسه وبمن يستعين به على ما يرى له فيه الحظ والمصلحة، ومصالحة من رأى مصالحته ممن لموكله عليه حق على ما يصح ويجوز، وقبض مال الصلح.
وفي ابتياع ما يرى ابتياعه له من الاصناف والعقارات على اختلافها، ودفع الثمن من ماله.
وفي المناقلة عنه بأملاكه إلى ما يرى من العقار.
وفي التسلم وفي التسليم، والمكاتبة والاشهاد على الرسم المعتاد، وإبداء الدافع ونفيه، وطلب الحكم من الحكام بإلزام الخصوم بما يلزمهم له.
وطلب الثبوت والحكم بما يثبت لديهم شرعا.
وفي المقابلة في العقار وغيره، وفسخ ما يرى فسخه من البيوع بطريقه إذا رأى ذلك مصلحة.
وفي طلب ما جر إليه الارث الشرعي من فلان المتوفى ببلد كذا ممن هو في يده وتحت نظره وحوطته، وقبض جميع ما يتعين له قبضه واستخلاصه، واستيفاؤه بكل طريق ممكن شرعي.
وفي تسليم مغلات أملاكه ومستأجراته وإقطاعاته بالمكان الفلاني وضبطها وتحريرها وبيع ما يرى بيعه منها، وخزن ما يرى خزنه من مجموعها، وتقوية فلاحيه، وصرف ما يرى صرفه في ذلك من ثمن أدوات وآلات وعدد وفلاحة وتقاوي وغيرها، مما تدعو الحاجة إلى صرفه في تعلقاته وجهات أملاكه ومستأجراته، من المصاريف الشرعية والعرفية والعادية، الشاهد بها ضرائب إقطاعاته الديوانية، ووفاء ما عساه يكون على الموكل المذكور من ديون شرعية وجامكية وغير ذلك.
وفعل ما تقتضيه المصلحة له
من حمل ما يتحصل تحت يده من الاموال إلى المكان الفلاني، وفي السفر به صحبة الرفقة الثقات في الطرق المأمونة المسلوكة، وتجهيزه إليه صحبة موثوق به إن شاء، وإبقائه تحت يده إذا شاء، توكيلا صحيحا شرعيا عاما مطلقا مفوضا، موسعا مرضيا.
يندرج تحت عمومه البيع والشراء، والاخذ والعطاء، والقبض والاقباض، وسائر التصرفات الشرعية في جميع التعلقات المالية، مما يصح به التوكيل شرعا، لم يستثن عليه فصلا من فصول التوكيل الجائز شرعا، ولا نوعا من أنواعه، سوى حل العصم وعقدها، وإشغال الذمة بالدين، وإتلاف التملكات بغير عوض يساويها مثلا أو قيمة، وما عدا ذلك فقد فوضه إليه، وأطلق تصرفه فيه وأقامه في ذلك كله - ما عدا المستثنى أعلاه - مقام نفسه.
ورضي بقوله وفعله، وجعل له أن يوكل في ذلك وفيما شاء منه من شاء من الوكلاء، ويعزله متى شاء، ويعيده إذا شاء، وأن يستبدل وكيلا بعد وكيل.
قبل ذلك

منه قبولا شرعيا.
ورضي كل منهما به الرضى الشرعي.
ويكمل.
وصورة توكيل وكيل بيت المال وكيلا عنه في بلد من البلاد: أشهد عليه سيدنا فلان الدين وكيل بيت المال المعمور بالمملكة الفلانية بمقتضى الوكالة الصحيحة الشرعية، المفوضة إليه من المقام الاعظم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني - خلد الله سلطانه، وأعز جنوده، ونصر أعوانه - المأذون له فيها: أن يوكل عنه فيما هو وكيل فيه.
وفيما شاء منه من شاء من الوكلاء العدول الامناء رعاية لمصالح بيت المال المعمور، الاذن الشرعي، وحسبما يشهد بذلك كتاب الوكالة الشرعية، المتقدم تاريخه على تاريخه، الثابت مضمونه بمجلس الحكم العزيز الفلاني، المتصل ثبوته الاتصال الشرعي، إشهادا شرعيا: أنه وكل فلانا في المطالبة بحقوق بيت المال المعمور وواجباته بأسرها، وقبضها واستيفائها، والدعوى بها على من هي في جهته، وتحت يده لدى السادة القضاة والحكام وخلفائهم.
وولاة أمور الاسلام ونوابهم.
وفي إيقاع الحوطة على
التركات الحشرية الصائرة لبيت المال شرعا، وضبطها وتحريرها، وبيع ما يتحصل منها من قماش ونحاس وأثاث، ورقيق وحيوان، وصامت وناطق، وغير ذلك مما يطلق عليه اسم المال، وجمع الثمن عن ذلك وإحرازه، بعد تحريره وتجهيزه إلى بيت المال المعمور، حملا إليه برسائل دالة عليه، وصرفه في مصارفه الشرعية بالبلد الذي تحصل فيه بطريقه المعتبر.
وفي الدعوى لبيت المال المعمور بكل حق هو له، وإقامة بيناته، وإثبات حججه ومساطيره ومكاتيبه واستحقاقاته.
وفي سماع الدعوى عليه بما يسوغ سماعه شرعا.
وفي إبداء الدافع ونفيه، وجرح البينة وطلب اليمين واستيفائه.
وفي التوصل إلى كل حق هو له، وقبضه واستخلاصه، واستيفائه بكل طريق ممكن شرعي.
ويعتمد الكاتب في هذه الوكالة جميع ما ينص عليه، وكيل بيت المال، ويعينه، من نفي شئ أو إثباته، على ما جرت به العادة من توكيل وكيل بيت المال في هذا الزمان، وهو أنه يوكل في الضبط والتحرير وبيع الاثاث فقط، ويمنع من بيع العقار، ومن أن يسمع الدعوى على بيت المال إلا في مائتي درهم فما دونها.
ويكمل على نحو ما نص عليه.
وصورة توكيل رجل في قبول نكاح امرأة من وليها الشرعي: وكل فلان فلانا في قبول عقد فلانة البكر البالغ، أو المرأة، أو البكر المعضلة من وليها فلان.
والدها أو جدها أبي أبيها أو غيرهما، على ترتيب الاولياء في النكاح على صداق مبلغه كذا، حالا أو منجما، توكيلا صحيحا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا، ويؤرخ.

وصورة توكيل الوالد في حق ولده، أو الجد في حق ولد ابنه، أو الوصي في مال الطفل: وكل فلان فلانا في المطالبة بحقوق ولده الصغير فلان، أو بحقوق ولده لصلبه الصغير الذي هو في حجره وتحت نظره بالابوة الشرعية.
أو بحقوق اليتيم الصغير فلان الذي هو تحت نظره وولايته بالوصية الشرعية المسندة إليه من والد اليتيم المذكور
بمقتضى كتاب الوصية، المحضرة لشهوده، المتضمن أنه أوصى إليه على ولده المذكور، وجعل له أن يتصرف له في ماله بسائر التصرفات الشرعية، وأن يوكل عنه في ذلك، ويوصي به إلى من أراد - إلى غير ذلك، مما هو مشروح في كتاب الوصية المذكور - المؤرخ بكذا الثابت مضمونه بمجلس الحكم العزيز الفلاني وقبض ذلك واستيفائه ممن هو عليه وعنده وفي ذمته.
وفي الدعوى بذلك في مجالس الحكام - ويسوق من الالفاظ المتقدم ذكرها ما يليق بهذا المقام.
مراعيا في كل حالة من الحالات ما يجب مراعاته من استعمال لفظ يحتاج إليه، أو تركه عند عدم الحاجة إليه - ولا يخفى ذلك على الحذاق المعانين لكتابة الوثائق.
وصورة توكيل الرجل عبده في قبول النكاح له على امرأة من وليها على صداق معين: وكل فلان عبده فلانا الجاري عليه حكم الرق والعبودية، الرجل الكامل في قبول عقد نكاحه على فلانة البكر - أو المرأة - من وليها الشرعي فلان على صداق مبلغه كذا، حالا أو منجما، توكيلا شرعيا.
قبله منه قبولا شرعيا.
وصورة إذن السيد لعبده في التجارة، وهو العبد المأذون: أشهد عليه فلان أنه سلم إلى عبده فلان الحبشي الجنس، المسلم الدين، الرجل الكامل، المعترف له بالرق والعبودية، ما مبلغه كذا وكذا، ومن عروض التجارات القماش المختلف الالوان والاصناف: الصوف والحرير والكتان ما قيمته كذا وكذا.
وأذن له أن يشتري بالمبلغ المعين أعلاه ثيابا قطنا خاما ويقصرها، ويضمها إلى عروض التجارة المذكورة، وأن يبيع ذلك كله بالنسيئة إلى أجل كذا في أقساط كذا، وأن يستخرج أثمان ذلك ممن هي عليه أوان حلولها ووجوبها، وأن يدعي على من يعسر عليه استخراج ما في ذمته من ثمن ذلك عند حلول الثمن، لدى السادة القضاة والحكام وخلفائهم، وولاة أمور الاسلام ونوابهم، وأن يحبس من امتنع من الاداء، ويطلقه إذا أراد، ويلازمه إذا أحب، ويصالح من رأى مصالحته من الغرماء على ما يراه، وأن يقبض مال الصلح، ويبرئ من القدر الباقي،
وأن يأخذ بما يراه من الدين الرهن والكفيل، وأن يحيل ويحتال، ويرضى بمن يحتال عليه، وبما يحال به عليه، وأن يصرف ما لا بد له من صرفه من المؤن والكلف، وأجرة الحانوت والمخازن، ويخرج الزكاة الشرعية، وأن يصرف ما جرت العادة بصرفه بين

التجار، وأن يبتاع بالمال المستخرج قماشا مما يحمل إلى الديار المصرية والبلاد الشامية، أو اليمنية أو الهندية.
أو السواكنية، أو النوبة، أو غير ذلك، ويسافر به إلى حيث شاء من سائر البلاد المذكورة، شرقا وغربا، وبرا وبحرا، عذبا وملحا.
ويبيعه بالنسيئة أيضا دون النقد إلى أجل، ويستخرج ثمنه، ويفعل ما فعل أول مرة، ويبتاع بما يتحصل من ذلك قماشا إسكندريا، أو إبياريا أو سنباطيا، أو غير ذلك مما يحمل من تلك البلاد إلى البلاد الفلانية، ويبيعه أيضا بالنسيئة دون النقد، ويفعل فيه ذلك كذلك مرة بعد أخرى، ويديره في يده حالا بعد حال، على الشرط والترتيب المشروح بأعاليه، إذنا شرعيا.
قبل منه ذلك قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة التوكيل في أداء فرض الحج من معضوب عاجز عن الحج بنفسه: وكل فلان فلانا أن يحج عنه حجة الاسلام بفروضها وسننها وواجباتها - مفردا أو قارنا، أو متمتعا - لكونه كبر وهرم، وعجز عن الركوب، والتوجه لاداء الفرض بنفسه، من مدينة كذا إلى مكة المشرفة إلى عرفات، ثم إلى منى، ثم إلى مكة المشرفة ثم إلى المدينة الشريفة النبوية - على الحال بها أفضل الصلاة والسلام - ثم إلى القاهرة المحروسة أو غيرها، صحبة الركب الشريف المتوجه في عام تاريخه.
وأن يفعل جميع ما يحتاج إلى فعله مما يجب على الموكل المذكور أن لو حج بنفسه، من الفروض والاركان والسنن والمستحبات على الاوضاع الشرعية، ويأتي بعمرة مشهود فيها على العادة، توكيلا شرعيا.
قبله منه قبولا شرعيا، وأذن الموكل المذكور لوكيله المذكور أن يوكل عنه من يقوم مقامه عند عدم التمكن من الفعل أو بعضه بمرض أو عارض شرعي إذنا شرعيا.
وجعل له على ذلك كذا وكذا أجرة.
ودفع ذلك إليه، فقبضه منه قبضا شرعيا.
ويكمل.
وصورة التوكيل في تفريق زكوات الاموال الباطنة والظاهرة: وكل فلان فلانا في صرف زكاة ماله الباطن من الذهب والفضة - فإن كان شافعيا ذكر له أصناف المستحقين لها على مذهب الشافعي.
وإن كان غير ذلك فرقها على الاصناف الثمانية، أو على الموجود منها على ما ذكره غير الشافعية.
وكذلك تفرقة زكاة الفطر وزكاة الاموال الظاهرة.
وهي المواشي والحبوب، فيعين له الاسنان من المواشي، والوسق من الحبوب والثمار - توكيلا شرعيا، أقامه في ذلك مقام نفسه، ورضي بقوله وفعله، وسلم إليه القدر الواجب في ماله.
وهو كذا وكذا، فقبضه منه قبضا شرعيا.
وصار في يده ليصرفه عنه فيما وكله فيه، عاملا في ذلك كله بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا، ويكمل.
والقول قول الوكيل في تفرقة هذه الزكوات على مستحقيها.
وصورة التوكيل في

ذبح الضحايا وتفرقتها، والاذن للوكيل في أكل بعضها: وكل فلان فلانا أن يذبح ضحاياه عنه وعمن تلزمه نفقته، وهي عشر بدنات حمر.
وعشر بقرات صفر.
ومائة شاة من الغنم الضأن البشموري، أو الشرقي، أو غيره، كلهن سالمات من العيوب المانعة من إدخال أوصاف التضحية بها شرعا.
وأذن له أن يفرق اللحم على الفقراء والمساكين من أمة سيد المرسلين محمد (ص)، وأن يأكل من اللحم، إذنا شرعيا، قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة التوكيل في السلم: وكل فلان فلانا أن يدفع إلى فلان بعينه - أو أن يدفع من ماله إلى من أراد - مبلغ كذا وكذا، سلما شرعيا فيما يراه الوكيل المذكور من المكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات، الجائز عليها عقد السلم شرعا، في دفعة واحدة أو دفعات، حسبما يراه الوكيل المذكور، حالا ومقسطا ومؤجلا.
ودفع رأس
مال السلم في مجلس العقد الواقع بينهما على ما يتعاقداه من ذلك، على أن المسلم إليه يقوم بما يسلم إليه فيه محمولا إلى البلد الفلاني توكيلا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة توكيل الوكيل على أن يرهن له رهنا على دين في ذمته، أو على ما يترتب في ذمته من الدين، أو أن يرتهن له رهنا من شخص في ذمته دين للموكل: وكل فلان فلانا أن يرهن ما هو جار في يده وملكه وتصرفه - وهو كذا وكذا - على ما هو مستقر في ذمته من الدين الشرعي لفلان بمقتضى مسطور شرعي مبلغه كذا.
مؤرخ بكذا، وعلى ما سيستقر في ذمته لفلان من الدين الشرعي، رهنا شرعيا، ويسلمه للمرتهن المذكور على ذلك تسليما شرعيا.
وأن يرتهن له من فلان كذا وكذا على ما له في ذمته من الدين الشرعي، ارتهانا شرعيا بشروطه الشرعية.
ويتسلمه لموكله المذكور تسلما شرعيا على الوجه الشرعي توكيلا شرعيا.
قبله منه قبولا شرعيا، ويكمل.
وصورة توكيل الراهن في بيع الرهن عند حلول الدين ودفعه للمرتهن - وأحسن ما يكتب في ذيل مسطور الدين بعد استيفاء ذكر الرهن يقول: وبعد تمام ذلك ولزومه شرعا: وكل فلان الراهن المسمى أعلاه فلانا في بيع الرهن المذكور عند حلوله وبعده بثمن المثل، وما قاربه ممن يرغب في ابتياعه.
وفي قبض الثمن.
وتسليم المبيع، أو في مقاصصة المشتري - إن كان هو المرتهن - بالثمن الواقع عليه عند عقد البيع إلى نظيره من الدين المعين أعلاه.
وفي المكاتبة والاشهاد على الرسم المعتاد توكيلا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل.

وصورة التوكيل في الهبة: وكل فلان فلانا أن يهب فلانا ما هو جار في ملك الموكل المذكور وحيازته وتحت يده، وذلك جميع كذا وكذا، وأن يسلم إليه الهبة المذكورة توكيلا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة التوكيل في طلاق الزوجة على بدل منها - إما الصداق، أو على مبلغ في ذمتها -: وكل فلان فلانا في سؤال زوجته فلانة أن يطلقها طلقة واحدة أولى، أو طلقة ثانية مسبوقة بأولى، بعد الدخول بزوجته المذكورة.
واعتراف الموكل المذكور حالة التوكيل بذلك على نظير مبلغ صداقها عليه، وهو كذا وكذا أو على مبلغ كذا وكذا في ذمتها، توكيلا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا، ويكمل.
والله أعلم.

كتاب العارية وما يتعلق بها من الاحكام العارية: إباحة الانتفاع بعين من الاعيان، وهي مشتقة من عار الشئ إذا ذهب، ومنه قيل للغلام البطال: عيار.
والاصل في ثبوتها: الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * وفي العارية إعانة.
وقوله تعالى: * (فويل للمصلين ئ الذين هم عن صلاتهم ساهون ئ الذين هم يرآءون ئ ويمنعون الماعون) * قال ابن مسعود الماعون: إعارة الدلو، والقدر، والميزان وقال بعض المفسرين: هو ما يستعيره الجيران بعضهم من بعض.
وروي عن علي، وابن عمر أن الماعون الزكاة.
وأما السنة: فروى أبو أمامة: أن النبي (ص) قال: إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، والعارية مؤداة - الحديث.
وروى أبو هريرة: أن النبي (ص) قال: ما من صاحب إبل ولا بقر لم يؤد حقها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر وروي: قرق - تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما فني أولاها عاد عليه أخراها.
فقيل: يا رسول الله، ما حقها؟ قال: عارية دلوها، ومنحة لبنها يوم ولادها والقرق: المستوى.
قال الشاعر:
كأن أيديهن بالقاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق

والقرقر: مثله.
وروي أن النبي (ص) استعار من صفوان بن أمية يوم حنين دروعا، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة.
وأما الاجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز العارية.
وأما القياس: فلانه لما جاز هبة الاعيان، جاز هبة منافعها.
ويشترط في المعير أن يكون مالكا للمنفعة، أهلا للتبرع.
فيجوز للمستأجر أن يعير، ولا يجوز للمستعير أن يعير العارية.
لكن له أن يستنيب عنه من يستوفي المنفعة له.
ويشترط في المستعار: أن يكون منتفعا به مع بقاء عينه.
ولا يجوز إعارة الاطعمة التي منفعتها في الاستهلاك.
ويجوز إعارة الجواري للخدمة، إن أعار من امرأة أو محرم.
ويكره إعارة العبد المسلم من الكافر.
ولا بد في الاعارة من لفظ: إما من جهة المعير.
كأعرتك هذا، أو خذ هذا لتنتفع به، أو من جهة المستعير، بأن يقول: أعرني هذا.
وإذا وجد اللفظ من أحدهما والفعل من الآخر: كفى.
ولو قال: أعرتك حماري لتعلفه، أو داري لتطين سطحها، أو أعرتك حماري لتعيرني فرسك.
فهذه إجارة فاسدة توجب أجرة المثل غير مضمونة.
ومؤنة الرد على المستعير.
وإذا تلفت العارية بالاستعمال فعليه الضمان.
وإن لم يكن منه تقصير.
وأظهر الوجهين للشافعي: أنه لا ضمان إذا تلفت العارية بالاستعمال.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن العارية قربة مندوب إليها.
ومثاب عليها.
واختلفوا في ضمانها.
فمذهب الشافعي وأحمد: أن العارية مضمونة على المستعير مطلقا، تعدى أو لم يتعد.
ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: أنها أمانة على كل وجه، لا تضمن إلا بتعد.
ويقبل قوله في تلفها.
وهو قول الحسن البصري والنخعي والاوزاعي والثوري.
ومذهب مالك:
أنه إذا ثبت هلاك العارية لا يضمنها المستعير، سواء كان حيوانا أو حليا أو ثيابا، مما يظهر أو يخفى، إلا أن يتعدى فيه.
هذه أظهر الروايات.
وذهب قتادة وغيره إلى أنه إذا شرط المعير على المستعير الضمان، صارت مضمونة عليه بالشرط.
وإن لم يشترط لم تكن مضمونة.

وإذا استعار شيئا، فهل له أن يعيره لغيره؟ قال أبو حنيفة ومالك: له ذلك وإن لم يأذن له المالك، إذا كان لا يختلف باختلاف المستعمل.
وقال أحمد: لا يجوز إلا بإذن المالك.
وليس للشافعي فيها نص، ولاصحابه وجهان.
أصحهما: عدم الجواز.
واختلفوا: هل للمعير أن يرجع فيما أعاره؟ فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: للمعير أن يرجع في العارية متى شاء، ولو بعد القبض، وإن لم ينتفع بها المستعير وقال مالك: إن كان إلى أجل لم يكن للمعير الرجوع فيها إلى انقضاء الاجل.
ولا يمكن المعير استعادة العارية قبل انتفاع المستعير بها.
وإذا أعار أرضا لبناء أو غراس.
قال مالك: ليس له أن يرجع فيها إذا بنى أو غرس، بل للمعير أن يعطيه قيمة ذلك مقلوعا، أو يأمره بقلعه إن كان ينتفع بمقلوعه.
فإن كان له مدة، فليس له أن يرجع قبل انقضائها.
فإذا انقضت فالخيار للمعير.
كما تقدم.
وقال أبو حنيفة: إن وقت له وقتا فله أن يجبره على القلع.
وإلا فليس له الاجبار قبل انقضائها.
وقال الشافعي وأحمد: إن شرط عليه القلع، فله أن يجبره عليه أي وقت اختار.
وإن لم يشرط، فإن اختار المستعير القلع.
قلع، وإن لم يختر فللمعير الخيار بين أن يتملكه بقيمته أو يقلع، ويضمن أرش النقص.
فإن لم يختر المعير لم يقلع إن بذل المستعير الاجرة.
فائدة: الرد المبرئ من ضمان العارية: تسليمها إلى المالك أو وكيله.
فله رد البهيمة إلى الاصطبل، والثوب إلى البيت الذي أخذه منه.
وإذا لم يجد المعير.
فسلم
الدابة إلى زوجته أو ولده، فأرسلت إلى المرعي فضاعت فالمعير بالخيار بين أن يغرم المستعير أو الزوجة أو الولد.
المصطلح: وصوره تشتمل على أنواع، منها: صورة عارية الرجل ابنته، أو ابنة جاريته موطوءته للخدمة: أعار فلان ولده لصلبه فلانا - أو ابنته لصلبه فلانة - جميع الجارية الحبشية، أو السوداء التكرورية الجنس، أو النوبية، أو الزنجية.
المرأة الكاملة المدعوة فلانة، المعترفة للمعير المذكور بالرق والعبودية، التي هي مفترشة المعير المذكور - أو أم ولده - لتقوم بخدمة المستعيرة - أو المستعير - المذكور خدمة مثلها لمثلها - أو لمثله - مدة كذا وكذا من تاريخه، عارية شرعية معتبرة مرعية، وجد فيها شروط صحتها من الاعارة باللفظ بالصيغة المعتبرة، ووجود الاستعمال من المستعيرة.
وسلم إليها العارية المعينة أعلاه بالمقتضى المشروح أعلاه.
فتسلمتها منه التسلم الشرعي.
وصارت في يدها

وحوزها.
ووجب لها الاستخدام المدة المعينة أعلاه وجوبا شرعيا.
ويكمل.
وصورة عارية الوالدة لابنتها حليا وقماشا تتزين به: أعارت فلانة ابنتها لبطنها فلانة ما ذكرت المعيرة المذكورة: أنه لها وبيدها وملكها، وتحت تصرفها إلى حالة العارية المذكورة.
وصدقتها المستعيرة المذكورة على ذلك.
وذلك جميع العصابة المشتملة على لؤلؤ - ويصفه بعدته، ويذكر الوزن بالمثاقيل - وجميع كذا وجميع كذا، وجميع كذا - ويصف كل شئ منها بحسبه من الحلي والقماش واللباس والفرش.
وغير ذلك وصفا تاما، يخرجه عن الجهالة - ثم يقول: عارية صحيحة شرعية جرت بينهما باللفظ المعتبر في ذلك شرعا، لتنتفع بذلك انتفاع مثلها بالمعروف باللبس والتزين والتجمل به، وفرش ما يفرش منه، واستعمال ما يستعمل منه من الاواني الصيني والنحاس مدة كذا وكذا سنة، من تاريخه بمنزلها، الكائن بالموضع الفلاني، وسلمت إلى ابنتها المستعيرة المذكورة
جميع العارية الموصوفة أعلاه.
فتسلمتها منها تسلما شرعيا.
وصارت في يدها وحوزها، ووجب لها الانتفاع بها المدة المعينة أعلاه.
قبلت ذلك منها قبولا شرعيا.
هذا إذا كانت المستعيرة بالغة عاقلة رشيدة.
وإن كانت باقية تحت حجر والدها.
فيقع التصديق والتسليم والقبول منه لمحجورته المستمرة تحت حجره وولاية نظره.
ويكمل.
وصورة عارية الوالد لابنته الشورة - وهي الجهاز - للتجمل به: أعار فلان لابنته لصلبه فلانة البكر البالغ التي اعترف برشدها عند شهوده، ما ذكر أنه له، وبيده وملكه وتصرفه.
وذلك جميع الشورة المشتملة على كذا وكذا - ويصف اشتمالاتها كلها.
ويذكر الوزن والقيمة، وإن كان ملكا، أو دارا وصفها وحددها - ثم يقول: إعارة صحيحة شرعية، مقبولة مسلمة، مقبوضة بيد المستعيرة من المعير بإذنه لها في ذلك وذلك بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية، والتشخيص الشرعي.
وعلى المستعيرة المذكورة حفظ ذلك وصونه والانتفاع به في منزلها بموضع كذا.
والتجمل به على العادة في مثله، بحيث لا يخرج ذلك، ولا شيئا منه عن يدها إلى أن تعيده إلى المعير على الصفة المشروحة أعلاه.
واعترفت بمعرفة مقدار العارية.
وما يلزمها فيه.
وصدقت على ذلك كله تصديقا شرعيا.
ويكمل.
وصورة عارية الدار للسكنى: أعار فلان فلانا ما ذكر المعير المذكور أنه له وبيده وملكه، وتحت تصرفه إلى حين هذه العارية.
وإن كانت إباحة بغير أجرة يقول: أباح فلان فلانا جميع الدار، وجميع الحصة الشائعة، وقدرها كذا وكذا من أصل كذا وكذا من جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها - عارية صحيحة شرعية، مشتملة على الايجاب والقبول الشرعيين، أو إباحة صحيحة شرعية مشتملة على الايجاب والقبول لمدة كذا

وكذا سنة، يسكنها المستعير المذكور - أو المباح له المذكور - بنفسه وأهله ومتاعه وخدمه لطول المدة المعينة أعلاه، بغير أجرة تلزمه عن ذلك، وسلم المعير المذكور إلى
المستعير المذكور - أو وسلم المبيع المذكور للمباح له المذكور - جميع الدار، أو جميع الحصة من جميع الدار المذكورة.
فتسلمها منه على الحكم المشروح أعلاه تسلما شرعيا.
وصارت بيده وحوزه، ثم تفرقا بالابدان عن تراض، ثم بعد تمام ذلك ولزومه شرعا: قام فلان المبيح المذكور في فسخ الاباحة، وتمسك المباح له بها.
وذكر أنها من العقود الجائزة للمدة المذكورة على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء.
وتصادقا على أنهما ترافعا بسبب ذلك إلى حاكم من حكام المسلمين، جائز الحكم والقضاء ماضيهما.
وتقدم فلان المبيح في فسخ هذه الاباحة.
وامتنع المباح له من فسخها، وتمسك بالعقد فيها.
وسأل الحكم له بما يوجبه الشرع الشريف في ذلك، وأنه حكم بصحة هذه الاباحة المدة المذكورة.
وقطع بإجازتها وإمضائها حكما شرعيا، بعد أن ثبت عنده صدور الاباحة بينهما في ذلك على الحكم المشروح أعلاه ثبوتا شرعيا، مستوفيا شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا مع العلم بالخلاف.
ويكمل.
وصورة إباحة الزوجة السكن لزوجها في الدار الجارية في ملكها: أشهدت عليها فلانة شهوده إشهادا شرعيا: أنها في يوم تاريخه أباحت زوجها فلان، التي هي في عصمته وعقد نكاحه، السكن بها في جميع المنزل الفلاني - أو البيت الفلاني - الذي هو من حقوق الدار الفلانية، الكائنة بالمكان الفلاني - وتوصف وتحدد - التي ذكرت المبيحة المذكورة أنها لها، وفي ملكها، وتحت تصرفها بالطريق الشرعي، إباحة صحيحة ماضية قاطعة، جائزة نافذة، بغير أجرة تلتمسها منه، ولا عوض ولا مقابل، ولا مكافأة، إلا بحسن الصحبة، وجميل المعاشرة.
وأن يسكن فيها بها ما دامت في عصمته وعقد نكاحه.
وسلمت إليه ما وقع عليه عقد هذه الاباحة.
فتسلمه منها، وصار بيده.
ووجب له الانتفاع به وجوبا شرعيا.
وضمنت له الدرك في ذلك، على أنه متى نقلها من هذا المنزل المختص بها، فليس له عليها طلب أجرته، ولا غيره بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الاسباب.
قبل منها المباح له المذكور أعلاه جميع ذلك قبولا شرعيا.
واعترف كل
منهما بمعرفة معنى ذلك.
وما يترتب عليه شرعا.
وصورة عارية الدابة لرجل يركبها إلى مكان معين: أعار فلان فلانا ما ذكر أنه له.
وبيده.
وتحت تصرفه.
وذلك جميع البغل، أو البغلة، أو الحمار، أو الحصان، أو الفرس، أو غير ذلك مما يركب - ويذكر شيته - على أن يركب هذه الدابة المذكورة من الموضع الفلاني إلى الموضع الفلاني، ركوب مثله لمثلها في الطريق المأمون، المعروف

بسلوك عابري السبيل من التجار والمسافرين وغيرهم، ثم يعود عليها إلى الموضع الفلاني.
عارية صحيحة جائزة مضمونة، مردودة مؤداة، وسلم فلان المعير لفلان المستعير الدابة المذكورة، فتسلمها منه تسلما شرعيا، وصارت بيده على الحكم المشروح أعلاه.
قبل كل منهما ذلك من الآخر قبولا شرعيا.
ويكمل.
وصورة عارية الارض للغراس والبناء: أعار فلان فلانا جميع القطعة الارض الكشف البياض، الخالية من العمارة والغراس - ويصفها ويحددها، وإن ذكر ذرعها فهو أجود - عارية صحيحة شرعية، ليبني المستعير فيها ما شاء من البناء على الصفة التي يختارها، أو ليغرس بها ما شاء من أنواع الغراس، المختلف الثمار مدة ثلاثين سنة، أو أكثر أو أقل من تاريخه.
وأذن له في ذلك كله إذنا شرعيا، وسلم إليه العارية المذكورة فتسلمها منه تسلما شرعيا.
ووجب للمستعير المذكور البناء والغراس بالارض المستعارة والانتفاع بها.
وبما يستجده فيها من العمارة والغراس لطول المدة المعينة أعلاه.
وجوبا شرعيا.
ويكمل.
وصورة عارية الجدار لوضع الجذوع: أعار فلان فلانا جميع الحائط المستطيل الماد قبلة وشمالا، المبني بالحجر النحيت أو المكسور، أو الآجر، أو الطين أو الجير، الذي ارتفاعه من الارض كذا وكذا ذراعا، وطوله قبلة وشمالا كذا وكذا ذراعا، وعرضه كذا وكذا ذراعا بذراع العمل، وهو الفاصل بين دار المعير المذكور القديمة البناء على الدار
التي أنشأها المستعير المذكور، عارية صحيحة شرعية، ليضع المستعير المذكور عليها كذا وكذا جذعا من الخشب رواقا واحدا، بداره المذكورة لمدة كذا وكذا سنة - أو سنتين أو أقل أو أكثر - من تاريخه.
وسلم المعير المذكور إلى المستعير المذكور الحائط المذكور.
وأذن له في وضع الجذوع المذكورة عليه إذنا شرعيا.
فتسلمه منه تسلما شرعيا.
وصار في يده.
ووجب له وضع الجذوع عليه المدة المعينة أعلاه وجوبا شرعيا.
ويكمل.
وصورة عارية الارض لدفن الميت: أعار فلان فلانا جميع القطعة الارض الكشف البياض التي هي بالمكان الفلاني.
وذرعها قبلة وشمالا كذا وكذا ذراعا.
وشرقا وغربا كذا وكذا ذراعا بذراع العمل - وتحدد - عارية صحيحة شرعية، ليدفن فيها المستعير المذكور موتاه، ويجعل لنفسه بها أزجا بالحجارة مجوفا مقببا برسم دفنه به، ويبني حول ذلك عمارة، ويغرس بباقي الارض المذكورة غراسا مختلفا ألوانه وأنواعه، مدة ثلاثين سنة من تاريخه، لم يرجع في الارض التي بها الدفن ما لم يبل الميت، ويرجع في الباقي عند فراغ المدة أعلاه.
وانقضائها على الوجه الشرعي.
وسلم المعير المذكور إلى المستعير المذكور الارض المستعارة المذروعة المحدودة بأعاليه.
فتسلمها منه تسلما شرعيا.
ووجب له الانتفاع بها المدة المعينة أعلاه، على الحكم المشروح أعلاه.
وجوبا شرعيا.
ويكمل.
والله أعلم.

كتاب الغصب وما يتعلق به من الاحكام الغصب محرم.
والاصل في تحريمه: الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) * وقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * والسرقة من الغصب.
وأما السنة: فما روي أن النبي (ص) قال في خطبته في حجة الوداع: ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ومعنى ذلك: دماء بعضكم على بعض، وأموال بعضكم على بعض.
وروي أن النبي (ص) قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وروى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي (ص) قال: لا يأخذن أحدكم مال أخيه لاعبا ولا جادا.
فمن أخذ عصا لاخيه فليردها وروى سمرة بن جندب أن النبي (ص) قال: على اليد ما أخذت حتى ترده وروي حتى تؤديه وروى يعلى بن مرة الثقفي: أن النبي (ص) قال: من أخذ

أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر وروى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: من أخذ من الارض شبرا بغير حقه طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وقال (ص) ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، بحلال أو بحرام.
وأما الاجماع: فقد أجمعت الامة على تحريم الغصب.
قال الصيمري: من غصب شيئا واعتقد إباحته: كفر بذلك، وإن اعتقد تحريمه: فسق بفعله، وردت شهادته.
والغصب: هو الاستيلاء على مال الغير على وجه التعدي.
والركوب على دابة الغير، والجلوس على فراش الغير غاصب لما عليه.
وإن لم ينقل ذلك، ولو دخل دار الغير وأزعجه منها فكذلك.
ولو أزعجه وقهره على الدار ولم يدخل صار غاصبا.
ولو سكن بيتا.
ومنع المالك منه دون باقي الدار.
فهو غاصب لذلك البيت فقط.
ولو دخل على قصد الاستيلاء ولم يكن المالك في الدار، فهو غاصب.
وإن سكن بها ولم يزعجه.
فهو غاصب لنصف الدار، إلا أن يكون الساكن ضعيفا، لا يعد مثله مستوليا، فلا يكون غاصبا.
وعلى الغاصب رد المغصوب.
فإن تلف في يده ضمنه.
وكذلك الايدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان.
الخلاف المذكور في مسائل الباب:
الاجماع قد انعقد على تحريم الغصب وتأثيم الغاصب، وأنه يجب رد المغصوب إن كانت عينا باقية، ولم يخف من نزعها إتلاف نفس.
واتفقوا على أن العروض والحيوان وكل ما كان غير مكيل ولا موزون، إذا غصب وتلف، يضمن بقيمته.
وأن المكيل والموزون، يضمن بمثله إذا وجده، إلا في رواية عن أحمد.
ومن جنى على متاع إنسان فأتلف عليه غرضه المقصود منه.
فالمشهور عن مالك: أنه يلزمه قيمته لصاحبه، ويأخذ الجاني ذلك الشئ المتعدى عليه، ولا فرق في ذلك بين المركوب وغيره، ولا بين أن يقطع ذنب حمار القاضي أو أذنه أو غيره، مما يعلم أن مثله لا يركب مثل ذلك إذا جنى عليه.
وسواء كان حمارا أو بغلا أو فرسا.
هذا هو المشهور

عنه.
وعنه رواية أخرى: أن على الجاني ما نقص.
وقال أبو حنيفة: إن جنى على ثوب حتى أتلف أكثر منافعه، لزمه قيمته، ويسلم الثوب إليه.
فإن أذهب نصف قيمته، أو دونها.
فله أرش ما نقص.
وإن جنى على حيوان ينتفع بلحمه وظهره كبعير وغيره.
فإنه إذا قلع إحدى عينيه لزمه دفع نصف قيمته.
وفي العينين جميع القيمة، ويرد على الجاني بعينه إن كان مالكه قاض أو عدله.
وقال في غير هذا الجنس: ما نقص.
وقال الشافعي وأحمد: في جميع ذلك ما نقص.
ومن جنى على شئ غصبه بعد غصبه جناية، لزم مالكه عند مالك أخذه مع ما نقصه الغاصب، أو يدفعه إلى الغاصب، ويلزمه بقيمته يوم الغصب.
والشافعي يقول: لصاحبه أرش ما نقص، وهو قول أحمد.
ومن جنى على عبد غيره.
فقطع يديه أو رجليه.
فإن كان أبطل غرض سيده منه، فلسيده أن يسلمه إلى الجاني، ويعتق على الجاني إن كان قد تعمد ذلك.
ويأخذ السيد قيمته من الجاني أو يمسكه، ولا شئ له.
هذا هو الراجح من مذهب مالك.
وفي رواية عنه: أنه ليس له إلا ما نقص، وهو قول
أبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: له أن يسلمه ويأخذ قيمته أو يمسكه ولا شئ له.
وقال الشافعي: له أن يمسكه، ويأخذ جميع قيمته من الجاني، تنزيلا على أن قيمة العبد كديته.
ومن مثل بعبد، فقطع أنفه أو يده، أو قلع سنه، عتق عليه عند مالك.
واختلف قوله: هل يعتق بنفس الجناية، أو يحكم الحاكم؟ وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يعتق عليه بالمثلة.
ومن غصب جارية على صفة.
فزادت عنده زيادة، كسمن، أو تعلم صنعة حتى علت قيمتها، ثم نقصت القيمة بهزال، أو نسيان للصنعة: كان لسيدها أخذها بلا أرش ولا زيادة.
وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وأحمد: له أخذها وأرش نقص تلك الزيادة التي كانت حدثت عند الغاصب.
والزيادة المنفصلة - كالولد إذا حدث بعد الغصب - فهي غير مضمونة عند مالك وأبي حنيفة.
وقال الشافعي وأحمد: هي مضمونة على الغاصب بكل حال.
فصل: واختلف في منافع الغصب.
فقال أبو حنيفة: هي غير مضمونة.
وعن مالك روايتان، إحداهما: وجوب الضمان.
والثانية: إسقاط الضمان، والثالثة: إن كانت دارا فسكنها الغاصب بنفسه لم يضمن، وإن أجرها لغيره ضمن.
فعلى هذا: إذا كان المغصوب حيوانا فرده لا يضمن.
وإن أنكره ضمن.
وعنه رواية رابعة أن الغاصب إذا كان قصده المنفعة، كالذي يسخر دواب الناس.
فإنه يوجب ضمان المنفعة عليه رواية واحدة.

وقال الشافعي وأحمد، في أظهر روايتيه: هي مضمونة.
وإذا غصب جارية ووطئها.
فعليه الحد والرد عند الثلاثة.
وقياس مذهب أبي حنيفة: أنه يحد ولا أرش عليه للوطئ.
فإن أولدها وجب رد الولد، وهو رقيق للمغصوب منه.
وأرش ما نقصته الولادة عند الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن جبر الولد النقص فلا أرش.
وإذا غصب دارا، أو عبدا، أو ثوبا، وبقي في يده مدة، ولم ينتفع به في سكن ولا
كراء، ولا استخدام، ولا ركوب، ولا لبس، إلى أن أخذه من الغاصب، فلا أجرة عليه للمدة التي بقي فيها في يده ولم ينتفع به.
هذا قول مالك وأبي حنيفة.
وقال الشافعي وأحمد: عليه أجرة المدة التي كانت في يده أجرة المثل.
والعقار والاشجار تضمن بالغصب.
فمتى غصب شيئا من ذلك.
فتلف بسيل أو حريق أو غيره: لزمه قيمته يوم الغصب، عند مالك والشافعي، ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن ما لا ينقل - كالعقار - لا يكون مغصوبا بإخراجه عن يد مالكه، إلا أن يجني الغاصب عليه ويتلف بسبب الجناية.
فيضمنه بالاتلاف والجناية.
ومن غصب إسطوانه أو لبنة وبنى عليها لم يملكها الغصب عند مالك والشافعي وأحمد.
وعند أبي حنيفة يملكها، ويجب عليه قيمتها للضرر الحاصل على الباقي بهدم البناء وبسبب إخراجها.
واتفقوا على أن من غصب قطعة من ساج وأدخلها في سفينة.
فطالبه بها مالكها، وهو في لجة البحر: أنه لا يجب عليه قلعها، إلا ما حكى عن الشافعي: أنها تقلع.
والاصح أن ذلك إذا لم يخف تلف نفس أو مال.
فصل: ومن غصب ذهبا أو فضة، فصاغ ذلك حليا، أو ضربه دنانير أو دراهم، أو نحاسا أو رصاصا أو حديدا، فاتخذ منه آنية أو سيوفا.
فعند مالك: عليه في ذلك كله مثل ما غصب في وزنه وصفته وكذا لو غصب ساجة فعملها أبوابا، أو ترابا فعمله لبنا.
وكذلك الحنطة إذا طحنها وخبزها.
وقال الشافعي: يرد ذلك كله على المغصوب منه.
فإن كان فيه نقص ألزم الغاصب بالنقص.
ووافق أبو حنيفة مالكا إلا في الذهب والفضة إذا صاغهما.
هكذا نقل في عيون المسائل.
وقال القاضي ابن رشد في المسائل: إذا غصب حنطة فطحنها، أو شاة فذبحها.
أو ثوبا فقطعه.
كان كل ذلك للمغصوب منه عند الشافعية والمالكية ولم يملكه الغاصب.
وكذلك إذا غصب بيضة فحطها تحت دجاجة، أو حبا فزرعه، أو نواة فغرسها.
وعند
الحنفية: تلزم القيمة.

فصل: فتح قفص طائر بغير إذن مالكه فطار، ضمنه الفاتح عند مالك وأحمد.
وكذلك إذا حل دابة من قيدها فهربت، أو عبدا مقيدا، أو هربت الدابة في الحال عقب الفتح والحل إذا وقفت بعده، ثم طار أو هربت.
وقال الشافعي: إن طار الطائر، أو هربت الدابة بعد ما وقفت ساعة، فلا ضمان عليه.
وإن كان ذلك عقب الفتح أو الحل.
فقولان، أصحهما: الضمان.
وقال أبو حنيفة: لا ضمان على من فعل ذلك على كل وجه.
وإذا غصب عبدا فأبق، أو دابة فهربت، أو عينا فسرقت أو ضاعت.
فعند مالك: يغرم قيمة ذلك، وتصير القيمة ملكا للمغصوب منه.
ويصير المغصوب عنده ملكا للغاصب، حتى لو وجد المغصوب لم يكن للمغصوب منه الرجوع فيه، ولا للغاصب الرجوع في القيمة إلا بتراضيهما، وبه قال أبو حنيفة: إلا في صورة.
وهي ما لو فقد المغصوب، فقال المغصوب منه: قيمته مائة.
وقال الغاصب: خمسون.
وحلف غرم خمسين، مقيدا خوف هربه فهرب فعليه قيمته.
وسواء عند مالك طار الطائر، ثم وجد المغصوب وقيمته مائة كما ذكر.
فإن له أن يرجع في المغصوب وترد القيمة.
وعند مالك يرجع المالك بفضل القيمة.
وقال الشافعي: المغصوب مما ذكر باق على ملك المغصوب منه.
فإذا وجد المغصوب منه القيمة التي كان أخذها وأخذ المغصوب.
وأما إذا كتم الغاصب المغصوب وادعى هلاكه فأخذ منه القيمة، ثم ظهر المغصوب.
فلا خلاف أن للمغصوب منه أخذه.
ويرد القيمة.
فصل: ومن غصب عقارا، فتلف في يده.
إما بهدم أو سيل أو حريق.
قال مالك والشافعي وأحمد: يضمن القيمة.
وعن أبي حنيفة: أنه إذا لم يكن ذلك بسببه فلا ضمان عليه.
ولو غصب أرضا وزرعها، فأدركها ربها قبل أن يأخذ الزرع.
قال أبو حنيفة
والشافعي: له إجباره على القلع.
وقال مالك: إن كان وقت الزرع لم يفت فللمالك الاجبار.
وإن فات فروايتان، أشهرهما: ليس له قلعه.
وله أجرة الارض.
وقال أحمد: إن شاء صاحب الارض أن يقر الزرع في أرضه إلى الحصاد، وله الاجرة وما نقص الزرع.
وإن شاء دفع إليه قيمة الزرع وكان الزرع له.
وإذا أراق مسلم خمرا على ذمي فلا ضمان عليه عند الشافعي وأحمد.
وكذلك إذا أتلف عليه خنزيرا.
وقال أبو حنيفة ومالك: يغرم القيمة له في ذلك.
تذييل: كل من غصب شيئا وعمل فيه عملا.
كان له إبطال عمله، إلا في خمس مسائل.

إحداها: إذا غصب غزلا فنسجه ثوبا.
الثانية: إذا غصب نقرة فضربها دراهم.
الثالثة: إذا غصب طينا وضربه لبنا.
الرابعة: إذا غصب جوهر زجاج فاتخذه آنية.
الخامسة: إذا غصب ذهبا وفضة.
واتخذ ذلك حليا.
والمعاني: التي يجب بها الضمان سبعة: الغصب، والعارية، والتعدي، والاتلاف، ومنافع الاجارة، على أحد القولين، بعد انقضاء الاجل.
والشئ المقبوض على البيع الفاسد، والشئ المقبوض على السوم.
والمضمونات: على خمسة أقسام.
أحدها: ما يضمن بمثله.
والثاني: ما يضمن بقيمته.
والثالث: ما يضمن بغيره.
والرابع: ما يضمن بأقل الامرين.
والخامس: ما يضمن بأكثر الامرين.
فأما ما يضمن بمثله: فأربعة أنواع: المكيل.
والموزون، والذهب، والفضة.
وأما ما يضمن بقيمته: فأربعة أنواع: الدور، والحيوانات، والسلع ومنافع الاجارة.
وأما ما
يضمن بغيره: فأربعة أنواع: المبيع في يد البائع، ولبن المصراة، والمهر في يد الزوج.
وجنين الامة.
وأما ما يضمن بأقل الامرين: فأربعة أنواع: الضامن إذا باع شيئا من المضمون له بالمضمون به صح في وجه، والسيد إذا أتلف العبد الجاني.
والراهن إذا أتلف الرهن، والرابع: مهر المرأة إذا هربت من دار الحرب إلى دار الاسلام في وقت الهدنة.
وأما ما يضمن بأكثر الامرين: فنوعان.
أحدهما: الملتقط بيع اللقطة بعد مضي الحول ومجئ صاحبها.
فإنه يضمن بأكثر الامرين.
والثاني: أن يأخذ سلعة ليبيعها فيتعدى عليها ثم يبيعها.
فإنه يضمن أكثر الامرين في ثمنه وقيمته.
انتهى المصطلح: وتشتمل صوره على أنواع.
منها: صورة رد عين المغصوب: أشهد عليه فلان، أنه كان من قبل تاريخه استولى على جميع القطعة الارض التي بالمكان الفلاني - ويحددها - الجارية في ملك فلان على سبيل الغصب والتعدي، وانتزعها من يده قهرا وظلما، وانتفع بها انتفاع مثلها بالزرع والغراس والبناء وأنه الآن رجع إلى الله تعالى.
وتاب إليه، وعلى

أنه وجب عليه رد الارض المذكورة إلى مالكها فردها إليه خائفا من الله تعالى، متحذرا ما حذره رسول الله (ص) حيث قال: من ظلم قيد شبر من الارض طوقه من سبع أرضين وسلم الارض المذكورة إلى مالكها.
فتسلمها منه تسلما شرعيا، ثم باع الغاصب المذكور منه جميع البناء والغراس القائم على الارض المذكورة المحدودة الموصوفة بأعاليه.
المشتمل على كذا وكذا - ويصفه وصفا تاما - فاشترى ذلك منه شراء شرعيا بثمن مبلغه كذا وكذا على حكم الحلول، ثم بعد ذلك ولزومه شرعا تصادق المتبايعان المذكوران أعلاه على أن مدة الغصب للارض المذكورة أعلاه، واستقرارها بيد الغاصب المذكور، كذا وكذا سنة متقدمة على تاريخه وإلى تاريخه، وأن أجرة المثل لها عن المدة المذكورة
مبلغ كذا وكذا.
قاصص المشتري المذكور البائع المذكور بما وجب له من أجرة المثل للارض المذكورة، وهو كذا بنظيره من الثمن المعين أعلاه.
مقاصصة شرعية، ودفع إليه الباقي من الثمن، وهو كذا وكذا.
فقبضه منه قبضا شرعيا، وسلم البائع المذكور إلى المشتري المذكور جميع المبيع المعين أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا.
وصار ذلك له، وملكه بحكم هذا التبايع المشروح أعلاه.
وذلك بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية.
ويكمل.
وصورة غصب مكيل ورد مثله أو قيمته.
أشهد عليه فلان أنه من قبل تاريخه استولى لفلان على عشرين مكوكا أو غرارة، أو إردبا من القمح الصعيدي أو البحيري، أو من الحنطة الصفراء الجيدة الهودية، أو الاحصبة أو المرجبة أو العميقية أو اللقيمية أو الزيلعية، أو الجزائرية، أو غير ذلك.
وأنه تصرف في ذلك لنفسه، وأزال عينه، وأنهما ترافعا بسبب ذلك إلى حاكم شرعي.
فحكم عليه بمثل الحنطة المذكورة، وألزمه بدفع ذلك إليه.
فدفعه إليه.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
ونقله إلى ملكه.
وصار ذلك له.
وملكه بحكم هذا الترافع - أو يقول: وأنهما ترافعا إلى حاكم حنبلي المذهب.
وتداعيا لديه بذلك، فأوجب عليه قيمة الحنطة المذكورة.
وحكم عليه بذلك على مقتضى مذهبه الشريف حكما شرعيا.
فدفع إليه القيمة عن ذلك.
وهي كذا وكذا.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
وتصادقا على ذلك تصادقا شرعيا - ويكمل.
وصورة غصب العروض والحيوان والضمان بقيمته بعد إتلافه: أشهد عليه فلان أنه غصب من فلان جميع الجمل الاحمر الفاطر - أو أول فطر - وجميع الحمل القماش

السكندري الذي عدته من التفاصيل كذا وكذا تفصيلة، ومن الثياب المرش كذا وكذا ثوبا.
وكذا وكذا منديلا محيشي، وأن قيمة الجمل المذكور كذا وكذا، وقيمة القماش كذا وكذا، القيمة العادلة له حين الغصب، وأنه تصرف في ذلك بغير طريق شرعي، وأنهما
ترافعا بسبب ذلك إلى حاكم شرعي، أو إلى الحاكم الفلاني، وحكم عليه بذلك، بعد اعترافه لديه وتصديقه على ذلك كله، أو بعد قيام البينة الشرعية عند الحاكم بذلك.
ودفع إليه القيمة المعينة أعلاه.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
ولم يتأخر له بسبب ذلك مطالبة، ولا شئ قل ولا جل.
وأقر كل منهما أنه لا يستحق على الآخر حقا، ولا دعوى ولا طلبا، ويستوفى ألفاظ الاقرار بعدم الاستحقاق على نحو ما تقدم شرحه.
ويكمل.
وصورة غصب العبد سمينا، ورده هزيلا، مع أرش ما نقص - وهو صحيح عند الشافعي وأحمد، خلافا لمالك وأبي حنيفة -: أشهد عليه فلان أنه غصب من فلان جميع المملوك الرومي الجنس، أو الحبشي أو غيره العشاري، المدعو فلان، المعترف للمغصوب منه بالرق والعبودية، وأنه استعمل الرقيق المذكور فهزل، وأنهما ترافعا بسبب ذلك إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الشافعي.
وحكم على الغاصب المذكور بأرش ما نقص بالهزال، وهو كذا وكذا.
وأنهما اتفقا على أن يدفع إليه مملوكه المذكور ومبلغ كذا وكذا، وهو أرش ما نقص المملوك المذكور بالهزال، ورضي المغصوب منه بذلك، وسلم الغاصب المذكور إلى المغصوب منه مملوكه المذكور والمبلغ المعين أعلاه.
فتسلم ذلك منه تسلما شرعيا.
وأقر كل منهما أنه لا يستحق على الآخر - إلى آخره.
ويكمل.
وصورة غصب الجارية، وإحبالها واستيلادها.
ووجوب الحد على الغاصب، وأنه غير محصن فكان حده الضرب.
والحكم عليه بعد استيفاء الحد برد الجارية إلى المغصوب منه، وأرش ما نقصتها الولادة، ورد الولد إلى المغصوب منه رقيقا، وبيعه وأمه من والده الغاصب بعد ذلك.
حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان، وتصادقا على أن الحاضر الاول غصب من الحاضر الثاني جميع الجارية التترية الجنس المرأة المسلمة الحاضرة بحضورهما أيضا عند شهوده، المعترفة للمغصوب منه بالرق والعبودية.
وأنه افترشها وأولدها ولدا يدعى فلان، وأنهما ترافعا إلى الحاكم الفلاني الشافعي، وادعى الثاني على
الاول بالغصب، وأقام عليه به البينة، وأنه اعترف بذلك بعد ثبوته بالبينة الشرعية، وأن الحاكم المشار إليه حكم عليه بالحد، بعد أن ثبت عنده أنه غير محصن.
وحكم عليه برد الجارية المغصوبة إلى مالكها، وبأرش ما نقصت بالوطئ والولادة، وبرد الولد المذكور

إلى المغصوب منه رقيقا له، حكما شرعيا.
واستوفى الحد منه، ورد الولد على المغصوب منه.
فتسلم منه الجارية وولدها المذكور.
ودفع إليه الارش، وهو كذا وكذا.
فقبضه منه قبضا شرعيا، ثم بعد ذلك اشترى الغاصب المذكور من المغصوب منه المذكور جميع الجارية، وولدها منه المذكور الرضيع المدعو فلان، شراء شرعيا بثمن مبلغه كذا وكذا.
ودفع إليه الثمن فقبضه منه قبضا شرعيا، وسلم إليه الجارية وولدها المذكورين، فتسلمهما منه تسلما شرعيا وعتق ولده المذكور عليه حين دخوله في ملكه بعقد هذا البيع ومقتضاه عتقا صحيحا شرعيا.
ويكمل.
وصورة ما إذا غصب رجل جارية من رجل، وباعها من آخر، فأولدها المشتري، وهو لا يعلم أنها مغصوبة، وترافعا إلى حاكم شافعي، فحكم برد الجارية إلى المغصوب منه ومهر مثلها، وعلى المشتري من الغاصب بأن يفتدي ولده بقيمته، ويكون حرا، وبالرجوع على الغاصب بذلك كله، وتسليم ما وجب للمغصوب منه، من الجارية ومهر المثل وقيمة الولد.
وابتياع الجارية لاب الولد، أو إعتاقها وتزويجها بأب الولد.
حضر إلى شهوده، في يوم تاريخه فلان، وأشهد عليه طوعا في صحته وسلامته: أنه غصب من فلان جميع الجارية الفلانية غصبا عدوانا، وأنه باعها من فلان، وأن فلانا افترشها وأولدها على فراشه ولدا يدعى فلان، وأنهم بعد ذلك ترافعوا إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الشافعي.
وتحاكموا عنده، وتحرر الامر بينهم على أن ثبت عند الحاكم المشار إليه ما حصلت الدعوى به من الغصب والبيع والافتراش والولادة، وما يحتاج إلى ثبوته عنده شرعا، بالاعتراف أو بالبينة الشرعية، وأنه حكم على المشتري المفترش
المذكور برد الجارية المذكورة أعلاه وبمهر مثلها، بعد ثبوت مقداره لديه، وقيمة الولد المذكور منها إلى المغصوب منه المذكور أعلاه، حكما شرعيا، مسؤولا فيه بسؤال من جاز سؤاله شرعا، مع العلم بالخلاف، فبمقتضى ذلك دفع فلان المذكور إلى فلان المغصوب منه المذكور جميع الجارية المذكورة ومبلغ كذا وكذا.
من ذلك ما هو مهر مثلها الثابت شرعا كذا وكذا.
والباقي وهو كذا وكذا قيمة الولد المذكور فقبضه منه قبضا شرعيا، وحكم الحاكم المشار إليه للدافع المذكور بالرجوع على فلان الغاصب المذكور أعلاه بمهر المثل، وقيمة الولد المذكور حكما شرعيا.
وقبض كل من المغصوب منه وأبي الولد من الآخر ما وجب له قبضه شرعا.
ثم بعد ذلك ولزومه شرعا: أعتق المغصوب منه الجارية المذكورة عتقا صحيحا شرعيا.
وزوجها بإذنها ورضاها من فلان والد ابنها المذكور، تزويجا شرعيا بشروطه الشرعية على صداق مبلغه كذا.
قبل ذلك منه قبولا

شرعيا، ووقع الاشهاد بذلك على الوجه المشروح أعلاه، وبتصادقهما على ذلك كله في تاريخ كذا وكذا.
وصورة ما إذا غصب من رجل شيئا، واستعمله على سبيل الغصب، حتى هلك ولزمته قيمته: أشهد عليه فلان أنه من قبل تاريخه تعدى على فلان في متاعه - ويصفه - وأخذه قهرا.
واستولى عليه عدوانا.
واستعمله على سبيل الغصب، حتى هلك وذهبت عينه، وأن أقصى قيمته كذا وكذا، وأن ذلك لزم ذمته بالسبب المعين أعلاه، يقوم له بذلك حالا.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
عرف الحق في ذلك فأقر به، والصدق فاتبعه، لوجوبه عليه شرعا، وصدقه المغصوب منه المذكور على ذلك تصديقا شرعيا.
ويكمل.
وصورة ما إذا غصب جارية ووطئها عالما بالتحريم، أو جاهلا به: أشهد عليه فلان: أنه غصب فلانة جارية فلان.
واستولى عليها بغير إذن سيدها ووطئها وطئا يوجب المهر، وأن
المهر كذا وكذا، وأن ذمته مشغولة به، ويلزمه دفع ذلك لمولاها بالسبب المذكور أعلاه، وأنه عالم بالتحريم.
وأن الولد إذا ولدته من ذلك الوطئ رقيق لسيدها المذكور.
وإن كان جاهلا بالتحريم، كتب: وأن الولد حر نسيب بحكم جهله بالتحريم حالة الوطئ.
وأن القيمة للولد يوم الانفصال، كذا وكذا وأن ذلك لازم ذمته لسيد الجارية حالا.
وأنه ملئ قادر بذلك.
وصدقه السيد المذكور على ذلك تصديقا شرعيا.
ويكمل.
وصورة دفع الشئ المغصوب لمالكه: يصدر بالاعتراف من المغصوب منه بالتسلم إن كان بعينه، وإن كان مثله كتب: وهو مثل ما غصبه منه، وإن كان أقصى قيمته كتب: وهو أقصى قيمة ما غصبه منه، ويذيل بالاقرار بعدم الاستحقاق على نحو ما تقدم شرحه.
وكذلك يفعل في كل صورة من صور الغصب وغيره.
قاعدة: الكاتب لهذه الصناعة، الحاذق فيها، يستخرج الوقائع، ويرتبها على القواعد الشرعية، وينزلها تنزيلا مطابقا.
وإذا كتب شيئا فلا ينتقل منه لغيره، حتى ينهيه ويستوفيه ويفرغ منه، وإلا فتجئ الكتابة مبددة.
فإن المأكول إذا عمل قانون الحكمة أكثر شهيا.
ولا يخفى ذلك على الحاذق البارع.
انتهى.

كتاب الشفعة وما يتعلق بها من الاحكام الشفعة: اشتقاقها في اللغة على أقوال: أحدها: أنها من شفعت الشئ أي ضممته، فهي ضم نصيب إلى نصيب، ومنه: شفع الاذان.
ثانيها: من الزيادة، ومنه شاة شافع، أي: حامل، لانها زادت بولدها.
ثالثها: أنها من التقوية والاعانة.
لانه يتقوى بما يأخذه، ومنه: القرآن شافع مشفع.
رابعها: أنها مشتقة من الشفاعة.
لان الشفيع يأخذها بلين ورفق.
فكأنه مستشفع، إذ المشتري ليس بظالم.
والشفعة من أمر الاسلام، ولم تكن في الجاهلية.
وهي ثابتة بالسنة والاجماع.
أما السنة: فما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن النبي (ص) قال: الشفعة فيما لم يقسم.
فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وروى البخاري بإسناده عن جابر بن عبد الله أنه قال: إنما جعل رسول الله (ص) الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وفي صحيح مسلم بن الحجاج عن جابر قال: قضى رسول الله (ص) بالشفعة في كل مشترك لم يقسم: ربع، أو حائط، لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه.
فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به.
والربع: اسم للدار مع بنائها، والحائط، اسم للبستان مع غراسه.
وأما الاجماع: فقد أجمع المسلمون على ثبوت الشفعة.
والحكم في الشفعة على

ثلاثة أضرب: ضرب تثبت فيه الشفعة، سواء بيع مفردا أو مع غيره.
وضرب لا تثبت فيه الشفعة بحال.
وضرب تثبت فيه الشفعة تبعا لغيره، ولا تثبت فيه الشفعة إذا بيع منفردا.
فأما الضرب الاول - وهو ما تثبت فيه الشفعة مفردا أو مع غيره - فهي العرصات، عرصة الارض والدار.
فإذا باع أحد الشريكين نصيبه فيها ثبت لشريكه الشفعة فيه.
وهو قول عامة العلماء، إلا الاصم.
فإنه قال: لا تثبت الشفعة بحال، لان في ذلك إضرارا بأرباب الاموال، لان المشتري متى علم أنه يؤخذ منه لم يرغب في الشراء.
فيؤدي ذلك إلى الضرر البالغ.
وربما تقاعد شريكه عن الشراء منه.
ودليلنا عليه: ما ذكرناه من الاخبار.
وما ذكره الاصم غير صحيح، لانا نشاهد الاشقاص تشترى مع علم المشتري باستحقاق الشفعة عليه.
وأما الضرب الثاني - وهو ما لا يثبت فيه الشفعة بحال - فهو كل ما ينقل ويحول،
مثل الطعام والثياب والعبيد.
فإذا باع أحد الشريكين نصيبه في ذلك لم يثبت لشريكه فيه الشفعة، وبه قال عامة أهل العلم، خلافا لمالك.
فإنه قال: تثبت الشفعة في جميع ذلك.
دليلنا: قوله (ص): الشفعة في كل ما لم يقسم.
فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وهذا لا يتناول ما ينقل.
وما روى جابر من قوله (ص) لا شفعة إلا في ربع أو حائط فنفى الشفعة في غيرهما.
وأما الضرب الثالث - وهو ما تثبت فيه الشفعة تبعا لغيره - فهو الغراس والبناء في الارض.
فإن باع أحد الشريكين نصيبه فيه منفردا عن الارض لم تثبت فيه الشفعة، لانه منقول كالثياب والعبيد.
فإن باع أحد الشريكين نصيبه في البناء والغراس مع نصيبه من الارض تثبت فيه الشفعة لقوله (ص): الشفعة في كل ربع أو حائط والربع هو الدار ببنائها.
والحائط هو البستان بأشجاره، ولان البناء والغراس يرادان للبقاء والتأبيد.
فتثبت فيهما الشفعة كالارض.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: الشفعة: تثبت للشريك في الملك باتفاق الائمة.
ولا شفعة للجار عند مالك

والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: تجب الشفعة بالجوار.
والشفعة عند أبي حنيفة، وعلى الراجح من مذهب الشافعي: على الفور.
فمن أخر المطالبة بالشفعة مع الامكان سقط حقه فيها كخيار الرد، وللشافعي.
وقال آخر: أنه يبقى حقه ثلاثة أيام.
وله قول آخر: أنه يبقى أبدا، ولا يسقط إلا بالتصريح بالاسقاط.
وأما مذهب مالك: فإذا بيع المشفوع، والشريك حاضر يعلم بالبيع.
فله المطالبة بالشفعة متى شاء.
ولا تنقطع شفعته إلا بأحد أمرين.
الاول: يمضي مدة يعلم أنه في مثلها قد أعرض عن الشفعة.
ثم روي عن مالك أن تلك المدة سنة.
وروي خمس سنين.
الثاني: أن يرفعه المشتري إلى الحاكم، ويلزمه الحاكم بالاخذ أو الترك.
فالحاصل من مذهب مالك: أنها ليست على الفور.
والثانية: على التراخي.
فلا تبطل
أبدا حتى يعفو ويطالب.
فصل: والثمرة إذا كانت على النخل، وهي بين شريكين.
فباع أحدهما حصته، فهل لشريكه الشفعة أم لا؟ اختلف في ذلك قول مالك.
فقال في رواية: له الشفعة.
وقال في أخرى: لا شفعة له.
وقال أبو حنيفة: له الشفعة.
وقال الشافعي وأحمد: لا شفعة له.
فصل: وإذا كان ثمن الشفعة مؤجلا فللشفيع عند مالك وأحمد: الاخذ بذلك الثمن إلى ذاك الاجل.
وبهذا قال الشافعي في القديم.
وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد، الراجح من مذهبه: للشفيع الخيار بين أن يعجل الثمن، ويأخذ الشقص المشفوع، أو يصبر إلى حلول الاجل، فيزن ويأخذ بالشفعة.
فصل: والشفعة مقسومة بين الشفعاء على قدر حصصهم في المال الذي استوجبوا من جهته الشفعة.
فيأخذ كل واحد من الشركاء من المبلغ بقدر ملكه فيه عند مالك وهو الاصح من قولي الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هي مقسومة على الرؤوس وهو قول الشافعي.
واختاره المزني.
وعن أحمد روايتان.
والشفعة تورث عند مالك والشافعي، ولا تبطل بالموت، فإذا وجبت له شفعة فمات ولم يعلم بها، أو علم ومات قبل التمكن من الاخذ، انتقل الحق إلى الوارث وقال أبو حنيفة: تبطل بالموت، ولا تورث.
وقال أحمد: لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها.
فصل: ولو بنى مشتري الشقص أو غرس، ثم طالب الشفيع، فليس له عند مالك

والشافعي وأحمد مطالبة المشتري بهدم ما بنى، ولا قلع ما غرس، مضافا إلى الثمن.
وقال أبو حنيفة: للشفيع أن يجبر المشتري على القلع والهدم.
وقال في عيون المسائل: وذهب قوم إلى أن للشفيع أن يعطيه ثمن الشقص، ويترك البناء والغراس في موضعه.
فصل: وكل ما لا ينقسم - كالحمام، والبئر، والرحا، والطريق، والباب - لا شفعة فيه عند الشافعي.
واختلف قول مالك، فقال: فيه الشفعة.
وقال: لا شفعة.
واختار القاضي عبد الوهاب الاول.
قال: وهو قول أبي حنيفة.
وعهدة الشفيع في المبيع: على المشتري، وعهدة المشتري: على البائع عند جمهور العلماء.
فإذا ظهر المبيع مستحقا أخذه مستحقه من يد الشفيع، ورجع الشفيع بالثمن على المشتري، ثم يرجع المشتري على البائع.
وقال ابن أبي ليلى: عهدة الشفيع على البائع بكل حال.
واختلفوا: هل يجوز الاحتيال بإسقاط الشفعة؟ مثل أن يبيع سلعة مجهولة عند من يرى ذلك مسقطا للشفعة، أو أن يقر له ببعض الملك ثم يبيعه الباقي، أو يهبه له؟.
فقال أبو حنيفة والشافعي: له ذلك.
وقال مالك وأحمد: ليس له ذلك.
فإذا وهبه من غير عوض فلا شفعة فيه عند أبي حنيفة والشافعي.
وكذلك قول أحمد، بل لا بد أن يكون قد ملك بعوض.
واختلف قول مالك في ذلك.
فقال: لا شفعة فيه.
وقال فيه الشفعة.
فإذا وجبت له الشفعة فبذل له المشتري دراهم على ترك الاخذ بالشفعة جاز له أخذها وتملكها عند الثلاثة.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك ولا يملك الدراهم.
وعليه ردها.
وهل تسقط شفعته بذلك؟ لاصحابه وجهان.
فصل: وإذا ابتاع اثنان من الشركاء نصيبهما صفقة واحدة، كان للشفيع عند الشافعي وأحمد أخذ نصيب أحدهما بالشفعة، كما لو أخذ نصيبهما جميعا.
وقال مالك: ليس له أخذ حصة أحدهما دون الآخر، بل إما أن يأخذهما جميعا أو يتركهما جميعا.
وبه قال أبو حنيفة.
ولو أقر أحد الشريكين: أنه باع نصيبه من رجل، وأنكر الرجل الشراء ولا بينة، وطلب الشفيع الشفعة، قال مالك: ليس له ذلك إلا بعد ثبوت الشراء.
وقال أبو حنيفة: تثبت الشفعة، وهو الاصح من مذهب الشافعي، إلا أن إقراره يتضمن إثبات حق المشتري
وحق الشفيع.
فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري.
وتثبت الشفعة للذمي، كما تثبت للمسلم، عند مالك وأبي حنيفة والشافعي.
وقال أحمد: لا شفعة للذمي.
انتهى.
فائدة: حكى ابن الصلاح: أن الاصمعي سئل عن معنى قول النبي (ص): الجار أحق

بسقبه؟ فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله (ص)، ولكن العرب تزعم أن السقب: اللزيق.
المصطلح: تشتمل صوره على أنواع.
منها: صورة طلب الشفعة والاخذ بها: حضر إلى شهوده فلان وفلان.
وتصادقا على أن الحاضر الاول حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني، وأحضر معه الحاضر الثاني.
وادعى عليه عند الحاكم المشار إليه: أنه ابتاع من فلان جميع الحصة التي مبلغها كذا، الشائعة في جميع الدار الفلانية، الجاري نصفها الآخر في ملك المدعي المذكور - وتحدد - بثمن مبلغه كذا، وأنه حال اطلاعه على ذلك حضر إلى مجلس الحكم المشار إليه، قبل أن يجلس أو يشتغل بشغل ما، وطلب منه الشفعة في المبيع المعين أعلاه.
وقام في طلبها على الفور.
وأحضر معه الثمن.
وسأل الحاكم سؤاله عن ذلك.
فسئل فأجاب بالتصديق على أن النصف الآخر من الدار ملكه، وأنه ابتاع منها النصف المدعى به بالثمن المعين أعلاه، والتمس يمين المدعي المذكور أنه لما باعه ذلك بادر على الفور بطلب الشفعة من المبيع المذكور.
ولم يتأخر ساعة واحدة، ولا اشتغل بشغل.
فحلف كما أحلف بالتماسه لذلك.
وأن الطالب المذكور سأل الحاكم المشار إليه الحكم عليه برد المبيع بالثمن المعين أعلاه.
فحكم له بذلك حكما شرعيا.
فحينئذ أخذ الشفيع المذكور من المشتري المذكور النصف المبيع من الدار المذكورة أخذا شرعيا.
ودفع الثمن المعين أعلاه إليه.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
وسلمه المبيع المعين أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا.
وبمقتضى ذلك صار جميع الدار المذكورة أعلاه ملكا من
أملاك الشفيع المذكور، وحقا من حقوقه بطريقه الشرعي، من وجه حق لا شبهة فيه.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الاخذ بالشفعة في ملك الجار: أخذ فلان من فلان جميع الدار الفلانية - ويحددها - التي ابتاعها من فلان من قبل تاريخه بمبلغ كذا وكذا أخذا صحيحا شرعيا.
ودفع الآخذ إليه نظير الثمن المعين أعلاه، فقبضه منه قبضا شرعيا وتصادقا على أنهما ترافعا إلى مجلس الحكم العزيز الحنفي.
وادعى الاخذ عليه بالشفعة في الدار المذكورة.
وأقام عند الحاكم المشار إليه بينة أنه حال اطلاعه على البيع طلب الشفعة على الفور من

المشتري المذكور، وهو قائم على المبيع.
وأحلفه على ذلك اليمين الشرعية.
وحكم له الحاكم المشار إليه بذلك حكما شرعيا، مع العلم بالخلاف، تصادقا شرعيا.
وتسلم الآخذ من المشتري المشفوع المعين أعلاه تسلما شرعيا.
وصار في يده بحكم أخذه لذلك بالسبب المشروح أعلاه مصيرا تاما.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة طلب الشفعة من الخليط: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان.
وأشهد عليه أنه لما بلغه أن شريكه فلانا باع من فلان النصف الشائع من جميع الدار الفلانية التي يملك الحاضر المذكور النصف الآخر منها - وتحدد - بثمن مبلغه كذا.
بادر على الفور من غير تأخر ولا إهمال، ولا جلوس بعد ساعة، ولا اشتغال بشغل، وطلبه الشفعة في المبيع المعين أعلاه.
وأشهد عليه بالطلب للشفعة فيه بحق خلطته إشهادا شرعيا.
ويكمل.
وصورة طلب شفعة الجوار: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان.
وأشهد عليه أنه لما بلغه أن جاره فلانا باع جميع الدار المجاورة له من الجهة الفلانية - وتحدد - بما مبلغه كذا، حضر إلى البائع، ووقف على المبيع.
وطلب الشفعة فيه، وأنه مطالب بالشفعة بحق المجاورة غير تارك لها ولا نازل عنها.
وأشهد عليه بذلك.
ويكمل.
وصورة الاخذ بالشفعة، ويكتب بظاهر كتاب البايع: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان.
وأحضر معه فلانا.
وقال له بحضرة شهوده: إنه يملك جميع الدار الفلانية - ويحددها - ملكا صحيحا شرعيا بتاريخ متقدم على تاريخه.
وأن الدار المذكورة قابلة للقسمة، وأنه يستحق أخذ المبيع المعين أعلاه بشفعة الخليط، أو بالشفعة الشرعية.
وأنه قام على الفور وطلب الشفعة منه حين سماعه بالبيع من غير إهمال.
واجتمع به وأعلمه أنه طالب للشفعة، وأنه استحق أخذ المبيع المعين أعلاه، وطلب منه تسليمه إليه.
وأحضر له نظير الثمن المعين باطنه، وطلب يمينه أنه لم يكن الامر جرى بينهما كذلك.
فأعرض المشتري المذكور عن بذل اليمين.
واعترف بذلك.
وصدق عليه تصديقا شرعيا.
والتمس من الطالب المذكور القيام له بنظير الثمن المعين باطنه.
فدفعه إليه.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
وسلم إليه المبيع المعين باطنه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا.
وصارت الدار المذكورة جميعها ملكا من أملاك الآخذ بالشفعة المذكورة، وحقا من حقوقه.
استقرت بيده وتحت تصرفه مصيرا واستقرارا شرعيين، وأقر كل منهما أنه بعد ذلك لا يستحق على الآخر حقا ولا دعوى ولا طلبا - إلى آخره.
ويكمل.
وصورة تسلم الحصة للمحجور عليه بشفعة الخليط، بتصديق المشتري.
ويكتب في

ظاهر كتاب التبايع: حضر إلى شهوده فلان الوصي الشرعي على اليتيم الصغير فلان، بمقتضى الوصية الشرعية المسندة إليه من والد الصغير المذكور، المحضرة لشهوده.
المؤرخ باطنها بكذا، الثابت مضمونها، مع ما يعتبر ثبوته شرعا بمجلس الحكم العزيز الفلاني، وأحضر معه فلانا المشتري المذكور باطنه.
واعترف أنه تسلم منه لليتيم المذكور أعلاه جميع الحصة المبيعة من الدار المحدودة، الموصوفة باطنه، التي يملك اليتيم المذكور منها الباقي، ملكا صحيحا شرعيا بتاريخ متقدم على تاريخ كتاب التبايع المسطر باطنه، تسلما شرعيا.
ودفع إليه نظير الثمن المعين باطنه من مال اليتيم المذكور.
ومبلغه
كذا وكذا.
فقبضه منه قبضا شرعيا، بعد أن ترافعا بسبب ذلك إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني.
وادعى الوصي المذكور لمحجوره اليتيم المذكور أعلاه على المشتري المذكور باطنه بشفعة الخلطة بالطريق الشرعي.
وبعد ثبوت ملكية اليتيم المذكور للنصف الباقي من الدار المذكورة، وأن الثمن المبذول المعين أعلاه ثمن المثل للحصة المعينة أعلاه، وأن لليتيم المذكور حظا ومصلحة في ذلك الثبوت الشرعي، والحكم لليتيم المذكور بذلك، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا، وصدقه المشتري المسمى باطنه على ذلك كله تصديقا شرعيا، وأقر أنه لا يستحق مع اليتيم المذكور أعلاه في ذلك، ولا في شئ منه حقا، ولا دعوى ولا طلبا بوجه ولا سبب، ولا ملكا ولا شبهة ملك، ولا ثمنا ولا مثمنا، ولا منفعة ولا استحقاق منفعة.
ولا شيئا قل ولا جل، لما مضى من الزمان، وإلى يوم تاريخه.
ويؤرخ.
فصل: في الحيل الدافعة للشفعة، منها: أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر، ويقبضه البائع من غير وزن، فتندفع الشفعة ويكتب في الثمن بصبرة من الدراهم المجهولة الوزن والمقدار، المرئية حالة العقد، أو بكذا وكذا درهما وبجوهرة فاخرة، أو لؤلؤة نقية مجهولة القيمة، مرئية حالة العقد.
قال النووي، ومنها: أن يهب له الشقص بلا ثواب، ثم يهب له صاحبه قيمته.
ومنها: أن يشتري عشر الدار مثلا بتسعة أعشار الثمن، كيلا يرغب الشفيع لكثرة الثمن.
ثم يشتري تسعة أعشارها بعشر الثمن، فلا يتمكن الجار من الشفعة، لان المشتري حالة الشراء شريك في الدار، والشريك مقدم على الجار، أو بخط البائع على طرف ملكه خطا مما يلي دار جاره، ويبيع ما وراء الخط، فتمتنع شفعة الجار، لان بين ملكه وبين المبيع فاصلا، ثم يهبه الفاصل.
ودفع الشفعة بالحيلة مكروه.
وأما الحيلة في دفع شفعة الجوار: فلا كراهة فيها قطعا.
والله أعلم.

كتاب القراض والمضاربة وما يتعلق بهما من الاحكام القراض والمضاربة: اسمان بمعنى واحد، وهو أن يدفع ماله إلى رجل ليتجر فيه، ويكون الربح بينهما على ما يشترطانه، ورأس المال لرب المال.
وأهل الحجاز يسمون هذا العقد قراضا.
واختلف في اشتقاقه، فقيل: إنه مشتق من القرض، وهو القطع.
يقال: قرضت الطريق، أي قطعتها.
وقرض الفأر الثوب، أي قطعه.
فكأن رب المال اقتطع للعامل قطعة من ماله، أو أقطع له قطعة من الربح.
وقيل: إنه مشتق من المساواة.
يقال: تقارض الشاعران، إذا ساوى كل واحد منهما الآخر بشعره في المدح والذم.
وحكي عن أبي الدرداء أنه قال قارض الناس ما قارضوك.
فإن تركتهم لم يتركوك يريد: ساوهم.
فالمتقارضان يتساويان.
لان أحدهما يبذل المال، والآخر يتصرف فيه.
ويحتمل أن يكون ذلك لاشتراكهما في الربح.
فالمقارض - بكسر الراء - هو رب المال.
وبفتحها: هو العامل.
وأما المضاربة: فاشتقاقها من الضرب بالمال.
وقيل: هو من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم.
فالمضارب - بكسر الراء - هو العامل، لانه هو الذي يضرب في المال، ولم يشتق لرب المال منه اسم.
والقراض: جائز.
والاصل في جوازه: إجماع الصحابة.
وروي ذلك عن عثمان، وعلي، وابن مسعود، وحكيم بن حزام رضي الله عنهم.
وروى الشافعي رضي الله عنه: أن عبيد الله وعبد الله ابنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق.
فتسلفا من أبي موسى الاشعري - وهو عامل لعمر - مالا فابتاعا به متاعا، وقدما به المدينة.
فباعاه وربحا.
فقال عمر رضي الله عنه: أكل الجيش قد أسلف؟ قالا: لا.
فقال عمر: أديا المال وربحه.
فسكت عبد الله وراجعه عبد الله.
فقال: يا أمير المؤمنين لو

هلك المال ضمناه.
فلم لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا؟ فقال: قد جعلته قراضا.
فأخذ منها رأس المال ونصف الربح فدل على أن القراض كان مستقيضا في الصحابة.
فإن قيل: إذا تسلفا المال من أبي موسى.
فكيف يحتجون بذلك على القراض؟ قلنا: موضع الحجة منه: قول الرجل لعمر رضي الله عنه لو جعلته قراضا ولم ينكر عليه عمر، ولا غيره القراض.
فإن قيل: إذا كانا قد تسلفا ذلك من أبي موسى، وابتاعا به متاعا.
فقد ملكا المال وربحه.
فكيف ساغ لعمر أن يجعله قراضا، ويأخذ منهما نصف الربح؟ فتأول أصحابنا ذلك ثلاث تأويلات.
أحدها - وهو تأويل أبي العباس - أن أبا موسى كان قد اجتمع عنده مال لبيت المال، وأراد أن ينفذه إلى المدينة.
فخاف عليه غرر الطريق، فأقرضهما ذلك المال، ليكون في ذمتهما أحظ لبيت المال.
وقد ملكا المال وربحه، إلا أن عمر أراد أن ينفع المسلمين، فاستدعاهما واستطاب أنفسهما عن نصف الربح، وللعامل أن يفعل كما فعل أبو موسى إذا خاف على المال.
ومن أصحابنا من قال: كان الطريق آمنا، وإنما أقرضهما أبو موسى ليتقرب بذلك إلى قلب أبيهما عمر: فلما تصرفا في المال وربحا كان الربح ملكا للمسلمين.
واستحقا أجرة المثل.
وبلغت أجرتهما نصف الربح.
ولهذا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كأني بأبي موسى، وهو يقول، أئتيا أمير المؤمنين.
وقال أبو إسحاق: كان أبو موسى أقرضهما ذلك المال ثم قارضهما بعد ذلك.
، فخلطا الربح الذي حصل منه.
فاستطاب عمر أنفسهما عن نصف الربح.
والاول: أصح، لان الدراهم والدنانير لا تجوز إجارتهما للتجارة.
فجوز عقد القراض عليها كالنخل لما لم تجز إجارته ليستغل جاز عقد المساقاة عليها.
والارض لما جازت إجارتها لتستغل لم
يجز عقد المخابرة عليها.
واحتجوا لهذا العقد بإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
وبالقياس على المساقاة.
ويشترط في المال المدفوع: أن يكون نقدا، وهو الدراهم والدنانير المضروبة، فلا تجوز على التبر والحلي، والمغشوش والعروض، وأن يكون قدرا معلوما.
فلا يجوز على دراهم مجهولة القدر، وأن يكون المال عينا حاضرة.
فلا يجوز أن يقارضه على دين له في ذمة الغير.
ولا يجوز أن يقارض صاحب الدين المديون بما له في ذمته من الدين، وأن يكون مال القراض مسلما إلى العامل، فلا يجوز أن يشترط كون المال عند المالك،

وأن يعمل المالك مع العامل.
ويجوز أن يشترط عمل غلام رب المال مع العامل.
ووظيفة العامل: التجارة وتوابعها، كنشر الثياب وطيها، فلو قارضه على أن يشتري حنطة فيطحنها ويخبزها، أو ثوبا يتولى نسجه ثم يبيعه، فسد القراض.
ولا يجوز أن يشترط عليه شراء متاع معين، أو نوع يندر وجوده.
كالخيل البلق.
مثلا، أو يشترط عليه المعاملة من شخص معين.
ويشترط في الربح: الاختصاص بالمتعاقدين.
فلا يجوز شرط شئ منه من شخص معين لثالث.
فلو قال: قارضتك على أن يكون الربح كله لك.
فهل يكون قراضا فاسدا، أو صحيحا؟ فيه وجهان.
أصحهما الاول.
ولو قال: على كله لي.
فهل يكون قراضا فاسدا، أو إبضاعا؟ فيه الوجهان المذكوران.
وأن يكون الربح بينهما معلوما بالجزئية.
فلو قال: على أن لك فيه شركة، أو نصيبا، فسد العقد.
ولو قال: على أنه بيننا.
وصح، ويقتضي التسوية في الربح مناصفة.
ولو قال: على أن النصف لي وسكت عن جانب العامل، لم يصح.
ولو عكس وقال: على أن النصف من الربح لك صح.
ولو شرط لنفسه عشرة أو مائة.
أو شرط الاختصاص بعشرة أو مائة مثلا.
فسد القراض.
ولا بد في القراض من الايجاب والقبول.
وقيل: لو قال: خذ هذه الدراهم، واتجر
فيها على أن الربح بيننا.
فأخذ، استغنى عن القبول.
ويجوز أن يقارض اثنان واحدا، وواحد اثنين.
ولا يجوز للعامل أن يقارض بغير إذن رب المال، وإذا فسد القراض، نفذت تصرفات العامل.
وكان جميع الربح لرب المال.
وعليه أجرة مثل العمل للعامل.
وعلى العامل أن يتصرف بالغبطة، ولا يبيع ولا يشتري بالغبن ولا نسيئة من غير إذن.
وله الرد بالعيب إن كانت الغبطة في الرد.
ولا يعامل العامل المالك.
ولا يشتري بمال القراض بأكثر من رأس المال، ولا من يعتق على المالك بغير إذنه.
وكذا لو اشترى زوجته، ولو فعل لم يقع عن المالك، ويقع عن العامل إذا اشترى في الذمة، ولا يسافر بمال القراض إلا بإذن.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على جواز المضاربة.
وهي القراض بلغة أهل المدينة، وهو أن يدفع إنسان إلى إنسان مالا ليتجر فيه، والربح مشترك.
فلو أعطاه سلعة.
وقال له: بعها واجعل ثمنها قراضا.
فهذا عند مالك والشافعي وأحمد: قراض فاسد.
وقال أبو حنيفة: هو قراض صحيح.

واختلفوا في القراض بالفلوس.
فمنعه الائمة.
وأجازه أشهب وأبو يوسف إذا راجت.
والعامل إذا أخذ مال القراض ببينة لم يبرأ منه عند الانكار إلا ببينة.
وقال أهل العراق: يقبل قوله مع يمينه.
وإذا دفع إلى العامل ماله قراضا فاشترى العامل منه سلعة، ثم هلك المال قبل دفعه إلى البائع.
فليس على المقارض عند مالك والشافعي وأحمد شئ.
والسلعة للعامل.
وعليه ثمنها.
وقال أبو حنيفة: يرجع بذلك على رب المال.
فصل: ولا يجوز القراض إلى مدة معلومة لا يفسخها قبلها، ولا على أنه إذا انتهت المدة يكون ممنوعا من البيع والشراء عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة:
يجوز ذلك.
وإذا شرط رب المال على العامل: أن لا يشتري إلا من فلان.
كان القراض فاسدا عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يصح.
وإذا عمل المقارض بعد فساد القراض، فحصل في المال ربح: كان للعامل أجرة مثل عمله عند أبي حنيفة والشافعي.
والربح لرب المال والنقصان عليه.
واختلف قول مالك.
فقال: يرد إلى قراض مثله.
وإن كان فيه شئ لم يكن له شئ.
وقال القاضي عبد الوهاب: ويحتمل أن يكون له قراض مثله، وإن كان فيه بعض شئ.
ونقل عنه: أن له أجرة مثله، كمذهب الشافعي وأبي حنيفة.
فصل: وإذا سافر العامل بالمال فنفقته من مال القراض عند أبي حنيفة ومالك.
وقال أحمد: من مال نفسه، حتى في ركوبه.
وللشافعي قولان.
أظهرهما: أن نفقته من مال نفسه ومن أخذ قراضا على أن جميع الربح له ولا ضمان عليه، فهو جائز عند مالك.
وقال أهل العراق: يصير المال قرضا عليه.
وقال الشافعي: للعامل أجرة مثله، والربح لرب المال.
وعامل القراض يملك الربح بالقسمة لا بالظهور، على أصح قولي الشافعي.
وهو قول مالك.
وقال أبو حنيفة: يملك بالظهور، وهو أحد قولي الشافعي.
واختلفوا فيما إذا اشترى رب المال شيئا من المضاربة، فقال أبو حنيفة ومالك: يصح.
وقال الشافعي: لا يصح، وهو أظهر الروايتين عند أحمد.
ولو ادعى المضارب أن رب المال أذن له في البيع والشراء نقدا ونسيئة، وقال رب المال: ما أذنت لك إلا بالنقد.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: القول قول المضارب مع يمينه، وقال الشافعي: القول قول رب المال مع يمينه.
والمضارب لرجل إذا ضارب لآخر فربح.
قال أحمد وحده: لا يجوز له المضاربة، فإن فعل وربح رد الربح إلى الاول.

المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
ولها عمد: وهي ذكر رب المال والمدفوع إليه، وأسمائهما وأنسابهما، وأن لا يشترط فيها مدة معلومة، وذكر المال، ومبلغه من الذهب أو الفضة، وذكر تجارة العامل به في أصناف التجارات، على ما يطلقه له رب المال، نقدا أو نسيئة، وذكر الاجزاء المشروطة بينهما فيما رزق الله تعالى من الربح.
وصحة العقل والبدن.
وجواز الامر.
ومعرفة الشهود بهما والتاريخ.
وأما الصور: فهي على أنواع، منها: صورة قراض متفق عليه: أشهد عليه فلان - أو أقر فلان - أنه قبض وتسلم من فلان من الذهب كذا وكذا دينارا - أو من الفضة كذا وكذا درهما - قبضا شرعيا.
وصار ذلك إليه وبيده وحوزه، على سبيل القراض الشرعي الجائز بين المسلمين.
أذن الدافع المذكور للقابض المذكور أن يبتاع بذلك ما شاء من أصناف البضائع وأنواع المتاجر، وأن يسافر بذلك إلى حيث شاء من البلاد شرقا وغربا، وبرا وبحرا، عذبا وملحا صحبة الرفاق والقفول، في الطرق المسلوكة المأمونة، ويبيع ذلك كيف شاء بالنقد والنسيئة أو بأحدهما، ويتصرف في ذلك بالبيع والشراء، والاخذ والعطاء، وسائر التصرفات الشرعية على الوجه الشرعي، ويتعوض به وبما شاء منه ما شاء من أنواع التجارات، وأصناف البضائع على إطلاقها، وتباين أنواعها وأجناسها، ويدير ذلك في يده مرة بعد أخرى، وحالا بعد حال.
بما فيه الحظ والمصلحة والغبطة، عاملا في ذلك كله بتقوى الله تعالى وطاعته وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته، ومهما رزق الله تعالى في ذلك من ربح.
ويسره من فائدة - بعد إخراج المؤن والكلف والاجر، وتعديل رأس المال المذكور وإفرازه، وحق الله تعالى إن وجب - كان بينهما بالسوية نصفين، لا مزية لاحدهما على الآخر، قراضا صحيحا شرعيا مشتملا على الايجاب والقبول، والتسلم والتسليم على الوجه الشرعي.
وإن صدر الاذن من رب المال في السفر إلى بلد معلوم، أو نص له على البيع بالعقد، أو بالنسيئة، أو على أن يجلس بحانوت بسوق معين، أو غير ذلك.
نص عليه،
وكتب ما يقع عليه اتفاقهما مبينا، إن كان اتفاقا جائزا شرعا.
وصورة القراض بلفظ المضاربة: إما أن يقول: ضارب فلان فلانا على أن يدفع إليه من ماله وصلب ماله كذا وكذا دينارا خالصا، أو كذا وكذا درهما فضة جيدة خالصة خالية من الغش.
وإما أن يبدأ بالاشهاد، أو الاقرار بالقبض حسبما تقدم، وأذن له أن يفعل كذا وكذا، ويسوق الكلام، ويستوعب الشروط المتفق عليه الجائزة شرعا إلى آخرها.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.

وإن كانت المضاربة بدراهم مغشوشة والغش فيها أقل من الثلث: فهو جائز عند الحنفية، فيكتب الصدر، ويكمل الاشهاد بالالفاظ المعتبرة في ذلك حسبما تقدم، ويثبت كتاب المضاربة عند قاض حنفي.
وصورة إذن المولى لعبده أن يقارض: أقر فلان المسلم - أو النصراني، أو اليهودي، البالغ، ويذكر حليته وجنسه - ثم يقول: مملوك فلان الحاضر معه عند شهوده، الذي أذن له في الاقرار بما سيأتي ذكره فيه إذنا شرعيا، إقرار مثله - ولا يقال في العبد: جواز أمره، وإنما يقال: جواز إقرار مثله - وأنه قبض وتسلم من فلان من الذهب كذا.
أو من الفضة كذا وكذا قبضا شرعيا.
وصار ذلك بيده وحوزه، ويكمل القراض إلى آخره على نحو ما تقدم شرحه.
فإذا وصل إلى التاريخ، كتب - قبل سيده - وأقر فلان القابض المذكور أعلاه: أنه مملوك لفلان المذكور، وأنه قبل الاذن منه في العمل في مال القراض المشروع أعلاه على الوضع المعتبر المعين أعلاه.
وصدقه المقارض المذكور على ذلك كله تصديقا شرعيا.
ووقع الاشهاد على القابض ومولاه الآذن ورب المال بما نسب إلى كل منهم أعلاه في تاريخ كذا وكذا.
وصورة المفاصلة في المضاربة: أقر فلان أنه كان من قبل تاريخه دفع إلى فلان مالا، وقدره كذا وكذا، على سبيل المضاربة الشرعية، على أن يشتري به ويبيع فيه،
ويعمل ما يراه.
واكتتب بذلك كتابا مؤرخا باطنه بكذا، وأن فلانا المذكور اشترى بمال المضاربة ما أمكنه شراؤه، وباع ما أمكنه بيعه، وتصرف في ذلك تصرفا شرعيا، وأخذ وأعطى، وأنهما تحاسبا بعد ذلك، وعرفا ما رزق الله تعالى في ذلك من نماء، ويسره من ربح وفائدة، وتقاسماه بينهما، بعد أن دفع فلان إلى فلان رأس المال المذكور.
فقبضه منه قبضا شرعيا تاما وافيا، وتفاسخا ما كان بينهما من هذه المضاربة وأبطلاها، ولم يبق لكل واحد منهما قبل صاحبه ولا عنده، ولا في ذمته ولا في يده حق، ولا دعوى ولا طلب، ولا دين ولا عين، ولا ورق ولا ربح، ولا حق ولا بقية من حق، ولا يمين بالله تعالى على ذلك، ولا على شئ منه، ولا مطالبة على أحد من خلق الله تعالى بسبب ذلك، ولا شئ قل ولا جل، لما مضى من سائر الزمان إلى يوم تاريخه، وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
ويؤرخ.
تنبيه: من علل المضاربة: أن يكتب إلى أجل معلوم، لما فيه من الضرر العائد على رب المال والعامل، أما لو كانت مضيقة بتأقيت الشراء جاز.
فإنه عقد جائز.
فله أن يمنعه من ذلك متى شاء.
ويجوز لولي الطفل والمجنون أن يقارض بمالهما، سواء فيه الاب والجد والوصي والحكم وأمينه.
انتهى.

تنبيه آخر: إذا كان القراض بيد جماعة، فلا يصح أن يتكافلوا في الذمة.
ولا يجوز ضمان الدرك في مال القراض، ولا ضمان الذمة، بل يصح ضمان الوجه.
لان يد العامل يد أمانة.
فرع: إذا قال العامل: ربحت كذا، ثم قال: خسرت بعده.
قبل قوله.
وإن قال: غلطت في الحساب، أو كذبت من خوف الفسخ، لم يقبل، خلافا لمالك، حيث يقول: لو قال: ربحت كذا، ثم قال: كذبت من خوف الفسخ ينظر.
فإن كان هناك موسم يتوقع رواج المتاع فيه قبل قوله وإلا فلا.
فائدة: لو أذن المالك للعامل في الشراء سلما جاز.
ولو أذن له في البيع سلما لم يجز.
والفرق: وجود الخط طالبا في الشراء وعدمه في البيع، والله أعلم.

كتاب المساقاة والمزارعة وما يتعلق بهما من الاحكام الاصل في المساقاة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: افتتح رسول الله (ص) خيبر على أن له الارض، وكل صفراء وبيضاء - يعني: الذهب والفضة - فقالوا: نحن أعلم بالارض منكم، فأعطونا على أن لنا النصف ولكم النصف، فأعطاهم.
فلما كان وقت الثمرة بعث إليهم عبد الله بن رواحة ليحزر الثمرة.
فحزرها عليهم.
فقالوا: يا ابن رواحة، أكثرت علينا.
فقال: إن شئتم فلكم، وضمنتم نصيب المسلمين، وإن شئتم فلي، وأضمن لكم نصيبكم.
فقالوا: هذا هو الحق.
وبه قامت السماوات وروي أن عبد الله بن رواحة خرص عليهم أربعين ألف وسق.
فكان لرسول الله (ص) عشرون ألفا.
ولهم عشرون ألفا وروى ابن عمر أن النبي (ص) ساقى أهل خيبر على تلك الاصول بالشطر.
والمساقاة: أن يعامل إنسانا على أشجار ليتعهدها بالسقي والتربية، على أن ثمارها تكون بينهما.
واللفظ مأخوذ من السقي.
وإن كان مشروطا على العامل أعمالا كثيرة، لان السقي أشق الاعمال وأكثرها نفعا.
وهي خاصة بالحجاز، لان أهلها يسقون من الآبار.
فكان المالك والعامل يتعاونان على السقي.
وقيل: المساقاة من نوب الماء بين القوم.
فيكون لبعضهم في وقت، ولآخرين في وقت.
وتجوز المساقاة من جائز التصرف لنفسه، وللصبي والمجنون بالولاية.
وموردها: الكرم والنخيل.
ولا ترد على ما لا يثمر من الاشجار، وما ينبت ولا ساق له بحال.
ولا تصح المخابرة - وهي المعاملة، على الارض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل - ولا المزارعة.
وهي هذه المعاملة، والبذر من المالك.
نعم، لو كان بين النخيل
بياض يجوز المزارعة عليه، تبعا للمساقاة على النخيل، وعسر إفراد النخيل بالسقي والبياض بالمزارعة.
وكذا يشترط أن يفصل بينهما، وأن لا يقدم المزارعة على المساقاة في أظهر الوجهين.
وأصح

الوجهين: أنه لا فرق بين أن يكثر البياض أو يقل، وأنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر والزرع.
ولا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة.
وإذا أفردت الارض بالزراعة، كان الريع للمالك، وعليه للعامل أجرة مثل عمله وثيرانه وآلاته.
والطريق في أن يصير الريع بينهما، ولا تلزم أجرته: أن يستأجر العامل بنصف البذر ليزرع له نصف الارض، ويعيره النصف الآخر، أو يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الارض ليزرع له النصف الآخر من البذر في النصف الآخر من الارض.
وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاجارة إن شاء الله تعالى.
ويشترط تخصيص الثمار بالمتساقيين.
وتشريكهما فيها، والعلم بالنصيبين بالجزئية، كما في القراض، وأصح القولين عن الشافعي: أنه لا تصح المساقاة بعد ظهور الثمار، ولكن قبل بدو الصلاح.
ولو ساقاه على ودي ليغرسه، ويكون بينهما لم يجز.
وإن كان مغروسا وشرط له جزءا من الثمرة.
فإن قدر العقد بمدة يثمر فيها غالبا، صح العقد.
وإن قدره بمدة لا يثمر فيها مثله لم يصح.
ولا يشترط على العامل ما ليس من جنس أعمال المساقاة، ويعرف العمل بتقدير المدة من سنة أو أكثر.
ولا يجوز التوقيت بإدراك الثمار.
وصيغة العقد، أن يقول: ساقيتك على هذا النخل بكذا.
ومعناه سلمتها إليك لتتعهدها.
ويشترط فيه القبول، ولا يشترط تفصيل الاعمال.
ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب.
وعلى العامل كل عمل يحتاج إليه إصلاح الثمار، واستزادتها، وتكررها في كل سنة.
كالسقي وما يتبعه من تنقية النهر، وإصلاح الاجاجين التي يثبت فيها الماء.
وكالتلقيح وتنحية الحشيش والقضبان المضرة، وتعريش الكروم، حيث جرت العادة به، وحفظ الثمار، وجدادها وتجفيفها.
وما يقصد به حفظ الاصول ولا يتكرر كل سنة.
فهو من وظيفة المالك.
كبناء الحيطان.
وحفر الانهار الجديدة.
والمساقاة لازمة.
فلو هرب العامل قبل تمام العمل.
وأتمه المالك متبرعا، بقي استحقاق العامل في الثمرة تاما، وإلا استأجر الحاكم عليه من يتم العمل.
فإن لم يقدر على مراجعة الحاكم، فليشهد على الانفاق إن أراد الرجوع.
وإن مات العامل وخلف تركة، أتم الوارث العمل منها.
وإن قال الوارث: أنا أتم العمل بنفسي، أو أستأجر من مالي.
فعلى المالك تمكينه.
وإذا ثبت خيانة العامل، استؤجر عليه من ماله من يعمل.
وإن أمكن الحفظ بمشرف اقتصر عليه.
وإذا خرجت الثمار مستحقة رجع العامل على الذي ساقاه بأجرة المثل.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق فقهاء الامصار من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب على جواز المساقاة.
وذهب أبو حنيفة إلى بطلانها، ولم يذهب إلى ذلك أحد غيره.
وتجوز المساقاة على سائر الاشجار المثمرة، كالنخل والعنب والتين والجوز.
وغير ذلك عند مالك وأحمد وهو القديم من مذهب الشافعي.
واختاره المتأخرون من أصحابه.
وهو قول أبي يوسف ومحمد.
والجديد الصحيح من مذهب الشافعي: أنها لا تجوز إلا في النخل والعنب.
وقال داود: لا تجوز إلا في النخل خاصة.
فصل: وإذا كان بين النخيل بياض - وإن كثر - صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل عند الشافعي وأحمد، بشرط اتحاد العامل وعسر إفراد النخل بالسقي، والبياض بالعمارة.
وبشرط أن لا يفصل بينهما، وأن لا تقدم المزارعة، بل تكون تبعا للمساقاة.
وأجاز مالك: دخول البياض اليسير بين الشجر في غير المساقاة من غير
اشتراط.
وجوزه أبو يوسف ومحمد على أصلهما في جواز المخابرة في كل أرض.
وقال أبو حنيفة: بالمنع هنا، كما قال بعدم الجواز في الارض المنفردة.
فصل: ولا تجوز المخابرة - وهي عمل الارض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل - بالاتفاق.
ولا المزارعة - وهي أن يكون البذر من مالك الارض - عند أبي حنيفة ومالك، وهو الجديد الصحيح من قولي الشافعي.
والقديم من قوليه - واختاره أعلام المذهب.
وهو المرجح.
وقال النووي: وهو المختار الراجح في الدليل - صحتها.
وهو مذهب أحمد وأبي يوسف ومحمد.
وقال النووي: وطريق جعل الغلة لهما، ولا أجرة: أن يستأجره بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر.
ويعيره نصف الارض وقد تقدم ذكر ذلك في الحكم.
فصل: وإذا ساقاه على ثمرة موجودة ولم يبد صلاحها: جاز عند مالك والشافعي وأحمد.
وأجازه أبو يوسف ومحمد وسحنون على كل ثمرة موجودة من غير تفصيل.
وإذا اختلفا في الجزء المشروط تحالفا عند الشافعي، وينفسخ العقد.
ويكون للعامل أجرة مثله فيما عمل، بناء على أصله في اختلاف المتبايعين، ومذهب الجماعة: أن القول قول العامل مع يمينه.
انتهى.
المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
ولها عمد.
وهي ذكر المساقي والمساقي، وأسمائهما، وأنسابهما.
وذكر النخل والعنب.
ولا يقال: الكرم، لان النبي (ص) نهى عن

تسمية العنب كرما وموضعهما، وتحديدهما.
ومدة المساقاة، وعمل العامل فيهما على ما يصح.
ويجوز ذكر الاجزاء من التمر أو العنب على ما يتفقان عليه لكل واحد منهما، والتسلم والتسليم، والرؤية والاشهاد، والتاريخ.
وصورة ما إذا كتب المساقاة في ذيل الاجارة: وساقى المؤجر المذكور المستأجر
المذكور على ما في المأجور المذكور من الاشجار المثمرة مدة الاجارة، على أن يعمل له في ذلك حق العمل بنفسه، أو بمن يقوم مقامه في ذلك.
ومهما فتح الله تعالى من ثمر كان للمؤجر المذكور بحق عمله في ذلك كذا وكذا سهما، وكان لرب الارض من ذلك بحق ملكه كذا وكذا سهما - أو يقول: كان مقسوما على كذا وكذا سهما، ما هو للمؤجر بحق ملكه كذا وكذا.
وما هو للمستأجر بحق عمله كذا وكذا - مساقاة صحيحة شرعية لازمة.
وسلم إليه ذلك.
فتسلمه منه بعقد هذه المساقاة تسلما شرعيا.
ويكمل بالتاريخ.
وصورة ما إذا كتب المساقاة مفردة عن كتاب الاجارة: ساقى فلان فلانا - أو أقر فلان أنه ساقى فلانا، أو أشهد عليه فلان أنه ساقى فلانا - على ما بيده من الكرم والنحل، أو على الاشجار النخل والرمان، والتين والزيتون، والعنب وغير ذلك، النابتة في أراضي البستان الفلاني، الجاري في ملك المساقي المذكور.
وبيده وتصرفه - يذكره ويصفه ويحدده - وإن أمكن ذكر مساحته ذكرها، وما يحيط به من السياج الدائر عليه، ويغلق عليه باب خاص، وشربه من ساقية كذا، مساقاة صحيحة شرعية، جائزة نافذة مدة سنة كاملة من تاريخه، أو أكثر، ما يتفقان عليه، على أن العامل المذكور يتولى القيام بسائر ما تحتاج إليه الاشجار المساقى عليها المذكورة أعلاه، من سقي وتنظيف الارض من الحشيش والعيدان وإصلاح الاجاجين، وتنحية ما يضر بالاشجار، وتأبير النخل وجداده، وزبر الكرم وإقامة عرائشه وحفظه، وسائر ما يحتاج إليه بنفسه وبمن يستعين به من أجزائه وعوامله وأبقاره وعدده وآلاته، المعدة لمثل ذلك، ومهما أطلعه الله في ذلك ورزقه من ثمرة كان مقسوما على ثلاثة أقسام: للمالك بحق ملكه قسمان، وللعامل بحق عمله قسم واحد - أو يقول: كان مقسوما على ألف جزء، لفلان المبدأ بذكره بحق ملكه جزء واحد، ولفلان المثنى بذكره بحق عمله بقية الاجزاء المذكورة أعلاه - وذلك بعد إخراج المؤن والكلف والاجر وحق الله تعالى إن وجب.
تعاقدا على ذلك معاقدة صحيحة شرعية، مشتملة على الايجاب والقبول، وسلم المالك إلى العامل جميع البستان المذكور
بعقد هذه المساقاة الجائزة بينهما على الحكم المشروح أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا، بعد الرؤية والمعرفة والاحاطة بذلك، علما وخبرة نافية للجهالة.
رضيا بذلك واتفقا عليه.
ويكمل.

وصورة المساقاة على سائر الاشجار المختلفة الثمار، على مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي، خلافا لابي حنيفة: ساقى فلان فلانا البستاني على جميع الاشجار المختلفة الثمار، القائمة بأراضي البستان الفلاني، المعروف ببستان كذا، الراكب على نهر كذا.
وله حق شرب من النهر المذكور معلوم - وهو يوم الثلاثاء وليلة الاربعاء من كل أسبوع مثلا - أو يكون سقيه بالسواقي والعوامل - فيذكر ذلك.
ويصف البستان، ويذكر اشتمالاته، وأنواع فواكهه وأشجاره، وصفا تاما، ويحدده - ثم يقول: مساقاة صحيحة شرعية جائزة لازمة مدة سنة كاملة من تاريخه، أو أقل أو أكثر، على أن العامل المذكور يتولى سقي الاشجار المذكورة، والحرث حول أصولها، وتنظيف الارض من الحشيش والعيدان، وتنحية ما يضرها.
ووضع الشواميك تحت غصونها عند تعذر حمل ثمارها، وأن يحفظ ثمارها بنفسه، ويعمل في ذلك بأجرائه وعوامله وعدده وآلاته.
ومهما رزق الله تعالى من ثمرة في ذلك كان مقسوما بينهما على كذا وكذا سهما، للمالك من ذلك بحق ملكه كذا.
وللعامل بحق عمله كذا.
وذلك بعد إخراج المؤن والكلف والاجر.
وحق الله تعالى إن وجب.
ويكمل بذكر المعاقدة والتسلم والتسليم والرؤية والاتفاق والتراضي على نحو ما تقدم شرحه.
تنبيه: هذه المساقاة مقصودة في الاشجار التي ليس تحتها أرض مكشوفة قليلة ولا كثيرة.
وإنما الاشجار مغطية لجميع الارض.
فأما إذا كان بين الاشجار أرض بياض مكشوفة قليلة أو كثيرة.
فإنه تجوز المزارعة عليها مع المساقاة في عقد واحد، ويكون للعامل جزء من الثمرة، وجزء مما يخرج من الارض.
وذلك مذهب أحمد وحده
ومذهب أبي يوسف، خلافا للباقين.
وأن يكون البذر من صاحب الارض لا يرجع ببذره.
وقال أبو يوسف: يخرج البذر أولا من وسط الغلة، ويقسم الباقي بينهما بالجزئية التي اشترطاها.
سواء كان البذر للعامل، أو لهما.
وصورة المساقاة والمزارعة على أشجار بينهما أرض بياض والبذر من المالك يخرج أولا، ويقسم الباقي بينهما: ساقى فلان فلانا على جميع الاشجار المختلفة الثمار، القائمة أصولها بأراضي البستان الفلاني، المعروف بكذا - ويوصف ويحدد - وزارعه على الاراضي البياض الكشف التي بين الاشجار المذكورة مساقاة ومزارعة صحيحتين شرعيتين جائزتين شرعا، على أن فلانا يعمل في ذلك حق العمل المعتاد في مثل ذلك، ويتعاهد أشجاره بالسقي على عادته، ويقطف ثماره، ويقوم بمصالحه وإزاحة أعذاره، وسائر ما يحتاج إليه، وأن يبذر الارض البياض التي به بما يحضره له المالك من البذر، ويغلقها بالزراعة، بعد الحرث والسواد وغير ذلك مما يحتاج إليه الزراع في مثل ذلك، بنفسه وبمن يستعين به من أجرائه وعوامله وثيرانه وعدده وآلاته.
فإذا بدا الصلاح في الثمرة،

وجاز بيعها، ودرست الغلة، وصارت حبا صافيا وبلغت الخضراوات المزروعة بالارض المذكورة فطاب أكلها: كان ذلك بينهما على ثلاثة أسهم: سهمان للمالك بحق ملكه، وسهم للعامل بحق عمله.
وذلك بعد إخراج ما يجب إخراجه من المؤن والكلف والاجر والبذر.
وحق الله تعالى إن وجب.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وإن اتفقا على ترك البذر وعدم إخراجه من الوسط.
فقد وافق مذهب محمد أيضا.
تنبيه: قد منع الشافعي رحمه الله تعالى جواز المساقاة إلا على وجه واحد، وهو أن يكون النخل كثيرا والبياض يسيرا.
وجوز مالك المزارعة تبعا للمساقاة على الارض التي بين النخيل قليلة كانت أو كثيرة، تبعا للاصول.
وفي المساقاة على الليف والسعف والكرنوف خلاف.
فإن كانت تعد من الثمرة جاز.
وإلا فلا.
وصورة ما إذا أجره الارض وساقاه على ما فيها من نخل أو عنب أو شجر: استأجر فلان من فلان جميع بياض الارض الفلانية - ويصفها ويحددها - ويقول: خلا مواضع النخل والشجر ومغارسها من الارض المحدودة الموصوفة أعلاه - أو يقول: خلا منابت الاشجار النابتة في الارض المذكورة أعلاه - وما لذلك من طريق شرب وحق من هذه الارض المذكورة.
فإن ذلك لم يدخل، ولا شئ منه في عقد الاجارة إجارة شرعية لمدة كذا بأجرة مبلغها كذا - ويذكر قبضها أو حلولها، أو تقسيطها - ويكمل الاجارة بالمعاقدة والتسلم والتسليم والرؤية.
وبعد ذكر التفرق يقول: ثم يعد تمام ذلك ولزومه شرعا ساقى فلان المؤجر فلانا المستأجر - أو سأل فلان المستأجر فلانا المؤجر أن يساقيه على ما في الارض المؤجرة المحدودة الموصوفة بأعاليه من نخل وشجر، مدة الاجارة المذكورة أعلاه - على أن يسقى ذلك كله ويؤبر ما يحتاج منه إلى التأثير، ويلقحه ويقطع الحشيش والسعف والاطراف المضرة به ويعمره، ويقوم بجميع ما يحتاج إليه لطول المدة المذكورة أعلاه، بنفسه وبمن يستعين به من أجزائه وعوامله وآلاته وعدده، ومهما رزق الله فيه وأعطاه من ثمرة كان لفلان منها بحق ملكه كذا، ولفلان بحق عمله ومساقاته كذا.
وذلك بعد إخراج المؤن والكلف والاجر وحق الله تعالى إن وجب.
فأجابه إلى ما سأله، وساقاه على ذلك، ورضي بما شرطه له.
وسلم إليه جميع ما في الارض المذكورة من نخل وشجر.
فتسلمه منه، وصار بيده بعقد المساقاة الجاري بينهما على ذلك بالايجاب والقبول.
وضمن المساقي المذكور القيام بما ساقاه عليه على ما يوجبه شرط المساقاة الشرعية، الجائزة شرعا.
وذلك بعد الرؤية والمعرفة عند عقد الاجارة، وقبله.
ويؤرخ.
وصورة إجارة ومساقاة أخرى: استأجر فلان من فلان جميع بياض أرض البستان الشجر السقي المعروف بكذا - ويوصف ويحدد - بحقوقها كلها وحدودها، وبئرها الكائنة

بها.
والساقية الخشب المركبة على فوهتها وما يعرف بها وينسب إليها، خلا مغارس
الاصول النابتة في الارض المذكورة فإنها خارجة عن عقد هذه الاجارة، إجارة شرعية لينتفع المستأجر المذكور بذلك الانتفاع الشرعي بالزراعات الصيفية والشتوية، غير المضرة بالاشجار النابتة في المأجور مدة كذا، بأجرة مبلغها كذا.
وسلم إليه ما أجره إياه.
فتسلم ذلك منه تسلما شرعيا بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية، وسلم إليه الاصول القائمة في الارض المؤجرة المحدودة الموصوفة بأعاليه.
فتسلمها منه على سبيل المساقاة الشرعية الجائزة شرعا، المنعقدة بالايجاب والقبول، على أن هذا المساقي - الذي هو المستأجر - يتولى تكريم أصولها، وتقليم نخلها وتأبيرها وتلقيحها، وسقيها بالماء والتحويط عليها.
وتنقية ما حولها من النباتات المضرة بها، وأن يفعل ما يفعله المساقون فيها على العادة في مثلها، لطول مدة الاجارة المعينة أعلاه، بنفسه وبمن يستعين به من أجرائه وعوامله وعدده وآلاته.
ومهما فتح الله في ذلك عند إدراك غلاتها، فللمساقي المالك سهم واحد من جملة ألف سهم بحق ملكه، وللمستأجر المساقي تسعمائة وتسعة وتسعون جزءا بحق عمله، حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
وذلك بعد إخراج ما يجب إخراجه شرعا.
واعترف كل منهما بمعرفة ما تعاقد عليه ونظرهما له وخبرتهما به الخبرة النافية للجهالة.
ويؤرخ تنبيه: من أراد الاحتياط في المساقاة والخروج مما جرى فيه الخلاف بين العلماء، فليذكر في آخر العقد: أن المتعاقدين تصادقا على أن العقد الجاري بينهما في ذلك حكم به حاكم شرعي يرى صحته، ويقول: وأنهما رفعا ذلك إلى حاكم شرعي، نظر فيه.
فرآه صحيحا على مقتضى قاعدة مذهبه الشريف.
وأنه حكم بصحته وأمضاه.
وأجازه وارتضاه، وألزم العمل بمقتضاه حكما شرعيا.
ويكون الاحتراز بذكر حكم الحاكم لاجل اختلاف الناس في عقد المساقاة.
وقد تقدم بيانه.
ضابط: العمل في المساقاة على ضربين: عمل يعود نفعه على الثمرة.
فهو على العامل، وعمل يعود نفعه على الارض، فهو رب المال.
ولا بد أن تكون المساقاة مؤقتة
لمدة معلومة.
والاجود: أن لا تزيد على ثلاث سنين.
وصيغتها: ساقيتك، أو عقدت معك عقد المساقاة.
وتنعقد بكل لفظ يؤدي إلى معناها.
والمساقاة عقد لازم.
ويملك العامل نصيبه من الثمرة بعد الظهور على المذهب.
وقد تقدم ذكر ذلك.
والله أعلم.
باب المزارعة والمخابرة: الصحيح: أنهما عقدان مختلفان.
فالمزارعة: المعاملة على الارض ببعض ما يخرج

من زرعها.
والبذر من مالك الارض.
والمخابرة: مثلها، إلا أن البذر من العامل.
وقيل: هما بمعنى واحد.
والصحيح الاول.
وبه قال الجمهور، وهو ظاهر نص الشافعي.
وأما قول صاحب البيان: إن أكثر الاصحاب قالوا: هما بمعنى واحد.
فمردود لا يعتبر.
وقد يقال: المخابرة اكتراء الارض ببعض ما يخرج منها.
والمزارعة: اكتراء العامل ليزرع الارض ببعض ما يخرج منها.
والمعنى: لا يختلف.
وهي مختلف فيها بين العلماء.
قال النووي: المختار جواز المزارعة والمخابرة، والمعروف من مذهب الشافعي بطلانها.
قال صاحب البحر الصغير: وأرى جواز المزارعة والمساقاة في جميع الاراضي والاشجار المثمرة، والمعاطاة في المحقرات، لعموم البلوى في البلدان، وصيانة الخلق عن العصيان.
فمن كتبها على مذهب من يرى ذلك فليعرض بذكر حكم الحاكم بصحتها وإجازتها، ليخرج من الخلاف كما تقدم ذكره آنفا.
وصورة المزارعة على أصل من يقول بصحتها: أقر فلان أنه تسلم من فلان جميع القطعة الارض الفلانية - ويذكر حدودها وحقوقها - على أن يعمرها بنفسه وأعوانه ودوابه، ويزرع فيها كذا وكذا في سنة كذا، أو ليزرع فيها ما يحب ويختار من المزروعات الصيفية والشتوية على العادة في مثل ذلك.
ويقوم بسقي ما يزرع فيها، وبما يصلحه وينميه إلى حين بلوغه واستكمال منفعته.
ومهما رزق الله تعالى في ذلك وأعطاه بكرمه
من غلة الزرع المذكور، أخرج منه ما يجب عليه فيه الصدقة.
وكان الباقي بينهما، لفلان بحق أرضه كذا، ولفلان بحق بذره وعمله كذا.
ورضي فلان المالك للارض المذكورة بذلك بمخاطبته إياه واتفاقهما وتراضيهما على ذلك.
ويؤرخ.
وصورة أخرى في المزارعة: أقر فلان أنه تسلم من فلان جميع الارض السليخة الكائنة بمكان كذا.
المعروفة بكذا - وتوصف وتحدد - ليزرعها من عنده - أو يقول: من ماله وصلب حاله - حنطة أو غيرها من أصناف الحبوب والمزروعات في سنة كذا، تسلما شرعيا، ومهما لحق ذلك من حرث وحصاد ورجاد ودرس ودراوة وغير ذلك من بداءة الزرع وإلى نهاية استغلاله يكون على فلان العامل المذكور.
فإذا صار حبا صافيا كان لفلان كذا ولفلان كذا، حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
ويؤرخ.
فائدة: ربما اشترط الناس في المساقاة أو المزارعة ما يفسد عقدها، من عمل

دولاب، أو حفر نهر، أو بناء حائط.
فالموثق إذا خاف الفساد في كتابته وكان لا بد من ذكر ما اتفقا عليه من ذلك، فليكتب آخر الكتاب بعد تمام العقد.
ثم أقر المزارع المذكور أو المساقي المذكور، إقرارا شرعيا صدر منه على غير شرط كان في صلب عقد هذه المزارعة أو المساقاة، ولا مقترن به أن عليه لفلان بحق واجب عرفه له على نفسه: بناء جميع الحائط الفلاني، أو حفر النهر الفلاني، أو عمل دولاب في الجهة الفلانية.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
وفي هذا ضرر على المزارع وما أظن كاتبه بينهما يسلم من الاثم.
فينبغي أن يتحلل منهما: وأيضا فلا بد في هذه العقود من مراعاة الشروط كرؤية الارض والآلات، وتقدير المدة وغيرها.
هذا إذا أفردت الارض بالعقد.
وأما إذا كان بين النخل: فتجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخل، وقد تقدمت صور ذلك.
ويشترط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقي واحدة ويزارع آخر.

كتاب الاجارة وما يتعلق بها من الاحكام وهي مشتقة من الاجر، وهو الثواب.
تقول: آجرك الله، أي أثابك الله.
فكأن الاجرة عوض عمله.
كما أن الثواب عوض عمله.
والاصل فيها: الكتاب والسنة والاجماع والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * قال الشافعي رحمه الله: لو لم يكن في الاجارة إلا هذا لكفى.
وذلك أن الله تعالى ذكر أن المطلقة إذا أرضعت ولد زوجها فإنه يعطيها أجرتها.
والاجرة لا تكون إلا في الاجارة.
والرضاع غرر، لان اللبن قد يقل وقد يكثر.
وقد يشرب الصبي من اللبن كثيرا وقد يشرب قليلا.
وقد أجازه الله تعالى.
ويدل على صحتها: قوله تعالى في قصة موسى وشعيب عليهما الصلاة والسلام: * (يأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامينقال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) * فلولا أن الاجارة كانت جائزة في شرعهم لما قالت: * (يا أبت استأجره) * وأيضا: فإنه قال - بعد قولها * (يا أبت استأجره) * ولم ينكر عليها - * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) * فجعل المنفعة مهرا.
وقوله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام: * (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) *.
وأما السنة: فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: أعطوا الاجير حقه قبل أن يجف عرقه وروى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: من استأجر أجيرا فليبين له الاجرة وروي أن النبي (ص) قال: قال ربكم سبحانه وتعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي عهدا ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل

ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى عمله ولم يوفه أجره وروت عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) وأبا بكر استأجرا رجلا خريتا عالما بالهداية والخريت: الدليل.
وروي: أن النبي (ص) احتجم، وأعطى الحجام أجرته.
وأما الاجماع: فروي عن علي رضي الله عنه: أنه أجر نفسه من يهودي يستقي له المال كل دلو بتمرة وروي أن ابن عمر وابن عباس قالا في قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * هو أن يحج الرجل ويؤاجر نفسه وروي أن عبد الرحمن بن عوف استأجر أرضا فبقيت في يده إلى أن مات، فقال أهله: كنا نرى أنها له حتى وصى بها.
وذكر أن عليه شيئا من أجرتها وما روي خلاف ذلك عن أحد من الصحابة.
وأما القياس: فلان المنافع كالاعيان، فلما جاز عقد البيع على الاعيان، جاز عقد الاجارة على المنافع.
ويعتبر في المؤجر والمستأجر ما يعتبر في البائع والمشتري.
وصيغة العقد، أن يقول: أجرتك هذه الدار، أو أكريتك، أو ملكتك منافعها مدة كذا بكذا.
فيقول المستأجر: استأجرت، أو اكتريت، أو تملكت أو قبلت.
وأظهر الوجهين: أنها تنعقد بما لو قال: أجرتك منفعتها، وأنها لا تنعقد إذا قال: بعتك منفعتها.
وتنقسم الاجارة إلى واردة على العين، كإجارات العقارات.
وكما إذا استأجر دابة بعينها للحمل أو الركوب، أو شخصا بعينه للخياطة أو غيرها.
وإلى واردة على الذمة، كاستئجار دابة موصوفة وكما إذا التزم للغير خياطة أو بناء.
وإذا قال: استأجرتك لتعمل كذا.
فالحاصل إجارة عين أو إجارة في الذمة فيه وجهان.
أظهرهما: الاول.
ويشترط في الاجارة في الذمة: تسليم الاجرة في المجلس، كتسليم رأس مال السلم في المجلس.
وفي إجارة العين لا يشترط.
ويجوز في الاجرة التعجيل والتأجيل إن كانت في الذمة.
وإذا أطلقت تعجلت وإن كانت معينة ملكت في الحال كالبيع.
ولتكن الاجرة معلومة.
تنبيه: قولنا: معلومة احترازا من المنفعة المجهولة.
فإنها لا تصح للغرر، ولا بد من العلم بالمنفعة قدرا ووصفا، بحيث تكون قابلة للبذل والاباحة، وعلى هذا استئجار آلات اللهو كالطنبور والمزمار والرباب ونحوها حرام، يحرم بذل الاجرة في مقابلتها،

ويحرم أخذ الاجرة عليها.
لانها من قبيل أكل أموال الناس بالباطل.
وكذلك لا يجوز استئجار المغاني، ولا استئجار شخص لحمل خمر ونحوه، ولا استئجار شخص لجبي المكوس والرشا وجميع المحرمات.
ولا تصح إجارة الدار بعمارتها، ولا الدابة بعلفها.
ولا يجوز استئجار السلاخ بالجلد، والطحان بجزء من الدقيق أو بالنخالة.
ولو استأجر المرضعة بجزء من الرقيق المرتضع في الحال.
الظاهر: الجواز.
انتهى.
ويشترط في المنفعة أن تكون متقومة.
فلا يجوز استئجار البائع على كلمة لا يتعب بها، وإن كانت السلعة تروج بها.
وأظهر الوجهين: أنه لا يجوز استئجار الكلب للصيد، والفحل للضراب.
ويشترط أن يكون المؤجر يقدر على تسليمه.
فلا يجوز استئجار الآبق والمغصوب، ولا استئجار الاعمى لحفظ المتاع.
ولا يجوز استئجار الارض لزرع ما يسقى إذا لم يكن لها ماء دائم، وكذا إن كان لا تكفيها الامطار المعتادة.
ويجوز إن كان لها ماء دائم.
وكذا إن كان يكفيها الامطار المعتادة.
أو ماء الثلوج المجتمعة في الجبل.
والغالب الحصول في الوجهين والمعجوز عنه شرعا كالمعجوز عنه حسا، فلا يجوز الاستئجار لقلع سن صحيحة ولا استئجار الحائض لخدمة المسجد.
وأظهر الوجهين: أن استئجار المنكوحة للرضاع وغيره بغير إذن الزوج لا يجوز.
ويجوز تأجيل المنفعة في الاجارة في الذمة، كما إذا ألزم ذمته الحمل إلى موضع كذا، أو إلى شهر كذا.
ولا يجوز إيراد إجارة العين على المنفعة المستقبلة، كإجارة الدار للسنة القابلة، ولو أجر السنة الثانية من المستأجر قبل انقضاء الاولى.
فالاشبه الجواز.
ويجوز أن يؤجر دابة من إنسان ليركبها بعض الطريق دون بعض، أو من اثنين ليركب هذا أياما وهذا أياما.
ويبين البعضين.
ويشترط أيضا في المنفعة: أن تكون معلومة.
وتقدر المنافع تارة بالزمان، كاستئجار الدار سنة.
وتارة بمحل العمل، كاستئجار الدابة إلى موضع كذا للركوب، والخياط ليخيط هذا الثوب.
ولو جمع بينهما، فقال: استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب بياض هذا النهار.
فأصح الوجهين: أنه لا يجوز.
ويقدر تعليم القرآن بالمدة، أو بتعيين السور.
ويقدر في الاستئجار للبناء بتبيين الموضع والطول والعرض والسمك، وما يبنئ به إن قدر بالعمل.
والارض التي تصلح للبناء والزراعة والغراس، لا بد في إجارتها من تعيين المنفعة.
وتعيين الزراعة، يعني ذكر ما يزرع في أصح الوجهين.
ولو قال: أجرتكها لتنتفع بها ما شئت صح.
ولو قال: إن

شئت فازرعها، وإن شئت فاغرسها، جاز على الاصح.
وفي إجارة الدابة للركوب، ينبغي أن يعرف المؤجر الراكب بمشاهدته، ويقوم مقام المشاهدة: الوصف التام على الاشبه.
وكذا الحكم فيما يركب عليه من زاملة، أو حمل أو غيرهما.
ولا بد في الاجارة على العين من تعيين الدابة واشتراط رؤيتها.
وفي الاجارة في الذمة لا بد من ذكر الجنس والنوع، والذكورة والانوثة.
وتبيين قدر السير في كل يوم.
فإن كان في الطريق منازل مضبوطة.
جاز إهماله، وينزل العقد عليها.
وفي الاستئجار للحمل ينبغي أن يعرف المؤجر المحمول برؤيته إن كان حاضرا.
ويمتحنه باليد إن كان في ظرف، وإن كان غائبا فيقدر بالكيل أو الوزن، ولا بد من ذكر الجنس.
ولا يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها، إن كانت الاجارة في الذمة، إلا إذا كان المحمول زجاجا ونحوه.
ولا يجوز الاستئجار للعبادات التي لا تنعقد إلا بالنية.
ويستثنى الحج وتفرقة الزكاة، وكذا الجهاد.
ويجوز لتجهيز الميت ودفنه، وتعليم القرآن.
ويجوز الاستئجار للحضانة والارضاع معا، ولاحدهما دون الآخر.
والاصح: أنه لا يستتبع واحد منهما الآخر.
والحضانة: حفظ الصبي، وتعهده بغسل الرأس والبدن والثياب، وتدهينه وتكحيله، وربطه في المهد، وتحريكه لينام ونحوها.
وإذا استؤجرت لهما فانقطع اللبن.
فالمذهب: أن العقد ينفسخ في الارضاع وفي الحضانة.
والمشهور: أنه لا يجب الحبر على الوراق، ولا الخيط على الخياط، ولا الذرور على الكحال في استئجارهم.
ويجب تسليم مفتاح الدار إلى المكتري، وليس عليه عمارة الدار، وإنما هي من وظيفة المكري، فإن بادر وعمر وأصلح المنكسر فذاك.
وإلا فللمكتري الخيار.
وكسح الثلوج من السطح كالعمارة، وتطهير عرصة الدار عن الكناسات على المكتري، وكذا كسح الثلج في عرصة الدار.
وعلى المكري إذا أجر الدابة للركوب: الاكاف والبرذعة والحزام والثفر، والبرة والخطام، والاشبه في السرج: اتباع العرف فيه، والمحمل، والمظلة والغطاء وتوابعها على المكتري.
والظرف الذي ينقل فيه المحمول على المكري إن وردت الاجارة على الذمة، وعلى المكتري إن تعلقت بالعين.
وعلى المكري في إجارة الذمة: الخروج مع الدابة ليتعهدها، وإعانة الراكب في الركوب والنزول بحسب الحاجة، ورفع الحمل

وحطه، وشد المحمل وحله.
وفي إجارة العين ليس عليه إلا التخلية بين المكتري والدابة.
وتنفسخ إجارة العين بتلف الدابة، ويثتت الخيار بعيبها.
وفي إجارة الذمة لا تنفسخ بالتلف.
ولا يثبت فيها الخيار بالعيب، ولكن على المكري الابدال والطعام المحمول، ليؤكل ببدل إذا أكل على الاصح.
والاصح: أن مدة الاجارة لا تتقدر، لكن ينبغي أن لا تزيد على مدة بقاء ذلك الشئ غالبا.
وفي قول: لا تزيد المدة على سنة.
وفي قول آخر: ثلاثين سنة.
والمستحق لاستيفاء المنفعة له استيفاء المنفعة بغيره.
فمن
استأجر ليركب: له أن يركب مثل نفسه أو أخف منه، وإذا استأجر ليسكن، أسكن مثله، ولا يسكن الحداد والقصار.
ولا يجوز إبدال ما يستوفي المنفعة منه، كالدار والدابة المعينة، والمستوفى به، كالثوب المعين للخياطة، والصبي المعين للارضاع، وفي جواز إبداله وجهان.
أظهرهما: الجواز.
ويد المستأجر على الدابة والثوب يد أمانة في مدة الاجارة.
وبعد انقضائها كذلك في أظهر الوجهين.
ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب، ولم ينتفع بها.
فلا ضمان عليه إلا إذا انهدم الاصطبل عليها في وقت لو انتفع بها لما أصابها الانهدام.
وإذا تلف المال في يد الاجير من غير تعد، كالثوب إذا استؤجر لخياطة أو صبغة.
فلا ضمان عليه إن لم ينفرد الآجر باليد، بل قعد المستأجر عنده، أو أحضره إلى منزله.
وإن انفرد باليد فكذلك في أصح الاقوال.
والثالث: الفرق بين المنفرد والمشترك، ولا يضمن المنفرد.
والمنفرد: هو الذي أجر نفسه مدة معينة للعمل.
والمشترك: هو الذي يقبل العمل في ذمته.
ولو دفع ثوبا إلى قصار ليقصره، أو خياط ليخيطه.
ففعل، ولم يجر ذكر أجرة.
فأصح الوجهين: أن له الاجرة.
وقد يستحسن القول الثالث، وهو الفرق بين أن يكون العامل معروفا بذلك العمل فيستحق، أو لا فلا يستحق.
وإذا تعدى المستأجر فيما استأجره - كما لو ضرب الدابة فوق العادة، أو أركب الدابة أثقل منه، أو أسكن الدار الحداد أو القصار - دخل المستأجر في ضمانه.
وكذلك لو اكترى لحمل مائة من من الحنطة، أو العكس، أو اكترى لحمل عشر أقفزة من الشعير، فحمل عشرة من الحنطة، دون العكس، أو أن يحمل مائة من من حنطة فحمل مائة وعشرة.
فعليه أجرة المثل للزيادة.
وإن تلفت الدابة بذلك فعليه الضمان، إن لم يكن صاحبها معها، وانفرد باليد.
وإن كان صاحبها معها فيضمن نصف القيمة، أو قسطها من الزيادة؟ فيه قولان.
أقربهما: الثاني.
وإن سلمه إلى المكري فحمله وهو جاهل.
فالظاهر: وجوب الضمان على
المكتري أيضا.
وإن وزن المكري بنفسه وحمل فلا أجرة له للزيادة.
ولا ضمان لو تلفت

الدابة.
ولو دفع ثوبا إلى خياط فخاطه قباء، وقال: هكذا أمرتني.
وقال المالك: بل أمرتك أن تقطعه قميصا.
فأصح القولين: أن القول قول المالك مع يمينه.
وإذا حلف فلا أجرة عليه.
وعلى الخياط أرش النقصان.
ولا تنفسخ الاجارة بالاعذار مثل أن يستأجر حماما فيتعذر عليه الوقود، أو دابة ليسافر عليها فتمرض.
ولو استأجر أرضا للزراعة فزرعها، فهل الزرع بجائحة، فليس له الفسخ، ولا حط شئ من الاجرة.
وموت الدابة والاجير المعينين يوجب الانفساخ في المستقبل.
ولا يؤثر في الماضي في أصح القولين.
ويستقر المسمى بالقسط.
وموت المتعاقدين لا يوجب الانفساخ.
وكذا متولي الموقف إذا أجر البطن الاول، ومات قبل تمامها.
فأصح الوجهين: أن الاجارة تنفسخ.
ولو أجر ولي الصبي مدة لا يبلغ فيها بالسن، فبلغ بالاحتلام.
فأظهر الوجهين: أن الاجارة تبقى.
والاصح: أن انهدام الدار يوجب الانفساخ.
فإن انقطع ماء الارض المستأجرة للزراعة، فذلك لا يوجب الانفساخ.
ولكن يثبت الخيار.
ولو أكرى الجمال جمالا وهرب وتركها عند المكتري، فيراجع المكتري الحاكم لينفق عليها من مال الجمال.
فإن لم يجد له مالا استقرض عليه، ثم إن وثق بالمكتري دفعه إليه وإلا جعله عند ثقة.
ويجوز أن يبيع منها بقدر ما ينفق من ثمنه عليها، وباقي النفقة للمكتري.
ويجوز أن يأذن للمكتري في الانفاق عليها من ماله ليرجع في أظهر القولين.
وإذا تسلم المكتري الدابة أو الدار، وأمسكها حتى مضت مدة الاجارة استقرت الاجرة، سواء انتفع بها أولا.
ولو استأجر للركوب إلى موضع، وتسلم المركوب ومضت مدة إمكان السير إليه فكذلك.
ولا فرق بين إجارة العين وبين أن تكون في الذمة.
ويستقر
في الاجارة الفاسدة أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الصحيحة.
ولو أكرى عينا مدة، ولم يسلمها حتى مضت المدة.
انفسخت الاجارة، ولم تقدر المدة.
ولو كانت الاجارة للركوب إلى موضع، ولم يسلم الدابة حتى مضت مدة إمكان السير.
فالاظهر: أنها لا تنفسخ.
والصحيح: أنه إذا أعتق عبده المستأجر لم تنفسخ الاجارة، وأنه لا خيار للعبد، ولا رجوع على السيد بالاجرة لما بعد العتق.
ويصح بيع المستأجر من المستأجر، ولا تنفسخ الاجارة في أصح الوجهين.
وفي بيعه من غير المستأجر قولان.
أصحهما: صحته أيضا.
ولا تنفسخ الاجارة.
وإذا أجر الناظر فزادت الاجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة، لم ينفسخ العقد في الاصح.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق العلماء على أن الاجارة من العقود الجائزة بالعوض، وأن من شرط صحتها: أن تكون المنفعة والعوض معلومين.
واختلفوا: هل تملك الاجرة بنفس العقد؟ فقال أبو حنيفة: لا تملك الاجرة بالعقد.
وتجب أجرة كل يوم بقسطه من الاجرة.
وقال مالك: لا تملك المطالبة إلا يوما بيوم.
وأما الاجرة: فقد ملكت بالعقد.
وقال الشافعي وأحمد: تملك الاجرة بنفس العقد.
وتستحق بالتسليم.
وتستقر بمضي المدة.
واختلفوا فيما إذا استأجروا دارا كل شهر بشئ معلوم.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه: تصح الاجارة في الشهر الاول، وتلزم.
وأما ما عداه من الشهور: فيلزم بالدخول فيه.
وقال الشافعي المشهور عنه، وأحمد في الرواية الاخرى: تبطل الاجارة في الجميع.
واختلفوا فيما إذا استأجر منه شهر رمضان في شهر رجب، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح العقد.
وقال الشافعي: لا يصح.
واختلفوا: هل تصح الاجارة مدة تزيد على سنة؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجوز.
وعن الشافعي أقوال، أظهرها: لا يصح أكثر من سنة.
وعنه يجوز إلى ثلاثين سنة.
وعنه يجوز أكثر من
سنة بغير تقدير.
واختلفوا فيما إذا حول المالك المستأجر في أثناء الشهر.
فقالوا: له أجرة ما سكن، إلا أحمد.
فإنه قال: لا أجرة له.
وكذلك قال: إن تحول الساكن لم يكن له أن يسترد أجرة ما بقي.
فإن أخرجته يد غالبة، كان عليه أجرة ما سكن.
واختلفوا في العين المستأجرة: هل يجوز لمالكها بيعها؟ فقال أبو حنيفة: لا تباع إلا برضاء المستأجر، أو يكون عليه دين يحبسه الحاكم عليه.
فيبيعها في دينه.
وقال مالك وأحمد: يجوز بيعها من المستأجر وغيره، يتسلمها المشتري إذا كان غير المستأجر بعد انقضاء مدة الاجارة.
وعن الشافعي قولان.
واختلفوا في إجارة المشاع.
فقال أبو حنيفة: لا تصح إجارة المشاع إلا من الشريك.
وقال مالك والشافعي: تجوز على الاطلاق.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنها لا تصح على الاطلاق.
والاخرى: تصح، اختارها أبو حفص العكبري.
واختلفوا في جواز الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس، وفيما دون النفس.
فقال أبو حنيفة: يصح الاستئجار على استيفاء القصاص في النفس، وفيما دون النفس.
وقتل أهل الحرب.
ثم اختلفوا.
هل تجب الاجرة على المقتص له، أو المقتص منه؟ فقال أبو حنيفة: هي على المقتص له في الجميع، إذا كان في الطرف، أو فيما دون

النفس.
وما فوق ذلك فلا يجوز الاستئجار فيه أصلا، بناء على مذهبه.
وقال مالك: هي على المقتص له في الجميع.
وقال الشافعي وأحمد: هي على المقتص منه في الجميع.
واختلفوا: هل يجوز للمستأجر فسخ عقد الاجارة من عذر مختص، كمرض أو غيره؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز.
وهي لازمة من الطرفين، لا يجوز لاحد منهما فسخها، إلا أن يمتنع استيفاء المنفعة بعيب في المعقود عليه.
وقال أبو حنيفة: للمستأجر الفسخ لعذر يلحقه، مثل: أن يمرض أو يحترق متاعه، أو يسرق، أو يغصب، أو يفلس:
فيكون له فسخ الاجارة.
واختلفوا هل تنفسخ الاجارة بموت أحد المتعاقدين؟ فقال أبو حنيفة: تبطل مع الامكان من استيفاء المنفعة.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين، ولا بموتهما جميعا.
ويقوم الوارث مقام مورثه في ذلك.
واختلفوا في أخذ الاجرة على القرب كتعليم القرآن والحج والاذان والامامة.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذلك.
وقال مالك: يجوز في تعليم القرآن والحج والاذان.
وأما الامامة: فإن أفردها وحدها، لم يجز له أخذ الاجرة عليها، وإن جمعها مع الاذان جاز.
وكانت الاجرة على الاذان، لا على الصلاة.
وقال الشافعي: يجوز في تعليم القرآن والحج.
وأما الامامة في الفروض: فلا تجوز فيها، ويجوز في النوافل، ولاصحابه في جواز ذلك في التراويح وجهان.
وفي الاذان ثلاثة أوجه.
واختلفوا في أجرة الحجام فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يجوز، ويباح للحر.
وقال أحمد: لا يجوز.
فإن أخذها من غير شرط ولا عقد، علفها ناضحة وأطعمها رقيقة، وهي حرام في حق الحر.
واختلفوا هل يجوز للمستأجر أن يؤخر العين المستأجرة بأكثر مما استأجرها به؟ فقال أبو حنيفة: لا يجوز، إلا أن يكون قد أحدث فيها شيئا.
فإن لم يحدث فيها شيئا لم يكن له أن يكري بزيادة.
فإن أكرى تصدق بالفضل.
وقال مالك والشافعي: يجوز، سواء أصلح في العين شيئا أو بنى فيها بناء، أو لم يفعل.
وعن أحمد أربع روايات.
إحداهن: كمذهب أبي حنيفة.
والثانية: كمذهب مالك والشافعي.
والثالثة: لا تجوز إجارتها بزيادة بحال.
والرابعة: يجوز ذلك بإذن المؤجر، ولا يجوز بغير إذنه.
واختلفوا في جواز استئجار الخادم، والظئر بالطعام والكسوة.
فقال أبو حنيفة: يجوز في الظئر دون الخادم، وقال مالك: يجوز فيهما جميعا.
وقال الشافعي: لا يجوز

فيهما.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: الجواز فيهما، كقول مالك.
والاخرى: المنع فيهما، كقول الشافعي.
واختلفوا في استئجار الكتب للنظر فيها.
فقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يجوز.
واختلفوا في الاجير المشترك، هل يجب عليه الضمان فيما جنت يده؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يضمن ما جنت يده.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: يضمن.
والثاني: لا يضمن.
واختلفوا في الاجير المشترك أيضا، هل يضمن ما لم تجن يده؟ فقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه.
وقال مالك: عليه الضمان.
وعن الشافعي قولان، كالمذهبين.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: لا ضمان عليه، كمذهب أبي حنيفة.
والاخرى: يضمن، كمذهب مالك.
والثالثة: إن كان هلاكه مما لا يستطاع الامتناع منه.
كالحريق واللصوص، وموت البهيمة.
فلا ضمان عليه.
وإن كان بأمر خفي.
ويستطاع الاحتراز منه ضمن.
وأما الاجراء: فلا يضمنون عند مالك.
وهم على الامانة، إلا الصناع خاصة.
فإنهم ضامنون إذا انفردوا بالعمل فيما عملوه بالاجرة أو بغيرها، إلا أن تقوم بينة بفراغه وهلاكه فيبرأ.
واختلف الخياط وصاحب الثوب.
فعند مالك وأحمد: إن القول قول الخياط.
وهو أحد قولي الشافعي.
وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه: القول قول صاحب الثوب.
واتفقوا على أن الراعي ما لم يتعد فلا ضمان عليه.
واختلفوا فيما إذا ضرب البهيمة المستأجرة الضرب المعتاد فهلكت.
فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يضمن.
وقال أبو حنيفة: يضمن، وإن كان ضربا معتادا.
واختلفوا فيما إذا عقد مع حمال على حمل مائة رطل، ثم أكل منها.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: كلما أكل منها شيئا أبدل عوضه، وقال الشافعي، في أظهر قوليه: ليس له أن يبدل عوضه.
واختلفوا فيما إذا استأجر دابة، فهل له أن يؤجرها لغيره؟ فقال أبو حنيفة: لا يجوز
إلا لمن يساويه في معرفة الركوب، وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز له أن يؤجرها إلا لمن يساويه في الطول والسمن.
وقال مالك: له أن يكريها من مثله في رفقة يسيرة.
واختلفوا فيمن نصب نفسه للمعاش من غير عقد إجارة.
كالملاح والحلاق.
فقال مالك وأحمد: يستحق كل منهم الاجرة.
وقال أصحاب الشافعي: لا يستحق الاجرة من غير عقد.
ولم يوجد عن أبي حنيفة فيه نص، بل قال أصحابه المتأخرون: إنهم يستحقون الاجرة.
واختلفوا في إجارة الحلي - الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة - هل يكره؟ فقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: لا يكره.
وكرهه أحمد.

واختلفوا في إكراه الارض بالثلث والربع مما يخرج منها.
فقالوا: لا يصح.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: جوازه.
واتفقوا على أنه إذا استأجر أرضا ليزرعها حنطة.
فله أن يزرعها حنطة.
وما ضرره ضرر الحنطة.
واختلفوا في الرجل يستأجر زوجته لارضاع ولده منها.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يصح.
وزاد مالك، فقال: تجبر على ذلك، إلا أن تكون شريفة لا ترضع مثلها.
وقال أحمد: يصح.
واختلفوا فيمن اكترى بهيمة إلى موضع معلوم، فجاوزه، فعطبت الدابة.
فقال أبو حنيفة: عليه الاجرة المسماة إلى الموضع المسمى، وعليه قيمتها.
ولا أجرة عليه فيما جاوزه.
وقال مالك: صاحبها بعد تلفها بالخيار بين أن يضمنه القيمة بلا أجرة أو أجرة المثل بلا قيمة، بعد أن يؤدي الاجرة الاولى.
وقال الشافعي وأحمد: عليه المسمى وأجرة ما تعداه، أو قيمتها.
واختلفوا فيما إذا استأجر دارا ليصلي فيها.
فقال مالك والشافعي وأحمد: يجوز أن يؤجر الرجل داره ممن يتخذها مصلى مدة معلومة، ثم تعود إليه ملكا.
وله الاجرة.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك، ولا أجرة له.
وقال ابن هبيرة في الافصاح: وهذا من محاسن أبي حنيفة لا مما يعاب عليه، لانه مبني على القرب عنده.
فلا يؤخذ عليها أجرة.
واختلفوا: هل يجوز اشتراط الخيار ثلاثا في الاجارة؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجوز، سواء كانت على مدة أو في الذمة.
وقال الشافعي: لا يجوز في المدة قولا واحدا.
وفي الذمة قولان.
واتفقوا على أن العقد في الاجارة: إنما يتعلق بالمنفعة دون الرقبة، خلافا لاحد قولي الشافعي.
واختلفوا في إجارة الاقطاع.
والمشهور المعروف المقرر من الشافعي: صحتها.
والجمهور على ذلك.
قال النووي: لان الجندي يستحق المنفعة.
تنبيه: قال شيخنا الامام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: ما زلنا نسمع علماء الاسلام قاطبة بالديار المصرية، والبلاد الشامية، يقولون بصحة إجارة الاقطاع، حتى بزغ الشيخ تاج الدين الفزاري وولده.
فقالا فيها ما قالا، وهو المعروف من مذهب أحمد.
ولكن مذهب أبي حنيفة: بطلانها.
فصل: وإذا استأجر أرضا ليزرع فيها نوعا من الغراس مما يتأبد، ثم انقضت السنة، فللمؤجر الخيار عند مالك بين أن يعطي المستأجر قيمة الغراس، وكذلك إن بنى: أن يعطيه قيمة بناء ذلك على أنه مقلوع، أو يأمره بقلعه.
وقال أبو حنيفة كقول مالك، إلا أنه قال: إذا كان القلع يضر بالارض، أعطاه المؤجر القيمة.
وليس للغارس قلعه، وإن لم

يضر لم يكن له إلا المطالبة بالقلع.
وقال الشافعي: ليس ذلك للمؤجر، ولا يلزم المستأجر قلع ذلك.
ويبقى مؤبدا، ويعطى المؤجر قيمة الغراس للمستأجر.
ولا يأمره بقلعه.
وهو إحدى الروايتين عن أحمد، أو يقره في أرضه.
ويكونان مشتركين، أو يأمره بقلعه، ويعطيه أرش ما نقص بالقلع.
وقال أحمد في الرواية الثانية: لا يلزم المستأجر قلع ذلك، ويبقى مؤبدا.
ويعطى المستأجر أجرة المثل للارض.
فصل: ومن استأجر إجارة فاسدة، وقبض ما استأجره، ولم ينتفع به - كما لو كانت أرضا فلم يزرعها ولا انتفع بها حتى انقضت مدة الاجارة - فعليه أجرة مثلها عند مالك.
وكذلك لو استأجر دارا فلم يسكنها، أو عبدا فلم ينتفع به.
وقال الشافعي وأحمد: له أجرة المثل.
وقال أبو حنيفة: لا أجرة عليه، لكونه لم ينتفع بها.
انتهى.
المصطلح: ويشتمل على صور.
ولها عمد، وهي أصول الشروط التي تذكر للاحتياط.
وهي على أصناف: ذكر المستأجر، والمؤجر، وأسمائهما، وأنسابهما، وما يعرفان به، والمأجور، وموضعه، ووصفه، وتحديده، والمدة مبتدأها ومنتهاها، والاجرة، وذكر تأجيلها إن كانت مؤجلة، أو تنجيمها إن كانت منجمة، أو قبضها إن كانت معجلة، وأن لا تتأخر الاجارة عن وقت العقد مدة طويلة ولا قصيرة.
وذكر المعاقدة، والتسلم والتسليم، وأن يكون المأجور مفرغا عند الاجارة غير مشغول، وإقرار المتؤاجرين عند الشهود بما نسب إلى كل واحد منهما من ذلك.
ومعرفة الشهود بهما، وصحة العقل والبدن، وجواز الامر، والتاريخ.
وأما الصور، فمنها: صورة الاجارة الواردة على العين: استأجر فلان الوصي الشرعي على تركة فلان، وعلى أولاده لصلبه.
وهم: فلان وفلان وفلان الايتام الصغار الذين هم في حجور الشرع الشريف، بمقتضى كتاب الوصية، المحضر من يده - ويشرحه ويذكر تاريخه وثبوته، وإن كان بالاذن من الحاكم بغير وصية، فقد تقدم من ذلك ما فيه كفاية - ثم يقول: للايتام المذكورين أعلاه بمالهم، الحاصل لهم تحت يد الوصي المذكور بينهم بالسوية أثلاثا، لظهور الحظ والمصلحة والغبطة لهم في ذلك المسوغة للاستئجار لهم شرعا من فلان - وهو القائم في إيجار ما يأتي ذكره - على الوجه الآتي شرحه عن الاخوة الاشقاء.
وهم فلان وفلان وفلان، أولاد فلان، وعن والدتهم فلانة، بإذنهم له، وتوكيلهم إياه في إيجار المأجور الآتي ذكره، من المستأجر المذكور، بالاجرة الآتي ذكرها، على الوجه الآتي

شرحه.
وفي قبض الاجرة وتسليم المأجور.
وفي التسلم والتسليم والمكاتبة، والاشهاد على الرسم المعتاد، التوكيل الصحيح الشرعي، الذي قبله منهم.
وتقلده عنهم القبول الشرعي، بشهادة شهوده - أو بشهادة من يعين ذلك في رسم شهادته، أو بمقتضى كتاب الوكالة المحضر من يده - المتضمن لذلك المؤرخ بكذا، الثابت مضمونه بمجلس الحكم العزيز الفلاني الثبوت الشرعي، للايتام المذكورين أعلاه، وبما لهم دون ماله بالاذن المشار إليه - أو بالوصية الشرعية - ما هو لموكلي، الاجر المذكور أعلاه، وملكهم وبيدهم وتحت تصرفهم، إلى حالة هذه الاجارة.
ومنتقل إليهم بالارث الشرعي من والد الاخوة المذكورين أعلاه، زوج والدتهم المذكورة أعلاه بينهم على حكم الفريضة الشرعية.
والاجرة الآتي ذكرها بينهم كذلك.
وذلك جميع كذا وكذا، إجارة صحيحة شرعية.
لازمة الانتفاع بالمأجور المعين أعلاه، انتفاع مثله بمثل ذلك، لمدة كذا وكذا من تاريخه بأجرة مبلغها عن ذلك كذا وكذا، ما هو على حكم الحلول كذا وكذا، عجل المستأجر المذكور ذلك من المال الحاصل تحت يده للايتام المستأجر لهم المذكورين أعلاه.
ودفعه إلى الوكيل المؤجر المذكور.
فقبضه منه لموكليه المذكورين أعلاه قبضا شرعيا.
والباقي من الاجرة المعينة أعلاه كذا وكذا، يقوم الوصي المستأجر المذكور به من مال الايتام المذكورين للوكيل المؤجر المذكور، أو لمن يستحق قبض ذلك منه شرعا، على قسطين متساويين، أو ثلاثة أقساط كل سنة تمضي من تاريخه كذا وكذا.
سلم الوكيل المؤجر المذكور إلى المستأجر الوصي المذكور جميع المأجور المعين أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا - وإن كان المأجور في بلد غير بلد العقد كتب موضع التسليم - وخلاه التخلية الشرعية.
فإذا انتهى من ذلك يقول: ثم ساقى المؤجر المذكور على ما بأراضي القرية الموصوفة المحدودة بأعاليه من الاشجار المختلفة الثمار، على أن يعمل في ذلك العمل المعتاد في مثله شرعا بأجراء الايتام المذكورين وعواملهم ودوابهم وآلاتهم، ويكسح أشجاره وينقي ثماره.
ومهما رزق الله تعالى في ذلك في طول المدة المعينة أعلاه
كان بين الايتام المستأجر لهم وبين موكلي المؤجر المذكورين أعلاه على ألف سهم، من ذلك سهم واحد للموكلين المذكورين بحق ملكهم حسبما وكلوه في ذلك التوكيل الشرعي.
والباقي للايتام المستأجر لهم، مساقاة شرعية حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
قبل كل منهما ذلك من الآخر قبولا شرعيا.
وذلك بعد أن ثبت عند الحاكم الآذن المشار إليه ما ذكر ثبوته أعلاه حالة الاستئجار المعين أعلاه، وأن في استئجار ذلك للايتام المذكورين أعلاه حظا وافرا وغبطة ظاهرة، مسوغتي الاستئجار لهم شرعا، وأن الاجرة أجرة المثل للمأجور حالة التاجر، وأن المأجور المذكور بيد الموكلين المذكورين

وملكهم، وتحت تصرفهم إلى حين صدور الاجارة المعينة أعلاه، بعد استيفاء الشرائط الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل بالاشهاد والتاريخ والحسبلة بخط الحاكم.
وصورة إجارة دار للسكنى.
وهي واردة أيضا على العين: استأجر فلان من فلان الوصي الشرعي - أو بإذن الحاكم، ويشرح على ما تقدم من أمر الوصية أو الاذن - على الاخوة الاشقاء الايتام الصغار.
وهم فلان وفلان وفلان، أولاد فلان، الذين هم في حجر الشرع الشريف، لوجود الحظ والمصلحة والغبطة للايتام المذكورين في إيجار المأجور الآتي ذكره، على الوجه الآتي شرحه، المسوغ ذلك للايجار عليهم شرعا، ما هو ملك للايتام المؤجر عليهم المذكورين أعلاه، وبيدهم وتحت تصرفهم إلى حالة هذه الاجارة، الثابتة ملكيتهم لذلك عند الحاكم الآذن المشار إليه.
وذلك جميع الدار الكبرى العامرة، الكائنة بموضع كذا - ويصفها ويحددها - إجارة صحيحة شرعية، لازمة لمدة كذا وكذا من تاريخه بأجرة مبلغها عن المدة المعينة أعلاه كذا وكذا، حسابا لكل شهر كذا وكذا، يقوم المستأجر المذكور للمؤجر الوصي المذكور بأجرة كل شهر في غرته، أو في سلخه.
ويكمل الاجارة بالشروط المعتبرة.
كما تقدم.
وإن كان في الدار جنينة ذات أشجار، ذيل بالمساقاة على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة استئجار الارض للزراعة: استأجر فلان من فلان ما ذكر المؤجر المذكور: أنه له وبيده وملكه، وتحت تصرفه إلى حين صدور هذه الاجارة.
وذلك جميع قطعة الارض الكشف البياض، التي شربها من النهر الفلاني، أو من القناة الفلانية، أو من ماء المطر، أو من ماء الثلوج السائل إليها من الجبل الفلاني أو من ماء النيل المبارك - ويصفها ويحددها - إجارة صحيحة شرعية لازمة، لينتفع المستأجر المذكور بذلك الزرع والزراعة بالحنطة، أو غير ذلك من أصناف المزروعات والحبوب على الوجه الشرعي، لمدة كذا وكذا من تاريخه، ويكمل بذكر الاجرة وقبضها، أو حلولها أو تقسيطها.
والمعاقدة الشرعية والتسلم والتسليم والرؤية والمعرفة.
ويؤرخ.
وصورة الاجارة الواردة على الذمة بتأجيل المنفعة وتعجيل الاجرة: استأجر فلان من فلان.
فأجره نفسه على أن يحمل المستأجر المذكور وزوجته فلانة في زوج محاير عجمي ملبد مغطى بثوب جوخ - ويصف ما يحمله لهما من الاحمال والحوائج خاناه والمواهي والزوامل، وما فيها من القماش والاثاث والزاد والماء، ويضبط كل شئ منها بالوزن، ويذكر الخيمة وآلة الطبخ والكراريز، والدست والصاغرة، والمنصب الحديد

والتعاليق، وما فيها من الادهان.
وقماش البدن، وما يقيهما من الحر والبرد.
ويستوفي الكلام في ذكر ما يحتاج إليه الحاج - ثم يقول: من مدينة كذا، إلى مدينة كذا، ثم إلى مكة المشرفة، ثم إلى عرفات، ثم إلى منى، ثم إلى مكة المشرفة، ثم إلى المدينة الشريفة النبوية، على الحال بها أفضل الصلاة والسلام، ثم إلى الينبوع، ثم إلى العقبة، ثم إلى القاهرة المحروسة، على جمال يقيمها من ماله وصلب حاله، صحبة الركب الشريف السلطاني الشامي - أو المصري، أو الحلبي، أو الكوفي، أو الغزاوي - ذهابا وإيابا، وعلى أن يحمل له في الرجعة من التمر والجوز والشاشات، والازر البيارم،
والانطاع والجلود الطائفي وغير ذلك من أنواع الهدية المعتادة كذا وكذا - ويضبط كل نوع منها بتقدير وزن معلوم - إجارة صحيحة شرعية بأجرة مبلغها كذا على حكم الحلول، دفعها المستأجر المذكور إلى المؤجر المذكور بحضرة شهوده.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
وهذه الاجرة يجوز تعجيلها وتأجيلها.
ولا بد فيها من اعتراف المؤجر بمعرفة ما عاقد عليه المعرفة الشرعية النافية للجهالة.
ثم يقول: وعليه الشروع في السفر من استقبال كذا صحبة الركب الشريف المشار إليه مصحوبا بالسلامة.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الاجارة الواردة على العين بأجرة معجلة، أو مؤجلة: استأجر فلان من فلان الجمال الحادي جميع الجمال العشرة المذكورة المذللة السمان الجياد، الحاضرة حال العقد عند المتعاقدين، المشخصة عندهما، الوارد عقد هذه الاجارة عليها بعد تشخيصها، ليحمل المستأجر المذكور وزوجته فلانة، التي وصفها كوصفه في الطول والسمن، في زوج محاير عجمي ملبد مغطى - ويذكر ما تقدم شرحه مبينا - على الجمال المذكورة، من مدينة كذا إلى مدينة كذا - ويسوق الكلام المتقدم من غير إخلال بمقصود في سفر الحاج - ثم يقول: إجارة صحيحة شرعية، لازمة للحمل والانتفاع بالجمال المذكورة، انتفاع مثلها على العادة في مثل ذلك، بأجرة مبلغها كذا.
دفع المستأجر المذكور إلى المؤجر المذكور كذا وكذا من جملة الاجرة المعينة أعلاه.
فقبض ذلك منه قبضا شرعيا، وباقي الاجرة المعينة أعلاه يقوم به المستأجر المذكور بدفعها على قسطين متساويين، أو على قسط واحد.
أحدهما: في العشر الاول من ذي القعدة سنة تاريخه.
والثاني: في العشر الاول من ذي الحجة بمكة المشرفة.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك، وسلم المكري المذكور إلى المكتري المذكور الجمال المكراة.
فتسلمها منه تسلما شرعيا بعد الرؤية لها ومعرفتها المعرفة الشرعية النافية للجهالة.
وعلى الجمال المذكور إبدال الجمل المعيوب والهالك من الجمال الوارد عليها عقد هذه الاجارة بغيره من الجمال الجياد السليمة من العيوب وتعاقدا على ذلك معاقدة شرعية.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.

وصورة استئجار رجل للحج عن ميت بمباشرة وصيه الشرعي: أجر فلان نفسه لفلان الوصي الشرعي عن فلان، أو القائم فيما سيأتي ذكره فيه، بالوصية الشرعية الصادرة له من فلان المتوفى إلى رحمة الله تعالى من قبل تاريخه، المؤرخ باطنها بكذا، والثابث مضمونها بمجلس الحكم العزيز الفلاني المؤرخ ثبوته بكذا على أن يحج بنفسه عن فلان الموصي المتوفى المذكور حجة الاسلام الواجبة عليه شرعا، على أن يتوجه من البلد الفلاني في عام تاريخه في مدة يتمكن فيها من أداء فرض الحج في العام المذكور.
قاصدا أداء حجة الاسلام وعمرته، إما مع الركب الشريف المصري، أو الشامي، أو غيرهما، أو في البحر الملح، أو غير ذلك على ما يتفقان عليه.
فيحرم من الميقات الذي يجب على مثله.
وينوي حجة مفردة كاملة.
ويدخل الحرم الشريف ملبيا.
فيؤدي عنه الحجة المذكورة بأركانها، وواجباتها وشروطها وسننها.
ثم يعتمر عنه عمرة من ميقاتها الشرعي، مكملة الشروط على الاوضاع المعتبرة الشرعية.
وهو بالخيار، إن شاء أفرد، وإن شاء تمتع وإن شاء قرن.
وينوي في جميع أفعاله لذلك وتلبسه به: وقوعه عن المتوفى الموصي المذكور وأجر ثوابه له.
ومتى وقع منه إخلال يلزم فيه فدية.
ووجب عليه بسببه دم، كان ذلك متعلقا به وبماله، دون مال المتوفى المذكور.
عاقده الوصي المذكور على ذلك كله معاقدة صحيحة شرعية بالاجرة المعينة لذلك في كتاب الوصية المذكور وهي كذا وكذا، أقبضها الوصي المذكور للمعاقد المذكور من مال المستأجر له الموصي المذكور.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
وصارت بيده وحوزه.
وعليه أن يأتي بمسطور يبرئه من ذلك.
وذلك بعد أن ثبت بمجلس الحكم العزيز الفلاني أن المؤجر نفسه المذكور حج عن نفسه الفريضة الواجبة عليه ثبوتا شرعيا.
ويؤرخ.
وصورة استئجار رجل لتعليم القرآن: استأجر فلان فلانا، المقرئ المجود الحافظ المتقن المحرر، ليقرئ ولده لصلبه فلانا الصبي المميز، أو العشاري، الذي أجاد الحفظ
من سورة: * (قل أعوذ برب الناس) * إلى آخر سورة الكهف مثلا.
تكملة كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، كلام رب العالمين، وهو من أول الفاتحة لسورة البقرة إلى آخر سورة سبحان - قراءة متقنة جيدة.
خالية من اللحن والتغيير والتحريف والتبديل، إجارة صحيحة شرعية في مدة سنة كاملة من تاريخه، بأجرة مبلغها عن ذلك كذا وكذا.
يقوم له بالاجرة المعينة أعلاه مقسطة عليه من تاريخه في اثني عشر قسطا متساوية، سلخ كل شهر يمضي من استقبال المدة المذكورة قسط واحد، أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وسلم المؤجر نفسه لذلك.
وشرع في تلقين الولد المذكور وإقرائه وتحفيظه.
ويؤرخ.
وصورة استئجار المرأة للحضانة والارضاع: استأجر فلان مطلقته فلانة لحضانة

ولده فلان، أو ابنته فلانة الصغيرة الرضيع، المقدر عمرها بكذا وكذا شهرا التي رزقها على فراشه قبل تاريخه من مطلقته المذكورة أعلاه، وإرضاعها بقية مدة الرضاع الشرعي، وهو كذا وكذا شهرا من تاريخه، على أن الحاضنة المذكورة تحفظ الصغيرة المذكورة، وتتعهدها بغسل وجهها ورأسها وبدنها وثيابها ودهنها وكحلها، وربطها في مهدها، وتحريكها لتنام، وإرضاعها من ثديها، والقيام بما تحتاج إليه، وملازمتها بالحضانة والارضاع في السكن الفلاني، قائمة بما يلزم الحاضنات من ملازمة محل الحضانة على الوجه الشرعي، إجارة صحيحة شرعية لازمة بأجرة مبلغها عن كل شهر يمضي من تاريخه كذا وكذا، يقوم المستأجر المذكور للمستأجرة المذكورة بأجرة كل شهر في غرته، أقر فلان بالملاءة والقدرة على ذلك.
وتعاقدا على ذلك معاقدة شرعية.
وسلمت المؤجرة المذكورة نفسها لذلك.
وتسلمت الصغيرة المذكورة لتحضنها وترضعها على الحكم المشروح أعلاه.
ويكمل.
وصورة استئجار شئ جار في إيجار الغير قبل فراغ مدة الاول - وهي صحيحة على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه -: استأجر فلان من فلان.
ما ذكر المؤجر المذكور
أنه له وبملكه وله إيجاره، وقبض أجرته بالطريق الشرعي.
وذلك جميع الشئ الفلاني - ويصفه ويحدده - ويقول: وهو جار الآن في إيجار فلان الفلاني مدة انقضاؤها سلخ سنة من تاريخه.
إجارة شرعية لازمة مدة سنة كاملة.
أولها: مستهل المحرم الحرام سنة كذا، بأجرة مبلغها كذا حسابا لكل شهر كذا، يقوم المستأجر المذكور بأجرة كل شهر في سلخه.
أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وذلك بعد الرؤية والمعرفة والمعاقدة الشرعية.
وعلى المؤجر المذكور تسليم المأجور المعين أعلاه إلى المستأجر المذكور في أول المدة المعينة أعلاه، ويكمل على نحو ما سبق، وإن رفعت هذه الاجارة إلى حاكم حنفي حكم بصحتها، أو إلى شافعي حكم ببطلانها، مع العلم بالخلاف.
وإن كانت الاجارة مدة مستأنفة تالية لمدة المستأجر.
كتب على نحو ما تقدم في الصورة التي تقدمت.
وفي التسليم يقول: والمأجور المعين أعلاه بيد المستأجر بحكم عقده السابق على هذا العقد بتصادقهما على ذلك.
وإن كان المؤجر قد أجر ما هو جار في عقد إيجاره.
فيحتاج - عند الامام أبي حنيفة - أن لا يكون المأجور حصة شائعة، وأن لا يؤجر المستأجر ما استأجره إلا بنظير ما استأجر به لا بزيادة.
فإن ذلك ممنوع عنده وعند أحمد.
جائز عند مالك والشافعي.
وإن أجره منفعة دار بمنفعة دار.
فجائز.
وكذلك إذا استأجر دارا من رجل له عليه دين.
فهما مخيران بين أن يستأجره منه بأجرة معينة ويقاصصه بنظيرها من دينه، وبين أن

يستأجر منه بالدين الذي في ذمته.
ويقول: بأجرة مبلغها كذا من دين المستأجر المستقر في ذمة المؤجر المذكور، ويقول في آخر كتاب الاجارة: برئت بذلك ذمة المستأجر من الاجرة المعينة أعلاه.
وذمة المؤجر من نظيرها من الدين البراءة الشرعية.
ضابط: كل ما جرى عليه عقد البيع في كتاب التبايع من الشروط يجري عليه عقد الاجارة.
ويوصف في كتاب الاجارة بلفظ الاجارة وفي كتاب التبايع بلفظ التبايع ولا
يخفى ذلك على الحذاق الممارسين لهذه الصناعة ووقائعها.
انتهى.
وصورة إجارة الارض البناء والغراس: استأجر فلان من فلان جميع القطعة الارض الكشف أو البياض، أو الخالية من الجدر والسقوف، الكائنة بالمكان الفلاني - ويحددها.
ويذكر ذرعها إن أمكن الذرع - إجارة شرعية لازمة للبناء والعمارة والتعلية، وحفر الاساسات والشرب والغراس المختلف الانواع والثمار، وحفر الآبار والقنوات والمجاري والمصارف، والمنازف، وسوق الماء إليها.
والزراعة بأرضها ما شاء من الزرع، مما له ساق وما ليس له ساق، من الصيفي والشتوي.
والانتفاع بالمأجور المعين أعلاه كيف شاء المستأجر بالمعروف مدة ثلاثين سنة، أو أكثر أو أقل متواليات الشهور والايام والاعوام من تاريخه بأجرة مبلغها عن المدة المعينة أعلاه كذا وكذا دفع المستأجر المذكور إلى المؤجر المذكور جميع الاجرة المعينة أعلاه.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
وسلم إليه المأجور المحدود المذكور بأعاليه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا، بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية، ويكمل.
وإن كان المأجور وقفا والمؤجر ناظرا فيه.
فيقول: أجره ما هو وقف صحيح شرعي، جار تحت نظر المؤجر المذكور، وهو وقف عليه، وعلى من يشركه فيه بمقتضى كتاب الوقف المحضر من يده لشهوده، الذي من مضمونه: أن فلانا الواقف لذلك، جعل النظر فيه للارشد فالارشد من أهل الوقف، ولم يشرط في إيجاره مدة معينة، ويجري الكلام في الاجارة إلى آخره.
وإن حضر إخوة المؤجر وصدقوا على ذلك.
كتب تصديقهم على ذلك التصديق الشرعي في ذيل الاجارة.
ويؤرخ.
وإن كانت الاجارة واردة على حفر بئر.
فيذكر طولها، واتساعها ومدورة أو مربعة.
وإن كانت دولابا فكذلك.
وإن كانت قناة تحت الارض.
فيذكر ذرعها من أول الحفر إلى آخر المكان
المحفور بالذراع المقصود، واتساع القناة وارتفاعها.
وحفر آبار العيون.
النازلة عليها.

وإن كانت واردة على رجل للخياطة أو للبناء، فهي واردة على الذمة.
فلا يحتاج فيها إلى تعيين القميص أو العمارة.
وإن كانت واردة على العين.
فيعين القميص للخياطة، والعمارة للبناء، من الطول والعرض والارتفاع، وما يبنى به من الآلات.
وكذلك إذا استأجر رجلا ليرعى له الغنم، أو غيرها.
فهو إما أن يستأجر عينه ليرعى له أغنامه.
فلا يذكر عدتها.
وإما أن يستأجره ليرعى له أغناما معلومة فيذكر عدتها.
ويذكر في كل واقعة بحسبها، مراعيا في ذلك الذمة والعين.
وإن كانت إجارة حائط لوضع الجذوع.
فيجري القول فيها على نحو ما تقدم في وضع الجذوع في كتاب العارية، لكن هذه بلفظ الاجارة.
ويذكر فيها المدة والاجرة.
وإن كانت إجارة عقود.
فيقول: إجارة صحيحة شرعية، لازمة للبناء والعمارة، والانتفاع بالمأجور المعين كيف شاء المستأجر المذكور المعروف، مدة ثمانية وأربعين سنة كاملات متواليات.
أولاهن: يوم تاريخه، بأجرة مبلغها كذا.
دفع المستأجر إلى المؤجر المذكور جميع الاجرة المعينة أعلاه.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
ويكمل.
ثم يقول: ووجب للمستأجر المذكور الانتفاع بالمأجور المعين أعلاه المدة المعينة أعلاه وجوبا شرعيا، وجرى عقد هذه الاجارة على المأجور المعين أعلاه في ستة عشر عقدا منها، متتابعة المدد متفرقة المجالس، كل عقد منها ثلاث سنين لكل عقد منها أجرة تخصه، ولفظ يشمله، فأول مدة العقد الاول: أول المدة المعينة أعلاه.
وأول كل عقد من بقية العقود: ما أعقبه مدة العقد الذي قبله.
وآخر مدة العقد الآخر: آخر المدة المعينة أعلاه.
وصورة الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه
وحده: استأجر فلان وفلان وفلان الاخوة الاشقاء أولاد فلان، فلانا لاستيفاء القصاص من من فلان، قاتل والد المستأجرين المذكورين أعلاه، الثابت عليه قتله عمدا.
وأنه ضربه ضربة بمثقل فمات منها.
كل ذلك بالبينة الشرعية، أو باعترافه بذلك بمجلس الحكم العزيز الفلاني الثبوت الشرعي بعد الدعوى عليه.
وطلب استيفائه بالسيف، إجارة صحيحة شرعية.
فإن كتب هذه الاجارة على مذهب مالك، فتكون الاجرة عنده على الموكل، أو المستأجر.
فيقول: بأجرة مبلغها كذا دفعها المستأجرون المذكورون أعلاه إلى المستأجر المذكور.
فقبضها منهم قبضا شرعيا.
ويكمل.

وإن كتب على مذهب الشافعي وأحمد، فتكون الاجرة عندهما على المقتص منه.
وكذلك الاجارة في استيفاء القصاص فيما دون النفس، فإنها جائزة إجماعا والخلاف باق في الاجرة على حاله.
وإن كانت إجارة حجام، فجائز عندهم، مباحة للحر.
خلافا لاحمد.
فإن الاجرة حرام عنده في حق الحر.
وصورتها: استأجر فلان فلانا ليحجمه بالمشرط، أو الملازم، في نقرته وساقيه، إجارة شرعية بمبلغ كذا، دفع ذلك إليه.
فقبضه منه قبضا شرعيا.
ويكمل.
وصورة استئجار الخادم بالطعام والكسوة: أجر فلان نفسه من فلان على أن يقوم بخدمته في شراء ما يحتاج إليه من المطعومات بالاسواق من اللحوم والالبان وغير ذلك.
وأن يقوم بخدمة دابته أو بغلته مثلا وعلفها وسقيها، وربط الدابة وحلها، وشد السرج والاكاف عليها وحله، وإلباسها اللجام ورفعه، والمشي معه حيث توجه.
وتقديم الدابة له عند الركوب ومسكها عند النزول، وحفظها من حين النزول إلى أن يركب في كل يوم وليلة على الدوام والاستمرار، سفرا وحضرا، خلا أوقات الصلوات، إجارة صحيحة
شرعية.
جائزة مدة كذا من تاريخه بأجرة له عن ذلك، من الكسوة قميص ولباس وقبع وعمامة من القطن الخشن، وجبة من القطن المضروب، أو بشت من الصوف المخطط، أو جوخة من الجوخ الملون المخيوط، القيمة لذلك كله كذا وكذا درهما.
ومن الطعام ما يكفي مثله في العادة.
فالكسوة مؤجلة، تحل عند فراغ المدة وانقضائها.
والنفقة كل يوم فيه، وأقر المستأجر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأقر المؤجر نفسه بالقدرة على العمل وسلم نفسه لذلك، وشرع فيه من يوم تاريخه.
ويكمل.
وصورة استئجار كتب العلم للمطالعة والنظر والاستفادة والنسخ منها إلى غير ذلك مما يقصد بها: استأجر فلان من فلان، فأجره ما ذكر أنه له وملكه وبيده وتحت تصرفه إلى حين صدور هذه الاجارة.
وذلك جميع الكتب المجلدات النفيسات الحسنة الخط، المتقنات الجلد، المشتملة على شرح كذا.
وعدته كذا وكذا جزءا، وشرح كذا وعدته كذا وكذا جزءا - ويعدد الكتب إن كانت متونا، أو شروحا بأسمائها وأسماء مؤلفيها وعدة أجزائها - ثم يقول: إجارة صحيحة شرعية لازمة جائزة، ليطالع المستأجر المذكور، ومن أراد من الفقهاء وطلبة العلم الشريف في الكتب المذكورة كيف شاء ليلا ونهارا.
وينظر فيها ويستنسخ منها ما أراد، وينتفع بها انتفاع مثله بمثلها بأجرة مبلغها عن ذلك كذا وكذا، يقوم له بذلك مقسطا عليه في كل يوم كذا، أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وسلم

إليه الكتب المذكورة، فتسلمها منه تسلما شرعيا.
وهذه الاجارة جرت العادة في كتابتها من غير تعيين مدة، بل يذكر الاجرة ويقسطها كل يوم بقسطه.
وعندي أن ضبطها بمدة معلومة أولى وأحوط.
وتسقط الاجرة كل يوم بيومه.
وصورة استئجار الحلي الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة: استأجر فلان من فلان.
فأجره ما ذكر: أنه له وملكه وبيده، وتحت تصرفه إلى حالة هذه الاجارة وذلك جميع
الشبارة الذهب المصري الهزيمة، المزركش على خرقة بندقي، التي زنتها بما فيها من الخرقة كذا وكذا مثقالا.
وجميع العصابة الزركش المشتملة على قطع ذهب صياغ عدتها كذا وكذا قطعة.
وعلى فصوص - ويذكر وصفها وعدتها.
ووصف ما فيها من اللؤلؤ الكبار والصغار، وزنة ذلك كله.
وجميع القلادة الذهب، ويصفها، ويذكر وزنها، وجميع الاساور الذهب العريض والمفتول ويصفه.
ووزنه بالمثاقيل، وكذلك يفعل في كل ما يقع عليه عقد الاجارة من أنواع الحلي، ويصفه وصفا تاما يخرجه عن الجهالة ويضبطه بالوزن - ثم يقول: إجارة شرعية لازمة مدة كذا وكذا من تاريخه، لاستعمال ذلك استعمال مثله.
والتزين والتجمل به لزوجة المستأجر المذكور.
ومن أراد ليلا ونهارا، بأجرة كذا وكذا.
ويكمل.
وصورة إجارة الارض بثلث ما يخرج منها: استأجر فلان من فلان، فأجره جميع القطعة الارض الكشف البياض المعدة للزرع التي بالمكان الفلاني - ويحددها - إجارة شرعية جائزة بأجرة مبلغها الثلث، مما تخرج الارض المذكورة من المغل.
فإذا صارت ذلك حبا صافيا استحق الثلث منه أجرة له عن تلك الارض المذكورة.
أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأنه تسلم المأجور المعين تسلما شرعيا بعد الرؤية والمعاقدة الشرعية.
ويكمل.
وصورة إجارة الرجل زوجته لارضاع ولده منها: استأجر فلان زوجته فلانة المستقرة في عصمته وعقد نكاحه يومئذ، لترضع ولده لصلبه منها الذي عمره يومئذ ثلاثة أشهر بقية أمد الرضاع الشرعي، بأجرة مبلغها لكل شهر يمضي من تاريخه كذا وكذا، يقوم لها بأجرة كل شهر في سلخه.
أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
ويكمل.
وصورة إيجار الرجل داره مسجدا: استأجر فلان من فلان، فأجره ما هو له، وملكه وبيده وتحت تصرفه إلى حين صدور هذه الاجارة.
وذلك جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك كله - إلى آخره - إجارة صحيحة شرعية لازمة،

لاتخاذها مصلى له وللمسلمين، تقام بها الصلوات الخمس في أوقاتها، ويؤذن بها أوقات التأذين للصلوات، ولقراءة القرآن بها، والاعتكاف والتهجد وصلاة التراويح في شهر رمضان، وصلوات التطوع والسنن الراتبة، مدة ثلاثين سنة كاملات متواليات من تاريخه، بأجرة مبلغها كذا، حسابا لكل شهر كذا، يقوم له بأجرة كل شهر في سلخه.
أقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وسلم المؤجر إلى المستأجر المذكور جميع المأجور المعين أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا بعد الرؤية والمعاقدة الشرعية.
ويكمل.
وصورة استئجار أرض ممر ماء من مقسم إلى مقسم آخر، أو إلى دار المستأجر: استأجر فلان من فلان جميع القطعة الارض المستطيلة التي طولها خمسمائة ذراع مثلا بالذراع التجاري، وعرضها ذراع واحد بالذراع المذكور.
وجميع السدس الشائع من جميع القطعة الارض الحاملة لابنية المقسم المشتملة على جرن أسود مربع به ستة فروض.
أحدها: فرض سدس جميع المال الواصل إلى المذكور الآخذ إلى دار المستأجر المذكور، وجميع السدس الشائع من جميع المقسم المذكور ليسوق المستأجر المذكور بالارض المذكورة الماء في كيزان يدفنها في الارض المذكورة، متقنة البناء باللافونية والقطن والزيت والكلس والطين الاحمر والآجر من المقسم المذكور إلى داره الفلانية - ويحددها - ويجري بالكيزان المذكورة حقه من ماء المقسم المذكور.
وهو سدسه، بحق ذلك من حقوق ما ذكر أعلاه إلى داره المذكورة، إجارة شرعية لازمة مدة ثلاثين سنة مثلا، كاملات متواليات من تاريخه، بأجرة مبلغها كذا.
ويكمل بقبض الاجرة والتسلم والتسليم والرؤية والمعاقدة والتاريخ.
وصورة إجارة حصة من حوض ماء موقوف: استأجر فلان من فلان الناظر في أمر الوقف الآتي ذكره فيه.
فأجره جميع ما سيأتي ذكره فيه بحكم ولايته عليه شرعا، لوجود المصلحة لجهة الوقف الجاري تحت نظره، ولكون الاجرة الآتي تعيينها فيه: أجرة المثل
للمأجور الآتي ذكره يومئذ، وذلك جميع الحصة التي قدرها كذا وكذا سهما من أصل كذا وكذا سهما، وهي مبلغ سهام الحوض الوقف على الجهة الفلانية المبني بالحجارة والكلس، المشتمل على جرن حجر أسود، يجري إليه الماء من دائرة مفتحة في كتب قناة كذا، بحق واجب مستمر دائم، ينزل الماء إليه في قساطل وطوالع ونوازل بحق واجب إلى أن ينتهي إلى المقسم المذكور، ثم ينقسم به على كذا وكذا إصبع، بحق ذلك كله وحقوقه، وما يعرف به، وينسب إليه شرعا، وبحقه من ماء الحوض المذكور.
وهو كذا وكذا إصبع، إجارة صحيحة شرعية لازمة، مدة ثلاثين سنة مثلا، كاملات متواليات من

تاريخه بأجرة مبلغها كذا حالة، أو مقبوضة أو مقسطة أو مؤجلة، ثم يكمل بالتسليم والتسلم والرؤية والمعاقدة الشرعية والتاريخ.
وصورة إجارة أرض من ناظر وقف.
وفي الارض غراس ونصوب ملك المستأجر.
والاجرة حصة من الغراس: استأجر فلان من فلان، وهو الناظر الشرعي، في الوقف الآتي ذكره.
فأجره لما رأى في ذلك من الحظ والمصلحة لجهة الوقف الجاري تحت نظره، ولكون الاجرة الآتي ذكرها فيه أجرة المثل للمأجور يومئذ.
وذلك جميع أراضي البستان الفلاني الجارية أجوره ومنافعه على مصالح المدرسة الفلانية، المنسوب إيقافها إلى فلان الفلاني، المشتملة أراضي البستان المذكور.
على غراس ونصوب عدتها كذا وكذا شجرة، مختصة بملك المستأجر المذكور.
وهي غراسه وإنشاؤه من ماله وصلب حاله، غرسها بإذن شرعي سائغ، ممن له ولاية الاذن شرعا في تاريخ متقدم على تاريخ الغرس المذكور - ويحدد البستان - ثم يقول: إجارة صحيحة شرعية، لازمة لابقاء الغراس والنصوب المختصة بملك المستأجر المذكور المعينة أعلاه، وللبناء والعمارة وزرع الغلات الصيفية والشتوية، والانتفاع بالمأجور كيف شاء المستأجر المذكور بالمعروف، مدة ثلاثين سنة مثلا، كاملات متواليات، من تاريخه بأجرة هي جميع الحصة
الشائعة، وقدرها الربع من جميع الغراس والنصوب المختصة بملك المستأجر المذكور المعينة أعلاه.
سلم المستأجر المذكور إلى المؤجر المذكور المشار إليه جميع الربع من الاشجار المذكورة.
فتسلمها لجهة الوقف المعين أعلاه تسلما شرعيا، بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية.
واستقرت أراضي البستان المذكور في إيجار المستأجر المذكور استقرارا شرعيا.
ووجب له الانتفاع بها المدة المعينة أعلاه وجوبا شرعيا، واستقر الربع الشائع من الاشجار المذكورة بيد الناظر المؤجر المذكور استقرارا شرعيا.
ثم بعد تمام ذلك ولزومه شرعا: وقف الناظر المؤجر المذكور، وحبس وسبل وحرم وأبد وخلد جميع الربع الشائع من الاشجار المذكورة على مصالح المدرسة المشار إليها أعلاه، وقفا صحيحا شرعيا متبعا في ذلك شروط واقف المدرسة المذكورة المنصوص عليها في كتاب وقفها، المستقر تحت يد الناظر المشار إليه.
ثم ساقى الناظر المؤجر المذكور المستأجر المذكور على الربع الشائع من الاشجار المذكورة، الصائرة إلى الوقف المذكور، القائم ذلك بأراضي البستان المذكور، المستقر في إيجار المستأجر المذكور ويومئذ وبيده.
على أن يعمل في ذلك حق العمل المعتاد في مثله شرعا.
ويكسح أشجاره، وينقي ثماره، ويتعاهده بالسقي على العادة.
ومهما رزق الله تعالى في ذلك من ثمرة كان مقسوما على أربعة أسهم، للمستأجر العامل من ذلك سهم واحد، وهو الربع.
وثلاثة أسهم.
وهي النصف والربع لجهة الوقف المشار إليه، مساقاة صحيحة شرعية، جائزة لازمة، مدتها

نظير المدة المعينة أعلاه، وأولها يوم تاريخه.
رضيا بها واتفقا عليها، وقبلاها قبولا شرعيا.
ويستشهد بأن أراضي البستان المذكور وقف محرم، وحبس مخلد، جارية أجوره ومنافعه على المدرسة المذكورة.
وأن الربع الشائع من الاشجار المذكورة أجرة المثل عن المأجور، وزياة حالة الاجارة من سيعين ذلك في رسم شهادته آخره، ثم تصادق المؤاجران المذكوران أعلاه على أن أجرة المثل عن الربع من الارض الجارية في إيجار
المستأجر المذكور للمدة المعينة أعلاه: ما مبلغه كذا وكذا.
وأبرأ الناظر المستأجر المذكور من ذلك البراءة الشرعية.
ويكمل.
تنبيه: الدار المؤجرة إذا كانت مشغولة حالة الاستئجار فسدت الاجارة.
وترك ذكر الملك فيها أولى، لما فيه من بطلان الدرك والرجوع به عند الاستحقاق.
وذكر اليد جائز، لخلوه عن معنى الاقرار بالملك، ولا يخفى البداءة بتسليم الاجرة على قبض المأجور، احترازا من قول مالك.
وقد سبق بيانه في البيوع.
انتهى.
وصورة إجارة طاحون: استأجر فلان من فلان جميع بيت الارحاء، الراكبة على النهر الفلاني، المجاورة للارض الفلانية، المبينة بأرض القرية الفلانية المشتملة على ثلاثة أحجار، أو أربعة أحجار، أو أقل أو أكثر، الدائرة يومئذ - أو بعضها ينوب عن بعض - والدار والاصطبل.
وإن كانت طاحونة فارسي، فيصف عدتها، وهي حجر نجدي، وقاعدة عدسي، وفأس وعمود وحلقة وسرير وقائم وجذع وجرن ومصطلح وتابوت، والدار والاسطبل.
والعلو وما فيه من الطباق والحقوق - ويصف ذلك وصفا تاما ويحدده - ثم يقول: بجميع حدودها وحقوقها وطرقها ورسومها، وعلوها وسفلها وأحجارها وآلاتها، وحدايدها وأخشابها وأبوابها، وما هو من حقوقها الداخلة فيها، والخارجة عنها، المعروفة بها، والمنسوبة إليها.
المعلوم ذلك عند المتاجرين المذكورين أعلاه العلم الشرعي النافي للجهالة.
إجارة صحيحة شرعية لازمة لمدة كذا بأجرة مبلغها كذا.
ويكمل بقبض الاجرة أو تأجيلها، والمعاقدة والتسلم والتسليم وغير ذلك على العادة.
ويؤرخ.
وصورة استئجار حمام: استأجر فلان من فلان جميع الحمام الدائرة يومئذ ببلد كذا المعروفة بكذا، المعدة لدخول الرجال والنساء، أو لاحدهما - وتوصف وتحدد - ثم يقول: بجميع حقوقها كلها وحدودها ومنافعها ومرافقها وبيت وقودها ومجاري مياهها، ومسلخها وأجرائها، ومقاصيرها ومقاطيعها، ودواليبها وخزائنها وأبوابها وأعتابها وأخشابها، وكل حق قليل وكثير هو لها، ومعروف بها، ومنسوب إليها شرعا، إجارة
صحيحة شرعية لازمة بمدة كذا بأجرة مبلغها كذا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وجرت العادة: أن أجرة شهر رمضان في الحمامات مطلقة للمستأجر لا تؤخذ منه.

فمنهم من يكتب على الحاشية: وللحمامي أن ينتفع بالحمام المذكور بغير أجرة لشهر رمضان في كل سنة من سني هذه المدة.
والاحسن في هذه الواقعة: أن تحسب الاجرة المذكورة على شهور المدة.
مثاله: أن تكون الاجرة ستمائة درهم حسابا لكل شهر خمسين.
فإذا أسقطت خمسين عن شهر رمضان، تصير الاجرة خمسمائة وخمسين، تقسط على شهور السنة.
فيصير لكل شهر خمسة وأربعين درهما ونصف وثلث درهم، فيمتنع بذلك الرجوع، وتستمر الاجرة مقبوضة في رمضان وغيره، خصوصا إن كانت الحمام وقفا، أو المحدور عليه.
فلا يجوز الاسقاط.
ويجري الحال على هذا القياس في أجرة كل سنة، قليلة كانت أو كثيرة.
انتهى.
وصورة استئجار أرض من وكيل بيت المال، أو جدار أو سطح للبناء، أو غيره: استأجر فلان من القاضي وكيل بيت المال المعمور بالبلد الفلاني جميع القطعة الارض الكشف، الكائنة بالمكان الفلاني، الجارية في أملاك بيت المال المعمور - ويصفها ويذرعها ويحددها، وإن كان المأجور جدارا وصفه وذرعه وحدده.
وكمل الاجارة بشروطها وألفاظها على نحو ما تقدم في المبايعة - ثم يقول بعد تمام عقد الاجارة: السائغ شرعا والسبب في هذه الاجارة: أن المستأجر المذكور رفع قصة مضمونها كذا وكذا - ويشرحها كما يشرح في المبايعة - وبعد أن صار كل واحد من فلان وفلان أرباب الخبرة والمهندسين العارفين بالعقارات وقيمتها، والاملاك وتثمينها، المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني إلى حيث القطعة الارض المؤجرة المحدودة المذروعة الموصوفة بأعاليه.
وشملوها بالنظر.
وأحاطوا بها علما وخبرة نافية للجهالة.
وقالوا: إن
الاجرة لمن يرغب في استئجارها لينتفع بها كيف شاء، ويبني عليها ما أحب بناؤه ويعلي ما أراد تعليته، ويحفر فيها الآبار، ويسقي السرب والاساسات، ويخرج الرواشن ويشرع الجناحات.
وغير ذلك: لمدة كذا ما مبلغه كذا.
وأن ذلك أجرة المثل يومئذ عن المأجور المحدود الموصوف بأعاليه، لا حيف في ذلك ولا شطط، ولا غبينة ولا فرط.
وأن في إيجار ذلك بالاجرة المعينة الحظ والمصلحة.
وثبت ذلك لدى سيدنا الحاكم المشار إليه.
وأن القطعة الارض المذكورة جارية في ديوان المواريث الحشرية بمدينة كذا، وأن المؤجر المشار إليه له ولاية إيجار ذلك بأحكام الوكالة المفوضة إليه من مولانا المقام الشريف السلطاني الملكي الفلاني، الثابتة وكالته لديه الثبوت الشرعي.
وإن شاء كتب بعد تمام الاجارة وذلك بعد أن يتجر المستأجر المذكور مشروحا، يتضمن الاشهاد على فلان وفلان المهندسين، أرباب الخبرة بالعقارات وقيمتها ببلد كذا:

أنهم صاروا إلى المأجور الموصوف المذروع المحدود بأعاليه.
وذكروا من الذرع والتحديد ما وافق أعلاه.
وأن الاجرة المعينة أعلاه أجرة المثل وقيمة العدل.
وأحضر المستأجر المذكور من يده وصولا من بيت المال المعمور شاهدا بصورة الحال، نسخته كذا وكذا - ويشرحه - فلما تكامل ذلك وقع الاشهاد على القاضي فلان الدين المؤجر المشار إليه، وعلى المستأجر المذكور، بما نسب إلى كل منهما أعلاه.
ويؤرخ.
وإن كان المأجور سطحا أو جدارا قال: ليبني عليه ما أحب وأراد بالطوب والطين والجير وآلات العمارة، ما زنته كذا وكذا قنطارا بالقنطار الفلاني.
وإن كانت الارض كشفا.
واستأجرها ليبني عليها.
فلا حاجة لذكر الوزن.
وصورة إجارة الفرن: استأجر فلان من فلان جميع الفرن الكائن بالموضع الفلاني بالحارة الفلانية بالزقاق الفلاني، النافذ أو الغير نافذ، المشتمل على بيت نار مبلط، يعلوه قبة.
وتحاذيه زلاقة لملقى الوقود، وبيت العجين ومطرح النار والرماد - ويصفه ويحدده -
ويقول: بجميع حقوقه كلها بأجرة مبلغها كذا وكذا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة استئجار موضع بعض النهار بأجرة حالة مقبوضة، أو حالة أبرأه المؤجر منها: استأجر فلان من فلان جميع الحانوت الفلاني، الجاري في يده وملكه وتصرفه - ويوصف ويحدد - مدة سنة كاملة من تاريخه، لينتفع بذلك في السكن والاسكان لطول المدة المعينة أعلاه من أول النهار إلى وقت العصر، خلا بقية النهار الليل.
وأن منفعة ذلك باقية في يد المؤجر وتصرفه، ينتفع بها كيف شاء بأجرة مبلغها كذا وكذا حالة قبضها المؤجر من المستأجر، أو حالة أبرأه المؤجر منها براءة شرعية، براءة عفو وإسقاط.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
وسلم إليه المؤجر المذكور.
فتسلمه منه بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية.
ويؤرخ.
تنبيه: هذه الاجارة فيها نظر، لعدم التمكن من الانتفاع المتصل.
قال النووي رحمه الله تعالى: وإيجار الدار والحانوت شهرا على أن ينتفع بها الايام دون الليالي، باطل بخلاف مثله في البهيمة والعبد.
فإنه يجوز.
انتهى كلامه.
وصورة استئجار دار بدار: استأجر فلان من فلان جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها - الجارية في يد المؤجر المذكور وملكه مدة كذا من تاريخه بجميع الدار الفلانية الجارية في يد المستأجر المذكور وملكه - وتوصف وتحدد - إجارة صحيحة شرعية، لينتفع بذلك الانتفاع الشرعي على الوجه الشرعي.
وتعاقدا على ذلك معاقدة صحيحة شرعية، مشتملة على الايجاب والقبول.
وتسلم كل منهما من الآخر ما وجب له

تسلمه شرعا.
وصار بيده، بعد النظر والمعرفة والاحاطة بذلك علما وخبرة نافية للجهالة.
ويؤرخ.
تنبيه: قال في الروضة: ويجوز أن تكون الاجرة منفعة، سواء اتفق الجنس كما إذا أجر دارا بمنفعة داره، أو اختلف.
بأن أجره دارا بمنفعة عبد، ولا ربا في المنافع أصلا،
حتى لو أجر دارا بمنفعة دارين، أو أجر حلي ذهب بذهب جاز.
وصورة إجارة مركب: استأجر فلان من فلان جميع المركب المورقي، أو الباطوسي، أو غير ذلك - من أوصاف المراكب المتقدمة في البيوع ويذكر طولها ومحملها، وما يشتمل عليه من عدتها بجميع حقومها كلها - لينتفع بها في حمل الغلات والركاب، وما يحمل على ظهور المراكب من الاحطاب والاغنام والابقار، وغير ذلك في بحر النيل المبارك، مقلعا، ومنحدرا، لمدة كذا بأجرة مبلغها كذا، مقبوضة أو مقسطة، وتسلم المستأجر ما استأجره، ووجب له الانتفاع به أسوة أمثاله وسق السلامة.
وذلك بعد النظر والمعرفة والرضى والمعاقدة الشرعية المشتملة على الايجاب والقبول، والتفرق عن تراض.
وإن كان الاتفاق على حمل شئ معين من مكان معين إلى مكان معين دفعة واحدة، صدر بقوله: عاقد فلان فلانا على أن يحمل له على ظهر مركبه الفلاني من الغلال كذا وكذا، من البلد الفلاني إلى البلد الفلاني بما مبلغه كذا.
معاقدة شرعية، ويكمل بقوله: وعلى المعاقد المذكور تسفير المركب المذكور بما سيصل إليه من الغلات المعاقد عليها من البلد المذكور إلى البلد المذكور بنفسه ورجاله، مع سلامة الله تعالى وعونه.
وله المؤونة على العادة.
ويكمل.
وقد تقدم معنى ذلك في الصور السابقة.
والله أعلم.
وصورة استئجار صبي دون البلوغ من أبيه، أو ممن له عليه ولاية شرعية: استأجر فلان من فلان ولده لصلبه فلانا، الذي هو غير بالغ، المستمر يومئذ تحت حجر أبيه المذكور وولاية نظره، لما رأى فيه من المصلحة ليعمل عنده في الصنعة الفلانية، أسوة أمثاله من الصناع في مثل ذلك مدة كذا، بأجرة مبلغها كذا، مقبوضة أو حالة مقسطة.
وتسلم المستأجر المذكور الصبي المذكور، ليعمل معه في ذلك من أول النهار إلى آخره دون الليالي، خلا الايام التي جرت العادة فيها بالبطالة، وهي الجمعة من كل أسبوع
والعيدان، وخلا أوقات الصلوات.
وعليه العمل في تعليم الولد المذكور، واستعماله في ذلك بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته، والاجتهاد في تعليمه.
وذلك بعد اعترافهما بمعرفة مقدار عمل الصبي المذكور، المعرفة الشرعية.
ويكمل.

تنبيه: الاجارة الواردة على الذمة، لا يجوز فيها تأجيل الاجرة ولا الاستبدال عنها، ولا الحوالة بها، ولا الحوالة عليها، ولا الابراء، بل يجب التسليم في المجلس.
وصورة إجارة الرجل نفسه: أجر فلان نفسه لفلان على أن يعمل معه الفلاحة، أو البناء، أو النجارة، أو الخياطة، أو عملا بعينه مدة كذا، من صبيحة كل يوم من تاريخه وإلى آخره، لطول المدة المذكورة، خلا أوقات الصلوات والوضوء وقضاء الحاجة، وما لا غنى عنه شرعا، بأجرة مبلغها كذا مقسطة أو حالة مقبوضة.
وسلم نفسه إليه، وشرع في العمل المذكور لابتداء مدة الاجارة وإلى انتهائها، ملتزما في ذلك ما يلزم أمثاله من أهل العمل في مثل ذلك من الاجتهاد وبذل النصيحة لمستأجره في العمل المذكور.
تعاقدا على ذلك معاقدة شرعية مشتملة على الايجاب والقبول، ويكمل على نحو ما سبق.
والاولى: أن يورد الاجارة على الذمة في البناء والخياطة، وتعليم الخط والقراءة والحج، ويكتب: ألزم فلان ذمته أن يخيط لفلان كذا، أو يبني له كذا، أو يعلمه كذا، أو أن يحج عن فرض فلان المتوفى إلى رحمة الله تعالى حجة الاسلام وعمرته الواجبتين عليه من بلد كذا.
وإن شاء كتب في صورة الحج: عاقد فلان فلانا على أن يحج عن فلان المتوفى.
ويكمل على نحو ما تقدم في الاجارة.
لكن هذه بلفظ المعاقدة، ويقول فيها: فإن تعذر ولم يخرج في هذه السنة لقضاء هذه الحجة، أو حدث له حادث منعه عن قضائها على ما سمي فيه.
فعليه رد ما قبضه بسبب ذلك، والخروج منه لمستحق استرجاعه بالطريق
الشرعي.
ويكمل.
وصورة إجارة السيد عبده: استأجر فلان من فلان جميع الغلام الحبشي أو الزنجي أو غير ذلك، المسلم الدين البالغ أو المراهق، أو الرجل الكامل - ويصف ما في وجهه وبدنه من علامة - المدعو فلان على أن يخدمه ويتصرف في أشغاله في القضاء والاقتضاء، والبيع والشراء، والاخذ والعطاء، وغير ذلك مما ينضبط خدمة معلومة بينهما، أو برسم خدمة ولده فلان، وحمل ألواحه وأدواته ومصحفه من دار سكنه بالموضع الفلاني، في كل يوم من أيام هذه الاجارة، والتوجه به بكرة النهار إلى مكتبه بالمكان الفلاني وعوده معه من مكتبه إلى منزل مسكنه المذكور عشية النهار، مدة سنة كاملة من تاريخه بأجرة مبلغها كذا، مقسطة أو حالة مقبوضة.
وسلم فلان إلى فلان الغلام المذكور.
فتسلمه منه تسلما شرعيا.
ويكمل.

تنبيه: هذه الصورة لا تكتب مسانهة ولا مشاهرة، احترازا من قول الشافعي فإنه يفسدها.
وأهل العراق يجيزون ذلك.
ولا يكتب العبد بل يكتب الغلام احترازا من أن يكون حرا، فيبطل رجوعه على المؤجر بالدرك، لانه صدقه أنه عبده.
فيكون قد أبطل حقه بتصديقه السابق إن اشتراه منه.
وصورة ما إذا استأجر رجل رجلا لعمل معلوم، أو خدمة معلومة إلى وقت معلوم: أجر فلان نفسه لفلان، فاستأجره ليقوم في خدمته في البز للطي والنشر والشد والحل والحط، والرفع، والقضاء والاقتضاء، والبيع والشراء، والاخذ والعطاء وقبض الاثمان وأداء الرسائل، والقيام بالحوائج.
خدمة معروفة مفهومة معلومة بينهما العلم الشرعي النافي للجهالة، مدة سنة واحدة، من تاريخه باثني عشر دينارا ذهبا، أجرة كل شهر كذا.
وذلك بعد معرفتهما بالخدمة عند عقد الاجارة المذكورة على العرف القائم في مثلها المعرفة الشرعية.
وسلم نفسه إليه.
وشرع في العمل المذكور، وتعاقدا على ذلك معاقدة
شرعية مشتملة على الايجاب والقبول وتفرقا عن تراض.
ويكمل.
وصورة ما إذا استأجر رجل رجلا لينقل له ماء عذبا إلى منزله أو غيره: استأجر فلان فلانا على أن ينقل إليه على ظهور جمال يقيمها من ماله وصلب حاله من الماء العذب في بحر النيل المبارك إلى منزله بالموضع الفلاني، أو إلى صهريج التربة الفلانية، كذا وكذا راوية، زنة ما في كل راوية من الماء كذا وكذا رطلا في مدة كذا، أو في كل يوم كذا وكذا راوية، أو جملة واحدة في مدة كذا.
تعاقدا على ذلك تعاقدا شرعيا.
وإن شاء صدر هذه الصورة بقوله: عاقد فلان فلانا على كذا وكذا.
وإن شاء كتب: أقر فلان أنه قبض وتسلم من فلان كذا وكذا درهما.
وذلك ثمنا عن ماء سيحمله على ظهور جمال يقيمها من ماله وصلب حاله من الماء العذب.
ويكمل في كل صورة بحسبها.
والكل جائز.
تنبيه: اعلم أن هذه الاجارة مختلف فيها عند أصحاب الشافعي.
قال في الروضة، وفي بيع الماء على شط النهر، وبيع التراب في الصحراء، وبيع الحجارة في الشعاب الكثيرة الاحجار.
وجهان.
الاصح الجواز.
انتهى.
فعلى الصحيح بمجرد وضع يده على الماء ملكه، لكونه مباحا.
فيكون ما يعطيه في الحقيقة ثمن الماء.
وعلى الثاني: ما يعطيه أجرة الجمال.
وصورة ما إذا استأجر رجل رجلا ليحمل له بضاعة من موضع معلوم إلى موضع معلوم: عاقد فلان فلانا على حمله وحمل تجارته وقماشه - ويصف كل شئ بحسبه،

ويذكر الوزن - ثم يقول: من مدينة كذا إلى مدينة كذا على جماله التي بيده، وتحت تصرفه بما مبلغه كذا.
وإن شاء استأجره لحملها.
وكمل بدفع الاجرة والمعاقدة الشرعية قياسا على ما تقدم.
وإن شاء صدر بالقبض، وقال: وذلك أجرة ما سيحمله له من موضع كذا إلى موضع كذا.
وبعين وزنه.
وإن كان مما يكال ذكر كيله.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة ما إذا استأجر رجلا ليرعى له أغناما معلومة: أقر فلان أنه أجر نفسه لفلان ليرعى له أغناما عدتها كذا وكذا رأسا من الغنم الضأن البياض، أو المعز الشعري، المواشي الرواتب، أو اللواحق، الجارية في ملك فلان المستأجر المذكور - ويذكره - ويتولى سقيها وخدمتها وعلوفتها وحلبها، وتسريحها وترويحها، وحفظها وإيوائها، أسوة أمثاله من الاجراء في مثل ذلك بالموضع الفلاني في مدة أولها كذا وآخرها كذا، بأجرة مبلغها كذا حالة، دفعها المستأجر المذكور من ماله للمؤجر نفسه المذكور.
فقبضها منه قبضا شرعيا.
وسلم فلان المستأجر المذكور لفلان الآجر نفسه المذكور جميع الاغنام المذكورة بعدتها المذكورة.
فتسلمها منه تسلما شرعيا.
وصارت بيده بحكم هذه الاجارة الجارية بينهما على ذلك، المشتملة على الايجاب والقبول.
ويؤرخ.
وفي إجارة الاب والجد على ولدهما الصغير، وإجارة أمين الحكم أو منصوب الشرع الشريف، أو الوصي على محجوري الحكم العزيز.
وفي استئجارهم لهم: تقدم معناه في البيوع بلفظ البيع، وفي الاجارة: يكون بلفظ الايجار والاستئجار، ولا يخفى ذلك على الحذاق البارعين في هذا الفن، فعنهم أخذنا، ومنهم استفدنا.
فائدة: يكتب في حق القائم في الاجارة والبيع على المحجور: من فلان القائم في بيع ما سيأتي ذكره، وفي إيجارة ما سيأتي ذكره فيه على محجوره فلان، ولا يقول عن محجوره فلان، بخلاف القائم في ذلك بالوكالة عن موكل شرعي.
فإنه يقول فيه: من فلان القائم في بيع أو في إجارة ما سيأتي ذكره فيه بطريق الوكالة الشرعية عن فلان.
فصل: في الاقالة.
ولها عمد: وهي ذكر المستأجر، والمؤجر، وأسمائهما وأنسابهما: وذكر الاجارة.
وسؤال المستأجر للمؤجر أن يقيله عقد الاجارة، والاجابة إلى
ذلك، وإقراره بقبض نظير الاجرة.
وذكر التاريخ.

وصورة التقايل، ويكتب على ظهر الاجارة، تقايل المتاجران المذكوران باطنه: وهما فلان وفلان - أحكام الاجارة الصادرة بينهما في المأجور المعين باطنه، على الحكم المشروح باطنه.
تقايلا صحيحا شرعيا، مشتملا على الايجاب والقبول ودفع المؤجر إلى المستأجر المذكور نظير الاجرة المذكورة باطنه.
فقبض ذلك منه قبضا شرعيا، ورفع المستأجر المذكور يده عن الدار المذكورة باطنه، وسلمها إلى المؤجر المذكور باطنه، على صفتها الاول التي تسلمها منه عليها قبل تاريخه، فتسلمها منه تسلما شرعيا، وتفرقا عن تراض.
وإن شاء صدر بإقرارهما أنهما تقايلا، وإن شاء قال: ورجع كل منهما إلى عين ماله، وتسلم كل واحد منهما من الآخر ما وجب له تسلمه شرعا على صفته الاولى.
وتفرقا بعد تمام الاقالة عن تراض.
ويؤرخ.
وصورة حجة بمداواة عين - وهي قريبة من معنى الاجارة - حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان المتطبب، أو الكحال.
وسأل فلانا ورغب إليه في مداواة عينه اليمنى أو اليسرى، أو هما جميعا مما بهما من المرض الفلاني، أو الماء النازل بهما، وقدحهما، وعمل مصلحتهما في واجب الصنعة على ما يؤديه إليه اجتهاده، وتقتضيه صنعته ومعرفته في مثل ذلك، طالبا من الله تعالى المعونة والهداية إلى طريق الاستقامة على النهج القويم المؤدي إلى برء المذكور وشفائه من مرضه.
فإن عوفي كان بفضل الله تعالى ومنته، وإن جاء الامر - والعياذ بالله - بخلاف ذلك، كان بقضاء الله وقدره.
وكان فلان الكحال المذكور بريئا من ذلك، ومن تبعته.
فأجابه إلى ذلك، وقبل منه عقد هذه المداواة على الشروط المذكورة والبراءة من الضمان والعلقة والتبعة مما يحدث بعد المعالجة من عدم البرء وغيره حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
وإن كانت المعالجة على مبلغ شرطه له عند زوال المرض وحصول البرء والشفاء.
فيقول - بعد قوله فإن عوفي كان بفضل الله ومنته - وكان عليه القيام له بما مبلغه كذا وكذا، قياما شرعيا من ماله وصلب حاله في نظير عمله في ذلك، حسبما ألزم ذمته له بذلك الالزام الشرعي.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويكمل ويؤرخ.
والله أعلم.

كتاب إحياء الموات وتملك المباحات، وما يتعلق بهما من الاحكام يجوز إحياء الموات ويملك بذلك.
لما روي أن النبي (ص) قال من أحيا أرضا ميتة، فهي له.
وليس لعرق ظالم حق وروي لعرق ظالم بإضافة العرق إلى الظالم.
فائدة: العرق: أربعة: الغراس، والبناء، والنهر، والبئر.
وروى سمرة أن النبي (ص) قال: من أحاط حائطا على أرض.
فهي له وأراد به في الموات.
وأجمع المسلمون على جواز إحياء الموات والتملك به.
والاحياء لا يفتقر إلى إذن الامام.
وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إحياء الموات إلا بإذن الامام.
فأبو حينفة حمل قوله (ص): من أحيا أرضا ميتة، فهي له على التصرف بالامامة العظمى.
لانه لا يجوز الاحياء إلا بإذن الامام.
وحمله الشافعي على التصرف بالفتيا.
لانه الغالب عليه.
وقال: يكفي في الاحياء إذن الرسول (ص).
وموضع الدليل في قوله (ص): من أحيا أرضا ميتة، فهي له ومن أحاط حائطا

على أرض، فهي له أنه لم يفرق بين أن يكون بإذن الامام أو بغير إذنه، ولانها عين مباحة.
فلم يفتقر في تملكها إلى إذن الامام، كالصيد والحشيش.
والبلاد على ضربين: بلاد إسلام، وبلاد شرك.
، فأما بلاد الاسلام: فعلى ضربين: عامر، وموات.
فأما العامر: فهو لمالكه.
ولا يجوز لاحد أن يتصرف في شئ منه إلا بإذن مالكه، لقوله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وقوله (ص): من أخذ شبرا من الارض بغير حقه طوقه الله إياه يوم القيامة إلى سبع أرضين فإن كان هذا العامر يجاوره مملوكا - كالدور والاراضي المتلاصقة - فإن ملك كل واحد منهما لا يتجاوز إلى غيره، إلا أن يكون له في ملك غيره رسم مسيل ماء أو طريق، فله ذلك.
ولكل واحد منهما أن يتصرف في ملكه بما شاء من وجوه التصرفات.
وإن كان فيه ضرر على جاره.
وإن كان العامر يجاور مواتا فلصاحب العامة من الموات الذي يجاور ملكه مالا يمكنه الانتفاع بالعامر إلا به، مثل الطريق، ومسيل الماء الذي يخرج من الدار.
وما تحتاج إليه الارض من مسايل الماء.
وإن كانت بئرا فله من الموات بقدر ما يحتاج إليه في نزع الماء منها.
وإن كانت للسقيا منها بالسواني: فقدر ما تحتاج إليه السانية في ذهابها ومجيئها.
وإن كانت دولابا: فقدر ما يدور فيه الثور.
وإن كانت للماشية: فقدر ما تعطن فيه الماشية.
وإن كانت مما يسقي باليد منها: فقدر ما يقف فيه المستقى.
ولا يقدر ذلك بشئ.
وأما الموات: فعلى ضربين: ضرب لم يجر عليه ملك لاحد قط.
فهذا يجوز إحياؤه بلا خلاف، كما قلنا في العامر.
وأما بلاد الشرك: فضربان: عامر، وموات.

فأما العامر، وما يحتاج إليه العامر من المرافق: فإنه ملك للكفار.
لقوله تعالى: * (وأورثكم أرضهم وديارهم) * فإضافتها إليهم تدل على أنهم ملكوها، ولا يجوز إحياؤها.
وإنما تملك بالقهر والغلبة.
وأما الموات: فإن كان قد جرى عليها ملك لمالك معروف: لم يجز إحياؤها كالعامر.
وإن لم يجر عليها ملك لاحد: جاز إحياؤها وتملكها.
لقوله (ص): من أحيا أرضا ميتة.
فهي له ولم يفرق.
فعلى هذا: إن أحيا مسلم مواتا في أرضهم، ثم ظهر المسلمون على أرضهم فملكوها كانت غنيمة، إلا ما أحياه المسلم.
وإن كانت مواتا قد جرى عليها أثر ملك لهم، ولا يعرف مالكها: فعلى قولين أحدها: يجوز إحياؤها، وتملك بالاحياء، لقوله (ص): عادي الارض لله ولرسوله، ثم هي لكم مني وأراد به الارض التي كانت ملكا لقوم عاد، ولانه لو وجد في بلاد الشرك، وكان من ضرب المشركين بملكه بالوجود.
وإن كان قد جرى عليه ملك مشرك.
فكذلك إذا أحيا مواتا جرى عليه ملك لمالك غير معروف من المشركين.
والثاني: لا يملك بالاحياء.
قال الشيخ أبو حامد: وهو المذهب.
لان الشافعي قال: والموات ما ليس عليه أثر عمارة.
ولانها إن كان جرى عليها الملك فلا تملك بالاحياء.
كما لو كان لها مالك معروف، ولانه يجوز أن يكون لكافر لم تبلغه الدعوة.
فلا يكون ماله مباحا.
ومن قال بهذا قال: معنى قوله (ص): عادي الارض لله ولرسوله أراد به الملك القديم.
فعبر عن الملك القديم بالعادي، لانه يقال: شئ عادي، أي قديم.
فإن أحيا المسلم مواتا في بلد صولح الكفار على الاقامة فيه لم يملك بذلك الموات.
لان الموات تابع للبلد.
فإذا لم يجز تملك البلد عليهم.
فكذلك ما تبعه.
فائدة: في قط خمس لغات.
إحداها: فتح القاف، مع تشديد الطاء المضمومة.
ثانيها: ضمها مع التشديد أيضا.
ثالثها: فتحها، مع تشديد الطاء المكسورة.
رابعها:

فتحها، مع التخفيف.
خامسها: فتحها، مع إسكان الطاء.
وهي لتأكيد نفي الماضي.
ولا يملك حريم المعمور بالاحياء.
والحريم: المواضع التي تدعو الحاجة إليها
لتمام الانتفاع.
فحريم القرية: مجتمع النادي، ومرتكض الخيل، ومناخ الابل، ومطرح الرماد ونحوها.
وحريم البئر المحفورة في الموات: المواضع الذي يقف فيه النازح.
والموضع الذي يوضع فيه الدواب، وتتردد فيه البهيمة.
ومصب الماء والحوض الذي يجتمع فيه الماء إلى أن يرسل.
وحريم الدار في الموات: مطرح الرماد والكناسات والثلج: والممر في صوب الباب.
وحريم آبار القناة: القدر الذي لو حفر فيه لنقص ماؤها، أو خيف منه الانهيار.
والدار المحفوفة بالدور، لا حريم لها.
فكل واحد يتصرف في ملكه على العادة.
فإن تعدى ضمن.
وأظهر الوجهين: لا يمنع من أن يتخذ داره المحفوفة بالدور والمساكن حماما أو إصطبلا، أو حانوتا للحدادين في صف البزازين.
ولكن إذا احتاط وأحكم الجدران.
ويجوز إحياء موات الحرم، ويمنع منه في أراضي عرفات.
والاحياء يختلف باختلاف القصد.
فإن أراد السكن اعتبر تحويط البقعة وتسقيف بعضها، وفي تغليق الباب خلاف.
وإن أراد زريبة للدواب، اعتبر التحويط دون التسقيف.
وفي تغليق الباب خلاف.
وإن كان يتخذ الموات مزرعة، فلا بد من جمع التراب حوله.
ومن تسوية الارض وترتيب مائها، وإن كانت لا تكتفي بماء السماء.
والاظهر: أنه لا يشترط الزراعة لحصول الملك في المزرعة.
وإن كان يتخذه بستانا، فلا بد من جمع التراب والتحويط، حيث جرت العادة به.
من تهيئة الماء والعرس.
ومن شرع في أعمال الاحياء ولم يتمها، أو أعلم على البقعة بنصب أحجار أو
غرس خشبات.
فهذا تحجير، وهو أحي به من غيره، ولكن الاصح: أنه ليس له أن يبيع هذا من غيره، وأنه لو أحياه غيره ملكه.
ولو طالت المدة على التحجير.
قال له السلطان: أحي أو اترك.
فإن استمهل أمهله مدة قريبة.

ومن أقطعه الامام مواتا صار أحق بإحيائه.
كالمتحجر.
ولا يقطع إلى من يقدر على الاحياء: ويعطى بقدر ما يقدر على إحيائه.
وعلى هذا: يجري مجرى المتحجر، بحيث إنه لا يمكن من التحجير على أكثر مما يقدر على إحيائه.
وأصح القولين: أن للامام أن يحمي بقعة من الموات لترعى فيها إبل الصدقة ونعم الجزية والخيل المقاتلة، ومواشي الذين يضعفون عن الابعاد والضوال.
ويجوز نقض حماه عند الحاجة.
ولا يحمي لخاصة نفسه.
والمنفعة الاصلية للشوارع: الاستطراق فيها.
ويجوز الجلوس بالشوارع للاستراحة والمعاملة ونحوهما، بشرط أن لا يضيق على المارة.
ولا حاجة فيه إلى إذن الامام.
وله تظليل موضع الجلوس ببارية وغيرها.
وإذا سبق اثنان إلى موضع.
فالتقديم برأي الامام في أحد الوجهين، وبالقرعة في أظهرهما.
وإذا جلس للمعاملة في موضع، ثم فارقه تاركا للحرفة، أو منتقلا إلى موضع آخر بطل حقه.
وإن فارقه على أن يعود، لم يبطل حقه إلا إذا طالت مدة الفرقة، بحيث ينقطع عنه معاملوه ويألفون غيره.
والجالس في موضع من المسجد ليفتي الناس، أو ليقرأ عليهم القرآن.
كالجالس في طرف من الشارع للمعاملة.
وإن جلس للصلاة لم يصر أحق به في سائر الصلوات.
وكان أحق به في تلك الصلاة.
حتى ولو غاب لحاجة على أن يعود إليه لم يبطل اختصاصه بالمفارقة على الاظهر.
وإن لم يترك إزاره هناك.
والسابق إلى موضع من الرباط المسبل لا يزعج، ولا يبطل حقه بالخروج منه لشراء الطعام.
وما أشبهه.
وكذا حكم الفقيه إذا نزل في المدرسة.
والصوفي في الخانقاه.
وأما المعادن الظاهرة - وهي التي تخرج بلا معالجة، كالنفط والكبريت والقار والمومياء.
وأحجار الرحا والبرمة، ونحو ذلك - لا يملك بالاحياء، ولا يثبت الاختصاص فيها بالتحجر، ولا يجوز إقطاعها.
وإذا ضاق موضع الاخذ منها.
فالسابق

أولى بأخذ قدر الحاجة.
ولو طلب الزيادة فالاصح أنه يزعج، وإذا انتهى إليه اثنان معا حكمت القرعة على الاظهر.
والمعادن الباطنة التي لا يظهر جوهرها إلا بالمعالجة - كالذهب والفضة والحديد والنحاس - لا يملك بالحفر والعمل في أصح القولين.
ولو أحيا مواتا فظهر فيه معدن باطن ملكه.
والمياه المباحة في الادوية والعيون في الجبال يستوي الناس في الاخذ منها.
وإن أراد قوم سقي أراضيهم منها، ولم تف بالكل فيسقي الاعلى فالاعلى، ويحبس كل واحد منهم الماء قدر ما يبلغ إلى الكعبين.
فإن كان في الارض انخفاض وارتفاع، فيرد كل واحد من الطرفين بالسقي.
والمأخوذ من هذه المياه في الاناء مملوك على الاصح.
ضابط: ذكر ابن الجوزي في المدهش: أن أقاليم الارض سبعة.
الاول منها: إقليم الهند.
والثاني: إقليم الحجاز.
والثالث: إقليم مصر.
والرابع: إقليم بابل.
والخامس: إقليم الروم والشام.
والسادس: بلاد الترك.
والسابع: بلاد الصين.
وأوسط الاقاليم بابل،
وهو أعمرها.
وفيه جزيرة العرب.
وفيه العراق الذي هو سرة الدنيا وبغداد في وسط هذا الاقليم.
فلاعتداله اعتدلت ألوان أهله.
فسلموا من شقرة الروم وسواد الحبش.
وغلظ الترك، وجفاء أهل الجبال، ودمامة أهل الصين.
وكلما اعتدلوا في الخلقة لطفوا في الفطنة.
قال أيضا في المدهش: قال علماء التواريخ: جميع ما علم في الارض من الجبال مائة وثمانية وتسعون جبلا: ومن أعجبها: جبل سرنديب.
وطوله مائتان ونيف وستون ميلا.
وفيه أثر قدم آدم عليه السلام، حين أهبط.
وعليه شئ شبيه البرق، لا يذهب شتاء ولا صيفا.
وحوله ياقوت.
وفي واديه الماس الذي يقطع الصخور، ويثقب اللؤلؤ.
وفيه العود والفلفل والقرنفل.
ودانة المسك ودابة الزباد، وجبل الروم الذي فيه المسد.
وطوله سبعمائة فرسخ، وينتهي إلى البحر المظلم.
وقال أيضا: قالوا: وفي الارض سبعمائة معدن، ولا ينعقد الملح إلا في السبخ.
ولا الجص إلا في الرمل والحصا.
والبحر الاعظم محيط بالدنيا.
والبحار كلها تستمد منه.
وذكر ابن الجوزي في كتابه تنوير الغبش، في فضل السودان والحبش قال: روى الاصمعي عن النمر بن هلال: أن الارض أربعة وعشرون ألف فرسخ، اثني عشر ألف

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7