كتاب : جواهر العقود و معين القضاة و الموقعين و الشهود
المؤلف : شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي

يضمن في أظهر الوجهين.
ولو سافر بها ضمن، إلا إذا وقع حريق أو غارة، وعجز عمن يدفعها إليه عن ما ذكرنا.
ووقوع الحريق والاغارة في البقعة، وإشراف الحرز على الخراب: أعذار.
وإذا وقع المودع في مرض الموت: فينبغي أن يرد الوديعة إلى المالك، أو وكيله، وإلا فيودعها عند الحاكم أو أمين، أو يوصي بها.
فإن لم يفعل ضمن، إلا إذا لم يجد الفرصة.
بأن مات فجأة، أو قتل غيلة.
ومنها: إذا نقل الوديعة من محلة إلى محلة، أو من دار إلى دار.
والمنقول منه أحرز: ضمن وإن تساويا، أو كان المنقول إليه أحرز: فلا ضمان.
ومنها: أنه لا يدفع في مهلكات الوديعة.
فلو أودعه دابة.
فترك علفها، ضمن إلا أن ينهاه عنه، فلا يضمن على الاصح.
ثم لا يلزمه العلف من ماله، بل يعلف بما دفع إليه المالك.
فإن لم يدفع إليه شيئا راجعه أو وكيله.
فإن لم يجدهما رفع الامر إلى الحاكم.
ولو بعثها مع من يسقيها لم يضمن على الاظهر.
وعلى المودع تعريض ثياب الصوف للريح، كيلا يفسدها الدود.
وكذا لبسها عند الحاجة.
ومنها: لو عدل عن الحفظ على الوجه المأمور به إلى غيره، وتلفت الوديعة بسبب الوجه المعدول إليه ضمن.
فلو قال: لا ترقد على الصندوق، فرقد وانكسر رأس الصندوق بثقله وتلف ما فيه ضمن.
وإن تلف بسبب آخر لم يضمن على ظاهر المذهب: وكذا لو قال: لا تقفل عليه، فأقفل.
ولو قال: اربط هذه الدراهم في كمك، فأمسكها في يده، فتلفت.
فالاصح: أنه يضمن إن ضاعت بنوم أو نسيان.
ولا يضمن إن أخذها غاصب.
ولو جعلها في جيبه بدلا عن الربط في الكم لم يضمن.
وبالعكس يضمن.
ولو سلم إليه الدراهم في السوق ولم يبين كيفية الحفظ، فربطها في الكم وأمسكها في اليد.
فقد بالغ في الحفظ.
وكذا لو جعلها في جيبه.
ولو أمسكها بيده ولم يربطها في الكم لم يضمن إن أخذها غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم، ولو أنه لما سلمها إليه في السوق قال: احفظها في البيت.
فينبغي أن يمضي إليه ويحرزها فيه، ولو أخر من غير عذر ضمن.

ومنها: إذا ضيع الوديعة، بأن جعلها في مضيعة، أو في غير حرز مثلها، أو سعى بها إلى من يضارر المالك، أو دل عليها السارق: ضمن.
ولو أكرهه الظالم حتى سلمها إليه.
فالظاهر: أن للمالك مطالبته بالضمان، ثم يرجع هو على الظالم.
ومنها: الانتفاع بالوديعة، كلبس الثوب، وركوب الدابة، خيانة مضمنة.
وكذا أخذ الثوب للبس، والدراهم للانفاق.
ولو نوى الاخذ ولم يأخذ لم يضمن على الاظهر.
ومنها: إذا خلط الوديعة بمال نفسه، وارتفع التمييز: ضمن.
وكذا لو خلط دراهم كيس بدراهم كيس آخر من مال المودع.
ضمن في أظهر الوجهين.
ومنها: إذا صارت الوديعة مضمونة على المودع بانتفاع وغيره، ثم إنه ترك الخيانة:
لم يبرأ.
ولم يعد أمينا، إلا إذا أحدث له المالك استئمانا، فأظهر الوجهين، أنه يبرأ.
وإذا طلب المالك الوديعة: فعلى المودع الرد، بأن يخلي بين المالك وماله، فإن أخر من غير عذر ضمن.
وإن ادعى التلف وذكر سببا خفيا - كالسرقة، أو لم يذكر سببا - صدق بيمينه، وإن ذكر سببا ظاهرا - كالحريق - فإن عرف ما يدعيه صدق باليمين، وإن لم يعرف عمومه.
وإن عرف فلا حاجة إلى اليمين.
وإن لم يعرف ما يدعيه طولب بالبينة.
ثم إنه يحلف على حصول الهلاك به.
وإن ادعى الرد على المالك الذي ائتمنه صدق بيمينه.
وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه صدق بالبينة.
وذلك كما إذا ادعى الرد على ورثة المالك، وادعى وارث المودع الرد على المالك، أو أودع عند السفر أمينا، فادعى الامين الرد على المالك، فإنهم يطالبون بالبينة.
وجحود الوديعة بعد طلب المالك من أسباب الضمان.
هذا كلام صاحب المحرر.
وقال صاحب المقنع: إذا ادعى أنه أودع عند رجل وديعة، وأنكر الرجل ذلك، وقال: ما أودعتني شيئا، فالقول قول المودع، يحلف أنه ما أودعه ولا شئ عليه.
وكذلك إذا اتفقا على الايداع، واختلفا في رده، فالقول قول المودع أيضا.
فأما إن قال المودع: أمرتني أن أدفع الوديعة إلى زيد، وقد دفعت إليه، وقال صاحب الوديعة: ما دفعت.
فالقول قول صاحب الوديعة، حتى يقيم المودع البينة أنه دفع إليه.
وكذا إذا قال صاحب الوديعة: ما أمرتك بالدفع إلى زيد.
وقال: أمرتني.
فالقول قول صاحب الوديعة أيضا، حتى يقيم المودع البينة: أنه أمره بالدفع إلى زيد.
وينظر في حال زيد.
فإن أنكر

أنه أخذ منه شيئا، فالقول قوله مع يمينه.
وإن أقر، نظر في الوديعة.
فإن كانت باقية ردت على صاحبها، ويسقط الضمان عنهما.
وإن كانت تالفة، فلصاحبها أن يطالب من شاء من المودع ومن زيد، وأيهما ضمن لم يكن له أن يرجع على الآخر.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن الوديعة من القرب المندوب إليها.
وأن في حفظها ثوابا، وأنها أمانة محضة.
وأن الضمان لا يجب على المودع إلا بالتعدي، وأن القول قوله في التلف والرد على الاطلاق مع يمينه.
واختلفوا فيما إذا كان قبضها ببينة.
فالثلاثة على أنه يقبل قوله في الرد بلا بينة، وقال مالك: لا يقبل إلا ببينة.
وإذا استودع دنانير أو دراهم أنفقها أو أتلفها، ثم رد مثلها إلى مكانه من الوديعة، ثم تلف المردود بغير فعله، فلا ضمان عليه عند مالك.
فإن عنده لو خلط دراهم الوديعة أو الدنانير أو الحنطة بمثلها، حتى لا تتميز، لم يكن ضامنا للتلف.
وقال أبو حنيفة: إن رده بعينه لم يضمن تلفه.
وإن رد مثله لم يسقط عنه الضمان.
وقال الشافعي وأحمد: هو ضامن على كل حال بنفس إخراجه، لتعديه.
ولا يسقط عنه الضمان، سواء رده بعينه إلى حرزه، أو رد مثله.
وإذا استودع ثوبا أو دابة، فتعدى بالاستعمال، ثم رده إلى موضع آخر.
قال القاضي عبد الوهاب، قال مالك: في الدابة إذا ركبها ثم ردها - فصاحبها المودع بالخيار بين أن يضمنه قيمتها، وبين أن يأخذ منه أجرتها، ولم يبين حكمها إن تلفت بعد ردها الى موضع الوديعة.
ولكن يجئ على قوله: أنه يأخذ الكراء أن يكون من ضمان المودع، وإن أخذ القيمة أن يكون من ضمان المودع.
ولم يقل في الثوب: كيف العمل إذا لبسه ولم يبله، ثم رده إلى حرزه، ثم تلف؟ قال: والذي يقوى في نفسي: أن الشئ إذا كان مما لا يوزن ولا يكال، كالدواب والثياب، فاستعمله فتلف: كان اللازم قيمته، لا مثله.
فإنه يكون متعديا باستعماله، خارجا عن الامانة.
فرده إلى موضعه ولا يسقط عنه الضمان بوجه.
وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إذا تعدى ورده بعينه، ثم تلف.
لم يلزمه ضمان.
واتفقوا على أن متى طلبها صاحبها وجب على المودع ردها مع الامكان، وإلا ضمن.

وعلى أنه إذا طالبه.
فقال: ما أودعتني، ثم قال بعد ذلك: ضاعت، أنه يضمن بخروجه عن حد الامانة.
فلو قال: ما تستحق عندي شيئا، ثم قال تستحق: كان القول قوله.
واختلفوا فيما إذا سلم الوديعة إلى عياله في داره.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: إذا أودعها عند من تلزمه نفقته من غير عذر لم يضمن.
وقال الشافعي: إذا أودعها عند غيره من غير عذر ضمن.
المصطلح: وتشتمل صوره على أنواع، منها: صورة في الوديعة وحفظها: أشهد عليه فلان - أو أقر فلان - أنه قبض وتسلم من فلان، أو أن في يده وتسليمه لفلان على سبيل الايداع الشرعي، ما مبلغه كذا وكذا، ملتزما حفظ هذه الوديعة، وصونها في حرز مثلها في المكان الذي أمره المودع أن يضعها فيه، وحضر المودع المذكور، وصدق على ذلك التصديق الشرعي، ويكمل.
صورة رد الوديعة: أقر فلان أنه قبض وتسلم من فلان، ما مبلغه كذا وكذا، قبضا شرعيا.
وصار ذلك إليه وبيده وحوزه.
وذلك هو القدر الذي كان القابض المذكور أودعه عن المقبض المذكور من قبل تاريخه.
ولم يتأخر له من ذلك شئ قل ولا جل، وصدقه الدافع المذكور على ذلك تصديقا شرعيا.
صورة رد الوديعة، مع كون المودع خالف وتعدى، فهلك بعض الوديعة: أشهد عليه فلان أنه كان قد استودع من فلان قبل تاريخه، ما مبلغه كذا وكذا، وأن المودع أمره أن يضعها في جيبه.
فوضعها في كمه، فسقط منها كذا وكذا، وصدقه المودع على ذلك.
واتفقا على أن يبرئ ذمته من مبلغ كذا، ويغرمه الباقي من الهالك، وهو كذا.
فدفع إليه المودع باقي الوديعة وما اتفقا على تغريمه إياه.
وجملته كذا.
فقضبه منه قبضا شرعيا.
وأبرأ ذمته من القدر المتفق على الابراء منه، وهو كذا وكذا.
براءة شرعية.
قبلها منه قبولا شرعيا، وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
انتهى.

كتاب قسم الفئ والغنيمة وما يتعلق به من الاحكام الفئ المال الحاصل من الكفار من غير قتال، ولا إيجاف خيل، ولا ركاب كالجزية، وعشر تجاراتهم المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الاسلام، وما جلوا عنه خوفا، ومال من مات أو قتل على الردة، ومال من مات من أهل الذمة ولا وارث له.
وذلك يقسم خمسة أسهم متساوية.
ثم يؤخذ أحدها، فيقسم خمسة أسهم متساوية.
أحدها: المضاف إلى الله تعالى ورسوله (ص).
ويصرف في مصالح المسلمين.
كسد الثغور، وأرزاق القضاة والعلماء، يقدم الاهم فالاهم.
والثاني: يصرف إلى أقارب رسول الله (ص) المنتسبين إلى هاشم والمطلب، يشترك فيه الغني والفقير، والذكر والانثى.
ويفضل الذكر على الانثى، كما في الميراث.
والثالث: يصرف إلى اليتامى - واليتيم الصغير الذي لا أب له - ويشترط في استحقاقه: الفقر على الاظهر.
والرابع: يصرف إلى المساكين.
والخامس: إلى أبناء السبيل.
وسيأتي بيان الصنفين الباقيين في كتاب قسم الصدقات، وهل يعم ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، أو يخصص الحاصل في كل ناحية بمن فيها من هؤلاء؟ فيه وجهان أظهرهما: الاول.
وأما الاخماس الاربعة: فإنها كانت لرسول الله (ص) في حياته مضمومة إلى خمس الخمس.
وبعده، الاصح: أنها للمرتزقة المرصدين للجهاد.
وينبغي أن يضع الامام ديوانا، وينصب لكل جماعة أو قبيلة عريفا، ويبحث عن

حال كل واحد وعياله، وما يحتاجون إليه.
فيعطيه ما يكفيه مؤنته ومؤنتهم.
ويقدم في إثبات الاسم والاعطاء قريشا.
وهم: ولد النضر بن كنانة، ومنهم بنو هاشم وبنو المطلب، ثم بنو عبد شمس، ثم بنو نوفل، ثم بنو عبد العزى، ثم سائر البطون، الاقرب فالاقرب إلى رسول الله (ص).
ثم الانصار، ثم سائر العرب، ثم العجم.
ولا يثبت في الديوان اسم العميان، والزمنى ومن لا يصلح للغزو.
وإذا طرأ على بعض المقاتلة مرض أو جنون يرجى زواله، أعطي ولم يسقط اسمه.
وإن لم يرج ففيه قولان.
أظهرهما: أنهم يعطون.
وتعطى زوجة الميت إلى أن تنكح، والاولاد إلى أن يستقلوا.
وإذا فضلت الاخماس عن حاجات المرتزقة وزع عليهم قدر مؤنتهم.
والاظهر: أنه يجوز أن يصرف بعضه إلى إصلاح الثغور والكراع والسلاح.
وجميع ما ذكرناه في منقولات أموال الفئ.
فأما الدور والاراضي، فالظاهر: أنها تجعل وقفا مؤبدا، وتستغل وتقسم غلتها كذلك.
وأما الغنيمة: فهي المال الحاصل من الكفار بالقتال، وإيجاف الخيل والركاب.
ويبدأ منه بالسلب، فيدفع إلى القاتل.
وسلب الكافر: ثيابه الملبوسة مع الخف وآلات الحرب، كالدرع والسلاح والمركوب، وما عليه كالسرج واللجام.
والاصح: عدا السوار والمنطقة والخاتم.
وما معه من دراهم النفقة، والجنيب المقود من السلب.
واستحقاق السلب بركوب الغرر في كفاية شر الكفار في حال قيام الحرب.
فلو رمى من حصن، أو من وراء الصف، أو قتل الكافر وهو نائم، أو قتل أسيرا: لم يستحق السلب.
وكذلك لو قتل كافرا بعد انهزام جيوشهم وكفاية شرهم، بأن يقتله أو يزيل امتناعه بفق ء عينه، أو قطع يديه ورجليه، وما في معنى أسره وقطع يديه ورجليه، فلا سلب له بذلك في أشبه القولين، بل يكون السلب في الغنيمة.
وأما السلب: فلا يخمس على الاصح، بل يعطى كل قاتل سلب مقتوله.
ثم يخرج مؤن الحفظ والنفل وغيرهما.
ثم يخمس المال، ويقسم أحد الاخماس خمسة أسهم، كما ذكرنا في الفئ.
والاظهر: أن مؤنة النقل تقع في خمس الخمس المعد للمصالح، إذا نفل الامام مال

الغنيمة في هذا القتال.
ويجوز أن ينفل من مال المصالح الحاصل عنده.
والنفل: زيادة مال يشترطه الامام، أو الامين لمن يقوم بما فيه زيادة نكاية في الكفار.
وقدره يتعلق بالاجتهاد.
وأما الاخماس الاربعة: فيقسمها بين الغانمين، سواء العقار والمنقول.
والغانمون: هم الذين شهدوا الوقعة على نية القتال.
ولا يشترط في الاستحقاق القتال.
ولا حق لمن حضر بعد انقضاء القتال وحيازة المال.
ومن شهد الوقعة ومات بعد انقضاء القتال وحيازة المال، انتقل حقه إلى ورثته.
وكذا لو مات بعد انقضائه وقبل الحيازة على الاظهر.
ومن مات في معركة القتال.
فالظاهر سقوط حقه.
وأظهر القولين: أن الاجراء لسياسة الدواب ولحفظ الامتعة وتجار العسكر، والمحترفين يستحقون السهم إذا قاتلوا.
ويعطى الراجل سهما، والفارس ثلاثة أسهم.
وإنما يعطى راكب الفرس دون راكب البعير وغير البعير.
ولا يعطى إلا لفرس واحد.
ولا فرق بين العربي وغيره.
ولا يعطى الاعجف، ولا الذي لا غنى فيه على الاظهر.
والعبيد والصبيان والنساء وأهل الذمة إذا حضروا، لا يكمل لهم سهم الغنيمة، لكن ينقص، ويسمى الرضخ، ويجتهد في تقديره الامام.
ومحل الرضخ الاخماس الاربعة على الاصح.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن ما حصل في أيدي المسلمين من مال الكفار بإيجاف الخيل والركاب: فهو غنيمة، عينه وعروضه.
فإن كان فيه سلب: استحقه القاتل من أهل الغنيمة، سواء شرط ذلك الامام أو لم يشرطه عند الشافعي وأحمد.
وإنما يستحقه القاتل إذا غرر بنفسه في قتل مشرك وأزال امتناعه.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يستحقه إلا أن يشرط له الامام، ثم بعد السلب يفرد الخمس من الغنيمة.
واختلفوا في قسمة الخمس.
فقال أبو حنيفة: يقسم على ثلاثة أسهم، سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، يدخل فقراء ذوي القربى فيهم، دون أغنيائهم.

فأما سهم النبي (ص): فهو خمس الله وخمس رسوله، وهو واحد.
وقد سقط بموت النبي (ص).
وسهم ذوي القربى: كانوا يستحقونه في زمن النبي (ص) بالنصر.
وبعده لا سهم لهم، وإنما يستحقونه بالفقر خاصة.
ويستوي فيه ذكورهم وإناثهم.
وقال مالك: هذا الخمس لا يستحق بالتعيين لشخص دون شخص، ولكن النظر فيه إلى الامام، يصرفه فيما يرى وعلى من يرى من المسلمين.
ويعطى الامام القرابة من الخمس والفئ والخراج والجزية.
وقال الشافعي وأحمد: يقسم الخمس على خمسة أسهل: سهم للرسول (ص)، وهو باق لم يسقط حكمه بموته، وسهم لبني هاشم وبين المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل.
وإنما هو مختص ببني هاشم وبني المطلب، لانهم هم ذوو القربى.
وقد منعوا من أخذ الصدقات.
فجعل هذا لهم، غنيهم وفقيرهم فيه سواء، إلا أن للذكر مثل حظ الانثيين.
ولا يستحقه أولاد البنات منهم، وسهم لليتامى وسهم لابناء السبيل.
وهؤلاء الثلاثة: يستحقون بالفقر والحاجة بالاسم.
ثم اختلفوا في سهم الرسول الله (ص) إلى من يصرف؟ فقال الشافعي: يصرف في المصالح، من إعداد السلاح والكراع، وعقد القناطر، وبناء المساجد ونحو ذلك.
فيكون حكمه حكم الفئ.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كهذا المذهب.
واختارها الخرقي.
والاخرى: يصرف في أهل الديوان.
وهم الذين نصبوا أنفسهم للقتال وانفردوا بالثغور لسدها يقسم فيهم على قدر كفايتهم.
واتفقوا على أن أربعة أخماس الغنيمة الباقية يقسم على من شهد الوقعة بنية القتال، وهو من أهل القتال.
فإن للراجل سهما واحدا.
واختلفوا في الفارس.
فقال مالك والشافعي وأحمد: إن له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان للفرس.
وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان، سهم له، وسهم للفرس.
قال القاضي عبد الوهاب: القول بأن للفرس سهمان: قال به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولا مخالف لهما في الصحابة.
ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز، والحسن، وابن سيرين.
ومن الفقهاء: أهل المدينة، والاوزاعي، وأهل الشام، والليث
بن سعد.
وأهل مصر، وسفيان الثوري، والشافعي، ومن أهل العراق: أحمد بن حنبل،

وأبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن.
وقيل: إنه لم يخالف في هذه المسألة غير أبي حنيفة وحده.
ولم يقل بقوله أحد.
حكي عنه أنه قال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم.
ولو كان مع الفارس فرسان.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يسهم إلا لفرس واحد.
وقال أحمد: يسهم لفرسين، ولا يزاد على ذلك، ووافقه أبو يوسف وهي رواية عن مالك.
والفرس سواء كان عربيا أو غيره يسهم له.
وقال أحمد: للفحل سهمان.
وللبرذون سهم واحد.
وقال الاوزاعي ومكحول: لا يسهم إلا للعربي فقط.
وهل يسهم للبعير؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يسهم له.
وقال أحمد: يسهم له سهم واحد.
ولو دخل دار الحرب بفرس، ثم مات الفرس قبل القتال.
قال مالك: لا يسهم لفرسه، بخلاف ما إذا مات في القتال أو بعده، فإنه يسهم له.
وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إذا دخل دار الحرب فارسا، ثم مات فرسه قبل القتال، أسهم للفرس.
فصل: اختلف الائمة رحمهم الله هل يملك الكفار ما يسلبونه من أموال المسلمين؟ فقال مالك والشافعي وأحمد في أصح الروايتين: لا يملكونه.
وقال ابن هبيرة: والاحاديث الصحيحة تدل على ذلك، لان ابن عمر ذهب له فرس فأخذها العدو، فظهر عليها المسلمون.
فرد عليه في زمن رسول الله (ص).
وأبق له عبد، فلحق بالروم، فظهر عليه المسلمون.
فرد عليه.
وقال أبو حنيفة: يملكونه.
وهي رواية عن أحمد.
واتفقوا على أنهم إذا قسموا الغنيمة وحازوها، ثم اتصل بهم مدد لم يكن للمدد في
ذلك حصة.
فإذا اتصل المدد بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة في دار الاسلام، أو بعد أن أخذوها وقبل قسمها.
قال أبو حنيفة: يسهم لهم ما لم يحز إلى دار الاسلام أو يقسموها.
وقال مالك وأحمد: لا سهم لهم على كل حال.
وعند الشافعي قولان.
أحدهما: يسهم لهم.
والثاني: لا يسهم لهم.
واتفقوا على أن من حضر الغنيمة.
من مملوك أو امرأة أو صبي أو ذمي، فلهم الرضخ.
وهو سهم يجتهد الامام في قدره، ولا يكمل لهم سهما.
وقال مالك: إن راهق

الصبي أو أطاق القتال، أو أجازه الامام: كمل لهم السهم وإن لم يبلغ.
فصل: وقسم الغنائم في دار الحرب هل يجوز أم لا؟ قال مالك والشافعي وأحمد: يجوز وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال أصحابه: إن لم يجد الامام حمولة قسمها خوفا عليها، لكن لو قسمها الامام في دار الحرب نفذت القسمة بالاتفاق.
والطعام والعلف والحيوان يكون في دار الحرب هل يجوز استعماله من غير إذن الامام؟ قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه: لا بأس بذلك ولو بغير إذن الامام.
فإن فضل عنه، فأخرج منه شيئا إلى دار الاسلام.
كان غنيمة، قل أو كثر.
وعن أحمد رواية أخرى برد ما فضل إذا كان كثيرا.
فإن كان يسيرا فلا.
وقال الشافعي: إن كان كثيرا له قيمة رد، وإن كان نزرا يسيرا، فقولان.
أصحهما: لا يرد.
وحكي عن مالك: أن ما أخرج إلى دار الاسلام فهو غنيمة.
فصل: ولو قال: من أخذ شيئا فهو له.
قال أبو حنيفة: يجوز للامام أن يشترطه، إلا أن الاولى أن لا يفعل.
وقال مالك: يكون له ذلك، كيلا يشوب فضل المجاهدين في جهادهم إرادة الدنيا.
ويكون من الخمس لامن أصل الغنيمة.
وكذلك الفضل كله من الخمس.
وقال
الشافعي: ليس بشرط لازم، في أظهر القولين عنده.
وقال أحمد: هو شرط صحيح.
وللامام أن يفضل بعض الغانمين على بعض قبل الاخذ والحيازة بالاتفاق.
واتفقوا على أن الامام مخير في الاسرى، بين القتل والاسترقاق.
واختلفوا: هل هو مخير فيهم بين المن والفداء وعقد الذمة؟ قال الشافعي ومالك وأحمد: هو مخير بين الفداء بالمال أو بالاسرى، وبين المن عليهم.
وقال أبو حنيفة: لا يمن، ولا يفادى.
وأما عقد الذمة: فقال أبو حنيفة ومالك: هو مخير في ذلك، ويكونوا أحرارا وقال الشافعي وأحمد: ليس له ذلك، لانهم قد ملكوا.
فصل: ولو أسر المشركون أسيرا مسلما فأحلفوه على أن لا يخرج من دارهم ولا يهرب.
على أن يخلوه يذهب ويجئ.
قال مالك: يلزمه في أن يفي لهم ولا يهرب منهم.
وقال الشافعي: لا يسعه أن يفي.
وعليه أن يخرج، ويمينه يمين مكره.
فصل: المغنوم عنوة بالعراق ومصر هل يقسم بين غانميها أم لا؟

قال أبو حنيفة: الامام بالخيار بين أن يقرأ أهلها عليها ويضرب عليهم خراجا، وبين أن يصرفهم عنها، ويأتي بقوم آخرين ويضرب عليهم الخراج.
وليس للامام أن يقفها على المسلمين أجمعين، ولا على غانميها.
وعن مالك روايتان.
إحداهما: ليس للامام أن يقفها، بل تصير بنفس الظهور عليها وقفا على المسلمين.
والثانية: أن الامام مخير بين قسمها ووقفها لمصالح المسلمين.
وقال الشافعي: يجب على الامام قسمها بين جماعة الغانمين كسائر الاموال، إلا أن تطيب أنفسهم بوقفها على المسلمين، ويسقطوا حقوقهم فيها فيقفها.
وعن أحمد ثلاث روايات.
أظهرها: أن الامام يفعل ما يراه الاصلح من قسمها ووقفها.
والثانية: كمذهب الشافعي.
والثالثة: تصير وقفا بنفس الظهور.
فصل: واختلف الائمة في الخراج المضروب على ما يفتح عنوة.
فقال أبو حنيفة: في جريب الحنطة قفيز ودرهمان.
وفي جريب الشعير قفيز ودرهم.
وقال الشافعي: في جريب الحنطة أربعة دراهم، وفي جريب الشعير درهمان.
وقال أحمد في أظهر الروايات: الحنطة والشعير سواء.
وفي جريب كل واحد منهما قفيز ودرهم.
والقفيز المذكور: ثمانية أرطال بالحجازي وهو ستة عشر بالعراقي.
وأما جريب النخل: فقال أبو حنيفة: فيه عشرة.
واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: عشرة.
ومنهم من قال: ثمانية وقال أحمد: ثمانية.
وأما جريب العنب، فقال أبو حنيفة وأحمد: عشرة.
وقول أصحاب الشافعي في العنب كقولهم في النخل.
وأما جريب الزيتون، فقال الشافعي وأحمد: فيه اثنا عشر درهما.
وأبو حنيفة لم يوجد له نص في ذلك.
وقال مالك: ليس في ذلك جميعه تقدير، بل المرجع فيه إلى ما تحمله الارض من ذلك لاختلافها.
فيجتهد الامام في تقدير ذلك، مستعينا عليه بأهل الخبرة.
فصل: قال ابن هبيرة في الافصاح: واختلافهم إنما هو راجع إلى اختلاف الروايات عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك على الصحيح.
وإنما اختلف لاختلاف النواحي.

واختلف الائمة، هل يجوز للامام أن يزيد في الخراج على وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو ينقص منه.
وكذلك في الجزية؟ فأما أبو حنيفة: فليس عنه نص في ذلك، لكن حكي القدوري عنه - بعد ذكر الاشياء المعين عليها الخراج لا بوضع عمر رضي الله عنه - قال: وما سوى ذلك من
أصناف الاشياء يوضع عليها بحسب الطاقة.
فإن لم تطق الارض ما يوضع عليها نقصها الامام.
واختلف صاحباه.
فقال أبو يوسف، لا يجوز للامام النقصان ولا الزيادة مع الاحتمال.
وقال محمد: يجوز ذلك مع الاحتمال.
وعن الشافعي: يجوز للامام الزيادة، ولا يجوز له النقصان.
وعن أحمد ثلاث روايات.
إحداها: يجوز له الزيادة إذا احتملت.
والنقصان إذا لم يحتمل.
والثانية: يجوز الزيادة مع الاحتمال لا النقصان.
والثالثة: لا يجوز الزيادة ولا النقصان.
وأما مالك: فهو على أصله في اجتهاد الائمة على ما تحمله الارض، مستعينا فيه بأهل الخبرة.
فصل: قال ابن هبيرة: لا يجوز أن يضرب على الارض ما يكون فيه هضم لحقوق بيت المال، رعاية لآحاد الناس، ولا ما يكون فيه إضرار بأرباب الارض، تحميلا لها من ذلك ما لا تطيق.
فمدار الباب على أن تحمل الارض من ذلك ما تطيق.
وأرى أن ما قاله أبو يوسف - كما في كتاب الخراج الذي صنفه للرشيد، وهو الجيد - قال: أرى أن يكون لبيت المال من الحب الخمسان، ومن الثمار الثلث.
فصل: هل فتحت مكة صلحا أو عنوة؟ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في أظهر روايتيه: عنوة.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: صلحا.
فصل: لو صالح قوم على أن أراضيهم لهم، وجعل عليها شيئا.
فهو كالجزية، إن أسلموا سقط عنهم.
وكذا إن اشتراه منهم مسلم.
وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يسقط عنهم خراج أرضهم بإسلامهم، ولا بشراء مسلم.
واختلفوا في الاستعانة بالمشركين على قتال أهل الحرب.
وهل يعانون على

الاطلاق؟ قال مالك: إن كانوا خدما للمسلمين فيجوز.
وقال أبو حنيفة: يستعان بهم، ويعانون على الاطلاق، متى كان حكم الاسلام هو الغالب الجاري عليهم.
فإن كان حكم المشرك هو الغالب كره.
وقال الشافعي: يجوز ذلك بشرطين.
أحدهما: أن يكون بالمسلمين قلة، ويكون بالمشركين كثرة.
والثاني: أن يعلم من المشركين حسن رأي في الاسلام.
وميل إليه.
ومتى استعان بهم رضخ لهم ولم يسهم.
فصل: وهل تقام الحدود في دار الحرب على من تجب عليه في دار الاسلام؟.
قال مالك: نعم، تقام.
فكل فعل يرتكبه المسلم في دار الاسلام إذا فعله في دار الحرب لزم الحد، سواء كان من حقوق الله تعالى أو من حقوق الآدميين.
فإذا زنا أو سرق أو شرب الخمر أو قذف حد.
وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: من زنا أو سرق أو قذف لا يقام عليه حد، إلا أن يكون بدار الحرب إمام فيقيمه عليه بنفسه.
وقال مالك والشافعي: لكن لا يستوفي في دار الحرب حتى يرجع إلى دار الاسلام.
وقال أبو حنيفة: إن كان في دار الحرب إمام مع جيش المسلمين أقام عليهم الحد في المعسكر قبل القفول.
وإن كان أمير سرية، لم يقم الحدود في دار الحرب.
وإن دخل دار الاسلام من فعل ما يوجب الحد سقطت الحدود عنه كلها إلا القتل.
فإنه يضمن الدية في ماله، عمدا كان أو خطأ.
فصل: هل يسهم لتجار العسكر وأجرائهم إذا شهدوا الوقعة وإن لم يقاتلوا؟.
قال أبو حنيفة ومالك: لا يسهم لهم حتى يقاتلوا.
وقال الشافعي وأحمد: يسهم لهم، وإن لم يقاتلوا.
وللشافعي قول آخر: أنه لا يسهم لهم.
وإن قاتلوا.
فصل: هل تصح الاستنابة في الجهاد أم لا؟
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا، سواء كان بجعل أو بأجرة أو تبرع، وسواء تعين على المستنيب أم لم يتعين.
وقال مالك: يصح إذا كان بجعل ولم يكن الجهاد متعينا على النائب، كالعبد والامة.
فصل: قال مالك: ولا بأس بالجعائل في الثغور، مضى الناس على ذلك.
وقد أدى

القاعد إلى الخارج مائة دينار في بعث أيام عمر رضي الله عنه.
واتفقوا على أنه لا يجوز لاحد من الغانمين أن يطأ جارية من السبي قبل القسمة.
واختلفوا فيما يجب عليه إذا وطئها.
فقال أبو حنيفة: لا حد عليه، بل عقوبة ولا يثبت نسب الولد منه.
وهل هو مملوك يرد في الغنيمة، وعليه العقوبة عن الاصابة؟ وقال مالك: هو زان يحد.
وقال الشافعي وأحمد: لا حد عليه ويثبت نسب الولد وحريته، وعليه قيمتها.
والمهر يرد في الغنيمة.
وهل تصير أم ولد؟ قال أحمد: نعم.
وللشافعي قولان.
أصحهما لا تصير.
فصل: لو كان جماعة في سفينة، فوقع فيها نار.
فهل يجوز لهم إلقاء أنفسهم في الماء أم يلقوا الثياب؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، في إحدى الروايتين: إذا لم يرجو النجاة لا في الالقاء ولا في الاقامة في السفينة ثبتوا.
وإن استوى الامران، فعلوا ما شاءوا وإن أيقنوا بالهلاك فيها، أو غلب على ظنهم به، فروايتان.
أظهرهما: منع الالقاء.
لانهم لم يرجو نجاة.
وهذا قول محمد بن الحسن الحنفي.
وهي رواية عن مالك.
واختلفوا فيما إذا ند بعير من دار الحرب إلى دار الاسلام، أو دخل حربي بغير أمان.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يكون ذلك فيئا للمسلمين، إلا أن الشافعي قال: إلا أن يسلم الحربي قبل أن يؤخذ، فلا سبيل عليه.
وقال أحمد: هو لمن أخذه خاصة.
فصل: هدايا أمراء الجيوش هل يختصون بها، أو تكون كهيئة مال الفئ؟ قال مالك: تكون غنيمة فيها الخمس.
وهكذا إن أهدى إلى أمير من أمراء المسلمين، لان ذلك على وجه الخوف.
فإن أهدى العدو إلى رجل من المسلمين ليس بأمير.
فلا بأس بأخذها، ويكون له دون أهل العسكر.
رواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف: ما أهدى ملك الروم إلى أمير الجيش في دار الحرب فهو له خاصة، وكذلك ما يعطى الرسول.
ولم يذكر عن أبي حنيفة خلافا.
وقال الشافعي: إذا أهدى إلى الوالي هدية، فإن كانت بشئ نال منه حقا أو باطلا، فهي فئ على الوالي أخذها.
لانه يحرم عليه أن يأخذ على خلاص الحق جعلا.
وقد ألزم الله تعالى ذلك.
فحرام عليه أن يأخذ ذلك باطلا.
والجعل على الباطل حرام.
فإن أهدى إليه من غير هذين المعنيين أحد من ولايته تفضلا وشكرا، فلا يقبلها

وإن قبلها كانت منة في الصدقات، لا يسعه عندي غيره، إلا أن يكافئه عليه بقدر ما يسعه.
وإن كانت من رجل لا سلطان له عليه، وليس بالبلد الذي به سلطانه على إحسان كان به، فأحب أن يقبلها ويجعلها لأهل الولاية أو يدعها.
ولا يأخذ مكافأة.
فإن أخذها وتمولها لم يحرم عليه.
وعلى أحمد روايتان، إحداهما: لا يختص بها من أهديت إليه، بل هي غنيمة قبل حيازها إذا كان له فيها حق أنه لا يقطع.
واختلفوا فيمن له فيها حق: هل يحرق رحله، ويحرم سهمه أم لا؟ قال أبو حنيفه ومالك والشافعي: لا يحرق رحله، ولا يحرم سهمه.
وقال أحمد: يحرق رحله الذي معه، إلا المصحف وما فيه روح من الحيوان، وما هو جنة للقتال، كالسلاح رواية واحدة.
وهل يحرم سهمه؟ عنه روايتان.
فصل: مال الفئ: وهو ما أخذ من مشرك لاجل كفره بغير مال، كالجزية المأخوذة على الرؤوس، وأجرة الارض المأخوذ باسم الخراج، أو ما تركوه فزعا وهربا.
ومال المرتد إذا قتل في ردته، ومال كل كافر مات بلا وارث.
وما يؤخذ منهم من العشر إذا اختلفوا إلى لاد المسلمين، أو صولحوا عليه.
هل يخمس أم لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد في المنصوص عنه: هو للمسلمين كافة، فلا يخمس، بل جميعه لمصالح المسلمين.
وقال مالك: كل ذلك هو فئ متميز مقسوم، يصرفه الإمام في مصالح المسلمين بعد أخذ حاجته منه.
وقال الشافعي: يخمس، وقد كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الذى يصنع به من بعده، فقولان.
أحدهما: لمصالح المسلمين.
والثانى: للمقاتلة.
وأما الذى يخمس منه، فقولان.
الجديد: أنه يخمس جميعه، وهى رواية عن أحمد.
والقديم: لا يخمس، إلا ما تركوه فزوعا وهروبا.
انتهى.
المصطلح: ويشتمل على صور منها: صورة ما إذا نصب الإمام الأعظم رجلا لتحصيل أموال الفئ وقسمتها على مستحقيها شرعا.
هذا كتاب إسناد صحيح شرعى، وتفويض معتبر مرعى، ونصب قاسم للمسلمين، معتمد فيه على رب العالمين، أمر بإنشائه وتحريره، وكتابته وتسطيره، مولانا المقام

الشريف الأعطم العالي المولوي، السلطاني الملكى الفلاني - أعز الله نصره، وأنفذ في الخافقين نهيه وأمره - أشهد على نفسه الشريفة، صان الله حماها، وحرسها من الغير وحماها: أنه نصب سيدنا ومولانا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم العلامة فلان الدين، حجة الإسلام والمسلمين، سيد العلماء في العالمين، لسان المتكلمين،
سيف المناظرين، أوحد المجتهدين، بركة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبا فلان فلان.
هذا إذا كان المنصوب من مشايخ العلماء.
وإن كان من أكابر أمراء الدولة الشريفة، فيقول: المقر الشريف العالي المولوي العالمي العادلي - ويسوق ألقابه اللائقة به، الصالحة المثلة إلى آخرها.
وإن كان المنصوب كافل مملكة، أو نائب ثغر من الثغور، فيذكر كل واحد بحسبه ونعمته، ثم يقول: في النظر في أموال الفئ، وتحصيله من جهاته، وأخذه أوان محله وأوقاته، الحاصل من الكفار من غير قتال، ولا إيجاف خيل ولا ركاب.
كالجزية الواجبة على اليهود والنصارى، خلا نسائهم ومن تله شبهة كتاتب كالمجوس، ومن كل كافر عربي كان أو عجمي، وإن لم يكن له كتاب.
وذلك مع علم الإمام - خلد الله ملكه - بالخلاف في ذلك، سوى قريش خصة.
فإنه لا يؤخذ منهم جزية وجعل له أن يستوفى الجزية من كل واحد من الأغنياء ثمانية وأربعين درهما.
ومن كل متوسط أربعة وعشرين درهما.
ومن كل فقير اثني عشر درهما.
فإن شاء استوفاها كيف اقتضى رأيه وأدى إليه اجتهاده.
فإن رأى أن أن يأخذ من كل منهم دينارا غنيا كان أو فقيرا، وأن ينظر في حال الفقراء الذين هم غير معلمين، ولا كسب لهم، ولا يتمكنون من الأداء، وتكون إقامتهم البلاد مجانا.
ويكون مخيرا بين إخراجهم من البلاد، أو تقريرهم بها، وإيجاب الجزية عليهم، وحقن دمائهم بضمانهم، ومطالبتهم بها عند اليسار وبين إمهالهم إلى آخر الحول.
فإن بذلوها أقرهم، وإن لم يبذلوها ألحقهم بدار الحرب، وأن يأخذ مال من يموت من الكفار ولا وارث له.
ومن مات منهم وعليه جزية.
فله أن يأخذها أو يتركها لورثته - مع العلم بالخلاف في ذلك المعلوم عند الإمام الأعطم المشار إليه، وعند منصوبه - وجعل له أن يأخذ الجزية إن شاء أول الحول، وإن شاء آخره على الخلاف المذكور في ذلك وأن يأخذ عشور تجارات الكفار المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الإسلام، وأن يستولي على
بلادهم وأموالهم التي جلوا عنها خوفا من المسلمين، ومال من مات أو قتل منهم على

الردة، وأن يقسم المال كيف اقتضاه رأيه، ومال قبله إلى مذهب من مذاهب الأئمة الأربعة، رحمة الله عليهم.
فإن رأى القسم على مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى.
فيجعله خمسة أسهم متساوية، ثم يقسم تالخمس خمسة أخماس متساوية، فيقسم خمس الخمس في مصالح المسلمين، كشد الثغور، وأرزاق القضاة والعلماء، ويقدم في ذلك الأهم فالأهم.
ويصرف خمس الخمس إلى أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتسبين إلى هاشم والمطلب، ويشرك فيه بين الغنى والفقير، والذكر والأنثى منهم، بينهم على حكم الفريضة الشرعية، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ويصرف خمس الخمس على الفقراء واليتامى الذى لا أب لهم.
ويصرف خمس الخمس إلى المساكين، ويصرف خمس الخمس إلى أبناء المساكين، وأن يعم كل صنف إن أمكن.
وإن شاء خصص الحاصل في كل ناحية بمن فيها، وأن يهيئ الأخماس الأربعة الباقية، وينصب ديوانا وعرفاء للقبائل والجماعات المرتزقين المرصدين للجهاد.
ويأمر العرفاء بجمعهم وينظر في أمورهم، ويبحث عن حال كل واحد وعياله، وما يحتاج إليه، ويعطيه ما يكفي مؤنته ومؤنتهم، ويقدم في الإعطاء قريشا، وهم ولد النضر بن كنانة، وبنو هاشم، وبنو المطلب، ثم بنو عبد شمس، ثم بنو نوفل، ثم بنو عبد العزى، ثم سائر البطون، الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم الأنصار، ثم سائر العرب، ثم العجم، من اسمه مكتوب ثابت في الديوان.
ولا يثبت في الديوان أسماء للعميان، ولا الزمنى، ولا من لا يصلح للغزو.
ومن مات منهم أعطي لأولاده إلى أن يستقلوا وزوجته إلى أن تنكح، ومهما فضل من هذه الأخماس الأربعة وزعه عليهم إن شاء، وإن شاء صرف بعضه إلى إصلاح الثغور، وفي الكراع والسلاح، وأن يجعل ما تحصل من أمر الفئ من الدور والأراضي وقفا مؤبدا يستغل ريعه، ويقسم عليهم كذلك - نصبا صحيحا شرعيا، وتفويضا تاما معتبرا مرضيا،
ويكمل بالإشهاد والتاريخ.
وصورد نصب الإمام الأعظم رجلا مقدما على العساكر المنصورة المجهزة إلى الغزو، وتحصيل أموال الغنيمة، وقسمها على مستحقيها شرعا.
يكتب الصور كما تقدم في اسم السلطان واسم المنصوب إلى آخره، ثم يقول: مقدما على العساكر المنصورة، والجيوش والكتائب المخبورة، المتوجهين معه، وبين يديه، لجهاد أعداء الله المشركين، والفرنج المخذولين، لفتح قبرص ونديك المخروبتين، وأسر من بهما من النساء والصبيان، وقتل الرجال من الطائفتين المخذولتين، وجمع الأموال الحاصلة من الكفار بالقتال، وإيجاف الخيل والركاب من الذهب والفضة، والأثاث والرقيق من الصبيان والبنات والنساء والكراع والمواشي والأسلاب.
فيبدأ

بالأسلاب فيدفعها إلى المقاتلين، وهي ثياب الكفار الملبوسة مع تالخف وآلات الحرب، كالدرع والسلاح، والمركوب وما عليه كالسرج واللجام والسوار والمنطقة والخاتم ودراهم النفقة والجنيب المقود، ويحترز في معرفة مستحقي سلب الكفار المقتولين من المقاتلين المسلمين، وهو الركوب للغزو، ودفع شر الكافر في حال قيام الحرب.
ومن قتل كافرا من وراء حصن أو من وراء الصف، ومن قتل كافرا نائما، أو قتل أسيرا، أو قتل كافرا بعد انهزام جيشهم.
فلا يعطى شيئا من السلب، بل يكون سلب هؤلاء مضافا إلى الغنيمة.
ثم يخرج مؤن الحفظ والنفل وغيرهما، ثم بخمس المال.
ويقسم أحد الأخماس على خمسة أسهم، فيجعل خمس الخمس في سد الثغور وأرزاق القضاة والعلماء.
ويصرف الخمس الثاني من الخمس إلى أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتسبين إلى هاشم والمطلب، ويشرك فيه الغني والفقير، والذكر والأنثى، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ويصرف الخمس الثالث من الخمس إلى اليتامى الصغار الفقراء الذين لا آباء لهم.
ويصرف خمس الخمس الرابع إلى الفقراء والمساكين.
ويصرف الخمس الخامس إلى أبناء السبيل.
ثم يقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين الذين شهدوا الوقعة على نية القتال،
وإن لم يكن منهم من قاتل.
ويعطي ورثة من شهد الفتال والوقعة ومات بعد انقضاء القتال وقبل حيازته سهمه.
ويعطي للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهمان.
والفارس هو راكب الفرس العتيق.
ويعطي راكب البعير سهما، مع العلم بالخلاف أيضا.
وله أن ينفل من ما شاء من الغنيمة بعد الحيازة مع العلم بالخلاف في ذلك.
وسواس الخيل، وحفظة الأمتعة وتجار العسكر والمحترفون يسهم لهم إذا قاتلوا.
ويرضخ للصبيان والعبيد والنساء وأهل الذمة إذا حضروا.
ولا يعقر من المواشي إلا ما يحتاج إلى أكله، ولا يفتل أحدا من النساء إذا لم يقاتلن، ولم يكن صاحبات رأي.
ولا يفتل الأعمى والمقعد والشيخ الفاني وأهل الصوامع، إذا لم يكن فيهم ذو رأي.
وإذا وصل المقدم المشار إليه بالعساكر المنصورة إلى تلك الديار، وبرزت أحزاب الشيطان إلى جنود الله، والتقى الجمعان والحم القتال، وتكرر الكر والفر والنزال، واحمرت البيض والسمر، وسكرت الرجال بغير خمر، وغضبت الكماة والأبطال، ودنت المنون وتقاربت الآجال، وارتفع الغبار والعاج، وتسعر لهيب نار الحرب الوهاج.
وجرت أنهار الدماء، ونزلت ملائكة السماء، وأيد الله جنوده وأهل دينه، وفتح له باب النصر بيمينه، وهبت الرياح، وتمزق الغبار.
وأعلن مؤذن النصر بحي على الفلاح، ولاح

فحينئذ يتقدم مقدم العساكر المنصورة، المشار إليه، بجمع فتلى المسلمين من المعركة، ودفنهم بدمائهم وثيابهم.
وجمع الملبوس والسلاح والكراع وما بقبرس من الصبيان والنساء والأبكار والأموال على اختلاف الأجناس والأنواع.
وجميع المواشي.
ونقل الجميع إل يسيف البحر الأعظم، ووسق الفلك بها، وتركوا تلك الديار خاوية على عروشها خامدة، والحس والهمس حصيدا كأن لم تغن بالأمس.
وركب هو والجيوش المنصورة في أفلاكها.
ورجعوا متوجهين بالسلامة والنصر.
وإذا دخلوا بالغنيمة إلى دار الإسلام جلس المقدم لقسم مال الغنائم، وهو بعمل
الحق وقسمة العدل قائم.
وخمسها.
ثم خمس الخمس.
وجعله حيث أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم قسم أربعة أخماس الخمس على مستحقيه.
ثم قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الجيوش المنصورد على حكم الشرع الشريف المطهر ومقتضاه، عاملا في ذلك بتقوى الله، وما يحبه رسوله الله صلى الله عليه وسلم ويرضاه.
وعهد إليه أن يأخذ الأمر بزمامه، وأن يعمل لله ولإمامه، وأن يعرف للمجاهدين جقهم، ويقدم أهل النفع منهم على غيرهم تقديما.
فقد قدمهم الله فقال: (وفضل الله المجهدين على القعدين أجرا عظيما *) (النساء: 95) ولمن وفى شكر إقدامهم، ومداومة تأنسهم، فطالما اقتحموا على الملوك مثل الوحوش، وما هابوا يقظة حراسهم.
وليرفع بعضهم على بعض درجات.
فما هم سواء (لا يستوى القعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجهدون في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم) (النساء: 95) فهو أولى من عمل بهذه الوصايا التي هو منها على يقين، وأحق من فرج على الإسلام كل ضيق، بتصرف رجاله وأصحابه الميامين.
والله تعالى يعينه ويوفقه ويرشده، ويطيل باعة لما قصرت عنه سواعد الرماح، ووصلت إليه يده آمين.
ويكمل بالإشهاد والتاريخ.
والله أعلم.

كتاب قسم لاصدقات وما يتعلق بها من الأحكام أجمع العلماء رضي الله عنهم على أن الزكاة أحر أركان الإسلام، وفرض من فروضه.
قال الله تعالى: * (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة) * (البقرة: 43) وقال تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة) * (البينة: 5).
وأصل الزكاة في اللغة: النماء والزيادة.
وسميت بذلك، لأنها تثمر المال وتنميه يقال: زكا الزرع، إذا كثر ريعه، وزكت النفقة، إذا بورك فيها.
ومنه قوله تعالى: * (أقتلت
نفسا زكية بغير نفس) * (الكهف الأية: 74) أي نامية.
وأجمع الفقهاء على وجوب الزكاة في أربعة أصناف: المواشي، وجنس الأثمان، وعروض التجارة، والمكيل المدخر من الثمار والزرع.
فأما المواشي: فأجمعوا على وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم.
وهي بهيمة الأنعمام، بشرط أن تكون سائمة.
وأجمعوا على أن الزكاة في كل جنس من هذه الأجناس تجب بكمال النصاب، واستقرار الملك، وكمال الحول، وكون المالك حرا مسلما.
واختلفوا، هل يشترط البلوغ والعقل؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يشترط البلوغ ولا العقل، بل الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون.
وقال أبو حنيفة: يشترط ذلك، ولا يجب عنده زكاة في مال الصبي ولا المجنون.
والذي يتعين على الإمام: نصب كف ء يقوم باستخراج أموال الصدقات على اختلاف أجناسها، وصرفها على مستحقيها بالطريق السائغ الشرعي.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفقوا على جواز دفع الصدقات إلى جنس واحد من الأصناف الثمانية المذكورين في الآية الكريمة، إلا الشافعي.
فإنه قال: لا بد من استيعاب الأصناف الثمانية إن قسم الإمام وهناك عامل، وإلا فالقسمة على سبعة.
فإن فقد بعض الأصناف قسمت الصدقات على الموجودين.
وكذا يستوعب المالك الأصناف من البلد وجب النقل، أو بعضهم رد على الباقين.
والأصناف الثمانية هم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل.
والفقير عند أبي حنيفة ومالك: هو الذي له بعض كفايته وعوزه باقيه.
والمسكين
عندهما: هو الذي لا شئ له.
وقال الشافعي وأحمد: بل الفقير هو الذي لا شئ له، والمسكين هو الذي له بعض ما يكفيه.
واختلفوا في المؤلفة قلوبهم.
فمذهب أبي حنيفة: أن حكمهم منسوخ.
وهي رواية عن أحمد.
والمشهور من مذهب مالك: أنه لم يبق للمؤلفة سهم، لغناء المسلمين.
وعنه رواية أخرى: أنم إن احتيج إليهم في بلد أو ثغر: استأنف الإمام عطاءهم لوجود العلة.
وللشافعي قولان، أنهم: هل يعطون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ والأصح: أنهم يعطون من الزكاة، وأن حكمهم غير منسوخ.
وهي رواية عن أحمد.
وهل ما يأخذه العامل على الصدقات: من الزكاة، أو من عمله؟ قال مالك والشافعي: هو من الزكاة.
وعن أحمد: يجوز أن يكون عامل الصدقات عبدا، أو من ذوي القربى.
وعنه في الكافر روايتان.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يجوز.
والرقاب: هم المكاتبون، ليؤدوا ذلك في الكتابة.
وقال مالك: لا يجوز، لأن الرقاب عنده العبيد الأرقاء، فعند مالك: يشترى من الزكاة رفبة كاملة فتعتق وهي رواية عن أحمد.
والغارمون: المدينون بالاتفاق.
وفي سبيل الله: الغزاة.
وقال أحمد في أظهر الروايتين: الحج من سبيل الله.
وابن السبيل: المسافر بالاتفاق.

وهل يدفع إلى الغارم مع الغنى؟ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا.
والأظهر عند الشافعي: نعم.
واختلقوا في صفة ابن السبيل بعد الاتفاق على سهمه.
فقال أبو حنيفة ومالك: هو المجتاز، دون منشئ السفر.
وقال الشافعي: هو المجتاز والمنشئ.
وعن أحمد
روايتان أظهرهما: المجتاز.
فصل: وهل يجوز للرجل أن يعطي زكاته كلها مسكينا واحدا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: يجوز إذا لم يخرجه إلى الغني.
وقال مالك: يجوز إخراجه إلى الغني إذا أمن إعفافه بذلك.
وقال الشافعي: أقل ما يعطى من كل صنف ثلاثة.
واختلفوا في نقل الزكاة من بلد إلى آخر.
فقال أبو حنيفة: يكره، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاج، أو قوم هم أمس حاجة من أهل بلده، فلا يكره.
وقال مالك: لا يجوز، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الإمام إليهم على سبيل النظر والاجتهاد.
وللشافعي قولان.
أصحهما: عدم الجواز في النقل.
والمشهور عن أحمد: أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر تقصر فيه الصلاة، مع عدم وجود المستحقين في البلد المنقول منه.
واتفقوا على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى كافر.
وأجازه الزهري وابن شبرمة إلى أهل الذمة.
والظاهر من مذهب أبي حنيفة: جواز دفع زكاة الفطر والكفارات إلى الذمي.
واختلفوا في صفة الغني الذي لا يجوز دفع الزكاة إليه.
فقال أبو حنيفة: هو الذي يملك نصابا من أي مال كان.
والمشهور من مذهب مالك: جواز الدفع إلى من يملك أرعين درهما.
وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حدا.
فإنه يعطى من له المسكن والخادم والدابة التي لا غنى له عنها.
وقال: يعطى من له أربعون درهما.
وقال: وللعالم أن يأخذ من الصدقات، وإن كان غنيا.
ومذهب الشافعي: أن الاعتبار بالكفاية، فله أن يأخذ مع عدمها.
وإن كان له أربعون وأكثر، وليس له أن يأخذ مع وجودها وإن قل ما معه، وإن كان مشتغلا بشئ من العلم الشرعي، ولو أقبل على الكسب لانقطع عن التحصيل يحل له أخذ الزكاة.
ومن أصحابه
من قال: إن كان ذلك المشتغل يرجى نفع الناس به جاز له الأخذ وإلا فلا.
وأما من أقبل

على نوافل العبادات وكان الكسب يمنعه عنها، فلا تحل له الزكاة.
فإن المجاهدة في الكسب - مع قطع الطمع عن الناس - أولى من الإقبال على نوافل العبادات مع الطمع، بخلاف تحصيل العلم، فإنه فرض كفاية.
والخلق محتاجون إلى ذلك.
واختلفت الرواية عن أحمد فروى عنه أكثر أصحابه: أنه متى ملك خمسين درهما أو قيمتها ذهبا: لم تحل له الزكاة.
وروي عنه: أن الغني المانع أن يكون للشخص كفاية على الدوام، من تجارة، أو أجرة عقار، أو غير ذلك.
واختلفوا فيمن يقدر على الكسب بصحته وقوته، هل يجوز له الأخذ؟ فقال أبو حنيفة ومالك: يجوز.
وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز.
ومن دفع زكاته إلى رجل ثم علم أنه غني، أجزأه عند أبي حنيفة.
وقال مالك: لا يجزئه.
وعن الشافعي قولان: أصحهما: أنه لا يجزئه.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
واتفقوا على آنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى المولودين وإن سفلوا، إلا مالك رحمه الله.
فإنه أجاز إلى الجد والجدة وبني البنين، لسقوط نفقتهم عنده.
وهل يجوز دفعها من يرثه من أقاربه بالأخوة والعمومة؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يجوز.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه لا يجوز.
واتفقوا عى أنه لا يجوز دفعها إلى عبده.
وأجاز أبو حنيفة دفعها إلى عبد غيره إذا كان سيده فقيرا.
وهل يجوز دفعها إلى الزوج؟ قال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال الشافعي: يجوز.
وقال مالك: إن كان يستعين به في غير نفقتها، كأولاده الفقراء من غيرها أو نحو ذلك: جاز.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: المنع.
واتفقوا على منع الإخراج لبناء مسجد، أو تكفين ميت.
وأجمعوا على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.
وهم خمس بطون: آل على، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب.
واختلفوا في بني المطلب.
فحرمها مالك وأحمد في أظهر روايته.
وجوزها أبو حنيفة.
وحرمها أبو حنيفة وأحمد على موالي بني هاشم.
وهو الأصح من مذهب مالك والشافعي.

فائدة: قال ابن الصلاح: بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق، ليس لها أصل: " من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة " (1) و " من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة " و " يوم نحر كم يوم صومكم " (2) و " للسائل حق وإن جاء على فرس " (3) واتفقوا على أنه إذا كمل النصاب من الزروع والثمار: وجب فيه العشر، إلا أبا حنيفة.
فإنه لم يعتبر كمال النصاب، بل أوجب العشر في القليل والكثير.
واختلفوا في الجنس الذي يجب فيه الحق ما هو، وما قدر الواجب فيه؟ فقال أبو حنيفة: يجب في كل ما أخرجت الأرض في قليله وكثيره: العشر، سواء سفي سيحا أو سقته السماء، إلا الحطب والحشيش والقصب.
وقال مالك والشافعي: الجنس الذي يجب فيه الحق هو ما ادخر واقتني.
كالحنطة والشعير والأرز وغيره.
وقال أحمد: يجب العشر في كل ما يكال ويدخر من الزروع والثمار.
ففائدة الخلاف بين مالك والشافعي وأحمد: أن أحمد: يجب عنده العشر في السمسم، وبذر الكتان، والكمون، والكراويا، والخردل، واللوز، والفستق.
وعندهما: لا يجب فيه.
وفائدة الخلاف مع أبي حنيفة: أن عنده تجب في الخضروات الزكاة.
وعند الشافعي ومالك وأحمد: لا زكاة فيها.
ومقدار الزكاة فيما تجب فيه الزكاة من ذلك عند أبي حنيفة: العشر.
وأما الباقون: فهم على اختلافهم فيه كما ذكرنا، مع كونه يسقي سيحا بغير مؤنة، أو كان سقيه من السماء.
وإن كان بالنواضح والكلف: فنصف العشر.
واختلفوا في الزيتون.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في إحدى الروايتين، والشافعي في أحد القولين: فيه الزكاة.
وقال الشافعي في القول الآخر، وأحمد في إحدى الروايتين عنه: لا زكاة فيه.

واختلفوا: هل يجتمع العشر والخراج؟.
فقال أبو حنيفة: ليس في الخراجي من أرض الخراج عشر.
وقال مالك والشافعي وأحمد: أرض الخراج فيها العشر مع الخراج.
لان الخراج في رقبتها.
والعشر في غلتها.
واختلفوا في زكاة الحلي المباح، إذا كان مما يلبس ويعار.
فقال مالك وأحمد: لا تجب فيه الزكاة، وقال أبو حنيفة: تجب فيه الزكاة.
وعن الشافعي قولان كالمذهبين.
واختلفوا في العسل.
فقال أبو حنيفة وأحمد: فيه العشر.
وقال مالك والشافعي في الجديد لا يجب فيه شئ.
ثم اختلف موجب العشر فيه - وهما أبو حنيفة وأحمد - فقال أبو حنيفة: إذا كان العسل في أرض عشرية ففيه العشر.
وإن كان في أرض خراجية فلا عشر فيه.
وقال أحمد: فيه العشر على الاطلاق.
ثم اختلفوا فيه ايضا، هل يعتبر فيه نصاب؟ فقال أبو حنيفة: يجب في قليله وكثيره العشر.
وقال أحمد: يعتبر فيه النصاب.
ونصاب العسل عنده: عشرة أفراق والفرق: ستة وثلاثون رطلا.
فيكون نصابه ثلاثمائة وستون رطلا.
واختلفوا فيمن استأجر أرضا فزرعها.
فقال أبو حنيفة: العشر على صاحب الارض.
وقال مالك والشافعي، وأحمد: العشر على المستأجر.
المصطلح: وفيه صورة نصب الامام الاعظم رجلا لذلك: نصب مولانا الامام الاعظم - إلى آخر ألقابه، فلانا إلى آخر ألقابه - لاستخراج أموال الصدقات والزكوات، من المواشي وعروض التجارة، والمكيل المدخر من الزروع والثمار، وأن يستعمل على ذلك عاملا ساعيا، حرا مسلما، فقيها عدلا، عارفا خبيرا

بالنصب ومقاديرها، وما تجب فيه الزكاة من سائر الاجناس، عالما بالخلاف الجاري بين العلماء رضي الله عنهم أجمعين من الوجوب في شئ وعدمه، ووجوب الصرف، ومن يجوز الصرف إليه.
ومن لا يجوز الصرف إليه، متحريا استيفاء الحق من وجوهه، على نهج الصواب والصدق، بحيث لا يأخذ من أرباب الاموال ما يزيد على الواجب عليهم شيئا وإن قل، وأن يعلم الشهر الذي يأخذ فيه الزكاة، وأن يعتبر مضي الحول، واستقرار الملك على المال حولا كاملا.
وكذلك في الصرف.
وأن يتخذ كاتبا عارفا بأبواب الكتابة والتصريف، حسن الرأي صحيح الحساب، وقاسما فطنا ناهضا حاشرا يقظا، عارفا بأرباب الاموال وخطابهم وسائقا يسوق مواشي الصدقة، وأن يسم الابل والبقر في أفخاذها، والغنم في آذانها وأن يكون الميسم: مكتب الله، أو صدقة أو زكاة.
وأن يكون الاخذ في أول نصاب الابل - وهو خمس - شاة جذعة من الضأن، أو ثنية من المعز.
وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، أو بنت مخاض، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية.
وفي ست وثلاثين بنت لبون.
وفي ست وأربعين حقة، وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة.
وفي إحدى وستين جذعة، وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة.
وفي ست وسبعين بنتا لبون.
في إحدى وتسعين حقتان.
وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون.
فإذا ازداد مال واحد من أرباب الاموال عن مائة وإحدى وعشرين، فيأخذ منه عن كل أربعين بنت لبون، وعن كل خمسين حقة.
وما كان بين النصب من وقص عفا عنه.
ومن وجب عليه سن ولم يكن عنده، أخذ منه الساعي سنا أعلى منه، ورد عليه شاتان أو عشرين درهما، أو أخذ منه سنا أسفل منه وعشرين درهما.
وإن اتفق فرضان في نصاب - كالمائتين - أخذ منه الساعي أربع حقاق، أو خمس بنات لبون يتخير الساعي الانفع للمسلمين.
وأن يأخذ الساعي في أول نصاب البقر - وهو ثلاثون تبيعا، وعلى هذا أبدا في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.
وأن يأخذ الساعي في أول نصاب الغنم - وهو أربعون - شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وعلى هذا أبدا في كل مائة شاة يأخذ شاة.
والساعي مخير بين أن يأخذ ذكورا أو إناثا، مع علم الامام الاعظم بالخلاف في ذلك.

وإن كانت الماشية صحاحا أخذ منها صحاحا.
وإن كانت مراضا أخذ مراضا.
وإن رضي رب المال بدفع الصحاح أخذها منه.
وكذلك إذا كانت صحاحا
ومراضا.
وإن كانت الغنم صغارا أخذ منها صغارا.
وإن كانت الصغار من الابل والبقر أخذ منها كبارا أقل قيمة من كبيرة تؤخذ من الكبار.
وأن يأخذ زكاة الجواميس كالبقر سواء، وأن يأخذ زكاة بقر الوحش إذا اجتمع منها عند إنسان نصاب أو أكثر، فيأخذ منه بحسابه موافقة للامام أحمد رحمة الله تعالى.
وأن يأخذ زكاة خيل التجارة وقيمتها عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.
وأن يأخذ زكاة البغال والحمير إذا كانت للتجارة مثل زكاة الخيل.
وأن يأخذ زكاة الغنم المتولدة بين الظباء والغنم.
وأن يأخذ زكاة البقر المتولدة بين الانسية والوحشية، على الخلاف في ذلك.
وأن يأخذ زكاة الزرع المقتات الذي ينبته الآدميون، كالحنطة والشعير والدخن والذرة والارز والعلس والعدس والحمص والماش والباقلاء واللوبيا والقرطمان.
وأن يأخذ زكاة الثمار، وهي الرطب والعنب والزيتون والورس والقرطم، ممن انعقد في ملكه نصاب من الحبوب، أو بدا الصلاح في ما ملكه في النصاب من الثمار.
فالنصاب: أن يبلغ الجنس الواحد بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق، وهو ألف وستمائة رطل بالبغدادي، إلا الارز والعلس.
فإن نصابه عشرة أوسق مع قشره.
والواجب في ذلك كله: العشر.
وكل ما سقته السماء أو روي بلا آلة أخذ منه العشر، وما سقي بالنواضح والدوالي: أخذ منه نصف العشر.
وما شرب نصفه شهرا ونصفه شهرا: أخذ منه ثلاثة أرباع العشر، وإن جهل المقدار جعله نصفين.
ويأخذ فيما زاد على النصف بحسابه.
وأن يعتبر أحوال أرباب الاموال الباطنة.
فمن كان منهم معروفا بإخراج الزكاة وصرفها على الفقراء وكل أمر نفسه إليه.
وإن كان غير معروف بإخراج الزكاة أخذ منه زكاة ماله على نصاب الذهب - وقدره عشرون مثقالا - نصف مثقال، وعلى نصاب الورق - وقدره مائتا درهم - خمسة دراهم، وفيما زاد من النصابين بحسابه.
وأن يقوم عروض التجارة التي حال عليها الحول، ويأخذ الزكاة من قيمتها من كل مائتي درهم خمسة دراهم.

وأن يستوعب استخراج الزكوات جميعها على اختلاف أجناسها، ومن المعادن والركاز.
وأن يصرف الثمن من ذلك كاملا إلى العمال على ذلك، وهم أحد الاصناف الثمانية.
ثم يصرف الباقي في مصارفه من الفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم.
وهم ضربان في الرقاب، وهم المكاتبون.
وعلى الغارمين والغزاة في سبيل الله وابن السبيل.
وإن تعذر صنف من هذه الاصناف فرق نصيبهم على الباقين.
وأن يعتبر أحوال الفقراء والمساكين وبقية الاصناف المصروف إليهم.
فإن أمكن أن يعمهم فليفعل، وأن يصرف إليهم على قدر حاجتهم، وأن يسوي بينهم.
وإذا عم فقراء بلد وكفاهم، وفضل بعد ذلك شئ: نقله إلى فقراء أقرب البلاد إلى ذلك البلد.
وأن يعتبر أحوال المستحقين السائلين للزكاة.
فمن عرف أنه بصفة الاستحقاق عمل فيه بعمله.
وإذا ادعى الفقر والمسكنة لا يطالب بالبينة.
ويعطي الغازي وابن السبيل بقولهما.
ويطالب الغارم والمكاتب بالبينة.
وإن كان قد استفاض حالهما.
فيستغني بالاستفاضة عن البينة.
ويعطي الفقير والمسكين بقدر كفايتهما سنة كاملة.
والمكاتب والغارم قدر دينهما.
وابن السبيل ما يبلغه مقصده.
والغازي ما يحتاج إليه للنفقة والكسوة مدة الذهاب والمقام في موضع الغزوة، ويشتري له الفرس والسلاح، ويصير ذلك ملكا له.
ويشتري لابن السبيل المركوب إذا كان السفر طويلا، أو كان ضعيفا على المشي.
نصبه مولانا المقام الاعظم المشار إليه - خلد الله سلطانه، ونصر جيوشه وجنوده

جواهر العقود - المنهاجي الأسيوطي ج 2
جواهر العقود
المنهاجي الأسيوطي ج 2

جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود تأليف الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الاسيوطي القرن التاسع الهجري حققها وخرج أحاديثها مسعد عبد الحميد محمد السعدني الجزء الثاني دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1417 ه - 1996 م

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح وما يتعلق به من الاحكام النكاح جائز.
والاصل في جوازه: الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * وقوله تعالى: * (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) *.
وأما السنة: فقوله (ص): تناكحوا تناسلوا.
فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة، حتى بالسقط وفي السقط ثلاث لغات: بفتح السين، وضمها وكسرها - وهذا يدل على الجواز.
وأجمعت الامة على جواز النكاح.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانت مناكح الجاهلية على أربعة أقسام: أحدها.
تناكح الرايات، وهو أن المرأة كانت تنصب على بابها راية، فيعرف أنها عاهر.
فيأتيها الناس.
والثاني: أن الرهط من القبيلة والناحية كانوا يجتمعون على وطئ امرأة لا يخالطهم غيرهم.
فإذا جاءت بولد ألحق بأشبههم.
والثالث: نكاح الاستحباب، وهو أن المرأة كانت إذا أرادت أن يكون ولدها كريما، بذلت نفسها لعدة من فحول القبائل، ليكون ولدها كأحدهم.
والرابع: النكاح الصحيح: وهو الذي قال النبي (ص): ولدت من نكاح لا من سفاح وتزوج النبي (ص) خديجة بنت خويلد قبل النبوة من ابن عمها ورقة بن نوفل.
وكان الذي خطبها له عمه أبو طالب، فخطب وقال: الحمدلله الذي جعل بلدا حراما، وبيتا محجوجا، وجعلنا سدنته، وهذا محمد قد علمتم مكانه من العقل والنبل، وإن كان المال قل، إلا أن المال ظل

زائل، وعارية مستردة، وما أردتم من المال فعلي، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك.
فزوجها منه ابن عمها.
وروي أن النبي (ص) تزوج بنساء كثير.
ومات عن تسع.
وسأل رجل عمر عن النكاح؟ فقال: كان خيرنا أكثرنا نكاحا يعني النبي (ص).
والنكاح في اللغة: الضم والجمع.
يقال: تناكحت الاشجار، إذا انضم بعضها إلى بعض.
ويطلق على الوطئ، لاشتماله على الضم.
وفي الشرع: عبارة عن استباحة الوطئ بإيجاب وقبول وشاهدي عدل.
ويستحب النكاح لمن يحتاج إليه إذا وجد أهبته، وإن لم يجدها.
فالاولى أن لا ينكح، ويكسر شهوته بالصوم.
ويكره النكاح لمن لا يحتاج إليه، إن لم يجد أهبته.
وإن وجدها فلا يكره له، لكن الاشتغال بالعبادة أفضل.
والاحب نكاح البكر النسيبة، والتي ليست لها قرابة قريبة.
وتكون من ذوات الدين.
وإذا رغب الرجل في نكاح امرأة استحب له النظر إليها قبل الخطبة، أذنت أو لم تأذن.
وله تكرير النظر إليها.
ولا ينظر إلا إلى الوجه والكفين ظهرا وبطنا.
ويحرم نظر الفحل البالغ إلى الوجه والكفين من الحرة الكبيرة الاجنبية عند خوف الفتنة، وكذا عند الامن في أولى الوجهين.
ولا خلاف في تحريم النظر إلى ما هو عورة منها.
وللرجل أن ينظر من المحرم إلى ما يبدو عند المهنة، ولا ينظر إلى ما بين السرة والركبة.
وفيما بينهما وجهان.
أظهرهما: الحل.
والاظهر حل النظر إلى الامة، إلا ما بين السرة والركبة.
وإلى الصغيرة، إلا الفرج.
وإن نظر العبد إلى سيدته فله ذلك.
ونظر الممسوح: كالنظر إلى المحارم.
ونظر المراهق: كنظر البالغ، لا كنظر الطفل الذي لا يظهر على العورات.
وأما نظر الرجل إلى الرجل: فهو جائز في جميع البدن، إلا ما بين السرة والركبة، ويحرم النظر إلى الامرد بالشهوة.

ونظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى الرجل، إلا أن في نظر الذمية إلى المسلمة وجهان.
أحوطهما: المنع.
والاصح: أن للمرأة النظر إلى بدن الرجل الاجنبي، سوى ما بين السرة والركبة، إلا عند خوف الفتنة.
ونظرها إلى الرجال المحارم كنظر الرجال إلى نساء المحارم.
وحيثما يحرم النظر يحرم المس.
ويباحان للفصد، والحجامة، والمعالجة.
وللزوج أن ينظر إلى ما شاء من بدن زوجته.
ويخطب الخلية عن النكاح والعدة.
ويحرم التصريح بخطبة المعتدة.
وكذا التعريض إن كانت رجعية.
ولا يحرم في المتوفى عنها زوجها.
وفي البائنة قولان.
أصحهما: الجواز.
وتحرم الخطبة للغير بعد صريح الاجابة، إلا أن يأذن المجاب للغير.
والظاهر أنه لا تحرم الخطبة، إذا لم توجد إجابة ولا رد.
ومن استشير في حال الخاطب فله أن يصدق في ذكر مساويه.
ويستحب تقديم الخطبة على الخطبة وعلى العقد.
والاصح: أنه إذا قال الولي: الحمد لله والصلاة على رسول الله.
زوجت منك فقال الزوج: الحمد لله والصلاة على رسول الله.
قبلت يصح النكاح، بل يستحب ذلك.
والخلاف فيما إذا لم يطل الذكر بين الايجاب والقبول.
وإن طال لم يصح.
ولا يصح النكاح إلا بإيجاب، أو بقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك والقبول بأن يقول الزوج: تزوجت، أو نكحت، أو قبلت نكاحها، أو تزويجها ويجوز أن يتقدم لفظ الزوج على لفظ الولي.
وغير الانكاح والتزويج من الالفاظ، كالبيع والهبة والتمليك، لا يقوم مقامهما.
ولا يصح انعقاد النكاح بمعنى اللفظين بسائر اللغات.
ولا ينعقد النكاح بالكنايات.
وفي معناها إذا قال: زوجتكها فقال: قبلت واقتصر عليه على الاصح.
وإذا قال: زوجني فقال: زوجتك صح النكاح.
وكذا لو قال الولي: تزوجتها فقال: تزوجت.
ولا يصح النكاح إلا بحضور شاهدين.
ويعتبر فيهما الاسلام، والتكليف والحرية،

والعدالة، والذكورة والسمع.
فلا ينعقد بحضور الاصم.
وكذا الاعمى
في أصح الوجهين.
وفي الانعقاد بحضور ابني الزوجين وعدويهما خلاف، رجح منهما الانعقاد.
وينعقد بحضور مستوري العدالة، دون مستوري الاسلام والحرية.
ولو بان كون الشاهد فاسقا عند العقد، فالاصح أنه يتبين بطلان النكاح.
وطريق التبين: قيام البينة، أو إقرار الزوجين.
والاعتبار بقول الشاهدين: كنا فاسقين يومئذ.
ولو اعترف به الزوج وأنكرت المرأة فرق بينهما.
ولا يقبل قوله عليها في المهر، بل يجب نصفه إن لم يدخل بها، وتمامه إن كان بعد الدخول.
ويستحب الاشهاد على رضى المرأة حيث يعتبر رضاها، ولا يشترط.
والمرأة لا تزوج نفسها بإذن الولي ودونه، ولا غيرها بوكالة ولا ولاية.
ولا تقبل النكاح لاحد.
والوطئ في النكاح بلا ولي يوجب مهر المثل، ولا يوجب الحد.
ويقبل إقرار الولي بالنكاح إن كان مستقلا بالانشاء، وإن لم يكن لم يقبل إقراره عليها.
ويقبل إقرار البالغة العاقلة بالنكاح على الجديد.
وللاب تزويج ابنته البكر، صغيرة كانت أو كبيرة.
ولا يعتبر إذنها ومراجعتها.
ويستحب أن يراجعها.
وليس له تزويج الثيب إلا بإذنها، وإن كانت صغيرة لم تزوج حتى تبلغ.
والجد كالاب عند عدمه.
ولا فرق بين أن تزول البكارة بالوطئ الحلال أو غيره، ولا أثر لزوالها بعد الوطئ.
ومن على حاشية النسب - كالاخ والعم - لا يزوجون الصغيرة بحال.
ويزوجون الثيب البالغة بصريح الاذن.
والحكم في البكر كذلك، أو بالسكوت بعد المراجعة.
ويقدم من الاولياء: الاب، ثم الجد، ثم أبوه، ثم الاخ من الابوين، أو من الاب، ثم ابنه وإن سفل، ثم العم، ثم سائر العصبات على ترتيبهم في الميراث.
والاخ من الابوين يقدم على الاخ من الاب في أصح القولين.
ولا ولاية للابن بالبنوة.
فإذا كان ابن ابن عم، أو معتقا، أو قاضيا، لم تمنعه البنوة من التزويج.
وإذا لم يوجد أحد من الاقارب.
فالولاية للمعتق، ثم لعصباته على ترتيب الميراث.
ويزوج عتيقة المرأة من يزوج المعتقة ما دامت حية.
وإذا ماتت فالتزويج لمن له

الولاء.
وأصح الوجهين: أنه لا حاجة إلى رضا المعتقة إن كان التزويج في حياتها.
وإذا لم يوجد للمعتق عصبات فالولاية للسلطان.
وكذلك يزوج السلطان إذا عضل القريب أو المعتق.
وإنما يحصل لعضل إذا طلبت العاقلة البالغة تزويجها من كف ء فامتنع.
ولو عينت كفئا، وأراد الاب تزويجها من غيره فله ذلك في أظهر الوجهين.
ولا يتعين من عينته.
ولا ولاية للرقيق، ولا الصبي، ولا المجنون، ومختل النظر بالهرم أو الخبل.
وكذا السفيه المحجور عليه على الاظهر.
ومهما كان الاقرب ببعض هذه الصفات، فالولاية للابعد.
والاغماء إن كان مما لا يدوم غالبا، كالنوم، تنتظر إفاقته.
وإن كان مما يدوم أياما.
فأقرب الوجهين: أن الحكم كذلك.
والثاني: أنه تنتقل الولاية إلى الابعد.
ولا يقدح العمى في أصح الوجهين.
والظاهر من أصل المذهب: أنه لا ولاية للفاسق.
والكافر يلي نكاح ابنته الكافرة.
وإحرام المرأة يمنع صحة النكاح، لكن لا تنسلب به الولاية في أظهر الوجهين.
ويزوج السلطان عند إحرام الولي، لا الابعد.
وإذا غاب الاقرب إلى مسافة القصر زوجها السلطان.
وإن كانت الغيبة إلى دونها.
فأظهر الوجهين: أنها لا تزوج حتى يرجع الولي فيحضر أو يوكل.
وللولي المجبر التوكيل بالتزويج من غير إذن المرأة.
وأصح القولين: أنه لا يشترط
تعيين الزوج.
والوكيل يحتاط.
فلا يزوج من غير كف ء.
وأما غير المجبر: فإن نهته عن التوكيل لم يوكل.
وإن أذنت له وكل.
وإن قالت له: زوجني فهل له التوكيل؟ فيه وجهان.
أصحهما: نعم.
ولا يجوز له التوكيل من غير استئذانها في النكاح، في أصح الوجهين.
ويقول وكيل الولي: زوجت بنت فلان منك ويقول الولي لوكيل الخاطب: زوجت بنتي من فلان فيقول وكيله: قبلت نكاحها له.
ويجب على المجبر تزويج المجنونة البالغة، وتزويج المجنون عند ظهور الحاجة ولا يجب عليه تزويج البنت الصغيرة، ولا التزويج للصغير.
وعليه وعلى غير المجبر - إن

كان متعينا - الاجابة إذا التمست المرأة التزويج، وإن لم يكن متعينا - كإخوة وأعمام - والتمست التزويج من بعضهم.
فكذلك تجب الاجابة في أظهر القولين.
والاولى إذا اجتمع الاولياء في درجة واحدة أن يزوجها أفقههم وأقرؤهم وأسنهم، برضا الآخرين.
وإن تزاحموا أقرع بينهم.
ومع ذلك فلو زوج غير من خرجت له القرعة، وقد أذنت لكل واحد منهم.
فأصح الوجهين: صحته.
وإذا زوجها واحد من زيد، وآخر من عمرو، ولم يعرف السابق.
فهما باطلان.
ولو عرف سبق واحد على التعيين، ثم التبس، وجب التوقف إلى أن يتبين الحال.
فإن ادعى كل واحد من الزوجين على المرأة أنها تعلم سبق نكاحه سمعت دعواها بناء على الصحيح.
وهو قبول إقرارها بالنكاح.
وحينئذ فإن أنكرت حلفت.
وإن أقرت لاحدهما ثبت له النكاح.
وهل تسمع دعوى الثاني عليها؟ وهل له تحليفها؟ ينبني على القولين، فيما إذا قال: هذه الدار لزيد، لا بل لعمرو.
وللجد أن يتولى طرفي العقد في تزويج بنت ابنه من ابن ابن آخر.
وابن العم لا يزوج من نفسه، ولكن يزوجها ابن عم في درجته.
فإن لم يكن في درجته زوجها القاضي.
وإن كان الراغب القاضي زوجها من فوقه من الولاة، أو خليفته.
وكما لا يجوز للواحد تولى الطرفين، لا يجوز أن يوكل وكيلا بأحد الطرفين، أو وكيلين بالطرفين في أصح الوجهين.
وإذا زوج الولي موليته من غير كف ء برضاها، أو بعض الاولياء المستوين برضاها ورضا الباقين.
صح النكاح.
ولو زوجها الاقرب منه برضاها، لم يكن للابعد اعتراض.
ولو زوجها أحد الاولياء برضاها دون رضى الآخرين.
فهل يبطل النكاح، أو يصح، ولهم الاعتراض بالفسخ؟ فيه قولان.
أصحهما: الاول.
ويجري القولان في تزويج البكر الصغيرة والبالغة من غير كف ء بغير رضاها.
فيبطل في أصحهما، ويصح في الآخر.
وللبالغة الخيار.
وللصغيرة إذا بلغت في القول الثاني.
والتي يلي أمرها السلطان إذا التمست تزويجها من غير كف ء، فأظهر الوجهين: أنه لا يجيبها إليه.

وخصال الكفاءة: هي السلامة من العيوب التي يثبت بها الخيار.
فمن به بعضها لا يكون كفئا للسليمة منها.
والحرية.
فالرقيق ليس بكف ء لحرة، أصلية كانت أو عتيقة.
والعتيق ليس كفئا للحرة الاصلية.
والنسب فالعجمي ليس كفئا للعربية وغير القرشي ليس كفئا للقرشية، وغير الهاشمي ليس كفئا للهاشمية، والمطلبي للهاشمية والمطلبية.
والظاهر اعتبار النسب في العجم، كما يعتبر في العرب.
والعفة.
فالفاسق ليس كفئا للعفيفة.
والحرفة.
فأصحاب الحرفة الدنيئة ليسوا بأكفاء للاشراف وسائر المحترفة.
والكناس والحجام وقيم الحمام والحارس لا يكافئون ابنة الخياط.
والخياط لا يكافئ ابنة التاجر والبزاز.
وهما لا يكافئان ابنة العالم والقاضي.
وأظهر الوجهين: أن اليسار لا يعتبر في خصال الكفاءة.
فإن بعض الخصال لا يقابل ببعض.
ولا يجوز للاب أن يقبل لابنه الصغير نكاح الامة.
والاظهر: أنه لا يقبل نكاح المعيبة أيضا، وأنه لا يجوز أن يقبل نكاح من لا تكافئه من سائر الوجوه.
والمجنون الصغير لا يزوج ألبتة.
وكذا الكبير، إلا أن تدعو الحاجة إلى التزويج منه.
وإذا جاز التزويج منه فلا يزاد على واحدة.
ويجوز أن يزوج من الصغير العاقل أكثر من واحدة.
والمجنونة يزوجها الاب والجد، صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا أو ثيبا.
ويكفي في تزويجها ظهور المصلحة.
ولا تشترط الحاجة.
والتي لا أب لها ولا جد لا تزوج إن كانت صغيرة.
وإن كانت بالغة.
فالاظهر أنه لا يزوجها إلا السلطان.
وإنما يزوجها للحاجة دون المصلحة في أظهر الوجهين.
والمحجور عليه بالسفه لا يستقل بالنكاح، بل يتزوج بإذن الولي، أو يقبل له الولي النكاح.
فإذا أذن له وعين امرأة لم ينكح غيرها.
وينكحها بمهر المثل، أو بما دونه، فإن زاد صح النكاح على الاصح، ورد إلى مهر المثل.
ولو قال: انكح بألف، ولم يعين امرأة بالذات ولا بالنوع.
نكح امرأة بأقل الامرين من مهر المثل.

ولو أطلق الاذن فالاصح صحته.
وينكح بمهر المثل من تليق به، ولو قبل الولي
النكاح له.
فيحتاج إلى استئذانه في أصح القولين، ويقبل بمهر المثل، أو بما دونه.
فإن زاد بطل في أحد القولين.
وصح بمهر المثل في أصحهما.
وإن نكح السفيه بغير إذن الولي فالنكاح باطل.
وإذا دخل بها فيجب مهر المثل، أو أقل ما يتمول، أو لا يجب شئ؟ فيه وجوه.
رجح منها الثالث.
والمحجور عليه بالفلس له أن ينكح، لكن لا يصرف ما في يده إلى مؤن النكاح، بل يتعلق بكسبه.
ونكاح العبد بغير إذن السيد باطل، وبإذنه صحيح.
ويجوز أن يطلق الاذن، وأن يقيد بامرأة بعينها، أو بواحدة من القبيلة أو البلدة.
ولا يعدل العبد عما أذن له فيه.
وليس للسيد إجبار العبد على النكاح في أصح القولين.
ولا تلزمه الاجابة إذا طلب العبد النكاح في أصح الوجهين.
وله إجبار أمته على النكاح، صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا.
ولا يلزمه التزويج إذا طلبته، إن كانت ممن تحل له.
وكذا إن لم تكن في أصح الوجهين.
وإذا زوج السيد أمته، فيزوجها بالملك أو بالولاية؟ فيه وجهان.
أظهرهما: الاول، حتى يزوج الفاسق أمته.
ولو سلبناه الولاية بالفسق.
ويزوج المسلم أمته الكتابية، ويزوج المكاتب أمته.
فائدة: يقال: زوج للرجل والمرأة.
وأما زوجة فقليل.
ونقل الفراء أنها لغة تميم.
وأنشد قول الفرزدق: وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستميلها وفي الحديث عن عمار بن ياسر في حق عائشة رضي الله عنها: والله إني لاعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ذكره البخاري.
واختاره الكسائي.
فرع: يجوز للمسلم أن يزوج الكافر كافرة في ثلاثة مواضع: إذا لم يكن لها ولي من النسب يزوجها الحاكم.
وإذا كان لمسلم أمة كارة يزوجها وليها المسلم من كافر.
لغز: امرأة يزوجها الحاكم مع حضور الاخ الرشيد، وهو غير عاضل ولا محرم.
وهي المجنونة البالغة.
مسألة: رجل زوج أمه وهي بكر بولاية صحيحة.
ما صورته؟

الجواب: هذا صغير له أخت بالغة نزل لها لبن.
فرضع منه أخوها.
فلما كبر الابن زوج أخته.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: الاجماع منعقد على أن النكاح من العقود الشرعية المنسوبة بأصل الشرع.
واتفق الائمة على أن من تاقت نفسه إليه، وخاف العنت - وهو الزنا - فإنه يتأكد في حقه، ويكون أفضل له من الجهاد والحج وصلاة التطوع وصوم التطوع.
والنكاح مستحب لمحتاج إليه يجد أهبته عند الشافعي ومالك.
وقال أحمد: متى تاقت نفسه إليه وخشي العنت وجب.
وقال أبو حنيفة: باستحبابه مطلقا بكل حال.
وهو عنده أفضل من الانقطاع للعبادة.
وقال داود: بوجوب النكاح على الرجل والمرأة، مرة في العمر مطلقا.
وإذا قصد نكاح امرأة سن نظره إلى وجهها وكفيها بالاتفاق.
وقال داود: بجوازه إلى سائر جسدها، سوى السوأتين.
والاصح من مذهب الشافعي: جواز النظر إلى فرج الزوجة والامة وعكسه.
وبذلك قال أبو حنيفة ومالك وأحمد.
ومملوك المرأة: نص الشافعي على أنه محرم عليها.
فيجوز نظره إليها.
وهذا هو الاصح عند جمهور أصحابه.
وقال الشيخ أبو حامد: الصحيح عند أصحابنا: أن العبد لا يكون محرما لسيدته.
وقال النووي: هذا هو الصواب، بل ينبغي أن لا يجري فيه خلاف، بل يقطع بتحريمه.
والقول بأنه محرم لها: ليس له دليل ظاهر.
فإن الصواب في الآية أنها في الاماء.
ولا يصح النكاح إلا من جائز التصرف.
عند عامة الفقهاء.
وقال أبو حنيفة: يصح نكاح الصبي والسفيه موقوفا على إجازة الولي.
ويجوز للولي - غير الاب - أن يزوج اليتيم قبل بلوغه، إذا كان مضطرا له، كالاب عند الثلاثة.
ومنع الشافعي من هذا.

ولا يصح نكاح العبد بغير إذن مولاه عند الشافعي وأحمد.
وقال مالك: يصح وللولي فسخه عليه.
وقال أبو حنيفة: يصح موقوفا على إجازة الولي.
فصل: ولا يصح النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بولي ذكر.
فإن عقدت المرأة النكاح لا يصح.
وقال أبو حنيفة: للمرأة أن تتزوج بنفسها، وأن تؤكل في نكاحها إذا كانت من أهل التصرف في مالها، ولا اعتراض عليها، إلا أن تضع نفسها في غير كف ء فيعترض الولي عليها.
وقال مالك: إن كانت ذات شرف وجمال يرغب في مثلها، لم يصح نكاحها إلا بولي.
وإن كانت بخلاف ذلك.
جاز أن يتولى نكاحها أجنبي برضاها.
وقال داود: إن كانت بكرا لم يصح نكاحها بغير ولي.
وإن كانت ثيبا صح.
وقال أبو ثور وأبو يوسف: يصح إن تزوجت بإذن وليها، وإن تزوجت بنفسها، أو ترافعا إلى حاكم حنفي حكم بصحته: نفذ.
وليس للشافعي نقضه، إلا عند أبي سعيد الاصطخري.
فإن وطئها قبل الحكم فلا حد عليه.
إلا عند أبي بكر الصيرفي إن اعتقد تحريمه.
وإن طلقها قبل الحكم لم يقع إلا عند أبي إسحاق المروزي احتياطا.
فإن كانت المرأة في موضع ليس فيه حاكم ولا ولي.
فوجهان.
أحدهما: تزوج نفسها.
والثاني: ترد أمرها إلى رجل من المسلمين يزوجها.
وقال المستظهري: وهذا لا يجئ على أصلنا.
وكان الشيخ أبو إسحاق يختار في مثل هذا: أن يحكم فقيها من أهل الاجتهاد في ذلك، بناء على التحكيم في النكاح.
فصل: وتصح الوصية بالنكاح عند مالك، ويكون الوصي أولى من الولي بذلك.
وقال أبو حنيفة: إن القاضي يزوج.
وقال الشافعي: لا ولاية لوصي مع ولي، لان عارها لا يلحقه.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: وهذا الاطلاق في القليل فاسد.
فالحاكم إذا زوج المرأة لا يلحقه ما قاله.
فصل: وتجوز الوكالة في النكاح.
وقال أبو ثور: لا تدخل الوكالة فيه.
والجد أولى من الاخ.
وقال مالك: الاخ أولى من الاب، والام أولى من الاخ للاب عند أبي حنيفة والشافعي في أصح قوليه.
وقال مالك: هما سواء.
ولا ولاية للابن على أمه بالبنوة

عند الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: تثبت له الولاية.
وقدمه مالك وأبو يوسف على الاب.
وقال أحمد: الاب أولى.
وفي الجد عنه روايتان.
وهو قول أبي حنيفة.
فصل: ولا ولاية للفاسق عند الشافعي وأحمد.
ومن أصحابه من قال: إن كان الولي أبا أو جدا فلا ولاية له مع الفسق، وإن كان غيرهما من العصبات تثبت له الولاية مع الفسق.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: إن كانت العصبة منقطعة، انتقلت الولاية إلى الابعد.
وإن كانت غير منقطعة لم تنتقل.
والمنقطع عند أبي حنيفة وأحمد: هو الغيبة في مكان لا تصل إليه القافلة في السنة إلا مرة واحدة.
وإذا غاب الولي عن البكر وخفي خبره، ولم يعلم له مكان.
قال مالك: يزوجها أخوها بإذنها.
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه خلافا للشافعي.
فصل: وللاب والجد تزويج البكر بغير رضاها، صغيرة كانت أو كبيرة.
وبه قال مالك في الاب.
وهو أشهر الروايتين عن أحمد والجد.
وقال أبو حنيفة: تزويج البكر البالغة العاقلة بغير رضاها.
لا يجوز لاحد بحال.
وقال مالك وأحمد في إحدى الروايتين: لا يثبت للجد ولاية الاجبار.
ولا يجوز لغير الاب تزويج الصغيرة حتى تبلغ وتأذن.
وقال أبو حنيفة: يجوز لسائر العصبات تزويجها، غير أنه لا يلزم العقد في حقها.
فيثبت لها الخيار إذا بلغت.
وقال أبو يوسف: يلزمها عقدهم.
فصل: والبكر إذا ذهبت بكارتها بوطئ ولو حراما، لم يجز تزويجها إلا بإذنها إن كانت بالغة.
وإن كانت صغيرة فمتى تبلغ وتأذن.
فعلى هذا إذا زالت البكارة قبل بلوغها لم تتزوج عند الشافعي حتى تبلغ، سواء كان المزوج أبا أو غيره.
وقال أحمد: إذا بلغت تسع سنين: صح إذنها في النكاح وغيره.
والرجل إذا كان هو الولي للمرأة إما بنسب أو ولاء أو حكم.
كان له أن يزوج نفسه منها عند أبي حنيفة ومالك على الاطلاق.
وقال أحمد: يوكل غيره كيلا يكون موجبا قابلا.
وقال الشافعي: لا يجوز له القبول بنفسه، ولا يوكل غيره.
بل يزوجه حاكم غيره ولو خليفته.
وعن بعض أصحابه: الجواز.
وبه عمل أبويحيى البلخي قاضي دمشق.
فإنه تزوج امرأة ولي أمرها من نفسه.
وكذلك من أعتق أمته ثم أذنت له في نكاحها من نفسه جاز له عند أبي حنيفة

ومالك أن يلي نكاحها من نفسه.
وكذلك من له بنت صغيرة يجوز له أن يوكل من خطبها منه في تزويجها من نفسه عند مالك وأبي حنيفة وصاحبيه.
فصل: وإذا اتفق الاولياء والمرأة على نكاح غير الكف ء: صح العقد عند الثلاثة وقال أحمد: لا يصح.
وإذا زوجها أحد الاولياء برضاها من غير كف ء: لم يصح عند الشافعي.
وقال مالك: اتفاق الاولياء واختلافهم سواء.
وإذا أذنت في تزويجها المسلم.
فليس لواحد من الاولياء الاعتراض على ذلك.
وقال أبو حنيفة: يلزم النكاح.
فصل: والكفاءة عند الشافعي في خمسة: الدين، والنسب، والصنعة، والحرية، والخلو من العيب.
وشرط بعض أصحابه اليسار.
وقول أبو حنيفة كقول الشافعي، لكنه لم يعتبر الخلو من العيب.
ولم يعتبر محمد بن الحسن الديانة في الكفاءة، إلا أن يكون يسكر ويخرج، فيسخر منه الصبيان.
وعند مالك أنه قال: الكفاءة في الدين لا غير.
قال ابن أبي ليلى: الكفاءة في الدين والنسب والمال.
وهي رواية عن أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف: والمكسب.
وهي رواية عن أبي حنيفة.
وعن أحمد رواية كمذهب الشافعي.
وأخرى: أنه يعتبر الدين والصنعة.
ولاصحاب الشافعي رحمه الله في السن وجهان.
كالشيخ مع الشابة.
وأصحهما: أنه لا يعتبر.
وهل فقد الكفاءة يؤثر في بطلان النكاح أم لا؟ قال أبو حنيفة: يوجب للاولياء حق الاعتراض.
وقال مالك: يبطل النكاح.
وللشافعي قولان.
أصحهما: البطلان، إلا إذا حصل معه رضى الزوجة والاولياء.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: البطلان.
وإذا طلبت المرأة التزويج من كف ء بدون مهر مثلها: لزم الولي إجابتها، عند الشافعي ومالك وأحمد وأبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه ذلك.
ونكاح من ليس بكف ء في النسب: غير محرم بالاتفاق.
وإذا زوج الاب والجد الصغيرة بدون مهر مثلها، بلغ به مهر المثل عند الشافعي.
وقال [ قع أبو حنيفة ومالك وأحمد: يلزم ما سماه.

وإذا كان الاقرب من أهل الولاية موجودا، فزوجها الابعد: لم يصح عند الثلاثة.
وقال مالك: يصح، إلا في الاب في حق البكر والوصي.
فإنه يجوز عند الاربعة التزويج.
وإذا زوج المرأة وليان بإذنها من رجلين، وعلم السابق.
فالثاني: باطل عند الشافعي وأبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك: إن دخل بها الثاني مع الجهل بحال الاول.
بطل الاول.
وصح الثاني.
وإن لم يعلم السابق بطلا.
وإذا قال رجل: فلانة زوجتي وصدقته: ثبت النكاح باتفاقهما عند الثلاثة.
وقال مالك: لا يثبت النكاح، حتى يرى داخلا وخارجا من عندها، إلا أن يكون في سفر.
فصل: ولا يصح النكاح إلا بشهادة عند الثلاثة.
وقال مالك: يصح من غير شهادة، إلا أنه اعتبر الاشاعة وترك التواصي على الكتمان، حتى لو عقد في السر واشترط كتمان النكاح فسخ عند مالك.
وعند أبي حنيفة والشافعي وأحمد: لا يضر كتمانهم مع حضور الشاهدين ولا يثبت النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بشاهدين عدلين ذكرين.
وقال أبو حنيفة: ينعقد برجل وامرأتين، وبشهادة فاسقين.
وإذا تزوج مسلم ذمية لم ينعقد النكاح إلا بشهادة مسلمين عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: ينعقد بذميين.
والخطبة في النكاح ليست بشرط عند جميع الفقهاء، إلا داود.
فإنه قال باشتراط الخطبة عند العقد، مستدلا بفعل النبي (ص).
فصل: ولا يصح النكاح عند الشافعي وأحمد إلا بلفظ: التزويج، والانكاح.
وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأييد في حال الحياة، وقد روي عنه في لفظ: الاجارة روايتان.
وقال مالك: ينعقد بذلك مع ذكر المهر.
وإذا قال: زوجت بنتي من فلان، فبلغه.
فقال: قبلت النكاح، لم يصح عند عامة الفقهاء.
وقال أبو يوسف: يصح، ويكون قوله: زوجت فلانا جميع العقد.
ولو قال: زوجتك بنتي فقال: قبلت فللشافعي قولان.
أصحهما: أنه لا يصح حتى يقول: قبلت نكاحها.
والثاني: يصح.
وهو قول أبي حنيفة وأحمد.

ولا يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية بولاية كتابي عند أحمد.
وأجازه الثلاثة.
فصل: وللسيد إجبار عبده الكبير على النكاح عند أبي حنيفة ومالك، وعلى القديم من قولي الشافعي.
ولا يملك ذلك عند أحمد، وعلى الجديد من قولي الشافعي، ويجبر السيد على بيع العبد أو إنكاحه إذا طلب منه الانكاح فامتنع عند أحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجبر.
وللشافعي قولان، كالمذهبين، أصحهما لا يجبر.
ولا يلزم الابن إعفاف أبيه، وهو إنكاحه إذا طلب النكاح عند أبي حنيفة ومالك.
وأظهر الروايتين عن أحمد: أنه يلزمه.
وهو نص الشافعي.
قال محققو أصحابه: بشرط حرية الاب.
وكذلك عنده يلزم إعفاف الاحرار من جهة الاب وكذا من جهة الام.
فصل: ويجوز للولي أن يزوج أم ولده بغير رضاها عند أبي حنيفة وأحمد.
وللشافعي في ذلك أقوال.
أصحها: كمذهب أبي حنيفة ولاحمد روايتان: ولو قال: أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها بحضرة شاهدين.
فعند أبي حنيفة ومالك والشافعي: النكاح غير منعقد.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كمذهب الجماعة.
والثانية: الانعقاد.
وثبوت العتق صحيح بالاجماع.
ولو قالت الامة لسيدها: أعتقني على أن أتزوجك، ويكون عتقي صداقي فأعتقها.
قال الاربعة: يصح العتق.
وأما النكاح: فقال أبو حنيفة والشافعي: هي بالخيار، إن شاءت تزوجته وإن
شاءت لم تتزوجه.
ويكون لها إن اختارت صداق مستأنف.
فإن كرهته فلا شئ عليها عند أبي حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: له قيمة نفسها.
وقال أحمد: تصير حرة.
ويلزمها قيمة نفسها.
وإن تراضيا بالعقد كان العتق مهرا، ولا شئ لها سواء.
انتهى.
باب ما يحرم من النكاح يحرم نكاح الامهات.
وكل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدتك فهي أمك.
ويحرم نكاح البنات.
وكل أنثى ولدتها أو ولدت من ولدها فهي بنتك إلا البنت المخلوقة من ماء الزنا.
وإذا ولدت من الزنا لم يحل لها نكاح ولدها.
ونكاح الاخوات وبنات الاخوة والاخوات ونكاح العمات.
وكل أنثى هي أخت ذكر

ولدك فهي عمتك.
ونكاح الخالات.
وكل أنثى هي أخت أنثى ولدتك.
فهي خالتك.
وهؤلاء السبع يحرمن من الرضاع كما يحرمن من النسب.
وكل امرأة أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو من ولدك أو ولدت مرضعتك أو من لبنها منه، فهي أم من الرضاع.
وعلى هذا: قياس سائر الاصناف.
وإذا أرضعت أجنبية أخاك لم تحرم عليك.
وإن حرمت أم الاخ في النسب، وكذلك إذا أرضعت أجنبية ولدك لم تحرم أمها ولا بنتها عليك.
وإن كانت تحرم جدة الولد وأخته في النسب.
ولا تحرم أخت الاخ في النسب ولا في الرضاع.
وصورتها: أن ترضعك امرأة وترضع صغيرة أجنبية منك يجوز لاخيك نكاحها.
ويحرم من جهة المصاهرة بالنكاح الصحيح: أمهات الزوجة من الرضاع والنسب.
والوطئ في ملك اليمين يحرم الموطوءة على ابن الواطئ وأبيه، وأمها وبنتها على الواطئ.
وكذلك الحكم في الوطئ بالشبهة إذا شملت الشبهة الرجل والمرأة.
وإن اختصت بأحدهما فكذلك في أحد الوجهين.
والاعتبار بالرجل في أصحهما، حتى يثبت التحريم إذا اشتبه الحال عليه.
والزنا لا يثبت حرمة المصاهرة.
ولا يلحق سائر المباشرات بالوطئ على الاصح.
وإذا اختلطت محرم بأجنبيات معدودات لم ينكح واحدة منهن.
وإذا اختلطت بنساء بلدة أو قرية كبيرة لم يحرم عليه النكاح منهن.
وما يثبت التحريم المؤبد إذا طرأ على النكاح قطعه.
وذلك كما إذا وطئ منكوحة الرجل ابنه أو أبوه بالشبهة.
والجمع بين الاختين من النسب والرضاع حرام.
فإذا نكح أختين معا فالنكاحان باطلان.
وإن نكحهما على الترتيب فالثاني باطل.
وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها من النسب والرضاع.
وكل امرأتين يحرم الجمع بينهما في النكاح يحرم الجمع بينهما في الوطئ بملك اليمين.
ولا يحرم الجمع في الملك.
وإذا ملك أختين فوطئ إحداهما حرمت الاخرى إلا أن يحرم الاولى، إما بإزالة الملك بالبيع أو غيره، أو إزالة الحل بالتزويج والكتابة.
ولو عرض الحيض أو الاحرام لم

يكف.
وكذا الرهن في أصح الوجهين.
وإذا ملك إحدى الاختين ثم نكح الاخرى: صح النكاح.
وحلت المنكوحة وحرمت الاولى.
ولو كان في نكاحه إحداهما، ثم ملك الاخرى: فهي حرام عليه.
والمنكوحة حلال كما كانت.
ولا يجمع الحر في النكاح بين أكثر من أربع نسوة، ولا العبد بين أكثر من اثنتين.
فلو نكح الحر خمسا معا بطل نكاح الحر، أو نكحهن على الترتيب بطل نكاح الخامسة.
إذا طلقهن أو بعضهن طلاقا بائنا.
ولا يجوز إذا كان رجعيا حتى تبين.
وكذا نكاح الاخت فرع: لما خص الله تعالى رسوله (ص) في عدة الاخت بوحيه.
وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته، افترض عليه أشياء خففها على خلقه، ليزيده بها إن شاء الله تعالى قربة.
وأباح له أشياء حظرها على غيره زيادة في كرامته، وتبيينا لفضله.
وقد صح أنه (ص) خص بأحكام في النكاح وغيره، لم يشاركه غيره فيها.
منها: أنه (ص) أبيح له أن ينكح من النساء أي عدد شاء.
وحكى الطبري في العدة وجها آخر: أنه لم يبح له أن يجمع بين أكثر من تسع.
والاول هو المشهور.
وروي أن النبي (ص) نكح ثمان عشرة امرأة.
وقيل: بل خمس عشرة، وجمع بين أربع عشرة.
وقيل: بين إحدى عشرة.
ومات عن تسع: عن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم سلمة بنت أبي أمية، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي بن أخطب، وزينب بنت جحش الكلبية.
فهؤلاء ثمان نسوة.
وكان يقسم لهن إلى أن مات.
والتاسعة: سودة بنت زمعة.
كانت وهبت ليلتها لعائشة.
وكان (ص) إذا رغب في نكاح امرأة مزوجة.
وعلم زوجها بذلك، وجب عليه أن يطلقها.
كامرأة زيد بن حارثة.
انتهى.
وإذا طلق الحر زوجته ثلاثا قبل الدخول أو بعده لم يحل له نكاحها، حتى تنكح زوجا غيره، ويدخل بها، وتنقضي عدتها منه بعد أن يفارقها.
والطلقتان من العبد كالثلاث من الحر.
ويشترط للحل أن يصيب منها الثاني في نكاح صحيح في أصح القولين.

وفي الثاني: يحصل الحل بالاصابة في الفاسد أيضا.
والمعتبر تغييب الحشفة، أو
مقدارها من مقطوع الحشفة.
وأصح الوجهين: أنه يشترط انتشار الآلة.
فلا يكفي إصابة الطفل.
فلو نكحها الزوج الثاني بشرط أن لا نكاح بينهما وإذا أصابها بانت منه.
فالنكاح باطل.
وكذا إذا نكحها على شرط أن يطلقها حينئذ في أصح الوجهين.
ولا ينكح الرجل التي يملكها كلها أو بعضها.
ولو ملك زوجته أو بعضها انفسخ النكاح.
وكذلك لا تنكح المرأة من تملك كله أو بعضه.
ولا ينكح مملوكة الغير، إلا بشروط.
أحدها: أن لا يكون تحته حرة.
والاحوط المنع.
وإن كانت لا تصلح للاستمتاع.
والثاني: أن لا يقدر على نكاح حرة، إما لانه لا يجد صداقها، أو لانه لا يجد امرأة ينكحها.
ولو قدر على نكاح حرة غائبة.
فله نكاح الامة إن كانت تلحقه مشقة ظاهرة بالخروج إليها، أو كان لا يأمن من الوقوع في الزنا في مدة قطع المسافة، وإلا لم ينكحها.
ولو قدر على نكاح حرة رتقاء أو صغيرة، فعلى الخلاف المذكور فيما إذا كانت تحته حرة لا تصلح للاستمتاع.
والاصح: أنه لا يملك نكاح الامة إن وجد حرة ترضى بمهر مؤجل.
والثالث: أن يخاف الوقوع في الزنا.
فإن قدر على شراء جارية يتسراها لم ينكح الامة في أصح الوجهين.
والرابع: أن تكون الامة التي ينكحها مسلمة.
ولا يحل له نكاح الامة الكتابية.
والاصح: أنه يجوز أن ينكح الحر والعبد الكتابيان الامة الكتابية.
وأن العبد المسلم لا ينكحها.
والتي تبعض فيها الرق والحرية فهي كالرقيقة، حتى لا ينكحها الحر إلا بالشرائط المذكورة.
ولو نكح الحر الامة، ثم أيسر، أو نكح حرة: لم ينفسخ نكاح الامة.
ولو جمع من لا يحل له نكاح الامة بين حرة وأمة في عقد واحد: بطل نكاح الامة.
وأصح القولين: صحة نكاح الحرة.

وقال صاحب التتمة: إذا طلق زوجته الامة ثلاثا ثم اشتراها.
هل تحل له بملك اليمين أم لا؟ فيه وجهان.
أصحهما: أنه لا يحل له وطؤها، لان الله تعالى قال: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) * وذلك اقتضى التحريم على الاطلاق.
وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال - في الرجل يطلق الامة ثلاثا ثم يشتريها - إنها لا تحل له، حتى تنكح زوجا غيره.
والثاني: يحل.
لان حكم ملك اليمين أوسع من حكم النكاح.
ولهذا لم ينحصر العدد في ملك اليمين.
ولهذا قلنا: إن الامة الكتابية لا تحل بالنكاح، وتحل بملك اليمين.
والامة محمولة على الاستباحة بحكم النكاح.
فائدة: من تحرير التنبيه.
قال الواحدي: أكثر استعمال العرب في الآدميات الامهات وفي غيرهن من الحيوانات الامات بحذف الهاء.
وجاء في الآدميات الامات بحذفها.
وفي غيرهن إثباتها.
ويقال في الام: أمة والهاء في أمة، وأمهات زائدة عند الجمهور.
وقيل: أصلية.
قال ابن الانباري: الاصل أم ثم يقال في الندا: يا أماه.
فيدخلون هاء السكت عليها.
وبعض العرب يسقط الالف.
ويشبهون هاء السكت بتاء التأنيث.
فيقولون: يا أمة.
كما قالوا: يا أبت.
ومنه أيضا: السرية بضم السين.
قال الازهري وغيره: هي فعلية من السر.
وهو الجماع.
سمي سرا لانه يفعل سرا.
وقالوا: سرية بالضم ولم
يقولوها بالكسر ليفرقوا بين الزوجة والامة.
كما قالوا للشيخ الذي أتت عليه دهور دهري بالضم.
وللملحد دهري بالفتح.
وكلاهما نسبة إلى الدهر.
وقال أبو الهيثم: هي مشتقة من السر، وهو السرور.
لان صاحبها يسر بها.
قال الازهري: هذا القول أحسن.
قال: والاول أكثر.
وقال الجوهري: هي مشتقة من السر، وهو الجماع.
ومن السر، وهو الاخفاء.
لانه يخفيها عن زوجته.
ويسترها أيضا من ابتذال غيرها من الاماء.
قال ويقال: تسررت جارية وتسريت.
كما قالوا: تظننت وتظنيت من الظن.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: أم المرأة تحرم على التأبيد بمجرد العقد على البنت بالاتفاق.
وحكي عن علي

وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: إن طلقها قبل الدخول كان له أن يتزوج بأمها.
وإن ماتت قبل الدخول لم يجز له تزوج أمها.
فجعل الموت كالدخول.
وتحرم الربيبة بالدخول بالام بالاتفاق، وإن لم تكن في حجر زوج أمها.
وقال داود: يشترط أن تكون الربيبة في كفالته.
وتحريم المصاهرة يتعلق بالوطئ في ملك.
فأما المباشرة فيما دون الفرج بشهوة: فهل يتعلق بها التحريم؟ قال أبو حنيفة: يتعلق بالتحريم بذلك، حتى قال: إن النظر إلى الفرج كالمباشرة في تحريم المصاهرة.
فصل: والزانية: يحل نكاحها عند الثلاثة: وقال أحمد: يحرم نكاحها حتى تتوب.
ومن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها، ولا نكاح أمها وبنتها عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يتعلق تحريم المصاهرة بالزنا.
وزاد عليه أحمد، فقال: إذا تلوط بغلام، حرمت عليه أمه وبنته.
ولو زنت امرأة لم ينفسخ نكاحها بالاتفاق.
وروي عن علي والحسن البصري: أنه
ينفسخ.
ولو زنت امرأة ثم تزوجت حل للزوج وطؤها عند الشافعي وأبي حنيفة من غير عدة، لكن يكره وطئ الحامل حتى تضع.
وقال مالك وأحمد: يجب عليها العدة.
ويحرم على الزوج وطؤها حتى تنقضي عدتها.
وقال أبو يوسف: إذا كانت حاملا حرم نكاحها، حتى تضع.
وإن كانت حائلا لم تحرم ولم تعتد.
وهل يحل نكاح المتولدة من زنا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا تحل.
وقال الشافعي: تحل مع الكراهة.
وعن مالك روايتين كالمذهبين.
فصل: والجمع بين الاختين في النكاح حرام.
وكذا بين المرأة وعمتها أو خالتها، وكذا يحرم الوطئ بملك اليمين.
وقال داود: لا يحرم الجمع بين الامتين في الوطئ بملك اليمين، وهو رواية عن أحمد.
وقال أبو حنيفة: يصح نكاح الاخت، غير أنه لا يحل له وطئ المنكوحة حتى يحرم الموطوءة على نفسه.
فصل: إنما يجوز للحر نكاح الامة بشرطين: خوف العنت، وعدم الطول لنكاح

حرة.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك مع عدم الشرطين.
وإنما المانع من ذلك عنده أن يكون تحته زوجة حرة، أو معتدة منه.
ولا يحل للمسلم نكاح الكتابية عند الشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يحل.
ولا يجوز لمن لا يحل له نكاح الكفار وطئ إمائهم بملك اليمين بالاتفاق.
وقال أبو ثور: إنه يحل وطئ جميع الاماء بملك اليمين على أي دين كن.
ولا يجوز للحر أن يزيد في نكاح الاماء على أمة واحدة عند الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز له أن يتزوج من الاماء أربعا، كما يتزوج من الحرائر
أربعا.
والعبد يجوز له أن يجمع بين زوجتين فقط عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: هو كالحر في جواز جمع الاربع.
ويجوز للرجل عند الشافعي أن يتزوج بامرأة زنى بها.
ويجوز له وطؤها من غير استبراء.
وكذا عند أبي حنيفة، ولكن لا يجوز وطؤها له، حتى يستبرئها بحيضة أو بوضع الحمل إن كانت حاملا.
وكره مالك التزوج بالزانية مطلقا.
وقال أحمد: لا يجوز أن يتزوجها إلا بشرطين: وجوب التوبة منها.
واستبراؤها بوضع الحمل، أو بالاقراء، أو بالشهور.
وأجمعوا على أن نكاح المتعة باطل، لا خلاف بينهم في ذلك.
وصفته: أن يتزوج امرأة إلى مدة.
فيقول: تزوجتك إلى شهر أو سنة.
ونحو ذلك.
وهو باطل منسوخ بإجماع العلماء بأسرهم قديما وحديثا.
وورد جواز ذلك عن ابن عباس.
والصحيح عنه: القول ببطلانه.
ولكن حكى زفر عن الحنفية: أن الشرط يسقط، ويصح النكاح على التأبيد إذا كان بلفظ التزويج.
وإن كان بلفظ المتعة فهو موافق للجماعة.
ونكاح الشغار باطل عند الشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: العقد صحيح والمهر فاسد.
وصفته: أن يقول أحد المتعاقدين للآخر: زوجتك أختي على أن تزوجني ابنتك بغير صداق، أو زوجتك مولاتي على أن تزوجني مولاتي بغير صداق.
وهو باطل عند الشافعي، إلا أنه لا يكون شغارا عنده حتى يقول: وبضع كل واحدة مهر الاخرى.

وإذا تزوج امرأة على أن يحلها لمطلقها ثلاثا، وشرط أنه إذا وطئها، فهي طالق، أو فلا نكاح بينهما.
فعند أبي حنيفة: يصح النكاح دون الشرط.
وفي حلها للاول عنده روايتان.
وعند مالك: لا تحل للاول إلا بعد حصول نكاح صحيح يصدر عن رغبة من غير قصد التحليل، ويطؤها حلالا وهي طاهرة غير حائض.
فإن شرط التحليل أو نواه: فسد العقد، ولا تحل للثاني.
وللشافعي في المسألة قولان.
أصحهما: أنه لا يصح.
وقال أحمد: لا يصح مطلقا.
فإن تزوجها ولم يشرط ذلك، إلا أنه كان في عزمه.
صح النكاح عند أبي حنيفة وعند الشافعي مع الكراهة.
وقال مالك وأحمد: لا يصح.
ولو تزوج امرأة وشرط على نفسه أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى عليها، أو لا ينقلها من بلدها أو دارها، أو لا يسافر بها.
فعند أبي حنيفة ومالك والشافعي: أن العقد صحيح.
ولا يلزم هذا الشرط، ولها مهر المثل.
لان هذا شرط يحرم الحلال.
وكان كما لو شرط أن لا تسلمه نفسها.
وعند أحمد: هو صحيح، يلزم الوفاء به.
ومتى خالف شيئا من ذلك فلها الخيار في الفسخ.
انتهى.
باب نكاح المشرك مناكحة الكفار لا تحل.
وهم الذين لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، كعبدة الاوثان، والشمس والزنادقة.
وكذا مناكحة المجوس.
ويحل مناكحة أهل الكتاب، سواء كانت الكتابية حربية أو ذمية، لكن يكره نكاح الحربية.
وكذا نكاح الذمية على الاظهر.

ونعني بأهل الكتاب: اليهود والنصارى، دون الذين يتمسكون بالزبور وغيره.
ثم الكتابية: إن كانت إسرائيلية فذاك.
وإلا فأصح القولين: جواز نكاحها أيضا، إن
كانت من قوم يعلم دخولهم بعد التحريف والنسخ فلا ينكح.
وكذا إن دخلوا فيه بعد التحريف وقبل النسخ على الاظهر، وإن لم يعلم متى دخلوا فيه، فكذلك لا تنكح.
والكتابية إذا نكحت: فهي كالمسلمة في النفقة والقسم والطلاق.
وللزوج إجبارها على الغسل من الجنابة، ومنعها من أكل لحم الخنزير.
ولا خلاف في أنه إذا تنجس عضو من أعضائها أجبرها على غسله، وكذلك في المسلمة.
والاصح: أنه لا يحل له مناكحة من أحد أبويه كتابي والآخر وثني.
والسامرة من اليهود، والصائبون من النصارى إن كانوا يخالفونهم في أصول الدين لم يناكحوا، وإن كانوا يخالفونهم في الفروع فلا بأس بمناكحتهم.
وإذا تنصر يهودي أو تهود نصراني.
فأصح القولين: أنه لا يقر عليه بالجزية.
ولو كان هذا الانتقال من امرأة لم ينكحها المسلم.
ولو كانت المنتقلة منكوحة مسلم كان كما لو ارتدت المسلمة.
وأن لا يقبل منه إلا الاسلام فيما رجح من القولين.
وفي الثاني: أنه لو عاد لما كان عليه.
قبل منه.
ولو توثن يهودي أو نصراني لم يقر.
وفيها يقبل منه القولان.
ولو ارتد مسلم فلا يخفى أنه لا يقبل منه إلا الاسلام.
ولا يجوز نكاح المرتدة للمسلمين، ولا للكفار.
ولو ارتد في دوام نكاح أحد الزوجين.
أو كلاهما معا.
فإن كان قبل الدخول تنجزت الفرقة.
وإن كان بعده توقف النكاح.
فإن جمعهما الاسلام قبل انقضاء مدة العدة استمر النكاح، وإلا تبين الفراق من وقت الردة.
ولا يجوز الوط في مدة التوقف.
ولا يجب الحد لو جرى الوطئ.
ولو أسلم كافر، كتابي أو غير كتابي، وتحته كتابية.
استمر النكاح.
وإن كان تحته وثنية أو مجوسية وتخلفت عن الاسلام، فإن كان ذلك قبل الدخول تنجزت الفرقة.
وإن كان بعده، فإن أسلمت قبل انقضاء مدة العدة، استمر النكاح وإلا بانت الفرقة من وقت
إسلام الزوج.
ولو أسلمت المرأة وأصر الزوج على الكفر - أي كفر كان - فهو كما لو أسلم الزوج

وأصرت هي على التوثن.
ولو أسلم الزوجان معا، استمر النكاح بينهما.
والاعتبار في الترتيب والمعية بآخر كلمة الاسلام لا بأولها.
وحيث يحكم باستمرار النكاح لم يضر اقتران ما يفسد النكاح بالعقد الجاري في الكفر، إذا كان ذلك المسند زائلا عند الاسلام.
وكانت بحيث يجوز له أن ينكحها حينئذ.
وإن كان المسند باقيا وقت الاسلام اندفع النكاح.
فيقر على النكاح الجاري في الكفر بلا ولي ولا شهود، وفي عدة الغير إن كانت منقضية عند الاسلام.
وإن كانت باقية فلا يقرون على نكاح المحارم.
ويقرون على النكاح المؤقت إن اعتقدوه مؤبدا، وإن اعتقدوه مؤقتا لم يقروا عليه.
ولو كانت وقت الاسلام معتدة عن الشبهة، فالظاهر استمرار النكاح.
وكذلك لو أسلم الرجل وأحرم، ثم أسلمت المرأة - وهو محرم - فله إمساكها.
ولو نكح في الكفر حرة وأمة، ثم أسلم وأسلمتا معه.
فظاهر المذهب: أن الحرة تتعين للنكاح، ويندفع نكاح الامة.
وأما الانكحة الجارية في الكفر: هل هي صحيحة أو فاسدة، أولا نحكم فيها بصحة ولا فساد فيما يتقرر تبين صحته وما لا يتبين فساده فيه ثلاثة أوجه، أو ثلاثة أقوال.
أصحها: الاول.
حتى إذا طلق الكافر زوجته ثلاثا ثم أسلما، لم تحل له إلا بمحلل.
والتي يقرر نكاحها بعد الاسلام فتستحق المهر المسمى إن كان صحيحا.
وإن كان فاسدا كخمر أو خنزير فإن أسلما بعد قبضه فلا شئ لها، وإن أسلما قبله فلها مهر المثل.
وإن كانت قد قبضت بعضه دون بعض، استحقت من مهر المثل بقسط ما لم تقبض.
والتي يندفع نكاحها بالاسلام إن كانت مدخولا بها وصححنا أنكحتهم.
فإن كان الاندفاع بإسلام الزوج: وجب نصف المسمى إن كان صحيحا، ونصف مهر المثل إن كان فاسدا، وإن كان الاندفاع بإسلامها: لم يكن لها شئ.
وإذا ترافع إلينا أهل الذمة فنقرهم على ما نقرهم عليه لو أسلموا، أو نبطل ما نبطله لو أسلموا.
ويجب الحكم إذا ترافع إلينا ذميان على أظهر القولين.
وإن كان أحد الخصمين مسلما فلا خلاف في وجوب الحكم.
وإذا أسلم وتحت أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه، أو تخلفن وهن كتابيات: اختار

أربعا منهن واندفع نكاح الباقيات.
وكذا الحكم لو تخلفن وهن مجوسيات مدخول بهن، ثم أسلمن قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلامه.
ولو أسلمت أربع معه، أو كان قد دخل بهن واجتمع إسلام أربع منهن لا غير، مع إسلام الزوج في العقد بعين النكاح.
ولو أسلم وتحته أم وبنتها وأسلمتا معه، أو لم تسلما وهما كتابيات، فإن كان قد دخل بهما فهما محرمتان على التأبيد.
وإن لم يدخل بواحدة منهما.
فأوجه القولين: أن البنت تتعين، ويندفع نكاح الام.
والثاني: أنه مخير بينهما، فيمسك من شاء منهما.
فإن كان قد دخل بالبنت دون الام فيقر نكاح البنت، وتحرم الام على التأبيد.
وكذا الام على الاظهر.
ولو أسلم وتحته أمة وأسلمت معه، فله إمساكها إن كان ممن يحل له نكاح الاماء، وإلا فلا يمسكها.
وكذا لو تخلفت - وهي مدخول بها - ثم أسلمت في العدة.
وإن لم يكن مدخولا بها تنجزت الفرقة.
ولو أسلم وتحته إماء وأسلمن معه، أو كان قد دخل بهن وجمعت العدة إسلامه وإسلامهن.
فله أن يختار واحدة منهن، إن كان ممن يحل له نكاح الاماء.
ولو أسلمت الحرة معه، أو كانت مدخولا بها فأسلمت في العدة.
تعينت واندفعت الاماء.
ولو لم تسلم الحرة إلى انقضاء عدتها، فيختار واحدة منهن ويجعل كأن الحرة لم تكن.
ولو أسلمت الحرة، وعتقت الاماء ثم أسلمن في العدة، كان كما لو أسلم على حرائر.
فيختار أربعا منهن.
والاختيار في النكاح بأن يقول: اخترتك، أو قررت نكاحك، أو أمسكتك، أو ثبتك.
ومن طلقها فقد عينها للنكاح.
وأما الظهار والايلاء فليس تعيينا في أصح الوجهين.
ولو علق الاختيار للنكاح، أو الفراق بدخول الدار ونحوه.
لم يصح.
ولو حصر المختارات في خمس أو ست زال بعض الابهام.
فيندفع نكاح غيرهن.
ويؤمر بالتعيين منهن.
ويجب عليه نفقتهن جميعا إلى أن يختار.
وإذا امتنع من الاختيار عزر بالحبس.
ولو مات قبل التعيين اعتدت الحامل بوضع الحمل، وغير المدخول بها بأربعة أشهر وعشر.
وكذا المدخول بها من ذوات الاشهر والاقراء بأقصى الاجلين، من أربعة أشهر وعشر، أو ثلاثة أقراء.
ويوقف لهن نصيب الزوجات إلى أن يصطلحن.

وإذا أسلم الزوجان معا، استمرت النفقة باستمرار النكاح.
وإن أسلم الزوج أولا وهي غير كتابية.
فإن أصرت إلى انقضاء العدة فلا نفقة لها.
وإن أسلمت في العدة فلها النفقة من وقت الاسلام.
والجديد: أنها لا نفقة لها للزمان المتخلف.
وإن أسلمت الزوجة أولا: نظر.
إن أسلم الزوج قبل انقضاء مدة العدة.
فلها النفقة مدة تخلفه وما بعدها.
وفي مدة التخلف وجه.
إن أصر حتى انقضت عدتها، استحقت نفقة مدة العدة على الوجه الراجح.
وإن ارتدت المرأة فلا نفقة لها في مدة الردة.
وإن عادت إلى الاسلام في مدة
العدة.
وإن ارتد الزوج لزمته النفقة لمدة العدة.
فائدة: من سيره مغلطاي: لما أسلم أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله (ص) - وكانت زينب هاجرت قبله وتركته على شركه - وردها عليه السلام له بالنكاح الاول بعد سنتين.
وقيل: بعد ست سنين.
وقيل: قبل انقضاء العدة فيما ذكره ابن عقبة.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ردها بنكاح جديد سنة سبع.
وذكر عن مغلطاي: أنها لما هاجرت لم ينقطع النكاح، ولم يكن موقوفا على انقضاء العدة.
لان ذلك الحكم لم يكن شرع، حتى نزلت آية تحريم المسلمات على المشركين بعد صلح الحديبية.
فلما نزلت الآية توقف نكاحها على انقضاء عدتها.
ولم تلبث إلا يسيرا، حتى جاء أبو العاص، وأظهر إسلامه.
فلم يكن بين توقف نكاحها على انقضاء العدة إلا اليسير.
وكان بين ذلك وهجرتها ست سنين.
وهو الصواب.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اختلفوا فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة.
فقال مالك والشافعي وأحمد: يختار منهن أربعا، ومن الاختين واحدة.
وقال أبو حنيفة: إن كان العقد وقع عليهن في حالة واحدة، فهو باطل.
وإن كان في عقود: صح النكاح في الاربعة الاوائل، وكذلك الاختين.
ولو ارتد أحد الزوجين.
قال أبو حنيفة ومالك: يتعجل الفرقة مطلقا، سواء كان الارتداد قبل الدخول أو بعده.
وقال الشافعي وأحمد: إن كان الارتداد قبل الدخول: تعجلت الفرقة.
وإن كان بعده: وقفت على انقضاء العدة.
ولو ارتد الزوجان المسلمان معا، فهو بمنزلة ارتداد أحدهما.
وقال أبو حنيفة: لا تصح فرقة.

وأنكحة الكفار صحيحة تتعلق بها الاحكام المتعلقة بأنكحة المسلمين عند أبي
حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: هي فاسدة.
انتهى.
باب الخيار والاعفاف ونكاح العبد إذا وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا أو جذاما أو برصا: فله الخيار في فسخ النكاح وكذا لو وجدت المرأة الزوج مجبوبا أو عنينا، أو وجد الزوج الزوجة رتقاء أو قرناء، والاصح: أنه لا خيار إذا وجد أحدهما الآخر خنثى، وأنه لا فرق بين أن يكون الفسخ مثل يفسخ به أو لا يكون.
ولو وجدت بعض هذه العيوب بالزوج قبل الدخول، ثبت لها الخيار، وكذا بعده، إلا أن تحدث العنة.
وإن وجدت بالزوجة، فالجديد أن له الخيار.
ولا خيار للاولياء بالعيوب الحادثة بالزوج، ولا في المقارنة بالجب والعنة.
وتثبت بالجنون.
وكذا بالجذام والبرص في أشبه الوجهين.
وهذا الخيار على الفور.
وإذا اتفق الفسخ قبل الدخول فلا شئ لها من المهر.
وإن اتفق بعده.
فالاصح أنه كان الفسخ بعيب مقارن، فالواجب مهر المثل دون المسمى، وإن كان بعيب حادث بعد العقد.
وإن حدث قبل الدخول ثم دخل بها وهو غير عالم بالحال.
وإن وجدت بعد الدخول فالواجب المسمى، ولا يرجع الزوج بالمهر.
والمغرور عند الفسخ على من غره ودلس عليه في الجديد.
ولا بد في العنة من الرفع إلى الحاكم.
وكذلك في سائر العيوب في أقرب الوجهين.
ولا ينفرد الزوجان بالفسخ.
وزوجة العنين ترفعه إلى القاضي وتدعي عنته.
فإن أقر بها أو أقامت البينة على إقراره بها ثبتت.
وإن أنكر حلف.
وإن نكل فأصح الوجهين: ترد اليمين عليها.
ثم القاضي بعد ثبوت العنة: يضرب للزوج مدة سنة يمهله فيها.
وإنما يضرب بطلب الزوجة.
فإذا تمت المدة رفعت ثانيا إلى القاضي.
فإن ادعى الاصابة حلف.
وإن نكل ردت اليمين عليها.
فإن حلف أو أقر الزوج بأنه لم يصبها في السنة فقد جاء وقت الفسخ.
وهل يستقل حينئذ بالفسخ أو يحتاج إلى إذن القاضي في مباشرة الفسخ؟ فيه وجهان.
أظهرهما الاول.
وإذا رضيت بالمقام تحته سقط حقها من الفسخ.
وكذا لو قالت بعد مضي المدة: أجلته شهرا أو سنة أخرى على الصحيح.

وإذا شرط في النكاح إسلام المنكوحة فبانت ذمية.
أو شرط في أحد الزوجين نسب أو حرية أو صفة أخرى، فبان خلاف الشروط، ففي صحة النكاح.
قولان أصحهما: الصحة.
ثم نظر فإن بان خيرا مما شرط فيه فلا خيار، وإن بان دونه فإن كان الشرط فيه فلها الخيار.
وإن كان فيها فله الخيار في أظهر الوجهين.
ولو نكح امرأة على ظن أنها مسلمة فخرجت كتابية، أو حرة فخرجت رقيقة، وهو ممن يحل له نكاح الاماء.
فأظهر القولين: أن لا خيار.
ولو أذنت في تزويجها ممن تظنه كفؤا لها فبان فسقه، أو دناءة نسبه، أو حرفته فلا خيار لها.
وحكم المهر إذا فسخ النكاح بالخلف في الشرط والرجوع بالمهر المغرور على الغار، كما ذكرنا في الفسخ بالعيب.
وإنما يؤثر التغرير إذا كان مغرورا بالعقد، فأما التغرير السابق فلا عبرة به.
وإذا غر بحرية امرأة فبانت أمة، وصححنا النكاح، فالولد الحاصل قبل العلم بالحال حر.
وعلى المغرور قيمته لسيد الامة، ويرجع بها على من غره.
ولا يتصور التغرير بالحرية من السيد.
وإنما يكون ذلك من وكيله، أو من الامة نفسها.
وإذا كان منها فيتعلق المقرر بذمتها.
وإن انفصل الولد ميتا بلا جناية فلا يجب فيه شئ.
وإذا عتقت الامة تحت رقيق فلها الخيار في فسخ النكاح.
ولو عتق بعضها أو دبرت أو كوتبت أو عتق العبد وتحت أمة، فلا خيار.
وأظهر القولين: أن خيار العتق على
الفور.
وإن ادعت الجهل بالعتق ولم يكذبها ظاهر الحال، بأن كان السيد غائبا صدقت بيمينها.
وإن كذبها فالمصدق الزوج.
وإن ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار فتصدق في أصح القولين.
وإذا فسخت بالعتق قبل الدخول، سقط المهر.
وإن كان بعده والعتق متأخر عن الدخول وجب المسمى.
وإن كان العتق متقدما، وكانت هي جاهلة، فالاظهر وجوب مهر المثل.
فصل: ويجب على الولد إعفاف الاب في ظاهر المذهب، والجد كالاب.
والمراد من الاعفاف: أن يهيئ له مستمتعا، بأن يعطيه مهر حرة، حتى ينكحها.

أو يقول له: انكح وأنا أعطي المهر.
أو يباشر النكاح عن إذن الاب فيعطي المهر، أو بأن يملكه أمة ويعطيه ثمنها.
ثم عليه القيام بنفقة منكوحته أو أمته ومؤنتهما.
وليس للاب أن يعين النكاح ولا يرضى بالتسري، ولا إذا اتفقا على النكاح أن يعين امرأة رفيعة المهر.
وإذا اتفقا على قدر المهر.
فتعيين المرأة إلى الاب.
وعلى الابن التجديد إذا ماتت زوجة الاب أو أمته، أو انفسخ النكاح بردة أو فسخ بعيب.
وكذا لو طلقها بعذر في أظهر الوجهين.
ولا يجب إذا طلقها بغير عذر.
وإنما يجب الاعفاف إذا كان الاب فاقدا للمهر وإذا احتاج إلى النكاح، ويصدق إذا ظهرت الحاجة بلا يمين.
ويحرم على الاب وطئ جارية الابن، لكن الاصح أنه لا حد عليه، وأنه يجب المهر.
ولو أحبلها فالولد حر نسيب، وأصح القولين: أن الجارية تصير مستولدة، وأنه
يجب عليه قيمة الجارية مع المهر.
ولا يجب قيمة الولد على الاظهر.
فإن كانت الجارية مستولدة الابن لم تصر مستولدة الاب بلا خلاف.
وليس للسيد أن ينكح جارية مكاتبه.
ولو ملك المكاتب زوجة سيده فالاشبه انفساخ النكاح.
فصل: والسيد إذا أذن في نكاح العبد لا يضمن المهر والنفقة على الجديد، لكنهما يتعلقان باكتسابه، إن كان مكتسبا مأذونا له في التجارة.
فيتعلقان بربح ما في يده، وكذا برأس المال في أظهر الوجهين.
وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له في التجارة فيتعلقان بذمته.
ولا يلزمان السيد في أصح القولين.
وللسيد أن يسافر بعبده وإن فاته الاستمتاع، لكن إذا لم يسافر به فعليه تخليته ليلا للاستمتاع.
وكذا استخدامه نهارا إن تكفل بالمهر والنفقة.
وإلا فيخليه ليكتسب.
وإذا استخدمه ولم يلتزم شيئا.
فعليه الغرم بما استخدم.
والغرم في أصح الوجهين: أقل الامرين من أجرة المثل وكمال المهر والنفقة.
والثاني: كمال المهر والنفقة.

ولو نكح العبد نكاحا فاسدا، ودخل بالمنكوحة: فمهر المثل يتعلق بذمته لا برقبته في أصح القولين.
وإذا زوج السيد أمته، فله استخدامها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا، لكن لا نفقة على الزوج حينئذ على الاظهر.
وأظهر الوجهين: أنه ليس له أن يهيئ للزوج بيتا في داره، ويكلفه دخولها.
ولو سافر السيد بها لم يمنع.
فإن أراد الزوج سافر معها.
والظاهر: أن السيد إذا قتل أمته المزوجة قبل الدخول: يسقط المهر، ولا خلاف أنه لا أثر لهلاك المنكوحة بعد الدخول.
ولو باع الامة المزوجة: فالمهر للبائع.
ولو طلقها الزوج بعد البيع وقبل الدخول، فنصف المهر.
وإذا زوج أمته من عبده لم يجب المهر.
فائدة: من تحرير التنبيه: الجذام معروف بأكل اللحم وبتناثره، قال الجوهري: وقد جذم الرجل - بضم الجيم - فهو مجذوم، ولا يقال: أجذم.
والبرص - بالفتح - بياض معروف، وعلامته: أن يعصر فلا يحمر.
وقد برص - بفتح الباء وكسر الراء - فهو أبرص.
فرع: قال ابن عباس: كان زوج بريرة عبدا أسود.
يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة.
وإنه كلم العباس ليكلم فيه النبي (ص) قال السبكي: وأنا أعجب من قول ابن عباس هذا، مع ما جاء في قصة الافك من قول علي بن أبي طالب: سل الجارية تصدقك وقول النبي (ص): أي بريرة كذا في البخاري وغيره في جميع طرق حديث الافك.
واحتمال كون: بريرة هذه أخرى بعيد، وقصة الافك قبل الفتح في توبة الاسارى، فلعل بريرة كانت تخدم عائشة قبل شرائها إياها، وأنها اشترتها وتأخر عتقها، أو دام حزن زوجها عليها هذه المدة الطويلة.
حكاه الدميري في شرحه على المنهاج.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: العيوب المثبتة للخيار تسعة، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، وهي: الجنون، والجذام، والبرص.
وإثنان يختصان بالرجل، وهما: الجب، والعنة.
وأربعة تختص بالنساء.
وهي: القرن، والرتق، والفتق، والعفل.
والجب قطع الذكر.
والعنة العجز عن الجماع بعد الانتشار.
والقرن عظم يكون في الفرج، فيمنع الوطئ.
والرتق انسداد الفرج.
والفتق انخراق ما بين محل الوطئ ومخرج البول.
والعفل لحم يكون في الفرج.
وقيل: رطوبة تمنع لذة الجماع.
قال أبو حنيفة: لا يثبت للرجل الفسخ في شئ من ذلك.
ويثبت الخيار للمرأة في الجب والعنة فقط.
ومالك والشافعي يثبتانه في ذلك كله، إلا في الفتق، وأحمد يثبته في الكل.
فإن حدث ذلك في الزوج بعد العقد وقبل الدخول، خيرت المرأة عند مالك والشافعي وأحمد.
وكذا بعد الدخول، إلا العنة عند الشافعي.
وإن حدث بالزوجة فله الفسخ على الراجح من مذهب الشافعي، وهو مذهب أحمد.
وقال مالك والشافعي، في أحد قوليه: لا خيار لها.
فصل: وإذا عتقت المرأة وزوجها رقيق، ثبت لها الخيار عند أبي حنيفة ما دامت في المجلس الذي علمت بالعتق فيه.
ومتى علمت ومكنته من الوطئ فهو رضى.
وللشافعي أقوال، أصحها: أن لها الخيار على الفور.
والثاني: إلى ثلاثة أيام.
والثالث: ما لم تمكنه من الوطئ.
ولو عتقت وزوجها حر، فلا خيار لها عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يثبت لها الخيار مع حريته.
انتهى.

كتاب الصداق وما يتعلق به من الاحكام الصداق هو ما تستحقه المرأة بدلا في النكاح.
وله سبعة أسماء: الصداق، والنحلة، والاجر، والفريضة، والمهر، والعلقة، والعقر.
لان الله تعالى سماه الصداق، والنحلة، والاجر، والفريضة.
وسماه النبي (ص): المهر والعلقة وسماه عمر رضي الله عنه: العقر يقال: أصدقت المرأة ومهرتها.
ولا يقال: أمهرتها.
والاصل في قوله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * وقوله تعالى: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) * وقوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) * وقال
النبي (ص): فإن مسها المهر بما استحل من فرجها وقال النبي (ص): أدوا العلائق، قيل: وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الاهلون وقال عمر رضي الله عنه: لها عقر نسائها.
فإن قيل: لم سماه نحلة.
والنحلة: العطية بغير عوض.
والمهر: ليس بعطية، وإنما هو عوض عن الاستمتاع؟ ففيه ثلاث تأويلات.
أحدها: أنه لم يرد بالنحلة العطية.
وإنما أراد به النحلة من الانتحال وهو التدين.
لانه يقال: انتخل فلان مذهبك، أي تدين به.
فكأنه قال: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * أي تدينا.
والثاني: أن المهر يشبه العطية، لانه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج وأكثر، لانها أغلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنها تأخذه بغير عوض.

والثالث: أنه عطية من الله للنساء في شرعنا.
وكان في شرع من قبلنا المهر للاولياء.
ولهذا قال الله تعالى قي قصة شعيب وموسى عليهما الصلاة والسلام، قال: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) *.
وما يجوز أن يكون عوضا في البيع يجوز أن يكون صداقا.
وليس الصداق ركنا في النكاح، بل يجوز إخلاؤه من المهر، لكن المستحب تسميته.
لما روي أن النبي (ص) لم يتزوج أحدا من نسائه، ولا زوج أحدا من بناته، إلا بصداق سماه في العقد وروي أن امرأة أتت النبي (ص).
فقالت: يا رسول الله، قد وهبت نفسي منك، فصعد النبي (ص) بصره إليها، ثم صوبه.
ثم قال: مالي اليوم في النساء من حاجة.
فقام رجل من القوم، فقال: زوجنيها يا رسول الله.
فقال له: ما تصدقها؟ قال: إزاري.
قال: إن أصدقتها إزارك جلست ولا إزار لك.
فقال: ألتمس شيئا.
فالتمس شيئا، فلم يجد.
فقال:
التمس ولو خاتما من حديد.
فالتمس ولم يجد شيئا.
فقال النبي (ص): أمعك شئ من القرآن؟ قال: نعم.
سورة كذا وسورة كذا.
فقال: زوجتكها بما معك من القرآن ولانه إذا زوجه بالمهر كان أقطع للخصومة.
وروى عقبة بن عامر: أن النبي (ص) زوج رجلا بامرأة، ولم يفرض لها صداقا.
فلما حضرته الوفاة.
قال: إني تزوجتها بغير مهر.
وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر.
فباعته بمائة ألف ولان المقصود في النكاح: اعتبار الزوجين، دون المهر.
ولهذا يجب ذكر الزوجين في العقد.
وإنما العوض فيه تبع.
بخلاف البيع.
فإن المقصود فيه العوض.
ولهذا لا يجب ذكر البائع والمشتري في العقد إذا وقع بين وكيليهما.
فائدة: قال الرافعي: روى القفال الشاشي عن أحمد بن عبد الله السجستاني أنه سأل المتولي: هل يجوز النكاح على تعليم الشعر؟ فقال: يجوز إذا كان مثل قول الشاعر: يريد المرء أن يعطى مناه ويأبى الله إلا ما أراد يقول: العبد: فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفاد

قال الاسنوي: والبيتان لأبي الدرداء رضي الله عنه.
كذا ذكر أبو الطيب في تعليقه.
مسأله: قال الرافعي: لو ادعت المرأة التسمية وأنكر الزوج.
تحالفا في الاصح ولو ادعاها الزوج وأنكرت.
فالقياس التخالف أيضا.
ولو ادعى أحدهما التفويض، وقال الآخر: لم يذكر المهر.
فالاشبه قبول قول النافي.
وجزم البغوي في تعليقه بتحالفهما.
وقال القاضي حسين: ولو ادعت عليه مائة صداقا.
فإن قال: قبلت نكاحها بخمسين، تحالفا.
والقول قوله في مهر المتلف، لانه المتلف.
فلو قالت: قبل نكاحي على مائة.
فقال: لا يلزمني إلا خمسون.
فيحتمل أنه ما قبل إلا على خمسين.
ويحتمل
أنه قبله على المائة.
ودفع إليها خمسين.
فيحلف أنه لا يلزمه مائة وتأخذ منه الخمسين.
ولو قالت في الدعوى: لي عليه مائة صداقا.
فقال: لا يلزمني إلا خمسون.
فالقول قوله مع يمينه.
وذكر في النكاح أنه لو ادعى نكاح امرأة.
فإن أقرت له ثبت النكاح.
قال العبادي: ولا مهر، لان هذا استدامة.
وذكر هنا أنها لو ادعت على رجل ألفا من جهة الصداق، فأنكر.
صدق بيمينه.
ولا يلزمه أن ينفي الجهة التي تدعيها، ويكفيه الحلف على رضى وجوب التسليم.
فلو قالت للقاضي: سله، هل أنا زوجته أم لا؟ فله سؤاله.
وليس للقاضي سؤاله قبل ذلك.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: لا يفسد النكاح بفساد الصداق عند أبي حنيفة والشافعي.
وعن مالك وأحمد روايتان.
وأقل الصداق: مقدر عند أبي حنيفة ومالك.
وهو ما تقطع به يد السارق، مع اختلافهما في قدر ذلك.
فعند أبي حنيفة: عشرة دراهم، أو دينار.
وعند مالك: ربع دينار، أو ثلاثة دراهم.
وقال الشافعي وأحمد: لا حد لاقل المهر، وكل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع: جاز أن يكون صداقا في النكاح.

وتعليم القرآن يجوز أن يكون مهرا عند مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وقال أبو حنيفة وأحمد، في أظهر روايتيه: لا يكون مهرا.
وتملك المرأة الصداق بالعقد عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: لا تملكه إلا بالدخول، أو بموت الزوج، بل هي مراعي، لا تستحقه
كله بمجرد العقد، وإنما تستحق نصفه.
وإذا أوفاها مهرها سافر بها حيث شاء عند أبي حنيفة.
وقيل: لا يخرجها من بيتها إلى بلد غير بلدها.
لان الغربة تؤذي.
هذا لفظ الهداية.
وقال في الاختيار للحنفية: إذا وفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء.
وقيل: لا يسافر بها.
وعليه الفتوى، لفساد أهل الزمان.
وقيل: يسافر بها إلى قرى المصر القريبة.
لانها ليست بغربة.
ومذهب مالك والشافعي وأحمد: أن للزوج أن يسافر بزوجته حيث شاء.
فصل: والمفوضة: إذا طلقت قبل المسيس والفرض.
فليس لها إلا المتعة عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، في أصح روايتيه.
قال في الكافي: إنه المذهب.
وقال أحمد: في رواية أخرى: لها نصف مهر المثل.
وقال مالك: لا يجب لها المتعة بحال، بل تستحب.
ولا متعة لغير المفوضة في ظاهر مذهب أحمد.
وعنه رواية: أنها تجب لكل مطلقة.
وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال الشافعي: إنها واجبة على كل حي للمطلقة قبل الوطئ لم يجب لها شطر مهر.
وكذا الموطوءة بكل فرقة ليست بسببها.
واختلف موجبو المتعة في تقديرها.
فقال أبو حنيفة: المتعة ثلاث أثواب: درع، وخمار، وملحفة.
بشرط أن لا تزيد قيمة ذلك عن نصف مهر المثل.
وقال الشافعي في أصح قولين، وأحمد في إحدى روايتيه: إنه مفوض إلى اجتهاد الحاكم، يقدرها بنظره.
وعند الشافعي، وهو قول أحمد: إنها مقدرة بما يقع عليه الاسم، كالصداق.
فيصح بما قل وجل.
والمستحب عنده: أن لا تنقص عن ثلاثين درهما.
وعن أحمد رواية أخرى: أنها مقدرة بكسوة تجزئ فيها الصلاة.
وذلك ثوبان: درع وخمار، لا تنقص عن ذلك.
واختلفوا في اعتبار مهر المثل.

فقال أبو حنيفة: هو معتبر بقراباتها من العصبات خاصة.
فلا مدخل في ذلك لامها ولا لخالتها، إلا أن يكونا من غير عشيرتها.
وقال مالك: هو معتبر بأحوال المرأة في جمالها وشرفها ومالها، دون أنسابها.
إلا أن تكون من قبيلة لا يزدن في صدقاتهن ولا ينقصن.
وقال الشافعي: يعتبر بعصباتها.
فيراعي أقرب من تنتسب إليها.
فأقربهن: أخت لابوين، ثم لاب، ثم بنات أخ، ثم عمات كذلك.
فإن فقد نساء العصبات أو جهل مهرهن فأرحام.
كجدات وخالات.
ويعتبر سن وعقل.
ويسار، وبكارة.
وما اختلف فيه غرض.
فإن اختصت بفضل أو نقص، زيد أو نقص لائق بالحال.
وقال أحمد: هو معتبر بقراباتها النساء من العصبات ومن ذوي الارحام.
فصل: إذا اختلف الزوجان في قبض الصداق.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: القول قول الزوجة مطلقا.
وقال مالك: إن كان ببلد العرف فيه جار بدفع المعجل قبل الدخول فما كان بالمدينة فالقول بعد الدخول قول الزوج، وقبل الدخول قولها.
واختلفوا في الذي بيده عقدة النكاح من هو؟ فقال أبو حنيفة: هو الزوج.
وهو الجديد الراجح من مذهب الشافعي.
وقال مالك: هو كولي، وهو القديم من قولي الشافعي.
وعن أحمد روايتان.
فصل: والزيادة على الصداق بعد العقد تلحق به.
قال أبو حنيفة: هي ثابتة إن دخل بها، أو مات عنها.
فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الزيادة مع نصف المسمى.
وإن مات قبل الدخول وقبل القبض بطلت، وكان لها المسمى بالعقد على المشهور عنده.
وقال الشافعي: هي هبة مستأنفة، إن قبضتها مضت وإن لم تقبضها بطلت.
وقال أحمد: حكم الزيادة حكم الاصل.
فصل: والعبد إذا تزوج بغير إذن سيده ودخل بالزوجة وقد سمى لها مهرا.
قال أبو حنيفة: لا يلزمه شئ في الحال.
فإن عتق لزمه مهر مثلها.
وقال مالك: لها المسمى كاملا.
وقال الشافعي: لها مهر المثل.
والجديد الراجح من مذهبه: أنه يتعلق بذمة العبد.
وعن أحمد روايتان: إحداهما: كمذهب الشافعي.
والاخرى: يلزمه خمسا المسمى،

ما لم يزد على قيمته.
فإن زاد لم يلزم سيده إلا قيمته أو تسليمه، لان مذهبه أن المسمى يتعلق برقبة العبد.
فصل: وإذا سلمت المرأة نفسها قبل قبض صداقها فدخل بها الزوج وخلا بها، ثم امتنعت بعد ذلك.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لها ذلك حتى تقبض صداقها.
وقال مالك والشافعي: ليس لها ذلك بعد الدخول.
ولها الامتناع بعد الخلوة.
واختلفوا في المهر، هل يستقر بالخلوة التي لا مانع فيها، أو لا يستقر بالدخول؟ فقال الشافعي في أظهر قوليه: لا يستقر إلا بالوطئ.
وقال مالك: إذا خلا بها وطالت مدة الخلوة استقر المهر، وإن لم يطأ.
وحد ابن القاسم طول الخلوة بالعام.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يستقر المهر بالخلوة التي لا مانع فيها، وإن لم يحصل وطئ.
بموت أحد الزوجين يستقر المهر بالاتفاق.
فصل: وليمة العرس سنة على الراجح من مذهب الشافعي، ومستحبة عند الثلاثة.
والاجابة إليها مستحبة على الاصح عند أبي حنيفة، وواجبة على المشهور عند مالك وهو الاظهر من قولي الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد.
والنثار في العرس والتقاطه.
قال أبو حنيفة: لا بأس به.
ولا يكره أخذه.
وقال مالك والشافعي بكراهته.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
وأما وليمة غير العرس - كالختان ونحوه - فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: تستحب.
وقال أحمد: لا تستحب.
فائدة: قال النووي رضي الله عنه، قال أصحابنا وغيرهم: الضيافات ثمانية أنواع: الوليمة للعرس.
والخرس - بضم الخاء، وبالسين، وبالصاد - للولادة والاعذار - بالعين المهملة والذال المعجمة - للختان.
والوكيرة - بالراء - للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر، مأخوذ من النقع، وهو الغبار.
ثم قيل: إن المسافر يصنع الطعام، قيل: يصنعه غيره له.
والعقيقة: يوم سابع الولادة.
والوضيمة - بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة - الطعام الذي يصنع عند المصيبة.
والمأدبة - بضم الدال وفتحها - الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب.
انتهى.

باب القسم والنشوز: إذا تزوج الرجل امرأة كبيرة أو صغيرة يجامع مثلها - بأن تكون ابنة ثمان سنين، أو تسع سنين - وسلم مهرها، وطلب تسليمها وجب تسليمها إليه.
لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله (ص) وأنا ابنة ست سنين، وبنى بي وأنا ابنة تسع.
فإن طلبت المرأة أو ولى الصغيرة الامهال لاصلاح حال المرأة، فقال الشافعي: تؤخر يوما ونحوه.
ولا يجاوز بها الثلاث.
وحكى القاضي أبو حامد: أن الشافعي قال في الاملاء: إذا دفع مهرها ومثلها يجامع، فله أن يدخل بها ساعة دفع إليها المهر، أحبوا أو كرهوا.
وإذا كان له زوجتان أو أكثر، لم يجب عليه القسم ابتداء، بل يجوز له أن ينفرد عنهن في بيت.
لان المقصود بالقسم الاستمتاع، وهو حق له.
فجاز له تركه.
وإن أراد أن يقسم بينهن جاز.
لان النبي (ص) كان يقسم بين نسائه.
ولا يجوز أن يبدأ بواحدة منهن بغير رضى الباقيات إلا بالقرعة.
لقوله تعالى * (فلا تميلوا كل الميل) * وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما عن الاخرى.
جاء يوم القيامة وشقه ساقط وفي ابتدائه بإحداهن من غير قرعة ميل.
فإن كان له زوجتان أقرع بينهما مرة واحدة.
وإن كن ثلاثا: أقرع مرتين، وإن كن أربعا: أقرع ثلاث مرات، لانهن إذا كن ثلاثا فخرجت القرعة لواحدة قسم لها، ثم أقرع بين الباقيتين.
وكذلك في الاربع.
وإن أقام عند واحدة منهن من غير قرعة، لزمه القضاء للباقيات.
لانه إن لم يقض صار مائلا.
ويقسم للمريضة والرتقاء والقرناء والحائض والنفساء والمحرمة، والتي آلى منها أو ظاهر.
لان المقصود الايواء والسكن.
وذلك موجود في حقهن.
وأما المجنونة: فإن كانت يخاف منها سقط حقها من القسم كالعاقلة.

ويقسم المريض والمجنون والعنين والمحرم، لان الانس يحصل به.
وإن كان مجنونا يخاف منه لم يقسم له الولي.
لانه لا يحصل به الانس.
وإن كان لا يخاف منه.
نظر.
فإن كان قد قسم، لواحدة في حال عقله، ثم جن قبل أن يقضي لزم الولي أن يقضي للباقيات قسمهن.
كما لو كان عليه دين.
وإن جن قبل أن يقسم لواحدة منهن، فإن لم ير الولي مصلحة له في القسم لم يقسم لهن.
وإن رأى المصلحة له في القسم قسم لهن، لانه قائم مقامه.
وكان بالخيار بين أن يطوف به على نسائه وبين أن ينزله في منزل، ويستدعيهن واحدة بعد واحدة إليه.
وإن طاف به على البعض واستدعى البعض، جاز.
فإن قسم الولي لبعضهن ولم يقسم للباقيات أثر الولي.
وإن سافرت المرأة مع زوجها فلها النفقة والقسم، لانهما في مقابلة الاستمتاع.
وذلك موجود وكذلك إذا أشخصها من بلد إلى بلد للنقلة أو لحاجة فلها النفقة والقسم، وإن لم يكن معها.
وإن سافرت من بلد إلى بلد وحدها لحاجة لها بغير إذنه.
فلا نفقة لها ولا قسم، لانها ناشز عنه.
وإن سافرت لحاجة لها وحدها بإذنه فلا نفقة لها ولا قسم على الاصح من القولين.
وإن كان عنده مسلمة وذمية سوى بينهما في القسم.
وإن كان طلب معاش الرجل بالنهار فعماد قسمه الليل، وبالعكس.
والمستحب أن يقسم مياومة، وهو أن يقيم عند كل واحدة يوما، ثم عند الاخرى يوما.
لان النبي (ص) كان يقسم هكذا.
ولانه أقرب إلى إيفاء الحق.
ويدخل في النهار في القسم، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله (ص) يقسم لنسائه لكل واحدة يومها وليلتها، غير أن سودة وهبت ليلتها لعائشة.
وإذا ظهرت من المرأة أمارات النشوز - بقول أو فعل - وعظها الزوج، فإن تكرر نشوزها هجرها.
فإن تكرر نشوزها ضربها ضربا غير مبرح.
ولا مدم ويتقى الوجه والمواضع المخوفة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يبلغ به الحد.
وإن ادعى كل واحد من الزوجين على الآخر النشوز بمنع ما يجب عليه لصاحبه أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة عدل كي يشرف عليهما، فإذا عرف الظالم منهما منعه من الظلم.
وإن بلغ بينهما إلى الشتم أو الضرب وتمزيق الثياب بعث الحاكم حكمين ليجمعا

بينهما أو يفرقا، لقوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدآ إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) *.
فائدة: قال القاضي عياض، قال الطبري وغيره من العلماء: الغيرة يتسامح للنساء فيها.
فإنها لا عقوبة عليهن بسببها، لما جبلن عليه من ذلك.
ولهذا لم يزجر النبي عليه
السلام عائشة حين قالت في خديجة: عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين قال القاضي: وعندي أن ذلك تجرؤ من عائشة، لصغر سنها وأول شبيبتها، ولعلها لم تكن قد بلغت.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: القسم: إنما يجب للزوجات بالاتفاق.
ولا قسم لغير زوجة ولا لاماء.
فمن بات عند واحدة لزمه المبيت عند من بقي.
ولا تجب التسوية في الجماع بالاجماع، ويستحب ذلك.
ولو أعرض عنهن أو عن واحدة لم يأثم.
ويستحب أن لا يعضلهن.
ونشوز المرأة حرام بالاجماع يسقط النفقة.
ويجب على كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف، وبذل ما يجب عليه من غير مطل، ولا إظهار كرامة.
فيجب على الزوجة طاعة زوجها وملازمة المسكن.
وله منعها من الخروج بالاجماع.
ويجب على الزوج المهر والنفقة.
فصل: والعزل عن الحرة، ولو بغير إذنها جائز على المرجح من مذهب الشافعي، لكن نهى عنه.
فالاولى تركه.
وعند الثلاثة لا يجوز إلا بإذنها.
والزوجة الامة تحت الحر.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز العزل عنها إلا بإذن سيدها.
وجوزه الشافعي بغير إذنه.
فصل: وإن كانت الجديدة بكرا: أقام عندها سبعة أيام، ثم دار بالقسمة على نسائه.
وإن كانت ثيبا: أقام ثلاثا عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا يفضل الجديدة في القسم، بل يسوى بينها وبين اللاتي عنده.
وهل للرجل أن يسافر من غير قرعة، وإن لم يرضين؟ قال أبو حنيفة: له ذلك.
وعن مالك روايتان.
إحداهما كقول أبي حنيفة، والاخرى: عدم الجواز إلا برضاهن، أو بقرعة.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.

وإن سافر من غير قرعة ولا تراض: وجب عليه القضاء لهن عند الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب.
المصطلح: ويشتمل على صور.
منها: ما هو مصدر بخطبة، ومنها: ما هو مصدر بغير خطبة.
واعلم أن للنكاح قواعد، يبدأ بذكرها قبل ذكر المصطلح: كونها يستعمل في كل صورة من الصور الآتي ذكرها.
وهي البداءة بذكر الزوج وأبيه وجده وما يعرف به، ثم بالزوجة كذلك، ثم بالصداق.
وذكر تأجيله، أو حلوله - وإن كان عبدا، أو جارية، أو خاتما، أو سيفا، أو عقارا، أو قماشا، أو غير ذلك - فيصفه وصفا تاما يخرجه به عن الجهالة، أو كانت بغير صداق، كالمفوضة.
والصداق: تقبضه الزوجة إن كانت بالغة عاقلة رشيدة، أو من يحجر عليها كالاب أو الجد أو الوصي، أو أمين الحكم، ليشتري به أعيانا برسم جهازها.
وقد جرت العادة في أمين الحاكم: أن يكتب قصة على لسانها، وترفع إلى حاكم شرعي يكتب عليها: لتجب إلى سؤالها يؤرخ بيوم الاجابة.
ثم ذكر الولي المزوج إن كان أبا أو جدا، أو غيرهما من الاولياء، وذكر بلوغ الزوجة، وأنها معصر غير ثيب.
فهذه يجبرها الاب والجد على مذهب الشافعي، ويزوجها كل منهما بغير إذنها.
وإن كان الولي - والحالة هذه - غير الاب والجد من العصبات، أو ممن يزوج بالولاء أو الحاكم.
فلا يجوز أن يزوج إلا البكر البالغ، أو الثيب البالغ بإذنها ورضاها إلا السيد، فإنه يزوج مملوكته بالملك جبرا بغير إذنها.
وغير الشافعي من الائمة: يزوج البكر المعصر.
وكذلك الثيب المعصر.
ومملوكة الخنثى يزوجها بإذنه، وكذلك مملوكة المرأة يزوجها بإذن المالكة صريحا بالنطق.
ولا يكفي السكوت إذا كانت السيدة بكرا، بخلاف الامر في تزويجها نفسها،
فيكفي السكوت، إلا إذا ظهر منها ما يقتضي عدم الرضا.
فإذا كان الولي أبا كتب: وولى تزويجها منه بذلك - أو عقده بينهما، أو زوجها منه بذلك - والدها المذكور، بحق أبوته لها وولايته عليها شرعا، بعد أن أوضح خلوها من كل مانع شرعي.
وأنها بكر بالغ - أو بكر معصر - حرة مسلمة، صحيحة العقل والبدن، لم يتقدم عليها عقد نكاح.
وأن والدها المذكور مستحق الولاية عليها شرعا، وأن الزوج كف ء لها.
وأن الصداق المعين فيه مهر مثلها على مثله.

وإن كان الولي ممن يرى تزويج المعصر غير الاب والجد، والبنت المعصر.
كتب: وذلك على قاعدة مقتضى مذهبه واعتقاده - ويذكر مذهبه - وقبول الزوج النكاح لنفسه، أو وكيله الشرعي في ذلك، وهو فلان الفلاني.
وأقر أن الزوج واجد للصداق، إذا كان غير مقبوض، أو قبض منه البعض وتأخر البعض، وأنه ملئ وقادر على ذلك.
ومعرفة الشهود بهم والتاريخ.
ومن الصور: صورة صداق بنت خليفة على شريف: الحمد لله الذي شرف الاقدار بتأهيلها للاصطفا، واختارها لارتقاء درجات الوفا، واختصها بما تنقطع دونه الآمال، حمدا تنفذ في شكر موليه الاقوال، وتستصغر عنده الاقدار وإن سمت، وتتضاءل دون عظمته وإن اعترب إلى الشرف وانتمت.
وله الحمد في شرب الخؤلة والعمومة، ووهب خصوص التشريف وعمومه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مخلص في اعتقاده، متحر رشدا فيما صرف نفسه فيه واستقام على اعتماده.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث من أشرف العرب نسبا، وأتمهم حسبا، اصطفاه من قريش المصطفين من كنانة، المصطفاة من ولد إسماعيل.
فهو صفوة الصفوة، المنزه صميما عن شين القسوة والجفوة.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين ناصروه وصاهروه.
فأحسنوا المناصرة والمصاهرة.
وظاهروه على عدوه من حين الظهور، فأجملوا المظاهرة.
ورضي الله عن العباس بن عبد المطلب عمه وصنو أبيه، والباقية كلمة الخلافة في عقب بنيه، المخصوصين بإمرة المؤمنين، كما عهد به سيد المرسلين قياسا ونصا، فيما ورد عنه وفيما به وصى.
قاموا بأعباء الخلافة، ووقفوا عند أوامر النبوة المحمدية واجتنبوا خلافه، فما مضى منهم سيد إلا وأقامت السلالة العباسية بالاستحقاق سيدا، ولا ذهب سند إلا واستقبلت الامة منهم سندا فسندا.
وأدام الله أيام مولانا أمير المؤمنين، الامام الحاكم بأمر الله، الناصر لدين الله.
الواجب الطاعة على كل مسلم، المتعين الامامة على كل منازع ومسلم، المنوط بخلافته حل وعقد، الواقف عند إمامته كل حر وعبد.
فلا تتم قضية إلا بنافذ قضائه، وشريف إمضائه، إذ كان الامام الذي به يقتدى، وبهديه يهتدى، والخليفة المنصوص عليه، وأمير المؤمنين أبو فلان فلان، المشار بنان النبوة إليه رضي الله عنه.
وعن آبائه الخلفاء الراشدين، والائمة المهديين، الذين ورثوه الامامة.
فوجدت شروطها المجموعة فيه مجتمعة، ونفثوا في روعه كلها ورقوه درجتها المرتفعة، اللهم فأيد إمامته، واعضد خلافته، مولانا المقام الاعظم والملك المعظم، السلطان الملك الفلاني الذي عهد بالملك إليه.
ونص في كتاب تفويضه الشريف عليه، وفوض إليه ما وراء سريره.
وألقى إليه

مقاليد الامور.
فسقط على الخبير بها، ولا ينبئك بالامر مثل خبير.
وبعد، فإن النكاح من سنن المرسلين، وشعائر المتقين، ودثار الائمة المهتدين.
لم تزل الانبياء بسننه متسننة، وبكلمته العلية معلنة، ولم تبرح لاحاديثه الحسنة الاولية معنعنة.
وتزوج رسول الله (ص) وزوج.
وشرف الاقدار بتأهيله فأصبح كل بصهارته متوج، واتبعت أصحابه آثاره بذلك، وسلكوا في اتباعه والعمل بسنته أوضح المسالك.
ولم يزالوا على ذلك صاحبا بعد صاحب، وذاهبا بعد ذاهب، وخليفة بعد خليفة، وأميرا بعد أمير، سنة مألوفة.
اقتفى أمير المؤمنين - أدام الله أيامه - سننها الجلي، ورقي مكانها
العلي، وتزوج وزوج البنات والبنين.
واقتدى في ذلك بابن عمه سيد المرسلين.
ووقف عند ما ورد عنه من سديد الاحكام.
وانتهى بنهيه في قوله عليه السلام: لا رهبانية في الاسلام وضم إلى نسبه الشريف نسبا ثابتا شرفه.
وقد سمت باختيار أشرف الجواهر صدفه.
وكان من ثمرة الشجرة النبوية الدانية القطاف، الهينة الاقتطاف، اليانعة الثمار، السريعة الاثمار، وهو المولى السيد الشريف الحسيب النسيب، الطاهر الذكي، الاصيل العريق التقي النقي، فرع الشجرة النبوية، والمستخرج من العناصر الزكية المصطفوية، أبو فلان فلان ابن السيد الشريف الحسيب النسيب، الطاهر الزكي الاصيل فلان ابن فلان - ويذكر أباءه وأجداده واحدا بعد واحد إلى أمير المؤمنين: الحسن أو الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم - الذي طلع في سماء الاختيار بدرا منيرا، وتجلى لعيان الاختبار فلم يكن بسحب الشكوك مستورا.
وقد كملت بالشرف أوصافه، وحمد بالقيام بحقوق كتاب الله العزيز اختتامه واستئنافه، مع ماله من فضيلة علم الانساب التي تفرد فيها بالنسبة والاضافة والانضمام.
هذه السنة الشريفة إلى بيت الخلافة.
وأما الدين: فبهاؤه في وجهه الوجيه.
وأما بره: فلائحة على أحواله، فلا غرو أن يوليه الله ما يرتجيه.
تشهد له الاشجار بحسن الاذكار، والامثال بأشرف الخصال.
وحين ظهر لمولانا أمير المؤمنين سره المصون، وبان له نفيس جوهره المكنون.
قدم خيرة الله في تأهيله وعمد إلى ما يستصعب من ارتقاء رتبة الخلافة المعظمة، فأخذ في تيسيره بالتواضع لله ورسوله.
وأجاز خطبته.
وباشر بنفسه الشريفة إيجاب عقده وخطبته.
وقلده عقد عقد لا ينتهي المبالغ فيه إلى قيمة.
وزينه من سلالته الطاهرة بالدرة إلا أنها اليتيمة، وزوجه بالجهة المعظمة المفخمة المبجلة المحجبة المكرمة، السيدة المصونة العصيمة، فلانة ابنة مولانا السلطان السعيد الشهيد المقدس الطاهر الولي، المعتصم بالله أبي فلان، فلان ابن مولانا وسيدنا وإمامنا، وخليفة عصرنا الامام الحاكم بأمر الله، أمير المؤمنين فلان ابن مولانا فلان ابن مولانا فلان - ويذكر أجدادها الخلفاء واحدا بعد واحد إلى حبر الامة عبد الله ابن

العباس عم النبي (ص) - تزويجا صحيحا شرعيا، معتبرا ماضيا مرضيا، بالايجاب والقبول على الوجه الشرعي بشهادة واضعي خطوطهم في هذا الكتاب المرقوم، ومن شهد مشهده المشتط السوم على من يسوم، على صداق اقتدى في بذله بالسنة والكتاب.
وراعى في قبوله ما للتخفيف من ثواب.
وإلا فالقدر أعظم من أن يقابل بمقدار وإن جل، والرتبة أسنى لمولانا المقصود العقد، لما كان يقال: حل مبلغه من الذهب المعين المصري كذا وكذا دينارا فينا حالة.
وولى تزويجها إياه بذلك مولانا أمير المؤمنين حرسه الله وتولاه.
ملك به الزوج المشار إليه عصمتها.
واستدام صحبتها.
وجمعها الله تعالى به على التوفيق والسداد، وخار لهما فيما أراده من تزويجهما والخيرة فيما أراد.
ويكمل.
خطبة نكاح عالم، اسمه علي: على ابنة عالم خطيب، اسمه محمد.
واسم الزوجة أم هانئ الحمد لله الذي منح عليا سعادة الاتصال بأعز مصونات بنات محمد.
وعقد ألوية عقده بالعز الدائم والسؤدد المؤبد.
وأرشده في طريق السنة الشهباء إلى بيت علم أوتاده بالعمل قوية، وأشكال النصرة باجتماع الافراح فيه تتولد.
والسعادة على ساكني أفقه المحمدي عائدة الصلة بجميل العوائد والعود أحمد.
نحمده أن جعل جواهر عقود هذا العقد السعيد ثمينة وحصون عقيلته حصينة وجوهرته النفيسة في حجر العلم مصونة.
وزين هذا الكتاب منها بخير قرينة.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل لكل شئ قدرا.
وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جلى بشريعته المطهرة حنادس ألغى وأزاح.
وكتب بقلمها المحقق بذات الرقاع ما نسخ الباطل الفضاح.
وجعل النكاح سنة تؤلف بين المتباعدين تأليفا يقضي بلطف تمازج الارواح، وعصمة تستملك بها عصم المحصنات وتستباح.
صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه الذين تمسكوا من هديه بالكتاب والسنة.
وقلدوا جيد الزمان من تقرير أحكام شرعه الشريف أعظم منة، صلاة تفتح لقائلها أحمد أبواب التهاني، وتجيره من ريب

الزمان، حتى يناديه منها لسان الاشتقاق: قد أجرنا من أجرت يا أم هاني.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح سبب التحصين والعفة، وجامع أشتات المودة والالفة على سلوك نهجه القويم درج المرسلون.
وعلا على درج فضله الافضلون.
وهو مما جاء الكتاب والسنة بفعله، وأباحه الله على ألسنة أنبيائه ورسله.
فقال عز من قائل: * (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * وقال: وهو أصدق القائلين، تبيانا لفضائله الجمة وإظهارا لشعار هذه الامة: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) * وفيه من الحكم السنية، ما شهدت به الاخبار المروية، والآثار الشريفة النبوية.
منها: قوله (ص) - مشيرا إلى ما اقتضاه النكاح من لطيف المعاني: من تزوج.
فقد ستر شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني وقال سيد تهامة المظلل بالغمامة: تناكحوا تناسلوا تكاثروا.
فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة.
وكان فلان ابن فلان الفلاني: هو الذي سمت أوصافه الزكية بعفافه، ويحل من عقود هذه السنة الحسنة بجميل أوصافه.
وظهرت عليه آثار السيادة، من سن التمييز فانتصب على الحال.
وحل من المحل الاسني في أرفع المحال.
وافتخر بعرافة بيته الذي خيم السعد بفنائه.
وعقد العز بلوائه، وشأنه أن يفتخر بذلك على من افتخر.
وأن يباهي بكرم أصله الزاكي العروس ونمو فرعه الذي أورق بكمال الافضال وأثمر، وانتمى منه إلى مكارم جمة لم تعرف إلا لجعفر وأبي جعفر فهو بهذه الجملة الاسمية على الرتب جعفري الحسب، أحمدي النسب، عديم النظير بكل وجه وسبب.
وكانت الرغبة منه، ومثله من يرغب في إجابته إلى ما طلب، وهو أحق من وجب الاصغاء إليه إذا علا على منبر العلياء وخطب، مخطوبته الجهة المصونة.
والدرة المكنونة، فلانة ابنة فلان، وبحسن الاختيار أحرزها وحازها، مغتبطا بالانتماء إلى كنف والدها، الذي لم يدع خطة فضل إلا وجاوزها، ولا بدع لانه شمس الاسلام المضيئة،

وإمام علم التوحيد، وبحره الوافر الطويل المديد.
وهو العالم العامل العلامة، الذي ما درس إلا أحيا ما درس من العلوم بدرسه.
ولا خيمت على العلماء ظلمة إشكال إلا أزالها بشعاع شمسه.
ولا حج إلى بيته المعمور متمتع إلا أمتعه بفرائده وفوائده ولطيف أنسه.
مع منزله واعترافه تواضعا بحقارة نفسه.
وهو القائم في الحقيقة بالحجة البالغة، والفصيح الذي يذعن لفصاحته كل نابغة، وفي تسليك أهل الطريق العلم الفرد الذي يأثم به الهداة، وتحف السعادة الاخروية برقائق وعظه وهداه.
ما نطق إلا وكان لعذوبة لفظه في طريق الفصاحة سلوك.
ولا جلس بين يديه ذو ملكة في نفسه من السلاطين والملوك، إلا وخاطبه: بأقل العبيد والمملوك.
سل عنه وانطق به وانظر إليه، تجدمل ء المسامع والافواه والمقل وعلى الجملة: فهو ذو الباع الاطول، والبحر الذي اندرج النهر في ضمنه اندراج الجدول.
فنفع الله هذا الشاب ببركة هذا الشيخ الولي.
وزاد في علو شرف بيته الجعفري، الذي هو في الشرف علي.
ثم لما صحح كل من الخاطب والمخطوب إليه النية وعزم.
وكمل بدر الاتفاق وتم.
فتناسق جوهر عقد هذا العقد السعيد وانتظم.
صدر التفويض الشرعي، والاذن من والدها المشار إليه على وضعه المحرر المرعي، لسيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين، أنفذ الله حكمه وأمضاه: أن يزوجها من خاطبها المشار إليه، أسبغ الله عليه ظله، وقرن بالتوفيق عقده وحله.
فأجابه إلى ذلك متبركا بقبول إذنه الكريم، وشرف خطيب
هذه الحضرة العلية الاسماع، تاليا بعد انتظام عقده النظيم.
وإتمام انسجامه ببديع التكميل والتتميم.
بفضل بسم الله الرحمن الرحيم.
وهذا ما أصدق فلان المشار إليه - أفاض الله نعمه عليه - مخطوبته فلانة ابنة فلان، المسمى أعلاه، أدام الله رفعته وعلاه، على كتاب الله وسنة رسوله (ص)، وشرف وكرم وبجل وعظم.
صداقا يحلى جيد الزمان بدرر عقوده.
وشملت البركة المحمدية جميع حاضريه وعاقده وشهوده.
جملته من الذهب كذا وكذا.
زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها.
وأذن والدها المشار إليه الآذن المرتب الشرعي، سيدنا ومولانا قاضي القضاة المشار إليه.
أدام الله أيامه الزاهرة.
وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة.
وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة.
تزويجا شرعيا، معتبرا مرضيا، بعد وضوحه شرعا، وخلوها من كل مانع شرعي.
هنالك هبت نسمات التوفيق قبولا.
وتعاطفت جملتاه إيجابا وقبولا.
ونظمت أسلاك الفرح بحباتها، وأخرجت حواري السعود مخبآتها، وابتهجت بلبد ماح هذه

المطابقة اللازمة النفوس وحارت العقول، وطفق لسان الاحسان يقول: اللهم ألف بينهما، كما ألفت بين العين وسناها، والنفس ومناها، وأمطر عليهما من سحائب رحمتك الصيبة، وهب لهما من لدنك ذرية طيبة، إنك سميع الدعاء.
ويؤرخ.
خطبة نكاح، واسم الزوج شهاب الدين أحمد: الحمد لله الذي جعل عاقبة الحب باتباع سنة النكاح أحمد العواقب.
ومنحه من عز السنة الشريفة النبوية ما يقضي الكريم ذاته بالاتصاف بأزكى المناقب وأحله مع أهل الحل والعقد محلا به يسمو شهابه المضئ على الشهب الثواقب.
نحمده حمد من أحكم في الولاء عقد ولائه.
وهداه نور العفاف إلى سلوك سنن أنبياء الله وأولايائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد لم يزل يجتني ثمرات
الاقبال من يانع غرسها.
ويجتلي في حضرات الجلال عروس أنسها، ويطرد ساعة كل هم بيوم عرسها.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي ميز حلال الدين وحرامه.
وخص من الشرف الصميم بخصائص.
منها: أن الله وفى من مشروعية النكاح أقسامه.
ولذلك قال: تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني أباهي بكم الامم يوم القيامة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا من شرف بيت النبوة ما رفع لهم في العالمين ذكرا.
وطاب نشرهم بريحانيته وزها.
وجد قربهم القمر بالزهرا.
وعلا علي عليهم بعد العمرين وذي النورين فافتخر حين دعي بأبي تراب على من على الغبرا.
وإذا ذكرت الانساب المحمدية، فما منهم إلا من بينه وبينه نسبا وصهرا، صلاة تنطق لسان كل بليغ بالمبالغة فيها، وتشرق أنوار الصدق من مغارب غايتها ومطالع مباديها، ما أنضى القلم في مهارق الطروس ركابا.
وما أطلعت السماء في أفق العلياء شهابا.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح من أهم ما قدمه بين يدي نجواه من احتاط لدينه.
وأحكم عقد يقينه.
وشمر ذيله لتحصيل تحصينه.
جعله الله وسيلة إلى حصول العصمة والعفاف.
وذريعة إلى وجود تمازج الارواح بين الازواج بسرعة الائتلاف.
فبه تحفظ الانساب،

وتصان الاحساب.
وبه يجمع الله الشتات، ويخرج من كامن سر غيبه ما يقدر خلقه من البنين والبنات، وتساق به الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، وهو لا يخلو من فوائد فيها للمؤمنين فوائد جمة.
منها: أنه من أعظم شعار هذه الامة.
نصبه الله دليلا على وحدانيته ما تضمنته الحكمة.
فقال عز من قائل: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) *.
وقد جاء في مشروعيته وحكمه وتوكيد سنته والتحريض على فعله.
قوله تعالى: * (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *.
وهو أجل من أن ينبه على إيضاح
سره وبيان معانيه.
والمفهوم من تعظيم هذه الاشارة فيه: لمن استن بهذه السنة الحسنة ما يكفيه.
وكان فلان ممن أشرق في مطالع أفق الفضائل شهاب مجده، وأزهرت في سماء البلاغة نجوم سعده.
وأتى في فن الادب بما يحير اللبيب، ويدهش سواطع أنواره الاحمدية الفطن الاريب، طوالع إقباله مراتبها سعيدة، ومبادي أموره لم تزل عواقبها حميدة.
وما هو إلا أن استخار واستشار.
فحصل له من حسن الاختيار: حصوله على جهة مباركة، هي له في الصفات الحسنى مشاركة.
ظفر بها بديعة الجمال.
عزيزة المثال، محجوبة عن عين شمس الافق، تروى أحاديث أصالتها وسيادتها من عدة طرق.
فأحرزها إحرازا أصبح توقيع القدرة الالهية به منشورا.
وسطرت الالفة الرحمانية كتابها تسطيرا، وحق له أن يكون لله على ما أولاه من إحرازها شكورا.
وأن يعاملها بما هو مأمور به شرعا، إذا أودع مشكاة نبيه منها نورا، فطالما أسبلت العيون عليها ستورا.
وأحسن التأديب تأديبها لحائزها، فقيل لحاسده: كفى تعبا من يحسد الشمس نورها، وهي مع ذلك تفخر بوالدها الذي أصبح ذو فضل يروى.
وحاز سيادتي فتوة وفتوى.
وله بنقل العلم خبرة عالم هدى صحيح النقل للمتعلم.
كم حل للطلاب من درس على رأي ابن إدريس الامام الاعظم.
لا جرم أنه إمام فضل تشرفت بنعوته الاقوال.
وحسنت بمحاسن وقته الافعال.
وهو ذو ديانة يعد فيها سريا، وصاحب معروف وبشر.
أصبح بها وليا، وبانتساب إلى بيت طيب الاعراق، زاكي المغارس والاخلاق.
وكان مما قدره الله وأراده، وأجرى به من القدم قلم التوفيق والسعادة.
أن هذا الخاطب قد زاد محاسنه من بيت هذا الخطيب البارع بما يرفع له في العالمين ذكرا، ونحوه إذا ذكرت أنسابه العلية نسبا وصهرا.
وحيث صحح كل منهما النية، وأيقن أن قد ظفر ببلوغ الامنية.
أجاب هذا الولي

الحميد داعيه ولبى، وأقبل بوجه بشره إليه وما تأبى.
وحين هبت نسمات القبول بالايجاب.
قال الذي عنده علم من الكتاب: تعين أن يرقم طرس هذا العقد الذي توفر من المسرات قسطا.
وأن يسطر في هذا الرقيم حفظا له وضبطا.
هنالك استخدم راقما للقلم وأعمل، وكتب بعد أن بسمل: هذا ما أصدق فلان، أدام الله توفيقه.
وسهل إلى كل خير طريقه، مخطوبته الجهة المصونة والدرة المكنونة المحجبة المخدرة الاصيلة، العريقة الجليلة، فلانة بنت فلان الفلاني، على بركة الله تعالى وعونه، وحسن توفيقه، ويمنه وسنة نبيه محمد (ص) وشرف وكرم وبجل وعظم، صداقا جملته من الذهب كذا وكذا، على حكم الحلول - أو مقبوضا، أو مقسطا - زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها، والدها المشار إليه، أفاض الله نعمه عليه، تزويجا شرعيا بعد وضوحه شرعا، وخلوها من كل مانع شرعي.
وقبل الزوج المذكور النكاح لنفسه على المسمى فيه قبولا شرعيا - أو وكيله الشرعي في ذلك فلان الفلاني - بشهادة شهوده، ويكمل.
ويؤرخ.
خطبة نكاح، واسم الزوج محمد، والزوجة عائشة: الحمد لله الذي أكد بالنكاح حقوق القرابة، وميز به بين الحلال والحرام.
وحفظ به الانساب على أن تختلط أو تتشابه، وأثبت لدواعي همم متعاطيه الدخول وحكم لرأيه بالاصابة.
وقرن بالتوفيق عقده وحله وقبوله وإيجابه.
نحمده على نعمه التي جمعت لنا الخيرات جمع كثرة.
ونشكره على ما وفره لنا من أقسام المسرة.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة شمس الدين بها في أفق سماء الايمان طالعة.
وبروق اليقين في الاكوان المحمدية لامعة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي سن النكاح وشرعه.
وجرد سيف شريعته المطهرة لعنق السفاح فقطعه.
ولانف الغيرة فجدعه.
وما أعلى قدر من سلك منهاجه القويم واتبعه.
واتبع النور الذي أنزل معه.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين انتهوا بنواهيه وامتثلوا أوامره.
وكانوا بسلوك هديه في الهداية مثل
النجوم الزاهرة.
وحازوا برؤيته والرواية عنه خيري الدنيا والآخرة، صلاة تنتظم في عقودها جواهر الحكمة، ويجعل الله بها بين هذين الزوجين إن شاء الله مودة ورحمة.
ما قبلت شفاه الاقلام وجنات الطروس، واجتليت على منصات الدفاتر محاسن عروس، واجتنيت من رياض الافكار أزهار غروس.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح من أخص خصائص السنن المحمودة المآثر والخصال، المعدودة من نفائس الاعمال، التي تزدان بازدواجها عقود المفاخر.
وتتزين بانتساجها لحمة النسب

بالحديث الصحيح المتواتر، الوارد عن صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، واللواء المعقود، أنه قال: إني مكاثر بكم الامم، فتزوجوا الولود الودود أخرجه بمعناه عن معقل بن يسار النسائي وأبو داود.
وكان فلان ممن رغب في هذه السنة الشريفة وجعلها شعاره، وترقى إلى أفقها المحمدي.
واستجلى شموسه وأقماره.
وأحب أن يسعى في تكميل ذاته، ويزين ما حصله من كريم أدواته.
فعمد إلى إحصان فرجه.
وتمام هديه الذي شرع في سلوك نهجه.
وخطب إلى فلان - أدام الله معاليه - فما احتاج مع المنهاج إلى تنبيه.
ولا افتقر في مؤاخاة الرشد إلى كاف تشبيه: عقيلته التي هي الشمس والحلال لها دارة، والبدر وخدمها النجوم السيارة، والمحجبة التي لا تقرب الاوهام لها ستارة، والمصونة التي لا تمر بحماها النسمات الخطارة.
فأجاب قصده وما رده، وسمح له بهذه الجوهرة التي زيد بها عقده.
وأكرم نزل قصده وآواه، وحباه بخير زوجة وحماة.
وخصه بذات دين.
تربت يدا من كانت له وديعة وزينة تقوى طاعتها للخيرات طليعة.
ورأى أن لا تمسي سهام قصده عن الغرض المقصود طائشة، وآثر أن يكون في كنف محمد فمحمد أولى الناس بعائشة.
فما كل ذي مجد يليق به العلاولا كل برق للنوال يشام ولا كل ذي فضل له يشهد الورى ولا كل بدر في الانام تمام
وكان مما قدره الله، الذي لا موفق للخير إلا من وفق، ولا انتظام لامر من أمور الدنيا والآخرة إلا إذا جرى به قلم قدرته المحقق.
وحرك به في فم الاقبال لسان المسرة وأنطق.
فيا لله ما أصدق قوله هذا، ما أصدق.
ويجري الكلام إلى آخره.
ويؤرخ.
صورة صداق دوادار، أعتق جاريته وتزوج بها: الحمد لله الذي خلق الخلائق من نفس واحدة.
وجعل منها زوجها ليسكن إليها، ولتكون على عبادته متعاضدة، وألف بين قلوب قدر في الازل أن تكون على منهل الصفا متواردة.
وخص من شاء من خلقه بما أوتيه من محاماة في الدين ومجاهدة.
وفضله على كثير من عباده بما حازه في حالتي سلمه وحربه من مجادلة ومجالدة.
وجعله سيفا مسلولا على الاعداء، وسببا مبذولا للاولياء.
وأطاب مصادره وموارده.
نحمده أن جعلنا خير أمة أخرجت للناس.
وعضد منها من قام على أفضلية البرهان

وعضده القياس.
وشرف منها من يستصغر عنده علم أحنف وذكاء إياس.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة متمسك بالكتاب والسنة، مقتف آثار نبيه في عتق الرقاب فأكرم بها من سنة.
مقتديا بهديه الذي من اهتدى بأنواره فقد سلك سبيلا يبلغه الجنة.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي جعل النكاح من شرعته، وحث عليه ليباهي الامم يوم القيامة بأمته، وندب إليه فليس منه من رغب عن سنته.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اقتدوا بجميل آثاره.
واهتدوا بسنا أنواره.
واعتدوا من حماة دينه وأنصاره صلاة لا تزال الالسنة تقيمها، والاخلاص يديمها.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنه يتعين على كل مؤمن أن يثابر على ما يتقرب به إلى مولاه، ويبادر إلى اتباع أوامره في سره ونجواه، ويقتفي في سيره آثار نبيه المصطفى، ويسلك من سبله ما يكسبه في الدارين شرفا، لا سيما في أمر كان مما حبب إليه وندب إلى فعله، وحث عليه، وجعله الله سبحانه سببا للنمو في هذا العالم.
وحكمه في وجود بني آدم.
وقد
خصت هذه الامة بأن لا رهبانية في الاسلام وليس فيها من رغب عن سنة سيد الانام.
وقد ذكره الله في محكم كتابه، الذي أشرق منه السنا.
فقال عز من قائل: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * إلى غير ذلك من الآيات الصريحة والنص في هذا المعنى.
فمن ابتغى ذلك فقد اتبع الكتاب والسنة، واتخذ باتباعهما وقاية من المكاره وجنة.
ومن أضاف إليه ما ندب إلى فعله في محكم التنزيل، واستغنى بالتصريح فيه عن التأويل: من فك الرقاب، وإنقاذها من ربقة الرق.
فقد أتى بالمحاب.
فإن الله عزوجل قد نزله منزلة اقتحام العقاب.
فقال جل اسمه: * (فلا اقتحم العقبة ئ وما أدراك ما العقبة ئ فك رقبة) * ومن فعل ذلك ابتغاء رضوان الله، فقد استمسك بالسبب الاقوى.
ومن أعتق رقبة مؤمنة، أعتق الله منه بكل عضو منها عضوا منه وكان الجمع بين هاتين المرتبتين، والخلتين الجليلتين، من الامور التي لا يفعلها إلا من شرح الله صدره للايمان، فهو على نور من ربه.
ومن أطلع الله نور الهدى في قلبه، فهو من الشبهات في أمان، إذ هو من المنن التي لا تعد، والنعم التي لا تحد، والمنح التي لا يقدر قدرها، والاجور التي يجب شكر موليها وشكرها.
ولما كان المقر الشريف - أعزه الله بنصره، وجعل مناقبه الغراء حلية دهره وزينة عصره - جامع أشتات الفضائل، وقرة عين أرباب الوسائل، عين الدولة ومعينها، ولسان المملكة ويمينها، سيد الامراء، كهف المساكين والفقراء، المشار إليه بأن ما بينه وبين ما

ماثله، إلا كما بين الثريا والثرى.
فكم عائل أغنى، وكم مارد أفنى.
وكم أقاليم مهدها بقلمه، وممالك طهرها بآرائه وبدامغ حكمه.
وكم مظلمة ردها بسفارته، وظلمة أعادها نورا بحسن إشارته.
وكم مكروب أزال كربه، ومرعوب أزال رعبه.
مع رغبة فيما عند الله، وما كان لله فهو باق، وسيرة سرية سارت بها الرفاق.
وإرشاد إلى الخير، وكف كفا كف المعتدين.
وتفقه في دين الله، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وسوابق فضل، بها
بلغ ما أمله المؤملون، ولهو أحق خير تلا عليها إخلاصه * (لمثل هذا فليعمل العاملون) *.
ولما علم ما في التخلص من ربقة الرق من المزية العظمى عند خالق الخلق، عمد إلى عتق ما ملكه اليمين، واستمسك بحبل الله المتين، وسرحه من حصر الاسترقاق إلى بحبوحة التحرير.
ومن ضيق الملكية إلى سعة العتق الصريح، المستغنى به عن التدبير، واستخار الله تعالى، فخار له في هذين الامرين، وأنهضه إلى إتمامهما فحاز بهما الاجرين.
هنالك أشار بتنظيم عقد هذا العقد الميمون.
وتقرير هذا الامر الذي حقق في حسن صحبته وكريم وقايته الظنون.
وعند ذلك بلغ الكتاب أجله.
وأدرك المؤمل ما أمله.
وأشرقت كواكب سعده إشراق الزمن بمفاخره، وتهللت وجوه السرور، كما تهللت الايام بمآثره.
وود مسطره لو اتخذ أديم السما طرسا، وحلاه بكواكب الجوزاء واستعار الليل نقشا، لا بل لرقم مسطوره على سطور صفحات النهار، ولولا إشراق نوره لاستعاذ من سنا البدر وسنا الشمس بأنوار.
وإنما علم أن قدره الكريم، لا يقابل من الاجلال والتكريم، إلا بأشرف أسماء الله العلي العظيم.
فرقم في مفتتح عقده النظيم: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق مولانا المقر الشريف العالي الفلاني، عتيقته الجهة الكريمة، العالية المصونة المحجبة، زينة الستات، شرف مجالس الخواتين والخوندات فلانة.
صان الله حجابها، ووصل بأسباب السعادات أسبابها، المرأة المسلمة البالغ العاقل الايم، الخلية عن الموانع الشرعية.
أصدقها - على بركة الله تعالى العظيم، وسنة نبيه الكريم، سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم - صداقا مبلغه كذا على حكم الحلول.
زوجها منه بذلك بإذنها الكريم، ورضى نفسها النفيسة لعدم الاولياء والصدقات.

سيدنا ومولانا فلان الدين، تزويجا شرعيا.
وقبل لمولانا المقر الشريف المشار إليه من مولانا قاضي القضاة المشار إليه عقد هذا التزويج، وكيله الشرعي في ذلك فلان الفلاني -
أو يكون هو القابل لنفسه - بحضور من تم العقد بحضوره.
وذلك بعد أن ثبت عند سيدنا فلان المزوج المشار إليه، عتق الزوجة المذكورة، وخلوها عن جميع الموانع الشرعية، وعدم عصيانها، وإذنها في التزويج على الصداق المعين أعلاه، الثبوت الشرعي.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل التاريخ.
خطبة نكاح حاجب الملك: الحمد لله مؤيد الدين بسيفه المهند، ومؤبد التمكين لدى من ألهمه الرأي المسدد، ومسهل الاسباب إلى سلوك طرق النجاة والنجاح، وحافظ الانساب بما شرعه من التمسك بسنة النكاح.
نحمده حمدا يوافي نعمه، ويدافع نقمه، ويكافئ مزيده، ونشكره شكرا لا أحد يحصى وافره ومديده.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الخالق البارئ المصور، الرزاق الهادي المقدر.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المنعوت بأفضل الشيم، المبعوث إلى كافة العرب والعجم، المتوج بتاج الكرامة، المنفرد يوم العرض بالسيادة والخطابة والامامة، القائل (ص)، وضاعف على آله وصحبه صلاته وسلامه تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الامم يوم القيامة صلى الله عليه وعلى آله نجوم الهدى، وصحبه الذين لو أنفق غيرهم مل ء الارض ذهبا ما بلغ معشار ما نال أحدهم طول المدى، صلاة تجمع لقائلها بين جوامع الكلم وبدائع الحكمة، وتسلك به طرق الهداية والعصمة، وشرف وبجل وكرم وعظم.
ونجاها الله بمحبته ومحبة آل بيته الطيبين الطاهرين في الدارين.
وسلم.
وبعد، فإن أحسن قران ما اقترن به الكواكب بالسعود، وأمنن امتنان ما اتصل به حبل السيادة، فنظمت به جواهر العقود: ما كان ممتزجا بما يناسبه، منتظما بما يقاربه.
ولما كان المصدق الآتي ذكره، رفع الله قدره، وأطال في طي الطروس نشره، مجملا

للمحافل، مكملا للجحافل، مدركا - وهو الآخر - ما لم تدركه الاوائل، حاجب الملك، وواسطة عقد نظام الترك.
قمر فلك السعادة، قطب رحى الامارة والسيادة.
من نظر في العواقب وأنار كوكب رأيه السعيد إنارة يقصر عنها نور الكواكب، فاختار لقمره أسعد المنازل، وأصاب جود مطره للروض الآهل.
وانتقى من الدرر كبارها، واستمطر من السحائب الصيبة غزارها.
واجتبى واجتنى من الاصول الطيبة ثمارها.
وخطب الجهة المعظمة والجوهرة التي هي في أحسن تاج منظمة.
فهي الدرة اليتيمة الفاخرة، ونافجة المسك العاطرة، وبديعة الجمال التي لا يكاد يرى مثل جمالها، إلا في الطيف، ولا يدرك شبابة مثالها إلا بالسيف.
فأجيب - وهو الحقيق بالاجابة - أحسن جواب لاحسن سؤال، وآل أمرهما إلى أكرم مآب وأفضل مآل، ونالت الافراح والسرور باقترانهما خير منال.
وتم الهناء بهذا الاملاك المبارك، وكمل نظامه على التمام والكمال.
فهو بهذا العقد السعيد قد بلغ غاية قصده، وتفرد بالسؤدد الذي لا ينبغي لاحد من بعده، وأنار ضياء قمره، وافتخرت الطروس بوشي قلمه وعقود درره.
وقر عين الزمان لما حصل على ثنية عمره، وحين جرى قلم السعادة في رقم ما يتلى في هذا الرقيم، واستمد من مداد التوفيق وكتب بفضل: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق - ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة نكاح لقاضي لقبه جمال الدين: الحمد لله الذي جعل رتب الجمال أرفع ما يرتقى، ومجد أهل الفضل مما يعوذ من عين الحسود بالرقى.
وخص من شاء بمزية العلم فلم يخل ذكرهم من البقاء، وجبلهم على الطاعة لامره، فحفق لواءهم باللواء.
وسكنت أغراضهم الحمى.
ونزلت صحائفهم بالنقا.
نحمده على نعمه التي جمع بها شمل هذه الامة على التقى.
ونشكره على ما منح
من التوفيق لاتباع هذه السنة.
فلا موفق للخير إلا من وفق، ولا موقى من الشبه إلا من وقى.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحل قائلها من مراتب الاخلاص مواضعها.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قرر أحكام الملة الحنيفية وشرعها.
وحول من وجه وجهه إلى ابتغائها أمرأ الرياض وأمرعها.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أنجى هذه الامة وأنجعها.
المخصوصين منه بالصحبة والتأهيل.
فحين آووه

ونصروه آواهم إلى أحصن الحجب وأمنعها، صلاة لا تزال الالسن بها ناطقة.
وأصول المحصول من الكلام تشهد بأنها صادقة، ومناسبة التسليم والتكريم لها موافقة.
وبعد، فإن التخير للنطف مما جاءت به الاوامر النبوية، ونص عليه أئمة الهدى في تقرير الاحكام الشرعية، وكيف لا؟ وقد جعله الله تعالى لكل من الزوجين أشرف لباس، وأحصن كهف تحصن به الناس.
وقد خص الله ذوي الديانة بالارتداء بجلبابه، والتحلي بشريف مذهبه، والعلم بفواصله وأسبابه، إذ هو ستر شطر الدين، وصيانة المتقين عن يقين.
قد جعل الله هذه الشريعة المطهرة رياضا، والمحافظة على صيانة الانساب أزهارها النافحة، وسمى النكاح بروقها اللامحة، والحياة طيفا تشبه الليلة فيه البارحة، والدنيا متاعا وخير متاعها المرأة الصالحة وكان فلان ممن تمسك بعصم هذه السنة، وتنسك بما يعظم عليه في الدارين المنة، وأخذ بما ندب الشارع إليه، وحض من النكاح عليه، لا جرم أنه ممن لا يقرع في درجة علم وعمل.
وخص ببديع الجمال من الله عزوجل.
وظهرت أمارات النجابة عليه، وأشارت أنامل الفراسة من المؤمنين بالفلاح إليه.
قد أحرز مادة من العلم وافرة، وحصل من الادوات الجميلة جملة أحرز بها الجواهر الفاخرة.
فما احتاج مع المنهاج إلى تنبيه، ولا افتقر في مؤاخاة الرشد إلى كاف تشبيه.
ولما وضح لهذه الحركة المباركة السبيل،
ورد من مائها العذب السلسبيل، وتقدم أمر الله لهذا الخاطب، حيث قدم الاستخارة بالتقديم، ثم استفتح راقع هذا الرقيم.
وقال: بفضل: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق فلان الفلاني - ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة نكاح عالم من علماء المسلمين: الحمد لله الذي أعلى منازل العلماء بالعلم والفتوى، وجعلهم ورثة الانبياء وميزهم بالدين والتقوى، وجملهم بمن إذا هز قلم فتاويه عنت له وجوه الاحكام في السر والنجوى.
وسمعت منه أحاديث العلوم الصحيحة كما عنه أخبار الفضائل تروى، وإذا جرى بحث سبق بالجواب، وبلغ من قول الصواب الغاية القصوى.
نحمده على نعمه التي نظمت جوهر العقد السعيد في أجل العقود، وجمعت بين النيرين في أفق السعود.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يبدأ فيها بالمهم المقدم، ونقدمها في الاعمال الصالحة بين يدي من علم وعلم.
ونشهد أن سيدنا

محمدا عبده ورسوله خير من اقتضى وقضى، وأشرف الخلق بخلقه الرضي.
وحكمه المرتضي.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من اتبع شرعه، وأمضى أحكامه، وخاف مقام ربه فشكر الله مقامه، صلاة تمنح قائلها السرور النقد عند أخذ الكتاب، وترجح ميزان حسناته يوم تطيش الالباب، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح مندوب إليه بالامر المطاع الواجب الاتباع، لقوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * وهو سنة مؤكدة حسنة الاوضاع.
ضامنة لمن وفقه الله للمحافظة عليها حسن الاستيداع، لقوله (ص): النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني وهذا حديث صحيح ليس فيه نزاع، ونفوس العالم مائلة إلى العمل به على ما يسر القلوب ويشنف الاسماع.
وهو شفاء من داء العصيان، وسبب
لحفظ أنساب الانسان.
كم أعرب عن فضله لحن خطيب، وانتظم بسلكه شمل بيت نسيب.
يشتمل على المصافاة التي صقلت الالفة الرحمانية رونق صفائها، والموافاة التي تشرفت باقترابها إلى السنة الشريفة النبوية وانتمائها.
وكان فلان ممن رغب في هذه السنة السنية، والطريقة الحسنة المرضية.
ودلت محاسنه العلمية، وصفاته العملية، على التمسك من كل فضل بأطرافه، والتنسك بهذه العبادة التي تكمل بها جميل أوصافه، مع ما فيه من شواهد العلوم التي بلغ بها من العلو الوطر، ودلائل الفضائل التي تكفلت له بحسن الادوات في كل ورد وصدر.
ولقد والله جمل البيوت التي ينسب إليها، وإن كانت طباقها عالية، ومنازلها من أنواع المآثر غير خالية.
كم شهد العقل والسمع بعموم فضله المطلق، واعترف أهل القياس خصوصا والناس عموما بالمفهوم من منطوقه المحكم المحقق.
وكم سلم المقتدي بعلومه من فساد الوضع والاعتبار، ورجح المجتهد في بيان حقيقة أهليته للاستنباط أنه في سائر الفنون حسن الاختيار، وأنه الموفق الرشيد.
ومن توفيقه ورشده خصوص هذه الحركة الكاملة، وعموم البركة الشاملة، وحصول هذا العقد المبارك السعيد، وسريان سره في الكون معطرا بنفحات أمره السديد.
وحين دنا من صاحبه سفوره، وأشرق على صفحات الدهر نوره، ضربت بشائر التهاني والاقبال، وقام اليراع خطيبا على منبر الطروس.
وقال: هذا ما أصدق فلان الفلاني، ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة نكاح.
والزوج لقبه شجاع الدين: الحمد لله الذي أيد عصابة الدين المحمدي بشجاعة، ووفقه لاقتفاء سنن الشرع

الشريف واتباعه، وقرن بالحلال بين النفوس والقلوب، وسهل بالشريعة المطهرة كل مطلوب.
نحمده على ما عم من فضله وغمر، ونشكره والشكر يضاعف المزيد لمن شكر.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
شهادة انبلج بإخلاصها نور الهدى وظهر، وتألق سنا برقها في الآفاق فبهر.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أعز الله به الدين ونصر، وأذل به من جحد وكفر.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، ما جرى بالامور قدر، وهمع ذيل الغمام على الاكمام ودر.
صلاة تسفر عن وجوه المسرة والهنا، وتتكفل لقائلها في الدارين ببلوغ المنى.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أفخر العقود قدرا وقيمة، وأنقى النقود ما بذل فاستخرج به من حجب السعد كريمة، وأبرك المحافل ما هيئت له الاسباب.
وهنئت به الانساب، وحصل الاجتماع به على سنة وكتاب.
وهو مما أمر المرء أن يتخير فيه لنطفه، وما يستخرج به الدر المكنون من صدفه.
وكان فلان - رفع الله قدره في الاملاك، وأدار بسعادته الافلاك - ممن تزينت به الجواهر في الاسلاك، وعقدت ذوائب الجوزاء بمعاقد مناسبه، وتقابلت في بيت السعد سعوده وافتخرت بمناقبه، ونظمت في جيد المعاني عقود درره، وأطلعت في سماء الاماني نجوم بره، فاختار لقمره أشرف المنازل.
وآوى في الناس إلى بيت فيه طالع السعد نازل.
وخطب العقيلة التي تقف الجواري الكنس دون حجابها.
فكانت أولى به وكان هو أولى بها.
وكان من شرف هذا المحل الذي حلا جوهر جمعه، وكرم هذا الجمع الذي أغنت وجوه ساداته عن أضواء شمعه.
وفخر هذا المقام الذي لم يكن فيه وليجة وأرجاء بناته طيبة أريجة.
وعن هذا العقد الذي شمله بركة أول عقد كان للنبي (ص) على خديجة، وهي التي مثلها في نساء العالمين لم يصب، وهي المبشرة بعد بيتها هذا إن شاء الله ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
وهذه سعادة مؤبدة مرقومة في أذيال برودها، ونسيمة فاح ثناؤها العاطر فسرت نفحات ورودها.
فأمتع الله بوجودها وأمتع بحياة والدها، الذي حاز من كل وصف أحسنه، ونطقت بشكره الاقلام والالسنة.
فأنعم به وما
برح معلنا، وأحسن وما زال ثوب السيادة به معلما.
وأجاب لعلمه بموافقة التوفيق إن شاء الله بهذا المرام.
وأن السعد والاقبال توافيا فيه على أكمل نظام.
ولبى داعيه لما له من الحقوق الجمة، وأسند العقد فيه إلى خير الامة، وملك الائمة.
سيدنا ومولانا قاضي

القضاة شيخ الاسلام، حسنة الليالي والايام.
علامة العلماء الاعلام، أبي فلان فلان.
أدام الله رفع لواء الشرع الشريف بدوامه، وثبت بوجوده قواعد نظامه، وجمع الكلمة المحمدية على إمضاء نقضه وإبرامه، فعند ذلك أشرقت شمس السعادة في أفق هذا العقد النظيم، وبرقت وجوه المحاسن من كل جانب واتسمت بكل معنى وسيم، وافتتح القلم لصون هذا الرقيم.
بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أصدق فلان الفلاني - ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة نكاح شريف اسمه علي: وأبو الزوجة من أكابر الرؤساء، واسمه أحمد.
الحمد لله الذي جعل قدر من اتبع السنة عليا، وقدر لمن سلك منهاجها أن رأى الخير منهاجا سويا.
وأحسن نشأة من كان برا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا، وأهل أهل الطاعة لمراضيه حتى ادخر لهم الجنة، لا يسمعون فيها لغوا إلى سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا.
نحمده أن جعل بيت الشرف عليا، وخلد فيه السيادة أحمد تخليد.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يتجدد بها عن العصابة المحمدية آكد تجديد.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي عقد العقد لامته، وأخد عليهم العهدين.
أحدهما: العمل بكتاب الله وسنته، وثانيهما: موالاة أهل بيته وعترته.
فسر النفوس المؤمنة هداه وأقر العيون من أهل بيته وأسرته، بكل ولي سرى تبرق أنوار النبوة من أسرته.
صلى الله عليه وعلى آله حبل النجاة للمتمسك وسبل الهداية للمتنسك، وعلى
جميع أصحابه نجوم الهدى، ورجوم العدى، وأئمة الخيرات لمن اقتدى.
صلاة تشنف أذن سامعها، وتنير بالايمان وجه رافعها، ما تطرزت حلل الغمائم بالبروق اللوامع، وشرع أهل السعادة في إتمام أمورهم على أيمن طائر وأسعد طالع.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح سنة أمر الشارع عليه السلام باتباعها، وأفهم العقلاء عدم الانتفاء من انتفاعها.
ولذلك قال: الدنيا متاع، والمرأة الصالحة خير متاعها والنكاح يحفظ ما انساب من الانساب، وهو سبب في عود ما انجاب عن الايجاب كم برع فيه بدر تم

وكمل؟ وكم طلع نجم سعد ببلوغ قصده وأمل؟ وكم بشر حمله بأن الشمس به في شرف الحمل.
وكان من فضلت سلوك هذه السطور بدرر مفاخره، واستفتح بأم الكتاب في استهلال كتابه المتضمن ذكر جميل مآثره، اللاحقة من السلف بالخلف، وكم علا بها علوي ذوي شرف، وهو السيد الشريف الحسيب النسيب الطاهر الاصيل العفيف، المعتزي من أبوة النبوة إلى من أعلت نسبتها قدره، وأجلسته من علو شأن الحسب والنسب صدره، وشرفت الزهراء زهرة أبوة النسبة المحمدية، ولا شبهة في شرف الزهرة.
ضاعف الله نعمته، وقرن بالتوفيق عزمته - ممن نبت غصنه في روض السيادة، وربى في حجر الشرف والسعادة.
وقد حسن سمة وسمتا وسلك من طهارة الشيم طريقا لا عوج فيها ولا أمتا.
وراق منظرا وشاق خبرا وخبرا، وأسرى بغرض شريف الانتماء المعروف بالبشر فحمد عند صباحه عاقبة السرى، وهو ممن قدم في السيادة بيته، وارتفع بخفض العيش لقرابته بديانته وصيانته صيته.
وتنزه كل شين.
وانتمى بنسبة الشريف إلى مولانا الامام سيد الشهداء الحسين، وتضلع مع ذلك من الفضائل الادبية، واتصف من نهاية الشرف بما فات به وفاق على كثير من أرباب الرتب العلية، ورغب - وما أسعدها رغبة - زادته رتبة إلى رتبته، واقتضى بها من شوارد المودات نهاية معينة، وحسبك بها من رغبة،
سارت بها أحاديث أصالته ببيت مرغوبته كالمثل، وتناقلت الرواة عن سلفها وخلفها عوارف العلم ومعارف العمل، وحوى سترها الرفيع، وحجابها المنيع ما عدا شأوه من المسامع والافواه والمقل.
وما أشار إلا وتلقيت إشارته بالتكريم.
وحين استفهم والدها - أسبغ الله ظله - مسألته قدمها على كل مهم.
لعلمه أن الاستفهام دينه القديم.
وكان مما قدره العزيز العليم.
ما سيذكر في هذا الرقيم.
وهو بفضل: بسم الله الرحمن الرحيم.
صورة عقد نكاح والزوج اسمه طاهر.
ووالد الزوجة لقبه كمال الدين: الحمد لله الذي نسب إلى الكمال كل طاهر المناقب، وجعل النكاح من السنن المحمودة العواقب، ووهب به من اتفاق الاهل واجتماع الشمل أحسن المواهب.
وبه ذهبت بنا شريعة الاسلام إلى أحسن المسالك وأشرف المذاهب، وأرسل إلينا محمدا (ص).
فحض على المكارم ونهى عن المعايب، وأوضح لنا سنته التي من اتبعها فهو غير خائب.
نحمده على مواهب إحسانه وهو خير واهب، ونشكره شكر معترف بنعمته غير جاحد ولا ذاهب.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقوم بها قائلها من الايمان بكل واجب.

ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي زلزل الكفار بما له من مواكب وكتائب، وصدع بنور نبوته دجى الشرك فبدت لوامعه منيرة في المشارق والمغارب.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين طلعوا في أفق سماء الاسلام كالكواكب، وتبادروا لنصرته ما بين ماش وراكب.
صلاة يرقى بها قائلها من مراتب العلياء إلى أعلى المراتب.
ويبلغ بها في الدارين أقصى المآرب.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح سنة ذوي الاهتداء، وأحد مسالك الشريعة المستحقة الاتباع والاقتداء، لا يأخذ به إلا كل من ركن إلى التقوى، وعمل بالسنة التي تتشرف بها النفوس
وتقوى.
ولما كان فلان ممن كساه العلم أثوابه، وفتح التوفيق له أبوابه.
فلبس من التقوى أحسن شعار.
وسار من اتباع السنة على أوضح آثار.
ورغب في سنة النكاح التي هي كمال الدين، وطريقة من ارتضع ثدي اليقين.
وعلم أن هذه السنة لا تحصل إلا عند حصول الاكفاء، وحصول القصد من التخير والاصطفاء، وبلوغ الامنية من كيفية الاكتفاء.
فخطب من هو في علو القدر نظيرها، ومصيره من الاصل الطيب إلى حيث استقر مصيرها.
فقد نشأت في حجر الحلال، وأودعها الصون في خلال ستائر الكمال.
ولما كان الخاطب كفوءا لسلوك هذه الطريقة، وطاهر الصفات على الحقيقة.
خطب فأجيبت خطبته بنعم، وتلقى بحسن القبول تلقى النعم، وانعقد هذا العقد المبارك على أتم حال، وأنعم بال، ووافقه أنواع المسرة بالتمام والكمال.
وتبسم قلم السعادة وقال.
فيا لله ما أصدق ما قال.
هذا ما أصدق فلان الفلاني - ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة نكاح، والزوج لقبه: شهاب الدين: الحمد لله الذي زين سماء المعاني بشهابها المنير، وأعلى دوحة السعادة بنمو فرعها النضير، وشد بيت الرياسة بمن رفع قواعد الفضل الغزير.
ونحمده على نعمه التي شملت الغني والفقير، وعمت الصغير والكبير.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا نظير، ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الشاهد البشير النذير، الداعي إليه بإذنه

السراج المنير، الآمر بالتناكح والتناسل لفائدة التكثير.
صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وأكرمهم بالتطهير، وعلى أصحابه الذين سار على طريقته المثلى
المأمور منهم والامير، صلاة دائمة باقية لا يخالطها ملل ولا يشوب استمرارها تقصير.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فالنكاح سنة ساطعة السنا، يانعة الجنى، جامعة لانواع السرور والهنا، بها يرغم أنف الشيطان، ويتوصل إلى رضى الرحمن، وهو سبب يتمسك به أهل التقوى والديانة، ومنهل عذب يرده أهل العفة والصيانة.
وكان فلان ممن نشأ في حجر السيادة، وارتضع ثدي الزهادة.
وتعبد بالاخلاص.
فظهرت على وجهه المنير آثار العبادة.
وجلت صفات محاسنه اللائقة، وحلت في الافواه موارد سجاياه الرائقة.
وها قد أضاء هذا الكتاب بنور شهابه، وتعطر بذكر اسمه الرفيع وجنابه.
وحين سلك منهج الحق المستقيم، واتبع سنن الانبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم.
فاح في مجلس عقده عرف الفلاح.
ولاح علم التوفيق والنجاح.
وأقبلت طلائع السعد والاقبال.
وقام القلم على منبر الطرس خطيبا وقال، فيالله ما أصدق قوله: هذا ما أصدق إلخ.
خطبة نكاح شريف على شريفة: الحمد لله الذي رفع ذوات الشرف العلي من منازل العلا أعلاها، وخص الخيرات من إمائه الصالحات هذه المنزلة الرفيعة وفي أحصن الحجب آواها.
نحمده حمدا يستوعب من موجبات الشكر أقصاها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يحلنا الله بها من مراتب الاخلاص أسماها.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي أدى أفصح الاوامر الدينية وجلاها، وخلصها من معضلات ظلمات الشرك وحماها.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ذوي المجد الذي لا يتناهى، والفضل الذي لا يضاهى، صلاة لا يدرك مداها، ولا يلحق منتهاها.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح سنة ما برح نورها بصلات أنساب هذه الامة يتبلج، وعقودها تنتظم في أسلاكها كل يتيمة نشرها بحسن هذه الواسطة من روض الانس يتأرج، وناهيك

أن النبي (ص) قال: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج وأهل بيته (ص) أحق من تمسك بسنته الواضحة، وظهر بالمآثر الصالحة.
فمن دوحة حسبه ظهر ذلك الفرع.
ومن ذروة نسبه تفجر ذلك النبع، ومن مزن كرمه لمع ذلك البرق، ومن تقرير أحكام شريعته وضح ذلك الفرق.
ولا عجب لمن كان من هذا البيت الشريف، وعلا به شرف ذلك الحسب المنيف، أن يقوم من اتباع هذه السنة النبوية بالاوجب، ويضم إليه من حصل لكل منه ومنها لصاحبه الفخار والتشريف، فهما أصل كل فخار سما، وفرع نجاء نما، وغيث فضل همى.
ورثا السيادة كابرا عن كابر كالرمح أنبوبا على أنبوب وكان فلان ممن اقتفى آثار بيته الطاهر في العمل بالكتاب والسنة.
فأعظم الله عليه المنة.
وقد كمل هذا العقد السعيد المبارك في الحال والمال.
فحينئذ قام اليراع خطيبا على منبر الطرس.
وقال حين أطرق.
هذا ما أصدق المجلس العالي، السيدي الشريفي الحسيبي النسيبي الطاهري الاصيلي، العريقي الاثيلي.
فخر العترة الزاكية العلوية، شرف السلالة الطاهرة النبوية، فلان الفلاني، بخطوبته الجهة الكريمة السيدة الشريفة الحسيبة النسيبة الناشئة في أعلا درجات الشرف، وديعة الصون في حجر السعادة والترف، فلانة الفلانية، الذي هو في القدر نظيرها، ومصيره من الاصل الطيب مصيرها.
فهو وهي من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهما من سلالة قوم شرفوا بالانتماء إلى العظماء، فنسبهما متصل بنسب أهل الصدق والوفاء، وجوهرهما إذا اعتزى فهو من جوهر منه النبي المصطفى، أصدقها المصدق المشار إليه على كتاب الله وسنة (ص) صداقا مبلغه كذا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
خطبة نكاح أخرى: الحمد لله الذي فصل بين الحلال والحرام وفرق، وجمع بالنكاح ما تشتت من شمل عباده وتمزق، وجعلهم شعوبا وقبائل ليحصل التعارف ويتحقق، وقال تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *.
ليعلم أن أكرمنا من يتحلى بتقوى الله

ويتخلق، وجعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، إذ هو أسكن للنفوس وأرفق.
وخيركم حيث قال: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) *.
ليكون العمل بما هو أليق وأوفق.
وسن النكاح لنبيه (ص).
فلسنته الواضحة ينهض ويسبق.
نحمده على نعمه التي ظهر نور عمومها على العامة والخاصة وأشرق.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد لمع برق إيمانه في كون الاخلاص وأبرق.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق المصدق، والناطق المسدد والعامل الموفق.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ذوي الفضل المطلق، والمجد المحقق صلاة لا يدرك شأوها ولا يلحق، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن الله تعالى جعل النكاح سنة نبيه الذي ما خلق بشر مثله ولا يخلق، وكف به الابصار والفروج عن مآثم السفاح ووثق، وانتدب إلى ذلك من هو أنهض الناس فأسبق.
فابتدر إلى التزويج ابتداء من تحلى بالسنة الشريفة وتخلق وأخذ بقوله (ص): تخيروا لنطفكم والآخذ بسنته يرشد ويسعد ويوفق وخطب العقيلة التي تضوع عرف ثنائها بين الناس وعبق، وما هما إلا قرينان جمعهما أشأم في الفضل وأعرق.
فأجيب إلى ذلك إذ هو الكف ء الذي تبين فضله وتحقق.
وانتظم بينهما عقد نكاح تنظم على السنة الشريفة وتنسق.
وانعقد بينهما.
ما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أصدق فلان الفلاني - ويكمل على نحو ما سبق.
خطبة أخرى: الحمد لله الذي ليس لسهام الاوهام في عجائب صنعته مجرى، ولا تزال لطائف مننه على العالمين تترى.
فهي تتوالى عليهم سرا وجهرا.
وتصوب في أرجاء ساحاتهم برا وبحرا * (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) * سلط على الخلق شهوة اضطرهم بها إلى الحراثة فانجروا إليها جرا، واستبقى بها نسلهم اقتهارا وقسرا.
نحمده على ما من به من تعظيم الانساب التي أطاب لها ذكرا، وعظم لها قدرا.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة تكون لقائلها حجابا من النار وسترا.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المبعوث بالانذار والبشرى، والمخصوص بعموم الرسالة والذكرى.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جردوا لنصرة دينه القويم، واعتقلوا لقتال أعدائه بيضا وسمرا، صلاة لا يطيق أحد لها حصرا، ولا تنفد ولا تبيد شهرا ولا دهرا.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن الله جل اسمه أحل النكاح وندب إليه، وحث عليه استحبابا وأمرا.
وحرم بمشروعيته السفاح، وبالغ في تقبيحه ردعا وزجرا.
وجعل اقتحامه جريمة كبرى، وفاحشة وإمرا، وبت بأدرار النطف في الارحام النسم.
وأنشأ منها خلقا.
وبأرزاقهم وآجالهم في بطون أمهاتهم أقلام قدرته أجرى.
وكان من نضدت جواهر هذا الطرس باسمه، ورسمت برسمه، ممن سلك من اتباع هذه السنة النبوية سبيل الرشاد، فما كان سلوكه سدى.
واهتدى بنجومها الزاهرة، وبأئمتها الاعلام اقتدى.
واختار من تغار الاقمار من محاسنها المجلوة، وتكتب في
صحف الاصول الزكية آيات فضلها المتلوة.
فأجيب - وكان حقيقا بالاجابة - ووافقت سهام عرضه مرامي التسديد والاصابة.
وكان من خصوص هذه الحركة المباركة، التي هي باليمن محكمة العقود، ممنوحة من وعود السعود، بأهنأ النقود، ودوام النفوذ.
وكان مما قدره الله وأراده، ووعد عليه الحسنى وزيادة: ما سيذكر في هذا الرقيم، بفضل: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أصدق فلان الفلاني مخطوبته فلانة على نحو ما تقدم شرحه.
خطبة أخرى: الحمد لله الذي أحسن كل شئ خلقه، وبدأ خلق الانسان من طين.
ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين.
ثم سواه ونفخ فيه من روحه.
فتبارك الله أحسن الخالقين.
نحمده حمد عبد تمسك بالكتاب والسنة، ونشكره شكر من أرشد إلى طريق الجنة.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلج نور الهدى بإخلاصها، وتألق سنا برق بركاتها في الآفاق.
فعم هذه الامة تشريف اختصاصها.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أعز الله بشرعه الشريف دينه الحنيف،

وجعله خير نبي أرسله.
وعلى جميع الانبياء والمرسلين فضله.
وجعل من سنته: أن أحل النكاح لامته.
وشرعه عند الحاجة لواجد أهبته.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الاسلام وجنده القائمين بسنته، والموفين بعهده.
وسلم وعظم وشرف وكرم.
وبعد، فإن النكاح من سنن الانبياء وشعار الاولياء، ودثار الاتقياء، وزينة الاصفياء.
اقتربت به الاباعد، واتصلت به الانساب اتصال العضد بالساعد.
وهو لا تخفى مشروعيته.
ولا ينكر بين أهل الاسلام فضيلته.
وكان فلان ممن تحلى من الفضائل بما تحلى، وتجلى له من مسالك السنة الشريفة ما تجلى، وخطب من ذوات الفضل من هي كالشمس بين الكواكب.
ورغب فيمن هي
غاية الامل للراغب، ومنتهى القصد للخاطب.
فهي ذات أصل ثابت، وفرع نابت، وصيانة شاملة، ونعمة كاملة، وذكر جميل، وحسب ظل ظليل.
وما هي إلا دوحة أصلها الملوك الكرام، ورئيسة خفقت على رؤوس آبائها العلماء الاعلام.
فأجابوا خطبته، ولبوا دعوته.
وبادر ولي هذا الامر إليه مجيبا.
وقال القلم على منبر الطرس خطيبا.
فأسفر له وجه القبول وأشرق.
فيا لله ما أصدق قوله: هذا ما أصدق فلان الفلاني مخطوبته فلانة - ويكمل على نحو ما سبق.
وأما صور الاصدقة: فمنها: ما هو جائز عند أبي حنيفة، باطل عند الباقين.
منها: أصدق فلان فلانة صداقا مبلغه كذا - إلى آخره - وقد وكلت الزوجة المذكورة في تزويج نفسها من الزوج المذكور على الصداق المعين أعلاه.
وقبل الزوج المذكور منها عقد هذا التزويج.
وخاطبها عليه شفاها بمحضر من تم العقد بحضورهم شرعا.
ويندرج الخلاف تحت قوله: بمحضر من تم العقد بحضورهم شرعا فإن مذهب أبي حنيفة: انعقاد العقد بحضور فاسقين وكافرين كتابيين.
إذا كان الزوج والزوجة كتابيين.
وصورة أخرى: أصدق فلان فلانة صداقا مبلغه كذا.
وولى تزويجها منه بإذنها ورضاها فلان الاجنبي، مع وجود الاولياء أو الحاكم.
فهذا العقد صحيح عنده وحده.
وصورة أخرى: أصدق فلان فلانة صداقا جملته كذا، زوجته منها بإذنها ورضاها فلانة ابنة فلان، تزويجا شرعيا.
وقبل الزوج المذكور من الزوجة المذكورة عقد هذا التزويج.

وهذه الصور الثلاثة إذا اتفق شئ منها، وكان القصد تصحيحه.
فطريقه: أن يرفع إلى حاكم حنفي يثبته، ويحكم بموجبه، مع العلم بالخلاف.
صورة نكاح متفق على صحته: أصدق فلان فلانة البكر البالغ العاقل الحرة المسلمة صداقا مبلغه كذا من الدراهم، أو الدنانير أو غيرهما، من كل طاهر جائز بيعه عند الشافعي - احترازا من أن يصدقها شيئا من النجاسات أو المعازف، الجائز بيعها عند أبي حنيفة.
فإن القاعدة الشرعية: أن ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا.
وهذا ممنوع عند الشافعي.
جائز عند أبي حنيفة - زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها والدها المذكور.
وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.
ويكمل إلى آخره.
صورة نكاح مختلف فيه: أصدق فلان فلانة البكر البالغ صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه إجبارا والدها المذكور، أو جدها لابيها.
وقبل الزوج المذكور من المزوج عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.
فهذه الصورة صحيحة عند الشافعي.
وإن كانت ثيبا ولها ابن وأولاد ابن: زوجها أبوها مع وجود ابنها وابن ابنها، خلافا لمالك.
فإن عنده يقدمان على الاب والجد.
وهو صحيح عند أحمد في إحدى الروايتين عنه.
والرواية الاخرى: متى بلغت تسع سنين فلا تزوج بغير إذنها.
وهو صحيح عند أبي حنيفة.
وغير صحيح عند الشافعي.
فإنها إذا كانت بالغة لا تزوج إجبارا، ولا بد من إذنها.
صورة مختلف فيها: أصدق فلان فلانة المرأة النصف العانس البكر التي بلغت من العمر أربعين سنة - أو البنت البكر البالغ العاقل الحرة المسلمة، التي زوجت وخلا الزوج بها وعرفت مضارها ومنافعها، وطلقت بعد الخلوة وقبل الاصابة - صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه والدها المذكور أعلاه إجبارا، وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها، بمحضر من ذوي عدل، بعد الاعتبار الشرعي.
فهذه الصورة باطلة عند مالك وأبي حنيفة.
وفي أظهر روايتي أحمد.
صورة مختلف فيها أيضا: أصدق فلان فلانة البنت البكر، التي وافت تسع سنين،
صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه بإذنها ورضاها والدها - أو غيره من العصبات على الترتيب السابق تعيينه في العصبات في مذهب أحمد - وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج، وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.

فهذا العقد صحيح عند الشافعي إجبارا، إذا كان الولي أبا أو جدا، وإذنها وقع لغوا.
وكذلك وقع عند أبي حنيفة.
ولا يحتاج عنده إلى إذنها أيضا.
وكذلك عند مالك.
وإنما اعتبرنا إذنها لرواية عن أحمد.
فإنه قال: إذا بلغت تسع سنين لم تزوج إلا بإذنها في حق كل ولي، أبا كان أو غيره.
صورة مختلف فيها: أصدق فلان فلانة بنت عبد الله، الجارية في رق فلانة المرأة المسلمة البالغ الايم، المعترفة لفلانة المذكورة بالرق والعبودية - وإن كانت الزوجة معتقة.
فيقول: المرأة المسلمة البالغ العاقل الايم، عتيقة فلانة ابنة فلان - صداقا مبلغه كذا.
ووليت تزويجها منه بذلك بإذنها ورضاها سيدتها المذكورة أعلاه.
وقبل الزوج منها عقد هذا التزويج.
وخاطبته عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل - وإن كانت معتقة.
فيقول: بإذنها ورضاها - معتقتها المذكورة، ويكمل على العادة في كتب الاصدقة.
فهذه الصورة صحيحة عند أبي حنيفة في الرقيقة، مع عدم وجود الشرطين: خوف العنت، وأن لا يجد صداق حرة.
وفي الرواية الثانية من مذهب أحمد باطلة عند مالك والشافعي.
وفي أظهر الروايات عن أحمد، وهي التي اختارها الخرقي وأبو بكر.
وصورة تزويج البنت الصغيرة: أصدق فلان فلانة البنت الصغيرة الثيب التي لم تبلغ الاحتلام.
صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه والدها المذكور، وقبل الزوج المذكور عقد هذا التزويج من المزوج المذكور.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل، ويكمل على نحو ما سبق.
فهذه الصورة جائزة عند أبي حنيفة.
وفي أحد الوجهين لاصحاب أحمد رحمه الله
تعالى.
صورة تزويج الصغيرة البكر: أصدق فلان فلانة الصغيرة البكر، التي هي في حجر والدها المذكور بحكم الابوة شرعا، صداقا مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك والدها المذكور - أو جدها لابيها فلان الفلاني - تزويجا شرعيا.
وقبل الزوج المذكور النكاح لنفسه على المسمى فيه قبولا شرعيا.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.
فإن زوج الاب كان صحيحا إجماعا.
وإن زوج الجد كان صحيحا عند الشافعي وأبي حنيفة.
غير صحيح عند مالك وأحمد.
صورة أخرى في تزويج الصغيرة: أصدق فلان فلانة البنت الصغيرة التي لم تبلغ الحلم - أو المعصر - صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه أخوها لابيها فلان، لعدم ولي

أقرب منه، أو أحد الاولياء على ترتيبهم عند أبي حنيفة، منهم الام.
وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.
ويكمل على نحو ما سبق.
فهذا العقد صحيح عند أبي حنيفة، خلافا للباقين، مع أنه موقوف عنده على إمضائها إذا بلغت.
صورة تزويج الوصي بما استفاد من الولاية الشرعية بالوصية تزويج إجبار: أصدق فلان فلانة البكر البالغ العاقل ابنة فلان صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه إجبارا وصيها الشرعي فلان بما آل إليه في ذلك من الوصية الشرعية المفوضة إليه من والد الزوجة المذكورة، المؤرخة بكذا، الثابت مضمونها بمجلس الحكم العزيز الفلاني الثبوت الشرعي.
المؤرخ بكذا وقبل الزوج منه عقد هذا التزويج - إلى آخره - ويكمل على نحو ما سبق.
وهذا العقد صحيح عند مالك وحده إجبارا، مع تعيين الزوج.
وظاهر مذهب
أحمد: صحته على الاطلاق، وإن لم يكن ثم شهود.
وعقد الوصي العقد إجبارا بغير شهود، فهو أيضا صحيح عند مالك.
فإن الشاهدين ليسا عنده شرطا في صحة العقد.
فهذا عقد عقده الوصي إجبارا على بنت بكر بالغ بغير شهود، خلافا للباقين من الائمة.
ثم إذا كان القصد إمضاؤه وتصحيحه: فيرفع إلى حاكم مالكي يثبته ويحكم بموجبه، مع العلم بالخلاف.
وإن كان القصد إبطاله: فيرفع إلى حنفي أو شافعي، فيثبته ويحكم ببطلانه، مع العلم بالخلاف.
وعند أحمد: هو صحيح.
ولا بد من شاهدين عدلين يحضرانه.
ولا بد عنده من تقدم إذنها أيضا للوصي.
صورة تزويج الوصي البنت البكر الصغيرة التساعية العمر بإذنها على مذهب الامام أحمد رضي الله عنه وحده: أصدق فلان فلانة البنت البكر الصغيرة التي لها من العمر تسع سنين.
ابنة فلان، صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه بإذنها ورضاها المعتبر الشرعي فلان، بمقتضى الوصية الشرعية المفوضة إليه من والدها المذكور، المؤرخة بكذا، الثابت مضمونها بمجلس الحكم العزيز الفلاني المؤرخ بكذا.
وقبل الزوج المذكور عقد هذا التزويج لنفسه.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل.
ويكمل على نحو ما سبق.

صورة تزويج موقوف على الاجازة: أصدق فلان فلانة البكر البالغ العاقل.
ابنة فلان صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها منه بإذنها ورضاها فلان الفلاني، ليشاور والدها المذكور على ذلك.
ويطلب منه الاجازة للعقد المذكور.
وقبل الزوج منه عقد هذا التزويج - إلى آخره - بعد الاعتبار الشرعي.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة أخرى في ذلك: أصدق فلان فلانة المرأة الكامل ابنة فلان عن فلان.
صداقا مبلغه كذا.
وولي تزويجها من المصدق عنه فلان بإذنها ورضاها والدها، أو
جدها، أو أحد العصبات، بشرط إجازة المصدق عنه فلان المذكور ورضاه بذلك، وقبل المصدق المذكور للمصدق عنه المذكور عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من تم العقد بحضورهم شرعا بعد الاعتبار الشرعي.
فهذه الصور الثلاثة صحيحة عند أبي حنيفة على الاطلاق، موقوفة على الاجازة من الولي وفي الصورة الاولى، ومن الزوجة في الصورة الثانية.
وهي ما إذا أصدق رجل امرأة غائبة، وزوجها الولي من المصدق بغير إذنها ولا حضورها.
وسيأتي مثل هذه الصورة في تزويج الفضولي.
ومن الزوج في الصورة الثالثة.
وكذلك عند مالك رحمه الله، بشرط أن تكون الاجازة عقب العقد، قريبة منه في غير تراخ كثير.
وفي الرواية الثانية عن أحمد: أن ذلك صحيح مع الاجازة، كمذهب أبي حنيفة وذلك باطل عند الشافعي على الاطلاق.
وفي إحدى الروايتين عن مالك.
وفي الرواية المختارة لاحمد.
وقد يتصور صورة رابعة جارية مجرى الصور الثلاث المذكورات، وهي أن يقوم فضوليان أجنبيان بحضور عدلين، ويزوج أحدهما امرأة غائبة من رجل غائب على صداق معلوم.
ويقبل الآخر للرجل الغائب العقد.
قال أبو حنيفة: إن ذلك يقع صحيحا.
وإذا أجاز الزوجان ذلك.
ثبت.
ويبنى على ذلك: صور أخرى.
وهي ما إذا كان فضوليا من جهة، ووكيلا من جهة، أو فضوليا من جهة.
ووليا من الجهة الاخرى.
وصوره جائزة عند أبي حنيفة وحده.
وهي أن يزوج الرجل ابنة أخيه من ابن أخيه، وهما صغيران.
ويقبل ويوجب.
وكذا إن قال رجل لرجل: زوجت فلانة منك.
فقال: تزوجت، أو قبل منه العقد، ثم بلغها الخبر فأجازت.
جاز بالاتفاق بين أبي حنيفة وأصحابه.
وقال أبو يوسف: إذا زوجت المرأة نفسها من غائب، فبلغه الخبر، فأجاز يجوز عنده، خلافا لابي حنيفة ومحمد.

وعلى هذا الخلاف: إذا قال الفضولي: اشهدوا علي: أني قد زوجت فلانة من فلان.
فبلغهما الخبر، فأجازا.
صح عند أبي يوسف خلافا لهما.
فالحاصل: أن الواحد يصلح أن يكون وكيلا وأصيلا من الجانبين، حتى ينعقد العقد.
وعند أبي يوسف يجوز أن يكون الواحد فضوليا من الجانبين، أصيلا من جانب، فضوليا من جانب.
ووكيلا من جانب، فضوليا من جانب.
ويتوقف الامر في هذه الصور كلها على الاجازة، خلافا لاصحابه.
صورة تزويج الولي الفاسق موليته: أصدق فلان فلانة، ابنة فلان ضامن الاسواق، أو جابي المكوس مثلا، والدها، المرأة البالغ العاقل الثيب.
صداقا مبلغه كذا.
وولى تزويجها منه بإذنها ورضاها والدها المذكور.
وقبل الزوج منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل، بعد الاعتبار الشرعي.
ويكمل.
فهذه الصورة جائزة عند أبي حنيفة ومالك.
وينعقد النكاح عندهما.
وفي إحدى الروايتين عن أحمد.
وهو باطل عند الشافعي غير منعقد.
وممنوع في إحدى الروايتين عن أحمد.
صورة تزويج الولي موليته بإذنها ورضاها بغير شهود، إما لعدم مسلمين حاضرين في ذلك الوقت، أو إهمالا لحضور شهود: أصدق فلان فلانة البنت البكر البالغ العاقل، الحرة المسلمة ابنة فلان، ما مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها والدها المذكور، أو ولي شرعي على ترتيب الاولياء عند مالك.
وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج، وخاطبه عليه شفاها بغير حضور شهود.
ويكمل.
فهذا العقد جائز عند مالك، صحيح منعقد، لان الشهود ليسوا بشرط عنده.
وفي رواية عن أحمد.
وهو باطل عند أبي حنيفة والشافعي.
وعند أحمد في أظهر الروايتين عنه.
وصورة التزويج مع الوصية بكتمان النكاح.
وهو كثيرا ما يقع فيه الناس.
وهو أن يتزوج الرجل على زوجته بامرأة أخرى.
فيخفي التزويج ويوصي بكتمانه، مع كونه يشتمل على ولي مرشد وشاهدي عدل، وإذن الزوجة ورضاها، وهو باطل عند مالك وحده.
وصورة ما إذا زوج الولي، وعقد العقد بحضرة فاسقين.
فقد قال أبو حنيفة: بانعقاده، وهو منعقد عند مالك أيضا.
لان الاصل عنده: أن الشهادة ليست ركنا في العقد.
وهو غير منعقد عند الشافعي وأحمد.

وصورة ما إذا عقد الولي العقد بحضور رجل وامرأتين: فهو صحيح عند مالك، على أصله في عدم اشتراط الشهود.
وعند أبي حنيفة يثبت.
ويصح بالتداعي إلى حاكم حنفي.
فيدعي ويؤدي الرجل والمرأتان الشهادة.
فيحكم بموجبه، مع العلم بالخلاف.
وكذلك في إحدى الروايتين عن أحمد.
وهو باطل عند الشافعي.
وفي إحدى الروايتين عن أحمد.
وصورة ما إذا عقد الولي النكاح بحضرة أعميين: انعقد النكاح عند أبي حنيفة وأحمد فقط.
وصورة ما إذا عقد الولي الكتابي النكاح، والزوج مسلم، بحضور كتابيين: انعقد عند أبي حنيفة وحده.
وصورة ما إذا عقد الولي الكتابي نكاح موليته على مسلم بحضور شاهدين مسلمين.
فهو صحيح عند أبي حنيفة ومالك والشافعي خلافا لاحمد.
وصورة ما إذا زوج المسلم أمته الكافرة.
فهو جائز عندهم، إلا في أحد قولي الشافعي.
هكذا ذكره صاحب الافصاح، وقال الامام الرافعي: ويزوج المسلم أمته الكتابية.
ولم يذكر فيه القولين للشافعي.
وصورة ما إذا زوج السيد عبده البالغ إجبارا، انعقد عند أبي حنيفة ومالك، وفي
القول القديم للشافعي.
وعند الشافعي على الجديد وأحمد: أنه لا يملك الاجبار.
وصورة ما إذا تزوج العبد إجبارا لسيده مع طلب العبد، وامتناع السيد من التزويج.
فيصح العقد عند أحمد.
وفي أحد قولي الشافعي، وهو باطل عند أبي حنيفة ومالك والشافعي في القول الآخر.
وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك في مسائل الباب بما فيه الكفاية.
صورة إعفاف الوالد بالتزويج، وإجبار ولده على إعفافه عند أحمد في أظهر الروايتين عنه.
وفي قول عن الشافعي: أصدق فلان ابن فلان لوالده فلان المذكور فلانة صداقا مبلغه كذا في ذمته عن والده المذكور.
وولى تزويجها من والده المذكور وليها فلان بإذنها ورضاها.
وقبل هو لوالده عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها مجبرا على ذلك - أو باختياره ورضاه - برا بوالده المذكور، وعليه القيام بما تحتاج إليه الزوجة المذكورة من نفقة مثلها وكسوة مثلها عن والده المذكور بالطريق الشرعي.
وذلك بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.
وصورة ما إذا زوج السيد أم ولده إجبارا بغير رضاها: أصدق فلان فلانة أم ولده

فلان صداقا مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك سيدها المشار إليه إجبارا.
وقبل الزوج المذكور عقد هذا التزويج بمحضر من تم العقد بحضورهم شرعا.
ويكمل.
فهذا العقد صحيح عند أبي حنيفة وأحمد.
وفي رواية عن مالك وفي أحد القولين عن الشافعي.
صورة ما إذا أعتق الرجل جاريته، وجعل عتقها صداقها: أعتق فلان جاريته فلانة - ويذكر جنسها ونوعها - وجعل عتقها صداقها.
وانعقد بينهما بذلك النكاح انعقادا شرعيا.
وصارت زوجا له.
وصار عتقها صداقها.
وذلك بحضور شاهدي عدل، من غير اعتبار رضاها في ذلك.
ووقع الاشهاد على المعتق المذكور بذلك في تاريخ كذا وكذا.
فهذه الصورة تصح عند أحمد وحده في إحدى الروايتين عنه، باطلة عند الباقين.
وفي الرواية الاخرى عن أحمد.
وصورة أخرى في ذلك: أصدق فلان عتيقته فلانة صداقا هو عتقها، بمقتضى أنها قالت له: أعتقني على أن أتزوجك، ويكون عتقي صداقي عليك.
فأعتقها على ذلك.
فقبلت ورضيت، وأذنت في إيجاب العقد منه على صداق هو العتق، فزوجها ولي شرعي من المعتق.
وقبله منه قبولا شرعيا بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.
فهذه الصورة جائزة عند أحمد وحده.
صورة صداق محجور عليه في الشرع الشريف: أصدق فلان المحجور عليه بمجلس الحكم العزيز الفلاني - أو المستمر يومئذ تحت حجر الشرع الشريف - بمدينة كذا عند ما رغب هذا الزوج في التزويج، ودعت حاجته إلى النكاح.
وتاقت نفسه إليه بإذن صدر له في ذلك من سيدنا فلان الدين الناظر في الحكم العزيز، الاذن الصحيح الشرعي بخطوبته فلانة البكر البالغ - أو المرأة الكامل المطلقة من فلان الفلاني طلاقا بائنا، أو المفسوخ نكاحها من فلان الفلاني، أو مختلعة فلان الفلاني - أصدقها المصدق المذكور بالاذن المذكور من ماله الذي تحت حوطة الحاكم المشار إليه - أو المستقر بمودع الحكم العزيز المشار إليه - صداقا مبلغه كذا.
قبضت منه الزوجة المذكورة - أو والدها، أو جدها، أو وليها الشرعي - على يد القاضي فلان الدين الآذن المشار إليه من مال الزوج المذكور كذا، قبضا شرعيا تاما وافيا.
وباقي ذلك - وهو كذا - مقسطا عليه من استقبال كل سنة كذا.
ويكمل إلى آخره، ثم يقول: وشهدت البينة الشرعية أن الصداق المعين أعلاه صداق مثله على مثلها.
ويؤرخ.
تنبيه: الصداق على محجور عليها، أو من محجور عليه: يكتب كما تقدم.
غير أن

ذكر القبض لا يكون إلا من الوصي، أو الحاكم أو أمينه.
فيقول: عجل لها من ذلك
كذا.
فقبض لها سيدنا فلان الدين ليصرفه في مصالحها - ويذكر الوصية وثبوتها، وأهلية الموصى إليه وحكم الحاكم بذلك - ويقول في آخر الكتاب: وذلك بعد أن شهدت البينة الشرعية أن المهر المسمى أعلاه مهر مثلها على مثله.
ويؤرخ.
فإن لم يكن في البلد حاكم، أو امتنع الولي من تزويج المحجور عليه.
فهل يستقل بالتزويج، كما لو امتنع من الانفاق عليه، أو من استيفاء دينه؟ قد تقدم أن الرافعي ومن وافقه من أصحاب الشافعي لا يجوزون ذلك.
وذهب صاحب البحر الصغير وصاحب التهذيب إلى الجواز.
انتهى.
صورة تزويج محجور عليه بامرأة محجور عليها: أصدق فلان المحجور عليه بمجلس الحكم العزيز الفلاني عندما دعت حاجته إلى النكاح، وأبى الولي من تزويجه.
وتاقت نفسه إليه، مخطوبته فلانة ابنة فلان المحجور عليها في الحكم العزيز بمدينة كذا - أو المستمرة تحت حجر والدها المذكور - صداقا مبلغه كذا.
قبض ذلك والدها المذكور - أو أمين الحكم العزيز - من مال المصدق الذي تحت يده ليصرفه في مصالح الزوجة المذكورة، ويصلح به شأنها.
وضمن الدرك في ذلك من قبلها في حال بلوغها وقبله وبعده في ماله وذمته، ضمانا شرعيا.
وولى تزويجها إياه بذلك والدها المذكور بحق ولايته عليها شرعا.
ويكمل على نحو ما سبق، ويقول: وذلك بعد أن شهدت البينة الشرعية أن المهر المذكور مهر المثل لكل منهما على الآخر.
ويقبل النكاح بإذن الوصي أو الحاكم.
ويؤرخ.
صورة ما إذا أصدق رجل امرأة عن موكله، بعد أن سمى له الزوجة على صداق عينه له، وعرفها الوكيل: أصدق فلان عن موكله فلان - ويشرح الوكالة وثبوتها - فلانة بنت فلان البكر البالغ صداقا مبلغه كذا.
عجل لها من مال موكله المذكور كذا وكذا.
فقبضته وصار بيدها وحوزها قبضا شرعيا.
وباقي الصداق على ما يتفقان عليه في التقسيط، يقوم به الموكل في سلخ كل شهر كذا، وقبل الوكيل المسمى أعلاه عقد هذا
النكاح لموكله فلان المذكور على الصداق المعين فيه قبولا شرعيا.
ويكمل.
صورة صداق حر لمملوكة لعدم الطول: أصدق فلان مخطوبته فلانة، مملوكة فلان، المعترفة له بالرق والعبودية، عند ما خشي على نفسه العنت والوقوع في المحظور، لعدم الطول.
ولم يكن في عصمته زوجة، ولا يقدر على صداق حرة.
بعد أن وضح ذلك لدى سيدنا فلان الدين بشهادة فلان وفلان، وأن الزوج المذكور فقير من فقراء

المسلمين، عادم الطول، ليس في عصمته زوجة، ولا يقدر على نكاح حرة، بخبرة البينة الشرعية الشاهدة له بذلك بباطن حاله.
وثبت ذلك عند الحاكم المشار إليه.
وحكم به حكما شرعيا صداقا مبلغه كذا.
وولى تزويجها إياه بذلك سيدها المذكور بحق ولايته عليها شرعا - أو مولاها مالك رقبتها فلان المذكور، ولا يحتاج إلى إذنها - وقبل الزوج المذكور النكاح المذكور على الصداق المعين أعلاه قبولا شرعيا.
واعترف بمعرفة معنى هذا التزويج، وما يترتب عليه شرعا.
ويؤرخ.
وقد تقدم القول في اختلاف العلماء، وأن مذهب أبي حنيفة: يجوز تزوج الامة مع القدرة على الحرة.
صورة صداق مملوك تزوج حرة برضاها ورضى سائر أوليائها: أصدق فلان المسلم الدين - ويذكر جنسه وحليته - مملوك فلان الحاضر معه عند شهوده، المعترف لسيده المذكور بالرق والعبودية بسؤال منه لسيده المذكور وأذن سيده له في ذلك الاذن الشرعي، فلانة الحرة.
أصدقها بإذن مولاه المذكور صداقا مبلغه كذا.
دفعه من مال مولاه المذكور، لهذه الزوجة المذكورة - أو يقوم به الزوج المذكور من كسبه دون سيده في كل سنة كذا - وأذن له سيده في السعي في ذلك، والتكسب والبيع والشراء والاخذ والعطاء إذنا شرعيا، وولى تزويجها إياه بذلك وليها الشرعي فلان - أو وكيله فلان - بإذنها في ذلك، بعد أن علمت هي ووليها فلان المذكور أن الزوج المذكور مملوك لفلان.
ورضيا
بذلك وأسقطا حقهما من الدعوى بما ينافي ذلك إسقاطا شرعيا.
وقبل الزوج المذكور التزوج على الصداق المعين أعلاه بإذن مولاه المذكور قبولا شرعيا.
صورة صداق مملوك تزوج بمملوكة: أصدق فلان المسلم الدين - ويذكر جنسه وحليته - مملوك فلان بإذن من مولاه في ذلك مخطوبته فلانة البكر البالغ، أو الثيب البالغ، مملوكة فلان بإذنه لها في ذلك.
أصدقها كذا وكذا.
دفع ذلك من مال مولاه بإذنه لولي الزوجة، أو لمولاتها فلانة.
فقبضته لتصلح به شأنها.
وولي تزويجها إياه بذلك مولاها فلان المذكور بحق ملكه وولايته عليها.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كان المملوكان لشخص واحد.
فيكتب بغير صداق، لان الصداق راجع إلى السيد.
وجميع ما يملكه العبد والامة للسيد.
فلا يعتبر الصداق جملة كافية، كما ذهب إليه العلماء رحمهم الله تعالى.
ومنهم من يذكر الصداق تبركا.
وصورة ذلك: أنكح فلان - أو زوج فلان - مملوكه فلان المسلم الدين البالغ - ويذكر جنسه وحليته - من مملوكته فلانة المسلمة الدينة البالغة - ويذكر جنسها وحليتها -

على صداق قدره كذا.
دفعه من ماله عن مملوكه فلان لمملوكته فلانة.
فقبضت ذلك منه.
وأذن لها أن تصرفه في مصالحها.
وعقد نكاحها عليه عقدا صحيحا شرعيا.
وقبل فلان هذا النكاح من سيده المذكور على الصداق المعين أعلاه بإذنه له في ذلك قبولا شرعيا.
وأقر كل واحد من الزوجين المذكورين أعلاه أنه مملوك لفلان المسمى أعلاه ملكا صحيحا شرعيا.
وبمضمونه أشهد السيد والزوجان عليهم في صحة منهم وسلامة.
ويؤرخ.
صورة صداق أخرس له إشارة مفهمة: أصدق فلان، وهو يومئذ أخرس لا يتكلم، أصم لا يسمع، بصير عاقل عارف بتدبير نفسه، وبالمضرة والمنفعة، والبيع والشراء، والاخذ والعطاء.
ويعارض الناس ويخالطهم ويفاوضهم.
ويعرف من له نسب منهم وولاء
ممن ليس له نسب منهم ولا ولاء.
كل ذلك بإشارة مفهمة مفهومة.
قائمة منه مقام النطق.
وصارت كاللغة.
لا يجهلها من عرفها، ولا ينكرها من علمها.
وساغ للشهود الشهادة عليه لمعرفتهم مقصوده، مخطوبته فلانة.
أصدقها بالاشارة المذكورة صداقا مبلغه كذا، دفعه من ماله لهذه الزوجة المذكورة وأقبضها إياه.
فقبضته منه قبضا شرعيا وقبل الزوج المذكور النكاح لنفسه بالاشارة المذكورة قبولا شرعيا.
ويكمل.
وإن كانت الزوجة أيضا خرساء كتب: مخطوبته فلانة، وكل منهما أخرس أبكم، لا ينطق بلسانه، أصم لا يسمع بآذانه، صحيح العقل والبصر.
عالم بما يجب عليه شرعا.
كل ذلك بالاشارة المفهمة التي يعلمها منه شهوده، ولا ينكرها من يعلمها عنه، صداقا مبلغه كذا.
ويكمل.
ويكتب الاشارة بالاذن والقبول.
ويؤرخ على نحو ما سبق.
صورة صداق مجبوب: أصدق فلان المحبوب - الذي لا ذكر له - مخطوبته فلانة البكر البالغ - أو الثيب - صداقا مبلغه كذا.
ويكمل، ثم يقول في آخره: وذلك بعد أن علمت الزوجة أن الزوج مجبوب، لا قدرة له على النكاح، ورضيت بذلك الرضا المعتبر الشرعي، ويؤرخ.
كما تقدم.
وصورة صداق نصرانية على نصراني، أو يهودية على يهودي: أصدق فلان النصراني أو اليهودي، مخطوبته فلانة النصرانية أو اليهودية.
وهما ذميان مقران بمذهبهما، داخلان بقلبهما وذمتهما تحت ظلال الدولة الطاهرة الزكية، والخلافة العباسية، راتعان في عدلها، مغموران بإحسانها، ملتزمان الوفاء بعهدها أصدقها عند تزوجه بها كذا وكذا دينارا - إن كان حالا كتب، أو منجما كتب - وولي تزويجها منه أبوها أو أخوها.
ويكمل على ما جرت به العادة في أنكحة المسلمين.

صورة دائرة بين الاولياء في تقديم الابن وابنه على الاب والجد عند مالك ويقدم الاب والجد على الابن وابن الابن وغيرهما من الاولياء، بل لا يكون للابن وابن الابن
ولاية عند الشافعي، إلا إذا كان ابن معتق لام عند الشافعي، وتقديم الابن على الجد عند أبي حنيفة.
وتقديم الجد على الاخ عنده.
وتقديم الجد على بقية الاولياء غير الاب عند أحمد.
وتقديم الاخ للابوين على الاخ للاب عندهم خلافا لاحمد، فإنهما عنده سواء.
فهذه الصور الخلافية جميعها قد تقدم ذكرها في الخلاف في مسائل الباب.
فإذا اتفق وقوع شئ منها فليرفع إلى حاكم تكون تلك الصورة عنده صحيحة، فيثبتها ويحكم بموجبها، مع العلم بالخلاف.
وكذا لو كان القصد البطلان، فيرفع إلى حاكم يرى ذلك.
فيحكم بالبطلان، مع العلم بالخلاف.
وكذلك يفعل فيما عدا ذلك من الصور المختلف فيها.
مثل أن يزوج الولي الابعد، مع وجود الاقرب وقدرته على أن يعقد، وهو من غير تشاح ولا عضل.
فإن هذا العقد باطل عند الشافعي وأحمد.
ويكون موقوفا عند أبي حنيفة على الاجازة من الولي الاقرب، أو إن كانت الزوجة صغيرة، فإلى أن تبلغ وتجيز.
وعند مالك إذا زوج الابعد من غير تشاح حصل من الولي الاقرب، صح العقد.
وأما الكفاءة: فقد تقدم ذكر الخلاف فيها بين العلماء رحمهم الله تعالى، ويترتب عليها صور كثيرة، الحاذق يعرفها ويدرك ما يكون فيها من الصحة والبطلان، ويرفع كل صورة إلى حاكم يرى ما يقصده صاحب الواقعة فيها من الصحة والبطلان.
وكذلك فيما إذا زوجها بعض الاولياء بغير كف ء بإذنها ورضاها.
فعند مالك والشافعي وأحمد: لا يبطل النكاح، ولبقية الاولياء الاعتراض.
وعند أبي حنيفة يسقط حقهم.
فإن كان القصد تصحيحه.
فيرفع إلى حاكم حنفي يثبته ويحكم بصحته، مع العلم بالخلاف.
وكذلك إذا زوجت المرأة بدون مهر مثلها، فلا اعتراض للاولياء عليها، إلا عند أبي حنيفة.
فإن لهم الاعتراض.
ولنا ثلاث صور:
الاولى: أصدق فلان فلانة بنت عمه أخي أبيه لابويه فلان ابن فلان صداقا مبلغه كذا.
تولى المصدق المذكور الايجاب من نفسه لنفسه بإذنها ورضاها وقبل من نفسه لنفسه عقد هذا التزويج قبولا شرعيا، لعدم ولي أقرب منه، أو مناسب، بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.

الثانية: أصدق فلان فلانة بنت عبد الله، عتيقته يوم تاريخه، صداقا مبلغه كذا.
تولى المصدق المذكور الايجاب من نفسه بإذنها ورضاها.
وقبل من نفسه لنفسه عقد هذا التزويج قبولا شرعيا، لعدم عصبات معتقته المذكورة، بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.
الثالثة: أصدق فلان ابن فلان، الحاكم بالبلد الفلاني، فلانة بنت عبد الله المرأة البالغ العاقل الايم، صداقا مبلغه كذا.
تولى المصدق المشار إليه تزويج المرأة المذكورة من نفسه بإذنها له في ذلك ورضاها.
وقبل من نفسه لنفسه العقد المذكور على الصداق المعين أعلاه قبولا شرعيا، بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.
فهذه العقود جائزة عند أبي حنيفة ومالك على الاطلاق، خلافا للشافعي وأحمد.
فرع: لا يصح العقد عند الشافعي، إلا باجتماع أربع: زوج، وولي، وشاهدين.
ولنا صورة يصح فيها العقد باجتماع أقل من العدد المذكور: وهي ما إذا زوج الجد للاب ابنة ابنه بابن ابنه الآخر، وهما صغيران.
فالجد في هذه الصورة يتولى الطرفين، ويقبل من نفسه لابن ابنه.
فهذه الصورة صحيحة عند الشافعي مع اجتماع أقل من العدد المشروط في الصحة عنده.
صورة جمع المملوك بين زوجتين فأكثر: أصدق فلان ابن عبد الله، الجاري في رق فلان بن عبد الله الفلاني، الذي تحته يومئذ زوجتان أو ثلاثة، فلانة بنت عبد الله صداقا مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها سيدها فلان المذكور، لعدم عصباتها.
وقبل
الزوج المذكور عقد هذا التزويج قبولا شرعيا بإذن سيده المذكور، بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا، وصار تحته يومئذ ثلاث زوجات، أو أربع زوجات.
فهذه الصورة صحيحة عند مالك وحده.
فإن العبد كالحر عنده في الجمع بين الزوجات.
صورة تزويج باغية من غير توبة ولا استبراء: أصدق فلان فلانة الباغية صداقا مبلغه كذا، وولي تزويجها منه بذلك وليها فلان الفلاني من غير توبة صدرت منها ولا استبراء.
قبل الزوج المذكور ذلك لنفسه قبولا شرعيا ويؤرخ.
فهذا العقد صحيح عند أبي حنيفة والشافعي.
وكذلك الوطئ جائز عند الشافعي وحده من غير استبراء، وعند أبي حنيفة: لا يطأ إلا بعد الاستبراء بحيضة، أو بوضع الحمل إن كانت حاملا.
وأما مالك وأحمد: فقد تقدم ذكر مذهبهما في هذه المسألة.
صورة ما إذا تزوج الحر أربع إماء، من سيد واحد في عقد واحد، أو عقود، أو كل واحدة من سيد: أصدق فلان ابن فلان، فلانة وفلانة وفلانة وفلانة، النساء البالغات

العاقلات الرقيقات، إماء فلان، الجاريات في رقه وولايته شرعا، لكل واحدة منهن صداقا مبلغه كذا.
زوجهن منه في عقود متعددة سيدهن فلان المشار إليه - أو زوج كل واحدة منهن بعقد واحد مستقل سيدها فلان - وقبل الزوج المذكور منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه على ذلك شفاها بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا.
وذلك مع عدم الشرطين.
وليس تحته حرة، ولا هي في عدة منه.
صورة تزوج الرجل جارية ابنه على مذهب الامام أبي حنيفة، خلافا للباقين: أصدق فلان فلانة رقيقة ولده لصلبه صداقا مبلغه كذا.
وزوجها منه ولده المذكور.
وقبل منه عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بحضور من تم العقد بحضورهم شرعا، لكون أن المصدق المذكور ليس تحته حرة، ولا في عدته حرة، ويكمل.
صورة صداق، والمزوج الحاكم بإذن الولي:
أصدق فلان فلانة البكر البالغ العاقل، الخالية عن الازواج والموانع الشرعية صداقا مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها، أو إذن أخيها لابويها فلان الآذن المرتب الشرعي سيدنا الحاكم الفلاني تزويجا شرعيا.
وقبل الزوج المذكور عقد هذا التزويج.
وخاطبه عليه شفاها بمحضر من ذوي عدل، بعد الاعتبار الشرعي وبعد أن ثبت عند الحاكم المشار إليه خلو الزوجة المذكورة عن الازواج والموانع الشرعية، وأنها بكر بالغ، وأنها أذنت في التزويج من الزوج المذكور على الصداق المعين أعلاه، وأن الآذن المذكور أخوها لابويها، وعدم ولي أقرب منه، وإذن الآذن المرتب على إذن الزوجة المذكورة.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
فإذا كان الولي أبا أو جدا: فله أن يوكل في التزويج.
وإن كان غير أب أو جد: فلا يجوز له أن يوكل وكيلا، بل يأذن للحاكم أو نائبه في التزويج.
وإن كان الزوج غير كف ء في النسب أو غيره من أصناف الكفاءة.
فيقول: وقد علمت الزوجة ووليها - أو وجميع أوليائها، وهم فلان وفلان - أن الزوج المذكور غير كف ء في النسب، أو غيره، مما يظهره الحال.
ورضيا - أو ورضوا - به.
وأسقطوا حقهم من الكفاءة بسببه.
وإن كانت الزوجة قد علمت ورضيت هي وولي واحد، والباقون غير راضين فيرفع إلى حاكم حنفي يثبته ويحكم بموجبه مع العلم بالخلاف.
وإن دعت المرأة إلى كف ء.
وعضل الولي ودعته إلى حاكم.
فأمره بالتزويج.
فإن

أصر على العضل زوجها الحاكم، أو نائبه.
وكتب آخر كتاب الصداق: وذلك بعد أن طلب الحاكم المزوج - أو الحاكم الآذن المشار إليه - والد الزوجة المذكورة أو وليها فلان، وأمره بالتزويج.
وأعلمه أنه ثبت عنده: أن الزوج المذكور كف ء للزوجة المذكورة كفاءة مثله لمثلها، فعضل وامتنع من التزويج.
فوعظه وأخبره بماله من
الاجر في إجابتها، وما عليه من الاثم إن امتنع من تزويجها.
فلم يصغ إلى وعظه، وأصر على الامتناع، وعضلها العضل الشرعي.
وقال بحضرة شهوده والحاكم: عضلتها ولا أزوجها.
وثبت عضله لدى الحاكم المشار إليه الثبوت الشرعي، وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وقد تقدم ذكر الخلاف في غيبة الولي، وأن الولاية تنتقل إلى السلطان كالعضل، وهو مذهب الامام الشافعي.
فإذا حصل التزويج، وكان الولي الاقرب غائبا: فإن كان العاقد شافعيا فلا يلتفت إلى الولي الابعد، بل يزوج هو بإذنها.
وإن كان العاقد حنفيا فيزوج بإذن الولي الابعد.
ويقول إذا كان شافعيا: وولي تزويجها منه بإذنها ورضاها لغيبة وليها الاقرب، ولعدم مناسب له حاضر، فلان الشافعي.
وإن كان حنيفيا فيقول: وولي تزويجها منه بإذنها ورضاها، وإذن ابن أخيها لابويها فلان، لغيبة والد أخيها لابويها الغيبة الشرعية، ولعدم ولي أقرب من الغائب أو مناسب له، فلان الحنفي.
فصل: الزوجة إما أن تكون بكرا.
فيكتب في صداقها: البكر البالغ، أو تكون زالت بكارتها بعارض.
فهي في حكم البكر، ويكتب في صداقها: التي زالت بكارتها.
أو تكون طلقها زوجها ثلاثا، أو واحدة بائنا، أو ثنتين بائنا أو رجعيا، وبانت بانقضاء العدة.
أو توفي عنها زوجها، أو فسخ نكاحها من زوجها.
أو زوجها ممسوح أو صغير لا يتصور منه إنزال ولا جماع، أو غير ذلك.
فيكتب في كل واحدة بحسبها.
ويستشهد في المطلقة بمحضر الطلاق.
وفي المفسوخ نكاحها بمحضر الفسخ.
ويذكر السبب ويحكي خصمه.
وإن كانت رجعية، وصيرها بها بائنا كتب: على مذهب من يرى ذلك.
وإن كانت الزوجة مشركة وأسلمت، ولم يسلم زوجها في العدة، وحصل التفريق بينهما.
فيكتب: وذلك بحكم أن الزوجة المذكورة كانت مشركة.
وهي في عصمة زوجها
فلان المشرك، وأسلمت وهي في عصمته، وهي مدخول بها قبل الاسلام.
وحصل التفرق

الشرعي، ولم يسلم زوجها المذكور.
فبحكم ذلك بانت من عصمة زوجها المذكور.
وحلت للازواج.
فإن كانت غير مدخول بها والحالة هذه، وتعجلت الفرقة.
فيكتب: وذلك بحكم أن الزوجة مشركة، وهي في عصمة زوجها فلان المشرك، ولم يدخل بها، ولم يصبها وأسلمت، وتعجلت الفرقة لها منه بذلك.
صورة نكاح الموقوفة: تزوج فلان بفلانة، موقوفة فلان التي وقفها على فلان، بمقتضى كتاب الوقف المحضر لشهوده، المؤرخ بكذا، بصداق مبلغه كذا، يستحقه الموقوف عليه على الزوج المذكور في كذا وكذا سنة.
عقده بينهما الحاكم الفلاني بإذن الموقوف عليه، بعد الوضوح الشرعي.
وقبله الزوج المذكور لنفسه قبولا شرعيا.
وعلم الزوج المذكور فيه: أن أولاده الحادثون من الزوجة بحكم هذا النكاح يستحقهم الموقوف عليه فيه.
ورضي بذلك الرضى الشرعي.
ويؤرخ.
تنبيه: الموقوف عليه يستحق نتاجا وصوفا وأجرا ومهرا وثمرا وولد جارية.
لا وطئا.
وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الوقف.
انتهى.
صورة تزويج المبعضة: أصدق فلان فلانة المبعضة، التي نصفها حر ونصفها الآخر رقيق جار في ملك فلان الفلاني - صداقا مبلغه كذا وكذا، يستحق مولاها النصف من ذلك بنظير ما يملكه منها استحقاقا شرعيا.
زوجها منه بذلك مولاها المذكور إجبارا فيما يملكه منها، ومعتقها الذي أعتق الجزء الحر منها فلان، أو ولده أو الحاكم، بإذنها له في ذلك الاذن الشرعي.
وقبل الزوج المذكور النكاح لنفسه على المسمى فيه قبولا شرعيا.
وعلم حكم الولد الحادث، وأن مالك النصف يستحق نصفه.
ورضي بذلك الرضى الشرعي.
صورة نكاح المبعض: أصدق فلان المبعض، الذي نصفه حر، ونصفه رقيق جار في ملك فلان الفلاني.
بإذن مولاه فلان المذكور: فلانه.
صداقا مبلغه كذا، ويكمل.
ويكتب في القبول: وقبله الزوج لنفسه على ذلك بإذن مالك نصفه المذكور الاذن الشرعي، ورضيه.
صورة نكاح المجنون: أصدق فلان عن ولده فلان المجنون المطبق الذي هو تحت حجره وولاية نظره، لما رأى له في ذلك من الحظ والمصلحة والغبطة من مال ولده المذكور، أو من مال الوالد، أو من المال الذي يخلفه له والده المذكور، فلانة ابنة فلان، صداقا مبلغه كذا.
وقبله لمحجوره المذكور على ذلك قبولا شرعيا ورضيه.

وعلمت الزوجة ووليها الشرعي بذلك ورضيا به.
واعترف المصدق أن الصداق مهر مثله لمثلها، إذا كان من مال الولد، وإن من مال الوالد كتب: برا به وحنوا عليه.
صورة تزويج المجنونة المطبقة: تزوج فلان فلانة المرأة، أو البكر، أو المعصر المجنونة الزائلة العقل، التي رأى لها والدها في تزويجها الحظ والمصلحة، بصداق مبلغه كذا.
ويكمل.
ويكتب - بعد التكملة والقبول - وعلم المصدق المسمى أعلاه: أن الزوجة المذكورة أعلاه مجنونة مطبقة زائلة العقل.
ورضي بذلك.
وإن كان السلطان ولي المجنونة كتب الصدر، ثم يقول: عقده بينهما فلان الحاكم لوجود الحاجة، وبسبب توقع الشفاء لها، أو غلبة الشهوة، ويكتب في آخره: وشاور الاقارب لها - وهم فلان وفلان - ورضوا بذلك.
صورة نكاح التي تجن وتفيق: تزوج فلان بفلانة البالغة، التي زال عقلها، أو التي تجن وتفيق، وهي الآن مفيقة، بصداق مبلغه كذا.
عقده بينهما بإذنها ورضاها الصادر منها في حال الافاقة، وهي مستمرة على ذلك إلى الآن، فلان.
ويكمل إلى آخره.
ويكتب: علم الزوج بما يعرض لها، وبكل شئ يوجب الفسخ بسببه، ورضي بذلك،
حتى ينقطع التنازع.
صورة نكاح المكاتب: تزوج فلان مكاتب فلان بمقتضى الكتابة الصادرة منه في حقه قبل تاريخه باعترافهما بذلك لشهوده - أو بمقتضى ورقة أحضرها لشهوده متضمنة لذلك - مؤرخ باطنها بكذا، وأذن لمكاتبه في تعاطي ذلك، وقبوله على الحكم الذي سيعين فيه بفلانة.
بصداق مبلغه كذا.
وقبله الزوج لنفسه على ذلك ورضيه.
وذلك بإذن مولاه المذكور.
فإن كانت الزوجة حرة كتب: وعلمت أنه مكاتب، ورضيت به الرضا الشرعي وكذلك وليها.
فإن كان وليها الحاكم.
فالشافعي لا يرى تزويجها إلا من كف ء، وغيره يرى تزويجها برضاها.
وإن كان لها ولي - والحالة هذه - فالشافعي يزوجها برضاها ووليها.
وإن كانت معصرا.
وزوجها من يرى تزويجها غير الاب والجد: فيصح، ولها الخيار إذا بلغت.
صورة نكاح المكاتبة: تزوج فلان بفلانة، مكاتبة فلان الكتابة الشرعية - ويحكى ما تقدم، وإقرار الولي والزوجة بذلك - بصداق مبلغه كذا.
زوجها منه بذلك بإذنها ورضاها مكاتبها المذكور.
ويكتب القبول وعلم الزوج المذكور أن الزوجة إن عجزت نفسها وعادت إلى الرق فالولد يتبعها، وإن صارت حرة فالولد يتبعها.
ورضي بذلك.
ويؤرخ.

صورة نكاح المفوضة: زوج فلان بفلانة الرشيدة، التي قالت لوليها الشرعي: زوجني بلا مهر.
فامتثل مقالتها.
وزوجها من المصدق المذكور بلا مهر بالاذن الشرعي، تزويجا صحيحا شرعيا.
قبله الزوج المذكور لنفسه قبولا شرعيا.
وعلم الزوج المذكور أن بالوطئ لها تستحق عليه مهر مثلها أكثر مهر من يوم العقد إلى يوم الوطئ، ورضي بذلك.
تنبيه: إذا جرى تفويض، فالاظهر: أنه لا يجب شئ بنفس العقد.
فإذا وطئ فمهر مثل، ويعتبر أكثر مهر من يوم العقد إلى يوم الوطئ.
وللمفوضة قبل الوطئ مطالبة
الزوج بأن يفرض مهرا، وحبس نفسها ليفرض وكذا ليسلم المفروض في الاصح.
ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج، لا علمها بقدر مهر المثل في الاظهر.
ويجوز بمؤجل وفوق مهر المثل.
ولو امتنع من الفرض، أو تنازعا فيه فرض القاضي نقد البلد حالا.
ولو رضيت بمؤجل لم يؤجل.
وقيل: لها التأخير، ولا يزيد على مهر المثل ولا ينقص.
انتهى.
صورة نكاح الولد وجعل الوالد أمه صداقا له: أصدق فلان عن ولده لصلبه فلان، الذي هو تحت حجره وولاية نظره.
ورأى له في ذلك الحظ والمصلحة والغبطة، فلانة.
صداقا هو والدة الزوج المذكور فلانة التي هي في ملك والده المذكور، وهي معترفة له بسابق الرق والعبودية إلى الآن.
وقبله لولده المذكور على ذلك قبولا شرعيا.
فبحكم ذلك: عتقت الوالدة المذكورة بدخولها في ملك الابن، لانها لا تصير صداقا حتى يقدر دخولها في ملك الابن.
فإذا دخلت في ملك الابن عتقت عليه.
وإذا عتقت عليه وجب للزوجة - والحالة هذه - مهر المثل على الزوج المسمى أعلاه.
وهو كذا وكذا.
واعترفت الزوجة ووالد الزوج: أن مهر المثل القدر المعين أعلاه.
وذلك على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين، وإن لم يعلم مقدار مهر المثل، فيفرض ما تقدم، إما بأن يتوافق الزوجة ووالد الزوج على فرضه، أو يفرضه الحاكم.
صورة نكاح جارية من مال القراض: تزوج فلان الذي فيه شروط نكاح الاماء من خوف العنت، وعدم طول حرة، ولم يكن تحته حرة - بفلانة التي هي من جملة مال القراض، الذي هو من جهة فلان، والعامل في ذلك فلان، بصداق مبلغه كذا، يستحقه عليه رب المال المذكور دون العامل.
عقده بينهما رب المال المذكور، وقبله الزوج لنفسه قبولا شرعيا.
وذلك بعد اعتراف رب المال والعامل المذكورين أعلاه: أن ذلك قبل القسمة، وأن مال القراض باق بغير قسمة الربح.

وإن كان الزوج حرا، فيكتب: وعلم الزوج المسمى أعلاه: أن الولد الحادث له من الجارية المذكورة بحكم هذا الترويج: يفوز به رب المال، ويكون رقيقا.
ورضي بذلك.
وإن كان الزوج عبدا، فيعلم مولاه والعبد بذلك.
وقد تقدم في كتاب القراض: أن العامل لا يملك على الصحيح إلا بعد القسمة، لا بظهور الربح، وثمار الاشجار والنتاج وكسب الرقيق، ومهر الجارية الواقعة من مال القراض والولد، وبذل المنافع يفوز بها المالك.
وصورة نكاح رب المال.
وجعله مهرا جارية القراض صداقا للمرأة التي يتزوج بها: تزوج فلان بفلانة على صداق مبلغه كذا، والباقي منجم لها عليه في سلخ كل سنة تمضي من تاريخه كذا.
عقده بينهما فلان وليها الشرعي.
وقبله الزوج لنفسه قبولا شرعيا، ثم بعد ذلك: أحال الزوج المذكور أعلاه زوجته فلانة المذكورة معه أعلاه على ذمة زوج جارية القراض الذي المزوج رب المال وفيه وعامله فلان بمبلغ الصداق الذي هو في ذمة الزوج المذكور، ويستحقه رب المال المذكور عليه دون العامل، الشاهد به كتاب الزوجية بينهما، المحضر لشهوده، ويكتب عليه ما ينبغي كتابته شرعا، وهو نظير ما للزوجة المذكورة في ذمة زوجها فلان، وهو رب المال المذكور، الموافق له في القدر والجنس والصفة والحلول والتأجيل، حوالة صحيحة شرعية.
قبلتها منه قبولا شرعيا.
وذلك بحضور زوج جارية القراض ورضاه بذلك، حتى يخرج من الخلاف.
وإذا لم يشهد عليه زوج جارية القراض بالرضى أو لم يتيسر ذلك، فيثبته عند حاكم يرى صحة ذلك، حتى لا ينقض.
وإن كانت الزوجة محجورة قبل لها الحوالة وليها الشرعي، ويرضاه لها إذا كانت المصلحة لها في ذلك.
صورة ما يكتب على كتاب جارية القراض: صار جميع مبلغ الصداق المعين باطنه.
وجملته كذا وكذا لفلانة التي تزوجها فلان رب المال المذكور باطنه بالسبب الذي سيعين فيه، وهو أن
فلان رب المال المذكور تزوج بفلانة المذكورة تزويجا شرعيا على صداق جملته كذا، وهو نظير مبلغ الصداق المعين باطنه حاله ومؤجله.
وحصلت الحوالة منه للزوجة المذكورة على ذمة زوج الجارية المذكورة باطنه بحكم توافق ذلك جنسا وقدرا وصفة وحلولا وتأجيلا.
وحصل القبول الشرعي من فلانة، أو من وليها الشرعي فلان، بذلك ورضي الزوج المحال عليه بذلك - إن كان حصل الاشهاد برضاه - وكتب ذلك بظاهر صداق المحتالة المذكورة على رب المال المحيل المذكور، الشاهد بينهما بأحكام الزوجية.
فبحكم ذلك: صار الصداق المعين باطنه ملكا لفلانة

زوج رب المال المذكور دونه ودون كل أحد بسببه.
وبرئت ذمة رب المال من مبلغ الصداق المذكور، بحكم انتقال ذلك من ذمته بالحوالة إلى ذمة المحال عليه المذكور.
تنبيه: الاحسن أن يفعل ذلك بعد أن يدخل رب المال بزوجته ويصيبها، وبعد أن يدخل زوج جارية القراض بها ويصيبها، حتى يتقرر المهر.
فإذا طلق كل منهما قبل الدخول: تقرر النصف من ذلك لكل من زوجة رب المال، وتصير الحوالة باقية على حكمها في النصف.
وإن طلق رب المال، فيتقرر النصف من الصداق الذي كان في ذمته، وصار في ذمة المحال عليه.
ويبقى النصف الثاني من الصداق الذي هو في ذمة زوج جارية القراض.
فيتقرر النصف الذي في ذمته لزوجة رب المال بحكم الحوالة المذكورة.
ويسقط النصف الثاني.
ويطالب زوجة رب المال زوجها المذكور بالنصف الثاني لفساد الحوالة فيه بحكم الدخول وتقرير الصداق جميعه.
انتهى.
فصل: إذا اعترف رجل وامرأة أنهما زوجان متناكحان، وأن صداق الزوجة عدم وأرادوا تجديد صداق يشهد بينهما بأحكام الزوجية: فالطرفين في ذلك على أربعة أنواع: الاول: أقر فلان أن في ذمته بحق صحيح شرعي لزوجته التي اعترف أنها الآن في عصمته وعقد نكاحه، ودخل بها وأصابها، واستولدها أولادا - ويسميهم - وهي فلانة من
الذهب كذا حالا أو مؤجلا، أو بعضه حال وبعضه منجم.
وأن ذلك مبلغ صداقها عليه، الشاهد به كتاب الزوجية بينهما الذي ادعت الزوجة المذكورة عدمه عدما لا يقدر على وجوده، وحلفت على ذلك اليمين الشرعي، وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك، ويكمل إلى آخره.
وقد سبق ذكر هذه في كتاب الاقرار لتعلقها به.
الثاني: أشهد عليه فلان وفلانة أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي بولي مرشد، وشاهدي عدل، من قبل تاريخه على الوضع الشرعي.
دخل الزوج منهما بالزوجة وأصابها، واستولدها على فراشه أولادا - ويسميهم إن كانوا - وأقر الزوج منهما: أن مبلغ صداق زوجته المذكورة عليه وقدره كذا وكذا، حالا أو منجما، أو بعضه حال وبعضه منجم، لها عليه في سلخ كل سنة تمضي من تاريخ جريان عقد النكاح الشرعي بينهما كذا وكذا، باق لها في ذمته، ولا يسقط ذلك ولا شئ منه عن ذمته بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الاسباب إلى يوم تاريخه وأن الزوجة المذكورة لم تبن من عصمته بطلاق رجعي ولا بائن ولا فسخ، ولا غيره منذ تزوجها إلى الآن، وأن أحكام الزوجية باقية بينهما إلى يوم تاريخه.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا، ويؤرخ.

الثالث: أقرت فلانة أنها مواصلة من زوجها بذكرهما فلان بكسوتها ونفقتها الواجبتين لها عليه شرعا، من حين بنى بها وإلى يوم تاريخه، مواصلة شرعية، وأنها عارفة بقدر الكسوة ونوعها وجنسها، وبما وصل إليها من ذلك المعرفة الشرعية النافية للجهالة.
وذلك بحضور زوجها المذكور، وتصديقه لها على ذلك، واعترافه أن مبلغ صداق زوجته المذكورة أعلاه الشاهد بينهما بأحكام الزوجية، الذي ادعت الزوجة المذكورة عدمه عدما لا يقدر على وجوده.
وقدره كذا وكذا باق في ذمته لها إلى يوم تاريخه، وأنه ملك عليها الطلقات الثلاث، وأن أحكام الزوجية قائمة بينهما إلى تاريخه.
وذلك بعد اعترافهما بالدخول والاصابة والاستيلاد، وتصادقا على ذلك كله تصادقا
شرعيا.
ويؤرخ.
الرابع: وهو أقوى الطرق باعتبار ما يثبت عند الحاكم.
وصورة ذلك.
لا يخلو إما أن تكون قبل الموت أو بعد موت الزوج.
فإن كانت قبل موت الزوج.
فيكتب على لسان الزوجة سؤال صورته: المملوكة فلانة تقبل الارض، وتنهي أن شخصا يسمى فلان تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا بصداق جملته كذا حالا أو منجما، وأن صداقها الشاهد بينهما بالزوجية عدم - أو لم يكتب لها ما يشهد به - ولها بينة شرعية تشهد بذلك.
وسؤالها من الصدقات العميمة: إذن كريم بكتابة محضر شرعي بذلك، صدقة عليها وإحسانا إليها.
أنهت ذلك، ثم ترفع السؤال إلى الحاكم.
فيكتب عليه بالاذن على العادة في ذلك، ثم يكتب الشهود تحت السؤال المشروح أعلاه - بعد البسملة الشريفة - شهوده الواضعون خطوطهم - إلى آخره - يعوقون فلانا وفلانة المذكورين أعلاه، معرفة صحيحة شرعية جامعة لاسمهما وعينهما ونسبهما.
ويشهدون مع ذلك أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي، صدر العقد بينهما بولي مرشد، وشاهدي عدل، ورضاها بشرطه المعتبر الشرعي، وأن مبلغ صداقها عليه، الذي صدر عليه العقد بينهما: جملته كذا وكذا، إما على حكم الحلول أو التنجيم، ويشهدون على إقرار الزوج المذكور: أنه دخل بزوجته المذكورة وأصابها، واستولدها على فراشه أولادا - ويسميهم - وأنها لم تبن منه بطلاق رجعي ولا بائن، ولا فسخ ولا غيره، وأن أحكام الزوجية قائمة بينهما إلى الآن، يعلمون ذلك ويشهدون به، مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا.
وكتب في تاريخ كذا بالاذن الكريم العالي الحاكمي الفلاني.
ويكتب الشهود رسم شهادتهم فيه.
شهد بمضمونه فلان ورفيقه كذلك.

وإن كان المحضر بعد الموت.
فإن كان الشهود يشهدون بمهر المثل.
فيكتب بعد
الصدر المتقدم - ويشهدون مع ذلك: أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي بولي مرشد، وشاهدي عدل، دخل الزوج منهما بالزوجة وأصابها - وإن كان ثم أولاد فيذكرهم - وأن الزوج منهما توفى إلى رحمة الله تعالى قبل تاريخه، وأن مهر مثلها على مثله كذا وكذا، وأن ورثته المستحقين لميراثه المستوعبين لجميعه فلان وفلان وفلان، من غير شريك لهم في ذلك ولا حاجب.
وإن كانت البينة تشهد على إقرار الزوج أن مبلغ الصداق كذا وكذا.
فيكتبه.
وإن كانت تشهد بمبلغ الصداق، فيكتب: وأن مبلغ صداقها عليه كذا وكذا.
ويكمل على نحو ما سبق.
ويثبت عند الحاكم، ويصير هذا المحضر مستند الزوجة في الزوجية.
وفي مبلغ الصداق.
وصورة فسخ الزوجية بالجنون، أو المرض، أو الجذام، أو الرتق، أو القرن: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلانة، وادعت على زوجها فلان لدى الحاكم المشار إليه: أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا، بولي مرشد وشاهدي عدل وصداق شرعي.
ولم تعلم به عيبا يثبت لها خيار فسخ، وأنها وجدت به برصا أو غير ذلك، وهو به الآن، وأنها حين علمها بذلك اختارت فراقه والفسخ لنكاحه.
وسألت سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه عن ذلك؟ فأجاب بصحة دعواها.
ثم سألت الحاكم أن يفرق بينهما، ويحكم بتحريمها عليه، وانقطاع عصمة الزوجية بينهما بحكم الفسخ المذكور الواقع بشرطه الشرعي.
وذلك بعد ثبوت الزوجية بينهما عند الحاكم المشار إليه، أن يحكم لها بذلك.
فأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بذلك حكما صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا بالموجب الشرعي، أو حكم بموجب ذلك.
ويكمل.
وإن كان العيب بالزوجة، فتقع الدعوى من الزوج.
ويكتب ما يوافق ذلك من هذا الانموذج.
وإن كان الفسخ بوكيل الزوج، أو وكيل الزوجة، أو بوكيليهما، فيكتب ذلك بعد ثبوت عقد النكاح، أو يكون التوكيل جرى بمجلس الحكم العزيز فيكتب في إسجال الحاكم: وثبت صدور التوكيل المذكور أعلاه بمجلس الحكم العزيز المشار إليه، بحكم صدوره فيه، واعتراف الموكل به لدى الحاكم المشار إليه، ولا يكون الفسخ إلا عند الحاكم.

فرع: قالت: وطئت عالما بالعيب.
فأنكر العمل.
أو قالت: مكنت وأنت عالم بعيبي.
صدق المنكر في الاصح.
والفسخ قبل الدخول يسقط المهر والمتعة، وبعده يجب مهر المثل إن فسخ بمقارن، أو بحادث بعد العقد، والوطئ جهله الواطئ.
والمسمى إن حدث بعد وطئ.
وإذا طلق قبل الدخول، ثم علم بعيبها، لم يسقط حقها من النصف.
ومن فسخ نكاحها بعد دخول فلا نفقة ولا سكنى لها في العدة، وإن كانت حاملا، مع الخلاف في ذلك.
وإن أراد أن يسكنها حفظا لمائه.
فله ذلك، وعليها الموافقة.
ولو فسخ بعيب، ثم بان أن لا عيب، بطل الفسخ على الصحيح من الوجهين.
ولو رضي أحدهما بعيب الآخر، ثم حدث عيب آخر ثبت الفسخ فيه.
لا إن زاد الاول على الصحيح.
مسألة: شرط بكارتها، فوجدت ثيبا.
فقالت: زالت عندك.
فأنكر، فالقول قولها مع يمينها لرفع الفسخ.
وقوله بيمينه، لرفع كمال المهر.
فرع: ظنها مسلمة أو حرة، فبانت كتابية أو أمة، وهي تحل له فلا خيار في الاظهر.
وصورة القسم بين الزوجات: أشهد عليه فلان: أن في عصمته وعقد نكاحه من الزوجات: فلانة وفلانة وفلانة الحرائر.
وقسم لهن بالقرعة على الوجه الشرعي.
فصارت
نوبة فلانة كذا، ونوبة فلانة كذا، ونوبة فلانة كذا.
وعليه العمل في ذلك بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته، ووفاء حقهن بما قسم لهن، من غير ضرر ولا ضرار بهن، ولا حيف ولا شطط ولا مشقة عليهن، ولا إيلام قلب، والطلب من الله تعالى الاعانة له، والتوفيق للقيام بالعدل بينهن، والانصاف على الحكم المشروح أعلاه.
وذلك بحضورهن وإشهادهن على أنفسهن بالرضا بذلك، على حكم الطواعية والاختيار، من غير إكراه ولا إجبار.
وكان الحظ والمصلحة لهن في ذلك على ما نص وشرح فيه.
وتصادقوا على ذلك تصادقا شرعيا.
ويؤرخ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الخلع وما يتعلق به من الاحكام سمي الخلع خلعا، لان المرأة تخلع نفسها منه، وهي لباس له، لقوله تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * وسمي الافتداء لانها تفتدي نفسها منه بما تبذله له من العوض.
والخلع ينقسم على ثلاثة أقسام.
قسمان مباحان، وقسم محظور.
فأحد المباحين: إذا كرهت المرأة خلق الزوج أو خلقه أو دينه، وخافت أن لا تؤدي حقه، فبذلت له عوضا ليطلقها.
جاز ذلك، وحل له أخذه بلا خلاف.
لقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * وروى الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن حبيبة بنت سهل أن النبي (ص) خرج إلى صلاة الصبح، وهي على بابه.
فقال: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل.
فقال: ما شأنك؟ فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا ثابت - تعني زوجها ثابت بن قيس - فلما جاء ثابت، قال له رسول الله (ص): هذه حبيبة تذكر ما شاء الله أن تذكر.
فقالت: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي.
فقال النبي (ص) لثابت: خذ منها.
فأخذ منها.
وجلست في أهلها.
وفي رواية عن الشافعي رضي الله عنه: أنها اختلعت من زوجها وقال الشيخ أبو إسحاق: جميلة بنت سهل.
وروي أن الربيع بنت بن معوذ بن عفراء: اختلعت على عهد رسول الله (ص).
القسم الثاني من المباح: أن تكون الحالة مستقيمة بين الزوجين، ولا يكره أحدهما الآخر.
فيتراضيا على الخلع.
فيصح.
ويحل للزوج ما بذلت له.
لقوله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *.
القسم الثالث: وهو أن يضربها، أو يخوفها بالقتل، أو يمنعها نفقتها أو كسوتها

ليخالعها.
فهذا المحظور.
لقوله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض مآ آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * والعضل: المنع، فإن خالعته في هذه الحالة.
وقع الطلاق.
ولا يملك الزوج ما بذلته له على ذلك.
فإن كان بعد الدخول كان رجعيا، لان الرجعة إنما سقطت لاجل ملكه المال، فإذا لم يملك المال كان له الرجعة.
فإن ضربها للتأديب في النشوز.
فخالعته عقب الضرب: صح الخلع، لان ثابت بن قيس كان قد ضرب زوجته فخالعته، مع علم النبي (ص) بالحال، ولم ينكر عليهما.
ولان كل عقد صح مع الضرب صح بعده.
كما لو حد الامام رجلا، ثم اشترى منه شيئا عقبه.
قال الطبري: وهكذا لو ضربها لتفتدي منه فافتدت نفسها منه عقبه طائعة صح، لما ذكرناه.
وإن زنت فمنعها حقها لتخالعه فخالعته، ففيه قولان: أحدهما: أنه من الخلع المباح، لقوله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض مآ آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * فدل على أنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز عضلها.
والثاني: أنه من الخلع المحظور، لانه خلع أكرهت عليه بمنع حقها.
فهو كما لو
أكرهها على ذلك من غير زنا.
وأما الآية، فقيل: إنها منسوخة بالامساك في البيوت، وهو قوله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) * ثم نسخ ذلك بالجلد والرجم.
وهو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع وعلى التقديرين: فيشترط لصحتهما من الزوج: أن يكون ممن ينفذ طلاقه، فلا يصح خلع الصبي والمجنون.
ويصح خلع المحجور عليه بالفلس والسفه.
وإذا خالع السفيه على مال فلا يسلم المال إليه، بل إلى وليه.
ويصح خلع العبد، ويسلم المال إلى السيد.
ويشترط فيمن يقبل الخلع: أن يكون مطلق التصرف في المال.
فإن كانت الزوجة المختلعة أمة، واختلعت بغير إذن السيد، حصلت البينونة، سواء اختلعت بعين مال السيد أو بدين.
وهل يستحق الزوج في ذمتها مهر المثل، أو قيمة العين إذا اختلعت بعين ومهر المثل، أو المسمى في صورة الدين؟ فيهما قولان.
الاظهر: الاول.
وإن اختلعت بإذن السيد: فإن عين مالا من أمواله يختلع عليه، وامتثلت أمره،

صح الخلع.
وكذا إن قدر دينا، فامتثلت، ويتعلق المال بكسبها.
فإن أطلق الاذن: اقتضى الاختلاع بمهر المثل.
ولو خالع السفيه زوجته، أو قال: طلقتك على كذا.
فقبلت: وقع الطلاق رجعيا، وإن لم تقبل لم يقع الطلاق.
واختلاع المريضة في مرض الموت بمهر المثل أو بما دونه: نافذ.
ولا يعتبر من الثلث.
فإن زادت: اعتبرت الزيادة من الثلث.
ولا يصح خلع البائنة.
وأصح القولين: صحة خلع الرجعية.
ويجوز أن يكون عوض الخلع قليلا وكثيرا، أو عينا أو دينا.
وسبيله سبيل الصداق.
ولو جرى الخلع على
مجهول، نفذت البينونة، وكان الرجوع إلى مهر المثل.
وإن جرى على خمر أو خنزير: فالرجوع إلى مهر المثل في أصح القولين.
ويجوز التوكيل بالخلع من الجانبين.
وإذا قال الزوج لوكيله: خالعها بمائة، فلا ينقص عن المائة.
وإن أطلق، فلا ينقص عن مهل المثل.
فإن نقص عن القدر، أو عن مهر المثل في صورة الاطلاق.
فأصح القولين: أنه لا يقع الطلاق.
والثاني: يقع ويجب مهر المثل.
وإن قالت الزوجة لوكيلها: اخلعني بمائة، فاختلع بها، أو بما دونها بالوكالة نفذ.
وإن اختلع بأكثر، وقال: اختلعت بكذا في مالها بوكالتها حصلت البينونة.
وأصح القولين: أن الواجب على المرأة مهر المثل.
والثاني: أكثر الامرين من مهر المثل وما سمته هي.
وهل الفرقة بلفظ الخلع طلاق أو فسخ لا ينقص به عدد الطلاق؟ فيه قولان.
أصحهما: أنه لا طلاق.
وإن قلنا به: فلفظ الفسخ كناية فيه.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: الخلع: مستمر الحكم بالاجماع.
ويحكى عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: الخلع منسوخ وهذا ليس بشئ.
واتفق الائمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة: جاز لها أن تخالعه على عوض، وإن لم يكن شئ من ذلك، وتراضيا على الخلع من غير سبب: جاز ولم يكره.
وحكي عن الزهري وعطاء وداود: أن الخلع لا يصح في هذه الحالة.
والخلع طلاق بائن عند أبي حنيفة ومالك.
وفي إحدى الروايتين عن أحمد.

والصحيح الجديد من أقوال الشافعي الثلاثة.
وقال أحمد، في أظهر الروايتين: هو فسخ لا ينقص عددا.
وليس بطلاق.
وهو القديم من قولي الشافعي.
واختاره جماعة من متأخري أصحابه، بشرط أن يكون ذلك مع الزوجة، وبلفظ الخلع، ولا ينوي به الطلاق.
وللشافعي قول ثالث: أنه ليس بشئ.
فصل: وهل يكره الخلع بأكثر من المسمى؟ قال مالك والشافعي: لا يكره ذلك.
وقال أبو حنيفة: إذا كان النشوز من قبلها: كره أخذ أكثر من المسمى.
وإن كان من قبله: كره أخذ شئ مطلقا.
وصح مع الكراهة.
وقال أحمد: يكره الخلع على أكثر من المسمى مطلقا.
فصل: وإذا طلق المختلعة منه.
قال أبو حنيفة: يلحقها طلاقه في مدة العدة، وقال مالك: إن طلقها عقب خلعه طلقة متصلة بالخلع طلقت.
وإن انفصل الطلاق عن الخلع لم تطلق.
وقال الشافعي وأحمد: لا يلحقها الطلاق بحال.
ولو خالع زوجته على إرضاع ولدها سنتين جاز.
فإن مات الولد قبل الحولين.
قال أبو حنيفة وأحمد: يرجع عليها بقيمة الرضاع للمدة المشروطة.
وعن مالك روايتان.
إحداهما يسقط الرضاع، ولا يقوم غير الولد مقامه.
والثانية: لا يسقط الرضاع، بل يأتيها بولد مثله ترضعه.
وإذا قلنا بالقول الاول، فإلام ترجع؟ قولان.
الجديد: إلى مهر المثل.
والقديم: إلى أجرة الرضاع.
فصل: ليس للاب أن يخلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: يستحق عليها الالف، سواء طلقها ثلاثا أو واحدة، لانها تملك نفسها بالواحدة.
كما تملك بالثلاث.
وقال الشافعي: يستحق ثلث الالف في الحالتين.
وقال أحمد: لا يستحق شيئا في الحالتين.
ولو قالت: طلقني واحدة بألف.
فطلقها ثلاثا.
فقال مالك والشافعي وأحمد: تطلق ثلاثا.
ويستحق الالف.
وقال أبو حنيفة: لا يستحق شيئا.
وتطلق ثلاثا.
فصل: ويصح الخلع من غير زوجته بالاتفاق، وهو أن يقول أجنبي للزوج: طلق امرأتك بألف.
وقال أبو ثور: لا يصح.
انتهى.
فائدة: من فتاوى البغوي.
لو قالت لوكيلها: اخلعني على ما استصوبت، كان له اختلاعها على ماله في ذمتها، وعلى مالها من الصداق في ذمة الزوج، ولا تخالع على
عين من أعيان أموالها، لان ما يفوض إلى الرأي ينصرف إلى الذمة عادة.

قال القاضي تاج الدين في الطبقات: وهو فرع غريب.
مسألة: رجل له امرأتان.
إذا خالع إحداهما، انفسخ نكاح الاخرى.
صورتها: هذا الرجل كان قد تزوج بأمة المختلعة، ثم أيسر.
فتزوج بسيدتها، ثم خالع السيد بهذه الامة.
انفسخ نكاح الامة، لان ملك اليمين والنكاح لا يجتمعان.
المصطلح: وهو يشتمل على صور: وللخلع عمد: ذكر الزوجة، والزوج، وأسمائهما، وطلب المختلعة منه أن يخلعها على بدل معلوم القدر والصفة، إن كان مما يوصف.
وذكر إجابة الخالع إلى ما سألت عليه، وخوفهما أن لا يقيما حدود الله.
وذكر دفع البدل إلى الزوج.
وذكر قبضه منها، وذكر خلعه إياها على ما اتفقا عليه من عدد الخلع، وذكر الدخول بها إن كانت مدخولا بها، وصحة العقل والبدن، وجواز الامر، وإقرارهما بذلك.
ومعرفة الشهود بهما.
والتاريخ باليوم والشهر والسنة.
والخلع تارة يكون مع الزوجين.
وتارة يكون من وكيليهما.
وتارة يكون من وكيل أحدهما مع الآخر.
وتارة يكون مع الاجنبي.
وتارة يكون مع الزوجة.
والزوج سفيه.
وتارة يكون مع والد الزوجة أو جدها إذا كانت تحت حجرهما.
وتارة يكون بعد الدخول.
وتارة يكون قبل الدخول.
وصورة خلع الزوجين على المسمى وحده، وهو غير مكروه: خالع فلان زوجته فلانة، على جميع صداقها المعين باطنه - إن كتب ذلك في فصل بظاهر كتاب الصداق - وقدره كذا وكذا، خلعا صحيحا شرعيا.
بسؤالها إياه في ذلك، وقد بانت منه بذلك.
وملكت نفسها عليه.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وتصادقا على الدخول بها والاصابة.
فبمقتضى ذلك: برئت ذمة المخالع المذكور من جميع مبلغ الصداق
المعين فيه، البراءة الشرعية.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
ويؤرخ.
وصورة أخرى في ذلك: سألت فلانة، الزوجة المذكورة باطنه، زوجها فلان المذكور معها باطنه: أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه، على نظير مبلغ صداقها عليه المعين باطنه.
وجملته كذا وكذا.
فأجابها إلى سؤالها وخلعها على البدل المذكور، خلعا صحيحا شرعيا.
ملكت به نفسها عليه، فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وتصادقا على الدخول بها والاصابة.
ويؤرخ.
وصورة أخرى في ذلك: سألت فلانة زوجها فلان أن يخلعها من عصمته وعقد

نكاحه على نظير مبلغ صداقها عليه المعين باطنه، وعلى مبلغ ألف درهم في ذمتها له على حكم الحلول.
فأجابها إلى سؤالها، وخلعها الخلع المذكور على العوض المذكور، خلعا صحيحا شرعيا.
بانت منه بذلك وملكت نفسها عليه.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وتصادقا على الدخول بها والاصابة، وبرئت ذمة المخالع المذكور من جميع مبلغ الصداق المعين فيه، واستحق هو عليها الالف المذكورة استحقاقا شرعيا.
وطالبها بها فدفعتها إليه، فقبضها منها قبضا شرعيا برئت به ذمتها من المبلغ المذكور، ومن كل جزء منه براءة شرعية.
ويذيل بالاقرار بعدم الاستحقاق.
ويؤرخ.
وصورة الخلع على الرضاع: سألت فلانة زوجها فلان أن يخلعها عن عصمته وعقد نكاحه الخلع الشرعي، على أن ترضع له ولده لصلبه منها فلان، المقدر عمره يومئذ بكذا، بقية أمد الرضاع الشرعي، وهو كذا وكذا من تاريخه.
فأجابها إلى سؤالها، وخلعها على ذلك خلعا صحيحا شرعيا، ملكت به نفسها عليه.
ولا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
واستحق هو عليها إرضاع ولده المذكور المدة المذكورة استحقاقا شرعيا، وسلم إليها الولد المذكور لترضعه بالمكان الفلاني.
فتسلمته منه تسلما شرعيا.
وشرعت في إرضاعه بحكم السؤال المشروح أعلاه.
والقيام بمصالحه بحق مالها من
الحضانة، إن كانت الحضانة لها.
وذلك بعد اعترافهما بالدخول والاصابة والاستيلاد، وهو الولد المذكور.
وإن كان استولدها غيره: ذكره.
ويؤرخ.
وصورة الخلع بسؤال أبي الزوجة على مذهب مالك رحمه الله، خلافا للباقين: سأل فلان فلانا أن يخلع ابنته الصغيرة فلانة، التي هي تحت حجره وولاية نظره بالابوة الشرعية من عصمته وعقد نكاحه، على جميع صداقها الذي تزوجها عليه المسؤول المذكور.
وجملته كذا وكذا.
فأجابه إلى سؤاله وخلع ابنته المذكورة على البدل المذكور خلعا صحيحا شرعيا.
بانت منه بذلك.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وبرئت بذلك ذمة المسؤول المذكور من جميع الصداق المعين فيه البراءة الشرعية.
ويؤرخ.
صورة الخلع على مذهب الامام أحمد رحمه الله تعالى: سأل فلان - أو سألت فلانة الزوجة المسماة باطنه - زوجها المذكور باطنه: أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه خلعا عاريا عن لفظ الطلاق ونيته، على مذهب الامام الرباني أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه، على درهم واحد في ذمتها - أو على نظير مبلغ صداقها عليه.
وقدره كذا وكذا، أو على ما يتفقان عليه - فأجابها إلى سؤالها.
وخلعها الخلع

المذكور على العوض المذكور.
وبانت منه بذلك وملكت نفسها عليه، فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وتصادقا على الدخول بها والاصابة والاستيلاد، إن كان بينهما أولاد.
ويؤرخ.
وهذا الخلع لا ينقص عدد الطلاق الثلاث.
فإذا أراد المختلع أن يجدد نكاح مختلعته.
فالاحسن أن يستحكم بالخلع حاكم حنبلي، لا سيما إن كان من ثالثة.
كيلا يحكم ببطلان ذلك على مذهب من يرى أن الفسخ طلاق.
وإذا كان لها ولي يأذن الولي لحاكم حنبلي، أو لعاقد حنبلي.
والاحسن أن يكون حاكما، حتى يحكم بصحته، وأنه
فسخ لا ينقص عدد الطلاق الثلاث.
وإن عقده عاقد حنبلي.
فيحكم به حاكم آخر حنبلي.
حتى يخرج من الخلاف ويأمن من تعرضه للبطلان.
صورة الخلع مع السفيه بمباشرة الزوجة: سألت فلانة زوجها فلان أن يخلعها من عصمته وعقد نكاحه على مبلغ كذا وكذا في ذمتها على حكم الحلول.
فأجابها إلى سؤالها، وخلعها خلعا صحيحا شرعيا على العوض المذكور.
وبانت منه بذلك، وملكت نفسها عليه، فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية، ثم بعد ذلك تسلم فلان وصي المخالع المذكور أعلاه - ويشرح الوصية - جميع ما استحقه لمحجوره المخالع المذكور أعلاه بحكم هذا السؤال والخلع المعين أعلاه - وهو كذا وكذا - تسلما شرعيا، ليكون تحت يده لمحجوره المذكور.
وعليه الخروج من ذلك على الوجه الشرعي.
ولا يخفى على الحاذق ما يكتب إذا كان السؤال من وكيل الزوجين، ولا ما يكتب إذا كان التوكيل من جهة الزوجة، أو من جهة الزوج.
صورة سؤال الاجنبي: سأل فلان فلانا أن يخلع زوجته فلانة من عصمته وعقد نكاحه على كذا وكذا في ذمته على حكم الحلول.
فأجابه إلى سؤاله وخلعها خلعا صحيحا شرعيا على العوض المذكور.
ثم يحيلها المخالع على ذمة الاجنبي بما وقع السؤال عليه.
فيقول: ثم بعد حصول ذلك ولزومه شرعا، أحال المخالع المذكور مختلعته المذكورة على ذمة فلان السائل المذكور بما ترتب له في ذمته بالحكم المشروح أعلاه.
وهو كذا وكذا، في نظير مبلغ صداقها عليه، الموافق لذلك في القدر والجنس والصفة والحلول، حوالة شرعية مشتملة على الايجاب والقبول.
فإن قبلت الحوالة على الاجنبي، صرح بقبولها ورضاها بذلك.
وإن كانت محجورة.
فيقبل لها وليها الشرعي، وإن لم يقبل: فالمخالع يطالب الاجنبي، والمختلعة تطالب المخالع.
وفي التخالع مع والد الزوجة: يكتب سؤاله والحوالة على والدها، ويقبلها لها، إن

كانت تحت حجره وولاية نظره، وإن لم تكن تحت حجره فلا يكتب حوالة، ويبقى الصداق في ذمة المخالع.
ويبقى القدر المسؤول عليه في ذمة والد المختلعة للمخالع.
وكذلك يفعل في سؤال الجد للاب.
وإن وقع بلفظ الطلاق كتب ما سيأتي ذكره في الصورة الآتية في كتاب الطلاق.
فصل في الفسخ: وهو تارة يكون بغيبة الزوج.
فذلك على مذهب مالك وأحمد.
وتارة يكون فسخ نكاح الصبي، الذي لا يتصور منه إنزال ولا جماع.
وتارة يكون الفسخ في الغيبة أو الحضور بالاعسار بالنفقة أو الكسوة بعد الدخول، أو بالمهر قبل الدخول على مذهب الشافعي.
وقد سبق ذكر الفسخ بوجود العيب في أحد الزوجين.
وأما فسخ الغيبة على مذهب مالك: فتسأل الزوجة القاضي في كتابة محضر.
فإذا أذن في ذلك، كتب بحضور شهود يعرفون فلانة وفلانا، معرفة صحيحة شرعية، ويشهدون مع ذلك أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي بولي مرشد، وشاهدي عدل بشرائطه الشرعية، دخل الزوج منهما بالزوجة وأصابها.
ثم غاب عنها مدة تزيد على كذا وكذا - من الحكام من لا يفسخ إلا بعد مضي سنة.
ولكن ماله مدة معينة إلا على سبيل الاحتياط من الحاكم.
وأقل المدة عند أحمد: ستة أشهر - وتركها بلا نفقة ولا كسوة، ولا ترك عندها ما تنفقه على نفسها في حال غيبته، ولا متبرعا بالانفاق عليها في حال غيبته، ولا أرسل لها شيئا، فوصل إليها، ولا مال لها تنفقه على نفسها، وترجع به عليه.
وهي مقيمة على طاعته بالمكان الذي تركها فيه.
وهي متضررة بفسخ نكاحها منه.
يعلمون ذلك ويشهدون به مسؤولين - إلى آخره.
وتقام الشهادة عند الحاكم، ثم يمهلها على مقتضى رأيه واجتهاده، ثم يكتب المحضر لتحلف، ثم يكتب فصل الحلف.
وصورته: أحلفت فلانة الزوجة المذكورة فيه بالله العظيم الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم.
يمينا شرعية جامعة لمعاني الحلف شرعا، أن زوجها
المذكور غاب عنها من مدة تزيد على كذا.
وتركها بلا نفقة ولا كسوة - وتعدد الشروط المذكورة في المحضر كلها إلى آخرها - ثم تقول: وأن من شهد لها بذلك صادق في شهادته.
وأنها مقيمة على طاعته، متضررة بفسخ نكاحها منه فحلفت كما أحلفت بالتماسها لذلك.
ويؤرخ.
وتقام الشهادة فيه عند الحاكم.
ثم إن الزوجة تسأل الحاكم الفسخ.
فيعظها الحاكم، ويقول لها: إن صبرت فلك الاجر.
فتأبى إلا الفسخ.
فيمكنها من الفسخ.
فتقول بصريح لفظها: فسخت نكاحي من

زوجي فلان الفلاني المذكور بطلقة واحدة رجعية.
وإن كان عند الحنبلي: فلفظ الفسخ كاف.
وقد تقدم القول: أنه إذا حضر في العدة كان أحق برجعتها، لكنها تبين عند الحنبلي بالفسخ.
فلا يراجعها إلا بإذنها.
ثم تسأل الحاكم الحكم لها بذلك على مقتضى مذهبه واعتقاده.
فيكتب على المحضر ليسجل بثبوته.
والحكم بموجبه، ثم يكتب على ظهره: لما قامت البينة عند سيدنا فلان الدين الحاكم الفلاني بمضمون المحضر المسطر باطنه، وجريان الحلف المشروح باطنه، وبمعرفة الزوجين المذكورين فيه.
وثبت ذلك عنده الثبوت الشرعي بالشرائط الشرعية، المعتبرة في ذلك شرعا.
سألت الزوجة المذكورة فيه سيدنا الحاكم المشار إليه فيه - أو المسمى فيه - أن يمكنها من فسخ نكاحها من عصمة زوجها المذكور معها في المحضر المسطر باطنه.
فوعظها، فأبت إلا ذلك.
وحصل الامهال الشرعي.
فكرر عليها الوعظ، وقال لها: إن صبرت فلك الاجر.
فأبت إلا ذلك.
فاستخار الله تعالى وأجابها إلى سؤالها، ومكنها من فسخ نكاحها من عصمة زوجها المذكور بطلقة واحدة رجعية.
فقالت، بعد ذلك بصريح لفظها: فسخت نكاحي من عصمة زوجي فلان المذكور بكيب أو كيت - أو تقول: أوقعت على نفسي طلقة واحدة أولى رجعية، فسخت بها
نكاحي من عصمة زوجي فلان المذكور - أو فسخت نكاحي من عصمة زوجي المذكور فسخا شرعيا - ثم بعد ذلك سألت الحاكم أن يحكم لها بذلك.
فأجابها إلى سؤالها، وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده، والحكم بموجبه حكما صحيحا شرعيا إلى آخره على مقتضى مذهبه واعتقاده.
ورأى إمامه الامام مالك بن أنس رضي الله عنه وأرضاه، أو الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، مع العلم بالخلاف.
ويؤرخ.
وإن كان الفسخ من الحاكم، فيكتب: ثم سألت الحاكم فسخ نكاحها المذكور.
وأصرت على ذلك، وزالت الاعذار من قبلها.
فحينئذ استخار الله تعالى وأجابها إلى ذلك، وفسخ نكاحها من زوجها المذكور الفسخ الشرعي.
وفرق بينهما في مجلس حكمه وقضائه.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الفسخ على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه، وهو لا يفسخ إلا بالاعسار بالنفقة والكسوة أو المهر قبل الدخول: بين يدي سيدنا فلان الدين، الحاكم الفلاني: ادعت فلانة على زوجها فلان، أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا ودخل بها وأصابها، واستحقت عليه كسوتها ونفقتها لمدة كذا وكذا، ولم يدخل بها ولم يصبها،

وأنها تستحق عليه مهرها.
وهو كذا وكذا، وطالبته بذلك.
وسألت سؤاله عن ذلك.
فسئل.
فأجاب: إنه فقير معسر، عاجز عن نفقتها وكسوتها، أو عن مهرها المذكور.
وبصحة دعواها في التزويج والدخول بها والاصابة، أو عدم الدخول.
فعند ذلك: سألت الزوجة المذكورة الحاكم المشار إليه: أن يفسخ نكاحها من عصمته بمقتضى ما ادعاه من الاعسار، الثابت اعترافه به لديه الثبوت الشرعي، لجوازه عنده شرعا، أو يمكنها من ذلك، فأمهلها الحاكم المسمى أعلاه ثلاثة أيام.
أولها يوم تاريخه.
ثم في اليوم الرابع من الدعوى المذكورة، حضرا بين يديه، وأعادت الزوجة السؤال المتقدم ذكره للحاكم المشار إليه.
فوعظها ووعدها بالاجر إن صبرت.
فأبت إلا
ذلك.
فحينئذ استخار الله تعالى الحاكمة المشار إليه، ومكنها من فسخ نكاحها من عصمة زوجها المذكور.
فقالت بصريح لفظها: فسخت نكاحي من عصمة زوجي المذكور.
ثم سألت الحاكم أن يحكم لها بذلك.
فأجاب سؤالها، وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده والحكم بموجبه.
ويكمل على نحو ما سبق.
ثم يقول: وذلك بعد أن قامت البينة الشرعية عنده بجريان عقد النكاح بين المتداعيين المذكورين، ومعرفتهما المعرفة الشرعية - أو تشخيصهما عنده التشخيص الشرعي - فإن صدق الزوج على ذلك فلا حلف.
وإن قامت بينة على ذلك وطلب حلفها فتحلف، كما سبق ذكره في محضر الغيبة على وفق الدعوى.
وإن كان الفسخ في غيبته بالاعسار: فتحلف بعد إقامة البينة بالزوجية بينهما والاعسار.
وفي حال الغيبة: إن نصب الحاكم مسخرا فيعذر إليه.
وصورة أخرى: وهي أن يكتب محضرا: أنهما زوجان متناكحان، دخل الزوج منهما بالزوجة وأصابها، وأن الزوج المذكور معسر بنفقتها، كنفقة المعسرين، أو كسوة المعسرين، أو بالمهر قبل الدخول.
فيكتب: وأنه تزوجها على كذا وكذا.
وأنه عاجز عن ذلك بحكم أنه اعترف أنه لم يدخل بها ولم يصبها وصدقته على ذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كان قبيل الدخول، وكان قد دفع المهر إليها، وأرادت الفسخ بالنفقة، أو الكسوة، فطريقه: أن تعرض نفسها عليه ليدخل بها ويأبى.
وصورة ذلك: أن يكتب الدعوى، أو المحضر إلى عند النفقة أو الكسوة فيقول: وأن الزوجة عرضت نفسها - أو الولي عرضها - على الزوج المذكور ليدخل بها.
فأبى.

ويكمل على نحو ما سبق في الفسخ بالنفقة والكسوة وذلك يجب على الزوج بالدخول والاصابة أو الاعراض.
وصورة فسخ نكاح الصبي: الذي لا يتصور منه إنزال ولا جماع، يفسخ بالاعسار كما تقدم، وتقع الدعوى على ولي الصبي.
وكذلك ما يترتب على الدعوى من الجواب والاعذار للولي، إذا كان ذلك بالبينة.
فإن ثبت بالدعوى على الولي وتصديقه في ذلك فلا يعذر إليه.
وتحلف الزوجة احتياطا، إن كانت من أهل الحلف.
وعلى هذا الانموذج تفسخ محاضر الفسوخ على اختلاف حالاتها في كل مذهب من مذاهب أئمة المسلمين رضي الله عنهم أجمعين.
مع مراعاة الوقائع، وإجرائها على مقتضى ذلك المذهب.
ولا يخفى ذلك على ممارسي هذه الصناعة من المشتغلين بالعلم الشريف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الطلاق وما يتعلق به من الاحكام الطلاق: ملك للازواج.
والاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع.
وأما الكتاب: فقوله تعالى: * (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) *.
وأما السنة: فروي: أن النبي (ص) طلق حفصة بنت عمر، ثم راجعها.
وروي عن ابن عمر أنه قال: كان تحتي امرأة أحبها.
وكان أبي يكرهها.
فأمرني أن أطلقها.
فأتيت النبي (ص) بذلك.
فأمرني أن أطلقها.
وأجمعت الامة على جواز الطلاق.
وهو على خمسة أضرب: واجب، وهو طلاق لمولي بعد التربص، يؤمر أن يفئ أو يطلق، وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه.
ومكروه، وهو الطلاق من غير حاجة.
لما روي ابن عمر أن النبي (ص) قال: أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
ومباح، وهو عند الحاجة إليه لضرورة واقعة بالمقام على النكاح.
فيباح له دفع الضرر عن نفسه.
ومستحب، وهو عند تضرر المرأة بالنكاح، إما لبغضه أو غيره.
فيستحب إزالة الضرر عنها وعنه، وكونها مفرطة في حقوق الله تعالى الواجبة، كالصلاة ونحوها، وعجز

عن إجبارها عليه.
وكونها غير عفيفة، لان في إمساكها نقصا ودناءة.
وربما أفسدت فراشه وألحقت به ولدا من غيره.
ومحظور، وهو طلاق المدخول بها في الحيض، أو في طهر أصابها فيه، ويسمى طلاق البدعة.
وروى ابن عمر: أنه طلق امرأته.
وهي حائض.
فسأل عمر النبي (ص)، فقال له: مرة فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء أمسك بعده، وإن شاء طلق قبل أن يمسكها.
فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء متفق عليه.
ويصح طلاق المكلف وإن هزل، وإن ظنها غير زوجته.
وصريحه: الطلاق، والسراح، والفراق.
وخالعت، وفاديت.
وأنت طالق ومطلقة.
ومسرحة، ومفارقة، ويا طالق، وحلال الله على حرام، ونعم لمن قال: أطلقت زوجتك؟ لطلب الانشاء، وترجمتها بأي لسان.
وكناياته: بنية الطلاق.
كأنت خلية، وبرية، وبائن وبتة، وبتلة، وحرة، ومعتقة، واعتدي، ولو قبل الطلاق واستبرئي رحمك، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، وأمرك بيدك، واغربي، واذهبي، واخرجي، وتجرعي، وذوقي، وتزودي، وكلي، واشربي.
ولا تقع الكناية إلا إذا قرنت بالنية في أولها.
وإن غربت قبل التمام.
فلو قال لزوجته أو أمته: أنت حرام.
فإن أطلق وقصد تحريم العين: وجبت كفارة يمين.
وإن عين الطلاق أو الظهار في الزوجة، أو العتق في الامة: صح ما نواه.
وإشارة الاخرس في كل عقد وحل كإشارة الناطق في كل عقد وحل.
وصريحها ما يفهمه الكل.
وكنايتها ما يفهمه الفطن.
ويعتد بإشارة أخرس في الطلاق وفي جميع العقود والحلول والاقارير والدعاوى.
وفي شهادته خلاف.
فلو أشار في صلاته بطلاق أو غيره نفذ.
والصحيح: أن صلاته لا تبطل.

وإن قال لزوجته: أنت حرام، أو محرمة، أو حرمتك.
فإن نوى الطلاق وقع رجعيا، وإن نوى عددا: وقع ما نوى.
وإن كتب ناطق طلاقا، فإن تلفظ بما كتب، وقرأه حالة الكتابة أو بعدها طلقت، وإلا فإن لم ينو الطلاق لم تطلق على الصحيح.
وإن نواه وقع في الاظهر.
وللزوج تفويض الطلاق لزوجته.
وهو تمليك.
ويتضمن القبول.
ويشترط لوقوعه تطليقها على الفور، إلا أن يقول: طلقي نفسك متى شئت.
وله الرجوع قبل تطليقها على الصحيح.
والثاني: لا.
والتصرفات القولية من المكره عليها باطلة.
كالردة والنكاح والطلاق وتعليقه وغيرها، وحق كاستسلام المرتد والحربي، لا الذمي في الاصح.
وينفذ طلاق مول أكرهه الحاكم عليه بولاية، ليس بإكراه حقيقة.
وشرط الاكراه: المقدرة من الكره على تحقيق ما هدد به بولاية، أو تغلب، وفرط هجوم، وعجز المكره عن الدفع بفرار، أو غيره.
وظنه أنه إن امتنع حققه.
ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، كجنون أو إغماء، أو أوجر خمرا، أو أكره عليها، أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي.
ونحو ذلك: لم يقع طلاقه.
ولو تعدى بشرب مسكر، أو دواء مجنن بغير غرض صحيح.
فزال عقله: وقع طلاقه على المذهب.
وقال الامام الشافعي رحمه الله في حد السكران: إنه هو الذي اختل منه المنظوم.
وانكشف سره المكتوم.
والاقرب الرجوع فيه إلى العادة.
وطلاق المريض كالصحيح.
ويتوارثان في عدة رجعي لا بائن.
وفي القديم: ترثه.
فإن برئ من ذلك المرض لم ترث قطعا.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن الطلاق في استقامة حال الزوجين مكروه.
بل قال أبو حنيفة بتحريمه.
وهل يصح تعليق الطلاق والعتق بالملك أم لا؟ وصورته: أن يقول لاجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو يقول لعبد: إن ملكتك فأنت حر، أو كل عبد اشتريته فهو حر.
قال أبو حنيفة: يصح التعليق، ويلزم الطلاق والعتق، سواء أطلق أو عمم، أو خصص.

وقال مالك: يلزم إذا خصص، أو عين من قبيلة أو بلدة أو امرأة بعينها، لا إن أطلق أو عمم.
وقال الشافعي وأحمد: لا يلزم مطلقا.
فصل: والطلاق.
هل يعتبر بالرجال أم بالنساء؟ قال مالك والشافعي وأحمد: يعتبر ذلك بالرجال.
وقال أبو حنيفة: يعتبر بالنساء.
وصورته عند الجماعة: أن الحر يملك ثلاث تطليقات، والعبد تطليقتين.
وعند أبي حنيفة: الحرة تطلق ثلاثا، والامة اثنتين، حرا كان زوجها أو عبدا.
فصل: وإذا علق طلاقها بصفة، كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم أبانها ولم تفعل المحلوف عليه في حال البينونة، ثم تزوجها، ثم دخلت.
فقال أبو حنيفة ومالك:
إن كان الطلاق الذي أبانها به دون الثلاث، فاليمين باقية في النكاح الثاني لم تنحل.
فيحنث بوجود الصفة مرة أخرى.
وإن كان ثلاثا: انحلت اليمين.
وللشافعي ثلاثة أقوال.
أحدها: كمذهب أبي حنيفة.
والثاني: لا تنحل اليمين وإن بانت بالثلاث.
والثالث - وهو الاصح - أنه إن طلقها طلاقا بائنا، ثم تزوجها وإن لم يحصل فعل المحلوف عليه، انحلت اليمين على كل حال.
وقال أحمد: تعود اليمين بعود النكاح.
واتفقوا على أن الطلاق في الحيض لمدخول بها، أو في طهر جامع فيه: محرم إلا أنه يقع.
وكذلك جميع الطلاق الثلاث محرم ويقع.
واختلفوا بعد وقوعه.
هل هو طلاق سنة، أو طلاق بدعة؟ فقال أبو حنيفة ومالك: هو طلاق بدعة.
وقال الشافعي: هو طلاق سنة.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
واختيار الخرقي: أنه طلاق سنة.
واختلفوا فيما إذا قال: أنت طالق عدد الرمل والتراب.
فقال أبو حنيفة: يقع طلقة تبين المرأة بها.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يقع به الطلاق الثلاث.
واتفق أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد: على أن من قال لزوجته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم طلقها بعد ذلك، وقع طلقة منجزة.
ويقع بالشرط تمام الثلاث في الحال.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك.
فالاصح في الرافعي والروضة: وقوع المنجز فقط، دفعا للدور، وعليه الفتوى.
وقال المزني، وابن سريج، وابن الحداد، والقفال، والشيخ أبو حامد، وصاحب

المهذب وغيرهم: لا يقع طلاق أصلا.
وحكي ذلك عن نص الشافعي.
ومن أصحابه من يقول بوقوع الطلاق الثلاث، كمذهب الجماعة.
واختلفوا في الكنايات الظاهرة.
وهي: خلية، برية، وبائن، وبتة، وبتلة وحبلك
على غاربك، وأنت حرة، وأمرك بيدك، واعتدي، والحقي بأهلك، هل تفتقر إلى نية؟ فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يفتقر إلى نية، أو دلالة حال.
وقال مالك: يقع الطلاق بمجرد اللفظ.
ولو انضم إلى هذه الكنايات دلالة حال، من الغضب أو ذكر الطلاق، فهل تفتقر إلى النية أم لا؟ قال أبو حنيفة: إن كانا في ذكر الطلاق، وقال: لم أرده: لم يصدق في ثلاثة ألفاظ: اعتقدي، واختاري، وأمرك بيدك ويصدق في غيرها.
وقال مالك: جميع الكنايات الظاهرة، متى قالها مبتدئا أو مجيبا لها على سؤالها الطلاق: كانت طلاقا، ولا يقبل قوله: لم أرده.
وقال الشافعي: جميع ذلك يفتقر إلى النية مطلقا.
وعن أحمد روايتان، إحداهما: كمذهب الشافعي، والاخرى: لا يفتقر.
ويكفي دلالة الحال.
واتفقوا على أن: الطلاق والفراق والسراح صريح، لا يفتقر إلى نية، إلا أبا حنيفة.
فإن الصريح عنده لفظ واحد، وهو الطلاق وأما لفظا: السراح والفراق فلا يقع بهما طلاق عنده.
واختلفوا في الكنايات الظاهرة إذا نوى بها الطلاق، ولم ينو عددا، أو كانت جوابا عن سؤالها الثلاث، كم يقع بها من العدد؟ فقال أبو حنيفة: يقع واحدة مع نيته، وقال مالك: إن كانت الزوجة مدخولا بها، لم يقبل منه إلا أن يكون في خلع.
فإن كانت غير مدخول بها قبل ما يدعيه مع يمينه.
ويقع ما ينوي به أي إلا في ألبتة فإن قوله اختلف فيها.
فروي عنه: أنه لا يصدق في أقل من الثلاث، وروي عنه: أنه يقبل قوله مع يمينه.
وقال الشافعي: يقبل منه كل ما يدعيه في ذلك من أصل الطلاق وأعداده.
وقال أحمد: متى كان معها دلالة حال، أو نوى الطلاق، وقع الثلاث، نوى ذلك
أو دونه، مدخولا بها كانت أو غير مدخول بها.
واختلفوا في الكنايات الخفية - كاخرجي، واذهبي، وأنت مخلاة، ونحو ذلك -

فقال أبو حنيفة: هي كالكنايات الظاهرة.
إن لم ينو عددا وقعت واحدة.
وإن نوى الثلاث وقعت.
وإن نوى اثنتين لم يقع إلا واحدة.
وقال الشافعي وأحمد: إن نوى بها طلقتين كانت طلقتين.
واختلفوا في لفظ: اعتدي، واستبرئي رحمك إذا نوى بها ثلاثا.
فقال أبو حنيفة: يقع واحدة رجعية.
وقال مالك: لا يقع هذا الطلاق، إلا إذا وقعت ابتداء، وكانت في ذكر طلاق، أو في غضب، فيقع ما نواه.
وقال الشافعي: لا يقع الطلاق بها، إلا أن ينوي بها الطلاق.
ويقع ما نواه من العدد في المدخول بها، وإلا فطلقة.
وعند أحمد روايتان.
إحداهما: يقع الثلاث.
والاخرى: أنه يقع ما نواه.
واختلفوا فيما إذا قال لزوجته: أنا منك طالق، أو رد الامر إليها.
فقالت: أنت مني طالق.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يقع.
وقال مالك والشافعي: يقع واحدة.
وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية: يقع الثلاث.
ولو قال لزوجته: أمرك بيدك، ونوى الطلاق، وطلقت نفسها ثلاثا.
قال أبو حنيفة: إن نوى الزوج ثلاثا وقعت، أو واحدة لم يقع شئ.
وقال مالك: يقع ما أوقعت من عدد الطلاق إذا أقرها عليه.
فإن ناكرها: أحلف، وحسب من عدد الطلاق ما قاله.
وقال الشافعي: لا يقع الثلاث، إلا أن ينويها الزوج.
فإن نوى دون ثلاث وقع ما
نواه.
وقال أحمد: يقع الثلاث، سواء نوى الزوج ثلاثا أو واحدة.
ولو قال لزوجته: طلقي نفسك.
فطلقت نفسها ثلاثا.
فقال أبو حنيفة ومالك: لا يقع شئ.
وقال الشافعي وأحمد: يقع واحدة.
واتفقوا على أن الزوج إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، بألفاظ متتابعة.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يقع إلا واحدة.
وقال مالك: يقع الثلاث.
فإن قال ذلك للمدخول بها.
وقال: أردت إفهامها بالثانية والثالثة.
فقال أبو حنيفة

ومالك: يقع الثلاث.
وقال الشافعي وأحمد: لا يقع إلا واحدة.
ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق.
فقال أبو حنيفة والشافعي: يقع واحدة.
وقال مالك: يقع الثلاث.
واختلفوا في طلاق الصبي الذي يعقل الطلاق.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يقع.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه يقع.
واختلفوا في طلاق السكران.
فقال أبو حنيفة ومالك: يقع.
وعن الشافعي قولان.
أصحهما: يقع.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: يقع.
وقال الطحاوي والكرخي من الحنفية، والمزني، وأبو ثور من الشافعية: إنه لا يقع.
واختلفوا في طلاق المكره وإعتاقه.
فقال أبو حنيفة: يقع الطلاق، ويحصل الاعتاق.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يقع إذا نطق به مدافعا عن نفسه.
واختلفوا في الوعيد الذي يغلب على الظن حصول ما توعد به.
هل يكون إكراها؟ فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: نعم.
وعن أحمد ثلاث روايات.
إحداهن:
كمذهب الجماعة.
والثانية: لا.
اختارها الخرقي.
والثالثة: إذا كان بالقتل، أو بقطع طرف: فإكراه، وإلا فلا.
واختلفوا في الاكراه، هل يختص بالسلطان أم لا؟ فقال مالك والشافعي: لا فرق بين السلطان وغيره، كلص أو متغلب.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: لا يكون إلا الاكراه إلا من السلطان.
والثانية: كمذهب مالك والشافعي.
وعن أبي حنيفة روايتان كالمذهبين.
فصل: واختلفوا فيمن قال لزوجته: أنت طالق إن شاء الله.
فقال مالك وأحمد: يقع الطلاق.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقع.
واختلفوا فيما إذا شك في الطلاق.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يبني على اليقين.
وقال مالك في المشهور عنه: يغلب الايقاع.
واختلفوا في المريض إذا طلق امرأته طلاقا بائنا، ثم مات من مرضه الذي طلق فيه.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7