كتاب : جواهر العقود و معين القضاة و الموقعين و الشهود
المؤلف : شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي

الديات من الحر المسلم، والكتابي الذمي، وغير الكتابي، والذكر والانثى.
وهي كالديات الواجبة في فوات النفس في قتل العمد.
حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وفلان.
وادعى الحاضر الاول على
الحاضر الثاني، لدى الحاكم المشار إليه: أنه قلع عينه اليمنى أو اليسرى، أو ضربه.
فأزال ضوء عينه اليمنى أو اليسرى، أو قطع أجفان عينيه، أو قطع أنفه، أو أذنيه، أو أذنه اليمنى، أو اليسرى، أو ضربه فقلع سنه الفلاني - إما ثنيته أو رباعيته، أو ضرسه الاسفل أو الاعلى - أو قلع جميع أسنانه.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف.
فسأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم عليه بالقصاص.
فسأل المدعى عليه المذكور المدعي العفو عن القصاص والعدول إلى دية العين أو الانف أو الاذن أو الاسنان المقدرة في ذلك على الوجه الشرعي.
فأجابه إلى ذلك ورضي به.
ثم سأل الحاكم المشار إليه: الحكم على الجاني بدية عينه.
فأجابه إلى ذلك وحكم له بخمسين من الابل، مفصلة من الاسنان، معينة في دية النفس.
وهي دية عين المدعي المجني عليه المذكور حكما شرعا - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما سبق.
وكذلك تكتب صور الدعاوى في جميع ما يجب من الديات.
ويتصور في العينين ديتان كاملتان، كما لو فقأ الحدقتين، وقطع الاجفان الاربعة، أو أزال ضوء عينيه وقطع الاجفان الاربعة.
وطريق التوصل إلى معرفة مقدار ما نقص من ضوء عيني المجني عليه، ليحكم الحاكم له بحقه من الدية: هو أن يجلس المجني عليه في مكان، ويجلس إلى جانبه رجل آخر صحيح النظر.
ثم يقف بين يديهما رجل آخر، ووجهه إليهما.
ثم يمشي إلى ورائه، وهما ينظران إلى وجهه إلى أن لا يحققا النظر إلى مقلتيه.
وهل هو مغمض عينيه أم لا؟ فإن تساويا في ذلك: لم يكن نقص من ضور عيني المجني عليه شئ.
وإن خفي على المجني عليه معرفة كون الماشي مفتوحة عيناه أو مغموضتان.
وقال: لا أدري، هل هما مفتوحتان أو مغموضتان؟ فيجعل عند رجل الماشي علامة.
ثم يمشي إلى ورائه، والرجل الجالس إلى جانب المجني عليه ينظر في حدقتي الماشي.
فحين يخفي عليه:
هل هما مفتوحتان أو مغموضتان، فيقف الماشي هناك، ويعلم عند قدميه علامة، ثم يذرع الارض ما بين المجني عليه والماشي ويضبط ذلك الذرع، ثم يذرع ما بين انتهاء نظر المجني عليه وانتهاء نظر الجالس إلى جانبه.
فمهما خرج حسب من الذرع الاول، وحكم للمجني عليه بقسطه من الدية.

مثاله: إذا كان الذرع الاول: مائة ذراع، وهو انتهاء نظر الجالس إلى جانب المجني عليه.
وكان انتهاء نظر المجني عليه سبعين ذراعا، فتبين أن النقص ثلاثين.
أو يكون تسعين.
فيكون النقص عشرة.
فجملة ما نقص: عشر الضوء.
فيجب عشر الدية.
وعلى هذا الحساب يكون العمل في امتحان نقص ضوء العين.
وإذا ادعى رجل على رجل آخر: أنه ضربه ضربة أزال سمعه.
وثبت عند الحاكم: أنه ضربه تلك الضربة.
فطريق اعتبار ذلك: أن الحاكم يأمر رجلا يقف خلف المجني عليه على حين غفلة منه.
ويرمي خلفه قريبا منه حجرا كبيرا، أو جرسا كبيرا، أو شيئا من أواني النحاس من شاهق.
فإن التفت أو ظهر منه إشعار بتلك الرمية فلا يحكم له.
وإن لم يلتفت ولم يظهر منه إشعار ولا علم فيحكم له بالدية كاملة.
وفي لسان الاخرس الحكومة، وهي أن يقوم المجني عليه حال كونه ناطقا وحال كونه أخرس، وينظر في التفاوت بينهما.
فما كان فهو قدر الحكومة من الدية.
وفي إزالة العقل بالضرب على الرأس وغيره الدية.
وفي إبطال المضغ: الدية.
وفي كسر الصلب: الدية.
وفي إزالة البطش: الدية.
وفي المنع من المشي: الدية.
وفي إبطال الصوت: الدية.
وفي إبطال الذوق: الدية.
ويتصور في الاذنين ديتان.
كما لو قطع أذنيه، وأزال سمعه.
ويتصور في الفم: خمس ديات.
كما لو قطع شفتيه ثم قطع لسانه، أو أزال حركة لسانه وأزال صوته.
أو قلع جميع أسنانه وأزال ذوقه، بحيث إنه لا يعرف الحلو من المر
ولا يفرق بينهما.
فتجب هذه الديات على الجانب كلها إذا كانت الحياة باقية فيه.
ويتصور في الفم نصف دية أخرى، كما لو أزال إحدى لحييه، وأمكن وقوف الآخر ثابتا في مكانه مع الحياة.
ويتصور في الانف ديتان بقطع الانف وزوال الشم.
ويتفرع على ذلك صور كثيرة، لا يمكن الاتيان بها لطولها وبسط الكلام فيها.
وما تقدم ذكره من الصور في ذلك كاف.
وفيه مثال لغيره مما يحتاج إلى كتابته.
والحاذق الفهيم يوقع الوقائع، ويعتني بتنزيلها على القواعد المستقرة بلطيف تصرفه وحسن وضعه.
ويراعى في كل صورة ما هو مطلوب فيها ومقصود بها الخلاف بين أئمة المذاهب الاربعة رحمهم الله تعالى رحمة واسعة بمنه وكرمه.
وأما صور دعوى الدم والقسامة: فمنها: صورة دعوى بالقسامة، واستيفاء الايمان من المدعى عليهم، والحكم بالدية مقسطة

في ثلاث سنين على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الحنفي فلان، وأحضر معه جماعة.
وهم فلان وفلان وفلان.
وادعى عليهم لدى الحاكم المشار إليه: أن ولده فلانا وجد قتيلا في الموضع الفلاني، الذي هو في حماية هؤلاء وحفظهم، أو في محلتهم، أو في دارهم، أو في مسجد محلتهم في قريتهم - والدم يخرج من أذنيه وعينيه، أو مضروب، أو به جراحات بالسيف، أو هو مخنوق.
وسأل سؤالهم عن ذلك.
فسألهم الحاكم المشار إليه.
فأجابوا: أنهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلا.
ولكن اعترفوا أنه وجد قتيلا في محلتهم.
فطلب المدعي المذكور من الحاكم المشار إليه العمل في ذلك بمقتضى مذهبه.
والحكم فيه بما يراه من معتقده.
فأعلمه الحاكم المشار إليه: أن يختار خمسين رجلا من
أهل المحلة أو القرية - إن شئت من مشايخهم وصلحائهم، وإن شئت من شبابهم ونسائهم - يحلفون خمسين يمينا: ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا.
وتستحق الدية على العاقلة.
وهم أهل المحلة، القريب والبعيد من المدعى عليهم في ذلك سواء.
تقسط عليهم في ثلاث سنين.
فأجاب المدعي إلى ذلك.
وعين خمسين رجلا من مشايخ تلك المحلة وصلحائهم وهم فلان وفلان ويذكر أسمائهم كلهم - وقال: هؤلاء يحلفون.
فعرض الحاكم الايمان عليهم.
فبذلوها.
وحلفوا بالله العظيم الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي أنزل القرآن على نبيه ورسوله محمد (ص) - خمسين يمينا جامعة لمعاني الحلف شرعا - أنا ما قتلنا هذا القتيل.
ولا علمنا له قاتلا.
ولما استوفيت الايمان الشرعية منهم، سأل الخصم المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم بالدية على ما يراه من مذهبه ومعتقده.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم له بدية قتيله.
وهي مائة من الابل من أربعة أسنان.
خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، مقسطة على ثلاث سنين.
يستوي في أدائها أقرباء المدعى عليهم الاقارب والاباعد، حكما شرعيا إلى آخره، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
وفي السبب الذي يملك به أولياء المقتول القسامة ما هو.
وبمن يبدأ بأيمانهم من المدعين والمدعى عليهم.
وفي الدية ووجوبها حالة أو مقسطة.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل على نحو ما سبق.

صورة القسامة على مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى، والبداءة عنده بأيمان المدعين.
وتعيين المدعين واحدا أو جماعة: أنه قتل قتيلهم عمدا ظلما وعدوانا.
ووجوب القود، والعدول إلى الدية برضى المدعين والمدعى عليهم:
حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني المالكي فلان وفلان.
وادعى الحاضر الاول على الحاضر الثاني لدى الحاكم المشار إليه: أنه قتل مورثه فلانا عمدا ظلما وعدوانا - أو يقول: إن مورثه فلانا أشهد عليه قبل موته في حال جواز الاشهاد عليه شرعا، وهو حر بالغ مسلم، أنه قال: اشهدوا علي أن دمي عند فلان، وهو المدعى عليه المذكور، أو يكون المقتول قد مات، ويدعي وارثه أن هذا قتل مورثي، أو أنه وجد في مكان خال من الناس، والمدعى عليه واقف على رأسه رافع السلاح، مخضب بالدماء، أو يقول: فادعى عليه الوارث.
وذكر أن له بينة شرعية تشهد أنه جرحه.
وأنه عاش بعد ذلك، وأكل وشرب ثم مات، أو يقول: وادعى أنه لما التقى الفئتان وانفصلتا، فوجد مورثي قتيلا بينهما.
وقد عينت هذه الدعوى عليه بالقتل.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم.
فأجاب بالانكار.
فذكر المدعي أن له بينة تشهد له أن مورثه أشهد عليه قبل موته بالتدمية.
وأنه قال: دمي عند فلان، أو تشهد: أنهم رأوا المقتول في مكان خال من الناس.
وأن هذا المدعى عليه واقف على رأسه رافع السلاح مخضب بالدماء، أو غير ذلك مما تقدم ذكره من الاسباب - وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن له الحاكم فأحضرهم.
وهم فلان وفلان وفلان.
فشهدوا لدى الحاكم المشار إليه بذلك.
وسمع الحاكم شهادتهم وقبلها.
وأوجب على المدعي خمسين يمينا: أن المدعى عليه المذكور عمد إلى مورثه وقتله عمدا، ظلما وعدوانا.
فبذل اليمين وحلف خمسين يمينا بالله العظيم، الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيمانا شرعية، مستوفاة جامعة لمعاني الحلف شرعا: أن هذا الحاضر عمد إلى مورثه، وقتله ظلما وعدوانا بغير حق.
وسأل الحاكم المشار إليه المدعى عليه المذكور عن دافع شرعي.
فلم يأت بدافع.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم عليه بالقصاص.
فسأل المدعى عليه المذكور العدول إلى الدية.
فأجابه المدعي إلى ذلك.
فوداه بمائة من الابل من ثلاثة أسنان: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
وأحضر ذلك إليه.
وسلمه إياه.
فتسلمه كتسلم مثله لمثل ذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
مع العلم بالخلاف.
وإن رد المدعي الايمان على المدعى عليه.
فإن حلف خمسين يمينا: أنه ما قتله،

ولا علم له قاتلا برئ.
وإن نكل عن اليمين لزمته الدية في ماله، ولا يلزم العاقلة شئ.
لان النكول عنده كالاعتراف.
والعاقلة لا تحمل الاعتراف.
وذلك إذا كان القتل خطأ.
كما تقدم.
صورة القسامة على مذهب الامام الشافعي رحمه الله تعالى: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الشافعي فلان وفلان.
وادعى الحاضر الاول على الثاني، لدى الحاكم المشار إليه: أن مورثه وجد قتيلا في قرية المدعى عليه، أو في محلته.
وأنه كان بينهما عداوة ظاهرة لا يشاركه غيره فيها.
وأن ذلك بمقتضى وجود الشرطين المذكورين لوث.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم عن ذلك.
فأجاب بالانكار.
فذكر المدعي المذكور: أن له بينة تشهد له بذلك.
وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن له الحاكم.
فأحضر المدعي المذكور جماعة من المسلمين.
وهم فلان وفلان وفلان.
فشهدوا عند الحاكم المشار إليه: أن المدعى عليه المذكور كان بينه وبين مورث المدعي المذكور عداوة ظاهرة، لا يشاركه غيره فيها.
ثم أحضر بينة أخرى.
وهم فلان وفلان وفلان فشهدوا لدى الحاكم المشار إليه: أن المدعي المذكور - وهو فلان - وجد قتيلا في محلة المدعى عليه المذكور، أو قريته.
وسمع الحاكم شهادتهم.
وقبلها لما رأى معه قبولها شرعا.
وتبين أن ذلك لوث عنده، استحق المدعي بذلك القسامة الشرعية واستحقاق الدية.
وأن مذهبه اقتضى أن المدعي يبدأ فيحلف خمسين يمينا بالله العظيم، الايمان الشرعية الجامعة لمعاني الحلف شرعا: أن المدعى عليه المذكور قتل مورثه المذكور، وأنه ضربه بسيف، أو بكذا، فمات منه،
وأنه كان بينهما عداوة ظاهرة لا يشاركه غيره معه فيها.
فحلف على ذلك كذلك.
ولما استوفيت الايمان الشرعية منه على الوجه المشروح أعلاه.
وثبت ذلك جميعه عند الحاكم المشار إليه الثبوت الشرعي: أعلم الحاكم المشار إليه المدعى عليه المذكور: أن المدعي المذكور استوجب الدية.
فعند ذلك: سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم له بدية قتيله، على مقتضى مذهبه ومعتقد مقلده.
وهي: مائة من الابل من ثلاثة أسنان: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
فذكر المدعي المذكور: أن الابل غير موجودة الآن ههنا.
وأنها أعوزت.
وسأل العدول عنها إلى الدراهم.
فأجاب المدعي المذكور إلى ذلك.
وسأل الحاكم المشار إليه الحكم له بدية قتيله باثني عشر ألف درهم عند إعواز الابل.
وعدم وجودها.

فإن كان أقسم على قتل العمد: حكم للمدعي بالدية في مال المدعى عليه.
وإن كان أقسم على شبه العمد، أو الخطأ: حكم بالدية على العاقلة، ويقول: فأجابه إلى سؤاله، وحكم له بذلك لجوازه عنده شرعا، حكما شرعيا - إلى آخره، مع العلم بالخلاف.
وإن كان أقسم على قتل العمد.
فيقول: وحكم له بذلك في مال المدعى عليه.
وإن كان أقسم على شبه العمد أو الخطأ.
فيقول: وحكم له بذلك على عاقلة المدعى عليه.
وهم أقاربه على ترتيب الميراث.
فإن لم يقدر على تحملها الاقارب حمل معهم الاباعد بقسطهم في ثلاث سنين، على كل منهم ربع دينار - ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الدعوى في ذلك على مذهب الامام أحمد رحمه الله تعالى: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني الحنبلي فلان وفلان.
وادعى الحاضر الثاني لدى الحاكم
المشار إليه، أو أحضر معه جماعة - ويذكر أسماءهم - وإن كان المدعون جماعة.
فيذكر أسماءهم، وادعى عليه، أو وادعوا عليهم، لدى الحاكم المشار إليه - ويذكر نوعا من الانواع الموجبة للقسامة عند أحمد، مثل أن يكون اللوث: العداوة الظاهرة والعصبية، كما بين القبائل إذا طالب بعضهم بعضا بالدم، أو يكون اللوث ما بين أهل البغي وأهل العدل.
وهو اختيار عامة أصحابه، أو يوجد قتيل في صحراء بادية.
وعنده رجل بسيف مجرد ملطخ بالدم.
ومثله يقتل، أو يجئ شهود من فساق ونساء وصبيان: أن فلانا قتل فلانا.
أو يشهد به رجل واحد عدل، أو يدخل قوم دارا فيتفرقون عن قتيل - ثم يقول: وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم.
فأجاب بالانكار.
فإن كان قد ادعى أنه كان بينه وبين المقتول عداوة ظاهرة، أقام البينة.
كما تقدم.
وكذلك إذا كان المدعى عليه من أهل البغي، والقتيل من أهل العدل، ثم يقيم البينة: أنه وجد قتيلا في الصحراء، وعنده هذا الرجل مجرد سيفه.
وهو ملطخ بالدماء - أو غير ذلك مما تقدم ذكره من أسباب اللوث عند أحمد رحمه الله تعالى - ثم يقول: عرف الحاكم الشهود.
وسمع شهادتهم.
وقبلها بما رأى معه قبولها.
وثبت عند السبب الموجب للقسامة الثبوت الشرعية.
واستحق المدعي القسامة على المدعى عليه المذكور، وهو أن يحلف المدعي خمسين يمينا شرعية جامعة لمعاني الحلف شرعا.
فعرض الايمان على المدعي، أو على المدعين.
فأجابوا إليها، وبذلوا الايمان، بعد أن أوجبها عليهم بالحساب.

فإن كانوا خمسة: حلف كل واحد منهم عشرة أيمان.
وإن كانوا ثلاثة حلف كل واحد سبع عشرة يمينا وجبر الكسر.
ثم يقول: ولما استوفيت الايمان الشرعية المعتبرة شرعا: سأل المدعي الحالف المذكور، أو المدعون الحالفون، الحكم لهم على المدعى عليه.
أو على المدعى عليهم بدية العمد في مالهم.
هذا إذا كان عمدا، وإن كان خطأ
فعلى عاقلة المدعى عليه، أو المدعى عليهم.
فاستخار الله.
وحكم له - أولهم - بذلك مقسطة على العاقلة في ثلاث سنين.
وإن كان عمدا ففي مالهم، حكما شرعيا إلى آخره.
ويكمل على نحو ما سبق.
تنبيه: البعير في أول سنه يسمى: حوار.
وفي الثانية: ابن مخاض، لان أمه في الثانية فيها من المخاض - وهن الحوامل - فنسب إليها.
وواحد المخاض خلفة من غير لفظها، ثم ابن لبون في الثالثة.
لان أمه فيها تكون ذات لبن، ثم حق في الرابعة.
يقال: سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه، ثم جذع في السنة الخامسة، ثم يلقي ثنيته في السادسة، فهو ثنى ثم يلقي رباعيته في السابعة.
فهو رباع ثم يلقي السن التي بعد الرباعية.
فهو سداس وسديس وذلك في الثامنة، ثم يفطر نابه في التاسعة.
فهو باذل فإذا أتى عليه عام بعد ذلك فهو مخلف وليس له اسم بعد الاخلاف.
ولكن يقال: مخلف عام، ومخلف عامين وما زاد فعلى ذلك.
ثم لا يزال على ذلك، حتى يكون عودا إذا هرم.
فإذا انتهى هرمه فهو بنت والانثى أب وقال أبو زيد: المؤنث في هذه الاسنان بهاء تلحق آخره إلا السديس والسداس والبازل.
فإن هؤلاء بغير هاء.
وقال الكسائي: الناقة مخلف أيضا بغير هاء.
وأما أسنان الانسان: فعدتها اثنان وثلاثون سنا.
أربع ثنايا، وأربع رباعيات والواحدة رباعية مخففة، وأربع أنياب، وأربعة ضواحك، واثنتا عشرة رحى، ثلاث في كل شق، وأربع نواجذ.
وهي أقصاها.
قال أبو زيد: لكل ذي ظلف وخف ثنيتان من أسفل فقط.
ولذي الحافر والسباع كلها أربع ثنايا، ولذي الحافر بعد الثنايا: أربع رباعيات، وأربع قوارح، وأربعة أنياب، وثمانية أضراس.
وصورة ما إذا قبض المستحق الدية قسط كل سنة من العاقلة: أشهد عليه فلان: أنه قبض وتسلم من عاقلة فلان كذا وكذا بالسبب الذي سيعين فيه.
وهو أن فلانا الفلاني ثبت
عليه قتل فلان مورث القابض المذكور خطأ - أو شبه عمد - بمجلس الحكم العزيز الفلاني الثبوت الشرعي.
وتحملت العاقلة المذكورة الدية.
والقدر المذكور هو الواجب

على العاقلة المقبوض منهم المذكورين فيه للسنة الاولى.
وآخرها كذا وكذا، فمن ذلك ما قبضه من فلان كذا، وما قبضه من فلان كذا، وما قبضه من فلان كذا، قبضا شرعيا.
وتصادقوا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
وكذلك يفعل في كل سنة.
فإذا تغلق ذلك، كتب آخر القبض في السنة الثالثة إقرارا بعدم استحقاق وبراءة شاملة.
ويقول في الاقرار: ولا قصاص ولاية، ولا خطأ ولا عمد، ولا شبه عمد.
كما تقدم ذكره في كتاب الاقرار.
وصورة ما إذا عفا الوارث على الدية من غير قصاص.
واعترف القاتل: أن الدية باقية في ذمته: أشهد عليه فلان وارث فلان: أنه أبرأ فلانا الذي باشر قتل مورثه فلان قتلا عمدا، أزهق به روحه من قبل تاريخه، من غير حق ولا موجب، إبراء شرعيا مقسطا للقصاص.
ورضي بأخذ الدية الشرعية.
وهي مائة من الابل مغلظة في مال الجاني من ثلاثة أسنان: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها حالة.
وذلك بحضور فلان القاتل المذكور، وتصديقه على ذلك.
واعترافه أن الدية المذكورة باقية في ذمته لفلان المذكور بالسبب المعين أعلاه إلى تاريخه.
لم تبرأ ذمته من ذلك، ولا من شئ منه إلى الآن.
وأن الكفارة في ذمته.
وعليه الخروج من ذلك على الوجه الشرعي.
وإن كان القتل خطأ فيفعل فيه كذلك.
ولكن الدية مخمسة، كما تقدم إلا أن يكون القتل في الحرم، أو في شهر حرام، أو محرما ذا رحم.
فتكون مثلثة.
وكذلك في شبه العمد.
وقد تقدم في هذا المعنى ما فيه كفاية.
وصورة ما إذا وجبت غرة في جنين، ظهرت فيه صورة آدمي، أو قالت القوابل: إن فيه صورة آدمي.
أو قلن: لو بقي لتصور.
وإذا شككن لم تجب قطعا.
وإنما تكمل الغرة
في جنين حكم بحريته وإسلامه، تبعا لاحد أبويه.
وفي جنين يهودي أو نصراني: ثلث غرة مسلم.
وفي مجوسي: ثلثا عشرها.
والغرة عبد أو أمة سليمة من العيب.
ويجبر المستحق على قبوله من كل نوع، لا من خصي وخنثى وكافر.
وإن رضي بالعيب جاز.
وهي لورثة الجنين إذا اتفقا عليها وتسلمها المستحق.
كتب: أشهد عليه فلان: أنه قبض وتسلم من فلان كذا وكذا بالسبب الذي سيعين فيه.
وهو أن فلانا - المقبض المذكور - جنى على حمل فلانة، فأجهضت جنينا فيه صورة آدمي، أو قال القوابل التقيات الامينات: أن فيه صورة آدمي، أو قلن لو بقي لتصور.
وأنه وجب عليه بذلك الغرة، وهو القدر المقبوض فيه.
يستحقه القابض المذكور أعلاه استحقاقا شرعيا بتصادقهما على ذلك التصادق الشرعي.
ويذيل بإقرار بعدم استحقاق

وبراءة شاملة كما تقدم.
وإن حصل ذلك وتنازعا فيه وترافعا إلى حاكم شرعي وادعى به عنده.
ووقع الانكار من الجاني.
فتقام البينة باستحقاق الوارث وصفة الجنين، ويعذر للمدعى عليه، ويحلف المدعي على وفق ما شهدت به البينة، ويقع التشخيص وحكم الحاكم.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الدعوى في القتل بالسحر: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وفلان، وادعى الحاضر الاول على الحاضر الثاني: أنه قتل فلانا بسحره، وأن سحره مما يقتل غالبا.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فإن أجاب بالاعتراف فلا كلام.
ويفعل معه في ذلك مقتضاه شرعا.
وإن أجاب بالانكار.
فيقيم البينة على إقراره.
وصفة ما يشهد به الشهود: أنه أقر أنه قتل فلانا المذكور مورث المدعي المذكور بسحره.
وسحره مما يقتل غالبا، وأن فلانا المذكور توفي ولم يخلف وارثا سوى المدعي المذكور.
فقبل الحاكم شهادتهم لما رأى معه قبولها شرعا، ثم استحلف المدعي
المذكور.
فحلف بالله العظيم - عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم - يمينا شرعية جامعة لمعاني الحلف شرعا: أن دعواه المذكورة صحيحة، وأن المدعى عليه أقر أنه قتل مورثه المذكور بسحره، وأن سحره مما يقتل غالبا، وأنه ما أبرأه من ذلك، ولا من شئ منه، وأنه يستحق عليه القصاص بذلك، وأن من شهد له بذلك صادق في شهادته.
ولما تكامل ذلك سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الاشهاد على نفسه الكريمة بثبوت ما قامت به البينة الشرعية عنده فيه.
واستيفاء القصاص الشرعي من المدعى عليه المذكور الاستيفاء الشرعي.
فأعذر للمدعى المذكور.
فاعترف بعدم الدافع والمطعن لذلك ولشئ منه الاعتراف الشرعي.
وثبت اعترافه لديه بالبينة الشرعية.
وأجاب السائل إلى سؤاله.
وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا وحكم - أيد الله أحكامه - بموجب ذلك حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا من تشخيص المدعي والمدعى عليه.
ومعرفة المقتول المعرفة الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وأذن للمدعي المذكور في استيفاء القصاص من المدعى عليه المذكور، إذنا شرعيا.
ويكمل.
وهذا القاتل يقتل بالسيف.
فصل: الساحر من أهل الكتاب: هل يقتل أم لا؟ قال مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل، وقال أبو حنيفة: يقتل كما يقتل الساحر المسلم.
وهل حكم الساحرة المسلمة

حكم الرجل الساحر المسلم؟ قال مالك والشافعي وأحمد: حكمها حكم الرجل.
وقال أبو حنيفة: تحبس ولا تقتل.
فصل: من الحدود المرتبة على الجنايات: الردة، وهي قطع الاسلام بنية أو قول كفر، أو فعل، سواء قاله استهزاء، أو عنادا، أو اعتقادا.
واتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن من ارتد عن الاسلام وجب عليه القتل.
واختلفوا هل يتحتم قتله في الحال.
أم يوقف على استتابته؟ وهل استتابته واجبة أم مستحبة؟ وإذا استتيب فلم يتب، هل يمهل أم لا؟ فقال أبوحينفة: لا تجب استتابته، ويقتل في الحال، إلا أن يطلب الامهال، فيمهل ثلاثا.
ومن أصحابه من قال: وإن لم يطلب الامهال استحبابا.
وقال مالك: تجب استتابته.
فإن تاب في الحال قبلت توبته، وإن لم يتب أمهل ثلاثا لعله يتوب.
فإن تاب وإلا قتل.
وللشافعي في وجوب الاستتابة قولان.
أظهرهما: الوجوب.
وعنه رضي الله عنه في الامهال قولان.
أظهرهما: أنه لا يمهل وإن طلب، بل يقتل في الحال إذا أصر على ردته.
وعلى ردته.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: كمذهب مالك.
والثانية: لا تجب الاستتابة.
وأما الامهال: فإنه يختلف مذهبه في وجوبه ثلاثا.
وهل المرتد كالمرتدة أم لا؟ قال مالك والشافعي وأحمد: الرجل والمرأة في حكم الردة سواء.
وقال أبو حنيفة: تحبس المرأة ولا تقتل.
وهل تصح ردة الصبي أم لا؟ قال أبو حنيفة: تصح.
وقال الشافعي: لا تصح ردة الصبي.
وروي مثل ذلك عن أحمد.
واتفقوا على أن الزنديق - وهو الذي يسر الكفر ويظهر الاسلام - يقتل.
ثم اختلفوا في قبول توبته إذا تاب.
فقال أبو حنيفة في أظهر روايتيه، وهو الاصح من خمسة أوجه لاصحاب الشافعي: تقبل توبته.
وقال مالك وأحمد: يقتل ولا يستتاب.
وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك.
المصطلح: وفيه صورة ما إذا وقع شخص في كفر.
واحتاج إلى الحكم بإسلامه وحقن دمه عند الشافعي، وعند من يرى قبول توبته:

بين يدي سيدنا فلان الدين الشافعي أو الحنفي.
ادعى فلان - بطريق الحسبة لما فيه من حق الله تعالى وحق رسوله (ص) وقصد الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر - على فلان: أنه في يوم تاريخه - أو في أمس تاريخه، أو في الوقت الفلاني - قال بصريح لفظه كذا وكذا - ويذكر لفظ المكفر الذي وقع فيه بحروفه، على سبيل الحكاية عنه في الدعوى عليه، من غير إخلال بشئ مما تلفظ به - ثم يقول: وسأل سؤاله عن ذلك، فبادر المدعى عليه المذكور على الفور.
وقال بصريح لفظه: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وأنا مسلم، وأنا برئ من كل دين يخالف دين الاسلام.
وأنا برئ مما نسب إلي ومما ادعي به علي، ومن كل جزء منه موجب للتكفير أو الردة.
ثم يقول: ولما تلفظ المدعى عليه المذكور بذلك بين يدي سيدنا الحاكم المشار إليه.
وثبت تلفظه به لديه الثبوت الشرعي بالبينة الشرعية.
سأل الحاكم المشار إليه سائل شرعي: الحكم له بإسلامه وحقن دمه وإسقاط التعزيرات عنه، وقبول توبته على مقتضى مذهبه الشريف، واعتقاد مقلده.
فاستخار الله كثيرا، واتخذه هاديا ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله وحكم - أيد الله أحكامه، وسدد نقضه وإبرامه - بصحة إسلام المدعي المذكور وحقن دمه، وقبول توبته، وإسقاط التعزيرات عنه.
ومنع من يتعرض له أو ينسب إليه ما يقتضي الكفر، حكما صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف، مستندا في حكمه المذكور لنص مذهبه الشريف.
واعتقاد مقلده إمام الائمة الحجة محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه.
المسطر في الام.
قال الامام الشافعي: ادعى على رجل أنه ارتد وهو مسلم، لم أكشف عن الحال.
وقلت: قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك برئ من كل دين يخالف دين الاسلام.
انتهى.
وما أفتى به الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام تقي الدين السبكي.
وذكره في
فتاويه.
وهو قوله: مسألة: هل يجوز للحاكم الشافعي أن يحكم بإسلام شخص وعصمة دمه وإسقاط التعزير عنه، ومنع من يتعرض له، إذا نسب إليه ما يقتضي الكفر ولم تأت عليه بينة؟ وهل يحتاج إلى اعترافه بصدور القول منه؟ أجاب - رحمه الله تعالى - أنه يجوز للحاكم الشافعي الذي يرى قبول التوبة، إذا تلفظ الرجل بين يديه بكلمة الاسلام.
وطلب منه الحكم له، وقد ادعى عليه بخلافه: أن

يحكم للمذكور بإسلامه وعصمة دمه، وإسقاط التعزير عنه.
ولا يتوقف ذلك على اعترافه.
فإنه قد يكون بريئا في نفس الامر.
وإلجاؤه إلى الاعتراف على نفسه بخلاف ما وقع إنما يحكم القاضي بإسلامه، مستندا إلى ما سمعه منه من كلمة الاسلام.
العاصمة للدم المبقية للمهجة، الماحية لما قبلها، ويمنع بحكمه ذلك من ادعى عليه بخلاف ما ينافي ذلك، ومن التعرض له بما يقتضي الكفر.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في تاريخ كذا.
ويكتب الحاكم التاريخ والحسبلة بخطه على العادة.
انتهى.
والله أعلم.

كتاب الايمان وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في انعقاد اليمين: الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) * وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) *.
وأما السنة: فروي أن النبي (ص) قال: والله لاغزون قريشا والله لاغزون قريشا، والله لاغزون قريشا، إن شاء الله وروى ابن عمر: أن النبي (ص) كان كثيرا ما يحلف: لا ومقلب القلوب، بلى ومقلب القلوب.
وأجمعت الامة على انعقاد اليمين.
واليمين تنعقد من كل بالغ عاقل مختار قاصد إلى اليمين.
فأما الصبي والمجنون والنائم: فلا تنعقد أيمانهم، لقوله (ص): رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق.
ولا تنعقد يمين المكره، لما روى أبو أمامة: أن النبي (ص) قال: ليس على مقهور يمين.

وأما لغو اليمين: فلا تنعقد، وهو الذي سبق لسانه إلى الحلف بالله، من غير أن يقصد اليمين، أو قصد أن يحلف بالله لا أفعل كذا.
فسبق لسانه وحلف بالله ليفعلن كذا.
والايمان على ضربين.
أحدهما: يمين تقع في خصومة.
والثاني: يمين تقع في غير خصومة.
فأما التي تقع في خصومة، فعلى ضربين.
أحدهما: يمين يقع جوابا.
وهي يمين المنكر.
والثانية: يمين استحقاق.
وهي في خمس مسائل.
أولها: اللعان.
ثانيها: القسامة.
ثالثها: اليمين مع الشاهد في الاموال والنكول خاصة.
رابعها: رد اليمين في سائر الدعاوى.
وهل طريقه الاقرار أم لا؟ على قولين.
خامسها: اليمين مع الشاهد.
وذلك في سبع مسائل.
الاولى: الرد بالعيب.
الثانية: في دعوى الاعسار.
الثالثة: في دعوى العنة.
الرابعة: في الدعوى على جراح باطن.
الخامسة: في الدعوى على ميت.
السادسة: في الدعوى على غائب.
السابعة: أن يقول رجل لامرأته: أنت طالق أمس.
ويقول: إنها كانت مطلقة من غيري.
ويقيم في هذه المسائل الشاهدين ويحلف معهما.
وأما اليمين التي تقع في خصومة.
فثلاثة أنواع: أحدها: لغو اليمين.
كقوله: لا والله، وبلى والله، ونحو ذلك.
فإنها لا تنعقد بحال.
لان اللغو هو الكلام الذي لا يقصد إليه المتكلم.
الثاني: يمين المكره، فإنه لا ينعقد بحال، للحديث المتقدم ذكره.
والثالث: اليمين المعقودة.
وهي على وجهين.
أحدهما: اليمين على فعل ماض والثاني: على فعل مستقبل.
فإن حلف على فعل ماض أنه لم يكن، وقد كان: فذلك اليمين الغموس.
وهو الذي يأثم به، لما روى الشعبي عن ابن عمر: أن أعرابيا أتى النبي (ص).
فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الاشراك بالله.
قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين.
قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس قيل للشعبي: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فيها كاذب.
وروى ابن مسعود: أن النبي (ص) قال: من حلف على يمين، وهو فيها فاجر،

ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان.
وسميت الغموس لانها تغمس من حلف بها في النار.
وأما اليمين على المستقبل: فتصح أيضا.
لقوله (ص): والله لاغزون قريشا.
واليمين على المستقبل تنقسم على خمسة أقسام: القسم الاول: يمين عقدها طاعة، والمقام عليها طاعة، وحلها معصية، مثل: أن يحلف ليصلين الصلوات الخمس الواجبات، أو أنه لا يشرب الخمر، أو أنه لا يزني.
وإنما كان عقدها طاعة، والاقامة عليها طاعة: لانها قد تدعوه إلى المواظبة على فعل الواجب، ويخاف من الحنث فيها الكفارة.
وحلها معصية: لان حلها إنما يكون بالامتناع من فعل الواجب، أو بفعل ما حرم عليه.
القسم الثاني: يمين عقدها معصية، والاقامة عليها معصية.
وحلها طاعة، مثل أن
يحلف: أن لا يفعل ما يجب عليه، أو ليفعلن ما حرم عليه.
القسم الثالث: يمين عقدها طاعة، والاقامة عليها طاعة، وحلها مكروه، مثل أن يحلف ليصلين النوافل، أو ليصومن التطوع، أو ليتصدقن بصدقة التطوع.
القسم الرابع: يمين عقدها مكروه، والاقامة عليها مكروه.
وحلها طاعة، مثل أن يحلف أن لا يصلي صلاة النافلة، أو لا يصوم صوم التطوع، أو لا يتصدق صدقة التطوع.
وإنما قلنا: عقدها والمقام عليها مكروه لانه قد يمنع من فعل البر خوف الحنث.
وإنما كان حلها طاعة، لقوله (ص): من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير.

فإن قيل: كيف يكون عقدها مكروه، والمقام عليها مكروه؟ وقد سمع النبي (ص) الاعرابي الذي سأله عن الصلاة.
يقول: هل علي غيرها؟ فقال: لا، إلا أن تطوع.
فقال: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه ولم ينكر النبي (ص) عليه؟.
قلنا: يحتمل أنه لما حلف أن لا يزيد ولا ينقص، تضمنت يمينه ما هو طاعة، وهو ترك النقصان عنها.
فلذلك لم ينكر عليه.
ويحتمل أن يكون لسانه سبق إلى اليمين.
وعلمه النبي (ص)، فلم ينكره عليه.
لانها لغو.
ويحتمل أن النبي (ص) لم ينكر عليه، ليدل على أن ترك التطوع جائز.
وإن كانت اليمين مكروهة.
وقد كان النبي (ص) يفعل المكروه.
كالالتفات في الصلاة، ليدل على الجواز.
القسم الخامس: يمين عقدها مباح، والمقام عليها مباح.
واختلف أصحابنا في حلها.
وذلك: مثل أن يحلف لادخلت هذه الدار، ولا سلكت هذا الطريق وإنما كان عقدها والمقام عليها مباحا: لانه يباح له ترك دخول الدار، وترك سلوك الطريق.
وهل حلها أفضل، أم المقام عليها؟ فيه وجهان.
أحدهما: المقام عليها أفضل.
لقوله تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *.
الثاني: حلها أفضل.
لانه إذا أقام على اليمين منع نفسه من فعل ما أبيح له.
واليمين لا تغير المحلوف عليه عن حكمه.
فرع: قال الشافعي: ومن حلف بغير الله فهو يمين مكروه، مثل أن يحلف بأبيه، أو بالنبي (ص)، أو بالكعبة، أو بأحد من الصحابة.
وذلك لا يخلو من ثلاثة أقسام.
أحدها: أن يقصد بذلك قصد اليمين، ولا يعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقد في الله تعالى.
فهذا يكره له ذلك ولا يكفر.
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالانداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون وروي أن النبي (ص) أدرك عمر رضي الله عنه في ركب، وهو يحلف بأبيه فقال النبي (ص): إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
فمن كان حالفا

فليحلف بالله، أو ليسكت قال عمر: فما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا ومعنى قوله: ذاكرا أي أذكره عن غيري.
ومعنى قوله: آثرا أي حاكيا عن غيري.
الثاني: أن يحلف بذلك، ويقصد اليمين.
ويعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله.
فهذا يحكم بكفره.
لما روى ابن عمر: أن النبي (ص) قال: من حلف بغير الله فقد كفر وروي فقد أشرك.
الثالث: أن يجري ذلك على لسانه من غير قصد إلى الحلف به.
فلا يكره، بل يكون بمعنى لغو اليمين.
فإن قيل: ورد في القرآن أقسام كثيرة بغير الله.
فالجواب: أن الله تعالى أقسم بمصنوعاته الدالة على قدرته، تعظيما له تعالى لا لها.
وتنعقد اليمين بخمس: إذا حلف بالله، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، أو بالطلاق أو بالعتاق، أو نذر إخراج الاموال، أو الاتيان بالعبادات، وحروف القسم:
الباء، والواو، والتاء، والالف.
فتقول: الله، وبالله، ووالله، وتالله.
وألفاظ اليمين ثلاثة: أقسم بالله، وأعزم بالله، وأشهد بالله.
فإن لم يذكر لفظ الله في هذا فليس بيمين.
ويقطع حكم اليمين خمسة معان: البر، والحنث.
والاستثناء المتصل، وانحلال اليمين، واستحالة البر.
وإذا وقع الحنث كفر عن يمينه.
وإن قدم الكفارة جاز، إلا الصيام فإنه لا يقدم.
وإذا حلف على زوجته بطلاقها أن لا يتزوج عليها.
فتزوج عليها في عدة منه رجعية حنث.
فإن حلف أن يتزوج عليها فتزوج عليها في عدة منه رجعية لم

يحنث.
ولو حلف لا يسكن، ولا يساكن، ولا يلبس، ولا يركب.
فإن خرج أو نزع أو ترك، وإلا حنث.
ولو حلف لا يأكل هذه التمرة، ولا يخرجها، ولا يمسكها.
ولا يرمي بها.
فأكل بعضها لم يحنث.
ولو حلف لا يأكل هذه التمرة، فسقطت في تمر.
فأكل الكل إلا تمرة واحدة لم يحنث، حتى يتيقن أنه قد أكلها.
والورع أن يحنث نفسه.
ولو حلف لا يأكل الحنطة، فأكل دقيقا أو سويقا: لم يحنث.
ولو حلف أن لا يكلم فلانا، فسلم على قوم والمحلوف عليه فيهم، ولم ينوه بقلبه، أو كتب إليه كتابا، أو أرسل إليه رسولا: لم يحنث.
وكذا لو حلف لا يأكل شيئا فشربه، أو لا يشرب شيئا فذاقه.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن من حلف على يمين في طاعة، لزمه الوفاء بها.
وهل له أن يعدل عن الوفاء إلى الكفارة، مع القدرة عليها؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا.
وقال الشافعي: الاولى أن لا يعدل.
فإن عدل جاز ولزمته الكفارة.
وعن مالك روايتان.
كالمذهبين.
واتفقوا على أنه لا يجوز أن يجعل اسم الله عرضة للايمان يمنع من بر وصلة، وأن الاولى: أن يحنث ويكفر إذا حلف على ترك بر.
ويرجع في الايمان إلى النية.
واتفقوا على أن اليمين بالله تعالى منعقدة.
وبجميع أسمائه الحسنى، كالرحمن الرحيم، والحي، وبجميع صفات ذاته: كعزة الله وجلاله، إلا أن أبا حنيفة: استثنى علم الله.
فلم يره يمينا.
واختلفوا في اليمين الغموس - وهي الحلف بالله على أمر ماض، متعمدا للكذب به -: هل لها كفارة أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها.
لانها أعظم من أن تكفر.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: تكفر.
وأما إذا حلف على أمر في المستقبل أن يفعله، أو لا يفعله.
فإذا حنث وجبت عليه الكفارة بالاجماع.
فصل: ولو قال: أقسم بالله، أو أشهد بالله.
فقال أبو حنيفة وأحمد: هي يمين، وإن لم يكن له نية.
وقال مالك: متى قال: أقسم بالله أو أقسمت.
فإن قال بالله لفظا ونية.
كان يمينا.
وإن لم يتلفظ به ولا نواه فليست بيمين.
وقال الشافعي فيمن قال: أقسم بالله إن نوى به اليمين كان يمينا، وإن نوى الاخبار فلا.

وإن أطلق، اختلف أصحابه، فمنهم من رجح كونه ليست بيمين.
وقال فيمن قال: أشهد بالله ونوى اليمين: كان يمينا، وإن أطلق فالاصح من مذهبه: أنه ليس بيمين.
ولو قال: أشهد لا فعلت ولم ينو.
فقال أبو حنيفة وأحمد، في أظهر روايتيه: يكون يمينا.
وقال مالك والشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: لا تكون يمينا.
فصل: ولو قال: وحق الله فيمين عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا يكون يمينا.
ولو قال: لعمر الله، أو وأيم الله قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: هي يمين، نوى به اليمين أم لا.
وقال بعض أصحاب الشافعي: إن لم ينو فليس بيمين.
وهي رواية عن أحمد.
فصل: ولو حلف بالمصحف.
قال مالك والشافعي وأحمد: تنعقد يمينه.
وإن حنث، لزمته الكفارة وقال ابن هبيرة: ونقل في المسألة خلاف عمن لا يعتد بقوله.
وحكى ابن عبد البر في التمهيد في المسألة أقوالا للصحابة والتابعين واتفاقهم على إيجاب الكفارة فيها.
قال: ولم يخالف فيها إلا من لا يعتد بقوله.
واختلفوا في قدر الكفارة فيها.
فقال مالك والشافعي: يلزم كفارة واحدة.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كفارة واحدة.
والاخرى: يلزم بكل آية كفارة.
وإن حلف بالنبي (ص).
فقال أحمد في أظهر روايتيه: تنعقد يمينه.
فإن حنث لزمته الكفارة.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا تنعقد يمينه.
ولا كفارة عليه.
فصل: ويمين الكافر: هل تنعقد أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا تنعقد.
وقال مالك والشافعي وأحمد: تنعقد يمينه.
وتلزمه الكفارة بالحنث.
واتفقوا على أن الكفارة تجب بالحنث في اليمين، سواء كانت في طاعة أو في معصية أو في مباح.
واختلفوا في الكفارة: هل تتقدم الحنث، أو تكون بعده؟ فقال أبو حنيفة: لا تجزئ إلا بعد الحنث مطلقا.
وقال الشافعي: يجوز تقديمها على الحنث المباح.
وعن مالك روايتان.
إحداهما: يجوز تقديمها.
وهو مذهب أحمد.
والاخرى: لا يجوز.
وإذا كفر قبل الحنث: فهل بين الصيام والعتق والاطعام فرق؟ قال مالك: لا فرق.

وقال الشافعي: لا يجوز تقديم التكفير بالصيام، ويجوز بغيره.
واختلفوا في لغو اليمين.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية: هو أن يحلف بالله على أمر يظنه على ما حلف عليه، ثم يتبين أنه بخلافه، سواء قصده أو لم يقصده، فسبق على لسانه، إلا أن أبا حنيفة ومالكا قالا: لا يجوز أن يكون في الماضي وفي الحال.
وقال أحمد: هو في الماضي فقط.
واتفق الثلاثة على أنه لا إثم فيها ولا كفارة.
وعن مالك: أن لغو اليمين أن يقول: لا والله، وبلى والله على وجه المحاورة من غير قصد إلى عقدها.
وقال الشافعي: لغو اليمين ما لم يعقده.
وإنما يتصور ذلك في قوله: لا والله، وبلى والله عند المحاورة والغضب واللجاج من غير قصد، سواء كان على ماض أو مستقبل.
وهي رواية عن أحمد.
ولو قال: والله لافعلن كذا فيمين مع الاطلاق، نوى أو لم ينو، خلافا لبعض أصحاب الشافعي.
فصل: ولو قال: والله لا شربت لزيد الماء يقصد به قطع المنة.
فقال مالك وأحمد: متى انتفع بشئ من ماله، بأكل أو شرب، أو عارية، أو ركوب، أو غير ذلك.
حنث.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يحنث إلا بما تناوله نطقه.
من شرب الماء فقط.
فصل: ولو حلف لا يسكن هذه الدار - وهو ساكنها - فخرج منها بنفسه دون أهله ورحله.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يبر حتى يخرج بنفسه وأهله ورحله.
وقال الشافعي: يبر بخروجه بنفسه.
ولو حلف لا يدخل دارا.
فقام على سطحها، أو حائطها، أو دخل بيتا منها فيه شارع إلى طريق: حنث عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
وقال الشافعي: لا يحنث ولاصحابه في السطح والحجر وجهان.
ولو حلف لا يدخل دار زيد هذه.
فباعها زيد، ثم دخلها الحالف.
قال مالك والشافعي وأحمد: يحنث.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
فصل: ولو حلف لا يكلم ذا الصبي فصار شيخا، أو لا يأكل ذا الخروف فصار كبشا، أو ذا البسر فصار رطبا.
أو ذا الرطب فصار تمرا، أو ذا التمر فصار حلوى، أو لا يدخل ذي الدار فصارت ساحة.
قال أبو حنيفة: لا يحنث في البسر والرطب والتمر.
ويحنث في الباقي.
وللشافعية وجهان.
ومالك وأحمد: يحنث في الجميع.

فصل: ولو حلف لا يدخل بيتا، فدخل المسجد أو الحمام.
قال الثلاثة: لا يحنث.
وقال أحمد: يحنث.
ولو حلف لا يسكن بيتا.
فسكن بيتا من شعر أو جلد أو خيمة، وكان من أهل الامصار.
قال أبو حنيفة: لا يحنث.
فإن كان من أهل البادية: حنث، ولا نص عند مالك في ذلك، إلا أن أصوله تقتضي الحنث.
وقال الشافعي وأحمد: يحنث إذا لم تكن له نية، قرويا كان أو بدويا.
ومن أصحابه: من فرق بينهما.
ولو حلف أن لا يفعل شيئا.
فأمر غيره ففعله.
فقال أبو حنيفة: يحنث في النكاح والطلاق.
لا في البيع والاجارة، إلا أن يكون ممن جرت عادته أن يتولى ذلك بنفسه.
فيحنث مطلقا.
وقال مالك: إن لم يتول ذلك بنفسه فإنه يحنث.
وقال الشافعي: إن كان سلطانا، أو ممن لا يتولى ذلك بنفسه، أو كانت له نية في ذلك حنث، وإلا فلا.
وقال أحمد: يحنث مطلقا.
ولو حلف ليقضينه دينه في غد فقضاه قبله.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يحنث.
وقال الشافعي: يحنث.
ولو مات صاحب الحق قبل الغد: حنث عند أبي يوسف وأحمد.
وقال الشافعي: لا يحنث.
وقال مالك: إن قضاه الورثة أو القاضي في الغد: لم يحنث.
وإن أخره حنث.
وإن حلف ليشربن ماء هذا الكوز في غد فأهريق قبل الغد.
قال أبو حنيفة: لا يحنث.
وقال مالك والشافعي: إن تلف قبل الغد بغير اختياره لم يحنث.
ولو حلف ليشربن ماء هذا الكوز، فلم يكن ماء.
لم يحنث بالاتفاق.
وقال أبو يوسف: يحنث.
فصل: لو فعل المحلوف عليه ناسيا.
قال أبو حنيفة ومالك: يحنث مطلقا، سواء كان الحلف بالله، أو بالطلاق، أو بالعتاق، أو بالظهار.
وللشافعي قولان، أظهرهما: لا يحنث مطلقا.
وعند أحمد ثلاث روايات.
إحداها: إن كانت اليمين بالله تعالى، أو بالظهار: لم يحنث.
وإن كانت بالطلاق أو بالعتاق حنث.
الثانية: يحنث في الجميع.
والثالثة: لا يحنث في الجميع.
واختلفوا في يمين المكره، فقال مالك والشافعي: لا تنعقد.
وقال أبو حنيفة: تنعقد.
واتفقوا على أنه إذا قال: والله لا كلمت فلانا حينا، ونوى به شيئا معينا، أنه على ما نواه.
وإن لم ينوه قال أبو حنيفة وأحمد: لا يكلمه ستة أشهر.
وقال مالك: سنة.
وقال الشافعي: ساعة.

ولو حلف لا يكلم فلانا، فكاتبه أو راسله، أو أشار بيده، أو عينه أو رأسه.
قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: لا يحنث.
وقال مالك: يحنث بالمكاتبة.
وفي المراسلة والاشارة عنه روايتان.
وقال أحمد: يحنث.
وهو القديم عند الشافعي.
فصل: لو قال لزوجته: إن خرجت بغير إذني.
فأنت طالق، ونوى شيئا معينا.
فإنه على ما نواه.
وإن لم ينو شيئا أو قال: أنت طالق إن خرجت إلا أن آذن لك، أو حتى آذن لك قال أبو حنيفة: إن قال: إن خرجت بغير إذني فلا بد من الاذن في كل مرة.
وإن قال: إلا أن آذن لك، أو حتى آذن لك، أو إلى أن آذن لك كفى مرة واحدة.
وقال مالك والشافعي: الخروج الاول يحتاج إلى الاذن في الجميع.
ولو أذن لها من حيث لا تسمع: لم يكن ذلك إذنا عند الثلاثة.
وقال الشافعي: هو إذن صحيح.
فصل: ولو حلف لا يأكل الرؤوس ولا نية له.
بل أطلق ولا يوجد سبب يستدل به على النية.
قال مالك وأحمد: يحمل على جميع ما سمى رأسا حقيقة في وضع اللغة وعرفها من الانعام والطيور والحيتان.
وقال أبو حنيفة: يحمل على رؤوس البقر والغنم خاصة.
وقال الشافعي: يحمل على الابل والبقر والغنم.
فصل: لو حلف ليضربن زيدا مائة سوط.
فضربه بضغث فيه مائة شمراخ.
فهل يبر بذلك؟ قال مالك وأحمد: لا يبر.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يبر.
ولو حلف لا يهب فلانا هبة فتصدق عليه.
قال مالك والشافعي وأحمد: يحنث.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
ولو حلف ليقتلن فلانا - وكان ميتا، وهو لا يعلم بموته - لم يحنث.
وإن كان يعلم حنث عند الثلاثة.
وقال مالك: لا يحنث مطلقا، علم أو لم يعلم.
ولو حلف أنه لا مال له، وله ديون.
قال أبو حنيفة: لا يحنث.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يحنث.
ولو حلف لا يأكل فاكهة.
فأكل رطبا أو رمانا.
قال أبو حنيفة وحده: لا يحنث.
وقال الثلاثة: يحنث.
ولو حلف لا يأكل أدما.
فأكل اللحم أو الخبز أو البيض.
قال أبو حنيفة: لا يحنث إلا بأكل ما يطبخ.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يحنث في أكل الكل.
ولو حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا.
قال أبو حنيفة والشافعي: لا يحنث.
ولو حلف لا يأكل لحما.
فأكل شحما.
لم يحنث عند الثلاثة.
وقال مالك: يحنث.
ولو حلف لا يأكل شحما، فأكل من شحم الظهر: حنث عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا

يحنث.
ولو حلف لا يشم البنفسج فشم دهنه.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يحنث.
وقال الشافعي: لا يحنث.
ولو حلف لا يستخدم هذا العبد، فخدمه من غير أن يستخدمه، وهو ساكت لا ينهاه عن خدمته.
قال أبو حنيفة: إن لم يسبق منه خدمة قبل اليمين، فخدمه بغير إذنه لم يحنث.
وإن كان قد استخدمه قبل اليمين، وبقي على الخدمة له حنث.
وقال الشافعي: لا يحنث في عبد غيره.
وفي عبد نفسه: لاصحابه وجهان.
وقال مالك وأحمد: يحنث مطلقا.
ولو حلف لا يتكلم.
فقرأ القرآن.
قال مالك والشافعي وأحمد: لا يحنث مطلقا.
وقال أبو حنيفة: إن قرأ في الصلاة لم يحنث، أو في غيرها حنث.
ولو حلف لا يدخل على فلان بيتا فأدخل فلان عليه فاستدام المقام معه.
قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه: لا يحنث.
وقال مالك وأحمد: يحنث.
وهو القول الثاني للشافعي.
ولو حلف لا
يسكن مع فلان دارا بعينها، فاقتسماها وجعلا بينهما حائطا ولكل واحد بابا وغلقا، وسكن كل واحد منهما من جنب.
قال مالك: يحنث وقال الشافعي وأحمد: لا يحنث.
وعن أبي حنيفة روايتان.
ولو قال: مماليكي أو عبيدي أحرار.
قال أبو حنيفة: يدخل فيه المدبر وأم الولد.
وأما المكاتب: فلا يدخل إلا بنية، والشقص لا يدخل أصلا.
وقال الطحاوي: يدخل الكل.
وهو مذهب مالك.
وقال الشافعي: يدخل المدبر والعبد وأم الولد.
وعنه في المكاتب قولان.
أصحهما: أنه لا يدخل.
وقال أحمد: يدخل الكل.
وعنه رواية في الشقص أنه لا يدخل إلا بنية.
فصل: واتفقوا على أن الكفارة إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.
والحالف مخير في أي ذلك شاء.
فإن لم يجد انتقل إلى صيام ثلاثة أيام.
وهل يجب التتابع في صومها؟ قال أبو حنيفة وأحمد: يجب.
وقال مالك: لا يجب.
وعن الشافعي قولان.
الجديد الراجح: أنه لا يجب.
وأجمعوا على أنه لا يجزئ في الاعتاق إلا رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب، خالية من شركة، إلا أبا حنيفة.
فإنه لم يعتبر فيها الايمان.
وهو مشكل.
لان العتق ثمرته تخليص رقبة لعبادة الله عزوجل.
فإذا أعتق رقبة كافة فإنما فرغها لعبادة إبليس.
والعتق قربة أيضا.
ولا يحسن التقرب بكافر.

وأجمعوا على أنه لو أطعم مسكينا واحدا عشرة أيام لم تحسب إلا عن إطعام واحد، إلا أبا حنيفة.
فإنه قال: يجزئه عن عشرة مساكين.
واختلفوا في مقدار ما يطعم كل مسكين.
فقال مالك: مد - وهو رطلان بالبغدادي - وشئ من الادم.
فإن اقتصر على مد: أجزأه.
وقال أبو حنيفة: إن أخرج برا.
فنصف صاع، أو تمرا أو شعيرا فصاعا.
وقال
أحمد رحمه الله: مد من حنطة، أو دقيق، أو مدان من شعير أو تمر، أو رطلان من خبز.
وقال الشافعي: لكل مسكين مدا.
والكسوة مقدرة بأقل ما تجزئ به الصلاة عند مالك وأحمد.
ففي حق الرجل: ثوب كقميص وإزار.
وفي حق المرأة: قميص وخمار.
وعند أبي حنيفة والشافعي: يجزئ أقل ما يقع عليه الاسم.
وقال أبو حنيفة: أقله قباء، أو قميص، أو كساء، أو رداء.
ولهم في العمامة والمنديل والسراويل والمئزر روايتان.
وقال الشافعي: يجزئ جميع ذلك.
وفي القلنسوة لاصحابه وجهان.
وأجمعوا على أنه يجوز دفعها إلى الفقراء المسلمين الاحرار، وإلى صغير يقبضها وليه.
وهل يجزئ لصغير لم يطعم الطعام؟ قال الثلاثة: نعم.
وقال أحمد: لا.
ولو أطعم خمسة وكسا خمسة.
قال أبو حنيفة وأحمد تجزئ.
وقال مالك والشافعي: لا، تجزئ.
فصل: لو كرر اليمين على شئ واحد، أو على أشياء وحنث.
قال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين: عليه لكل يمين كفارة، إلا أن مالكا: اعتبر إرادة التأكيد.
فقال: إن أراد التأكيد فكفارة واحدة، أو الاستئناف فلكل يمين كفارة.
وعن أحمد رواية أخرى: عليه كفارة واحدة في الجميع.
وقال الشافعي: إن كانت على شئ واحد، ونوى بما زاد على الاولة التأكيد: فهو على ما نوى.
ويلزمه كفارة واحدة.
وإن أراد بالتكرار الاستئناف فهما يمينان.
وفي الكفارة قولان.
أحدهما: كفارة.
والثاني: كفارتان.
وإن كانت على أشياء مختلفة فلكل شئ منها كفارة.
فصل: لو أراد العبد التكفير بالصيام.
فهل يملك سيده منعه؟ قال الشافعي: إن

أذن له في اليمين والحنث: لم يمنعه.
وإلا فله منعه.
وقال أحمد: ليس له منعه على الاطلاق.
وقال أصحاب أبي حنيفة: له منعه مطلقا، إلا في كفارة الظهار.
وقال مالك: إن أضربه الصوم فله منعه، وإلا فلا.
وله الصوم من غير إذنه إلا في كفارة الظهار.
فليس له منعه مطلقا.
فصل: ولو قال: إن فعل كذا.
فهو يهودي أو نصراني، أو كافر، أو برئ من الاسلام، أو الرسول ثم فعله حنث.
ووجبت الكفارة عند أبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك والشافعي: لا كفارة.
ولو قال: وعهد الله وميثاقه فهو يمين، إلا عند أبي حنيفة، إلا أن يقول: علي عهد الله وميثاقه فيمين بالاتفاق.
ولو قال: وأمانة الله فيمين إلا عند مالك والشافعي.
فصل: ولو حلف لا يلبس حليا فلبس خاتما.
حنث عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
ولو حلفت المرأة لا تلبس حليا فلبست اللؤلؤ والجوهر حنثت.
وقال أبو حنيفة: لا تحنث، إلا أن يكون معه ذهب أو فضة.
ولو قال: الله لا أكلت هذا الرغيف فأكل بعضه، أو لا شربت ماء هذا الكوز فشرب بعضه، أو لا لبست من غزل فلانة فلبس ثوبا فيه من غزلها، أو لا دخلت هذه الدار فأدخل رجله أو يده: لم يحنث عند أبي حنيفة والشافعي.
وقال مالك وأحمد: يحنث.
ولو حلف لا يأكل طعاما اشتراه فلان، فأكل مما اشتراه هو وغيره: حنث عند مالك وأحمد.
وكذلك لو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه فلان أو لا يسكن دارا اشتراها، وما في معنى ذلك.
فقال أبو حنيفة: يحنث بأكل الطعام وحده.
وقال الشافعي: لا يحنث في الجميع.
فصل: ولو حلف لا يأكل هذا الدقيق فاستف منه، أو خبزه وأكله: حنث عند مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إن استف لم يحنث، وإن خبزه وأكل حنث.
وقال الشافعي: إن استف حنث وإن خبز وأكل لم يحنث.
ولو حلف لا يدخل دار
فلان حنث بما يسكنه بالكراء عند الثلاثة.
وكذا لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث عندهم.
وقال الشافعي: لا يحنث إن لم يكن له نية.
ولو حلف لا يشرب من الدجلة أو الفرات، أو النيل.
فغرف من مائها بيده أو بإناء وشرب: حنث عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث حتى يكرع بفيه منها كرعا.
ولو حلف لا يشرب ماء هذا البئر

فشرب منه قليلا: حنث عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
إلا أن ينوي أن لا يشرب جميعه.
وقال الشافعي: لا يحنث.
فصل: ولو حلف لا يضرب زوجته، فخنقها أو عضها أو نتف شعرها.
حنث عند الثلاثة.
وقال الشافعي: لا يحنث.
ولو حلف لا يستبرئ وجامعها حنث.
وإن عصبها.
يطلب ولدها عند مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إن أحصنها وجامعها حنث.
وزاد الشافعي: وطلب ولدها.
ولو حلف لا يهب فلانا شيئا، ثم وهبه فلم يقبله حنث عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
وقال الشافعي: لا يحنث حتى يقبله ويقبضه.
ولو حلف لا يبيع فباع بشرط الخيار لنفسه حنث عند الثلاثة.
وقال مالك: لا يحنث.
فصل: وإذا كان له مال غائب أو دين، ولم يجد ما يعتق أو يكسو أو يطعم لم يجزه الصيام.
وعليه أن يصبر حتى يصل إلى ماله، ثم يكفر بالمال عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: يجزئه الصيام عند غيبة المال.
انتهى.
المصطلح: وهو يشتمل على صور كثيرة متعددة بتعدد الوقائع في الدعاوى الشرعية.
وتختلف باختلاف حالاتها.
ولكنها لا تخرج عن الاقسام التي تقدم ذكرها.
وهي تارة تقع جوابا عن الدعوى.
وتلك يمين المنكر، وتقع مخالفة لدعوى المدعي غير ملزمة لما ادعاه، حيث لا بينة.
وتارة تكون يمين الحجة، وهي المكملة لبينة المدعي.
وهي لا تقع إلا مع الشاهد
الواحد في الاموال عند من يرى العمل بالشاهد واليمين.
ولا يجري إلا على وفق ما يشهد به الشاهد الواحد لفظا لا معنى، ليكمل بها الحجة في المدعى به.
وتارة تكون يمين استحقاق مع الشاهد.
وهي التي يأتي فيها الحالف بصفة استحقاقه لما يحلف عليه.
وعلى عدم المسقط لذلك ولشئ منه، إلى حين الحلف.
وقد تقدم تقرير هذه اليمين في سبع مسائل.
وأما صور الايمان التي تجري بين ولاة العهود من الملوك والسلاطين، وكفال الممالك، وأمراء الدولة، والامناء من أرباب وظائفها.
ونواب القلاع وغيرهم على العادة الجارية بينهما في مثل ذلك، وأيمان أهل الكتاب.
فمنها:

صورة يمين السلاطين والامراء: أقول - وأنا فلان - والله والله والله العظيم، الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الطالب الغالب، المدرك المهلك، المنتقم الجبار، الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، وحق جلال الله، وقدرة الله، وكبرياء الله، وعظمة الله.
وسائر أسمائه الحسنى وصفاته العليا: إنني - من وقتي هذا.
وما أمد الله في عمري - قد أخلصت نيتي وأصفيت طويتي، ولا أزال مجتهدا في إخلاص النية وإصفاء الطوية، لمولانا السلطان فلان - أو لاوالين مولانا السلطان - فلان بصدق من نيتي وإخلاص من طويتي، واستواء من باطني وظاهري، وسري وجهري، وقولي وفعلي، ولاعادين أعداءه ولا أصحبهم في سائر ما أتصرف فيه من علمه، ولاقطعن ما بيني وبين أعدائه، أو بين فلان من سبب وعصمة وذمام وعلقة وتبعة، ولاحاربن من حاربه، ولاسالمن من سالمه، ولاعادين من عاداه، ولاوالين من والاه من سائر الناس أجمعين.
وإنني والله العظيم لا أضمر لمولانا السلطان سوءا ولا غدرا، ولا مكرا ولا خديعة، ولا خيانة في نفس ولا مال، ولا سلطنة ولا قلاع، ولا حصون ولا بلاد، ولا غير ذلك، ولا أسعى في تفريق كلمة أحمد من
أمرائه، ولا مماليكه ولا عساكره ولا جنوده، ولا أستميل طائفة منهم ولا من غيرهم على اختلاف الاجناس لغيره، ولا أوافق على ذلك بقول ولا فعل ولا نية، ولا مكاتبة ولا مراسلة، ولا إشارة ولا صريح ولا كناية.
وإن ورد علي كتاب من أحد من خلق الله بما فيه مضرة على مولانا السلطان، أو على دولته لا أعمل به، ولا أصغي إليه.
وأنفذ الكتاب أو أحمله إلى بين يديه الشريفة ومن أحضره إن قدرت على إمساكه.
ولاكونن كأحد أوليائه في مناصبة أعدائه ومباينتهم، والتصدي لطلبهم، والدلالة على عوراتهم، والانهاء لما يتصل بي من أخبارهم، ولا قبلت أحدا يأوي إلي من أصحابهم، إلا أن يكون مستأمنا داخلا في الطاعة.
فأقبله وأنفذه إلى حضرته وأصدق عن أمره، ولا حملت إلى معسكر فلان، ولا أحد من أصحابه ميرة، ولا أعنتهم بمعونة، ولا وافقت أحدا من أصحابي على أن يميرهم، ولا تأولت في ذلك، ولا وريت عنه، ولا تواطأت عليه.
ومتى بلغني أن أحدا من الناس فعل ذلك ذكرت خبره لمولانا السلطان.
واجتهدت في الخدمة والنصيحة المحضة والطاعة الخالصة من امتثال مراسيم مولانا السلطان.
والعمل بأوامره الشريفة.
وفي كل ما يقربني إليه، ولا تأخرت متى رسم لي بالحضور.
وإن خالفت ذلك أو شيئا منه، أو تأولت فيه، أو في شئ منه، أو نقضته أو شيئا منه.
فأيمان البيعة لازمة لي بحلالها وحرامها، وطلاقها وعتاقها.
وكان كل ما أملكه من

صامت وناطق صدقة على الفقراء والمساكين.
وكانت كل زوجة في عقد نكاحه، أو يتزوجها في المستقبل طالقا ثلاثا بتاتا، طلاق الحرج والسنة على سائر المذاهب.
وكان كل مملوك أو أمة، أو يملكهم في المستقبل، أحرارا لوجه الله تعالى.
وكان عليه الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المشرفة والوقوف بعرفة ثلاثة حجة متواليات متتابعات كوامل، حافيا حاسرا.
وكان عليه صوم الدهر كله، إلا الايام المنهي عنها.
وكان عليه أن يفك ألف رقبة مؤمنة من أسر الكفار، وبرئت إذ ذاك من الله ورسوله ومن القرآن، ومن أنزله
وأنزل عليه.
وأكون قد خلعت عصمة الاسلام، وخلعت رقبته من عنقي.
ولقيت الله خارجا عنها.
وعن كل ذمة من ذممه، وعن كل عهد من عهوده.
وهذه اليمين يميني، حلفت بها طائعا راغبا مختارا، مذعنا لطاعة الله وطاعة رسوله (ص) وولي الامر.
والنية فيها بأسرها نية مولانا السلطان.
ونية مستحلفي له بها، لا نية لي في باطني وظاهري سواها، أشهد الله علي بذلك، وكفى بالله شهيدا.
والله على ما أقول وكيل.
ويكتب الحالف اسمه في نسخة هذا الحلف في أولها وآخرها.
ويكتب عنه بأمره وإذنه إن كان ممن لا يكتب، وإن أشهد عليه في ذلك من حضر من أهل الشهادة.
فهو حسن.
وهذه اليمين تصلح للبيعة العامة.
تلخص ويفرد منها ما هو المقصود من ذلك الحالف ويحلف عليه.
وأما الوزراء وأرباب التصرفات في الاموال: فيزداد في تحليفهم: وإنني أحفظ أموال مولانا السلطان - خلد الله ملكه - من التبذير والاسراف والضياع والخونة، وتفريط أهل العجز، ولا أستخدم في ذلك، ولا في شئ منه، إلا أهل الكفاية والامانة، ولا أضمن جهة من الجهات الديوانية إلا من الاملياء القادرين، أو ممن زاد زيادة ظاهرة، وأقام عليه الضمان الثقات، ولا أؤخر مطالبة أحد بما يتعين عليه بوجه حق من حقوق الديوان المعمور والموجبات السلطانية على اختلافها.
وإنني - والله العظيم - لا أرخص في تسجيل ولا قياس ولا أسامح أحدا بموجب يجب عليه إلا لضرورة يتعين معها المسامحة، ولا أخرج عن أمر مولانا السلطان فيما يأمرني به، ولا أعدل عن مصلحة تتعين له ولدولته الشريفة، ولا أعلق أمر مباشري ديوان دولته الشريفة إلا بمن يصلح أحواله باجتهاد في تثمير أمواله.
وكف أيدي الخونة عنه.
وغل أيديهم أن تصل إلى شئ منه بغير حق، ولا أدع حاضرا ولا غائبا من أمور هذه المباشرة حتى أجتهد فيه الاجتهاد الكلي.
وأجرى أموره على السداد وحسن الاعتماد ومحض النصيحة.

وإنني لا استجديت شيئا على المستقر إطلاقه لاحد من خلق الله ما لم يرسم لي به، إلا ما فيه مصلحة ظاهرة.
وغبطة وافرة، ونفع بين لهذه الدولة القاهرة.
وإنني والله العظيم أؤدي الامانة في كل كلما علق بي ووليته من القبض والصرف والولاية والعزل، والتقديم والتأخير، وجهات الاستحقاقات، القليل منها والكثير، والجليل والحقير.
ويكمل على نحو ما سبق.
وأما الدوادارية وكتاب السر، فيزاد في تحليفهم: وإنني مهما اطلعت عليه من مصالح مولانا السلطان فلان ونصائحه، وأمر أتى ملكه ونازحه، أوصله وأعرضه عليه، ولا أخفيه شيئا منه.
ولو كان علي ولا أكتمه ولو خفت وصول ضرره إلي.
ويفرد الدوادار: وإنني لا أؤدي عن مولانا السلطان رسالة في إطلاق مال، ولا استخدام مستخدم، ولا اقتطاع إقطاع، ولا ترتيب مرتب، ولا تجديد مستجد، ولا سداد شاغر، ولا فصل منازعة، ولا كتابة توقيع ولا مرسوم، ولا كتاب، صغيرا كان أو كبيرا، جليلا كان أو حقيرا: إلا بعد عرضه على مسامع مولانا السلطان فلان، ومشاورته ومعاودة أمره الشريف، ومراجعته فيه.
ويفرد كتاب السر: وإنني - والله العظيم - مهما تأخرت قراءته من الكتب الواردة على مولانا السلطان فلان من البعيد والقريب.
أعاوده فيه في وقت آخر.
فإن لم أعاود فيه لمجموع لفظه لطوله.
عاودته فيه بمعناه ملخصا.
وإنني لا أجاوب في شئ لم ينص المرسوم الشريف فيه بنص خاص.
مما لم تجر العادة بالنص فيه، لا أجاوب فيه إلا بأكمل ما أرى أن فيه مصلحة مولانا السلطان فلان، ومصلحة دولته الشريفة بأسد جواب أقدر عليه.
ويصل اجتهادي إليه.
ومهما أمكن المراجعة فيه لمولانا السلطان فلان راجعته فيه وقت الامكان.
وعملت بنص ما يرسم لي به فيه.
وأما نواب القلاع، فيزاد في تحليفهم: وإنني أجمع رجال هذه القلعة - ويسمي
القلعة التي هو فيها - على طاعة مولانا السلطان فلان، وخدمته في حفظ هذه القلعة، وحمايتها وتحصينها والذب عنها والجهاد دونها، والمدافعة بكل طريق.
وإنني أحفظ حواصلها وذخائرها وسلاح خاناتها على اختلاف أنواع ما فيها من الاقوات والاسلحة حفظا تاما.
ولا أخرج شيئا منها إلا في أوقات الحاجة والضرورة الداعية، المتعين فيها تفريق الاقوات والسلاح على قدر الحاجة.
وإنني أكون في ذلك كواحد ممن يتبع اتباع رجال هذه القلعة ولا أتخصص، ولا أمكن من التخصيص فيما لا يمكن فيه التخصيص.

وإلا قلت بدين التوحيد.
وتعبدت غير الارباب.
وقلت إن المعاد غير روحاني، وأن نبي المعمودية لا يسبح في فسيح السماء، وأبيت من وجود الحور العين في المعاد.
وأن في الدار الآخرة التلذذات الجسمانية، وخرجت خروج الشعرة من العجين من دين النصرانية، وبرأت من اعتقادي في المسيح وأمه، وأكون محروما من ديني.
وقلت إن جرجس لم يقتل مظلوما.
فإن كان الحالف يعقوبيا بدل قوله: اللاهوت بالناسوت بقوله: ممارسة اللاهوت الناسوت ويبطل قوله: ووافقت البردعان بإنطاكية.
وجحدت مذهب الملكانية ويبدله بقوله: وكذبت يعقوب.
وقلت: إنه غير نصراني، وجحدت اليعقوبية.
وقلت: إن الحق مع الملكية.
وكذبت ما تضمنه الانجيل المقدس.
ومزقت شدائد مريم وعصبت بها رأسي.
وذبحت القسوس، وتركت على المذبح حيضة يهودية.
وطفأت قناديل نار جرجس، وإلا تزوجت يهودية طمثاء حتى لا أطهر أبدا، وإلا غسلت أثوابي صبيحة الجمع.
ورميت القاذورات في الكنائس والبيع، وعصيت اللاهوت، وجحدت الناسوت.
صورة يمين السامرة: وهي على نحو يمين اليهود، لانهم منهم.
وقد قال العلماء رضي الله عنهم: إن وافقت أصولهم أصول اليهود أقروا، وإلا فلا.
وصورة يمينهم تفرد بموضع خلافهم لفرق اليهود.
فإنهم يوافقونهم في شئ،
ويخالفونهم في أشياء.
وهي: والله والله والله العظيم، الباري القادر القاهر، القديم الازلي، رب موسى وهارون، منزل التوراة والالواح الجوهر، بما فيها من الآيات العظيمة، منقذ بني إسرائيل، وناصب الطور قبلة للمتعبدين، وإلا كفرت بما في التوراة، وبرئت من نبوة موسى.
وقلت بأن الامامة في غير بني هارون، ودكيت الطور.
وقلعت بيدي أثر البيت المعمور، واستبحت حرمات السبت.
وقلت بالتأويل في الدين، وأقررت بصحة توراة اليهود، وأنكرت القول بأنه لا مساس، ولم أتجنب شيئا من الذبائح.
وأكلت الجدي بلبن أمه.
وسعيت في الخروج إلى الارض المحظور على سكنها، وأتيت النساء الحيض زمان الطمث مستبيحا لهن، وبت معهن في المضاجع، وكنت أول كافر بخلافة هارون، وأنفت منها أن تكون.
وصورة يمين المجوس: إنني والله والله الرب العظيم القديم النور الازلي، رب الارباب وإله الآلهة، ماحي آية الظلم، والموجد من العدم، مدبر الافلاك ومسيرها، ومنور الشهب ومصورها، خالق الشمس والقمر، ومنبت النجم والشجر، والنار والنور،

والظل والحرور، وحق حيومرت، وما أولد من كرائم النسل، وزرادشت وما جاء به من القول الفصل، والزبد وما تضمن، والخط المستدير وما بين، وإلا أنكرت أن زرادشت لم يأت بالدائرة الصحيحة بغير آلة، وأن مملكة أفريدون كانت ضلالة، وأكون قد أشركت بهراسف فيما سفك طعما لحيته.
وقلت إن دانيال لم يسلط عليه.
وحرقت بيد الدرفش.
وأنكرت ما عليه من الوضع الذي أشرقت عليه أجرام الكواكب، وتمازجت فيه القوى الارضية بالقوى السماوية، وكذبت هاني وصدقت مدرك، واستبحت فصول الفروج والاموال، وقلت بإنكار الترتيب في طبقات العالم، وأنه لا مرجع في الابوة إلا إلى آدم.
وفضلت العرب على العجم.
وجعلت الفرس كسائر الامم، ومسحت بيدي خطوط الفهلوية.
وجحدت السياسة الساسانية.
وكنت ممن غزا الفرس مع الروم.
وممن خطأ
سابور في خلع أكتاف العرب، وجلبت البلاء إلى بابل، ودنت بغير دين الاوائل، وإلا أطفأت النار، وأنكزت فعل الفلك الدوار.
ومالات فاعل الليل على فاعل النهار.
وأبطلت حكم النيروز والمهرجان، وأطفأت ليلة الصدق مصابيح النيران، وإلا أكون ممن حرم فروج الامهات.
وقال بأنه لا يجوز الجمع بين الاخوات، وأكون ممن أنكر صواب أزدشير، وكتب لفيومي: بئس المولى وبئس العشير.
وأما صورة أيمان أهل البدع من الرافضة وأنواع الشيعة: فهم طوائف كثيرة يجمعهم حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وتختلف فرقهم في سواه.
فأما مع إجماعهم على حبه، فهم مختلفون في اعتقادهم فيه.
فمنهم أهل غلو مفرط وعتو زائد، ومنهم من أدى به الغلو إلى أن اتخذ عليا إلها.
ومنهم النصيرية.
ومنهم من قال: إنه النبي المرسل، ولكن غلط جبريل.
ومنهم من قال: إنه شريك في النبوة والرسالة.
ومنهم من قال: إنه وصى النبوة بالنص الجلي.
ثم اختلفوا في الامامة بعده.
وأجمعوا بعده على الحسن ثم الحسين.
قالت فرقة: وبعدهما محمد بن الحنفية.
وجماهير القوم الموجودين الآن فرق ظاهرة في هذه الممالك.
منهم: النصيرية، والاسماعيلية، والامامية، والزيدية.
فأما النصرية: فهم القائلون بألوهية علي.
وإذا مر بهم السحاب.
قالوا: السلام عليك أبا الحسن، يزعمون أن السحاب مسكنه.
ويقولون: إن الرعد صوته، وإن البرق ضحكه، وإن سلمان الفارسي رسوله، ويحبون ابن ملجم.
ويقولون: إنه خلص اللاهوت من الناسوت.
ولهم خطاب بينهم، من خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم.
ولا يذيع ما

وإنني والله والله والله، لا أفتح أبواب هذه القلعة إلا في الاوقات الجاري بها عادة أبواب الحصون، وأغلقها في الوقت الجاري به العادة، ولا أفتحها إلا بشمس ولا أغلقها إلا بشمس،
وإنني أطالب الحراس والدراجة وأرباب النوب في هذه القلعة بما جرت به العوائد اللازمة لكل منهم، مما في ذلك جميعه مصلحة مولانا السلطان فلان، ولا أسلم هذه القلعة إلا لمولانا السلطان فلان، أو بمرسومه الشريف وأمارته الصحيحة، وأوامره الصريحة.
وإنني لا أستخدم في هذه القلعة إلا من فيه نفع لها وأهلية للخدمة، ولا أعمل في ذلك بغرض نفس.
ولا أرخص فيه لمن يعمل بغرض نفس له، ولا أواطئ ولا أداجي، ولا أوالس، ولا أدس دسيسة، ولا أعمل حيلة في إطلاق أحد ممن يبرز مرسوم مولانا السلطان بسجنه والاعتقال عليه بالقلعة المشار إليها.
وأعتمد فيه جميع ما يأمرني به من غير تفريط ولا إهمال، ولا فترة ولا تماد.
وإنني أبذل في نصيحته الجهد، وأشمر فيها عن ساعد الجد.
وأؤدي أمانته وأجتنب خيانته في سري وجهري وباطني وظاهري، وأشهد الله علي بذلك.
وكفى بالله شهيدا.
وأما صور أيمان أهل الكتاب.
فمنها: صورة يمين اليهود: والله والله والله العظيم القديم الازلي، الفرد الصمد، الواحد الاحد، المدرك المهلك.
الطالب الغالب، باعث موسى بالحق.
وشاد عضده وأزره بأخيه هارون ومنجيه من الغرق.
وحق التوراة المكرمة.
وما فيها من الكلمات المعظمة وحق العشر كلمات التي أنزلت على موسى في الصحف الجوهر، وإلا تعبدت فرعون وهامان، وبرئت من إسرائيل، ودنت دين النصرانية، وصدقت مريم في دعواها وبرأت يوسف النجار، وأنكرت الخطاب، وتعمدت الطور بالقاذورات، ورميت الصخرة المقدسة بالنجاسات.
وشاركت بخنتصر في هدم بيت المقدس، وقتل بني إسرائيل، وألقيت العذرة على مكان الاسفار.
وكنت ممن شرب من النهر ومال إلى جالوت.
وفارقت شيعة طالوت.
وأنكرت نبوة الانبياء من بني إسرائيل ودللت على دانيال، وأعلم ت جبار مصر مكان أرمياء، وكنت مع البغاة والفواجر يوم يحيى.
وقلت: إن النار المضيئة من شجرة
العوسج نار إفك.
وأخذت الطرق على مدين.
وقلت بالعظائم في بنات شعيب، وأجلبت مع السحرة على موسى، ثم برئت ممن آمن منهم.
وكنت مع من قال اللحاق ليدرك من

فر، وأشرت بتخليف تابوت يوسف في مصر، وسلمت إلى السامري في قوله.
ونزلت أريحاء مدينة الجبارين.
ورضيت بفعل سكنة سدوم، وخالفت أحكام التوراة، واستبحت السبت وعدوت فيه.
وقلت إن المضلة ضلال.
وقلت بالبداءة على الله في الاحكام واخترت نسخ الشرائع.
واعتقدت أن عيسى ابن مريم المسيح الموعود به على لسان موسى بن عمران، وانتقلت من اليهودية إلى سواها من الاديان.
واستبحت لحم الجمل والشحم والحوايا وما اختلط بعظم.
وقلت مقالة أهل بابل في إبراهيم.
وإلا أكون محروما من دين اليهودية حرمة تجمع عليها الاحبار.
ونقلت عليها حصر الكنائس.
ورددت إلى التيه.
وحرمت المن والسلوى، وبرئت من جميع الاسباط.
وقعدت عن حرب الجبارين مع القدرة والنشاط.
والله والله والله إنه لصادق فيما حلف.
صورة يمين النصارى: إنني والله والله والله العظيم، وحق المسيح عيسى ابن مريم وأمه السيدة مريم.
وإلا برئت من دين النصرانية، والملة المسيحية، وإلا أبرأ من المعمودية، وأقول: إن ماءها نجس.
وأن القرابين رجس.
وبرئت من يحيى المعمدان.
والاناجيل الاربع، والصلبان.
وقلت: إن متى كذوب.
وأن مريم المجدلانية باطلة الدعوى في أخبارها عن السيد يشوع المسيح، وقلت في السيدة مريم قول اليهود.
ودنت دينهم في الجحود، وأنكرت اتحاد اللاهوت والناسوت، وبرئت من الآب والام والروح القدس.
وكذبت القسوس، وقطعت زناري وكسرت صليبي، ولعنت الشمامسة والديرانيين، وهدمت الكنائس.
وكنت ممن بال على قسطنطين بن هيلانة، وتعمدته بالعظائم.
وخالفت المجامع التي أجمع عليها الاساقفة برومية والقسطنطينية، ووافقت البردعان بأنطاكية.
وجحدت مذهب الملكانية.
وسفهت رأي الرهبان، وأنكرت وقوع
الصليب على السيد يشوع، وكنت مع اليهود حين صلبوه، وجذبت رداء الكبرياء عن البطريك، وقعدت عن أهل الشعانين.
وأبيت عبيد الصليب والغطاس، ولم أحفل بعيد السيدة.
وأكلت لحم الجمل.
ودنت بدين اليهود.
وأبحت حرمة الطلاق.
وخنت المسيح في وديعته.
وتزوجت في قرن بامرأتين، وهدمت بيدي كنيسة قمامة، وكسرت صليب الصلبوت.
وقلت في النبوة مقالة نسطورس.
ووجهت إلى الصخرة وجهي.
وصديت عن الشرق المنير حيث كان المظهر الكريم.
وإلا برأت من النورانيين والشعشونيين.
ودنت غير دين النصارى، وأبغضت عهدي.
وأنكرت أن السيد يشوع أحيا الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص.
وقلت إنه مربوب، وأنه ما رؤي وهو مصلوب، وأنكرت أن القربان المقدس على المذبح ما صار لحم المسيح ودمه حقيقة.
وخرجت في النصرانية عن الطريقة.
من الناسوت.
ولهم خطاب بينهم، من

خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم.
ولا يذيع ما خاطبوه به، ولو ضربت عنقه.
وهي طائفة ملعونة مجوسية المعتقد.
لا يحرمون البنات ولا الاخوات ولا الامهات، ولهم اعتقاد في عدم تحريم الخمر، ويرون أنها من النور، ولهم قول في تعظيم النور، مثل قول المجوس أو ما يقاربه.
وصورة أيمانهم: إنني والله، وحق العلي الاعلى، وما أعتقده في المظهر الاسني، وحق النور، وما نشأ منه السحاب وساكنه، وإلا برئت من مولاي علي العلي الاعظم، وولائي له ومن مظاهر الحق.
وكشفت حجاب سلمان بغير إذن، وبرئت من دعوة الحجة نصير.
وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم، وكفرت بالخطاب، وأذعت السر المصون، وأنكرت دعوى أهل التحقيق.
وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الارض بيدي، حتى اجتنيت أصولها وأمنع سبيلها، وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النمروذ على إبراهيم، وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو علي ساخط.
وأبرأ من قول قنبر.
وأقول إنه بالنار ما تطهر.
وأما الاسماعيلية: وهم القائلون بانتقال الامامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه الاكبر
إسماعيل، وهو جد الخلفاء الفاطميين بمصر.
وهذه الطائفة هم شيعة تلك الدولة، والقائلين بتلك الدعوة، وتلك الكلمة، وهم - وإن أظهروا الاسلام وقالوا: بقول الامامية.
ثم خالفوهم في موسى الكاظم.
وقالوا: بأنها لم تصر إلى أخيه إسماعيل - فإنهم طائفة كافرة، تعتقد التناسخ والحلول، ثم هم مختلفون فيما بعد.
فمنهم نزارية، ومنهم القائلون بإمامة نزار، والبقية على صرافهم.
وهؤلاء يجمعهم يمين واحدة.
وموضع الخلاف بينهم يأتي إن شاء الله تعالى.
وصورة اليمين الجامعة لهم: إنني والله والله الواحد الاحد، الفرد الصمد، القادر القاهر، الذي لا إله إلا هو، وحق الله الحق، وهداة الخلق علي وبنيه أئمة الظهور والخفاء، وإلا برئت من صحيح الولاء، وصدقت أهل الباطل، وقمت مع فرقة الضلال، وانتصبت مع النواصب في تقرير المحال، ولم أقل بانتقال الامامة إلى السيد الحسين، ثم إلى بنيه بالنص الجلي، وموصولة إلى جعفر الصادق، ثم إلى ابنه إسماعيل صاحب الدعوة الهادية، والاثرة الباقية، وإلا قدحت في القداح، وأثمت الداعي الاول وسعيت في اختلاف الناس.
ومالات على السيد المهدي، وخذلت الناس عن القائم، ونقضت الدولة على المعز، وأنكرت أن خم يوم غدير لا يعد في الاعياد.
وقلت أن لا علم للائمة بما يكون، وخالفت من ادعى لهم العلم بالحدثان، ورميت آل بيت محمد بالعظائم، وقلت

فيهم الكبائر، وواليت أعداءهم وعاديت أولياءهم.
ومن هنا تزاد الزنارية: وإلا فجحدت أن صار الامر إلى نزار، وأنه أتى حملا في بطن جارية بخوف خوض بلاد الاعداء.
وأن الاسم لم يغير لتغيير الصورة وإلا طغيت على الحسن بن صباح، وبرئت من المولى علاء الدين صاحب الاسلوب، ومن ناصر الدين سنان، الملقب براشد الدين.
وكنت أول المعتدين.
وقلت إن ما أروه من الاباطيل.
ودخلت في أهل القرية والاضاليل.
وأما من سواهم من الاسماعيلية المنكرين لامامة نزار.
فيقال في تحليفهم: وإلا قلت بأن الامر صار إلى نزار، وصدقت القائلين بأنه خرج حملا في بطن جارية.
وأنكرت ميتته الظاهرة بالاسكندرية، وادعيت أنه لم ينازع الحق أهله، ويجاذب الخلافة ربها، ووافقت شيعته، وتبعت الحسن بن صباح، وكنت في النزارية آخر الادوار.
ثم تجمع هذه الطوائف الاسماعيلية على اختلافهم في آخر اليمين بقولهم: وإلا قلت مقالة ابن السلار في النفاق، وسددت رأي ابن أيوب، وألقيت بيدي الراية الصغرى.
ورفعت السوداء.
وفعلت في أهل القصر تلك الفعال.
وتمحلت مثل تلك المحال.
وأما الامامية، فهم القائلون: إن الائمة اثنا عشر إماما، أولهم علي، وآخرهم المنتظر في آخر الزمان.
وهم الذين خالفتهم الاسماعيلية.
فقالوا: بإمامة إسماعيل بن جعفر.
وقال هؤلاء: بإمامة موسى الكاظم بن جعفر.
وهم مسلمون، إلا أنهم أهل بدع كبيرة.
وهم سبابون.
وصورة يمين هؤلاء: إنني والله والله العظيم الرب الواحد الاحد، الفرد الصمد، وما أعتقده من صدق محمد (ص).
ونصه على إمامة ابن عمه ووارث علمه، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم غدير خم في قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه.
وعاد من عاداه، وأدر الحق على لسانه كيفما دار وإلا كنت مع أول قائم يوم السقيفة، وآخر متأخر يوم الدار.
ولم أقل بجواز التقية خوفا على النفس، وأعنت ابن الخطاب، واضطهدت فاطمة الزهراء ومنعتها حقها من الارث.
وساعدت في تقديم تيم

وعدي وأمية.
ورضيت بحكم الشورى.
وكذبت حسان بن ثابت يوم عائشة، وقمت معها يوم الجمل، وشهرت السيف مع معاوية في صفين، وصدقت دعوى زياد، ونزلت على حكم ابن مرجانة وكنت مع عمر بن سعد في قتال الحسين.
وقلت إن الامر لم يصر بعد
الحسن إلى الحسين، وساعدت شمر بن جوشن على أهل تلك البلية.
وسبيت أهل البيت وسقتهم بالعصى إلى دمشق، ورضيت بإمارة يزيد، وأطعت المغيرة بن شعبة، وكنت ظهيرا لعمرو بن العاص، ثم لبسر بن أرطاة.
وفعلت فعل عقبة بن عبد الله المزني، وصدقت رأي الخوارج.
وقلت إن الامر لم ينتقل بعد الحسين بن علي في أبنائه إلى تمام الائمة إلى الامام المهدي المنتظر، ودللت على مقاتل أهل البيت بني أمية وبني العباس، وأبطلت حكم التمتع، وزدت في حد الخمر ما لم يكن، وحرمت بيع أمهات الاولاد.
وقلت برأيي في الدين.
وبرئت من شيعة المؤمنين وكنت تبعا لهوى أهل الشام، ومع غوغاء القائد بالنهروان، واتبعت خطأ أبي موسى، وأدخلت في القرآن ما لم يثبته ابن مسعود، وشاركت ابن ملجم في صداق قطام.
وبرئت من محبة همدان، ولم أقل باشتراط العصمة في الامام.
ودخلت مع أهل النصب في الظلام.
وأما الزيدية: فهم أقرب القوم إلى القصد الامم.
وقولهم: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما: أئمة عدل، وأن ولايتهما كانت لما اقتضته المصلحة، مع أن عليا رضي الله عنه أفضل منهما، ويرون جواز ولاية المفضول على الفاضل في بعض الاحيان، لما تقتضيه المصلحة أو لخوف الفتنة.
ولهذه الطائفة إمام باليمن، وصنعاء داره ومقامه، وهؤلاء الطائفة لا يدينون إلا بطاعة ذلك الامام، وأمراؤهم لا يرون إلا أنهم نوابه، وكانت لهؤلاء دولة قديمة بطبرستان.
فزالت ولم يبق منها الآن إلا شرذمة قليلة.
وصورة يمين هؤلاء يمين أهل السنة، ويزاد فيه: وإلا برئت من معتقد زيد بن علي، ورأيت أن أقول في الاذان إن حي على خير العمل بدعة وخلعت طاعة الامام المعصوم الواجب الطاعة، وادعيت أن المهدي المنتظر ليس من ولد الحسن بن علي.
وقلت بتفضيل الشيخين على أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، وعلى بنيه، وطعنت في رأي ابنه الحسن على ما اقتضته المصلحة وطعنت عليه فيه.
وغير هؤلاء ممن يحتاج إلى تحليفه طائفة الدرزية.
وهي تسمى الطائفة الآمنة الخائفة.
وشأنهم شأن النصيرية في استباحة فروج المحارم، وسائر الفروج المحرمة.

وهم أشد كفرا ونفاقا منهم، وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.
وهم أبعد من كل خير.
وأقرب من كل شر.
وانتماؤهم إلى أبي محمد الدرزي.
وكان من أهل موالاة الحاكم أبي علي المنصور بن العزيز خليفة مصر.
وكانوا أولا من الاسماعيلية، ثم خرجوا عن كل ما تمحلوه، وهدموا كل ما أثلوه.
وهم يقولون برجعة الحاكم، وأن الالوهية انتهت إليه، وتديرت ناسوته، وهو يغيب ويظهر بهيئته، ويقتل أعداءه قتل إبادة، لا معاد بعده.
وهم ينكرون المعاد من حيث هو ويقولون نحو قول الطبائعية: إن الطبائع هي المولدة، والموت بفناء الحرارة الغريزية، كانطفاء السراج بفناء الزيت إلا من اعتبط.
ويقولون: دهر دائم، وعالم قائم، أرحام تدفع، وأرض تبلع.
وهذه الطائفة هم الذين زادوا في البسملة أيام الحاكم، وكتبوا بسم الحاكم الله الرحمن الرحيم.
فلما أنكر عليهم كتبوا بسم الله الحاكم الرحمن الرحيم.
فجعلوا في الاول الله صفة الحاكم وجعلوا في الثاني العكس.
ومن هؤلاء أهل كسروان، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى يرى أن قتالهم وقتال النصيرية أولى من قتال الارمن، لانهم أعداء في دار الاسلام وشر بقائهم أضر.
وصورة يمين هؤلاء: إنني والله وحق الحق الحاكم، وما أعتقده من موالاته، وما أعتقده أبو عبد الله الدرزي الحجة الواضحة، ورآه الدرزى مثل الشمس اللائحة.
وإلا قلت: إن مولاي الحاكم مات وبلى، وتفرقت أوصاله وفنى.
واعتقدت تبديل الارض والسماء وعود الرمم بعد الفناء.
وتبعت كل جاهل، وحظرت على نفسي ما أبيح لي وعملت بيدي ما فيه فساد بدني، وكفرت بالبيعة المأخوذة وجعلتها وراء ظهري منبوذة.
وأما الخوارج: فهم الفرقة المباينة للسنة والشيعة.
وهم الذين أنكروا التحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله كفروا بالذنب، وكفروا عليا ومعاوية وسائر من خالفهم ممن لا يرى رأيهم.
وهم طوائف كثيرة.
ومنهم الوهية ببلاد الغرب.
وصورة يمين هؤلاء: صورة يمين أهل السنة.
ويزاد فيها: وإلا أجزت التحكيم.
وصوبت قول الفريقين في صفين، وأطعت بالرضى حكم أهل الجور.
وقلت في كتاب الله بالتأويل، وأدخلت في الدين ما ليس فيه.
وقلت: إن إمارة بني أمية عدل وأن قضاءهم حق، وأن عمرو بن العاص أصاب، وأن أبا موسى ما أخطأ، واستبحت الاموال والفروج بغير حق، واجترحت الكبائر والصغائر، ولقيت الله مثقلا بالاوزار.
وقلت: إن ما فعله

عبد الرحمن بن ملجم كفر.
وإن قاتل خارجه آثم، وبرئت من فعلة قطام.
وخلعت طاعة الرؤوس.
وأنكرت أن تكون الخلافة إلا في قريش، وإلا فلا أرويت سيفي ورمحي من دماء المخطئين.
وصورة يمين الحكماء: إنني والله والله والله العظيم الذي لا إله إلا هو، الواحد الاحد، الفرد الصمد، الابدي السرمدي الازلي، الذي لم يزل علمه علة العلل، رب الارباب، ومدبر الكل القدير القديم، الاول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، المنزه عن أن يكون حادثا أو عرضا للحوادث، الحي المتصف بصفات البقاء والسرمدية والكمال، والمتردي برداء الكبرياء والجلال، مدبر الافلاك، ومسير الشهب ومفيض القوى على الكواكب، باث الارواح في الصور، مكون الكائنات، ومنمي الحيوان والمعدن والنبات، وإلا فلا رقت روحي إلى مكانها، ولا اتصلت نفسي بعالمها وبقيت في ظلم الجهالة، وحجب الضلالة، وفارقت نفسي غير مرتسمة بالمعارف.
ولا تكلمت بالعلم، ولا نطقت بالحكمة، وبقيت في غرر النقص.
وتنحيت في زمرة البغي، وأخذت بنصيب من الشرك، وأنكرت المعالم، وقلت بفناء الارواح، ورضيت في هذا بمقالة أهل الطبيعة، ودمت في
قيد المركبات وشواغل الحين، ولم أدرك الحقائق على ما هي عليه.
وإلا فقلت: إن الهيولي غير قابلة لتركيب الاجسام، وأنكرت المادة والصورة، وخرقت النواميس.
وقلت: إن التحسين والتقبيح إلى غير العقل، وخلدت مع النفوس الشريرة، ولم أجد سبيلا إلى النجاة.
وقلت: إن الاله ليس فاعلا بالذات، ولا عالما بالكليات، ودنت بأن النبوات متناهية، وأنها غير كسبية، وحدت عن طريق الحكماء، ونقضت تقرير القدماء.
وخالفت الفلاسفة الالهية.
ووافقت على إفساد الصور للعبث، وحيزت الرب في جهة.
وأثبت أنه جسم.
وجعلته مما يدخل تحت الحد والماهية، ورضيت بالتقليد في الالوهية.
وصورة يمين القدرية: والله والله والله العظيم ذي الامر الانف، خالق الافعال والمشيئة.
وإلا قلت: بأن العبد مكتسب، وأن الجعد بن درهم محتقب، وقلت: إن هشام بن عبد الملك أصاب داخلا لامية، وأن مروان بن محمد كان ضالا في أتباعه، وآمنت بالقدر خيره وشره.
وقلت: إن ما أصابني لم يكن ليخطئني، وما أخطأني لم يكن ليصيبني، ولم أقل: إنه إذا كان أمر قد فرغ منه.
ففيم أسدد وأقارب؟ ولم أطعن في رواة الحديث: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ولم أتأول معنى قوله تعالى: * (وإنه في أم

الكتاب لدينا لعلي حكيم) * وبرئت مما أعتقد، ولقيت الله وأنا أقول الامر غير أنف.
استدراك: اعلم أن صور الايمان المذكورة، المتعلقة بهذه الطوائف البدعية والشيعية والقدرية والخوارج، وما هو في حكمهم.
وإن كانت غير مقصودة في الباب، ولا تعلق للشهود ولا لحكام الشريعة المطهرة فيها.
وربما يقول الواقف عليها ذلك، أو إن وضعها في هذا الكتاب عبث.
فأقول: الباعث على وضعها في هذا الكتاب: هو أن الغالب على أمراء الشرق وما والاها من أطراف الممالك الاسلامية الذين يراسلون سلطان الديار المصرية، ويوالونه:
على هذا الاعتقاد.
وفي أمراء الحجاز الشريف من ينسب إلى انتحال مذهب زيد بن علي، وفي أشراف المدينة الشريفة النبوية - على الحال بها أفضل الصلاة والسلام - من في اعتقاده ما هو أسوأ حالا من اعتقاد الزيدية.
وربما جرد السلطان تجريدة، وأخرج عسكرا إلى جهة من هذه الجهات لخروج فرقة من هذه الفرق، أو طائفة من طوائف الخوارج - والعياذ بالله - على جماعة المسلمين، أو هرب عدو من أعداء السلطنة الشريفة، وانتمى إلى أحد من أمراء تلك الاطراف القائلين بهذه المذاهب.
واحتيج إلى تحليفه: أن عدو السلطنة الشريفة ليس هو عنده، ولا دخل إلى بلاده، وأنه لا يدخل إلى بلاد الممالك الاسلامية، ولا يفسد فيها، وأنه يحفظ طرفه الذي هو مقيم فيه، ولا يتعداه إلى غيره من بلاد الممالك الاسلامية.
فحينئذ يحتاج إلى قاضي العسكر لحضور هذه اليمين.
وربما تعذر حضور كاتب السر الشريف أو نائبه لغرض أو لمرض.
فيقوم قاضي العسكر مقامه في ذلك، ويكون على بصيرة من هذه الاعتقادات المقررة في هذه الصور.
فمن نسب إلى اعتقاد شئ منها: حلفه على مقتضى اعتقاده إذا كان ممن يعلم منه ذلك الاعتقاد، أو يؤثر عنه.
ويكون تحليفه على مقتضى معتقده أوقع في النفوس وأقوى في إقامة حرمة الناموس الشريف.
ولقد وقع لي ذلك في بلاد ابن قرمان مع مخدومي الذي كنت في خدمته، وهو إذ ذاك نائب حلب.
انتهى.
والله أعلم.

كتاب القضاء وما يتعلق به من الاحكام الاصل في ثبوته في الشرع: الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (يداوود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق) *
وقوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * وقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن) * وقوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض مآ أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون) *.
وأما السنة: فإن النبي (ص) حكم بين الناس، وبعث عليا إلى اليمن للقضاء بين الناس، وروي أن النبي (ص) قال: من أطاعني فقد أطاع الله.
ومن عصاني فقد عصى الله.
ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.
وجملة ذلك: أن من عصى إماما أو قاضيا، أو حاكما من الحكام فيما أمر به من الحق، أو حكم فيه بوجه الحق والعدل.
فقد عصى الله ورسوله، وتعدى حدوده.
وأما إن قضى بغير العدل، أو أمر بغير الحق: فطاعته غير لازمة، لقوله (ص): لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إلا أن يخشى أن تؤدي مخالفته إلى الهرج والفساد وسفك الدماء،

واستباحة الاموال، وهتك الحرمات.
فتجب طاعته حينئذ على كل حال.
وأما الاجماع: فإن الخلفاء الراشدين حكموا بين الناس.
وبعث أبو بكر أنس بن مالك إلى البحرين ليقضي بين الناس.
وبعث عمر أبا موسى الاشعري إلى البصرة قاضيا.
وبعث عبد الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيا.
وأما القياس: فلان الظلم من شيم النفوس، وطبع العالم.
ولهذا قال الشاعر: والظلم من شيم النفوس، فإن تجدذا عفة فلعلة لا يظلم وقد وردت أخبار تدل على ذم القضاء، وأخبار تدل على مدحه.
فأما التي تدل على ذمه: فما روي أن النبي (ص) قال: من استقضي فكأنما ذبح بغير سكين قيل لا بن عباس: وما الذبح؟ قال: نار جهنم وروت عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال:
يؤتى يوم القيامة بالقاضي العادل، فيلقى من شدة الحساب ما يود أنه لم يكن قضى بين اثنين في تمرة واحدة وقال النبي (ص) لابي ذر: إني أحب لك ما أحب لنفسي.
فلا تأمرن على اثنين، ولا تتول مال يتيم.
ولان القضاء محنة وبلية.
فمن دخل فيه فقد عرض نفسه للهلاك، لعسر التخلص منه، لقوله (ص): من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين وقال: إنكم ستختصمون على الامارة وستكون حسرة وندامة.
وقال عمر رضي الله عنه: وددت أن أنجو من هذا الامر كفافا لا علي ولا لي.
وأما الاخبار التي تدل على مدحه: فما روي أن النبي (ص) قال: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران.
وإن أخطأ فله أجر.

وروى ابن مسعود: أن النبي (ص) قال: لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته بالحق، ورجل آتاه الله حكمة.
فهو يقضي بها ويعلمها.
وتأويل ذلك: أن الاخبار التي تدل على ذمه محمولة على من علم من نفسه أنه لا يستطيع أن يقوم بالقضاء، إما لجهله، أو لقلة أمانته.
والاخبار التي تدل على مدحه: محمولة على من علم من نفسه القدرة على القيام بالقضاء لعلمه وأمانته.
والدليل على صحة هذا التأويل: ما روي أن النبي (ص) قال: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة.
واثنان في النار.
فأما الذي في الجنة: فرجل علم الحق وقضى به.
فهو في الجنة.
ورجل عرف الحق فجار في حكمه.
فهو في النار.
ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: من طلب القضاء حتى يناله.
فإن غلب عدله جوره: فهو في الجنة، وإن غلب جوره عدله: فهو في النار وروى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: إذا جلس القاضي بعث الله إليه ملكين يسددانه.
فإن عدل أقاما.
وإن جار عرجا وتركاه وعن عبد الله ابن عمر عن النبي (ص)
قال: ما من حاكم يحكم بين الناس إلا يبعث يوم القيامة وملك آخذ بقفاه، حتى يستوقفه على شفير جهنم، حتى يلتفت إليه مغضبا.
فإن قال: ألقه، ألقاه في الهوي أربعين خريفا وفي رواية سبعين خريفا وفي حديث أم سلمة قال: إنما أنا بشر.
وأنكم تختصمون إلي.
فلعل بعضكم أن يكون، ألحن بحجته من أخيه، فأقضي له على نحو ما

أسمع من كلامه.
فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار وقال رسول الله (ص) لمعاذ بن جبل - حين بعثه إلى اليمن - كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله.
قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله (ص).
قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله (ص)؟ قال: أجتهد رأيي، ولا آلو.
قال: فضرب النبي (ص) في صدره.
وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (ص) لما يرضى رسول الله (ص).
والقضاء: فرض كفاية.
فإن قام به من يصلح، سقط الفرض عن الباقين، وإن امتنع الجميع أثموا.
والصحيح: أن الامام يجبر أحدهم.
وشرط القاضي: إسلام وتكليف، وحرية، وذكورة، وعدالة، وسمع، وبصر - على الصحيح - ونطق وكفاية، واجتهاد.
وهو أن يعرف من القرآن والسنة ما يتعلق بالاحكام، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمجمل والناسخ والمنسوخ، ومتواتر السنة والآحاد، والمرسل والمتصل، وحال الرواة جرحا وتعديلا.
ولسان العرب لغة ونحوا، وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم إجماعا واختلافا.
والقياس وأنواعه، وأن يكون عارفا بأصول الاعتقاد.
ولا يشترط الكتابة في الاصح، ولا التبحر في هذه العلوم، ولا حفظ القرآن.
وفيه نزاع.
فإن تعذرت هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقا نفذ قضاؤه للضرورة.
ويندب للامام أن يأذن للقاضي في الاستخلاف.
فإن نهاه لم يستخلف.
فإن كان ما فوضه
إليه لا يمكنه القيام به.
فقيل: هذا النهي كالعدم.
وشرط المستخلف كالقاضي، إلا أن يستخلفه في أمر خاص.
فيكفي علمه بما يتعلق به.
ويجوز للامام أن يولي قاضيا في البلد الذي هو فيه.
لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي (ص).
فقال النبي (ص) لعمرو بن العاص: اقض بينهما.
فقال: أقضي بينهما

وأنت حاضر؟ فقال: اقض بينهما فإن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر وفي رواية إن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة واحدة.
فإن كان الامام ببلد واحتاج أهل بلد آخر إلى قاض وجب على الامام أن يبعث إليهم قاضيا.
لان النبي (ص) بعث عليا ومعاذا إلى اليمن قضاة.
ولانه يشق عليهم قصد بلد الامام لخصوماتهم.
فإن كان الامام يعرف أهل الاجتهاد والعدالة، بعث قاضيا منهم، وإن كان لا يعرفهم جمع أهل المذاهب في مجلسه وسألهم أن يتناظروا بين يديه.
فإذا علم المجتهد منهم بحث عن عدالته.
فإذا ثبتت عدالته ولاه القضاء، وبعثه إليهم.
فإن ولاه مع جهله به لم تنعقد ولايته وإن عرف أهليته بعد.
وإذا جن قاض، أو أغمي عليه، أو عمي، أو خرس، أو ذهبت أهلية اجتهاده وضبطه، لغفلة أو نسيان: لم ينفذ حكمه.
وإن فسق فكذا في الاصح، فإن زالت هذه الاسباب لم تعد ولايته.
باب أدب القاضي ومن أدبه خمسة عشر أدبا: الاول: إذا قصد عمله أرسل رسولا أو كتابا يعلمهم بذلك، ليصيروا على أهبة له.
الثاني: إذا وصل إلى عمله أن ينزل في وسط البلد، ليهون على أهله المجئ إليه.
وفيه تسوية بينهم، ويدخل يوم الاثنين.
فإن تعذر فالخميس، وإلا فالسبت.
ويسأل عن
علماء بلده وعدولهم.
الثالث: أن لا يتخذ بوابا.
الرابع: أن لا يتخذ حاجبا.
الخامس: الخامس: أن يرتب مزكين.
السادس: أن يتخذ عاقلا أمينا، عارفا بالصناعة، جيد الخط، حسن الضبط بعيدا عن الطمع.
والفقيه أشد استحبابا.

السابع: يكره الجلوس في المسجد لفصل القضاء، لكثرة من يغشاه من الخصوم، ولما يجري بينهم من الالفاظ التي يصان المسجد عنها.
الثامن: أن يحضر العلماء مجلسه.
التاسع: أن يخرج وعليه السكينة والوقار، ويدعو بدعاء رسول الله (ص): اللهم إني أعوذ بك أن أذل أو أذل، أو أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي وأن يجلس مستقبل القبلة من غير استكبار.
ويتثبت في أموره كلها.
ولا يطمح ببصره إلى أحد الخصمين.
ويقول لهما معا: تكلما، أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما.
العاشر: أن يتفقد أحوال نفسه، من جوع وعطش وغضب، بل يجلس، وهو ساكن الحواس من الامور التي تفسد باطنه وظاهره.
الحادي عشر: أن يرتب عدول بلده على طبقاتهم.
ولا يقبل الجرح والتعديل والترجمة إلا من شاهدين عدلين.
وإن ارتاب في الشهود سألهم متفرقين.
ولا يقبل في التعديل إلا قول المعدل: هو عدل لي وعلي.
الثاني عشر: يكره له البيع والشراء بنفسه أو بوكيل خصوصي.
ولا يمتنع من شهود الجنائز، وعيادة المرضى، والسلام على الغائب عند مقدمه، ويحضر الولائم كلها، أو يمتنع منها كلها.
الثالث عشر: يحرم عليه قبول هدية من الخصمين.
أو من أحدهما.
قالت الحنفية: ولا يحل للقاضي قبول الهدية إلا من ذي رحم محرم منه، أو ممن جرت عادته قبل القضاء بمهاداته بشرطين.
أحدهما: أن لا يكون بينه وبين أحد خصومة وقت الهدية.
والثاني: أن لا يزيد المهدي في هديته على ما هو المعتاد قبل القضاء.
فإن زاد رد الزيادة.
قالوا: ولا يحل للقاضي أن يستعير شيئا، أو يستقرض ممن لم يكن قبل القضاء يستعير منه أو يستقرضه.
ومن تقلد القضاء برشوة أعطاها لا يصير قاضيا.
ويرحم عليه إعطاء الرشوة.
ويحرم على السلطان أخذها.

الرابع عشر: أو ما ينظر في أمر المحبسين والايتام، والاوصياء، والامناء، واللقطاء، والقوام، والاوقاف، وما يتعلق بذلك.
الخامس عشر: أن لا يتعقب حكم من قبله بنقض.
بل يطلب ما كان بيد القاضي المعزول.
فإن بان له خطأ فلا يشهره، بل يوقفه عليه ويسأله عنه ولا يبينه لغيره.
فرع: والشهادة على مراتب: الاولى، منها: ما يثبت بشهادة أربعة من الرجال العدول.
وهو الزنا واللواط.
الثانية: ما لا يثبت إلا بشهادة عدلين ذكرين.
وهي العقوبة، كحد الشرب والسرقة، وقطع الطريق، والقتل بالردة، والقصاص في النفس أو الطرف، وحد القذف والتعزير، والاقرار بهذه الاشياء كلها، أو ما لا يطلع عليه غالبا إلا الرجال، كالنكاح وفسخه، والطلاق والرجعة، والعتق والاسلام والردة، والبلوغ والايلاء، والظهار واللعان، والاعسار، والموت والولاء، وانقضاء العدة، والجرح والتعديل، والعفو عن القصاص واستيفائه، واستيفاء الحدود، والاحصان، والكفالة بالبدن.
والشهادة بهلال غير رمضان،
والشهادة على الشهادة، والقضاء، والولاية، والتدبير، والاستيلاد والكتابة، والنسب والوديعة، والقراض والشركة والوكالة، والوصاية وإن كانت في المال.
والخلع من جانب المرأة، والعيب في وجه الحرة وكفيها، والاقرار بهذه الاشياء كلها.
والثالثة: ما يثبت برجلين، وبرجل وامرأتين، وبأربع نسوة.
وهو ما يطلع عليه الرجال، ويختص بمعرفته النساء غالبا، وهو الولادة، والبكارة والثيوبة، والرتق، والقرن، والحيض والرضاع، واستهلال الولد، وعيب المرأة من البرص وغيره مما تحت الازار، والجراحة على فرجها، والعيب في فرج الامة وما يبدو منها عند المهنة.
الرابعة: ما لا يثبت إلا برجلين، أو برجل وامرأتين، أو برجل ويمين.
ولا يثبت بالنساء منفردات.
وهو البيع، والاقالة، والرد بالعيب، والسلم، والرهن، والحوالة، والضمان، والصلح، والابراء، والقرض، والعارية، والاجارة، والشفعة، والهبة، والمسابقة وحصول السبق، والغصب، والاتلاف، والوصية بالمال، والمهر في النكاح، ووطئ الشبهة، والسراية الموجبة للمال، وضمان المتلفات.
وقتل الحر للعبد، والوالد الولد، والسرقة التي لا قطع فيها.
وكذا حقوق الاموال والعقود.
كالخيار، وشرط الرهن، والاجل، وقبض الاموال - وإن كان النجم الاخير - وطاعة الزوجة لاستحقاق النفقة.
وقتل الكافر لاستحقاق السلب، وأزمان الصيد للتملك، وعجز المكاتب عن

النجوم.
والاقرار بهذه الاشياء كلها.
ذكره الاردبيلي في كتاب الانوار.
فصل: وأما كتاب القاضي إلى القاضي: قال الشافعي رضي الله عنه: ولا يقبل كتاب قاض إلى قاض إلا بشهادة عدلين.
ومعنى ذلك لاثبات الحق.
لان الكتاب إذا كان مطلقا لم يحكم به.
لانه إن حكم به فقد حكم بغير حق.
وذلك أنه يدخله الشك، ولا يعلم هل هو منه أو من غيره، أو مزور عليه؟ وذكر الشافعي رضي الله عنه في كتاب الاقرار من الام: فإذا أشهد القاضي شاهدين
على كتابه إلى قاض آخر.
فيقرؤه عليهما، ويقول لهما: اشهدا علي أني قد كتبت هذا الكتاب إلى فلان ابن فلان - ويذكره باسمه وأبيه وجده - وإن مد في نسبه كان حسنا.
ويذكر عدد الحروف، وعدد السطور، كيلا يدخل فيه زيادة ولا نقصان.
فإذا جاء الشاهدان إلى القاضي المكتوب إليه.
فإنهما يقولان: هذا كتاب فلان ابن فلان القاضي إليك بكذا وكذا.
ويذكران المراد المكتوب إليه فيه.
والمطلوب من جهته، ويذكران اسمه واسم أبيه ونسبه، ويذكران حليته وصفته، لئلا يشاركه فيه غيره.
فيدعي أني لست المخاطب فيه، ولا الكتاب من جهتي، ويذكران كنيته.
ويقول الشاهدان: قرأ فلان القاضي هذا الكتاب علينا.
وإن علما أنه كتبه بحضرتهما ذكراه، وأشهدنا على نفسه بأن هذا الكتاب منه إليك.
فإن كان معهما الكتاب سلماه إليه.
وإن كان مع الغير فلا يشهدان به إلا ما ذكرت.
باب القضاء على الغائب وهو جائز.
فإذا ادعى رجل على غائب عن مجلس الحكم بحق.
فإن لم يكن مع المدعي بينة بما ادعاه لم يسمع الحاكم دعواه.
لانه لا فائدة في سماعها.
وإن كان معه بينة بما ادعاه، نظر في المدعى عليه.
فإن كان غائبا عن البلد وجب على الحاكم أن يسمع الدعوى عليه والبينة.
وكذلك لو كان المدعى عليه حاضرا في البلد مستترا، أو متعززا، أو متواريا، لا يصل المدعي إليه.
فإنه يجب على الحاكم أن يسمع الدعوى والبينة عليه.
وكذلك لو حضر المدعى عليه مجلس الحكم.
فلما ادعى عليه أنكر.
فلما أراد المدعي إقامة البينة عليه قام المدعى عليه وهرب.
فإن الحاكم يسمع البينة عليه.
وإذا كان المدعي حاضرا في البلد غائبا عن مجلس الحكم غير ممتنع من الحضور، فلا يجوز سماع الدعوى عليه والبينة من غير حضوره.
وهو المذهب.
وحد الغيبة: أقلها مسافة القصر.

وكل موضع يجوز فيه القضاء على الغائب: فإن الحاكم إذا سمع الدعوى فيه، وشهدت البينة عنده بالحق المدعى به، وعرف عدالتها، وسأله المدعي: أن يحكم له بذلك: فلا يجوز له أن يحكم له بذلك، حتى يحلف المدعي على استحقاق ذلك في ذمة الغائب، وأنه ثابت عليه إلى الآن ما قبضه ولا شيئا منه، ولا أبرأه من ذلك، ولا من شئ منه، ولا أحال به، ولا احتال به ولا بشئ منه، ولا قبض بأمره، ولا شئ منه، ولا تعوض عن ذلك ولا شئ منه، بنفسه ولا بوكيله في الحالات كلها.
ولا سقط ذلك عن ذمته بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الاسباب ولا شئ منه إلى الآن، وأنه يستحق قبض ذلك منه حال حلفه، وأن من شهد له بذلك صادق في شهادته.
وهذه اليمين واجبة.
لان الحاكم مأمور بالاحتياط في حق الغائب.
ومن الاحتياط أن يحلف له المدعي.
وإن ادعى رجل على ميت حقا وأقام عليه البينة سمعت.
فإن كان له وارث معين عليه وجب على الحاكم إحلاف المدعى عليه إن ادعى قضاء أو إبراء.
وإن لم يكن له وارث معين وجب على الحاكم أن يحلف المدعي مع بينته.
لان الوارث غير معين.
فقام الحاكم مقامه.
وإن كانت الدعوى على صبي أو مجنون - وكان للمدعي بينة - وجب على الحاكم سماعها.
والحكم بها بعد يمين المدعي.
فإن الجواب متعذر من جهتهما.
فجاز القضاء عليهما بالبينة مع اليمين كالغائب.
ويبقى القاضي الحجة في الحكم على الغائب والصبي والمجنون.
فإذا حضر الغائب، وبلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأقام البينة على جرح الشهود عند الشهادة، أو الابراء أو القضاء: نقض الحكم.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: لا يجوز أن يولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد.
كالجاهل بطرق الاحكام عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يجوز ولاية من ليس بمجتهد.
واختلف
أصحابه.
فمنهم من شرط الاجتهاد.
ومنهم من أجاز ولاية العامي.
وقالوا: يقلد ويحكم.
وقال ابن هبيرة - في الافصاح - والصحيح من هذه المسألة: أن من شرط الاجتهاد، إنما عنى به ما كان الحال عليه قبل استقرار هذه المذاهب الاربعة التي أجمعت

الامة على أن كل واحد منها يجوز العمل به.
لانه مستند إلى سنة رسول الله (ص).
فالقاضي الآن - وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، ولا سعى في طلب الاحاديث، وانتقاد طرقها - لكن عرف من لغة الناطق بالشريعة (ص) ما لا يعوزه معه ما يحتاج إليه فيه.
وغير ذلك من شروط الاجتهاد.
فإن ذلك مما قد فرغ له منه، ودأب له فيه سواه.
وانتهى الامر من هؤلاء الائمة المجتهدين إلى تقرير ما أراحوا به من بعدهم.
وانحصر الحق في أقاويلهم.
وتدونت العلوم، وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق الجلي، وإنما على القاضي في أقضيته: العمل بما يأخذه عنهم، أو عن الواحد منهم.
فإنه في معنى من كان اجتهاده إلى قول قاله.
وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم، متوخيا مواطن الاتفاق ما أمكنه، كان آخذا بالحزم، عاملا بالاولى.
وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف: أن يتوخى ما عليه الاكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد.
فإنه أخذ بالحزم مع جواز عمله بقول الواحد، إلا أنه يكره له أن يكون من حيث إنه قرأ مذهب واحد منهم، أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم.
أو كان أبوه أو شيخه على مذهب واحد منهم.
فقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب.
حتى إنه إذا حضر عنده خصمان، وكان ما تشاجرا فيه مما يفتي الفقهاء الثلاثة بجوازه - نحو التوكيل بغير رضى الخصم - وكان الحاكم حنفيا، وعلم أن مالكا والشافعي وأحمد اتفقوا على جواز هذا التوكيل.
وأن أبا حنيفة منعه.
فعدل عما اجتمع عليه هؤلاء الائمة الثلاثة إلى ما ذهب أبو حنيفة إليه بمفرده من غير أن يثبت عنده بالدليل ما قاله، ولا أداه إليه الاجتهاد.
فإني أخاف على
هذا من الله عزوجل بأنه اتبع في ذلك هواه.
وأنه ليس من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وكذلك إذا كان القاضي مالكيا، فاختصم إليه اثنان في سؤر الكلب فقضى بطهارته، مع علمه بأن الفقهاء كلهم قضوا بنجاسته.
وكذلك إن كان القاضي شافعيا.
فاختصم إليه اثنان في متروك التسمية عمدا.
فقال أحدهما: هذا منعني من بيع شاة مذكاة.
وقال الآخر: إنما منعته من بيع الميتة.
فقضى عليه بمذهبه.
وهو يعلم أن الائمة الثلاثة على خلافه.
وكذلك إذا كان القاضي حنبليا.
فاختصم إليه اثنان.
فقال أحدهما: لي عليه مال.
وقال الآخر: كان له علي مال وقضيته.
فقضى عليه بالبراءة.
وقد علم أن الائمة الثلاثة على خلافه.
فهذا وأمثاله مما يرجع إلى الاكثرين فيه عندي أقرب إلى الاخلاص.
وأرجح في العمل.
ومقتضى هذا: أن ولايات الحكام في وقتنا هذا صحيحة، وأنهم قد سدوا ثغرا من ثغور الاسلام سده فرض كفاية.
ولو أهملت هذا القول ولم أذكره، ومشيت على الطريق التي يمشي عليها الفقهاء في كتاب صنفوه، أو كلام قالوه:

أنه لا يصلح أن يكون قاضيا إلا من يكون من أهل الاجتهاد، ثم يذكرون من شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام.
فهذا كالاحالة والتناقض، لا سيما إن قلنا: قال ابن داود: شرط الشافعي رضي الله عنه في القاضي والمفتي شرائط لا توجد إلا في الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
أو قلنا: إن من أصحابه من قال: شرط الشافعي في الحاكم والمفتي شروطا تمنع أن يكون أحدا بعده حاكما أو مفتيا.
ففي ذلك تعطيل للاحكام وسد لباب الحكم.
وهذا غير مسلم، بل الصحيح في المسألة: أن ولاية الحكام - وإن اختلفت أقوال العلماء في شروطهم - جائزة.
وأن حكوماتهم صحيحة نافذة.
والله أعلم.
فصل: المرأة هل يصح أن تلي القضاء؟ قال مالك والشافعي وأحمد: لا يصح.
وقال أبو حنيفة: يصح أن تكون قاضية في كل شئ تقبل فيه شهادة النساء.
وعنده: أن
شهادة النساء تقبل في كل شئ، إلا في الحدود والجراح.
فهي عنده تقضي في كل شئ، إلا في الحدود والجراح.
وقال ابن جرير الطبري: يصح أن تكون قاضية في كل شئ.
وقال علي: لا يجوز أن يكون القاضي عبدا.
فصل: وهل القضاء من فروض الكفايات؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: نعم.
ويجب على من تعين عليه الدخول فيه.
وإن لم يوجد غيره.
وقال أحمد في أظهر روايتيه: ليس هو من فروض الكفايات، ولا يتعين الدخول فيه وإن لم يوجد غيره.
ولو أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا بالاتفاق.
وهل يكره القضاء في المسجد أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يكره.
وقال مالك: بل هو السنة.
وقال الشافعي: يكره، إلا أن يدخل المسجد للصلاة، فتحدث حكومة يحكم فيها.
فصل: ولا يقضي القاضي بغير علمه بالاجماع.
وهل يجوز له أن يقضي بعلمه أم لا؟ قال أبو حنيفة: ما شاهده الحاكم من الافعال الموجبة للحدود قبل القضاء وبعده لا يحكم فيها بعلمه.
وما علمه من حقوق الناس حكم فيها بما علمه قبل القضاء وبعده.
وقال مالك وأحمد: لا يقضي بعلمه أصلا.
وسواء في ذلك حقوق الله عزوجل وحقوق الآدميين.
والصحيح من مذهب الشافعي: يقضي بعلمه، إلا في حدود الله.
وهل يكره للقاضي البيع والشراء بنفسه أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يكره ذلك.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يكره.
وطريقه: أن يوكل.

وإذا كان القاضي لا يعرف لسان الخصم، لاختلاف لغتهما.
فلا بد للقاضي ممن يترجم عن الخصم.
واختلفوا في عدد من يقبل في ذلك.
وكذلك في التعريف بمن لا يعرف، وتأدية رسالته، والجرح والتعديل.
فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه: تقبل شهادة الرجل الواحد في ذلك كله، بل قال أبو حنيفة: يجوز أن يكون امرأة.
وقال
الشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: لا يقبل أقل من رجلين.
وقال مالك: لا بد من اثنين.
فإن كان التخاصم في إقرار بمال قبل فيه عنده رجل وامرأتان.
وإن كان يتعلق بأحكام الابدان لم يقبل إلا رجلان.
فصل: وإذا عزل القاضي نفسه: فهل ينعزل أم لا؟ نقل المحققون من أصحاب الشافعي: أن القاضي كيف عزل نفسه انعزل، إن لم يتعين عليه، وإن تعين عليه لم ينعزل في أظهر الوجهين.
وقال الماوردي: إن عزل نفسه لعذر جاز.
أو لغيره لم يجز.
ولكن لا يجوز أن يعزل نفسه إلا بعد إعلام الامام واستعفائه.
لانه موكول بعمل يحرم عليه إضاعته.
وعلى الامام أن يعفيه إذا وجد غيره.
فيتم عزله باستعفائه وإعفائه، ولا يتم بأحدهما.
ولا يكون قوله: عزلت نفسي عزلا.
لان العزل يكون من المولي.
وهو لا يولي نفسه.
فلا يعزلها.
وقال الاصحاب: لو فسق القاضي، ثم تاب وحسن حاله، فهل يعود قاضيا من غير تجديد ولاية؟ وجهان.
أصحهما: لا يعود بخلاف الجنون والاغماء، إذ لا يصح فيهما العود.
وقال الهروي في الاشراف: لو فسق القاضي وانعزل.
ثم تاب صار واليا.
نص عليه - يعني الشافعي - لان ذلك يسد باب الاحكام.
فإن الانسان لا ينفك غالبا من أمور يعصي بها، فيفتقر إلى مطالعة الامام.
فجوز للحاجة.
وقال القاضي: إن حدث الفسق في القاضي وأخر التوبة: انعزل.
وإن عجل الاقلاع بتوبة وندم: لم ينعزل لانتفاء العصمة عنه.
ولان: هفوات ذوي الهيئات مقالة قل من يسلم إلا من عظم واختلفوا في سماع من لا تعرف عدالته الباطنة.
قال أبو حنيفة: يسأل الحاكم عن باطن العدالة في الحدود والقصاص قولا واحدا.
وفيما عدا ذلك لا يسأل إلا أن يطعن الخصم في الشاهد.
فمتى طعن سأل، ومتى لم يطعن لم يسأل.
وتسمع الشهادة.
ويكتفي بعدالتهم في ظاهر أحوالهم.
وقال مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: لا
يكتفي الحاكم بظاهر العدالة، حتى يعرف العدالة الباطنة، سواء طعن الخصم أو لم

يطعن، وسواء كانت الشهادة في حد أو في غيره.
وعن أحمد رواية أقوى، اختارها بعض أصحابه: أن الحاكم يكتفي بظاهر الاسلام.
ولا يسأل على الاطلاق.
وهل يقبل الدعوى بالجرح المطلق في العدالة أم لا؟ قال أبو حنيفة: يقبل.
وقال الشافعي وأحمد، في أشهر روايتيه: لا يقبل حتى يعين سببه.
وقال مالك: إن كان الجارح عالما بما يوجب الجرح مبرزا، قبل جرحه مطلقا.
وإن كان غير متصف بهذه الصفة، لم يقبل إلا بتبيين السبب.
وهل يقبل جرح النساء وتعديلهن؟ قال أبو حنيفة: يقبل.
وقال مالك والشافعي وأحمد، في أشهر روايتيه: لا مدخل لهن في ذلك.
وإذا قال: فلان عدل رضي قال أبو حنيفة وأحمد: يكفي ذلك.
وقال الشافعي: لا يكفي، حتى يقول: هو عدل رضي لي وعلي.
وقال مالك: إن كان المزكي عالما بأسباب العدالة قبل قوله في تزكيته عدل رضي ولم يفتقر إلى قوله لي وعلي.
فصل: واتفقوا على أن كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والخلع غير مقبول إلا مالكا.
فإنه يقبل عنده كتاب القاضي في ذلك كله.
واتفقوا على أن الكتاب في الحقوق المالية جائز مقبول.
واختلفوا في صفة تأديته التي يقبل معها.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يقبل حتى يشهد اثنان: أنه كتاب القاضي فلان إلى القاضي فلان قرأه علينا، أو قرئ عليه بحضرتنا.
وعن مالك في ذلك روايتان.
إحداهما: كقول الجماعة.
والاخرى: يكفي قولهما: هذا كتاب القاضي فلان المشهور عنده.
وهو قول أبي يوسف.
ولو تكاتب القاضيان في بلد واحد.
فقد اختلف أصحاب أبي حنيفة.
فقال الطحاوي: يقبل ذلك.
وقال البيهقي: ما حكاه الطحاوي مذهب أبي يوسف.
ومذهب
أبي حنيفة: أنه لا يقبل.
ويحتاج إلى إعادة البينة عند الآخر بالحق، وإنما يقبل ذلك في البلدان النائية.
فصل: وإذا حكم رجلان رجلا من أهل الاجتهاد في شئ، وقال: رضينا بحكمك فاحكم بيننا.
فهل يلزمهما حكمه، ولا يعتبر رضاهما بذلك.
ولا يجوز لحاكم البلد نقضه، وإن خالف رأيه رأي غيره؟ قال أبو حنيفة: يلزمهما حكمه.
إن وافق حكمه رأي قاضي البلد نفذ، ويمضيه قاضي البلد إذا رفع إليه، وإن لم يوافق رأي حاكم البلد فله أن

يبطله.
وإن كان فيه خلاف بين الائمة.
وللشافعي قولان.
أحدهما: يلزمه حكمه.
والثاني: لا يلزم إلا بتراضيهما، بل يكون ذلك كالفتوى منه.
وهذا الخلاف في مسألة التحكيم إنما يعود إلى الحكم في الاموال.
فأما النكاح واللعان والقذف والقصاص والحدود: فلا يجوز التحكيم فيها إجماعا.
فصل: ولا يقضي على غائب إلا أن يحضر من يقوم مقامه، كوكيل أو وصي، عند أبي حنيفة.
وعند الثلاثة.
يقضي عليه مطلقا.
وإذا قضى لانسان بحق على غائب، أو صبي أو مجنون.
فهل يحتاج إلى تحليفه؟ للشافعي وجهان.
أصحهما: نعم.
وقال أحمد: لا يحتاج إلى إحلافه.
ولو نسي الحاكم ما حكم به فشهد عنده شاهدان أنه حكم بذلك.
قال مالك وأحمد: تقبل شهادتهما.
ويحكم بها.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل شهادتهما، ولا يرجع إلى قولهما حتى يذكر أنه حكم به.
فصل: لو قال القاضي في حال ولايته: قضيت على هذا الرجل بحق أو بحد.
قال أبو حنيفة وأحمد: يقبل منه ويستوفى الحق والجد.
وقال مالك: لا يقبل قوله حتى يشهد معه عدلان أو عدل.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: كمذهب أبي حنيفة.
وهو الاصح.
والثاني: كمذهب مالك.
ولو قال بعد عزله: قضيت بكذا في حال ولايتي.
قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يقبل منه.
وقال أحمد: يقبل منه.
فصل: حكم الحاكم لا يخرج الامر عما هو عليه في الباطن.
وإنما ينفذ حكمه في الظاهر.
فإذا ادعى مدع على رجل حقا، وأقام شاهدان بذلك.
فحكم الحاكم بشهادتهما.
فإن كانا قد شهدا بحق وصدق.
فقد حل ذلك الشئ المشهود به للمشهود له ظاهرا وباطنا.
وإن كانا قد شهدا بزور.
فقد ثبت ذلك الشئ للمشهود له ظاهرا بالحكم.
وأما في الباطن، فيما بينه وبين الله عزوجل: فهل هو على ملك المشهود عليه كما كان، سواء كان ذلك في الفروج أو في الاموال؟ هذا قول مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: حكم الحاكم إذا كان عقدا أو فسخا يحيل الامر على ما هو عليه، وينفذ الحكم به ظاهرا وباطنا.
واتفقوا على أن الحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بان له اجتهاد يخالفه.
فإنه لا ينقض

الاول.
وكذا إذا وقع حكم غيره فلم يره.
فإنه لا ينقضه.
فروع: أوصى إليه ولم يعلم بالوصية.
فهو وصي، بخلاف الوكيل بالاتفاق.
وتثبت الوكالة بخير واحد عند أبي حنيفة.
ولا يثبت عزل الوكيل إلا بعدل أو مستورين.
وعند الثلاثة: يشترط فيهما العدلان.
قال: ولو قال قاض عزل لرجل: حكمت عليك لفلان بألف ثم أخذها ظلما.
فالقول قول القاضي بالاتفاق.
وكذا لو قال: قطعت يدك بحق، فقال: بل ظلما.
انتهى.
المصطلح: وهو نوعان: النوع الاول: في معرفة ما يحتاج إليه القاضي.
وما يستحب له فعله، وما يتعين عليه إتقان وضعه، ومعرفة كيفيته، مما هو متعلق بوظيفة القضاء، من رسم الكتابة التي يكتبها القاضي: من العلامة وموضعها، إلى الرقم وموضعه، وكيفية ما يكتب لكل واحد
على اختلاف المراتب.
وكيفية وضع التوقيع على الهامش وبيان التاريخ، وكيفية وضع الحسبلة وموضعها، وما يكتب على المحاضر، وصورة المجالس وأوراق الاعتقالات، وقصص الاستدعاء والتقارير والفروض.
وغير ذلك مما ينبغي الاعتناء به، وكثرة التأمل له، وإتقانه إتقانا جيدا لا يحتاج معه إلى تردد في حالة من الحالات.
النوع الثاني: فيما يتعلق بوظيفة القضاء من التواقيع والتسجيلات، وتفويض الانظار والتداريس.
والنظر على الاوقاف الجارية تحت نظر الحكم العزيز ونصب الامناء والقوام على الايتام الداخلين تحت حجر الشرع الشريف، وغير ذلك من التعلقات التي هي منوطة بحكام الشريعة المطهرة.
ويشتمل هذا النوع على صور سيأتي بيانها.
أما النوع الاول، فأول ما يذكر فيه: موضع العلامة.
وهو نوعان.
أحدهما: ما هو مصطلح المصريين.
والثاني: ما هو مصطلح الشاميين.
فأما مصطلح المصريين: فهو أن القاضي إذا حكم بحكم، أو ثبت عنده شئ في مضمون كتاب من الكتب.
فذلك الكتاب لا يخلو: إما أن يكون الحاكم الذي يكتب علامته فيه هو الحاكم في أصله بعد سماع الدعوى فيه وسماع البينة واستيفاء الشرائط الشرعية أولا.
فإن كان هو، فالقاضي يكتب علامته في باطن هذا المكتوب عن يسار البسملة.
وإن كان الحكم في ظاهر المكتوب كتب العلامة في ظاهره عن يسار البسملة،

ويكتب في الموضع الذي يخليه الكاتب في وسط السطور بعد الترجمة: التاريخ بخطه.
ويكتب في آخره الحسبلة بخطه.
ويشهد عليه في آخر هذا الاسجال.
وأما في اصطلاح الشاميين، وهم الذين يكتبون إشهادا على القاضي بالثبوت والحكم والتنفيذ: فإن القاضي يكتب علامته في باطن المكتوب عن يسار البسملة ثم يكتب في هامشه بخطه ما يشهد عليه من الثبوت والحاكم والتنفيذ، ثم يرقم للشهود،
ويكتب الكاتب الاشهاد عليه في ظاهر المكتوب، مجردا عن علامة وغيرها.
ولا بد للقاضي من علامة يعرف بها من بين الحكام.
وإذا اختار علامة لا يغيرها.
فهو الاولى، إلا أن يكون نائبا فيرتقي أصلا، أو ينتقل من بلد إلى بلد فيكون للتغيير موجب، ولا يلتبس على الناس.
فأما إذا كان نائبا فمدة نيابته لا يغير علامته.
وكذا إذا كان أصلا ولم ينتقل فلا يغير علامته.
وصورة العلامة: الحمد لله على نعمه، الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله على كل حال.
الحمد لله اللطيف في قضائه، الحمد لله الهادي للحق، الحمد لله الحكم العدل، الحمد لله ناصر الحق.
أو أحمد الله كثيرا، أو أحمد الله بجميع محامده، أو الحمد الله الغني القوي.
وهذه كانت علامة شيخنا شيخ الاسلام قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر.
رحمه الله تعالى.
وتكون العلامة في المحل المذكور من الرحيم إلى آخر المكتوب بالقلم الغليظ.
واعلم أن العلامة لا تكتب إلا بعد تأدية شهادة الشهود عند القاضي في المكتوب.
فإذا تكمل أداؤهم، أو أداء من يستغني به الحاكم منهم، من اثنين فصاعدا: رقم لهم.
ولا يعلم قبل الاداء.
وهو بالخيار بعد الاداء، إن شاء علم ثم رقم للشهود وإن شاء رقم لهم ثم علم.
فإذا فرغ من العلامة انتقل إلى التوقيع على المكتوب، وموضعه تحت باء البسملة على جنب المكتوب على رأس أول سطر منه.
فإن كان التوقيع على طريقة المصريين كتب ليسجل خاصة وكاتب الحكم يتصرف في ألفاظ التسجيل، ويأتي بالثبوت والحكم، أو بالتنفيذ على مقتضى القاعدة المطلوبة في تلك الواقعة.
ويخلي موضعا للتاريخ.
ويخلي للحسبلة كما تقدم.
وإن كان في القضية خلاف نبه عليه في إسجاله.
وإن شاء القاضي كتب: ليسجل بثبوته أو: ليسجل بثبوته والحكم بموجبه أو: ليسجل بثبوته وتنفيذه أو: ليسجل بثبوته والحكم به أو: ليسجل بثبوت ما قامت به البينة فيه والحكم به.
وإذا كان التوقيع على طريقة الشاميين: كتب القاضي على الهامش

من ابتداء أول سطر من سطور المكتوب ما صورته: ليشهد بثبوته والحكم بموجبه ويذكر في خطه جميع ما يشهد به عليه أصلا وفصلا.
وإن كان في المسألة خلاف.
فيقول: مع العلم بالخلاف، وبالله المستعان والاسجال أقوى من الاشهاد.
وسيأتي بيان معرفة الاسجال والاشهاد في موضعه.
واعلم أن التوقيع على المكاتيب الشرعية مرتب على مقتضيات ما شرح فيها وعلى ما شهد به فيهما مما يسوغه الشرع الشريف المطهر.
وكل مكتوب يوقع فيه على هامشه بحسب ما شهد فيه.
وذلك كله دائر بين ثبوت وحكم بالموجب، أو ثبوت وحكم بالصحة، أو ثبوت وتنفيذ، أو ثبوت مجرد.
وأما ما يتعلق بمعرفة الرقم في المكاتيب الشرعية ومساطير الديون وغيرها.
فذلك متفاوت باعتبار شهادة الشهود.
فإن كانوا من المعدلين الجالسين في المراكز على رأي الشاميين، أو في الحوانيت على رأي المصريين.
فيرقم لكل واحد ممن شهد عنده: شهد عندي بذلك وإن كانوا من غير الجالسين.
فإن كان القاضي يعرف عدالتهم، فيرقم لهم على نحو ما تقدم ذكره أيضا.
وإن كان لا يعرف عدالتهم.
فيطلب التزكية من صاحب الحق.
فإذا زكوا بين يديه رقم تحت كل واحد شهد بذلك وزكى والاحوط أن يكتب المزكي تزكيته تحت خط الشاهد في المكتوب الذي أدى عند القاضي فيه.
وصورة ما يكتب المزكي: أشهد أن فلان ابن فلان، الواضع خطه أعلاه عدل رضي لي وعلي وهذا هو المتعارف في التزكية في زماننا.
وأما على مذهب الامام أبي حنيفة: لو قال: عدل فقط كان كافيا، أو قال: لا أعلم إلا خيرا من غير أن يقول: أشهد كان كافيا أيضا.
واعلم أن المزكي لا بد أن تكون عدالته معروفة عند الحاكم، بحيث يثق بقوله في التزكية.
وإن كان القاضي يعرف عدالة البعض دون البعض كتب لمن عرف عدالته.
وزكى
بين يديه: شهد عندي بذلك ويكتب للذي لم يعرف عدالته وزكى بين يديه: شهد بذلك عندي وزكى وأما الذي يكون بين هذا وذاك فيكتب له: شهد بذلك عندي والذي شهد وما زكى يكتب له: شهد فقط، ومن هو أعلى منه بقليل، كالمستور، يكتب له: شهد بذلك.
وقد يشهد في بعض المكاتيب من يكون كبيرا يصلح للقضاء، أو وزيرا معظما، أو وكيل بيت المال، أو كاتب السر، أو ناظر الجيش، أو ممن يكون في هذه الرتبة.
فإذا

شهد عند القاضي أحد من هؤلاء فيرقم له: أعلمني بذلك، أو أخبرني بذلك بلفظ الشهادة.
أسبغ الله ظلاله، أو أعاد الله علينا من بركته.
أو فسخ الله في مدته، أو نفع الله به وبعلومه أو ما يناسب هذه الادعية.
فإن كان نائب السلطان، كتب له: أعلمني بذلك بلفظ الشهادة، أعز الله أنصاره وقد يشهد عنده من يكون من أهل الفتوى والتدريس، أو رئيسا كبيرا، أو موقعا في الدست.
فيرقم له شهد عندي بذلك أيده الله تعالى، أو أعزه الله تعالى، أو زاده الله تعالى من فضله، أو أدام الله سعادته، أو أعز الله نصره.
والرقم تحت شهادة من ذكرنا يكون بالقلم الثخين قلم العلامة.
والاولى أن يرقم لكل شهادة برقم على حدة تحتها.
وإن جمع ورقم فهو كاف.
مثل أن يكتب شهد الثلاثة عندي بذلك أو شهدا عندي بذلك أو شهد الاربعة، أو الخمسة عندي بذلك بشرط أن يكونوا في العدالة سواء.
هذا ما يتعلق بالرقم.
فأما ما يتعلق بالكتابة على الاوصال: فيكتب بقلم العلامة على كل وصل حسبي الله أو ثقتي بالله أو الوصل صحيح.
كتبه فلان أو يقيني بالله يقيني أو الحمد لله، أو الحمد والشكر لله تعالى فإن حصل التوقيع على بعض الاوصال اكتفى بذلك.
وأول شرط يحتاج إليه القاضي فيما يثبته، أو يحكم بموجبه، أو بصحته، مما يدخل تحت قلم العلامة والتوقيع والرقم، كما تقدم: تصحيح الدعوى في ذلك كله
وسماعها.
إما على المقر نفسه، أو البائع، أو الراهن، أو الواقف، أو غيره، أو على وكيله الذي تثبت وكالته عنده بالطريق الشرعي.
وإن كانت الدعوى على وكيل بيت المال في وجهه، أو على شخص من جهته، أو على ناظر الايتام.
فقد جرت العادة في ذلك على أن القاضي يكتب في قرنة المكتوب اليمنى على يمين قارئ المكتوب عند قراءته ادعى به بالقلم الغليظ الذي يكتب به العلامة.
والاولى أن يكتب ادعى به في وجه القاضي فلان الدين وكيل بيت المال المعمور أيده الله تعالى وإن كانت الدعوى على شخص من جهته بإذنه وتوكيله إياه في سماعها كتب ادعى به في وجه فلان الدين الوكيل الشرعي في سماع الدعوى عن القاضي فلان الدين وكيل بيت المال المعمور أيده الله تعالى وكذلك في حق ناظر الايتام، لكن في هذا التوكيل من جهته وكيل بيت المال أو ناظر الايتام يحتاج إلى كتابة فصل بالتوكيل.
وصورته: أشهدني سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى القاضي فلان، أو الشيخ فلان الدين، وكيل بيت المال المعمور بالمدينة الفلانية، أو ناظر الايتام بالمكان الفلاني.
أسبغ

الله ظلاله، على نفسه الكريمة: أنه وكل فلان ابن فلان في سماع الدعوى بسبب كذا وكذا، المتضمن ذلك المكتوب المسطر بأعاليه، توكيلا صحيحا شرعيا قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
وشهدت عليهما بذلك في تاريخ كذا.
فإذا أدى الشهود شهادتهم في هذا الفصل عند القاضي سمع الدعوى وعمل بمقتضى ما ذكرناه.
وكتب ما قدمناه من علامة الدعوى في الموضع الذي بيناه.
واعلم أن ثم مسائل لا يحتاج إلى دعوى فيها يأتي بيانها في كتاب الدعوى والبينات.
وصورة ما يكتبه القاضي على البعدية في موضع العلامة جرى ذلك أو جرى الامر كذلك أو جرى ذلك كذلك ويكتب في أسفل المكتوب بعد انتهاء الكلام التاريخ بخطه فقط، والسنة بخط كاتب الحكم.
ثم يكتب القاضي الحسبلة بخطه.
ومنهم من
يقول: لا يحتاج إلى كتابة القاضي التاريخ والحسبلة في البعدية، بل كتابته جرى ذلك فيه كفاية.
وكذلك يكتب القاضي على صور الدعاوى التي يدعي بها عنده، وتقوم فيها البينة، ويسبك الحكم في آخرها بما يقع به الحكم.
وعلى هذا جرت عادة الحكام في صور الدعاوى التي يقع الحكم فيها.
وفي المجردة عن الحكم، إذ هي صورة حال.
وإن وقع الاشهاد على شخص بشئ من الاشياء التي تقع عند الشهود، وآل الامر إلى صدور الاشهاد بذلك الشئ في مجلس الحكم العزيز.
فهذا الاشهاد لا يخلو إما أن يصدر الكاتب إشهاده بذكر مجلس الحكم العزيز، أو يؤخر ذكره عن الاشهاد، ويختم به.
ومثال الاول: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني: فلان، أو بمجلس الحكم العزيز بين يدي متوليه سيدنا فلان، أشهد عليه فلانا، أو بين يدي سيدنا فلان الدين.
أشهد عليه فلانا.
ومثال الثاني: حضر إلى شهوده فلان، وأشهد عليه بكذا وكذا.
أو أشهد عليه فلان شهوده إشهادا شرعيا، أو أقر فلان الفلاني إقرارا شرعيا، أو تصادق فلان وفلان على كذا وكذا.
فإذا انتهى الكلام في ذلك إلى آخره.
كتب قبل التاريخ وذلك بمجلس الحكم العزيز الفلاني أو وقع الاشهاد عليه بذلك بمجلس الحكم العزيز الفلاني أو وذلك بعد تقدم دعوى شرعية صدرت بينهما في ذلك بمجلس الحكم العزيز الفلاني، واعتراف المشهود عليه، أو المشهود عليهما بذلك لديه.
أحسن الله إليه ويؤرخ.

وصورة ما يكتب القاضي على هذا الاشهاد إن احتيج إلى خطه فيه: اعترف عندي بذلك - أو اعترفا بذلك عندي، أو سمعت اعتراف المشهود عليه، أو عليهما بذلك في تاريخه.
وصورة ما يكتب القاضي على الفروض موضع العلامة: فرضت ذلك وأذنت فيه
ويكتب التاريخ بخطه والحسبلة كما تقدم.
وصورة ما يكتب للقاضي في كتاب القسمة الصادرة بين الشريكين بإذنه موضع العلامة.
ويكتب تحتها: أذنت في ذلك على الوجه الشرعي ويكتب التاريخ والحسبلة بخطه أيضا.
وصورة ما يكتب القاضي على تفويض أمر صغير إلى شخص أقامه متكلما عليه موضع العلامة: فوضت ذلك إليه، وأذنت له فيه على الوجه الشرعي وكذلك يكتب لمن فوض إليه التحدث على وقف من الاوقاف الجارية تحت نظره.
وصورة ما يكتب القاضي على مكتوب قد اتصل به بالنقل، إما نسخة أو سجل على هامش المكتوب محاذاة رأس البسملة الشريفة: لينقل به نسخة، أو لينقل به سجل وإن كان المراد أكثر من ذلك: كتب لينقل به نسختان، أو سجلان وسيأتي بيان الفرق بين النسخة والسجل فيما يتعلق بكاتب الحكم.
وصورة ما يكتب القاضي على تنفيذ حكم آخر تضمن إذنا من ذلك القاضي ليسجل بثبوته وتنفيذه وإمضاء الآذن المذكور فيه.
وإن كان التنفيذ يشمل الكل.
فعلى هذا لقائل أن يقول: التنفيذ يتعلق بصيغة الحكم له بالاذن.
فكأن الثاني نفذ الحكم، وما أمضى الآذن.
فإذا خرج بإمضاء الآذن زاده قوة، ورفع قول من يقول بهذا التوهم.
وصورة ما يكتب القاضي على المحاصر من الاذن في كتابتها على سائر أنواعها.
فأول ما يرفع إليه السؤال: في كتابة محضر يتضمن كيت وكيت.
فإذا رفع إليه.
نظر في نفسه، وفكر ودقق النظر.
فإذا رآه مما يسوغه الشرع الشريف كتب تحت السؤال من جهة اليسار ليكتب فإذا سطره كاتب الحكم وأرخه وذيله.
يذكر إذن الحاكم الآذن في كتابته، بمقتضى خطه الكريم أعلاه.
ويكمل بالشهود العدول ادعى به عند القاضي الآذن ويكتب القاضي علامة الدعوى كما تقدم.
فإذا قامت البينة رقم لها كما تقدم، وكتب على هامشه ليسجل بثبوته والحكم به أو بموجبه على ما تقدم، أو ليشهد بثبوته أو الحكم
به، أو بموجبه وبالله المستعان كما تقدم.
ويكمله كاتب الحكم بالاسجال أو الاشهاد بما

قامت به البينة فيه على اختلاف الانواع.
وصورة ما يكتب القاضي على صلح ليتيم ادعى له على شخص بإذنه أذنت في ذلك، والمنسوب إلي فيه صحيح ويكتب في آخر الصلح حسبنا الله ونعم الوكيل من غير علامة ولا توقيع على هامش.
وكذلك يكتب على صورة المجلس المتضمنة الحكم بشفعة الخلطة أو الجوار أذنت في ذلك سطرا بغير علامة.
وتحت أذنت في ذلك سطرا آخر المنسوب إلي فيه صحيح ويكتب التاريخ بخطه ويحسبل.
وصورة ما يكتب القاضي على قصص السؤالات بالاستقرار في الوظائف الدينية الجارية تحت نظر الحكم العزيز.
مثل إمامة مسجد، أو قراءة، أو نظر، أو خدمة.
أو غير ذلك، بحكم وفاة أو شغور ليجب إلى سؤاله على الوجه الشرعي أو ليجب إلى سؤاله، وليستقر في ذلك على الوجه الشرعي.
وصورة ما يكتب القاضي على أوراق الاشهادات بالنزول لشخص من الناس عن وظيفة من الوظائف الدينية ليمض في ذلك بالطريق الشرعي أو ليمض النزول المذكور، وليستقر المنزل له في ذلك على الوجه الشرعي أو أمضيت ذلك وقررت النزول له في الوظيفة المذكورة بما لها من المعلوم، وأذنت له في المباشرة وقبض المعلوم المستقر صرفه إلى آخر وقت على الوجه الشرعي ويؤرخ.
وصورة ما يكتب القاضي على ورقة الاحضار التي ترفع إليه بطلب غريم للطالب، عليه دعوى شرعية ليحضر إلى مجلس الشرع الشريف المطهر بالقلم الغليظ قلم العلامة، ومن الحكام من يكتب ليحضر فقط.
ومنهم من يكتب ليحضر إلى مجلس الحكم العزيز ومنهم من يكتب أجب خصمك إلى مجلس الحكم.
كما نص عليه في
فتاوى قاضي خان ومنهم من يكتب أجب خصمك إلى مجلس القضاء.
كما نص عليه في الفتاوى الظهيرية وفي الحقيقة: المعنى واحد.
وإن تغاير اللفظ.
وصورة ما يكتب القاضي على ورقة الاعتقال ليعتقل بقلم العلامة في وسط الطرة، فإن كان صاحب الحق يختار الترسيم واتفقا عليه.
أو رأى القاضي الترسيم دون الحبس.
فيكتب ليرسم عليه بقلم العلامة من غير ليعتقل وإن اتفقا قبل أن يعلم القاضي عليها على مبلغ أقل مما في ورقة الاعتقال، كتب ليعتقل على مبلغ كذا فقط.

وصورة ما يكتبه القاضي على توقيع نائبه في الحكم، إذا كتبه كاتب حكمه عنه بإذنه، يكتب تحت البسملة وسطر من الخطبة علامته التي يكتبها على الاسجالات والمكاتيب الحكمية بقلم ثخين، ويكتب الحسبلة في آخره، بعد أن يكتب كاتب الحكم التاريخ بخطه.
وصورة ما يكتب القاضي في عقد عقده، أو عقد بحضوره.
وهذه الكتابة محلها من الصداق موضع العلامة.
فإن كان العاقد له قاضي قضاة الشافعية، كتب في الموضع المذكور بالقلم الغليظ عقده بينهما على الوجه الشرعي في التاريخ المعين فيه فلان ابن فلان الشافعي وإن كان حنفيا ولم يحضره شافعي: كتب كذلك في الموضع المذكور.
وإن احتيج إلى كتابة أحد من بقية القضاة غير الشافعي ممن حضر.
فيكتب مما يلي هذا الموضع إلى جهة البسملة، أو على رأس الهامش مما يلي باء البسملة: عقده بينهما.
أيده الله تعالى بحضوري في تاريخه، وكتبه فلان الفلاني ومن دون هؤلاء يكتب في هامش الصداق عقده بينهما على الوجه الشرعي فلان الفلاني أو حضر هذا العقد المبارك الميمون فلان الفلاني.
وصورة ما يكتبه القاضي على إشهاد قاض آخر، كان قد شهد عليه في تاريخ متقدم، ثم مات شهود ذلك الاصل، ولم يبق ممن شهد على ذلك القاضي المتقدم غير
هذا القاضي الحي، يوقع على هامش المكتوب الذي يريد صاحبه ثبوته، أو على نسخته المنقولة من أصله ليسجل بثبوته بطريق مشروع.
وإن كان فيه حكم فيكتب ليسجل بثبوته وتنفيذه بطريق مشروع وهذا معنى القضاء بالعلم.
وذلك الحاكم لا يخلو: إما أن يكون شافعيا أو حنفيا أو غيرهما ممن لا يقضي بالعلم.
فإن كان غير شافعي: فلا يصرح الكاتب في الاسجال على الحاكم بأكثر مما وقع له به، بل يزيد بطريق مشروع يثبت بمثله الحقوق الشرعية في الشرع الشريف وشرط هذا القاضي الذي يفعل هذا بطريق الشهادة على القاضي الاول: أن يكون مقلدا للقضاء في محل ولايته في المصر الذي هو قاض فيه، كما هو مشروط في جواز القضاء بالعلم.
والله أعلم.
فائدة: الثبوت المجرد ليس بحكم.
وقالت الحنفية: هو حكم.
وقال الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي: اختلف أصحابنا.
هل الثبوت حكم أم لا؟ والمختار عندي: التفصيل بين أن يثبت الحق، وبين أن يثبت السبب.
فإذا ثبت السبب، كقوله: ثبت

عندي أن فلانا وقف هذا فليس بحكم.
لانه بعد ذلك يتوقف على نظر آخر.
هل ذلك الوقف صحيح أم باطل، لانه قد يكون على نفسه، أو منقطع الاول ونحو ذلك.
وإن أثبت الحق، كقوله: ثبت عندي أن هذا وقف على الفقراء، أو على فلان فهو في معنى الحكم.
لانه تعلق به حق الموقوف عليه.
ولا يحتاج إلى نظر آخر.
وإن كان صورة الحكم - وهو الالزام - لم توجد فيه.
فتبين من هذا: أن في القسم الاول: لو طلب المدعي من الحاكم أن يحكم له، لم يلزمه حتى يتم نظره.
وفي الثاني: يلزمه.
لان في الثبوت ما يجب الحكم به قطعا.
ورجوع الشاهد بعد الثبوت وقبل الحكم لم أره منقولا.
والذي أختاره: أن في القسم الثاني كالرجوع بعد الحكم، ولا يمنع الحكم.
وفي القسم الاول: يمنع.
انتهى كلامه.
فرع: قال: ونقل الثبوت في البلد فيه خلاف.
والمختار عندي في القسم الثاني: القطع بجواز النقل، وتخصيص محل الخلاف بالاول.
والاولى فيه الجواز وفاقا لامام الحرمين تفريعا على أنه حكم بقبول البينة.
فائدة: الحكم بالموجب صحيح.
ومعناه الصحة، مصونا عن النقض.
كالحكم بالصحة، وإن كان أحط رتبة منه.
فإن الحكم بالصحة يستدعي ثلاثة أشياء: أهلية التصرف، وصحة صيغته، وكون التصرف في محله.
والحكم بالموجب يستدعي الاولين فقط.
وهما: صحة التصرف، وصحة الصيغة.
والاصح أن الثبوت ليس بحكم.
وقالت الحنفية: الثبوت حكم.
انتهى.
النوع الثاني: فيما هو متعلق بوظيفة القضاء: من التواقيع وغير ذلك مما تقدم ذكره من الامور المنوطة بحكام الشريعة المطهرة.
ويشتمل هذا النوع على صور.
منها: توقيع بنيابة الحكم، والمستنيب قاضي القضاة شهاب الدين أحمد.
والنائب شمس الدين محمد: الحمد لله الذي نور مطالع أفق المناصب الدينية بشمس الدين، وأوضح به منهاج الحق فأصبح الناس من سلوك سبيله على يقين، ورفع له مع الذين أوتوا العلم درجات، ورقاه فيها بطريق الاستحقاق إلى أعلى رتب المرتقين.
وزينه بالتقوى والورع، وتولاه فيما ولاه.
والله ولي المتقين.
أحمده حمد عبد ألهمه الله الحكمة.
فوضع الشئ في محله، وأقام شعار العلماء

حين وسد الامر إلى أهله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
شهادة مقرونة بالاخلاص في حب محمد، ضامنة لقائلها حسن العاقبة.
فما ذهب له وقت إلا وعاد، والعود أحمد.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي سل سيف الشريعة المطهرة.
فأنفذ الله حكمه وأمضاه، وأقام بينة شرفه على المرسلين والانبياء.
فما منهم إلا من أجاز
ذلك وارتضاه.
وألزم نفسه وأمته العمل بمقتضاه.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نفذوا ما ثبت عنده، وأوصلوه بأئمة الاسلام من أمته.
صلاة ترشد من أعرب بأدائها عن السؤال أن يلحن بحجته وتدوم، ما فرج العلماء مضايق الجدال في الدروس، وقبلت ثغور الاقلام وجنات الطروس، وسجدت خلف الامام أحمد في محراب تقليد على الرؤوس.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن منصب الحكم العزيز محجة الحق التي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وحجة الصدق التي بها يتفرق أهواء الذين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، وبهديه يهتدي المهتدون إلى سلوك أرشد الطريقين.
ويعتصم بسببه القوي من مال إلى موافقة أسعد الفريقين.
وهو إذا فوض إلى ذي أمانة وديانة وأسند إلى ذي عفة وصيانة، أجرى قضاياه على نهج السداد والاستقامة، وسلك فيها مسلكا ما ظهرت فيه لغيره علامة علامة.
فأعز به الله أحكامه.
وكان فلان ضاعف الله نعمته، وأدام رفعته، وبلغه من خيرى الدارين أمنيته: هو الذي نفح عطر معرفته وفاح، ووضحت دلائل كفايته غاية الايضاح، وقامت البينات لدعاوى أولويته بهذا المنصب العزيز، وأعربت في هذا النحو عن وصف فضله المفرد جمل الكلام.
فلا غرو إن انتصب في الحال على التمييز، لانه العالم الذي أصبح في عالم الوجود ندرة.
وأرشد في طريق السنة الشهباء إلى توليد النصرة.
وهو الالمعي الذي كأن أفكاره مشتملة على مسامع وأبصار، واللوذعي الذي تتطفل على شمس ذكاه مشارق الانوار.
وهو العلامة الذي إذا تفرقت أهواء المتكلمين جمع أشتات الفضائل بعبارته المعربة عن التحبير والتحرير على القواعد.
والبارع الذي له في كل علم مقدمة تنتج إذا سكت الواصفون فوائد، وهو الخطيب الذي إذا تسنم ذروة منبر جاء بما يذكر فصل الخطاب في الخطب، وأتى من العجب العجاب بما يسحر الالباب إذا قال أو كتب، والمنشئ الذي ليس لحمائم درج الادب في رياض الطروس تغريد إلا بسجعه، ولا لقلم
التوقيعات غبار في عوارض ريحان الرقاع إلا ونسخها المحقق من كمال وضعه.
كم هبت نسمات سماته الطاهرة، فترنم الناس بحسن إيقاعها في الصعيد والحجاز؟ وكم ريح بريح

أريحيته أعطاف الدوح الشامي.
فسرى منه نسيم قبول له إلى القلوب على الحقيقة مجاز؟ وكم له من أحاديث فضل تسلسل مع الرواة سند لفظها الدري، وثبت إيرادها الحسن الصحيح في مسند أحمد بطريق الرواية عن الزهري؟ فلذلك استخار الله سبحانه وتعالى سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الاسلام شهاب الدين أحمد الفلاني الشافعي.
وفوض إلى الجناب الكريم الفلاني المشار إليه وظيفة نيابة الحكم العزيز والقضاء بالمملكة الفلانية، أو بالمدينة الفلانية وأعمالها وكذا وكذا - إلى آخره - على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، تفويضا صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، وولاه ذلك ولاية تامة عامة.
فليتلق ما فوض إليه بالقبول عن شيخ الاسلام.
ولينشر علم علمه بين العلماء الاعلام، ولينظر فيما يرفع إليه من القضايا والاحكام، نظرا تبرأ به الذمة.
ويحصل به الفوز العظيم يوم الوقوف بين يدي الملك العلام، وليطلق ألسنة أقلامه في ذلك المضمار.
وليجتهد كل الاجتهاد أن يكون ذلك الرجل الذي قال في حقه الصادق المصدوق قاض في الجنة لا من القاضيين اللذين هما في النار.
وليباشر ذلك مباشرة تفتح أبواب العلم التي عهدت من بيت جده المدرس.
وليقم فيها على قدم يحمده الناس عليه في كل مجلس.
والوصايا كثيرة.
وهو باستضاءة نور شمس دينه المتين في غنية عنها، ولكن لا بد في كل الامور منها.
وملاكها: تقوى الله، وهو بحمد الله ممن يهتدى بتقواه وفضله.
وينتفع به في مصالح مدارس العلم وأهله.
والله تعالى يزيد أيامه الشمسية نورا يتألق كوكبه الزهري في جبين الدهر وعرنينه وراية هذه الدعوى يتلقاها كل سامع بيمينه، وتديم ثناءا ودعاءا يتلقاهما القلب بتصديقه واللسان بتأمينه.
والخط الكريم -
أعلى الله تعالى علاه - حجة بمضمونه ومقتضاه، إن شاء الله تعالى.
ويؤرخ.
ويختم بالحمدلة والصلاة على النبي (ص).
ويخلى للقاضي بياضا يكتب فيه الحسبلة.
توقيع بنيابة الحكم العزيز.
والمستنيب قاضي القضاة تاج الدين محمد.
والنائب شمس الدين محمد: الحمد لله الذي سير في بروج سماء الشريعة المطهرة شمس الدين المحمدي، ونور بعلومه عوالم الوجود.
وأعاد عيون المناصب الدينية بعوده إلى منصب الحكم العزيز

قريرة، وطالما تشوف إلى أنه إليه يعود.
وكيف لا يكون كذلك؟ وقد سلك في إيضاح منهاج الحق مسلكا حل به محل الجوهرة من التاج.
وكان في أيام الشهاب محمود.
أحمده حمد من أحكم في ولايته لما يتولاه عقد ولائه.
وخص بين أهل العلم الشريف بالافضال التي عد بها من فضلائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
شهادة موصولة في الدارين بالسعادة مقبولة لديه، مقرونة بالاخلاص عند عالم الغيب والشهادة.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي شرع الشرع الشريف وأعز أحكامه، وما برحت بينة شرفه معلنة له بالاداء إلى يوم القيامة.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين تمسكوا من هديه بسننه وسنته، وأوضحوا منهاج شرعه لمن سلكه من أئمة أمته.
صلاة تكسو مفرق منصب الحكم العزيز تاجا.
وتفيد المراتب العلية بمباشرة من خطب إليها سرورا وابتهاجا.
وتصون القضايا عن أن يتطرق إليها مع وجوده خلل، أو يخشى أحد معه عن طريق الحق اعوجاجا.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من رقمت حلل الشرع الشريف بمفاخره وأوصافه، وألقت الاحكام الشرعية مقاليدها إلى يد عدله وإنصافه: من جددت عوائد رتبته السنية.
ووطدت قواعد سيرته الحسنة المرضية.
وأخذ من العلم الشريف بأوفر نصيبه.
وتشوفت إليه رتبته
بعد فراق تشوف المحب إلى حبيبه، ونطقت أدلة التقاليد الحكمية بفضل فصل قضائه، وقضى قلمه في الحكم والقضاء بما يربو على السهم في نفوذه.
والسيف في مضائه.
وكان فلان ممن نوه لسان الاحسان بذكره.
ونبه التقي على رفعة قدره.
ولهجت الالسنة بشكره.
وأضاءت فضائله حتى اشترك في إدراكها السمع والبصر.
ووضحت فوائده حتى كاد يتناولها من في باع فهمه قصر.
لله دره من شافعي ملا صدور الملا بعلمه.
وقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تعرف له مداهنة في حكمه.
هممه العلية لا يدرك مداها.
وشيمه الطاهرة قد جعل الله إلى مراضيه هداها.
فلذلك استخار الله سبحانه وتعالى سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين.
وفوض إلى الجناب الكريم العالي المشار إليه وظيفة نيابة الحكم العزيز، والقضاء بالمملكة الفلانية، أو بمدينة كذا، وأعمالها، على جاري عادته ومستقر قاعدته تفويضا صحيحا شرعيا تاما معتبرا مرضيا.
فليتلق ما فوض إليه بالقبول، وليعلم أنه في كل ما يرفع فيه من الامور غدا بين

يدي الله مسؤول.
وليباشر ذلك على ما عهد إليه من جميل أوصافه.
وليمض فيه على ما ألف من ديانته وصيانته وعفافه.
وفيما نعت من محاسنه الجميلة ما يغني عن الوصايا المؤكدة والاشارات المرددة.
وهو - بحمد الله - غني عما تشير إليه منها أنامل الاقلام، وتحقق به من قعقعة الطروس الاعلام.
وملاكها تقوى الله.
والذكرى بها تنفع المؤمنين، ويجمع بين مصالح الدنيا والدين.
فليجعلها خلقه ما استطاع.
فإن حكمها هو المتبع، وأمرها هو المطاع.
والله تعالى يجريه من جميل العوائد على أجمل عادة، ويجري جياد أقلامه في ميادين الطروس بالسعادة بمنه وكرمه، والخط العالي - أعلى الله تعالى علاه - حجة بمضمونه ومقتضاه، ويكمل على نحو ما سبق.
توقيع بنيابة الحكم العزيز.
والمستنيب قاضي القضاة جلال الدين محمد.
والنائب
ناصر الدين محمد: الحمد لله ناصر الدين القويم.
وحافظ نظامه، ومعيد بركة التقوى على متزودها في بداية كل أمر وختامه، ومؤيد كلمة الشرع الشريف بإحكام قواعد أحكام حكامه، وجامع طرفي السعادة والسيادة لمن قلده منهم أمانة هديه، وشكر في إقامة منار الحق حسن مقامه.
نحمده حمد من نشد ضالته فوجدها.
ووعدت وظيفته برده إليها، فسرت حين أنجز الله لها ما وعدها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ندخرها ليوم فصل القضاء.
ونرجو أن يمنحنا بها في جنات عدن الرضى.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي أعاد به الحق إلى نصابه ووسد بشريعته الامر إلى أربابه.
ومهد بسنته سنن العدل فدخلت إليه الامة من أبوابه.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه قضاة الدين وهداته.
وكفاة الحق وحماته.
صلاة دائمة باقية ما تتابع الدهر بشهوره وأيامه وساعاته.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فلما كان منصب الحكم العزيز محجة الهدي لمن اهتدى، وحجة الصدق الذي لا يمحى اسمه ولا يندرس رسمه أبدا، وهو الشرع الذي تحوم على ورده الهمم، ويكشف به خطب الباطل إذا ألم وادلهم.
تعين أن لا يؤهل لارتقاء ذروته العلية، وإعلاء درجته الرفيعة السنية، إلا من ترقى بالديانة والعلم أحسن رقى.
وسحب ذيل الصيانة والحكم سحب طاهر نقي، وشهد شرف سلفه بصلف خلفه واستند إلى بيت علم مشهور، وحلم عند أرباب الدولة مشكور.
وكان فلان أدام الله تأييده وتسديده، ووفر من الخيرات مزيده، ممن علمت أمانته،

واشتهرت ديانته.
وحسنت سيرته.
وحمدت سريرته.
وعرف بالورع والعفاف، واتصف بجميل الاوصاف.
وراض نفسه حتى ملكها.
وعرف طرق الصواب فسلكها.
وافتخرت به المناصب الدينية، افتخار السماء بشمسها، والدوحة بغرسها، والافهام بإدراك حسها،
والدولة بأمينها، والشريعة المطهرة بمحمد حامي حوزتها، وناصر دينها.
فلذلك استخار الله سبحانه وتعالى سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين - أدام الله أيامه الزاهرة.
وأسبغ نعمه عليه باطنة وظاهرة، وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة - وفوض إلى الجناب العالي الفلاني.
المشار إليه - أفاض الله نعمه عليه - نيابة الحكم العزيز بالمكان الفلاني، عوضا عمن هو به بمفرده من غير شريك له في ذلك، على جاري عادته ومستقر قاعدته، تفويضا صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، لما تحققه من نزاهته وخيره، واستحقاقه لذلك دون غيره، ووثوقه بأمانته وديانته.
واعتمادا على كفاءته وكفايته، راجيا براءة الذمة بولايته.
فليباشر ما فوض إليه من هذه النيابة، راقيا ذروتها العلية بقدم التمكين.
متلقيا رايتها المحمدية باليمين واليمين.
عالما أن مقلده - شد الله به عضده.
وكبت أعداءه وحسده - قد قلده عقد ولائه اليمين، واعتمد على كفايته في براءة ذمته، وما اعتمد إلا على القوي الامين، فليرع بسداد أحكامه الرعايا، وليفصل بقوله الفصل الاحكام والقضايا.
وليحفظ أموال الغياب والايتام.
وليمعن النظر فيما يرفع إليه من دعاوى الاخصام، ولينظر في الاوقاف المبرورة، وليجريها على مقتضى شرط واقفيها، وليسترفع حسباناتها لمستحقيها من جباتها ومباشريها والمتحدثين فيها.
ولينتصب لتنفيذ الاحكام وكشف المظالم، ولينصف المظلوم من الظالم، ولينظر في أمر الشهود بذلك القطر نظر المحاسب فيما جل ودق.
ولا يرخص لاحد منهم في العدول عن الحق.
وليراجع مستنيبه فيما يشكل عليه.
ليكون اعتماده فيما يشير به إليه.
والوصايا كثيرة.
وهو بحمد الله إمام هدى يهتدي به من ائتم.
وفاضل كمل به شرف بيته الكريم وتم.
ومثله لا يحتاج إلى تأكيد وصية، لما لديه من مواد الادب ومزايا الالمعية.
وملاك ذلك كله التقوى.
والتمسك بسببها الاقوى، في السر والنجوى، وهو من سلوك نهجها القويم على يقين.
والله ولي المتقين.
والله تعالى ينفعنا وإياه بهذه الذكرى التي ألزمته تأهيل الغريب.
وأنزلته
في جوار سيد وحبيب.
والخط العالي - أعلاه الله تعالى - أعلاه حجة بمقتضاه.
ويؤرخ.
ويكمل على نحو ما سبق.

توقيع بالاستمرار في نيابة الحكم العزيز، والنائب شهاب الدين أحمد: أما بعد حمد الله الذي جعل شهاب الدين، لم يزل ينتقل في درجات سعده.
والصلاة والسلام الاتمين الاكملين الافضلين على سيدنا محمد الذي أيده الله بنصر من عنده، وعلى آله وصحبه الذين عرفوا قدر ما أنعم الله عليهم به.
فزادهم من فيض بره ورفده.
صلاة وسلاما دائمين دواما لا غاية لحده.
ولا نهاية لعده.
وبعد، فإن أولى من رفعت مراتبه، وأنارت بنور الاقبال كواكبه، ونشرت بين فضلاء الزمان عصائبه: من فضله الله بالمعرفة الكاملة والخبرة التامة، وخصه بمزيد تمييز شهدت به الخاصة والعامة.
وتكررت على الاسماع محاسن أفعاله.
واشتهرت نباهته وبراعته بمداومته على اشتغاله.
وحمدت في الاحكام الشرعية طريقته.
وعرفت بين ذوي المعرفة سيرته وديانته وعفته.
وانحصرت فيه الحالات المطلوبة، وشكرت همته في ولايته حتى صار بين أقرانه أعجوبة، إن حمدت أوصاف غيره، أو طلعت شهب الفضائل في الآفاق ونورها يتوقد.
فشهابه في أفق الفضل زاهر، والاجماع منعقد على أنه أحمد.
وكان المجلس الفلاني - أدام الله نعمته، ومن الخير قسمته - ممن استحق أن تجدد له ملابس الانعام.
وأن يجري من الفضل العميم على عوائد البر والاكرام، ليعود بمزيد البشر والاقبال إلى محل ولايته مجبورا، وينقلب إلى أهله مسرورا.
فلذلك رسم بالامر العالي القاضوي الحاكمي الفلاني - أسبغ الله ظلاله.
وختم بالصالحات أعماله - أن يستمر المجلس العالي الفلاني، المشار إليه، فيما بيده من وظيفته، نيابة الحكم العزيز بالمكان الفلاني بمفرده، على جاري عادته وقاعدته.
فليتلق ذلك بالقبول الزائد، والشكر المتزايد، وليعلم أنه في حلبة السابقين إلى هذا
المنصب الجليل بذلك القطر نعم الصلة ونعم العائد.
وليباشر ذلك على ما عهد من كمال أدواته، وجميل صفاته.
والوصايا كثيرة.
وهو بحمد الله أول داع إليها ومجيب.
وله في سلوك مناهج التقوى أحمد العواقب المغنية عن التشبيب، بذكرى منزل وحبيب.
والله تعالى يجريه من دوام السعادة على أجمل عادة.
ويمنحه من مواهبه الحسنة الحسنى وزيادة، بمنه وكرمه.
والخط العالي - أعلاه الله تعالى - أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى.
ويؤرخ ويكمل على نحو ما سبق.
توقيع قاض اسمه محمد، ولقبه شمس الدين:

الحمد لله الذي جعل شمس الشريعة المطهرة في سماء السمو مشرقة الانوار، وأقر العيون بما اختصت به من دوام الرفعة وحسن الاستقرار.
واختار لتنفيذ الاحكام الشرعية من دلت محاسن أوصافه على أنه من المصطفين الاخيار.
ومن يستوجب بوفور الالمعية الرتب العلية على الدوام والاستمرار، وأن يبلغ بمآثره الجليلة من الاقبال غاية الايثار.
ومن تدل سيماه في وجهه من أثر السجود على أنه من المستغفرين بالاسحار.
نحمده حمدا خصصنا به في مواطن كثيرة بالانتصار والاستظهار.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نقوم فيها بما يجب من الاعتراف والاقرار.
ونرجو بالاخلاص في أدائها الخلود في دار القرار.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المبعوث إلى أهل الآفاق والاقطار، والمشرفة بنصره طوائف المهاجرين والانصار.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بلغوا عنه ما جاء به من ربه بصحيح الاخبار والآثار.
صلاة دائمة باقية ما تعاقب الليل والنهار.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من تأكدت أسباب تقديمه.
وأحكمت موجبات تحكيمه ونفذت فتاويه وأقضيته في الرعايا.
وعول على عرفانه في فصل القضايا: من اشتهرت مآثره في البلاد، وجربت أحكامه فلم يخرج عن مناهج السداد، واختبرت تصرفاته فدلت على دينه
المتين، وفضله المبين.
وكان فلان هو الجدير بهذه المعاني، والحقيق بنشر المحامد وبث الثناء المتوالى، أحواله في مباشرة الحكم العزيز جارية على ما يرضي الله ورسوله (ص)، وصدره الرحب محتو على خزائن العلوم.
فلهذا تلقى إليه مقاليدها وتسلم، وهو في الله شديد البأس قوي العزائم.
فإذا ظهر له الحق عمل به ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ولم يلف في أفعاله ما ينتقد بل ينتقى، ولا يسند إليه من الافعال إلا ما يوجب الخلود في دار البقاء.
فلذلك استخار الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين - أسبغ الله ظلاله.
وختم بالصالحات أعماله - وفوض إلى الجناب المشار إليه نيابة الحكم العزيز بالمملكة الفلانية وأعمالها، على أجمل العوائد وأكمل القواعد، تفويضا صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا.
فليتلق هذا التفويض المبارك بأتم اجتهاد وأسد اعتماد.
وليباشر ذلك مجردا في تأييد الشرع الشريف عزمه، متحليا بخشية الله فخشية الله رأس كل حكمة، محترزا أن يداخل شيئا من أحكامه ما يوجب نقض، مظهرا خفايا الحقوق إذا جاءه خصمان بغي

بعضها على بعض.
معملا فيها فكرة عن الحق غير زائغة ولا زائلة، مراجعا عزيز علمه.
فالعلم ثلاثة: آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة.
مستوضحا للقضايا المشكلة لتنجلي له كالعيان، متوخيا مواقع الاصابة.
فإن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران.
مستوصلا من غاية المراقبة إلى أقصاها، متذكرا في إبدائه وإعادته من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
محافظا على عدم الاحتجاب عن ذوي الحاجات، مسويا بين الخصوم في المجلس والاقبال والانصات.
متأملا من أحوال الشهود ما تحقق فيه التأميل.
معتبرا شهاداتهم الدالة على مقتضيات الجرح والتعديل.
وملاك الوصايا تقوى الله.
فلتكن حلية لاوقاته وحلة صافية على تصرفاته.
فإنها النعمة الوافرة، والخلة المحصلة لسعادتي الدنيا
والآخرة وقد علم ما يتعين من حسن الخلق الذي أثنى الله به على نبيه الكريم ومدحه بقوله تعالى: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * وليعتمد الرفق فإنه أزين.
وليعمل بقوله تعالى: * (ادفع بالتي هي أحسن) * وليتصد آناء الليل وأطراف النهار لنصر الشريعة.
والله تعالى يجعل تصرفاته لاتصال الحقوق إلى مستحقيها ذريعة.
بمنه وكرمه.
والخط العالي - أعلاه الله تعالى - أعلاه والعلامة العالية أعلاه، حجة بمقتضاه.
ويؤرخ.
ويكمل على نحو ما سبق.
توقيع آخر: الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، وتوحد في صمديته بدوام بقائه، ونور بنور معرفته قلوب أوليائه، وطيب أسرار الطالبين بطيب ثنائه، وسكن خوف الخائفين بحسن رجائه، وأسبغ على الكافة جزيل عطائه.
أحمده حمد راض بقضائه، شاكر لنعمائه، معترف بالعجز عن إحصاء آلائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون عدة لنائلها يوم لقائه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود في اليوم المشهود.
فجميع الانبياء تحت لوائه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه.
صلاة دائمة بدوام أرضه وسمائه.
وبعد، فلما كان القضاء من أهم الامور، وبه سداد الامة وصلاح الجمهور، وجب تقديم النظر إليه على سائر المهمات، وتعجيل الاقبال عليه بوجه الاعتناء والالتفات.
وصرف العناية نحوه في حالتي النفي والاثبات.
ولما كان فلان ممن تحلى بالعلم، وتزين بالتقى والحلم.
وصفا قلبا وجاد سريرة،

وسار في الانام أحسن سيرة.
استخار سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين - إلى آخره - ويكمل على نحو ما تقدم.
توقيع آخر: الحمد لله اللطيف بعبده، الوفي بوعده، الذي منع ومنح فعزل وولى، وضر ونفع فمر وحلى.
نحمده حمدا لا يحصى أمده، ونشكره شكرا لا ينتهي عدده.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ليوم لقائه أعدها.
ومن نعمه الشاملة أعدها.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي قضى بالحق فعدل في قضائه وما جار.
وحماه من البأس وعصمه من الناس وأجار.
المنعوت بالتبجيل والتعظيم، الموصوف بالتشريف والتكريم، المأمور بالصلاة والتسليم.
الذي سد الذرائع، وشرع لامته من الدين أحسن الشرائع.
صلى الله عليه وعلى آله النجوم الطوالع، وأصحابه الممدوحين بالركع السجود.
فأكرم بكل ساجد منهم وراكع.
صلاة دائمة ما ابتسمت الرياض لبكاء الغيوث الهواطل والمزن الهوامع.
وما تمايلت الاغصان لغناء المطوقات السواجع.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن منصب الحكم والقضاء، لا ميزان أعدل من ميزانه، ولا ميدان أخطر من الركوب في ميدانه، ولا بحر أصعب من الولوج في مركبه، ولا نصب أبلغ مما شويت القلوب على منصبه، به تستخلص الحقوق الشرعية، وبالقيام به تقوم المصالح المرعية.
والاولى أن يختار له من سارت بسيرته الجميلة الامثال، ونسخت أقلامه بحسن وشيها حلة الجمال على أحسن منوال.
فبدور معاليه طالعة في أوج فلك شمسه، وسطور معانيه ساطعة بسواد مداده في بياض طرسه.
ولما كان فلان هو المعنى بهذه العبارة، والمشار إليه بهذه الاشارة.
فلذلك استخار الله الذي ما خاب من استخاره، ولا ندم من استجاره.
سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين.
وفوض إلى الجناب المشار إليه الحكم والقضاء بمدينة كذا وأعمالها، تفويضا صحيحا شرعيا.
وولاه ولاية تامة، ركونا إلى ديانته المشكورة، ووثوقا بأمانته المشهورة، واعتمادا على أوصافه الحميدة التي هي غير محصورة.
فليباشر ذلك مجتهدا في مصالح الرعايا، معتمدا على ما يعلم من حكم الله في العدل الذي هو رابطة الاحكام، وزبدة
القضايا.
ولينظم أمر وظائف الشريعة المطهرة في أحسن السلوك ويفرق في الحق بين الغني والفقير والمالك والمملوك.
ليحتط كل الاحتياط في أمر اليتامى، ولا يولى عليهم إلا من يراقب الله في أموالهم، ويخشى الله في معاملاتهم.
فكفى ما بهم من سوء حالهم،

ولا يركن في حال الايتام إلا إلى من اختبره المرة بعد المرة، وعلم أن عفته لا تسامحه في التماس الذرة.
والاوقاف فليجر أمورها على النظام المتتابع، ولا يتعدى بها شروط واقفيها.
فإن نص الواقف مثل نص الشارع، وليعقد أنكحة الابكار والايامى.
وليزوجهن من أكفائهن شرعا، ويمنع من تلبسهن من الفضل درعا.
ومال المحجور عليه يودعه حرزا يحفظ فيه.
ومال الغائب كذلك، والمجنون والسفيه.
ووقائع بيت المال فلتكن مضبوطة النظام، محفوظة الزمام، ومقطوعة الجدل والخصام.
وليحذر أن يولى في ذلك - أو في شئ منه - من يراه في الصورة الظاهرة فقيها.
فيكون هو الذي إذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها.
فهو المطلوب عند الله بجنايتهم، والمحاسب على ما اجترحوه في ولايتهم، بل يتحرى في أمورهم، ويراعي أحوالهم في غيبتهم وحضورهم، لا سيما العدول.
فلا يهمل لهم أمر، وينظر في شهادتهم بذكاء إياس وفطنة عمرو.
وقاضي الشريعة أدرى بما الامر إليه في هذا المعنى ومثله يؤول، وهم المخاطبون بقوله: كلكم راع وكل راع عن رعيته مسؤول والوصايا كثيرة.
وهو بحمد الله غني عنها، عارف بجميع آداب قضاة السلف، وهو خير خلف منها.
والله تعالى يعصمه من الخطأ والخطل والزيغ والزلل، في القول والعمل، بمنه وكرمه.
ويؤرخ.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن شاء كتب هذه الوصية بعد تمام التفويض.
وبعد قوله: فليباشر ذلك: عاملا فيه بتقوى الله عزوجل في قوله وفعله، وعقده وحله، وأن يفصل الاحكام الشرعية بين المترافعين إليه بحكم الشريعة المطهرة، ماشيا في ذلك على الطريق المألوفة والقوانين المعتبرة.
وليساو في الحق بين الخصوم، وينتصف من الظالم للمظلوم، وأن
يتولى عقود الانكحة من الابكار والايامى، وينظر في أموال الغياب واليتامى، ويجعل أموال الايتام في يد عدل يوثق بعدالته.
ويعتمد على نهضته وأمانته وكفايته، وأن يعتبر أحوال الشهود، ويجريهم على العوائد المستقرة والسنن المعهود، ولا يقبل منهم إلا من يرتضيه، ممن جمعت شروط المروءة والعدالة فيه.
ويعتبر أحوال الوصايا ويأمرهم باتباع الحق في تحرير حسابهم، وينظر في أمر الاوقاف التي نظرها للحاكم، ويعمل فيها بشروط واقفيها، ويسلك فيها مناهج الصواب ويقتفيها.
ويقدر الفروض الحكمية

والنفقات.
ويتيقظ في سماع الدعاوى والبينات، ويفسخ الفسوخ السائغ فسخها شرعا، مراعيا في ذلك ما يجب أن يراعى، والله تعالى يبلغه من السعادة غاية مطلوبه، وأن يتداركه بمغفرة ذنوبه وستر عيوبه.
بمنه وكرمه.
ويكمل على نحو ما سبق.
ضابط: اعلم أن المرسوم باستقراره في وظيفة الحكم والقضاء: لا يخلو إما أن تكون الولاية له في المدينة التي فيها المستنيب، أو في عمل من أعمالها.
وذلك النائب لا يخلو: إما أن يكون حاضرا في باب مستنيبه، أو غائبا عنه فإن كانت الولاية في المدينة.
فقد جرت عادة المصريين في ذلك بكتابة قصة يسأل فيها استقراره في نيابة الحكم والقضاء، أو بسماع الدعوى في مكان معين يجلس فيه، وترفع إلى قاضي القضاة.
فيكتب في هامشها: ليجب إلى سؤاله أو ليستقر في ذلك على الوجه الشرعي ويكتب التاريخ بخطه.
وإن أراد النائب كتابة توقيع بذلك.
فهو أمين، وإن كانت الولاية في عمل من الاعمال والغائب حاضر في باب مستنيبه.
فهذا يكتب له توقيع على ما تقدم شرحه، وإن كان غائبا عن باب مستنيبه وجهزت الولاية إليه على يد قاصده، أو على يد قاصد من الباب العالي.
فقد جرت العادة أن يكتب إليه في هذا المعنى مكاتبة إذا لم يجهز إليه توقيع.
ورسم المكاتبة إليه في ذلك على أربعة أنواع: النوع الاول: ضاعف الله تعالى نعمة الجناب الكريم العالي - إلى آخر ألقابه التي تليق به إلى أن ينتهي منها - ثم يقول: وأدام رفعته.
أصدرناها إليه، تهدي إليه سلاما وتحية وإكراما.
وتوضح لعلمه الكريم: أنا قد استخرنا الله تعالى، وفوضنا للجناب الكريم كذا وكذا - إلى آخره - ويكمل على نحو ما سبق.
النوع الثاني: أدام الله نعمة الجناب العالي - إلى آخر ألقابه - ثم يقول: وجدد سعادته، وبلغه من خيري الدارين إرادته.
صدرت هذه المكاتبة إليه تبدي لعلمه أنا قد استخرنا الله تعالى، وفوضنا للجناب العالي كذا وكذا - إلى آخره - ويكمل على نحو ما سبق.
النوع الثالث: هذه المكاتبة إلى المجلس العالي - إلى آخر ألقابه - ثم يقول: أدام الله توفيقه، وسهل إلى كل خير طريقه.
نعلمه: أنا قد استخرنا الله تعالى، وفوضنا للمجلس العالي كذا وكذا، إلى آخره.
ويكمل على نحو ما سبق.

النوع الرابع: المرسوم بالامر الكريم العالي المولوي - ويسوق ألقاب قاضي القضاة ونعوته كلها إلى آخرها مستوفاة، ويدعو له بالدعاء اللائق به - ثم يقول: أن يستقر المجلس العالي الفلاني - ويذكر ألقابه - ثم يقول: أعزه الله تعالى في كذا - إلى آخره - ثم يقول: فليباشر ذلك بصدر منشرح، وأمل منفسح، عاملا في ذلك بتقوى الله وطاعته، وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته.
فليعتمد هذا المرسوم الكريم كل واقف عليه وناظر إليه.
وليعمل بحسبه ومقتضاه، من غير عدول عن حكمه، ولا خروج عن معناه، والعلامة الكريمة حجة لفحواه.
ويكمل على نحو ما سبق.
واعلم أن العلامة في الانواع الاربعة المذكورة: العلامة المعتادة بالقلم الغليظ بعد البسملة الشريفة، وسطر واحد من التسطير.
والانواع الثلاثة الاول: تعنون وتختم فعنوان
الاولى: الجناب الكريم العالي إلى آخر الالقاب ثلاثة أسطر.
وفي السطر الرابع على يمين الكاتب ضاعف الله نعمته وفي آخره بعد خلو بياض التعريف وهو خليفة الحكم العزيز الشافعي - مثلا - بالمكان الفلاني، أو الحاكم بالمكان الفلاني وعنوان الثاني الجناب العالي إلى آخره ثلاثة أسطر، وفي أول السطر الرابع أدام الله تعالى نعمته وفي آخره بعد خلو بياض خليفة الحكم العزيز، أو الحاكم بالمكان الفلاني وعنوان الثالث المجلس العالي إلى آخره، ثلاثة أسطر وفي أول السطر الرابع أدام الله توفيقه وفي آخره الحاكم بالمكان الفلاني بعد خلو بياض بين الدعاء والتعريف.
وأما النوع الرابع - وهو المرسوم - فلا يختم.
وعنوانه في رأس طرة الوصل الاول من داخل ثلاثة أسطر.
أولها: مرسوم كريم من مجلس الحكم العزيز الشافعي بالمملكة الفلانية.
أدام الله أيامه الزاهرة.
وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة: أن يستقر المجلس العالي الفلاني - إلى آخره في كذا وكذا ملخصا، ثم يكتب في آخر السطر الرابع على ما شرح.
وفي الاربعة أنواع: الطرة تكون بين وصلين بياض.
والبسملة في أول الوصل الثالث.
توقيع بوظيفة خطابة: أما بعد حمد الله، المقسط الجامع، المانع الضار النافع.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث إلى عرب الخلق وعجمهم بأسجع خطيب فوق أعواد منبره.
وضم يده البيضاء إلى جناح علمه.
فإن منصب الخطابة أولى ما خطبت له الاكفاء من أهل العلم والعمل، واستدعى لمنابره من تفخر الدرجات برقية وتبلغ به من الشرف غاية النول والامل.

ولما كان فلان الشافعي - أو غيره - أدام الله شرفه ورحم سلفه، ممن هو بالفصاحة والبلاغة ملئ، ووعظه بتحقيق الاوامر والنواهي.
فاستخار الله سبحانه وتعالى سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين وقرره في
وظيفة الخطابة بالمكان الفلاني، عوضا عن فلان بحكم كذا وكذا بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور، تقريرا صحيحا شرعيا.
وولاه ذلك ولاية تامة.
اعتمادا على فصاحته التي تملا الاسماع، وبلاغته التي تبهر الالباب، واستنادا إلى رقائق مواعظه التي ينطق فيها بالحكمة وفصل الخطاب.
فليباشر ذلك مباشرة تبرئ الذمة، وتقر عنده النعمة، وليتناول المعلوم المستقر صرفه إلى آخر وقت ميسرا هنيئا.
والله تعالى يجعل قدره ساميا وشأنه عاليا.
بمنه وكرمه.
والعلامة العالية أعلاه الله حجة بمقتضاه.
ويكمل على نحو ما سبق.
وتوقيع بتولية عقود الانكحة الشرعية.
والعاقد شرف الدين بن كمال الدين: الحمد لله الذي كمل شرف الدين بشرف كماله، وأجزل للمتقين وافر كرمه وإفضاله، وجمل بعقود الانكحة الشرعية أعناق من أوضح له منهاج شرعه.
ونبهه على معرفة حرامه وحلاله، وأسبل على من تمسك بأسبابه وتنسك بموجبات كتابه وارف ظلاله.
أحمده حمدا يليق بجلال جماله وجمال جلاله، وأشكره شكرا أستوجب به مزيد نواله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في اعتقاده وانتحاله.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الذي أنقذ الله به هذه الامة من ظلمات الغي وضلاله.
وهداهم إلى الصراط المستقيم بما أدبهم به من حسن أخلاقه وجميل خصاله، نبي شهر سيف الشرع الشريف الذي بهر النواظر صفاء صقاله، وجدع به أنف الشيطان وأتباعه المتبعين له القائلين بأقواله وأفعاله.
صلى الله عليه وعلى المختارين من أصحابه وجميع آله.
صلاة دائمة باقية متصلة ما اتصف الزمان باتصاله، وتعاقب الدهر ببكره وآصاله.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن عقود الانكحة الشرعية من المناصب العلية والمراتب السنية.
والامور التي يترتب عليها إيجاد النسل والذرية.
لا ينبغي أن يليها إلا كل نحرير من العلماء العاملين.
ولا يتولاها إلا كل ذي عفة ويقين، وصلاح ودين، ليتحرى الحق في ذلك
ويعمل فيه بتقوى الله العظيم، ويسلك فيه منهاج الشرع الشريف والصراط المستقيم.
ولما كان فلان هو الموصوف بهذه الصفات أجمعها، والواضع لهذه الشروط

الشرعية في موضعها.
استخار الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين.
وفوض إليه عقود الانكحة الشرعية من الايامى والابكار، على الاوضاع المعتبرة المرضية، والقوانين المحررة المرعية، وأن يسمع البينة العادلة، ويتوصل إلى معرفة انقضاء العدد من ذوات الاقراء والآيسات، وذوات الحمل والرجعيات والبائنات.
ويعلم التي حصل لها التداخل بين العدد.
ومن يكون انقضاء عدتها لا بالاهلة بل بالعدد.
تفويضا صحيحا شرعيا.
وولاه ذلك ولاية تامة.
ووصاه بتقوى الله العظيم، وسلوك منهاجها القويم، الذي من سلكه فاز بالنجاة من نار الجحيم.
فليباشر هذه الوظيفة العالية المقدار، الرفيعة المنار.
والله تعالى يوفقه ويسدده ويهديه ويرشده بمنه وكرمه.
والعلامة العالية حجة بمضمونه ومقتضاه.
ويكمل على نحو ما سبق.
توقيع آخر بتولية عقود الانكحة الشرعية.
والعاقد: شمس الدين: الحمد الله الذي أطلع شمس الدين المحمدي في سماء السيادة.
وكسى حلله الفاخرة من تحلى بالعلم الشريف وبذل في طلبه اجتهاده.
وقلد بعقوده النفيسة الجواهر من دوام على الاشتغال، ورقاه أعلى درجات السعادة.
وأهل للعقود والانكحة الشرعية من شمر عن ساعد الجد، وصدق في دعوى الزهد والعبادة.
وجعله في مبدأ أمره من الذين أحسنوا الحسنى وزيادة.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي وطد مهاد الشرع ورفع عماده.
صلاة وسلاما يبلغان قائلهما في الدارين مرامه ومراده.
وبعد، فإن عقود الانكحة الشرعية من أعلى مناصب ذوي الديانة، وأجل مراتب أهل العلم والامانة، بها تحفظ الانساب، وتصان الاحساب، وتثبت العقود وتتأكد العهود.
وعليها اعتماد الحكام.
وإليها يستند في النقض والابرام، ولا تفوض إلا لمن
اتصف بصفاتها، واتسم بسماتها.
وعرف منهجها القويم، واقتفى سبيل صراطها المستقيم.
وكان فلان ممن قام من حقوقها بالواجب ورقى بهمته العلية إلى رتبتها التي هي أعلى المراتب، وحسن سيرة وسيرا، واشتغل بالعلم الشريف فأثنت عليه الحكام خيرا.
وعندما حاز هذه الصفات الحسنة، ونطقت بحسن الثناء عليه الالسنة، استحق أن ينوه بذكره، وأن ينظم في سلك فقهاء عصره، وأن يوفي له بالعهود، وأن تفوض إليه العقود.
فلذلك استخار الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين وفوض إلى فلان المشار إليه، أو المسمى أعلاه، عقود الانكحة الشرعية على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه

وأرضاه، وجعل له تزويج البالغات العاقلات الخليات عن الموانع الشرعية من الاكفاء على الاوضاع المعتبرة المرضية بمدينة كذا وأعمالها، تفويضا صحيحا شرعا.
وأذن له في ذلك إذنا شرعيا بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعيا.
فليحمد الله على هذه النعمة.
وليبذل جهده في قول الحق وبراءة الذمة، وليعلم أن من سلك طريق الحق نجا.
ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
والله تعالى يحرسه بعينه.
ويمده بعونه، بمنه وكرمه.
والعلامة الكريمة أعلاه حجة بمقتضاه.
ويكمل على نحو ما سبق.
إسجال عدالة: الحمد لله الذي أطلع بدر السعادة، في فلك سماء العلياء والسيادة، وأنال من اختاره من ذوي البيوت العريقة رتبة الشهادة.
وأحله منازل أهل التقى والافادة.
نحمده على منحه المستجادة.
ومننه التي كم بها تطوقت الطروس وابتسمت الاقلام عن قلادة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإنها لاصدق شهادة.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف ناطق روت العدول من طرق العوالي إسناده.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سبقت لهم السعادة.
صلاة دائمة يوجه إليها كل مسلم تهجده وجهاده.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن العدالة من أعلى المناصب الدينية.
وأجمل المراتب السنية، وأولى صفة اتصف بها الانسان، وأجل منزلة رقاها الاعيان.
وأبناء الاعيان، إذ هي منصب رفعه الله ورسوله، وسبب يتضح به نهج الحق وسبيله، ومورد حق من ورد بصدق ساغ له سلسبيله.
والعدول تحفظ بهم الحقوق لاربابها.
وتضبط قوانين الدعاوى بحكم أسبابها.
وكفى بها شرفا ومجدا مشيدا قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما) *.
ولما كان من نضد هذا العقد لتقليده، ورصع هذا السمط لتحلية جيده، ممن وصف بأوصافها الحسنى، واعتصم بحبلها المتين فرقاه إلى محلها الاسنى، وتخلق بخلائقها.
واقتفى آثار بيته المشكور في سلوك طرائقها.
فكان حقيقا باستحقاق حقوقها، والمتجنب لعقوقها، والمحافظ على ترقي رتبتها، حتى استوجب الاعتناء بأمره، والتنويه بذكره.
وهو فلان - أدام الله علاه ورحم جده وأباه - فلذلك نظمت له هذه العقود، ورقمت لمفاخره هذه البرود.
واستخار سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين.
وأشهد على نفسه الكريمة من

حضر مجلس حكمه وقضائه.
وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم المبارك - ويكتب القاضي التاريخ بخطه - ثم يقول الكاتب: سنة كذا وكذا: أنه ثبت عنده وصح لديه - أحسن الله تعالى إليه - على الوضع المعتبر الشرعي، والقانون المحرر المرعي، بالبينة العادلة المرضية، التي تثبت بمثلها الحقوق الشرعية، عدالة فلان المسمى أعلاه، وأنه عدل رضي أمين، ثقة أهل لتحمل الشهادات وأدائها عند الحكام، ثبوتا صحيحا شرعيا، وحكم بما ثبت عنده من ذلك حكما شرعيا.
أجازه وأمضاه.
وألزم العمل بمقتضاه، مستوفيا شرائطه الشرعية.
وواجباته المعتبرة المرضية، وأذن له في
تحمل الشهادة وأدائها عند الحكام.
ونصبه عدلا أمينا بين الانام، تقبل بينهم شهادته، وتعتبر فيهم مقالته، أجراه مجرى العدول المقبولين، والشهداء المعتبرين.
ووصاه بما يجب على مثله من تجنب هوى النفس.
وتقدم إليه بالاحتراز فيها.
والعمل بقول النبي (ص): على مثل هذا فاشهد - وأشار إلى الشمس ونبهه على ما يزداد به عند الله قربه.
ووعظه بقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * والوصايا كثيرة.
وهو بحمد الله في غنية عنها.
ولكن لا بد في كل الامور منها.
وقد قال رب العالمين * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) *.
وكتب ذلك حسب الاذن الكريم العالي المولوي - ويذكر ألقاب قاضي القضاة بكمالها ويدعو له - ثم يقول لنائبه الحاكم المسمى أعلاه: أدام الله علاه بمقتضى قصة رفعها فلان المذكور من مضمونها كذا وكذا ويشرح القصة، ثم يقول وتوج هامشها بالخط الكريم العالي المشار إليه بما مثاله كذا وكذا ويكمل على نحو ما سبق.
وهذه القصة تكون عند كاتب الحكم الذي سطر الاسجال.
إسجال عدالة أيضا: الحمد لله الذي رفع رتبة العدالة وأعلى منارها.
وحفظ بها نظام الحكام، فأقاموا للملة الحنيفية شعارها.
وأوضح الله بها مناهج القضايا الدينية وبين آثارها.
أحمده وأشكره على جزيل مواهبه، شكرا يوجب المزيد لمن عرف مقدارها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تلبس قلوبنا من التقى شعارها، وتبصر بصائرنا من ظلمات الشكوك أنوارها.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي اجتبى رسالته

لاقامة دينه واختارها، وأطلع من أنوار أفلاك الهداية شموسها وأقمارها.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حماة الشريعة وأنصارها، صلاة تتصل بدوام الابد أعمارها، ونجد بركتها يوم تحدث الارض أخبارها.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن ملبس العدالة من أصلف الملابس، ودرجتها مما ينافس فيه المتنافس، وهي حلية ذوي النهى، وزينة من ملك نفسه فوقف عند أمره إن أمر ونهيه إن نهى، وأتعبها في مرضاة الله إلى أن هب له ريح القبول.
فتلذذ به واستروح، وطهر وعاءه من دنس الشبهات، حتى اتصف بالشرف، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
ولما كان فلان ممن نشأ في حجر العفاف.
وتحلى بجميل الاوصاف.
واشتمل على الخلال الرضية، والخلائق المرضية، والديانة الظاهرة، والمروءة الوافرة.
وعرف بالتيقظ في أموره وأحواله، والصدق في أقواله، والتسديد في أفعاله، سالكا شروط العدالة، ماشيا على نهجها الذي وضحت به الدلالة.
وحين عرف ذلك من أمره، ودل وصفه على علو قدره.
استخار الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين.
وأشهد على نفسه الكريمة من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم المبارك - ويكتب القاضي التاريخ بخطه - ثم يقول الكاتب: سنة كذا وكذا.
أنه ثبت عنده وصح لديه - أحسن الله إليه - على الوضع المعتبر الشرعي.
والقانون المحرر المرعي، بالبينة العادلة المرضية التي قامت عنده.
وقبلها القبول الشرعي: عدالة فلان، المسمى أعلاه، ثبوتا صحيحا شرعيا.
وحكم - أيد الله أحكامه وأدام أيامه - بعدالته وقبول قوله في شهادته، حكما شرعيا.
أجازه وأمضاه، واختاره وارتضاه.
وألزم العمل بمقتضاه، مستوفيا شرائطه الشرعية وأذن - أيده الله تعالى - لفلان المسمى أعلاه في تحمل الشهادة وأدائها.
وبسط قلمه فيها.
وأجراه مجرى أمثاله من العدول المعتبرين، والشهود المبرزين، ونصبه شاهدا عدلا بين المسلمين، يوصل بشهادته ويقطع.
ويعطي ويمنع.
ووصاه بتقوى الله وطاعته، وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته.
فليحمد الله على هذه المرتبة العلية، والمنزلة السنية.
وليأخذ كتاب هذه العدالة بقوة، وليشكر الله الذي بلغه مرجوه.
والله تعالى يعينه على ما فوض إليه من ذلك، ويسلك به من التوفيق والسداد أحسن المسالك.
وكتب ذلك بالاذن الكريم
العالي - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
صورة تفويض نظر في وقف:

هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا فلان الدين: أنه فوض إلى فلان الفلاني، النظر في أمر المدرسة الفلانية - ويحددها ويذكر بقعتها - وفي أوقافها المنسوبة إلى إيقاف واقفها فلان - فإن كان ثم كتاب وقف موجود أشار إليه.
وذكر تاريخه وثبوته، واتصاله بالحاكم المفوض المشار إليه.
وإن كان بغير كتاب وقف، يقول: الثابت عند الوقف المذكور بالبينة الشرعية - تفويضا صحيحا شرعيا وأذن له - أسبغ الله ظلاله - في قبض متحصلات الوقف المذكور ومغلاته وريعه، واستيفاء منافعه، وتحصيل أجوره، وفي عمارته وإصلاحه وترميمه، وتقوية فلاحيه وصرف كلفه، وما يحتاج إليه شرعا، وأن يصرف الباقي بعد ذلك إلى مستحقيه شرعا من أرباب الوظائف، أوان الوجوب والاستحقاق، على مقتضى شرط واقفه على الوجه الشرعي.
وأوصاه في ذلك كله بتقوى الله عزوجل، واتباع الامانة، وتجنب الخيانة، وفعل كل رأي سديد، واتباع كل منهج حميد، واعتماد ما فيه النماء والمزيد، وخلاص كل حق يتعين ويتوجه له قبضه شرعا بكل طريق معتبر شرعي، وأن يتولى ذلك بنفسه ووكيله وأمينه، ويسنده إلى من رأى.
ليس لاحد عليه في ذلك نظر ولا إشراف، ولا اعتراض.
إذنا معتبرا مرضيا.
وبسط يده في ذلك بسطا تاما، وأقرها عليه تقريرا كاملا، بعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا، وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكمل.
ويكتب القاضي التاريخ والحسبلة بخطه.
صورة تفويض نظر من الحاكم في وقف، لعدم الرشيد من أهله: أشهد على نفسه الكريمة سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين: أنه فوض إلى فلان النظر في أمر الوقف المنسوب إلى إيقاف فلان على كذا وكذا.
حسبما تضمنه كتاب وقف ذلك الواقف، المتقدم التاريخ، الثابت مضمونه شرعا، تفويضا صحيحا شرعيا.
وأذن له أن يباشر ذلك ويتولى إيجاره واستغلاله، وقبض أجوره ومغلاته، ويقوم بمصالحه وعمارته، ويتصرف فيه على مقتضى شرط واقفه، ويصرف منه ما يجب صرفه شرعا في عمارة، وإصلاح وترميم، وفرش وتنوير وغير ذلك.
وصرف الباقي بعد ذلك إلى مستحقي الوقف المذكور على مقتضى شرط واقفه.
وولاه ذلك تولية شرعية، تامة كاملة معتبرة، لعدم الرشيد عنده من أهل الوقف المذكور حالة هذا التفويض.
وأذن - أسبغ الله ظلاله - له أن يوكل في ذلك من شاء من الامناء، ويعزله إذا شاء، وأن يتناول لنفسه ما فرض له في ريع الوقف المذكور على مباشرة مصالحها كلها - وهو في كل شهر كذا.
وفي كل سنة كذا - على الوجه الشرعي إذنا شرعيا، بعد أن اتصل به كتاب الوقف

المذكور اتصالا شرعيا.
وبعد أن ثبت عنده أهلية المفوض إليه، وكفايته لمباشرة النظر في أمر الوقف المذكور، الثبوت الشرعي.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكتب التاريخ والحسبلة بخطه.
ويكمل بالاشهاد على نحو ما سبق.
صورة تفويض مباشرة على أيتام وأموالهم بمعلوم منها: فوض سيدنا ومولانا قاضي القضاء فلان الدين - أو هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين -: أنه فوض إلى فلان مباشرة الايتام محاجير الشرع الشريف بمدينة كذا، أو مباشرة أمر أيتام فلان.
وهم: فلان وفلان وفلان الصغار القاصرين عن درجة البلوغ، الداخلين تحت حجر الحكم العزيز بمدينة كذا.
والعمل في أموالهم، والتصرف لهم فيها على الاوضاع الشرعية، والقوانين المعتبرة المرضية، من البيع والشراء، والاخذ والعطاء، والاجارة والعمارة، والمعاملة والمداينة، وفي أخذ الضمناء والكفلاء، وقبول الحوالات على الاملياء، وفي اشتراط الرهن والكفيل في عقد البيع.
وفي المعاملة وفعل ما تقتضيه المصلحة لهم من سائر الافعال الشرعية، والتصرفات المعتبرة على وجه الغبطة الوافرة لهم في ذلك.
وفي الانفاق عليهم من مالهم
ما هو مفروض لهم من مجلس الحكم العزيز المشار إليه، تفويضا صحيحا شرعيا، وإذنا تاما معتبرا مرضيا.
وقرر له على هذا العمل في كل شهر من استقبال يوم تاريخه كذا مما يربحه ويكسبه في مالهم، تقريرا شرعيا.
وأذن له في تناوله إذنا شرعيا.
وجعل النظر عليه في ذلك لفلان، بحيث لا يتصرف في شئ مما فوض إليه من ذلك إلا بنظر الناظر المشار إليه، ومراجعته ومشاورته فيه، وإجازته وإمضائه له.
وأشهد عليه سيدنا قاضي القضاة المشار إليه بما نسب إليه أعلاه.
ويكتب القاضي التاريخ والحسبلة بخطه.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة كتاب حكمي بما يثبت عند الحاكم من الامور الشرعية، من إقرار أو بيع أو غير ذلك: هذه المكاتبة الحكمية إلى كل من تصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم - أدام الله تأييدهم وتسديدهم، وأجزل من إحسانه مزيدهم - بما ثبت في مجلس الحكم العزيز عند القاضي فلان الدين الحاكم بالمكان الفلاني - أعز الله أحكامه، وأسبغ عليه إنعامه - وصح لديه في مجلس حكمه وقضائه بمحضر من متكلم شرعي جائز كلامه، مسموعة دعواه في ذلك على الوجه الشرعي.
بشهادة عدلين، هما: فلان وفلان، الذي مضمونه:

بسم الله الرحمن الرحيم، أقر فلان - وينقل جميع ما فيه من أوله إلى آخره بالحرف والتاريخ، وبآخره رسم شهادة العدلين المشار إليهما فيه - وقد أقام كل منهما شهادته عنده بذلك.
وقال: إنه بالمقر المذكور عارف.
وقبل ذلك من كل منهما القبول السائغ فيه.
وأعلم لهما تلو رسم شهادتهما ما جرت العادة به من علامة الاداء والقبول، على الرسم المعهود في مثله.
وذلك بعد أن ثبت عنده - ثبت الله مجده - على الوضع المعتبر الشرعي بشهادة عدلين، هما: فلان وفلان، الواضعين رسم شهادتهما في مسطور الدين المذكور، غيبة المقر المذكور عن المكان الفلاني المذكور الغيبة الشرعية.
وبعد أن أحلف المقر له
بالله العظيم اليمين الشرعية المتوجهة عليه، المشروحة في مسطور الدين - أو في فصل الحلف المسطور بهامش مسطور الدين.
أو بذيل مسطور الدين المذكور - وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا، وأنه حكم بذلك وأمضاه، وألزم بمقتضاه على الوجه الشرعي، مع إبقائه كل ذي حجة معتبرة فيه على حجته.
وهو في ذلك كله نافذ القضاء والحكم ماضيهما، بعد تقدم الدعوى المسموعة وما يترتب عليها شرعا.
ولما تكامل ذلك عنده سأله من جاز سؤاله شرعا: المكاتبة عنه بذلك، فأجابه إلى سؤاله.
وتقدم بكتابة هذا الكتاب الحكمي.
فكتب عن إذنه الكريم متضمنا لذلك.
فمن وقف عليه من قضاة المسلمين وحكامهم - أدام الله نعمتهم، ورفع درجتهم - واعتمد تنفيذه وأمضاه، حاز من الاجر أجزله، ومن الثناء أجمله.
وكتب ذلك من مجلس الحكم العزيز المشار إليه بالمملكة الفلانية في اليوم الفلاني.
ويؤرخ.
ويكتب القاضي بعد البسملة والسطر الاول: علامته المعتادة بالقلم الغليظ، ثم يكتب عدد الاوصال، وعدد السطور.
ويختم الكتاب.
وصورة ما يكتب في عنوانه: من فلان ابن فلان الحاكم بالديار المصرية، أو بالمملكة الفلانية، ويشهد رجلين بثبوت ذلك عنده، ويأخذ خطهما بذلك.
وصورة ما يكتب على ظهر الكتاب الحكمي.
إذا ورد على حاكم من حاكم آخر وفك ختمه: ورد على القاضي فلان الدين الكتاب الحكمي الصادر عن مصدره القاضي فلان الدين، وشهد بوروده عن مصدره فلان وفلان، عند سيدنا القاضي فلان الدين.
وقال كل منهما: إن مصدره الحاكم المشار إليه.
أشهدهما على نفسه بما صدر به كتابه الحكمي.
فشهدوا عليه به، وأن الحاكم المشار إليه قبل شهادتهما بذلك.
وأعلم لكل منهما تلو رسم شهادته علامة الاداء والقبول على الرسم المعهود، والتشخيص الشرعي.

والامر في ذلك محمول على ما يوجبه الشرع الشريف ويقتضيه.
ويكمل.
والكتب الحكمية الآن قليلة الاستعمال.
وبطل العمل بها.
وصار كل من له حق وأثبته عند حاكم من حكام المسلمين، واستحكم فيه، وكل من معه مكتوب شرعي ثابت محكوم فيه في مملكة من الممالك منفذ عند حكام تلك المملكة - إذا أراد نقل ذلك الحكم، أو ذلك التنفيذ - أحضر شهودا إلى عند الحاكم في ذلك المكتوب، أو ذلك المنفذ، الذي نفذ الحكم.
وأشهدهم عليه.
وأخذ الشهود معه إلى البلد التي يريد إيصال الحكم فيها.
فيشهدون على الحاكم الاول بما فيه.
فيعلم لهم تحت رسم شهادتهم فيه ويوصله.
وهؤلاء يسمون شهود الطريق.
واستقر حال الناس على ذلك.
وصورة ما إذا تحاكم رجلان إلى رجل من أهل العلم والمعرفة بالاحكام الشرعية - وشرطه: أن تكون فيه أهلية القضاء - وسألاه الحكم بينهما: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأشهدا عليهما طوعا، في صحتهما وسلامتهما: أنه جرت بينهما منازعات وخصومات، ودعاوى في كذا وكذا، وأنهما ترافعا إلى فلان الفلاني ورضيا به.
وحكماه على أنفسهما، وجعلاه ناظرا بينهما.
وفاصلا لخصومتهما، وقاطعا لدعاويهما، وحاسما لمنازعتهما، بعد أن سألاه أن يحكم بينهما.
وأن يلزم كل واحد منهما الواجب له وعليه.
وبعد أن عرفا من علمه وثقته ومعرفته بالقضاء ووجوه الاحكام ما جاز لهما معه تحكيمهما إياه.
فقبل فلان منهما ذلك.
وحكم بينهما بما أوجبه الشرع الشريف، وبت القضاء بما قطع به الخصومة بينهما.
وألزم كلا منهما بمقتضى ذلك.
فرضيا بما حكم به بعد أن حكم.
وأشهدا عليهما بذلك.
ويؤرخ.
وصورة كتاب صريح سجل: أما بعد حمد الله، حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين.
فهذا ما شهد به على نفسه الكريمة، سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين: من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم
المبارك - ويكتب القاضي التاريخ بخطه - ثم يقول الكاتب: من سنة كذا وكذا، بجميع ما نسب إليه في هذا السجل المبارك، الذي التمس إنشاؤه منه.
وصدر بإذنه الكريم عنه، جامعا لمضامين الكتب الآتي ذكرها، المختصة بسيدنا فلان ابن فلان، مما جميعه بمدينة كذا وظاهرها وعملها شاملا لها، فروعا وأصولا.
وناطقا بثبوتها عليه ابتداء واتصالا،

حسبما يشرح فيه جملة وتفصيلا، معينا تواريخ الكتب وتواريخ ثبوتها، مستوعبا مقاصدها بما يوضح نعوتها.
مقصودا بذلك حصرها في هذا السجل بمفرده، ليكون حجة واحدة بما تضمنته في اليوم وفي غده.
وذلك بعد أن استعرض سيدنا قاضي القضاة فلان الدين المشار إليه جميع الكتب والثبوتات والاتصالات المنقول مضامينها أدناه.
واستحضر ما نسب إليه فيه.
وعاود خاطره الكريم فيما تقدم به الاشهاد عليه.
فتذكر ذلك جميعه بحمد الله تذكر تحقيق.
وسأله جل ذكره المعونة ودوام التوفيق.
ثم استخار الله تعالى وتقدم أمره الكريم بتسطير هذا السجل بسؤال من هو جائز المسألة شرعا، معتبرا شروطه المعتبرة على ما يجب أن يعتبر في مثله ويرعى.
وأن يحرز ما نقل فيه من المقاصد.
ويقابل ذلك بأصوله، تأكيدا لصحته على أحسن العوائد.
فامتثل أمره الكريم.
وحرر هذا السجل على الرسم المعتاد.
والسنن المتكفل بحصول المراد.
وعدة الكتب المشار إليها: كذا وكذا كتابا.
والكتاب الاول منها نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم - ويكتب كتابا بعد كتاب - وكلما انتهى من كتاب يقول: الكتاب الثاني، الكتاب الثالث.
وينسخ كل كتاب بحروفه من غير زيادة ولا نقص، ويكتب ثبوته واتصاله بالحاكم الآذن المشار إليه، إلى أن تنتهي الكتب جميعها، ثم يقول: ولما تكامل ذلك جميعه عند سيدنا قاضي القضاة فلان الدين المشار إليه، وصح لديه على الوجه المشروح أعلاه، سأله من جاز سؤاله شرعا: الاشهاد على نفسه الكريمة - حرسها الله تعالى - بما نسب إليه في هذا السجل المبارك من الثبوت والحكم، والتنفيذ والقضاء، والاجازة والامضاء،
وغير ذلك مما نسب إليه فيه.
فتأمل ذلك وتدبره.
وروى فيه فكره.
وأمعن فيه نظره.
واستخار الله كثيرا.
واتخذه هاديا ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله لجوازه شرعا.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك، بعد أن ثبت عنده صحة مقابلة ما نسخ في هذا السجل بأصوله المنقول منها، الموافق لذلك الثبوت الشرعي في التاريخ المقدم ذكره المكتوب بخطه الكريم أعلاه.
شرفه الله تعالى وأعلاه.
وأدام علاه.
ويكتب القاضي الحسبلة بخطه ويكمل.
صورة صريح آخر: أما بعد حمد الله الذي بعث رسوله محمدا (ص) بالحنيفية السمحة السهلة، وخصه بعموم الرسالة التي أبان بها على الرسل فضله.
وسلك بنا على سنته من الحق منهاجا قويما.
هدانا باتباعه إليه صراطا مستقيما.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

فهذا ما أشهد به على نفسه الكريمة - حرسها الله تعالى وحماها - سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين: من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم المبارك - ويكتب القاضي التاريخ بخطه - ثم الكاتب - من سنة كذا وكذا.
بجميع ما نسب وأضيف إليه في هذا السجل المبارك الذي التمس إنشاؤه منه.
وصدر بإذنه الكريم عنه.
جامعا لمضامين الكتب الآتي ذكرها المختصة بمولانا المقر الاشرف العالي الفلاني مما جميعه بمدينة كذا وعملها، وهي كتب الابتياعات والاوقاف والاجارات، وغير ذلك شاملا لها فروعا وأصولا، ناطقا بثبوتها عليه ابتداء واتصالا، حسبما شرح فيه جملة وتفصيلا، معينا فيه تواريخ الكتب وتواريخ ثبوتها، مستوعبا مقاصدها بأوضح نعوتها.
مقصودا بذلك حصرها في هذا السجل بمفرده، ليكون حجة واحدة بما تضمنه في اليوم وفي غده.
يتوالى اتصال ثبوته بالحكام.
ويشهد بما اشتملت عليه مدا الايام.
وذلك بعد أن استعرض سيدنا الحاكم المشار إليه أعلاه جميع الكتب
والثبوتات والاتصالات، المنقول مضامينها أدناه.
وتأملها كتابا كتابا.
واستحضر ما نسب إليه فيه.
وعاود خاطره الكريم فيما تقدم به الاشهاد عليه.
فتذكر ذلك جميعه - بحمد الله تعالى - تذكر تحقيق.
وسأل الله جل ذكره المعونة ودوام التوفيق.
ثم استخار الله، وتقدم أمره الكريم بتسطير هذا السجل.
إجابة لسؤال جائز المسألة شرعا، معتبرا فيه الشرائط المعبرة، على ما يجب أن يعتبر في مثله ويرعى، وأن يحرر ما نقل فيه من المقاصد، وأن يقابل ذلك بأصوله تأكيدا لصحته على أحسن العوائد.
فامتثل أمره الكريم.
وحرر هذا السجل على الرسم المعتاد والسنن الشرعي، المتكفل بحصول المراد.
وعدة الكتب المشار إليها كذا وكذا كتابا.
الكتاب الاول: نسخته.
بسم الله الرحمن الرحيم - ويكتب كتابا بعد كتاب إلى آخره - ويذكر التاريخ، ثم يقول بعد ذلك كله: فهذه جملة الكتب المنقول مضامينها في هذا السجل من أصولها المشار إليها أعلاه، حسبما أذن فيه سيدنا ومولانا قاضي القضاة المشار إليه، ومقابلة ما نسخ في هذا السجل بأصوله المنقول منها المضامين المذكورة أعلاه.
فصحت المقابلة والموافقة بشهادة من يضع خطه آخره بذلك، وأداء الشهادة عنده وقبولها بما رأى معه قبولها.
وبعد اعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
فلما تكامل ذلك جميعه عند سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين المشار إليه.
وصح لديه.
سأله من جاز سؤاله شرعا تقرير مولانا المقر الاشرف العالي الفلاني، المشار إليه، على ما فيها من جميع ما عين وبين في هذا الكتاب السجل وتثبيتها وبسطها وتصريفها وتمكينها.
والحكم بالصحة في جميع ما قامت فيه البينة بالملك والحيازة من

كتب الابتياعات المشروحة في هذا الكتاب السجل، والقضاء بذلك، والالتزام بمقتضاه، والاجازة والامضاء، والاشهاد على نفسه الكريمة بجميع ما نسب إليه في هذا الكتاب السجل.
فتأمل ذلك وتدبره.
وروى فيه فكره ونظره.
واستخار الله كثيرا.
واتخذه هاديا
ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله لجوازه شرعا.
وأقر يد مولانا ملك الامراء المشار إليه - أدام الله نعمته عليه - على ما فيها من جميع ما عين وبين في هذا الكتاب السجل، تقريرا صحيحا شرعيا.
وثبتها تثبيتا كاملا معتبرا مرضيا، وبسطها بسطا شاملا شرعيا.
وصرفها تصريفا تاما نافذا.
ومكنها تمكينا شرعيا وحكم بالصحة في جميع ما قامت فيه البينة الشرعية بالملك والحيازة من كتب الابتياعات المشروحة في هذا الكتاب السجل، حكما صحيحا شرعيا.
نافذا لازما معتبرا مرضيا، موثوقا به مسكونا إليه.
قضى بذلك وأمضاه.
وأجازه وارتضاه.
ورتب عليه موجبه ومقتضاه، بعد استيفاء الشرائط الشرعية.
واعتبار واجباته المرعية، وثبوت ما يتوقف الحكم على ثبوته.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في التاريخ المقدم ذكره.
المكتوب بخطه الكريم أعلاه.
شرفه الله تعالى وأعلاه.
وأدام علاه.
ويكتب القاضي الحسبلة بخطه.
ويكمل.
الفرق بين النسخة والسجل: اعلم أن كتابة النسخ والسجلات يحتاج فيها أولا إلى أن يتصل أصلها بالقاضي فإذا اتصل أصلها بالقاضي كتب على هامشها بالقرب من موضع التوقيع لينقل به نسخة كما تقدم.
فإذا كتب ذلك شرع كاتب الحكم في النقل، ونقلها حرفا حرفا.
فإذا فرغ من نقل الاصل كتب: ونقلت هذه النسخة بالامر الكريم العالي المولوي القاضوي الفلاني بمقتضى خطه الكريم أعلاه في تاريخ كذا وكذا.
ومن الموقعين من إذا أراد أن ينقل نسخة يكتب، قبل أن يشرع في النقل نسخة نقلت من أصل كصورته بإذن حكمي فإذا انتهى النقل كتب: ونقلت هذه النسخة بالامر الكريم العالي الفلاني في تاريخ كذا وكذا.
ومن الموقعين من يحتاط أيضا، ويكتب على لسان صاحب المكتوب قصة يسأل فيها نقل نسخة.
وترفع تلك القصة والمكتوب إلى قاضي القضاة.
فيكتب على هامشه لينقل منه نسخة ويكتب في هامش القصة مثل ذلك ويؤرخ.
فإذا انتهى النقل كتب:

ونقلت هذه النسخة بالامر الكريم العالي المولولي الفلاني، واضع خطه الكريم أعلاه بالنقل، بمقتضى قصة مشمولة بالخط الكريم بمثل ذلك في تاريخه.
مستقرة تحت يد ناقله.
حجة فيه وهذا فيه غاية الاحتياط.
ثم يكتب مثال شهادات الشهود.
فمن كان منهم قد مات كتب مثال خطه.
ومن كان في قيد الحياة بعثها إليه لينقل خطه من النسخة الاصلية إلى النسخة المنقولة.
وصورة ما يكتبه الشاهد الحي: صورة رسم شهادته الاولى، ويزيد فيها.
ونقلت خطي إلى هذه النسخة بإذن حكمي في تاريخ كذا وكذا ومن كان باقيا من الحكام يأخذها ويتوجه إليه لينقل علامته وتاريخه في إسجاله الذي يكتب في النسخة المنقولة كما في الاصل.
ولا يحتاج أن يكتب القاضي نقلت خطي كما يكتب الشاهد.
فإذا تكامل نقل شهادات الشهود فيها، الاحياء والاموات، شهد هو وعدل آخر بالمقابلة عند القاضي الآذن في النقل.
وصورة ما يكتب في المقابلة: وقفت على نسخة الاصل.
وقابلتها بهذه النسخة مقابلة تامة.
فصحت.
وأشهد بذلك في التاريخ المذكور.
وكتبه فلان الفلاني.
ويكتب رفيقه كذلك، ويشهدا عند القاضي الآذن، ويثبت عنده أن مضمون النسخة المنقولة منقول من الاصل المذكور، بعد المقابلة الصحيحة الشرعية، ثبوتا صحيحا شرعيا.
والفرق أيضا بين النسخة والسجل: أن النسخة يبتدئ الكاتب أولا في كتابتها.
وبعد ذلك يحكي الاسجالات، وينقل خطوط الشهود فيها الاحياء والاموات والقضاة، كما تقدم شرحه، والسجل بعد أن يتصل الاصل بالقاضي، ويكتب: لينقل به سجل فإذا كتب شرع في نقله.
وصورة ما يبتدئ فيه: هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين - إلى آخر ما تقدم - ثم يحكي بعد ذلك مضمون إسجال القاضي،
وبعد كتابته التاريخ في وسط الاسجالات المتضمنة له، واحدا بعد واحد آخر الاسجالات.
فإذا وصل إلى الاسجال الذي على القاضي الثابت عنده ذلك الاصل، وحكى أنه حكم بما حكم فيه - مثل أن يكون كتاب وقف أو غيره - فإذا انتهى ذكر ذلك جميعه.
يقول: ونسخة كتاب الوقف مثلا، الموعود بذكرها في هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم - ويذكر ما فيه بحروفه إلى آخره وتاريخه - فإذا فرغ منه كتب الاشهاد

على القاضي الآذن بما نسب إليه في هذا السجل.
ثم يقول فشهدت عليه بذلك في تاريخ كذا ويكتب القاضي التاريخ بخطه في وسط الصدر الاول، ويكتب الحسبلة في آخره.
وهذا هو الفرق بين السجل والنسخة أقوى وأمتن.
فافهم ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب القسمة وما يتعلق بها من الاحكام يجوز قسمة الاملاك من الاراضي والحبوب والادهان وغيرها.
ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم.
ويجوز أن ينصبوا من يقسم بينهم.
ويجوز أن يترافعوا إلى الحاكم لينصب من يقسم بينهم.
فإن ترافعوا إليه في قسمة ملك من غير بينة.
ففيه قولان.
أحدهما: لا يقسم بينهم.
والثاني: يقسم، إلا أنه يكتب: أنه قسم بينهم بدعواهم وإن كان في القسمة رد: اعتبر التراضي في ابتداء القسمة، وبعد الفراغ منها.
وقيل: لا يعتبر التراضي بعد خروج القرعة.
وإن لم يكن فيها رد، فإن تقاسموا بأنفسهم لزمت القسمة بإخراج القرعة.
وإن نصبوا من يقسم بينهم.
اعتبر التراضي بعد خروج القرعة.
وفيه قول مخرج في التحكيم: أنه لا يعتبر التراضي.
وإن ترافعوا إلى الحاكم نصب من يقسم بينهم، ولزمهم ذلك بإخراج القرعة ولا يجوز للحاكم أن ينصب للقسمة إلا حرا بالغا عاقلا عدلا عالما بالقسمة.
فإن لم يكن في المسألة تقويم: جاز قاسم واحد.
وإن كان فيها تقويم، لم يجز إلا قاسمان.
وأجرة القاسم في بيت المال.
فإن لم يكن، فعلى الشركاء، تقسم الاجرة عليهم على قدر أملاكهم.
فإن طلب القسمة أحد الشريكين وامتنع الآخر.
نظرت.
فإن لم يكن على كل واحد منهما ضرر، كالحبوب والادهان والثياب الغليظة، والاراضي والدور: أجبر الممتنع.
وإن كان على أحدهما ضرر.
فإن كان على الطالب لم يجبر الممتنع.
وإن كان على الممتنع.
فقد قيل: يجبر.
وقيل: لا يجبر.
وهو الاصح.
وإن كان بينهما دور ودكاكين، أو أرض في بعضها شجر وبعضها بياض، وطلب

أحدهما أن يقسم أعيانا بالقيمة.
وطلب أحدهما قسمة كل عين: قسم كل عين.
وإن كان بينهما عضائد صغار متلاصقة، وطلب أحدهما قسمتها، وامتنع الآخر.
فقد قيل: يجبر.
وقيل: لا يجبر.
وإن كان بينهما عبيد أو ماشية، أو ثياب وأخشاب.
فطلب أحدهما قسمتها أعيانا وامتنع الآخر، أجبر الممتنع.
وقيل: لا يجبر.
وإن كان بينهما دار.
فطلب أحدهما قسمتها.
فيجعل العلو لاحدهما.
والسفل للآخر، وامتنع شريكه: لم يجبر الممتنع.
وإن كان بين ملكيهما عرصة حائط، وأراد أحدهما أن يقسمها طولا.
فيجعل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال العرض.
فامتنع الآخر: أجبر عليه.
فإن أراد أن يقسم عرضا، فيجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول.
فقد قيل: يجبر.
وقيل: لا يجبر، وهو الاصح.
وإن كان بين رجلين منافع.
فأرادا قسمتها بينهما بالمهايأة.
جاز.
وإن أراد أحدهما وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع.
ومتى أراد القاسم أن يقسم: عدل السهام.
إما بالقيمة إن كانت مختلفة، أو بالاجر إن كانت غير مختلفة، أو بالرد إن كانت القسمة تقتضي الرد.
فإن كانت الانصباء متساوية، كالارض بين ثلاثة أنفس أثلاثا.
أقرع بينهم.
فإن شاء كتب أسماء الملاك في رقاع متساوية وجعلها في بنادق متساوية، وجعلها في حجر رجل لم يحضر ذلك ليخرج على السهام.
وإن شاء كتب السهام ليخرجها على الاسماء.
وإن كانت الانصباء مختلفة، مثل أن يكون لواحد السدس، والثاني الثلث والثالث النصف: قسمها على أقل الاجزاء، وهي ستة أسهم.
وكتب أسماء الشركاء في ست رقاع: لصاحب السدس رقعة، ولصاحب الثلث رقعتان، ولصاحب النصف ثلاثة رقاع.
ويخرج على السهام.
فإن خرج اسم صاحب السدس أعطى السهم الاول، ثم يقرع بين الآخرين.
فإن خرج اسم صاحب الثلث أعطى السهم الثاني والثالث، والباقي لصاحب النصف.
وإن خرج أولا لصاحب النصف أعطى ثلاثة أسهم، ثم يقرع بين الآخرين على نحو ما تقدم.
ولا يخرج السهام على الاسماء في هذا القسم.
وهل يقتصر على ثلاث رقاع، لكل واحدة رقعة؟ وإذا تقاسموا وادعى بعضهم على بعض غلطا.
فإن كان فيما تقاسموا بأنفسهم، لم تقبل دعواه.
وإن كانت قسمة قاسم من جهة الحاكم: قالقول قول المدعى عليه مع يمينه، وعلى المدعي البينة.
وإن نصبا من يقسم بينهما.
فإن قلنا يعتبر التراضي بعد

خروج القرعة: لم يقبل قوله.
وإن قلنا لا يعتبر، فهو كقسمة الحاكم.
وإن تقاسموا، ثم استحق من حصة أحدهم شئ معين، لم يستحق مثله من حصة الآخر، بطلت القسمة.
وإن استحق مثله من حصة الآخر: لم تبطل.
وإن استحق من الجميع جزء مشاع: بطلت القسمة.
وقيل: لا تبطل في المستحق.
وفي الباقي قولان.
وإن تقاسم الورثة التركة، ثم ظهر دين محيط بالتركة.
فإن قلنا: القسمة تمييز
الحقين: لم تبطل القسمة.
فإن لم يقض الدين بطلت القسمة.
وإن قلنا: إنها بيع.
ففي بيع التركة قبل قضاء الدين قولان.
وفي قسمتها قولان.
وإن كان بينهما نهر، أو قناة، أو عين ينبع منها الماء.
فالماء بينهم على قدر ما شرطوا من التساوي أو التفاضل.
وإن قيل: إن الماء لا يملك.
والمذهب الاول.
فإن أرادوا سقي أراضيهم من ذلك الماء بالمهايأة جاز، وإن أرادوا القسمة جاز.
فينصب - قبل أن يصل الماء إلى أراضيهم - خشبة مستوية، ويفتح فيها كوي على قدر حقوقهم، ويجري فيها الماء إلى أراضيهم، فإن أراد أحدهم أن يأخذ قدر حقه قبل أن يبلغ إلى المقسم، ويجريه على ساقية له إلى أرضه، أو يدير به رحى: لم يكن له ذلك.
وإن أراد أن يأخذ الماء ويسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من هذا النهر: لم يكن له ذلك.
وإن كان ماء مباحا في نهر غير مملوك، سقى الاول أرضه، حتى يبلغ الكعب، ثم يرسله إلى الثاني.
فإن احتاج الاول إلى سقي أرضه دفعة أخرى قبل أن يسقي الثالث سقى، ثم يرسل إلى الثالث.
وإن كان لرجل أرض عالية وتحتها أرض مستفلة، ولا يبلغ الماء في العالية إلى الكعب حتى يبلغ في المستفلة إلى الوسط.
سقى المستفلة حتى يبلغ الماء إلى الكعب، ثم يسدها ويسقي العالية.
فإن أراد بعضهم أن يحيي أرضا ويسقيها من هذا النهر.
فإن كان لا يضر أهل الاراضي لم يمنع، وإن كان يضرهم منع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: القسمة جائزة بالاتفاق فيما يقبل القسمة، إذ الشركاء قد يتضررون بالمشاركة.
واختلف الائمة رحمهم الله تعالى: هل هي بيع أم إفراز؟ قال أصحاب أبي حنيفة: القسمة تكون بمعنى البيع، وهو فيما يتفاوت كالعقار والثياب.
ولا يجوز بيعه مرابحة.
والتي هي فيه بمعنى الافراز: هو فيما لا يتفاوت،

كالمكيلات والموزونات والمعدودات التي لا تتفاوت كالجوز والبيض.
فهي في هذه إفراز وتمييز حق، حتى إن لكل واحد أن يبيع نصيبه مرابحة.
وقال مالك: إن تساوت الاعيان والصفات كانت إفرازا.
وإن اختلفت كانت بيعا.
وللشافعي قولان.
أحدهما: هي بيع.
والثاني إفراز.
والذي تقرر من مذهبه آخرا: أن القسمة ثلاثة أنواع.
الاول: بالاجزاء، كمثلي ودار متفقة الابنية، وأرض متشابهة الاجزاء.
فتعدل السهام، ثم يقرع.
الثاني: بالتعديل.
كأرض تختلف قيمة أجزائها بحسب قوة إنبات وقرب ماء.
الثالث: بالرد، بأن يكون في أحد الجانبين بئر أو شجر لا يمكن قسمته.
فيرد من يأخذ قسط قيمته.
فقسمة الرد والتعديل بيع، وقسمة الاجزاء إفراز.
وقال أحمد: هي إفراز.
فعلى قول من يراها إفرازا: يجوز عند قسمة الثمار التي يجري فيها الربا بالخرص.
ومن يقول: إنها بيع يمنع ذلك.
ولو طالب أحد الشريكين بالقسمة، وكان فيها ضرر على الآخر.
قال أبو حنيفة: إن كان الطالب للقسمة منهما هو المتضرر بالقسمة لا يقسم.
وإن كان الطالب لها ينتفع: أجبر الممتنع منهما عليها.
وقال مالك: يجبر الممتنع على القسمة بكل حال.
ولاصحاب الشافعي إذا كان الطالب هو المتضرر وجهان.
أصحهما: يجبر.
وقال أحمد: لا يقسم ذلك، بل يباع ويقسم ثمنه.
فصل: وهل أجرة القاسم على قدر رؤوس المقتسمين، أو على قدر الانصباء؟ قال أبو حنيفة ومالك، في إحدى روايتيه: هي على قدر الرؤوس.
وقال مالك في الرواية الاخرى والشافعي وأحمد: على قدر الانصباء.
وهل هي على الطالب خاصة، أم عليه وعلى المطلوب منه؟ قال أبو حنيفة: هي على الطالب خاصة.
وقال مالك والشافعي وأصحاب أحمد: هي على الجميع.
واختلفوا في قسمة الرقيق بين جماعة، إذا طلبها أحدهم: هل تصح أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا تصح.
وقال الباقون: تصح القسمة بالقيمة، كما يقسم سائر الحيوان بالتعديل والقرعة.
وإن تساوت الاعيان والصفات.
انتهى.

المصطلح: وهو يشتمل على صور.
منها: صورة قسمة إفراز على مذهب مالك وأحمد.
قاسم فيها وكيل شرعي بتداعي المتقاسمين إليها ورضاهما بها: هذا ما اقتسم عليه فلان القائم في المقاسمة الآتي ذكرها فيه، عن مولانا المقر الاشرف العالي الفلاني بإذنه العالي في ذلك، على الوجه الذي سيشرح فيه، وتوكيله إياه في ذلك التوكيل الصحيح الشرعي المتقدم على تاريخه، بشهادة شهوده - أو بشهادة من يضع خطه بذلك آخره - وفي التسلم والتسليم والمكاتبة، والاشهاد على الرسم المعتاد.
وفلان ابن فلان، وهو المقاسم عن نفسه وعن أخيه لابويه فلان بطريق معتبر شرعي.
وبإذن الحاكم فلان بحضور المقاسم عنه المذكور، حين جريان هذه المقاسمة.
ووقوعها على الوجه الآتي بيانه في هذا الكتاب، في صحة من هذين المتقاسمين وسلامة.
وجواز أمر وطواعية.
اقتسما جميع القرية الفلانية - ويصف ذلك ويحدده بجميع حقوق ذلك كله إلى آخره - خلا ما في ذلك من مسجد لله تعالى، وطريق المسلمين ومقبرة برسم دفن موتاهم.
فإن ذلك خارج عن هذه القسمة، وغير داخل فيها - قسمة تراض صحيحة ممضاة، جامعة لشرائط الصحة، عرية عن الشرائط المفسدة.
تداعى المتقاسمان إليها، ورغبا فيها بإذن من له الاذن في ذلك شرعا، وعلم كل واحد منهما ما فيها من الحظ والغبطة والمصلحة للجهتين المذكورتين أعلاه، بعد أن ثبت عند فلان الحاكم الآذن المشار إليه: أن القرية المذكورة أعلاه وقف وملك، وأنها قابلة للقسمة نصفين محتملة لها، وأن المصلحة في ذلك لجهة الوقف وجهة الملك جميعا.
وأن لكل واحد من
المتقاسمين المشار إليهما ولاية المقاسمة، الثبوت الشرعي.
جرت المقاسمة على سداد واحتياط، من غير غبن ولا حيف ولا شطط.
بتولي قاسم من قسام المسلمين، ممن له علم وخبرة بقسم ذلك.
وهو الشيخ الامام العالم الفاضل فلان الدين، جمال الحساب، شرف الكتاب، فلان الفلاني، العدل الخبير، والماهر النحرير، الذي انتدبه المتقاسمان المشار إليهما لهذه المقاسمة، وإفراز القرية المحدودة نصفين، بعد التعديل الشرعي في ثبوت دمنة القرية، وبعد التماثل في أراضي القرية المذكورة، واعتبار ما يجب اعتباره، ورضى من يعتبر رضاه بهذه القسمة، بعد وقوعها على الوجه الآتي تعيينه في هذا الكتاب، وإخراج القرعة الشرعية التي تمت بها القسمة.
وثبوت ذلك جميعه عند قاضي القضاة المشار إليه، الثبوت الشرعي.
فكان ما أصاب جهة الوقف المشار إليه أعلاه بحق النصف: الجانب القبلي من القرية المحدودة أعلاه المختص ذلك بالموكل المشار إليه

أعلاه.
وما أصاب المقاسم الثاني وأخاه لجهة الملك بحق النصف: الجانب الشمالي من القرية المحدودة أعلاه.
وكان ما أصاب كل جهة من الجهتين المذكورتين بهذه القسمة وفاء بحق كل جهة، وإكمالا لنصيبهما.
وتسلم كل واحد من المتقاسمين المذكورين ما أفرزه بهذه القسمة.
وصار النصف القبلي من هذه القرية وقفا صحيحا شرعيا على الموكل المشار إليه أعلاه، وعلى من ذكر معه في كتاب وقف ذلك، الثابت لدى الحكام رحمهم الله تعالى، المتصل ثبوته وعلمه بالحاكم المشار إليه أعلاه الثبوت الشرعي.
وصار النصف الشمالي من هذه القرية ملكا طلقا للقاسم الثاني وأخيه المذكورين أعلاه.
يتصرفان فيه تصرف الملاك في أملاكهم، وذوي الحقوق في حقوقهم، مصيرا تاما.
وقد وقف المتقاسمان المذكوران أعلاه على ذلك كله، أو جميعه، وعلى حدوده وحقوقه وعايناه وشاهداه.
وتفرقا عن الرضا بهذه القسمة وإمضائها ولزومها، وقبلاها قبولا شرعيا.
فإن كانت القسمة في قرية جميعها وقف، وقد قاسم فيها الناظران.
وقد أذن في ذلك حاكم، فيقول: هذا ما اقتسم عليه فلان - وهو الناظر الشرعي - في المدرسة الفلانية الكائنة بالمكان الفلاني - ويحددها - وفي أوقافها المحدودة الموصوفة في كتاب وقفها، وفلان - وهو الناظر الشرعي - في الجامع الفلاني - ويصفه ويحدده ويذكر بقعته - وفي أوقافه الموصوفة المحدودة في كتاب وقفه.
وهما مقاسمان بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين المالكي، أو الحنبلي، الحاكم بالمكان الفلاني، وأمره الكريم، لما في هذه المقاسمة من المصلحة الظاهرة للجهتين المشار إليهما، بعد أن ثبت عنده - ثبت الله مجده - أن القرية المحدودة الموصوفة أدناه قابلة للقسمة نصفين محتملة لها، وأن المصلحة في ذلك لجهتي الوقفين المذكورين، وأن القرية المحدودة أدناه وقف صحيح شرعي على الجهتين المذكورتين نصفين، وأن المتقاسمين المذكورين هما الناظران في الوقفين المذكورين بالطريق الشرعي.
وبعد استيفاء شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
تقاسم المتقاسمان المذكوران أعلاه بالاذن الشرعي المشار إليها ما هو وقف على الجهتين المذكورتين أعلاه بينهما نصفين.
وذلك جميع القرية وأراضيها المنسوبة إلى إيقاف فلان رحمه الله تعالى على الجهتين المذكورتين التي هي من بلد كذا.
وعمل كذا، وتشتمل على كذا وكذا، ويحيط بها وبأراضيها حدود أربعة - ويكمل الحدود إلى آخرها - ثم يقول: بحقوق ذلك - إلى آخره - مقاسمة صحيحة شرعية، جرت بين

المتقاسمين المذكورين على سداد واحتياط من غير غبن ولا حيف ولا شطط، بتولي قاسم من قسام المسلمين، ممن له علم وخبرة بقسم ذلك.
وهو الشيخ الامام العالم الفاضل فلان الدين، جمال الحساب، وشرف الكتاب العدل الخبير، والماهر النحرير فلان الفلاني، الذي انتدبه المتقاسمان المشار إليهما لهذه المقاسمة، وإفراز القرية المحدودة
أعلاه نصفين، بعد التعديل الشرعي في ثبوت دمنة القرية، وبعد التماثل في أراضيها، واعتبار ما يجب اعتباره، ورضا من يعتبر رضاه بهذه القسمة، بعد وقوعها على الوجه الآتي تعيينه في هذا الكتاب، وإخراج القرعة الشرعية التي ثبتت بها القسمة، وثبوت ذلك جميعه عند سيدنا قاضي القضاة فلان الدين المشار إليه، الثبوت الشرعي.
فكان ما خص جهة وقف المدرسة المشار إليها بحق النصف: الجانب الشرقي من القرية المذكورة.
وما خص جهة وقف الجامع المشار إليه بحق النصف: الجانب الغربي من القرية المذكورة، بمقتضى إخراج القرعة الشرعية، والفصل بين كل جانب وجانب بفاصل معلوم، لا يكاد يخفى.
عرفه المتقاسمان المشار إليهما معرفة تامة نافية للجهالة.
وكان ما أصاب كل جهة وقف من هاتين الجهتين وفاء لحقها، وإكمالا لنصيبها.
وتسلم كل واحد من الناظرين المتقاسمين ما أصاب جهته، حسبما أفرز لها في هذه القسمة.
وصار ما أصاب كل جهة وقف على جهته، ومختصا بها دون الجهة الاخرى.
وقد وقف المتقاسمان المذكوران أعلاه على جميع القرية المحدودة أعلاه، وعلى حدودها وحقوقها.
وعاينا ذلك ونظراه وشاهداه، وخبراه الخبرة النافية للجهالة.
وتفرقا عن الرضا التام بهذه القسمة، واعترفا بصحتها وإمضائها ولزومها.
فما كان في ذلك من درك أو تبعة: فضمانه حيث يوجبه الشرع الشريف بعدله، وقبلاه قبولا شرعيا.
وإن كانت المقاسمة وقعت على قطع أرضين.
فيذكر الصدر من أوله إلى ههنا.
ثم يقول: أفرز المقاسم المشار إليه هذه القرية قطعا، وعدل كل قطعة أرض قسمين نصفين متساويين.
فمن ذلك: ما اقتسم عليه المتقاسمان المذكوران قسمة أولى أرض كذا، ذرعها قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا - ويحددها ويعين ذرعها من كل جانب من جوانبها الاربع.
وإن كانت مربعة فيذكر أنها مربعة.
وإن كانت مبنقة فيذكر التبنيق.
وهل هو مثلث لا يظهر فيه الحد الرابع، أو يكون الذرع في جهة أقل ذرعا من الذرع في الجهة
الاخرى.
فيحرره - ثم يقول:

فأصاب جهة المقاسم الاول بحصته من هذه القطعة - وهي النصف - الجانب الفلاني منها.
وذرعه في قبليه شرقا بغرب كذا وكذا ذراعا.
وفي شماليه شرقا بغرب كذا وكذا ذراعا.
ثم يكمل الذرع من الجانبين الآخرين، وهو الشرقي والغربي.
فيقول: وذرعه في شرقيه قبلة بشمال كذا، وفي غربيه قبلة بشمال كذا وكذا.
وأصاب جهة المقاسم الثاني بحصته، وهي النصف الآخر: الجانب الفلاني - ويصف ذرعه من الجوانب الاربع على نحو ما وصف في الجانب الذي قبله - ثم يقول: ومنه ما اقتسماه ثانية أرض كذا وكذا ويفعل فيها ما فعله في القطعة الاولى.
ثم يقول: ومنه ما اقتسماه.
قسمة ثالثة، ويفعل ذلك قطعة بعد قطعة، إلى أن ينتهي إلى آخر القطع، ويفصل بين كل جانب من قطعة أرض وبين جانبها الآخر بفاصل معلوم.
ثم يقول: عرفه المقاسمان المذكوران معرفة تامة نافية للجهالة.
وكان ما أصاب كلا من المتقاسمين المذكورين بهذه القسمة وفاء لحقه، وإكمالا لنصيبه، وتسلم كل واحد من المتقاسمين المذكورين ما أفرزه بهذه القسمة.
وصار ذلك بيده يتصرف فيه بطريقه الشرعي.
وقد وقف المتقاسمان المذكوران أعلاه على ذلك كله، وعلى حدوده وحقوقه وفواصله.
ورأياه وشاهداه، وخبراه الخبرة التامة الكاملة النافية للجهالة.
وتفرقا عن رضا بهذه القسمة والامضاء واللزوم.
فما كان في ذلك من درك أو تبعة: فضمانه لازم حيث يوجبه الشرع الشريف بعدله.
وقبلاه قبولا شرعيا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
صورة مقاسمة أخرى: تقاسم فلان وفلان، وشهوده بها عارفون.
فالمقاسم الاول مقاسم عن نفسه، وبالاذن الكريم العالي المولوي الفلاني قاضي القضاة ببلد كذا - أو يقول: وبإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة - فلان الدين وأمره الكريم على الايتام الصغار الذين هم تحت حجر الشرع الشريف.
وهم فلان وفلان وفلان أولاد فلان، لما رأى لهم
في ذلك من الحظ والمصلحة، والغبطة الوافرة الظاهرة المسوغة للقسمة عليهم شرعا.
والمقاسم الثاني فلان مقاسم عن نفسه أيضا في جميع الاملاك الجارية في ملك الايتام الثلاثة المذكورين، وفي ملك المتقاسمين المذكورين أعلاه.
وهو بينهما وبين الايتام المذكورين على ثلاثة أسهم: سهم للايتام الثلاثة المذكورين بينهم بالسوية أثلاثا.
ولكل واحد من المتقاسمين سهم واحد وهو الثلث.
وذلك جميع كذا وكذا وجميع كذا وكذا - ويحدد كل مكان ويصفه على حدة وصفا تاما - ثم يقول: بحدود ذلك كله وحقوقه - إلى آخره - مقاسمة صحيحة شرعية قسمة تراض، تداعى المتقاسمان إليها ورغبا فيها.
فأصاب فلان المقاسم الاول عن نفسه جميع المكان الفلاني المحدود أولا.
وأصاب

الايتام المذكورين عن نصيبهم جميع المكان الفلاني المحدود ثانيا.
وأصاب فلان المقاسم الثاني عن نفسه جميع المكان الفلاني المحدود آخرا.
وكان ما أصاب كل فريق من المتقاسمين والمقاسم عنهم المذكورين أعلاه إكمالا لحقه ووفاء لنصيبه.
اختص به دون الباقين، ودون كل واحد.
وصار ذلك له وملكه وبيده، وتحت تصرفه بحكم هذه المقاسمة الشرعية.
وذلك بعد الرؤية التامة النافية للجهالة، والتفرق عن تراض.
وذلك بعد أن ثبت عند سيدنا قاضي القضاة المشار إليه - أسبغ الله ظلاله - بشهادة من يعين ذلك في رسم شهادته آخره: أن العقار المحدود أعلاه ملك للمتقاسمين المذكورين أعلاه وملك للايتام المقاسم عليهم المذكورين أعلاه منتقل إليهم بالارث الشرعي من والدهم، بينهم بالسوية أثلاثا، وهو بأيديهم وتحت تصرفهم، وأن ما خص الايتام المذكورين بيد والدهم إلى حين وفاته، وأن في القسمة المشروحة أعلاه على الوجه المعين أعلاه حظ بين، وغبطة وافرة، ومصلحة ظاهرة للايتام المذكورين أعلاه حال القسمة.
وبعد ثبوت سائر المقدمات الشرعية المسوغة لجواز القسمة عليهم شرعا، وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، الثبوت الشرعي.
ووقع الاشهاد بذلك على الوجه المشروح أعلاه في اليوم
المبارك.
ويكتب القاضي التاريخ والحسبلة بخطه، ويكتب في أعلاه موضع العلامة على ما تقدم ذكره في باب القضاء، ويكمل على نحو ما سبق.
صورة مقاسمة في ملك ووقف على مذهب الامام أحمد رحمه الله: هذا ما اقتسم عليه فلان وفلان.
فالمقاسم الاول: مقاسم عن نفسه، والمقاسم الثاني: مقاسم بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين الحنبلي.
وأمره الكريم على جهة الوقف الآتي ذكره طوعا، في صحة من هذين المتقاسمين المذكورين وسلامة وجواز أمر.
اقتسما جميع الاماكن الآتي ذكرها، التي النصف منها وقف على الجهة الفلانية.
والملك الثاني: ملك المقاسم الاول المسمى أعلاه.
وهذه الاماكن المشار إليها: هي عدة قطع أرضين متلاصقة بالمكان الفلاني.
ويحيط بها حدود أربعة - ويذكرها - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك كله - إلى آخره - قسمة صحيحة شرعية ممضاة، جامعة لشرائط الصحة، عارية عن المفسدات، خالية عن الرد، تداعى المتقاسمان المذكوران إليها.
وعلما ما فيها من الحظ والمصلحة.
أذن فيها سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين المشار إليه إذنا صحيحا شرعيا، مسؤولا فيه، جامعا شرائطه لوجود الحظ والمصلحة في هذه المقاسمة لجهة الوقف المشار إليه.
ولكونه - أسبغ الله ظله - يرى أن القسمة إفراز، وليست ببيع.
ويرى الحكم بصحته لموافقة ذلك مذهبه ومعتقده، مع علمه باختلاف العلماء في ذلك، بعد أن

ثبت عنده أن الاماكن المشار إليها المتقاسم في هذا الكتاب عليها ملك ووقف حسبما عين أعلاه، وأنها قابلة للقسمة نصفين، محتملة لها، وأن المصلحة في ذلك لجهة الوقف المشار إليه فيه بعد التماثل والتسوية في الاراضي المذكورة، واعتبار ما يجب اعتباره، ورضا من يعتبر رضاه بهذه القسمة، بعد وقوعها على الوجه الآتي شرحه، وبعد إخراج القرعة الشرعية التي تمت بها القسمة.
واستجماع سائر الشرائط المعتبرة في جواز هذه القسمة، وصحتها شرعا، وثبوت ذلك جميعه عند سيدنا قاضي القضاة فلان الدين المشار
إليه الثبوت الشرعي.
فجرت هذه القسمة على سداد واحتياط، من غير غبن ولا حيف ولا شطط، بتولي قاسم من قسام المسلمين ممن له علم وخبرة بقسمة ذلك.
وهو فلان ابن فلان الحاسب الذي انتدبه القاسمان المذكوران لهذه القسمة، وإفراز كل نصيب منها حسبما تعين فيه.
فيقسم ذلك عدة قسم.
القسمة الاولى: قطعة أرض صفتها - ويحددها ويذرعها - أصاب القاسم الاول من ذلك بحصته، وهي النصف: الجانب القبلي منها الذي ذرعه من الجانب القبلي كذا.
ومن جانبه الشمالي كذا، ومن جانبه الشرقي كذا، ومن جانبه الغربي كذا.
وأصاب جهة الوقف المشار إليه بحصته، وهي النصف: الجانب الشمالي منها - ويذكر ذرعه من الجوانب الاربعة.
ويسوق الكلام كذلك، وجميع القطع الارضين إلى آخرها - ثم يقول: هذا آخر ما وقعت عليه المقاسمة في هذا الكتاب.
وقد جعل بين كل قطعة وقطعة فاصل معروف، معلوم ظاهر مفهوم، لا يكاد يخفى، يميز كل جانب من الآخر.
وكان ما أصاب القاسم بحصته - وهو النصف - وفاء لحقه وإكمالا لنصيبه، وما أصاب جهة الوقف المشار إليه أعلاه وفاء لحقها وإكمالا لنصيبها، وتسلم المقاسم الاول ما أصابه من ذلك وأفرز له بهذه المقاسمة، حسبما عين أعلاه، تسلما صحيحا شرعيا، وصار ذلك ملكا مطلقا مفروزا للقاسم الاول.
يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، وذوي الحقوق في حقوقهم، من غير مانع ولا منازع، ولا مشارك له في ذلك، ولا في شئ منه، وتسلم المقاسم الثاني بالاذن الحكمي المشار إليه أعلاه ما أصاب جهة الوقف المشار إليه بهذه القسمة، حسبما عين أعلاه تسلما شرعيا.
وصار ذلك وقفا مفروزا لجهته المعينة أعلاه بغير شريك ولا معارض، ولا منازع ولا متأول، بل هو مختص بجهة الوقف المشار إليها.
تصرف أجوره ورائعه ومغلاته في مصالح الجهة المذكورة على مستحقيها شرعا.
وقد وقف المقاسمان المذكوران أعلاه على ذلك جميعه.
وعايناه وشاهداه.
وخبراه الخبرة التامة النافية للجهالة.
فما كان في ذلك من درك أو تبعة: فضمانه حيث يوجبه الشرع

الشريف ويقتضيه، قبلا ذلك قبولا شرعيا.
ووقع الاشهاد على الحاكم المشار إليه، وعلى المتقاسمين المذكورين فيه بما نسب إليهم فيه بتاريخ - ويكتب الحاكم التاريخ والحسبلة بخطه - ويشهد شهود المجلس عليه بالاذن.
فإن أريد الحكم بصحة المقاسمة كتب الشهود بمقدمات القسمة.
فيقول كل واحد منهم: أشهد أن الاماكن المشار إليها، المقاسم عليها في هذا الكتاب، ملك ووقف حسبما عين أعلاه.
وأنها قابلة للقسمة نصفين محتملة لها، وأن الحظ والمصلحة لجهة الوقف في ذلك، وأشهد بالتماثل والتسوية في الاراضي المشار إليها فيه: فلان ابن فلان، ثم يشهد شهود القسمة.
فيكتب كل واحد منهم: شهدت على المتقاسمين، المشار إليهما فيه بما نسب إليهما في هذا الكتاب على الوجه المشروح فيه من تاريخه المعين أعلاه.
كتبه فلان ابن فلان الفلاني وإن شاء كتب مقدمات القسمة المقدم ذكرها في فصل مستقل.
يصدره بقوله: يشهد من يضع خطه آخره، أو يوضع عنه بإذنه فيه: أن الاماكن المشار إليها - إلى آخره - وبرسم شهود المقدمات خطوطهم في الفصل المذكور وبعد ذلك يدعى به عند الحاكم الآذن.
ويؤدي شهود المقاسمة الشهادة.
ويرقم لهم.
ثم يوقع فيه بالاسجال، أو بالاشهاد، بعد أن يعلم.
ويسجله كاتب الحكم، ويذكر في إسجاله، أو في إشهاده ثبوت القسمة، وفصل المقدمات، والحكم بصحة المقاسمة فيه على مقتضى مذهبه ومعتقده، لكونه يرى أن القسمة إفراز، وليست ببيع، مع العلم بالخلاف.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة قسمة إفراز في قطعة أرض إجبارا من الحاكم: هذا كتاب قسمة صحيحة شرعية، جائزة ماضية معتبرة مرضية، جرت بين فلا وشريكه فلان على ما هو جار في ملكهما وحيازتهما ويدهما ثابتة عليه بينهما بالسوية نصفين على حكم الاشاعة.
وذلك جميع القطعة الارض الفلانية - ويصفها ويحددها - تولى قسمتها بينهما عدل خبير مندوب
لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني الحنبلي.
فوقف عليها العدل المذكور، وعلم تساوي أجزائها، وذرعت بحضوره.
فكان ذرعها قبلة وشمالا كذا وكذا، وشرقا وغربا كذا بالذراع الفلاني فجزأها جزءين قبليا وشماليا.
وكتب رقعتين.
ذكر في كل واحدة منهما جزءا من الجزءين المذكورين.
وجعلهما في بنادق من طين متساوية، وسلمهما إلى رجل لم يحضر ذلك.
فدفع رقعة إلى فلان المبدى بذكره، ورقعة إلى فلان المثنى بذكره.
فأصاب المقاسم الاول الجزء القبلي، وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا بالذراع المذكور.
وأصاب شريكه المذكور الجزء الشمالي، وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا

وغربا كذا بالذراع المذكور.
وتسلم المقاسم الاول ما أصابه من ذلك وأحرزه له، وكان ما أصاب كلا منهما وفاء لحقه وإكمالا لنصيبه.
جرت هذه القسمة بين المتقاسمين المذكورين فيه على سداد واحتياط، من غير حيف ولا شطط، بعد الرؤية والمعرفة التامة، النافية للجهالة، وبعد أن أحضر المقاسم الاول فلان شريكه فلان إلى مجلس الحكم العزيز المشار إليه، وادعى عليه لدى الحاكم المسمى أعلاه: أن جميع القطعة الارض المذكورة أعلاه ملك من أملاكهما، بينهما بالسوية نصفين مشاعا.
وأقام عند الحاكم بينة بذلك، وأنهما متساوية الاجزاء، قابلة للقسمة والافراز التي لا حيف فيها ولا شطط ولا رد، بل قسمة إفراز وتعديل، وطلب منه أن يقاسمه عليها.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فأجاب: بالتصديق على ما ادعاه خصمه من أن ذلك ملك بينهما نصفين.
وامتنع من القسمة.
فأحضر المدعي المذكور بينة شرعية.
شهدت عند الحاكم المشار إليه بما ادعاه المدعي المذكور، من الملك وتساوي الاجزاء، وقبول قسمة الافراز حسبما ذكر أعلاه.
وقبلها الحاكم المشار إليه.
وثبت عنده ما قامت به البينة المذكورة الثبوت الشرعي وتقدم
أمره الكريم إلى القاسم المذكور أعلاه بالقسمة على الوجه الشرعي.
فأذن فيه إذنا شرعيا ماضيا، وحكم بجوازها وإمضائها ولزومها، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مستوفيا شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ووقع الاشهاد بمضمونه على ما شرح فيه بتاريخ، ويكتب الحاكم التاريخ والحسبلة بخطه، ويكتب شهود مقدمات القسمة، وشهود المقاسمة على نحو ما تقدم شرحه.
صورة قسمة التعديل: هذا ما اقتسم عليه فلان المقاسم عن نفسه، وهو فريق أول، وأختاه لابويه فلانة وفلانة المقاسمتان عن أنفسهما، وهما فريق ثان، وفلان أمين الحكم العزيز، وهو فريق ثالث، مقاسم بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين، وأمره الكريم على إخوة المتقاسمين المبدى بذكرهم فيه لابويهم فلان وفلان وفلانة الايتام الصغار الذين هم تحت حجر الحكم العزيز، لظهور الحظ والمصلحة والغبطة لهم في هذه المقاسمة الآتي ذكرها فيه على الوجه الذي سيشرح فيه، ما ذكروا أنه ملك مخلف للمتقاسمين والمقاسم عنهم المذكورين أعلاه عن والدهم المذكور أعلاه.
المتوفى إلى رحمة الله تعالى قبل تاريخه، وهو بيدهم وتحت تصرفهم حالة هذه المقاسمة من غير

منازع لهم فيه، ولا في شئ منه ولا مشارك ولا معارض.
وهو بينهم على تسعة أسهم، لكل ذكر سهمان، ولكل أنثى سهم.
وذلك جميع القرية الفلانية المشتملة على أرض معتمل ومعطل، وسقي وعذي وعيون ماء جارية، وغروس وكروم وتين ولوز وغير ذلك، وجباب وصهاريج، ومغارات ومسارح ومراع ومصايف ومشاتي، ودمنة عامرة برسم سكنى فلاحيها.
وتحيط بهذه القرية وأراضيها حدود أربعة - ويذكرها - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك - إلى آخره - قسمة تعديل صحيحة شرعية، لازمة ممضاة مرعية، جائزة تامة مرضية.
رضى المتقاسمون المذكورون بها وأجازوها، وأمضوا حكمها ومشوا على رسمها.
ووقعت بينهم على الوضع الشرعي، مع الاحتياط الشافي والاجتهاد الكافي،
والتحري من أمين الحكم العزيز المشار إليه في عمل مصلحة الايتام المقاسم عليهم المذكورين أعلاه، على الوضع الشرعي بمحضر من الشهود الواضعين خطوطهم آخره.
بتولي قاسم عدل خبير عارف بمسح الاراضي وتعديلها، وتبيين الحدود والفواصل وتفصيلها.
فاعتبر مساحة القرية المذكورة في الطول والعرض والمبنق والمثلث من ذلك والمستوى، وذرع كل قطعة قطعة على حدة بالذراع الفلاني المتعارف وضبط الذرع.
فكانت جملته كذا وكذا ذراعا بالذراع المذكور، وجزأ الاراضي جميعها تسعة أجزاء متساوية، لكل جزء ذرع معلوم قدره كذا وكذا ذراعا، حد الجزء الاول من القبلة كذا - ويكمل حدوده، ثم يحدد كل جزء على حدته - وكتب تسع رقاع، وعين بالرقاع أسماء الاجزاء وضعت في حجر رجل لم يحضر ذلك.
وأمر بإخراج رقعتين على اسم القاسم الاول.
فأخرجا، فإذا بهما الجزء المحدود ثالثا، والجزء المحدود آخرا، ثم أمر بإخراج رقعتين على اسم الاختين المقاسمتين عن أنفسهما أعلاه.
فأخرج رقعتين، ثم أمر أن تدفع إلى كل واحدة رقعة قبل فتحها.
فدفع إلى كل واحدة منهما رقعة، ثم فتحتا.
فإذا التي بيد فلانة المقاسمة أعلاه الجزء المحدود ثانيا.
والتي بيد أختها فلانة الجزء المحدود أولا، ثم أمر بإخراج رقعتين على اسم فلان اليتيم المثني باسمه في جملة الايتام المذكورين.
فأخرج رقعتين.
فإذا بهما الجزء المحدود رابعا، والجزء المحدود خامسا، وبقي في حجره رقعة واحدة.
فتعينت لليتيمة فلانة المذكورة آخرا، وهو الجزء المحدود سادسا.
فكان ما أصاب كل فريق من المتقاسمين المذكورين.
والمقاسم عليهم المسمين أعلاه وفاء لحقه، وإكمالا لنصيبه.
وتسلم كل من المقاسم الاول وأختيه التالي ذكرهما لاسمه بأعاليه ما أصابه من ذلك.
وتسلم الامين المشار إليه بإذن الحاكم المسمى أعلاه أنصباء الايتام المذكورين تسلما شرعيا.
وأحرز كل منهم ما تسلمه، وحازه حيازة تامة

وأحرزه.
وجعل بين كل جزء وجزء من الاجزاء المحدودة أعلاه علائم فاصلة بين كل
جزء وجزء بتوابيع حجارة كبار، معلومة بينهم مفهومة لهم.
جرت هذه المقاسمة بين المتقاسمين المذكورين أعلاه على سداد واحتياط، من غير حيف ولا غبن ولا شطط ولا جور.
مع ما في ذلك من المصلحة الظاهرة والغبطة الوافرة للايتام المذكورين.
ولم يبق كل فريق يستحق قبل الباقين فيما صار إليهم بهذه القسمة حقا قليلا ولا كثيرا.
وذلك بعد أن وقف المتقاسمون المذكورون أعلاه على ذلك كله.
وعاينوه وعرفوه المعرفة التامة، النافية للجهالة، وتفرقوا عن الرضى بذلك جميعه والانفاذ له والاجازة لجميعه.
وما كان في ذلك من درك أو تبعة: فضمانه حيث يوجبه الشرع الشريف بعدله ويقتضيه.
وجرت هذه القسمة والاذن فيها بعد أن ثبت عند سيدنا ومولانا قاضي القضاة الحاكم المشار إليه: أن القرية المحدودة الموصوفة بأعاليه بحقوقها كلها ملك مخلف عن المورث المسمى أعلاه للورثة المذكورين أعلاه وبيدهم، حالة القسمة بينهم على حكم الفريضة الشرعية، وأن القرية المحدودة أعلاه صالحة للقسمة محتملة لها، وأن في هذه القسمة على الوجه المشروح أعلاه حظا وغبطة ومصلحة للايتام المذكورين أعلاه.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
كذا - ووقع الاشهاد بمضمونه على ما شرح فيه بتاريخ، ويكتب الحاكم التاريخ والحسبلة بخطه - ويكمل على نحو ما سبق.
صورة قسمة الرد: هذا ما اقتسم عليه فلان وفلان المتقاسمان عن أنفسهما.
اقتسما - على بركة الله تعالى وحسن توفيقه - ما هو لهما وبيدهما وملكهما وتحت تصرفهما إلى حين هذه المقاسمة وبينهما بالسوية نصفين مشاعا.
وذلك جميع الدار الفلانية والدار الفلانية - ويصف كل مكان منهما ويحدده على حدة - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك كله - إلى آخره - قسمة صحيحة لازمة شرعية.
تداعيا إليها ورغابا فيها، ورضيا بها، وعلم كل واحد منهما ما له فيها من المصلحة، بعد أن وقف على الدارين المحدودتين أعلاه عدلان خبيران بالعقار وتقويمه والملك وتثمينه.
وأحاطا بالدارين المذكورتين علما وخبرة.
فكان ثمن المثل وقيمة العدل للدار المحدودة أولا: خمسة آلاف درهم مثلا.
وقيمة الدار
المحدودة ثانيا: ستة آلاف درهم.
فصارت قيمة الدار المحدودة أولا مع ما يرد عليها من قيمة القاعة المحدودة ثانيا - وهو خمسمائة درهم - نصيبا كاملا، وصارت الدار المحدودة ثانيا، مع ما يرده من إصابته من ماله مبلغ خمسمائة درهم نصيبا كاملا، ثم أقرع بينهما قرعة.
فخرجت الدار المحدودة أولا للمقاسم الاول، وهو فلان، مع خمسمائة درهم يردها عليه المقاسم الثاني، والدار المحدودة ثانيا للمقاسم الثاني فلان، ويرد إلى

المقاسم الاول خمسمائة درهم المذكورة من ماله.
فردها إليه.
فقبضها منه قبضا تاما وافيا.
وتسلم الدار المحدودة أولا تسلما شرعيا.
وتسلم المقاسم الثاني الدار المحدودة ثانيا تسلما شرعيا.
وأحرز كل منهما ما تسلمه وملكه ملكا تاما.
وكان ما أصاب كل واحد منهما وفاء لحقه، وإكمالا لنصيبه.
وجرت هذه المقاسمة بينهما على سداد واحتياط، من غير غبن ولا شطط ولا حيف، ولم يبق كل منهما يستحق على الآخر فيما صار إليه من ذلك حقا قليلا ولا كثيرا.
وذلك بعد الرؤية التامة، والمعرفة الكاملة النافية للجهالة.
والتفرق عن تراض.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة قسمة وقف وملك أيضا بإذن الحاكم الحنبلي: هذا ما اقتسم عليه فلان، وهو مقاسم عن نفسه، وفلان، وهو مقاسم بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين الحنبلي، وأمره الكريم على جهة الوقف الآتي ذكره.
واقتسما - على بركة الله تعالى وعونه وحسن توفيقه ويمنه - جميع المزرعة الفلانية التي مبلغها أربعة وعشرون سهما.
منها: ثمانية أسهم مختصة بملك المقاسم الاول المسمى أعلاه وحيازته، ويده ثابتة عليه إلى حين هذه القسمة.
والباقي منها - وهو ستة عشر سهما - وقف مؤبد، وحبس محرم مخلد، منسوب إلى إيقاف فلان على مصالح المدرسة الفلانية، وعلى الفقهاء والمتفقهة بها، ثم على جهة متصلة، حسبما يشهد به كتاب وقف ذلك المحضر إلى مجلس الحكم العزيز المشار إليه.
المؤرخ بكذا، الثابت لدى الحكام الثبوت الشرعي في تواريخ متقدمة
على تاريخه، المتصل الثبوت بمجلس الحكم العزيز المشار إليه الاتصال الشرعي بتاريخ كذا.
حد هذه المزرعة بكمالها كذا وكذا - ويذكر حدودها الاربعة - ثم يقول: بحقوق ذلك كله - إلى آخره - قسمة صحيحة لازمة شرعية، أذن فيها الحاكم المشار إليه أعلاه إجبارا، وحكم بجوازها ونفوذها وإمضائها، بعد أن ثبت عنده بشهادة من يضع خطه آخره: أن المقاسم عن نفسه مالك حائز لحصته المذكورة أعلاه إلى حين هذه القسمة، وأن الحصة الباقية المعينة أعلاه وقف على الجهة المعينة أعلاه إلى حين هذه القسمة حسبما ثبت عنده في كتاب الوقف المذكور أعلاه، وأن المزرعة المذكورة محتملة لقسمة التعديل، قابلة لافراز كل حصة من الحصتين المذكورتين أعلاه، وأن المصلحة لجهة الوقف في هذه القسمة، الثبوت الشرعي، وبعد أن طلب المقاسم عن نفسه المقاسمة على المزرعة المذكورة، وإفراز نصيبه منها، وأن ينصب أمينا مقاسما عن حصة الوقف المذكور، مع كونه يرى جواز قسمة الوقف المحبس من الملك المطلق إفرازا لكل واحد من النصيبين، ويرى أن القسمة إفراز وليست ببيع، ويختار ذلك من مذهبه، ويرى العمل

به.
فجرت هذه القسمة على سداد واحتياط، بمحضر من العدول، وأهل الخبرة بقسمة أمثال ذلك من غير حيف ولا شطط.
بتولي قاسم من قسام المسلمين مندوب من جهة الحاكم المشار إليه، وقف على المزرعة المذكورة، وعلى حدودها وفواصلها وأراضيها وبقاعها وسلائحها، وعلم تساوي أجزائها وذرعها.
وجزأها جزءين.
أحدهما: قبلي.
والآخر: شمالي.
فأصاب المقاسم الاول بحصته - وهي الثلث من ذلك - جميع الجانب القبلي من المزرعة.
وقدره الثلث من أراضي المزرعة.
وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا، بما اشتملت عليه من أشجار مثمرة وغير مثمرة.
وبما اختص به من الماء الذي هو من جملة حقوق المزرعة المذكورة عدات بحق الاستطراق إلى هذا القسم من الطريق الفلاني الذي هو من أراضي الثلثين من المزرعة المذكورة.
وأصاب جهة الوقف
بحصته من ذلك جميع الجانب الشمالي من هذه المزرعة.
وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا.
بما اشتملت عليه من أشجار مثمرة وغير مثمرة، وما اختص به من الماء الذي هو من حقوق المزرعة المذكورة.
وقدرها ثلثا عدات.
وقد جعل بين الجانبين المذكورين فاصل معلوم.
عرفه المتقاسمان معرفة تامة، وأن على كل جانب من الخراج ما يذكر فيما هو مقرر على الثلث مبلغ كذا، وما هو مقرر على الثلثين مبلغ كذا.
اطلع المتقاسمان على ذلك وتصادقا عليه.
وكان ما أصاب كل فريق منهما وفاء لحقه وإكمالا لنصيبه.
وقد وقفا على ذلك وعايناه.
وتسلم المقاسم الاول ما أصابه بهذه القسمة تسلما صحيحا شرعيا.
وبان به وأحرزه.
وتسلم المقاسم الثاني ما أصاب جهة الوقف المشار إليه تسلما شرعيا.
وصار في يده لمستحقيه شرعا، بعد اعتبار ما يجب اعتباره فيه.
ووقع الاشهاد بمضمونه على الوجه المشروح فيه بتاريخ.
ويكتب القاضي التاريخ والحسبلة بخطه - ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
صورة قسمة الوقف من الوقف بإذن الحاكم الحنبلي: هذا ما اقتسم عليه فلان وفلان ولدا فلان.
اقتسما - على بركة الله تعالى ويمنه وحسن توفيقه ومنه - بإذن سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين الحنبلي وأمره الكريم، ما هو وقف محرم وحبس مخلد، جارية أجوره ومنافعه عليهما بينهما بالسوية نصفين، منسوب إيقافه إلى والدهما المشار إليه أعلاه، أوجدهما على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على نسله وعقبه، ثم على جهة متصلة بالفقراء والمساكين.
حسبما تضمنه كتاب وقف ذلك، المحضر من أيديهما الذي تأمله الحاكم المشار إليه.
ووقف عليه وأمعن النظر فيه وعرفه، المؤرخ بكذا، الثابت على القاضي فلان الدين الثبوت الشرعي.
المتصل الثبوت بالحاكم الآذن

المشار إليه الاتصال الشرعي في تاريخ كذا.
وذلك جميع البستان الفلاني بالمكان الفلاني، المشتمل على أشجار غراس مختلفة الانواع والثمار، وعلى أراضي وحظائر
محيطة به.
وله حق شرب ماء من نهر كذا - أو قناة كذا - بحق قديم واجب - ويحدده - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك كله - إلى آخره - قسمة إفراز صحيحة شرعية، ممضاة معتبرة مرضية.
أذن فيها سيدنا قاضي القضاة المشار إليه.
وحكم بجوازها ونفوذها وإمضائها حكما صحيحا شرعيا، بعد علمه باختلاف العلماء في ذلك، وبعد أن ثبت عنده مضمون كتاب الوقف المذكور، حسبما عين أعلاه.
واتصل به وأن البستان المذكور محتمل لقسمة التعديل الثبوت الشرعي، ثم طلب المتقاسمان المذكوران من الحاكم المشار إليه، تقدم أمره الكريم بالمقاسمة على البستان المذكور أعلاه، وإفرازه بينهما.
فأجابهما إلى سؤالهما ونصب أمينا، وهو فلان، لقسمة ذلك بينهما.
فوقف الامين المذكور على البستان المحدود أعلاه.
وجعله جانبين، قبليا وشماليا، وقسمه قسمة شرعية بإذن الحاكم المشار إليه في هذه القسمة الاذن الشرعي إجبارا لمن امتنع منهما.
ورأى جواز قسمة الوقف بين أربابه ولزومها في حق الاخوين المذكورين.
وحق من تلقاه بعدهما من البطون في المآل.
وحكم بذلك، وأجازه وأمضاه، مع علمه بالخلاف في ذلك، وكونه يرى أن القسمة إفراز وليست ببيع، ويختار ذلك من مذهبه، ويرى العمل به.
فجرت هذه القسمة على سداد واحتياط من غير غبن ولا حيف.
بتولي المندوب المشار إليه لذلك، بمحضر من العدول أرباب الخبرة الواضعين خطوطهم آخره، بعد التعديل الشرعي بين الجانبين المذكورين أعلاه بالقيمة العادلة، وإخراج القرعة الشرعية التي تمت بها القسمة.
فأصاب فلان المقاسم الاول بحصته، وهي كذا: الجانب القبلي.
وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا.
وأصاب فلان المقاسم الثاني المسمى أعلاه بحصته، وهي كذا: الجانب الشمالي.
وذرعه قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا.
ويفصل بين الجانبين المذكورين فاصل معلوم، معروف بينهما المعرفة الثابتة الشرعية.
وكان ما أصاب كل واحد منهما وفاء لحقه وإكمالا لنصيبه، بعد الرؤية النافية للجهالة، والتسليم الشرعي.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة قسمة التراضي: هذا ما اقتسم عليه فلان وفلان، وكل واحد منهما مقاسم
عن نفسه.
اقتسما - على بركة الله تعالى وعونه - ما ذكرا: أنه لهما وبيدهما وملكهما، وتحت تصرفهما حالة القسمة بينهما بالسوية نصفين على حكم الاشاعة.
وذلك جميع القطعة الارض الفلانية - وتحدد - بجميع حقوق ذلك كله - إلى آخره - قسمة صحيحة

شرعية لازمة، صدرت بينهما عن تراض منهما واختيار.
من غير إكراه ولا إجبار: على أنهما جعلا القطعة الارض المذكورة جانبين، جانبا شرقيا وجانبا غربيا، ذرع الجانب الشرقي المذكور قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا، وذرع الجانب الغربي قبلة وشمالا كذا، وشرقا وغربا كذا.
وصار للمقاسم الاول جميع الجانب الشرقي المذكور أعلاه.
وصار للمقاسم الثاني جميع الجانب الغربي المذكور أعلاه، مصيرا تاما بحقوق ذلك كله.
تعاقدا على هذه القسمة بالايجاب والقبول الشرعي، وتسلم كل واحد منهما ما صار إليه تسلما شرعيا، وبان به وأحرزه.
ولم يبق يستحق كل واحد منهما على الآخر حقا ولا شقصا، ولا شركة ولا نصيبا، ولا دعوى ولا طلبا، ولا محاكمة ولا مخاصمة ولا منازعة، ولا علقة ولا تبعة، ولا شيئا قل ولا جل.
وذلك بعد الوقوف والرؤية النافية للجهالة، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وأقر المتقاسمان المذكوران أن هذه القسمة جرت على نهج العدل والسداد ومقتضى الشرع الشريف باتفاقهما عليها وتراضيهما بها.
وأن لا غلط فيها ولا حيف ولا شطط ولا غبن، وأشهدا عليهما بذلك في تاريخ كذا.
وكذلك يقول في قسم الرقيق، إما بالتعديل والقرعة، أو بالقيمة والرد، عند الائمة الثلاثة.
خلافا لابي حنيفة.
وكذلك قسمة الحبوب والادهان وغيرها مما تتساوى فيه الاعيان والصفات.
فإنه يقسم بالتعديل.
وتكون القسمة فيه قسمة إفراز بالاتفاق.
خلافا لاحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.

كتاب الشهادات
وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في تعلق الحكم بالشهادة: الكتاب، والسنة، والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * إلى قوله: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * إلى قوله: * (علمه الله فليكتب) * فمنع من كتمان الشهادة.
فدل على أنه إذا أدى الشهادة تعلق الحكم بها.
وقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة) *.
وقوله: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * وغير ذلك من الآيات.
وأما السنة: فقوله (ص) للحضرمي: ألك بينة؟.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي (ص) سئل عن الشهادة؟ فقال: هل ترى الشمس؟ فقال: نعم.
قال: على مثلها فاشهد، أو دع وغير ذلك من الاخبار.
وأما الاجماع: فإنه لا خلاف بين الائمة في تعلق الحكم بالشهادة.
وتحمل الشهادة فرض.
وحاصله: أنه إذا دعي رجل ليتحمل الشهادة على نكاح أو دين، وجب عليه الاجابة.
لقوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * وقوله تعالى: * (ولا يضار كاتب ولا شهيد) * وقد قرئ برفع يضار وبنصبه.
فمن قرأ بالرفع.
فمعناه: لا يضر الكاتب والشهيد بمن يدعوه، فيمتنع من إجابته من غير عذر.
وقيل: لا يكتب الكاتب ما لم يستكتب.
ولا يشهد الشاهد ما لم يشهد عليه.
ومن قرأها

بالنصب، فمعناه: لا يضر بالكاتب والشهيد، بأن يدعوهما للكتابة والشهادة من غير حاجة إلى ذلك.
فيقطعهما عن حوائجهما.
وهي فرض على الكفاية إذا دعى إلى الشهادة جماعة.
فأجاب شاهدان سقط الفرض عن الباقين.
لان القصد من الشهادة التوثق.
وذلك يحصل بشاهدين.
فإن امتنع جميعهم من الاجابة أثموا.
فإن لم يكن في موضع إلا شاهدان، فدعيا إلى تحمل
الشهادة.
تعينت عليهما الاجابة.
فإن امتنعا أثما.
لان المقصود لا يحصل إلا بهما.
وكذلك أداء الشهادة فرض، وهو إذا كان مع رجل شهادة لآخر.
فدعاه المشهود إلى أدائها عند الحاكم وجب عليه أداؤها عند الحاكم، لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) * فنهى عن كتمان الشهادة، وتوعد على كتمها.
فدل على أنه يجب إظهارها.
وقوله تعالى: * (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * وهذا يعم حال التحمل وحال الاداء.
فإن امتنع جميع الشهود من الاداء أثموا.
وقد يتعين الاداء على شاهدين.
فإن لم يشهد على الحق إلا اثنان، أو شهد جماعة لكنهم غابوا أو ماتوا، أو كانوا فساقا إلا اثنين.
فإنه يتعين عليهما الاداء إذا دعيا إليه.
لان المقصود لا يحصل إلا بهما.
ومن تعين عليه فرض تحمل الشهادة أو أدائها، لم يجز له أن يأخذ على ذلك أجرة.
لانه فرض توجه عليه.
فلا يجوز له أن يأخذ عليه أجرة، كالصلاة.
وإن لم يتعين عليه.
فهل يجوز له أن يأخذ عليه أجرة؟ فيه وجهان.
أحدهما: يجوز، لانها وثيقة بالحق لم تتعين عليه.
فجاز له أخذ الاجرة عليه.
ككتب الوثيقة.
والثاني: لا يجوز له ذلك.
لان التهمة تلحقه بأخذ العوض.
ولا تقبل الشهادة إلا من عدل.
لقوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) * فدل على أنه إذا جاء من ليس بفاسق لا يتبين.
ولقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * فدل على أن شهادة من ليس بعدل لا تقبل.
والعدل في اللغة: هو الذي استوت أحواله واعتدلت.
يقال: فلان عديل فلان.
إذا كان مساويا له.
وسمي العدل عدلا، لانه يساوي مثله على البهيمة.
وأما العدل في الشرع: فهو العدل في أحكامه ودينه ومروءته.
فالعدل في الاحكام: أن يكون بالغا عاقلا حرا.
والعدل في الدين: أن يكون مسلما

مجتنبا للكبائر، غير مصر على الصغائر.
والعدل في المروءة: أن يجتنب الامور الدنية التي تسقط المروءة.
وحاصله: أنه لا تقبل شهادة صاحب كبيرة، ولا مصر على صغيرة، لان المتصف بذلك فاسق.
وإنما قلنا: إنه فاسق، لان الفسق لغة: الخروج.
لهذا يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها.
والفسق في الشرع: الميل عن الطريقة.
وحد الكبيرة: ارتكاب ما يوجب الحد.
ذكره البغوي.
وقيل: ما يلحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة.
قاله الرافعي.
وقال الماوردي: الكبيرة ما أوجبت الحد، أو توجه بسببها إلى الفاعل وعيد.
والصغيرة: ما قل فيها الاثم.
ومن شروط العدالة: أن يكون العدل سليم السريرة، مأمونا عند الغضب، محافظا على مروءة مثله.
فلا تقبل شهادة القمام، وهو الذي يجمع القمامة - أي الكناسة - ويحملها.
وكذا القيم في الحمامات ومن يلعب بالحمام - أي يطيرها - لينظر تقلبها في الجو.
وكذا المغني، سواء أتاهم أو أتوه.
وكذا الرقاص، كالصوفية الذين يسعون إلى ولائم الظلمة والمكاسين، ويظهرون التواجد عند رقصهم وتحريك رؤوسهم، وتلويح لحاهم الخسيسة، كصنع المجانين.
وإذا قرئ القرآن لا ينصتون.
وإذا تغنى مزمار الشيطان: صاح بعضهم ببعض، أو شاش وأزبد، وأرغى وتواجد.
قاتلهم الله تعالى.
ما أفسقهم وأزهدهم في كتاب الله! وما أرغبهم في مزامير الشيطان.
وما أسبقهم إلى التفاخر في البدع، وما أشبههم بالشياطين.
وكذا لا تقبل شهادة من يأكل في الاسواق ومثله لا يعتاده، بخلاف من يأكل قليلا على باب دكانه ممن عادتهم الغداء في الاسواق.
كالصباغين والسماسرة وغيرهم.
ممن هو في معناه.
وكذا لا تقبل شهادة من يمد رجله عند الناس بغير مرض، ولا من يلعب بالشطرنج على قارعة الطريق، ولا من يكشف من بدنه ما لا يعتاد، وإن لم يكن عورة، ولا من يكثر من الحكايات المضحكة، أو يذكر أهله أو زوجته بالسخف.
ومدار ذلك كله: على حفظ المروءة.
لان حفظها من الحياء ووفور العقل.
وحد المروءة: أن يصون نفسه عن الادناس، وما يشينها بين الناس.
وقيل: أن يسير سير أشكاله في زمانه ومكانه.
والتوبة: فيما بين العبد وبين الله تعالى.
وهي تسقط الاثم.
ويشترط فيها إقلاع

وندم، وعزم أن لا يعود.
وتبرئة ذمته من حق مالي إن تعلقت به.
كمنع زكاته، أو غصب يرده، أو بدله إن تلف.
وأما التوبة في الظاهر التي تعود بها الشهادة والولاية، فالمعاصي إن كانت قولية: شرط فيها القول.
فيقول في القذف: قذفي باطل ولا أعود إليه، أو ما كنت محقا في قذفي.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن الشهادة شرط في النكاح.
وأما سائر العقود - كالبيع - فلا يشترط الشهادة فيها.
واتفقوا على أن القاضي ليس له أن يلقن الشهود، بل يسمع ما يقولون.
واختلفوا، هل يثبت النكاح بشهادة رجل وامرأتين؟ قال أبو حنيفة: يثبت عند التداعي.
وقال مالك والشافعي: لا يثبت.
وعند أحمد: روايتان.
أظهرهما: أنه لا يثبت.
واختلفوا، هل يثبت بشهادة عبدين؟ فعند أبي حنيفة وأحمد: يثبت وينعقد النكاح بشهادة أعميين.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك.
والمختار: أن الاشهاد في البيع مستحب وليس بواجب.
وحكي عن داود: أن الشهادة تعتبر في البيع.
فصل: والنساء لا يقبلن في الحدود والقصاص، ويقبلن مفردات فيما لا يطلع عليه الرجال.
كالولادة والرضاع، وما يخفى على الرجال غالبا.
واختلفوا، هل تقبل شهادتهن فيما الغالب في مثله أن يطلع عليه الرجال، كالطلاق والعتق ونحو ذلك؟ فقال أبو حنيفة: تقبل شهادتهن في ذلك كله.
سواء انفردن في ذلك، أو كن مع الرجال.
وقال مالك: لا يقبلن في غير المال، وما يتعلق به من العيوب التي بالنساء، والمواضع التي لا يطلع عليها غيرهن.
وهذا مذهب الشافعي وأحمد.
واختلفوا في العدد المعتبر منهن.
فقال أبو حنيفة وأحمد في أشهر روايتيه: تقبل شهادة امرأة واحدة.
وقال مالك وأحمد في رواية أخرى: لا يقبل فيها أقل من امرأتين.
وقال الشافعي: لا يقبل إلا شهادة أربع نسوة.
واختلفوا فيما يثبت استهلال الطفل.
فقال أبو حنيفة: بشهادة رجلين أو رجل

وامرأتين.
لانه ثبوت أرش.
فأما في حق الصلاة عليه والغسل: فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة.
وقال مالك: يقبل فيه امرأتان.
وقال الشافعي: يقبل فيه شهادة النساء منفردات، إلا أنه على أصله في اشتراط الاربع.
وقال أحمد: يقبل في الاستهلال شهادة امرأة واحدة.
واختلفوا في الرضاع.
فقال أبو حنيفة: لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
ولا يقبلن فيه عنده منفردات.
وقال مالك والشافعي: يقبلن فيه منفردات، إلا أن مالكا في المشهور عنه: يشترط شهادة امرأتين.
والشافعي يشترط شهادة أربع.
وعن مالك رواية: تقبل واحدة، إذا فشا ذلك في الجيران.
وقال أحمد: يقبلن فيه منفردات.
وتجزئ منهن امرأة واحدة في المشهور عنه.
فصل: ولا تقبل شهادة الصبيان عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: تقبل في الجراح إذا كانوا قد اجتمعوا لامر مباح قبل أن يتفرقوا.
وهي رواية عن أحمد.
وعن أحمد رواية ثالثة: أن شهادة الصبي تقبل في كل شئ.
فصل: المحدود في القذف: هل تقبل شهادته أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا تقبل
شهادته وإن تاب.
إذا كانت توبته بعد الحد.
وقال مالك والشافعي وأحمد: تقبل شهادته إذا تاب.
سواء كانت توبته قبل الحد أو بعده، إلا أن مالكا: اشترط مع التوبة أن لا تقبل شهادته في مثل الحد الذي أقيم عليه.
وهل من شرط توبته إصلاح العمل، والكف عن المعصية سنة أم لا؟ قال مالك: يشترط ظهور أفعال عمله، والتقرب بالطاعات من غير حد سنة ولا غيرها.
وقال أحمد: مجرد التوبة كاف.
واختلفوا في صفة توبته.
فقال الشافعي: هي أن يقول: القذف باطل محرم، ولا أعود إلى ما قلت.
وقال مالك وأحمد: هي أن يكذب نفسه.
وتقبل شهادة ولد الزنا بالزنا وغيره عند الثلاثة.
وقال مالك: لا تقبل شهادة ولد الزنا في الزنا.
فصل: واللعب بالشطرنج مكروه بالاتفاق.
وهل يحرم أم لا؟ قال أبو حنيفة: هو محرم.
فإن أكثر منه ردت شهادته.
وقال الشافعي: لا يحرم إذا لم يكن على عوض، ولم يشغل عن فرض الصلاة، ولم يتكلم عليه بسخف.
والنبيذ المختلف فيه: فشربه لا ترد به الشهادة ما لم يسكر عند الشافعي.
وإن كان

يحد.
وقال أبو حنيفة: النبيذ مباح، لا ترد به الشهادة.
وقال مالك: هو محرم.
يفسق بشربه وترد به الشهادة.
وعن أحمد روايتان.
كمذهب أبي حنيفة ومالك.
فصل: شهادة الاعمى: هل تقبل أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا تقبل شهادته أصلا.
وقال مالك وأحمد: تقبل فيما طريقه السماع.
كالنسب، والموت، والملك المطلق، والوقف، والعتق، وسائر العقود.
كالنكاح، والبيع، والصلح، والاجارة، والاقرار.
ونحو ذلك.
سواء تحملها أعمى أو بصيرا ثم أعمى.
وقال الشافعي: تقبل في ثلاثة أشياء: ما طريقه الاستفاضة والترجمة، والموت.
ولا تقبل شهادته في الضبط، حتى يتعلق بإنسان فيسمع إقراره، ثم لا يتركه من يده حتى يؤدي الشهادة عليه.
ولا تقبل فيما عدا ذلك.
فصل: وشهادة الاخرس: لا تقبل عند أبي حنيفة وأحمد.
وإن فهمت إشارته.
وقال مالك: تقبل إذا كانت له إشارة تفهم.
واختلف أصحاب الشافعي.
فمنهم من قال: لا تقبل.
وهو الصحيح.
ومنهم من قال: تقبل إذا كانت له إشارة تفهم.
فصل: وشهادة العبيد غير مقبولة على الاطلاق عند أبي حنيفة ومالك والشافعي.
والمشهور من مذهب أحمد: أنها تقبل فيما عدا الحدود والقصاص.
ولو تحمل العبد شهادة حال رقه.
ثم أداها بعد عتقه.
فهل تقبل أم لا؟ قال أبو حنيفة والشافعي: تقبل.
وقال مالك: إن شهد به في حال رقه فردت شهادته.
لم تقبل شهادته به بعد عتقه.
وكذلك اختلافهم فيما تحمله الكافر قبل إسلامه.
والصبي قبل بلوغه.
فإن الحكم فيه عند كل منهم على ما ذكرناه في مسألة العبد.
فصل: وتجوز الشهادة بالاستفاضة عند أبي حنيفة في خمسة أشياء: في النكاح، والدخول، والنسب، والموت، وولاية القضاء.
والصحيح من مذهب الشافعي: جواز ذلك في ثمانية أشياء: في النكاح، والنسب، والموت، وولاية القضاء، والعتق، والملك، والوقف، والولاء.
وقال أحمد: بالجواز في تسعة، وهي: الثمانية المذكورة عند الشافعية.
والتاسعة: الدخول.
وهل تجوز الشهادة بالاملاك من جهة البنيان يراه في يده يتصرف فيه مدة طويلة؟ فمذهب الشافعي: أنه يجوز أن يشهد له باليد.
وهل يجوز أن يشهد له بالملك؟ وجهان.
أحدهما: عن أبي سعيد الاصطخري: أنه يجوز الشهادة فيه بالاستفاضة.
ويروى ذلك عن أحمد.
والثاني، عن أبي إسحاق المروزي: أنه لا يجوز.
وقال أبو حنيفة: تجوز الشهادة

في الملك بالاستفاضة.
وتجوز من جهة ثبوت اليد.
ويروى ذلك عن أحمد.
وقال مالك: تجوز الشهادة باليد خاصة في المدة اليسيرة دون الملك.
فإن كانت المدة طويلة كعشر سنين فما فوقها.
قطع له بالملك إذا كان المدعي حاضرا حال تصرفه فيها وحوزه،
إلا أن يكون قرابته، أو يخاف من سلطان إن عارضه.
فصل: هل تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض أم لا؟ قال أبو حنيفة: تقبل.
وقال مالك والشافعي: لا تقبل.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
وهل تقبل شهادتهم على المسلمين في الوصية.
وفي السفر خاصة، إذا لم يوجد غيرهم أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا تقبل.
وقال أحمد: تقبل.
ويحلفان بالله مع شهادتهما: أنهما ما حافا، ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا.
وأنها لوصية الرجل.
واتفقوا على أنه لا يصح الحكم بالشاهد واليمين فيما عدا الاموال وحقوقها.
ثم اختلفوا في الاموال وحقوقها.
هل يصح الحكم فيها بالشاهد واليمين أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يحكم به.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كقول الجماعة.
والاخرى: يحلف المعتق مع شاهده، ويحكم له بذلك.
وهل يحكم في الاموال وحقوقها بشهادة امرأتين مع اليمين أم لا؟ قال مالك: يحكم بذلك.
وقال الشافعي وأحمد: لا يحكم.
وإذا حكم الحاكم بالشاهد واليمين.
ثم رجع الشاهد.
قال الشافعي: يغرم الشاهد نصف المال.
وقال مالك وأحمد: يغرم الشاهد المال كله.
فصل: وهل تقبل شهادة العدو على عدوه أم لا؟ قال أبو حنيفة: تقبل إذا لم تكن العداوة بينهما تخرج إلى الفسق.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا تقبل على الاطلاق.
وهل تقبل شهادة الوالد لولده.
والولد لوالده أم لا؟ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا تقبل شهادة الوالدين من الطرفين للولدين.
ولا شهادة الولدين للوالدين الذكور والاناث، بعدوا أو قربوا.
وعن أحمد ثلاث روايات.
إحداها: كمذهب الجماعة.
والثانية: تقبل شهادة الابن لابيه، ولا تقبل شهادة الاب لابنه.
والثالثة: تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه ما لم تجر إليه نفعا في الغالب.
وأما شهادة كل واحد منهما على صاحبه: فمقبولة عند الجميع، إلا ما يروى عن الشافعي، أنه قال: لا تقبل شهادة الولد على والده في القصاص والحدود لاتهامه في الميراث.
فصل: وهل تقبل شهادة الاخ لاخيه، والصديق لصديقه؟ قال أبو حنيفة والشافعي

وأحمد: تقبل.
وقال مالك: لا تقبل.
وهل تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر؟ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا تقبل.
وقال الشافعي: تقبل.
فصل: أهل الاهواء والبدع: هل تقبل شهادتهم أم لا؟ قال أبو حنيفة والشافعي: تقبل شهادتهم إذا كانوا متجنبين الكذب، إلا الخطابية من الرافضة، فإنهم يصدقون من حلف عندهم أن له على فلان كذا.
فيشهدون له بذلك.
وقال مالك وأحمد: لا تقبل شهادتهم على الاطلاق.
وهل تقبل شهادة بدوي على قروي، إذا كان البدوي عدلا أم لا؟ قال أبو حنيفة والشافعي: تقبل في كل شئ.
وقال أحمد: لا تقبل مطلقا.
وقال مالك: تقبل في الجراح والقتل خاصة.
ولا تقبل فيما عدا ذلك من الحقوق التي يمكن إشهاد الحاضر فيها إلا أن يكون تحملها في البادية.
ومن تعينت عليه شهادة.
لم يجز له أخذ الاجرة عليها.
ومن لم تتعين عليه جاز له أخذ الاجرة إلا على وجه من مذهب الشافعي.
فصل: في الشهادة على الشهادة: قال مالك في المشهور عنه: هي جائزة في كل شئ من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين، سواء كانت في مال، أو حد، أو قصاص.
وقال أبو حنيفة: تقبل في حقوق الآدميين سوى القصاص.
ولا تقبل في حق الله عزوجل كالحدود.
وقال الشافعي: تقبل في حقوق الآدميين قولا واحدا.
وهل تقبل في حقوق الله تعالى، كحد الزنا، والسرقة، والشرب؟ فيه قولان.
أظهرهما: القبول.
واتفقوا على أنه لا تجوز شهادة الفرع مع وجود شاهد الاصل إلا لعذر من مرض أو غيبة تقصر في مثل مسافتها الصلاة، إلا ما يحكى في رواية عن أحمد، أنه لا تقبل شهادة الفرع إلا بعد شهود الاصل.
وهل يجوز أن يكون في شهود الفرع نساء أم لا؟ قال
أبو حنيفة: يجوز.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز.
واختلفوا في عدد شهود الفرع.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: تجزئ شهادة اثنين على كل واحد منهما على شاهد من شاهدي الاصل.
وللشافعي قولان أحدهما: كقول الجماعة.
وهو الاصح.
والثاني: يحتاج أن يكون أربعة.
فيكون على كل شاهد من شهود الاصل شاهدان.
وشهود الفرع إذا زكيا شهود الاصل أو عدلاهما وأثنيا عليهما، ولم يذكرا، اسميهما

ونسبهما للقاضي.
فهل تقبل شهادتهما على شهادتهما؟ قال الائمة الاربعة وكافة الفقهاء: لا تقبل شهادتهما.
وحكى عن ابن جرير الطبري: أنه أجاز ذلك، مثل أن يقول: نشهد أن رجلا عدلا أشهدنا على شهادته: أن فلان ابن فلان أقر لفلان ابن فلان بألف درهم.
فصل: إذا شهد شاهدان بمال، ثم رجعا بعد الحكم به.
قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في القديم وأحمد: عليهما الغرم.
وقال الشافعي في الجديد: لا شئ عليهما.
واتفقوا على أنه لا ينقض الحكم الذي حكم بشهادتهما فيه، وأنهما إذا رجعا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهما.
وإذا حكم حاكم بشهادة فاسقين ثم علم بعد الحكم حالهما.
قال أبو حنيفة: لا ينقض حكمه.
وقال مالك وأحمد: ينقض حكمه.
وللشافعي قولان.
أحدهما: ينقضه.
والثاني: لا ينقضه.
واختلفوا في عقوبة شاهد الزور.
فقال أبو حنيفة: لا تعزير عليه، بل يوقف في قومه، ويقال لهم: إنه شاهد زور.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يعزر ويوقف في قومه، ويعرفون أنه شاهد زور.
وزاد مالك، فقال: ويشهر في الجوامع والاسواق ومجامع الناس.
انتهى.
المصطلح: وهو نوعان:
أحدهما: بيان معرفة حفظ الرسم.
وما يحتاج إليه العدل من معرفة رسم شهادته في الوقائع على اختلاف أنواعها، من الاقارير، والمبايعات، والتمليكات والاجارات، والاصدقة، والاوقاف، والوصايا، وغير ذلك.
مما هو واقع بين الناس، وبيان معرفة ما يحتاج إليه موقع الحكم من معرفة اصطلاح الاشهاد، والاسجال، والسجل، والمحاضر، والمناقلات، وفروض النفقات، والبعديات، وصور الدعاوى، والمجالس، والتنافيذ، وتنافيذ التنافيذ، وغير ذلك مما يضع به موقع الحكم خطه.
الثاني: في بيان ما تقوم به البينة عند القاضي، وما يجري تحت تحمل شهادة الشاهد على اختلاف الحالات والوقائع.
وذلك محصور في قسمين.
القسم الاول: ما تقوم به البينة قبل الدعوى بإذن الحاكم.
وذلك لا يكون إلا في صفة المحاضر.
وهذا القسم هو المقصود المحصور في هذا الباب.
والقسم الثاني: ما تقوم به البينة عند الحاكم بعد الدعوى، وما يترتب عليها.

وتسمى صور المجالس، وصور الدعاوى.
وهذا القسم يأتي ذكره في كتاب الدعوى والبينات إن شاء الله تعالى.
وهذان النوعان من أهم الامور التي تتعلق بهذا التأليف.
وعليها مدار أحكامه.
وإليهما يرجع في حل كل أمر وعقده، وعلى ما يترتب عليهما يكون العمل في حالتي النقض والابرام.
النوع الاول: في بيان معرفة حفظ الرسم، وما يحتاج إليه العدل عند رسم شهادته في الوقائع على اختلاف أنواعها، كما تقدم.
اعلم أن كيفية رسم الشهادة - بعد التاريخ - فيما يكتب عند شهود المراكز على رأي الشاميين، وعند شهود الحوانيت على رأي المصريين، في الاقرار بالدين إذا كان المقر
والمقر له حاضرين أشهد على المقر والمقر له المذكورين أعلاه بما نسب إليهما أعلاه في تاريخه.
كتبه فلان.
وإن كان المقر رجلا كبير القدر، مثل أن يكون قاضيا أو قريبا منه.
فلا يكتب في رسم الشهادة أشهد على المقر بل يكتب: أشهدني سيدنا فلان الدين المشار إليه: على نفسه الكريمة بما نسب إليه أعلاه.
فشهدت عليه بذلك، وشهدت على المقر المذكور أعلاه بذلك في تاريخه.
وكتبه فلان وإن خشي الشاهد من إدخال تغيير في التاريخ، أو خاف فيه من إلحاق زيادة أو نقص، كتب في رسم شهادته - بعد قوله: فشهدت عليه بذلك - في تاريخ كذا وكذا ولا يكتب: في تاريخه فيسلم بذلك من تغييره في الاصل، لان باب الشهادة موضوعه الاحتراز والاحتياط.
وهذا منه.
وإن كان المقر له أيضا: بهذه الصفة من علو المقدار نظر إلى أيهما أكبر قدرا من صاحبه، وأعلا مرتبة.
فيقدم اسمه في الكتابة بصيغة: أشهدني ويجمعهما في الذكر.
فيقول: أشهدني كل واحد من سيدنا القاضي فلان الدين - ويقدم ذكر الاكبر منهما.
أيده الله تعالى - على أنفسهما الكريمة بجميع ما نسب إليهما أعلاه.
فشهدت عليهما بذلك في تاريخ كذا، أو في تاريخه.
كتبه فلان.
واعلم أن المنزلة العالية في مواضع الشهادة من جهة اليسار، وبعدها جهة اليمين، وما بينهما رتبة واحدة، والادب: أن يكتب المورق رسم شهادته في الوسط تواضعا وإن

كان أكبر من بقية العدول الذين يشهدون معه في ذلك المكتوب.
فإن التواضع يرفع صاحبه، والحمق يضعه.
والاولى: أن جميع شهود المكتوب - أي مكتوب كان - أن يضع رسم شهادته، مثل الذي ورق المكتوب بحروفه.
فإنهم تبعا له.
ويشترط أن تكون أسطر رسم الشهادة ملاصقة لاسطر المكتوب من غير خلو بياض بينهما يسع كتابة شئ.
واعلم أن كتابة الشاهد في رسم شهادته ما قدمنا ذكره، من ذكر المقر والمقر له - إلى آخره - أقوى وأبين وأبعد للشبهة، بخلاف ما يكتبه بعض الشهود بقصد الاختيار.
وهو شهد عليهما بذلك، أو شهد بذلك ومنهم من يكتب شطبه، ثم يكتب اسمه تحتها.
فيخرج عن ماهية الشهادة ورسمها حسا ومعنى.
وذلك مما لا يجوز اعتماده، بل ينبغي للعدل الجالس بين العدول أن يضع رسم شهادته واسمه وضعا بينا واضحا يعرف به من بين بقية رسوم الشهادات.
ويتميز بذلك الوضع، بحيث إنه إذا زورت شهادته في مكتوب تكون تلك العلامة التي في الرسم معينة على معرفة التزوير.
ولا يكتب في وقت باصطلاح، وفي وقت بغيره.
فيدخل عليه الدخيل.
وصورة ما يكتب في حجة بدين.
وفيها كفيل، مثل رسم الشهادة التي قبلها.
وعلى الحاضر الكفيل، أو الحاضرين - إن كانوا جماعة - كفلاء بما نسب إليهم في تاريخ كذا، أو في تاريخه.
وصورة ما يكتب في حجة بدين.
وبه رهن: أشهد على المقر الراهن المذكور أعلاه، والمقر له المرتهن المسمى أعلاه، بما نسب إليهما أعلاه في تاريخ كذا، أو في تاريخه.
وصورة ما يكتب في إقرار بقبض دين أو غيره: أشهد على إقرار المقر القابض، وعلى الدافع المذكورين أعلاه، بما نسب إليهما أعلاه في تاريخه.
واعلم أن بعض الفضلاء من أهل هذه الصناعة ينكرون التصريح بالتعلية على الاقرار، مثل قوله: أشهد على إقرار المقر بل يقول: الصواب أن يقول: أشهد بإقرار المقر القابض ولا يقول: على إقرار وكلاهما حسن.
وإن كان القبض بحضرة الشهود كتب في أصل المكتوب بعد قوله: قبضا شرعيا بحضرة شهوده ومعاينتهم لذلك ويزاد في رسم الشهادة وعاينت القبض المذكور فيه.
وعلى هذا النمط: تجري الرسوم في جميع العقود الشرعية على اختلاف أنواعها

فإن القصد منها التصريح الذي يؤمن معه الاختلاط والالتباس.
ويكون الشاهد منه على بصيرة.
ولو أخذنا في استقصاء أبواب العقود لضاق الوقت عن ذكر الواقع، واتسع الخرق على الراقع.
وأما بيان معرفة ما يحتاج إليه موقع الحكم - وهو الذي يسجل على الحاكم إثباتاته وأحكامه، حتى عرف بها، وصار مقصودا بسببها من بين العدول لمعرفته باصطلاحها وشروطها -: فقد سبق في مقدمة هذا التأليف ما يتعلق بذات موقع الحكم، وما يشترط فيه من حسن السيرة والنزاهة، والعفة والديانة والصيانة، والمروءة وبروز العدالة.
وما ينبغي له فعله من الامور اللائقة به وبأمثاله.
والكلام الآن في هذا المحل على تصحيح أهليته، قبل الكلام على بيان ما يكتبه.
فإنه من كالشرط من المشروط، أو كالركن من الماهية الذي لا قيام لها بدونه، ويتوقف وجودها على وجوده.
فأقول: يشترط في كاتب الحكم أن يكون حرا بالغا عاقلا، غير أصم ولا أعمى، ولا به آفة من الآفات، عدلا عفيفا.
ضابطا لما يقع في المجلس، شريف النفس، طاهر العرض والذيل، كثير الحياء، قليل الطمع، غاض الطرف، خبيرا بما يطلب منه من تحمل شهادة، وما يوافق من ذلك ظاهر الشرع، عليه الوقار والسكينة، ثقيل الرأس، قليل الكلام، سريع الادراك، عالما بالشروط.
واصطلاح الحكام.
عنده طرف من النحو، بحيث تكون كتابته مصانة عن التحريف والتصحيف واللحن الفاحش، واقفا عند ما يشهده القاضي عليه من غير أن يزيد من عنده عبارة يكون فيها إجمال، أو يظهر ما فيه إجمال مما وقع به القاضي، بل يقتصر على ذلك التوقيع الذي وقع به بعبارته، إن كان على طريقة الشاميين.
وإن كتب على طريقة المصريين، إذا كان توقيع الحاكم له ليسجل خاصة فينزل الاثبات والحكم على موضعه السائغ في مذهب ذلك الحاكم.
وإن كان فيه
شئ لا يسوغ في مذهبه ولا يندرج تحت الحكم.
صرح في إسجاله بثبوت ما قامت به البينة عنده فيه من كذا وكذا.
ويسكت عن ذكر ما لا يندرج تحت الحكم.
فإن الموقع في الحكم عليه في طريقة المصريين بدار القاضي في بيان صفة حكمه.
وأن يكون موقع الحكم صاحب يقظة، بحيث إن القاضي إذا سها عن شئ ينبهه عليه بينه وبينه، من غير إظهار ذلك السهو لاحد ممن يكون حاضر المجلس.
وإن نبهه عليه بعد قيامه من المجلس سرا كان أولى.

ويكون مع ذلك كله له معرفة بالفقه والفروع الواقعة بين الناس، عارفا بمراتب الشهود الجالسين في الحوانيت والمراكز.
وعدالتهم، والكلام فيهم.
بحيث إنه لا يدخل على القاضي دخيل من جهتهم.
ويستحب أن يكون عارفا بأهل البلد الذي القاضي حاكم به وبأنسابهم وسيرتهم وأحوالهم، وأن يكون ملازما لمجلس القاضي، خصوصا إذا خرج للحكم.
فإنه في الحقيقة رفيقه، وهو القطب الذي يدور عليه أمر القاضي.
فإن لم يوجد من به هذه الصفات، طلب الامثل فالامثل.
وأما بيان معرفة ما يتعلق بكتابته.
فمنها: صورة إسجال: هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا ومولانا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الامام العالم العلامة - إن كان الحاكم قاضي القضاة، إلى آخر ألقابه ونعوته اللائقة به مستوفاة، ويدعو له - ثم يقول: الناظر في الاحكام الشرعية بالديار المصرية والممالك الاسلامية مثلا، وإن كان في الشام.
فيقول: الناظر في الاحكام الشرعية بالمملكة الشامية المحروسة مثلا، ومعاملاتها ونواحيها وضواحيها ومضافاتها وما أضيف إلى ذلك.
وكذلك يقول في كل مملكة من الممالك التي تصدر الولاية فيها من السلطان.
وإن كان الحاكم نائبا في الحكم العزيز.
كتب هذا ما أشهد به على نفسه
الكريمة أو أشهد على نفسه الكريمة، أو أشهد على نفسه سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى.
الشيخ الامام العالم، أقضى القضاة فلان الدين إلى آخره ثم يقول: خليفة الحكم العزيز بالمكان الفلاني، ويدعو له ثم يقول: من حضر مجلس حكمه وقضائه.
وهو نافذ القضاء.
والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم المبارك ويخلي بياضا يكتب القاضي فيه التاريخ بخطه، ثم يقول: من سنة كذا وكذا.
أنه ثبت عنده، وصح لديه - أحسن الله تعالى إليه - على الوضع المعتبر الشرعي، والقانون المحرر المرعي، بشهادة من أعلم له تلو رسم شهادته باطنه علامة الاداء والقبول على الرسم المعهود في مثله، إشهاد فلان وفلان، أو إشهاد فلان البائع، أو الواقف، أو غير ذلك ما تضمنه ذلك المكتوب - إلى آخره - بلفظ مختصر وجيز، يحيل فيه على الباطن، ثم يقول: على الحكم المشروح باطنه، وباطنه مؤرخ بكذا وكذا.
وإن كان فيه شئ من الفصول.
كتب بعد ذكر تاريخ الباطن، ومضمون الفصول الثلاثة أو الاربعة المتضمن أحدهم كذا وكذا، ومضمون الثاني كذا، ومضمون الثالث كذا.
ومضمون الرابع كذا.
فإذا استوفى ذكرها

كتب: على ما نص وشرح في كل من الفصول المسطرة باطنه على الوجه الشرعي، ثبوتا صحيحا شرعيا.
وحكم - أيد الله تعالى أحكامه، وسدد نقضه وإبرامه - بموجب ذلك، أو بموجب ما قامت به البينة الشرعية عنده فيه، أو بصحة البيع أو بصحة الوقف على النفس، أو بصحة المداينة، أو غير ذلك، مما يراد فيه الحكم بالصحة إلى آخره.
ثم يقول: حكما شرعيا، تاما معتبرا مرضيا مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وإن كان المحكوم به مما يشترط فيه التشخيص، صرح به في الحكم، ثم يقول: مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في التاريخ المقدم ذكره، المكتوب بخطه الكريم أعلاه - شرفه الله تعالى وأعلاه وأدام علاه - ويخلي بياضا يكتب القاضي فيه الحسبلة.
وإن كتب الصلاة على
النبي (ص) بخطه قبل الحسبلة، فهو أجود وأبرك وأيمن.
وصورة ما يكتب في إسجال التنفيذ: الصدر المقدم ذكره إلى قوله: إنه ثبت عنده - إلى آخره.
إشهاد سيدنا ومولانا فلان الدين - ويذكر ألقابه المشروحة في إسجاله، الصادر عنه الذي يراد تنفيذه - أو إشهاد سيدنا فلان الدين إن كان نائبا، المنسوب إليه في إسجاله المسطر باطنه، أو بهامشه أو بظاهره، أو عن يمينه، أو عن يسرته، المتضمن كذا وكذا، ثم يقول: المؤرخ بخطه الكريم بكذا وكذا، ثبوتا صحيحا شرعيا.
ونفذ سيدنا ومولانا فلان الدين الحاكم الشافعي مثلا، المشار إليه أعلاه - أدام الله علاه - حكم سيدنا فلان الدين الحاكم الحنفي مثلا، المنسوب إليه في إسجاله المسطر أعلاه، أو تنفيذه المنسوب إليه في إسجاله المسطر أعلاه، على ما نص وشرح، تنفيذا صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه.
مستوفيا شرائطه الشرعية.
ويكمل على نحو ما سبق من العلامة عن يسرة البسملة والتاريخ في الوسط والحسبلة في آخره.
كل ذلك بخط الحاكم على ما تقدم بيانه.
وصورة ما يكتب موقع الحكم، وهو المسجل بالشهادة على الحاكم: أشهدني سيدنا ومولانا - ويذكر ألقاب الحاكم المقدم ذكرها في الاسجال المشهود فيه من غير تطويل ولا اختصار - على نفسه الكريمة بما نسب إليه في إسجاله المسطر أعلاه.
على ما نص وشرح فيه.
فشهدت عليه بذلك في التاريخ المقدم ذكره، المكتوب بخطه الكريم أعلاه - شرفه الله تعالى وأعلاه - بحيث ينتهي ذلك في سطرين.
وفي السطر الثالث الصغير: وكتبه فلان ابن فلان الفلاني ويكتب كل واحد من رفقته تحت هذا الاول على

سمت أسطر الاسجال سطرا واحدا، يقول فيه: وكذلك أشهدني - أيد الله أحكامه وأدام أيامه - على نفسه الكريمة بما نسب إليه أعلاه.
فشهدت عليه به في تاريخه وسطر صغير
جدا تحته وكتبه فلان ابن فلان الفلاني وكذلك يكتب الثاني والثالث والرابع.
فصاعدا.
وصورة ما يكتب في البعدية وغيرها مما فيه حكم أو ثبوت مجرد: أشهدني سيدنا الحاكم المشار إليه - أيده الله تعالى - وفي سطر ثان تحته: على نفسه الكريمة بما نسب إليه أعلاه.
فشهدت عليه به.
وفي سطر ثالث تحته: وعلى كل واحد من المتؤاجرين أو المتبايعين، أو المتعاقدين بما نسب إليه أعلاه في تاريخه.
وفي سطر رابع تحت هؤلاء الثلاثة: وكتب فلان ابن فلان الفلاني.
وإن شاء كتب هذه الالفاظ كلها في سطرين أو ثلاثة، ويكتب رفيقه إلى جانبه كذلك.
وهذا لا يكون إلا فيما علامة الحاكم عليه جرى ذلك أو فرضت ذلك، وأذنت فيه أو أذنت في ذلك خاصة أو فوضت ذلك أو أمضيت ذلك ونحوه.
وصورة الاشهاد على الحاكم القائم مقام الاسجال على طريقة الشاميين فيما يوقع القاضي فيه بالعلامة في باطن المكتوب، ويوقع في هامشه بما يشهد به عليه من الثبوت والحكم والتنفيذ وغيره على الصيغة المقدم ذكرها: أشهدني سيدنا ومولانا - إن كان قاضي القضاة ذكر ألقابه اللائقة به، ودعا له بقوله: أدام الله أيامه وأعز أحكامه، وأسبغ ظلاله.
وختم بالصالحات أعماله - وإن كان نائبا ذكر ألقابه، ودعا له بأيده الله تعالى، مع استيفاء ذكر الحاكم والتصريح باسمه، واسم أبيه واسم جده، ليخرج بذلك من الخلاف، ثم يقول: الشافعي أو الحنفي مثلا بالمملكة الفلانية، ثم يقول: على نفسه الكريمة - حرسها الله تعالى - في مجلس حكمه العزيز بالمكان الفلاني: أنه ثبت عنده إشهاد المتبايعين المذكورين باطنه على أنفسهما بجميع ما نسب إليهما باطنه، وجريان عقد التبايع بينهما في البيع المعين باطنه، على الوجه المشروح باطنه، ثبوتا صحيحا شرعيا.
فشهدت عليه بذلك في تاريخ كذا وكذا.
وإن كانت البينة قامت عند الحاكم بأكثر مما ذكرنا فيزاد: وأصل ذلك اعتبار ما وقع به الحاكم بلفظه ومعناه من غير زيادة ولا نقصان.
وكذلك يفعل في الاشهادات بالتنافيذ وتنافيذ التنافيذ.
انتهى.
النوع الثاني: في بيان ما تقوم به البينة عند الحاكم، وما يجري تحت تحمل شاهدة

الشاهد على اختلاف الحالات والوقائع.
وذلك محصور في قسمين.
القسم الاول: ما تقوم به البينة قبل الدعوى بإذن الحاكم.
وذلك لا يكون إلا في صيغة المحاضر.
وهذا القسم هو المقصود المحصور في هذا الباب، لغلبة تعلقه به.
وهي متنوعة.
وقد جرت العادة أن المحضر إذا كتب ببلد فيه قاضي القضاة فلا يأمر بكتابة المحضر إلا هو.
وإن التمس منه ثبوته على نفسه فعل.
وإن طلب منه ثبوته على نائبه عينه عليه.
وعنده تقام الدعوى بعد ثبوت التوكيل إن كانت الدعوى من وكيل، أو على وكيل، ثم تقام بينة الاصل، ثم بينة الفصول إن كان مما يحتاج إلى مقدمات أو فصول.
ثم يرقم القاضي للشهود ويسجل، أو يشهد فيه بالثبوت والحكم كما تقدم.
واعلم أن القاعدة في كل محضر يكتب بإذن الحاكم: أن يكتب في طرة الورقة سؤالا بالغرض المطلوب.
فإن كتبه على طريقة المصريين، فيقول: المملوك فلان يقبل الارض، وينهى كيت وكيت.
فإذا انتهى من الانهاء فيقول: وللمملوك بينة تشهد بذلك.
وسؤاله من الصدقات العميمة: إذن كريم بكتابة محضر شرعي بذلك.
ويكمل.
وإن كتب على طريقة الشاميين.
فيقول: المملوك فلان يقبل الارض ويسأل الصدقات العميمة، والعواطف الرحيمة: سيدنا ومولانا قاضي القضاة فلان الدين: إذن كريم بكتابة محضر شرعي، بكيت وكيت.
فإذا انتهى من ذكر قصده، يقول: صدقة عليه، وإحسانا لديه.
وفي الطريقة الاولى: يكتب تحت الانهاء بعد خلو بياض يسير نحو أصبعين: البينة في الوسط.
ويكتب تحتها من محاذاة رأس السطور: الانهاء العدل فلان الفلاني.
وإن لم يصرح بعدالته.
فيقول: فلان ابن فلان الفلاني.
ويكتب الآخر إلى جانبه واحدا بعد واحد
على صفة الرسم في الشهادة.
ثم يكتب الحاكم الآذن في أسفل طرف السؤال على يسار القارئ ليكتب ثم يكتب الموقع في أسفل رسوم البينة، وأسماء من ذكر منها بعد خلو بياض نحو ثلاثة أصابع: البسملة الشريفة، وبعدها: شهوده الواضعين خطوطهم آخره من أهل الخبرة الباطنة والعلم التام، يعرفون فلانا الفلاني معرفة صحيحة شرعية، جامعة لعينه واسمه ونسبه.
ويشهدون مع ذلك شهادة لا يشكون فيها ولا يرتابون، هم بها عالمون، ولها محققون وعنها غدا بين يدي أحكم الحاكمين مسؤولون: أن الامر كيت وكيت.
والقاعدة في الفصول التي تكتب بمقدمات العقود في ديوان المكاتيب، أو في

هوامشها: يشهد من سيضع خطه آخره، ومن سيوضع عنه بإذنه فيه: أن الامر كيت وكيت، يعلمون ذلك، ويشهدون به مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا.
ويؤرخ.
وإذا أرخ المحضر المقتضب الناشئ عن إنهاء وسؤال يقول: وكتب حسب الاذن الكريم العالي المولوي - ويستوفي ألقاب قاضي القضاة الآذن في كتابته إلى آخرها، بإلحاق ياء الاضافة، ويدعو له.
ثم يقول: بمقتضى خطه الكريم أعلاه.
شرفه الله تعالى وأعلاه، وأدام رفعته وعلاه.
صورة المحاضر المختصة ببيت المال: لما كان بتاريخ كذا وكذا، ورد من الابواب الشريفة السلطانية الملكية الفلانية - خلد الله ملك مالكها ونصره، وكبت عدوه وقهره - مرسوم شريف مربع متوج بالاسم الشريف فلان.
مكمل العلائم، مضمونه كذا وكذا، مؤرخ بكذا.
فحينئذ برز مرسوم المقر الاشرف العالي الفلاني.
كافل المملكة الفلانية إلى وكيل بيت المال المعمور بالمملكة المشار إليها، وهو فلان الفلاني بامتثال ما برزت به المراسيم الشريفة.
فقابل وكيل بيت المال المعمور المشار إليه المرسوم الكريم بالامتثال والسمع والطاعة.
وتقدم هو وشهود القيمة وأرباب الخبرة.
ومن جرت عادته بالوقوف
على مثال ذلك.
ووقفوا جميعا على القرية المذكورة في المرسوم الشريف، التي هي من عمل مدينة كذا ومضافاتها، وعلى أراضيها وحدودها وفواصلها.
وحرروا ذلك، وأمعنوا النظر فيه.
فوجدوها تشتمل على أراضي معتمل ومعطل، وسقي وعدي، وبيادر وأنادر، وسهل ووعر، وجباب وصهاريج ودمن ومساكن وحقوق.
وعلى قائم أشجار مختلف الثمار، وغراس مستجد، مثمر وغير مثمر - ويحدد القرية وأراضيها - ثم جعلوا أراضي هذه القرية الداخلة في حدودها كذا وكذا قطعة.
وذرعوا كل قطعة.
وأحصوا ذرعها من نواحيها الاربع فكانت القطعة الاولى مربعة متساوية الاطراف، ليس فيها تبنيق.
فكانت قبلة وشمالا كذا وكذا ذراعا، وشرقا وغربا كذا وكذا ذراعا.
فضربوا الذرع الاول، وهو كذا، في الذرع الثاني.
وهو كذا، فبلغ على حكم الضرب والمساحة قاعدة في ريح كذا وكذا ألف ذراع، ثم ذرعوا القطعة الثانية.
وهي مبنقة مختلفة الاطراف فكان ذرعها من رأسها القبلي شرقا وغربا كذا.
ومن رأسها الشمالي شرقا وغربا كذا، ثم ضربوا الذرعين في بعضهما بعضا.
فبلغ كذا وكذا ذراعا - ثم يذكر ذرع كل قطعة وقطعة كذلك.
ويذكر حدود كل قطعة على حدة - ثم يقول: فصارت مساحة أراضي هذه القرية كذا وكذا ذراعا بالذراع الهاشمي أو النجاري، أو ذراع العمل.
ولما وقف شهود القيمة على هذه الاراضي جميعها وعرفوها المعرفة الشرعية، وأحاطوا بها علما وخبرة نافية للجهالة، شهدوا

شهادة، هم بها عالمون ولها محققون.
وفيها محقون.
لا يشكون فيها، ولا في شئ منها، ولا يرتابون: أن هذه القرية بحقوقها كلها ملك من أملاك بيت المال المعمور، وبيد من له الولاية عليه شرعا يوم تاريخه.
وأن قيمة هذه القرية وأراضيها مبلغ كذا وكذا، القيمة العادلة لها يوم تاريخه، على شهوده ذلك وشهدوا به مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا.
ويؤرخ.
محضر على صورة أخرى: يكتب صدر المحضر، كما تقدم أولا.
وهو: شهوده
الواضعون خطوطهم - إلى آخره - يعرفون جميع القرية الفلانية وأراضيها المشتملة على كذا وكذا - ويصفها ويحددها - ثم يقول: بحقوق ذلك كله وأراضيه، معرفة صحيحة شرعية، ويشهدون مع ذلك أنها ملك جار في أملاك بيت المال المعمور، وبيد من له الولاية عليه شرعا، وأن قيمة القرية المحدودة الموصوفة بأعاليه يوم تاريخه كذا وكذا.
وأن ذلك قيمة عادلة لها، لا حيف فيها ولا شطط، ولا غبينة ولا فرط.
يعلمون ذلك.
ويشهدون به، مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا في تاريخ كذا وكذا.
وذلك بعد أن ورد مرسوم شريف مربع - ويذكر مضمونه وتاريخه - ويكمل على نحو ما تقدم في الصورة التي قبل هذه.
محضر يتضمن الوقوف على أراضي قرية بمقتضى مرسوم شريف، وبطلان البيع فيها، وارتجاعها إلى بيت المال.
لما كان بتاريخ كذا وكذا.
ورد مرسوم شريف مربع من الابواب الشريفة.
مكمل بالعلائم، متوج بالاسم الشريف فلان.
مؤرخ بكذا، وقرينه مثال شريف لمولانا المقر الاشرف العالي الفلاني.
كافل المملكة الفلانية على يد المجلس العالي الفلاني.
أحد البريدية بالابواب الشريفة.
مضمون المرسوم الشريف المربع - بعد البسملة الشريفة والصدر الشريف - أن يتقدم وكيل بيت المال المعمور بالمملكة الفلانية بالتوجه، هو وشهود القيمة وأرباب الخبرة بالوقوف على قرية كذا، وعلى أراضيها وتحرير أمرها، وقطع حدودها.
والقيمة عنها، حين برزت المراسيم الشريفة بتقويمها في سنة كذا، وبيعت بمقتضى تلك القيمة من فلان، ووقفها وعمل محاضر شرعية بقيمتها من ذلك التاريخ المتقدم، وثبوتها لدى الحكام قضاة الاسلام، وبناء الامر في ذلك كله على مقتضى الشرع المطهر في بطلان البيع الصادر فيها من وكيل بيت المال في التاريخ المتقدم، وبطلان الوقف الذي وقفه المشتري، ورجوعها إلى أملاك بيت المال، إذا ظهر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7