كتاب : جواهر العقود و معين القضاة و الموقعين و الشهود
المؤلف : شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي

فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: ترث، إلا أن أبا حنيفة يشترط في إرثها أن لا يكون الطلاق عن طلب منها.
وللشافعي قولان.
أظهرهما: الارث.
وإلى متى ترث على قول من يورثها؟ قال أبو حنيفة: ترث ما دامت في العدة، فإن ماتت بعد انقضاء عدتها لم ترث.
وقال أحمد: ترث ما لم تتزوج.
وقال مالك: ترث، وإن تزوجت.
واختلفوا فيمن قال لزوجته: أنت طالق إلى سنة.
فقال أبو حنيفة ومالك: تطلق في الحال.
وقال الشافعي: لا تطلق حتى تنسلخ السنة.
واختلفوا فيمن طلق واحدة من زوجاته لا بعينها، أو بعينها ثم أنسيها طلاقا رجعيا.
فقال أبو حنيفة وابن أبي هريرة من الشافعية: لا يحال بينه وبين وطئها، وله وطئ أيتهن
شاء.
فإذا وطئ واحدة انصرف الطلاق إلى غير الموطوءة.
ومذهب الشافعي: أنه إذا أبهم طلقة بائنة، تطلق واحدة منهن مبهما.
ويلزمه التعيين.
ويمنع من قربانهن إلى أن يعين.
ويلزمه ذلك على الفور.
فلو أبهم طلقة رجعية، فالاصح أنه لا يلزمه التعيين في الحال، لان الرجعية زوجته.
وتستحب عدة من عينها من حين اللفظ، لا من وقت التعيين.
وقال مالك: يطلقهن كلهن.
وقال أحمد: يحال بينه وبينهن، ولا يجوز له وطئهن، حتى يقرع بينهن، فأيتهن خرجت عليها القرعة كانت هي المطلقة.
واتفقوا على أنه إذا قال لزوجته: أنت طالق نصف طلقة.
لزمه طلقة.
وقال القاضي عبد الوهاب، وحكي عن داود: إن الرجل إذا قال لزوجته: نصفك طالق، أو أنت طالق نصف طلقة: إنه لا يقع عليها الطلاق، والفقهاء على خلافه.
واختلفوا فيمن له أربع زوجات، فقال: زوجتي طالق، ولم يعين.
فقال أبو حنيفة والشافعي: تطلق واحدة منهن.
وله صرف الطلاق إلى من شاء منهن.
وقال مالك وأحمد: يطلقن كلهن.
واختلفوا فيما إذا شك في عدد الطلاق.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يبني على الاقل، وقال مالك في المشهور من مذهبه: يغلب الايقاع.
واختلفوا فيما إذا أشار بالطلاق إلى ما ينفصل من المرأة في السلامة: كاليد، فقال أبو حنيفة: إن أضافه إلى أحد خمسة أعضاء - الوجه والرأس والرقبة والظهر والفرج - وقع.
وفي معنى ذلك عنده الجزء الشائع، كالنصف والربع.
قال: وإن أضافه إلى ما

ينفصل في حال السلامة - كالسن والظفر والشعر - لم يقع.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يقع الطلاق بجميع الاعضاء المتصلة، كالاصبع وأما المنفصلة - كالشعر - فيقع بها عند مالك والشافعي.
ولا يقع عند أحمد.
انتهى.
وينبني على هذا الخلاف مسائل.
الاولى: رجل قال لامرأته: نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي، لا يقع عليه الطلاق.
لانه عطف طلاقها على طلاق نسوة لا يقع طلاقهن قطعا.
الثانية: إذا قال لامرأته: أنت طالق عند موتي، لم تطلق.
ولو قال لعبده: أنت حر عند موتي، عتق.
والفرق: أن للزوجية حدا ينتهي إليه، وهو الموت.
فلا تطلق، كما لو قال: أنت طالق بعد موتي.
وليست الحرية كذلك.
فإنه لو قال لعبده: أنت حر بعد موتي، عتق.
الثالثة: طلقة حرمت حلالا، وأحلت حراما، وأبطلت مطالبة، وأسقطت نفقة، وأوجبت نفقة، وأفادت مالا.
وأفادت نكاحا.
فذلك: الرجل يطلق زوجته قبل الدخول، وهي ذمية فقيرة وأختها مملوكة.
وكان الزوج آلى منها، وانقضت مدة الايلاء.
فبطلاقه إياها بطلت المطالبة بالفيئة وسقطت نفقتها عنه.
ووجبت نفقتها على الموسر من ولدها، وحرمت على زوجها، وحل وطئ أختها، وأبيح له تزوج أختها الحرة، وأفادت الزوجة نصف صداقها.
الرابعة: شخص تكلم بكلام مرة، لم يؤثر في الحال.
وإذا كرره أثر في الحال.
وهو ما إذا قال لزوجته: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، لم يقع به شئ.
فإذا قاله مرتين: وقع عليه طلقة واحدة.
وإن قاله ثلاثا: وقع طلقتان، وإن قاله أربعا: وقع ثلاث.
الخامسة: لو قال: أنت طالق بعد شهور، ونوى عددا.
فذاك، وإلا فبعد ثلاثة أشهر.
ولو قال: بعد الشهور، ونوى.
فعلى ما نوى من العدد.
وإن لم ينو.
فقيل: تطلق بعد اثني عشر شهرا.
لقوله تعلى: * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) *.
ولو قال: أنت طالق بعد أيام، فعلى ما نوى من العدد.
وإن لم ينو: طلقت بعد ثلاثة أيام.
وقيل: تطلق بعد سبعة، لقوله تعالى: * (وتلك الايام نداولها بين الناس) *.
ولو قال: أنت طالق بعد ساعات، ونوى.
فعلى ما نوى، وإن لم ينو: فبعد ثلاث

ساعات.
ولو قال: بعد الساعات، ونوى عددا.
فعلى ما نوى، وإن لم ينو، قيل: تطلق بعد أربع وعشرين، لان ذلك كمال ساعات اليوم والليلة.
السادسة: قال رجل لامرأته: إن كان في كمي دراهم أكثر من ثلاثة فأنت طالق.
وكان في كمه أربعة.
قال أبو عبد الله البوشنجي: حدثني الربيع بن سليمان أن الشافعي رضي الله عنه قال: لا يقع، لانه ليس في كمه دراهم هي أكثر من ثلاثة، إنما الزائد على الثلاثة في كمه درهم لا دراهم.
السابعة: وقع حجر من سطح.
فقال: إن لم تخبريني من رماه الساعة فأنت طالق.
قال القاضي حسين: فتقول: رماه مخلوق، ولا تطلق.
قال: وإن قالت: رماه آدمي طلقت، لاحتمال كونه كلبا أو ريحا.
كذا نقله الرافعي.
وأقول: قد لا يكون رماه مخلوق، بل وقع بنفسه بإرادة الله تعالى.
فقد يقال: الخلاص أن تقول: رماه الله تعالى، ولا يمتنع إطلاق هذا اللفظ، لقوله تعالى: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) *.
الثامنة: رجل حلف بالطلاق لا أكلم امرأتي قبل أن تكلمني.
فقالت: إن كلمتك فعبدي حر.
كيف تصنع؟ قيل: إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى سئل عن هذه المسألة.
فقال للحالف: اذهب فكلمها ولا حنث عليكما.
فإنها لما قالت لك: إن كلمتك فعبدي حر، شافهتك بالكلام.
فانحلت يمينك.
وذهب أصحابنا إلى هذا مع الموافقة عليه.
وخرجوا عليه، ما لو قال لرجل: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر.
فقال الآخر: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر.
فسلم كل منهما على الآخر دفعة واحدة، لم يعتق عبد واحد منهما، لعدم ابتداء كل واحد.
وتنحل اليمينان.
فإذا سلم أحدهما على الآخر ولم يعتق واحد من عبديهما.
نقله الرافعي عن الامام.
التاسعة: مسلم قال لزوجته: إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق.
هذه المسألة وقعت لهارون الرشيد، فاحتجبت عنه زوجته.
فاستفتى علماء عصره، فقالوا: لا يقع عليك طلاق.
فقالت: لا أسمع إلا فتيا الليث بن سعد.
فسئل الليث.
فقال: يا أمير المؤمنين.
هل هممت بمعصية، فذكرت الله، فخفته، فتركتها؟ فقال: نعم.
فقال: يا أمير المؤمنين، ليس جنة واحدة، بل جنتان.
قال الله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) *.

وفي الرافعي: أنها لو قالت لزوجها: أنت من أهل النار.
فقال: إن كنت من أهل النار فأنت طالق، لم تطلق إن كان الزوج مسلما، لانه من أهل الجنة ظاهرا.
العاشرة: رجل قال: إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة فامرأتي طالق.
فقال آخر: إن لم يكن أبو حنيفة أفضل من الشافعي فامرأتي طالق، لم تطلق امرأة واحد منهما، لان الامر في ذلك ظني.
والاصل بقاء النكاح.
ولو قال معتزلي: إن كان الخير والشر من الله فامرأتي طالق.
وقال الاشعري إن لم يكونا من الله فامرأتي طالق، طلقت امرأة المعتزلي.
لان خطأه قطعي، بخلاف المسألة التي قبلها.
الحادية عشرة: رجل قال: إن مضت امرأتي مع أمتي إلى السوق فهي طالق طلاقا، وإن مضت أمتي مع امرأتي إلى السوق فهي حرة.
فمضتا جميعا في حالة واحدة.
قال الجيلي: إذا مضت المرأة والامة في خدمتها، أو مرافقتها في الطريق حصلت الصفتان.
فتطلق وتعتق، وإن اتفق خروجهما معا من غير توافق واستخدام، بل على سبيل الاتفاق، لم يقع الطلاق.
الثانية عشرة: قال لامرأته: إن دخلت الدار والحمام فأنت طالق.
فدخلت الاولى، وقعت طلقة وانحلت اليمين، فلا يقع بالثانية شئ.
ولو قال: أنت إن دخلت الدار طالقا.
واقتصر عليه.
قال في التهذيب: إن قال: نصبت على الحال، ولم أتم الكلام.
قبل منه، ولم يقع شئ.
وإن أراد ما يراد عن الرفع ولحن.
وقع الطلاق إن دخلت الدار.
ولو قال: أنت طالق مريضة - بالنصب - لم تطلق إلا في حال المرض.
فلو رفع.
فقيل: تطلق في الحال، حملا على أن مريضة صفة.
واختار ابن الصباغ الحمل على الحال النحوي.
وإن كان لحنا في الاعراب.
قال الاسنوي: وتعليل الاول بكونه صفة ضعيف، بل الاقرب جعله خبرا آخر.
الثالثة عشرة: امرأة قالت لزوجها: سمعت، أو قال لي شخص: إنك فعلت كذا.
فقال: إن لم تقولي لي من قال لك فأنت طالق.
ولم يكن قال لها أحد.
ولا سمعت من أحد، لا يقع الطلاق.
لانه يعتقد أن أحدا قال لها، فعلق على محال.
الرابعة عشرة: رجل قال لامرأته، وهي في نهر جار: إن خرجت من هذا الماء

فأنت طالق.
لم تطلق سواء خرجت أو لم تخرج، لانه جرى وانفصل.
الخامسة عشرة: ملك كان يلعب بالكرة.
فوقعت في جوزته.
فحلف لا يخرجها هو ولا غيره، ولا بد أن تخرج كيف يصنع؟ الجواب: يصب الماء في تلك الجوزة، فيفيض الماء فتخرج الكرة بنفسها ولا حنث عليه.
السادسة عشرة: لو قال لزوجته: إن لم أقل لك مثل قولك فأنت طالق ثلاثا، فقالت المرأة لزوحها: أنت طالق ثلاثا.
فالحيلة فيه كيلا يقع الطلاق: أن يقول لها: أنت قلت لي أنت طالق ثلاثا.
وبذلك لا يقع عليه الطلاق، لانه ذكره على وجه الحكاية.
وإن كانت المرأة تخرج من دارها.
وحلف الزوج بطلاقها أن لا تخرج إلا بإذنه، وخشي أن تخرج بغير إذنه عند الغضب، فلو احتال وأذن لها من حيث لا تعلم، فخرجت بعد ذلك لم يحنث.
فإن كان الحلف عند شهود.
فيأذن عند الشهود ويشهدهم على إذنه.
فإن كان قال: كلما خرجت إلا بإذني، يقول: قد أذنت لها أن تخرج كلما أرادت.
نكتة: حكى أن رجلا حلف بالطلاق الثلاث أنه لا بد أن يزن فيلا كان قد قدم إلى البصرة.
فعجز عن وزنه.
فسأل عليا عن ذلك؟ فقال: أنزلوا الفيل إلى سفينة كبيرة.
وعلموا أين يصل الماء من جانبيها، ثم أخرجوا الفيل واطرحوا في السفينة حجارة حتى يلحق الماء العلامة، فما كان وزن الحجارة فهو وزن الفيل.
فائدة: روي عن جعفر بن محمد عن أبيه، أنه جئ برجل إلى علي رضي الله عنه حلف، فقال: امرأته طالق إن لم يطأها في شهر رمضان نهارا.
فقال: يسافر بها، ثم يطؤها نهارا.
استدراك: اعلم أن الحروف التي تستعمل في تعليق الطلاق بالصفات سبعة: إن، وإذا، ومتى، ومتى ما، وأي وقت، وأي حين، وأي زمان دخلها العوض أو لم يدخل.
وإن، وإذا على طريقين وإن دخلها العوض - أعني هذه الاحرف.
ف إن فورية، ومتى متراخية، وإذا على وجهين.
ويجمعهما بيتان: قالوا: التعاليق في الاسباب واسعة إلا بخلع، وإلا بالمسيئات أو مازجت حرف نفي، فهي فورية إلا بإن، فهي في نفي كإثبات المصطلح: وهو يشتمل على صور: وللطلاق عمد: ذكر المطلق، و المطلقة، وأنسابهما.
وإقرار المطلق أنه طلقها مواجها لها إذا كانت حاضرة، وتعيين الطلاق، واحدة أو اثنتين، أو ثلاثا.
وصحة العقل

والبدن، وذكر الدخول بها، والاصابة إن كان كذلك.
وذكر عدم الدخول والاصابة، إن كانت غير مدخول بها.
ومعرفة الشهود بهما.
والتاريخ.
وأما الصور، فمنها: صورة إيقاع طلاق على غير عوض: أشهد عليه فلان: أنه أوقع على زوجته فلانة الطلاق الثلاث في يوم تاريخه، بعد الدخول بها والاصابة، حرمت عليه بذلك.
فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
وصدقته على ذلك التصديق الشرعي.
ويؤرخ.
وصورة الطلاق الرجعي: أقر فلان: أنه في يوم تاريخه، أوقع على زوجته فلانة طلقة أولى - أو ثانية - رجعية من غير عوض - أو رجعية تكون فيها في عدة منه إلى انقضائها - وهو مالك رجعتها ما لم تنقض عدتها.
فإذا انقضت ملكت نفسها عليه.
وصارت بعد ذلك لا سبيل له عليها، ولا يملك رجعتها إلا بأمرها وإذنها ورضاها.
وصدقته على ذلك.
وأقرت أنها في طهر، ويؤرخ.
وصورة الطلاق المسند: أشهد عليه فلان أنه من مدة شهر - أو شهرين أو ثلاثة، أو أقل من ذلك أو أكثر - تقدم على تاريخه، أوقع على زوجته فلانة طلقة واحدة أولى - أو ثانية مسبوقة بأولى رجعية - من غير عوض.
بعد الدخول بها والاصابة، وأنها بمقتضى مضي المدة المذكورة، الواقع طلاقه عليها في ابتدائها، بانت منه بذلك، وملكت نفسها عليه، فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
واعترف أنه لم يراجعها من ذلك الوقت إلى الآن.
وصدقها عل انقضاء عدتها التصديق الشرعي - أو وهي مدينة بانقضاء عدتها بالاقراء الثلاث - يحلفها على ذلك إذ لا يعرف ذلك إلا من قبلها، على ما يقتضيه الشرع الشريف ويوجبه، ويؤرخ.
وصورة الطلاق على العوض، ويكتب على ظهر الصداق: سألت فلانة الزوجة المذكورة فلان المذكور معها باطنه: أن يطلقها طلقة واحدة أولى - أو ثانية مسبوقة بأولى، أو ثالثة - على نظير مبلغ صداقها.
وقدره كذا وكذا، على مبلغ كذا من جملة صداقها عليه.
فأجابها إلى سؤالها، وطلقها الطلقة المسؤولة على العوض المذكور.
بانت منه بذلك، فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
وإن كانت ثالثة، فيقول: حرمت عليه بذلك.
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
وتصادقا على الدخول بها والاصابة.
ويذيل بإقرار بعدم استحقاق.
ويؤرخ.
وإن كان الطلاق قبل الدخول بها والاصابة والخلوة، كتب: وأن شطر صداقها
عليه، الشاهد به كتاب الزوجية بينهما، المعين باطنه، الذي سلم لها عليه بحكم الطلاق

المشروح فيه، وعدم الدخول بها والاصابة والخلوة، وجملته كذا وكذا - باق لها في ذمته إلى يوم تاريخه، لم تبرأ ذمته من ذلك، ولا من شئ منه، وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
وإن كانت الزوجة قبضت الصداق جميعه قبل الطلاق.
فتعيد إليه النصف منه.
ويكتب بعد صدور الطلاق: ثم بعد ذلك ولزومه شرعا، أعادت فلانة المطلقة المذكورة فيه لمطلقها فلان المذكور معها فيه ما سلم له من مبلغ الصداق المعين باطنه، قبل الدخول بها والاصابة وبعد الطلاق، وهو كذا وكذا.
فاستعاده منها استعادة شرعية.
وصار ذلك إليه وبيده وحوزه.
وأقر كل منهما أنه لا يستحق على الآخر بعد ذلك حقا ولا دعوى ولا طلبا - إلى آخره.
وصورة الطلاق قبل الدخول: سألت فلانة زوجها فلان أن يطلقها طلقة واحدة أولى.
قبل الدخول بها والاصابة والخلوة - أو ثانية مسبوقة بأولى - على شطر صداقها السالم لها عليه قبل الدخول.
فأجابها إلى سؤالها، وطلقها الطلقة المسؤولة على العوض المذكور.
بانت منه بذلك، أو حرمت عليه بذلك.
وحلت للازواج.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
ويكمل على نحو ما سبق.
والطلقة إذا وقعت قبل الدخول وقعت بائنا.
لا يملك رجعتها إلا بإذنها وإذن وليها الشرعي.
وصورة الطلقة الرجعية إذا صيرها بها بائنا على مذهب أبي حنيفة: أشهد عليه فلان أنه طلق زوجته فلانة، التي اعترف أنها الآن في عصمته وعقد نكاحه، الطلقة الرجعية الفلانية بعد الدخول بها والاصابة والخلوة، ثم بعد ذلك أشهد عليه أنه صيرها بائنا على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء فإذا أراد أن يراجعها من ذلك بغير إذنها
على مذهب الشافعي.
فلا بد من استئذانها لحاكم شافعي، يعقده بإذنها وإذن وليها الشرعي، ويتلفظ الزوج بالرجعة ويحصل الاقرار بها.
ويحكم الحاكم الشافعي بصحة ذلك على مقتضى مذهبه، خوفا من بطلانه عند من يرى بطلانه.
وصورة ما يكتب في ذلك: لما قامت البينة الشرعية بجريان عقد النكاح المشروح باطنه، والرجعة من الطلقة المشروحة باطنه، وصدورها من المطلق المذكور في زمن العدة عند سيدنا الحاكم الفلاني، وقبلها القبول الشرعي، وحلف الزوج المراجع المذكور: أن ذلك صدر على الحكم المشروح فيه، وأن الرجعة صدرت قبل انقضاء العدة على الوجه الشرعي.
وثبت ذلك جميعه عند سيدنا الحاكم المشار إليه فيه، سأله

من جاز سؤاله شرعا: الاشهاد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده، والحكم بموجبه، وبصحة الرجعة من المطلقة المذكورة، بغير إذن الزوجة.
فأجاب سؤاله.
وحكم - أيد الله أحكامه - بموجب ذلك، وبصحة الرجعة من المطلقة المذكورة، بغير إذن الزوجة حكما شرعيا - إلى آخره - ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وإن حكم بذلك حاكم حنفي، فلا تبقى رجعة، ولا يعمل في ذلك إلا على مقتضى مذهب أبي حنيفة.
وصورة الحكم بذلك على مقتضى مذهبه: لما قامت البينة الشرعية بجريان عقد النكاح بين الزوجين المذكورين باطنه، وبالطلاق المشروح فيه على الحكم المشروح فيه عند سيدنا الحاكم الفلاني.
وقبلها القبول الشرعي.
سأله من جاز سؤاله شرعا: الاشهاد على نفسه الكريمة، بثبوت الطلقة المذكورة، وصيرورتها بائنا، بحيث لا تحل له إلا بإذنها بالشرائط الشرعية.
وأجراها من الطلاق البائن غير الطلاق الثلاث.
فأجاب السائل إلى ذلك.
وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
وحكم أيد الله أحكامه بموجب ذلك.
ومن موجبه: صيرورتها بائنا على مقتضى مذهبه، حكما
شرعيا، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وإذا عقده عاقد حنفي من غير حكم.
فيحتاط ويعقد بالاذن بالشرائط.
ويراجع بينهما.
كما سبق.
ويحتاط العاقد الشافعي.
فيراجع بينهما، ثم يجدد النكاح بالاذن من الزوجة بالشرائط الشرعية، وأن يكون ذلك في زمن العدة.
أما إذا انقضت العدة من غير رجعة.
فقد صارت بائنا على كل حال.
وارتفع الخلاف.
وصورة الطلاق بسؤال من غير الزوجة، من أب أو غيره: سأل فلان فلانا أن يطلق ابنته فلانة على نظير مبلغ صداقها عليه، وقدره كذا وكذا.
فأجاب إلى سؤاله وطلقها الطلقة المسؤولة على العوض المذكور.
بانت منه بذلك.
وملكت نفسها عليه.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
واعترف بالدخول بها والاصابة.
فإن اتفقوا على الحوالة كتب كما تقدم في الخلع.
وإن كانت بالغة رشيدة قبلت الحوالة لنفسها.
وإن كانت محجورة أبيها.
فيقبل لها الحوالة.
واستيفاء ألفاظها المعتبرة في صحتها، برئت بذلك ذمة المحيل المذكور من جميع مبلغ الصداق المعين فيه.
وذمة المحال عليه من القدر المسؤول عليه.
واستقر في ذمة السائل لابنته المذكورة استقرارا شرعيا.

هذا إذا كانت المطلقة بالغة عاقلة حاضرة.
فإن كانت غائبة.
فيقول: قبلها لها من جاز قبوله شرعا، أو قبلها لها وكيلها الشرعي فلان قبولا شرعيا.
ويؤرخ.
وصورة ما إذا كانت الزوجة في سؤال الزوج في الطلاق على الصداق.
ووكل الزوج في إجابة سؤال السائل، وإيقاع الطلاق، وقبل العوض: سأل فلان وكيل فلانة فيما ينسب إليه فعله فيه، بمقتضى كتاب التوكيل المتضمن لذلك ولغيره، المحضر بشهوده المؤرخ باطنه بكذا، الثابت مضمونه عند سيدنا الحاكم الفلاني الثبوت الشرعي المؤرخ
بكذا، فلانا وكيل زوج الموكلة المذكورة، هو فلان، فيما ينسب إليه فعله فيه بمقتضى الوكالة الشرعية، كما تقدم - ثم يقول: أن يطلق الموكلة المذكورة أعلاه طلقة واحدة - أولى أو ثانية أو ثالثة - على جميع مبلغ صداقها عليه، وقدره كذا وكذا، بعد الدخول بها والاصابة، أو على نصف صداقها السالم لها عليه، وهو كذا وكذا، قبل الدخول بها والاصابة.
فأجابه إلى سؤاله، وطلق الموكلة المذكورة عن موكله المذكور على العوض المذكور.
وقبل القدر المسؤول عليه لموكله المذكور قبولا شرعيا، بانت منه بذلك وملكت نفسها عليه.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
ويؤرخ.
فصل: في التعليق - وهو جائز.
ولا يجوز الرجوع فيه.
ولا يقع قبل الشرط.
ولا يحرم الوطئ قبله.
ولو قال: عجلت تلك الصفة المعلقة، لم يعجل.
كما لو نذر صوم يومين معينين.
وإذا علقه بصفة مستحيلة عرفا، كإن صعدت السماء، أو عقلا.
كإن أحييت ميتا: لم يقع في الاصح.
وقد سبق ذكر أدوات التعليق.
ومنها مهما، وكلما ولا تكرير إلا في كلما.
وصورة تعليق الطلاق بصفة: قال فلان: متى غبت عن زوجتي فلانة مدة كذا وكذا، وتركتها بلا نفقة ولا كسوة.
وحضرت إلى شاهدين من شهداء المسلمين، أو تعينهما أو غيرهما من العدول، وأحضرت معها مسلمين، وأخبرت أني غبت عنها المدة المعلق طلاقها عليها.
وهي كذا وكذا، وتركتها بلا نفقة ولا كسوة، وصدقها المسلمان على ذلك، وأبرأت ذمتي من كذا وكذا من جملة صداقها علي، كانت إذ ذاك طالقا طلقة واحدة أو ثانية، تملك بها نفسها، واعترف بالدخول بها والاصابة.
وصدقته على ذلك تصديقا شرعيا.
قال ذلك بصريح لفظه.
ويؤرخ.
أو يقول: علق فلان طلاق زوجته فلانة، بأن قال بصريح لفظه: متى حضرت زوجتي فلانة إلى شاهدين عدلين، وأبرأتني من صداقها علي.
وهو كذا وكذا.
كانت إذ ذاك طالقا طلقة واحدة، أو ثانية أو ثالثة.
واعترف بالدخول بها والاصابة.
ويكمل على
نحو ما سبق.

أو يقول: قال فلان بصريح لفظه: متى سافرت عن زوجتي فلانة إلى فوق مسافة القصر، وعلمت بسفري، وحضرت إلى شاهدين عدلين، وأخبرتهما بذلك وأحضرت معها مسلمين، وصدقاها على ذلك.
وأبرأتني من مبلغ صداقها علي.
وهو كذا وكذا، أو من درهم واحد من مبلغ صداقها علي.
كانت إذ ذاك طالقا طلقة واحدة أولى أو ثانية.
أو متى سافرت عن زوجتي فلانة من بلد كذا، واستمرت غيبتي عنها مدة كذا وكذا من ابتداء سفري عنها.
وتركتها بلا نفقة ولا منفق شرعي.
وحضرت إلى شاهدين عدلين، وأحضرت معها من يصدقها على ذلك، وأبرأتني من كذا وكذا.
كانت إذ ذاك طالقا طلقة واحدة أولى أو ثانية.
أو متى تزوجت على زوجتي فلانة، أو تسريت عليها أو غير ذلك من الانواع التي يقع اتفاق الزوجين عليها.
وصورة ما إذا وقعت الصفة المعلق عليها.
وجاءت المرأة تطلب الاشهاد عليها بالابراء، وتختار وقوع الطلاق.
بعد أن علق الزوج المذكور باطنه طلاق زوجته فلانة المذكورة معه باطنه على الصفة المشروحة في فصل التعليق المسطر فيه: حضرت الزوجة المذكورة فيه إلى شاهديه الواضعين خطهما آخره.
وأحضرت معهما كل واحد من فلان وفلان.
وصدقاها على وجود الصفة المعلق عليها من السفر أو الغيبة، أو غير ذلك.
وأبرأته من جميع صداقها عليه، المعين فيه، أو من كذا وكذا، من جملة مبلغ صداقها عليه المعين فيه، براءة شرعية، براءة عفو وإسقاط.
طلقت منه بذلك، وملكت نفسها عليه.
فلا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه الشرعية.
والامر في ذلك محمول على ما يوجبه الشرع الشريف.
وفي صورة تعليق الطلاق على الغيبة لا بد من ثبوت الزوجية والغيبة خاصة عند
حاكم.
وصورة الثبوت في ذلك: لما قامت البينة بجريان عقد النكاح بين الزوجين المذكورين باطنه - وهما فلان وفلانة - على الحكم المشروح باطنه، وغيبة الزوج المذكور المدة المعلق عليها، المذكورة باطنه، وتصديق المسلمين، وبلفظ الزوجة بالبراءة المعلق عليها الطلاق المشروح فيه عند سيدنا الحاكم الفلاني.
وقبلها القبول الشرعي سأله من جاز سؤاله شرعا الاشهاد على نفسه بثبوت ذلك عنده، والحكم بموجبه.
فأجاب إلى ذلك.
وأشهد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده، والحكم بموجبه حكما صحيحا شرعيا - إلى آخره - أو تثبت الزوجية والغيبة خاصة، ويكمل التعليق من غير ثبوت

حاكم.
لانه لا يحتاج إلا إلى ثبوت الزوجية والغيبة خاصة.
وما تثبت الغيبة حتى يثبت جريان عقد النكاح، لينبني على صحة لفظ الزوج وتعليقه.
لان التعليق فرع الزوجية.
تنبيه: إذا طلق الرجل زوجته، دون الطلقات الثلاث، وتزوجت بغيره.
ثم طلقها وعادت للاول.
فعلى مذهب الشافعي: تعود إليه بما بقي من عدد الطلاق فإن كان قد طلقها واحدة فتعود إليه بطلقتين.
ومذهب الغير: تعود، ويملك عليها الطلاق الثلاث، كالنكاح الاول.
لان النكاح عنده بغير المطلق يهدم.
وما رأيت في زماننا هذا من يعمل في هذه المسألة إلا على مذهب الامام الشافعي.
مسألة: إذا عتقت تحت عبد، لها الفسخ، إلا في مسألة واحدة.
وهي أن سيدها يملكها، وقيمتها مائة، وصداقها على زوجها مائة، وسيدها يملك مائة، ووصى سيدها بعتقها.
والزوج لم يدخل بها.
ومات سيدها.
فإن اختارت الفسخ سقط المهر، لان الفسخ من جهتها.
وإذا سقط المهر صار بعضها رقيقا.
فلا يجوز لها الفسخ.
وهذه من مسائل الدور.
فإذا آل الامر إلى ثبوت بقائها تحت الزوج والحالة هذه، كتب: لما قامت البينة بجريان عقد النكاح بين الزوجين المذكورين فيه - وهما فلان وفلانة - ووصية فلان سيد الزوجة المذكورة بعتقها.
ووفاة الموصي المذكور إلى رحمة الله تعالى.
وقيمة الزوجة المذكورة وهي مائة درهم، وأن المخلف عن الموصي المذكور جميعه مائة درهم، عند سيدنا الحاكم الفلاني.
وثبت ذلك عنده الثبوت الشرعي بشرائطه الشرعية، وأعذر في ذلك لمن له الاعذار.
وثبت الاعذار لديه على الوجه الشرعي.
وتصادق الزوجان المذكوران فيه على عدم الدخول والاصابة بالطريق الشرعي ثبوتا صحيحا شرعيا.
سأله من جاز سؤاله شرعا: الاشهاد بثبوت ذلك.
والحكم بموجبه، وإبقاء الزوجة المذكورة في عصمة زوجها المذكور من غير جواز فسخ بحكم صدور ما شرح فيه.
فأجاب السائل لذلك.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وإذا عتقت الجارية في غير هذه الصورة.
وهي متزوجة بعبد.
وأرادت فسخ نكاحها من عصمته بحكم العتق.
حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان معتق الزوجة فلانة، والزوجة المعتقة المذكورة وزوجها فلان.
وادعت الزوجة على زوجها المذكور: أنه تزوج بها تزويجا

شرعيا، وهي رقيقة، وأنها عتقت.
وصارت حرة من حرائر المسلمات.
وأن زوجها رقيق إلى الآن، ولم ترض بالمقام معه.
واختارت فسخ نكاحها من عصمته وعقد نكاحه.
وتسأل سؤاله.
فسأله الحاكم المشار إليه عن ذلك؟ فأجاب بصحة دعواها، وسأل المعتق المذكور عن العتق؟ فاعترف بصحته ثم خيرها الحاكم بين الاقامة معه من غير فسخ.
ووعظها ووعدها الاجر إن صبرت.
فأبت إلا ذلك.
فحينئذ مكنها الحاكم من فسخ نكاحها من
عصمة زوجها المذكور.
فقالت بصريح لفظها: فسخت نكاحي من عصمة زوجي فلان المذكور فسخا شرعيا.
ثم بعد ذلك سألت الحاكم أن يحكم لها بذلك.
فأجاب سؤالها وحكم بموجب ذلك حكما صحيحا شرعيا.
ويكمل.
وإن كان ذلك في غيبة المعتق.
فتقوم البينة بجريان عقد النكاح وبالعتق والاعذار لمن له الاعذار.
وحلف الزوجة: أنها لم ترض بالاقامة في صحبة زوجها المذكور بعد العتق.
وأنها اختارت فسخ نكاحها من عصمة زوجها المذكور بهذا المقتضى.
ويثبت ذلك جميعه عند الحاكم، ويحكم بموجبه.
وإن كان الفسخ بعيب حدث بعده، وإلا فمهر المثل.
فصل: إذا جعل طلاق زوجته بيدها: فهو تمليك، وشرطه الفورية.
وصورته: قال فلان لزوجته المذكورة باطنه: جعلت طلاقك بيدك.
فطلقي نفسك بما اخترت من عدد الطلاق الثلاث، أو يعين لها طلقة بعينها.
فأجابت سؤاله على الفور.
وقالت بصريح لفظها: طلقت نفسي طلقة واحدة أولى أو أكثر بحكم أنك جعلت إلى ذلك، أو ملكتني إياه.
وقد حصل لي بذلك الفراق من عصمتك وعقد نكاحك.
وصرت بمقتضى ذلك أجنبية منك، لا نكاح بيننا ولا زوجية.
وذلك بعد اعترافهما بالدخول والاصابة - وإن كان ثم أولاد فيذكرهم.
أو كان الامر قبل الدخول فيكتب كذلك - ثم يقول: والامر بينهما في ذلك محمول على ما يوجبه الشرع الشريف.
وإذا قال: طلقي نفسك متى شئت.
فذلك لا يقتضي الفورية.
وله الرجوع قبل التطليق منها.
فصل: والاستثناء يضر فيه تخلل يسير على الصحيح، لا سكتة تنفس وعي.
ويشترط نية الاستثناء بأول الكلام في الاصح.
لان هذا هو العرف في الاستثناء.
فإن انفصل لضيق نفس كان كالمتصل، لانه انفصال بعذر.
ومتى تعتبر النية فيه؟ وجهان:

أحدهما: تعتبر من أول الكلام إلى آخره.
لان الطلاق يقع بجميع اللفظ.
والثاني: إذا نوى قبل الفراغ من الكلام.
صح، لان النية قد وجدت منه قبل الاستثناء متصلا به.
وسواء فيما ذكر في الاستثناء: إلا وأخواتها، والتعليق بمشيئة الله تعالى وسائر التعليقات.
ويشترط عدم استغراقه.
فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين طلقت واحدة، أو قال: ثلاثا إلا ثلاثا طلقت ثلاثا.
تذييل: سئل الامام العلامة شيخ الاسلام عالم الحجاز جمال الدين بن ظهيرة القرشي المكي، الشافعي رحمه الله تعالى عن قول الرجل لامرأته: متى وقع عليك طلاقي، أو إذا وقع عليك طلاقي، فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم قال لها: أنت طالق.
وهذه مسألة الدور المشهورة بالسريجية.
وهل له مخلص منها إذا قلنا بصحة الدور؟ فأجاب: بأن مآخذ الخلاف في هذه المسألة ثابتة البنيان، واضحة البرهان، مشيدة الاركان.
ولكل مسلك محجة، ولعمري لقد دارت فيها الرؤوس، وانفحمت فيها أكباد الفحول في الدروس، وسئمت من دورانها النفوس.
فإذا قال لامرأته: إذا طلقتك، أو مهما طلقتك.
فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم طلقها.
فالمذهب في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: لا يقع عليها شئ، وهو المشهور عن ابن سريج، وإليه ذهب ابن الحداد، والقفال الشاشي، والقفال المروزي، والشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب، والشيخ أبو علي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي.
والروياني.
وبه أجاب المزني، والمتتور.
وحكاه صاحب لافصاح عن نص الشافعي رحمه الله تعالى.
قال الامام: وعليه معظم الاصحاب.
ونقل في البحر عن القاضي أبي الطيب: أن للشافعي مصنفا، اقتصر فيه على عدم الوقوع.
، واقتصر عليه أيضا أبو حامد القزويني في كتاب الحيل.
وصححه الشاشي في المعتمد.
وكان ابن الخليل شارح التنبيه يفتي به ببغداد، كما نقل عنه ابن خلكان في تاريخه، وعملوا بصحة الدور، لانه لو وقع المنجز لوقع قبله ثلاثا، وإذا وقع الثلاث قبله
لا يقع المنجز للبينونة.
الوجه الثاني: يقع المنجز فقط، ولا يقع المعلق ولا شئ منه.
وهو اختيار صاحب التلخيص، والشيخ أبي مزيد، وابن الصباغ.
وصاحب التتمة، والشريف ناصر الدين العمري، واختاره الغزالي.
وصنف فيه مصنفا.
سماه: علية الغور في دراية الدور ثم رجع عنه.
وصنف تصنيفا في إبطاله سماه: الغور في الدور واختار فيه وقوع المنجز.
قال الرافعي في الشرح الكبير: ويشبه أن يكون به أولى.
وصححه في الشرح الصغير.

وكلام الفقيه نجم الدين بن الرفعة في الكفاية والمطلب يميل إليه.
وبه أفتى المتأخرون.
والعمل عليه في هذا الزمان.
وصححه النووي في التصحيح.
وفي المنهاج تبعا للمحرر.
ونقل عن ابن سريج تصحيحه في نظير المسألة.
وعللوه بأنه لو وقع المعلق لمنع وقوع المنجز.
فإذا لم يقع المنجز فيقع.
وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب.
وشبه بما إذا أقر الاخ بابن للميت، ثبت النسب دون الارث.
قال في التتمة: وإنما لم يقع المعلق لاستحالته لفظا ومعنى.
أما اللفظ: فلان قوله: متى وقع عليك طلاقي شرط.
وقوله: فأنت طالق قبله جزاء والجزاء يجب أن يكون مرتبا على الشرط.
وبيانه: أنه لو قال: لو جئتني أكرمتك قبل أن تجئ لم يكن كلاما.
ومن جهة المعنى: أن المشروط لا يثبت قبل شرطه.
وإذا أوقعنا الذي قبله أوقعنا المشروط قبل شرطه.
وأيضا: فإن ما قبل الزمان الذي يتلفظ فيه بالطلاق زمان ماض.
والزوج لا يملك إيقاع الطلاق فيما مضى، حتى لو قال لزوجته: أنت طالق أمس.
فإنه يقع الطلاق في الحال.
والجمع بين الجزاء والشرط شرط.
وهو منتف هنا، لانهما لا يجتمعان هنا.
كالمتضادين تبطل التعليق ضرورة.
وإذا بطل التعليق وقع المنجز.
وهذا.
قال أبو الفتح البجلي: لو صح هذا التعليق وقع منه محال، وتمليك أربع طلقات، لانه علق ثلاث طلقات على وجود طلقة.
والثلاث غير تلك الواحدة.
ولا بد أن يكون الشرط والجزاء كلاهما مملوكان له.
وهنا لا يملكهما.
فأشبه ما لو علق طلاق زوجته على نكاحها.
ووجهه ابن الصباغ: بأن وقوع المنجز شرط في وقوع الثلاث، ولا يجوز تقديم المشروط على الشرط.
ولو كان كذلك لبطل كونه شرطا.
وقد ذكر أصحابنا ما يدل عليه.
فقالوا: لو قال لها: أنت طالق اليوم إذا جاء غد.
فإنها لا تطلق، إذ لا يصح وقوعه قبل الشرط.
فلزم من ذلك بطلان التعليق ووقوع المنجز.
الوجه الثالث: وهو اختيار أبي بكر الاسماعيلي -: أنه يقع عليه ثلاث طلقات وفيه تنزيلان.
أظهرهما: تقع الطلقة المنجزة، وطلقتان من الثلاث المعلقة.
والثاني: يقع الثلاث المعلقات، ولا تقع المنجزة، فكأنه قال: متى تلفظت بأنك طالق.
فأنت طالق قبلها ثلاثا.
وإذا تقرر ذلك.
فاعلم أن باب الطلاق لا ينسد على القول الثاني، ولا على القول

الثالث.
وإنما ينسد على القول الاول.
فإذا أراد الزوج التخلص من التعليق وأراد أن يقع الطلاق، وقلنا بصحة الدور: أنه لا يقع عليه طلاق منجز، ولا معلق، نظر.
فإن كان صيغة التعليق إن طلقتك، أو مهما طلقتك، فأنت طالق قبله ثلاثا فطريقه أن يوكل شخصا في طلاقها.
فإذا طلقها وكيله وقع، لان طلاق الوكيل وقوع لا تعليق.
وكذا لو كان قال لها قبل ذلك: إن فعلت كذا فأنت طالق فإذا أراد الوقوع يتحيل في وقوع الصفة.
فإذا وجدت الصفة وقع الطلاق، لان وجودها وقوع، لا تطليق.
ولا ينفعه في التخلص أن يوقع طلاقها على صفة، بعد أن قال لها: إذا طلقتك فأنت
طالق قبله ثلاثا لان وجود الصفة والحالة هذه: تطليق وإيقاع ووقوع، وإن لم يكن التعليق بلفظ الوقوع، كما مثل به الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في التنبيه.
كقوله: متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فإنه إذا وكل في طلاقها لم يقع الطلاق، أو علق طلاقها على صفة، ثم قال لها ذلك، لا يخلصه ولا يحصل له مقصوده.
انتهى والله أعلم.

كتاب الرجعة وما يتعلق بها من الاحكام إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها، ولم يستوف ما يملكه عليها من عدد الطلاق، وكان الطلاق بغير عوض.
فله أن يراجعها قبل انقضاء عدتها.
والاصل فيه قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) * فقوله: بردهن يعني: رجعتهن وقوله: إن أرادوا إصلاحا أي إصلاح ما تشعث من النكاح بالرجعة.
وقوله تعالى: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * فأخبر أن من طلق طلقتين، فله الامساك.
وهو الرجعة.
وله التسريح: وهي الثالثة.
وقوله تعالى: * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) * ووله تعالى: * (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * فالامساك: هو الرجعة.
وقوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يعني الرجعة.
وروي أن النبي (ص) طلق حفصة وراجعها وطلق ابن عمر امرأته وهي حائض.
فأمره النبي (ص) أن يراجعها وروي أن ركانة ابن عبد يزيد قال: يا رسول الله، طلقت امرأتي سهيمة ألبتة.
وما أردت إلا واحدة.
فقال النبي (ص): والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة.
فردها النبي (ص) والرد: هو الرجعة.
وأجمعت الامة على جواز الرجعة في العدة، لا في الردة.
وتحصل بقوله: رجعت، وراجعت، وارتجعت إلى نكاحي.
وأمسكت وما في معناها.
وبكناية كتزوجت، وأعدت الحل، ورفعت التحريم.
ولا تحصل بإنكار الطلاق، ولا بالوطئ.
ويحرم وطئ رجعية.
ولا حد، ويوجب مهر المثل، بخلاف مرتدة عادت إلى الاسلام.
ولا يشترط فيها الاشهاد، وللزوج أن

يطلق الرجعية في عدتها، وبولي منها ويظاهر.
والمختلعة لا يلحقها طلاقه، لا في العدة ولا بعدها.
لانقطاع أحكام الزوجية بينهما.
ولان الخلع للتحريم.
وهي محرمة عليه بالخلع.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على جواز الطلقة الرجعية.
واختلفوا في الرجعية، هل تحرم أم لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه: لا تحرم.
وقال مالك والشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: تحرم.
واختلفوا: هل يصير بالوطئ مراجعا أم لا؟ فقال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه: نعم.
ولا يحتاج معه إلى لفظ، نوى الرجعة أو لم ينوها.
وقال مالك في المشهور عنه: إن نوى حصلت الرجعة.
وقال الشافعي: لا تحصل الرجعة إلا بلفظ.
وهل من شرط الرجعة الاشهاد أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه: ليس من شرطها الاشهاد، بل هو مستحب.
وللشافعي قولان.
أصحهما: الاستحباب.
والثاني: أنه شرط، وهو رواية عن أحمد.
وما حكاه الرافعي من أن الاشهاد شرط عند مالك، لم أره في مشاهير كتب المالكية، بل صرح القاضي عبد الوهاب والقرطبي في تفسيره: بأن مذهب مالك الاستحباب، ولم يحكيا فيه خلافا عنه، وكذلك ابن هبيرة من الشافعية في الافصاح.
واتفقوا على أن من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ويطؤها في
نكاح صحيح، وأن المراد بالنكاح هنا: الوطئ.
وأنه شرط في جواز حلها للاول، وأن الوطئ في النكاح الفاسد: لا يحل إلا في قول للشافعي.
واختلفوا هل يحصل حلها بالوطئ في حال الحيض والاحرام أم لا؟ فقال مالك: لا.
وقال الثلاثة: نعم.
واختلفوا في الصبي الذي يمكن جماعه، هل يحصل بوطئه في نكاح صحيح الحل أم لا؟ فقال مالك: لا.
وقال الثلاثة: نعم.
انتهى.
المصطلح: وهو يشتمل على صور منها: صورة ما إذا طلقها طلاقا رجعيا، ثم أراد رجعتها: بعد أن طلق فلان زوجته فلانة طلقة واحدة أولى - أو ثانية مسبوقة بأولى - من غير عوض من مدة كذا وكذا يوما، أو في أمس تاريخه، راجعها إلى عصمته وعقد نكاحه من الطلقة المذكورة مراجعة شرعية.
وأقر

أن مبلغ صداقها عليه، الشاهد بينهما بأحكام الزوجية وقدره كذا وكذا باق ذلك في ذمته لها، لم تبرأ ذمته من ذلك، ولا من شئ منه إلى تاريخه.
وصدقته على ذلك التصديق الشرعي.
ويؤرخ.
وإلا فيكتب: راجع فلان زوجته فلانة إلى عصمته وعقد نكاحه من الطلقة الرجعية الصادرة منه في أمس تاريخه، مراجعة شرعية.
وقال بصريح لفظه: راجعتها وارتجعتها وأمسكتها، وأبقيتها على ما كانت عليه من أحكام الزوجية.
ويكمل على نحو ما سبق.
وكذلك يفعل إذا حلف وحنث في طلقة أو طلقتين.
ويذكر في كل صورة من هذه الصور، تصادقهما على الدخول والاصابة، وصدور المراجعة في العدة.
وصورة المراجعة من الطلقة الرجعية، إذا صيرها بها بائنا: سبق ذكرها في كتاب الطلاق: وإذا طلق الزوج زوجته ثلاثا.
وتزوجت بعده برجل أحلها له.
وانقضت عدتها من الزوج الثاني، وأرادت العودة إلى الاول.
فالاحسن أن يكتب:
عادت فلانة إلى عصمة مطلقها الاول فلان ويكمل - ثم يذكر بعد تمام العقد - بشرائطه الشرعية: وهذه الزوجة كانت زوجا للمصدق المذكور أعلاه.
وبانت منه بالطلاق الثلاث، أو بطلقة واحدة مكملة لعدد الطلاق الثلاث.
وانقضت عدتها منه الانقضاء الشرعي بالاقراء الثلاث، يحلفها على ذلك.
وتزوجت بعده بفلان تزويجا شرعيا.
ودخل بها وأصابها، ثم أبانها من عصمته وعقد نكاحه بالطلاق الثلاث بشهادة شهوده، أو بمقتضى الفصل المسطر بظاهر صداقها - الخرقة أو الكاغد - المتضمن لذلك، مؤرخ الفصل المذكور بكذا وكذا.
وانقضت عدتها من الثاني المذكور الانقضاء الشرعي بالاقراء الثلاث.
وحلفت على ذلك اليمين الشرعية.
ويكمل على نحو ما سبق في الانكحة.
فائدة: إذا طلق الرجل زوجته، ثم علق طلاقها على عودها.
وهو أن يقول لمطلقته بعد أن تبين من عصمته: متى أعدتك كنت طالقا ثلاثا.
أو متى أعدت مطلقتي فلانة المذكورة إلى عصمتي كانت طالقا ثلاثا.
أو كلما أعدتها بنفسي أو بوكيلي، كانت طالقا ثلاثا.
فالطريق في ذلك: أن تستأذن لوليها الشرعي، إن كان لها من الاولياء من يزوجها ويأذن الولي لحاكم شافعي يعيدها إلى مطلقها.
ويقع الحكم من الحاكم الشافعي قبل الدخول، وبعد تمام العقد.
وصورة ذلك: أن يصدر بالعود على العادة في ذلك، فإذا انتهى ذكر ذلك يقول:

عقده بينهما بإذنها ورضاها وإذن وليها الشرعي فلان، الآذن المرتب الشرعي، أو بإذنها ورضاها، وإن لم يكن لها ولي، سيدنا الحاكم الفلاني الشافعي بعد وضوحه وقبول الزوج النكاح لنفسه القبول الشرعي، ثم يقول: ولما تكامل ذلك حكم سيدنا فلان الدين الشافعي الحاكم المسمى أعلاه بصحة العقد المذكور أعلاه.
وباستمرار العصمة بين الزوجين المذكورين أعلاه، وبعدم تأثير التعليق الصادر من الزوج المذكور أعلاه على
زوجته المذكورة في حال بينونتها منه في استمرار العصمة المذكورة حكما صحيحا شرعيا، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
ويؤرخ.
وصورة العمل في ذلك على مذهب الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى: بعد أن أذنت فلانة لوليها فلان أن يعيدها لمطلقها فلان على صداق مبلغه كذا وأذنت له أن يأذن في عودها لمطلقها المذكور على الصداق المذكور لكل قاض من قضاة السادة الحنفية، ولكل عاقد من عقادهم، ولكل رسول متصرف في الشرع الشريف ولكل مسلم.
وأذن فلان المأذون له المذكور لكل ممن ذكر في عود أخته أو ابنة أخيه، أو ابنة عمه المذكورة، لمطلقها فلان المذكور بالصداق المعين أعلاه على حكمه، الاذن الشرعي.
وثبت ذلك لدى سيدنا فلان الحاكم الفلاني الثبوت الشرعي، بشهادة شهوده.
فعند ذلك: زوج فلان المتصرف في مجلس الشرع الشريف المشار إليه فلانا المذكور مطلقته المذكور بالصداق المذكور، على حكم حاله ومنجمه، بحضرة شهوده بمجلس الحكم العزيز المشار إليه بين يدي سيدنا الحاكم المسمى أعلاه.
أدام الله علاه.
وقبله لفلان المذكور فضولي - هو فلان الفلاني - على الصداق المعين أعلاه من غير حضوره، ولا إذنه، ولا توكيله إياه في ذلك.
وعقداه على ذلك العقد الشرعي بالايجاب والقبول الشرعيين.
ثم بعد تمام العقد المذكور على الحكم المشروح أعلاه: حضر فلان المذكور بين يدي سيدنا الحاكم المشار إليه - أيد الله أحكامه - بصحة التزويج على الحكم المشروح أعلاه ولزومه، ولا أثر لما علقه فلان المذكور حين طلاقه لها قبل تاريخه، من أن قال: كلما أعدت فلانة المذكورة إلى عصمتي تكون طالقا ثلاثا بمقتضى أنه لم يعقد ولم يوكل حكما صحيحا شرعيا.
مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
ويكمل على نحو ما سبق.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الايلاء
وما يتعلق به من الاحكام الايلاء في اللغة: هو الحلف لا يتعلق بمدة مخصوصة.
بقول الرجل: آليت لافعلن كذا، أو لا فعلت كذا.
أولي إيلاء وألية.
والالية: اليمين.
قال الشاعر: ولا خير في مال عليه ألية ولا في يمين عقدت بالمآثم وأما الايلاء في الشرع: فهو أن يحلف أن لا يطأ امرأته مطلقا، أو مدة معلومة.
وقد كان ذلك فرقة مؤبدة في الجاهلية.
وقيل: إنه عمل به في أول الاسلام.
والاصح أنه لم يعمل به في الاسلام.
والاصل فيه قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فآءوا فإن الله غفور رحيم) *.
والايلاء: يصح من كل زوج بالغ عاقل، قادر على الوطئ.
فلو قال لاجنبية.
والله لا وطئتك.
فيمين محضة.
فلو نكحها: فلا إيلاء على الصحيح.
ويصح إيلاء مريض وخصي، ومن بقي له قدر الحشفة، وإيلاء عربي بالعجمية.
وعكسه إن عرف المعنى.
وإن وطئ بعد المطالبة لزمه كفارة يمين.
وصريحه: الايلاج، وتغييب الحشفة في الفرج، والنيك، والوطئ، والجماع، والاصابة، وافتضاض البكر.
ولو قال: لم أرد بها الوطئ: يدين في غير الثلاثة الاول.
وكنايته: المباضعة، والمباشرة، والملامسة، والقربان، والغشيان، والاتيان، وأن تجمع رأسهما وسادة، وأبعد عنك، وحتى ينزل عيسى ابن مريم، أو يخرج الدجال.
فلو قال: إن وطئتك فعبدي حر، فمات العبد أو عتق: لم ينحل الايلاء، أو زال ملكه ببيع أو هبة ونحوهما فكذلك.
فإن عاد الملك، أو دبره، أو كاتبه.
فلا.

والايلاء المعلق: كإن دخلت الدار فوالله لا وطئتك، ويصير موليا بالدخول.
ولو
علق بمستحيل كطيرانها في السماء فمول، أو بمستبعد في أربعة أشهر، كنزول عيسى ابن مريم.
فكذلك على الصحيح.
ويمهل أربعة أشهر من الايلاء بلا قاض.
وفي رجعته من الرجعية والمدخول بها.
ولها المطالبة بأن يفي أو يطلق، وما لم يطالب لا يؤمر بشئ.
وليس لولي مراهقة ومجنونة مطالبته، ولا لسيد أمة أيضا.
فإن أبا الفيئة والطلاق.
فالقاضي يطلق عليه، ولا يشترط حضوره.
ولو استمهل - كإن كان صائما - بفطر ونحو ذلك.
فيمهل يوما فما دونه.
والاظهر: لا يمهل.
وإنما يطالب إذا لم يكن مانع.
فلو آلى وغاب، أو وهو غائب، حسبت المدة.
فإذا انقضت طالبته بالفيئة أو الطلاق.
فإن لم يفعل حتى مضت مدة الامكان، ثم قال: أرجع لم يمكن، ويطلق عليه القاضي.
وهو الاصح.
وعليه التفريع.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن من حلف بالله عزوجل أنه لا يجامع زوجته مدة أكثر من أربعة أشهر كان موليا، أو أقل لم يكن موليا.
واختلفوا في الاربعة الاشهر، هل يحصل بالحلف عن الامتناع الوطئ فيها إيلاء أم لا؟ قال أبو حنيفة: نعم.
ويروى مثل ذلك عن أحمد.
وقال مالك والشافعي في المشهور وعنه: لا.
فإذا مضت الاربعة أشهر، هل يقع الطلاق بمضيها أم يوقف؟ قال مالك والشافعي وأحمد: لا يقع بمضي المدة طلاق، بل يوقف الامر ليفئ أو يطلق.
وقال أبو حنيفة: متى مضت المدة وقع الطلاق.
واختلف من قال بالايقاف إذا امتنع الولي من الطلاق.
هل يطلق عليه الحاكم أم لا؟
فقال مالك وأحمد: يطلق الحاكم عليه.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه يضيق عليه حتى يطلق.
وعن الشافعي قولان.
أظهرهما: أن الحاكم يطلق عليه.
والثاني: أنه يضيق عليه.
واختلفوا فيما إذا آلى بغير يمين بالله عز وجل، كالطلاق والعتاق وصدقة المال وإيجاب العبادات.
هل يكون موليا أم لا؟

فقال أبو حنيفة: يكون موليا، سواء قصد الاضرار بها أو دفعه عنها، كالمرضعة والمريضة، أو عن نفسه.
وقال مالك: لا يكون موليا، إلا أن يحلف حال الغضب، أو إذا قصد الاضرار بها.
فإن كان للاصلاح أو لنفعها فلا.
وقال أحمد: لا يكون موليا إلا إذا قصد الاضرار بها.
وعن الشافعي قولان أصحهما: كقول أبي حنيفة.
وإذا فاء المولى لزمته كفارة يمين بالله عزوجل بالاتفاق، إلا في قول قديم للشافعي.
واختلفوا فيمن ترك وطئ زوجته للاضرار بها من غير يمين أكثر من أربعة أشهر.
هل يكون موليا أم لا؟ فقال أبو حنيفة والشافعي: لا.
وقال مالك: في إحدى روايتيه: نعم.
واختلفوا في مدة إيلاء العبد.
فقال مالك: شهران، حرة كانت زوجته أو أمة.
وقال الشافعي: مدته أربعة أشهر مطلقا.
وقال أبو حنيفة: الاعتبار في المدة بالنساء.
فمن تحته أمة فشهران، حرا كان أو عبدا.
ومن تحته حرة فأربعة أشهر، حرا كان أو عبدا.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كمذهب مالك.
والثانية: كمذهب الشافعي.
واختلفوا في إيلاء الكافر.
هل يصح أم لا؟ فقال مالك: لا يصح.
وقال الثلاثة: يصح.
وفائدته: مطالبته بعد إسلامه.
انتهى.
فائدة: لا تطالب المرأة زوجها بالجماع إلا في ثلاثة مواضع.
الاول: إذا آلى منها ومضت.
الثاني: إذا أقر بالعنة.
الثالث: إذا جامع زوجته في ليلة غيرها.
فعليه أن يجامعها في ليلة أخرى.
المصطلح: وهو يشتمل على صور: منها: إذا حلف الرجل بالله العظيم أنه لا يطأ زوجته مدة أربعة أشهر.
وانقضت المدة ولم يفئ، وأحضرته إلى الحاكم، والتمست منه الفيئة أو الطلاق.
وهو لا يخلو إما أن يصدقها على الحلف والايلاء منها أم لا.
فإن صدقها على الحلف وانقضاء المدة وطلق، كتب:

حضرت إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلانة وادعت بين يدي الحاكم المشار إليه على زوجها فلان: أنه كان حلف بالله العظيم الذي لا آله إلا هو اليمين الشرعية: أنه لا يطؤها إلى انقضاء أربعة أشهر كوامل، أولها اليوم الفلاني، وأنه تمادى على الايلاء حتى انقضت المدة المذكورة.
ولف واستمر على ذلك إلى يوم تاريخه، وأنها التمست منه الفيئة أو الطلاق، وسألت سؤاله عن ذلك.
فسئل؟ فأجاب بصحة دعواها، وذكر: أنه لم يفئ، ولم يعتذر بعذر يمنعه من الوطئ، فعند ذلك: خيره في الفيئة أو الطلاق، فامتنع من الفيئة، وطلق زوجته المذكورة طلقة واحدة رجعية، تكون بها جارية في عصمته إلى انقضاء عدتها.
فإذا انقضت فلا سبيل له عليها إلا بإذنها ورضاها، وعقد جديد بشروطه الشرعية.
وإن طلقها طلاقا بائنا، أو اختلعت من عصمته بشئ كتب على نحو ما تقدم في
صورة الخلع.
وإن امتنع من الفيئة ومن الطلاق وعظه الحاكم.
فإن امتنع من ذلك وأصر على الامتناع، عرض الحاكم على الزوجة الصبر، فإذا أبت سألت الحاكم انفصالها بموجب الشرع الشريف ومقتضاه، ثم يقول: فأجابها الحاكم إلى ذلك، وطلقها على زوجها المذكور طلقة واحدة أولى رجعية تكون بها جارية في عصمته إلى انقضاء عدتها، وهو أملك لرجعتها ما لم تنقض عدتها.
وحكم لها بذلك حكما صحيحا شرعيا، وأشهد على نفسه الكريمة بذلك، ويؤرخ.
وإذا حلف الرجل على عدم وطئ زوجته مدة تزيد على أربعة أشهر، فإن وطئ قبل انقضائها: بطل حكم الايلاء، وعليه الكفارة.
وإن انقضت ولم يف ورفعته إلى القاضي وادعت عليه بذلك، فأقر بالزوجية ولم يصدقها على الايلاء، ولا على تقضي مدته ولم يفئ، وحلف بالله العظيم أنه لا يطؤها مدة يكون موليا منها، فيقول بعد تمام الدعوى وحلفه: فعند ذلك التمست الزوجة المذكورة من زوجها المذكور: أن يضرب لها أجلا مدة أربعة أشهر، أولها كذا وآخرها كذا، فيضرب لها المدة المذكورة.
وأشهد عليه بذلك من حضره من العدول.
والامر محمول بينهما في ذلك على ما يوجبه الشرع الشريف، ويؤرخ.
فإذا انقضت المدة ولم يفئ كتب:

حضرت إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلانة، وادعت على فلان بين يدي سيدنا الحاكم المشار إليه: أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا، بولي مرشد وشاهدي عدل، وبإذنها ورضاها، ودخل بها وأصابها، وأنه حلف بالله العظيم - أو بعتق أو غير ذلك مما ينعقد به الايلاء -: أنه لا يطؤها مدة يكون موليا فيها إلا بعد انقضاء أربعة أشهر،
وانقضت المدة، ولم يفئ، وأنها دعته إلى الحاكم الفلاني وتنازعا في ذلك.
وأنكر الايلاء.
وحلف أنه لا يطؤها مدة يكون موليا فيها، وضرب لها مدة أربعة أشهر، وقد انقضت ولم يفئ.
وسألت سؤاله عن ذلك.
فسئل؟ فأجاب بصحة دعواها، واعترف لديه بذلك، وأن مدة الاجل الذي ضربه لها انقضت، ولم يفئ لزوجته هذه.
ولم يعتذر بعذر يمنعه عن الوطئ.
فحينئذ أعلمه الحاكم أن الخيار له في الفيئة أو الطلاق، فإن اختار الطلاق كما تقدم.
وإن امتنع وأصر على الامتناع وعظها، وطلق عليه الحاكم كما تقدم شرحه.
وهذا الطلاق واجب.
وصورة ما إذا تنازع الزوجان وخيف شقاق بينهما: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وفلانة، وتصادقا أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي.
وثبت عنده صحة الزوجية على الاوضاع الشرعية، وتكلم كل منهما في حق الآخر.
وزعم أنه لا يقيم معه حدود الله.
وأشكل عليه أمرهما واختلاف حالهما.
وهو أنهما وعدا بوفاء كل منهما في حق الآخر بما يجب عليه من الحقوق الشرعية والاحوال المرضية، وخيف شقاق بينهما.
فأمرهما الحاكم المشار إليه بتقوى الله وطاعته، وسلوك المنهج القويم، والصراط المستقيم، على ما جاء به نص القرآن العظيم، وسنة النبي الكريم.
وكرر ذلك عليهما وزاد في وعظهما.
فلم يرجع كل منها عما قاله في حق الآخر.
وتمادى الامر بينهما، واستمر حالهما على ذلك.
فأنفذ الحاكم المشار إليه رجلين حرين مسلمين عدلين، عالمين بحالهما، عارفين بوجه الحكم، للنظر بينهما والاصلاح ما استطاعا، والتسديد ما قدرا - وهما فلان وفلان - أحدهما - وهو فلان - من أهل الزوج.
والآخر - وهو فلان - من أهل الزوجة.
وأمرهما بالكشف عن حالهما، بعد أن أخبرهما الحاكم بما جرى لديه منهما، وبما وعظهما به وخوفهما، وما أمرهما به من تقوى الله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
فامتثلا أمر الحاكم المشار إليه بذلك.
وإلا فيفرقا بينهما إذا رأيا ذلك، أو يجمعا، وأن يأخذا مما لكل واحد منهما لصاحبه ما يره.
وصارا والزوجان بصحبتهما إلى
مكانهما وكشفا عن حالهما، وبحثا عن أمرهما.
وخوفاهما وحذراهما، وأمراهما بتقوى الله وطاعته، وأعلماهما بما يجب على كل واحد منها للآخر على الوجه الشرعي، والسنن

المرضي، مما جاء به الكتاب والسنة.
وطال الخطب بينهما في ذلك.
فلم يذعنا للصلح، ولا رغبا فيه.
ولم يرجع كل منهما عما قاله في حق الآخر.
وأشكل أمرهما عليهما.
فإن كانا حكمين، اعتمدا في حق الزوجين ما يجب اعتماده، إما بإقرارهما على الزوجية، أو انفصالهما بالطلاق.
ثم يقول: وأنهما ألزما أنفسهما بما قضى به الحكمان لهما وعليهما.
وقبلا ذلك منهما، ورضيا ما جعلاه إلى كل واحد منهما.
ما اختاره القاضي بمخاطبتهما على ذلك.
وإن كانا وكيلين عنهما اختلعا عن الزوجة، وطلقا على الزوج بإذنهما.
ويكتب ذلك، كما تقدم ذكره في صورة وكيل الزوج.
ووكيل الزوجة.
وإن رغب الزوج في طلاق زوجته على عوض تقوم به الزوجة، فيفعل في ذلك كما تقدم في صورة الخلع، ويحصل التفريق بينهما.
تذييل: إذا تنازع الزوجان، وظهر من تنازعهما بطلان النكاح، أو وطئ شبهة، أو نكاح فاسد.
وطالت الخصومة بينهما، وصارا إلى قبيح وفحش من القول والفعل، وآل أمرهما إلى تفريق الحاكم بينهما.
كتب: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وفلانة.
وادعى فلان المذكور على فلانة المذكورة - ويذكر الصيغة الواقعة بينهما المؤدية إلى فساد النكاح، ويشرحها على حكم ما وقعت بينهما على أي وجه مفسد كان من مفسدات النكاح - ثم يقول: وأنه تمادى به وبها الامر بسبب ذلك إلى كثرة التنازع.
وطالت الخصومة بينهما.
وصار الامر بينه وبينها إلى قبيح وفحش من القول والفعل.
وسأل سؤالها عن ذلك.
فسألها الحاكم؟ فأجابت بعدم صحة دعواه.
فتبين الحاكم أثر الريبة المفهمة بفساد
أصل العقد الجاري بينهما، وعدم حقيقته، وفقدان وجوده.
ووجد تناقض دعواهما، وتكذيب أحدهما الآخر في دعواه، واختلاف قولهما بظهور الريبة الواقعة منه، القادحة في تزويجها إياه، ومعاشرته لها بغير مسوغ شرعي.
فعند ذلك أمر بإيداعهما السجن لينظر في أمرهما، تحريا في الثبوت قبل بت الحكم بالاحتياط الذي لا يضر مثله في الامور الشرعية.
ثم أحضرهما بعد ذلك، وسألهما عن حقيقة الحال الجاري بينهما؟ فاعترفا بترتب دعواهما الزوجية على أصل كاذب.
وتصادقا على أن لا نكاح بينهما ولا زوجية.
فحينئذ سأل سائل شرعي ثبوت ذلك عنده.
والتفريق بينهما، لوجود المسوغ الشرعي المقتضي لذلك.

فتأمل الحاكم ذلك وتدبره.
وروى فيه فكره، وأمعن فيه نظره.
واستخار الله كثيرا.
واتخذه هاديا ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله.
وفرق بين المذكورين أعلاه تفريقا شرعيا، تكون به في عدة منه إلى حين انقضائها شرعا.
وأمره بترك التعرض لها بموجب النكاح المذكور، إلا بمستند شرعي بطريقه الشرعي.
وألزمه لها بمهر مثلها بمقتضى ثبوت إقرارهما بالوطئ الموجب لدرء الحد عنهما، بمقتضى قيام الشبهة في نفس الوطئ وقوتها.
وأمرهما بتقوى الله تعالى وطاعته وخشيته ومراقبته، وحذرهما من الوقوع في المحذور.
وتوعدهما على تعاطي ما يخالف ذلك في مشروعية النكاح.
وفي سائر الامور.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكمل ويؤرخ.
والله أعلم.

كتاب الظهار وما يتعلق به من الاحكام الظهار مشتق من الظهر.
وإنما خصوا الظهر من بين أعضاء الام، لان كل مركوب يسمى ظهرا.
لحصول الركوب على الظهر.
فشبهت به الزوجة.
وقد كان الظهار في الجاهلية طلاقا.
ثم نقل في الشرع إلى التحريم والكفارة.
وقيل: إنه كان طلاقا في أول الاسلام.
والاول أصح.
والاصل فيه قوله تعالى: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور) * وقوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير) *.
وروي أن خولة بنت مالك بن ثعلبة - وقيل: اسمها خويلة - قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت.
فجئت رسول الله (ص)، أشكو إليه، وذكرت أمورا، وقلت: قدمت معه صحبتي، ونثرت له كنانتي.
ولي منه صبية إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضمتهم إلي جاعوا.
أشكو إلى الله عجري وبجري، ورسول الله (ص) يجادلني فيه، يقول: اتق الله، فإنه ابن عمك.
فما برحت حتى نزل القرآن: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) * الآيات فقال رسول الله (ص): يعتق رقبة.
قلت: لا يجد.
قال: فيصوم شهرين متتابعين.
قلت: يا رسول الله، شيخ كبير ما به صيام.
قال: فليطعم ستين مسكينا.
قلت: ما عنده شئ يتصدق به.
قال: فأتى بعرق من تمر.
قلت: يا رسول الله، وأنا أعينه بعرق آخر.
قال: قد أحسنت، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك قال الاصمعي: العرق - بفتح العين والراء - ما نسج من خوص، كالزنبيل الكبير.

وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال: كنت رجلا أصيب من النساء ما لا يصيبه غيري.
فلما دخل شهر رمضان خشيت أن أصيب من امرأتي شيئا، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان.
فبينا هي تحدثني ذات ليلة، انكشف لي شئ منها.
فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا
معي إلى رسول الله (ص) قالوا: لا والله.
فانطلقت إلى رسول الله (ص) فأخبرته الخبر.
فقال: حرر رقبة، فقلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها - وضربت صفحة رقبتي - قال: فصم شهرين متتابعين.
قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا.
قلت: والذي بعثك بالحق نبيا لقد بتنا ما لنا طعام.
قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها.
فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي.
ووجدت عند رسول الله (ص) السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم.
والظهار محرم لقوله تعالى: * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) * ومعنى ذلك: أن الزوجة لا تكون محرمة كالام.
ويصح الظهار من كل زوج يصح طلاقه.
حرا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا، وخصي ومجبوب.
وظهار السكران كطلاقه.
وصريحه: أنت علي - أو مني، أو معي، أو عندي، أو لي - كظهر أمي، وكذلك أنت كظهر أمي على الصحيح، وقوله: جملتك، أو نفسك، أو ذاتك أو جسمك، أو بدنك كبدن أمي، أو جسمها أو ذاتها: صريح.
ومتى أتى بصريح وقال: أردت غيره، لم يقبل على الصحيح.
ويصح تعليقه.
ويصير بوجود الصفة مظاهرا.
فصل: وعلى المظاهر كفارة بالعود، وهو أن يمسكها بعد ظهاره زمان إمكان فرقة على المشهور.
ويحرم قبل التكفير وطئ، لا لمس ونحوه بشهوة في الاظهر.
وأقصى التلذذ في الانزال.
وفيما بين السرة والركبة: الاحتمالات.

وإذا عاد ووجبت الكفارة لم تسقط بفرقة، وإن جدد النكاح فالتحريم مستمر حتى
يكفر.
والكفارة: عتق رقبة مؤمنة سليمة، أو صوم شهرين متتابعين، أو تمليك ستين مسكينا كل مسكين مد بمد رسول الله (ص) من جنس الفطرة.
والاظهر: اعتبار اليسار بوقت الاداء.
فإن كان موسرا ففرضه الاعتاق، أو معسرا فالصوم.
فإن تكلف الاعتاق باستقراض أو غيره، أجزأه على الصحيح، أو صام ثم أيسر في أثنائه لم يلزمه على الصحيح، وبعد فراغه لم يلزمه قطعا.
فإن أعتق كان، ووقع الصوم تطوعا.
وكذا لو أطعم البعض ثم قدر على الصوم لم يلزمه.
والعبد يكفر في الظهار بالصوم.
وليس للسيد منعه إلا في العتق والاطعام.
فإن عتق وأيسر قبل الكفارة لزمه الاعتاق في الارجح.
وتجب النية في الصوم لكل يوم، وكذا نية التتابع في الاصح.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن المسلم إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أنه مظاهر منها، لا يحل له وطؤها حتى يقدم الكفارة، وهي عتق رقبة إن وجدها.
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
واختلفوا في ظهار الذمي.
فقال أبو حنيفة ومالك: لا يصح.
وقال الشافعي وأحمد: يصح.
ولا يصح ظهار السيد من أمته إلا عند مالك.
واتفقوا على ظهار العبد، وأنه يكفر بالصوم وبالاطعام عند مالك إن ملكه السيد.
واختلفوا فيمن قال لزوجته أمة كانت أو حرة: أنت علي حرام فقال أبو حنيفة: إن نوى الطلاق كان طلاقا.
فإن نوى ثلاثا فهو ثلاث.
وإن نوى واحدة أو اثنتين فواحدة بائنة.
وإن نوى التحريم ولم ينو الطلاق، أو لم يكن له نية.
فهو يمين وهو مول، إن تركها أربعة أشهر وقعت طلقة بائنة، وإن نوى الظهار: كان مظاهرا.
وإن نوى اليمين
كانت يمينا.
ويرجع إلى نيته: كم أراد بها، واحدة أو أكثر؟ سواء المدخول بها أو غيرها.
وقال مالك: هو طلاق ثلاث في المدخول بها، وواحدة في غير المدخول بها.
وقال الشافعي: إن نوى الطلاق أو الظهار: كان ما نواه.
وإن نوى اليمين، لم يكن يمينا، ولكن عليه كفارة يمين.
وإن لم ينو شيئا فقولان: أحدهما - وهو الراجح - لا

شئ عليه.
والثاني: عليه كفارة يمين.
وعن أحمد روايتان: أظهرهما: أنه صريح في الظهار نواه أو لم ينوه.
وفيه كفارة الظهار.
والثانية: أنه يمين وعليه كفارة.
والثالث: أنه طلاق.
واختلفوا في الرجل يحرم طعامه وشرابه، أو أمته.
فقال أبو حنيفة وأحمد: هو حالف.
وعليه كفارة يمين بالحنث.
ويحصل الحنث عندهما بفعل جزء منه، ولا يحتاج إلى أكل جميعه.
وقال الشافعي: إن حرم الطعام أو الشراب أو اللباس فليس بشئ ولا كفارة.
وإن حرم الامة فقولان.
أحدهما: لا شئ عليه.
والثاني: لا تحرم.
ولكن عليه كفارة يمين.
وهو الراجح.
وقال مالك: لا يحرم عليه شئ من ذلك على الاطلاق.
ولا كفارة عليه.
واختلفوا: هل يحرم على المظاهر القبلة واللمس بشهوة أم لا؟ فقال أبو حنيفة ومالك: يحرم.
وللشافعي قولان.
الجديد: الاباحة، وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: التحريم.
واختلفوا فيما إذا وطئ المظاهر منها.
فقال أبو حنيفة ومالك في أظهر روايتيه: يستأنف الصيام إن وطئ في خلال الشهرين ليلا كان أو نهارا، عامدا كان أو ناسيا.
وقال الشافعي: إن وطئ بالليل مطلقا لم يلزمه الاستئناف، وإن وطئ بالنهار
عامدا فسد صومه وانقطع التتابع.
ولزمه الاستئناف لنص القرآن.
واختلفوا في اشتراط الاثمان في الرقبة التي يكفر بها المظاهر.
فقال أبو حنيفة وأحمد، في إحدى روايتيه لا.
وقال مالك والشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: يشترط.
واختلفوا فيما إذا شرع في الصيام ثم وجد الرقبة.
فقال الشافعي وأحمد: إن شاء مضى على صومه، وإن شاء أعتق.
وقال مالك: إن صام يوما أو يومين أو ثلاثة عاد إلى العتق.
وإن كان قد مضى في صومه أتمه، وقال أبو حنيفة: يلزم العتق مطلقا.

واتفقوا على أن لا يجوز له الوطئ حتى يكفر، وأنه لا يجوز دفع شئ من الكفارات إلى الكافر والحربي.
واختلفوا في الدفع إلى الذمي، فقال أبو حنيفة: يجوز.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز.
ولو قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أمي.
فلا كفارة عليها بالاتفاق إلا في رواية عن أحمد.
اختارها الخرقي.
انتهى.
المصطلح: وهو يشتمل على صور.
منها: إذا قال الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، أنت طالق وواصل كلامه كان مطلقا مظاهرا.
وسقطت الكفارة عنه.
وكان الطلاق رجعيا، إن كان قد دخل بها.
صورة ما يكتب في ذلك: أشهد عليه فلان - أو أقر فلان - أنه كان في التاريخ الفلاني قال لزوجته فلانة التي دخل بها وأصابها: أنت علي كظهر أمي، أنت طالق، بكلام متصل غير منفصل، وصدقته على ذلك، وترافعا إلى حاكم من حكام المسلمين.
وتحاكما عنده بسبب ذلك، وحكم عليه بالطلقة المذكورة.
تكون بها جارية في عصمته
إلى انقضاء عدتها، فإذا انقضت فلا سبيل له عليها إلا بإذنها ورضاها، وعقد جديد بشروطه الشرعية.
ويؤرخ.
وصورة إشهاد المظاهر عليه بالظهار ولزوم الكفارة له: أشهد عليه فلان أنه قال لزوجته فلانة في تاريخ كذا: أنت علي كظهر أمي أو لفظا من صرائح الظهار المتقدم ذكرها، وأنه أمسكها عقب قوله ذلك إلى الآن.
وأنه قادر على الكفارة التي تلزمه شرعا، وهو ممتنع عن الوطئ حتى يكفر، وملتزم أحكام ذلك الشرعية.
وعليه الخروج من الكفارة على مقتضى ما يجب عليه شرعا، وصدقته زوجته المذكورة على ذلك كله تصديقا شرعيا.
وصورة ما إذا ترافعا إلى حاكم شرعي بسبب ذلك: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وزوجته فلانة.
وادعت فلانة الزوجة المذكورة على زوجها فلان المذكور: أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا بنكاح صحيح شرعي، بولي مرشد وشاهدي عدل، بشرائطه الشرعية، ودخل بها وأصابها - أو لم يدخل بها ولم يصبها - وأنه قال لها بصريح لفظه: أنت علي كظهر أمي أو لفظ من صرائح الظهار المقدم ذكرها، وأمسكها عقيب ذلك، وأن الكفارة واجبة عليه.
وأنه دعاها للوطئ فامتنعت حتى يكفر.
وسألت سؤاله عن ذلك.

فسئل فأجاب بصحة دعواها، وأنه قال ذلك بلفظه في المجلس المشار إليه، فأمره الحاكم بعدم الوطئ حتى يكفر، واعترف لديه - أحسن الله إليه - أن الواجب عليه من الكفارة كذا وكذا.
وإن لم يصدقها على الظهار وصدقها على الزوجية، فيأمرها الحاكم بإقامة البينة، ثم يقول: فحينئذ قامت بينتها الشرعية على الظهار.
وهما فلان وفلان.
ولا ينقص عن اثنين من الشهداء.
وأقام كل من الشاهدين المذكورين شهادته عند الحاكم المشار إليه
بذلك، وقبلهما لما رأى معه قبولهما.
وأمره الحاكم بعدم الوطئ، حتى يكفر.
فإن فعل الكفارة.
كتب: أشهد عليه فلان أنه فعل ما وجب عليه من الكفارة الشرعية بسبب الظهار المذكور، ويعين ذلك - إما بعتق أو صوم، أو إطعام - وصدقته زوجته المذكورة على ذلك تصديقا شرعيا، وإن لم تصدقه على الكفارة فترفعه إلى الحاكم وتقع الدعوى كما تقدم، وتقدم البينة بذلك.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
والله تعالى أعلم.

كتاب اللعان وما يتعلق به من الاحكام اللعان مشتق من اللعن.
واللعن: هو الطرد والابعاد.
وسمي المتلاعنان بذلك لان في الخامسة اللعنة، ولما يتعقب اللعان من المأثم والطرد، لانه لا بد أن يكون أحدهما كاذبا.
فيكون ملعونا.
والاصل فيه قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * الآية.
ولاعن رسول الله (ص) بين عويمر العجلاني وبين امرأته كما روى سهل بن سعد الساعدي قال: أتى عويمر العجلاني النبي (ص).
فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال النبي (ص): قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك ما في هلال بن أمية وامرأته - يعني: قوله * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) * لانها عامة.
ولاعن النبي (ص) هلال بن أمية، كما روى ابن عباس: أن هلال ابن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء، فقال النبي (ص): البينة أو حد في ظهرك.
فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق.
ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد.
فأنزل الله
تعالى * (والذين يرمون أزواجهم) * الآية.
فدعاه النبي (ص)، وقال: أبشر يا هلال، وقد جعل الله لك فرجا ومخرجا.
قال: قد كنت أرجو ذلك من ربي.
فإذا رأى الرجل امرأته تزني، أو أقرت عنده بالزنا، أو أخبره بذلك ثقة، أو استفاض في الناس أن رجلا يزني بها، ثم وجده عندها، ولم يكن هناك نسب يلحقه من

هذا الزنا، فله أن يقذفها بالزنا.
لانه إذا رآها فقد تحقق زناها.
وإذا أقرت عنده، أو أخبره ثقة، أو استفاض في الناس ووجد الرجل عندها، غلب على ظنه زناها.
فجاز له قذفها.
ولا يجب عليه قذفها: لما روي أن رجلا قال: يا رسول الله، إن امرأتي لا ترد يد لامس - تعريضا منه بزناها - فقال النبي (ص): طلقها.
فقال: إني أحبها.
قال: أمسكها.
وروى عبد الله بن مسعود: أن رجلا أتى النبي (ص).
فقال: يا رسول الله، إن وجد رجل مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ.
فقال النبي (ص): اللهم افتح.
فنزلت آية اللعان فظهر أنه يتكلم أو يسكت، ولم ينكر عليه النبي (ص).
وأما إذا لم يظهر على المرأة بينة بالزنا ولا سبب، حرم عليه قذفها.
لقوله تعالى: * (إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) *.
ولما روي أن النبي (ص) قال: من قذف محصنة أحبط الله عمله ثمانين عاما.
وإن أخبره بزناها من لا يثق بقوله حرم عليه قذفها.
لانه لا يغلب على الظن إلا قول الثقة.
وإن وجد عندها رجلا ولم يستفض في الناس أنه يزني بها، حرم عليه قذفها، لجواز أن يكون دخل إليها هاربا، أو لطلب الزنا ولم تجبه، فلا يجوز قذفها بأمر
محتمل.
واللعان يمين مؤكدة بلفظ شهادة.
وقيل: فيها ثبوت شهادة.
ويشترط في الملاعن أهلية اليمين والزوجية.
فلا يصح لعان صبي ومجنون.
ويصح من ذمي ورقيق ومحدود في القذف.
فإذا نفى الرجل حمل زوجته ولم يقر به، ترافعا إلى الحاكم ولاعن لاسقاط الحد عن نفسه ونفي ذلك النسب عنه.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: أجمع الائمة رحمهم الله تعالى على أن من قذف امرأته، أو رماها بالزنا، أو نفى حملها.
وأكذبته ولا بينة له: أنه يجب عليه الحد، وله أن يلاعن وهو أن يكرر اليمين أربع مرات بالله: إنه لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة: إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
فإذا لاعن لزمها حينئذ الحد.
ولها درؤه باللعان.
وهو أن تشهد أربع شهادات بالله: إنه لمن الكاذبين، ثم تقول في الخامسة: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
فإن نكل الزوج عن اللعان لزمه الحد عند مالك والشافعي، إلا أن الشافعي يقول: إذا نكل فسق، ومالك يقول: لا يفسق حتى يحد.
وقال أبو حنيفة: لا حد عليه، بل يحبس حتى يلاعن أو يقر.
وإن نكلت الزوجة حبست حتى تلاعن أو تقر عند أبي حنيفة، وفي أظهر الروايتين عن أحمد.
وقال مالك والشافعي: يجب عليها الحد.
واختلفوا هل اللعان بين كل زوجين، حرين كانا أو عدين أو أحدهما، عدلين كانا أو فاسقين، أو أحدهما؟ فعند مالك: إن كل مسلم صح طلاقه صح لعانه، حرا كان أو عبدا، عدلا كان أو فاسقا.
وبه قال الشافعي وأحمد، غير أن الكافر يجوز طلاقه ولعانه
عند الشافعي وأحمد.
والكافر عند مالك لا يقع طلاقه.
لان أنكحة الكفار عنده فاسدة، فلا يصح لعانه.
وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة.
فمتى قذف، وليس هو من أهل الشهادة، حد.
وهل يصح اللعان لنفي الحمل قبل وضعه؟ قال أبو حنيفة وأحمد: إذا نفى حمل امرأته فلا لعان بينهما.
ولا ينتفي عنه.
فإن قذفها بصريح الزنا لا عن القذف، ولم ينف نسبه، سواء ولدته لستة أشهر أو لاقل.
وقال مالك والشافعي: يلاعن لنفي الحمل، إلا أن مالكا اشترط أن يكون استبراؤها بثلاث حيضات أو بحيضة، على خلاف بين أصحابه.
فصل: وفرقة التلاعن بين الزوجين بالاتفاق.
واختلفوا بماذا تقع؟ فقال مالك: تقع بلعانها خاصة من غير تفرقة الحاكم، وهي رواية عن أحمد.
وقال أبو حنيفة وأحمد أظهر روايتيه: لا تقع إلا بلعانهما وحكم الحاكم.
فيقول: فرقت بينهما.
وقال الشافعي: تقع بلعان الزوج خاصة، كما ينتفي النسب بلعانه، وإنما لعانهما يسقط الحد عنهما.

واختلفوا: هل ترتفع الفرقة بتكذيب الزوج نفسه أم لا؟ فقال أبو حنيفة: ترتفع.
فإذا كذب نفسه جلد الحد.
وكان له أن يتزوجها.
وهي رواية عن أحمد.
وقال مالك والشافعي وأحمد في أظهر روايتيه: هي فرقة مؤبدة لا ترفع بحال.
واختلفوا: هل فرقة اللعان فسخ أو طلاق؟ فقال أبو حنيفة: طلاق بائن.
وقال مالك والشافعي وأحمد: فسخ.
وفائدته: أنه إذا كان طلاقا لم يتأبد التحريم.
وإن أكذب نفسه جاز له أن يتزوجها.
وعند مالك والشافعي: هو تحريم مؤبد كالرضاع، فلا تحل له أبدا.
وبه قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وعطاء والزهري والاوزاعي والثوري.
وقال سعيد بن جبير: إنما يقع باللعان تحريم الاستمتاع.
فإذا أكذب نفسه ارتفع التحريم، وعادت زوجته إن كانت في العدة.
فصل: ولو قذف زوجته برجل بعينه، فقال: زنى بك فلان فقال أبو حنيفة ومالك: تلاعن الزوجة، ويحد للرجل الذي قذفه، إن طلب الحد.
ولا يسقط باللعان.
وللشافعي قولان.
أحدهما: يحد حدا واحدا لهما، وهو الراجح.
والثاني: يحد لكل واحد منهما حدا.
فإن ذكر المقذوف في لعانه سقط الحد.
وقال أحمد: عليه حد واحد لهما، ويسقط بلعانهما.
ولو قال لزوجته: يا زانية وجب عليه الحدإن لم يثبته.
وليس عند مالك في المشهور عنه أن يلاعن حتى يدعي رؤيته بعينه وقال أبو حنيفة والشافعي: له أن يلاعن، وإن لم يذكر رؤية.
فصل: لو شهد على المرأة أربعة، منهم الزوج.
فعند مالك والشافعي وأحمد: لا يصح.
وكلهم قذفة.
يحدون، إلا الزوج، فيسقط حده باللعان.
وعند أبي حنيفة: تقبل شهادتهم، وتحد الزوجة.
ولو لاعنت المرأة قبل الزوج: اعتد به عند أبي حنيفة.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يعتد به.
فصل: والاخرس: إذا كان يعقل الاشارة، ويفهم الكتابة، ويعلم ما يقوله.
فإنه يصح لعانه وقذفه عند مالك والشافعي وأحمد.
وكذلك الخرساء.
وقال أبو حنيفة: لا.

وإذا بانت زوجته منه، ثم رآها تزني في العدة: فله عند مالك أن يلاعن.
وكذا إن تبين بها حمل بعد طلاقه، ولو قال: كنت استبرأتها بحيضة.
وقال الشافعي: إن كان هناك حمل أو ولد: فله أن يلاعن وإلا فلا.
وقال أبو حنيفة وأحمد: ليس له أن يلاعن أصلا.
ولو تزوج امرأة وطلقها عقب العقد من غير إمكان وطئ، وأتت بولد لستة أشهر من العقد، لم يلحق به عند مالك والشافعي وأحمد، كما لو أتت به لاقل من ستة أشهر.
وقال أبو حنيفة: إذا عقد عليها بحضرة الحاكم، ثم طلقها عقب العقد، فأتت بولد لستة أشهر لحق به، وإن لم يكن هناك إمكان وطئ.
وإنما يعتبر أن تأتي به لستة أشهر فقط، لا أكثر منها ولا أقل.
لانها إن أتت به لاكثر من ستة أشهر يكون الولد حادثا بعد الطلاق الثلاث، فلا يلحقه.
وإن أتت به لاقل من ستة أشهر كان الولد حادثا قبل العقد، فلا يلحق به.
وقال أيضا: لو تزوج امرأة وغاب عنها السنين الطوال فأتاها خبر وفاته فاعتدت.
ثم تزوجت وأتت بأولاد من الثاني، ثم قدم الاول.
فإن الاولاد يلحقون بالاول، وينتفون من الثاني.
وعند مالك والشافعي وأحمد: يكونون للثاني.
وقال أيضا: لو تزوج وهو بالمشرق امرأة وهي بالمغرب، وأتت بولد لستة أشهر من العقد.
كان الولد ملحقا به، وإن كان بينهما مسافة لا يمكن أن يلتقيا أصلا، لوجود العقد.
انتهى.
فائدة: قال ابن عبد السلام في القواعد: إذا قال الرجل: أنت أزنى الناس أو أنت أزنى من زيد فظاهر هذا اللفظ: أن زناه أكثر من زنا سائر الناس، أو من زنا زيد.
وقال الشافعي: لا حد عليه، حتى يقول: أنت أزنى زناة الناس أو فلان زان وأنت أزنى منه وفي هذا بعد، من جهة أن المجاز قد غلب على هذا اللفظ.
فيقال: فلان أشجع الناس، وأسخى الناس، وأعلم الناس.
والناس كلهم يفهمون من هذا اللفظ: أنه أشجع شجعان الناس، وأسخى أسخياء الناس.
والتعبير الذي وجب الحد لاجله حاصل من هذا اللفظ حصوله بقوله: أنت زان.
فرع: كل حد أو تعزير ثبت بطلب شخص سقط بعفوه بشرط أهليته.
المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
صورة ما إذا نفى الرجل حمل زوجته، وكان حملا ظاهرا، وترافعا إلى الحاكم.
فإن كان بينهما كتاب يشهد بالزوجية كتب محضرا صورته: حضر شهود يعرفون فلانا

وفلانة معرفة صحيحة شرعية، ويشهدون - مع ذلك - أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي، دخل الزوج منهما بالزوجة وأصابها.
يعلمون ذلك ويشهدون به، مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا، ويؤرخ.
وكتب: حسب الاذن الكريم العالي الحاكمي الفلاني.
ثم يثبت هذا المحضر عند الحاكم بشهادة من شهد فيه، ثم يكتب على ظهر كتاب الزوجة، أو على ظهر هذا المحضر: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني - هذا الحاكم أو غيره - فلان وفلانة.
واعترفا أنهما زوجان متناكحان بنكاح صحيح شرعي - إن كان ذلك على ظهر كتاب الزوجة - ثم يقول: على الحكم المشروح باطنه.
وإن كان على ظهر المحضر، فيقول: لما قامت البينة الشرعية في المحضر المسطر باطنه عند سيدنا الحاكم المشار إليه باطنه.
وثبت ذلك عنده الثبوت الشرعي على الحكم المشروح باطنه.
وإن كان الثبوت عند غير الحاكم الذي أثبت المحضر: فتقع الدعوى عنده.
ولا بد من إيصال ثبوت النكاح به: ادعى الزوج المذكور أعلاه أن زوجته فلانة المذكورة معه فيه حامل، وليس هذا الحمل منه.
وإنما زنت به، ونفى الحمل المذكور.
وادعت الزوجة: أن الحمل منه، ولم يصدقها عليه.
فخوفهما الحاكم المشار إليه بالله تعالى ووعظهما، وزاد في تخويفهما وتحذيرهما.
فأصر كل منهما على ما قاله ولم يرجع، واستمرا على ذلك.
فاقتضى الحال الحكم بينهما بما تقتضيه الشريعة المطهرة.
وبرز أمر الامام الاعظم بذلك.
فقضى الحاكم المشار إليه باللعان بين هذين الزوجين المذكورين.
وأمر بتحليفهما
بالمسجد الجامع بحضور جماعة من الفقهاء العدول المتميزين والصلحاء والاخيار، ومن حضر من المسلمين.
على نص كتاب الله العظيم.
فتقدم الزوج المذكور.
وقام قائما على قدميه بالجامع في دبر صلاة العصر، من يوم الجمعة من شهر كذا سنة كذا، عند المنبر، واستقبل القبلة بحضرة زوجته، ومن حضر بالمجلس المذكور من المسلمين.
وحلف أربعة أيمان بالله، كما أوجب الله أن يحلف به في الوقت المذكور، وهو يشير إلى زوجته المذكورة: أنه فيما قاله لمن الصادقين.
وقال في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
وحلفت الزوجة في الموضع المذكور عقيبه، وهي مستقبلة القبلة، أربعة أيمان بالله إنه لمن الكاذبين.
وقالت في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.

وتثبت أيمان كل منهما على ما نص في كتاب الله العزيز عند سيدنا المشار إليه، وتشخيصهما عنده الثبوت الشرعي.
فبحكم ذلك وقضيته: وقعت الفرقة بين هذين المتلاعنين، بمقتضى اللعان الواقع بينهما على الحكم المشروح أعلاه، وحرم عليهما أن يتناكحا أبدا.
وأسقط هذا اللعان نسب حمل الزوجة المذكورة من فلان المذكور.
وحكم الحاكم المشار إليه - أحسن الله إليه - بموجب هذا اللعان وقضيته، وقضى بذلك وأمضاه.
وألزم العمل بمقتضاه، حكما شرعيا تاما، معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية.
وإبقاء كل ذي حجة معتبرة على حجته، إن كانت.
وأسقط القذف عن فلان فيما رمى به فلانة من لعانه، وأسقط الحد عنها فيما رماها به موضع لعانها.
واعترف المحكوم عليهما أن لا دافع لهما فيما حكم به عليهما.
وثبت ذلك عند الحاكم المشار إليه.
وأشهد على نفسه الكريمة من حضر مجلس حكمه وقضائه، وهو نافذ القضاء والحكم ماضيهما.
وذلك في اليوم المبارك، ويكتب القاضي التاريخ والحسبلة بخطه.
صورة الاقرار بنفي ولد جاريته مملوكته بعد الوطئ والاستبراء، وعدم الوطئ بعد:
أشهد عليه فلان - أو أقر فلان - أنه كان قبل تاريخه وطئ مملوكته فلانة - ويذكر جنسها - المسلمة المقرة له بالرق والعبودية، ثم استبرأها بعد الوطئ استبراء صحيحا شرعيا، وأنه لم يطأها بعد الاستبراء، وأنها بعد ذلك أتت بولد وسمته فلانا، وأنه الآن في قيد الحياة.
وأن هذا الولد المذكور ليس هو من صلبه، ولا نسب بينه وبينه.
وأشهد على نفسه بذلك بحضور جاريته المذكورة.
ويؤرخ.
وصورة ما إذا أقر بولد رزقه من جاريته: سبق في كتاب الاقرار.
والله أعلم.

كتاب العدد وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في وجوب العدة قوله تعالى: * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *.
وجملة ذلك: أن الزوجة يجب عليها العدة بطلاق الزوج أو بوفاته.
فأما عدة الطلاق: فينظر فيها.
فإن طلقها قبل الدخول بها والخلوة لم تجب العدة، لقوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) * (الاحزاب: 94).
وإن طلقها بعد أن دخل بها، وجبت عليها العدة.
لان الله تعالى لما لم يوجب عليها العدة إذا طلقت قبل الدخول، دل على أنها تجب عليها العدة بعد الدخول.
لان رحمها قد صار مشغولا بماء الزوج.
فوجبت عليها العدة لبراءته منه.
وإن طلقها بعد الخلوة وقبل الدخول.
فقد نص الشافعي، في الجديد، على أن الخلوة لا تأثير لها في استقرار المهر، ولا في إيجاب العدة، ولا في قوة قول من يدعي الاصابة.
وسيأتي الخلاف بين العلماء رضي الله عنهم في ذلك.
وعدة النساء قسمان.
أحدهما: يتعلق بفرقة تحصل بعد الدخول، كما تقدم.
فإذا وجبت العدة على المطلقة، فلا يخلو: إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن
كانت حاملا لم تنقض عدتها إلا بوضع الحمل، حرة كانت أو أمة.
لقوله تعالى: * (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * (الطلاق: 4) ولان العدة تراد لبراءة الرحم.
وبراءة الرحم تحصل بوضع الحمل، لقوله (ص) في السبايا: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض.

والحرة التي تطهر وتحيض: تعتد بعد الطلاق بثلاثة قروء.
والقرء الطهر، فإذا طلقت وهي طاهرة فحاضت، ثم طهرت ثم حاضت، ثم طهرت ثم حاضت: فقد مضت العدة.
والاصح: أنه لا حاجة إلى مضي يوم وليلة من الحيضة الثالثة، أو الرابعة.
وهل يحسب طهر التي لم تحض أصلا قرءا؟ فيه قولان.
بناء على أن المعتبر في القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض، أو الطهر المحتوش بين دمين.
والاظهر الثاني.
والمستحاضة تعتد بأقرائها المردودة إليها من العادة، أو الاقل، أو الغالب.
والناسية المأمورة بالاحتياط: تنقضي عدتها بثلاثة أشهر، على أصح الوجهين.
والثالث: أنها تتربص إلى سن اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر.
وأما الامة: فإنها تعتد بقرأين.
والمكاتبة والمستولدة ومن بعضها رقيق كالقنة.
وإن عتقت الامة في العدة فإن كانت رجعية.
فالجديد وأحد قولي القديم: أنها تكمل عدة الحرائر.
وإن كانت بائنة.
فالقديم وأحد قولي الجديد: إنها تعتد بقرأين.
والحرة التي لا ترى الدم، لصغر أو يأس إذا طلقت: تعتد بثلاثة أشهر هلالية.
فإن طلقت في أثناء الشهر وانكسر ذلك الشهر، فيعتبر بعده شهران بالهلال.
ويكمل المنكسر ثلاثين.
ولو كانت تعتد بالاشهر فحاضت قبل تمامها انتقلت إلى الاقراء.
والامة التي لا ترى الدم، هل تعتد بثلاثة أشهر أيضا، أو بشهرين، أو بشهر ونصف؟ فيه ثلاثة أقوال.
أولاها: الثالث.
وللواتي انقطع دمهن لعلة معروفة، كرضاع ومرض، يتربصن إلى أن يحضن، فيعتددن بالاقراء، أو يئسن فيعتددن بالاشهر.
واللواتي انقطع دمهن لا لعلة تعرف كذلك حكمهن على الجديد.
وفي القديم لا يكلفن التربص إلى سن اليأس، بل يتربصن تسعة أشهر في أظهر القولين، وأربع سنين في الثاني، ثم يعتددن بالاشهر.

وعلى الجديد: لو رأت إحداهن الدم بعد سن اليأس قبل تمام الاشهر، انتقلت إلى الاقراء.
وإن رأت بعد تمام الاشهر، فأشبه الاقوال بالترجيح: أنها إن لم تنكح بعد، فتنتقل إلى الاقراء، وإن نكحت لم تؤثر رؤية الدم.
وهل النظر في سن اليأس إلى جميع النساء، أو إلى نساء العشيرة؟ قولان.
الثاني: أقرب إلى الترجيح.
وهذا جميعه في الحائل.
وأما الحوامل: فأجلهن أن يضعن حملهن.
ويشترط في انقضاء العدة بوضع الحمل شرطان.
أحدهما: أن يكون الحمل منسوبا إلى من يعتد منه، ظاهرا أو احتمالا، كما في النفي باللعان.
أما إذا لم يتصور أن يكون الولد منه، فلا تنقضي العدة منه بالوضع.
والثاني: أن ينفصل الحمل بتمامه.
فلو كانت حاملا بتوأمين لم تنقض العدة حتى ينفصل الثاني بكماله.
ومهما كان الزمن المتخلل بين الولدين دون ستة أشهر فهما توأمان.
ولا فرق في انقضاء العدة بين أن يكون الولد ولد حيا أو ميتا.
ولا تنقضي بإسقاط العلقة.
وتنقضي بإسقاط المضغة إن ظهرت فيها صورة
الآدميين.
إما بينة، كيد أو إصبع يراها كل من ينظر إليها، أو خفية يختص بمعرفتها القوابل.
وإن لم يظهر فيها صورة بينة ولا خفية، وقالت القوابل: إنها أصل الآدمي، فكذلك.
ولو كانت تعتد بالاقراء أو الاشهر، فظهر بها حمل من الزوج، فعدتها بالوضع.
وإن ارتابت فليس لها أن تنكح حتى تزول الريبة.
وإن عرضت الريبة بعد تمام الاقراء أو الاشهر، أو بعدما نكحت زوجا آخر، فلا يحكم يبطلان النكاح إلا إذا تحققنا كونها حاملا يوم النكاح، بأن ولدت لاقل من ستة أشهر من يومئذ.
وإن كانت قبل نكاح زوج آخر.
فالاولى الصبر إلى زوال الريبة.
فإن لم تصبر ونكحت: فالاصح أنه لا يحكم ببطلانه في الحال، فإن تحقق الحاكم ما يقتضيه، حكم حينئذ بالبطلان.
ومن أبان زوجته بالخلع أو غيره، ثم أتت بولد لاربع سنين فما دونها، لحقه.
وإن كان لاكثر من هذه المدة، لم يلحقه.
ولو طلقها طلاقا رجعيا فالمدة تحسب من وقت انصرام العدة، أو من وقت الطلاق؟ فيه قولان.
رجح منهما الثاني.

ولو نكحت بعد انقضاء العدة وأتت بولد لما دون ستة أشهر فكأنها لم تنكح.
وإن كان لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني.
وإن نكحت المطلقة نكاحا فاسدا، بأن نكحت في العدة وأتت بولد.
فإن أتت به لزمان الامكان من الاول دون الثاني.
فيلحق بالاول.
وتنقضي العدة بوضعه، ثم تعتد عن الثاني.
وإن كان الامكان من الثاني دون الاول.
فيلحق بالثاني.
وإن وجد الامكان منهما جميعا، فيعرض على القائف.
فإن ألحقه بأحدهما فالحكم كما لو كان الامكان منه خاصة.
وإذا اجتمع على المرأة عدتان من شخص واحد من جنس واحد - بأن طلقها ثم وطئها وهي في عدتها بالاقراء أو الاشهر جاهلا إن كان الطلاق بائنا، وعالما أو جاهلا إن كان الطلاق رجعيا - فتتداخل العدتان.
ومعنى التداخل: أنها تعتد بثلاثة أقراء، أو بثلاثة أشهر من وقت الوطئ.
فيندرج فيه منها ما بقي من عدة الطلاق.
وإن كان في إحدى العدتين بالحمل والاخرى بالاقراء - بأن طلقها وهي حائل ثم وطئها في الاقراء وأحبلها، أو طلقها وهي حائل، ثم وطئها قبل الوضع - ففي دخول الاقراء في الحمل وجهان.
أشبههما الدخول وانقضاء العدتين جميعا بالوضع.
وله الرجعة إلى أن تضع إن طرأ الوطئ، وهي تعتد بالحمل.
وكذا إن وجد الحمل وهي تعتد بالاقراء عن الطلاق، في أظهر الوجهين.
وإن كانت العدتان من شخصين - كما إذا كانت في عدة عن زوج، أو وطئ شبهة، فوطئها آخر بالشبهة، أو في نكاح فاسد، أو كانت المنكوحة في عدة وطئ شبهة فطلقها زوجها - فلا تداخل.
وتعتد عن كل واحد منهما عدة كاملة ثم تنظر.
فإن لم يكن حمل وسبق الطلاق وطئ الشبهة.
أتمت عدة الطلاق.
فإذا فرغت استأنفت العدة الاخرى.
وللزوج الرجعة في عدته إن كان الطلاق رجعيا، فإذا راجع تنقطع عدته.
وتشرع في عدة الوطئ بالشبهة.
ولا يستمتع الزوج بها إلى أن تنقضي العدة.
وإن سبق الوطئ بالشبهة الطلاق فتقدم عدة الوطئ، أو عدة الطلاق؟ فيه وجهان.
أظهرهما: الثاني.
وإن كان هناك حمل.
فتقدم عدة الحمل منه، سابقا كان الحمل أو لاحقا.

وإذا هجر الزوج المطلقة أو غاب عنها، انقضت عدتها بالاقراء أو الاشهر.
ولو كان يخالطها أو يعاشرها معاشرة الازواج.
فالذي رجحه المعتبرون: أنه إن
كان الطلاق رجعيا لم تنقض العدة.
وإن كان بائنا انقضت.
قالوا: وليس له الرجعة إلا في الاقراء أو الاشهر، وإن لم يحكم بانقضاء العدة في الرجعية.
ولو نكح معتدة على ظن الصحة ووطئها، لم تحسب زمان استفراشه إياها من مدة الطلاق.
ومن أي وقت يحكم بانقطاع العدة؟ فيه قولان، أو وجهان.
أحدهما: من وقت العقد.
وأصحهما: من وقت الوطئ.
ولو راجع المطلقة ثم طلقها، نظر.
إن أصابها بعد الرجعة فلا بد من استئناف العدة، وإن لم يصبها فكذلك على الجديد.
هذا إذا كانت حائلا.
فإن كانت حاملا فطلقها بائنا قبل الوضع.
انقضت العدة بالوضع، أصابها أو لم يصبها.
وإن وضعت ثم طلقها وجب استئناف العدة إن أصابها.
وكذا إن لم يصبها على الاصح.
ولو جامع المدخول بها.
ثم جدد نكاحها وأصابها، ثم طلقها أو خالعها ثانيا.
فعليها استئناف العدة.
وتدخل فيها بقية العدة السابقة.
عدة الوفاة: وأما القسم الثاني: فهو عدة الفراق بوفاة الزوج.
ومدتها في حق الحرة: أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها.
وفي حق الامة: شهران وخمسة أيام، لا فرق في وجوبها بين ذوات الاقراء وغيرهن، والمدخول بهن وغير المدخول بهن.
وتعتبر المدة بالهلال ما أمكن.
فإن انطبق الموت على أول الهلال: حسبت أربعة أشهر بالاهلة، وضمت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس.
وإن مات الزوج في خلال شهر هلال، وكان الباقي دون العشرة، فتعد وتحسب أربعة أشهر بعده بالاهلة، ثم تكمل العشرة.
ولو مات الزوج والمرأة في عدة الطلاق.
فإن كانت رجعية.
انتقلت إلى عدة الوفاة.
وإن كانت بائنا أكملت عدة الطلاق ولم تنتقل إلى عدة الوفاة.

هذا إذا لم تكن المتوفى عنها حاملا.
فإن كانت حاملا: فعدتها بوضع الحمل بتمامه.
ويشترط أن يكون الحمل منه ظاهرا أو احتمالا، كما ذكرناه آنفا في عدة الطلاق.
أما الصبي الذي لا ينزل إذا مات وامرأته حامل: فعدتها بالاشهر لا بالوضع وكذا الحكم في الممسوح الذي لم يبق ذكره ولا أنثياه.
فلا يلحقه الولد على ظاهر المذهب.
والمجبوب الذكر الباقي الانثيين: يلحقه الولد، فتعتد امرأته عن الوفاة بوضع الحمل، وكذا المسلول الخصيتين الباقي الذكر على الاظهر.
ولو طلق إحدى امرأتيه وماتت قبل البيان أو التعيين، فإن لم يكن قد دخل بواحدة منهما اعتدتا عدة الوفاة.
وإن كان قد دخل بهما وهما من ذوات الاقراء، وكان الطلاق رجعيا: اعتدتا عدة الوفاة.
وإن كان الطلاق بائنا: فتعتد كل واحدة منهما بأقصى الاجلين: من عدة الوفاة، ومن ثلاثة أقراء من أقرائها.
وتحسب الاقراء من وقت الطلاق.
وعدة الوفاة من وقت الوفاة.
وأما الغائب المنقطع الخبر: فلا يجوز لزوجته أن تنكح زوجا آخر حتى تتيقن موته أو طلاقه.
وفي القديم: أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة، ثم تنكح.
ولو حكم بمقتضى القديم حاكم، فهل ينقض حكمه تفريعا على الجديد؟ فيه وجهان.
أظهرهما: نعم ينقض.
ولو نكحت بعد التربص والعدة وبان أن المفقود كان ميتا حينئذ، ففي صحة النكاح على الجديد وجهان، بناء على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظن حياته، فبان أنه
كان ميتا.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن عدة الحامل مطلقا بالوضع، المتوفى عنها زوجها والمطلقة.
وعلى أن عدة من لم تحض أو يئست: ثلاثة أشهر.
وعلى أن عدة من لم تحض: ثلاثة أقراء إذا كانت حرة.
فإن كانت أمة فقرآن بالاتفاق.
وقال داود: ثلاثة.

والاقراء: الاطهار عند مالك والشافعي.
وعند أبي حنيفة: الاقراء الحيض.
وعن أحمد روايتان.
واختلفوا في المرأة التي مات زوجها في طريق الحج.
فقال أبو حنيفة: يلزمها الاقامة على كل حال، إن كانت في بلد أو ما يقاربه.
وقال مالك والشافعي وأحمد: إن خافت فوات الحج بالاقامة لقضاء العدة جاز لها السفر.
واختلفوا في زوجة المفقود.
فقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد الراجح، وأحمد في إحدى روايتيه: لا تحل للازواج حتى تمضي عليها مدة لا يعيش في مثلها غالبا.
وحدها أبو حنيفة بمائة وعشرين سنة.
وحدها الشافعي وأحمد بتسعين سنة.
فعلى الجديد: للزوجة طلب النفقة من مال الزوج أبدا.
فإن تعذرت كان لها الفسخ لتعذر النفقة على أظهر قولي الشافعي.
وقال مالك والشافعي في القديم - واختاره جماعة من متأخري أصحابه وهو قوي، فعله ولم تنكره الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وأحمد في الرواية الاخرى -: تتربص أربع سنين.
وهي أكثر مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرا مدة الوفاة.
ثم تحل للازواج.
واختلفوا في صفة المفقود.
فقال الشافعي في الجديد: هو الذي اندرس أثره.
وانقطع خبره.
وغلب على الظن موته.
وقال مالك والشافعي في القديم: لا فرق بين أن ينقطع خبره بسبب ظاهره الهلاك أم لا.
وقال أحمد: هو الذي ينقطع خبره بسبب ظاهره الهلاك، كالمفقود بين الصفين، أو يكون في مركب فتغرق المركب.
فيسلم قوم ويغرق قوم.
أما إذا سافر بتجارة وانقطع خبره، ولم يعلم أحي هو أو ميت؟ فلا تتزوج زوجته حتى تتيقن موته، أو يأتي عليه زمان لا يعيش مثله فيه.
وقال أبو حنيفة: المفقود هو من غاب ولم يعلم خبره.
واختلفوا فيما لو قدم زوجها الاول وقد تزوجت بعد التربص.
فقال أبو حنيفة: يبطل العقد.
وهي للاول، فإن كان الثاني وطئها فعليه مهر المثل.
وتعتد من الثاني وترد إلى الاول.
وقال مالك: إن دخل بها الثاني صارت زوجته.
ووجب عليه دفع الصداق الذي أصدقها الاول، وإن لم يدخل بها فهي للاول.
وعند مالك رواية أخرى: أنها للاول بكل حال.
وعن الشافعي قولان أصحهما:

بطلان نكاح الثاني.
والآخر: بطلان نكاح الاول بكل حال.
وقال أحمد: إن لم يدخل بها الثاني فهي للاول.
وإن دخل بها فالاول بالخيار بين إمساكها ودفع الصداق إليه، وبين تركها على نكاح الثاني وأخذ الصداق الذي أصدقها منه.
واختلفوا في عدة أم الولد إذا مات سيدها أو أعتقها.
فقال أبو حنيفة: عدتها ثلاث حيضات، سواء أعتقها أو مات عنها.
وقال مالك والشافعي: عدتها حيضة واحدة في الحالين.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: حيضة.
واختارها الخرقي.
والثانية: من العتق حيضة، ومن الوفاة عدة الوفاة.
واتفقوا على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
واختلفوا في
أكثرها.
فقال أبو حنيفة: سنتان.
وعن مالك: روايتان، أربعة سنين، وخمس سنين، وسبع سنين.
وقال الشافعي: أربع سنين.
وعن أحمد: روايتان.
المشهورة كمذهب الشافعي، والاخرى: كمذهب أبي حنيفة.
واختلفوا في المعتدة إذا وضعت علقة أو مضغة.
فقال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه: لا تنقضي عدتها بذلك.
ولا تصير أم ولد.
وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: تنقضي عدتها بذلك.
وتصير أم ولد وبذلك قال أحمد في الرواية الاخرى.
فصل: والاحداد واجب في عدة الوفاة بالاتفاق.
وهو ترك الزينة وما يدعو إلى النكاح.
وحكي عن الحسن والشعبي: أنه لا يجب.
وفي المعتدة المبتوتة للشافعي قولان.
قال في القديم: يجب عليها الاحداد.
وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد.
وقال الشافعي في الجديد: الاحداد عليها، وبه قال مالك.
وهي الرواية الاخرى عن أحمد.
وهل للبائن أن تخرج من بيتها نهارا لحاجتها؟ قال أبو حنيفة لا تخرج إلا لضرورة.
وقال مالك وأحمد: لها الخروج مطلقا.
وللشافعي قولان كالمذهبين.
أصحهما: كمذهب أبي حنيفة.
والكبيرة والصغيرة في الاحداد سواء، عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: الاحداد على الصغيرة والذمية إذا كانت تحت مسلم وجبت عليها العدة والاحداد.

وإذا كان زوج الذمية ذميا وجب عليها العدة والاحداد عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة:
لا يجب عليها الاحداد ولا العدة.
فصل: واختلفوا في المبتوتة.
فقال أبو حنيفة: لها السكنى والنفقة.
وقال مالك والشافعي: لها السكنى دون النفقة.
وعن أحمد: روايتان، رواية كقولهما.
والثانية: لا سكنى لها ولا نفقة، إلا أن تكون حاملا.
وهي أظهر الروايتين.
انتهى.
ويتفرع على الخلاف المذكور مسائل: الاولى: مطلقة قبل الدخول يجب عليها العدة.
وهي المرأة التي طلقها زوجها بعد الدخول طلقة أو طلقتين بعوض، فشرعت في العدة، ثم راجعها قبل انقضائها ثم طلقها قبل الدخول: أتت بما بقي عليها من العدة.
الثانية: امرأة طلقها زوجها.
فوجب عليها ثلاث عدد.
صورتها: أمة صغيرة تحت حر طلقها.
فعليها الاعتداد بشهر ونصف.
فلما دنت مدة انقضاء العدة بلغت بالحيض.
فانتقلت إلى الحيض.
فلما قرب فراغها مات عنها.
فانتقلت إلى عدة الوفاة.
الثالثة: رجل تزوج امرأة وولدت في الحال: لحقه.
صورتها: وطئها بشبهة ثم تزوجها.
وكذا لو خالعها وهي حامل.
ثم تزوجها في العدة.
الرابعة: معتدة من زوج لا سكنى لها عليه.
صورتها: امرأة ادعت على زوجها: أنه وطئها وأنكر الزوج.
فالقول قوله مع يمينه.
ويجب عليها العدة مؤاخذة لها بقولها، ولا سكنى لها على الزوج.
المصطلح: ويشتمل على صورة على حالات: وهي ما إذا كانت المرأة ثيبا.
فيعتبر الحاكم أو العاقد حالها وعدتها.
وهل هي عدة الوفاة، أو الطلاق، أو اللعان، أو الفسخ، أو المرتد زوجها؟ وهل هي منقضية بوضع الحمل، أو بالاقراء، أو بالشهور، أو بالسنين، أو بأقصى الاجلين من وضع الحامل، أو أقرائها.
وفي هذا النظر خلاف كبير بين الائمة رحمهم الله.
فإن كانت قد انقضت عدتها بوضع الحمل وفراغها من النفاس، فيقول: وذلك بعد تقضي عدتها من مطلقها فلان الفلاني التقضي الشرعي بوضع الحمل الذي كانت مشتملة عليه منه.
وإن لم تكن حاملا وتوفى عنها زوجها، فيقول:

المتوفى عنها زوجها فلان الفلاني من مدة تزيد على عدة الوفاة.
وهي أربعة أشهر وعشر.
وإن كانت مطلقة فيقول: المرأة الكاملة المطلقة من فلان طلاقا بائنا - أو البائن من عصمة مطلقها فلان بطلقة واحدة أولى، أو ثانية مسبوقة بأولى، أو واحدة مكملة لعدد الطلاق الثلاث أو بالطلاق الثلاث بمقتضى فصل الطلاق المكتتب بظاهر صداقها على المطلق المذكور.
الشاهد بذلك المؤرخ الفصل المذكور بكذا.
وانقضت عدتها التقضي الشرعي بالاقراء الثلاث بحلفها على ذلك اليمين الشرعية.
وإن كانت مطلقة قبل الدخول فلا عدة لها.
وفيها يقول: مطلقة فلان الفلاني قبل الدخول بها والاصابة.
ويستشهد بفصل الطلاق، ويقول: وحلفها على انقضاء عدتها من الزوج الذي كان قبله.
وهذا الحلف لا يكون إلا على سبيل الاحتياط.
وإن كان بفسخ، فيقول: المحضرة من يدها كتاب فسخ شرعي، مكتتب من مجلس الحكم العزيز الفلاني.
يشهد لها بفسخ نكاحها من زوجها فلان الفلاني، الغائب عن مدينة كذا الغيبة الشرعية.
وهو مؤرخ بكذا.
وهي مدة محتملة لانقضاء العدة شرعا.
وإن كانت تعتد بالاشهر، فيقول: وأقرت: أن عدتها الشرعية انقضت من الطلاق المشروح أعلاه بالاشهر الثلاثة، بحكم أنها لم تحض أبدا - أو بحكم أنها آيسة - وأنها الآن تحل للازواج بالشرائط الشرعية.
وصدقها المطلق المذكور على ذلك.
والامة: يشهد عليها بإذن مولاها.
والصغيرة: يشهد على وليها.
وإن كانت في العدة وآل الامر إلى كتابة فرض بسبب العدة.
فإن كان بسبب الحمل كتب: فرض قرره على نفسه فلان لمطلقته فلانة، لما تحتاج إليه في زمن عدتها، بسبب حملها المشتملة منه عليه إلى حين الوضع، في ثمن طعام وإدام وماء وزيت وصابون، وأجرتي حمام ومسكن وكسوة، وأرش غطاء ووطاء ولوازم شرعية، في غرة كل يوم يمضي من تاريخه كذا وكذا، تقريرا شرعيا، حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأذن لها في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه، إذنا شرعيا.
وإن كان الفرض بسبب العدة بالاقراء، أو بالاشهر، كتب على حكم ذلك.
فيكتب كما تقدم.
ثم يقول في آخره: على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم.
وفي المحجور عليها يكتب: حسبما اتفق هو ووليها فلان على ذلك، وتراضيا

عليه.
وأذن لوليها المذكور في الاقتراض والانفاق - إلى آخره.
وإذا خالعها على مبلغ الصداق، وعلى ما سيجب لها عليه بعد الطلاق، من نفقة وكسوة، وأرش غطاء ووطاء، ومتعة ونفقة عدة إلى حين انقضائها شرعا بالاقراء أو بالاشهر، أو بوضع الحمل، وأجرة منزل ولوازم شرعية.
كتب ذلك إلى آخره في السؤال.
ويكتب في آخره: على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين، ليمتنع بذلك إلزامه بتقرير فرض عدة عند من يرى إلزامه.
والله تعالى أعلم.

كتاب الاستبراء وما يتعلق به من الاحكام وهو واجب بسببين.
أحدهما: حصول الملك.
فمن ملك جارية بشراء، أو إرث،
أو اتهاب، أو سبي: لزمه الاستبراء.
وكذا لو زال الملك ثم عاد بالرد بالعيب، أو بالتخالف، أو الاقالة.
ولا فرق بين البكر والثيب، ولا بين أن يستبرئها البائع قبل البيع أو لا يستبرئها، ولا بين أن يكون الانتقال من صبي أو امرأة، أو ممن يتصور اشتغال الرحم بمائه.
ولو كاتب جارية ثم عجزت.
وجب الاستبراء.
وإن حرمت بصوم، أو اعتكاف، أو إحرام، ثم حلت.
لم يجب الاستبراء.
وفي الاحرام وجه أنه يجب.
ولو ارتدت ثم أسلمت.
فوجهان أصحهما: وجوب الاستبراء.
ولو اشترى زوجته.
فالاظهر: أنه لا يجب الاستبراء.
ويدوم الحل.
وإن كانت الجارية المشتراة مزوجة أو معتدة، وهو عالم بحالها أو جاهل، واختار إمضاء البيع.
فلا استبراء في الحال.
فإذا زال المحرم فأظهر القولين: وجوب الاستبراء.
والثاني: زوال الفراش عن الامة الموطوءة والمستولدة بالاعتاق، أو بموت السيد يوجب الاستبراء.
ولو مضت مدة الاستبراء على المستولدة، ثم أعتقها أو مات عنها: وجب الاستبراء على الاصح.
ولا يعتد بما مضى.
ولا يجوز تزويج الجارية الموطوءة قبل الاستبراء.
وكذا المستولدة إذا جوزنا تزويجها.
والاصح: أنه إذا عتق مستولدة جاز له أن ينكحها قبل تمام الاستبراء.
ولو أعتق مستولدته، أو مات عنها وهي مزوجة.
فلا استبراء عليها.
والاستبراء في ذوات الاقراء: بقرء واحد.
والجديد: أن الاعتبار فيه بالحيض، لا كالعدة.
ولا يكفي بقية الحيض، بل يعتبر حيضة واحدة كاملة.

وذات الاشهر تستبرأ بشهر واحد، أو بثلاثة أشهر؟ فيه قولان.
أصحهما: الاول.
فإذا زال الفراش عن أمته أو مستولدته وهي حامل فاستبراؤها بالوضع.
وإن ملك أمة بالسبي وهي حامل.
فكذلك.
وإن ملكها بالشراء فقد تقدم أنه لا استبراء في الحال.
بل إذا كانت مزوجة أو معتدة وهو عالم بحالها أو جاهل، واختار إمضاء البيع.
فلا استبراء في الحال.
فإذا زال المحرم، فأظهر القولين: وجوب الاستبراء.
وإن اشترى أمة مجوسية فحاضت ثم أسلمت.
لم يعتد بتلك الحيضة، بل استبراؤها من حين إسلامها.
وكما يحرم وطئ الامة التي ملكها قبل الاستبراء كذلك يحرم سائر الاستمناعات، إلا في المسبية.
فأظهر الوجهين: أنه لا يحرم.
وإذا قالت الامة المتملكة: حضت، اعتد بقولها.
ولو اعتزلت عن السيد، فقال: أخبرتني بتمام الاستبراء.
فهو المصدق.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن من ملك أمة ببيع، أو هبة، أو سبي، أو إرث: لزمه استبراؤها.
إن كانت حائلا تحيض: فبقرء.
وإن كانت ممن لا تحيض، لصغر أو كبر: فبشهر.
ولو باع أمة من امرأة أو خصي، ثم تقايلا.
لم يكن له وطؤها حتى يستبرئها عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: إذا تقايلا قبل القبض فلا استبراء، أو بعده لزمه الاستبراء.
ولا فرق في الاستبراء بين الصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وقال مالك: إن كانت ممن يوطأ مثلها، لم يجز وطؤها قبل الاستبراء.
وإن كانت ممن لا يوطأ مثلها.
جاز وطؤها من غير استبراء.
وقال داود: لا يجب استبراء البكر.
ومن ملك أمة جاز له بيعها قبل الاستبراء، وإن كان قد وطئها عند أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وقال النخعي والثوري والحسن وابن سيرين: يجب الاستبراء على البائع كما يجب على المشتري.
وقال عثمان البتي: الاستبراء يجب على البائع دون
المشتري.
فصل: ولو كان لرجل أمة، فأراد أن يزوجها - وقد وطئها - لم يجز حتى يستبرئها.
وكذلك إذا اشترى أمة قد وطئها البائع، لم يجز له أن يزوجها حتى يستبرئها.

وكذا إذا أعتقها قبل أن يستبرئها، لم يجز له تزويجها حتى يستبرئها عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يتزوجها قبل أن يستبرئها.
ويجوز عنده أن يتزوج أمته التي اشتراها وأعتقها قبل أن يستبرئها.
وقال الشافعي في الحلية: وهذه مسألة القاضي أبي يوسف مع الرشيد.
فإنه اشترى أمة وتاقت نفسه إلى جماعها قبل أن يستبرئها.
فجوز له أبو يوسف أن يعتقها ويتزوجها ويطأها.
وإذا أعتق أم ولده، أو عتقت بموته: وجب عليها الاستبراء عند مالك والشافعي وأحمد بقرء.
وهو حيضة.
وقال أبو حنيفة: تعتد بثلاثة أقراء.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إذا مات عنها الولي اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام.
ويروى ذلك عن أحمد وداود.
فائدة: إذا وطئ أمته، ثم استبرأها بقرء، ثم أتت بولد لتسعة أشهر من حين الوطئ: فإنه لا يلحقه عند الشافعي.
وهذا مشكل من جهة أن الامة فراش حقيقي، وهذه مدة غالبة.
فكيف لا يلحق الولد بفراش حقيقي مع غلبة المدة، ويلحق بإمكان الوطئ من الزوجة، مع قلة المدة، وندرة الولادة في مثلها؟ وقد قاله بعض الاصحاب.
وهو متجه.
كذا ذكره ابن عبد السلام في قواعده.
ويتفرع عن الخلاف المذكور مسائل: الاولى: ظهر بالمستبرأة حمل، فقال البائع: هو مني.
فإن صدقه المشتري فالبيع
باطل.
وهي أم ولد للبائع.
وإن كذبه، ولم يقر البائع بوطئها عند البيع ولا قبله: لم يقبل منه، كما لو قال بعد البيع: كنت أعتقته، لكن له تحليف المشتري: أنه لا يعلم كونه منه.
وفي ثبوت نسبه من البائع خلاف.
الثانية: لو أعتق مستولدة، أو مات وهي في نكاح أو عدة زوج.
فلا استبراء على المذهب.
ومتى انقضت عدة الزوج عادت فراشا للسيد.
إن كان حيا.
ولو أعتقها أو مات عقيب انقضائها، فالصحيح وجوب الاستبراء.
فلو مات بعد ذلك لزمها الاستبراء.
الثالثة: مات سيد المستولدة، ثم مات زوجها.
فلا استبراء على المذهب.
لكن تعتد عدة حرة بعد موت الزوج.
وكذا لو طلقها.
وإن مات الزوج أولا اعتدت عدة أمة.
ثم إن مات السيد فيها كملت عدة أمة في

الاظهر.
ولا استبراء على المذهب، أو بعدها لزمها الاستبراء في الاصح.
وإن ماتا في الاستبراء فهل تعتد كحرة أو أمة؟ وجهان.
الرابعة: لو قالت المرأة: حضت صدقت بلا يمين.
وهل للجارية أن تمتنع من سيدها إذا كان أبرص أو مجذوما؟ فيه خلاف.
ولو ادعت وطئا واستيلادا.
فأنكر أصل الوطئ.
لم يحلف على الصحيح.
وقطعا إن لم يكن ولد.
ولو قال: كنت أطأ وأعزل.
لحقه في الاصح، أو في الدين فلا، على الصحيح، أو فيما دون الفرج.
فكذا في الاصح.
المصطلح: وهو يشتمل على صور: أحدها: أشهد عليه فلان: أنه ابتاع جميع الجارية المدعوة فلانة - ويذكر نوعها وجنسها - ابتياعا صحيحا شرعيا، مشتملا على الايجاب والقبول - أو يذكر الملك - وأنه استبرأها بعد ذلك بحيضة كاملة، يحصل بها الاستبراء الشرعي على الوجه الشرعي - وإن كان ذلك بوضع الحمل، فيذكره، أو بشهر: فيذكره - ثم يقول: وذلك بحضورها،
وتصديقها على ذلك التصديق الشرعي.
ويؤرخ.
الصورة الثانية: أشهدت عليها فلانة بإذن مولاها فلان: أنها لما حصلت في ملك مولاها فلان المذكور - ويذكر جهة الملك - استبرأت بعد ذلك بحيضة كاملة - أو بشهر كامل، أو بوضع الحمل - استبراء شرعيا على الوجه الشرعي، وأنها صارت في حق مولاها فلان المذكور خالية من كل الموانع الشرعية، وصدقها مولاها على ذلك تصديقا شرعيا.
ويؤرخ.
الصورة الثالثة: صارت فلانة بإقرار مولاها فلان وإقرارها بإذنه بريئة الرحم بالاستبراء الشرعي، بحكم حصولها بعد دخولها في ملك مولاها فلان المذكور.
وهي حيضة واحدة كاملة - أو بشهر كامل هلالي، أو بوضع الحمل، وهو كذا - وصارت بمقتضى ذلك خالية من الموانع الشرعية في حق مولاها المذكور.
وحل له وطؤها والاستمتاع بها.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
والله تعالى أعلم.

كتاب الرضاع وما يتعلق به من الاحكام للرضاع تأثير في تحريم النكاح.
وفي ثبوت الحرمة وفي جواز النظر والخلوة.
والاصل فيه: قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) *.
فذكر الله تعالى في جملة النساء المحرمات: الامهات من الرضاعة، والاخوات من الرضاعة.
فدل على أن له تأثيرا في التحريم.
وروت عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وروى سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه قال، قلت: يا رسول الله، هل لك في ابنة عمك حمزة.
فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي
من الرضاعة.
وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب؟.
ويدل على ثبوت الحرمة: ما روي أن وفد هوازن قدموا على النبي (ص)، فكلموه في سبي أوطاس: فقال رجل من بني سعد: يا محمد، إنا لو كنا ملحنا للحارث بن أبي شمر، أو للنعمان بن المنذر، ثم نزل منزلك هذا منا لحفظ ذلك لنا.
وأنت خير المكفولين، فاحفظ ذلك وإنما قالوا له ذلك لان حليمة التي أرضعت النبي (ص) كانت من

بني سعد بن بكر بن وائل.
ولم ينكر النبي (ص) قولهم.
ومعنى قوله: ملحنا أي أرضعنا، والملح: هو الرضاع.
وروى الساجي في كتابه عن أبي الطفيل أنه قال: رأيت النبي (ص) بالجعرانة، وهو يقسم لحما.
فجاءته امرأة فدنت منه.
ففرش لها النبي (ص) إزاره، فجلست عليه.
فقلت: من هذه؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته وإنما أكرمها لاجل الحرمة التي حصلت بينهما بالرضاع.
فدل على أن الحرمة تثبت به.
وأركان الرضاع ثلاثة: مرضع، وشرطه: امرأة حية، بلغت تسع سنين.
ولو بكرا على الصحيح.
ولبن الخنثى: لا يقتضي أنوثته على المذهب، ويوقف.
فإن بان أنثى حرم فيمن أرضعته، وإلا فلا.
ولبن الميتة لا يثبت الحرمة، كما لا يثبت المصاهرة بوطئها، وكما يسقط حرمة الاعضاء بالموت، حتى لا يضمن قاطعها، ولا حلب من حية وأوجر بعد موتها.
الثاني: اللبن، ولا يشترط بقاؤه على صفته.
فلو تغير بحموضة، أو انعقاد، أو غليان.
وصار جبنا، أو أقطا، أو زبدا، أو مخيضا، أو ثرد فيه طعام، حرم، أو عجن به دقيق وخبز.
فكذلك على الصحيح.
ولو خلط بمائع حرم إن غلب.
وإن غلب وشرب الكل حرم على الاظهر.
ويشترط أن يكون قدر أن يشرب منه خمس مرات لو انفرد، في أحد الوجهين،
وصححه السرخسي.
والصحيح: أن المراد بالغلبة: الصفات، من لون، أو طعم، أو ريح.
فإن ظهر منها شئ في المخلوط فاللبن غالب، وإلا فمغلوب.
والثالث: المحل.
وهي معدة حي أو ما في معناه، سواء ارتضع، أو حلب وأوجر.
ولو حقن اللبن، أو قطر في إحليله.
فوصل شئ منه، أو صب على جراحة في بطنه فوصل جوفه، لم يحرم في الاظهر.
وإن وصل المعدة بخرق في الامعاء، أو صب في مأمومة.
فوصل دماغه.
حرم قطعا.
أو في أنفه فوصل دماغه حرم، أو في عينه فلا، أو في أذنه فخلاف.
ولو ارتضع وتقيأ في الحال حرم على الصحيح.
وشرط الصبي: أن لا يبلغ حولين بالاهلة.
فإن انكسر الشهر الاول حسب الباقي بالاهلة، وكمل المنكسر ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين.
ولو ارتضع قبل انفصال جميعه فوجهان، ولا أثر للرضاع بعد الحولين.

وشرطه: خمس رضعات على الصحيح.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
واختلفوا في العدد المحرم.
فقال أبو حنيفة ومالك: رضعة واحدة.
وقال الشافعي: خمس رضعات.
وعن أحمد ثلاث روايات: خمس، وثلاث، ورضعة.
واتفقوا على أن التحريم بالرضاع يثبت إذا حصل وللطفل سنتان.
واختلفوا فيما زاد على الحولين.
فقال أبو حنيفة: يثبت إلى حولين ونصف.
وقال زفر: إلى ثلاث سنين.
وقال مالك والشافعي وأحمد: الامد الحولان فقط واستحسن مالك أن يحرم ما بعدهما إلى الشهر.
وقال داود: رضاع الكبير يحرم.
وهو مخالف لكافة الفقهاء.
ومحكي عن عائشة.
واتفقوا على أن الرضاع المحرم إذا كان من لبن أنثى، سواء كانت بكرا أو ثيبا، موطوءة أو غير موطوءة، إلا أحمد.
فإنه يقول: إنما يحصل التحريم بلبن امرأة ثار لها لبن من الحمل.
واتفقوا على أن الرجل إذا در له لبن فأرضع منه طفلا.
لم يثبت به تحريم.
واتفقوا على أن السعوط والوجور يحرم، إلا في رواية عن أحمد.
فإنه شرط الارتضاع من الثدي.
واتفقوا على أن الحقنة باللبن لا تحرم، إلا في قول قديم للشافعي.
وهو رواية عن مالك.
واختلفوا في اللبن إذا خلط بالماء واستهلك بطعام.
فقال أبو حنيفة: إن كان اللبن غالبا حرم، أو مغلوبا فلا.
وأما المخلوط بالطعام: فلا يحرم عنده بحال، سواء كان غالبا أو مغلوبا.
وقال مالك: يحرم اللبن المخلوط بالماء لم يستهلك.
فإن خلط اللبن بماء استهلك اللبن فيه، من طبيخ أو دواء أو غيره، ما لم يحرم عند جمهور أصحابه، ولم يوجد لمالك فيه نص.
وقال الشافعي وأحمد: يتعلق التحريم باللبن المشوب بالطعام والشراب إذا سقيه المولود خمس مرات، سواء كان اللبن مستهلكا أو غالبا.
انتهى.
ويتفرع على الخلاف المذكور مسائل: الاولى: إذا ظهر للخنثى المشكل لبن وارتضع منه طفل، وقلنا بالصحيح: إن اللبن لا يدل على الانوثة، لم يثبت شئ من الآثار المترتبة على الرضاع.
نعم لو كان الرضيع

ذكرا فبلغ.
جاز له الخلوة بالخنثى، لانه إن كان رجلا فواضح.
وإن كان أنثى فهو أمه، بخلاف ما لو كان الرضيع أنثى.
فإنه لا يجوز.
ولو أراد المذكور - وهو الذكر بعد البلوغ - الخلوة بأم الخنثى وأختها لم يجز،
لاحتمال أن يكون رجلا.
الثانية: شخص مأمور بفعل إذا أتى به يتضرر بفعله، وهو أن الحاكم إذا حكم على مورثه بالقتل وقتله.
سقط حقه من الارث.
وكذلك المرضعة إذا كانت لها ضرة صغيرة، ولم توجد مرضعة سواها، يجب عليها للزوج نصف مهر الصغيرة.
وفي قول كله، ويسقط مهر الكبيرة إن كان الارضاع قبل الدخول.
فائدة: قال ابن الملقن في عامة السؤال.
قال أصحابنا: الامومة ثلاثة.
وأحكامها مختلفة.
أمومة الولادة: يثبت فيها جميع أحكام الامومة.
وأمومة أزواجه عليه الصلاة والسلام: ولا يثبت فيها إلا تحريم النكاح.
وأمومة الرضاع: وهي متوسطة بينهما.
فصل: الرضاع يثبت بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، أو أربع نسوة، لا دونها.
ولا يثبت الاقرار به إلا برجلين.
ولا تقبل شهادة المطلقة، إن كان بينهما رضاع، أو حرمة رضاع، أو أخوة أو بنوة عند الاكثرين.
بل يشترط التفصيل، وذكر الشروط.
ويحسن بقول فقيه موثوق بمعرفته دون غيره.
ولا يكفي أن يشهد على فعل الرضاع أو الارضاع.
كذا في الاقرار، بل يجب ذكر وقت وعدد.
وكذا وصول اللبن جوفه.
وللقاضي أن يستفصله، ويعرف وصول اللبن الجوف بمشاهدة حلب وإيجار وازدرار وقرائن.
كالتقام ثدي ومصه، وحركة حلقه بتجرع وازدراد، بعد علمه أنها لبون، لا إن جهل في الاصح.
ولا يكفي رؤية الطفل تحت ثيابها.
وتحريم الرضاع يتعلق بالمرضعة، والفحل الذي له اللبن، والرضيع.
وتسري الحرمة إلى غيرهم.
فائدة: ما معنى قوله (ص) لما مات ولده إبراهيم: إن له مرضعا في الجنة تتم

رضاعه؟ هل ذلك له خاصة، أو لكل من مات من أطفال المسلمين قبل تمام الرضاع؟ الجواب: هو له خاصة.
وهذا القول منسوب إلى الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى من غير فتاويه المشهورة.
المصطلح وهو يشتمل على صور.
منها: صورة استئجار المطلقة لارضاع ولده منها، أو غير المطلقة لارضاع الطفل، أو الجد للاب لارضاع ولد ابنه، أو الوصي أو أمين الحكم.
وما في معنى ذلك سبق ذكرها في كتاب الاجارة.
وصورة ما إذا تبرعت مرضعة بالارضاع: أشهدت عليها فلانة: أنها تبرعت بإرضاع فلان، وغسل خروقه - إلى آخره - بقية مدة الرضاع الشرعي.
وهو كذا وكذا من تاريخه من غير أجرة، تبرعا صحيحا شرعيا.
لما علمت لنفسها في ذلك من الحظ والمصلحة.
وذلك مع ولدها فلان، وبحضور زوجها فلان والد الطفل المذكور، ورضاه بذلك.
قبل ذلك منها فلان والد الرضيع المتبرع بإرضاعه المذكور قبولا شرعيا.
ويؤرخ.
وصورة الاقرار بالرضاع وتحريمه: أشهدت عليها فلانة: أنها أرضعت فلانا الارضاع الشرعي.
وهو خمس رضعات كاملات من غير مانع شرعي يمنع الطفل المذكور من استكمالها، بالشرائط الشرعية.
وسنه دون الحولين.
وأن الرضعات المذكورات وصلت إلى جوفه من فمه الوصول الشرعي.
وذلك مع ولدها فلان، ارتضاعا صحيحا شرعيا.
يحصل به التحريم من الرضاع، كما يحرم لمثله.
ويؤرخ.
وصورة ما إذا احتاج الامر إلى كتابة محضر بذلك: شهوده يعرفون فلانة زوج فلان وفلانا ابن فلان معرفة صحيحة شرعية، ويشهدون مع ذلك: أن فلانا المذكور ارتضع من فلانة الارتضاع الشرعي، وهو خمس رضعات متفرقات.
وسنه يوم ذلك دون الحولين،
في وقت كذا.
ووصل اللبن منها إلى جوفه من فمه، بمصه وتجرعه وازدراده بحركة منه على العادة في مثل ذلك وأن المرضعة المذكورة حين ذاك كانت لبونا.
وأن ذلك صدر على الاوضاع الشرعية.
المعتبرة في ذلك على الوجه الشرعي، وأن المرضعة المذكورة أمه من الرضاع.
يعلمون ذلك ويشهدون به، مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا.
ويؤرخ.
ثم يقول: وكتب حسب الاذن الكريم العالي الحاكمي الفلاني.
فإن كانت المرضعة تزوجت بمن أرضعته.
ولم يعلم كل منهما ذلك.
وتبين بعد ذلك.
فإما أن يكون دخل بها أولا.
فإن توافقا على أنه دخل بها وتصادقا عليه، فلا

كلام.
وفرق بينهما.
وإن كان ثم أولاد: فنسب الاولاد لاحق بنسبهما والحالة هذه.
وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها.
وإن كانت قد دخل بها: فالواجب لها عليه مهر المثل، لانه وطئ بشبهة، وإن أقر بالرضاع وكذبته.
وجب لها عليه نصف المهر قبل الدخول.
وتمامه بالدخول.
وإن أقرت هي وكذبها، فلا فسخ.
وأ وإن ترافعا إلى الحاكم في ذلك كتب المحضر المقدم ذكره.
وتقام بينة جريان عقد النكاح بينهما عند الحاكم الآذن في كتابة هذا المحضر وتقام عنده البينة في المحضر، ثم يعذر إلى المنكر من الزوجين.
ويشهد عليه بعدم الدافع والمطعن لذلك ولشئ منه.
وتقام بينة الاعذار عند الحاكم، ثم يحلف المعترف بذلك.
ويقول في حلفه: إن الارتضاع صدر كما نص وشرح في المحضر المذكور على الحكم المشروح فيه، وأن من شهد بذلك صادق في شهادته.
وتقام البينة فيه عند الحاكم.
وصورة ما يكتب: من مجلس الحكم العزيز في ذلك على ظهر المحضر: لما قامت البينة الشرعية عند سيدنا فلان الحاكم المسمى باطنه، بجميع ما شرح في المحضر المسطر باطنه، من جريان عقد النكاح بين الزوجين المسميين باطنه وصدور الارتضاع
المشروح باطنه، على الحكم المشروح باطنه، وجريان الحلف والاعذار المشروح باطنه على حكمه المنصوص عليه باطنه.
وباطنه مؤرخ بكذا.
وثبت صدور ذلك جميعه لديه الثبوت الشرعي.
وتكامل عنده بطريقه المعتبر المرعي، بالبينة العادلة المرضية، التي تثبت بمثلها الحقوق الشرعية.
سأل سيدنا المسمى فيه من جاز سؤاله شرعا الاشهاد على نفسه الكريم بثبوت الارتضاع المذكور.
وفسخ النكاح المشروح فيه.
والتفريق بين الزوجين المذكورين بذلك التفريق الشرعي.
فاستخار الله كثيرا.
واتخذه هاديا ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
وبالحكم بموجبه.
وأمر بالتفريق بين فلان وفلانة المذكورين فيه التفريق الشرعي، لوجود المسوغ الشرعي المقتضي لذلك.
وأن فلانة المذكورة صارت أم فلان المذكور من الرضاع، حكما صحيحا شرعيا.
وأذن لفلانة المذكورة أن تمضي لوفاء عدتها الشرعية، إن كانت مدخولا بها.
وإن كان ثم أولاد.
فيكتب: وثبت أيضا عنده - ثبت الله مجده - اعتراف فلان وفلانة المذكورين فيه: أن بينهما أولادا - ويذكرهم - وأن نسبهم لاحق بنسبهما.

وإن تعرض للمهر.
فإن اتفقا عليه فلا كلام، وإن لم يتفقا عليه فتقوم البينة عند الحاكم بمهر المثل.
ويحكم به حالا بنقد البلد.
كما تقدم.
وإن لم يدخل بها ولم يصبها.
فيكتب: وأن فلانة المذكورة لم يجب عليها عدة لعدم الدخول بها والاصابة والخلوة وكذلك يفعل في كل واقعة تتعلق بمثل ذلك في كل ما يحرم الرضاع.
تنبيه: يثبت الرضاع بشهادة المرضعة مع ثلاث نسوة، أو مع امرأة ورجل أضافت الارضاع إلى نفسها.
وإنما لم تقبل إذا لم تطلب أجرة.
قال الفوراني: وصيغتها أن تقول: ارتضع مني ولا تقول: أرضعته.
وصورة ما إذا وقعت الدعوى بالرضاع المحرم عند الحاكم من أحد الزوجين أو من
مدعي حسبة: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان وزوجته فلانة، أو فلان، وادعى بطريق الحسبة، بقصد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بين يدي سيدنا الحاكم المشار إليه: أن فلانا الحاضر بحضوره تزوج فلانة الحاضرة بحضورهما.
وعقدها أنه يحل لها وتحل له بعقد النكاح.
ثم علمت أنه أخوها من الرضاع، ارتضع من لبنها وهو صغير، له دون الحولين، كذا وكذا رضعة متفرقات - ويعين قدر الرضعات على قدر اختلاف الناس في ذلك، ورأى القاضي المدعي عنده في ذلك - ثم يقول: وأنه مقيم على حاله في نكاحها غير ممتنع منها، ولا ملتزم لما يقتضيه حكم التحريم بالرضاع بينهما، وسألت سؤاله - أو سأل سؤاله.
يعني مدعي الحسبة - عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه عن ذلك.
فأجاب: إن فلانة الحاضرة معه زوجته.
ولا علم له بسوى ذلك مما ادعته من الرضاع - أو مما ادعي عليه به من الرضاع - فذكرت - أو فذكر المدعي المذكور - أن له بينة على ما ادعاه من ذلك.
وسأل الاذن له في إحضار البينة.
فأذن له الحاكم المشار إليه في ذلك فأحضرت - أو فأحضر - من النسوة الثقات العدلات الامينات المقبولات فلانة وفلانة - حتى يأتي على عددهن - وأقمن شهادتهن عند الحاكم المشار إليه: أن فلان ابن فلان الذي عرفنه بعينه واسمه ونسبه، معرفة صحيحة شرعية، ارتضع من فلانة بنت فلان والدة فلانة، التي أحضرتهن لهذه الشهادة أو الحاضرة، وهو صغير طفل لم يبلغ الحولين، خمس رضعات متفرقات بحضورهن.
وصل اللبن به إلى جوفه من فمه بمصه وتجرعه وازدراده بحركة منه، على العادة في مثل ذلك، وأن المرضعة المذكورة حين ذاك كانت لبونا.
وثبت ذلك عند الحاكم المشار إليه الثبوت الشرعي.

فعند ذلك: سألته فلانة المذكورة - أو سأله سائل شرعي - إنفاذ القضاء بما ثبت عنده من ارتضاع فلان وفلانة في صغره الرضعات الخمس، التي ثبت بهن حكم الرضاع
وتحريمه، حسبما قامت به البينة الشرعية عنده، والحكم بفسخ النكاح بينه وبين فلانة المذكورة.
فأجاب السائل إلى سؤاله.
وحكم أيد الله أحكامه بموجب ذلك.
ومن موجبه: فسخ النكاح بين فلان وفلانة المذكورين أعلاه، حكما صحيحا شرعيا - إلى آخره.
فإن كان قد دخل بها أوجب لها مهر المثل، وأوجب عليها العدة.
كما تقدم.
وإن كان لم يدخل بها فعل كما تقدم شرحه.
وإن تضمنت الدعوى أنهما يرومان النكاح، ويريدان إيقاعه، وإن لم يكن بين الزوجين نكاح، فسخ على منوال هذه الصورة.
وأتى بما يليق بهذا المحل من الالفاظ المقتضية لتعليق الفرقة إذا وقع النكاح، وهو بعد عقد النكاح أولى وأقوى.
والله أعلم.

كتاب النفقات وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في وجوب نفقة الزوجات: الكتاب والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) *.
والمولود له: هو الزوج.
وإنما نص على وجوب نفقة الزوجة حال الولادة، ليدل على أن النفقة تجب لها حال اشتغالها عن الاستمتاع بالنفاس، لئلا يتوهم متوهم أنها لا تجب لها.
وقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) * قال الشافعي: معناه أن لا تكثر عيالكم ومن تمونونه.
وقال: إن أكثر السلف قال: إن معنى: أن لا تعولوا أن لا تجوروا.
يقال: عال يعول.
إذا جار، وأعال يعيل: إذا كثرت عياله، إلا زيد بن أسلم.
فإنه قال: معناه أن لا تكثر عيالكم.
وقول النبي (ص) يشهد لذلك حيث قال: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ويدل على وجوب نفقة الزوجات قوله تعالى: * (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) * وقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا مآ آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) * وقوله: ومن قدر عليه رزقه أي ضيق عليه.
ومن السنة: ما روى حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه.
قال: قلت: يا رسول الله، ما حق الزوجة؟ فقال (ص): أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت.

وروى جابر: أن النبي (ص) خطب الناس وقال: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله.
واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وروى أبو هريرة: أن رجلا أتى النبي (ص).
فقال: يا رسول الله عندي دينار.
فقال أنفقه على نفسك.
فقال: عندي آخر.
فقال: أنفقه على ولدك.
فقال: عندي آخر.
فقال: أنفقه على أهلك.
فقال: عندي آخر.
فقال: أنفقه على خادمك.
فقال: عندي آخر.
فقال: أنت أعلم به.
والمراد بالاهل ههنا: الزوجة.
بدليل ما روى أبو سعيد المقبري أن أبا هريرة كان إذا روى هذا الحديث: ولدك يقول: أنفق علي.
إلى من تكلني؟ وزوجك تقول: أنفق علي أو طلقني، وخادمك يقول: أنفق علي أو بعني.
وروت عائشة رضي الله عنها: أن هند امرأة أبي سفيان جاءت إلى النبي (ص).
فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذته منه سرا، ولا يعلم.
فهل علي في ذلك شئ؟ فقال (ص): خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
قال أصحابنا: في هذا الخبر فوائد.
أحدها: وجوب نفقة الزوجة.
الثانية: وجوب نفقة الولد.

الثالثة: أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الولد، لانه قدم في الحكم نفقتها على نفقة الولد.
الرابعة: أن نفقة الولد على الكفاية.
الخامسة: أن للمرأة أن تخرج من بيتها لحاجة لا بد منها، لان النبي (ص) لم ينكر عليها الخروج.
السادسة: أن للمرأة أن تستفتي العلماء.
السابعة: أن صوت المرأة ليس بعورة.
الثامنة: إن تأكيد الكلام جائز لانها قالت: إن أبا سفيان رجل والشحيح: من منع حقا عليه.
التاسعة: أنه يجوز أن يذكر الانسان بما فيه.
لانها قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح.
العاشرة: أن الحكم على الغائب جائز.
لان النبي (ص) حكم على أبي سفيان وهو غائب.
وهذا قول أكثر الاصحاب.
قال ابن الصباغ والاشبه: أن هذا فتيا.
وليس بحكم.
لانه لم ينقل أن أبا سفيان كان غائبا.
الحادية عشرة: أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه.
لان النبي (ص) لم يسألها البينة.
وإنما حكم لها بعلمه.
الثانية عشرة: أن من له حق على غيره فمنعه.
جاز له أخذه من ماله.
الثالثة عشرة: أن له أخذه، من ماله.
وإن كان من غير جنس حقه.
لان النبي (ص) لم يفصل.
الرابعة عشرة: أنه إذا أخذه، وكان من غير جنس حقه.
فله بيعه بنفسه.
الخامسة عشرة: أنه يستحق الخادم على الزوج إن كانت ممن تخدم، لانه روى أنها قالت: إلا ما يدخل علي.
السادسة عشرة: أن للمرأة أن تقبض نفقة ولدها.
وتتولى الانفاق على ولدها.
ولان الزوجة محبوسة على الزوج وله منعها من التصرف.
فكانت نفقتها واجبة عليه.
كنفقة العبد على سيده.
ونفقة الزوجة تختلف باختلاف حال الزوج في اليسار والاعسار.
فعلى الموسر في

كل يوم مدان من الطعام.
وعلى المعسر مد.
وعلى المتوسط مد ونصف.
وقدر المد: مائة درهم وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم.
والنظر في الجنس إلى غالب قوت البلد.
فهو الواجب.
ويجب فيها مع الطعام الادام.
وجنسه: غالب إدام البلد على اختلاف الفصول.
وتقدير النفقة إلى القاضي بالاجتهاد.
ويجب اللحم أيضا على عادة البلد، كما سبق، بيسار الزوج وإعساره.
وتجب النفقة على الزوج الصغير، ولا تجب للزوجة الصغيرة.
وتجب نفقة البائن الحامل إلى أن تضع.
ويجب عليه كسوتها على قد كفايتها، حتى تحتلف بطولها وقصرها، وهزالها وسمنها.
وكسوتها في الصيف: القميص والسراويل والخمار.
وتزيد في الشتاء: الجبة.
وجنسها المتخذ من القطن.
فإن جرت عادة البلد بالكتان والحرير لمثله.
فأظهر الوجهين: لزومه.
ويلزمه لها: ما تفرشه للقعود، وفراش النوم، ولحاف ومخدة.
وما تتنظف به من الاوساخ، كالمشط والدهن.
وما تغسل به رأسها.
ويجب عليه إخدام التي لا يليق بها أن تخدم نفسها بحرة أو أمة.
والنفقة تجب
بالتمكين، دون العقد.
حتى لو اختلفا في أنها هل مكنت؟ فالقول قول الزوج.
وعليها البينة.
ويجب تسليم النفقة إلى الزوجة.
ولو سلمها نفقة مدة فماتت قبل انقضائها رجع فيما بقي.
ويجب تسليم الكسوة إلى المرأة في أول الفصل.
فإن سلمها كسوة فصل ثم ماتت قبل انقضائه لم يرجع.
وقيل: يرجع.
والاول: أصح.
فصل: والنشوز يسقط النفقة.
والخروج من بيت الزوج بغير إذنه نشوز.
وبإذنه في حاجتها وهو معها لا تجب لها النفقة.
ولو نشزت فغاب الزوج فعادت إلى الطاعة.
فأظهر الوجهين: أنه لا يعود الاستحقاق، حتى ترفع الامر إلى القاضي.
وإذا أحرمت بغير إذنه فهي ناشزة.
والمعتدة الرجعية: تستحق النفقة وسائر المؤنات، إلا مؤنة التنظيف.
فصل: وإذا أعسر الزوج بالنفقة، فأصح القولين: أن المرأة بالخيار بين أن تصبر وترضى، وتكون النفقة دينا في ذمته، وبين أن تطلب الفسخ.

وقدرة الزوج على الكسب كقدرته على المال.
والاعسار بالكسوة كالاعسار بالنفقة.
فيثبت الخيار له.
وتجب النفقة للولد على الوالد، وللوالد على الولد.
والوالدة والاجداد والجدات كالولد.
والاحفاد كالاولاد.
ويستوي في الاستحقاق الذكر والانثى والوارث وغيره.
والقريب من الاحفاد والاجداد كالبعيد.
وتجب على القريب الموسر.
ويباع في نفقة القريب ما يباع في الدين.
وتسقط نفقة القريب بمضي الزمان.
وفيه قول: إنه يجب نفقة الاصل على الفرع دون العكس.
ولا تصير دينا في الذمة إلا أن يفرض القاضي، أو يأذن في الاستقراض، لغيبة أو امتناع.
وصفة من تجب نفقتهم من الوالدين: أن يكونوا فقراء زمنى، أو فقراء مجانين.
فإن كانوا أصحاء، ففيه قولان.
أصحهما: أنها لا تجب نفقتهم.
ومن الاولاد: أن يكونوا فقراء زمنى، أو فقراء مجانين.
أو فقراء أطفالا.
فإن كانوا أصحاء بالغين لم تجب نفقتهم.
ومن وجبت نفقته وجبت نفقة زوجته.
ويجب على المكاتب نفقة ولده.
ولا تجب نفقة الاقارب.
ولا يلزم عبد نفقة ولده.
وإن كانت أمه حرة فهو حر، ونفقته عليها أو رقيقة والولد رقيق، فعلى مالكه، أو حر ففي بيت المال.
والظاهر: أن من نصفه حر يلزمه نفقة القريب تامة أو نصفها؟ وجهان أصحهما الاول.
ولو كان محتاجا هل تلزمه نفقة قريبه الحر نفقة الحرية؟ وجهان.
أرجحهما: نعم.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على وجوب النفقة لمن تلزم نفقته، كالزوجة والاب، والولد الصغير.
واختلفوا في نفقة الزوجات، هل هي مقدرة بالشرع، أو معتبرة بحال الزوجين؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: تعتبر بحال الزوجين.
فيجب على الموسر نفقة الموسرين.
وعلى المعسر للفقيرة أقل الكفايات، وعلى الموسر للفقيرة نفقة متوسطة بين النفقتين.
وعلى الفقير للموسرة أقل الكفاية، والباقي في ذمته.
وقال الشافعي: هي مقدرة بالشرع، لا اجتهاد فيها، معتبرة بحال الزوج وحده.
فعلى الموسر مدان.
وعلى المتوسط مد ونصف، وعلى المعسر مد.
واختلفوا في الزوجة إذا احتاجت إلى خادم.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يلزمه إلا خادم واحد.
وإن احتاجت إلى أكثر.
وقال مالك في المشهور عنه: إن احتاجت إلى خادمين وثلاثة لزمه ذلك.
واختلفوا في نفقة الصغيرة

التي لا يجامع مثلها إذا تزوجها كبير.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا نفقة لها.
وللشافعي قولان.
أصحهما: أن لا نفقة لها.
فلو كانت الزوجة كبيرة والزوج صغير لا يجامع مثله، وجبت عليه النفقة عند أبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك: لا نفقة عليه.
وللشافعي قولان.
أصحهما: الوجوب.
فصل: الاعسار بالنفقة والكسوة، هل يثبت للزوجة الفسخ معها أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يثبت لها الفسخ.
ولكن ترفع يده عنها لتكتسب.
وقال مالك والشافعي وأحمد: نعم، يثبت لها الفسخ بالاعسار عن النفقة والكسوة والمسكن.
فإذا مضى زمان ولم ينفق على زوجته.
فهل تستقر النفقة عليه أم تسقط بمضي الزمان؟ قال أبو حنيفة: تسقط ما لم يحكم بها حاكم، أو يتفقان على قدر معلوم.
فيصير ذلك دينا باصطلاحهما.
وقال مالك والشافعي وأحمد، في أظهر روايتيه: لا تسقط نفقة الزوجة بمضي الزمان، بل تصير دينا عليه.
لانها في مقابلة التمكين والاستمتاع.
واتفقوا على أن الناشز لا نفقة لها.
واختلفوا في المرأة إذا سافرت بإذن زوجها في غير واجب عليها.
فقال أبو حنيفة: تسقط نفقتها.
وقال مالك والشافعي: لا تسقط.
فصل: والمبتوتة إذا طلبت أجرة مثلها في الرضاع لولدها: فهل هي أحق من غيرها؟ قال أبو حنيفة: إن كان ثم متطوع، أو من يرضع بدون أجرة المثل، كان للاب أن يسترضع غيرها، بشرط أن يكون الارضاع عند الام.
لان الحضانة لها.
وعن مالك روايتان.
إحداهما: أن الام أولى.
والثانية: كمذهب أبي حنيفة.
وللشافعي قولان.
أحدهما، وهو قول أحمد: أن الام أحق بكل حال وإن وجد من يتبرع بالرضاع.
فإنه يجبر على إعطاء الولد لامه بأجرة مثلها والثاني: كقول أبي حنيفة رحمه الله.
واتفقوا على أنه يجب على المرأة أن ترضع ولدها اللبأ.
وهل تجبر الام على إرضاع ولدها بعد شرب اللبأ؟ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا تجبر إذا وجد غيرها.
وقال مالك: تجبر ما دامت في زوجية أبيه، إلا أن يكون مثلها لا يرضع، لشرف أو عز وإيسار، أو لسقم بها، أو لفساد في اللبن.
فلا تجبر.
واختلفوا في الوارث: هل يجبر على نفقة من يرثه بفرض أو تعصيب؟ قال أبو

حنيفة: يجبر على نفقة كل ذي رحم محرم، فيدخل فيه الخالة عنده والعمة.
ويخرج منه ابن العم، ومن ينسب إليه بالرضاع.
وقال مالك: لا تجب النفقة إلا للوالدين الآدميين وأولاد الصلب.
وقال الشافعي: تجب النفقة على الاب وإن علا، وعلى الابن وإن سفل ولا يتعدى عمودي النسب.
وقال أحمد: كل شخصين جرى بينهما الميراث بفرض أو تعصيب من الطرفين لزمه نفقة الآخر.
كالابوين وأولاد الاخوة والاخوات والعمومة وبنيهم رواية واحدة.
فإن كان الارث جاريا بينهم من أحد الطرفين - وهم ذوو الارحام - كابن الاخ مع عمته وابن العم مع بنت عمه، فعن أحمد روايتان.
واختلفوا هل يلزم السيد نفقة عتيقه؟ فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزمه.
وعن مالك روايتان.
إحداهما: كمذهب أبي حنيفة والشافعي.
والاخرى: إن أعتقه صغيرا، لا يستطيع السعي لزمه نفقته إلى أن يسعى.
واختلفوا فيما إذا بلغ الولد معسرا ولا حرفة له.
فقال أبو حنيفة: تسقط نفقة الغلام إذا بلغ صحيحا.
ولا تسقط نفقة الجارية إلا إذا تزوجت.
وقال مالك كذلك، إلا أنه أوجب نفقة الجارية حتى يدخل بها الزوج.
وقال الشافعي: تسقط نفقتهما جميعا.
وقال أحمد: لا تسقط نفقة الولد عن أبيه وإن بلغ، إذا لم يكن له مال ولا كسب.
وإذا بلغ الابن مريضا تستمر نفقته على أبيه بالاتفاق.
فلو برأ من مرضه، ثم عاوده المرض.
عادت نفقته عند الثلاثة، إلا مالكا.
فإن عنده لا تعود.
ولو تزوجت الجارية ودخل بها الزوج، ثم طلقها.
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: تعود نفقتها على الاب.
وقال مالك: لا تعود.
فصل: ولو اجتمع ورثة - مثل أن يكون للصغير أم وجد.
وكذلك إن كانت بنت وابن، أو بنت وابن ابن، أو كان له أم وبنت - فعلى من تكون النفقة؟ قال أبو حنيفة وأحمد: النفقة للصغير: على الام والجد بينهما أثلاثا.
وكذلك البنت والابن.
فأما ابن

الابن والبنت: فقال أبو حنيفة: النفقة على البنت دونه.
وقال أحمد: النفقة بينهما نصفان.
وأما الام والبنت: فقال أبو حنيفة وأحمد: النفقة على الام والبنت بينهما.
الربع على الام والباقي على البنت.
وقال الشافعي: النفقة على الذكور خاصة، الجد والابن وابن الابن، دون البنت، وعلى البنت دون الام.
وقال مالك: النفقة على ابن الصلب الذكر والانثى، بينهم سواء إذا استويا في الجدة.
فإن كان أحدهما واجدا والآخر فقيرا.
فالنفقة على الواجد.
فصل: من له حيوان لا يقوم بنفقته، هل للحاكم إجباره عليها أم لا؟ قال أبو حنيفة: يأمره الحاكم على طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير إجبار.
وقال مالك والشافعي وأحمد: للحاكم أن يجبر مالكها على نفقتها أو بيعها.
وزاد مالك وأحمد فقالا: ويمنعه من تحميلها ما لا تطيق.
انتهى.
ويتفرع على الخلاف المذكور مسائل.
الاولى: إذا اختلف الزوجان في النفقة، مع اجتماعهما وملازمتهما ومشاهدة ما ينقله الزوج إلى مسكنهما من الاطعمة والاشربة.
فالشافعي يجعل القول قول المرأة.
لان الاصل عدم قبضها، كسائر الديون.
لانه الغالب في العادة.
وقوله ظاهر.
والفرق بين النفقة وسائر الديون: أن العادة الغالبة مثيرة للظن بصدق الزوج، بخلاف الاستصحاب في
الديون.
فإنه لا معارض له، ولو جعل له معارض - كالشاهد واليمين - لاسقطناه مع أن الظن المستفاد من الشاهد واليمين أضعف من الظن المستفاد من العادة المطردة في إنفاق الازواج على نسائهم مع المخالطة الدائمة.
نعم، لو اختلفا في نفقة يوم أو يومين لم يبعد، كما قاله الشافعي.
الثانية: نفقة زوجات النبي (ص) واجبة عليه بعد موته.
لان زوجيتهن لم تنقطع.
ولم يجز لهن نكاح غيره، لبقاء زوجيتهن.
فلم تسقط نفقتهن بموته.
وليس كون ما خلفه صدقة مختصا به، بل هو عام لجميع الانبياء.
فلا حاجة إلى أن يقفوا ذلك.
لان مغله ومنافعه جارية عليهم ما دام باقيا.
وهذا مما ميز به الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
كذا ذكره ابن عبد السلام في قواعده.
وقال أيضا في القواعد: فائدة: إذا ملك حيوانا يؤكل، وحيوانا لا يؤكل، ولم يوجد إلا نفقة أحدهما وتعذر بيعهما.
احتمل أن يقدم نفقة ما لا يؤكل.
ويذبح المأكول.
واحتمل أن يسوى بينهما.

فإن كان المأكول يساوي ألفا وغيره يساوي درهما.
ففي هذا نظر واحتمال.
فرع: قالت الزوجة: أنا أخدم نفسي وآخذ الاجرة أو نفقة الخادم.
لم يلزمه على المذهب.
أو قال: أنا أخدمها لتسقط عني مؤنة الخادم.
فليس له ذلك في الاصح.
وقيل: له ذلك فيما لا يستحيي منه، كغسل ثوب، واستقاء ماء.
وكنس البيت والطبخ، دون ما يختص بها، كصب الماء على يدها، وحمله إلى المستحم ونحو ذلك.
وتستحق النفقة يوما فيوما.
ولها المطالبة بطلوع الفجر.
وقيل: بطلوع الشمس.
ولو قبضت نفقة يوم، ثم نشزت في أثناء النهار.
استردها، بخلاف الموت والبينونة على الصحيح.
ولو لم تقبضها فهي دين عليه.
ولو أبان زوجته بطلاق، ثم ظهر بها حمل فلاعن لنفسه.
سقطت النفقة.
وهذه أولى بالسكنى.
والمذهب: أن النفقة للحامل مقدرة.
كصلب النكاح.
ولا تجب نفقتها قبل ظهور حمل.
فإذا ظهر وجبت يوما فيوما.
وقيل: حتى تضع.
فلو ادعت وأنكر فعليها البينة.
وتقبل فيه النساء.
ولو اتفق على ظن حمل.
فبان خلافه.
رجع عليها.
ولا تسقط بمضي الزمان.
ولو مات الزوج قبل الوضع سقطت في أحد الوجوه.
وصححه الامام.
وعلى الاظهر: لو أبرأت الزوج من النفقة صحت، أو أعتق أم ولده وهي حامل منه لم تلزمه نفقتها.
ولو مات وترك أباه وامرأته حبلى، لم يكن لها مطالبة الجد بالنفقة.
ولو أنفق على زوجته، فبان فساد النكاح.
لم يسترد ما أنفق، سواء كانت حاملا أو حائلا.
ولو نشزت الحامل البائن سقطت نفقتها.
المصطلح: وهو يشتمل على صور.
منها: صورة فرض حمل: فرض قرره على نفسه برضاه فلان - أو فرض فلان على نفسه لمطلقته الطلقة الواحدة الاولى، أو الثانية البائن، أو الثلاث - فلانة المشتملة منه على حمل ظاهر بتصادقهما على ذلك، لما تحتاج إليه المطلقة المذكورة في ثمن طعام وإدام وماء وزيت وصابون، وأجرتي حمام ومنزل، ولوازم شرعية، وما لا بد لها منه، في غرة كل يوم يمضي من تاريخه كذا وكذا إلى حين وضعها، حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأذن لها في الاقتراض والاتفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه، إذنا شرعيا.
ويؤرخ.
صورة فرض عصمة: فرض قرره على نفسه برضاه فلان الفلاني لزوجته فلانة، التي

اعترف أنها في عصمته وعقد نكاحه، وأن أحكام الزوجية باقية بينهما إلى تاريخه.
وصدقته على ذلك تصديقا شرعيا، لما تحتاج إليه الزوجة المذكورة أعلاه في ثمن طعام وإدام وماء وزيت وصابون، وأجرتي حمام ومنزل، وكسوة - إن كانا اتفقا عليها - ولوازم شرعية في غرة كل يوم يمضي من تاريخ كذا وكذا، ما دامت في عصمته وعقد نكاحه،
تقريرا شرعيا، حسبما اتفقا وتراضيا على ذلك، وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأذن لها في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه إذنا شرعيا.
ويؤرخ.
وإن كانت الكسوة خارجة عن فرض العصمة واتفقا عليها.
فيكتب بها فرض مستقل.
صورة فرض بنفقة الولد: فرض قرره على نفسه برضاه فلان، لولده لصلبه فلان الصغير، أو لولد ولده الصغير، أو لولد ولده لصلبه فلان الدارج والده بالوفاة إلى رحمة الله تعالى، أو لولده لصلبه فلان البالغ، الفقير العاجز عن الكسب الزمن.
فإن كان صغيرا، أو له أم مطلقة من أبيه، وهو في حضانتها، فيقول: الذي في حضانة والدته فلانة المطلقة من والده، المقرر المذكور لما يحتاج إليه الصغير المذكور، في ثمن طعام وإدام، وماء وزيت وصابون، وأجرتي حمام ومنزل، وكسوة وأجرة حضانة ولوازم شرعية، في غرة كل يوم من تاريخه كذا وكذا.
ما دام الولد المذكور في حضانة والدته المذكورة، متصفة بصفات الحاضنات، أو لمدة كذا وكذا سنة من تاريخه، أو ما دام الولد المذكور صغيرا إلى أن يبلغ أشده، أو إلى أن يتصف المفروض له المذكور بصفة الغني والقدرة على الكسب، ويبرأ مما به من الزمانة.
وإن قدر ذلك بمدة.
فهو أجود في حق الصغير ثم يقول: حسبما اتفق المقر المذكور ووالدة ولده، أو والدة ولد ولده المذكور أعلاه على ذلك.
وتراضيا عليه، تقريرا شرعيا.
وأوجب ذلك لولده المفروض له المذكور - أو لولد ولده المذكور - على نفسه في ماله إيجابا شرعيا.
وأذن للحاضنة المذكورة أعلاه في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه إذنا شرعيا.
قبلت ذلك منه قبولا شرعيا.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وإن كان الفرض للبالغ العاجز الزمن.
فيكون الاذن في الاستدانة للمفروض له.
صورة فرض الرجل لابيه، أو لامه، أو لجده، أو لمن هو أعلى من الابوين من

أصولهما: فرض فلان ابن فلان لوالده المذكور - أو لجده المذكور - أو أبيه الفقير الزمن المجنون، أو العاجز عن الكسب، أو لوالدته فلانة بنت فلان، أو لواحد من أصوله أو فروعه - بحكم عجزه وفقره وفاقته وزمانته، أو لكونه أشل أو مجنونا، لما يحتاج إليه الوالد المذكور، أو الجد أو الوالدة المذكورة، في ثمن طعام وإدام وماء وزيت وصابون وسكر وشراب وأدوية، وأجرتي حمام ومنزل، وكسوة ولوازم شرعية وما لا بد له منه شرعا، في غرة كل يوم يمضي من تاريخه كذا وكذا.
فرضا شرعيا.
وأوجب له ذلك في مال نفسه إيجابا شرعيا.
وأذن له في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه إذنا شرعيا.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
ويؤرخ.
وإن كانت النفقة للزوجة التي هي في العصمة ولاولاده منها: كتب كما تقدم وأضاف الاولاد إلى الزوجة في التقرير.
ويأذن لها في الاقتراض والانفاق على نفسها وعلى أولادها المذكورين.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة إشهاد الزوجة بالانفاق لترجع على الزوج: حضر إلى شهوده فلانة.
وأشهدت عليها: أن فلانا تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا، ودخل بها وأصابها، واستولدها على فراشه ولدا يدعي فلان - أو أولادا، ويسميهم - ثم إنه سافر عنها وغاب الغيبة الشرعية.
ولم يترك عندها نفقة ولا أرسل إليها شيئا فوصل إليها، وأنها من حين غاب عنها تنفق على نفسها وعلى ولدها منه المذكورين ما يحتاجون إليه، في ثمن طعام وإدام - إلى آخره - وأنها مستمرة في الانفاق على نفسها - أو على نفسها وولدها لا المذكور، أو على أولادها المذكورين - وأن جميع ما أنفقته وما تنفقه على نفسها وعلى ولدها المذكور بنية الرجوع على زوجها المذكور أعلاه عند إيابه من سفره، ورجوعه إليها، غير متبرعة بذلك ولا بشئ منه.
وأشهدت على نفسها بذلك، فوقع الاشهاد عليها
به على الوجه المشروح أعلاه.
ويؤرخ.
وهذه الصورة صحيحة عند مالك وأحمد.
صورة فرض حاكم شرعي لايتام لهم مال من والدهم وإقطاع بأيديهم.
وفي حضانة والدتهم.
فرض سيدنا فلان الدين لاولاد المرحوم فلان.
وهم فلان وفلان وفلان الصغار الذين هم في حجر الشرع الشريف في حضانة والدتهم فلانة، في مالهم المخلف لهم عن والدهم المذكور - أو في مالهم مطلقا - برسم طعامهم وشرابهم وإدامهم وحمامهم وزيتهم وصابونهم، وما لا بد لهم منه شرعا من اللوازم الشرعية، ولمن يخدمهم عند والدتهم الحاضنة المذكورة.
لكل واحد منهم جارية وخادم ملك له، مبتاع من ماله، في كل شهر يمضي من تاريخه كذا وكذا بالسوية أثلاثا، إن كانوا ثلاثة، أو أرباعا إن كانوا أربعة، أو

نصفين إن كانوا اثنين.
وفرض لهم ولخدامهم في مالهم برسم كسوتهم لفصلي الشتاء والصيف في كل سنة كذا وكذا، لكل صبي وخادميه كذا وكذا، ما هو لنفسه خاصة كذا ولخادميه كذا.
وفرض - أسبغ الله ظله، ورفع محله - في متحصل إقطاعهم الشاهد به مناشيرهم الشريفة، لكل واحد منهم برسم كلفة خيله من جوامك الغلمان وجراياتهم، وعليق الخيل، لكل واحد منهم فحل وحجرة وإكديش، أو إكديشان خصيان - وبغل وعليق جماله وهي قطار كامل ستة أجمال، وجامكية تبعه في الامرة للذي يخرج في البياكير والمهمات السلطانية عوضه وسد مسده مثله من الامراء العشراوات والعشرينات، في كل شهر من شهور الاهلة كذا وكذا.
فمن ذلك: ما هو جامكية الركبدار كذا في كل شهر، وجامكية السايس في كل شهر كذا، وجامكية الجمال والمهمرد في كل شهر كذا، وجامكية التبع المذكور في كل شهر كذا.
والباقي، وهو كذا، في كل شهر برسم شعير وتبن برسم عليق الخيل والجمال المذكورة، يصرف ذلك من خاص الامرة، خارجا عما هو معين من الاقطاع لعشر مماليك ملازمين الخدمة والخروج في البياكير والمهمات السلطانية، حسبما يشهد به ديوان
الجيوش المنصورة.
فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب لهم ذلك في مالهم إيجابا شرعيا.
وأذن لوصيهم الشرعي فلان، الثابت إيصاؤه وأهليته للوصية عليهم عنده شرعا، المتكلم في مالهم وإقطاعهم بالطريق الشرعي: أن يصرف إلى حاضنتهم المذكورة ما هو مفروض لهم، مما دخل تحت يده من مالهم، المنتقل إليهم بالارث الشرعي عن مورثهم المشار إليه أعلاه كل شهر في أوله، لتصرفه في مصرفه الشرعي على التفصيل المشروح أعلاه.
وأذن له: أن يصرف من متحصل إقطاعهم ما هو مفروض فيه برسم ما ذكر أعلاه، في كل شهر من شهور الاهلة على حكم التفصيل المعين أعلاه.
وإذا حصلت الكفاية للكراع المذكور بأقل مما عين أعلاه: صرف الاقل وأضرب عن الزائد.
وأن يصرف خارجا عن ذلك ما يحتاج إليه من قيام ناموس الامرة، من عدة وبرك ولبوس وسروج ولجم ومقاود وعبى، وغير ذلك مما لا بد منه، ولا يقوم دست الامرة إلا به، إذنا صحيحا شرعيا.
وذلك بعد أن ثبت عند سيدنا الحاكم المشار إليه: أن ضرورة المفروض لهم داعية إلى مثل ذلك، وأن هذا القدر المفروض لقيام دست الامرة وناموسها هو أقل ما يفرض لمثل المفروض لهم فيه، وأن حالهم لا يقوم بأقل من ذلك، مع الاحتياط الكافي،

والاجتهاد الوافي، ومراعاة جانب الايتام، وحصول الحظ والمصلحة لهم في ذلك.
وأن المفروض من الجوامك لمن فرضت: أجرة المثل لمثلهم وبعد استيفاء الشرائط الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وحضر الوصي المشار إليه إلى مجلس الحكم العزيز المشار إليه.
واعترف عند الحاكم المسمى أعلاه - أدام الله علاه - بالاحتياط على أموال الايتام المذكورين أعلاه.
وأنه تسلمها وأحرزها تحت يده.
وجملتها - حسبما تشهد به أوراق الحوطة والمبيع
المشمولة بخطوط السادة العدول، المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز المشار إليه، المخلدة بديوان نظر الايتام.
وعند الوصي المشار إليه نسخة بذلك - كذا وكذا.
وذلك خارج عن الاملاك وريعها.
وعن ريع الاقطاعات مما ذلك متوقف على محاسبة الوصي المشار إليه في انقضاء كل سنة بعد ذلك.
وأشهد سيدنا المشار إليه على نفسه الكريمة بما نسب إليه أعلاه من الفرض والاذن وثبوت ما ثبت لديه على الحكم المشروح أعلاه، والوصي المشار إليه أعلاه في تاريخ كذا.
ويثبت الحاكم التاريخ والحسبلة بخطة، ويتوج أعلا الفرض بالاذن والحمدلة بخطه، ويكمل بالاشهاد عليه بشهود المجلس.
فإن رأى الحاكم أن يكتب بهذا الفرض نسخة ويخلدها في مجلس الحكم.
كان ذلك ضابطا حسنا.
صورة فرض ليتيم واحد: فرض سيدنا فلان الدين لفلان اليتيم الصغير، الذي هو في حجر الشرع الشريف - أو في حجر الحكم العزيز، أو في حضانة والدته فلانة أو جدته أم أبيه، أو أم أمه فلانة، أو خالته فلانة - أو غيرهن من الحاضنات الشرعيات على ترتيب استحقاق الحضانة - برسم طعامه وشرابه، إلى آخره - في كل شهر كذا.
وفرض له أيضا برسم كسوته في كل شهر من تاريخه كذا وكذا لفصلي الشتاء والصيف، وثمن أقباع ونعال، وأجرة المؤدب، ما مبلغه كذا، فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب له ذلك في ماله إيجابا شرعيا.
وأذن لمن في يده شئ من ماله في صرف ذلك إلى حاضنته المذكورة في أول كل شهر، لتصرفه عليه بطريقه الشرعي، إذنا شرعيا ويكمل.
ويكتب التاريخ والحسبلة بخط الحاكم.
ويشهد عليه بذلك.
صورة فرض ليتيم.
ليس له حاضنة من أقاربه، ولا من أقارب أبيه، ولا وصي: فرض سيدنا فلان الدين لفلان اليتيم الصغير الذي هو في حجر الشرع الشريف، الذي أقام له الحاكم المشار إليه امرأة مخدرة صينة، تحضنه وتربية، وتطعمه إذا جاع، وتسقيه الماء إذا عطش، وتغير ثيابه إذا اتسخت بثياب نظيفة، وتغسل الوسخة، وتدهن رأسه وبدنه في

البيت وفي الحمام، وتفرش تحته وتغطيه إذا نام.
وهي فلانة بنت فلان، لعدم وجود حاضنة شرعية من أقارب أمه، ولا من أقارب أبيه، ولا وصي شرعي - برسم طعامهما وشرابهما وصابونهما وزيتهما وحمامهما، وأجرة مسكنهما، وأجرة الحاضنة المذكورة، وتمريض الصغير المذكور، وما لا بد له منه من لوازم شرعية - في كل شهر من استقبال يوم تاريخه كذا وكذا فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب له ذلك في ماله إيجابا شرعيا، وأذن للقاضي فلان الدين أمين الحكم العزيز - أو الناظر في أمر الايتام - بالبلد الفلاني أن يدفع إلى الحاضنة المذكورة أعلاه القدر المفروض أعلاه من مال اليتيم المذكور، المستقر تحت يده بديوان الايتام، في كل شهر بشهره إذنا شرعيا.
بعد أن ثبت عنده - ثبت الله مجده - أن القدر المفروض أعلاه: هو فرض المثل لليتيم المذكور أعلاه.
وحاضنته المسماة معه أعلاه.
وأن ذلك ما يفرض لمثل اليتيم المذكور وحاضنته، الثبوت الشرعي.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في تاريخ كذا.
ويكتب الحاكم التاريخ والحسبلة بخطه.
ويكمل: صورة فرض لاولاد رجل سأل الفرض لهم في مالهم، أو في ريع ملكهم المنتقل إليهم من أمهم، أو في ريع وقفهم الآيل إليهم من أمهم، أو فيما يكسبه لهم وينميه من أموالهم: فرض سيدنا فلان الدين لفلان وفلان وفلانة - ويذكر عمر كل واحد منهم - أولاد فلان في مالهم الحاصل لهم تحت يد والدهم المذكور، الذي جره الارث الشرعي إليهم من والدتهم فلانة - أو فيما في ذمته لهم من صداق والدتهم فلانة، أو من دين والدتهم الذي هو في ذمته، أو من أجور ملكهم المخلف لهم عن والدتهم فلانة، أو من ريع ما هو وقف عليهم - برسم طعامهم وشرابهم، إلى آخره - في كل شهر كذا.
فرضا صحيحا
شرعيا بالتماس والدهم المذكور منه ذلك، وسؤاله إياه فيه.
وقرر ذلك لهم في مالهم تقريرا شرعيا.
وأوجبه فيه إيجابا شرعيا، لازما معتبرا مرضيا.
وأذن لوالدهم المذكور في صرف ذلك عليهم نفقة وكسوة من مالهم المعين أعلاه، حسبما عين أعلاه، إذنا شرعيا.
وذلك بعد اعتراف والدهم المذكور: أن تحت يده من مالهم، ومن جهات استحقاقهم: ما يصرف منه ذلك، الاعتراف الشرعي.
ووقع الاشهاد بذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة فرض لايتام تحت حجر وصي شرعي: فرض سيدنا فلان الدين لفلان وفلان وفلان أيتام فلان - ويذكر أعمارهم - الجارين تحت نظر فلان ووصيته، بمقتضى الوصية

الشرعية، المسندة إليه من والدهم المذكور.
المتقدم تاريخها على تاريخه، الثابت مضمونها شرعا بمجلس الحكم العزيز الفلاني.
وهم الآن في حضانة والدتهم فلانة، برسم طعام وشرابهم - إلى آخره - في كل شهر كذا.
فرضا صحيحا شرعيا.
وأذن لوصيهم المذكور في دفع ذلك من مالهم الحاصل تحت يده إلى والدتهم الحاضنة المسماة أعلاه، لتصرفه عليهم وعلى خادمهم نفقة وكسوة، حسبما عين أعلاه، إذنا شرعيا.
وإن كان الوصي هو الذي يصرف عليهم بنفسه.
فيقول: وأذن لوصيهم المذكور في صرف ذلك عليهم بنفسه.
وبمن هو أهل لذلك.
وإن كان القبض والصرف للحاضنة.
فيقول: وأذن للحاضنة المذكورة في الاقتراض والانفاق على الصغار المذكورين أعلاه عند تعذر الاخذ من الوصي المذكور، والرجوع به في مال الايتام المذكورين أعلاه، إذنا شرعيا.
واعترف الوصي المذكور أعلاه: أن تحت يده من مال الايتام المذكورين أعلاه، ما يصرف منه ذلك.
ويكمل على نحو ما تقدم.
صورة فرض غيبة لزوجة وأولاد: فرض سيدنا فلان الدين لفلانة زوجة فلان الغائب يومئذ عن مدينة كذا الغيبة الشرعية، الثابتة عند الحاكم المشار إليه الثبوت الشرعي
وأولادها منه فلان وفلان في مال زوجها الغائب المذكور أعلاه - برسم طعامهم وشرابهم إلى آخره - في كل يوم من تاريخه كذا وكذا.
وقرر لهم ذلك في ماله تقريرا شرعيا تاما، لازما معتبرا مرضيا.
وأذن للزوجة المذكورة في قبض ذلك من ماله ممن هو في يده.
وفي الاقتراض والانفاق عند تعذر وصولها إلى ذلك، وإنفاقه على نفسها وعلى أولادها المذكورين.
والرجوع بنظير ذلك في مال زوجها الغائب المذكور، إذنا شرعيا.
وذلك بعد ثبوت ما ذكر ثبوته أعلاه، وثبوت الزوجية بينهما عنده الثبوت الشرعي.
وبعد إحلاف الزوجة: أن الزوج المذكور لم يترك عندها نفقة ولا واصلها بنفقة.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كانت الزوجة ليس لها أولاد: أفردها القاضي بالفرض.
وكتب لها بذلك.
وإن كانوا أولادا محضا.
كتب لهم بذلك.
وذكر حاضنتهم على حسب الحال.
وما اتفق عليه الامر.
صورة فرض لبالغ تحت نظر متكلم في ماله: فرض سيدنا فلان الدين لفلان البالغ المستمر على حجر الصبي الذي هو تحت نظر فلان، المتكلم في أمره وماله بالاذن الكريم العالي الفلاني، لما يحتاج إليه في ثمن طعام وإدام - إلى آخره - في كل شهر

كذا، فرضا صحيحا شرعيا.
وقرر ذلك في ماله تقريرا شرعيا، لازما معتبرا مرضيا.
وأذن للمتكلم في ماله المذكور أعلاه في صرف القدر المفروض المعين أعلاه من ماله عليه وعلى خادمه نفقة وكسوة على الحكم المشروح أعلاه إذنا شرعيا.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة فرض حكمي إجباري على مذهب أبي حنيفة، لمن يجوز الفرض له عنده.
وهو على كل ذي رحم بالرحم.
فتدخل فيه الخالة والعمة، خلافا للباقين.
فرض سيدنا فلان الدين الحنفي على فلان لعمته - أو خالته مثلا - فلانة الفقيرة
الكبيرة السن، العاجزة عن تحصيل ما تسد به الرمق.
ويقوم بأودها، أو لقيمات يقمن صلبها، الثابت وصفها بالصفة المذكورة أعلاه عند سيدنا الحاكم المشار إليه الثبوت الشرعي، لما تحتاج إليه من ثمن طعام وإدام - إلى آخره - في كل يوم، أو في كل شهر كذا.
فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب لها ذلك في ماله إيجابا شرعيا، وأذن لها في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه والرجوع بنظير ذلك عليه إذنا شرعيا.
وحكم - أيد الله أحكامه.
وسدد نقضه وإبرامه - لها بذلك حكما شرعيا تاما مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية مع العلم بالخلاف.
وذلك بعد أن ترافع المفروض عليه والمفروض لها، المذكور أعلاه، إلى مجلس الحكم العزيز المشار إليه، وتصادقا على اتصال القرابة بينهما، وأنها من ذوي رحمه وطلبها من الحاكم المشار إليه الفرض لها عليه.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة فرض على مذهب الامام أحمد لمن يجوز له الفرض عنده.
وهو كل شخصين جرى بينهما الميراث بفرض أو تعصيب من الطرفين، كالابوين والاولاد، والاخوة والاخوات.
كما تقدم ذكره في مسائل الخلاف.
فرض سيدنا فلان الدين الحنبلي على فلان التاجر لابن عمته أخت أبيه لابويه فلان الفقير، المعسر الذي لا مال له، العاجز عن الاكتساب لكبر سنه، في ماله، برسم ابن عمته المذكور، لما يحتاج إليه في ثمن طعام وإدام - إلى آخره - في كل يوم كذا - إلى آخره.
فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب له ذلك في ماله إيجابا شرعيا.
وأذن له في الاقتراض والانفاق على نفسه عند تعذر الاخذ منه والرجوع على المفروض عليه بنظير ذلك إذنا شرعيا.
وذلك بعد أن ترافعا إليه ومثلا بين يديه، واعترفا باتصال القرابة بينهما.
وتصادقا عليها تصادقا شرعيا.

وإن كان المفروض عليه أنكر القرابة، وأقام المفروض له بينة فيقول: وذلك بعد أن ترافعا إليه، وادعى المفروض له على المفرض عليه: أنه ابن عمته أخت أبيه لابويه.
وأنه فقير معسر لا مال له، وأنه عاجز عن الاكتساب.
وأنكر المفروض عليه ذلك.
وأقام المفروض له بينة شهدت بذلك، وبتشخيصهما عنده التشخيص الشرعي.
وسمع الحاكم المشار إليه البينة، وقبلها لما رأى معه قبولها.
وبعد أن ثبت عنده فقر المفروض له، وعجزه عن الاكتساب الثبوت الشرعي.
ولما تكامل ذلك عنده.
وثبت لديه - أحسن الله إليه - الثبوت الشرعي.
وفرض الفرض المذكور، سأله المفروض له الحكم بذلك، والاجازة له والاشهاد على نفسه الكريمة بثبوت ذلك عنده، والحكم به.
فاستخار الله وأجابه إلى سؤاله لجوازه عنده شرعا.
وحكم بذلك حكما صحيحا شرعيا.
تاما معتبرا مرضيا، مع العلم بالخلاف.
وبعد استيفاء الشرائط الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة فرض لمعتوق على عتيقه.
على مذهب الامام أحمد رضي الله عنه، سواء كان العتيق بالغا ساعيا، أو صغيرا لا يستطيع السعي: فرض سيدنا فلان الدين الحنبلي لفلان ابن عبد الله.
البالغ أو الصغير عتيق فلان على معتقه المذكور، برسم طعامه وشرابه - إلى آخره - في كل يوم، أو في كل شهر كذا، فرضا صحيحا شرعيا.
وأوجب له ذلك في مال معتقه المذكور إيجابا شرعيا وأذن له أن يستدين وينفق على نفسه، ويرجع على معتقه بنظير ذلك، إذنا شرعيا.
وهذا إذا كان المفروض له بالغا.
أما في الصغير.
فيقول: وجعل الحاكم المشار إليه المفروض له عند معتقه المذكور.
فإن كان معتقه غائبا أو أبي أن يجعله عنده.
فيقول: الذي وضعه الحاكم عند ثقة أمين.
وهو فلان.
وأذن له أن ينفق القدر المفروض عليه إلى أن يسعى، إذنا شرعيا، بعد أن ثبت عند سيدنا الحاكم المشار إليه أن المفروض له المذكور عتيق المفروض عليه - أو
بعد أن اعترف المفروض عليه المذكور أن المفروض له عتيقه - اعترافا شرعيا.
وحكم - أيد الله أحكامه - بصحة الفرض المذكور حكما شرعيا، مسؤولا فيه.
مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة فرض على مذهب الامام أحمد للولد البالغ على أبيه.
فإنه قال: لا تسقط نفقة الولد عن أبيه وإن بلغ، ذكرا كان أو أنثى، إذا لم يكن له كسب ولا مال، خلافا

لابي حنيفة والشافعي في الذكر والانثى، وخلافا لمالك في الذكر.
فإنه قال: لا تسقط نفقة الجارية عن أبيها، وإن تزوجت حتى يدخل بها الزوج.
ويتفرع على ذلك صور.
وهي: فرض الصغير إذا كانت له قرابة، مثل أم وجد.
فالنفقة تفرض له على الام والجد أثلاثا.
وإن كان شيخا كبيرا وله ابن وبنت.
فالفرض له عليهما أثلاثا.
وأما إذا كان له بنت وابن ابن.
فقال أبو حنيفة: الفرض على البنت وحدها.
وقال أحمد: هو عليهما بالسوية.
وإن كان له أم وبنت.
فقالا: النفقة عليهما أرباعا، الربع على الام والباقي على البنت.
خلافا للشافعي، فإن النفقة عنده على الذكور خاصة من الاصول والفروع.
وعند مالك: أن النفقة على أولاد الصلب، الذكر والانثى منهم سواء إذا استويا في اليسار.
فإن كان أحدهما واجدا والآخر فقيرا.
فالنفقة على الواجد.
وقد تقدم هذا التفريق في مسائل الخلاف من هذا الباب مبسوطا.
فإذا أراد العمل في صورة من هذه الصور المتفرعة، نسخ على المنوال السابق.
وأتى في كل صورة بصيغها التي تعتبر فيها وتليق بها.
صورة فرض على مباشرة نظر، أو تدريس أو غير ذلك.
فرض سيدنا فلان الدين، أو هذا فرض فرضه سيدنا فلان الدين، أو هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة سيدنا فلان
الدين: أنه فرض لفلان الدين على مباشرة وظيفة النظر في المدرسة الفلانية المنسوب إيقافها إلى فلان على مذهب الامام فلان، وقيامه بالوظيفة المذكورة، أسوة أمثاله: من النظار من عمل مصالحها وعمارتها وعمارة أوقافها، وتنمية ريعها، وصرفه في مصارفه الشرعية على مستحقيه، من مدرس ومعيدين وفقهاء، وأرباب الوظائف بها أوان الوجوب والاستحقاق، واعتبار أحوال المرتبين بها، والتزام كل واحد منهم بالقيام بوظيفته وملازمتها، وأدائها على الوجه المعتبر في مثلها بنفسه، أو بنوابه العدول الثقات: الثمن كاملا من ريع أوقافها - أو السدس أو الربع أو أقل أو أكثر - في كل سنة من السنين بعد صرف ما تحتاج إليه المدرسة المذكورة في عمارتها وعمارة أوقافها.
فرضا صحيحا شرعيا.
وأذن له في تناول ذلك من ريع وقف المدرسة المذكورة لنفسه على قيامه بالوظيفة المشار إليها، إذنا شرعيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية.
وواجباته المعتبرة المرضية.

وإن كان الفرض للمدرس فيقول: على مباشرة وظيفة التدريس بالمدرسة الفلانية، وإلقاء الدرس بها على الفقهاء والمتفقهة، كذا وكذا في كل سنة من متحصل أوقاف المدرسة المذكورة، من أجور مسقفات وثمن مغلات، وغير ذلك.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك في تاريخ كذا.
ويكتب التاريخ والحسبلة بخطه، ويكتب في أعلا الطرة على يسار البسملة: فرضت ذلك.
وأذنت فيه على الوجه الشرعي.
ويكمل بالاشهاد على نحو ما سبق.
والله أعلم.

كتاب الحضانة وما يتعلق بها من الاحكام الحضانة حفظ من لا يستقل بنفسه، وتربيته بما يصلحه، ووقايته عما يؤذيه.
وهي ولاية.
لكنها بالاناث أليق.
وأولاهن الام.
وشرطها: العدالة، والحرية، والاسلام للمسلم.
فلو كان مسلما والام كافرة.
فحضانته لاقاربه المسلمين.
فإن لم يكن فعلى المسلمين، والمؤنة في ماله.
فإن لم يكن فعلى أمه إن كانت موسرة.
وإلا فهو من محارم المسلمين.
وولد الذميين أمه أحق بحضانته.
فإن وصف بالاسلام نزع منهم.
والمحضون: من لا يستقل بمراعاة نفسه، ولا يهتدي لمصالحه، لصغر، أو جنون أو خبل، وقلة تمييز.
فإذا بانت الزوجة وبينهما ولد.
نظرت، فإن كان بالغا رشيدا، لم يجبر على الكون مع أحدهما، بل يجوز له أن ينفرد عنهما.
إلا أن المستحب له: أن ينفرد عنهما، كيلا ينقطع بره وخدمته عنهما.
وهل يكره له الانفراد عنهما؟ ينظر فيه.
فإن كان رجلا: لم يكره له الانفراد عنهما.
وإن كانت امرأة: فإن كانت بكرا، كره لها الانفراد عنهما.
لانها لم تجرب الرجال ولا يؤمن أن تخدع.
وإن كانت ثيبا فارقها زوجها: لم يكره لها الانفراد عنهما.
لانها قد جربت الرجال ولا يخشى عليها أن تخدع.
وقال مالك: يجب على الابنة أن لا تفارق أمها حتى تتزوج ويدخل بها الزوج.
وموضع الدليل: أنها إذا بلغت رشيدة: ارتفع الحجر عنها.
فكان لها أن تنفرد بنفسها ولا اعتراض عليها، كما لو تزوجت من بانت منه.
وإن كان الولد صغيرا - لا يميز - وهو الذي له دون سبع أو أكثر، إلا أنه مجنون أو مختلط العقل - وجبت حضانته.
لانه إذا ترك منفردا ضاع.

والحضانة هي كفالة الطفل.
والاصل فيها قوله تعالى: * (وكفلها زكريا) * والنبي (ص) كفله أبو طالب، وحضنته حليمة مدة رضاعه (ص).
ونتيجة الحضانة: حفظ من لا يستقل بأموره كما تقدم، والام أولى بها، ثم أمهاتها المدليات بالاناث.
ويقدم منهم: القربى، فالقربى.
والجديد: أنه يقدم بعدهن أم الاب، ثم أمهاتها المدليات بالاناث، ثم أم أب الاب كذلك، ثم أم أب الجد كذلك.
وتقدم الاخوات على الخالات، والخالات على بنات الاخوات.
وتقدم بنات الاخوة وبنات الاخوات على العمات.
وتقدم الاخت من الابوين على الاخت من الاب والاخت من الام.
وتقدم الاخت من الاب على الاخت من الام.
وتقدم الخالة والعمة من الاب على الخالة والعمة من الام.
وأما الذكور: فالمحرم الوارث، كالاب والجد والاخ وابن الاخ والعم، لهم الحضانة.
كترتيب العصبات.
والوارث الذي ليس بمحرم كابن العم له الحضانة، لكن إن كانت صغيرة في حد تشتهى: لم تسلم إليه، بل إلى بنته، أو امرأة ثقة بعينها.
والاظهر: أن المحرم الذي ليس بوارث، كالخال وأبي الام، والقريب الذي ليس بوارث ولا محرم، كابن الخال وابن العمة: لا حضانة لهما.
وإذا اجتمع الذكور والاناث من أهل للحضانة.
فإن كانت فيهم الام فهي أولى من غيرها، وأم الام عند فقدها في معناها.
والاب أولى من الجدات من قبله، وكذا من الخالة والاخت المدلية بالام.
وتقدم الاصول على الاقارب الواقعين على حواشي النسب.
فإذا فقدت الاصول فالاظهر تقدم الاقرب فالاقرب.
فإن استوى اثنان في القرب فالتقديم للانوثة.
فإن استويا من كل وجه فيقطع النزاع بالقرعة.
ويشترط في ثبوت حق الحضانة: الاسلام، والعقل، والحرية، والعدالة، كما تقدم.
فلا حضانة للمجنونة والرقيقة والكافرة، ولا الفاسقة.
ولو نكحت أم الطفل بعد فراق أبيه أجنبيا: بطلت حضانتها.
ولا أثر لرضى الزوج.
ولو نكحت عم الطفل، أو ابن أخيه، أو ابن عمته، فالاشبه: أنه لا يبطل حقها من الحضانة.
وهل يشترط لاستحقاقها الحضانة: أن ترضع الولد إذا كان رضيعا؟ فأجاب الاكثرون بالاشتراط.

وإذا أسلمت الكافرة، أو أفاقت المجنونة، أو عتقت الامة، أو حسن حال الفاسقة.
ثبت لها حق الحضانة.
وإذا طلقت المرأة بعد ما سقط حقها من الحضانة بالنكاح عاد استحقاقها للحضانة.
ولو غابت الام، أو امتنعت من الحضانة.
انتقل حق الحضانة إلى الجدة.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن الحضانة تثبت للام ما لم تتزوج.
وإذا تزوجت ودخل بها الزوج سقطت حضانتها.
واختلفوا فيما إذا طلقت بعد طلاقا بائنا، هل تعود حضانتها؟ فقال أبو حنيفة والشافعي: تعود.
وقال مالك في المشهور عنه: لا تعود بالطلاق.
وإذا افترق الزوجان وبينهما ولد.
قال أبو حنيفة في إحدى روايتيه: الام أحق بالغلام، حتى يستقل بنفسه في مطعمه ومشربه وملبسه ووضوئه واستنجائه، ثم الاب أحق.
والام أحق بالانثى إلى أن تبلغ، ولا يجبر واحد منهما.
وقال مالك: الام أحق بالانثى إلى أن تتزوج، ويدخل بها الزوج، وبالغلام أيضا في المشهور عنه إلى البلوغ.
وقال الشافعي: الام أحق بهما إلى سبع سنين، ثم يخيران.
فمن اختاراه كانا عنده.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: الام أحق بالغلام إلى سبع ثم يخير، والجارية بعد السبع تجعل مع الام بلا تخيير.
والرواية الاخرى: كمذهب أبي حنيفة.
والاخت من الاب: هل هي أولى بالحضانة أم لا؟ قال أبو حنيفة: الاخت من الام
أولى من الاخت للاب ومن الخالة للام.
والخالة أولى من الاخت.
وقال مالك: الخالة أولى منهما.
والاخت من الام أولى من الاخت للاب.
وقال الشافعي وأحمد: الاخت للاب أولى من الاخت للام ومن الخالة.
فصل: وإذا أخذت الام الطفل بالحضانة، فأراد الاب السفر بولده بنية الاستيطان في بلد آخر.
فهل له أخذ الولد منها أم لا؟ قال أبو حنيفة: ليس له ذلك.
وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: له ذلك.
فإذا كانت الزوجة هي المنتقلة بولدها.
قال أبو حنيفة: لها أن تنتقل بشرطين.
أحدهما: أن تنتقل إلى بلدها.
والثاني: أن يكون العقد ببلدها الذي تنتقل إليه.
فإذا فات أحد الشرطين منعت إلا بوضع يمكن لابيه المضي إليه ويعود قبل الليل.
فإن كان انتقالها إلى دار حرب أو من مصر إلى سواد وإن قرب.
منعت أيضا.

وقال مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: الاب أحق بولده، سواء كان المنتقل هي أو هو.
وعن أحمد رواية أخرى: أن الام أحق به ما لم تتزوج.
اه.
المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
صورة حضانة أهلية صادرة بالتراضي بين والد الطفل وبين الحاضنة الشرعية: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان ومطلقته الطلقة الواحدة الاولى البائن - أو الثانية المسبوقة بأولى البائن، أو الطلقة الثالثة المكملة لعدد الطلاق الثلاث - فلان.
وأشهد عليه: أنه كان قد تزوج بفلانة المذكورة من قبل تاريخه تزويجا شرعيا.
ودخل بها وأصابها.
وأولدها على فراشه ولدا ذكرا يسمى فلان - أو أنثى تسمى فلانة - المقدر عمره أو عمرها يومئذ كذا وكذا سنة - أو المرضع أو الفطيم - وبانت منه بالطلاق المعين أعلاه.
وأن والدته المذكورة أهل للحضانة، وأنه سلم إليها ولده المذكور لتحضنه، ما دامت متصفة بصفات الحاضنات.
وتقوم بمصالحه، وغسل ثيابه ورأسه ودهنه وكحله وتنظيفه،
وتغيير ثيابه والفرش له، وتغطيته إذا نام.
والقيام بمصالحه وتربيته، مقيمة به في المسكن الفلاني، لما يعلم من خيرها ودينها وعفتها وسدادها وشفقتها.
فتسلمته بمقتضى مالها من حضانته على الوجه الشرعي بحكم اتصافها بها الاتصاف الشرعي، تسلما شرعيا.
وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
وإن كان فرض للولد فرضا.
فيقول: وفرض والد الطفل المذكور لولده المذكور على نفسه برضاه، لما يحتاج إليه في ثمن طعام وإدام - إلى آخره - وبرسم حضانة حاضنته المذكورة.
وخادمه القائم بقضاء حوائجه، وشراء ما يحتاج إلى شرائه من الطعام والشراب وغير ذلك من اللوازم الشرعية، وما لا بد له ولخادمه منه شرعا في كل يوم كذا لمدة كذا، فرضا شرعيا، حسبما اتفق والد الطفل المذكور ووالدته المذكورة على ذلك وتراضيا عليه.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأذن لها في الاقتراض والانفاق - إلى آخره.
ويكمل.
ويؤرخ على نحو ما سبق.
وكذلك يكتب في جميع الحضانات على الترتيب المعين في استحقاق الحضانة من الامهات والجدات والاخوات والخالات.
هذا إذا اتفقا على أهلية الحضانة.
وأما إذا اختلفا فيها فلا بد من ترافعهما إلى حاكم شرعي، وتدعي عنده على والد الطفل.
وتقيم البينة عنده: أنها سالكة الطريق الحميدة والمناهج السديدة، وأنها مواظبة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
أهل لحضانة ولدها فلان الذي رزقته من مطلقها فلان المدعي عليه المذكور، متصفة بصفة الاهلية المعتبرة شرعا، من الخدمة والشفقة والرعاية

والسداد والقيام بمصلحة الولد المذكور ليلا ونهارا.
وتقول في دعواها: وأنه أراد انتزاع الولد منها.
وقد آلت الحضانة إليها.
وتسأل إبقاء ولدها عندها، وفي حضانتها.
فإن أجاب بصحة دعواها.
وإلا فتقيم البينة عنده.
وتثبت لديه.
ويبقى الولد عند الام، ويأمره الحاكم بعدم التعرض لها في أخذ ولده منها.
وتسأل الحاكم أن يحكم لها بذلك بعد الاعذار إليه.
وإن حصلت الدعوى ولم تحضر والدة الطفل شهودا يشهدون بأهليتها، وأحضر الوالد شهودا يشهدون بعدم أهليتها.
فتكون الدعوى من الوالد على الوالدة، ويذكر في دعواه قصد انتزاعه منها بحكم أنها لم تكن أهلا لحضانة الولد المذكور.
فإن صدقته انتزعه منها.
وإن كذبته أقام البينة: أنها مفرطة فيما يجب عليها من حقوق الكفالة لولدها فلان المذكور، من الصيانة والنظر في أحواله في الليل والنهار والخدمة، وأنها تتركه في البيت والباب مغلق عليه وحده وهو صارخ، وتغيب عنه في قضاء حوائجها عند الجيران في أكثر الاوقات.
وهي غير مواظبة على الصلوات الخمس في أوقاتها، مرتكبة ما يخرجها عن أهلية الحضانة لولدها المذكور.
وتقام الشهادة بذلك بحضورها.
ويعذر إليها الحاكم.
ويسأل القاضي الحكم له بذلك، وبسقوط حضانتها للولد وانتزاعه منها، وتسليمه له بمقتضى ما ثبت عليها من عدم أهليتها لذلك.
فيحكم له الحاكم بموجب ذلك.
ويسلم الولد له بعد انتزاعه من والدته.
فإذا حسن حالها وصارت أهلا للحضانة فلا بد من كتابة محضر.
صورته: شهوده يعرفون فلانة معرفة صحيحة شرعية.
ويشهدون - مع ذلك - أنها قد حسنت سيرتها، وصارت مواظبة على الصلوات الخمس، مسددة في أفعالها وأقوالها وأحوالها، مقيمة في بيتها، لا تخرج منه إلا لضرورة شرعية وتعود سريعا.
أهلا للحضانة لولدها فلان، وللنظر في أحواله وتربيته، كغيرها من الحاضنات الجيدات، مع سلوك الطريق الحميدة، والمناهج السديدة.
والعمل بتقوى الله وطاعته.
وأنها صارت متصفة بصفات حميدة توصلها إلى أهليتها لحضانة ولدها المذكور، اتصافها بها الاتصاف الشرعي.
وثبت هذا المحضر عند الحاكم.
ويدعي على الولد، وينزع الولد منه.
ويسلم إليها، ويحكم لها بذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة حضانة أهلية، وتقرير فرض لمطلقة عازبة أو مزوجة، مسافرة أو مقيمة، على مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى.
قرر فلان لولده فلان الذي رزقه على فراشه

قبل تاريخه من مطلقته فلانة المقدر عمره يومئذ كذا، أو الرضيع أو الفطيم، الذي هو في حضانة والدته المطلقة المذكورة أعلاه، لما يحتاج إليه الولد المذكور، في ثمن طعام وإدام وماء وزيت وصابون.
وأجرتي حمام ومنزل وكسوة، ولوازم شرعية، لمدة كذا وكذا سنة من تاريخه في غرة كل يوم يمضي من تاريخه من الفلوس الجدد عشرة دراهم مثلا، تقريرا شرعيا حسبما اتفق هو ومطلقته المذكورة على ذلك وتراضيا عليه.
وأقر بالملاءة والقدرة على ذلك.
وأذن المقرر المذكور أعلاه لمطلقته المذكورة أعلاه في الاقتراض والانفاق عند تعذر الاخذ منه، والرجوع بنظير ذلك عليه إذنا شرعيا.
ثم بعد ذلك ولزومه شرعا، التزمت المطلقة المذكورة أعلاه بالقيام لولدها المذكور أعلاه عن والده المقرر المذكور أعلاه في غرة كل يوم يمضي من تاريخه بما مبلغه خمسة دراهم مثلا، أو أقل من جملة التقرير المعين أعلاه.
وذلك في نظير إبقاء الولد المذكور أعلاه بيدها.
وفي حضانتها، تحضنه وتكفله لطول المدة المعينة أعلاه، عزبا كانت أو متزوجة، مسافرة كانت أو مقيمة.
مسافرا كان هو أو مقيما، التزاما شرعيا على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين.
ورضي المقرر المذكور أعلاه بذلك.
وأقر الولد المذكور بيد والدته المطلقة المذكورة، تكفله وتحضنه على الحكم المشروح أعلاه، لطول المدة المعينة أعلاه، لما علم لنفسه ولولده المذكور في ذلك من الحظ والمصلحة.
وأسقط حقه من طلب الولد المذكور ومن السفر به من بلد كذا إلى بلد كذا، وإلى غيره من الجهات عند قصده السفر بنفسه وبوكيله، لطول المدة المعينة أعلاه، إسقاطا شرعيا.
قبلت ذلك منه قبولا شرعيا.
وأقرت بالملاءة والقدرة على ذلك.
وبمعرفة معنى الالتزام المشروح أعلاه وما يترتب عليه شرعا.
واعترف المطلق المذكور
أن مطلقته المذكورة أهل للحضانة.
متصفة بصفات الحاضنات.
ولما تكامل ذلك ادعى به بمجلس الحكم العزيز الفلاني المالكي، وثبت اعتراف كل منهما بذلك لديه.
أحسن الله إليه، بشهادة شهوده الواضعين خطوطهم آخره بالشهادة عليه، الثبوت الشرعي، وتشخيصها عنده التشخيص الشرعي.
واعتراف كل منهما بعدم الدافع، والمطعن لذلك وبشئ منه، الاعتراف الشرعي.
وحكم - أيد الله أحكامه - بموجب ذلك، حكما شرعيا، تاما معتبرا مرضيا.
مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
وبه تم الاشهاد في تاريخ كذا.
صورة حضانة للجدة أم الام، إذا كانت متزوجة بالجد أبي الام، على مذهب الامام

أبي حنيفة رحمه الله تعالى: حضرت إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين الحنفي فلانة، وأحضرت معها ابنتها لبطنها فلانة بنت فلان، زوج المدعية المذكورة أعلاه يومئذ وادعت عليها لدى الحاكم المشار إليه: أنها تزوجت التزويج الشرعي بأجنبي، وأنها سقطت حضانتها لولدها الصغير الفطيم فلان ابن فلان، وأنها الآن هي المستحقة لحضانة الصغير المذكور.
وسألت سؤال ابنتها المذكورة عن ذلك.
فسألها الحاكم المشار إليه عن ذلك.
فأجاب بالاعتراف.
فسألت المدعية المذكورة سيدنا الحاكم المشار إليه الحكم لها بحضانة الصغير المذكور مع كونها مزوجة بالجد أبي الام، لموافقة ذلك مذهبه ومعتقده.
فأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بحضانته، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا.
مع العلم الخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك من استحقاق الجدة الحضانة مع كونها متزوجة بأبي الام.
وأمرها بتسليم الصغير المذكور أعلاه لجدته المذكورة.
فسلمته لها.
فتسلمته منها تسلما شرعيا.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة حضانة المرأة ولدها بعد سقوط حقها من الحضانة بالنكاح وطلاقها من الزوج، وعود الاستحقاق إليها بالطلاق.
خلافا لمالك.
حضرت إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الشافعي، أو الحنفي، أو الحنبلي فلانة.
وأحضرت معها مطلقها فلان.
وادعت عليه: أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا.
ودخل بها وأصابها.
وأولدها على فراشه ولدا يدعي فلان، الثلاثي العمر أو الرباعي.
وبانت منه بالطلاق الفلاني من قبل تاريخه.
وأنها تسلمت ولدها المذكور منه بعد الطلاق بمالها من حق الحضانة الشرعية.
ثم إنها بعد ذلك نكحت رجلا آخر يدعي فلان.
وسقط حقها من الحضانة لولدها المذكور بمقتضى ذلك.
وأن والده المذكور انتزعه من يدها بعد ما نكحت فلانا المذكور.
ثم إنها طلقت من الناكح المذكور طلاقا بائنا.
وأنها حال الدعوى خالية عن الزوج، وأنها تستحق حضانة ولدها المذكور.
وانتزاعه من يد والده المذكور وتسليمه إليها، وأنه ممتنع من تسليمها الولد المذكور.
وسألت سؤاله عن ذلك.
فسئل.
فأجاب بصحة الدعوى.
وصدقها على جميع ما ذكرته، غير أنه لا يعلم طلاقها من زوجها الثاني المذكور.
فذكرت المدعية المذكورة: أن لها بينة شرعية، تشهد لها بالطلاق البائن من المطلق الثاني المذكور.
وسألت الاذن في إحضارها.
فأذن لها.
فأحضرت شاهدين عدلين، هما فلان وفلان، واستشهدتهما.
فشهدا لدى الحاكم المشار إليه بالطلاق البائن الثاني

المذكور.
عرفهما سيدنا الحاكم المشار إليه.
وسمع شهادتهما، وقبلها بما رأى معه قبولها.
وثبت الطلاق عنده.
وتبين له استحقاقها لحضانة ولدها المذكور.
فحينئذ سألت المدعية المذكورة سيدنا الحاكم المشار إليه الحكم لها بحضانة ولدها المذكور، وتسليمه إليها.
والعمل بمقتضى مذهب إمام الائمة محمد بن إدريس الشافعي، أو الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت، أو الامام الرباني أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله
عنهم وأرضاهم.
فاستخار الله وأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بحضانة ولدها المذكور، وإبقائه في يدها وفي حضانتها.
ما دامت متصفة بصفات الحاضنات، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
وأمره سيدنا الحاكم المشار إليه بتسليم الولد المذكور إليها.
فسلمه إليها.
فتسلمته منه تسلما شرعيا.
والتزمت القيام بحضانته وتربيته، وإصلاح شأنه، وملازمة الاقامة معه في مسكن شرعي يليق به، وتولى إطعامه الطعام والادام، وغسل ثيابه وتنظيفها وتغييرها، وغسله في الحمام، وعمل مصالحه كلها بما هو مفروض له ولها ولمن يخدمها.
وهو في غرة كل يوم كذا خارجا عن الكسوة بتصادقهما على ذلك.
وانفصلا عن مجلس الحكم العزيز المشار إليه على ذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن سبقها المطلق إلى المالكي، وادعى عليها عنده بسقوط حضانتها بالتزويج وعدم عود استحقاقها عنده.
فيقلب هذه الصيغة.
وتكون الدعوى منه، ويحكم الحاكم المالكي للمطلق.
صورة إبقاء الحضانة للمرأة بعد التداعي، على مذهب الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الحنفي فلان.
وأحضر معه مطلقته فلانة.
وادعى عليها لدى الحاكم المشار إليه: أنه تزوج بها تزويجا صحيحا شرعيا، ودخل بها وأصابها وأولدها على فراشه ولدين توأمين ابنا وبنتا.
أحدهما يدعي فلان.
والاخرى فلانة.
وأنه أبانها بالطلاق.
واستمر الولدان بيدها وحضانتها إلى الآن.
وأنهما بلغا من العمر سبع سنين.
وأنه قصد انتزاعهما بالتخيير، وأنهما مختاران له، وأنهما يستقلان بالمطعم والمشرب والملبس والوضوء والاستنجاء، ولبس السراويل.
وسأل سؤالها عن ذلك.
فسئلت.
فأجابت: أنه تزوجها وأولدها الولدين المذكورين.
وأنهما بلغا سبع سنين، وأنهما يختاران الرجوع إليه والاقامة عنده، لكنهما لا يستقلان بجميع ما ذكر

أعلاه.
وطلبت المطلقة المذكورة من الحاكم المشار إليه امتحان الصغيرين المذكورين.
وأحضرهما بين يديه.
فسألهما عن ذلك وامتحنهما فيه.
فلم يأتيا بجميعه.
وتبين عنده عدم استقلالهما بهذه الامور.
فحينئذ سألت المطلقة المذكورة الحاكم المشار إليه العمل بما يعتقده من مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه.
فاستخار الله سبحانه وتعالى، وأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بحضانة الصغيرين المذكورين إلى حين بيان استقلالهما بما عين أعلاه من الابن وبلوغ البنت، لجواز ذلك عنده.
وموافقته لمذهب مقلده الامام أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه، حكما صحيحا شرعيا - إلى آخره، مع العلم بالخلاف.
ويكمل على نحو ما سبق.
وتقلب هذه الصورة بعينها عند الشافعي بدعوى الاب.
وينزع ولديه لكونهما بلغا سبع سنين، واختاراه بين يدي الحاكم الشافعي.
صورة إبقاء الولد في حضانة أمه إلى حين التزويج، ودخول الزوج بالبنت على مذهب الامام مالك رضي الله عنه: حضر إلى مجلس الحكم العزيز المالكي بين يدي سيدنا فلان الدين فلان، وأحضر معه مطلقته فلانة.
وادعى عليها لدى الحاكم المشار إليه: أنه تزوجها تزويجا صحيحا شرعيا، ودخل بها وأصابها.
وأولدها على فراشه بنتا تدعى فلانة.
وأنها جاوزت سبع سنين، وميزت واستقلت بالطعام والشراب والوضوء والاستنجاء وطلب انتزاعها من يدها وتسليمها إليه.
وسأل سؤالها عن ذلك.
فسألها الحاكم المشار إليه: فأجابت بالاعتراف بما ادعاه.
وطلبت منه العمل بمذهبه، وبما يعتقده من صحة الحضانة لها إلى حين تزويج البنت، ودخول الزوج بها، والحكم لها بذلك، والقضاء به والالزام بمقتضاه.
فأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بذلك لجوازه عنده شرعا، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية.
وواجباته المعتبرة المرضية، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كان الاب قد وضع يده على البنت وأخذها بيده من يد أمها.
فتدعي الام عليه عند الحاكم، ويحكم لها بها، ويلزمه بتسليمها لها، ويقع التسليم.
ويكمل.
صورة انتزاع البنت من أمها عند إدراك سبع سنين، على مذهب الامام أحمد رضي الله عنه: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الحنبلي فلان، وأحضر معه مطلقته فلانة، وادعى عليها لدى الحاكم المشار إليه: أنه تزوج بها تزويجا

صحيحا شرعيا.
ودخل بها وأصابها.
وأولدها على فراشه بنتا تدعى فلانة، وأنها بلغت من العمر سبع سنين ودخلت في الثامنة.
وطلب من الحاكم المشار إليه العمل بمذهبه على معتقد مقلده الامام أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه، والحكم بابنته المذكورة وتسليمها إليه.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم له بذلك حكما شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وبعد أن ثبت عنده أن البنت المذكورة بلغت سبع سنين، باعتراف والدتها المذكورة أعلاه، وبالبينة الشرعية الثبوت الشرعي.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة حضانة الاخت للام.
إذا وصل استحقاق الحضانة إليها، على الخلاف في ذلك، أو إلى الاخت للاب، أو إلى الخالة، على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الحنفي فلانة وفلانة وفلانة.
وادعت الحاضرة المبدي بذكرها على الحاضرتين المثني بذكرهما، بحضور فلان
والد الطفل الآتي ذكره: أن فلانا الحاضر المذكور تزوج أختها لامها فلانة أخت الحاضرة المثني بذكرها لابيها.
وهي بنت أخت الحاضرة الثالثة لابويها، تزويجا صحيحا شرعيا.
ودخل بها وأصابها وأولدها على فراشه ولدا ذكرا يدعى فلان الفطيم.
وأنها درجت بالوفاة إلى رحمة الله تعالى، وأن ليس أحد من أقرباء المتوفاة المذكورة موجودا، مستحقا للحضانة سواها.
وسألت سؤال والد الصغير المذكور وأخت أمه لابيها وخالتها لابويها المذكورين أعلاه عن ذلك.
فسأل الحاكم المشار إليه والد الطفل المذكور؟ فأجاب بالتصديق.
ولكنه لا يعلم من المستحقة للحضانة من هؤلاء النسوة الثلاث المذكورات أعلاه.
فسأل الحاكم المشار إليه النسوة الثلاث المذكورات أعلاه عن ذلك؟ فقالت الاخت من الاب: أنا أولى بالحضانة على مذهب الامام الشافعي وأحمد.
وقالت الخالة: أنا أولى بالحضانة على مذهب الامام مالك.
وقالت الاخت للام: أنا أحق بالحضانة على مذهب الامام أبي حنيفة.
وسألت الحاكم المشار إليه العمل معها بما يعتقده من مذهبه، والحكم لها بالحضانة على مقتضى مذهبه ومعتقده.
فاستخار الله، وأجابها إلى سؤالها.
وحكم لها بحضانة الطفل المذكور، لجواز ذلك عنده شرعا، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وتسلمت الاخت من الام المذكورة الولد المذكور من والده المذكور

بمجلس الحكم العزيز المشار إليه تسلما شرعيا، ملتزمة بخدمته وتربيته والقيام بمصالحه على مقتضى الشرع الشريف المطهر، ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كانت النسوة المذكورات.
إحداهن أخت الطفل لامه.
والاخرى أخته لابيه.
والاخرى خالته أخت أمه لابويها.
فالصورة عند الحنفي: الحضانة لاخته لامه.
وعند الشافعي وأحمد: لاخته لابيه.
وعند مالك: لخالته.
فإذا تنازعت النسوة الثلاث في ذلك، وترافعن إلى حاكم الشرع الشريف.
فإن ترافعن إلى شافعي أو حنبلي: حكم بالحضانة للاخت من الاب.
وإن ترافعن إلى مالكي: حكم بها للخالة.
أو إلى حنفي: حكم بها للاخت من الام.
والصورة في ذلك كالصورة في التي قبل هذه.
والدعوى على والد الطفل.
وجوابه: التصديق على ما ادعته المدعية من التزويج والاستيلاد، وأن من كانت المستحقة لحضانة ولده شرعا سلمه إليها.
وتذكر أخت الصغير المذكور لابيه: أنها هي المستحقة للحضانة.
وتقول خالته: إنها هي المستحقة للحضانة.
فيعلمها الحاكم: أن الحضانة عنده للاخت للام.
وتسأل المدعية الحكم لها بذلك.
فيحكم لها به.
مع الخلاف.
والكاتب يتصرف في هذه الصورة على الوجه السائغ عند كل من أصحاب المذاهب الاربعة على ما يقتضيه مذهبه.
صورة انتزاع الولد من أمه والسفر به بنية الاستيطان في بلد آخر على مذهب الائمة الثلاثة، خلافا لابي حنيفة: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الشافعي - أو المالكي أو الحنبلي - بين يدي سيدنا فلان الدين فلان.
وأحضر معه مطلقته فلانة.
وادعى عليها لدى الحاكم المشار إليه: أنه تزوجها تزويجا صحيحا شرعيا.
ودخل بها وأصابها.
واستولدها على فراشه ولدا ذكرا يدعى فلان، الرباعي العمر، أو الخماسي.
ثم إنه أبانها بالطلاق الفلاني.
وأنه الآن قد عزم على السفر بولده إلى مدينة كذا بنية الاقامة والاستيطان، وطالبها بتسليم الولد إليه.
وسأل سؤالها عن ذلك.
فسألها الحاكم المشار إليه عن ذلك.
فأجابت بالتصديق على صحة دعواه، غير أنها لا تقدر على فراق ولدها.
ورضيت أن تحضنه متبرعة بكل ما يحتاج إليه.
فأبى إلا أن يتسلمه ويسافر به.
وسأل الحاكم المشار إليه الحكم له بمذهبه، وتسليم ولده إليه.
فاستخار الله وأجابه إلى سؤاله.
وحكم له بتسليم ولده المذكور إليه، والسفر به إلى البلد المذكور، والاستيطان، حكما صحيحا شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه،
مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
وأمرها بتسليم الولد المذكور إليه عند

قصده السفر على الحكم المشروح أعلاه.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الحكم بمنع الوالد من السفر بولده على مذهب الامام أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وعلى الرواية الثانية عن أحمد رضي الله عنه: حضرت إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الحنفي فلانة أو فلان، وهو متكلم شرعي جائز كلامه، مسموعة دعواه عن فلانة.
وأحضرت معها - أو أحضر معه - فلانا.
وادعت عليه، أو ادعى عليه، لدى الحاكم المشار إليه.
أنه تزوج بها، أو أنه تزوج بموكلته المذكورة، تزويجا صحيحا شرعيا.
ودخل بها وأصابها.
وأولدها على فراشه ولدا ذكرا يدعى فلان، الرباعي، أو الخماسي.
ثم إنه أبانها بالطلاق.
وسألت الحاكم - أو سأل الحاكم - المشار إليه الحكم باستمرار الولد المذكور بيد والدته، وبمنع والده المذكور من السفر به عند قصده السفر من مدينة كذا، وإلى غيرها من الجهات على مقتضى مذهبه ومعتقده.
فاستخار الله تعالى وأجابها - أو وأجاب السائل إلى سؤاله - وحكم لها بذلك حكما صحيحا شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك.
ويكمل على نحو ما سبق.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب الجراح وما يتعلق بها من أحكام الجنايات وتحريم القتل، ومن يجب عليه القصاص، ومن لا يجب عليه القتل بغير حق حرام.
والاصل فيها: الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) *
وقوله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا) * فأخبر أنه ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنا.
وقوله: إلا خطأ لم يرد أن قتله خطأ يجوز، وإنما أراد: أنه إذا قتله خطأ، فعليه الكفارة والدية.
وقوه تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) *.
وأما السنة: فما روى عثمان أن النبي (ص) قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس.
وروي أن النبي (ص) قال: من أعان على قتل مسلم، ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله تعالى.
وروي أن النبي (ص) قال: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: لو أن أهل السماء والارض اشتركوا في قتل مؤمن لكبهم الله في النار.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي (ص) قال: لو أن أهل السماء والارض

اشتركوا في قتل مؤمن لعذبهم الله، إلا أن يشاء ذلك.
وروى عبد الله بن مسعود الواسطي عن ابن وائل الواسطي رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: أول ما يقضى بين العباد في الدماء.
وأما الاجماع: فإنه لا خلاف بين الائمة في تحريم القتل بغير حق.
وجماع ذلك: أن من قتل مؤمنا متعمدا بغير حق فسق.
واستوجب النار، إلا أن يتوب.
والنص: أن قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر.
وقيل: إنه أكبر الكبائر بعد الكفر.
وتقبل التوبة منه.
وإن مات قبلها لم يتجه دخوله النار، بل هو تحت المشيئة.
وإن دخل لم يخلد.
ويتعلق به القصاص، أو الدية والكفارة، والتعزير في صور.
ويجري في طرف
وغيره.
والقتل: هو كل فعل عمد محض مزهق للروح عدوانا من حيث كونه مزهقا.
والعمد: هو قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا بجارح أو مثقل.
فإن فقد قصد أحدهما، بأن رمى شجرة فأصابه.
فخطأ.
وإن قصدهما بما لا يقتل غالبا، فشبه عمد.
ومنه الضرب بالسوط والعصى، غرز الابرة.
في المقتل، كالدماغ والحلق.
يقتضي القصاص.
وكذا في غير المقتل، إن تورم الموضع وبقي متألما إلى أن مات، وإن لم يظهر منه أثر ومات في الحال.
فأقوى الوجهين: أنه لا يتعلق به القصاص.
وعلى هذا: فالاشبه أنه شبه عمد.
والغرز في جلدة العقب وما لا يؤلم، لا أثر له بحال.
ولو حبسه في بيت، ومنعه من الطعام والشراب، ومنعه من الطلب، حتى مات.
فإن مضت مدة يموت مثله فيها

غالبا من الجوع والعطش.
تعلق به القصاص.
وإلا فإن لم يكن جوع ولا عطش سابق.
فهو شبه عمد.
فإن كان به بعض الجوع والعطش وعلم الحابس الحال.
فعليه القصاص.
وإلا فالاصح المنع.
وإذا أكره إنسان إنسانا على قتل آخر بغير حق فقتله، وجب على المكره القصاص.
ولو شهد اثنان على إنسان بوجب القصاص.
فحكم القاضي بشهادتهما وقتل.
ثم رجعا وقالا تعمدنا الكذب.
لزمهما القصاص، إلا إذا اعترف الولي أنه كان عارفا بكذبهما فلا قصاص عليهما.
ولو أضافه على طعام مسموم فأكله ومات، لزمه القصاص.
وإذا أمسك إنسانا حتى قتله آخر، أو حفر بئرا فردي فيها غيره.
قالقصاص على القاتل والمردي، دون الممسك والحافر.
ولو رمى إنسانا من شاهق فتلقاه متلق فقده نصفين.
فالقصاص على المتلقي دون الملقي.
ولو ألقاه في ماء فغرق، أو فالتقمه الحوت.
وجب القصاص على الملقي.
ولو
لم يكن الماء مغرقا فالتقمه حوت.
فلا قصاص.
وإذا قتل جماعة واحدا: قتلوا به.
وللولي أن يقتل بعضهم، ويأخذ حصة الباقين من الدية.
وتوزع الدية على قدر رؤوسهم.
وإن كان أحد القاتلين مخطئا سقط القصاص عن الباقين.
ويجب القصاص على شريك الاب، وعلى العبد إذا شارك الحر في قتل العبد.
وعلى الذمي إذا شارك المسلم في قتل الذمي.
وعلى شريك الحربي في قتل المسلم الذمي.
وعلى شريك الجارح قصاصا.
وعلى شريك دافع الصائل.
وإذا جرح حربيا أو مرتدا بقطع عضو أو غيره فأسلم، ثم مات من تلك الجراحة.
فلا قصاص ولا دية.
ولا ضمان على من جرح عبد نفسه، ثم أعتقه فمات بالسراية.
ولو رمى حربيا أو مرتدا فأسلم قبل وصول الرمية إليه، ثم أصابه ومات فلا قصاص.
ولكن تجب دية مسلم.
ولو جرح عبدا لغيره فعتق ثم مات بالسراية.
وجب فيه دية حر مسلم.
فإذا كانت قيمة العبد نظير دية مسلم أو أقل.
فهي للسيد جميعها.
وإن كانت الدية أكثر.
فللسيد قيمة العبد.
والباقي لورثة العبد.
فصل: ويجب القصاص من الشجاج.
وهي: جراحات الوجه والرأس.
فالموضحة: التي توضح العظم، لا قصاص فيما بعدها من الهاشمة التي تهشم العظم،

أي تكسره.
والمنقلة التي تنقل العظم.
والمأمومة: وهي التي تبلغ أم الرأس، وهي خريطة الدماغ المحيطة به.
والدامغة: وهي التي تخرق الخريطة، وتصل إلى الدماغ.
ولا قصاص على الاظهر في الحارصة وهي التي تشق الجلد قليلا، أي تقطعه.
والمتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم ولا تبلغ الجلدة الرقيقة التي بين اللحم
والعظم.
والسمحاق: وهي التي تبلغ الجلدة الفاصلة بين العظم واللحم.
وفي وجوب القصاص بقطع بعض المارن والاذن من غير إبانة وجهان.
أظهرهما: الوجوب.
ويجب في القطع من المفاصل القصاص.
ويجب في فق ء العين، وقطع الاذن والجفن، والشفة واللسان، والذكر والانثيين والشفرين، والاليتين: القصاص.
ولا قصاص في كسر العظام، لكن للمجني عليه أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر، ويأخذ الحكومة للباقي.
ولو أوضح رأسه من الهشم، فله أن يقتص في الموضحة.
ويأخذ ما بين أرش الموضحة والهاشمة، وهو خمس من الابل.
وإذا أوضح رأسه فذهب ضوء عينيه: وجب القصاص في الضوء والموضحة جميعا.
وكذلك لو زال بطشه، أو ذوقه أو شمه.
ولا يقطع اليمنى باليسرى، ولا الشفة العليا بالسفلى، ولا السبابة بالوسطى.
ولا بالعكس، ولا أنملة إصبع بأنملة أخرى من تلك الاصابع، ولا إصبع زائدة بزائدة أخرى.
وإذا اشترك جماعة في موضحة.
فيوزع عليهم.
ويوضح من كل واحد بالقسط في وجه.
والثاني: يوضح من كل واحد منهم مثل تلك الموضحة.
ولا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء.
ولو خالف المجني عليه، وقطع الصحيحة.
لم يقع فرضا.
وعليه ديتها.
ولو سرى فعليه قصاص النفس.
وحكم الذكر الاشل والصحيح حكم اليد الصحيحة والشلاء.
ويقطع الانف الصحيح بالانف الاخشم، وأذن السميع بأذن الاصم.
ولا تؤخذ العين الصحيحة بالحدقة العمياء، ولا لسان الناطق بلسان الاخرس.

وفي السن القصاص.
لكن عند القلع دون الكسر.
وإن قلع سن صغير لم يثغر فلا قصاص في الحال ولا دية.
فإن جاء وقت نباتها ونبت جميع الاسنان وعادت ولم تعد هي، وقال أهل الخبرة: قد فسد المنبت.
وجب القصاص.
لكن لا يستوفى في صغره.
والصحيح: أن القصاص يستحقه جميع الورثة على فرائض الله تعالى.
فإن كان بعضهم غائبا انتظر حضوره أو مراجعته.
وإن كان بعضهم صبيا أو مجنونا انتظر بلوغ الصبي وإفاقة المجنون.
وإن انفرد صبي أو مجنون بالاستحقاق انتظر كماله.
ولا يستوفيه القيم بأمره.
ويحبس القاتل في هذه الصورة، ولا يخلى بالكفيل، وليتفق مستحقو القصاص على واحد، أو ليوكلوا أجنبيا.
فإن تزاحموا أقرع بينهم.
والاظهر: أنه يدخل في القرعة من عجز عن الاستيفاء، كالشيخ والمرأة.
فإذا خرجت له استناب.
وإذا بادر أحد الورثة فقتل الجاني.
فأصح القولين: أنه لا يلزمه القصاص.
وللآخرين نصيبهم.
وهل يأخذونه من شريكهم المبادر، أو من تركه الجاني؟ الاصح الثاني.
ثم إن كانت المبادرة بعد عفو سائر الشركاء أو بعضهم، فالاظهر: وجوب القصاص.
وليس لمن يستحق القصاص أن يستقل به، بل يستوفى بإذن الامام.
فإن استقل عذر.
وإذا راجع الامام فرآه أهلا فوض إليه قصاص النفس، ولا يفوض إليه قصاص الطرف.
وإذا أذن له في ضرب الرقبة.
فأصاب غيرها عامدا عذره ولم يعزله.
وإن قال: أخطأت - وهو محتمل - فلا يعذر.
ولكن يعزل.
وأجرة الجلاد على المقتص منه، وللمستحق الاقتصاص على الفور.
ولو التجأ الجاني إلى الحرم فله الاستيفاء فيه.
ولا يؤخر لشدة الحر والبرد والمرض.
والمرأة الحامل لا يقتص منها في النفس ولا في الطرف، حتى تضع الولد وترضعه
اللبأ.
فإن لم يوجد من ترضعه فيؤخر الاستيفاء إلى أن توجد مرضعة، أو إلى أن ترضعه هي حولين وتفطمه.
وتحبس الحامل في الاستيفاء إلى أن يمكن الاستيفاء.
وإذا قتل بمحدد أو غيره، من تخنيق أو تحريق أو تجويع، اقتص منه بمثله.
ولو قتله بالسحر أو بإسقائه الخمر أو باللواط اقتص بالسيف.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن القاتل لا يخلد في النار.
وتصح توبته من القتل.
وحكي عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، والضحاك: أنه لا تقبل له توبة.
واتفقوا على أن من قتل نفسا مسلمة مكافئة له في الحرية، ولم يكن المقتول ابنا للقاتل.
وكان في قتله له متعمدا: وجب عليه القود.
وأن السيد إذا قتل عبده.
فإنه لا يقتل به وإن تعمد.
واتفقوا على أن الكافر إذا قتل مسلما، قتل به.
واختلفوا فيما إذا قتل مسلم ذميا أو معاهدا.
فقال الشافعي وأحمد: لا يقتل به وقال مالك: كذلك، إلا أنه استثنى.
فقال: إن قتل ذميا أو معاهدا، أو مستأمنا غيلة: قتل حتما.
ولا يجوز للولي العفو.
لانه تعلق قتله بالافتيات على الامام.
وقال أبو حنيفة: يقتل المسلم بالذمي، لا بالمستأمن.
واتفقوا على أن العبد يقتل بالحر، وأن العبد يقتل بالعبد.
واختلفوا في الحر إذا قتل عبد غيره.
هل يقتل به أم لا؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل به.
وقال أبو حنيفة: يقتل به.
واتفقوا على أن الابن إذا قتل أحد أبويه قتل به.
واختلفوا فيما إذا قتل الاب ابنه.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يقتل به.
وقال مالك: يقتل به بمجرد القصد.
كإضجاعه وذبحه.
فإن حذفه بالسيف غير قاصد لقتله.
فلا يقتل به.
والجد عنده في ذلك كالاب.
واتفقوا على أن المرأة تقتل بالرجل، والرجل يقتل بالمرأة.
واختلفوا هل يجري القصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس؟ وبين العبيد بعضهم على بعض؟ فقال مالك والشافعي وأحمد: يجري.
وقال أبو حنيفة: لا يجري.
فصل: والجماعة إذا اشتركوا في قتل الواحد.
هل يقتلوا به؟ فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يقتل الجماعة كلهم بالواحد، إلا أن مالكا استثنى من ذلك القسامة.
فقال: لا يقتل بالقسامة إلا واحد.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: كمذهب الجماعة واختارها الخرقي.
والاخرى: لا تقتل الجماعة بالواحد.
وتجب الدية دون القود.
وهل تقطع الايدي باليد؟ قال مالك والشافعي وأحمد: تقطع.
وقال أبو حنيفة: لا تقطع.
وتؤخذ دية اليد من القاطع بالسواء.
واتفقوا على أنه إذا جرح رجلا عمدا.
فلازم الفراش حتى مات.
فإنه يقتص منه.
واختلفوا فيما إذا كان القتل بمثقل، كالخشبة الكبيرة، والحجر الكبير الغالب في مثله أن يقتل.
فقال مالك والشافعي وأحمد: يجب القصاص بذلك.

ولا فرق بين أن يخدشه بحجر أو عصا، أو يغرقه، أو يحرقه بالنار، أو يخنقه، أو يطين عليه بيتا.
ويمنعه الطعام والشراب حتى يموت جوعا، أو يضغطه، أو يهدم عليه بيتا.
أو يضربه بحجر عظيم، أو خشبة عظيمة محددة أو غير محددة.
وبذلك قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: إنما القصاص عند القتل بالنار أو بالمحدد من الحديد، أو الخشبة المحددة، أو الحجر المحدد.
فأما إن غرقه بالماء، أو قتله بحجر أو خشبة غير محددة: فإنه لاقود.
وقال الشافعي، والنخعي، والحسن البصري: لاقود إلا في حديد.
ولو ضربه فاسود الموضع، أو كسر عظامه في داخل الجلد.
فعن أبي حنيفة في ذلك روايتان.
واختلفوا في عمد الخطأ.
وهو أن يتعمد الفعل ويخطئ في القصد، أو
يضرب بسوط لا يقتل مثله غالبا، أو يلكزه أو يلطمه لطما بليغا.
ففي ذلك الدية دون القود عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
إلا أن الشافعي وأحمد قالا: إن كرر الضرب حتى مات.
فعليه القود.
وقال مالك: بوجوب القود في ذلك.
واختلفوا فيما إذا أكره رجل رجلا على قتل آخر.
فقال أبو حنيفة: يقتل المكره دون المباشر.
وقال مالك وأحمد: يقتل المباشر.
وقال الشافعي: يقتل المكره - بكسر الراء - قولا واحدا.
وفي قتل المكره - بفتح الراء - قولان.
الراجح من مذهبه: أن عليهما القصاص جميعا.
فإن كافأه أحدهما فقط.
فالقصاص عليه.
واختلفوا في صفة المكره.
فقال مالك: إذا كان سلطانا أو متغلبا، أو سيدا مع عبده.
أقيد بهما جميعا، إلا أن يكون العبد أعجميا جاهلا بتحريم ذلك.
فلا يجب عليه القود.
وقال الباقون: يصح الاكراه من كل ذي يد عادية.
واختلفوا فيما إذا أمسك رجل رجلا فقتله آخر.
فقال أبو حنيفة والشافعي: القود على القاتل دون الممسك.
ولم يوجب على الممسك شيئا إلا التعزير.
وقال مالك: الممسك والقاتل شريكان في القتل.
فيجب عليهما القود إذا كان القاتل لا يمكنه قتله إلا بالامساك، وكان المقتول لا يقدر على الهرب بعد الامساك.
وقال أحمد في إحدى روايتيه: يقتل القاتل، ويحبس الممسك حتى يموت.
وفي الرواية الاخرى: يقتلان جميعا على الاطلاق.
فصل: لو شهدوا بالقتل، ثم رجعوا عن الشهادة بعد استيفاء القصاص، وقالوا: تعمدنا، أو جاء المشهود بقتله حيا.
قال أبو حنيفة: لاقود، بل يجب دية مغلظة.
وقال الشافعي: يجب القصاص.
وكذلك قال مالك في المشهور عنه.
واتفقوا على أنهم لو رجعوا، أو قالوا: أخطأنا، لم يجب عليهم قصاص.
وإنما

تجب دية.
واختلفوا في الواجب بقتل العمد: هل هو معين أم لا؟ فقال أبو حنيفة ومالك، في إحدى روايتيه: الواجب معين، وهو القود.
والرواية الاخرى: التخيير بين
الدية والقود.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: الواجب لا بعينه.
والثاني، وهو الصحيح: أن الواجب القصاص عينا، ولكن له العدول إلى الدية.
وإن لم يرض الجاني.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
وفائدة الخلاف في هذه المسألة: أنه إذا عفا مطلقا سقطت الدية.
ولو عفا الولي عن القصاص عاد إلى الدية بغير رضى الجاني.
وقال أبو حنيفة: ليس له العدول إلى المال إلا برضى الجاني.
وقال الشافعي وأحمد: له ذلك مطلقا.
وعن مالك روايتان.
كالمذهبين.
واتفقوا على أنه إذا عفا رجل من أولياء الدم سقط القصاص.
وانتقل الامر إلى الدية.
واختلفوا فيما إذا عفت المرأة.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يسقط القود.
واختلفت الرواية عن مالك في ذلك.
فنقل عنه: أنه لا مدخل للنساء في الدم.
ونقل عنه: أن لهن مدخل في الدماء كالرجال، إذا لم يكن في درجتهن عصبة.
فعلى هذا: ففي أي شئ لهن مدخل؟ عنه روايتان.
إحداهما: في القود دون العفو.
والثانية: في العفو دون القود.
واتفقوا على أن الاولياء البالغين المستحقين إذا حضروا وطلبوا القصاص لم يؤخر، إلا أن يكون الجاني امرأة حاملا، فتؤخر حتى تضع.
وعلى أنه إذا كان المستحقون صغارا، أو غائبين.
فإن القصاص يؤخر، إلا أبا حنيفة.
فإنه قال: في الصغار إذا كان لهم أب استوفى القصاص ولم يؤخر.
ولو كان من المستحقين صغار أو غائب أو مجنون.
فقد اتفق الائمة على أن القصاص يؤخر في مسألة الغائب.
ثم اختلفوا في الصغير والمجنون.
فقال أبو حنيفة ومالك: لا يؤخر القصاص لاجلهما.
وقال الشافعي: يؤخر القصاص حتى يفيق المجنون ويبلغ الصغير.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه يؤخر.
والثانية: لا يؤخر.
فصل: وليس للاب أن يستوفي القصاص لولده الكبير بالاتفاق.
وهل له أن يستوفيه لولده الصغير؟ قال أبو حنيفة ومالك: ليس له ذلك، سواء كان شريكا له أم لا،
وسواء كان في النفس أو الطرف.
وقال الشافعي وأحمد، في أظهر روايتيه: ليس له أن يستوفيه.
واختلفوا في الواحد يقتل الجماعة.
فقال أبو حنيفة ومالك: ليس عليه إلا القود لجماعتهم، ولا يجب عليه شئ آخر.
وقال الشافعي: إن قتل واحدا بعد واحد.
قتل

بالاول.
وللباقين الديات.
وإن قتلهم في حالة واحدة أقرع بين أولياء المقتولين.
فمن خرجت قرعته قتل له وللباقين الديات.
وقال أحمد: إذا قتل واحد جماعة.
فحضر الاولياء وطلبوا القصاص قتل لجماعتهم.
ولا دية عليه.
وإن طلب بعضهم القصاص وبعضهم الدية.
قتل لمن طلب القصاص.
ووجبت الدية لمن طلبها.
وإن طلبوا الدية كان لكل واحد دية كاملة.
فصل: ولو جنى رجل على رجل، فقطع يده اليمنى.
ثم على آخر، فقطع يده اليمنى، ثم طلبا منه القصاص.
فقال أبو حنيفة: تقطع يمينه بهما، وتؤخذ منه دية أخرى لهما.
وقال مالك: يقطع يمينه بهما.
ولا دية عليه.
وقال الشافعي: تقطع يمينه للاول ويغرم الدية للثاني.
فإن كان قطع يديهما معا أقرع بينهما، كما قال في النفس.
وكذا إن اشتبه الامر.
وقال أبو حنيفة: إن طلبا القصاص قطع لهما، ولا دية.
وإن طلب أحدهما القصاص وأحدهما الدية: قطع لمن طلب القصاص، وأخذت الدية للآخر.
ولو قتل متعمدا ثم مات.
قال أبو حنيفة ومالك: يسقط حق ولي الدم من القصاص والدية جميعا.
وقال الشافعي وأحمد: تبقى الدية في تركته لاولياء المقتول.
واتفقوا على أن الامام إذا قطع السارق، فسرى ذلك إلى نفسه: أنه لا ضمان عليه.
واختلفوا فيما إذا قطعه مقتص فسرى إلى نفسه.
فقال مالك والشافعي وأحمد: السراية غير مضمونة.
وقال أبو حنيفة: هي مضمونة تتحملها عاقلة المقتص.
ولو قطع ولي المقتول يد القاتل.
فقال أبو حنيفة: إن عفا عنه الولي غرم دية يده،
وإن لم يعف لم يلزمه شئ.
وقال مالك: تقطع يده بكل حال، عفا عنه الولي أو لم يعف.
وقال أحمد: يلزمه دية اليد في ماله بكل حال.
واتفقوا على أنه لا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا يمين بيسار، ولا يسار بيمين.
واختلفوا هل يستوفى القصاص فيما دون النفس قبل الاندمال أو بعده؟ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يستوفى إلا بعد الاندمال.
وقال الشافعي: يستوفى في الحال.
واختلفوا فيما يستوفى به القصاص من الآلة.
فقال أبو حنيفة: لا يستوفى إلا بالسيف.
سواء قتل به أو بغيره.
وقال مالك والشافعي: يقتل بمثل ما قتل به.
وعن أحمد روايتان، كالمذهبين.
واتفقوا على أن من قتل في الحرم جاز قتله.
واختلفوا فيمن قتل خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم، أو وجب عليه القتل لكفر أو زنى، أو وردة، ثم لجأ إلى الحرم.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يقتل فيه.
ولكن يضيق عليه، فلا يبايع ولا يشارى، حتى يخرج منه فيقتل.
وقال مالك والشافعي: يقتل في الحرم.
انتهى.

باب كيفية القصاص ومستوفيه، والخلاف فيه القصاص فيما دون النفس شيئان: جرح يشق.
وطرف يقطع.
والقصاص يجب فيما دون النفس من الجروح والاعضاء.
لقوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) *.
ولما روي: أن الربيع بنت معوذ - وقيل: بنت أنس - كسرت ثنية جارية من الانصار.
فعرضوا عليهم الارش، فلم يقبلوا.
وطلبوا العفو، فأبوا.
فأتوا النبي (ص).
فأمر بالقصاص.
فقال أنس بن النضر: والذي بعثك بالحق نبيا لا تكسر ثنيتها.
فقال النبي (ص): كتاب الله، القصاص.
فعفا القوم.
فقال (ص): إن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره.
ولان القصاص في النفس إنما جعل لحفظ النفوس.
وهذا موجود فيما دون النفس.
فعلى هذا: كل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما فيما دون النفس.
فتقطع يد الحر المسلم بيد الحر المسلم، ويد الكافر بيد الكافر، ويد المرأة بيد المرأة.
وهذا إجماع.
وتقطع يد المرأة بيد الرجل، ويد الرجل بيد المرأة، ويد العبد بيد الحر والعبد، على خلاف فيه.
والاطراف المقدرة إذا صدر الصلح على الدية فيها هي: الاول منها: الاذنان.
ففيهما - على المذهب، ولو من أصم دية واحدة - نصف دية.
وفي بعضه بقسطه، بقدر مساحته.
ولو أيبسهما فدية.
وفي قول: حكومة.
الثاني: العينان.
ففيهما دية.
وفي إحداهما نصفها.
ولو عين أحول وأعمش وأعشى وأخفش.
وكذا من بعينه بياض لا ينقص الضوء.
وكذا في القصاص.
فإن نقصت فبقسطه.
فإن لم ينضبط فحكومة.
الثالث: الاجفان الاربعة.
وفيها دية.
وفي كل جفن ربعها، ولو من أعمى وأعمش.
وفي بعضه بقسطه.
وفي يابس: حكومة.
الرابع: الانف.
ففي الانف - وهو مالان من الانف - دية في كل من طرفيه، في المارن ثلث الدية.
وفي الحاجز حكومة.
وفيهما دية.
الخامس: الشفتان.
وفيهما دية.
وفي إحداهما: نصفها.
وفي بعضها بقسطه.
وهي في عرض الوجه: إلى الشدقين.
وفي طوله: من جوف الفم إلى ما يستر اللحية في

الاصح، ولو شق شفته ولم يبق منها شئ فحكومة، أو قطع مشقوقة فدية أو ناقصة فحكومة.
السادس: اللسان.
وفيه دية.
ولو ألكن ومبرسم وأرت وألثغ وطفل.
ولو بلغ الطفل في وقت النطق أو التحريك ولم يوجد.
فحكومة.
السابع: الاسنان.
وفي كل سن لذكر حر مسلم خمسة أبعرة، بشرط كونها أصلية
تامة مثغورة غير مقلقلة.
وفي سن زائدة حكومة.
ولو قلع سن صغير لم يثغر، ومضت مدة يتوقع فيها العود ولم تعد وفسد المنبت، وجب قصاص أو دية.
فإن مات قبل النبات فحكومة.
ولو قلع سن صغير فطلع بعضها ومات قبل أن يتم نباتها فحكومة.
الثامن: اللحيان.
وفيهما دية.
وفي إحداهما: نصفها.
والصحيح: أنه تكمل الدية في بسيط الاصابع.
وفي كل إصبع عشرة أبعرة.
وفي أنملة ثلثها، وفي أنملة إبهام نصفها.
التاسع: الرجلان.
وفيهما دية.
وفي إحداهما: نصفها.
والاعرج وكذا إن تعطل مشيها بكسر الفقار في الاصح.
العاشر: حلمتا المرأة.
وفيهما ديتها.
وفي إحداهما: نصفها.
والحلمة: المجتمع الناتئ على الثدي يخالف لونه لون الثدي غالبا وبجوانبها دارة على لونها.
وهي من الثدي، لا من الحلمة.
فلو قطع الثدي مع الحلمة لم يجز إلا دية.
ولو قطع مع الثدي جلدة الصدر وجبت حكومة في الجلد أيضا.
وفي حلمة الرجل حكومة.
وفي قول دية.
وفي حلمتي الخنثى حكومة على الاظهر.
الحادي عشر: الذكر.
وفيه دية.
ولو لشيخ وصغير وعنين وخصي وغيرهم.
وفي أشل حكومة.
ولو ضربه فشل، فدية، وحشفة كذلك.
وبعضها بقسطه منها.
وقيل من الذكر.
الثاني عشر: الانثيين.
وفيهما دية.
وفي إحداهما: نصفها.
الثالث عشر: الاليتان.
وفيهما دية.
وفي إحداهما: نصفها.
وفي بعضها بقسطه، إن عرف قدره وضبطه وإلا فحكومة.
والالية: الشئ الناتئ على استواء الظهر والفخذ.
ولا نظر إلى اختلاف قدره.
ولا يشترط وصول إلى العظم ولو نبتت الالية والتحم الموضع لم تسقط الدية على المذهب.
الرابع عشر: الشفران.
وهما اللحمان الملتقيان على المنفذ.
وفيهما دية.
وفي

أحدهما نصفها، ولو ضربهما فشلا فدية.
ولو قطع معهما عانتها فحكومة أيضا.
الخامس عشر: سلخ الجلد إن بقي حياة مستقرة وحز غير السالخ رقبته.
ففيه دية.
فلو قطع يداه وسلخ رجل الجلد، وزعت مساحة الجلد على جميع البدن.
فما خص اليدين حط من ديتهما.
وعلى هذا لو قطع يداه ثم سلخ آخر جلده.
لزم السالخ دية الجلد، إلا قسط اليدين.
وفي الترقوتين حكومة على المذهب، كالضلع وسائر العظام.
فصل في إزالة المنافع: الاول: العقل.
فيه دية لا قصاص.
فلو قطع يداه ورجلاه فزال عقله.
وجب ثلاث ديات.
وإن انتظم قوله وفعله صدق الجاني بيمينه، وإن لم ينتظم قوله وفعله فله دية بلا يمين.
الثاني: السمع.
وفيه دية.
ومن أذن: نصفها، ولو أزال أذنيه وسمعيه فديتان.
الثالث: البصر.
وفي إذهابه من العينين دية.
وفي إحداهما: نصفها، ولو من أحول وأعمش ونحوهما.
ولو فقأ عينيه لم يجب إلا دية.
ولا يقبل في إذهاب البصر عمدا إلا رجلان، أو خطأ فرجل وامرأتان.
وإن نقص ضوء العينين وعرف قدره فبقسط الذاهب من الدية، وإلا فحكومة عند الاكثر باجتهاد القاضي.
الرابع: الشم.
وفيه دية على الصحيح.
ومن منخر نصفها.
ولو قطع أنفه فذهب شمه وجبت ديتان.
فإن عاد استردت الدية.
فإن ادعى ذهابه وأنكر الجاني يزعج في خلواته.
فإن لم يظهر منه شئ حلف كأخرس.
وأديت دية.
وفي بعض الحروف: قسط من الدية.
والموزع عليه ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب.
فصل: والحكومة: جزء نسبته إلى دية النفس - وقيل: إلى عضو الجناية - نسبة نقصها من قيمته لو كان رقيقا بصفاته.
وجنسها إبل.
فإن كانت مقدرة شرط أن لا تبلع
مقدرة.
فإن بلغته نقص القاضي شيئا باجتهاده.
ويجوز أن تبلغ حكومة الكف دية إصبع في الاصح.
فصل: في نفس الرقيق: قيمته، ولو مدبرا ومكاتبا وأم ولد.
وفي غيرها ما نقص.
وإن لم تتقدر من الحر، وإلا فبنسبته من قيمته في الاظهر.
ففي يده: نصف قيمته.
وفي يديه: كلها، وفي ذكره وأنثييه: قيمتان.

وهكذا.
فلو لم تنقص القيمة بقطع الذكر والانثيين أو ازدادت لم يجب شئ في الاصح.
باب موجبات الدية، والعاقلة، والكفارة العقل اسم للدية.
وسميت الدية العقل لانها تعقل بباب ولي المقتول.
والعصبة الذين يتحملون الدية يسمون العاقلة وإنما سموا بذلك، لانهم يأتون بالدية فيعقلونها عند باب ولي المقتول.
وقيل: لانهم يمنعون من القاتل.
والعقل المنع.
ولذلك سمي العقل عقلا، لانه يمنع صاحبه من فعل القبيح.
والاصل في وجوب الكفارة في القتل: قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) * فذكر الله تعالى في الآية ثلاث كفارات.
إحداهن: إذا قتل مسلما في دار الاسلام.
لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة) *.
الثانية: إذا قتل مؤمنا في دار الحرب، بأن كان أسيرا في صفهم، أو مقيما
باختياره، لقوله تعالى: * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) * ومعناه: في قوم عدو لكم.
وقد تقدم بيانه.
الثالثة: إذا قتل ذميا، لقوله تعالى: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * وظاهر الآية: أنه ليس له أن يقتله عمدا، وله أن يقتله خطأ.
لان الاستثناء من النفي إثبات.
قال الشيخ أبو حامد: ولا خلاف بين أهل العلم أن قتل الخطأ محرم كقتل العمد، إلا أن قتل العمد يتعلق به الاثم، وقتل الخطأ لا إثم عليه.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما إذا صاح بصبي أو معتوه، وهما على سطح أو حائط.
فوقع فمات.
أو ذهب عقل الصبي، أو عقل البالغ.
فصاح به فسقط.
وإذا بعث الامام إلى امرأة يستدعيها إلى مجلس الحكم.
فأجهضت جنينا فزعا، أو زال عقلها.

فقال أبو حنيفة: لا ضمان في شئ من ذلك على أحد.
وقال الشافعي: الدية في ذلك كله على العاقلة، إلا في حق البالغ.
فإنه لا ضمان على العاقلة فيه.
ومن أصحابه من أوجب أيضا الضمان فيه.
وهو ابن أبي هريرة.
وقال أحمد: الدية في ذلك كله على العاقلة.
وعلى الامام في حق المستدعاة.
وقال مالك: الدية في ذلك كله على العاقلة، ما عدا المرأة.
فإنه لا دية فيها على أحد.
واختلفوا في المرأة إذا ضرب أحد بطنها، فألقت جنينا ميتا، ثم ماتت.
فقال أبو حنيفة ومالك: لا ضمان لاجل الجنين.
وعلى من ضربها الدية.
وقال الشافعي وأحمد: في ذلك الدية كاملة.
وغرة الجنين.
واختلفوا في قيمة جنين الامة إذا كان مملوكا.
فقال مالك والشافعي وأحمد: فيه
عشر قيمة أمه، سواء كان ذكرا أو أنثى.
وتعتبر قيمة الام يوم جني عليها.
وأما جنين أم الولد من مولاها: ففيه غرة، تكون قيمتها نصف عشر دية الاب.
وكذلك في جنين الذمية إذا كان أبوه مسلما ولجنين الكتابية إذا كان أبوه مجوسيا قيمتها نصف عشر قيمته.
وفي الانثى العشر ويعرف عشر دية الام اعتبارا بأوفى الديتين.
وقال أبو حنيفة: في الذكر نصف عشر قيمته.
وفي الانثى: العشر.
ولم يفرق.
واختلفوا فيمن حفر بئرا في فناء داره.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يضمن ما هلك فيها.
وقال مالك: لا ضمان عليه.
واختلفوا فيمن بسط بارية في المسجد، أو حفر فيه بئرا لمصلحته، أو علق قنديلا، فعطب بذلك أو بشئ منه إنسان.
فقال أبو حنيفة: إذا لم يأذن له الجيران في ذلك ضمن.
وعن الشافعي في الضمان وإسقاط قولان.
أظهرهما: أنه لا ضمان.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما لا ضمان عليه.
وهي أظهرهما.
والاخرى: يضمن.
ولا خلاف أنه لو بسط فيه الحصير.
فزلق به إنسان، أنه لا ضمار عليه.
واختلفوا فيما إذا ترك في داره كلبا عقورا، فدخل في داره إنسان، وقد علم أن ثم كلبا عقورا فعقره.
فقال أبو حنيفة والشافعي: لا ضمان عليه على الاطلاق.
وقال مالك: عليه الضمان، بشرط: أن لا يكون صاحب الدار يعلم أنه عقور.
وقال أحمد في إحدى روايتيه، وهي أظهرهما: لا ضمان عليه.
والرواية الاخرى: يضمن، سواء علم أنه عقور أم لا.

فصل: واتفقوا على أن الدية في قتل الخطأ على عاقلة الجاني.
وأنها تجب عليهم مؤجلة في ثلاث سنين.
واختلفوا: هل يدخل الجاني مع العاقلة فيؤدي معهم؟ فقال أبو حنيفة: هو كأحد العاقلة، يلزمه ما يلزم أحدهم.
واختلف أصحاب مالك.
فقال ابن القاسم كقول أبي حنيفة.
وقال غيره: لا يدخل الجاني مع العاقلة.
وقال الشافعي: إن اتسعت العاقلة أو لم تتسع، وعلى هذا: إذا لم تتسع العاقلة لتحمل جميع الدية، انتقل ذلك إلى بيت المال.
وإن كان الجاني من أهل الديوان.
فهل يلحق أهل ديوانه بالعصبة في الدم أم لا؟ قال أبو حنيفة: ديوانه عاقلته، ويقدمون على العصبة في التحمل.
فإن عدموا فحينئذ تتحمل العصبة.
وكذا عاقلة السوقي أهل سوقه، ثم قرابته.
فإن عجزوا فأهل محلته.
فإن لم تتسع فأهل بلدته.
وإن كان الجاني من أهل القرى ولم يتسع، فالمصر الذي يلي تلك القرية من سواده.
وقال مالك والشافعي وأحمد: لا مدخل لهم في الدية إذا لم يكونوا أقارب الجاني.
واختلفوا فيما تحمله العاقلة من الدية.
هل هو مقدر.
أم هو على قدر الطاقة والاجتهاد؟ فقال أبو حنيفة: يسوى بين جميعهم.
فيؤخذ من ثلاثة دراهم إلى أربعة.
وقال مالك وأحمد: ليس فيه مؤقت، وإنما هو بحسب التسهيل، ولا يضر به.
وقال الشافعي: يتقدر، فيوضع على الغني نصف دينار، وعلى متوسط الحال ربع دينار، ولا ينقص من ذلك.
وهل يستوي الفقير والغني من العاقلة في تحمل الدية أم لا؟ قال أبو حنيفة: يستويان.
وقال مالك والشافعي وأحمد: يتحمل الغني زيادة على المتوسط.
والغائب من العاقلة: هل يحمل شيئا من الديات كالحاضر أم لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: هما سواء.
وقال مالك: لا يتحمل الغائب مع الحاضر شيئا إذا كان الغائب من العاقلة في إقليم آخر سوى الاقليم الذي فيه بقية العاقلة.
ويضم إليهم أقرب القبائل ممن هو محارب معهم.
وعن الشافعي كالمذهبين.
واختلفوا في ترتيب التحمل.
فقال أبو حنيفة: القريب والبعيد فيه سواء.
وقال الشافعي وأحمد: ترتيب التحمل على ترتيب الاقرب من العصبات.
فإن استغرقوه لم يقسم على غيرهم.
فإن لم يتسع الاقرب لتحمله، دخل الابعد.
وهكذا حتى يدخل فيهم
أبعدهم درجة على حسب الميراث.
وابتداء حول العقل: هل يعتبر بالموت أو بحكم

الحاكم؟ قال أبو حنيفة: اعتباره من حين حكم الحاكم.
وقال مالك والشافعي وأحمد: من حين الموت.
ومن مات من العاقلة بعد الحول: هل يسقط ما كان يلزمه أم لا؟ قال أبو حنيفة: يسقط ولا يؤخذ من تركته.
وأما مذهب مالك: فقال ابن القاسم: يجب في ماله ويؤخذ من تركته.
وقال الشافعي وأحمد في إحدى روايتيه: ينتقل ما عليه إلى تركته.
فصل: إذا مال حائط إنسان إلى طريق، أو إلى ملك غيره، ثم وقع على شخص فقتله.
فقال أبو حنيفة: إن طولب بالنقض فلم يفعل مع التمكن.
ضمن ما تلف بسببه، وإلا فلا يضمن.
وقال مالك وأحمد، في إحدى روايتيهما: إن تقدم إليه بنقضه فلم ينقضه.
فعليه الضمان.
زاد مالك: وأشهد عليه.
وعن مالك رواية أخرى: أنه إذا بلغ من شدة الخوف إلى ما لا يؤمن معه الاتلاف: ضمن ما تلف به، سواء تقدم أم لا، وسواء أشهد أم لا.
وعن أحمد: رواية أخرى، وهي المشهورة: أنه لا يضمن مطلقا.
ولاصحاب الشافعي في الضمان وجهان.
أصحهما: أنه لا يضمن.
فصل: واتفقوا على وجوب الكفارة في قتل الخطأ، إذا لم يكن المقتول ذميا ولا عبدا.
واختلفوا فيما إذا كان ذميا أو عبدا.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: تجب الكفارة في قتل الذمي على الاطلاق وفي قتل العبد المسلم على المشهور.
وقال مالك: لا تجب الكفارة في قتل الذمي.
وهل تجب في قتل العمد؟ قال أبو حنيفة ومالك: لا تجب.
وقال الشافعي: تجب.
وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
ولو قتل الكافر مسلما خطأ.
فقال الشافعي وأحمد: تجب عليه الكفارة له.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا كفارة عليه.
وهل تجب الكفارة على الصبي والمجنون إذا قتلا؟ قال مالك والشافعي وأحمد:
تجب.
وقال أبو حنيفة: لا تجب.
واتفقوا على أن كفارة الخطأ عتق رقبة مؤمنة.
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
واختلفوا في الاطعام.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في إحدى روايتيه: لا يجزئ الاطعام في ذلك.
والرواية الاخرى عن أحمد: أنه يجزئ.
وللشافعي قولان.
أصحهما: أنه لا إطعام.
وهل تجب الكفارة على القاتل بسبب تعديه، كحفر البئر، ونصب السكين، ووضع الحجر في الطريق؟ قال مالك والشافعي وأحمد: تجب.
وقال أبو حنيفة: لا تجب مطلقا.
وإن كانوا قد أجمعوا على وجوب الدية في ذلك.
انتهى.

كتاب الديات وما يتعلق بها من الاحكام تجب الدية بقتل المسلم والذمي.
والاصل فيه من الكتاب قوله تعالى: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) * وقد تقدم بيانها.
ومن السنة: ما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن النبي (ص): كتب إلى أهل اليمين: وفي النفس مائة من الابل وهو إجماع لا خلاف فيه.
فإن كانت الدية في العمد المحض، أو في شبه العمد: وجبت مائة مغلظة.
وهي: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، والخلفة الحامل.
بدليل ما روى عبادة
ابن الصامت رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: ألا إن في الدية العظمى: مائة من الابل، منها أربعون خلفة، في بطونها أولادها.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: دية شبه العمد: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة.
فإن قيل: فما معنى قوله: منها أربعون خلفة، في بطونها أولادها وقد علم أن الخلفة لا تكون إلا حاملا؟ قلنا: له تأويلان.

أحدهما: أنه أراد التأكيد في الكلام.
وذلك جائز.
كقوله تعالى: * (فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة) *.
والثاني: أن الخلفة اسم للحامل التي لم تضع.
واسم للتي وضعت ويتبعها ولدها.
فأراد أن يميز بينهما.
وإن كانت الجناية خطأ، ولم يكن القتل في الحرم، ولا في الاشهر الحرم، ولا كان المقتول ذا رحم محرم للقاتل: فإن الدية تكون مخففة أخماسا.
وهي مائة من الابل: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
بدليل ما روى مجاهد عن ابن مسعود أن النبي (ص) قضى بدية الخطأ مائة من الابل: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.
وإن كان قتل الخطأ في الحرم، أو في الاشهر الحرم - وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم - أو كان المقتول ذا رحم محرم للقاتل: كانت دية الخطأ مغلظة، كدية العمد.
بدليل: أن الصحابة رضي الله عنهم غلظوا في دية الخطأ في هذه المواضع الثلاثة.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: من قتل في الحرم، أو في الاشهر الحرم، أو ذا رحم محرم.
فعليه دية وثلث.
وروي عن عثمان رضي الله عنه: أن امرأة وطئت في الطواف فماتت.
فقضى: أن ديتها ستة آلاف درهم.
وألفا درهم للحرم.
وروى ابن جبير: أن رجلا قتل رجلا في البلد الحرام في الشهر الحرام.
فقال ابن عباس: ديته اثنا عشر ألف درهم، وأربعة آلاف، تغليظا للشهر الحرام، وأربعة آلاف للبلد الحرام فكملها عشرين ألفا.
ولا مخالف لهم من الصحابة.
وإن قتل خطأ في حرم المدينة.
فهل تتغلظ الدية؟ فيه وجهان.
أحدهما: تغلظ كما تغلظ في البلد الحرام.
فإنه كالحرم في تحريم الصيد.
فكان كالحرم في تغليظ دية الخطأ.
والثاني: لا تغلظ - وهو الاصح - لانه دون الحرم.
بدليل: أنه يجوز قصده بغير إحرام.
فلم يلحق به في الحرمة ولا في تغليظ الدية.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن دية المسلم الحر الذكر: مائة من الابل في مال القاتل العامد إذا عدل إلى الدية.
ثم اختلفوا هل هي مؤجلة في ثلاث سنين؟ واختلفوا في دية العمل.
فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه: هي أرباع.
لكل سن من أسنان الابل منها: خمس وعشرون بنت مخاض، ومثلها بنت لبون، ومثلها حقاق، ومثلها جذاع.
وقال الشافعي: تؤخذ مثلثة: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة.
أي حوامل.
وبه قال أحمد في روايته الاخرى.
وأما دية شبه العمد: فهي مثل دية العمد المحض عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
واختلفت الرواية عن مالك في ذلك.
وأما دية الخطأ: فقال أبو حنيفة وأحمد: هي مخمسة: عشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت مخاض.
وبذلك قال مالك والشافعي، إلا أنهما جعلا مكان ابن مخاض، ابن لبون.
فصل: واختلفوا في الدنانير والدراهم.
هل يجوز أن تؤخذ في الديات أم لا؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: يجوز أخذها في الديات، مع وجود الابل.
وعنهما روايتان.
وهل هي أصل بنفسها، أم الاصل الابل والذهب.
والدراهم والفضة بدل عنها؟ قال مالك: هي أصل بنفسها، مقدرة بالشرع.
ولم يعتبرها بالابل.
وقال الشافعي: لا يعدل عن الابل إذا وجدت إلا بالتراضي.
فإن أعوزت فعنه قولان.
الجديد الراجح: أنه يعدل إلى قيمتها حين القبض، زائدة أو ناقصة والقديم المعمول به ضرورة: يعدل إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم.
واختلفوا في مبلغ الدية من الدراهم.
فقال أبو حنيفة: عشرة آلاف درهم.
واختلفوا في البقر والغنم: هل لها أصل في الدية، أم تؤخذ على وجه القيمة؟ قال أحمد: البقر والغنم أصل مقدر فيها.
فمن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألفا شاة.
واختلفت الرواية عنه أنها ليست ببدل.
واختلفوا فيما إذا قتل في الحرم، أو قتل وهو محرم، أو في شهر حرام، أو قتل ذا رحم محرم: هل تغلظ الدية في ذلك؟

فقال أبو حنيفة: لا تغلظ الدية في شئ من ذلك.
وقال مالك: تغلظ في قتل الرجل ولده فقط.
والتغليظ: أن تؤخذ الابل أثلاثا: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة.
وعن مالك: في الذهب والفضة روايتان.
إحداهما: لا تغلظ الدية فيهما.
والاخرى: تغلظ.
وفي صفة تغليظها عنه روايتان.
أشهرهما: أنه يلزم من الذهب والورق قيمة الابل
المغلظة بالغة ما بلغت.
وقال الشافعي: تغلظ في الحرم والمحرم والاشهر الحرم.
وقيل: تغلظ في الاحرام.
ولاصحابه وجهان.
أظهرهما: لا تغلظ.
ولا تغلظ عنده إلا في الابل.
وأما الذهب والورق: فلا يدخل التغليظ فيه.
وصفة التغليظ عنده: أن تكون بأسنان الابل فقط.
وقال أحمد: تغلظ الدية.
وصفة التغليظ، إن كان الضمان بالذهب والفضة: فبزيادة القدر.
وهو ثلث الدية نصا عنه.
وإن كان بالابل، فقياس مذهبه: أنه كالاثمان.
وأنها مغلظة بزيادة القدر لا بالسن.
واختلف الشافعي وأحمد: هل يتداخل تغليظ الدية أم لا؟ مثاله: قتل في شهر حرام في الحرم ذا رحم محرم.
فقال الشافعي: يتداخل ويكون التغليظ فيهما واحدا.
وقال أحمد: لا يتداخل، بل لكل واحد من ذلك ثلث الدية.
واتفقوا على أن الجروح قصاص في كل ما يتأتى فيه القصاص.
وأما ما لا يتأتى فيه القصاص.
وهو عشرة: الحارصة.
وهي التي تشق الجلد.
والدامية: وهي التي تخرج الدم.
والباضعة: وهي التي تشق اللحم.
والمتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم.
والسمحاق: وهي التي يبقى بينها وبين العظم قشرة رقيقة.
فهذه الجروح الخمسة ليس فيها مقدر شرعي باتفاق الاربعة، إلا ما روى أحمد: أن زيدا رضي الله عنه حكم في الدامية ببعير.
وفي الباضعة ببعيرين.
وفي المتلاحمة بثلاثة أبعرة.
وفي السمحاق بأربعة أبعرة قال أحمد: وأنا أذهب إلى ذلك.
فهذه رواية عنه.
والظاهر من مذهبه كالجماعة.
وأجمعوا على أن في كل واحدة من هذه الخمسة حكومة بعد الاندمال.
والحكومة: أن يقوم المجني عليه قبل الجناية كأنه كان عبدا.
فيقال: كم قيمته قبل الجناية؟ وكم قيمته بعدها؟ فيكون له بقدر التفاوت من ديته.

فصل: وأما الخمسة التي فيها مقدر شرعي، فهي: الموضحة.
وهي التي توضح عن العظم.
فإذا كانت في الوجه: ففيها خمس من الابل عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه.
وفي الرواية الاخرى: فيها عشر.
وقال مالك: في موضحة الانف واللحى الاسفل حكومة خاصة.
وباقي المواضع من الوجه فيها خمس من الابل.
وإن كانت في الرأس: فهل هي بمنزلة الموضحة في الوجه أم لا؟ قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: هي بمنزلتها.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما كالجماعة.
والثانية: إن كانت في الوجه ففيها عشر، وإن كانت في الرأس ففيها خمس.
وأجمعوا على أن في الموضحة القصاص إن كان عمدا.
الثانية: الهاشمة.
وهي التي تهشم العظم وتكسره.
وفيها عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد: عشر من الابل، واختلفت الرواية عن مالك في ذلك، فقيل: خمس وحكومة.
وقيل: خمسة عشر.
وقال أشهب: فيها عشر، كمذهب الجماعة.
الثالثة: المنقلة.
وهي التي توضح وتهشم وتنقل العظام.
وفيها خمسة عشر من الابل بالاجماع.
الرابعة: المأمومة.
وهي التي تبلغ أم الرأس، وهي خريطة الدماغ المحيطة به.
وفيها ثلث الدية، ثلاثة وثلاثون وثلث من الابل.
الخامسة: الجائفة.
وهي التي تصل إلى الجوف، كبطن وصدر، وثغرة نحر، وجنب، وخاصرة.
وفيها ثلث الدية بالاجماع.
واتفقوا على أن العين بالعين، والانف بالانف، والاذن بالاذن، والسن بالسن.
وعلى أن في العينين دية كاملة.
وفي الانف إذا جدع الدية.
وفي اللسان الدية.
وفي الشفتين الدية.
وفي مجموع الاسنان - وهي اثنان وثلاثون سنا - الدية.
وفي كل سن
خمسة أبعرة.
وفي اللحييين الدية وفي لحي إن نبتت الاخرى نصفها.
واستشكل وجوب الدية في اللحيين صاحب التتمة من الشافعية.
لانه لم يرد فيه خبر.
والقياس لا يقتضيه.
بل هو كالترقوة والضلع.
بل هو من العظام الداخلة.
وفي الاذنين: الدية عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
وعند مالك روايتان، إحداهما: كالجماعة، والثانية: حكومة.

واتفقوا على أن في الاجفان الاربعة الدية، في كل واحد ربع، إلا مالكا.
فإنه قال: فيها حكومة.
واختلفوا في العين القائمة التي لا يبصر بها، واليد الشلاء، والذكر الاشل، وذكر الخصي، ولسان الاخرس، والاصبع الزائدة، والسن السوداء.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: في أظهر قوليه فيها حكومة.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما فيها الدية.
والاخرى كالجماعة.
واختلفوا في الترقوة والضلع، والذراع، والساعد، والزند والفخذ.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: في ذلك حكومة.
وقال أحمد: في الضلع بعير، وفي الترقوة بعير، وفي كل واحد من الذراع والساعد والزند والفخذ بعيران، ففي الزندين أربعة أبعرة.
واختلفوا فيما لو ضر به فأوضحه فذهب عقله، فهل تنتقل الموضحة في دية العقل أم لا؟ فقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه: عليه الدية للعقل ويدخل في ذلك أرش الموضحة.
والقول الآخر للشافعي - وهو الاصح عند أصحابه - أن عليه لذهاب العقل دية كاملة.
وعليه أرش الموضحة.
وهذا مذهب مالك وأحمد.
واختلفوا فيما إذا قلع سن من قد ثغر.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجب عليه الضمان.
وقال مالك: بوجوبه وبعدم سقوطه بعودها.
وللشافعي قولان، أصحهما: الوجوب وعدم السقوط.
ولو ضرب سن رجل فاسودت.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى روايتيه: يجب أرش سن خمس من الابل.
والرواية الاخرى: ثلث دية السن.
وزاد مالك على ذلك، فقال: إن وقعت السن السوداء بعد ذلك لزمه دية أخرى وقال في ذلك حكومة فقط.
واختلفوا فيما إذا قطع لسان صبي لم يبلغ حد النطق.
فقال أبو حنيفة: فيه حكومة.
وقال مالك وأحمد: فيه دية كاملة.
ولو قلع عين أعور.
فقال مالك وأحمد: يلزمه دية كاملة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يجب القصاص.
فإن عفا فنصف دية.
وقال مالك: ليس له القصاص.
وهل له دية كاملة، أو نصفها؟ عنه في ذلك روايتان.
وقال أحمد: لا قصاص، بل دية كاملة.
وفي اليدين الدية، في كل واحدة نصفها بالاجماع.
وكذا الامر في الرجلين.
وأجمعوا على أن في اللسان الدية.
وأن في الذكر الدية، وأن في ذهاب العقل دية، وفي ذهاب السمع دية.

وإذا ضرب رجل رجلا فذهب شعر لحيته فلم ينبت، أو ذهب شعر رأسه، أو شعر حاجبه، أو أهداب عينيه فلم تعد.
قال أبو حنيفة وأحمد: في ذلك الدية.
وقال الشافعي ومالك: فيه حكومة.
وأجمعوا على أن دية المرأة الحرة المسلمة في نفسها: على النصف من دية الرجل الحر المسلم.
ثم اختلفوا: هل تساويه في الجراح أم لا؟ فقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: لا تساويه في شئ من الجراح، بل جراحها على النصف من جراحه في القليل والكثير.
وقال مالك والشافعي في القديم، وأحمد في إحدى روايتيه: تساويه في الجراح فيما دون ثلث الدية.
فإذا بلغت الثلث كانت دية جراحها على النصف من دية الرجل.
وقال أحمد في الرواية الاخرى، وهي أظهر
روايتيه، واختارها الخرقي: تساويه إلى ثلث الدية.
فإذا زادت على الثلث فهي على النصف.
ولو وطئ زوجته وليس مثلها يوطأ فأفضاها.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا ضمان عليه.
وقال الشافعي: عليه الدية.
وعن مالك روايتان.
أشهرهما: فيه حكومة.
والاخرى دية.
واختلفوا في دية الكتابي اليهودي والنصراني.
فقال أبو حنيفة: ديته كدية المسلم في العمد والخطأ من غير فرق.
وقال أحمد: إن كان للنصراني أو اليهودي عهد وقتله مسلم عمدا، فديته كدية المسلم.
وإن قتله خطأ فروايتان.
إحداهما: نصف دية المسلم.
واختارها الخرقي.
والثاني: دية مسلم.
فصل: والمجوسي: ديته عند أبي حنيفة كدية المسلم في العمد والخطأ من غير فرق.
وقال مالك والشافعي: دية المجوسي في الخطأ ثمانمائة درهم.
وفي العمد ألف وستمائة.
واختلفوا في ديات الكتابيات والمجوسيات.
فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: دياتهن على النصف من ديات رجالهن.
لا فرق بين الخطأ والعمد.
وقال أحمد: على النصف في الخطأ، وفي العمد كالرجل منهم سواء.
فصل: وإذا جنى العبد جناية.
فتارة تكون خطأ.
وتارة تكون عمدا.
فإن كانت خطأ فقد اختلف الائمة رحمهم الله تعالى في ذلك.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في أظهر روايتيه: المولى بالخيار بين الفداء.
وبين

دفع العبد إلى ولي المجني عليه.
فيملكه بذلك.
سواء زادت قيمته على أرش الجناية، أو نقصت.
فإن امتنع ولي المجني عليه من قبوله، وطالب المولى ببيعه ودفع القيمة في الارش لم يجبر المولى على ذلك.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الاخرى: المولى بالخيار بين الفداء وبين الدفع إلى الولي للبيع.
فإن فضل من ثمنه شئ فهو لسيده.
فإن امتنع الولي من قبوله وطالب المولى ببيعه ودفع الثمن إليه كان له ذلك.
وإن كانت الجناية عمدا.
قال أبو حنيفة والشافعي في أظهر روايتيه: ولي المجني عليه بالخيار بين القصاص وبين العفو على مال.
وليس له العفو على رقبة العبد، أو استرقاقه.
ولا يملكه بالجناية.
وقال مالك وأحمد في الرواية الاخرى: يملكه المجني عليه بالجناية.
فإن شاء قتله.
وإن شاء استرقه، وإن شاء أعتقه.
ويكون في جميع ذلك متصرفا في ملكه.
إلا أن مالكا اشترط أن تكون الجناية قد ثبتت بالبينة، لا بالاعتراف.
وهل يضمن العبد بقيمته بالغة ما بلغت، وإن زادت على دية الحر، أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا يبلغ به دية الحر، بل ينقص عشرة آلاف درهم.
وقال مالك والشافعي وأحمد في أظهر روايتيه: يضمن بقيمته بالغة ما بلغت.
والحر إذا قتل عبدا خطأ.
قال أبو حنيفة: قيمته على عاقله الجاني.
وقال مالك وأحمد: قيمته على الجاني دون عاقلته.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: كمذهب مالك وأحمد.
والثاني: على عاقلة الجاني.
واختلفوا في الجناية على أطراف العبد.
فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: كل ذلك في مال الجاني، لا على عاقلته.
وللشافعي قولان.
والجنايات التي لها أروش مقدرة في حق الحر، كيف الحكم في مثلها في العبد؟ قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد، في إحدى روايتيه: كل جناية لها أرش مقدر في الحر من الدية فإنها مقدرة من العبد بذلك الارش من قيمته.
وقال مالك وأحمد، في الرواية الاخرى: يضمن ما نقص من قيمته.
وزاد مالك، فقال: إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة.
فإن مذهبه فيها كمذهب الجماعة.
فصل: وإذا اصطدم الفارسان الحران فماتا.
قال مالك وأحمد: على عاقلة كل
واحد منهما دية الآخر كاملة.
واختلفت الرواية عن أبي حنيفة.
فقال الدامغاني: فيها روايتان، إحداهما كمذهب مالك وأحمد.
والاخرى: على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر.
وهذا مذهب الشافعي.
قال: وفي تركة كل واحد نصف قيمة دابة الآخر.
وله

قول آخر: أن هلاكهما وهلاك الدابتين: يكون هدرا.
لانه لا صنع لهما فيه.
كالآفة السماوية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب دعوى الدم والقسامة روي عن النبي (ص) أنه قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة.
ومدعي الدم: ينبغي أن يعين من يدعي عليه، من واحد أو جماعة.
والقتل في محل اللوث يقتضي القسامة.
واللوث قرينة حال توقع في القلب صدق المدعي، مثل أن يوجد قتيل في قبيلة أو قرية صغيرة، بين المقتول وبين أهلها عداوة ظاهرة.
فهو لوث في حقهم.
وكذا لو تفرق جماعة عن قتيل في دار، أو مسجد، أو بستان، أو ازدحم قوم على بئر، ثم تفرقوا عن قتيل.
ومعنى القسامة: أن يحلف المدعي على القتل الذي يدعيه خمسين يمينا.
وكيفية اليمين، كما في سائر الدعاوى.
وإذا مات قام وارثه مقامه.
ويستأنف الوارث.
وإن كانوا جماعة: وزعت الخمسين عليهم على قدر مواريثهم، ويجبر الكسر في اليمين.
وإذا أقسم المدعي على قتل الخطأ أو شبه العمد: أخذ الدية من العاقلة.
وإن حلف على العمد فيقتص من المقسم عليه.
وإذا حلف على ثلاثة: أخذ من كل منهم ثلث الدية.
وإن كان واحد منهم حاضرا والآخران غائبين، حلف على الحاضر خمسين يمينا وأخذ منه ثلث الدية.
فإذا حضر الآخران حلف عليهما خمسين يمينا وأخذ منهما الثلثين،
على خلاف فيه.
وقال شمس الائمة أبو بكر بن محمد بن سهل السرخسي - رحمه الله من أصحاب أبي حنيفة في المبسوط - إذا وجد الرجل قتيلا في محلة قوم: فعليهم أن يقسم منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ثم يغرمون الدية.
قال: بلغنا هذا عن رسول الله (ص).
وفيه أحاديث مشهورة.
منها: حديث سهل ابن أبي حثمة بن عبد الله وعبد الرحمن بن سهل، وحويصة ومحيصة وهو، أنهم خرجوا في التجارة إلى خيبر، وتفرقوا

لحوائجهم.
فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر.
فجاؤوا إلى النبي (ص) ليخبروه.
فقام عبد الرحمن - وهو أخو القتيل - فقال رسول الله (ص): الكبر الكبر.
فتكلم أحد عميه حويصة، أو محيصة.
وهو الاكبر منهما.
وأخبر بذلك فقال: ومن قتله؟ فقالوا: من يقتله سوى اليهود؟ قال: يبرئكم اليهود بأيمان خمسين منهم.
قالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار، لا يبالون ما حلفوا عليه.
فقال عليه الصلاة والسلام: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ فقالوا: كيف نحلف على أمر لم يعاين ولم يشاهد؟ قال: فألزم رسول الله (ص) اليهود الدية والقسامة.
وذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله (ص) كتب إلى أهل خيبر: إن هذا قتيل قد وجد بين أظهركم.
فما الذي يخرجه عليكم؟ فكتبوا إليه: إن مثل هذه الحادثة وقعت في بني إسرائيل.
فأنزل الله على موسى أمرا.
فإن كنت نبيا فاسأل الله مثل ذلك.
فكتب إليهم: إن الله تعالى أراني أن أختار منكم خمسين رجلا.
فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا، ثم يغرمون الدية.
فقالوا: قد قضيت فينا بالناموس - يعني بالوحي.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة رحمهم الله تعالى على أن القسامة مشروعة في القتل إذا وجد قتيل ولم
يعلم قائله.
واختلفوا في السبب الموجب للقسامة.
فقال أبو حنيفة: الموجب للقسامة وجود القتيل في موضع هو حفظ قوم أو حمايتهم، كالمحلة والدار، ومسجد المحلة والقرية.
فإنه يوجب القسامة على أهلها.
لكن القتيل الذي يشرع فيه القسامة اسم لميت به أثر من جراحة، أو ضرب، أو خنق.
ولو كان الدم يخرج من أنفه ودبره فليس بقتيل.
ولو خرج من أذنه وعينه فهو قتيل فيه القسامة.
وقال مالك: السبب المعتبر في القسامة: أن يقول المقتول: دمي عند فلان عمدا.

ويكون المقتول بالغا مسلما حرا، سواء كان فاسقا أو عدلا، ذكرا أو أنثى.
أو يقوم لاولياء المقتول شاهد واحد.
واختلف أصحابه في اشتراط عدالة الشاهد وذكوريته.
فشرطها ابن القاسم.
واكتفى أشهب بالفاسق والمرأة.
ومن الاسباب الموجبة للقسامة عند مالك، من غير خلاف عنه: أن يوجد المقتول في مكان خال من الناس.
وعلى رأسه رجل معه سلاح مخضب بالدم.
وقال: السبب الموجب للقسامة اللوث.
وهو عنده قرينة لصدق المدعي، بأن يرى قتيل في محله، أو قرية صغيرة، وبينه وبينهم عداوة ظاهرة، أو تفرق جمع عن قتيل، وإن لم يكن بينهم وبينه عداوة.
وشهادة العدل عنده لوث.
وكذا عبيد ونساء وصبيان.
وكذا فسقة وكفار، على الراجح من مذهبه، لا امرأة واحدة.
ومن أقسام اللوث عنده: لهج ألسنة العام والخاص بأن فلانا قتل فلانا.
ومن اللوث: وجود الرجل ملطخا بالدماء بيده سلاح عند القتيل.
ومنه يزدحم الناس بموضع، أو في باب فيوجد بينهم قتيل.
قال أحمد: لا يحكم بالقسامة، إلا أن يكون بين المقتول وبين المدعى عليه لوث.
واختلفت الرواية عنه في اللوث.
فروي عنه: أنه العداوة الظاهرة، والعصبية خاصة، كما بين القبائل من المطالبة بالدماء.
وكما بين أهل البغي وأهل العدل.
وهذا قول عامة أصحابه.
وأما دعوى المقتول: أن فلانا قتلني: فلا يكون لوثا، إلا عند مالك.
فصل: وإذا وجد المقتضي للقسامة عند كل واحد من الائمة حلف المدعون على قاتله خمسين يمينا، واستحقوا دمه إذا كان القتل عمدا عند مالك وأحمد.
وعلى القديم من قولي الشافعي.
وقال الشافعي في الجديد: يستحق دية مغلظة.
واختلفوا: هل يبدأ بأيمان المدعين في القسامة، أم بأيمان المدعى عليهم؟ قال الشافعي وأحمد: بأيمان المدعين.
فإن نكل المدعون ولا بينة، حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ.
وقال مالك: يبدأ بأيمان المدعين.
واختلفت الرواية في الحكم إن نكلوا.
ففي رواية: يبطل الدم، ولا قسامة.
وفي رواية: يحلف المدعى عليه إن كان رجلا بعينه حلف وبرئ.
وإن نكل لزمته الدية في ماله، ولا يلزم العاقلة منها شئ.
لان النكول عنده كالاعتراف، والعاقلة لا تحمل

الاعتراف.
وفي رواية: تحمل العاقلة، قلت أو كثرت.
فمن حلف منهم برئ، ومن تخلف فعليه بقسطه من الدية.
وقال أبو حنيفة: لا تشرع اليمين في القسامة إلا على المدعى عليهم المعينون.
فإذا لم يعين المدعون شخصا بعينه يدعون عليه.
فيحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يمينا ممن يختارهم المدعون.
فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا.
فإن لم يكونوا خمسين كررت اليمين.
فإن تكلمت الايمان وجبت الدية على عاقلة أهل المحلة.
وإن عين المدعون قاتلا فلا قسامة.
ويكون تعيينهم القاتل تبرئة لباقي أهل المحلة.
ويلزم المدعى عليه اليمين بالله عزوجل أنه ما قتل، ويترك.
واختلفوا فيما إذا كان الاولياء جماعة.
فقال مالك وأحمد: تقسم الايمان بينهم
بالحساب.
وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تكرر الايمان عليهم بالادارة، بعد أن يبدأ أحدهم بالقرعة.
واختلفوا هل تثبت القسامة في العبيد؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: تثبت وللشافعي قولان.
أصحهما: تثبت.
وهل تسمع أيمان النساء في القسامة؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا تسمع مطلقا، لا في عمد ولا في خطأ.
وقال الشافعي: تسمع مطلقا في العمد والخطأ.
وهن في القسامة كالرجل.
وقال مالك: تسمع أيمانهن في الخطأ دون العمد.
انتهى.
فالحاصل من تقرير أحكام هذه الجنايات فوائد: منها: ما حكى عن صدر الدين الخابوري.
قال: سمعت القاضي شرف الدين البارزي - بحماه - يقول: لو وقع شخص على شخص.
فإن استمر عليه مات وإن انتقل إلى غيره - أي انقلب عليه - مات.
فماذا يفعل؟ الجواب: الاستمرار على من وقع عليه.
لان انقلابه إحداث فعل من جهته، ولا يجوز له إحداث فعل.
ومنها: لو وقع رجل على طفل بين أطفال، إن أقام على أحدهم قتله.
وإن انتقل إلى آخر قتله.
وكان أحدهم كافرا.
قال ابن عبد السلام في قواعده: الاظهر عندي: أنه يلزمه الانتقال إليه، لان قتله أخف مفسدة من قتل الطفل المحكوم بإسلامه.
ولانا نجوز قتل أولاد الكفار عند التترس بهم، بحيث لا يجوز ذلك في أطفال المسلمين.

ومنها: لو وقع في نار لا ينجو منها.
وأمكنه أن يلقي نفسه في ماء يغرق.
فإنه لا يلزمه الصبر على ألم النار على الاصح، بشرط أن تستوي مدة الحياة في الاغراق والاحراق.
ذكره أيضا في القواعد.
ومنها: الكافر لا يقتص منه إذا أسلم لمن قتله من المسلمين، ولا يغرمون ما أتلفوه على المسلمين من الاموال.
لانا لو ألزمناهم لتقاعدوا عن الاسلام.
ومنها: أن كل عضو زوج من أعضاء بني آدم فهو مؤنث، إلا الحاجبين والثديين.
وكل عضو فرد من أعضائهم يذكر، إلا الكبد والطحال.
ومنها: الخصيان - بغير تاء - هذا هو المشهور.
ونقل الجوهري وغيره عن أبي عمرو قال: الخصيان، البيضتان، والخصيان - بحذف التاء - الجلدتان اللتان فيهما البيضتان.
قال الجوهري، ويقال: خصية - بضم الخاء وكسرها - والمشهور الضم.
ومنها: الحدقة: هي السواد الاعظم الذي في العين.
وأما الاصغر: فهو الناظر.
وفيه إنسان العين.
والمقلة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض.
ذكره ابن قتيبة في أدب الكاتب.
وجمع الحدقة: أحداق.
وقيل: حداق.
ويقال: حدق.
ومنها: أن جمع رجب: رجبات وأرجاب ورجاب ورجوب.
وفي اشتقاقه أقوال.
أحدها: لتعظيمهم إياه.
يقال رجبته - بالتشديد - ورجبته - بكسر الجيم والتخفيف - وإذا عظمه.
قال النحاس، وقال المبرد: سمي رجبا، لانه في وسط السنة.
مشتق من الرواجب.
وقيل: لترك القتال فيه من الرجب.
وهو القطع وقال الجوهري: إنما قيل رجب مضر، لانهم كانوا أشد تعظيما له.
قال: وإذا ضموا إليه شعبان، قالوا: الرجبان.
ويقال لرجب: الاصم، لانهم يتركون القتال فيه.
فلا يسمع فيه صوت سلاح، ولا استغاثة.
وهو استعارة.
وتقديره: يصم الناس فيه، كما قالوا: ليل نائم، أي نيام فيه.
ذكره صاحب تحرير التنبيه.
ومنها: ما إذا وجد قتيل في محلة.
فقال رجل: أنا تعمدت قتل هذا القتيل ولم يشركني فيه أحد.
وقال آخر: مثله.
فسئل ولي المقتول عن ذلك؟ فإن صدقهما سقط حقه من القود والدية.
لان في تصديق كل واحد منهما تكذيبا للآخر.
وإن صدق أحدهما ثبت حقه، إن شاء قتله وإن شاء عفا عنه وأخذ الدية.
ومنها: الاصطلاح في لغة العرب: جبهة الامير: جماعته.
والعرقوب: الطريق في الجبل.
والثنية: الطريق بين جبلين.
والرجل: القطعة من الجراد.
والعين: عين البئر.
وفلا راس الرجل: إذا ضربه بالسيف.
والدهن: الضرب بالعصا.
والبلبل: الرجل

الخفيف اللحم.
وقطاة المرأة: ما بين الوركين.
والخسيس: الجنين الملقى ميتا.
المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
صورة قتل العمد وبيانه، وما يجب فيه من دية العمد: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأقر الحاضر الاول: أنه عمد إلى والد الحاضر الثاني فلان المذكور - أو إلى ولده لصلبه فلان، أو إلى أخيه لابويه فلان - المنحصر إرثه الشرعي فيه - وإن كان للميت ورثة جماعة عينهم، وحصر كل واحد بحصته على حكم الميراث - وضربه بسيف، أو سكين، أو شفرة أو حديدة، أو بمثقل خشبة أو فسطاط، أو حجر كبير، قاصدا متعمدا قتله.
فمات من ذلك.
واتفقا على أن يأخذ ولي الدم منه الدية.
ويعفو عن القصاص.
فدفع إليه دية العمد الواجبة عليه شرعا.
فإن اتفقا على أخذها على مذهب أبي حنيفة.
وإحدى الروايتين عن أحمد: فهي أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة.
وخمس وعشرون جذعة.
وإن اتفقا على أخذها على مذهب الامام الشافعي.
والرواية الاخرى عن أحمد.
فهي من ثلاثة أسنان: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
وسلم هذه الدية من ماله إلى ولي المقتول، أو إلى أولياء المقتول المذكورين أعلاه.
فتسلموها منه تسلما شرعيا صحيحا، غير مراض ولا معيبات.
وإن كان الاخذ على مذهب أبي حنيفة: فيكتبها مقسطة في ثلاث سنين من أربعة أسنان.
وأقر الولي المذكور، أو الاولياء المذكورون: أنه عفا - أو أنهم عفوا - عن القصاص.
ورجعوا إلى الدية الشرعية.
ورضوا بها، عفوا شرعيا ورضا معتبرا مرضيا.
وإن كان المكتوب على مذهب الشافعي، فيقول: ورضى القاتل بالعدول من القصاص إلى الدية.
وقد سبق في كتاب الاقرار صورة قبض الدية والاقرار بعدم الاستحقاق، والابراء بسبب ذلك.
وإن عفا الولي عن القصاص مجانا، كتب صورة العفو مجردة.
ولا يتعرض لذكر شئ مما تقدم من أسنان الابل، ثم يعقب الاشهاد بالعفو بالاقرار بعدم الاستحقاق وإبراء شامل.
ويكمل على نحو ما سبق.

وصورة ما إذا أبى الولي ولم يرض إلا بالقصاص: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني بين يدي سيدنا فلان الدين الشافعي أو المالكي فلان، وأحضر معه فلان.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه قتل ولده لصلبه، فلانا عمدا محضا، ظلما وعدوانا.
وأنه ضربه بسيف، أو بمحدد، أو بمثقل - ويذكر صفة المحدد أو المثقل - ضربة أو ضربتين، أو أكثر.
فمات منه، أو فأزهق روحه، وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه؟ فأجاب بالاعتراف - أو بالانكار، أو قال: لم أفعل ذلك، أو يثبت ما يدعيه، أو يثبت ما ادعى به - فذكر المدعي المذكور أن له بينة تشهد له بذلك.
وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن الحاكم المشار إليه في ذلك.
فأحضر كل واحد من فلان وفلان وفلان، وشهدوا لدى الحاكم المشار إليه في وجه المدعى عليه - إما على إقراره بذلك، أو بالمشاهدة للفعل - وأنه عمد إلى فلان ولد المدعي المذكور لصلبه وضربه بالشئ الفلاني - إما المحدد أو المثقل - الذي يقتل مثله غالبا، ضربة أو ضربتين أو أكثر فمات.
عرفهم
الحاكم المشار إليه.
وقبل شهادتهم بما رأى معه قبولها، أو بعد التزكية الشرعية، وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
ولما تكامل ذلك عنده سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم له على القاتل بالقصاص، عملا بمذهبه ومعتقده.
فأعذر إلى القاتل.
فلم يأت بدافع شرعي واعترف بعدم الدافع والمطعن لذلك ولشئ منه، الاعتراف الشرعي.
وثبت اعترافه بذلك لديه الثبوت الشرعي.
فحينئذ: نظر الحاكم المشار إليه في ذلك وتدبره.
وروى فيه فكره ونظره، واستخار الله كثيرا.
واتخذه هاديا ونصيرا.
وأجاب السائل إلى سؤاله.
وحكم على القاتل المذكور بالقصاص، إذ لا يجوز للولي العفو عن القصاص عنده، حكما صحيحا شرعيا، لموافقة ذلك مذهبه ومعتقده، مسؤولا في ذلك مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف فيما فيه الخلاف من ذلك على نحو ما تقدم شرحه.
وللولي استيفاء القصاص بنفسه بأمر السلطان أو نائبه بأمر السلطان.
وإلا فمتى وثب بنفسه كان ذلك افتئاتا على السلطان.
والصورة في قتل العمد عند أبي حنيفة بالمحدد وحده.
وعند الباقين بالمحدد والمثقل.
صورة شبه العمد وديته: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه فلان وفلان.
وأقر الحاضر الاول: أنه ضرب ولد الحاضر الثاني لصلبه فلان، بسوط أو عصى، حتى مات من ذلك الضرب - أو غرز

في مقتله إبرة، أو غرز في دماغه أو حلقه إبرة، فتورم ومات منه، أو مات في الحال - وصدق على أن هذا الفعل قتل شبه العمد، وأنه يقتضي القصاص.
وسأل الولي أن يعفو عن القصاص، ويعدل إلى الدية على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين.
فأجابه الولي إلى ذلك، إذ العدول عن القصاص إلى الدية من رضى الجاني.
وهي عند أبي حنيفة وأحمد مثل دية العمد المحض من أربعة أسنان: خمس وعشرون بنت لبون،
وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.
وهي على مذهب مالك والشافعي من ثلاثة أسنان: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة.
وأربعون خلفة في بطونها أولادها.
فرضي منه بذلك، وأجابه إليه.
وتسلم منه الدية المذكورة من أربعة أسنان، أو من ثلاثة أسنان، على ما يتفقان عليه، تسلما شرعيا تاما كاملا وافيا.
ويكتب بينهما براءة على نحو ما تقدم شرحه.
وإن تراضيا على الابل بالدراهم.
فعند الشافعي: يعطي قيمة الابل بالغة ما بلغت.
ولا يعدل عن الابل إذا وجدت إلا بالتراضي.
وإن أعوزت الابل فقولان للشافعي، القديم: أنه يعدل إلى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم.
والجديد: تجب القيمة حين القبض.
وعند أبي حنيفة وأحمد: الدية مقدرة بالدنانير والدراهم.
ويجوز أخذها مع وجود الابل.
وعند مالك: أن الدراهم والدنانير أصل بنفسها، مقدرة في الذمة، ولم يعتبر الدية بالابل.
ومبلغها من الدراهم عند أبي حنيفة: عشرة آلاف درهم.
وعند الباقين: اثنا عشر ألف درهم، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك مبينا.
وفي البقر والغنم والحلل.
وهل هي أصل في الدية، أم تؤخذ على وجه القيمة؟ فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس لشئ من ذلك أصل في الدية، ولا هو مقدر.
وإنما يرجع إليه بالتراضي على وجه القيمة.
وقال أحمد: البقر والغنم أصلان مقدران في الدية.
فمن البقر: مائتا بقرة.
ومن الغنم: ألفا شاة.
واختلفت الرواية في الحلل.
فروي عنه: أنها مقدرة بمائتي حلة.
كل حلة إزار ورداء.
وروي عنه: أنها ليست ببدل.
فإذا اتفق الخصمان على شئ من هذه الاشياء: نزل الكاتب الصورة على أوضاعها الشرعية المتفق عليها، الموافقة لاحد هذه المذاهب الاربعة مع مراعاة الايضاح.
وصورة وجوب القصاص على من حبس آخر حتى مات جوعا: حضر إلى شهوده فلان وفلان.
وتصادقا على أن الحاضر الاول حبس ولد الحاضر الثاني فلان الرجل
الكامل، ومنعه من الخروج ومن الطعام والشراب.
ومن طلبهما مدة يموت مثله فيها غالبا

من الجوع والعطش، وأنه مات في حبسه من الجوع والعطش.
وأنه علم أن الواجب عليه بذلك القصاص.
وسأل الحاضر الثاني ولي المقتول المذكور العفو عن القصاص إلى الدية.
فأجابه إلى ذلك، ورضي منه بالدية، وعفا عن القصاص.
فسأله ثانيا: أن يقبض الدية دراهم أو دنانير.
فأجابه إلى ذلك.
ورضي بقبض الدية دراهم أو دنانير، على مذهب من يرى ذلك من السادة العلماء رضي الله عنهم أجمعين.
وأن الحاضر الاول دفع إلى الحاضر الثاني ما مبلغه اثنا عشر ألف درهم، أو ما مبلغه ألف دينار، وارثه.
فقبض ذلك منه بحضرة شهوده - وإن قبضها على مذهب أبي حنيفة.
فتكون عشرة آلاف درهم - قبضا شرعيا، تاما وافيا، وهو مبلغ الدية التي عفا عليها القابض المذكور أعلاه، ولم يتأخر له بسبب ذلك مطالبة، ولا شئ قل ولا جل.
ويكتب براءة شاملة بينهما.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن لم يرض الولي إلا بالابل.
فالواجب دية العمد.
وإن اتفقا على البقر: فمائتا بقرة.
أو على الغنم: فألفا شاة.
وحيث وجب القصاص، وتراضيا على الدية.
وجب دية العمد.
وصورة وجوب القصاص على المكره، والعدول منه إلى الدية: حضر إلى شهوده فلان وفلان.
وأقر الحاضر الاول: أنه أكره فلانا باليد العادية، والقوة الغالبة، حتى قتل فلانا ولد الحاضر الثاني، وأزهق روحه بسيف، أو بمثقل.
فمات منه، وسأل ولي المقتول العفو عن القصاص، والعدول إلى الدية.
وهي اثنا عشر ألف درهم.
فأجاب إلى ذلك، ورضي منه بالدية المذكورة.
فدفع المبلغ المذكور إليه، فقبضه منه قبضا شرعيا.
وإن اتفقا على عشرة آلاف درهم.
كتب ذلك لموافقة مذهب أبي حنيفة، ثم يكمل بالابراء على نحو ما تقدم شرحه.
وهذه الصورة جائزة عند الثلاثة، إلا مالكا.
فإن الاكراه لا يتأتى عنده إلا من سلطان، أو متغلب، أو سيد مع عبده.
فإذا أكره السيد عبده على قتل آخر فقتله.
فهذه الصورة تصح عند مالك.
فالجناية على السيد وعلى عبده.
فإنها عنده على المكره والمكره جميعا.
هذا إذا كان العبد يعرف لسان سيده، فإن كان السيد عربيا والعبد أعجميا.
فلا يجب عنده على العبد شئ.
وبالعكس أيضا.
وإن كتب ذلك على مذهب مالك وأحمد.
فيجب القصاص على السيد وعلى عبده إذا كان العبد مستعربا غير أعجمي.

وصورة الدعوى بالقتل خطأ، ووجوب دية الخطأ على العاقلة: حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين فلان.
وأحضر معه فلانا.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه أنه: عمد إلى ولده لصلبة فلان العشاري العمر - مثلا - وضربه بحجر أو عصا ضربة.
فمات من ذلك.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسئل.
فأجاب: إنني لم أتعمده بالضرب.
وإنما كنت قاصدا الرمي إلى شجرة أو غيرها.
فوقعت الضربة فيه فمات منها.
وكان ذلك خطأ مني.
فطلب المدعي المذكور يمين المدعى عليه المذكور: أنه لم يقصده بالضرب متعمدا قتله.
فبذل اليمين وحلف بالله العظيم اليمين الشرعية، الجامعة لمعاني الحلف شرعا: أنه لم يتعمد ضربه، وإنما رمى بالحجر إلى غيره.
فوقعت الضربة فيه.
فمات منه.
كل ذلك من غير قصد منه ولا تعمد لقتله.
فقال الحاكم للمدعي: ألك بينة تشهد أنه قتله عمدا؟ فأجاب: بأنه لا بينة له.
فقال له الحاكم: الواجب لك على عاقلته دية مخففة، وهي مائة من الابل مخمسة من خمسة أسنان: عشرون جذعة، وعشرون حقة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض.
أو اثني عشر ألف درهم بالتراضي.
فحينئذ: سأل ولي المقتول المذكور من الحاكم المشار إليه: الحكم بالدية على عاقلته على مقتضى مذهبه ومعتقد مقلده.
فأجابه إلى سؤاله، لجوازه عنده شرعا، وحكم له بالدية المذكورة إبلا أخماسا، أو قيمتها بالغة ما بلغت حال القبض، عند إعواز الابل، مقسطة على عاقلة القاتل المذكور، حكما صحيحا شرعيا.
مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية.
ولما تكامل ذلك عنده سأل المدعى عليه المذكور ولي المقتول: أن يأخذ الدية مبلغ اثنا عشر ألف درهم.
فرضي بذلك وقسطها على العاقلة تقسيطا شرعيا.
وانفصلوا من مجلس الحكم المشار إليه على ذلك.
وصورة دعوى تتضمن أن مسلما قتل ذميا.
ووجوب دية الذمي عليه، والحكم لوارث المقتول بها على القاتل.
فإن كانت الدعوى عند حنفي: كانت الدية مثل دية المسلم في العمد والخطأ.
وعدل الولي عن القصاص عنده إلى الدية.
وإن كانت الدعوى عند مالكي: كانت الدية مثل نصف دية المسلم في العمد والخطأ.
وإن كانت الدعوى عند الشافعي: كانت مثل دية المسلم في العمد والخطأ.
وإن كانت الدعوى عند حنبلي: كانت الدية في قتل الذمي الذي له عهد مثل دية المسلم في العمد وحده.
وأما في الخطأ: فعنه روايتان إحداهما:

ثلث دية المسلم.
والاخرى: مثل نصف دية المسلم.
وهي اختيار الخرقي.
وصورة ذلك: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان اليهودي أو النصراني.
وأحضر معه فلان الشريف الحسيني، أو المسلم الاصلي.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه عمد إلى ولده فلان، وضربه بسيف أو سكين أو غير ذلك، ضربة أو أكثر.
فأزهق روحه - فهذا قتل العمد، وهو في مال القاتل - أو ضرب بسهم إلى غاية، أو طير، أو شجرة.
فأصابه السهم.
فمات منه - فهذا قتل الخطأ.
وفيه: الدية على عاقلة
القاتل - أو ضربه بسوط أو عصا، أو غرز في دماغه إبرة، وما أشبه ذلك، حتى مات - وهذا شبه عمد - وقد بينا دية العمد، ودية الخطأ، ودية شبه العمد.
وذكرنا الخلاف في ذلك بين العلماء في الصورة التي تقدمت.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف.
فحينئذ سأل ولي المقتول الحاكم المشار إليه الحكم له بدية ولده على مقتضى مذهبه ومعتقده.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم على القاتل المذكور بالدية على ما هي مقدرة عنده حكما صحيحا شرعيا، تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه، مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
ويكمل على نحو ما سبق.
صورة دعوى على رجل قتل عبد غيره عمدا: ووجوب القصاص على القاتل عند أبي حنيفة، خلافا للباقين.
فإنه لا يقتل عندهم قاتل العبد بحال.
وعند أبي حنيفة: إذا عدل عن القصاص إلى القيمة.
فالواجب قيمة العبد بحيث لا تبلغ القيمة مقدار الدية، بل تنقص عشرة دراهم.
والواجب عند مالك والشافعي وأحمد في إحدى روايتيه - وهي التي اختارها الخرقي - قيمة العبد بالغة ما بلغت.
والرواية الاخرى عند أحمد: أنه لا يبلغ بها دية الحر، ولم يقدر بالنقصان.
حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين الحنفي فلان، وأحضر معه فلانا.
وادعى عليه: أنه عمد إلى عبده فلان بن عبد الله.
وضربه بسيف فمات من تلك الضربة، أو فمات منه.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف أو بالانكار.
فأحضر المدعي المذكور بينة شهدت له بذلك لدى الحاكم المشار إليه في وجه الخصم المذكور، وهم فلان وفلان وفلان.
عرفهم الحاكم وسمع شهادتهم.
وقبلها بما رأى معه قبولها.
وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
فحينئذ خير الحاكم المشار إليه سيد العبد بين القصاص والقيمة، فاختار القيمة.
وسأل الحاكم الحكم له بها على القاتل.

فأجابه إلى سؤاله، وحكم له بقيمة العبد المذكور ما لم تبلغ دية المسلم.
وبالتنقيص عن مبلغ الدية عشرة دراهم، على مقتضى مذهبه ومعتقده، حكما صحيحا شرعيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية، مع العلم بالخلاف.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة دعوى على جماعة قتلوا واحدا عمدا ووجوب القصاص عليهم كلهم عند أبي حنيفة ومالك والشافعي، خلافا لاحمد.
فإن عنده إذا قتل جماعة واحدا.
فعليهم الدية ولا قصاص، في إحدى الروايتين عنه.
وإذا عدل الوارث عن القصاص إلى الدية جاز.
وإن اختار الولي أن يأخذ القصاص من واحد، ويأخذ من الباقين قسطهم من الدية جاز: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان، وأحضر معه فلانا وفلانا وفلانا.
وادعى عليهم: أنهم عمدوا إلى ولده لصلبه فلان، وضربوه بالسيوف حتى برد.
ومات من ذلك.
وسأل سؤالهم عن ذلك.
فسألهم الحاكم المشار إليه.
فأجابوه بالاعتراف أو بالانكار.
فذكر المدعي المذكور: أنه له بينة تشهد له بذلك.
وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن له.
فأحضر جماعة من المسلمين.
وهم: فلان وفلان وفلان.
فشهدوا عند الحاكم المشار إليه شهادة متفقة اللفظ والمعنى، مسموعة شرعا: أن المدعى عليهم المذكورين عمدوا إلى فلان ولد المدعي المذكور، وضربوه بسيوفهم حتى مات، مشاهدة منهم لذلك.
عرف الحاكم المشار إليه الشهود المذكورين، وسمع شهادتهم.
وقبلها بما رأى معه قبولها شرعا.
وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
ثم سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه الحكم له بالقصاص من القاتلين المذكورين، لجوازه عنده شرعا.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم عليهم بالقصاص حكما
شرعيا تاما، معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية بعد الاعذار الشرعي.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا، من تشخيص القاتلين المذكورين، ومعرفة المقتول المذكور المعرفة الشرعية.
وإن كان قد طلب القصاص من أحدهم، وأخذ من الباقين قسطهما من الدية.
فيقول: فحينئذ طلب ولي المقتول: أن يستوفي القصاص من فلان المبدأ بذكره أعلاه، وأن يأخذ من الآخرين ما وجب عليهما من دية العمد.
وهو الثلثان منها، على كل واحد منهما الثلث.

وسأل الحاكم المشار إليه الحكم له بذلك.
فأجابه إلى سؤاله وحكم على فلان المبدأ بذكره بالقصاص، وعلى كل واحد من الآخرين بثلث دية العمد، حكما صحيحا شرعيا - إلى آخره، ورضي ولي المقتول المذكور أن يأخذ بدلا عن الابل ثمانية آلاف درهم.
فدفعاها إليه فقبضها منهما قبضا شرعيا، ويكمل.
وإن كان العمد على مذهب أبي حنيفة فتقسط الدية في ثلاث سنين.
وإن حصل العفو عن الجميع: كتب صورة العفو كما تقدم.
وإن كانت الدعوى عند حنبلي، واختار العمل بالرواية الثانية، فيوجب عليهم الدية لا القصاص.
صورة دعوى على مسلم قتل مجوسيا عمدا، ووجوب ديته: وهي ثلثا عشر دية المسلم، أو قتل عابد الوثن، أو الشمس أو القمر.
وهؤلاء ليس لهم عقد ذمة، فلا دية لهم، لكن لو دخل أحدهم إلى دار الاسلام رسولا لم يتعرض إليه بالقتل.
فإن قتله قاتل: ففيه أخس الديات، دية المجوس، وهي ثلثا عشر دية المسلم: حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين الشافعي فلان المجوسي، وأحضر معه فلانا المسلم.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه عمد إلى ولده لصلبه فلان، وضربه بالسيف أو بمثقل فمات منه، وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف أو بالانكار.
فأحضر المدعي المذكور بينة شهدت له بذلك في وجه الخصم.
وهم فلان وفلان وفلان.
وقبل الحاكم المشار إليه شهادتهم بما رأى معه قبولها شرعا.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه الحكم بما يجب له عليه شرعا.
فأجابه إلى سؤال.
وحكم على القاتل المذكور بدية ولده القتيل المذكور.
وهي ثلثا عشر دية المسلم، وقدرها: ست وثلثان من ثلاثة أسنان عند الشافعي ومالك وأحمد.
ومن أربعة أسنان عند أبي حنيفة، حكما شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره شرعا من إعذار وتشخيص القاتل، ومعرفة المقتول المعرفة الشرعية مع العلم بالخلاف.
وإن حصل التراضي على الدراهم والدنانير جاز.
وقد بينا في هذه الصور مقادير الديات في القتل على اختلاف الائمة رحمهم الله تعالى زيادة على ما ذكرنا في الخلاف السابق في مسائل الباب.
فصل: وأما صور المجالس الحكمية المتضمنة الدعاوى بالشجاج في الوجه

والرأس.
وما يجب فيه القصاص وما لا يجب، وما يجب في جراحات الوجه والرأس والبدن من الديات والحكومات.
وما يجب فيه الدية من الاطراف والحواس، وما يجب الضمان بفعله.
وما لا يجب فيها.
صورة دعوى بالموضحة: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان، وأحضر معه فلانا.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه ضربه بسيف أو حجر أو غيره في وجهه أو رأسه فأوضح العظم.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف.
أو بالانكار.
وتقوم البينة في وجه الخصم: أنه ضربه بكذا.
فجرحه هذا الجرح، وشخصوه لدى الحاكم المشار إليه.
وأشار إليه.
وأشاروا إليه في موضعه.
فذكر المدعى عليه المذكور: أن هذه الجراحة ليست بموضحة.
وإنما هي دونها.
فأحضر المدعي المذكور جماعة من أهل المعرفة والخبرة بالجراحات.
وهم فلان وفلان وفلان، فشهدوا لدى الحاكم المشار إليه: أنها موضحة.
وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
فعرف الحاكم المشار إليه المدعى عليه: أن الواجب عليه في ذلك القصاص، أو أرش موضحة، إذا رضي المجني عليه بالعدول عن القصاص إلى الدية، وهي خمس من الابل، أو قيمتها من الذهب أو الدراهم برضى المجني عليه.
فسأل الجاني العفو عن القصاص والعدول إلى الارش.
فعرض الحاكم ذلك على المجني عليه.
فأجاب إليه.
وسأل الحكم له على الجاني بأرش الموضحة.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم له بذلك حكما صحيحا شرعيا - إلى آخره.
ويكمل.
وإن كانت المشجوجة امرأة: فالواجب النصف من أرش موضحة الرجل.
وإن كان المشجوج يهوديا أو نصرانيا.
فعند أبي حنيفة كأرش موضحة المسلم.
وعند مالك: كالنصف منها.
وعند الشافعي: كالثلث منها.
وعند أحمد: كموضحة المسلم إذا كان للكتابي عهد.
ويعتبر الحال في موضحات النساء على النصف من ذلك، ويعتبر ذلك في موضحة المجوسي: نصف عشر أخس الديات.
وهذا التفصيل في جميع ديات الشجاج الحاصلة في الوجه والرأس.
وجراحات البدن والجائفات والحكومات المتقومة.
وما يلزم بالضمان.
وصورة دعوى بالهاشمة.
وفيها عشر من الابل، إذا أوضح وهشم العظم.
فإن

هشمت العظم من غير إيضاحه.
ففيها خمس من الابل: حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين فلان الفلاني.
وأحضر معه فلانا.
وادعى عليه الحاكم المشار
إليه: أنه ضربه بكذا.
فجرحه بوجهه أو برأسه.
وأوضح العظم وكسره.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف - مثلا - أنه ضربه فجرحه، وأنه لم يوضح العظم ولا هشمه، فأحضر المدعي المذكور جماعة من أهل المعرفة والخبرة بذلك.
وهم فلان وفلان وفلان.
ووقفوا على الجراح المذكور وعاينوه.
وعرفوه وحققوه، وشهدوا لدى الحاكم المشار إليه في وجه المدعى عليه المذكور: أن هذا الجرح أوضح فيه العظم وهشمه.
عرفهم الحاكم المشار إليه.
وسمع شهادتهم وقبلها لما رأى معه قبولها شرعا.
وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه الحاكم له بدية الهاشمة المذكورة على مقتضى قاعدة مذهبه ومعتقده.
فأجابه إلى سؤاله.
وحكم له بعشر من الابل حكما صحيحا شرعيا تاما معتبرا مرضيا، مسؤولا فيه مستوفيا شرائطه الشرعية.
واعتبار ما يجب اعتباره، شرعا بعد ثبوت الاعذار إلى الجاني المذكور وتشخيصه.
واعترافه بعدم الدافع والمطعن لذلك ولشئ منه، الثبوت الشرعي.
ويكمل.
صورة دعوى بالمنقلة.
وفيها خمس عشرة من الابل: حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين فلان.
وأحضر معه فلانا، وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه ضربه بكذا في وجهه أو رأسه.
فجرحه جرحا أوضح العظم وهشمه، ونقله من مكانه.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسئل.
فأجاب: أنه جرحه هذا الجرح، وأنه لا يعلم صحة الدعوى فيما عداه.
فذكر المدعي المذكور: أن له بينة تشهد له بما ادعاه.
وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن له.
فأحضر جماعة من أهل النظر والمعرفة والخبرة بذلك.
وهم فلان وفلان وفلان.
فشهدوا لدى الحاكم المشار إليه في وجه الخصم المذكور، بعد
تشخيص الجرح ومعاينته: أن هذه الجراحة أوضحت العظم وهشمته ونقلته.
عرفهم الحاكم وسمع شهادتهم وقبلها لما رأى معه قبولها شرعا.
وثبت ذلك عنده ثبوتا صحيحا شرعيا.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم له على الجاني المذكور بالدية الشرعية الواجبة في هذه الجراحة، على مقتضى مذهبه ومعتقده.
فأجابه إلى

سؤاله.
وحكم له بخمس عشرة من إبل الدية حكما شرعيا، معتبرا مرضيا، ويكمل على نحو ما سبق.
صورة دعوى بالمأمومة.
وهي التي تبلغ أم الرأس، وهي خريطة الدماغ المحيطة به.
وفيها ثلث الدية.
ثلاثا وثلاثون وثلث من الابل.
حضر إلى مجلس الحكم العزيز بين يدي سيدنا فلان الدين فلان، وأحضر معه فلانا.
وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه ضربه في رأسه فشجه.
ووصلت الشجة إلى أم رأسه.
وهي خريطة الدماغ المحيطة به، وأن الواجب له عليه بذلك: ثلث الدية ثلاثة وثلاثون وثلث من الابل.
وطالبه بذلك، وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب: أنه ضربه وهو لا يعلم أنها مأمومة، فأحضر المدعي المذكور جماعة من أهل النظر والمعرفة والخبرة بذلك.
وهم فلان وفلان وفلان.
فشهدوا لدى الحاكم المشار إليه في وجه المدعى عليه المذكور، بعد تشخيص الجرح ومعاينته: أن هذه الشجة وصلت إلى أم الرأس خريطة الدماغ.
عرفهم الحاكم المشار إليه.
وسمع شهادتهم.
وقبلها لما رأى معه قبولها شرعا.
وثبت ذلك عند الثبوت الشرعي.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم له بدية هذه الجراحة.
فأجابه إلى سؤاله، وحكم له بدية المأمومة.
وهي الثلث من دية النفس، ثلاثة وثلاثون
وثلث من الابل حكما شرعيا.
ويكمل.
صورة دعوى بما تجب فيه الحكومة من الشجاج بالرأس والوجه وجراحات البدن: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني: فلان وفلان.
وادعى الحاضر الاول على الحاضر الثاني لدى الحاكم المشار إليه: أنه شجه في وجهه، أو رأسه.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم.
فأجاب بالاعتراف.
فقال المشجوج: هذه موضحة.
وقال المدعى عليه: إنما هي الدامية.
فطلب الحاكم أرباب الخبرة في ذلك.
فكشفوا الشجة ونظروها، وعاينوها.
فوجدوها الباضعة، قد بضعت اللحم ولم تصل إلى الجلدة الرقيقة التي بين اللحم والعظم.
فشهدوا عند الحاكم المشار إليه بذلك.
فسمع شهادتهم.
وقبلها بما رأى معه قبولها شرعا.
ثم طلب أرباب الخبرة بتقويم الابدان، وأمرهم أن ينظروا إلى هذا الجرح المدعى به المذكور، ويقوموا المجروح صحيحا وجريحا، وأن ينظروا إلى ما بين القيمتين من التفاوت.
فما بلغ فهو أرش الجناية المذكورة من الدية.
فوقفوا على ذلك

وقوموه صحيحا وجريحا.
فإذا التفاوت ما بين القيمتين كذا وكذا، وهو أرش هذه الجناية من الدية.
وأقاموا شهاداتهم لدى الحاكم المشار إليه بذلك في وجه الخصم.
فحكم الحاكم المشار إليه بذلك القدر المشهود به من الدية حكما شرعيا - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما سبق.
وكيفية التقويم: أن يقوم المجني عليه - ثملا - بمائة درهم صحيحا، وبثمانية وتسعين درهما جريحا.
فالتفاوت خمس عشر القيمة.
فيكون الواجب خمس عشر الدية.
وهذه صورة ما يكتب في جميع ما تجب فيه الحكومة، من الرأس والوجه والبدن.
ولا يكتب فيما يتعلق بالبدن حكم بشئ مقدر من الدية إلا الجائفة.
فإن فيها ثلث الدية.
وصورة الدعوى بالجائفة: حضر إلى مجلس الحكم العزيز الفلاني فلان، وهو
متكلم شرعي جائز كلامه، مسموعة دعواه عن فلان.
وأحضر معه فلانا، وادعى عليه لدى الحاكم المشار إليه: أنه ضرب المتكلم عنه - وهو فلان المذكور - ضربة بسنان، أو برمح، أو بسيف.
فوصل السنان إلى داخل جوفه.
وسأل سؤاله عن ذلك.
فسأله الحاكم المشار إليه.
فأجاب بالاعتراف: أنه ضربه بالرمح، ولكن لم يصل السنان إلى جوفه.
فذكر المنصوب المذكور: أن له بينة من أرباب الخبرة بالجراحات والجائفات تشهد بما ادعاه.
وسأل الاذن في إحضارها.
فأذن له فأحضر جماعة من أهل الخبرة بذلك.
وهم فلان وفلان وفلان.
وكشفوا الجرح المذكور كشفا شافيا وعاينوه.
وأدخلوا فيه الميل.
وقاسوا أعماقه، فوجدوه قد أجافه.
وأقاموا شهادتهم بذلك لدى الحاكم المشار إليه في وجه الخصم المدعى عليه المذكور: أن هذا الجرح دخل السنان فيه إلى الجوف، وأنه الجائفة.
وثبت ذلك عنده الثبوت الشرعي.
فحينئذ سأل المدعي المذكور الحاكم المشار إليه: الحكم للمجني عليه على الجاني المذكور بدية هذه الجناية.
وهي ثلث دية النفس، ثلاث وثلاثون وثلث من الابل.
فأجابه إلى سؤاله وحكم على الجاني المذكور بذلك حكما شرعيا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وأما صور الدعاوى المتضمنة القصاص في العين والانف والاذن والسن أو الدية عند ذلك.
فمنها: صورة دعوى على شخص بأنه قلع عينه، أو قطع أنفه، أو أذنيه، أو بشئ مما تجب فيه الدية كاملة على ما تقدم بيانه.
والخلاف فيه، على اختلاف مقادير

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7