كتاب : جواهر العقود و معين القضاة و الموقعين و الشهود
المؤلف : شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي

للسودان.
وثمانية للروم.
وثلاثة للفرس.
وألف للعرب.
انتهى كلامه.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق العلماء رضي الله عنهم على أن الارض الميتة يجوز إحياؤها، ويجوز إحياء موات الاسلام للمسلم بالاتفاق.
وهل يجوز للذمي؟ قال الثلاثة: لا يجوز.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز.
واختلفوا: هل يشترط في ذلك إذن الامام أم لا؟ قال أبو حنيفة: يحتاج إلى إذنه.
وقال مالك: ما كان في الفلاة وحيث لا يتشاح الناس فيه، لا يحتاج إلى إذن.
وما كان قريبا من العمران، أو حيث يتشاح الناس فيه، افتقر إلى الاذن.
وقال الشافعي وأحمد: لا يحتاج إلى الاذن.
واختلفوا فيما كان من الارض مملوكا، ثم باد أهله وخرب، وطال عهده: هل يملك بالاحياء؟ قال أبو حنيفة ومالك: يملك به.
وقال الشافعي: لا يملك.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه لا يملك.
فصل: وبأي شئ تملك الارض، ويكون إحياؤها به؟ قال أبو حنيفة وأحمد: بتحجيرها، وأن يتخذ لها ماء.
وفي الدار بتحويطها.
وإن لم يسقفها.
وقال مالك بما يعلم بالعادة أنه إحياء لمثلها من بناء وغراس، وحفر بئر.
وغير ذلك.
وقال الشافعي: إن كانت للزرع فيزرعها واستخراج نباتها.
وإن كانت للسكنى.
فبتقطيعها بيوتا وتسقيفها.
فصل: واختلفوا في حريم البئر العادية.
قال أبو حنيفة: إن كانت لسقي الابل، فحريمها أربعون ذراعا.
وإن كانت للناضح: فستون.
وإن كانت علينا فثلاثمائة ذراع.
وفي رواية: خمسمائة.
فمن أراد أن يحفر في حريمها منع منه.
وقال مالك والشافعي: ليس لذلك حد مقدر.
والمرجع فيه إلى العرف.
وقال أحمد: إن كانت في أرض موات فخمسة وعشرون ذراعا.
وإن كانت في أرض عادية فخمسون ذراعا.
وإن كانت عينا فخمسمائة ذراع.
والحشيش إذا نبت في أرض مملوكة فهل يملكه صاحبها بملكها؟ قال أبو حنيفة: لا يملكه، وكل من أخذه صار له.
وقال الشافعي: يملكه بملك الارض.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: كمذهب أبي حنيفة.
وقال مالك: إن كانت الارض محوطة ملكه صاحبها.
وإن كانت غير محوطة لم يملك.

واختلفوا فيما يفضل عن حاجة الانسان وبهائمه وزرعه من الماء في نهر أو بئر.
فقال مالك: إن كانت البئر أو النهر في البرية: فمالكها أحق بمقدار حاجته منها.
ويجب عليه فضل ما فضل عن ذلك.
وإن كانت في حائطه فلا يلزمه بذل الفاضل، إلا أن يكون جاره زارع على بئر فانهدمت، أو عين فغارت.
فإنه يجب عليه بذل الفاضل له إلى أن يصلح جاره بئر نفسه أو عينه.
فإن تهاون في إصلاحه لم يلزمه أن يبذل بعد البذل شيئا.
وهل يستحق عوضه؟ فيه روايتان.
قال أبو حنيفة وأصحاب الشافعي: يلزمه بذله لشرب الناس والدواب من غير عوض، ولا يلزم للمزارع.
وله أخذ العوض.
والمستحب تركه.
وعن أحمد روايتان.
أظهرهما: أنه يلزمه بذله من غير عوض للماشية والسقية معا.
ولا يحل له البيع.
انتهى.
المصطلح: وما يشتمل عليه من الصور.
صورة إقطاع السلطان لامير من أمراء المسلمين: أقطعه أرضا مواتا زيادة له على خاصته من إقطاعه.
هذا كتاب إقطاع صحيح شرعي، وإحياء موات من الارض معتبر مرعي، أمر بكتابته وتسطيره وإنشائه وتحريره: مولانا المقام الاعظم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني - عز نصره - للمقر الشريف العالي الفلاني نائب السلطنة الشريفة بالمملكة الفلانية.
ووكيله الشرعي في إقطاع الامراء والجند الاقطاعات، وفي إقطاع الاراضي الموات، والاذن لمن شاء في إحياء ما شاء منها، وتسليم الاراضي المحياه إلى المحيين إلى غير ذلك، مما هو مشروح في كتاب النيابة الشريفة السلطانية، والتوكيل الشرعي المفوض إليه من مولانا المقام الاعظم الشريف العالي السلطاني المشار إليه - عز نصره - المحضر كتاب التفويض الشريف المشار إليه من يده الكريمة، المؤرخ باطنه بكذا، المتوج بالعلامة الشريفة الاسم الشريف، المكمل العلايم، الثابت بالدواوين الشريفة الجيشية، الثابت مضمون ما نسب إلى مولانا السلطان المشار إليه فيه عند سيدنا
قاضي القضاة فلان الدين، الثبوت الشرعي، المتصل ثبوته بمجلس الحكم العزيز الفلاني الاتصال الشرعي، المؤرخ بكذا.
فبمقتضى ذلك أقطع المقر الشريف النائب والوكيل، المشار إليه بما له من النيابة والتوكيل، والتفويض الشريف المشروح أعلاه إلى المقر الكريم العالي الفلاني - أو الجناب العالي الفلاني، أو المقر العالي الفلاني، أو الجناب الكريم العالي الفلاني، أو الجناب العالي الفلاني - كل على قدر طبقته وحسب رتبته - جميع القطعة الارض الموات الخراب الدائرة، الخالية من العمران والسكان التي لم تكن

بيد أحد عن خلق الله تعالى.
ولا يعرف لها مالك من قديم الزمان.
وإلى الآن.
وهي الفاصلة بين أراضي مدينة كذا وجبال كذا.
وهي قطعة مادة قبلة وشمالا طولا.
وشرقا وغربا عرضا.
ولها حدود وقواطع وفواصل.
ويشتمل على عيوان سارحة ومروج وملق للماء.
وغاب من البردى والعليق وغير ذلك - ويحددها - ثم يقول: إقطاعا صحيحا شرعيا، صادرا بإذن الامام الاعظم وتوكيله إياه في ذلك، على أن الجناب المشار إليه يحيي الارض المذكورة بكشفها من الماء والعشب والنبات والغاب، ويحرثها ويزرعها.
وخلى بينه وبين الارض المذكورة التخلية الشرعية القائمة مقام التسليم الموجب له شرعا وذلك بعد أن التزم المقطع المشار إليه بإحياء الارض المذكورة.
واعترف أنه قادر على إحيائها.
ويكمل بالاشهاد ويؤرخ.
وصورة الاذن من نائب الامام لانسان في إحياء أرض موات على الصفة التي يختارها المحيي: أذن مولانا المقام الشريف الاعظم السلطاني الملكي الفلاني، أو نائبه فلان الفلاني لفلان أن يحيي جميع القطعة الارض الخراب الدائرة الميتة، التي لا يعرف لها مالك الخالية من الزرع والسكان، التي هي بالمكان الفلاني.
- وتحدد - على أن المحيي المذكور يحيي الارض المذكورة بكشفها.
وإزالة ما بها من العشب والنبات وغير ذلك، ويزرعها ويحوط عليها.
ويسقف بعضها على الصفة التي يختارها إن شاء مزرعة،
أو بستانا، أو زريبة للغنم، أو دارا، أو حانوتا، أو غير ذلك، أو يبني بها ما شاء من العمران والجدران والمساكن.
ويشغل أراضيها بالنصوب والاشجار والمزروعات على ما يقتضيه رأيه إذنا شرعيا.
قبل ذلك المحيي المذكور قبولا شرعيا.
وتسلم الارض المذكورة بحكم ما ذكر أعلاه.
تسلما شرعيا.
ويكمل.
وصورة ما إذا أحيا رجل أرضا وملكها بالاحياء وعمرها.
واحتاج إلى كتابة محضر بذلك: يكتب شهوده الواضعون خطوطهم آخره يعرفون فلانا الفلاني وجميع القطعة الارض الفلانية - ويصفها ويحددها - معرفة صحيحة شرعية.
ويشهدون مع ذلك أن القطعة الارض المحدودة الموصوفة بأعاليه.
كانت من أراضي الموات القديمة البوار، ولم يجر عليها أثر ملك، ولم يسبق إليها مالك.
ولم يعهدوا عمارتها، ولا سمعوا ذلك في الجاهلية، ولا في الاسلام، ولا يعلمون لاحد فيها حقا ولا ملكا، ولا شبهة ملك، ولا يدا بوجه من وجوه التملكات، ولا ضررا على أحد في عمارتها، حتى سبق إليها فلان المذكور أعلاه.
وأحياها وعمرها بماله ورجاله.
وبنى عليها قرية عامرة وحفر أنهارها، وأجراها خلالها - ويصفها وما فيها وصفا تاما - ثم يقول: وجعلها تحتوي على صفاتها المشروحة فيه.
ثم أسكن فيها سكانها المقيمين بها.
فصارت هذه القرية بجميع

حدودها وحقوقها وأراضيها وأشجارها الداخلية فيها والخارجة عنها ملكا لفلان المذكور بحق إحيائه وتملكه لذلك بالاحياء المشروح بأعاليه يعلمون ذلك ويشهدون به مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا.
وكتب بتاريخ كذا بالاذن الحكمي من مجلس الحكم العزيز الفلاني.
ويرفع ذلك إلى حاكم شرعي يثبته ويحكم بموجبه، وإن أعذر فيه إلى وكيل السلطان.
فهو أجود وأحوط.
لطيفة: أقطع النبي (ص) قرية حبرون بأسرها لتميم الداري رضي الله عنه قبل أن يفتح الله على المسلمين الشام.
وكتب له بذلك كتابا.
وجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه.
فأجاز
له كتاب رسول الله (ص)، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه، فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول الله (ص).
والاصل فيه: ما روي عن أبي هند الداري قال: قدمنا على رسول الله (ص).
ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، وأخوه نعيم بن أوس، ويزيد بن قيس، وأبو عبد الله بن عبد الله - وهو صاحب الحديث - وأخوه الطيب بن عبد الله.
فسماه رسول الله (ص) عبد الرحمن، وفاكهة بن النعمان.
فأسلمنا.
وسألنا رسول الله (ص) أن يقطعنا أرضا من أرض الشام.
فقال رسول الله (ص): اسألوا حيث شئتم.
فقال أبو هند: فنهضنا من عنده إلى موضع نتشاور فيه، أين نسأل؟ فقال تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورتها.
فقال أبو هند: أرأيت ملك العجم اليوم: أليس هو ببيت المقدس؟ قال تميم: نعم.
ثم قال أبو هند: وكذلك يكون فيها ملك العرب، وأخاف أن لا يتم لنا هذا.
فقال تميم: فنسأله بيت جبريل وكورتها.
فقال أبو هند: هذا أكبر وأكثر.
فقال تميم: فأين ترى أن نسأله؟ نسأله القرى التي تصنع فيها حصرنا، مع ما فيها من آثار إبراهيم (ص).
فقال رسول الله (ص): أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه، أو أخبرك؟ قال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله فنزداد إيمانا.
فقال رسول الله (ص): أردت يا تميم أمرا.
وأراد هذا غيره، ونعم الرأي رأي.
قال: فدعا رسول الله (ص) بقطعة من أدم.
فكتب لنا كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ذكر ما وهب محمد رسول الله (ص) للداريين، إذا أعطاه الله الارض.
وهبت لهم بيت عين وحبرون والمرطوم، وبيت إبراهيم بمن فيهم لهم أبدا.
شهد عليه ياسر بن عبد المطلب، وجهم بن قيس، وشرحبيل بن حسنة.
قال: فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة قدمنا عليه.
فسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر.
فكتب لنا كتابا نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أنطى محمد رسول الله (ص) تميما الداري
وأصحابه.
إني أنطيتكم عين حبرون والمرطوم وبيت إبراهيم بذمتهم.
وجميع ما فيهم نطية بت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولاعقابهم من بعدهم أبد الابد.
فمن آذاهم فيه آذاه الله.
شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان.
وكتب.
فلما قبض رسول الله (ص).
وولى أبو بكر رضي الله عنه، وجند الجند إلى تا الشام.
كتب إلينا كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح.
سلام عليك.
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فامنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين.
وإن كان أهلها قد جلوا عنها.
وأراد الداريون يزرعونها فليزرعوها.
فإذا رجع إليها أهلها.
فهي لهم.
وأحق بهم.
والسلام عليك.
وكان وفد تميم: هو وأخوه نعيم ومن معهم، وإسلامهم سنة تسع.
وأقطعهما رسول الله (ص) بلادهما: حبرون وبيت عينون.
وليس لرسول الله (ص) قطيعة على غيرها.
والله أعلم.

كتاب الوقف وما يتعلق به من الاحكام الوقف: عطية مبتدأة مؤبدة.
يقال: وقف.
ولا يقال: أوقف، إلا في شاذ اللغة.
ويقال: حبس وأحبس.
والوقف: يصح.
ويلزم بالقول، ولا يفتقر إلى القبض على خلاف يأتي فيه.
وموضع الدليل: ما روى نافع عن ابن عمر أن عمر ملك مائة سهم بخيبر، ابتاعها.
فأتى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله، إني ملكت مالا، لم أملك مثله قط.
وأردت أن أتقرب به إلى الله تعالى، فقال النبي (ص): حبس الاصل وسبل الثمرة.
قال: فتصدق به عمر في الفقراء والقربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، لا تباع ولا توهب، ولا تورث، لا جناح على وليها أن يأكل منها، غير متأثل مالا، تنظر فيها حفصة ما عاشت.
وإذا ماتت فذو الرأي من أهلها.
يعني من أهل الوقف.
ووجه الدليل من الخبر: أن عمر رضي الله عنه سأل النبي (ص) عن جهة التقرب؟ فلقال حبس الاصل فاقتضى الظاهر: أن القربة تحصل بنفس الحبس، ولم يعتبر حكم الحاكم به بعد الوقف، ولا الوصية به.
قال الشافعي رضي الله عنه: ومعنى قوله: حبس الاصل أي عما عليه الاموال المطلقة.
فلا تباع ولا توهب ولا تورث، إذ لا معنى لقوله: حبس الاصل إلا هذا.
وأيضا: فإن عمر حبس.
وقال: لا تباع ولا توهب، ولا تورث وهذا بيان لحكم الوقف ومعلوم أن عمر كان جاهلا بأصل الوقف، حتى سأل النبي (ص)، فكيف يجهل أصل الوقف ويعلم حكمه.
فعلم أنه إنما ذكر هذا الحكم بتوقيف من النبي (ص).
وإن لم يكن

بتوقيف منه فلا يجوز أن يخفى هذا على النبي (ص).
فلما لم ينكره دل على أن هذا حكم الوقف.
وروي: أن كل واحد من أبي بكر وعثمان وطلحة وقف داره.
وروي أن فاطمة وقفت على بني هاشم وبني المطلب.
ووقف علي عليهم وأدخل معهم غيرهم.
وروي عن جابر أنه قال لم يبق في أصحاب رسول الله (ص) من له مقدرة إلا وقد وقف.
وروي أن عمرو بن العاص قدم من اليمين إلى المدينة.
فقال: لم يبق في المدينة لاهلها شئ إلا وهو وقف.
وروي أن عليا رضي الله عنه حفر بئرا بينبع.
فخرج ماؤها مثل عين البعير.
فتصدق بها علي، وكتب: هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب ابتغاء وجه الله تعالى وليصرفه عن النار، ويصرف النار عنه.
ينظر فيه الحسن ما عاش، والحسين ثم ذوو الرأي من ولده وهذا إجماع من الصحابة على الوقف.
ويشترط في الواقف: أن يكون صحيح العبارة، أهلا للتبرع.
وفي الموقوف أن يدوم الانتفاع به.
فالمطعومات والرياحين المشمومة: لا يجوز وقفها.
ويجوز وقف العقار والمنقول والشائع.
ولا يجوز وقف عبد وثوب في الذمة، ولا وقف الحر نفسه.
ولا وقف المستولد، والكلب المعلم.
ولا وقف أحد العبدين في أصح الوجهين.
وأصح الوجهين: أنه لو وقف بناءه وغراسه في الارض المستأجرة لهما جاز.
ثم الوقف إن كان على معين - من واحد، أو جماعة - فيشترط أن الموقوف عليه يمكن تمليكه.
فلا يصح الوقف على الجنين، ولا على العبد نفسه.
ولو أطلق الوقف على العبد.
فهو وقف على سيده.
وليس الوقف على البهيمة يطلق وقفا على مالكها في أصح الوجهين، بل هو لاغ.
ويجوز الوقف على الذمي.
وأصح الوجهين: أنه لا يجوز الوقف على المرتد والحربي، وأنه لا يجوز وقف الانسان على نفسه.
وإن كان الوقف غير معين، بل هو على جهة - كالوقف على الفقراء والمساكين - فينظر إن كانت الجهة جهة معصية، كعمارة البيع.
لم يصح.
وإلا، فإن ظهرت فيه جهة

القربة - كالوقف على العلماء.
وفي سبيل الله والمساجد والمدارس - صح.
ولا يصح الوقف إلا باللفظ.
وصريحه أن يقول: وقفت كذا، أو أرضي موقوفة على كذا.
والتسبيل والتحبيس صريحان.
ويلحق بالصرائح قوله: تصدقت بكذا صدقة
محرمة، أو موقوفة.
أو صدقة لا تباع ولا توهب، على الاصح.
وقوله: تصدقت بمجرده ليس بصريح في الوقف.
ولو نوى لم يحصل الوقف أيضا، إلا إذا أضافه إلى جهة عامة.
كالفقراء.
وقوله: حرمت كذا وأبدته ليس بصريح على الاظهر.
ولو قال: جعلت البقعة مسجدا، فالاظهر: أنها تصير مسجدا.
والاصل في الوقف على المعين: اشتراط القبول، وسواء شرط القبول أم لم يشرط.
فلو زاد بطل حقه.
ولو قال: وقفت هذا سنة فسد الوقف.
ولو قال: وقفت على أولادي، أو على زيد، ثم على عقبه.
ولم يزد عليه.
فأصح القولين: أنه يصح الوقف.
فإذا انقرض من ذكره.
فالاصح: أنه يبقى وقفا، وأن مصرفه أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض من ذكره.
ولو كان الوقف منقطع الاول - مثل قوله: وقفته على من سيولد لي، أو على مسجد بني فلان بموضع كذا - فالاظهر البطلان.
ولو كان منقطع الوسط - كما إذا وقف على أولاده، ثم على رجل، ثم على الفقراء - فالاظهر: الصحة.
ولو اقتصر على قوله: وقفت فالاصح البطلان.
ولا يجوز تعليق الوقف.
كقوله: إذا قدم فلان، أو جاء رأس الشهر، فقد وقفت.
فالاصح البطلان.
ولا يجوز الوقف بشرط الخيار في أصح الوجهين.
والاظهر: أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر.
اتبع شرطه، وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة - كأصحاب الحديث - اتبع شرطه، كما في المدرسة والرباط.
ولو وقف على شخصين، ثم على المساكين.
فمات أحدهما.
فأظهر القولين: أن
نصيبه يصرف إلى صاحبه.

والقياس أن يجعل الواقف في وقفه منقطع الوسط.
وقوله: وقفت على أولادي وأولاد أولادي يقتضي التسوية بين الكل.
وكذا لو زاد: ما تناسلوا، أو بطنا بعد بطن.
ولو قال: على أولادي، ثم على أولاد أولادي، ثم على أولادهم، ما تناسلوا.
فهو للترتيب.
وكذا لو قال: على أولادي وأولاد أولادي، وأولاد أولادي الاعلى فالاعلى، أو الاول فالاول.
ولا يدخل أولاد الاولاد في الوقف على الاولاد في أصح الوجهين.
ويدخل أولاد البنات في الوقف على الذرية والنسل والعقب، وأولاد الاولاد، إلا أن يقول: على من ينسب إلي منهم.
ولو وقف على مواليه، وله معتق ومعتقون.
فهل يبطل الوقف، أو يقسم بينهما؟ فيه وجهان.
رجح كلا منهما مرجحون.
والصفة المتقدمة على الجمل المعطوفة تعتبر في الكل.
كقوله: وقفت على محاويج أولادي وأحفادي وإخوتي وكذا الصفة المتأخرة عنها.
والاستثناء إذا كان العطف بالواو.
كقوله: على أولادي وأحفادي وإخوتي المحاويج منهم، أو إلا أن يفسق أحدهم.
وأصح الاقوال: أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى، أي ينفك عن اختصاصات الآدميين.
ولا يبقى للواقف، ولا يصير للموقوف عليه.
ويملك الموقوف عليه منافع الوقف.
وله أن يستوفيها بنفسه، وأن يقيم عنه مقامه، بإعارة أو إجارة.
ويملك الاجرة، ويملك أيضا فوائده.
كثمرة الشجرة وصوف البهيمة
ولبنها.
وكذا النتاج في أظهر الوجهين.
والثاني أن النتاج يكون وقفا.
وإذا ماتت البهيمة.
فهو أولى بجلدها، ولو وطئت الجارية الموقوفة بالشبهة.
فالمهر له، وكذا مهرها في النكاح إذا جوزنا تزويجها.
وهو الاصح.
وقيمة العبد الموقوف إذا قتل في أصح الوجهين: أنه لا يصرف إلى الموقوف عليه ملكا.
ولكن يشتري بها عبد ليكون وقفا مكانه.
فإن لم يوجد فشقص عبد.
وإذا جفت الشجرة لم ينقطع الوقف في أصح الوجهين، ولكن تباع في أحد

الوجهين.
ويكون الثمن كقيمة العين التي أتلفت.
وفي الثاني: ينتفع بها جذعا.
وهو الذي اختير.
وأظهر الوجهين: أنه يجوز بيع حصر المسجد إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للاحراق.
ولو انهدم المسجد نفسه.
وتعذرت إعادته، لم يبع بحال.
وإن شرط الواقف التولية لنفسه أو لغيره، اتبع شرطه.
وإن سكت عن شرط التولية.
فالذي ينبغي: أن يفتي به، أخذا بكلام معظم الائمة: أنه إذا كان الوقف على جهة عامة.
فالتولية للحاكم.
وإن كان على غير معين.
فكذلك إن قلنا: إن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى.
ولا بد في المتولي من العدالة والكفاية، والاهتداء إلى التصرف.
ووظيفته - إن أطلق الواقف التولية - العمارة والاجارة، وتحصيل الريع، وقسمته على المستحقين.
فإن رسم له ببعض هذه التصرفات لم يتعد عنه.
وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، إلا أن يجعل تولية الشخص شرطا في الوقف.
وإذا أجر المتولي الوقف فزادت الاجرة في المدة أو ظهر طالب للزيادة، انفسخ العقد في أحد الوجهين.
واستمر في أصحها.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: الوقف: قرية جائز بالاتفاق.
وهل يلزم باللفظ أم لا؟ قال مالك والشافعي: يلزم اللفظ وإن لم يحكم به حاكم، وإن لم يخرجه مخرج الوصية بعد موته.
وهو قول أبي يوسف فيصح عنده.
ويزول ملك الواقف عنه.
وإن لم يخرجه الواقف عن يده.
وقال محمد: يصح إذا أخرجه عن يده، وبأن يجعل للوقف وليا، ويسلمه إليه.
وهي رواية عن مالك.
وقال أبو حنيفة: الوقف عطية صحيحة.
ولكنه غير لازم.
ولا يزول ملك الواقف عن الوقف، حتى يحكم به حاكم أو يعلقه بموته.
فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا.
واتفقوا على أن ما لا يصح الانتفاع به إلا بإتلافه - كالذهب والفضة، والمأكول - لا يصح وقفه.
ووقف الحيوان يصح عند الشافعي وأحمد: وهي رواية عن مالك.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح.
وهي الرواية الاخرى عن مالك.

فصل: والراجح من مذهب الشافعي: أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى.
فلا يكون ملكا للواقف، ولا للموقوف عليه.
وقال مالك: ينتقل إلى الموقوف عليه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه مع اختلافهم: إذا صح الوقف خرج عن ملك الواقف.
ولم يدخل في ملك الموقوف عليه.
ووقف المشاع جائز، كهبته وإجارته بالاتفاق.
وقال محمد بن الحسن: بعدم الجواز بناء على أصلهم في امتناع إجارة المشاع.
فصل: ولو وقف شيئا على نفسه: صح عند أبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك والشافعي: لا يصح.
وإذا لم يعين للوقف مصرفا - بأن قال: هذه الدار وقف - فإن ذلك يصح عند مالك، وكذلك إذا كان الوقف منقطع الآخر - كوقفت على أولادي وأولادهم - ولم يذكر
بعدهم: الفقراء.
فإنه يصح عنده.
ويرجع ذلك بعد انقراض من سمي إلى فقراء عصبته.
فإن لم يكونوا فإلى فقراء المسلمين.
وبه قال أبو يوسف ومحمد.
والراجح من مذهب الشافعي: أنه لا يصح مع عدم بيان المصرف.
والراجح: صحة منقطع الآخر.
فصل: واتفقوا على أنه إذا خرب الوقف لم يعد إلى ملك الواقف.
ثم اختلفوا في جواز بيعه، وصرف ثمنه في مثله، وإن كان مسجدا.
فقال مالك والشافعي: يبقى على حاله فلا يباع.
وقال أحمد: يجوز بيعه وصرف ثمنه في مثله.
وكذلك في المسجد إذا كان لا يرجى عوده.
وليس عند أبي حنيفة نص فيها واختلف صاحباه فقال أبو يوسف: لا يباع.
وقال محمد: يعود إلى مالكه الاول.
واختلفوا فيما إذا وقف على غيره، واستثنى أن ينفق ريعه على نفسه مدة حياته.
فقال مالك والشافعي: لا يصح الشرط.
وقال أحمد: يصح.
وليس فيها عن أبي حنيفة نص.
واختلف صاحباه، فقال أبو يوسف: كقول أحمد.
وقال محمد: كقول مالك والشافعي.
واختلفوا فيما إذا وقف على عقبه، أو على نسله، أو على ولد ولده، أو على ذريته.
هل يدخل أولاد البنات؟ فقال مالك في المشهور عنه وأحمد: لا يدخلون.
وقال الشافعي وأبو يوسف: يدخلون.
وقال أبو حنيفة: إذا قال: وقفت على عقبي فلا يدخل فيه ولد البنات.
فإن قال: على ولد ولدي فالمشهور من مذهبه: أنهم لا يدخلون.
وقال الخصاف: مذهب أبي حنيفة: أنهم يدخلون، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد.
وأما

النساء والذرية: ففيه روايتان عن أبي حنيفة.
واختلفوا فيما إذا أذن للناس في الصلاة في أرضه، أو في الدفن فيها.
فقال أبو حنيفة: أما الارض فلا تصير مسجدا، وإن نطق بوقفها، حتى يصلي فيها.
وأما المقبرة: فلا تصير وقفا، وإن أذن فيه ونطق به ودفن فيها.
وله الرجوع فيه في إحدى الروايتين
عنه، ما لم يحكم به حاكم، أو يخرجه مخرج الوصايا.
وقال الشافعي: لا يصير وقفا بذلك حتى ينطبق به.
وقال مالك وأحمد: يصير وقفا بذلك وإن لم ينطق به.
واختلفوا فيما إذا وقف في مرض موته على بعض ورثته، أو قال: وقفت بعد موتي على ورثتي، ولم يخرج من الثلث.
فقال أصحاب أبي حنيفة: إن أجازه سائر الورثة وإن لم يجيزوه، صح في مقدار الثلث بالنسبة إلى من يؤول إليه بعد الوارث، حتى لا يجوز بيعه.
ولا ينفذ في حق الوارث، حتى تقسم الغلة بينهم على فرائض الله تعالى.
فإن مات الموقوف عليه، فحينئذ ينتقل إلى من يؤول إليه.
ويعتبر فيهم شرط الواقف.
فيصير وقفا لازما.
وقال مالك: الوقف في المرض على وارثه خاصة لا يصح.
فإن أدخل معه فيه أجنبيا.
صح في حق الاجنبي.
وما يكون للوارث فإنه يشارك بقية الورثة فيه، ما داموا أحياء.
وقال أحمد: يوقف منه مقدار الثلث.
ويصح وقفه وينفذ، ولا يعتبر إجازة الورثة.
وعنه رواية أخرى: أن صحة ذلك تقف على إجازة الورثة.
وقال أصحاب الشافعي: لا يصح على الاطلاق، سواء كان يخرج من الثلث أو لا يخرج إلا أن يجيزه الورثة.
فإن أجازوه نفذ على الاطلاق.
واختلفوا فيما إذا وقف على قوم، ولم يجعل آخره للفقراء والمساكين.
فقال مالك وأحمد: يصح الوقف.
وإذا انقرض القوم الموقوف عليهم يرجع إلى الفقراء والمساكين.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: كقول مالك وأحمد.
والثاني: الوقف باطل.
وقال أبو حنيفة: لا يتم الوقف، حتى يكون آخره على جهة لا تنقطع.
واختلفوا فيما إذا وقف موضعا وقفا مطلقا، ولم يعين له وجها.
فقال مالك وأحمد: يصح.
ويصرف في وجوه البر والخير.
وقال الشافعي: هو باطل في الاظهر من قوليه.
فائدة: ما ذكر في حصر المسجد ونظائره: هو فيما إذا كانت موقوفة على المسجد.
أما ما اشتراه الناظر، أو وهبه واهب وقبله الناظر: فيجوز بيعه عند الحاجة بلا خلاف.
وإذا خرب المسجد وخربت المحلة التي حوله، وتفرق الناس عنها، فللامام صرف نقضه إلى مسجد آخر، وصرفه إلى الادنى فالادنى أولى.
وليس للامام صرف نقضه إلى

بناء حوض، أو مدرسة، أو رباط.
وقال أحمد: كل وقف لا يرد شيئا وخرب، يباع ويشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف.
انتهى.
المصطلح: وهو يشتمل على صور.
ولها عمد.
وهي: ذكر الواقف، ونسبه، وصحة عقله وبدنه، وذكر الموقوف، من دار أو غيرها، وذكر حدودها، وذكر سبل الوقف، مؤبدا ولا منقطعا، وأن يكون ابتداؤه على موجود، وبعده على موجود وغير موجود، وإخراج ذلك من يد الواقف إلى من يجوز قبضه، وقبول الموقوف عليه إن كان معينا، وقبول القيم ما جعل للمسجد، لا قبول وقفه، فإنه كالجهة.
والظاهر من مذهب أحمد: لا يفتقر إلى القبول، ولا يبطل برده.
لانه إزالة ملك على وجه القربة.
فأشبه العتق، والوقف على غير معين.
وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك مبينا.
قاعدة: اعلم أن الاوقاف في الغالب لا تصدر إلا من ملك أو سلطان، أو كافل مملكة شريفة، أو أمير من أعيان الامراء المقدمين، ومن في درجتهم.
وغالب ما يصدر من هؤلاء من الاوقاف: لا يكون إلا على جهة بر وقربة، من صدقة على الفقراء والمساكين، وستر عوراتهم.
وعتق رقابهم، وعمارة طرقات المسلمين.
وسد حوائجهم، وفكاك الاسرى منهم في أيدي الكفار.
وما في معنى ذلك من بر ومثوبة، كبناء الجوامع، والمدارس والمساجد، والخوانق، ودور القرآن العظيم.
والحديث الشريف النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام.
والبيمارستانات، وخانات السبل، ومكاتب الايتام، وحفر الآبار والانهار والعيون، وأحواض الماء المعدة لشرب البهائم.
ومنهم من يقف على ذريته ومعتقيه، ثم على الفقراء والمساكين، والارامل والايتام
والمحتاجين، كما جرت به عادة الملوك والسلاطين المتقدمين.
رحمهم الله تعالى.
وكذلك من في يده شئ ويريد إيقافه على جهة من الجهات المذكورة، أو على أولاده، أو على جهة بر.
وإن صور الكتابة في ذلك تختلف باختلاف حالات الاوقاف، وحسب مقامات الواقفين.
فمنها: ما يحتاج أن يصدر فيه بخطبة تليق بمقام الواقف، وتفصح بترغيبه في حصول الاجر والمثوبة والقربة.

ومنها: ما يصدر كتاب وقفه بغير خطبة.
وهذا أيضا يختلف باختلاف مقام الواقف.
فتارة يصدر بقوله: هذا كتاب وقف صحيح شرعي، وحبس صريح مرعي.
أمر بكتابته وتسطيره، وإنشائه وتحريره، مولانا المقام الشريف الفلاني، أو المقر الاشرف الفلاني، أو الجناب الكريم الفلاني.
ومنها: ما يصدر بقوله: هذا كتاب وقف، اكتتبه فلان الفلاني، وأشهد عليه بمضمونه في حال صحته وسلامته وطواعيته واختياره، وجواز أمره، وهو أنه وقف.
ومنها: ما يصدر بقوله: هذا ما أشهد به على نفسه الكريمة - حرسها الله ورعاها، وشكر في مصالح المسلمين مسعاها - فلان الفلاني: أنه وقف وحبس إلى آخره.
ومنها: ما يصدر بقوله: هذا ما وقف وحبس وسبل - إلى آخره - فلان الفلاني.
ومنها: ما يصدر بقوله: وقف وحبس - إلى آخره - فلان الفلاني.
ويجري الكلام في الوقف على مقتضى غرض الواقف، وعلى ما يتقرر عليه الحال ويقتضيه رأيه، وينص عليه مما يسوغ شرعا.
واعلم أن كتب الاوقاف، وإن اختلفت حالاتها في الوضع باعتبار ما تقدم ذكره.
فمدارها كلها على ألفاظ صريحة، لا يصح الوقف إلا بها، وأحكام لا بد من الاتيان بها
في ترتيب كل وقف.
وشروط يجب اعتبارها في أصل الوقف، وتذييل بتحرير وتقدير، وترغيب وترهيب وتخويف، بسبب تبديل أو تحريف أو إبطال يراد بالوقف على ما جرت به عادة الكتاب في مثل ذلك.
وقد أحببت أن أقدم بين يدي ما اشتمل عليه كتاب الوقف من هذا الكتاب ذكر هذه القاعدة، ليستعمل منها الكاتب في كل وقت ما يليق بمقام واقفه.
وأتبعتها بصدر يستعمل في سائر الاوقاف، ويصير علما على الوقف الذي يكتبه الكاتب ليسهل تناوله، ويستغني به عن التكرار في كل صورة من الصور بقصد الاختصار.
وبالله أستعين.
فهو نعم المعين.
وصورة الصدر، وما يتعلق به من الشروط الضرورية التي لا بد منها: أنه وقف وحبس، وسبل وحرم، وأبد وتصدق، وخلد وأكد، ما سيأتي ذكره فيه، الجاري ذلك في يده وملكه وتصرفه وحيازته، واختصاصه إلى حين صدور هذا الوقف بذكره أو بشهادة من يعين ذلك في رسم شهادته آخره، أو أظهر من يده مكتوبا، رقا أو كاغدا، يشهد له بصحة ملكيته لذلك، مؤرخا بكذا.
ثابتا بالشرع الشريف.
وسيخصم

بقضية هذا الوقف الذي سيشرح فيه خصما شرعيا.
موافقا لتاريخه ولشهوده، وذلك جميع كذا وكذا، ويصفه ويحدده وقفا صحيحا شرعيا.
وحبسا صريحا مرعيا.
لا يباع ولا يوهب، ولا يورث، ولا يرهن، ولا يملك، ولا يستبدل، ولا يناقل به، ولا ببعضه، ولا يتلف بوجه تلف قائما على أصوله، مشتملا على شروطه التي ستشرح فيه، مبتغيا فيه مرضاة الله تعالى، متبعا فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا يبطله تقادم دهر، ولا يوهنه اختلاف عصر، بل كلما مر عليه زمان أكده.
وكلما أتى عليه عصر أو أوان أظهره وثبته وشدده.
أنشأ الواقف امشار إليه - أجرى الله الخيرات على يديه - وقفه هذا على كذا وكذا - ويعدد جهات الوقف، ويرتبه على مقتضى قصده الذي أجراه عليه معينا مبينا - ثم
يقول: على أن الناظر في هذا الوقف، والمتولي عليه يبدأ من ريع الموقوف ومستغله بعمارته وترميمه، وإصلاحه بما فيه بقاء عينه، وتحصيل غرض واقفه، ونمو مستغله، وما فيه الزيادة لاجوره ومنافعه.
وما فضل بعد ذلك يصرفه في مصارفه المعينة أعلاه - ويذكر المصرف إلى آخره - ثم يقول: يبقى ذلك كذلك أبد الآبدين، ودهر الداهرين، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
ومآل هذا الوقف، عند انقطاع سبله، وتعذر جهاته: إلى الفقراء والمساكين من أمة سيد المرسلين محمد (ص)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وشرط الواقف المشار إليه النظر في وقفه هذا والولاية عليه لنفسه مدة حياته، يستقل به وحده لا يشاركه فيه مشارك، ولا ينازعه فيه منازع، ولا يتأول عليه فيه متأول، وله أن يوصي به ويسنده ويفوضه إلى من شاء، ولمن يسند إليه أو يوصي له به مثل ذلك واحدا بعد واحد على ممر الايام والشهور والاعوام والدهور.
ثم من بعد وفاته إلى رحمة الله تعالى لولده فلان، أو للارشد فالارشد من أولاده وأولاد أولاده وذريته ونسله وعقبه من أهل الوقف المذكور.
فإذا انقرضوا عن آخرهم، ولم يبق منهم أحد.
وخلت الارض منهم أجمعين: كان النظر في ذلك لفلان - ويعينه - أو لحاكم المسلمين بالبلد الفلاني على ما يختاره الواقف.
وشرط هذا الواقف المذكور - وفر الله له الاجور - أن لا يؤجر وقفه هذا ولا شئ منه، إلا سنة فما دونها، بأجرة المثل فما فوقها، وأن لا يدخل المؤجر عقدا على عقد حتى تنقضي مدة العقد الاول ويعود المأجور إلى يد الناظر في أمره.
وإن شرط في الاجارة أكثر من سنة فيعينها.
ثم يقول: وأخرج الواقف المشار إليه - أفاض الله نعمه عليه - هذا الوقف عن

ملكه، وقطعه من مالك، وصير صدقة بتة بتلة، محرمة مؤبدة، جارية في الوقف المذكور
على الحكم المشروح أعلاه حالا ومآلا، وتعذرا وإمكانا.
ورفع عند يد ملكه.
ووضع عليه يد نظره وولايته.
وقد تم هذا الوقف ولزم ونفذ حكمه، وأبرم.
واكتملت شروطه واستقرت أحكامه.
وصار وقفا من أوقاف المسلمين، محرما بحرمات الله تعالى الاكيدة، مدفوعا عنه بقوته الشديدة، لا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه صائر: أن ينقض هذا الوقف ولا يغيره، ولا يفسده ولا يعطله، ولا يسعى في إتلافه، ولا في إبطاله، ولا إبطال شئ منه، بأمر ولا فتوى ولا مشورة، ولا تدقيق حيلة، ولا وجه من وجوه الاتلاف.
وهو يستعدي الله على من قصد وقفه هذا بفساد أو عناد، ويحاكمه لديه، ويخاصمه بين يديه، يوم فقره وفاقته، وذله ومسكنته ودهشته وحيرته، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
فمن سعى في ذلك، أو تكلم فيه، أو أشار إليه، أو ساعد عليه، سود الله وجهه، وجعله من الاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا.
وعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين من الملائكة والناس أجمعين.
ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، ولا يزكي له قولا ولا فعلا: * (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) * ومن أعان على إثباته وتقريره في جهاته، واستقراره في أيدي مستحقيه، برد الله مضجعه، ولقنه حجته.
وجعله من الآمنين المطمئنين الفرحين المستبشرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وقبل الواقف المشار إليه ماله قبوله من ذلك قبولا شرعيا.
وأشهد على نفسه الكريمة بذلك، وهو بحال الصحة والسلامة والطواعية والاختيار، وجواز أمره شرعا.
ويؤرخ الكتاب.
وصورة وقف جامع أنشأه بعض الملوك.
ووقفه، ووقف عليه: الحمد لله المحسن القريب، السميع المجيب، الذي من عامله لا يخيب.
وعد الله
المتصدق أجرا عظيما، وأعد للمحسن جنة ونعيما.
ولم يزل سبحانه بعباده برا رؤوفا رحيما، منعما متفضلا حليما كريما، وقدم لمن كفر الوعيد، ووعد من شكر بالمزيد.
وأعطى من صبر ما يريد، وبلغ من قصده مناه، وسلم من سلم لما قضاه، وأمن من لجأ إلى حماه، ونعم من تطهر بالصدقات، ورفعه إلى أعلى الدرجات.
فليفعل العبد ما هو فاعل من المعروف، ليكون له عند الله ذخرا، ويمنحه من أجله ثوابا وأجرا.
ويجزيه على

ذلك أفضل الجزاء بالجمع بين خيري الدنيا والاخرى، ويصفه بين عباده المتصدقين بقوله: * (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى) *.
نحمده على إحسانه الوافر البسيط، المديد الطويل الكامل، ونشكره على جوده المتواتر السريع، الكافي الشافي الكامل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خير كلمة نطق بها لسان، وقربها إنسان عين إنسان.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المبعوث من تهامة، المظلل بالغمامة، القائل وقوله أصدق ما زين به متكلم كلامه: العبد تحت ظل صدقته يوم القيامة (ص) وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين.
وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن الصدقات المبرورة حجابا لكل متصدق من النار، وظلا يأوي إليه من ألهمه الخير.
ووفقه لعمارة بيوته التي: * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ئ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتآء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ئ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشآء بغير حساب) * ويدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار.
وكان المتقرب إلى الله تعالى بهذا المعروف الذي يضاهى.
والعمل الذي أجوره ومثوباته لا تتعدد ولا تتناهى.
مولانا المقام الاعظم، الشريف العالي المولى السلطاني
الملكي الفلاني - أحله الله تعالى في أعلى درجات الامامة.
وبلغه بمقاصده الحسنة منازل المتقين في دار الكرامة.
وجعله ممن يأتي آمنا يوم القيامة - هو الذي رغب في سلوك سبل الخيرات ففاز بسلوكها.
ووجب شكر إنعامه على سوقة البرية وملوكها، لحظته العناية الربانية في عمارة مسجده الجامع، الذي اشتمل من أنواع العبادة، والهيئات الحسنة، على ما يعجز الواصف، ويوجب بسط الايدي بالدعاء، الجاري على معناه القاعد للواقف.
فلذلك أشهد على نفسه الشريفة الزكية - صانها الله تعالى عن سائر الحوادث العرضية - أنه وقف - إلى آخر ما سيأتي ذكره فيه معينا.
وشرحه مبينا - الجاري في يده الشريفة، وملكه الشريف، إلى حين صدور هذا الوقف المبرور، بشهادة من يعين ذلك في رسم شهادته آخر هذا الكتاب المسطور.
وذلك جميع المكان المبارك المستجد الانشاء بالمكان الفلاني، الكامل أرضا وبناء، المعروف بإنشاء مولانا السلطان المشار إليه - خلد الله ملكه.
وجعل الارض

بأسرها ملكه - المشتمل على كذا وكذا - ويصفه ويصف جميع ما يشتمل عليه وصفا تاما كاملا.
ويحدده، ويصف جميع الموقوف عليه، كل مكان على حدة - ثم يقول: بجميع حقوق ذلك كله، وطرقه ومرافقه، وقبابه ورخامه وبلاطه، ومنبره وسدته، وكراسي القرآن العظيم، والحديث الشريف النبوي المصوبة به، والمصاحف الشريفة الثلاثة الكبار، التي قطع أوراقها غازاني، بكتابة محققة مذهبة مزمكة بفواتح وخواتم وأوائل السور الشريفة، وبترات فاصلة بين الآيات، وعلامات الاحزاب بالهوامش، مجلدة بجلود حمر، ضرب خيط مصري، أو عجمي، متقنة التجليد والنقش، بأكياس من الحرير الاطلس، وبنود من الحرير الملون.
والربعتين الشريفتين الكبيرتين، المشتملة كل واحدة منهما على كتابة بقلم خفيف الثلث، أو المحقق، وتذهيب - بنحو ما ذكر في المصاحف - وكل ربعة ثلاثون جزءا، كل واحدة منهما ضمن صندوق مجلد منقوش.
وكتب الاحاديث الشريفة
النبوية، وهي: صحيح الامام حافظ الاسلام محمد بن إسماعيل البخاري، كذا وكذا مجلدا - وصف الكتب جميعها.
ويذكر أسماء مؤلفيها، وعدة أجزائها - فإذا انتهى من ذكر ذلك يقول: وبحقوق جميع ما حدد ووصف في هذا الكتاب من الحوانيت، وأغلاقها وجملوناتها، وبحقوق القرى الكاملة والحصص الشائعة من القرى المذكورة بأعاليه.
وأراضي ذلك، وأقاصيه وأدانيه - إلى آخره - وبحق المكان المبارك المحدود أولا من الماء الواصل إليه من القناة الفلانية، أو النهر الفلاني.
وبحق ما للقرى الكاملة، والحصص الشائعة من الماء المعد لسقي أراضيها من العيون والانهار المعروفة بكذا وكذا.
وهو حق قديم واجب مستمر دائم، ما جرى الماء في القنوات والانهار والعيون، ووصل إلى ذلك في مجاري مياهه في حقوقه ورسومه، خلا ما في القرى المذكورة من طريق المسلمين ومساجدهم ومقابرهم، والاراضي الموقوفة على المساجد المعروفة، المعلومة بالوصف والحدود، والاقرار بين الواقف المشار إليه وبين مستحقي الاوقاف المشار إليها المعرفة الشرعية، النافية للجهالة، وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره.
فأما المكان المبارك المبدأ بذكره ووصفه وتحديده فيه: فإن هذا الواقف المشار إليه - نجح الله آماله، وختم بالصالحات أعماله - وقفه مسجدا لله تعالى.
وجعله بيتا من بيوت رب العالمين، وجامعا من جوامع المسلمين، تتوالى فيه الخطب والصلوات، ويأوي إليه أهل الخلوات، وتتلى فيه آيات القرآن، ويعلن في منائره بالاذان، ويسبح فيه بالعشي والابكار، ويعبد فيه من لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار.
وأذن للمسلمين في الدخول إليه، والصلاة فيه، وأن يترددوا للعبادة والاعتكاف في جوانبه ونواحيه.

وأما بيت الخطابة، المعين بأعاليه، والمنبر الذي بهذا الجامع والسدة المقابلة له: فإنه - أثابه الله وأجره - وقف ذلك لينتفع مثله بمثل هذا المكان المبارك على الوجه
الشرعي.
وأما باقي ما وقفه في هذا الكتاب المشروح بأعاليه: فإنه وقف الثلثين الشائعين مثلا، أو النصف الشائع مثلا، أو الجميع من كل مكان كامل، حصة شائعة على الجامع المذكور المعمور، وإصلاحه وفرشه، ووقود مصابيحه، وأرباب الوظائف به.
وغير ذلك مما سيأتي ذكره فيه.
على أن الناظر في هذا الوقف والمتولي عليه يستغل ما يختص بالوقف المذكور من الموقوف المعين أعلاه بنفسه، أو بمن يستنيبه عنه في ذلك بسائر وجوه الاستغلالات الشرعية.
ويبدأ من ذلك بعمارة جميع ما وقف عليه وترميمه وإصلاحه، وما فيه بقاء عينه، وتحصيل غرض واقفه، وفرش الجامع المذكور وشراء آلات برسم الوقود به، والتنوير فيه، وفيما هو من حقوقه، وشراء آلات برسم كنس الجامع المذكور وتنظيفه، وما يحتاج إليه، ويصرف في ثمن زيت يستصبح به فيه كل شهر كذا، بحيث يوقد من ذلك في كل ليلة من العشاء إلى الصباح كذا وكذا مصباحا، ويصرف في ثمن زيت برسم الوقود في أيام المواسم المعتادة كذا.
ويصرف في كل شهر إلى القنواتي القائم بوظيفة إجراء الماء إلى الجامع المذكور كذا، ويصرف في كل شهر إلى الخطيب بالجامع المشار إليه كذا، وإلى الامام الراتب به على أن يؤم بالمسلمين في أوقات الصلوات المفروضة والنوافل المعتادة في كل شهر كذا - فإن عين الخطابة والامامة لشخصين بعينهما ذكرهما أو لشخص بعينه نص عليه - ثم يقول: من بعد وفاة فلان المذكور، أو من بعد وفاتهما يقرر الناظر فيه في الوظيفتين المذكورتين من هو من أهل الخير والدين، إما أن يكون شافعيا، أو حنفيا.
ويصرف في كل شهر لكذا وكذا نفرا من المؤذنين الحسنى الاصوات، الذين يرتبهم الناظر فيه بالمأذنة المذكورة للتأذين في الاوقات الخمس والتسبيح في الاسحار والتذكير
قبل الجمعة.
والتبليغ خلف الامام الراتب، وللخطيب به كذا وكذا.
ويصرف لرؤساء الميقات - وعدتهم كذا وكذا نفرا - كذا وكذا في نوبة أو نوبتين أو ثلاثة.
كل نوبة كذا وكذا نفرا من المؤذنين.
واحدا من رؤساء الميقات يباشر الاوقات، ويعلم بالاوقات ودخولها.

ويصرف للمرقي كذا وكذا.
ويصرف لكذا وكذا نفرا من القراء الحسنى الاصوات، التالين لكتاب الله في كل شهر كذا، بحيث يجتمع منهم في صبيحة كل يوم كذا وكذا نفرا، جوقة واحدة، يقرأون بشباك الجامع المشار إليه الغربي أو الشرقي، بعد صلاة الصبح حزبا كاملا، أو جزءا كاملا.
قراءة مرتلة يفهمها من يسمعها.
وكذلك يفعل الباقون من القراء بعد صلاة العصر.
ويدعون للواقف عقب القراءة ويترحمون عليه.
وعلى أموات المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات.
ويصرف في كل شهر إلى قارئ يرتبه النظر في أمر هذا الوقف لقراءة ما تيسر له قراءته من الاحاديث الشريفة الصحاح النبوية في كل يوم جمعة، أو إثنين، أو خميس، من كل أسبوع، ويدعو عقب القراءة للسلطان السعيد الشهيد فلان، ويترحم عليه، ويدعو للواقف المشار إليه وذريته ووالديه بما يسره الله تعالى، وأجراه على لسانه - ويعين كل واحد من أرباب الوظائف وما يصرف إليه في كل شهر إلى آخرهم، مراعيا شرط الواقف وترتيبه.
ثم يقول: وشرط الواقف على كل واحد من أرباب الوظائف بالجامع المشار إليه: مواظبة وظيفته، وأداؤها على الوضع الشرعي.
ومن سافر منهم أو مرض، فعليه أن يستنيب عنه من يقوم مقامه في وظيفته إلى حين إيابه من سفره، أو شفائه من مرضه.
وإذا انتهى من ذكر الجامع، وذكر أرباب وظائفه، وما هو مقرر له فيه، واستوعب ذلك استيعابا حسنا، وأوضحه إيضاحا بينا يقول: وأما الثلث الباقي من الموقوف المعين
بأعاليه، أو النصف مثلا - بعد الجامع المشار إليه - فقد أنشأ الواقف المشار إليه وقف ذلك على نفسه مدة حياته، ثم من بعده على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على أولاد أولاد أولاده، ثم على نسله وعقبه بينهم على حكم الفريضة الشرعية، للذكر مثل حظ الانثيين، على أن من توفي منهم أجمعين عن ولد، أو ولد ولد، أو نسل أو عقب، عاد نصيبه من ذلك وقفا على ولده، ثم على ولد ولده، ثم على نسله وعقبه.
ومن مات منهم أجمعين عن غير ولد، ولا ولد ولد، ولا نسل ولا عقب.
عاد نصيبه من ذلك وقفا على من هو معه في درجته.
وذوي طبقته من أهل الوقف.
ومن مات منهم قبل أن يصل إليه شئ من هذا الوقف وترك ولدا أو ولد ولد، أو نسلا أو عقبا، استحق من الوقف ما كان يستحقه والده لو بقي حيا، يجري ذلك كذلك أبدا ما توالدوا، ودائما ما تناسلوا وتعاقبوا، بطنا بعد بطن، وقرنا بعد قرن، وطبقة بعد طبقة.
لا يشاركهم فيه مشارك، ولا ينازعهم فيه منازع، ولا يتأول عليهم فيه متأول.
فإذا انقرضوا بأجمعهم، وخلت الارض

منهم أجمعين.
ولم يبق أحد ممن ينتسب إلى الواقف المشار إليه بأب من الآباء، ولا بأم من الامهات.
عاد ذلك وقفا على مصالح الجامع المشار إليه، تصرف أجوره ومنافعه في زيادة معاليم أرباب الوظائف به، وزيادة فرشه وتنويره وإصلاحه كل ذلك على ما يراه الناظر فيه، ويؤديه إليه اجتهاده في الزيادة والتفضيل والمساواة، يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله، وتعذر جهاته: إلى الفقراء والمساكين - إلى آخره.
وشرط الواقف المشار إليه النظر في ذلك كله، والولاية عليه، لنفسه الشريفة - إلى آخره.
وشرط الواقف المشار إليه - أجزل الله ثوابه، ووصل بأسباب الخيرات أسبابه - أن
يقرأ كتاب الوقف في كل سنة مرة بحضرة أرباب الوظائف بالجامع المذكور، ليتذكروا الشرائط، ولا ينسوا الضوابط، وليعلم كل واحد منهم ما له، وما عليه من العمل.
ويعمل بذلك.
ويتعاهد الكتاب بالاثبات، ويضبط بالشهادات، ويكتب به النسخ عند الحاجات والضرورات، بحيث لا يمحى اسمه، ولا يندرس رسمه.
وشرط أن لا يؤجر وقفه هذا، ولا شئ منه - إلى آخره.
وأخرج هذا الوقف - عوضه الله خيرا، وأجزل له ثوابا وأجرا - جميع ما وقفه في هذا الكتاب عن ملكه - إلى آخره.
فقد تم هذا الوقف ولزم ونفذ حكمه، وأبرم.
ويكمل ويؤرخ.
وإذا ثبت على حاكم حنفي حكم بصحته، مع علمه بالخلاف في صحة وقف الانسان على نفسه، ووقف المشاع، ووقف ما لم يره الواقف، ووقف المنقول من المنبر وغيره.
واشتراط النظر لنفسه، وبجواز ذلك جميعه عنده شرعا.
انتهى.
وصورة وقف جامع على صفة أخرى: الحمد لله المقسط الجامع، الغني المغني المانع، الضار النافع.
قابل الصدقات من المتصدقين،.
ومانح فاعلي الخيرات أسباب مضاعفة الاجور، بدوام صلات المسترزقين، نحمده على نعمه التي من بها على من تمسك من مزيد فضله وبره بحسن اليقين.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تحلنا مع أهل طاعته في أعلى درجات المرتقين.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين، وإما المتقين، وغمام

المستقين.
القائل (ص): المؤمن تحت ظل صدقته يوم القيامة وناهيك بهذا الوصف الحسن الذي ينال به المتصدق الحظ الاوفى، بواسطة صدقته الجارية على المستحقين.
(ص)، وعلى آله وصحبه أجمعين، الذين كانوا على القيام بما شرع لهم من الدين القيم متفقين، غير مفترقين.
صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فلما كان الوقف من القرب المندوب إليها.
والطاعات التي وردت السنة الشريفة بالحث عليها.
وهو من أجل القربات المبرورة.
وأفضل الاعمال التي لم تزل الاجور لفاعلها في الدارين موفورة، وكان لا يلحق العبد الصالح بعد مماته من الاعمال الصالحات إلا إحدى ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له بأفضل الدعوات.
وما أسعد من أنفق ماله ليرضى به ربه، وينتظم في سلك الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة) * فلذلك وقع الالهام الالهي في نفس فلان - أنجح الله قصده، وأناله خير ما عنده - المبادرة إلى هذه المثوبة الكبرى، ليفوز بكمال أجورها، ويحوز مضاعفة ثوابها وبرها.
عملا بقول الله تعالى وهو أصدق القائلين: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * فاستخار الله الذي ما خاب من استخاره، ولا ندم من استجاره.
وأشهد على نفسه النفيسة - صانها الله وحماها، وحرس من الغير حماها - أنه وقف وحبس - إلى آخره - جميع المكان المبارك العالي البناء، الواسع الفناء، المستجد الانشاء، المعروف بعمارة الواقف المشار إليه وإنشائه، المشتمل على مسجد جامع بقبليه وشرقيه، وشمالية وغربيه - ويصف ما يشتمل عليه المكان من الاشتمالات كلها: من الاروقة والشبابيك والمحاريب والخزائن.
ويصف الميضأة وبركتها، وبيوت راحتها وعدتها.
وإن كانت من المتصلة به أو المنفصلة عنه.
ويصف جميع المنقولات من جميع الموقوف على الجامع، كالمنبر والكراسي، والمصاحف والربعات، وكتب الحديث.
ويحدد المكان، ثم يذكر جميع الموقوف عليه، من الحوانيت والقرى الكاملة والحصص الشائعة.
وغير ذلك، ويحدد كل مكان على حدة - ثم يقول: بجميع حقوق الكامل من ذلك.
وبحق المشاع من حقوق ما هو منه - إلى آخره - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول: فأما المكان المبارك الموصوف المحدود بأعاليه أولا: فإن الواقف المشار إليه وقفه

مسجدا جامعا، ومعبدا لله تعالى، تتوالى فيه الخطب والاعياد والجمع والصلوات، وتتلى فيه الآيات، وأذن للمسلمين بالصلاة والاعتكاف فيه.
ومكنهم من التردد والعبادة في جوانبه ونواحيه.
وأما الميضأة المذكورة فيه: فإنها من جملة منافعه ومصالحه، مسبلة للاستنجاء والتطهر والوضوء للمسلمين المصلين بالجامع المشار إليه وغيرهم.
وأما باقي الموقوف المحدود الموصوف بأعاليه: فإن الواقف وقف ذلك على مصالح المسجد الجامع المشار إليه.
وجعله مصرفا فيه وعليه، من عمارة وفرش وتنوير وآلات، ومعلوم للمرتبين به، وغير ذلك مما لا بد له منه، ولا غنى له عنه، حسبما يأتي ذكره فيه مبينا، وشرحه مفصلا معينا.
على أن المتكلم في هذا الوقف والناظر عليه، والمسند أمره إليه، وما يتعلق به: يبدأ من ارتفاعه بعمارته وتثميره، وإصلاحه وتكثيره، وما فيه الزيادة لمنافعه وأجوره، على جري العادة في مثله.
ومستقر القاعدة في نظيره وشكله، بحيث لا يفرط ولا يفرط، ولا يخرج في سلوكه عن المسلك المتوسط، ولا يهمل حقا معينا، ولا يغفل عن أمر يكون صلاحه بينا، ولا يحصل درهما إلى من حله، ولا يؤخره عن وقت وجوبه ومحله، ليكون هذا الوقف مقبولا مبرورا، وليبقى بالتقوى مغمورا، ويحسن التصرف معمورا.
ومهما فضل بعد ذلك يصرف منه ما تدعو الحاجة إليه، من ثمن حصر وبسط، وزيت ومصابيح وآلات، وما لا بد منه.
ويصرف في كل شهر من شهور الاهلة كذا وكذا إلى رجل من أهل العلم الشريف والقرآن العظيم، شافعي المذهب، أو حنفي يرتب خطيبا بالجامع المشار إليه، على أن يخطب للناس في كل جمعة على منبره المستقر به، ثم يصلي بهم في كل سنة صلاتي العيدين، الفطر والاضحى، ويخطب بعد الصلاتين المذكورتين على العادة، ويدعو عقب كل صلاة للواقف والمسلمين، ملازما وظيفته على عادة أمثاله.
ويصرف منه في كل شهر كذا إلى رجل حافظ لكتاب الله العزيز، جيد الحفظ، جيد القراءة، صحيح الاداء، حسن الصوت.
ويرتب إماما راتبا، ليقوم بوظيفة الامامة في
الصلوات الخمس المفروضات بالمحراب المشار إليه، وبصلاة التراويح في شهر رمضان من كل سنة، وصلاة خسوف القمر، وكسوف الشمس، وصلاة الاستسقاء عند وجود السبب الموجب لذلك.
ويدعو عقيب كل صلاة للواقف والمسلمين، ملازما وظيفته على عادة أمثاله.
ويصرف منه في كل شهر كذا إلى رجل من أهل الخير والدين والصلاح، حافظ لكتاب الله العزيز، حسن الصوت، يرتب قارئا بالجامع المشار إليه، على أنه يحضر في كل يوم في الوقت الفلاني، أو في كل يوم جمعة قبل الصلاة، ويقرأ على الكرسي

المنصوب لذلك في المصحف الشريف المستقر فيه ما تيسر من القرآن ترتيلا، أو شيئا يعينه، ويدعو عقب القراءة للواقف والمسلمين.
ويصرف منه كل شهر كذا إلى رجل من أهل الخير والدين والصدق، عارف بعلم الوقت، يرتب مؤقتا بالجامع المشار إليه، على أن يعلم المؤذنين بدخول الوقت للصلوات.
والتسبيح وقت الاسحار، والتذكير يوم الجمعة، ملازما وظيفته على عادة أمثاله.
ويصرف منه كل شهر كذا إلى كذا وكذا نفرا، من المؤذنين الصيتين المشهورين بالخير والصلاح، يرتبون لترتيل الاذان بمأذنة الجامع المشار إليه، على أنهم يؤذنون بها في الاوقات الخمسة في كل يوم وليلة، ويقيمون الصلاة.
ويدرجون الاقامة، ويبلغون التكبير خلف الامام.
ويسبحون في الثلث الاخير من كل ليلة، ويذكرون بالمنارة قبل صلاة الجمعة من كل أسبوع في نوبة أو نوبتين أو ثلاثة، في كل نوبة كذا وكذا نفرا، إذا خرجت نوبة دخلت أخرى، وهلم جرا، والمعلوم بينهم بالسوية، أو مفصلا لكل شخص كذا.
ويصرف منه كل شهر كذا إلى رجل من أهل الخير والصلاح، حسن الصوت،
يرتب مرقيا بالجامع المشار إليه.
ويذكر المبخر وماله من المعلوم، والقومة والفراشين وعدتهم، وما لهم من المعلوم، على أنهم يباشرون خدمته في الكنس والغسل والتنظيف والفرش والتنوير، وغسل المصابيح وتعميرها، وتعليقها وإيقادها وإطفائها، وعمل فتائلها، وطي البسط وحفظها.
ثم يذكر البواب وماله من المعلوم، على أنه يلازم المقام بالباب.
ويمنع من يدخل إليه من أهل الريبة والتهمة، ولا يغفل عن ذلك.
ويذكر بقية أرباب الوظائف من قراء السبع الشريف وعدتهم، وما يشرط قراءته عليهم، والوقت الذي يقرأون فيه والمكان، وما لهم من المعلوم، وقراء الحديث الشريف النبوي، وما لهم من المعلوم، وخازن الكتب وماله من المعلوم، على أن يتولى خدمة الكتب الموقوفة على الجامع المشار إليه وحفظها، وتفقدها وتعاهدها في كل وقت بالنقض، وإزالة ما يقع عليها من الغبار، وإخراجها عند الحاجة إليها لمن يريد المطالعة أو النظر فيها، أو نسخ شئ منها، بحيث يكون ذلك بالجامع المشار إليه، حسبما شرط الواقف.
وإذا انتهت المطالعة أخذ الكتاب وأعاده إلى مكانه بخزانة الكتب المقررة لذلك بالجامع المشار إليه.

ويذكر ما يصرف منه للناظر في كل شهر على أن يكون متصفا بالخير والمعرفة والكفاية والديانة، وعلى أن يتولى أمر الوقف المذكور، وسائر عمارته وإجارة أوقافه، وتحصيل ريعه وصرفه في جهاته المعينة فيه.
ويذكر الشاد على الوقف وماله من المعلوم، على أن يباشر أمره، ويسعى في مصالحه، وتحصيل أجوره، واستخلاصها ممن هي في جهته، ويشد على أيدي المباشرين به.
ويذكر العامل وماله من المعلوم، على أن يكون رجلا من أهل المعرفة والكتابة والامانة، يباشر العمارة به، مجتهدا في ضبط ماله وتحريره، مثابرا على تثميره وتكثيره.
قائما بكتابة حساباته وارتفاعه ومخازنه.
وعمل حساب جباته ومستأجريه.
ويذكر الجابي وماله من المعلوم على أن يستخرج ريع الوقف المذكور وأجوره ممن هي عليه وعنده، وفي جهته، ويجتهد في ذلك.
ومهما حصل من ذلك يدفعه إلى الناظر في أمره شرعا.
ويذكر المعمار، وماله من المعلوم، على أن يتفقد أمره.
ويقف على عمارته، ويتولى إحضار ما يحتاج إليه من آلات العمارة، عاملا في ذلك بتقوى الله وطاعته.
ويذكر ثمن زيت الوقود برسم تقرير الجامع في كل شهر، وما هو مقرر برسم الزيادة بالجامع وبالمنارة في شهر رمضان، وثمن الشمع برسم صلاة التراويح.
ويستوعب ذكر كل شئ بحسبه استيعابا وافيا.
ثم يقول: يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومن عرض له من أرباب الوظائف عذر شرعي يمنعه مما شرط عليه.
فله أن يستنيب عنه من يقوم مقامه بصفته إلى حين زوال عذره.
ويعود إلى ملازمة وظيفته.
ومن تكررت غيبته بغير عذر شرعي، استبدل الناظر غيره، ورتبه عوضه.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله - إلى آخره.
وشرط أن لا يؤجر وقفه هذا، ولا شئ منه إلى غيره.
وإن شاء كتب بعد قوله: ويعود المأجور إلى يد الناظر في أمره شرعا، وأن لا يؤجر من متعزز، ولا متغلب، ولا ذي شوكة، ولا ممن يخاف تغلبه عليه.
فمن فعل خلاف ذلك ففعله مردود.
وأخرج الواقف المشار إليه هذا الوقف عن ملكه إلى آخره.
فقد تم هذا الوقف ولزم - إلى آخره - ويسوق الكلام في التحذير والتخويف

والترغيب والترهيب على نحو ما تقدم شرحه.
ويكمل ويؤرخ.
صورة وقف مسجد لله تعالى.
الحمد لله الذي جازى هذه الامة بأحسن أعمالها، وبين لها طرق الرشاد فحسن سلوكها في حالتي حالها ومآلها.
وقال عز من قائل: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * نحمده على نعمه التي وهبنا منها الكثير.
وسأل منها اليسير قرضا، وعمنا بفضله السابغ الغزير، فله الشكر حتى يرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة نجعلها عدة ليوم المعاد.
ونستمد برد ورودها عند عطش الاكباد.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الامين.
القائل في حقه من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا: * (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) * (ص) وعلى آله وصحبه صلاة مستمرة على الدوام، مستقرة بتعاقب الشهور والاعوام.
وبعد، فإن أجمل ما تقرب به العبد إلى سيده وخالقه.
وأجزل ما قدمه بين يديه للقاء موجده ورازقه: صدقة جارية، وقربة متوالية، يتقلد بها العبد في الدارين أعظم منة، منها قوله (ص): من بنى مسجدا لله - ولو كمفحص قطاة - بنى الله له بيتا في الجنة.
ولما تحقق ذلك من أهله الله تعالى لارتقاء درجات هذه المثوبة واكتسابها، وطمع في بلوغ رتبتها وإدراكها.
فأتى البيوت من أبوابها وهو فلان الفلاني - تقبل الله عمله، وبلغه من ثواب هذه القربة أمله - قدم هذه الصدقة المبرورة بين يديه، رجاء تكفير السيئات، وتكثير الحسنات.
وأن يجدها يوم تبدل الارض غير الارض والسموات.
فحينئذ أشهد على نفسه الكريمة فلان المشار إليه: أنه وقف وحبس - إلى آخره - وذلك جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده - والشئ الفلاني والشئ الفلاني - ويصف كل مكان ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا، متصل الابتداء والوسط والانتهاء - إلى آخره.
ثم يقول: فأما المكان المبارك المقبول، الموصوف المحدود أولا: فإن الواقف المذكور -
وفر الله له الاجور - وقفه مسجدا لله العظيم، وبيتا من بيوت رب العالمين.
وأذن للمسلمين في الدخول إليه والصلاة فيه، وقراءة القرآن، والاعتكاف.
والتهجد، والتسبيح

والتهليل والتحميد، وقراءة الاحاديث الشريفة النبوية.
والآثار والاخبار الصحيحة المروية.
وأما باقي الموقوف المحدود الموصوف بأعاليه: فإن هذا الواقف المذكور - ضاعف الله أجره، وأجزل ثوابه وبره - وقف النصف الشائع منها بحقوقه كلها على المسجد المشار إليه، تصرف أجوره ومنافعه، وريعه ومغلاته في مصالح المسجد المشار إليه، وعمارته وفرشه وتنويره.
وفي ثمن آلات الوقود، وجوامك أرباب الوظائف الذين قررهم الواقف في الوظائف الآتي ذكرها فيه بولايات شرعية.
وهم: إمام راتب، وقائم مؤذن، وفراش وقارئ في المصحف الشريف على الكرسي، وقارئ للحديث النبوي على الكرسي أيضا.
وبواب ملازم لبابه.
فأما الامام الراتب: فيصرف له في كل شهر من شهور الاهلة كذا، على أن يتولى القيام بالصلوات الخمس في أوقاتها وصلاة التراويح في شهر رمضان من كل سنة.
ويصرف للقائم المؤذن في كل شهر كذا، على أن يتولى القيام بوظيفة التأذين للصلوات المفروضات في أوقاتها، وإقامة الصلوات والتبليغ خلف الامام والتكبير والتأمين على دعاء الامام عقيب الصلوات، وغسل قناديله وعمل فتائلها وتعميرها بالزيت، وتعليقها وإشعالها وطفئها.
ويصرف للفراش في كل شهر كذا، على أن يتولى كنس المسجد المشار إليه وتنظيفه وفرشه، وطي حصره وبسطه، ونفضها ونشرها.
ووضع كراسي القرآن العظيم والحديث الشريف في أماكنها، وإزالة ما يقع من ذرق الحمام على فرشه بالماء الطاهر، ملازما وظيفته على عادة أمثاله من فراشي المساجد المعمورة.
ويصرف للبواب في كل شهر كذا على أن يتولى ملازمة بابه، ومنع المتعرض إلى إيذائه.
والدخول إليه لغير الصلاة والذكر، مثل: النوم والاكل، ورفع الصوت فيه بغير الذكر والقراءة والصلاة.
ومن تعمد فيه شيئا من ذلك منعه وأزعجه وأخرجه.
ويذكر ما يكون فيه من أرباب الوظائف والمرتبين على مقتضى اختيار الواقف.
وما لكل منهم من المعلوم، وما يلزمه في وظيفته، ثم يقول: يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومآل ذلك عند انقطاع سبله، وتعذر جهاته إلى الفقراء والمساكين - إلى آخره - ثم يقول: وأما النصف الآخر: فإن الواقف المشار إليه، وقفه على نفسه مدة حياته، لا يشاركه فيه مشارك، ولا ينازعه فيه منازع، ولا يتأول عليه فيه متأول.
فإذا توفاه الله

تعالى، عاد ذلك وقفا على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على أنساله وأعقابه وذريته، بينهم على حكم الفريضة الشرعية، للذكر مثل حظ الانثيين، على أن من توفى منهم أجمعين - ويذكر ما تقدم إلى قوله: بأب من الآباء، ولا بأم من الامهات - عاد ما هو موقوف عليهم.
وهو النصف الشائع من الوقف المشار إليه: وقفا صحيحا على مصالح مسجده المشار إليه، وعلى أرباب وظائفه المذكورين أعلاه.
يصرفه الناظر في أمره على ما يراه، ويؤدي إليه اجتهاده من زيادة معاليم أهل الوقف، أو غير ذلك.
وإن كان على جهة معينة غير المسجد ذكرها.
وإن كان شرط شراء مكان وإيقافه عين ما يشترطه.
وإن شاء قال: ومهما فضل من ريع الموقوف المعين أعلاه بعد مصروف المسجد والمكان الذي عين شراءه على التمام والكمال: جمعه الناظر تحت يده، وابتاع به ملكا، ووقفه على الجهة المذكورة، أو على الجهتين - إن كانت الاخرى معينة موجودة - يصرف ريعه فيهما على ما يراه الناظر في ذلك.
وجعل الواقف النظر في وقفه هذا جميعه، والكلام عليه لنفسه - إلى آخره.
وشرط البداءة من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه وما فيه بقاء عينه، وما فضل بعد ذلك يصرفه في مصارفه المعينة أعلاه.
وشرط أن لا يؤجر وقفه هذا، ولا شئ منه - إلى آخره.
وإن شاء كتب بعد قوله - ويعود المأجور إلى يد الناظر في أمره -: ووصي الواقف المشار إليه كل ناظر في هذا الوقف، ومتكلم عليه: أن يكون محسنا إلى أرباب وظائفه ومستحقيه، وأن يصرف عليهم معاليمهم هينة ميسرة، أوان الوجوب والاستحقاق، كاملة موفرة، وأن لا يحبس الريع عنهم، ولا يضيق عليهم، ولا يعاملهم بما يمحق بركة معاليمهم، ويحوجهم إلى الاستدانة عليها، بل ينفقها عليهم، ويعجل دفعها إليهم.
ومن تعمد من النظار شيئا من ذلك كان معزولا عن النظر.
وكان لحاكم المسلمين الاستبدال به غيره.
وشرط الواقف على الناظر في هذا الوقف المبرور: تعاهد كتابه باتصال ثبوته إلى آخره.
ثم يقول: فهذه شروط الواقف التي اشترطها في وقفه هذا، وهو يستعدي الله - إلى آخره.
ويكمل ويؤرخ.
ويثبته عند حاكم حنفي.
ويذكر ما تقدم في الصورة الاولى من ثبوت ملكية الموقوف للواقف، والحكم بصحة وقف الانسان على نفسه.
وبصحة وقف المشاع.
ووقف المنقول.
وصحة اشتراط النظر لنفسه، مع العلم بالخلاف ذلك.

صورة وقف مدرسة على مذهب الامام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، أو على مذهب الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت، أو غيره من أئمة المسلمين رضي الله عنهم.
أما بعد حمد الله مثيب المحسنين أحسن ثواب، ومدخل المتصدقين جنات عدن
مفتحة لهم الابواب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الناطق بالحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وأصحابه خير آل وأجل أصحاب، فإن أولى ما ادخره العبد ليوم معاده، وقدمه بين يدي خالقه عند قيام أشهاده: الصدقة التي من فضلها أن الله تعالى يربيها تربية الفصيل والفلو، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة بالزيادة والنمو، لا سيما صدقات الاوقاف المبرورة.
فإنها الصدقات التي ذخائر العقبى الباقية بها مشكورة، وحظوظ الاجور والمثوبات فيها في الدارين موفورة.
ولما علم - أدام الله نعمته، وتقبل بره وصدقته - أن المال غاد ورائح، وأن الداخل إلى ظلمات أطباق الضرائح، ما بين خاسر ورابح، مهد لنفسه قبل ارتحاله، وتزود من ماله قبل اضمحلاله، ووقى وجهه لفح النار وحره.
وعمل بقوله (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة وأشهد على نفسه طائعا مختارا، في صحة منه وسلامة، وجواز أمر: أنه وقف وحبس وسبل - إلى آخره - جميع المكان المبارك الذي أنشأه مدرسة بالمكان الفلاني، المشتمل على كذا وكذا - ويصفه وصفا تاما ويحدد - وجميع القرية الفلانية - ويحددها - وجميع كذا، وجميع كذا - ويحدده كل مكان من الموقوف عليها بعد وصفه بجميع اشتمالاته - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول: أنشأ الواقف المشار إليه وقفه هذا على الوجه الذي سيشرح فيه.
فأما المكان المحدود الموصوف أولا: فإن الواقف المشار إليه - تقبل الله عمله، وبلغه من خيري الدارين أمله - وقف مدرسة على مذهب الامام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي، أو على مذهب الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت أو غيره من أئمة المسلمين رضوان الله عليهم أجمعين.
وشرط أن يكون لهذه المدرسة مدرس وعشرة معيدون، وخمسون فقيها: عشرون

منتهون، وعشرون متوسطون وعشرة مبتدون، وإمام ومؤذن وقائم، وبواب، ونقيب
للفقهاء، وناظر وجابي ومعمار.
وشرط أن يصرف إلى المدرس بها في كل شهر من شهور الاهلة كذا.
وإلى كل من المعيدين العشرة كذا، وإلى كل من الفقهاء العشرين المنتهيين كذا، وإلى كل من الفقهاء العشرين المتوسطين كذا، وإلى كل من الفقهاء العشرة المبتدئين كذا، وإلى الامام الراتب كذا، وإلى المؤذن القائم بوظيفة التأذين والتبليغ خلف الامام كذا، وإلى القائم بمصالح المدرسة وكنسها وتنويرها وتنظيفها كذا، وإلى البواب الملازم لباب المدرسة المشار إليها كذا.
وإلى النقيب الذي يحضر أيام الدروس ويفرق الربعة الشريفة على الفقهاء كذا.
وإلى الناظر القائم بمصالح المدرسة وعمارتها وعمارة أوقافها، وتحصيل أجورها ومغلاتها ومنافعها، وصرفها في مصارفها الشرعية كذا، وإلى المعمار القائم بعمارة المدرسة وما هو وقف عليها من المسقفات والوقوف على ما يعمله الصناع الفعلة وملازمتهم، وشراء آلات العمارة من الاخشاب والحجارة والكلس والتراب.
وغير ذلك كذا.
وعلى أن الناظر في ذلك والمتولي عليه يبدأ من ريع هذا الوقف بعمارته وعمارة المدرسة المشار إليها، وترميم ذلك وإصلاحه.
وما فيه بقاء أصله.
ويصرف الناظر ما تحتاج إليه المدرسة المذكورة في كل سنة ثمن فرش حصر وبسط، وثمن زيت وقناديل وغير ذلك مما لا بد منه شرعا.
وما فضل بعد ذلك يصرفه في مصرفه الشرعي المشروح فيه.
وعلى المدرس المذكور الجلوس للفقهاء بقبلية المدرسة المشار إليها في كل سنة مائة يوم أيام الدروس المعتادة من فصل الربيع والخريف، ويلقي الدروس للفقهاء من الفروع وغيرها من العلوم، حسبما يشترطه الواقف.
فإذا فرغ من إلقاء الدروس.
تصدر كل واحد من المعيدين العشرة بخمسة من الفقهاء.
وأعاد لجماعته الدروس، وبحث معهم وفهمهم ما صعب عليهم فهمه منه.
وعلى كل واحد من الفقهاء العشرين الاول: إعادة محافيظه على المدرس في كل
سنة مرة.
وكذلك الفقهاء بالطبقة الثانية، وعلى الفقهاء والعشرة المبتدئين عرض ما استجدوه من كتابة في كل شهر مرة.
وعلى الامام الراتب: الصلوات الخمس بالجماعات بالمدرسة المذكورة، وصلاة التراويح في شهر رمضان من كل سنة.
وعلى المؤذن المذكور: القيام بوظيفة التأذين أوقات الصلوات الخمس

المفروضات، وإقامة الصلاة والتبليغ خلف الامام، والتأمين على الدعاء عقب كل صلاة.
والتكبير خلف الامام في صلاة التراويح في شهر رمضان من كل سنة.
وعلى القائم: القيام بوظيفة الكنس والتنظيف، والفرش والتنوير، وإيقاد المصابيح وإطفائها.
وغسل البركة وبيت الخلاء وتنظيفهما.
وعلى البواب: ملازمة باب المدرسة، ومنع من يدخلها غير الفقهاء والمرتبين بها والداخلين للصلوات، وأن لا يمكن أحدا من العوام والسوقة من النوم بالمدرسة، والاستقرار بها والاشتغال بشئ من اللعب والحديث واللهو، وأن لا يمكن أحدا من العامة وغيرهم ممن لم يكن من أهل الوقف من الدخول إلى الميضأة بالمدرسة المذكورة.
وعلى النقيب بها: تفرقة الربعة الشريفة أيام الدروس على الفقهاء وجمعها ورفعها إلى خزانتها.
والدعاء بعد القراءة.
وعلى الناظر: أن يقوم بالنظر في المدرسة المذكورة وأوقافها، وبجميع ما يتحصل من جهاتها من مغل وأجور.
وغير ذلك.
ويجتهد في عمارة المدرسة، وما هو وقف عليها، وصرف ما تحتاج إليه العمارة، وصرف معاليم أهلها، وإثبات كتاب وقفها وتعاهده بالثبوت والتنفيذ.
وعلى المعمار: القيام بما هو بصدده من المعمارية من مشتري آلات.
وما لا بد
منه، وملازمة العمل أيامه على عادة أمثاله.
وعلى الناظر أيضا: ملازمة المدرسة أيام الدروس، وإلزام كل من المدرس والفقهاء وأرباب الوظائف بالقيام بوظيفته على الشرط والترتيب المعين أعلاه.
ومن مات من أرباب الوظائف قرر غيره بصفته.
وكذلك إذا أعرض عن وظيفته، أو ثبت عليه ما ينافي ما هو بصدده أزعجه الناظر ورتب غيره.
يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله - إلى آخره.
وشرط الواقف النظر في وقفه هذا - إلى آخره.
وشرط أن لا يؤجر وقفه هذا، ولا شئ منه - إلى آخره.
فهذه شروط الواقف التي اشترطها في وقفه هذا.
وهو يستعدي الله - إلى آخره.
وقد تم هذا الوقف ولزم - إلى آخره.

وإن كان الواقف وقف على المدرسة كتبا عينها بأسمائها وأسماء مؤلفيها.
وعدة أجزائها.
وإن كان الواقف جعل في المدرسة مكتب أيتام.
فيقول: وقرر الواقف المشار إليه بالمدرسة المذكورة مكتب أيتام.
إما أن يكون أنشأه بأعلى البوابة.
فيقول: وهذا المكان الذي أنشأه وعمره وأفرده لذلك بأعلى بوابة المدرسة المشار إليها - أو في مكان من الامكنة.
فيذكره ويقول: وعلى أن الناظر في هذا الوقف والمتولي عليه يرتب رجلا من أهل الخير والدين والصلاح والعفة، حافظا لكتاب الله، حسن الحظ، يجلس بالمكتب المشار إليه، ويجلس عنده من أولاد المسلمين الفقراء المحتاجين كذا وكذا صغيرا، لم يبلغوا الحلم.
على أن المؤدب يعلمهم القرآن الكريم بالتلقين والتحفيظ، والمراجعة لهم في ترجيع الآيات
والتصحيح، إلى أن يعي الصبي ويعيد الآية، ويقرأ المكتوب، كما أقرأه المؤدب، ويعلمهم الخط واستخراج الكتب، ويعلمهم كيفية الوضوء والصلوات، والاقامة بهم في المكتب المشار إليه الاوقات المعتادة من أيام الاسبوع، ويبطلهم يوم الجمعة.
ويصرفهم نصف النهار الاخير من يومي الخميس والثلاثاء.
وعلى أن الناظر في هذا الوقف يصرف ما يحتاج إليه المكتب المشار إليه من فرش وعمارة وتنظيف، وثمن حبر وأقلام وألواح ودوي، وفلوس برسم الايتام، ومعلوم للمؤدب لهم، وما يصرف في كسوتهم للصيف والشتاء، والتوسعة عليهم أيام العيدين، ونصف شعبان، وليلة الرغائب من شهر رجب من كل سنة، ويصرف من ريع ذلك في كل شهر كذا إلى المؤدب بالمكتب المشار إليه، الذي يرتبه الواقف، أو الناظر الشرعي، معلما مؤدبا للايتام بالمكتب المذكور، ويصرف إلى كل واحد من الايتام في كل يوم من الخبز الصافي على الدوام والاستمرار.
وفي يوم الجمعة أيضا رطلا، ولكل واحد من الفلوس كذا في كل يوم، ويكسوهم الناظر في كل سنة مرتين، كسوة الشتاء قميص ولباس وجبة من القماش الطرح مقطنة مضربة، وفروة وقبع من الصوف الازرق، وزرموجة سوداء بلغاري.
وكسوة الصيف: قميص ولباس وجبة بيضاء مقطنة مضربة، وقبع وزرموجة صفراء، ويصرف إلى كل واحد منهم صبيحة كل عيد كذا وكذا، وليلة كل نصف من شعبان كذا، وليلة أول جمعة من رجب كذا.
ويذكر معلوم العريف المساعد للمؤدب على قراءتهم وتعليمهم الكتابة والخط والاستخراج، وأن يحضر لهم الخبز والفلوس، ويفرق عليهم في كل يوم، وأن يكون لكل من المؤدب والعريف نصيب من الخبز والفلوس، كواحد من الصبيان، زيادة على معلومهما في كل شهر ومن بلغ من

الصبيان صرفه الناظر، ورتب صبيا لم يبلغ الحلم مكانه.
ومن ختم منهم القرآن قبل بلوغه فلا يصرف، حتى يبلغ.
فإن فضل من ريع الموقوف شئ، بعد صرف مصاريفه
المعينة فيه، حفظه الناظر تحت يده، وابتاع به ملكا كاملا، أو حصة شائعة.
ووقفه على الشرط والترتيب المعين في وقفه هذا.
وإن كان الواقف جعل في المدرسة دارا للقرآن العظيم.
فيقول - بعد انتهاء ذكر المدرسة، ومكتب الايتام - وأما المكان الفلاني الذي هو من حقوق هذه المدرسة: فإن الواقف وقفه دارا للقرآن العظيم.
وشرط أن يكون فيه شيخا من أهل الخير والدين والصلاح، حافظا لكتاب الله العزيز.
فقيها في علم القراءات، قد قرأ كتاب الامام الشاطبي، متقنا له حفظا وفهما، بحاثا مبينا مقررا محررا، محسنا لاداء القراءات السبع، مؤديا لها على الوضع الذي أقرأه جبريل النبي (ص).
وشرط أن يكون بها عشرة من الرجال الحافظين لكتاب الله العظيم يجلسون في كل يوم من الايام على الاستمرار والدوام بين يدي الشيخ المشار إليه، يقرئهم نحو قراءته، ويبحث لهم في علوم القرآن لينتهوا إلى نهايته، ويدروا نحو درايته، ومن انتهى منهم في أداء القرآن إلى القراءات الشريفة، وفي البحث عنها والاتقان لها: أجازه الشيخ المشار إليه.
واستمر مقرئا بدار القرآن المشار إليها بمعلومه.
وقرر الناظر غيره، وأمره أن يحذو حذوه، ويسير سيره في الاشتغال والبحث.
وكذلك يبقى الامر جاريا أبدا.
ما أعقب الليل النهار، إلى أن يضيق ريع الوقف عن شئ يصرف إلى حد يستجد عوض أحد من المنتهين.
فيقتصر الناظر ولا يستجد أحدا، حتى يجد في ريع الوقف سعة وزيادة عن العمارة ومعاليم من هو مقرر بها: فيستجد بالزائد من يراه من أهل القرآن.
وشرط الواقف أن يجلس الشيخ والقراء أجمعون في كل يوم بعد صلاة العصر بدار القرآن المشار إليها، ويقرؤون ما تيسر لهم قراءته من القرآن العظيم، ويهدون ثواب القراءة الشريفة للواقف، ويترحمون عليه، وعلى والديه وذريته، وعلى جميع أموات المسلمين، وأن يصرف إلى الشيخ المشار إليه في كل شهر من شهور الاهلة كذا.
وإلى
كل واحد من القراء العشرة كذا، وأن يتعاهد الناظر في هذا الوقف ما يحتاج إليه المكان من الفرش والتنوير.
وأن يرتب به قائما يقوم بكنسه وتنظيفه وفرشه وتنويره، وأن يصرف إليه في كل شهر كذا، يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله - إلى آخره.

وإن كان الواقف جعل في المكان دارا للحديث الشريف النبوي، فيقول: وأما المكان الفلاني الذي هو من حقوق المدرسة المشار إليها: فإن الواقف المذكور - وفر الله له الاجور - وقفه دارا للحديث الشريف.
وقرر فيه عشرين رجلا مثلا، من رجال الحديث الشريف النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام.
يقرؤون الحديث الشريف النبوي قراءة صحيحة متقنة، خالية من اللحن والتبديل، يجلسون على الكراسي المنصوبة لذلك بالمدرسة، أو بالدار المشار إليها، في كل أسبوع سبع مرات، كل يوم مرة، يجلس كل منهم صبيحة كل يوم على كرسيه يقرأ الحديث بحضور من يجتمع إليه من المسلمين من الكتب الشريفة، كالجامع الصحيح لحافظ الاسلام محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وكتاب المصابيح للبغوي، وكتاب الاذكار للنووي، وغير ذلك من الكتب المشهورة المأثورة عن العلماء الصالحين، والمواعظ الحسنة البليغة.
وقبل صلاة الجمعة من حين التذكير إلى وقت التأذين، وأن يصرف لكل واحد منهم كذا في كل شهر من شهور الاهلة.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه ويؤرخ.
وصورة وقف بيمارستان، رتبه بعض الملوك لمرضى المسلمين.
الحمد لله شرف بقاع الارض بعبادته، وفضل بعضها على بعض بحلول أهل طاعته، وجعل منها ما هو مأوى الفقراء المنقطعين إلى الله وعبادته، ومنها ما هو مضجعا للضعفاء في أرجائه.
فمنهم من حكم عليه بالوفاة، ومنهم من حكم بتأخيره إلى أجل مسمى على وفق حكمته وإرادته.
نحمده على ما من به من ابتداء عنايته، ونشكره على ما أولانا من
نهاية هدايته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في شهادته، متبع رشدا في ابتداء عمله وإعادته.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكرامته، والمبعوث إلى كافة الامم برسالته، (ص) وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن الصدقة من أعظم القربات المقربة إلى الله المؤذنة بالفوز، بجزيل الاجر والثواب من الله، خصوصا صدقات الاوقاف الجارية.
يبلى ابن آدم وينقطع عمله من الدنيا وهي مستمرة باقية، ويجدها في الآخرة جنة واقية، كما ورد في صحيح السنة من قول سيد المرسلين: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث - وعد منها الصدقة الجارية لا سيما وقف يتوصل به إلى حياة النفوس، وإسباغ أنواع البر والاحسان على

الضعفاء في المقام المأنوس، وفيه لكل كبد حرى من المناهل العذبة ما يروى به الظمآن، ويرجى به لواقفه من الله الخلود في غرفات الجنان.
ولما اتصل علم ذلك لمولانا المقام الشريف الاعظم السلطاني، الملكي الفلاني أعز الله نصره، وضاعف ثوابه وأجره، وتحقق ما في ذلك من الاجر الجزيل، الذي لم يزل للبان فضله رضيعا.
رغب في ازدياد أجوره عند الله، الذي لم يزل بصيرا سميعا.
ليجد بركة هذه الصدقة في الدنيا بدفع البلاء، وفي الآخرة بارتقائه في الدرجات العلي محلا رفيعا، والاتسام بسمة من قال في حقه جل وعلا: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) *.
فحينئذ أشهر على نفسه الشريفة - ضاعف الله شرفها، وأعلا في درجات الجنات غرفها - وهو في حال تمكن سلطانه، ونفوذ كلمته وثبوت جثمانه: أنه وقف وحبس وسبل - إلى آخره - جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده، ويصف الموقوف عليه وصفا تاما.
ويحدد كل مكان منه على حدته - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول:
فأما المكان المبارك المحدود الموصوف أولا: فإن الواقف المشار إليه - زاده الله توفيقا، وفتح له إلى كل خير طريقا - وقفه بيمارستانا، برسم المرضى من المسلمين الذين يأتون إليه للتداوي قاصدين.
يرجون العافية وعلى الله متوكلين، من الرجال والنساء.
والاحرار والعبيد والاماء.
وقرر به من الرجال أربعة أنفار حكماء طبائعية.
وأربعة حكماء من الجرائحية، وأربعة حكماء كحالين، يتردد كل منهم إلى البيماستان المشار إليه بكرة وعشيا.
ويتعاهد الحكماء الطبائعية ما هم بصدده من عيادة المرضى بالبيمارستان المشار إليه، من الرجال والنساء والاماء والعبيد ومباشرتهم، والنظر في حالهم والتلطف بهم، ومساءلتهم عن أوجاعهم وتشخيص ما أمكن من أمراضهم، ومعالجتهم بما يصلح لهم من الادوية والاشربة والاغذية، والشربات والحقن.
وغير ذلك في أول النهار وآخره.
ويتعاهد الحكماء الجرائحية من تحت نظرهم من أصحاب العاهات والطلوعات، والبثورات والثآليل، والسلع والدماميل، والقروح والبواسير والجروح وغير ذلك.
والنظر في أحوالهم ومعالجتهم بما يصلح لهم من المراهم والادهان والمذرورات والشق والبط وغير ذلك، مما هو موافق لامراضهم، وما يستعملونه من الطعام والشراب والحمام والنطولات، كل واحد بحسب حاله.

ويتعاهد كل واحد من الحكماء الكحالين من هو تحت نظرهم من الرمدى أو أصحاب أوجاع العيون، من المسيل والقروح، والبياض والحمرة، والشعرة والدمعة، والرطوبة في الاجفان، وغير ذلك من أمراض العين على اختلاف حالاتها، والنظر في أحوالهم ومعالجتهم بما يليق بهم من الاكحال والاشيافات.
وغير ذلك مما يحتاجون إليه من الاشربة المسهلة والمنضجة والاغذية والحقن.
وشرط أن يصرف إلى كل واحد منهم في كل شهر من شهور الاهلة كذا.
وقرر الواقف المشار إليه - وفر الله أجوره، وثبت تصرفه وتقريره - بهذا البيمارستان المشار إليه أربعة رجال قومة، يكنسونه ويغسلونه، وينظفون تحت المرضى وحولهم، ويفرشون لهم الفرش.
ويضعون لهم المخاد، ويغطونهم باللحف، ويتعاهدونهم بما يحتاجون إليه في الليل والنهار، ويحضرون لهم شرابهم وطعامهم في أول النهار وآخره، ويتفقدون مصالحهم.
وإذا تغير تحت المريض فراش بشئ يكرهه، أبدله فراشا غيره، وشرط أن يصرف لكل واحد منهم كذا.
وقرر الواقف أربع نسوة قائمات، يقمن بمصالح النساء المريضات، ويفعلن معهن ما هو مشروط على القومة من الرجال المذكورين أعلاه، وشرط أن يصرف إلى كل واحدة منهن في كل شهر كذا.
وقرر الواقف المشار إليه بالبيمارستان المذكور: ثلاثة رجال، واحد منهم يتسلم الخزائن به، على أن يحضر كل يوم بكرة وعشيا إلى البيمارستان المذكور، ويفتح الخزائن، ويتولى صرف الاشربة واللعوقات والسفوفات والسعوطات والمعاجين والمفرحات.
وغير ذلك مما هو تحت يده بالخزائن، ويسلم ذلك إلى القومة على حكم الدستور الذي يكتبه الحكماء، ليفرقوا ذلك على المرضى من الرجال والنساء، وأصحاب العاهات من الجراحات والرمدى.
ويقف الرجل الآخر بخزائن الرمدى، ويخرج الاكحال والاشيافات، ما يحتاج إليه، ويفرقه على أصحاب أوجاع العين.
ويقف الآخر بخزائن الجرحى، ويخرج منها ما يحتاج إليه من المراهم والادهان والذرورات والاشياء التي يعالج بها أهل الطلوعات وغيرها.
ويداوي كلا منهم بما يصلح له من ذلك.
وشرط أن يصرف إلى كل واحد منهم في كل شهر كذا.
وقرر الواقف رجلين متصديين لغسل قماش المرضى والجرحى والمجانين والرمدى

وتنظيفها وتكميدها وتغيير ثيابهم، وغسل ما أصاب بدن المريض أو عضوا من أعضائه من النجاسات العينية، مثل الدم والقيح والغائط، والبول بالماء الحار، وغسل أيديهم، ووجوههم وأرجلهم بالماء الحار، وتنشيفها بالمناديل النظاف المبخرة، وتعاهدهم برش ماء الورد على وجوههم وأيديهم، والتلطف بهم والشفقة عليهم، والاحسان إليهم، ومساءلتهم في كل وقت عن حالهم.
وما يحتاجون إليه.
وقرر الواقف امرأتين برسم غسل قماش النساء بالبيمارستان المذكور من المرضى وربات الطلوعات والجريحات والرمدات، صاحبات أوجاع العين، وتنظيفها وأن يفعلا معهن ما هو مشروط على الرجلين القائمين بمصالح الرجال المذكورين أعلاه.
وشرط أن يصرف إلى كل واحد من الرجلين والمرأتين المذكورين في كل شهر كذا.
وقرر الواقف رجلا طباخا يطبخ للمرضى ما يحتاجون إليه من الفراريج والدجاج والطيور ولحم الضأن والاجدية المعز بالامراق النظيفة الطيبة الرائحة.
وقرر رجلا شرابيا خبيرا بطبخ الاشربة، وتركيب المعاجين والادوية، وطبخ المنضوجات والمطبوخات على اختلافها، خبيرا بحوائج ذلك جميعا، ومعرفة أجزائها، ومقدارها وتركيبها، ومعرفة العقاقير والعروق.
وما يجتنبه أهل المعرفة من ذلك، بحيث يكون دأبه طبخ الاشربة، وتركيب المعاجين والسفوفات والجوارشات.
وغير ذلك مما لا بد منه لاهل البيمارستان، بحيث يكون رجلا مسلما دينا خبيرا مأمونا، ثقة قويا.
وشرط أن يصرف له كذا.
وقرر الواقف ثلاث رجال وثلاث نسوة لسهر الرجال المذكورين على الرجال، والنساء على النساء من المرضى والجرحى والرمدى بالنوبة.
كل واحد ثلث الليل، يدور عليهم كل واحد في نوبته، ويتفقد مصالحهم، ويغطي من انكشف منهم أو زال رأسه عن
وسادته، أو وقع عن فراشه، أو احتاج إلى شربة من الماء، أو إلى أن يقوم إلى بيت الراحة، فيساعده ذلك الساهر على حاجته كيف كانت، ويتلهف به، ويكلمه كلاما طيبا.
ويجيب دعوته إذا دعاه إليه.
ولا يغلظ على أحد منهم القول، ولا يتكره به.
ومتى حصل من الساهرين شئ مما يؤذي المرضى، وحصلت الشكوى من المرضى منه، أزعجه الناظر.
ورتب غيره.
وكذلك تفعل النسوة الثلاثة بالبيمارستان، مع النساء ليلا، كما يفعله الرجال الثلاثة مع الرجال بالبيمارستان.
ومن ظهر منها ما ينافي ذلك أزعجها الناظر وقرر غيرها.

وشرط أن يصرف إلى كل واحد من الرجال الثلاثة.
والنسوة الثلاث في كل شهر كذا.
وقرر الواقف رجلا أنماطيا برسم عمل اللحف والطراريح والمخاد بالقطن الجيد المندوف، بحيث يبقى الفراش واللحف والمخاد دائما نظيفة مجددة العمل، رفخة القطن.
وشرط أن يصرف له في كل شهر كذا.
وقرر الواقف رجلا وامرأة برسم وقود المصابيح، الرجال للرجال، والنساء للنساء وطفئها وغسلها وتعميرها، وعمل فتائلها وسائر ما تحتاج إليه، وشرط أن يصرف إلى كل واحد منهم كذا.
ومن درج بالوفاة من البيمارستان المذكور غسل وكفن في ثوبين جديدين أبيضين نظيفين بالقطن والحنوط وماء الورد، ودفن في قبره الذي يحفر له.
وقرر الواقف رجلا دينا أمينا، عارفا بأداء غسل الميت على أوضاعه المعتبرة شرعا برسم غسل من يتوفى من أهل البيمارستان المذكور من الرجال.
وامرأة أيضا بهذه الصفة تتولى غسل النساء.
وشرط أن يصرف إلى كل واحد منهما في كل شهر كذا.
وأن يصرف من ريع
الوقف المذكور ما يحتاج إليه من ثمن أكفان وحنوط، وأجرة حمالين وحفارين برسم ذلك على العادة الحسنة في مثله.
ويذكر البواب وما يصرف له من المعلوم.
وإن كان فيهم قراء ذكرهم بعدتهم وما يقرؤون في كل يوم من أحزاب القرآن وأجزائه، والوقت والمكان الذي يقرؤون فيه، وما لكل واحد منهم من المعلوم.
وإن كان شرط خبزا يفرق فيه على الفقراء، ذكر قدره ووزنه، وكيفية تفريقه.
وفي أي وقت، ثم يقول: وشرط الواقف المشار إليه - أفاض الله نعمه عليه - للناظر في وقفه هذا من المعلوم على مباشرة النظر عليه وعلى جميع أوقافه، وعمل مصالحها، وتحصيل ريعها، وقسم مغلاتها، وقبض أجور جميع ما هو موقوف عليها في كل شهر كذا.
وجعل له النظر في وقفه هذا بنفسه، وأن يستنيب عنه فيه من شاء من الثقات الاكفاء العدول الامناء الناهضين ممن له وجاهة.
وقرر الواقف لهذا الوقف رجلين من أهل الامانة والديانة، ممن جربت مباشرته،

وعرفت أمانته، وألفت نهضته وكفايته، معروفين بالضبط وتحرير الحساب وقلم التصريف.
أحدهما عامل.
والآخر: شاهد، يضبطان ارتفاع هذا الوقف، ويحوزانه، ويجلسان عند الناظر فيه.
ويعمل العامل الحساب بالحساب بالحاصل والمصروف أولا بأول بأوراق مشمولة بخط الناظر وخطهما، وشرط أن يصرف إلى كل واحد منهما في كل شهر كذا.
وشرط الواقف - تقبل الله صدقته، وأسبغ عليه نعمته، وأسكنه جنته - أن الناظر في هذا الوقف ينظر في أمر جميع المقيمين بالبيمارستان المذكور بنفسه، ويدور على من به المرضى والجرحى والرمدى وغيرهم، ويتفقد أمورهم، ويسألهم عن أحوالهم، وإبداء
ضروراتهم وسماع شكاياتهم.
فمن وجد له ضرورة أزالها، كل ذلك في كل يوم جمعة من كل أسبوع.
وإن كان قرر جابيا أو صيرفيا، أو معمارا، ذكره، وذكر ماله من المعلوم، ثم يقول: وشرط الواقف أن الناظر في هذا الوقف يبدأ أولا بعمارة هذا البيمارستان، وعمارة ما هو وقف عليه.
وإصلاح ذلك جميعه وترميمه، وما فيه بقاء عينه والزيادة والنمو لاجوره وريعه وارتفاعه.
وبعد ذلك يبتاع ما يحتاج إليه من الزيت برسم التنوير والقناديل، والآلات النحاس برسم الطبخ، والزبادي النحاس والقيشاني والطاسات والمكانس والمجاريد الحديد للبلاط، وما يحتاج إليه من أدوية وأشربة ومعاجين وسعوطات وسفوفات وأقراص وسكر وفراريج وأدهان ومياه وقلوبات ونضوجات، وشمع وزيت وحطب وبراني وعلب وأحقاق رصاص غيرها، وفرش ولحف ومخاد وحصر وبسط، ومراهم وذرورات وأكحال وأشيافات، مما يستمر وجوده بالبيمارستان مدة على ما يراه الناظر في ذلك.
وما فضل بعد ذلك يصرفه في مصارفه المعينة أعلاه، يبقى ذلك كله - إلى آخره - واستبقى الواقف النظر في هذا الوقف والولاية عليه لنفسه - إلى آخره.
وشرط أن لا يؤجر ما هو موقوف على الجهة المعينة أعلاه، ولا شئ منه - إلى آخره.
وقد أخرج هذا الواقف هذا الوقف وما وقفه عليه من ملكه - إلى آخره.
فهذه شروط الواقف التي اشترطها، وهو يستعدي الله - إلى آخره.
ويكمل بالاشهاد والتاريخ.
صورة وقف خانقاه للصوفية الرجال: الحمد لله الذي سهل سبيل رشده لمن حكم

في الدارين بسعده، ووعد من شكر المزيد.
وأعطى من صبر ما يريد، وعضد من اتخذه
ذخرا.
وأجزل لمن تصدق من أجله ثوابا وأجرا، ومنحه خيري الدنيا والاخرى.
أحمده على ما وهب من إحسانه، وأشكره على ما يسر من سلوك مناهج امتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد ألهمه الله رشده، فأنفق ماله ابتغاء ما عنده.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه لرسالته، وخصه بكرامته.
(ص) وعلى آله وصحابته، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أفضل الصدقات ما كان عائدا نفعه على المتصدقين.
وما اتصل بره ورفده بالفقراء والمساكين، ورغب في ثوابه والتقرب به إلى رب العالمين، وابتغى ما عنده من الزلفى والنعيم المقيم، يوم يجزي الله المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين.
وكان فلان - أنجح الله قصده، وأناله خير ما عنده - ممن أنار نجم سعادته في فلك سماء سيادته، وقضت له العناية الربانية بالتقرب بهذا المعروف إلى الله العظيم والعمل بقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، الصدقة الجارية حد هذا التقسيم.
فحينئذ أشهد على نفسه النفيسة - صانها الله من الغير، وحمى حماها من الانكاد والكدر - أنه وقف وحبس وسبل إلى آخره - جميع المكان المبارك المشتمل على كذا وكذا - ويذكر ما اشتمل عليه من المساكن وعدتها، والاواوين والمربعات الصيفية والشتوية، والصفات والخلوات، ويستوعب وصفه استيعابا حسنا، ويحدده - ثم يقول: وجميع كذا - ويصفه ويحدده - وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان على حدته، ويحدده - فإذا انتهى ذكر ذلك جميعه، يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول: فأما المكان الموصوف المحدود أولا: فإن الواقف المذكور - وفر الله له الاجور - وقفه خانقاه للصوفية.
وقرر فيه إماما شافعيا أو حنفيا، وشرط أن يصرف له في كل شهر من شهور الاهلة كذا وكذا.
وقرر بها شيخا ومائة فقيه مثلا من أهل التصوف اللابسين خرقة التصوف الناسكين السالكين الورعين، العفيفين الانفس، المتجنبين للفواحش،
الكثيرين العبادة والصيام، والقيام والتهجد والتسبيح والتهليل والتكبير والذكر، والتنظيف والتطهير والتسويك، وعلى أن يكون الشيخ من العلماء الاخيار، الاتقياء الابرار، سيرته

حميدة، وأفعاله سديدة وآراؤه رشيدة، من الحافظين لكتاب الله العزيز، عنده طرف من الحديث النبوي.
والتفسير واللغة العربية، ممن يحسن تربية الصوفية، لابسا خرقتهم تابعا طريقتهم.
على أن الناظر في هذا الوقف، والمتولي عليه يبدأ من ريع ما هو موقوف على الخانقاه، المشار إليها من الاماكن والمسقفات والقرى والجهات المحدودة الموصوفة بأعاليه بعمارتها وعمارة الموقوف عليها، وترميم ذلك جميعه وإصلاحه، وما فيه بقاء عينه، وتحصيل غرض واقفه.
وما فضل بعد ذلك يصرف منه للقائم بوظيفة الامامة بالخانقاه المشار إليها في كل شهر من شهور الاهلة كذا، وأن يصرف لشيخ الصوفية بالخانقاه المذكورة في كل شهر كذا.
ولكل صوفي من العرب والعجم المتأهلين والعزباء في كل يوم من خبز البر الصافي كذا وكذا، وفي كل يوم من اللحم المطبوخ كذا.
ومن الطعام كذا، ومن الحلوى كذا في كل أسبوع، ومن الدراهم كذا في كل شهر، ومن الصابون كذا في كل أسبوع ومن الزيت في كل أسبوع كذا ومن الكسوة في كل سنة كذا.
وإن كان قرر خادما ذكر ماله من المعلوم، ويقول: ولكل من شيخ الصوفية والخادم نظير ما لكل صوفي من الخبز والطعام واللحم والحلوى والصابون والزيت في اليوم والاسبوع والشهر.
وإن كان قرر في الخانقاه دروسا.
فيقول: وقرر الواقف المشار إليه بالخانقاه المشار إليها أربعة أشياخ علماء.
أحدهم: شافعي المذهب، والثاني: حنفي، والثالث: مالكي، والرابع: حنبلي.
وقرر أربعين فقيها من كل مذهب عشرة، على أن يكون على المدرس من كل مذهب إشغال العشرة الذين هم من مذهبه في العلوم النافعة، وإلقاء
الدروس لهم في أوقاتها المعتادة.
وشرط على الفقهاء والمدرسين الاشغال والاشتغال والمطالعة والبحث وتفهيم الطلبة والمشتغلين بالعلم الشريف، ما يحتاجون إليه من الاصول والفروع والنحو واللغة والتفسير، والعربية والعروض وعلم الحديث، وغير ذلك من العلوم الجائز الاشتغال والقراءة فيها شرعا.
وأن المدرس إذا ألقى عليهم الدرس فلا يخرجون من مسألة حتى ينتهي الكلام عليها، ويتقرر حكمها عند كل منهم، بحيث لا ينتقلون من تلك المسألة إلى غيرها ولكل منهم فيها مذهب غير مذهب الآخر، بل لا ينتقلون من مسألة إلى أخرى حتى تتقرر الاولى عندهم تقريرا حسنا، ويسلموا تسليما، ثم ينتقلون إلى غيرها.
وشرط الواقف أن يصرف إلى كل واحد من المدرسين الاربعة في كل شهر كذا،

وإلى كل واحد من الفقهاء الاربعين في كل شهر كذا - وإن كان شرط لهم أنصبة من الخبز واللحم والطعام وغيره ذكرها - ثم يذكر نقيب الفقهاء، وماله من المعلوم، وما عليه من تفريق الربعة، وجميعها إلى صندوقها بعد الدعاء، وبسط سجادة المدرس، وسجادات الطلبة ورفعها.
ويذكر القائم، وماله من المعلوم.
والفراش وماله من المعلوم.
والبواب وما له من المعلوم.
والطباخ الذي يطبخ للصوفية طعامهم في كل يوم ويغرفه لهم ويفرقه عليهم.
وإذا فرغوا من أكلهم غسل الاواني، والدسوت ورفعها إلى محل استعمالها، وما له من المعلوم، ثم يقول: على أن من مات من الصوفية بالخانقاه المذكورة وله ولد ذكر، استقرت وظيفة الوالد باسم الولد.
وصرف له جميع ما كان مصروفا لوالده لو كان حيا.
فإن كان صغيرا لم يبلغ استناب الناظر عنه رجلا دينا من أهل الخير، ويصرف له من المعلوم ما يراه.
فإذا بلغ الصغير وتأهل لان يحضر مع الصوفية، جلس موضع والده.
وعلى أن الشيخ والصوفية المنزلين بالخانقاه المذكورة يحضرون ويجتمعون بها كل
واحد منهم في منزلته وعلى قدر درجته، بعد صلاة العصر في كل يوم بعد مضي كذا وكذا درجة، وتفرق الربعة الشريفة عليهم، ويقرؤون في آخر الربعة ما تيسرت قراءته على مقتضى رأي الشيخ.
فإذا فرغوا من القراءة في الربعة.
يقرؤون سورة الاخلاص - ثلاث مرات - والمعوذتين والفاتحة.
وأوائل البقرة إلى المفلحون وأواخر السورة.
ويرفع بعضهم بالعشر صوته على مقتضى ما يراه الشيخ في رفع العشر، إما واحدا أو أكثر، ويدعون عقب ذلك، ويدعو القارئ للعشر أو الذي يعينه الشيخ للدعاء.
وإن كان شرط مادحا بعد قراءة العشر فيذكره وماله من المعلوم.
ثم يقول بعد قوله: ويرفع بعضهم بالعشر صوته - على مقتضى ما يراه الشيخ، ثم يقوم المادح، وينشد ما تيسر له إنشاده من المدائح النبوية.
وكلام القوم من الصوفية وغيرهم.
فإذا جلس دعا الداعي الذي يعينه الشيخ للدعاء عقب ذلك للواقف، وترحم عليه وعلى أمواته وأموات المسلمين، ثم ينصرفون إلى أحوالهم، ولهم البطالة في الايام الجاري بها العادة كغيرهم من الخوانق، وعلى أن كلا من الصوفية لا يخرج منها.
ولا يزعج عن وظيفته إلا بجنحة ظاهرة.
وإذا سافر إلى الحج الواجب صرف له ما هو مقرر له في حال غيبته إلى حين حضوره، وإن سافر لغير الحج الواجب فلا يعطي شيئا مما قرر له في طول غيبته.
فإذا حضر من سفره وحضر الخانقاه على الحكم المشروح فيه فيعطي ما هو مقرر له، ويعطون المقرر لهم في أيام البطالة الجاري بها العادة.

وإن شرط الواقف متطببا ذكره وماله من المعلوم، أو كحالا ذكره وماله من المعلوم.
ويذكر مل ء الصهريج في كل سنة، وثمن اللحم والحباش والحطب، وغير ذلك من احتياج الطبخ ومصروف الحلوى، وقماش الكسوة وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية، وجامكية السواق.
وثمن ثور الساقية وعلوفته، ويستوفي ذكر جميع ما يشرطه الواقف، ثم يقول:
يجري ذلك كله كذلك.
فإن تعذر الصرف - والعياذ بالله تعلى لذلك بوجه من الوجوه، أو بسبب من الاسباب - كان وما يصرف لمن تعذر الصرف إليه مصروفا للفقراء والمساكين من المسلمين والمسلمات.
فإن عاد إمكان الصرف لمن تعذر إليه الصرف عاد الصرف إليه، يجري الحال في ذلك كذلك وجودا وعدما إلى أن يرث الله الارض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
وشرط الواقف المذكور النظر في ذلك لنفسه - إلى آخره، ويكمل بعد استيفاء ما تقدم ذكره.
وصورة وقف زاوية للفقراء: هذا ما وقفه فلان - إلى آخر الصدر - وذلك جميع المكان الفلاني الذي عمره الواقف وأنشأه إنشاء حسنا - ويصفه ويحدده - وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره.
فأما المكان المبارك المحدود الموصوف بأعاليه أولا: فإن الواقف وقفه زاوية على الفقراء المجاورين والمترددين إليها، والعاكفين بها والواردين عليها، يستوي في ذلك المقيم والمتردد، والقديم والمستجد، والزائر والعائد، والصادر والوارد، والرائح والغادي، والحاضر والبادي.
وأما باقي الموقوف المحدود الموصوف أعلاه: فإن الواقف وقفه على مصالح الزاوية المذكورة على ما سيأتي شرحه فيه، على أن الناظر في ذلك: يبدأ من ريعه بعمارته - إلى آخره - وما فضل بعد ذلك: يصرف منه في كل شهر للشيخ المرتب بالزاوية المذكورة كذا، وإلى الخادم كذا، وإلى الطباخ المرتب بها كذا، ويصرف منه في كل يوم ثمن لحم وخبز وحوائج الطعام، وكلفة السماط بالزاوية كذا، على أن الطعام يعمل بكرة وعشيا، ويمد السماط أيضا بكرة وعشيا العادة في ذلك.
ويصرف أيضا في كل يوم ثمن حلوى وفاكهة كذا.
ويصرف منه في ثمن ما يحتاج إليه الشيخ أو أحد الفقراء إذا حصل له ضعف من سكر وشراب وحوائج عطرية وغيرها،

وأجرة طبيب على ما يراه الناظر ويستصوبه وتدعو الحاجة إليه، ثم يذكر معلوم الامام والمؤذن، والقائم والفراش والبواب، وما على الشيخ والفقراء من الصلاة بالزاوية المذكورة، والقراءة والذكر والاوراد وأوقاتها.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة الوقف على زاوية الفقراء: الحمد لله مثيب من وقف عند نهيه وامتثل أمره، ويجيب دعاء من حبس على نعمه العميمة وشكره، ويوفي أجر من حرم ما حرمه وأعلن ذكره، وميسر أسباب الخيرات على من تصدق ولو بشق تمرة.
نحمده على مبراته الغادية والرائحة.
ونشكره على صدقاته السانحة والبارحة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنعم الوهاب المانح من لبس أثواب القربات جزيل الثواب، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الواقف على قدم لم تزل نحو العبادة ساعية سائرة، القائم بأمر الله في خلاص هذه الامة من المهلكات في الآخرة، القائل: إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، - وعد منها الصدقة الجارية المنجية من دركات الساهرة.
(ص) وعلى آله المطهرين من الرجس تطهيرا.
وعلى أصحابه الغر المحجلين وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى ما ادخر العبد ليوم معاده، وقدمه بين يدي خالقه عند قيام أشهاده: الصدقة التي تنيل فاعلها ثوابا وأجرا، وتدفع عنه بلاء وتكشف عنه ضرا وتكون له على الصراط جوازا.
وفي الطريق إلى دار الحقيقة مجازا، وتورده موارد الاتقياء الاخيار، وتطفئ خطيئته كما يطفئ الماء النار، وهي الذخيرة الباقية، والجنة الواقية، لا يخلق جديد ملابسها الجديدان، ولا يقصر جواد نفعها وإن طال الزمان.
ولما اتصل ذلك بفلان - أعز الله أنصاره، وضاعف بره وإيثاره، وأحسن مآبه وأجزل أجره وثوابه - بادر إلى تحصيل هذه المنقبة الغراء، ورغب في ازدياد أجوره عند الله في الاخرى.
وسارع لاجتلاء حسان الجنان الاثيرة، وأقرض الله قرضا حسنا ليضاعفه
له أضعافا كثيرة.
وأشهد على نفسه النفيسة أنه وقف وحبس إلى آخره.
وذلك جميع الشئ الفلاني - ويصفه ويحدده - والشئ الفلاني والشئ الفلاني - ويصف كل مكان على حدته ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات من سائر المسلمين المقيمين بالزاوية المعمورة المباركة المبرورة

المعروفة بسيدنا الشيخ فلان الآتي ذكره - فسح الله في مدته، وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركته - التي هي بالمكان الفلاني ويحددها - ثم يقول: والمترددين إليها والواردين عليها: على أن المتكلم في هذا الوقف والناظر عليه، والمسند أمره وما يتعلق به إليه يبدأ من ريعه وارتفاع مغلاته ومتحصلاته بعمارته وإصلاحه.
وما فيه الزيادة لاجوره ومنافعه وتثميره وتكثيره، وما يحتاج إليه من بذر وتقوية فلاح وإقامة أبقار وآلات عمل وإصلاح على جاري العادة في مثل ذلك.
ومهما فضل بعد صرف ما يحتاج إليه في كلفة ما ذكر أعلاه حصل به الناظر في أمر هذا الوقف المبرور خبزا وطعاما على اختلاف أجناسه وأنواعه، وصرفه بالزاوية المعمورة المذكورة على الموقوف عليهم، المذكورين أعلاه حسبما جرت به العادة في إطعام الفقراء والمساكين بالزوايا على ما يراه من زيادة ونقصان ومساواة وتفضيل، وله أن يصرف من ذلك ما يراه في فرش الزاوية المذكورة وتنويرها على جاري العادة في مثله.
عاملا في ذلك بتقوى الله تعالى وطاعته وخشيته ومراقبته في سره وعلانيته.
وإن قرر شيئا غير ذلك ذكره ونبه على مصرفه تنبيها حسنا، ثم يقول: محافظا على بقاء هذا الوقف نموه وزيادته واستقراره واستمراره مثابرا على تسهيل صرفه وتيسيره، مبادرا إلى تثميره وتكثيره، فإن تعذر - والعياذ بالله - صرف ذلك إلى الجهة المذكورة حسبما عين أعلاه عاد ذلك وقفا على الفقراء والمساكين من أمة سيد المرسلين محمد (ص) وعلى آله وصحبه أجمعين أينما كانوا وحيث وجدوا، يصرف الناظر في أمر
هذا الوقف أجوره ومنافعه إليهم على ما يراه من زيادة ونقصان.
فإن عاد الصرف إلى الجهة المذكورة، رجع ذلك إليها على الوجه المشروح بأعاليه.
يجري ذلك كذلك إلى آخره.
وجعل النظر في وقفه هذا والولاية عليه لسيدنا الشيخ الصالح الورع الزاهد العابد العالم العامل الخاشع الناسك القدوة السالك ضياء الاسلام حسنة الايام، شرف الانام بقية السلف، الكرام، سليل الصالحين.
زين العابدين، منهل الصادرين والواردين، مربي المريدين، مرشد السالكين، قطب العباد، علم الزهاد، بركة الملوك والسلاطين أبي عبد الله فلان الفلاني شيخ الزاوية المذكورة.
متع الله بحياته، ونفع بصالح دعواته في خلواته، يتولاه بنفسه الزكية مدة حياته لا يشاركه مشارك في ذلك، ولا في شئ من جهاته.
فإذا توفاه الله إليه على الصراط المستقيم.
كان النظر في هذا الوقف، والولاية عليه لمن يكون شيخا بالزاوية المذكورة، يتولى ذلك شيخ بعد شيخ.
هكذا أبدا إلى يوم القيامة.
وأخرج الواقف المشار إليه - أجرى الله الخيرات على يديه - هذه الصدقة عن

ملكه إلى آخره.
وقد تم هذا الوقف المقبول، ولزم إلى آخره.
وقبل سيدنا الشيخ المشار إليه ذلك قبولا شرعيا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
صورة وقف خانقاه برسم النساء: هذا ما وقف وحبس وسبل فلان إلى آخره جميع المكان الفلاني، الذي أنشأه الواقف المذكور بالمكان الفلاني.
وجعله دارا، حسنة الهيئة، متقنة البنية، مستجدة العمارة، مشتملة على مساكن ومجالس ومخادع وطباق - ويصفها ويحددها - ويذكر عدة مساكنها ومخادعها وطباقها، ثم يقول: وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان على حدته ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره، ثم يقول: فأما المكان المبارك المحدود الموصوف أولا.
فإن الواقف المشار إليه - أجرى الله الخيرات على يديه - وقفه خانقاه برسم النساء.
ورتب به كذا وكذا من النسوة العجز الدينات الخيرات الكثيرات الذكر والتسبيح والصلاة والتهجد والصيام، معروفات
بالصلاح.
ورتب لهن شيخة صالحة دينة من ربات البيوت الصينات الخيرات، ورتب لهن امرأة عالمة دينة خيرة خبيرة بأبواب الوعظ.
حافظة لجانب جيد من الآيات الكريمة، والاحاديث النبوية، والآثار المروية، والحكايات المأثورات عن الصالحين والصالحات لتعظهن وتذكرهن.
ورتب بالخانقاه المذكورة قائمة تقم ما يحصل به من الفضلات الملقاة بأرضه وتكنسه وتنظفه، وتتعاهد بيت خلائه بالغسل في كل يوم، وتقوم بفرش المكان المذكور وتنويره، وإزالة شعثه وتغلق الابواب عشية وتفتحها بكرة في كل يوم وليلة.
وتقدم الامتعة لهن، وتطوي الازر، وتنشرها لهن، وتملا أواني الشرب لهن، وتضع المائدة لديهن عند الاكل، وترفعها عند فراغهن من الاكل والشرب ورتب لهن امرأة تصلح لهن طعاما في كل يوم مرتين بكره وعشيا، وتغرف الطعام وتضعه لهن على المائدة، ورتب لهن امرأة شابة في العمر قوية في البدن، عارفة بغسل الثياب وتنظيفها ونشرها وتلبيسها ورندجتها بالدق متصدية لغسل ثيابهن من كسوة الرأس والبدن، وتهيئ لهن الثياب نظيفة للبس.
وأما بقية الاماكن المحدودة الموصوفة بأعاليه.
فإن الواقف المذكور - وفر الله له الاجور - وقف ذلك على الخانقاه المذكورة، وعلى من عين بها أعلاه على أن الناظر في وقفه هذا، والمتولي عليه يبدأ من ريع الموقوف على ذلك بعمارة الخانقاه المشار إليها والموقوف عليها، وإصلاحه وترميمه.
وما فيه الزيادة لاجوره ومنافعه وبقاء عينه، وتحصيل غرض واقفه.
وما فضل بعد ذلك.
يصرف منه الناظر إلى الشيخة بهذه الخانقاه المباركة في كل شهر من شهور الاهلة كذا وإلى كل واحدة من المتصوفات كذا، وإلى

العالمة كذا، وإلى القائمة كذا، وإلى الطباخة كذا، وإلى الغسالة كذا، وأن يرتب الناظر لهن في كل يوم من الايام على الدوام والاستمرار من لحم الضأن الجيد اللطيف السمين
كذا وكذا رطلا بالرطل الفلاني، ومن خبز الحنطة الصافي كذا وكذا رطلا، ومن الحوائج المختصة بالاطعمة على اختلافها في كل يوم ما يكفي لونين من الطعام.
وإن كان هذا الراتب لا يكفي لمثلهن.
زاده الناظر في ذلك.
وجعله كاف لهن، وإن كان في هذا الراتب زيادة على قدر كفايتهن، فلا ينقصه، بل يأمرهن أن يتصدقن بالفضل منه على من يرين.
وأن يصرف إلى كل واحدة من الشيخة والفقيرات - العشر مثلا - المذكورات في هلال كل شهر مبلغ كذا برسم دخولها الحمام وأن يرتب لكل واحدة منهن، وأن يصرف إليها في كل ليلة من صلاة الرغائب، ونصف شعبان من كل سنة من الحلوى السكرية كذا.
ويصرف إلى كل واحدة منهن صبيحة عيد الفطر من كل سنة مبلغ كذا، وأن يرتب لهن في كل عيد أضحى من كل سنة بقرة سمينة يضحين بها، ويأكلن من لحمها.
وما فضل منه يتصدقن به.
وعلى الشيخة المذكورة، والفقيرات المذكورات، ملازمة الخانقاه المشار إليها والبيتوتة في مسكنها المقرر لها.
والجلوس للذكر عقيب الصلوات الخمس والتسبيح والتهليل والدعاء للواقف المشار إليه، والترحم عليه وعلى جميع أموات المسلمين.
وعلى العالمة بها الجلوس لهن في كل يوم جمعة على الدوام والاستمرار بالخانقاه المذكورة على الكرسي، وتفتح المجلس بقراءة القرآن العزيز، والصلاة على النبي (ص) وبالاحاديث الشريفة النبوية، وحكايات الصالحين والصالحات من عباد الله المؤمنين والمؤمنات، وتختم المجلس بالقراءة والصلاة على النبي (ص)، وتدعو للواقف المشار إليه، وتترحم عليه، وعلى جميع أموات المسلمين.
ومن توفيت من هؤلاء النسوة المذكورات، أو أعرضت عن وظيفتها، أو ظهر منها ما ينافي الصفات المشروحة أعلاه، رتب الناظر في ذلك غيرها بالوصف المعين أعلاه.
يبقى ذلك كذلك إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله إلى آخره.
وجعل الواقف
النظر في وقفه هذا إلى آخره.
وشرط أن لا يؤجر وقفه هذا ولا شئ منه إلى آخره.
فقد تم هذا الوقف ولزم إلى آخره.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة وقف رباط على الفقراء أو العجائز: هذا ما وقفه فلان إلى آخره.
وذلك جميع المكان المبارك - ويصفه ويحدده - وجميع الشئ الفلاني - ويصفه ويحدده -

بجميع حقوق ذلك إلى آخره وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره.
ثم يقول: فأما المكان المحدود الموصوف أولا، فإن الواقف المشار إليه وقفه رباطا على الفقراء المجاورين به، أو على الفقيرات الارامل المنقطعات العجز اللاتي ليس لهن ملك طلق، ولا وقف، ولا مالية.
وشرط أن يكون عدتهم كذا أو عدتهن كذا، وأن يكون واحدا منهم، أو واحدة منهن شيخا أو شيخة بالرباط المذكور مرابطون، أو مرابطات على الصلاة والعبادة والذكر والتلاوة والتكبير والتحميد والتسبيح والدعاء والتضرع، وإظهار الخشوع والفزع.
وشرط الواقف: أن يصرف ريع الوقف عليهم، أو عليهن بينهن بالسوية.
وأن يكون للشيخ أو للشيخة نصيبان.
ولكل واحد من الفقراء أو الفقيرات نصيب واحد.
وأن يكون للناظر في أمرهم من ريع الوقف نصيبان.
هذا إذا كان ريع الوقف يصرف بالنصيب، وإن كان الواقف قد شرط عمل سماط بطعام فيذكره ويذكر ما لكل واحد أو واحدة من المعلوم والتوسع في الاعياد والمواسم.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الوقف على قراء سبع شريف: هذا ما وقفه فلان إلى آخره.
وذلك جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره.
على خمسة نفر مثلا، من الرجال الحافظين لكتاب الله العزيز.
ويكون كل واحد منهم صحيح القراءة فصيحا، حسن الاداء والتلاوة، صيتا حسن الصوت، ظاهر الخير والديانة بينهم بالسوية.
على أنهم يجتمعون للقراءة بالمسجد الجامع الفلاني، أو بمسجد بني فلان.
الكائن بالمكان الفلاني
بعد صلاة الصبح أو العصر، أو المغرب من كل يوم.
ويقرؤون مجتمعين سبعا شريفا من القرآن العظيم كاملا، أو جزءا من ثلاثين جزءا، أو جزءا من ستين جزءا على ما يشرطه الواقف من ذلك قراءة مبينة متقنة، مرتلة بصوت عال وتغن بالقرآن.
ويأتون بالمد في مواضعه ويتجنبون العجلة في قراءتهم، والخلط المفرط، وبلع الحروف وإبدال بعضها ببعض.
يبتدئون بسورة الفاتحة أول القرآن.
ويقرؤون متواليا سبعا بعد سبع، أو جزءا بعد جزء إلى حين فراغهم، وختمهم، (قل): أعوذ برب الناس وفواتح سورة البقرة وخواتمها.
ويهدون ثواب الختمة الشريفة للواقف، ويترحمون عليه.
وعلى سائر أموات المسلمين والمسلمات.
ثم يعيدون القراءة.
وكذلك يفعلون على الدوام والاستمرار أبدا، ما دامت الارض ومن عليها.
ومن تأخر منهم عن الجماعة، ثم أدركهم، وقد فاته شئ من المشروط عليه كان مسامحا به.
وإن كان الفوات كثيرا، ولم يدرك أصحابه، إلا بعد فراغهم، أو انقطع لغير عذر من مرض.
فعليه إعادة ما فاته.
وإن انقطع لمرض، أو حبس، أو سافر لحج فرض، سقط عنه إلى حين فراغه، مما وقع

فيه من هذه الاقسام الثلاثة.
ومن تكرر انقطاعه منهم عن الحضور والقراءة لغير عذر، أو أعرض عن وظيفته قطعه الناظر، ورتب غيره بصفته.
وكذلك إذا مات يبقى ذلك كذلك إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند انقطاع سبله إلى آخره.
ثم يذكر شرط النظر وشرط الايجار، وتمام الوقف ولزومه إلى آخره ويكمل على نحو ما تقدم.
وصورة الوقف على قراءة المولد الشريف النبوي: وقف فلان إلى آخره جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره.
على أن الناظر في هذا الوقف والمتولي عليه يبدأ أولا بعمارة الموقوف، المعين أعلاه وإصلاحه وصلاحه من متحصله وريعه.
وما فضل بعد ذلك: يصرف الناظر منه ما مبلغه كذا إلى رجل من أهل العلم الشريف، ليجلس بالمكان الفلاني على الكرسي، ويقرأ على من حضر عنده من الناس
مولد سيدنا محمد (ص) في شهر ربيع الاول من كل سنة لاثنتي عشرة ليلة تمضين منه قراءة حسنة، متقنة مفسرة، خالية من اللحن بصوت يسمعه من حضر عنده من المستمعين له.
ويصرف منه إلى رجل من أهل الديانة والعفاف مبلغ كذا ليقوم بتعليق القناديل بعد تعميرها، ووضع الشموع وإشعالها، وبسط السماط ووضع الطعام عليه بين يدي الحاضرين بالمولد الشريف.
ويصرف منه مبلغ كذا إلى رجل يطبخ الطعام ويغرفه ويصرف منه كذا إلى رجل من أهل الخير والصلاح، مادح لمحاسن رسول الله (ص) وصفاته ومعجزاته وأخلاقه الشريفة.
ويصرف منه كذا إلى ثلاث جوق كل جوقة ريس وثلاثة رسلا يقرأوه في ذلك اليوم والليلة ختمة كاملة، ويختمون ويدعون للواقف ويستغفرون له ولجميع المسلمين والمسلمات ويسردون من الادعية ما تيسر لهم سرده، ثم يقف المادح، ويمدح الرسول (ص)، وينشد في ذلك المحل ما تيسر له إنشاده من القصائد الحسنة.
ويختم بالصلاة على النبي (ص)، ثم يدعو للواقف ولجميع المسلمين.
والباقي من متحصل هذا الوقف يصرفه الناظر في ثمن لحم ضأن وخبز صاف، وحوائج الطعام، وما تحتاج إليه من عسل وسكر وأرز.
وتفاح وسفرجل وقلويات وسمن وخضراوات، وبقول، وثمن زيت وحصر وشمع، وماء ورد، وبخور وحطب، وغير ذلك مما يحتاج إليه، وما لا بد منه يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما تقدم.
وصورة الوقف على قارئ الحديث النبوي.
على قائله أفضل الصلاة والسلام: وقف فلان - إلى آخره - جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره.

على أن الناظر في هذا الوقف يبدأ أولا من ريعه بعمارته - إلى آخره - وما فضل يصرف على المرتبين لقراءة الحديث النبوي، على قائله سيدنا محمد أفضل الصلاة
والسلام.
بالكتب الشريفة الآتي ذكرها، التي وقفها الواقف المشار إليه لذلك.
وقررها بخزانة المكان الفلاني، أو على الكراسي الموضوعة لذلك على الوجه الآتي شرحه وبيانه فيه.
فأما المكان المحدود الموصوف أولا: فإن الواقف وقفه دارا للحديث الشريف النبوي على الوجه الآتي شرحه.
وأما باقي الموقوف: فإن الواقف وقفه على الوجه المشروح أعلاه.
على أن الناظر يصرف منه في كل شهر كذا إلى رجل من أهل العلم الشريف، عارف بقراءة الحديث الشريف وطريقه، متقن لقراءته يجلس على كرسي، ويقرأ في صحيح الامام محمد بن إسماعيل البخاري على الكرسي الكبير بقبلية المكان المذكور، من مستهل شهر رجب من كل سنة إلى اليوم الموفى لتسع وعشرين من رمضان من تلك السنة، ويقرأ ما تيسرت قراءته من كتاب الصحيح المذكور بحضرة من يحضره من المسلمين المستمعين لقراءته، وعند فراغه من القراءة في كل يوم بعد صلاة الصبح، أو الظهر أو العصر، يدعو للواقف ويترحم عليه.
وعلى جميع أموات المسلمين، بحيث يكون فراغه من قراءة جميع كتاب الصحيح المشار إليه في آخر يوم من أيام المدة المضروبة للقراءة المعينة أعلاه.
فإذا اجتمع الناس للختم قرأ شيئا من القرآن العظيم، وأهدى ثواب قراءة الكتاب المذكور، وقراءة القرآن العزيز للواقف ولجميع المسلمين.
ويصرف منه كذا إلى رجل من أهل الحديث يجلس على كرسي بالدار المذكورة، في كل يوم جمعة، بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة الجمعة، ويقرأ من كتاب الاذكار أو المصابيح أو ابن ماجه أو الترمذي أو غير ذلك من الكتب الستة، أو التفسير أو غيره، وآثار الصالحين وحكاياتهم ورقائق الوعظ، ما تيسرت قراءته على الدوام والاستمرار.
ثم يذكر خازن الكتب وماله من المعلوم، والقائم وماله من المعلوم.
وما هو مشروط عليهما في وظيفتهما.
ويذكر شرط النظر والايجار وغير ذلك مما تقدم ذكره في الصدر، ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة الوقف على الاشراف كثرهم الله تعالى: وقف فلان - إلى آخره - جميع كذا وكذا - ويصف ذلك ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره، ثم يقول:

فابتداؤه على الفقراء الاشراف المنتسبين إلى السيدين الامامين السعيدين الشهيدين: أبي محمد الحسن، وأبي عبد الله الحسين.
ولدي الامام الطاهر الانزع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سبطي سيدنا رسول الله (ص).
يصرفه إليهم الناظر في هذا الوقف على ما يراه ويستصوبه.
ويؤدي إليه اجتهاده من زيادة ونقصان، وإعطاء وحرمان، وكثير وقليل ومساواة وتفضيل.
وليس عليه أن يعلم شرف المصروف إليه علما يقينا، ولا أن يكون ذلك ثابتا عند الحاكم.
يكفيه أن يكون ذلك ظاهر النسب عنده بالسماع الفاشي من الناس، يبقى ذلك كذلك - إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند تعذر وجود واحد من هؤلاء - والعياذ بالله تعالى - إلى الفقراء والمساكين من أمة سيد المرسلين محمد (ص) وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن عاد إمكان الصرف إلى من تعذر الصرف إليه صرف الناظر ذلك في مصرفه المذكور.
ثم يذكر شرط النظر والايجار وغيره - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة الوقف على وجوه البر والقربات: وقف فلان - إلى آخره - جميع كذا وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان على حدته، ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - على جهات البر والقربات والاجر والثوبات، والمصالح العامة والمنافع الخاصة والمتعدية والتامة على ما يراه الناظر في هذا الوقف ويختاره من صرف ذلك، إن شاء قوتا أو كسوة أو دراهم، أو تحصيل منفعة، أو دفع مضرة، أو فكاك أسرى
المسلمين، أو عتق الرقاب، وإعانة المكاتبين، أو مداواة المرضى، أو تجهيز الموتى، أو سد خلة المحتاجين، والفقراء والمساكين، أو قضاء دين المدينين، أو خلاص المسجونين، أو إعانة أبناء السبيل المنقطعين، أو حجاج البيت الحرام، أو زوار ضريح سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أو تجهيز الغزاة أو المجاهدين، وصرفه فيما يحتاجون إليه من نفقة وطعام وسلاح ومركوب، في حال مقاتلة العدو الكافر خاصة، وبناء القناطر والسبل، وعمارة المساجد والطرق والانهار، وحفر الآبار والعيون والقنوات، وإطعام الطعام، وتسبيل الماء العذب في الطرق المنقطعة، وليالي الجمع، أو غير ذلك مما يراه الناظر في هذا الوقف، ويستصوبه، ويؤدي إليه اجتهاده على الوجه الذي يختاره ويرضيه من صرف ذلك، وما شاء منه من أبواب الخير وسبل المعروف المقربة إلى الله تعالى الداعية إلى رضاه، والفوز بما لديه، من تفريج الكربات ودفع المضرات والضرورات، وتحصيل المصالح العائد نفعها مما أوجبه الشارع (ص) أو ندب إليه، أو دلت القواعد الشرعية عليه، يقدم فيه الاهم فالاهم.

على أن الناظر في هذا الوقف، والمتولي عليه يبدأ من ريعه بعمارته - إلى آخره.
ومآل هذا الوقف عند تعذر الصرف في ذلك إلى الفقراء والمساكين - إلى آخره ويذكر شرط النظر والايجار، وتمام الوقف ولزومه - إلى آخره.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة الوقف على المجاورين بالحرم الشريف المكي، أو المدني، أو بيت المقدس، أو الثلاثة: وقف فلان - إلى آخره - جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - على المجاورين بالحرم الشريف المكي والحرم الشريف المدني، على الحال به أفضل الصلاة والسلام، والمجاورين بالمسجد الاقصى والصخرة ببيت المقدس الشريف.
بينهم بالسوية أثلاثا.
على أن الناظر في أمره يبدأ أولا من ريعه
بعمارته - إلى آخره - وما فضل بعد ذلك: يقسمه الناظر أثلاثا ويجعل كل ثلث صررا.
كل صرة كذا.
ويجهز كل ثلث إلى جهته صحبة ثقة مأمون عدل، معروف بالديانة والامانة والعفة والصيانة، ليفرقه على المجاورين بالحرم الذي جهز ذلك الشخص إليه من الاماكن الثلاثة المشار إليها.
يفعل ذلك كذلك في كل سنة مرة.
هذا إذا نص الواقف على هذه الصورة.
وإلا فيكون كيف اشترط من أن يصرف إلى المجاورين كسوة أو حنطة، أو غير ذلك، ثم يذكر شرط النظر، ومآل الوقف، وشرط الايجار، وتمام الوقف ولزومه - إلى آخره.
وإن كان في مصالح الحرم فيذكره ويكون الدفع إلى ناظره، وإن كان برسم فرشه وتنويره.
فكذلك.
وإن كان شرط أن ناظر الوقف يشتري بالريع شيئا، مثل بسط، أو غير ذلك، ويحمله إلى الحرم ويفرش فيه، أو يفرقه على خدامه ومجاوريه، فيذكره على مقتضى غرض واقفه.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة وقف على سبيل من ماء زمزم في حرم مكة المشرفة: وقف فلان إلى آخره جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول: على أن الناظر في هذا الوقف يبدأ من ريعه أولا بعمارته - إلى آخره - وما فضل بعد ذلك يصرف منه في كل شهر لمن يستقي الماء المبارك من زمزم كذا وكذا دورقا، ويوضع ذلك بمكان بالحرم الشريف المكي كذا وكذا.
ويصرف في شراء أواني من دوارق، وشربات، وأباريق، ومغارف بسبب ذلك، في كل شهر كذا.
وفي شراء شئ تغطى به الدوارق وقت الحاجة إلى ذلك بسبب حر الشمس وغير ذلك ما تحتاج إليه، على أن المتولي لمل ء الدوارق المذكورة وخدمتها يسبل ذلك، بعد تبريده، على الخاص والعام للشرب خاصة

في الحرم المشار إليه للرجال والنساء والصبيان من الطائفين والعاكفين والواردين والمترددين والمصلين أول من النهار إلى آخره، أو في أي وقت يعينه الواقف.
فإن تعذر الماء من زمزم المذكورة والعياذ بالله، بوجه من وجوه التعذرات أو بسبب من الاسباب، فيؤخذ الماء من أي مكان أحبه الناظر في هذا الوقف، ويصرف لمن يباشر ذلك، ويتولى حط الدوارق ورفعها وملئها وغسلها وتغطيتها وتبخيرها في كل قليل وتبريدها وتعاهدها من حين وضعها ملآى وإلى حين فراغها كذا وكذا.
وإن كان ذلك على سبيل من الاسبلة في غير الحرم، فليكتب: على أن المباشر لذلك يسقي الماء ويتولى المناولة للاواني وأخذها من الشارب، ويفعل ذلك في كل يوم من أيام السنة بعد الظهر إلى أذان العصر على ممر الايام والليالي.
ويحترز الفاعل لذلك أن يقطع فعله وقت الحر، أو في أوقات الاحتياج إلى ذلك.
فإن في كل كبد حرى أجر ويتلطف بالذي يتعاطى الشرب من ذلك.
ويفعل في ذلك كما يفعل في غيره من الاسبلة للماء.
فإن تعذر - والعياذ بالله - الصرف لذلك، كان ما يصرف لذلك مصروفا إلى الفقراء والمساكين من المسلمين والمسلمات، حيث كانوا وأين وجدوا.
فإن عاد إمكان الصرف لمن تعذر إليه الصرف.
عاد الصرف إليه يجري ذلك كذلك إلى آخره.
وإن كان الواقف شرط أن يشتري حانوتا ويجعل سبيلا في مكان معين يقول: على أن الناظر في هذا الوقف يبدأ أولا من ريعه بعمارته - إلى آخره - وما فضل يشتري منه أزيارا فخارا وكيزانا، وغير ذلك مما هو معد للشرب على ما يراه الناظر، ويستأجر حانوتا في المكان الفلاني، أو في أي مكان يراه الناظر في هذا الوقف على ما يقتضيه رأيه من الاجرة، بحيث إنه لا يتعدى أجرة ذلك في الشهر كذا وكذا درهما.
ويضع فيها الاواني المذكورة المعدة للشرب، ويستأجر لمن يحمل في كل يوم من النهر الفلاني، أو من ماء النيل المبارك، أو من المكان الفلاني كيت وكيت على ما يراه، ويوضع في الازيار المذكورة بعد غسلها وتبخيرها وإزالة أوساخها، وجعلها مما يطيب بها الشارب نفسا ولا يعافها ولا يستقذرها ويبرد الماء.
وينصب لتسبيل ذلك وفعله شخص من المسلمين الاخيار، المتحرزين من النجاسات ممن يكون لباسه نظيف وبدنه نظيف.
ويفعل في ذلك ما يفعل مثله في مثل ذلك من الشيل والحط والمناولة ومل ء الاواني وغير ذلك في الوقت الفلاني.
ويغلق الحانوت ويفتحه ويمسح بلاطه ويزيل أوساخ الحانوت.

ويصرف له في كل شهر كذا.
فإذا انكسرت الاواني والشربات والكيزان والاباريق المعدة لذلك أعادها الناظر.
وكلما انكسرت أو شئ منها أعاده من مال الوقف، يفعل ذلك على مر الدهور والاعوام والليالي والايام، ويشرب من ذلك الغني والفقير والصغير والكبير والخاص والعام والارامل والايتام.
فإن تعذر الصرف إلى ذلك، صرف ريعه في الفقراء والمساكين من المسلمين.
فإن عاد إمكان الصرف صرف إليه.
يجري ذلك كذلك - إلى آخره، ويكمل.
وصورة وقف حوض للسبيل: الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل.
الذي وفق من ارتضاه لما يرضاه من الجميل وأحيا به دواثر مآثر الفضائل فثبتت له أفضلية التفضيل، ويسر له أعمال البر والقربات فرفل في أثواب مجدها الاثيل، ونهض مستمسكا بما ثبت في صحيح السنة الشريفة عن صاحب الحوض والكوثر.
المخصوص بالشفاعة العظمى يوم العطش الاكبر، حيث قال، وقوله أصدق ما قيل: من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا آنس ولا طائر، إلا كان له أجر ذلك إلى يوم القيامة وهذا نص صريح في حصول الاجور.
وناهيك به من دليل، وما روي عن محمود بن الربيع: أن سراقة بن مالك بن جعشم قال يا رسول الله: الضالة ترد على حوضي فهل لي فيها من أجر إن سقيتها؟ قال: اسقها.
فإن في كل كبد حرى أجر.
ومتواتر السنة يشهد لسقي الماء بأجر كثير وفضل جزيل.
نحمده حمد عبد عرف نعم الله عليه، فأنفق ماله ابتغاء مرضاته، ومنح منه الفقير والمسكين وابن السبيل.
ونشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثيل.
ونشهد أن محمدا
عبده ورسوله، الذي رفع الله به قواعد الدين، على عمد التتميم والتكميل صلى الله عليه وآله وصحبه، الذين صفت بهم مشارع الحق، واخضرت البقاع من ندى أكفهم المشكورة الجود في المقام والرحيل، صلاة توردنا حوضه، وتدير علينا كؤوس كوثره السلسبيل، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فلما كان الوقف من القرب المندوب إليها.
والطاعات التي وردت السنة الشريفة بالحث عليها، وكان لا يلحق العبد من الاعمال الصالحات بعد مماته، إلا إحدى

ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له كما جاء في الاحاديث الواردات.
ولما علم فلان أن هذا سبيل جعله الله نهاية الطلاب، وأن مورده العذب النمير سبيله إلى تحصيل الاجر والثواب، رغب فيما عند الله من الثواب الذي لا ينقطع اسمه، ولا يندرس رسمه، ولا يضيع عند الله ثوابه وبره، ولا ينقص في الدنيا ولا في الآخرة أجره، وبادر إلى ورود مشارع هذه المنة العظيمة.
وأشهد على نفسه الكريمة: أنه وقف، وحبس وسبل - إلى آخره - جميع الحوض الرخام الابيض الكبير، أو الاسود، المشتمل على كذا وكذا - ويصف جوانبه وصدره وأعلاه وأسفله، وأبنيته، وما به من الاعمدة ويحدده - ثم يقول: هذا الحوض المبارك المذكور، أنشأه الواقف المشار إليه وعمره، وساق إليه الماء من قناة كذا، بحق واجب مستمر دائم أبدا، ما جرى الماء في القناة المذكورة.
ووصل إليه في كيزانه وبرابخه المدهونة بالارض، وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره.
على أن الواقف المشار إليه جعل الحوض المذكور سبيلا للمسلمين، يرتفقون به بالشرب والوضوء والاغتسال وسقي المواشي، وغسل الثياب والاواني، ونقل الماء منه
إلى حيث شاؤوا في القرب والجرار، على الدواب وعلى الظهور.
وأما باقي الموقوف، المعين أعلاه: فإن الواقف وقفه على مصالح الحوض المذكور برسم عمارته، وعمارة طريق الماء الواصل إليه من القناة المذكورة، وثمن كيزان، وبرابخ، وكلس وتراب أحمر، وزيت وقطن برسم اللاقونية، وأجرة قنواتية وغير ذلك مما لا بد منه لعمارة القناة وتنظيفها من الطين اللازب، ويصرف منه إلى القنواتية كذا في كل شهر.
وإن كان حفر بئرا، أو بناه على بئرقديمة - ذكرها ووصفها وصفا تاما، ووصف عدتها المعدة لادارتها، وذكر تدويرها وتربيعها - ثم يقول: وإلى رجل يتولى غسل الحوض المذكور وتنظيفه في كل يوم، ويتردد إلى القناة لاطلاق الماء إليه كلما احتاج إلى ذلك.

وإن كان سواقا ذكر خدمته، وتعليق الثور وإدارته عند الاحتياج إلى ذلك وحله، وتولى سقيه وعلفه، وإصلاح عدته المعدة لادارته، على ما جرت به عادة السواقين في مثل ذلك - ويذكر ماله من المعلوم في كل شهر ويصرف منه في كلفة الساقية وعلف الثور وشراء ما يحتاج إليه من عدة الادارة في كل شهر كذا، ثم يقول: يبقى ذلك كذلك - إلى آخره - ثم يذكر بداءة الناظر بعمارة الموقوف، والحوض المذكور.
وصرف ما قرره بعد ذلك.
ثم يذكر مآل الوقف عند انقطاعه، وتعذر جهاته، يذكر شرط النظر والايجار وتمام الوقف ولزومه، ثم يكمل ويؤرخ على نحو ما سبق، وصورة وقف خان للسبيل: وقف فلان إلى آخره جميع الخان المشتمل على كذا وكذا - ويصفه وينعته، والبلد الذي هو فيه، أو في الطريق للمارة، وما اشتمل عليه من البوائك والاقبية والمخازن والطباق وغير ذلك ويحدده - ثم يقول: وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان ويحدده - ثم يقول: وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - ثم يقول:
فأما الخان المذكور: فإنه وقفه وجعله سبيلا للمارة من المسافرين والغادين والرائحين، والصادرين والواردين، يبيتون به ويربطون دوابهم فيه من غير إضرار بأحد ممن يأوى إليه ويبيت فيه.
يستوي في المبيت فيه الغني والفقير، والحقير والصغير والكبير، والقوي والضعيف والمشروف والشريف، لا يزعج أحد فيه من مكانه الذي يسبق إليه، ولا يشوش أحد عليه.
وأما باقي الموقوف المحدود الموصوف بأعاليه: فإن الواقف المشار إليه - برد الله مضجعه، ومنحه الفوز في الدار الآخرة بثواب ما صنعه - وقفه على مصالح خان السبيل المذكور، على أن الناظر في وقف هذا، والمتولي عليه يبدأ أولا من ريعه بعمارته وعمارة الموقوف عليه - إلى آخره.
وما فضل بعد ذلك: يصرف منه في كل شهر كذا إلى رجل يرتبه الناظر فيه بوابا بباب الخان المذكور، يتولى فتح بابه وغلقه على عادة أمثاله.
ويصرف منه في كل شهر كذا إلى رجل يكون متبتلا بكنس الخان المذكور جميعه من بوائكه وأرضه، وتنظيفه من التراب والزبل والاوحال المتحصلة من الامطار، وتصريف ما يمكث في قاعه من المياه والاوساخ، بحيث لا يزال نظيفا مكنوسا دائما أبدا.
وكلما حصل الروث من الدواب كنسه أولا بأول، ويوما بيوم.
ونقل ما يتحصل فيه من الزبل وغيره إلى ظاهر الخان المذكور.
وإن كان قد جعل فيه مسجدا، ذكر إمامه وقيمه ومؤذنه.
وما لكل منهم من المعلوم، وصرف ما يحتاج إليه من الفرش والزيت.
ويذكر مآل الوقف عند تعذر جهاته، وشرط النظر وغيره على نحو ما تقدم شرحه.

وصورة وقف تربة للواقف وأولاده: وقف فلان - إلى آخره - جميع المكان الفلاني - ويذكر بقعته، ويصفه ويحدده - وجميع كذا وجميع كذا - ويصف كل مكان ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره.
ثم يقول: فأما المكان المحدود الموصوف أولا: فإن الواقف وقفة تربة برسم دفنه ودفن موتاه من أولاده ونسله وعقبه وأزواجه وأرقائه وعتقائه وعصباته وأقاربه من ذوي الارحام الذكور والاناث وأنسالهم.
وأما باقي الموقوف: فإن الواقف وقفه على مصالح التربة، ومعلوم المرتبين بها على ما يأتي شرحه فيه.
على أن الناظر في ذلك يبدأ أولا بعمارة الموقوف المعين أعلاه، وعمارة التربة - إلى آخره - وما فضل بعد ذلك يصرف منه كذا إلى رجل برتبة الناظر قائما بالتربة المذكورة، يقوم بوظيفة الكنس والتنظيف، والتسعيف وغسل الرخام ومسحه.
وغسل البركة، وإطلاق الماء إليها والفرش والتنوير، وغسل المصابيح وتعميرها.
ويصرف كذا إلى ثمانية رجال قراء حافظين لكتاب الله العزيز، على أنهم يحضرون في كل يوم وليلة، ويقرؤون من القرآن ما يسعه كل وقت من الاوقات الآتي تعيينها على ما يشرح فيه.
فيحضر اثنان منهم وقت الصبح بعد الصلاة، ويقرآن إلى انتهاء ثلاث ساعات رملية.
ويحضر اثنان منهم وقت الظهر ويقرآن بعد الصلاة إلى أدان العصر.
ويحضر اثنان منهم وقت العصر ويقرآن بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب.
ويحضر الاثنان الباقيان من الثمانية وقت العشاء ويقرآن من بعد الصلاة إلى انتهاء ثلاث ساعات رملية.
يقرؤون هكذا بالنوبة والدور على ميكام زجاج من الرمل محرر.
كلما حضر اثنان وجلسا للقراءة قلباه، ولا يتمان القراءة حتى يفرغ الرمل.
يبقون على ذلك كذلك أبدا على الدوام والاستمرار.
وكلما قرأ اثنان وفرغا من قراءتهما دعا أحدهما للواقف ولوالديه ولجميع المسلمين وترحم عليهم، وأمن الآخر على دعائه.
ثم يقول: ويصرف إلى الامام الراتب بالتربة في كل شهر كذا، وإلى المؤذن كذا، وإلى القائم كذا، وإلى الخادم كذا، وإلى البواب كذا، وإلى الناظر كذا، وإلى المعمار كذا، وإلى الجابي كذا، وإلى المباشر كذا.
ثم يذكر الشروط المتقدم ذكرها: ويكمل ويؤرخ على نحو ما تقدم شرحه.
وصورة وقف إنسان على نفسه: وقف فلان - إلى آخره - جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده - وقفا صحيحا شرعيا إلى آخره.
ثم يقول: أنشأ الواقف المذكور وقفه هذا على نفسه مدة حياته ينتفع بذلك في

السكن والاسكان، وسائر وجوه الانتفاعات الشرعية أبدا ما عاش، ودائما ما بقي، لا يشاركه فيه مشارك، ولا ينازعه فيه منازع، ولا يتأوله عليه فيه متأول.
فإذا توفاه الله تعالى، عاد ذلك وقفا على أولاده، ثم على أولاد أولاده، ثم على أنساله وأعقابه، بينهم على حكم الفريضة الشرعية، للذكر مثل حظ الانثيين.
ثم بعد كل واحد منهم يعود ما هو وقف عليه من ذلك وقفا على أولاده ثم على أولاد أولاده، ثم على أنساله وأعقابه بينهم.
ومات منهم عن غير ولد، ولا ولد ولد، ولا نسل، ولا عقب: عاد ما هو وقف عليه من ذلك وقفا على من هو في درجته، وذوي طبقته من أهل الوقف.
ومن مات منهم قبل أن يصل إليه شئ من هذا الوقف، وترك ولدا أو ولد ولد، أو نسلا أو عقبا، استحق ولده من الوقف ما كان يستحقه والده لو بقي حيا، يبقى ذلك كذلك أبدا ما توالدوا، ودائما ما تناسلوا، وتعاقبوا بطنا بعد بطن، وقرنا بعد قرن، وطبقة بعد طبقة.
فإذا انقرضوا بأجمعهم، وخلت الارض منهم ومن أنسالهم وأعقابهم، ولم يبق أحد ممن ينتسب إلى الوقف بأب من الآباء ولا بأم من الامهات: عاد ذلك وقفا على كذا وكذا على ما شرطه الواقف.
ثم يقول: ومآل هذا الوقف - إلى آخره - ثم يذكر شرط النظر والايجار، وتمام الوقف ولزومه - إلى آخره.
ويكمل ويؤرخ على نحو ما سبق.
وإن كان ابتداء الوقف على أولاده لصلبه الموجودين يوم الوقف ذكرهم بأسمائهم الذكور والاناث، ثم يقول: ومن عساه أن يولد من الذكور والاناث بينهم بالسوية، على حكم الفريضة الشرعية، ثم على أولادهم - إلى آخره - غير أنه في صورة الوقف على
أولاده الموجودين يقول: وقبول الموقوف عليهم من الواقف ذلك قبولا شرعيا.
وإن كانوا صغارا تحتة حجره قبل هولهم من نفسه.
وإن كان الوقف في وقفه الذي وقفه على نفسه شرط لنفسه فيه زيادة أو نقصا، فيقول - بعد ذكر شرط النظر -: وشرط الواقف المذكور لنفسه زيادة ما يرى زيادته، أو أن له زيادة ما يرى زيادته، وتنقيص ما يرى تنقيصه، وعزل من يرى عزله، واشتراط ما يرى اشتراطه، واستبدال ما يرى استبداله، وعمارة ما يرى عمارته من غير ضرر بالوقف المذكور.
ويكون الذي يعمره وقفا كشرط الواقف، وفعل ما يرى فعله في الوقف المذكور على الوجه الشرعي.
وإن أراد الواقف أن يكون الوقف وقفا مجمعا عليه ملكه لشخص تمليكا صحيحا شرعيا، مشتملا على الايجاب والقبول، والتسلم والتسليم بالاذن الشرعي، ثم يوقفه

المتملك على المملك، ثم على أولاده.
ويكمل على نحو ما سبق.
تنبيه: الواو في الوقف تأتي للتشريك، وثم للترتيب.
وكذلك الاعلى فالاعلى، أو الاول فالاول.
فصل: وإذا عدم كتاب الوقف، وتم من يشهد به، أو نسي التاريج والواقف حاضر.
فالكتابة في ذلك على معنيين.
المعنى الاول: أقر فلان أنه قبل تاريخه، وقف جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده، ويذكر الجهات التي كان أوقف عليها - إلى آخرها.
وقفا صحيحا شرعيا.
وأن شهوده تحملوا عليه الشهادة بهذا الوقف حين صدوره منه.
وكتبوا عليه به كتابا، وتسلمه الواقف، وادعى عدمه، وتاريخه أنسى.
فاستند في ذلك إلى إقرار الواقف المذكور.
وذلك أني رفعت قصة إلى الحاكم الفلاني.
وأذن في كتابة كتاب هذا الوقف وتحديده على هذا المنهاج بمقتضى خطه الكريم على هامش قصة رفعها الواقف المذكور، ويشرح
الحال في ذلك، ومثال الاذن ليجيب إلى سؤاله على الوجه الشرعي.
وخلدت القصة المذكورة بحانوت شهوده حجة بمقتضاه.
المعنى الثاني: أن يسأل الواقف كتابة محضر شرعي بذلك، ويكتب الحاكم أسفل السؤال ليكتب، ثم يكتب شهوده الواضعون خطوطهم - إلى آخره يعرفون فلانا - ويذكرون مكانه، ويوصف ويحدد - معرفة صحيحة شرعية.
ويشهدون مع ذلك: أن فلانا المذكور قبل تاريخه وقف المكان الموصوف المحدود بأعاليه وقفا صحيحا شرعيا - ويذكر جهة مصرفه إلى آخرها - وأنهم كتبوا بذلك كتابا وادعى الواقف عدمه عدما لا يقدر على وجوده، وحددوا على إقراره هذه الشهادة بالوقف المذكور على حكمه في يوم تاريخه.
يعلمون ذلك، ويشهدون به مسؤولين.
ويكمل ويؤرخ حسب الاذن الكريم الفلاني، ثم يشهدون فيه عند الحاكم، ويسجل عليه بثبوت المحضر المسطر باطنه عنده على الحكم المشروط باطنه.
وصورة وقف موصى به عن ضيق الوصية عن الثلث: وقف فلان - وهو الوصي الشرعي - عن فلان فيما سيأتي ذكره فيه بمقتضى كتاب الوصية المحضر من يده، المتضمن إيصاؤه إليه: أن يقف جميع الدار الآتي ذكرها ووصفها وتحديدها، وتحبيسها وتسبيلها، وتحريمها وتأبيدها وتخليدها، المخلفة عن الموصي المذكور، وهي بيد الوصي المذكور حالة الوقف.
وأنه يشترط النظر في ذلك لنفسه، ثم من بعده لحاكم المسلمين.
إلى غير ذلك مما هو مشروح في كتاب الوصية، المؤرخ بكذا، الثابت

مضمونه بمجلس الحكم العزيز الفلاني.
ثم اعتبرت تركة المتوفى المذكور فضاق ثلثها من العقار وغيره عن استيعاب وصاياه.
فكان ما ينفذ الوقف فيه بحكم الوصية من ثلث الدار، الموصي بوقفها المذكورة أعلاه، خمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من جميع الدار المذكورة لدخول النقص على جهات الوصايا وحكم المحاصصة فيها، مع نظر
الحاكم الفلاني في ذلك وحكمه بموجبه، وإذنه للقاضي المسمى أعلاه في إنفاذ الوصية، والعمل بمقتضاها، بعد ثبوت ما يعتبر ثبوته في ذلك لديه شرعا.
وقف الموصي المذكور أعلاه وحبس - إلى آخره - جميع الحصة الشائعة وقدرها خمسة أسهم من أصل أربعة وعشرين سهما من جميع الدار الموصوفة المحدودة بأعاليه.
وقفا صحيحا شرعيا - إلى آخره - على الفقراء والمساكين والضعفاء والمحتاجين، من أمة محمد (ص).
أو على جهة اختارها الواقف، وعينها في كتاب وصيته - ثم يذكر شرط النظر وغيره.
ويكمل على نحو ما سبق.
تنبيه: الوقف من الوصي، لا يصح إلا بشروط موصيه.
فإذا أخل بشرط لم يصح حتى يأتي بشروط موصيه جميعها كاملة.
فإن الموصي هو رب المال.
فيتبع شرطه في جميع ما نص عليه في وصيته، ولا بد من ثبوت الوصية عند الحاكم الذي يثبت عنده الوقف، أو يتصل به ثبوتها على الوجه الشرعي.
وصورة ما إذا وقف في مرض موته عقارا، لا يملك غيره ومات، ولم تجز الورثة الزائد على الثلث، وأريد ثبوت الوقف، واختصاص جهة الوقف بثلث المكان الموقوف.
واختصاص الورثة بالثلثين ملكا.
يكتب بذيل كتاب الوقف أو على ظهره، أو بهامشه: فصل يتضمن أن الواقف لا يملك غير هذا المكان.
وصورة الفصل الذي يكتب: يشهد من يضع خطه فيه بمعرفة فلان الواقف المذكور المسمى باطنه، والمكان الوقف المحدود الموصوف فيه، معرفة صحيحة شرعية.
ويشهدون مع ذلك: أن الواقف المذكور كان مالكا حائزا للمكان الموصوف المذكور، وأنه توفي إلى رحمة الله تعالى من مرضه الذي باشر فيه الوقف المذكور، ولم يملك غير العقار المذكور.
يعلمون ذلك، ويشهدون به مسؤولين ويؤرخ.
ثم يكتب الحاكم لتحلف الورثة: فيكتب فصل حلف صورته: أحلف كل واحد من فلان وفلان وفلان.
وهم ورثة فلان الواقف المسمى باطنه بالله
العظيم، اليمين الشرعية، الجامعة لمعاني الحلف شرعا: أن مورثهم المذكور توفي إلى رحمة الله تعالى من مرضه الذي وقف فيه المكان المذكور باطنه، وأنه لم يملك غيره،

وتوفي عنه خاصة.
وأنه ما أجاز ما زاد على الثلث الذي يصح وقف مورثهم فيه، وأن من شهد في الفصل المسطر فيه صادق في شهادته.
فحلف كما أحلف بالتماسه لذلك.
ويؤرخ.
ثم يكتب فصل إعذار على الورثة، ثم يسجل على الحاكم بالثبوت والحكم الموجب.
وصورة تسجيله: أنه ثبت عنده مضمون الفصل المسطر بأعاليه، أو بظاهره أو بهامشه، وجريان الحلف المذكور فيه، وإعذار من أعذر إليه من الورثة المذكورين فيه.
وما نسب إلى الواقف من حصول الوقف المذكور فيما زاد عن الثلث من ذلك في مرض الموت، وعدم الاجازة من الورثة المذكورين فيه.
وباطن الوقف مؤرخ بكذا، ومعرفة الوقف المذكور، وتشخيص الورثة المذكورين لديه التشخيص الشرعي، ثبوتا شرعيا.
وحكم بموجب الوقف الخاص من المكان الموقوف باطنه، وهو الثلث منه لجهته المذكورة.
وبالثلثين للورثة المذكورين على سبيل الملك بالفريضة الشرعية، خال ذلك عن الوقف، حكما شرعيا - إلى آخره.
وإن كان الورثة أطفالا: فاليمين متعذرة في حقهم، كتعذر اليمين في حق الورثة.
وإذا خلف مكانين أو أكثر، ووقف ذلك، وكان لا يملك غيره ومات.
ولم يجز الورثة الزائد على الثلث من ذلك.
فما يزاد على ما تقدم سوى محضر قيمة، حتى يعرف مقدار الثلث.
وإن أجازت الورثة، فيكتب على ظهر كتاب الوقف.
حضر إلى شهوده فلان وفلان وفلان، وهم ورثة الواقف المذكور باطنه.
وأشهدوا على أنفسهم - وهم في حال الصحة والسلامة - أن مورثهم المذكور قبل وفاته، وقف
الوقف المذكور، وهو في صحة عقله وتوعك جسده، وحضور حسه وفهمه، وتوفي من مرضه هذا.
فصار التصرف له في الثلث من ذلك على الوجه الشرعي والحجر عليه في الباقي، وهو الثلثان.
وقد أجازوا القدر الزائد على الثلث، وهو الثلثان من المكان الموقوف فيه، وأبقوا الوقف على حكمه المشروح باطنه، ولم يكن لهم في الوقف المذكور ولا في شئ منه ولا فيمن شهد به ولا فيمن شهد فيه، ولا في شئ من ذلك دافع ولا مطعن، ولا حجة ولا ملك ولا شبهة ملك، ولا إرث ولا موروث، ولا شئ قل جل، وأن ذلك صدر من أهله في محله على الاوضاع الشرعية صدورا شرعيا، ويقع الثبوت بعد ذلك.
وإن أجاز البعض وتخلف البعض فيكتب ذلك على القواعد الشرعية، ويجمع الذي

لجهة الوقف من ذلك، وما بقي لمن بقي من الورثة الذين لم يجيزوا.
ضابط: مذهب الامام الشافعي رحمه الله: أن الاماكن الموقوفة، والحالة هذه، لا يتميز فيها مكان بالوقف.
ولكن يبقى كل مكان فيه حصة موقوفة.
ومذهب الامام أحمد رحمه الله: تقويم الاماكن الموقوفة والحالة هذه، ويخص فيها الوقف بمكان حتى يبقى الوقف خالصا من غير شركة، فيفعل في إجازة البعض وتخلف البعض، كما تقدم من محضر القيمة والحلف والاعذار للورثة.
ويتميز منها مكان الوقف وبقية الاماكن يختص بها من لم يجز الورثة، بعضهم أو كلهم.
ويثبت ذلك عند الحاكم ويحكم بموجبه أو بصحته.
فإذا حكم بصحته فلا بد من محضر الملك والحيازة، ويكتب في الاسجال كذلك: أنه ثبت عنده ما نسب إلى الواقف المذكور من الوقف المذكور باطنه، وصحته في الثلث، وبطلانه في الثلثين.
وعدم إجازة الورثة في الثلثين، ومضمون محضر القيمة، وفصل الحلف والاعذار، وبإفراز المكان الفلاني لجهة الوقف المذكور، والمكانين الباقيين من ذلك على ملك الورثة المذكورين في المحضر المذكور بالفريضة الشرعية،
على مقتضى مذهبه واعتقاده.
وحكم بذلك حكما شرعيا - إلى آخره - مع العلم بالخلاف.
وصورة استبدال وقف بملك ليوقف عوضه بإذن الحاكم الحنبلي أو الحنفي: استبدل فلان من فلان - وهو المستبدل بما يأتي ذكره فيه - بإذن سيدنا فلان الدين وأمره الكريم، لاستهدام الوقف المبدل الآتي ذكره، ولوجود الغبطة والمصلحة لجهة الوقف المشار إليه في الاستبدال بما يأتي ذكره شرعا، ولكون المبدل الآتي تعيينه أكثر قيمة من الوقف المبدل الآتي ذكره، وأجزل أجرة وأدر ريعا، وأغزر فائدة وأحكم بناء، ليوقف عوضه على حكمه في الحال والمال، ولكون الوقف المبدل يومئذ خرابا معطلا، معدوم الانتفاع به على شرط واقفه، وأنه الآن لا يرد شيئا أبدا.
فبمقتضى ذلك: استبدل فلان المسمى أعلاه من المأذون المسمى أعلاه، ما هو وقف على مصالح المدرسة الفلانية المنسوبة إلى إيقاف فلان - وتوصف وتحدد - وذلك جميع الحانوت الفلاني - ويصفه ويحدده - بحقوقه كلها - إلى آخره - بما هو جار في ملك المستبدل المبدأ بذكره أعلاه، وبيده إلى حين هذا الاستبدال.
وذلك جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها - بحقوقها - إلى آخره - استبدالا صحيحا شرعيا.
جرى بين المستبدلين المذكورين فيه على الوجه الشرعي، بعد الاحتياط الكافي لجهة الوقف.
وسلم المستبدل المبدأ بذكره إلى المأذون له جميع الدار المحدودة الموصوفة بأعاليه، فتسلمها لجهة الوقف المذكور منه تسلما شرعيا.
وسلم المأذون له المذكور أعلاه إلى المستبدل المبدأ بذكره جميع الحانوت

المذكور أعلاه، فتسلمه منه تسلما شرعيا.
وصار له ملكا طلقا، يقبل الانتقال من ملك إلى ملك بحكم هذا الاستبدال، بعد الرؤية والمعاقدة الشرعية، وضمان الدرك في ذلك لازم حيث يوجبه الشرع الشريف بعدله.
وجرى عقد هذا الاستبدال والاذن فيه، بعد أن ثبت عند سيدنا فلان الدين الحاكم الآذن المشار إليه: أن المبدل المعين أعلاه وقف على
الجهة المذكورة أعلاه حالة الاستبدال، وأن في هذا الاستبدال غبطة ومصلحة لجهة الوقف المذكور، وأن المبدل به المعين أعلاه قيمته أكثر من قيمة المبدل المعين أعلاه، وأجزل أجرة وأدر ريعا، وأغزر فائدة، وأحكم بناء حالة الاستبدال، وأن المبدل به المعين أعلاه ملك المستبدل المبدأ بذكره أعلاه، وبيده إلى حين الاستبدال ثبوتا صحيحا شرعيا.
وبعد تمام ذلك ولزومه وصحته ونفوذه شرعا: وقف المأذون له المسمى أعلاه، بإذن سيدنا الحاكم المشار إليه أعلاه، جميع الدار المحدودة الموصوفة أعلاه بحقوقها كلها، وقفا صحيحا شرعيا على الجهة المعينة أعلاه تجري أجورها ومنافعها على جهة الوقف المذكور حسبما هو معين في كتاب وقف ذلك المتقدم التاريخ على تاريخه في الحال والمال، والتعذر والامكان والنظر.
ويكمل على نحو ما سبق ويؤرخ.
فصل: إذا كان الوقف نقضا لا ينتفع به يأذن الحاكم في كشفه، ويكتب محضرا بالمهندسين.
وصورته: صار من سيضع خطه آخره من المهندسين أرباب الخبرة بالعقارات وعيوبها والاملاك وقيمها، المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني، وكشفوه كشفا شافيا وشاهدوه وعاينوه، وأحاطوا به علما وخبرة نافية للجهالة - ويصفون ما شاهدوه فيه - ويقولون: وأن ذلك صار في حكم النقض، لا ينتفع به في السكن، ولا في الاجرة، وهو يضر بالجار والمار، ويخشى سقوطه عن قرب.
وإن لم يزل تداعى وسقط وأضر بالجار والمار.
شاهدوا ذلك كذلك وشهدوا به مسؤولين.
ثم يكتب بعد ذلك فصل قيمة.
وصورته: يشهد من سيضع خطه آخره من شهداء القيمة أرباب الخبرة بتقدير العقارات وأجرها، المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني.
أن القيمة لجميع النقض الموصوف في محضر الكشف المسطر باطنه يومئذ كذا وكذا.
وأن الحظ والمصلحة لجهة الوقف المذكور في بيع النقض المذكور بالقدر المعين أعلاه، يعلمون
ذلك ويشهدون به، مسؤولين بسؤال من جاز سؤاله شرعا ويؤرخ.
ثم يقيم المهندسون شهاداتهم في محضر الكشف عند الحاكم.
وكذلك شهود

القيمة، ويرقم لهم على العادة في مثل ذلك، ثم يأذن الحاكم في بيع ذلك.
ويكتب فصل إذن.
وصورته: أذن سيدنا فلان الدين - ويستوفي ذكر ألقاب الحاكم الآذن - لمستحقي ريع الوقف المذكور، أو لمن يعينه الحاكم، في بيع النقض المذكور بالمبلغ الذي قوم به، المذكور في فصل القيمة المسطر باطنه، لمن يرغب في ابتياعه بذلك على الوجه الشرعي.
وفي قبض المبلغ المذكور ثمنا عن ذلك، ويفعل فيه ما يقتضيه الشرع الشريف في مثل ذلك إذنا شرعيا، ويشهد على الحاكم بذلك ويؤرخ.
فإذا بيع كتب: اشترى فلان من فلان القائم في بيع ما سيأتي ذكره فيه بطريق الاستحقاق عن نفسه، وبطريق الوكالة عن بقية مستحقي الوقف المذكور.
وهم - فلان وفلان.
أو بطريق النظر الشرعي على الوقف المذكور - أو بإذن سيدنا فلان الدين الحاكم، المشار إليه أعلاه، وأمره الكريم له بذلك - لوجود المسوغ الشرعي المقتضي لذلك الثابت لديه - أحسن الله إليه - جميع كذا وكذا.
ويذكر السبب والمحضرين والاذن من الحاكم إن كان الكتاب مقتضيا.
وإن كان على ظهر محضر الكشف - فيشير إليه، ويحيل على باطنه، ويذكر الثمن وقبضه - ليفعل البائع فيه ما يقتضيه الشرع الشريف، ويكمل المبايعة بالمعاقدة والرؤية، والتخلية، والتفرق بالابدان عن تراض ويؤرخ.
ويثبت ذلك جميعه عند الحاكم ويحكم بموجبه أو بصحته، مع العلم بالخلاف، ولا يباع نقض المسجد بحال.
تذييل: إذا وقف الانسان على النفس، ولم يثبته على حاكم، ولا علقه على صفة، وأراد الواقف الرجوع في الوقف على مذهب أبي حنيفة الذي يرى صحته: فيأذن الحاكم
للواقف في الرجوع، ويكتب في هامش المكتوب: فصل.
وصورته: أذن سيدنا فلان الدين لفلان الواقف المذكور فيه في الرجوع في وقفه على الوجه الشرعي، أو يسأل الواقف حاجته لذلك في قصة، ويكتب الحاكم عليها ليجيب على سؤاله.
فإذا صدر ذلك.
كتب: أشهد عليه فلان الواقف المذكور فيه: أنه رجع عن الوقف الذي وقفه باطنه.
وأعاده إلى ملكه رجوعا صحيحا شرعيا.
فإذا باعه كتب المبايعة.
وأثبت ذلك على الحاكم الذي أذن له في الرجوع.
وصورة إسجاله: أنه ثبت عند جريان عقد التبايع المشروح باطنه على ما نص وشرح باطنه.
وثبت أيضا عنده الرجوع عن الوقف المذكور باطنه بالشرائط الشرعية، بعد

الاذن المشروح باطنه، وإعادته إلى ملكه قبل صدور التبايع المشروح باطنه.
وأنه لم يتصل بحاكم ولا محكم ولا محل يرى صحته، ولم يعلقه على صفة، ولا أجراه مجرى الوصية، ثبوتا صحيحا شرعيا.
وحكم - أيد الله أحكامه - بصحة ذلك أو بموجبه، مع العلم بالخلاف.
وصورة إبطال الوقف على النفس عند الشافعي: يكتب على ظهر كتاب الوقف: بعد أن قامت البينة الشرعية بالوقف المشروح باطنه عند سيدنا الحاكم الفلاني، وقبلها القبول الشرعي على الوجه الشرعي.
أشهد على نفسه الكريمة سيدنا الحاكم المشار إليه، أنه أبطل الوقف المذكور، وحكمه على مقتضى مذهبه واعتقاده، وأعاده ملكا كغيره من الاملاك.
وحكم بموجب ذلك حكما شرعيا، مع العلم بالخلاف.
وإذا كان الحكم بالصحة.
فيثبت عند الحاكم الملك والحيازة للواقف المذكور، وأنه لم يتصل بحاكم ولا محكم ولا محل يرى صحته إلى تاريخه.
فائدة: سئل فقيه العرب، هل يجوز بيع الوقف؟ قال: نعم.
الوقف السوار من عاج.
فصل: في مباشرة الوقف يكتب في رأس الورقة بعد كسرها: ارتفاع الوقف الفلاني الجاري تحت نظر الحكم العزيز الشافعي، أو الحنفي، أو غيرهما.
وإن كان جهة ذكرها - مثل الحرمين الشريفين، أو الصدقات الحكيمة أو مدرسة، أو جامع، أو غيره - ثم يقول: لشهر كذا أو لسنة كذا مما حرر ذلك مخصوما مساقا، مضافا إلى ذلك ما يجب إضافته في تاريخ كذا وكذا، جباية فلان الفلاني مبلغ كذا.
ثم يكتب في الهامش الايمن الخط الفلاني كذا.
ويفصل هذا الخط بحوانيته وسكانه، ويكتب أجرة كل حانوت تحته شهري وسنوي.
فإذا انتهت الحوانيت وسكانها، ذكر الطباق بعدها بسكانها وأجرة كل طبقة شهري وسنوي، إلى أن ينتهي ذلك الخط.
فيكتب الآخر، ويفعل في تفصيله كما فعل في الاول، إلى أن ينتهي من ذلك كله.
ويطابق جملة زمام الاصل بالتفصيل.
ثم يقول: مستخرج من ذلك مبلغ كذا وكذا، ثم يقول: الباقي بعد ذلك كذا وكذا، ويفصل على أربابه، ثم يكتب المصروف في الهامش الايسر مبلغ كذا.
ويفصله بجهاته وأربابه، ثم يكتب البارز بعد ذلك كذا، والباقي بعد ذلك كذا.
أو المتأخر بعد ذلك كذا مما هو حاصل فلان الجابي المذكور أو غيره.

ثم يكتب الشاهد على ظهر القائمة الاولى من الارتفاع: علامته المعهودة، والامر على ما نص وشرح فيه.
وكتبه فلان الفلاني.
وإذا كتب ارتفاعا ثانيا تاليا لهذا الارتفاع الاول، يصف من البارز من الارتفاع الاول إلى البارز من الارتفاع الثاني.
وإن كان استخرج شيئا من الباقي الاول أضافه إلى ذلك أيضا.
وصورة ذلك: إذا كتب الارتفاع الثاني والمستخرج والباقي والمصروف والبارز،
يكتب: وأضيف إلى ذلك ما وجب إضافته، وهو البارز من المستخرج في المدة الاولى التي هذه المدة تليها التي آخرها كذا وكذا، مبلغ كذا وكذا.
فذلك الاصل، والاضافة كذا وكذا.
ويكتب الشاهد كما كتب أولا.
وصورة محاسبة الجابي: محاسبة فلان الفلاني الجابي في الوقف الفلاني، الجاري تحت نظر فلان الفلاني على ما استأداه من ريع الوقف المذكور في مدة أولها كذا وآخرها كذا.
وعلى ما صار إليه من الباقي على أربابه، مما يلزم الجابي المذكور تحقيقه.
وإن كان عزل وولى غيره، فيكتب - بعد قوله: في مدة أولها كذا وآخرها كذا وهي حين انفصاله من جباية الوقف المذكور، واستقرار فلان الفلاني في الجباية عوضه مما جرى ذلك في تاريخ كذا.
وتحمل عليه جملة ما استأداه، ويكتب مبلغه في الزمان ويفصله.
فإذا انتهى تفصيله ومصروفه، وتأخر عليه باقي يكتب: الباقي بعد ذلك كذا وكذا.
ويفصل هذا الباقي بجهته على أربابه مفصلا، ويشمل الحساب بخط الشاهد، إن كان الحساب بخطه كما تقدم ذكره، ويشهد الجابي المنفصل في ظاهر الحساب.
وصورة ما يكتب: أشهد عليه فلان الجابي المذكور باطنه، أن المحاسبة المشروحة باطنه: قرئت عليه أصلا وخصما ومصروفا وباقيا وجملة وتفصيلا، وعلم صحتها وصدق عليها، واعترف بصدورها عنه على الحكم المشروح باطنه.
وعليه تحقيق الباقي المفصل باطنه في جهة أربابه.
والخروج من تبعته لجهة الوقف المذكور باطنه على الوجه الشرعي، ويؤرخ.
ويشهد عليه بشاهدين غير شاهدي الوقف.
هذا إذا كان الجابي المحاسب فصل وتسلم جابي غيره يكتب تصقيع.
وصورته: أنه يكتب في رأس الورقة بعد كسرها: عمل مبارك يشتمل على تصقيع الوقف الفلاني، الجاري تحت نظر فلان الفلاني لشهر كذا، أو لسنة كذا، مما حرر ذلك عند استقرار فلان الفلاني في جباية الوقف المذكور، وتسليمه إياه في تاريخ كذا وكذا.
ثم يكتب تحت هذا الصدر في رأس الهامش الايسر مبلغ كذا وكذا.
ثم يفصل الا خطاط

بحوانيتها وطباقها، كل خط على حدته بجملته وتفصيله كما فعل أولا.
وإن كان في الوقف باقيا: فيشهد بشهود التصقيع على من عنده ذلك.
مثاله: إذا كتب في التصقيع: حانوت فلان في الشهر كذا، يكتب مقابله في الهامش: والباقي عليه كذا.
ثم يكتب آخر التصقيع: جملة الباقي عند أربابه كذا، مما تجمد ذلك على السكان المذكورين فيه من أجرة سكنهم بالوقف المذكور إلى آخر كذا.
ويشهد على الجابي بتسليم الوقف بالباقي.
وأن عليه استخراجه.
والخروج منه على الوجه الشرعي.
فصل: في استخراج مال الوقف - وهو الذي يقال له: المياومة.
ويقال: الموايمة - يكتب في رأس الورقة التاريخ، مستهل شهر كذا، ويكتب تحت التاريخ: المستخرج من ريع الوقف الفلاني جباية فلان الفلاني الجابي في الوقف المذكور الخط الفلاني كذا.
تفصيله: فلان كذا، فلان كذا، إلى أن ينتهي المستخرج.
فيكتب نهاره كذا وكذا.
ثم يكتب الهامش الايسر: المصروف من ذلك كذا.
تفصيله: جباية كذا، حمولة كذا، عجز كذا، البارز بعد ذلك كذا، وكل من استخرج منه شيئا كتب له وصولا.
مثاله: من جهة فلان من أجرة سكنه بالمكان الفلاني، مما يحاسب به كذا، ويشمله شاهد الوقف بخطه.
ويعطي للجابي يدفعه لصاحبه.
ثم يعمل مباشر الوقف جريدة تشتمل على أماكن الوقف جميعه.
والطريق في عمل الجريدة: أن يجعل المباشر لكل اسم ورقة بيضاء، بحيث يبقى يخدم عليها، ويكتب في رأس الورقة حانوت سكن فلان كذا.
وكلما استخرج منه الموايمة شئ نقله إلى الجريدة بتاريخه.
وذلك مما يعين المباشر في عمل الحساب الذي يرفعه في كل سنة، أو في كل شهر على قدر العادة.
والحساب لا يصلح إلى بالميزان.
ومثال ذلك: أن يجعل النقدات التي في الحساب في ناحية من الورقة نقدة مجردة
عن الاسم إلى آخر النقدات ويجمعها.
فإن ذلك يعينه على الصحة في الجملة.
وتسمى هذه الميزان وعن أرباب صناعة الحساب مسير طيار وهو في الحقيقة ميزان الحساب.

كتاب الهبة، والصدقة، والعمرى، والرقبى، والنحلة وما يتعلق بذلك من الاحكام الهبة تمليك العين بغير عوض.
وهو مندوب إليه لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * وقوله تعالى: * (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) *.
وروي أن النبي (ص) قال: تهادوا تحابوا.
وأجمع المسلمون على استحبابها.
إذا ثبت هذا: فإن الهبة للاقارب أفضل لقوله تعالى: * (وآتى المال على حبه ذوي القربى) * فبدأ بهم.
والعرب تبدأ بالاهم فالاهم.
وقال (ص): الرحم شجنة من الرحمن.
فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله والشجنة: بضم الشين وكسرها، وروي عن النبي (ص) أنه قال: قال الله تعالى: أنا الله، وأنا الرحمن، وأنا خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي.
فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته وقال (ص): أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح يعني المعادي، لان الصدقة تقطع المعاداة وترفعها.
وقال بعضهم:

هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في القلوب هوى وودا وتكسوهم إذا حضروا جمالا وقال أبو الفتح البستي: لا شئ أدفع للاحن والعداوات والضغائن وتلبد الحقد
وطريقه: كالهدايا.
وقال (ص): من سره أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه، فليصل رحمه.
والهبة والهدية، وصدقة التطوع: حكمها واحد: وكل لفظة من هذه الالفاظ تقوم مقام الاخرى، فقد تقرر: أن التمليك بلا عوض هبة.
فإن انضم إليه كون التمليك لمحتاج طلبا لثواب الآخرة.
فهو صدقة، وإن انضم إليه نقل الموهوب إلى مكان الموهوب له إكراما له فهو هدية.
ولا بد في الهبة من الايجاب والقبول، بل يقوم مقامهما البعث من هذا والقبض من هذا.
وأما العمري والرقبى فقد كانت العرب في الجاهلية تستعمل في مقصود الهبة لفظين، أحدهما قولهم: أعمرتك هذه الدار أو الارض، أو الابل أي جعلتها لك عمرك، أو حياتك، أو ما عشت.
وهذا اللفظ مأخوذ من العمر.
والاسم العمرى واللفظ الثاني قولهم: أرقبتك هذه الدار أو الارض أو الابل، وجعلتها لك رقبى، ووهبتها منك على أنك إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك استقرت لك.
وهي من المراقبة، لان كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.
والاسم الرقبى والحكم فيها كالحكم فيما إذا قال: جعلتها لك عمرى فإذا مت عادت إلي.
وإذا قال: أعمرتك هذه الدار فإذا مت فهي لورثتك فهي هبة.
ولو اقتصر على قوله: أعمرتك.
فكذلك على الجديد.
ولو قال: إذا مت عادت إلي.
فهذه صورة الرقبى.
وما يجوز بيعه يجوز هبته، ولا يجوز بيعه - من المجهول والمعجوز عن تسليمه، كالمغصوب والضال - لا تجوز هبته.
وهبة الدين ممن هو عليه إبراء له ومن غيره: لا يصح على الاصح.
ولا يحصل الملك في الهبات إلا بالقبض.
والقبض المعتبر: هو القبض بإذن الواهب.

ولو مات الواهب، أو الموهوب منه، بين العقد والقبض: لم ينفسخ العقد على الاصح، بل يقوم وارث الميت مقامه.
وينبغي أن يعدل الوارث بين الاولاد في العطية.
وطريق العدل والتسوية بين الذكور والاناث، أو رعاية قسمة الميراث فيه وجهان.
أصحهما: الاول.
وللاب الرجوع في الهبة من الاولاد.
والاصح من الاقوال: أن سائر الاصول كالاب، وإنما يثبت الرجوع في الهبة إذا كان الموهوب باقيا في ولاية المتهب.
فلو تلف أو باعه أو وقفه فلا رجوع.
ولا يمتنع الرجوع بالرهن والهبة قبل القبض، ولا يتعلق العتق وتزويج الجارية، وزراعة الارض.
وكذا بالاجارة على الاظهر.
ولو زال الملك ثم عاد لم يعد الرجوع في أصح الوجهين.
ولا تمنع الزيادة الرجوع، متصلة كانت أو منفصلة.
لكن المنفصلة تسلم للولد ويحصل الرجوع بقوله: رجعت فيما وهبت، واسترجعت، ورددت المال إلى ملكي، ونقضت الهبة.
وأصح الوجهين: أنه لا يحصل الرجوع ببيع الموهوب ووقفه وهبته، وإعتاق العبد، ووطئ الجارية.
فائدة: قسم الشافعي رحمه الله تعالى العطايا.
فقال: تبرع الانسان بماله على غيره ينقسم إلى معلق بالموت، وهو الوصية.
وإلى منجز في الحياة، وهو ضربان.
أحدهما: الوقف.
والثاني: التمليك المحض.
وهو ثلاثة أنواع: الهبة، والهدية، وصدقة التطوع.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن الهبة تصح بالايجاب والقبول والقبض.
فلا بد من اجتماع الثلاثة عند الثلاثة.
وقال مالك: لا تفتقر صحتها ولزومها إلى قبض.
بل تصح وتلزم
بمجرد الايجاب والقبول.
ولكن القبض شرط في نفوذها وتمامها.
واحترز مالك بذلك عما إذا أخر الواهب الاقباض، مع مطالبة الموهوب له حتى مات وهو مستمر على المطالبة: لم تبطل.
وله مطالبة الورثة، فإن ترك المطالبة، أو أمكنه قبض الهبة، فلم يقبضها حتى مات الواهب، أو مرض: بطلت الهبة.
وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة.
فإن مات قبل أن يجاز عنه.
فهو ميراث.

وعن أحمد رواية: أن الهبة تملك من غير قبض، ولا بد في القبض من أن يكون بإذن الواهب، خلافا لابي حنيفة.
وهبة المشاع جائزة عند مالك والشافعي كالبيع.
ويصح قبضه بأن يسلم الواهب الجميع إلى الموهوب له، فيستوفي منه حقه.
فيكون نصيب شريكه في يده وديعة.
وقال أبو حنيفة: إن كان مما لا ينقسم، كالعبيد والجواهر، جازت هبته.
وإن كان مما ينقسم: لم تجز هبة شئ منه فصل: ومن أعمر إنسانا.
فقال: أعمرتك داري، فإنه يكون قد وهب له مشاعا الانتفاع بها مدة حياته.
وإذا مات رجعت رقبة الدار إلى مالكها، وهو المعمر.
هذا مذهب مالك.
وكذلك إذا قال: أعمرتك وعقبك.
فإن عقبه يملكون منفعتها.
فإذا لم يبق منهم أحد رجعت الرقبة إلى المالك، لانه وهب المنفعة ولم يهب الرقبة.
وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وأحمد: تصير الدار ملكا للمعمر وورثته ولا تعود إلى ملك المعطى الذي هو المعمر.
فإن لم يكن للمعمر وارث كانت لبيت المال.
وللشافعي قول آخر كمذهب مالك.
والرقبى جائزة.
وحكمها حكم العمرى عند الشافعي وأحمد وأبي يوسف.
وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد: الرقبى المعينة صحيحة.
فصل: ومن وهب لاولاده شيئا، استحب أن يسوي بينهم عند أبي حنيفة ومالك.
وهو الراجح من مذهب الشافعي.
ومذهب أحمد، ومحمد بن الحسن إلى أنه يفضل الذكور على الاناث، كقسمة الارث.
وهو وجه في مذهب الشافعي.
وتخصيص بعض الاولاد بالهبة: مكروه بالاتفاق.
وكذا تفضيل بعضهم على بعض.
وإذا فضل، فهل يلزمه الرجوع؟ الثلاثة على أنه لا يلزمه وقال أحمد: يلزمه الرجوع.
فائدة: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد: يستحب التسوية بين الاولاد في الوقف والصدقة، كما يستحب التسوية بينهم في الهبة.
فإن كان بعض الاولاد فقيرا وبعضهم غنيا، ففي تقديم الغني على الفقير نظر واحتمال.
فصل: وإذا وهب الوالد لابنه هبة، قال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيها بحال.
وقال الشافعي: له الرجوع بكل حال.
وقال مالك: له الرجوع ولو بعد القبض فيما وهب لابنه على جهة الصلة والمحبة، ولا يرجع فيما وهبه له على جهة الصدقة.
وإنما يسوغ الرجوع ما لم تتغير الهبة في يد الولد، ويستحدث دينا بعد الهبة، أو

تتزوج البنت، أو يختلط الموهوب له بمال من جنسه، بحيث لا يتميز منه، وإلا فليس له الرجوع.
وعن أحمد: ثلاث روايات.
أظهرها: له الرجوع بكل حال.
كمذهب الشافعي.
والثانية: ليس له الرجوع بحال، كمذهب أبي حنيفة.
والثالثة: كمذهب مالك.
فصل: وهل يسوغ الرجوع في غير هبة الابن؟ قال الشافعي: له الرجوع في هبة كل من يقع عليه اسم ولد حقيقة أو مجازا، كولده لصلبه، وولد ولده من أولاد البنين والبنات.
ولا رجوع في هبة الاجنبي.
ولم يعتبر طروء دين، أو تزويج، كما اعتبره مالك، لكن شرط بقاءه في سلطة المتهب.
فيمتنع عند الرجوع.
وإن وهب لاجنبي، ولم يعوض عن الهبة، كان له الرجوع.
إلا أن يزيد زيادة متصلة، أو يموت أحد المتعاقدين، أو يخرج عن ملك الموهوب له.
وليس له عند أبي حنيفة الرجوع فيما وهب لولده وأخيه وعمه وعمته، ولا كل من لو كان امرأة لم يكن له أن يتزوج بها لاجل النسب.
فأما إذا وهب لبني عمه أو للاجانب.
فإن له أن يرجع في هبته.
فصل: وهب هبة ثم طلب ثوابها، وقال: إنما أردت الثواب: نظر.
فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له جاز ذلك عند مالك كهبة الفقير للغني وهبة الرجل لاميره ومن هو فوقه.
وهو أحد قولي الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إلا باشتراطه.
وهو القول الثاني للشافعي، وهو الراجح من مذهبه.
فائدة: روي أن الحسن سمع إنسانا يقول: اللهم تصدق علي.
فقال: إن الله لا يتصدق، إنما يتصدق من يبغي الثواب.
ولكن قل: اللهم أعطني وتصدق علي وارحمني ونحوه.
والثواب هو العوض.
وأصله: من ثاب إذا رجع.
وأجمعوا على أن الوفاء بالوعد في الخير مطلوب.
وهو هو واجب أو مستحب؟ فيه خلاف.
ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأكثر العلماء إلى أنه مستحب.
فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولكن لا يأثم.
وذهب جماعة أنه واجب، منهم: عمر بن عبد العزيز.
وذهب المالكية مذهبا ثالثا: أن الوعد إن اشترط بسبب،

كقوله: تزوج ولك كذا، ونحو ذلك، وجب الوفاء به، وإن كان الوعد مطلقا لم يجب.
المصطلح: ويشتمل على صور ولها عمد.
ذكر الواهب، والموهوب له، والشئ الموهوب، وحدوده إن كان مما يحدد، وإخراجه من يد الواهب إلى الموهوب له مفرغا.
وقبول
الهبة، وقبضها بإذن الواهب.
وذكر الصحة والسلامة والطواعية والاختيار.
وجواز الامر والتاريخ.
وصورة هبة الوالد لولده: وهب فلان لولده لصلبه فلان الرجل الكامل البالغ الرشيد، الذي لا حجر عليه باعترافه بذلك لشهوده، أو الصغير السباعي، أو الخماسي أو غير ذلك، الذي هو تحت حجره وولاية نظره، برا منه وحنوا وشفقة عليه، ما ذكر أنه له وبيده وملكه وتحت تصرفه إلى حين هذه الهبة.
وذلك جميع المكان الفلاني - ويوصف ويحدد - هبة صحيحة شرعية، جائزة ماضية بغير عوض ولا قيمة.
قبل الموهوب له المسمى أعلاه ذلك من والده الواهب المذكور أعلاه لنفسه قبولا شرعيا.
وسلم إليه المكان الموهوب المعين أعلاه.
فتسلمه منه تسلما شرعيا بإذنه له في ذلك الاذن الشرعي، وذلك بعد النظر والمعرفة والمعاقدة الشرعية.
هذا إذا كان الولد بالغا يسوغ منه القبول لنفسه.
وإن كان صغيرا يقول: قبل الواهب المذكور ذلك من نفسه لولده المذكور لكونه تحت حجره وولاية نظره، وتسلم ذلك من نفسه لولده المذكور تسلما شرعيا.
وصارت الهبة المذكورة أعلاه ملكا من أملاك ولده الصغير المذكور وحقا من حقوقه.
واستقر ذلك بيد والده المذكور وحيازته لولده المذكور.
ويكمل على نحو ما سبق.
والتمليك صورته صورة الهبة، إلا أن يكون بعوض.
فيذكره بلفظ التمليك، ثم يقول: تمليكا صحيحا شرعيا، مشتملا على الايجاب والقبول، باللفظ المعتبر الشرعي بعوض شرعي، وهو جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده - أو مبلغ كذا وكذا.
ويكمل بالتسلم والتسليم كما سبق.
وإن كان التمليك لصغير أجنبي، كتب كما تقدم.
وفي القبول يقول: قبل ذلك له وليه الشرعي فلان، مثل أبيه أو جده أو وصيه أو الحاكم.
وإن كانت الهبة لاجنبي: كتب كما تقدم في الهبة للولد البالغ الرشيد.
وصورة الهبة في شئ غائب عن بلد الواهب والموهوب منه يكتب كما تقدم:

وهب فلان فلانا، أو ملك فلان فلانا جميع المكان الفلاني، الذي هو بمدينة كذا - ويصفه ويحدده - ثم يقول: المعلوم ذلك عندهما العلم الشرعي، النافي للجهالة.
هبة صحيحة شرعية، أو تمليكا صحيحا شرعيا.
مشتملا على الايجاب والقبول، وخلى الواهب أو المملك بين الهبة، أو بين التمليك وبين الموهوب منه أو المتملك، التخلية الشرعية.
وجب للمتملك بذلك القبض، ويكمل.
ويرفع إلى قاضي مالكي يثبته ويحكم بصحة هذه الهبة، العارية عن القبض على مقتضى مذهبه، مع العلم بالخلاف.
وكذلك يكتب فيما إذا وهب مائة مكوك حنطة من جملة ألف مكوك، أو وهبه ألف درهم من جملة هذه الدراهم.
التي مبلغها عشرة آلاف درهم.
فهذه أيضا: هبة لازمة صحيحة عند مالك، ولا تفتقر إلى القبض.
فإن القبض ليس بشرط عنده في صحتها ولزومها، وفي إحدى الروايتين عن أحمد.
وكذلك إذا ملكه حصة شائعة في عقار تكتب الصورة بلفظ التمليك، وترفع إلى قاض غير حنفي يثبتها ويحكم بصحة التمليك مع العلم بالخلاف.
وإن ترافعا إلى قاض حنفي.
وسئل الحكم بالبطلان.
حكم به مع العلم وإذا بالخلاف.
وكذلك الحكم فيما إذا وهبه أو ملكه ما تصدق عليه السلطان به وإذا ملك الرجل ابنته لصلبه، أو ابنه لصلبه شيئا بينهما نصفين بالسوية وكتب هذه الصورة، وكان القصد إمضاؤها.
فترفع إلى قاض من الثلاثة يثبتها، ويحكم بصحتها، إلا أحمد.
فإنها غير صحيحة عنده.
وإن كان القصد البطلان، فترفع إلى حاكم حنبلي يحكم ببطلانها، مع العلم بالخلاف.
وإذا ملك الرجل ولدا من أولاده جميع ماله.
فهذا مكروه عند الثلاثة كراهية تنزيه، مع الجواز عندهم.
ومكروه عند أحمد كراهية تحريم.
وكذلك إذا ملك بعض أولاده دون بعض ماله: فجائز عندهم أيضا خلافا لاحمد.
فعنده أن المعطى قد أساء، ويلزم باسترجاع ما أعطاه.
وقد تقدم الخلاف في رجوع الاب فيما ملكه لولده.
وكذلك الام ترجع عند الشافعي فيما وهبت لولدها على الاطلاق.
ولها الرجوع عند مالك إذا كان في حياة أبيه.
وفي هذه الصور كلها يتأتى الخلاف المذكور.
والحكم فيها إما يراد بالصحة عند من يراه، وإما بالبطلان عند من يراه.
واللفظ في كل صورة مفهوم مما تقدم شرحه.
وصورة العمرى: أعمر فلان فلانا ما ذكر أنه له وبيده وملكه وتحت تصرفه إلى حالة الاعمار.
وذلك جميع الدار الفلانية - ويصفها ويحددها - إعمارا صحيحا شرعيا،

بأن قال: جعلت هذه الدار لك عمرك أو ما عشت.
وسلم المعمر إلى المعمر جميع الدار المذكورة، فتسلمها منه تسلما شرعيا.
وصارت هذه الدار المعمرة للمعمر المذكور ولورثته من بعده مصيرا شرعيا، ويكمل ويرفع إلى حاكم غير مالكي يحكم بموجبه مع العلم بالخلاف.
وإن أراد المعمر الاعمار على مذهب مالك.
وكان قصده رجوع ما أعمره إليه بعد موت المعمر، لان الاعمار عند مالك تمليك المنافع.
وعند الباقين تمليك الرقبة.
وصورة ذلك: أعمر فلان فلانا جميع المكان الفلاني - ويصفه ويحدده - إعمارا صحيحا شرعيا بأن قال له: أعمرتك هذه الدار عمرك أو ما عشت.
فإذا مت عادت إلي.
وإن ذكر العقب.
فيكتب: ولعقبك من بعدك.
فإذا انقرضوا عادت إلي وسلم المعمر إلى المعمر جميع المكان المذكور، فتسلمه منه تسلما شرعيا.
كتسلم مثله شرعا.
وصارت هذه الدار بيد المعمر المذكور، يتصرف فيها بالسكن والاسكان والانتفاع بها مدة حياته.
ويكمل على نحو ما سبق، ثم يرفع إلى حاكم مالكي يحكم بموجبه مع العلم بالخلاف.
وصورة الرقبى: أرقب فلان فلانا داره - ويصفها ويحددها - إرقابا صحيحا شرعيا،
بأن قال: أرقبتك هذه الدار وجعلتها لك حياتك.
فإن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك استقرت لك ولعقبك.
وسلم المرقب إلى المرقب جميع ما أرقبه إياه فتسلمه منه تسلما شرعيا.
ووجب له الانتفاع بذلك وجوبا شرعيا، وهي صحيحة عند الشافعي وأحمد، سواء كانت مطلقة، أو مقيدة.
وأجاز أبو حنيفة الرقبى المقيدة، وهي أن يقول: هذه الدار رقبى.
وهي باطلة عند مالك على الاطلاق.
وصورة الصدقة: تصدق فلان على ولده لصلبه فلان بجميع ما ذكر أنه له وبيده وملكه إلى حين هذه الصدقة.
وذلك جميع كذا وكذا - ويصفه ويحدده، إن كان مما يوصف ويحدد - صدقة صحيحة شرعية برا منه وحنوا عليه، وتقربا إلى الله تعالى، وابتغاء لما عنده من الثواب الجسيم، والفضل العميم.
وأزال المتصدق المذكور يده عن ذلك وسلمه إلى ولده المذكور فقبله منه وتسلمه لنفسه تسلما شرعيا.
وإن كان المتصدق عليه طفلا: كتب في القبول والتسليم، كما تقدم.
وإن شاء صدر بإقرار الوالد: أنه تصدق على ولده فلان البالغ.
والولد يقبل ويتسلم لنفسه.
أو الطفل والولد يقبل ويتسلم له من نفسه.
تنبيه: القبض في الصدقة شرط في لزومها عند أهل العلم، حتى لو مات المتصدق عليه قبل القبض بطلت الصدقة عند مالك.
وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي.
والاصل

في ذلك حديث أبي بكر رضي الله عنه فيما نحله عائشة رضي الله عنها، ولم يكن أقبضها فيما نحلها إياه.
فقال لها: وددت لو أنك حزيتيه، وإنما هو مال الوارث.
وذلك في مرضه الذي مات فيه.
وصورة ما إذا أنحل الاب ولده مصاغا، أو قماشا ملبوسا أو غيره: نحل فلان لولده فلان الصغير الذي هو تحت حجره، وولاية نظره ما ذكر أنه له وبيده وملكه وتصدقه إلى حين هذه النحلة.
وذلك جميع كذا وكذا - ويصفه وصفا تاما.
وإن كان فيه ما يوزن ذكر وزنه.
أو ما يذرع ذكر ذرعه.
أو مما يحدد ذكر حدوده.
أو رقيقا فيصفه ويذكر نوعه وجنسه وإقراره، إن كان بالغا بسابق الرق والعبودية لسيده إلى حين صدور هذه النحلة، ثم يقول: نحلة صحيحة شرعية، جائزة نافذة ماضية لازمة مرضية، قبلها من نفسه لولده الصغير المذكور قبولا شرعيا في المجلس الذي وقعت فيه هذه النحلة، وتسلم ذلك من نفسه لولده المذكور.
وصار ذلك ملكا من أملاك ولده المذكور دونه ودون كل أحد بسببه، ولم يبق له في ذلك حق ولا ملك، ولا شبهة ملك، ولا شئ قل ولا جل.
واكتتب هذا الاشهاد شاهدا بذلك، ليكون حجة لولده المذكور في اليوم، وفيما بعده.
واعترف بمعرفة ما وقعت به النحلة المذكورة أعلاه المعرفة الشرعية النافية للجهالة.
فإن كان الولد بالغا عاقلا قبل لنفسه وتسلم النحلة لنفسه بإذن والده المذكور.
ويكتب اعترافهما بذلك، وتصادقهما عليه.
ويكمل على نحو ما سبق ويؤرخ.
وصورة ما إذا أراد الاب أو الجد وإن علا.
والام والجدة، وإن علت الرجوع عن الهبة، أو الصدقة، أو التمليك بغير عوض.
حضر إلى شهوده فلان الواهب، أو المتصدق، أو المتملك باطنه.
وأشهد عليه شهوده: أنه رجع في الدار الموهوبة، أو المتصدق بها، أو المملكة المذكورة باطنه الصادر ذلك منه لولده المذكور باطنه، الذي هو تحت حجره وولاية نظره رجوعا صحيحا شرعيا.
وأعادها إلى ملكه ويده وتصرفه كما كان قبل الهبة.
وأبطل حكم الهبة، أو الصدقة، أو التمليك المشروح باطنه، إبطالا شرعيا.
ونقض حكمها، وأخرج ولده منها، وتسلمها من نفسه لنفسه تسلما شرعيا، تسلم مثله لمثلها، وأقر أنه عارف بذلك المعرفة الشرعية، ويؤرخ، وإن شاء صدر بإقرار الراجع أنه رجع.
ويكمل على نحو ما سبق.
فائدة: العمرى والرقبى ينعقدان هبة عند الشافعي، ولا يرجع بحال وتكون لورثة المعمر أو المرقب، أو لبيت المال عند عدم ورثته، كما تقدم.
والاكثرون: أن ذلك هبة.

والشرط لاغ للاخبار الواردة في ذلك.
وإذا كانت المسألة مختلف فيها عند العلماء.
فينبغي ثبوتها، والحكم بها عند من يرى صحتها، حتى يأمن من بطلانها عند من يرى بطلانها.
تذييل: طريق الاحتراز من مذهب من يرى الرجوع في الهبة بعد القبض من الاجنبي، أن يقول: ثم بعد تمام هذا العقد ولزومه شرعا: باع فلان الدار المذكورة وقبض ثمنها، وأخرجها عن ملكه بعقد بيع صحيح شرعي.
جرى بينه وبين مبتاع شرعي بثمن معلوم مقبوض حال التبايع، ثم عادت إليه بعد ذلك بملك مستأنف.
وفي ذلك احتياط، لان أبا حنيفة يجوز الرجوع فيما وهبه الاجنبي، ويكره إلا فيما وهبه لذي رحم محرم، أو زوجة، أو زوج والله أعلم.

كتاب اللقطة وما يتعلق بها من الاحكام اللقطة - بسكون القاف - هي: المال الملقوط.
وأما اللقطة، بفتح القاف - فاختلف أهل اللغة فيها.
فقال الاصمعي وابن الاعرابي، والفراء: هو اسم المال الملقوط.
وقال الخليل: هو اسم الرجل الملتقط، لان ما جاء على وزن فعله.
فهو اسم الفاعل كقولهم: غمزه، ولمزه، وضحكه.
فعلى هذا: إذا وجد الحر الرشيد لقطة، فلا يخلو: إما أن يجدها في موضع مملوك، فهي لمالك ذلك الموضع، لان يده ثابتة على الموضع، وعلى ما فيه.
إلا أن يقول مالك الموضع: ليست بملك لي.
وإن وجدها في موضع مباح، فلا يخلو: إما أن يكون حيوانا، أو غير حيوان.
فإن كان غير حيوان نظرت.
فإن كانت يسيرة، بحيث يعلم أن صاحبها لو علم أنها ضاعت منه لم يطلبها كزبيبة وتمرة، وما أشبههما، لم يجب تعريفها، وله أن ينتفع بها في الحال، لما روى
أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي (ص) مر بتمرة مطروحة في الطريق، فقال: لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لاكلتها وروى جابر رضي الله عنه قال: رخص لنا رسول الله (ص) في العصى، والسوط، والحبل، وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يعرف زبيبة، فقال: إن من الورع ما يمقته الله.
وإن كانت اللقطة شيئا كثيرا، بحيث يطلبها من ضاعت منه، كالذهب والفضة والثياب والجواهر وغيرها.
فإن وجدها في غير الحرم، جاز التقاطها للمتملك.
لما روى زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله (ص) عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة.
فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها وروي وإلا فاستنفع

بها وسئل عن ضالة الغنم؟ فقال: خذها فهي لك أو لاخيك، أو للذئب وسئل عن ضالة الابل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه - أو وجهه - وقال: مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يجئ صاحبها فيأخذها.
وروي أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت لرسول الله (ص): أفتني في اللقطة؟ فقال: ما وجدته في طريق ميتا، أو قرية عامرة، فعرفها سنة.
فإن وجدت صاحبها، وإلا فهي لك، وما وجدته في طريق غير ميتا أو قرية غير عامرة، ففيها وفي الركاز الخمس قال أبو عبيدة: والميتا: الطريق العامر المسلوك.
ومنه قوله (ص) لما توفي ابنه إبراهيم.
فبكى عليه وقال: لولا أنه وعد حق وقول صدق، وطريق ميتا لحزنا عليك يا إبراهيم أشد من حزننا قال: وبعضهم يقول: مأتي يأتي عليه الناس.
وكلاهما جائزان.
وإن وجدها في الحرم لم يجز التقاطها للتملك.
ومن الناس من قال: يجوز التقاطها للتملك، وبه قال بعض أصحابنا، والالتقاط سنة لواثق بنفسه.
فمن أخذها للحفظ، فهي أمانة، ولا يجب التعريف، ولا يضمن بترك التعريف.
وإن قصد الخيانة، صارت مضمونة.
وإن لم يقصد الخيانة ولا الامانة، أو أخذها ونسي القصد فلا ضمان:
وله التملك بشرطه.
وإذا أخذها للتملك، فالمؤنة عليه.
وإذا عرف يعرف سنة على العادة، وله أن يتملكها بعد التعريف، وأنه لا يتملك إلا بلفظ: كتملكته ونحوه.
والصحيح: أنه لا يجوز أخذ لقطة مكة وحرمها للتملك، بل للحفظ أبدا.
ولو وجد خمرا محرمة أراقها صاحبها لم يلزمه تعريفها.
وإن صارت عنده خلا، فهي له أم للمريق؟ وجهان، ولو ضاعت من صاحبها فيشبه أن تعرف.

الخلاف المذكور في مسائل الباب: أجمع الائمة على أن اللقطة تعرف حولا كاملا، إذا لم يكن شيئا تافها يسيرا، أو شيئا لابقاء له.
وأن صاحبها إذا جاء أحق بها من ملتقطها.
وأنه إذا أكلها بعد الحول، وأراد صاحبها أن يضمنه: كان له ذلك.
وأنه إن تصدق بها ملتقطها بعد الحول، فصاحبها مخير بين التضمين وبين الرضى وبالاجر.
فصل: وأجمعوا على جواز الالتقاط في الجملة.
ثم اختلفوا.
هل الافضل ترك اللقطة أو أخذها؟ فعن أبي حنيفة روايتان.
إحداهما: الاخذ أفضل.
والثانية: تركه أفضل.
وعن الشافعي قولان.
أحدهما: أخذها أفضل.
والثاني: وجوب الاخذ.
والاصح: استحبابه لواثق بأمانة نفسه.
وقال أحمد: تركها أفضل.
فلو أخذها، ثم ردها إلى مكانها.
قال حنيفة: إن كان أخذها ليردها إلى صاحبها.
فلا ضمان وإلا ضمن.
وقال الشافعي وأحمد: يضمن على كل حال.
وقال مالك: إن أخذها بنية الحفظ، ثم ردها ضمن.
وإن أخذها مترددا بين أخذها وتركها ثم ردها، فلا ضمان عليه.
فصل: ومن وجد شاة في فلاة حيث لا يوجد من يضمها إليه، ولم يكن بقربها من يضمها إليه، ولم يكن بقربها شئ من العمران، وخاف عليها، فله الخيار عند مالك في تركها أو أكلها، ولا ضمان عليه.
قال: والبقرة إذا خاف عليها السباع كالشاة.
قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: متى أكلها لزمه الضمان إذا حضر صاحبها.
فصل: وحكم اللقطة في الحرم وغيره سواء عند مالك.
فللملتقط أن يأخذها على حكم اللقطة، ويتملكها بعد ذلك وله أن يأخذها ليحفظها على صاحبها فقط، وهو قول أبي حنيفة.
وقال الشافعي وأحمد: له أن يأخذها ليحفظها على صاحبها فقط ويعرفها ما دام مقيما في الحرم.
وإذا خرج سلمها إلى الحاكم وليس له أن يأخذها للتملك.
فصل: وإذا عرف اللقطة سنة، ولم يحضر مالكها.
فعند مالك والشافعي: للملتقط أن يحبسها أبدا، وله التصدق بها، وله أن يأكلها غنيا كان أو فقيرا.
وقال أبو حنيفة: إن كان فقيرا: جاز له أن يتملكها، وإن كان غنيا: لم يجز.
ويجوز له عند أبي حنيفة ومالك: أن يتصدق بها قبل أن يتملكها على شرط إن جاء صاحبها فأجاز ذلك: مضى.
وإن لم يجزه: ضمنه الملتقط له.
وقال الشافعي وأحمد: لا يجوز ذلك، لانهما صدقة موقوفة.
وإذا وجد بعيرا ببادية وحده: لم يجز له عند مالك والشافعي أخذه.
فلو أخذه ثم أرسله فلا شئ عليه عند أبي حنيفة.
ومالك وقال الشافعي وأحمد: عليه الضمان.

فصل: وإذا مضى على اللقطة حول، وتصرف فيها الملتقط ببيع، أو نفقة، أو صدقة.
فلصاحبها إذا جاء أن يأخذ قيمتها يوم تملكها عند أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وقال داود: ليس له شئ.
وإذا جاء صاحب اللقطة وأعطى علامتها ووصفها: وجب على الملتقط عند مالك وأحمد أن يدفعها إليه، ولا يكلفه بينة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزمه ذلك إلا ببينة.
المصطلح: ويشتمل على صور منها: صورة ما إذا التقط رجل مالا وخاف الموت، وأشهد به: أقر فلان أنه كان في اليوم الفلاني من شهر كذا وكذا، التقط في الموضع الفلاني كيسا ضمنه كذا وكذا.
وأنه عرفه
لوقته وساعته ونادى عليه في موضعه، وفي الاسواق والشوارع والازقة والمساجد والجوامع أياما متوالية، وجمعا متتابعة، وأشهرا مترادفة، ما يزيد على سنة كاملة، فلم يحضر لها طالب.
ولما خشي على نفسه الموت، أشهد عليه شهوده أنه وجدها فالتقطها، وأنها تحت يده وفي حيازته.
فإن حضر من يدعيها ووصفها وثبت ملكه لها أخذها، وبرئ الملتقط المذكور من عهدتها وخلت يده منها بتسليمه إياها لمالكها بالطريق الشرعي ويؤرخ.
وصورة أخرى في ذلك: أشهد عليه فلان أنه في الوقت الفلاني، اجتاز في المكان الفلاني، فوجد كذا وكذا - ويصف اللقطة بجنسها ونوعها وقدرها ووكائها وعفاصها، حتى يخرجها عن الجهالة - وأنه عرف ذلك سنة كاملة، آخرها كذا وكذا، ولم يحضر لها صاحب ولا طالب.
وجميع مال اللقطة باق بعينه، ويشخصه للشهود فيشهدوا بتشخيصه ومعاينته إن أمكن.
ثم يقول: وأنه خاف على نفسه فراغ الاجل المحتوم واشتغال الذمة والمطالبة في الآخرة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فأشهد عليه بذلك.
ويؤرخ.

كتاب اللقيط وما يتعلق به من الاحكام اللقيط والملقوط والمنبوذ اسم للطفل الذي يوجد مطروحا، وهو فعيل بمعنى مفعول، كما يقال للمقتول: قتيل.
والتقاط المنبوذ فرض على الكفاية لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * فأمر بالمعاونة على البر.
وهذا من البر.
وقوله تعالى * (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) * فأمر بفعل الخير.
وهذا من فعل الخير وقوله تعالى: * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * والولي يلزمه حفظ المولى عليه.
وقوله تعالى: * (ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعا) * فقيل: إن معناه أن له ثواب من أحيا الناس كلهم.
وفي أخذ اللقيط إحياء له.
فكان واجبا، كبذل الطعام للمضطر.
فتقرر أن التقاط المنبوذ فرض كفاية.
وفرض الكفاية: إذا قام به بعض الناس سقط الفرض عن الباقين.
وإن تركوه أثم جميع من علم به.
وإذا وجد لقيط مجهول الحال حكم بحريته.
لما روى أبو جميلة - رجل من بني سليم - قال: وجدت منبوذا على عهد عمر رضي الله عنه فأخذته.
فذكرته لعريفي.
فذكر عريفي لعمر رضي الله عنه.
فقال: عسى الغوير أبؤسا.
فقال عريفي: يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح لا يتهم في ذلك.
فقال عمر: هو كذلك؟ فقال: نعم.
فقال: هو حر، وولاؤه لك وعلينا نفقته وفي بعض الروايات ونفقته من بيت المال وإنما أراد عمر بهذا، لعل الرجل الذي وجده هو صاحب المنبوذ.
فقال: عسى الغوير أبؤسا حتى أثنى عليه عريفه خيرا.
وهذا مثل لكل شئ يخاف منه أن يأتي بشر.
قال الاصمعي: أبؤس جمع بأس.
وأصل هذا: أن غارا كان فيه ناس.
فانهار عليهم الغار.
فماتوا.
وقيل: أتاهم فيه عدو فقتلهم.
فصار ذلك مثلا لكل أمر يخاف منه، ثم صغر الغار.
فقيل: غوير.
وقيل: غير ذلك.

ويجب الاشهاد عليه وعلى ما معه، وإذا لم يقر اللقيط برق ولا ادعاه أحد، فهو حر على المذهب.
ومن ادعى رق صغير لا يتيقن حريته سمعت دعواه، فإن لم يكن في يده فلا يقبل إلا ببينة.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: وإذا وجد لقيط في دار الاسلام.
فهو مسلم عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: إن وجد في كنيسة أو بيعة أو قرية من قرى أهل الذمة فهو ذمي.
واختلف أصحاب مالك في إسلام الصبي المميز غير البالغ على ثلاثة أقوال.
أحدها: إن إسلامه يصح.
وهو قول أبي حنيفة وأحمد.
والثاني: أنه لا يصح.
والثالث: أنه موقوف.
وعن الشافعي الاقوال الثلاثة.
والراجح من مذهبه: أن إسلام الصبي استقلالا لا يصح.
فصل: وإذا وجد لقيط في دار الاسلام فهو حر مسلم.
فإن امتنع بعد بلوغه من الاسلام لم يقر على ذلك.
فإن أبى قتل عند مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يحد ولا يقتل.
وقال الشافعي: يزجر عن الكفر.
فإن أقام عليه أقر عليه.
واتفقوا على أن يحكم بإسلام الطفل بإسلام أبيه.
وكذا بإسلام أمه، إلا مالكا.
فإنه قال: لا يحكم بإسلامه بإسلام أبيه.
وعنه رواية كمذهب الجماعة.
المصطلح: وهو يشتمل على صورة واحدة.
وهي: ما إذا وجد رجل لقيطا، وأشهد عليه، وعلى ما معه.
أشهد عليه فلان أنه في الوقت الفلاني، اجتاز بالمكان الفلاني بالزقاق الفلاني - ويعين المكان يوضحه جليا يؤمن معه الاشتباه بغيره من الامكنة - فوجد فيه صبيا ملقي على الارض - ويذكر صفته التي وجده بها، ويعينه للشهود - وأنه لقيط لم يكن له فيه ملك ولا شبهة ملك ولا حق من الحقوق الموصلة لملكه، ولا لملك بعضه، وأنه مستمر في يده بحكم التقاطه إياه على الحكم المشروح أعلاه.
عرف الحق في ذلك فأقر به، والصدق فاتبعه لوجوبه عليه شرعا، وأشهد عليه بذلك في تاريخ كذا.
فائدة: إذا أنفق الملتقط على اللقيط من مال نفسه، فلا بد من إذن الحاكم.
فإن

أنفق عليه بغير إذن الحاكم ضمن.
فإن عجز عن إذن الحاكم فيشهد، فإن لم يكن له مال فمن بيت المال، فإن ظهر أنه رقيق رجع على سيده بالذي أنفقه عليه الملتقط من ماله.
وإن ظهر أنه حر وله كسب أو مال فالرجوع في كسبه أو ماله، وإلا فيمضي الحاكم ذلك
من سهم الفقراء والمساكين والغارمين.
وأرش جنايته في بيت المال، كما أن إرثه لبيت المال، والله أعلم.

كتاب الجعالة وما يتعلق بها من الاحكام يجوز عقد الجعالة في رد الآبق، وخياطة الثوب، وكل عمل تجوز الاجارة عليه فيقول: من رد عبدي الآبق، أو خاط لي قميصا فله دينار.
لقوله تعالى: * (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * فذكر الله تعالى الجعالة في شرع من قبلنا ولم ينكرها.
فدل على جوازها.
ولان بالناس حاجة إلى الجعالة.
ويصح أن يكون العالم في الجعالة غير معلوم، والعمل غير معلوم الآية.
والفرق بين الجعالة والاجارة: أن الاجارة عقد لازم، فوجب تقدير العمل فيها والعامل، والجعالة عقد جائز.
فجاز أن يكون العمل فيها غير معلوم كالعارية.
ولا بد في الجعالة من صيغة دالة على الاذن في العمل بالعوض الملتزم.
فلو عمل واحد بغير إذنه لم يستحق شيئا.
ولو أذن لواحد ففعل غيره لم يستحق.
ولو قال غير المالك من رد عبد فلان فله كذا، استحقه الراد عليه لا على فلان.
ولو قال: قال فلان.
ولا يشترط في الجعالة قبول العامل، وإن كان العامل معينا.
وقال صاحب المحرر: تجوز الجعالة على الاعمال المجهولة.
كرد الضالة، ويجوز على المعلومة أيضا في أصح الوجهين.
ويشترط أن يكون الجعل معلوما.
فلو قال: من رده فله ثوب فسد العقد، ولمن عمل أجره المثل.
ولو قال: من رد من بلد كذا، فرد من بلد أقرب منه: استحق قسطه
من الجعل.
ولو اشترك اثنان في الرد، اشتركا في الجعل.
ولو التزم جعلا لمعين.
فشاركه غيره في العمل لم يكن للمعين تمام الجعل، ولا شئ للمشارك.

ولكل واحد من المالك والعامل الفسخ قبل تمام العمل.
ثم إن وقع الفسخ قبل الشروع فيه فلا شئ للعامل.
وكذا لو وقع بعد الشروع والفاسخ العامل.
وإن كان الفاسخ المالك، فله أن يتصرف في الجعل قبل تمام العمل بالزيادة والنقصان وأثره قبل الشروع في العمل: الرجوع إلى أجرة المثل.
ولو مات الآبق في نصف الطريق أو هرب فلا شئ للعامل.
وليس له بعد الرد الحبس إلى استيفاء الجعل.
ويصدق المالك إذا أنكر شرط الجعل وسعيه في الرد.
ويتحالفان إذا اختلفا في قدر الجعل.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: اتفق الائمة على أن من رد الآبق يستحق الجعل برده إذا شرطه.
واختلفوا في استحقاقه له إذا لم يشرطه.
فقال مالك: إذا كان معروفا برد الآبقين، استحق على حسب بعد الموضع وقربه.
وإن لم يكن ذلك شأنه فلا جعل له، ويعطى ما اتفق عليه.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يستحق الجعل على الاطلاق.
ولم يعتبر وجود الشرط ولا عدمه، إلا أن يكون معروفا برد الآبقين أم لا.
وقال الشافعي: لا يستحق الجعل إلا بالشرط.
واختلفوا هل هو مقدر؟ فقال أبو حنيفة: إن رده مسيرة ثلاثة أيام استحق أربعين درهما، وإن رده من دون ذلك يرضخ له الحاكم.
وقال مالك: له أجرة المثل، وعن أحمد روايتان.
إحداهما: دينار، أو اثني عشر درهما.
ولا فرق بين قصير المسافة
وطويلها، ولا بين المصر وخارج المصر.
والثانية: إن جاء به من المصر فعشرة دراهم، أو من خارج المصر فأربعون درهما، وعند الشافعي لا يستحق شيئا إلا بالشرط والتقدير.
واختلفوا فيما أنفقه على الآبق في طريقه.
فقال أبو حنيفة والشافعي: لا تجب على سيده إذا أنفق متبرعا.
وهو الذي ينفق بغير إذن الحاكم.
فإن أنفق بإذنه كان ما أنفق دينا على سيد العبد.
وله أن يحبس العبد عنده حتى يأخذ ما أنفقه.
وقال أحمد: هو على سيده بكل حال.
ومذهب مالك ليس له غير أجرة المثل.
المصطلح: وهو يشتمل على صور منها: صورة جعالة لرد الآبق: جعل فلان لفلان كذا وكذا على أنه يسافر إلى بلد كذا، أو

على أنه يرد إليه عبده الذي أبق منه إلى بلد كذا، أو على أنه يرد عبده فلانا الآبق، ويحضره إلى مالكه الجاعل المذكور.
ويسلمه إليه جعالة صحيحة شرعية، فإذا فعل ذلك استحق عليه الجعل المذكور استحقاقا شرعيا، وأذن الجاعل المذكور للمجعول له المذكور: أن ينفق على عبده المذكور من حين يجده ويمسكه إلى حين إحضاره إليه وتسليمه إياه نفقة مثله، ويرجع بذلك على الجاعل المذكور أعلاه، إذنا شرعيا.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا، ورضي به الرضى الشرعي.
ويؤرخ.
وصورة الجعالة لرد الضالة: جعل فلان لفلان كذا وكذا، جعالة صحيحة شرعية على أن يجوب البلاد، ويسأل الخلق والعباد، ويسلك الجبال والوهاد، والاراضي والضياع والقرى، ويتفحص عن الجمال التي عدتها كذا وصفتها كذا، التي ضلت من الجاعل المذكور، ويحضرها إليه.
فإذا عمل له ذلك استحق عليه الجعل المذكور استحقاقا شرعيا.
ويكمل.
وصورة الجعالة لمن أحضر إليه، توقيعا شريفا بما صورته كذا: جعل فلان لفلان
إذا كان المجعول له معينا، وإن كان غير معين فيقول: جعل فلان لمن أحضر له توقيعا شريفا - بما صورته كذا وكذا - ويشرح مضمون القصة التي يريد إخراج التوقيع الشريف على نحوها، مشمولا بالعلامة الشريفة المولوية السلطانية الملكية الفلانية، مكمل العلائم بالدواوين المعمورة، ثابتا بها ما مبلغه كذا - فإذا عمل له ذلك وأحضر التوقيع الشريف به، وسلمه إليه استحق عليه الجعل المذكور استحقاقا شرعيا.
وهذه الصورة تطرد في التوقيع بالوظائف والمناشير وبالاقطاعات والمربعات الجيشية بالرزق والمرتبات وغير ذلك.
ومن هذا القبيل - أعني المصطلح - قبالات الصناع وأرباب الحرف، كالدهانين، والبنائين، والنجارين، والمبلطين، والمرخمين.
الصور المتعلقة بذلك: تارة تكتب بلفظ الجعالة وتارة تكتب بلفظ المعاقدة وتارة تكتب بلفظ القبالة وكل ذلك جائز، غير أن العادة جرت عند ذوي العمارات والمعمارية وأرباب هذه الصنائع أن يكتبوا قبالة ويصفوا أنموذجات العمل الذي يريد صاحب العمل عمله.
وصورته: تقبل فلان - الدهان أو البناء، أو النجار، أو المرخم، أو المبلط - من فلان أن يدهن له قاعة بمدينة كذا بالمكان الفلاني - ويصفها ويحددها - ثم يقول: حلقة وأبواب وملابن وقمريات وشباك ومراتب وكرادي وشوامل معقب مسقي

بالغراء، موطأ بالاسراس والجبصين المحرق، مسقي بالغراء مرة ثانية، مغطى بالجبصين والغراء أربع وجوه، دهانا فرنجيا مزمكا مزهرا، منقوشا بأنواع الدهان بالالوان المختلفة، النقية البياض، الظاهرة الحمرة، المشرقة الصفرة والخضرة، وغير ذلك من الالوان الموافق دخولها في الدهان الفرنجي بالصنعة المتقنة، والالوان المبهجة، المحكمة الطبخ، والغسل بالزيت الحار والصمغ والقصطير والصندروس المحلول الرقيق،
والقلنفوية والصبر والزنجار، والزنجفر، والشب الرومي، والاسفيداج والزرنيخ، واللازورد والنيل واللك المحلول، وغير ذلك مما يدخل في صناعتهم، ويوافق عملهم من العقاقير والتصافير والمصبغات والاملاح على العادة في مثل ذلك.
قبالة شرعية بأجرة مبلغها كذا، أو بما مبلغه كذا، اعترف المتقبل المذكور بقبض كذا.
وباقي كذا عند انتهاء العمل وفراغه، وعليه الشروع في ذلك من استقبال كذا، واعترف كل واحد منهما بمعرفة ما تقبله وقبله المعرفة الشرعية النافية للجهالة ويكمل.
وفي كل صورة: يكتب وصف الدهان.
فإنه على أنواع، إما أن يكون فرنجيا خبالات على منجور قاعته الفلانية، أو على دهان قاعة إسلامي، أو دهان قاعة رومي، أو دهان صفة موشق، أو دهان السقوف أو سقوف وغيرها، أو دهان قاعة أحمر إسلامي.
وصورة قبالة على منجور قاعات: تقبل فلان من فلان منجورا ونجارة تشتمل على نجارة وسط أربعة أكمام وأربعة أشعاب، وثلاث مناطق، وثمانية أرؤس وأربع باوندات، نجارة ذلك نصف صليبة، وكرنداز بحشو طافر منقوش، أو بحشو فاطس مدهون، أو ساذج صلاب، وأربع قمريات، منهن اثنتان مثمن ومخمس، واثنان مسدس الدوائر نصف على نصف، أو مقصات مقطوعة لصاق، أو أربع دربزينات بأربعة أطواق مديني.
والايوان بالوسط مسقف بحشو منقوش طافر أو مدهون غاطس، أو صلاب ساذج.
ويشتمل الايوان على ثلاثة أبراج.
فالصدراني منها مسدس برأس وشبلة وسحارة وقائمين بحشو منقوش طافر أو مدهون غاطس، أو صلاب ساذج.
والمجنبين بالايوان كرنداز بحشو طافر منقوش أو مدهون غاطس، أو صلاب ساذج والسقف بالايوان منجور بخد وبغل بأربعة جفوت، وأربع سراويلات، أو بأربع أزر، وأطرانية بأربع سراويلات كراشك وأسابيط، أو سقف مشقوق بعريض أغطية وأربية، أو ببطاين مدهونة، قبالة شرعية بما مبلغه كذا وكذا.
قبض كذا وباقي ذلك عند انتهاء العمل.
ويكمل على نحو ما سبق.
وهذه القبالة تشتمل على منجور ثلاثة أصناف.
فإذا كتبت قبالة نجارة قاعة.
فهي لا تخرج عن أحد هذه الاصناف الثلاثة، إما بحشو طافر، أو

بحشو طافر، أو بحشو غاطس، أو صلاب ساذج.
وكذلك نجارة السقوف على ثلاثة أصناف.
وصورة نجارة قاعة على صفة أخرى: تقبل فلان نجارة قاعة - ويذكر بقعتها وحدودها، ثم يقول: تشتمل على ستة أكمام وخمسة أبواب، نجارة الحلقة مسدس باثني عشر رأسا، وست قمريات، وست باونديات، وأربع زوايا، وثلاث مناطق.
فالقمريات منهن اثنتان نجارة اثنعشرى ومثمن، واثنان نجارة ستعشرى واثنعشرى، واثنتان نجارة مثمن ومخمس.
ونجارة الصفتين بطاين تحتها كرادي وشرامك وسدايب على العمل، ونجارة الصنفين مقرنص أو بأطواق مديني، والابواب نجارة مثمن ومخمس بحشو طافر، أو مدهون غاطس، أو صلاب ساذج.
من ذلك: ثنتان معشرا واثنعشرى، أو ستعشرى، أو ثمنتعشرى.
والسقوف خد وبغل، أو كراشك وأسابيط، أو مقرنص أو بطاين أو مسقوف تعريض مدهون، أو تعريض ساذج.
ومنجور الايوان ثلاثة أبراج، البرج الصدراني مثمن ومخمس مفرود ربع من ربع، والمجنبات مسدس بحشو منقوش مطعم طافر، أو بحشو موشق طافر، أو بحشو موشق غاطس، أو بحشو طافر صلاب عناب وأبنوس وعاج، أو صلاب غاطس - قبالة صحيحة شرعية بما مبلغه كذا وكذا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وهذه النجارة على أصناف من المنجور، منها الموشق الطافر، ومنها الغاطس، ومنها الساذج، ومنها العنابي والعاج والابنوس.
وكل اسم من هذه الاسماء صنف على حدته، يعرف أرباب الصنعة بالنجارة، ولا يكاد يقوم بأعباء إتمام صنف منها على صفته المشروحة فيها إلا الاستاذ الماهر.
وصورة منجور قاعة على صفة أخرى: تقبل فلان من فلان نجارة قاعة تشتمل على
حلقة قاعدة على أربع زوايا، وست باوندات، وأربعة أشعاب، وثلاث مناطق، واثني عشر رأس، وست شباك، وأنبداريه مدهون فوق الحلقة طولها مل ء بيتها، وعرضها ذراع واحد بالذراع النجاري مسحور، عليها من فوق كوشك ومن أسفل ربيدي.
والقمريات ستة نصف على نصف، أو أنصاف خيط منوعة وست شباك مشطوفة، والصفات بكرادي وسوابل وسدايب على الحلقة دائرة، أو تنشطف الحلقة وربيدي عليها نجورها، والصفاف بطاين وتحتها كرادي وعبادة ونجارة بالصدر، إما نجارة أو بيت زنبور مذهب، أو شعيرة مدهونة.
والاخشاب توت مكبرة، أو جوز مكبرة، أو غير ذلك من أنواع الخشب مكبرة، أو مسقف بحشوة موشق، أو مسفن بحشوة ساذج مدهون بزعفران وسندروس، وأبواب

مدهونة أحمر، أو أبواب مدهونة نص - قبالة صحيحة شرعية بما مبلغه كذا وكذا.
ويكمل على نحو ما تقدم شرحه.
وهذه الصورة تشتمل على صنف آخر من أصناف النجارة.
وصورة قبالة بناء قاعة: تقبل المعلم فلان من فلان بناء قاعة على الارض الجارية في ملك المقبل المذكور بالمكان الفلاني - ويحدد الارض على الوضع الآتي شرحه - بما يحضره له صاحب العمل من الآلات الحجارة العجالية والهرقلية والنحيت والموجه والحجر المكسور والآجر والكلس والتراب والاحمر أو الطين.
فيبدأ أولا بحفر الاساسات، وتعزيل ترابها، والنزول بها في الارض إلى وجه الجبل، ودك الاساسات المحفورة بالحجارة الدك والطين والكلس وغير ذلك إلى أن ينتهي بذلك إلى دون وجه الارض بذراع، ثم يبني فوق هذه الدكة بالحجارة النحيت، أو الآجر، أو غير ذلك.
ويصعد بالبناء، ويفسره حلقة قاعة.
تشتمل على إيوان قبلي عالي البناء، يعلوه قنطرة من الحجارة الكبار القنطرية - ويذكر جميع ما يتفقان عليه من اشتمالات القاعة، مثل الاقبية والقناطر والخزائن والقبب والابواب والمطبخ، والمرتفق ومكان السلم، والدهاليز
المستطيلة والدركاوات المربعة، والطباق العلوية، وطول الاواوين والصفف والمجنبات، وعرضها ووسع الابواب.
وارتفاعها وتربيعها أو قبابها، وذرع القبب واتساعها، وطول الدهاليز وعرضها، وصفة البوابة الكبرى.
وإن كانت مربعة أو مقنطرة، وما تبنى به، وذرع ارتفاعها واتساعها.
ويصف ذلك وصفا تاما بحيث لا يقع فيه اختلاف بينهما بعد وضع البناء وتفسير الاوضاع - ثم يقول: قبالة شرعية بما مبلغه كذا وكذا.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة قبالة حمام: تقبل فلان من فلان بناء حمام كاملة الجدران، حسنة الاوضاع، عالية البنيان - ويذكر اشتمالاتها ومسلخها ووسطانيها، وما فيها من مقاصير وخلاوي وقباب وعقود مقبية، وخزانة وبين الماء البارد.
وغير ذلك من صفات الحمامات التي لا تتم إلا بها - بما يحضره له المتقبل من آلات.
ويذكر ما تقدم، ثم يقول: إلى غير ذلك مما يحتاج إليه من التراب الاحمر والاسود والقصرمل ويعين ذرع اتساع كل مكان من المسلخ وما به من المقاصير الوسطاني والجواني طولا وعرضا وارتفاعا.
وصفة البوابة وعدة الخلاوي.
ويكمل ويؤرخ.
وفي صورة قبالة الطاحون: يذكر صفة بنائها، وما بها من بيوت الارحاء وغير ذلك من بناء السكر والقود.

وإن كانت طاحونة فارسي: فيذكر صفتها وصفة وضعها، وسعة مسطاحها، وموضع تابوتها، ومكان أحجارها، وعدة ما تشتمل عليه من حجر أو حجرين أو أربعة، ولا يخفي ذلك على الحاذق.
وفي صورة قبالة الحوانيت: يذكر صفة البناء وصفة كل حانوت طولا وعرضا.
وكذلك في كل مكان يذكر فيه من الصفات ما يليق بمثله، معتمدا على وصف المعلم المتقبل، بعد فهمه وتصوره في فكره وخياله، تصورا يجري مجرى المشاهدة
المحسوسة.
وصورة قبالات الرخام، وذكر قيمة وكمية أجور الصناع على القانون المحرر الشاهد به الكشف من دفتر الحسبة الشريفة بالشام، أو بمصر المحروسة: تقبل فلان من فلان ترخيم قاعة، ويكون الرخام من العامل، والصناع والمؤن عليه.
وليس على صاحب العمل إحضار شئ غير الكلس والتراب الاحمر - ويذكر ذرع وسط القاعة وعرضها.
مثاله: ستة في ستة، وصفة العمل.
مثل بركة في وسطها.
قدرها خمسا ذراع.
القاعة مثمنة.
وهي ذراعان وخمسا ذراع، تشتمل البركة على ثمان كعكات رخام أخضر وثمان وسائط، منها أربع وسائط رخام غرابي، وأربع وسائط رخام أحمر منقط نظيف، وأكسيخونات عدتها ستة عشرا أكسيخونة من الرخام الابيض، وثمانية خراطيم بيض.
وثمانية قناطر أسافين منوعة بالنسبة إلى ما ذكر من الآلة، وزوايا رخام دق مثمنة، والقناطر مسدسة بدق مسدس، والاجناب ساغل وسوادج، وساقية مموج خمس موجات من الرخام.
إحداهن حمراء، واثنتان بيضاويتان، واثنتان سوداويتان، وأفاريز رخام مثلثات مفروكة، ويدخل عمل البركة مائة، أجرة الصانع في اليوم إذا كان العمل قبالة: أربعة دراهم.
وإذا كان غير قبالة: يكون في كل يوم للصانع سنة، ويكون قيمة الآلة الرخام الداخل فيها ثلاثمائة وحرف جايز لساقية البركة فاصل بين الساقية وبين الفرش، إما بارز، وإما بنسبة الساقية، يشتمل على ثمان أكسيخونات رخام أبيض غزاوي، وثمان ركب حمر رخام معذري.
قيمة الغزاوي كل ذراع خمسة وعشرون درهما، وقيمة المعذري كل ذراع ثمانية عشر درهما.
وقيمة عمل الحرف خمسون درهما.
وأما الفرش فيعمل براوز رخام أبيض مشهر بأحمر وأسود، وقيمة ذلك خمسة وعشرون درهما.
وأجرة عمل تربيعه وجلاه كل ذراع خمسة دراهم، والبساط نوعه: أن يكون تحت كل ذراع بالذراع النجاري ستة وثلاثون خاتما مثمنة حمراء ومثمنة بيضاء، قيمة كل ذراع برخامه وتركيبه في بيته أربعون درهما.
وتكون آلة الابيض بياض نقي.
الاحمر رومي، ودون ذلك يكون تحت

كل ذراع خمسة وعشرون خاتما، وأجرته وثمن رخامه وما يحتاج إليه.
وأما الجبهات: إذا كانت مناغل من نوع أجناب البركة، يكون كل ذراع طول لا مساحة ستة وعشرون بما فيه من الرخام.
وإن كان كراسي يكون الذراع الابيض بخمسة وعشرين درهما، والاحمر بثمانية عشر، والاسود بثمانية عشر.
وأجرة عماله كل ذراع خمسة دراهم.
وإن كانت القبالة بآلتها وعملها وجميع ما تحتاج إليه يكون الذراع بثلاثين درهما وأن يرخم القائم بالقاعة المذكورة بإيوانها وصففها بما يحضره إليه صاحب العمل من الرخام الالواح، المختلفة الالوان، يكون أجرة الذراع خمسة دراهم على حكم المساحة، وأن يعمل على رؤوس الالواح ما يقع الاتفاق عليه من أنواع الدق الرفيع بالصدف من أنواع الا خياط.
أجرة كل ذراع مائة وعشرون، والآلة من صاحب العمل.
وما دون ذلك من الدقيات والنثريات أجرة كل ذراع خمسون درهما، والآلة من صاحب العمل.
وأما قيم الرخام وأسعاره: ففيه العرابي الذراع بثلاثمائة درهم، والاحمر المنقط كذلك، والاخضر بسبعين درهما، والابيض الملكي بستين درهما، والابيض الباسليقي بثمانين درهما، والاعمال في ذلك على ما يختاره صاحب العمل.
ويكمل في كل صورة من هذه الصور بحسبها.
ويقاس على ذلك سائر قبالات الرخام.
وصورة ما إذا وفى المجعول له العمل: أشهد عليه فلان - يعني الجاعل - أن فلانا الفلاني - يعين المجعول له - فيما وفى له بما أذن له فيه، وأنه استحق عليه بسببه الجعل المذكور، وهو أن فلانا المذكور رد العبد المذكور.
وتسلمه فلان المذكور من المجعول له فيه تسلما شرعيا.
ووفى بالشرط جميعه، وتسلم فلان المثنى بذكره من فلان صاحب العبد المذكور كذا وكذا، وهو القدر الذي جعله له على رد العبد المذكور تسلما شرعيا.
ولم يبق لكل منهما قبل الآخر حق ولا دعوى، ولا طلب ولا جعالة ولا بقية منها، ولا
محاكمة ولا يمين، ولا شئ قل ولا جل، لما مضى من الزمان وإلى يوم تاريخه، وتصادقا على ذلك كله تصادقا شرعيا.
ويؤرخ والله أعلم.

كتاب الفرائض وما يتعلق بها من الاحكام الاصل في الحث على تعلم الفرائض: ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: تعلموا القرآن وعلموه الناس، والفرائض وعلموها الناس.
فإنها نصف العلم.
وهي أول ما ينسى، وأول ما ينزع من أمتي.
وروى ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي (ص) قال: تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإن امرؤ مقبوض وسيقبض العلم، وتظهر الفتنة، حتى يختصم الرجلان في الفريضة.
فلا يجدان أحدا يفصل بينهما وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا لهوتم فالهوا بالرمي، وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض وقال علقمة: إذا أردت أن تتعلم الفرائض فأمت جيرانك.
وقد كان التوارث في الجاهلية بالحلف والنصرة.
وكان الرجل يقول للرجل: انصرني وأنصرك، وترثني وأرثك.
وتعقل عني وأعقل عنك.
وربما تحالفوا على ذلك، فإذا كان لاحدهما ولد كان الحليف كأحد أولاد حليفه.
وإن لم يكن له ولد كان حميع المال للحليف.
فجاء الاسلام والناس على هذا فأقرهم الله عليه في صدر الاسلام لقوله تعالى: * (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) * وروي: أن أبا بكر حالف رجلا فمات، فورثه أبو بكر ثم نسخ ذلك، وجعل التوارث بالاسلام والهجرة.
فكان الرجل إذا أسلم وهاجر ورثه من أسلم وهاجر معه من مناسيبه، دون من لم يهاجر معه من مناسيبه، مثل أن يكون له أخ وابن مسلمان، فهاجر معه الاخ دون الابن، فيرثه أخوه دون ابنه.
والدليل عليه: قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من

وليتهم من شئ حتى يهاجروا) * ثم نسخ الله تعالى ذلك بالميراث بالرحم، لقوله تعالى: * (وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) * وفسر المعروف بالوصية.
وقال الله تعالى: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) * فذكر أن لهم نصيبا في هذه الآية ولم يبين قدره.
ثم بين قدر ما يستحقه كل وارث في ثلاثة مواضع من كتاب الله عزوجل.
وقال أهل اللغة: أصل الفرائض الحدود.
وهي من فرضت الخشبة إذا حززت فيها.
وقيل: الفرائض حدود وأحكام مبينة، وهي عبارة عن تقدير الشئ.
ويبدأ من تركة الميت بمؤنة تجهيزه، ثم يقضي ديونه، وتنفذ وصاياه من ثلث الباقي، ثم يقسم الباقي بين الورثة.
وأسباب الميراث أربعة، منها: ثلاثة خاصة، وهي القرابة، والنكاح والولاء.
فيرث القريب من القريب على ما سيأتي بيانه.
والزوجان كل واحد من الآخر، والمعتق من المعتق.
ولا ينعكس.
والسبب الرابع عام، وهو الاسلام.
وذلك حيث تصرف التركة إلى بيت المال، لفقد من يرث بهذه الاسباب الثلاثة الخاصة.
والمجمع على توريثهم من الرجال عشرة: الابن، وابن الابن وإن سفل، والاب والجد وإن علا، والاخ وابن الاخ إلا من الام، والعم إلا من الام، وابن العم إلا من الام، والزوج والمعتق.
والوارثات من النساء سبعة: البنت، وبنت الابن وإن سفلت، والام والجدة، والاخت، والزوجة، والمعتقة.
وإذا اجتمع الوارثون من الرجال لم يرث منهم إلا الاب والابن والزوج.
وإذا اجتمع الوارثات من النساء ورثت منهن: البنت، وبنت الابن، والام والاخت من الابوين، والزوجة.
وإذا اجتمع الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين: ورث الابوان، والابن والبنت، والزوج، أو الزوجة.
وإذا فقدوا جميعا فأصل مذهب الشافعي: أنه لا يرث ذوو الارحام، ولا يرد

الفاضل على أصحاب الفروض زيادة على فروضهم، بل يحول المال لبيت المال، لقول النبي (ص): أنا وارث من لا وارث له.
وأما الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى فهي ستة.
الاول: النصف، وهو فرض خمسة: الزوج إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن، وبنت الصلب المنفردة، وبنت الابن المنفردة، والاخت من الابوين أو من الاب.
والثاني: الربع، وهو فرض اثنين: الزوج مع الولد، أو ولد الابن والزوجة.
مع عدمهما.
والثالث: الثمن، وهو فرض الزوجة مع الولد، أو ولد الابن.
والرابع: الثلثان.
وهو فرض بنتي الصلب فصاعدا أو بنتي الابن فصاعدا الاختين من الاب والام فصاعدا، أو الاختين من الاب فصاعدا.
والخامس: الثلث.
وهو فرض الام مع عدم الولد، أو ولد الابن، أو اثنين من الاخوة والاخوات.
وفرض اثنين فصاعدا من أولاد الام.
ويفرض للجد مع الاخوة، فيجعل للجد الاوفر من المقاسمة، أو ثلث ما يبقى بعد الفروض.
والسادس: السدس.
وهو فرض سبعة: الاب، والجد مع الولد، أو ولد الابن.
وفرض الام إذا كانت للميت ولد أو ولد ابن، أو اثنان من الاخوة والاخوات، والجدة
وبنت الابن مع بنت الصلب، والاخت من الاب مع الاخت من الابوين، والواحد من أولاد الام.
فصل: في بيان الحجب: الاب والابن: لا يحجبهما أحد، وابن الابن: لا يحجبه إلا الابن أو ابن ابن أقرب منه.
والجد: لا يحجبه إلا من بينه وبين الميت أب.
والاخ من الابوين يحجبه الاب والابن وابن الابن.
والاخ من الاب: يحجبه هؤلاء الثلاثة.
والاخ من الام: يحجبه الاب والجد والولد وولد الابن.
وابن الاخ من الابوين: يحجبه ستة: الاب والجد والابن وابن الابن.
والاخ من الابوين، والاخ من الاب، وابن الاخ من الاب: يحجبه هؤلاء.
وابن الاخ من الابوين، والعم من الابوين: يحجبه هؤلاء.
وابن الاخ من الاب، والعم من

الاب: يحجبه هؤلاء.
والزوج: لا يحجب.
والمعتق: يحجبه عصبات النسب.
والبنت والام: لا يحجبان.
وبنت الابن: يحجبها الابن.
وبنتا الصلب إذا لم يكن معها من يعصبها.
والجدة من الام: لا يحجبها إلا الام.
ومن الاب: لا يحجبها إلا الاب.
والاب والام والقربى من كل جهة: تحجب البعدى منها، والقربى من جهة الام كأم الاب، هل تحجب البعدى من جهة الاب - كأم أم الاب - والقربى من جهة الاب - كأم الاب - هل تحجب من جهة الام، كأم أم الام؟ فيه قولان.
أظهرهما لا.
والزوجة والمعتقة كالزوج والمعتق.
وكل عصب يحجبه أصحاب الفروض المستغرقة.
والابن الواحد يستغرق المال، والاثنان فصاعدا كذلك.
وللبنت الواحدة: النصف، وللبنتين فصاعدا الثلثان.
ولو اجتمع عدد من البنين والبنات.
فالمال بينهم، للذكر مثل حظ الانثيين.
وأولاد الابن إذا انفردوا كأولاد الصلب.
وإن اجتمعوا، فإن كان فيهم من أولاد الصلب.
ذكر، فلا شئ لاولاد الابن.
وإن اجتمع أولاد الابن مع بنت واحدة من أولاد
الصلب فلها النصف.
والباقي لاولاد الابن من الذكور والاناث.
وإن كان هناك بنت واحدة من بنات الصلب، وبنت أو بنات من الابن فلبنت الصلب النصف، وللبنت من الابن أو البنات: السدس تكملة الثلثين.
وإن وجد بنتا صلب أو أكثر، فلهما الثلثان.
والباقي لاولاد الابن ذكورا أو إناثا.
ولا شئ للاناث الخلص، إلا أن يكون أسفل منهن ذكر.
فيعصبهن.
وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع بنات الصلب.
وكذا في سائر المنازل.
وإنما يعصب الذكر الانثى من في درجته ومن فوقه.
بشرط أن تكون محرومة من الثلثين.
وللاب حالات: تارة يرث بمحض العصوبة، وهو ما إذا لم يكن معه ولد ولا ولد ابن.
وتارة بمحض الفرضية، وهو أن يكون معه ابن أو ابن ابن.
وتارة بالجهتين، وهو أن يكون معه بنت أو بنت ابن، فله السدس بالفرضية، والباقي بعد فرضها بالعصوبة.
والام لها الثلث أو السدس في الحالتين المذكورتين أولا في الفروض.
ولها في مسألتي زوج وأبوين، أو زوجة وأبوين: ثلث ما يبقى بعد فرض الزوج أو الزوجة.
والجد كالاب، إلا أن الاب يسقط الاخوة والاخوات، والجد يقاسمهم إذا كانوا من

الابوين أو من الام.
والاب يسقط أم نفسه والجد لا يسقطها، والاب يرد الام في مسألتي زوج وأبوين، أو زوجة وأبوين: من الثلث إلى ثلث الباقي، ولو كان بدله الجد لم يردها.
والجدة ترث السدس.
وإن اجتمعت جدتان وارثتان فصاعدا، اشتركن فيه.
ويرث من الجدات: أن الام وأمهاتها المدليات بالاناث الخلص، وأم الاب وأمهاتها كذلك.
وكذا أم أبي الاب ومن فوقه من الاجداد وأمهاتهن.
والعبارة الضابطة: أن كل جدة تدلي بمحض الاناث، أو بمحض الذكور، أو بمحض الاناث إلى محض الذكور.
فهي وارثة.
وإذا أدلت جدة بذكر بين أنثيين، كأم أبي الام: لم ترث.
وأما الاخوة والاخوات: إذا كانوا من أبوين فيرثون إذا انفردوا، كأولاد الصلب.
وكذلك الاخوة والاخوات للاب إلا في المشركة.
وهي زوج وأم وأخوان لام وأخوان لاب وأم: فللزوج النصف، وللام السدس، وللاخوين من الام الثلث.
ويشاركهما فيه الاخوان للاب والام.
ولو كان بدل الاخوين من الاب والام أخوان لاب سقطا.
وإن اجتمع الصنفان فهو كما لو اجتمع أولاد الصلب مع أولاد الابن، إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن ومن هو أسفل منهن.
والاخت للاب: لا يعصبها إلا من هو في درجتها.
والاخوة والاخوات للام: للواحد منهم السدس، وللاثنين فصاعدا الثلث، يشترك فيه ذكورهم وإناثهم.
والاخوات من الابوين ومن الاب مع البنات وبنات الابن عصبة، منزلات منزلة الاخوة، حتى تسقط الاخت من الابوين مع البنت الاخت للاب، كما يسقط الاخ الاخ.
وبنو الاخوة من الابوين ومن الاب ينزل كل واحد من الصنفين منزلة أبيه في حالتي الانفراد والاجتماع، إلا أنهم يفارقون الاخوة في أنهم لا يردون الام من الثلث إلى السدس، وفي أنهم لا يقاسمون الجد، بل يسقطونه، وفي أنهم لا يعصبون أخواتهم، بخلاف الاخوات.
وفي أن بني الاخوة من الابوين يسقطون في مسألة المشركة لو كانوا بدل آبائهم.
والعم من الابوين ومن الاب: كالاخ من الجهتين في حالتي الاجتماع والانفراد وعلى هذا قياس بني العم.
وسائر عصبات النسب.

والعصبة من ليس له سهم مقدر من المجمع على توريثهم، بل يرثون جميع المال أو الباقي عن أصحاب الفروض.
ومن لا عصبة له من النسب وله معتق، فماله أو الفاضل من الفروض لمعتقه، رجلا كان أو امرأة.
فإن لم يكن المعتق حيا فلعصباته من النسب من الذكور والاناث.
ولم ترث المرأة بالولاء إلا من معتقها، أو معتق معتقها، أو ما جر الولاء إليها ممن أعتقت.
وإذا لم يوجد أحد من عصبات المعتق، فالمال للمعتق ثم لعصباته على ترتيب الميراث في النسب.
فصل: وإذا اجتمع مع الجد الاخوة والاخوات من الابوين أو من الاب.
نظر إن لم يكن معهم ذو فرض.
فللجد خير الامرين، من المقاسمة معهم أو ثلث جميع المال.
وقد يستوي الامران.
وذلك إذا كانوا مثلي الجد.
وإن كانوا دون المثلين فالقسمة خير.
وإن كانوا فوق المثلين فالثلث خير.
وإذا قاسمهم كان كأخ منهم.
وإذا أخذ الثلث اقتسموا الباقي للذكر مثل حظ الانثيين.
وإن كان فيهم ذو فرض - كالبنت والام والزوج، فللجد خير الامور الثلاثة: من سدس المال كله، أو ثلث ما يبقى بعد الفروض، أو المقاسمة معهم.
وقد لا يبقى شئ، كبنتين وأم وزوج.
فيفرض له السدس، ويزاد في العول.
وقد يكون الباقي دون السدس.
كبنتين وزوج.
فيفرض له السدس، وتعال المسألة.
وقد يكون الباقي قدر السدس كبنتين وأم.
فيفوز به الجد، وتسقط الاخوة والاخوات في هذه الاحوال.
وإن اجتمع معه الصنفان، الاخوة والاخوات من الابوين ومن الاب: فحكم الجد كما ذكرنا.
وأولاد الابوين: يعدون مع أولاد الاب على الجد في القسمة، ثم إذا أخذ الجد حصته، فإن كان في أولاد الابوين ذكر أخذوا الباقي وسقط أولاد الاب، وإلا فتأخذ
الواحدة إلى النصف.
والثنتان فصاعدا إلى الثلثين، ولا يفضل عن الثلثين شئ.
وقد يفضل عن الواحدة شئ فيجعل لاولاد الاب.
مثاله: أخت من الابوين، وأختان وأخ من الاب وجد.
فالمال على خمسة: سهمان للجد، وسهمان ونصف للاخت من الابوين، والباقي لولد الاب.
والجد مع الاخوات الخلص بمثابة أخ معهم.
ولا يفرض لهن إلا في الاكدرية.

وهي زوج وأم وجد وأخت من الابوين أو من الاب.
فللزوج النصف، وللام الثلث، وللجد السدس، ويفرض للاخت النصف.
وتعول المسألة، ثم يضم نصيب الجد بينهما أثلاثا: للجد الثلثان، وللاخت الثلث فصل: في قسمة الميراث: ويقسم إذا كان الورثة كلهم عصبات.
قسم المال بينهم بالسوية، إن تمحضوا ذكورا وإن اجتمع الذكور والاناث قدر كل ذكر أنثيين، وعدد رؤوس المقسوم عليهم أصل المسألة.
وإن كان فيهم ذو فرض من الفروض التي تقدم ذكرها آنفا.
نظر إن كان في المسألة فرض واحد، أو فرضان متماثلان.
فأصل المسألة مخرج الكسر.
فالنصف من اثنين، والثلث من ثلاثة، والربع من أربعة، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية.
وإن كان فيها فرضان مختلفا المخرج، نظر ما في المخرجين.
فإن تداخلا فأكثرهما أصل المسألة.
وذلك كالسدس والثلث، فالاصل من ستة.
وإن توافقا ضرب وفق أحدهما في الآخر فالحاصل أصل المسألة، وذلك كالسدس والثمن الاصل أربعة وعشرون.
وإذا تباينا ضرب أحدهما في الآخر.
فالحاصل الاصل.
وذلك كالثلث والربع الاصل من اثني عشر.
وجملتها سبعة أصول.
اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربعة
وعشرون.
ويعول من هذه الاصول ثلاثة.
فالستة تعول إلى سبعة، كزوج وأختين.
وإلى ثمانية، كزوج وأختين وأم.
وإلى تسعة، كزوج وأختين لاب وأم، وأختين لام.
وإلى عشرة، كزوج وأختين لاب وأم، وأختين لام وأم.
وتعول الاثني عشر إلى ثلاثة عشر.
كزوج وأم وأختين لاب.
وإلى خمسة عشر، كزوجة وأختين لاب وأختين لام.
وإلى سبعة عشر، كزوجة وأختين لاب وأختين لام وأم.
وتعول الاربعة والعشرون إلى سبعة وعشرين، كزوجة وبنتين وأبوين.
الخلاف المذكور في مسائل الباب: أجمع المسلمون على أن الاسباب المتوارث بها ثلاثة: رحم، ونكاح، وولاد وأن الاسباب المانعة من الميراث ثلاثة: رق، وقتل، واختلاف دين.
وعلى الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يورثون، وأن ما يتركونه يكون صدقة

يصرف في مصالح المسلمين.
ولم يخالف في ذلك إلا الشيعة.
وأجمعوا على أن الوارثين من الرجال عشرة.
وقد تقدم ذكرهم.
ومن النساء سبعة.
وقد تقدم ذكرهن أيضا.
وعلى أن الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة.
وقد تقدم ذكرها.
واختلفوا في توريث ذوي الارحام.
وهم الذين لا سهم لهم في كتاب الله.
وهم عشرة أصناف: أبو الأم.
وكل جد وجدة ساقطين، وأولاد البنات، وبنات الاخوة، وأولاد الاخوات، وبنو الاخوة للام، والعم للام، وبنات الاعمام، والعمات والاخوال والخالات، والمدلون بهم.
فذهب مالك والشافعي إلى عدم توريثهم، قالا: يكون المال لبيت المال.
وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وزيد والزهري والاوزاعي وداود.
وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى توريثهم.
وحكي ذلك عن علي وابن مسعود وابن
عباس.
وذلك عند فقد أصحاب الفروض والعصبات بالاجماع وعن سعيد بن المسيب أن الخال يرث مع البنت.
فعلى ما قال مالك والشافعي: إذا مات عن أم كان لها الثلث.
والباقي لبيت المال، أو عن بنت فلها النصف، والباقي لبيت المال.
وعلى ما قال أبو حنيفة وأحمد: المال كله للام، الثلث بالفرض والباقي بالرد.
وكذلك للبنت النصف بالفرض والباقي بالرد.
ونقل القاضي عبد الوهاب المالكي عن الشيخ أبي الحسن: أن الصحيح عن عثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود: أنهم كانوا لا يورثون ذوي الارحام ولا يردون على أحد.
وهذا الذي يحكي عنهم في الرد وتوريث ذوي الارحام: حكاية فعل لا قول.
وابن خزيمة وغيره من الحفاظ يدعون الاجماع على هذا.
فصل: والمسلم لا يرث من الكافر، ولا عكسه باتفاق الائمة.
وحكي عن معاذ وابن المسيب والنخعي: أن يرث المسلم الكافر، ولا عكس، كما يتزوج المسلم الكافرة ولا يتزوج الكافر المسلمة.
واختلفوا في مال المرتد إذا قتل أو مات على الردة، على ثلاثة أقوال: الاول: أن جميع ماله الذي كسبه في إسلامه يكون فيئا لبيت المال.
هذا قول مالك والشافعي وأحمد.

والثاني: يكون لورثته من المسلمين، سواء كسبه في إسلامه أو ردته.
وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
والثالث: أن ما اكتسبه في حال إسلامه لورثته المسلمين، وما اكتسبه في حال ردته في البيت المال.
وهذا قول أبي حنيفة.
واتفقوا على أن القاتل عمدا ظلما لا يرث من المقتول.
واختلفوا فيمن قتل خطأ.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: لا يرث.
وقال مالك: يرث من المال دون الدية.
واختلفوا في توريث أهل الملل من الكفار.
فمذهب مالك وأحمد: لا يرث بعضهم بعضا، وإذا كانوا أهل ملتين، كاليهودي والنصراني.
وكذا من عداهما من الكفار، إن اختلفت ملتهم.
وقال أبو حنيفة والشافعي: إنهم أهل ملة واحدة.
كلهم كفار، يرث بعضهم بعضا.
فصل: والغرقى، والقتلى، والهدمي، والموتى بحريق أو طاعون، إذا لم يعلم أيهم مات قبل صاحبه: لم يرث بعضهم بعضا، وتركة كل واحد منهم لباقي ورثته بالاتفاق إلا في رواية عن أحمد.
وذهب علي وشريح، والشعبي والنخعي إلى أنه يرث كل واحد منهما من تلاد ماله دون طارفه.
وهي رواية عن أحمد.
فصل: ومن بعضه حر وبعضه رقيق: لا يرث ولا يورث عند أبي حنيفة ومالك والشافعي.
وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد والمزنى: يورث ويرث بقدر ما فيه من الحرية.
فصل: والكافر والمرتد والقاتل عمدا ومن فيه رق ومن خفي موته، لا يحجبون، كما لا يرثون بالاتفاق.
وعن ابن مسعود وحده: أن الكافر والعبد وقاتل العمد: يحجبون ولا يرثون.
والاخوة إذا حجبوا إلى السدس لم يأخذوه بالاتفاق.
وعن ابن عباس أن الاخوة يرثون مع الاب إذا حجبوا الام، فيأخذون ما حجبوها عنه.
والمشهور عنه موافقة الكافة.
واختلفوا في الجد: هل يسقط ولد الابوين، كما يسقطهم الابن وابن الابن والاب؟ فقال أبو حنيفة: يسقط الجد الاخوة والاخوات من الابوين ومن الاب كما يسقطهم الاب.
وقال مالك والشافعي وأحمد: إن الجد لا يسقطهم.
ولكن يقاسمهم، ما لم تنقصه المقاسمة عن ثلث الاصل.
فإذا نقصته المقاسمة عن ثلث الاصل فرض له ثلث

الاصل، وأعطى الاخوة والاخوات ما بقي.
هذا إذا لم يكن مع الاخوة والاخوات من له فرض.
فإن كان معه من له فرض أعطى فرضه وقاسمه الجد ما لم تنقص المقاسمة عن سدس الاصل، أو ثلث ما بقي فإنهما أحظ له أو أعطيه.
واختلفوا في المال الصائر إلى بيت المال: هل هو صائر إرثا، أو على وجه المصلحة؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: على وجه المصلحة.
وقال مالك والشافعي: على جهة الارث.
واختلفوا فيما إذا كان القاتل صغيرا أو مجنونا.
فقال الشافعي وأحمد: يحرمان الارث.
وقال أبو حنيفة: يرثان.
واختلفوا فيمن حفر بئرا، أو وضع حجرا في الطريق.
فهلك مورثه بهما أو بأحدهما.
فقال الشافعي وأحمد: لا يرثه على الاطلاق.
أما لو حفر بئرا في ملكه أو وضع حجرا، فمات به مورثه من غير تفريط من المالك، أو وقع عليه حائطه.
فلا خلاف في أنه يرثه.
وقال أبو حنيفة: يرث وقال مالك: يرث من المال لا من الدية.
واختلفوا في ابن الملاعنة من يرثه؟ قال أبو حنيفة: تستحق الام جميع المال بالفرض والرد.
وقال مالك والشافعي: تأخذ الام الثلث بالفرض والباقي لبيت المال.
وعن أحمد روايتان.
إحداهما: عصبته لامه.
فإذا خلف أما وخالا كان المال لهما جميعه تعصيبا.
واختلفوا فيما إذا أسلم رجل على يد رجل، فوالاه وعاقده، ثم مات ولا وارث له.
فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنه لا يستحق ميراثه.
ويكون ميراثه لبيت مال المسلمين.
وقال أبو حنيفة: يستحق ميراثه.
واختلفوا فيما إذا أسلم الورثة الكفار قبل قسمة ميراث نسيبهم المسلم.
فقال أحمد
في إحدى الروايتين: يستحقون الميراث.
وقال الباقون: لا يستحقون ميراثا.
وعن أحمد في الرواية الاخرى مثل قولهم.
واختلفوا فيما إذا مات وترك حملا ثم انفصل.
ولم يستهل صارخا.
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يرث ولا يورث، وإن تحرك وتنفس، إلا أن يطول به ذلك أو يرضع، وإن عطس فعن مالك روايتان.
وقال الشافعي: إن تحرك وتنفس وعطس ورث وورث عنه.
فصل: والخنثى المشكل - وهو من له فرج وذكر - قال أبو حنيفة في المشهور عنه: إن بال من الذكر فهو غلام.
أو من الفرج فهو أنثى، أو منهما اعتبر أسبقهما.
فإن استويا

بقي على إشكاله إلى أن يخرج له لحية، أو يأتي النساء فهو رجل.
أو يدر له لبن، أو يوطأ في فرجه، أو يحيض فهو امرأة.
فإن لم يظهر شئ من ذلك فهو مشكل وميراثه ميراث أنثى.
وكذلك قال الشافعي.
ولكنه يخالفه في ميراثه.
فقال: يعطى الابن النصف والخنثى الثلث.
ويوقف السدس حتى يتبين أمره أو يصطلحا.
وقال مالك وأحمد: يورث من حيث يبول.
فإن كان يبول منهما، اعتبر أسبقهما.
فإن كانا في السبق سواء، اعتبر أكثرهما فورث منه.
فإن بقي على إشكاله وخلف رجل ابنا وخنثى مشكل، قسم للخنثى نصف ميراث أنثى.
فيكون للابن ثلث المال وربعه، وللخنثى ربع المال وسدسه.
فصل: في المناسخات: إذا لم تقسم تركة الميت الاول حتى مات بعض ورثته.
فصحح مسألة الاول ثم صحح مسألة الثاني، وأقسم سهام الثاني من المسألة الاولى على مسألته.
فإن انقسمت صحت المسألتان مما صحت منه الاولى، وإن لم يتوافقا ضربت مسألته كلها في المسألة الاولى.
فما بلغ فمنه تصح المسألتان.
فإذا أردت القسمة فكل من له شئ من الاولى مضروب في الثانية أو وفقها.
وكل من له شئ من الثانية مضروب في السهام التي مات عنها أو في وفقها.
فإن مات ثالث صححت مسألته وقسمت عليها سهامه من المسألتين.
فإن انقسمت صحت، وإلا ضربت مسألته أو وفقها
فيما صحت منه المسألتان.
ويعمل على ذلك.
فصل: في استخراج القيراط وميزانه وقسمة التركات عليه: اعلم أن الطريق في معرفة قسمة التركة على القراريط: هو أن تستخرج قيراط العدد الذي صحت منه المسألة، ثم انسب إليه نصيب كل واحد من الورثة.
فإن كان بعضه فلذلك الواحد من الورثة بعض قيراط من التركة بتلك النسبة.
وإن كان مثله فله قيراط كامل، وإن كان مثليه أو أكثر فقيراطان أو أكثر وعلى هذا القياس.
مثاله: ثلاث زوجات وأربع إخوة لام وخمس أخوات لاب.
والتركة اثنان وسبعون دينارا.
المسألة من اثني عشر، وتعول إلى خمسة عشر.
قيراطها نصف وثمن، ونصيب الزوجات منها ثلاثة.
فنسبة الثلاثة إلى النصف والثمن: أربعة أمثال وأربعة أخماس.
مثل.
فيكون لهن من التركة أربعة قراريط وأبعة أخماس قيراط، وهو أربعة عشر دينارا وخمسا دينار.
ونصيب الاخوة من الام أربعة، نسبتها إليه ستة أمثال وخمسا مثل.
فيكون لهم من التركة ستة قراريط وخمسا قيراط، وهو تسعة عشر دينارا وخمس دينار.
ونصيب الاخوات من الاب ثمانية نسبتها إليه اثني عشر مثلا وأربعة أخماس مثل.
فيكون لهم من التركة اثني عشر قيراطا وأربعة أخماس قيراط، وهو ثمانية وثلاثون دينارا وخمسا دينار.

وميزان الصحة في ذلك: أن تجمع ما حصل للورثة من القراريط، وتقابل بها التركة.
فإن تساويا فالعمل صحيح وإلا ففاسد.
وطريق معرفة استخراج القيراط: أن تجعل كل عقد من العدد الذي تريد معرفة قيراطه واحدا وتنسب ما اجتمع معك من الآحاد إلى أربعة وعشرين.
فما خرج فنسبته من عقد واحد من ذلك العدد.
مثاله: إذا أردت أن تعرف قيراط الخمسة عشر.
فاجعلها واحدا ونصفا، وانسب ذلك إلى الاربعة وعشرين يكون نصف ثمن، والعقد الواحد من خمسة عشر: عشرة،
نصف ثمنها نصف ثمن.
وهو القيراط.
وعلى هذا يكون العمل.
تذييل: جرد للامام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه عشروا مسألة.
وبعثوا بها إليه مع محمد بن الحسين بن يزيد.
الاولى: رجل أبق له عبد.
فقال: هو حر إن طعمت طعاما، حتى أجده؟ فأجاب: أن يهبه لبعض ولده.
الثانية: رجلان كانا فوق سطح، فمال أحدهما فسقط فمات.
فحرمت على الآخر امرأته؟ فأجاب: إن امرأة الحي كانت أمة الرجل الساقط.
وكان الزوج من بعض ورثته.
فصارت الامة ميراثا له.
فحرمت عليه.
الثالثة: رجلان خطبا امرأة.
فحلت لاحدهما ولم تحل للآخر من غير مكروه؟ فأجاب: إن أحدهما كانت له أربع نسوة فحرمت عليه الخامسة، والآخر: لم يكن له امرأة، فحلت له الخطبة والنكاح.
الرابعة: رجل ذبح شاة في منزله ثم خرج لحاجة فرجع وقد حرمت عليه الشاة.
فقال لاهله: كلوا.
فقد حرم الله علي الاكل منها.
فقال له أهله: ونحن أيضا قد حرم الله علينا الاكل منها؟ فأجاب: إن هذا الرجل كان مشركا وثنيا ذبح شاة، وخرج فأسلم ورجع.
وقد قيل لاهله: إن أباكم قد أسلم فأسلموا.
فقال لهم: قد حرم الله على الاكل منها لاني أسلمت.
فقالوا: ونحن قد حرم الله علينا الاكل لانا قد أسلمنا.
الخامسة: امرأة تزوجت في شهر واحد بثلاثة أزواج كل ذلك حلال؟

فأجاب: إن هذه المرأة طلقها زوجها وهي حامل.
فولدت بعد عشرة أيام.
وانقضت عدتها بالوضع، ثم تزوجت برجل آخر.
فاختلعت منه قبل الدخول بها، ثم
خطبها رجل آخر وتزوجها ودخل بها.
فذلك ثلاثة أزواج في شهر.
السادسة: رجل حرمت عليه امرأته سنة، ثم حلت له من غير حنث.
ولا طلاق ولا عدة؟ فأجاب: إن هذا الرجل كان هو وامرأته في الحج، وهما محرمان فاتهما الحج.
فلم تزل امرأته حراما عليه إتيانها.
فلما كان في العام المقبل حلت له فوطئها.
السابعة: امرأتان لقيتا غلامين.
فقالتا: مرحبا بابنينا وابني زوجينا وهما زوجانا؟ فأجاب: إن المرأتين كان لهما ابنان.
فتزوجت كل واحدة منهما بابن صاحبتها فكانا ابنيهما وزوجيهما وابني زوجيهما القديمين.
الثامنة: رجلان شربا الخمر، فوجب على أحدهما الحد، ولم يجب على الآخر شئ وهما مسلمان؟ فأجاب: إن أحدهما كان حرا.
فوجب عليه الحد، والآخر مجنون أو صبي لا حد عليهما.
التاسعة: قوم سجدوا لغير الله.
وهم في فعلهم مطيعون لله؟ فأجاب: إنهم الملائكة سجدوا لآدم.
العاشرة: رجل قال لولده: إن مت، فلك من إرثي ألفان، ولو كنت عمي لكان يحصل لك عشرة آلاف درهم؟ فأجاب: إن مال الرجل مبلغه ثلاثون ألفا.
وله ابن وثمانية وعشرون بنتا فللابن ألفا درهم.
ولكل بنت ألف.
ولو كان ابن عم لكان للبنات الثلثان، وهو عشرون ألفا، ولابن العم عشرة آلاف.
الحادية عشرة: رجل أخذ قدحا فيه ماء، فشرب بعضه حلالا.
وحرم عليه الباقي؟ فأجاب: إنه شرب بعضه، ثم رعف في الباقي، حتى غلب الدم على الماء فحرم عليه.
الثانية عشرة: امرأة ادعت أن زوجها ما يقربها، وأنها بكر كما خلقت؟ فأجاب: إن القائلة تؤمر أن تحملها بيضة.
فإن غابت البيضة كذبت وإلا صدقت.

الثالثة عشرة: رجل دفع إلى زوجته كيسا مختوما.
وقال: أنت طالق إن أنت فتحتيه أو فتقتيه أو خرقتيه، وأنت طالق إن لم تفرغيه؟ فأجاب: إن الكيس كان فيه ملح.
فوضعته في ماء حار.
فذاب الملح، وخلا الكيس من غير فتح ولا فتق ولا حرق.
الرابعة عشرة: امرأة لقيت غلاما فقبلته.
وقالت: فديت ابن زوجي وأنا امرأة أبيه؟ فأجاب: إنها أمه.
الخامسة عشرة: رجل مر على جارية فقبلها.
وقال: فديت من أبي جدها، وأخي عمها، وأنكح أمها؟ فأجاب: إنها ابنته.
السادسة عشرة: خمسة نفر زنوا بامرأة.
فوجب على أحدهم القتل.
والثاني: الرجم.
والثالث: الجلد.
والرابع: نصف الجلد.
والخامس: لا شئ عليه؟ فأجاب: الاول: مشرك زني بمسلمة.
والثاني: محصن يجب عليه الرجم.
والثالث: غير المحصن، إنما يجب عليه الجلد، والرابع: مملوك يجب عليه نصف الجلد.
والخامس: صبي أو مجنون لا شئ عليهما.
السابعة عشرة: امرأة أكرهت ملوكا على وطئها فوطئها، وهو كاره؟ فأجاب: إن خشي المملوك أن يقتل إن لم يفعل وفعل فلا شئ عليه.
وإلا فعليه نصف الحد.
وإن كانت محصنة فعليها الرجم، وإلا فعليها الجلد إن كانت حرة.
الثامنة عشرة: رجل صلى بقوم، وسلم عن يمينه فطلقت امرأته، وسلم عن شماله ففسدت صلاته، ونظر إلى السماء فوجب عليه ألفا درهم.
فأجاب: إن الرجل لما سلم عن يمينه نظر إلى رجل كان زوج امرأته وغاب عنها فتزوج بها، فلما قدم من سفره فارق زوجته، ثم سلم عن يساره.
فرأى في ثوبه دما كثيرا.
فوجب عليه إعادة الصلاة، ونظر إلى السماء وكان عليه دين منجم.
فرأى الهلال فوجب عليه ألفا درهم.
التاسعة عشرة: رجل ضرب آخر بعصى.
فادعى المضروب أنه أذهب بصره بضربته، وأنه جيف خياشيمه، وأخرس لسانه.
فأجاب: بأن يقام المضروب في مستقبل الشمس.
فإن لم يطرف فهو صادق ويشم

الحراق.
فإن لم يتأذ به فهو صادق، ويغرز لسان بإبرة فإن خرج دم أسود فهو صادق.
العشرون: إمام كان يصلي وراءه أربعة أنفار.
فدخل المسجد رجل آخر فصلى معهم.
فلما سلم الامام عن يمينه ونظر إلى الرجل الخامس وجب على الامام ضرب العنق، وأخذ امرأته منه، وتدفع إلى الخامس.
ووجب هدم المسجد، ووجب على الاربعة الذين صلوا خلفه الجلد.
فأجاب: إن الرجل الذي دخل بعد الاربعة مسافر.
وخلف أخا له وخلف امرأته عنده، فقتل ذلك الامام أخا الرجل وأخذ امرأته، وادعى أنها زوجته.
فشهد الاربعة له بالزوجية، وأخذ دار الرجل وبناها مسجدا.
فوجب عليه القتل ورد المرأة إلى زوجها، ويرد المسجد دارا كما كانت.
ووجب على الشهود الجلد بشهادة الزور.
المصطلح: وفيه صورة قسمة الميراث بين الورثة.
تقدمت في الاقرار لتعلقها به.
وصورة الوفاة وحصر الورثة يأتي في باب المحاضر إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.

كتاب الوصايا
وما يتعلق بها من الاحكام الوصية مأخوذة من قولهم: وصيت الشئ أوصيته: إذا وصلته، لان الموصي يصل ما كان منه في حياته بما بعد مماته.
والاصل في ثبوت الوصية: الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) *.
وأما السنة: فما روي أن النبي (ص) قال: ما حق امرئ مسلم عنده شئ يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه وروي أن النبي (ص) لما قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور؟ فقيل له: إنه هلك.
ووصى لك بثلث ماله.
فقبله النبي (ص)، ثم رده على ورثته.
وأما الاجماع: فروي أن أبا بكر وصى بالخلافة إلى عمر.
ووصى عمر بالخلافة إلى أهل الشورى، وهم ستة: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.
وظهر ذلك في الصحابة ولم يخالفهما أحد.
بل عملوا به.
وما يوصي به الانسان ضربان، وصية بالنظر فيما كان له النظر فيه.
ووصية بثلث ماله.
فأما الوصية بالنظر: فإن من ثبتت له الخلافة على الامة.
فله أن يوصي بها إلى

رجل توجد فيه شروط الخلافة، لما ذكرناه من حديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما الوصية بالثلث: فكل من ملك التصرف في ماله بالبيع والهبة ملك الوصية بثلث ماله فيما فيه قربة.
لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * ولما روي أن النبي (ص) قال: إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر آجالكم زيادة في حسناتكم وروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرضت بمكة عام الفتح مرضا أشرفت منه على الموت.
فدخل علي رسول الله (ص).
فقلت: يا رسول الله، إن لي
مالا كثيرا، وإنما يرثني ابنة لي، أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا.
قلت: أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا.
قلت: فبالشطر؟ قال: لا قلت: فبالثلث؟ فقال: الثلث والثلث كثير وروي كبير - إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس فلم ينهه عن الثلث، وإنما قال: هو كثير فدل على جواز التصدق به.
والعالة الفقراء.
قال الله تعالى: * (ووجدك عائلا فأغنى) * وقوله: يتكففون الناس معناه يسألون الناس بأكفهم.
فإن كان ورثته فقراء: فالمستحب له أن لا يوصي بجميع الثلث، لقوله (ص): إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وإن كانوا، استحب له أن يوصي بجميع الثلث، لانه لما كره استيفاء الثلث - إذا كانوا فقراء - دل على أنه يستحب له أن يستوفي الثلث إذا كانوا أغنياء.
ويشترط في الموصي التمييز، فلا تصح وصية المجنون، والمغمي عليه، والصبي الذي لا تمييز له.
وفي المميز قولان.
أظهرهما: المنع.

ويشترط التكليف في الموصي.
والصحيح: صحتها من السفيه والمحجور عليه.
وتلغى وصية الرقيق.
وفيما إذا أعتق ثم مات: وجه، وتصح وصية الكافر.
ثم إن كانت الوصية لجهة عامة: فالشرط أن لا تكون لجهة معصية.
فلا تصح لعمارة البيع، وبناء بيت لبعض المعاصي.
وإن كانت لشخص معين، فينبغي أن يتصور له الملك.
فتجوز الوصية للحمل وينفذ إذا انفصل حيا، وأن يكون معلوم الوجود عند الوصية بأن ينفصل لاقل من ستة أشهر.
فإذا انفصل لستة أشهر فصاعدا، والمرأة فراش زوج أو سيد، فلا حق له.
وإذا أوصى لعبد إنسان.
فإن استمر رقه: فالوصية لسيده، وإن أعتق قبل موت الموصي: فالاستحقاق له.
ولا تصح الوصية للدابة على قصد تملكها، وكذا لو أطلق الوصية ولو قال: ليصرف في علفها، فالظاهر الصحة.
ولو أوصى لعمارة مسجد صح، وتنزل على عمارته ومصالحه.
وتجوز الوصية للذمي وكذلك الحربي.
وتجوز الوصية للقاتل في أظهر القولين.
والوصية للوارث لاغية، نافذة بإجازة الورثة.
ولو أوصى لاخيه، ولا ولد للموصي، ثم ولد له ولد قبل موته: صحت الوصية، ولم يخرج على الخلاف.
فإن الاعتبار بكون الموصى له وارثا يوم الموت لا يوم الوصية.
وتصح الوصية بالحمل، والشرط أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصية، وأن ينفصل حيا.
وتصح أيضا بالمنافع.
وكذا بالثمار التي ستحدث، والحمل الذي سيوجد.
وتصح الوصية بأحد العبدين.
وتصح بما يحل به الانتفاعات من النجاسات، كالكلب المعلم، والزبل والخمر المحترمة.
ولو أوصى بكلب من كلابه وله كلاب يحل الانتفاع بها أعطى واحدا منها، وإن لم يكن له كلاب لغت الوصية.
ومن له مال وكلاب.
فأوصى بها أو ببعضها.
فالاظهر نفوذ الوصية وإن كثرت وقل المال.

ولو أوصى بطبل - وكان الطبل يصلح للحرب والحجيج - حملت الوصية على ما يجوز الانتفاع به، ولو أوصى بطبل لهو لم تصح الوصية.
ولا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث المال، ول فعل ورد الوارث ارتدت الوصية في
الزيادة.
فإن أجاز نفذت في أظهر الوجهين.
وإذا تبرع تبرعات منجزة في مرض الموت، كالوقف والهبة والعتق والابراء.
ولم يف الثلث بها، فأخذ القولين: أنه يقدم العتق.
والاصح: التسوية بين العتق وغيره.
ويقسط الثلث عليها باعتبار القيمة.
فإن تمحض العتق فيقرع، وإن تمحض غيره فيقسط.
وإن اجتمع تبرعات فصاعدا منجزات.
فإن ترتبت قدم الاول فالاول إلى أن يتم الثلث، إن وجدت دفعة واحدة.
فإن اتحد الجنس - كما لو أعتق عبيدا وأبرأ جماعة - فلا يقدم بعضها على بعض، بل يقرع في العتق، ويقسط الثلث في غيره.
وإن اختلف الجنس وصدرت التصرفات من وكلاء.
فإن لم يكن فيها عتق فيقسط الثلث وإن كان فيها، فيقدم العتق أو يقسط؟ فيه القولان.
ولو كان له عبدان سالم وغانم.
فقال: إن أعتقت غانما فسالم حر، ثم أعتق غانما في مرض موته، فلا يقرع ويتعين للعتق غانم.
وإذا أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقي ماله غائب، لم يدفع إلى الموصى له في الحال.
وإذا ظننا أن المرض مخوف لم ينفذ التصرف فيما زاد على الثلث.
فإن برأ تبين خلاف ما ظنناه ونفذ التبرع.
وإن ظننا غير مخوف ومات، فإن كان يحمل على الفجأة نفذ التبرع.
وإلا تبين أنه مخوف.
وإن شككنا في المرض أهو مخوف أم لا؟ فالرجوع فيه إلى الاطباء.
وإنما يعتمد قول من يجمع الاسلام والتكليف والعدالة والحرية.
ويشترط العدد أيضا في الامراض المخوفة، وهو القولنج، وذات الجنب، والرعاف الدائم، والاسهال المتواتر، وخروج الطعام غير مستحيل، أو كان يخرج بشدة، أو وجع ومعه دم.
ومنها: الدق، وابتداء الفالج، والحمى المطبقة، وكذا غير المطبقة، كالورد
والغب إلا الربع.
والاظهر: أنه يلتحق بالامراض المخوفة: الوقوع في أسر كفار اعتادوا قتل

الاسرى، والتحام القتال بين الفريقين، والتقديم للقصاص أو الرجم، واضطراب الرياح، وهيجان الامواج في حق ركاب السفينة، وما إذا ضرب الحامل الطلق، وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة.
وصورة الوصية أن يقول: أوصيت له بكذا، أو ادفعوا إليه، أو أعطوه بعد موتي، أو جعلته له، أو هو له بعد موتي.
ولو اقتصر على قوله: هو له فهو إقرار لا يجعل كناية عن الوصية، إلا أن يقول: هو له من مالي.
وإذا كانت الوصية لغير معين - كالفقراء - لم يشترط فيها القبول.
ولزمت بالموت، وإن كانت لمعين فلا بد من القبول.
ولا يصح القبول في حياة الموصي ولا الرد.
ولا يشترط القبول على الفور بعد موت الموصي.
وإذا مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية.
وإن مات بعد موته قام وارثه مقامه في القبول.
وبم يملك الموصى له الموصى به؟ فيه أقوال.
أحدها: بقبوله.
والثاني: بموت الموصي.
وأصحها أنها تتوقف.
فإن قبل تبينا أنه ملك من وقت الموت، وإلا تبينا أنه كان ملكا للوارث.
وعلى هذا الخلاف ينبني كسب العبد وثمرة الشجرة الحاصلان بين الموت والقبول، وفطرة العبد إذا وقع وقت الوجوب بينهما، ونفقته.
ويطالب الموصي له بنفقة العبد، أو الدابة الموصي بها له إذا توقف في القبول والرد.
الخلاف المذكور في مسائل الباب:
الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت.
وهي جائزة مستحبة غير واجبة بالاجماع لمن ليست عند أمانة يجب عليه الخروج منها، ولا عليه دين لا يعلم به من هو له، أو ليست عنده وديعة بغير إشهاد.
فإن كانت ذمته متعلقة بشئ من ذلك كانت الوصية واجبة عليه فرضا.
وهي مستحبة لغير وارث بالاجماع.
وقال الزهري وأهل الظاهر: إن الوصية واجبة للاقارب الذين لا يرثون الميت، سواء كانوا عصبة أو ذا رحم، إذا كان هناك وارث غيرهم.

فصل: والوصية لغير وارث بالثلث جائزة بالاجماع، ولا تفتقر إلى إجازة.
وللوارث جائزة موقوفة على إجازة الورثة.
وإذا أوصى بأكثر من ثلثه، وأجاز الورثة ذلك.
فمذهب مالك: أنهم إذا أجازوا في مرضه لم يكن لهم أن يرجعوا بعد موته.
وفي صحته فلهم الرجوع بعد موته.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لهم الرجوع، سواء كان في صحته أو في مرضه.
فصل: ومن أوصى بجمل أو بعير جاز عند الثلاثة أن يعطي أنثى.
وكذلك إن أوصى ببدنة أو بقرة جاز أن يعطي ذكرا.
فالذكر والانثى عندهم سواء.
وقال الشافعي: لا يجوز في البعير إلا الذكر، ولا في البدنة والبقرة إلا الانثى.
وإذا أوصى بإخراج ثلث ماله في الرقاب ابتدئ عند مالك بعتق مماليكه.
قال أبو حنيفة والشافعي: يصرف إلى المكاتبين.
فصل: إجازة الورثة: هل هي تنفيذ لما كان أمر به الموصي، أم عطية مبتدأة؟ فعند الثلاثة تنفيذ.
وعند الشافعي قولان، أصحهما: كالجماعة.
وهل يملك الموصى له بموت الموصي، أم بقبوله.
وإذا أوصى بشئ لرجل، ثم أوصى به الآخر، ولم يصرح برجوع عن الاول، فهو
بينهما نصفان بالاتفاق.
وقال الحسن وعطاء وطاوس: هو رجوع.
ويكون للثاني.
وقال داود: هو للاول.
فصل: والعتق، والهبة، والوقف وسائر العطايا المنجزة في مرض الموت معتبرة من الثلث بالاتفاق.
وقال مجاهد وداود: هي منجزة من رأس المال.
واختلف فيما قدم ليقتص منه، أو كان في الصف بإزاء العدو، أو جاء الحامل الطلق، أو هاج الموج بالبحر وهو راكب سفينة.
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، في المشهور عنه: إن عطايا هؤلاء من الثلث.
وللشافعي قولان.
أصحهما: من الثلث.
والثاني: من جميع المال.
وروي عن مالك: أن الحامل إذا بلغت ستة أشهر ولم تتصرف في أكثر من ثلث مالها.
واختلفوا في الوصية إلى العبد.
فقال مالك وأحمد: تصح مطلقا.
وقال أبو حنيفة: تصح إلى عبد نفسه، بشرط أن يكون في الورثة كبير، ولا تصح إلى عبد غيره.
ومن له أب أو جد.
لا يجوز له عند الشافعي وأحمد أن يوصي إلى أجنبي بالنظر في أمر أولاده، مع وجود أبيه وجده، إذا كان من أهل العدالة.
وقال أبو حنيفة ومالك:

تصح الوصية في أمر الاولاد وقضاء الديون وتنفيذ الثلث مع وجود الاب والجد.
وإذا أوصى إلى عدل ثم فسق نزعت الوصية منه، كما إذا أسند الوصية إليه فإنها لا تصح.
فإنه لا يؤمن عليها.
وهذا قول مالك والشافعي.
وعن أحمد روايتان.
وقال أبو حنيفة: إذا فسق يضم إليه آخر عدل.
فإذا أوصى إلى فاسق يخرجه القاضي من الوصية، فإن لم يخرجه بعد تصرفه صحت وصيته.
واختلفوا في الوصية للكفار.
فقال مالك والشافعي وأحمد: تصح، سواء كانوا أهل حرب أو ذمة.
وقال أبو حنيفة: لا تصح لاهل الحرب.
وتصح لاهل الذمة خاصة.
فصل: وللوصي أن يوصي ما وصى به إليه غيره، وإن لم يكن الوصي جعل ذلك
إليه.
هذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك.
ومنع من ذلك الشافعي وأحمد في أظهر الروايتين.
وإذا كان الوصي عدلا لم يحتج إلى حكم الحاكم، وتنفيذ الوصية إليه.
ويصح جميع تصرفه عند الثلاثة.
وقال أبو حنيفة: إن لم يحكم له حاكم فجميع ما يشتريه ويبيعه للصبي مردود.
وما ينفق عليه فقوله فيه مقبول.
فصل: ويشترط بيان ما يوصي فيه وتعيينه.
فإن أطلق الوصية، فقال: أوصيت إليك، لم يصح عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وكان ذلك لغوا.
وقال مالك: يصح، وتكون وصية في كل شئ.
وقال مالك في رواية أخرى: إنه لا يكون وصيا إلا فيما عينه.
وإذا أوصى لاقاربه أو عقبه لم يدخل أولاد البنات فيهم عند مالك، فإن أولاد البنات عنده ليسوا بعقب.
ويعطى الاقرب فالاقرب.
وقال أبو حنيفة: أقاربه ذوو رحمه، ولا يعطي ابن العم ولا ابن الخال.
وقال الشافعي: إذا قال لاقاربي: دخل كل قرابة وإن بعد، لا أصلا وفرعا وإذا قال لذريتي وعقبى: دخل أولاد البنات.
وقال أحمد في إحدى روايتيه: من كان يصله في حياته فيصرف إليه، وإلا فالوصية لاقاربه من جهة أبيه.
ولو أوصى لجيرانه.
فقال أبو حنيفة: هم الملاصقون.
وقال الشافعي: حد الجوار أربعون دارا من كل جانب.
وعن أحمد روايتان، أربعون، وثلاثون.
ولا حد لذلك عند مالك.

فصل: والوصية للميت عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد: باطلة وقال مالك بصحتها.
فإن كان عليه دين أو كفارة صرفت.
وإلا كانت لورثته.
ولو أوصى لرجل بألف
ولم يكن حاضرا إلا ألف وباقي ماله غائب، أو باقي ماله عقار أو دين، وشح الورثة وقالوا: لا ندفع إلى الموصى له إلا ثلث الالف.
فعند مالك: ليس لهم ذلك.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: له ثلث الالف.
ويكون بباقي حقه شريكا في جميع ما خلفه الموصي، يستوفي منه حقه.
فصل: وإذا وصى لغلام لم يبلغ الحلم، وكان يعقل ما يوصى له به، فوصيته جائزة عند مالك.
وقال أبو حنيفة: بعدم الجواز.
واختلف قول الشافعي.
فالاصح من مذهبه: أنها لا تصح.
وهو مذهب أحمد.
ولو اعتقل لسان المريض، فهل تصح وصيته بالاشارة أم لا؟ قال أبو حنيفة وأحمد: لا تصح.
وقال الشافعي: تصح.
والظاهر من مذهب مالك: جواز ذلك.
وإذا قبل الموصى إليه الوصية في حياة الموصي، لم يكن له عند أبي حنيفة ومالك أن يرجع بعد موته.
وقال أبو حنيفة: ولا في حياة الموصي، إلا أن يكون الموصي حاضرا.
وقال الشافعي وأحمد: له الرجوع على كل حال.
وعزل نفسه متى شاء.
قال النووي: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم عليه.
وإذا أوصى لحر بأبيه الرقيق، فقبل الوصية وهو مريض.
فيعتق عليه أبوه.
ثم مات الابن، فعند مالك والجمهور: أنه يرثه.
وقال الشافعي وأحمد: لا يرثه.
وإذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي، أو جملا من إبلي.
وكان رقيقه أو إبله عشرة، قال مالك: يعطى عشرهم بالقيمة.
وقال الشافعي: يعطيه الورثة ما يقع عليه اسم رأس، صغيرا كان أو كبيرا.
فصل: وإذا كتب وصية بخطه، ويعلم أنها بخطه، ولم يشهد فيها، فهل يحكم بها كما يحكم بها لو أشهد على نفسه بها؟ الثلاثة على أنه لا يحكم بها.
وقال أحمد: يحكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها.
ولو أوصى إلى رجلين وأطلق، فهل لاحدهما التصرف دون الآخر؟ قال الثلاثة: لا
تجوز مطلقا.
وقال أبو حنيفة: تجوز في ثمانية أشياء مخصوصة: شراء الكفن، وتجهيز الميت، وإطعام الصغار وكسوتهم، ورد وديعة بعينها، وقضاء دين، وإنقاذ وصية بعينها، وعتق عبد بعينه.
والخصومة في حقوق الميت.

واختلفوا هل يصح التزويج في مرض الموت؟ قال الثلاثة: يصح.
وقال مالك: لا يصح للمريض المخوف عليه: فإن تزوج وقع فاسدا، سواء دخل بها أو لم يدخل، ويكون الفسخ بالطلاق.
فإن برئ من المرص، فهل يصح ذلك النكاح أم يبطل؟ عنه في ذلك روايتان.
ولو كان له ثلاثة أولاد.
فأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم.
قال الثلاثة: له الربع.
وقال مالك: له الثلث.
ولو أوصى بجميع ماله، ولا وارث له.
قال أبو حنيفة: الوصية صحيحة.
وهي رواية عن أحمد.
وقال الشافعي ومالك، في رواية عنه، وأحمد في الرواية الاخرى: لا تصح.
إلا في الثلث.
ولو وهب، أو أعتق في مرضه، وعجز الثلث.
وقال الثلاثة: يتحاصان.
وقال الشافعي: يبدأ بالاول.
وهي رواية عن أحمد.
فصل: وهل يجوز للوصي أن يشتري شيئا لنفسه من مال اليتيم؟ قال أبو حنيفة: يجوز بزيادة على القيمة استحسانا.
فإن اشتراه بمثل قيمته لم يجز.
وقال مالك: له أن يشتريه بالقيمة.
وقال الشافعي: لا يجوز على الاطلاق.
وعن أحمد روايتان.
أشهرهما: عدم الجواز، والاخرى: إذا وكل غيره جاز.
وإذا ادعى الوصي دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه.
قال أبو حنيفة وأحمد: القول قول الوصي مع يمينه.
فيقبل قوله كما يقبل في تلف المال، وما يدعيه من الاتلاف يكون أمينا، وكذا الحكم في الاب والحاكم والشريك والمضارب.
وقال مالك والشافعي: لا
يقبل قول الوصي إلا ببينة.
فصل: والوصية للعامل صحيحة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد.
وللشافعي قولان أصحهما: الصحة.
ولو أوصى لمسجد.
قال مالك والشافعي وأحمد: تصح الوصية.
وقال أبو حنيفة: لا تصح، إلا أن يقول: ينفق عليه.
ولو أوصى لبني فلان لم يدخل إلا الذكور بالاتفاق.
ويكون بينهم بالسوية.
فصل: والوصي الغني، هل يجوز له أن يأكل من مال اليتيم عند الحاجة أم لا؟ فمذهب أبي حنيفة: لا يأكل بحال، لا قرضا ولا غيره.
وقال الشافعي وأحمد: يجوز له

أن يأكل بأقل الامرين من أجرة عمله وكفايته.
وقال مالك: إن كان غنيا فليستعفف، وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف بقدر نظره وأجرة عمله.
فائدة قال السبكي في الطبقات: ذكر القاضي شريح فيما إذا قال الموصي ما يدعي فلان فصدقوه قال الثقفي: يحتمل أن يصدق في الجميع.
وقال الزجاجي: هو إقرار لمجهول يعينه الوارث.
وقال العبادي: هذا أشبه بالحق.
ولابن الملقن في شرحه فروع.
الاول: أوصى لاعقل الناس في بلده، صرف إلى أزهدهم في الدنيا.
نص عليه.
فإن قلت: الاخذ من الوصية ينافي الزهد.
فالجواب: منع ذلك.
فإن الزهد ترك فضول الدنيا.
قال في الاحياء: والزهد ينقسم إلى فرض، وهو الزهد في الحرام، وإلى نفل.
وهو الزهد في الحلال.
وحكي بعضهم: أن الزهد لا يكون إلا في الحلال، وأنه لم يبق في أموال الدنيا حلال، فلا يتصور الزهد فيها اليوم.
وقال القاضي: وكذا لو أوصى لاكيس الناس.
الثاني: لو أوصى لاحمقهم.
فقد حكى الماوردي عن إبراهيم الحربي: أنه يصرف
إلى أهل التثليث من النصارى.
قال الماوردي: وعندي أنه يصرف إلى أسفه الناس، لان الحمق يرجع إلى العقل دون الاعتقاد.
الثالث: لو أوصى لابخل الناس.
قال القاضي حسين: يحتمل أن يصرفه لمن لا يعطى الزكاة، ويحتمل أن يصرف لمن لا يقري الضيف.
وأورد فيه حديثا، وهو أنه (ص) قال: برئ من الشح من أقرى الضيف، وأعطى الزكاة وأدى الامانة.
الرابع: لو أوصى لسيد الناس.
كان للخليفة، أو لاعلم الناس: كان مصروفا للفقهاء، لاطلاعهم على علوم الشريعة التي هي بأكثر العلوم متعلقة.
قاله كله الماوردي.
مسألة: لو أوصى لقوم فلان، أو لقوم صالحين.
ففي دخول النساء وجهان.
أحدهما: الدخول، لقوله تعالى: * (وكذب به قومك وهو الحق) * وعلى هذا: يدخل الخناثي في الوصية.
والثاني: لا يدخل النساء.
لقول الشاعر: وما أدرى، ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء؟

وعلى هذا.
فلا يدخل الخناثي في الصوية للقوم.
فائدة: لفظة المتكلم تطلق على من يعرف علم الكلام.
وهو أصول الدين.
وإنما قيل له: علم الكلام لان أول خلاف وقع في الدين: كان في كلام الله تعالى.
أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فتكلم الناس فيه.
فسمي هذا النوع من العلم كلاما اختص به وإن كانت العلوم جميعها تنشر بالكلام.
قاله السمعاني.
مسألة: قال الشيخ عز الدين في القواعد: اختلفوا في اشتراط العدالة في الامامة العظمى، لغلبة الفسوق على الولاة.
فلو شرطناها لتعطلت الامور.
ولما كان تصرف القضاة أعم من تصرف الاوصياء وأخص من تصرف الائمة.
اختلف في إلحاقهم بالائمة.
فمنهم من ألحقهم بالائمة، فلم يشترط عدالتهم ومنهم من
ألحقهم بالاوصياء فاشترطها.
المصطلح: ويشتمل على صور.
منها: صورة وصية.
ذكر أن الامام الاعظم أبا حنيفة النعمان بن ثابت أملاها على البديهة.
وهي مما ينبغي أن يعتني بها لكونها من إنشاء ذلك الامام الاعظم رحمه الله تعالى.
هكذا نقله في الفتاوي الظهيرية.
وصورتها بعد البسملة الشريفة: هذا ما أوصى به فلان بن فلان الفلاني، وشهوده به عارفون، في صحة عقله وثبوت فهمه ومرض جسمه، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل.
وهو الكبير المتعال، وأن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
مبتهلا إلى الله تعالى أن يتم عليه ذلك، ولا يسلبه ما وهب له فيه، وما أمتن به عليه، حتى يتوفاه إليه.
فإن له الملك وبيده الخير، وهو على كل شئ قدير.
أوصى هذا الموصي فلان ولده وأهله وقرابته وإخوته ومن أطاع أمره بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب * (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * وأوصاهم جميعا أن يتقوا الله حق تقاته، وأن يطيعوا الله في سرهم وعلانيتهم، في

قولهم وفعلهم، وأن يلتزموا طاعته، وأن ينتهوا عن معصيته، وأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وجميع ما أوصاهم به فلا غنى لهم عنه، ولا غنى لاحد عن طاعة الله، وعن التمسك بأمره.
أوصى هذا الموصي، المسمى عافاه الله تعالى، ولطف به، إلى فلان بن فلان الفلاني: أنه إذا نزل به حادث الموت، الذي كتبه على خلقه، وساوى فيه بين بريته، وصار إلى ربه الكريم، وهو يسأل خير ذلك المصير: أن يحتاط على تركته المخلفة عنه.
فيبدأ منها بمؤنة تجهيزه وتكفينه ومواراته في حفرته أسوة أمثاله.
، ثم يوفي ما عليه من الديون الشرعية المستقرة في ذمته، وهي التي أقر بها هذا الوصي المسمى بحضرة شهوده.
وأشهدهم عليها بها.
فمنها: ما أقربه أن عليه وفي ذمته بحق شرعي لفلان ابن فلان الفلاني كذا، ولفلان ابن فلان ابن فلان الفلاني كذا.
ومن ادعى غير من ذكرهم وسماهم عليه دينا.
وأثبته فيدفعه إليه، وأن يخرج عنه من ثلث ماله المخلف لفلان كذا ولفلان كذا، وإن كان يوصي بختمة أو بحجة.
فيذكرها أيضا، ثم ما بقي بعد وفاء دينه وتنفيذ وصاياه يقسم بين ورثته، وهم فلان وفلان، عى الفريضة الشرعية، وأن ينظر في أمر ولده الصغير فلان، ويحفظ له ما يخصه من تركته إلى بلوغه وإيناس رشده.
أوصى بذلك جميعه إليه، وعول فيما ذكره عليه، لعلمه بديانته وأمانته، وعدالته ونهضته وكفايته.
وجعل له أن يسنده إلى من شاء، ويوصي به إلى من أحب، وللمسند إليه من جهته مثل ذلك، وللموصى إليه من جهته مثل ما إليه، وصيا بعد وصي، ومسندا بعد مسند.
وقبل الوصي منه ذلك في مجلس الايصاء في وجه الموصي قبولا شرعيا.
وأشهدا عليهما بذلك.
ويؤرخ.
صورة وصية إلى رجل وناظر عنه.
هذا ما أوصى فلان إلى فلان - أو أسند فلان وصيته الشرعية - حذرا من هجوم المنية، واتباعا للسنة النبوية، حيث ندب إلى الوصية - إلى فلان في حال توعك جسده وصحة عقله، وحضور حسه وفهمه، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور: أن إذا نزل به حادث الموت الذي كتبه
الله على العبيد، وساوى فيه بين الصغير والكبير، والغني والفقير، والشقي والسعيد.
وأن يحتاط على تركته المخلفة بعده، أو المخلفة عنه - ويبدأ منها بمؤنة تجهيزه وتكفينه، ومواراته في حفرته، كأحسن ما يفعل بأمثاله على الاوضاع الشرعية، والسنة الشريفة النبوية، ثم يقضي ديونه الشرعية لتقر عينه، فإن نفس المؤمن بدينه مرهونة، وتنفيذ

وصاياه من ثلث ماله، لتكون مقبولة إن شاء الله تعالى، مع الصالح من أعماله.
ثم يقسم تركته على مستحقي إرثه شرعا.
ويراعي ما يعتبر فيه طريق الشرع.
ويرعى ويحفظ ما يختص بأولاده الصغار لديه، وهم فلان وفلان، ويجتهد في حفظه والاحتراز عليه ويتصرف لهم فيه بما فيه الحظ والمصلحة والغبطة، والنمو والزيادة.
عاملا في ذلك بتقوى الله، الذي له الحكم والارادة.
ويعامل له فيه بسائر المعاملات الجائزة المعتبرة الشرعية على القوانين المرعية، والوجوه السائغة المرضية، وينفق عليهم ويكسوهم من مالهم من غير إسراف ولا تقتير، مراقبا في ذلك كله السميع البصير.
فإذا بلغ كل منهم رشيدا مصلحا لدينه وماله.
سلم إليه ما فضل من ماله.
وأوصاه بحسن التصرف في ابتداء أمره، ومآله، وأشهد عليه بقبضه - وصية صحيحة شرعية.
أسندها إليه، وعول فيها عليه، لعلمه بديانته وأمانته، ونهضته وكفايته، وأذن له أن يسند وصيته هذه إلى من شاء من أهل الخير والديانة، والصدق والعفاف والامانة، إذنا شرعيا.
وقبل الموصى إليه ذلك منه قبولا شرعيا.
وجعل الموصي النظر في هذه الوصية لفلان، بحيث لا يتصرف الموصي المذكور في ذلك، ولا في شئ منه إلا بإذن الناظر المشار إليه، ومراجعته فيه ومشاورته ومشاركته وإطلاعه، إلا أن يسافر الناظر إلى فوق مسافة القصر.
فإن سافر أو مرض واشتغل بمرضه، كان للوصي التصرف من غير مشاركة إلى أن يعود من سفره قب الوصي والناظر منه ذلك قبولا شرعيا.
ورجع الموصي المذكور عن كل وصية كان أوصى بها قبل هذه الوصية.
وأخرج من كان أوصى إليه وعزله عما كان أوصى به إليه.
فلا وصية لاحد
سوى هذا الموصي المسمى أعلاه.
بنظر الناظر المشار إليه أعلاه.
ويكمل.
وصورة الوصية بتنفيذ الوصايا من الثلث، وما فضل من الثلث بعد تنفيذ الوصايا يشتري من عرضه ملكا، ويقفه وقفا صحيحا شرعيا على قارئين، وغير ذلك من جهات البر: يكتب الصور كما تقدم إلى قوله: وتنفيذ وصاياه من ثلث ماله وما فضل من الثلث بعد تنفيذ الوصايا يشتري من عرضه بمبلغ كذا مكانا ملكا، ويقفه وقفا صحيحا شرعيا على قارئين حافظين لكتاب الله تعالى، مجيدين للقراءة يجلسان صبيحة كل يوم بعد صلاة الصبح بالجامع الفلاني بالمكان الفلاني، منه ويقرآن مجتمعين جزءا من القرآن.
فإذا ختما قراءة الجزء الشريف يهديان ثواب القراءة الشريفة للموصي المذكور ولجميع المسلمين.
وأن يشرط البداءة من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه.
وما فضل بعد ذلك يصرف إلى القارئين المذكورين بينهما بالسوية.
وأن يكون مآله عند انقطاع سبله، وتعذر جهاته: إلى الفقراء والمساكين من أمة محمد (ص)، وأن يكون النظر في ذلك

للوصي المذكور، ثم للارشد فالارشد من أولاده، ثم لاولادهم، ثم لاولاد أولادهم، ثم لنسلهم وعقبهم، ثم لحاكم المسلمين.
وما فضل من الثلث بعد ذلك: ابتاع به الوصي قمصا جددا بيضا، وتصدق بها على الفقراء من أرباب البيوت المستورين الذي لا يعرفون بالسؤال.
ثم يقسم الوصي المذكور بإذن الناظر الثلثين الباقيين من التركة، بعد صرف الثلث الموصي بصرفه، بين ورثته المستحقين لميراثه، المستوعبين لجميعه.
وهم زوجته فلانة، وأولاده منها ومن غيرها فلان وفلان وفلان.
فمن كان منهم بالغا رشيدا حفظ ماله تحت يده، وتصرف له فيه بتقوى الله تعالى.
ويكمل على نحو ما سبق.
وإن كان لم يجعل عليه في ذلك ناظر.
كتب - بعد قوله: وصية صحيحة شرعية،
أسندها إليه، وعول فيها عليه ولم يجعل عليه في ذلك ناظرا ولا مشاركا ولا أمينا، لعلمه بديانته، ووثوقه بأمانته ومعرفته بنهوضه وكفايته.
وإن كان القبول من الوصي قبل الموت ذكره.
وأثبت كتاب الوصية عند حنفي، أو مالكي، أو حنبلي.
وإن كان القبول بعد الموت فقد ارتفع الخلاف، فيثبته عند أحد القضاة لا بعينه.
وإن كان قد أوصى أن يقف عنه مكانا معينا من أملاكه المخلفة عنه كتب: أوصى فلان إلى فلان أن يقف عنه بعد وفاته إلى رحمة الله تعالى جميع المكان الفلاني الذي أنشأه المعروف به - ويصفه ويحدده - بحقوقه كلها، وقفا صحيحا شرعيا، بعد اعتبار قيمة الموقوف المعين، ومعرفة قيمته، وأنها لا تبلغ مقدار الثلث من تركته.
على أنه يبدأ أولا من ريعه بعمارته وإصلاحه وترميمه.
وما فضل بعد ذلك يصرف إلى الجهة الفلانية، أو إلى الفقراء والمساكين.
وجعل له أن يشترط في هذا الوقف كذا وكذا.
وحصل له النظر في ذلك، وأن يفوضه إلى من يراه ويسنده، إلى من شاء.
والمسند إليه كذلك، وصيا بعد وصي.
ويكمل على نحو ما سبق.
وصورة وصية المقتول في حال جراحته: أوصى فلان المقتول المجروح جراحات جائفة، لا يمكن البرء منها، إلى فلان، طائعا مختارا في صحة عقله وفهمه، ووجود الجراحات برأسه وجسده، متلفظا بالشهادتين، موقنا بالموت والبعث والنشور عالما أنه لا مفر من قضاء الله المقدور: أنه إذا نزل به حادث الموت المحتوم الذي حكم به على سائر البرية الحي القيوم: أن يحتاط على موجوده - ثم يذكر جميع ما وصى به - ويكمل على نحو ما تقدم.

وهذه الوصية صحيحة عند مالك، وفي إحدى الروايتين عن أحمد وفي أحد الاقوال الثلاثة عن الشافعي على الاطلاق، باطلة عند أبي حنيفة.
وصورة الوصية من الحر للعبد، سواء كان عبد الوصي، أو عبد غيره، على مذهب مالك وأحمد: أوصى فلان إلى عبده فلان، الرجل الكامل، المعترف لسيده المذكور بالرق والعبودية - أو إلى فلان بن عبد الله - الرجل الكامل، رقيق فلان باعترافه بذلك لشهوده.
ويسوق ألفاظ الوصية على نحو ما تقدم.
وهذ الوصية عند أبي حنيفة صحيحة إلى عبد نفسه، بشرط أن لا يكون أولاده كبارا.
وباطلة عند الشافعي في الحالتين.
وإن كان قد أوصى إلى فاسق، مثل صاحب مكس.
فعند أبي حنيفة: إذا كان أوصى فاسقا، ولم يخرجه الحاكم من الوصية.
نفذ تصرفه.
وفي الرواية الثانية عن أحمد: أنها تصح، ويضم الحاكم إليه أمينا، وهي اختيار الخرقي.
فيرفع وصيته إلى حاكم حنبلي يرى العمل بالرواية الاخرى، ويحكم بموجبها، مع العلم بالخلاف.
وصورة الوصية إلى الصبي المميز: أوصى فلان إلى فلان الصبي المميز - ويجري الوصية إلى آخرها بشروطها - وهذه الوصية صيحيحة عند مالك وأحمد.
وفي أحد القولين للشافعي.
وباطلة عند أبي حنيفة.
وفي القول الآخر عن الشافعي، فيرفع إلى حاكم يرى صحتها ليثبتها ويحكم بالموجب، مع العلم بالخلاف.
وصورة وصية الصبي إلى آخر فيما هو وصى فيه، إن كان الموصي الاول جعل له ذلك: أوصى فلان إلى فلان الوصي على أيتام فلان الذي أوصى إليه من قبل تاريخه الوصية الشرعية، وجعل له أن يوصي بها، ويسندها إلى من أراد، بمقتضى كتاب الوصية، المحضر من يده، المتضمن لذلك، وغيره المؤرخ بكذا، الثابت مضمونه لدى الحاكم الفلاني، المؤرخ ثبوته بكذا.
وإن كان قد أوصى إليه رجل، ولم يجعل له أن يوصي، فأوصى هو بتلك الوصية، فيكتب الوصية إلى آخر.
ولا يتعرض إلى ذكر أنه جعل له أن يوصي، ويثبت عند القاضي الحنفي، ويحكم بموجبه، مع العلم بالخلاف.

وصورتها: أوصى فلان إلى فلان فيما هو وصى فيه - أو بما وصى فيه عن فلان، أو أسند فلان إلى فلان، وصية فلان المسندة إليه على أولاده لصلبه بمقتضى كتاب الوصية الذي من مضمونه: أنه أوصى إليه في كذا وكذا.
المؤرخ بكذا الثابت، مع قبوله إياها بمجلس الحكم العزيز الفلاني، الثبوت الشرعي أن يحتاط على ما هو تحت يده من تركة فلان المذكور أعلاه لاولاده الصغار فلان وفلان، من عين ودين وقماش وأثاث ورقيق وحيوان وصامت وناطق وغير ذلك، مما هو مفروز معين، معزول عن ملك نفسه، مضبوط محرر بأوراق مشمولة بخطوط العدول المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني.
وأن يتسلم ذلك جميعه وينقله إلى تحت يده، وينظر للايتام المذكورين فيه، ويتصرف لهم بسائر التصرفات الشرعية، على القوانين المعتبرة المرضية، بما فيه الحظ والمصلحة والغبطة لهم، من البيع والشراء والاخذ والعطاء - ويذكر الكسوة والنفقة عليهم حسبما أوصى إليه والدهم - ويكمل.
وقد تقدم أن هذه الوصية صحيحة عند أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، سواء كان قد أذن له أن يوصي إلى معين أو إلى غير معين.
وهي صحيحة أيضا عند مالك، إذا أطلق ولم ينهه عن الوصية، أو كان قد أذن له أن يوصي، خلافا لاحد قولي الشافعي، وأظهر الروايتين عن أحمد.
وصورة الوصية لمسجد بني فلان: أوصى فلان لمسجد بني فلان - ويصفه ويحدده - بكذا وكذا، وصية صحيحة شرعية.
وهذه الوصية صحيحة عند الثلاثة، خلافا لابي حنيفة.
وإن قال الوصي: أوصيت إلى مسجد بني فلان بكذا، يصرف ذلك في مصالحه.
وقد ارتفع الخلاف وزال الاشكال.
وتكون الوصية أيضا صحيحة عند أبي حنيفة.
وصورة الوصية لبني فلان، وهي تتناول الذكور دون الاناث بالاتفاق: أوصى فلان لبني فلان بجميع الثلث من ماله المخلف تركة عند بعد وفاء ديونه، وصرف مؤنة تجهيزه وتكفينه ومواراته في حفرته، يصرف على الموصي لهم الذكور دون الاناث، بينهم على مقتضى الشريعة المطهرة المقتضية التسوية، وصية صحيحة شرعية.
ويكمل على نحو ما سبق.
وكذلك إذا أوصى لولد فلان.
فإنه يتناول الذكور والاناث بينهم بالسوية.
وصورة إسناد نظر من ناظر شرعي:

أشهد عليه فلان - وهو الناظر الشرعي - في الاماكن الآتي ذكرها، وفي أمر الاماكن الموقوفة عليها، وله ولاية الاسناد في ذلك شرعا شهوده، إشهادا شرعيا: أنه أسند النظر في أمر كذا وكذا - وتوصف الاماكن وتحدد - وفي أمر ما هو موقوف على ذلك بالبلاد الفلانية وأعمالها، وفي جميع ماله فيه النظر شرعا، إلى فلان الفلاني، إسنادا صحيحا شرعيا، وفوض إليه النظر في ذلك كله تفويضا صحيحا شرعيا استفاد به التصرف في ذلك.
وفي أوقافه المشار إليها.
وفي جميع ما للمسند المشار إليه النظر فيه شرعا، بسائر التصرفات الشرعية على ما مقتضى شرط الواقف رحمه الله تعالى، بحكم النظر الصحيح الشرعي المسند إليه من المسند.
وصارت الاماكن المذكورة كلها بحكم هذا الاسناد: جارية تحت نظر المسند إليه يتصرف في ذلك تصرف النظار التصرفات الشرعية بالوجوه الجائزة شرعا، الموافقة لشرط الواقف المذكور.
واستقر له من المعلوم على ذلك جميعه ما كان مستقرا للمسند المشار إليه، أسوة من تقدمه من النظار على ذلك.
وجعل المسند
المشار إليه، للمسند إليه المذكور: أن يسند ذلك إلى من شاء، ويفوضه إلى من يرى، ويستنيب فيه من أراد، على الوجه الشرعي السائغ في مثله، حسبما هو مجعول له، ولمن يؤول النظر إليه من الواقف المشار إليه، ناظرا بعد ناظر.
قبل ذلك منه قبولا شرعيا.
ويؤرخ.
وصورة وصية.
وصدرها يصلح أن يكتب عن صالح زاهد متدين: أوصى العبد الفقير إلى ربه، المعترف بذنبه، المبتهل في العفو إليه، الواثق بصفحه عنه عند القدوم عليه، والعرض بين يديه، الحسن الظن بأفعاله، المعول على جوده، المعتمد على كرمه وسعة رحمته وجزيل إفضاله، الآمل فيض عطائه ورضوانه، الراجي تجاوزه عن سيئاته بغفرانه - في حال كذا - اقتداء بأفعال أولي العزم، ومبالغة في الاحتياط والحزم، واعتمادا على ما ورد في الخبر عن سيد البشر، من الندب إلى الوصية والحث عليها.
إذ كانت من مؤكدات الشريعة، والاحكام النافذة الرفيعة أوصى الموصي المذكور، وهو يشهد بما شهد الله به لنفسه والملائكة وأولو العلم من خلقه: أنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، القاضي على خلقه بالفناء المحتوم، شهادة بريئة من أسباب النفاق، موقوفة على الاخلاص والاتفاق وأن الدين عند الله الاسلام، وأن محمدا عبده ورسوله الذي أمر بالوصية، وحث عليها وشرعها لامته وندب إليها.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه نجوم الظلام وهداة المهتدين إلى تقرير أحكام شرائع الاسلام، صلاة دائمة على ممر الدهور والاعوام.
أوصى هذا الموصي المشار إليه - أطلع الله من بروج معرفته كواكب العناية، ونشر

له في رياض حضرته أعلام الولاية، وأظهره على خفايا الاسرار، وكشف له عن حقائق الآخرة.
وهو في هذه الدار - أنه متى وافاه حمامه، وانقضت أعوامه، وشهوره وأيامه، ودنا إلى الآخرة رحيله، وانقطع من الحياة رجاؤه وتأميله، ولحق من سلف من القرون
ومضى، ونفذ أجله وانقضى، وسلك سبيلا يتساوى فيه الشريف والمشروف.
وصار أمن كل واحد عليه موقوف.
وأسند الوصية إلى فلان.
ويكمل ويؤرخ.
وصورة وصية نصراني لمسلم، وفيها يقدم اسم المسلم على النصراني: هذه وصية لفلان المسلم من فلان النصراني، عند ما سأله في ذلك.
أوصى إليه وهو في صحة عقله ومرض جسمه، وجواز أمره، وهو داخل تحت ملته ودينه، مقر بمذهبه ومعتقده ومعبوده على قدر يقينه، جائز التصرف في أمواله على عادة أمثاله.
وتحت ظلال هذه الدولة الشريفة.
راتع في ظلال عدلها الوريفة، أنه متى هلك، وعجل الله بروحه إلى حيث أراد.
فليبدأ فلان الموصي لاحتياط على جميع موروثه المخلف عند يوم ذاك.
ويكمل على نحو ما سبق.
فصل: في الشهادة بعدالة الوصي: إذا مات الموصي واحتيج إلى ثوبت الوصية، يكتب في هامشها: يشهد من يضع خطه فيه بمعرفة فلان الموصي إليه المعرفة الشرعية، ويشهدون مع ذلك أنه عدل أمين كاف للتصرف، أهل لما أسند إليه من الايصاء المشروع فيه.
وأن ضمنه الوفاء والقبول كتب، وبقبول لذلك بعد وفاة الموصي المذكور القبول الشرعي.
ويؤرخ.
وصورة ما إذا عزل الوصي وصية، وأقام غيره: حضر إلى شهوده في يوم تاريخه، فلان، وأشهد عليه: أنه عزل فلانا عن وصيته التي كان أسندها وفوضها إليه من قبل تاريخه، عزلا شرعيا.
ورجع عن ذلك في حقه رجوعا شرعيا.
وأبطل ما كان جعله له من ذلك، وأخرجه منه، وأنه أسند وصيته المذكورة لفلان.
وجعله وصيا عنه في ذلك كله.
وأقامه مقام نفسه.
وأشهد عليه بذلك.
وإن كان مكتوب الوصية حاضرا.
كتب هذا الفصل في هامشه.
فائدة: أوصى للعلماء، أو لاهل العلم: صرف للعلماء بالشرع دون غيرهم، وهم أهل التفسير والحديث والفقه.
ولا يدخل فيه الذين يسمعون الحديث، ولا علم لهم بطرقه
وأسماء الرجال والمتون.
فإن السماع المجرد ليس بعلم.
ولا يدخل أيضا المقرئون، ومعبرو الرؤيا، والادباء، والاطباء، والمنجمون، والحساب والمهندسون والمتكلمون.

وإن أوصى للفقهاء أو المتفقهة، أو للصوفية: صرف إلى من حصل من الفقه شيئا، وإن قل.
والمتفقهة هم المشتغلون بتحصيل الفقه المبتدئ والمنتهي على خلاف فيه.
والصوفية المشتغلون بالعبادة في غالب الاوقات، المعرضون عن الدنيا.
ولو أوصى لاجهل الناس صرف إلى عبده الاوثان.
فإن قال: من المسلمين صرف إلى من يسب الصحابة.
رضي الله عنهم أجمعين.
ضابط: إذا توفي الوصي، وقبل الموصي الوصية، وثبت على حاكم الشريعة المطهرة، ما يعتبر ثبوته فيها بالطريق الشرعي، واحتيج إلى الحوطة على تركة المتوفى بحضور شاهدي الوصية.
أو غيرهما - كتب في أول قائمة أوراق عرض الموجود المخلف عن فلان المتوفى إلى رحمة الله تعالى قبل تاريخه، المنحصر إرثه الشرعي في زوجته فلانة وأولاده منها - أو من غيرها، أو منها ومن غيرها - فلان وفلان وفلان، ويميز البالغ بالبلوغ، ويميز القاصر عن درجة البلوغ الداخل تحت وصية فلان المسند إليه من أبيه المذكور مما عرض ذلك، بحضور فلان الوصي على التركة والايتام المذكورين، وحضور من سيضع خطه بظاهره من العدول المندوبين لذلك من مجلس الحكم العزيز الفلاني في تاريخ كذا.
ويكتب في الهامش الايمن: النقد كذا، والقماش كذا.
ويفصل النقد: هرجه، وأفلوريه، وأشرفية، وفضة، ما يوزن بوزنه، وما يعد بعدته.
ويفصل القماش قطعة قطعة، ويذكر نوعها وصفتها، ثم يكتب الكتب، ويصفها بأسمائها وعدة أجزائها، ثم السلاح، ثم العقار، ثم مساطير الديون، ويضمن هذه الاوراق ذكر جميع الموجود والمخلف، وينبه على ما يدخل تحت الختم منه وما لم يدخل - فإذا انتهى ذلك جميعه
سد القوائم، وذكر عدتها في رسم شهادته، كيلا تسقط قائمة أو تسرق، ويشبك القوائم ويكتب شهود العرض بظاهر أول قائمة حضرت ذلك، والامر على ما نص وشرح فيه.
وعدة هذه القوائم كذا وكذا قائمة.
كتبه فلان الفلاني.
ثم توضع هذه القوائم في خزانة أو حاصل، ويقف عليها بقفل ويختم، ويعطى الختم للوصي، أو يجعل عند الشهود.
فإذا أرادوا المبيع حضر الوصي والشهود وغير المحجور عليه من الورثة أو وكيله، ويفتح الحاصل ويخرج ما فيه، ويباع كل شئ في سوقه بحضرة الشهود.
كتابة أوراق المبيع: أن يكتب الشاهد في رأس القائمة: المبيع من تركة فلان، المتوفى إلى رحمة الله تعالى قبل تاريخه - ويستوفي ذكر جميع ما في أوراق العرض إلى

أن ينتهي من ذكر الورثة - ثم يقول: مما تولى بيع ذلك فلان الوصي الشرعي على التركة المذكورة، فلان الوارث، أو وكيله الشرعي، بحضرة شهوده، دلالة فلان، وصرف فلان بالسوق الفلاني، في تاريخ كذا - ثم يكتب القماش أولا قطعة قطعة، أو غيره بحسب ذلك السوق.
فإن كان فيه سلاح بدأ بالسلاح.
وكلما بيعت قطعة كتب ثمنها مقابلها في الهامش الايسر، واسم مشتريها في الوسط بين الهامشين، والدلال تحت اسم المشتري، وشطب عليها في أوراق العرض، إلى أن ينتهي ذلك السوق يجمل ثمن المبيع، ويصرف من ذلك ما ينبغي صرفه.
مثل دلالة كذا، أو أجرة حانوت كذا، من عمالة الشهود كذا، إلى أن ينتهي المصروف، ويبرز الباقي.
فإن تسلمه الوصي كتب: مما تسلم ذلك الوصي المذكور.
وإن استمر في جهة أربابه كتب: مما هو مستقر في جهة أربابه، وعلى الصيرفي المذكور استخراجه.
وإن كان تحت يد الصيرفي، كتب: مما استقر حاصل الصيرفي المذكور.
وهكذا إلى أن ينتهي المبيع بأسواقه، ويكتب الشاهد بمبيع كل سوق مخزومة.
وإن كان المبيع في سوق واحد فلمبيع كل يوم مخزومة، ويشملها هو ورفيقه بخطهما.
وتسلم للوصي، حتى يطمئن قلبه.
وصورة ما يكتب في المخزومة: مخزومة مباركة بما بيع من تركة فلان بمباشرة وصية فلان وزوجته فلانة، أو وكيلها الشرعي فلان، بالسو الفلاني، صرف فلان مما تسلم ذلك الوصي المذكور، أو مما استقر حاصل الصيرفي المذكور في تاريخ كذا وكذا، مبلغ كذا وكذا، المصروف من ذلك كذا، البارز كذا.
فإذا تكملت الاسواق بالبيع، ولم يبق شئ من الموجود.
كتب جامعة بجميع الاسواق.
وصورتها: جامعة مباركة، تشتمل على جميع ما تحصل من ثمن الموجود المخلف عن فلان.
المتوفى إلى رحمة الله تعالى قبل تاريخه، المنحصر إرثه الشرعي في زوجته فلانة وأولاده منها، أو من غيرها، فلان وفلان وفلان - كما تقدم مما تولى بيع ذلك وقبض ثمنه وصية الشرعي فلان وزوجته المذكورة، أو وكيلها فلان، مما حرر ذلك مخصوما مساقا، مضافا إلى ذلك ما يجب إضافته من استقبال يوم كذا وإلى كذا، بحضور من سيضع خطه بظاهره من العدول.
صرف فلان الفلاني بتاريخ كذا وكذا - ويفصل الاسواق كل سوق ببيعه وجملته ومصروفه وبارزه، مستدلا على ذلك من المخازيم.
وإن شاء كتب ثمن المبيع جملة واحدة وكتب المصروف جملة واحدة - ويكتب البارز بعد ذلك للقسمة كذا وكذا.
ثم يقسم بين الورثة على قدر حصصهم بالفريضة الشرعية.

ويتسلم الوصي حصص محاجيره، ثم يكتب بعد ذلك فرض الحاكم المحجور في ماله مطلقا.
وسيأتي في صورة الفرض في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى.
وإذا أراد المشترون أوراقا بالذي اشتروه من التركة ليقبضوا ثمنه: كتب لكل واحد ورقة.
صورتها: من جهة فلان الفلاني.
ثمن ما ابتاعه من تركة فلان بمباشرة وصيه فلان بالسوق الفلاني كذا وكذا - ويفصل ثم كذا كذا وكذا، وثمن كذا كذا وكذا، إلى أن يأتي بالتفصيل على الجملة بالمطابقة والصحة - ثم يقول: صرف فلان، أو جباية فلان.
ويؤرخ.
ويكتب الوصي علامته في أعلى الطرة، أو اسمه والشهود إلى جانبه.
فإذا قبض الصيرفي: أشهد عليه في ظاهر الوصول بالقبض، ويعطيه للمشتري،.
والله أعلم.

كتاب الوديعة وما يتعلق بها من الاحكام الوديعة مشتقة من السكون فكأنها عند المودع ساكنة مستقرة.
وقيل: إنها مشتقة من الدعة، فكأنها في دعة عند المودع والاصل في الوديعة: الكتاب، والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) * وقوله تعالى: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * وقوله تعالى: * (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) * فدل على أن للامانة أصل في الشرع.
وأما السنة: فما روي أن النبي (ص) قال: أد الامانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك أي لا تقابله بخيانة.
وروي أن النبي (ص) كانت عنده ودائع بمكة، فلما أراد أن يهاجر تركها عند أم أيمن.
وخلف عليا ليردها على أهلها.
وأما الاجماع: فإن الامة أجمعت على جواز الايداع.
والناس في قبول الوديعة على ثلاث أضرب.
ضرب: يعلم من نفسه القدرة على حفظها، ويأمن من نفسه الخيانة فيها، ولا
يخاف التلف عليها إن لم يقبلها.
فهذا يستحب له قبولها، لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * ولا

يجب عليها قبولها لانه لا ضرورة به إلى ذلك.
وضرب: يجب عليه قبولها، وهو أن يأتي رجل بمال ليودعه في مكان عند رجل، وليس هناك من يصلح لحفظها إلا هو.
ويعلم أنه إن لم يقبل ذلك منه هلك المال.
فيجب عليه القبول، لقوله عليه الصلاة والسلام: حرمة مال المؤمن كحرمة دمه ولو خاف على دمه، وقدر على الدفع عنه، ولوجب عليه ذلك.
وكذلك ماله.
فإن لم يقبلها أثم، لما ذكرناه.
ولا يضمن المال إذا تلف، لانه لم يوجد منه تعد، فهو كما لو قدر على الدفع عن نفس غيره ولم يدفع عنه حتى قتل.
وضرب: يكره له قبولها، وهو من يعلم من حال نفسه العجز عن حفظ الوديعة، أو لا يأمن من نفسه الخيانة، فلا يغرر بمال غيره، ويعرض نفسه للضمان.
فإن قبلها لم يجب عليه الضمان إلا بالتعدي.
ويعتبر في المودع والمودع ما يعتبر في الموكل والوكيل.
ولا بد من صيغة من المودع بأن يقول: استودعتك هذا المال، أو استحفظتك إياه، أو استنبتك في حفظه.
والاظهر: أنه لا يعتبر القبول باللفظ، ويكفي القبض ولو أودعه صبي أو مجنون مالا لم يقبله.
فإن قبل ضمن.
ولو أودع مالا عند صبي، فتلف عنده لم يضمنه.
ولو أتلفه، فالاظهر: أنه يضمن، والسفيه كالصبي في إيداعه.
وترتفع الوديعة بموت المودع والمودع، وبالجنون والاغماء.
وللمودع أن يستردها متى شاء.
وللمودع كذلك.
والاصل في الوديعة: الامانة.
وقد تصير مضمونة بعوارض.
منها: أن يودع غيره بغير إذن المالك من غير عذر.
فيضمن.
ومنها: إذا أودع القاضي على وجه أنه لا يضمن.
وإذا لم تزل يده عن الوديعة فلا بأس بالاستعانة بغيره، بأن يدفعها إليه ليحملها إلى الحرز، أو ليضعها في الخزانة المشتركة بينهما.
وإذا أراد سفرا فليردها إلى المودع أو وكيله.
فإن لم يظفر بهما دفعها إلى القاضي.
فإن لم يجده فإلى أمين.
فإن دفنها في موضع وسافر ضمن، إلا أن يعلم بها أمين يسكن ذلك الموضع، فلا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7