كتاب : نثر الدر
المؤلف : الآبي

وكواكب الدب الأكبر سبع وعشرون من الصورة وثمانية حوالي الصورة، والعرب تسمى الأربعة النيرة على مربع نعش سرير بنات نعش والثلاثة التي على الذنب بنات نعش الكبرى. وبني نعش وآل نعش وتسمى الذي على أصل الذنب الجوز، والتي على وسطه العناق والذي على طرفه القايد وفوق العناق كوكب صغير يلاصق له يسمى السها والستا وهو الذي يمتحن به أبصارهم ويسمى الصيدق ونعيشا وفي أمثالهم " أريها السها وتريني القمر " . وتسمى الستة التي على الأقدام الثلاثة على كل قدم منها اثنان في قدر واحد، على ثلاثة من أقدام الدب، على رجله اليمنى، كوكبان تسمى قفزات الظباء، كل اثنين منها قفزة تشبه أثر ظلفى الظبي، والقفزة الأولى وهي التي على الرجل اليمنى من الصورة تتبعها الصرفة وهو الكوكب النير الذي على ذنب الأسد، والضفيرة وهي الكواكب المجتمعة التي فوق الصرفة وهي التي تسميها العرب الهلبة، وبين الهلبة وبين القفزة الأولى من البعد مثل البعد ما بين كل قفزتين. تقول العرب: " ضرب الأسد بذنبه الأرض فقفزت الظباء " . وتسمى أيضاً الثعيليات والقرائن. ويسمون الكواكب السبعة التي على العنق الصورة وصدرها، وهي كأنها نصف دائرة، تسمى سرير نبات النعش، والحوض والكواكب التي على الحاجب والعينين والأذن والحطم يسمى الظباء، يقولون: إن الظباء لما قفزت وردت الحوض.
وفي الجملة الثانية الخارجة من الصورة كوكب تسمى: كبد الأسد وفيها أيضاً كوكبان يسميان مع كواكب خفية كثيرة أولاد الظباء وأكثر كواكب هذه الصورة في السرطان غير الثلاثة التي على الذنب فإن اثنين منهما في الأسد، والثالث الذي على طرف الذنب في الأسد.
كوكبة التنين وكواكبه أحد وثلاثون كوكباً كلها حزاء الصورة وعلى طرف لسانه كوكب تسميه العرب، : الراقص وعلى رأسه أربعة تسميه العوائد، وفي وسط العوائد كوكب صغير جداً يسمى الربع، وبين العوائد وبين الفرقدين كوكبان نيران يسميان الذئبين والجرين، والعوهقين، وفي أصل الذنب كوكب يسمى الذبح وقبلهما كوكبان خفيان يسميان أظفار الذئب، وقد وقعت العوائد بين الذئبين وبين النسر الواقع فشبهت العرب النيرين، بذئبين والراقص في العقرب واثنان من العوائد في العقرب، واثنان في القوس واحد من الأثافي في الحمل واثنان في الثور والذنبان والذيخ في السنبلة والأظفار في الأسد قد طمعا في استلاب الربع وشبهت العوائد بأربع أينق قد عطفن على الربع، والنسر أيضاً يحامي عليه، وعلى وسط الصورة ثلاثة كواكب تسمى الأثافي كواكب تسمى الأثافي وهو الملتهب.
كوكبة قيقاوس وهو الملتهب كواكبه أحد عشر من الصورة واثنان من خارج الصورة وعلى جنبه الأيمن كوكب وعلى منكبه الأيسر اختلفت الروايات عن العرب فذكر بعضهم أنها تسميها كوكبى الفرق. وذكر آخرون أنهما كوكبي القرن، وأن هناك رأس ثور، وهذان الكوكبان على قرنيه وليس هناك شيء من ذلك، وإنما وجدوا الكوكب الذي بين هذين الكوكبين. وقد سمته العرب الفرجة وموقعه بين الكوكبين كموقع الفرجة من أذني الدابة وقرني الثور، فصحفوا الفرق وجعلوه قرنا وذلك غلط منهم لأنهم سموها كوكبي الفرق لافتراقهما والفرجة هو كوكب على صدر الصورة، وعلى مرفقه الأيمن كوكبان وهي على دائرة واسعة من كواكب بين كوكبي الفرق وبين الثلاثة التي على طرف الجناح الأيمن من صورة الدجاجة وتسمى هذه الدائرة، القدر، وبين فخذيه ورجليه كواكب كثيرة تسمى الشتاء وتسمى الأغنام أيضاً وهذه الكواكب في الثور والحمل والحوت.

كوكبة العواء ويسمى الصياح والنقار وحارس الشمال: كواكبه اثنان وعشرون كوكباً من الصورة، وواحد خارج الصورة، وهو صورة رجل بيده اليمنى عصا فيما بين كواكب الفكة وبين بنات نعش الكبرى، فأما الكوكب الواحد الخارج من الصورة فهو بين فخذيه وتسميه العرب السماك الرامح وإنما سموه رامحاً لأنها شبهت الكوكبين، أحدهما أعلى فخذ الصورة والآخر على ساقه رمح له، وشبهت كوكبين متقاربين على منطقة الصورة بعذبة الرمح من هذا الطرف، وكوكبين آخرين بعذبة الطرف الآخر سموا الطرف الذي على الفخذ تابع الشمال، وراية الشمال وراية الفكة، ويسمى السماك منفرداً: حارس السماء أيضاً لأنه يرى أبداً في السماء لا يغيب تحت شعاع الشمس، وكذلك حكم سائر الكواكب التي لها عرض كبير في الشمال، على رأس الصورة ومنكبيه والعصا، كواكب يسميها العرب، الضباع، وعلى اليد اليسرى وما حولها كواكب خفية يسمونها أولاد الضباع وحول السماك كواكب خفية يسمونها: السلاح، وقد يسمى الذي على الساق اليسرى مفرداً: الرمح، والاثنان اللذان معه السلاح وأكثر العرب جعلوا السماكين ساقي الأسد، وجعلوا الرامح على ساقه اليمنى وهذه الكواكب في السنبلة. والميزان.
كوكبه الإكليل الشمالي وهي الفكة وكواكبها ثمانية على استدارة خلف عصا الصياح وتسميها العرب الفكة وفي استدارتها ثلمة تسميها العامة: قصعة المساكين وفيها كوكب نير تسمى المنير من الفكة وهي في الميزان والعقرب.
وكوكبة الجاثي على ركبتيه ويسمى: الراقص أيضاً، وهو صورة رجل قد مد يديه، وكواكبه ثمانية وعشرون سوى كوكب على طرف رجله اليمنى، فإنه مشترك بينه وبين طرف عصا الصياح وعلى يديه كواكب تسميها العرب مع كواكب أخر من كوكبة الشلياق وهي مصطفة معها النسق الشامي وعلى رأسه كوكب تسميه كلب الراعي وعلى مسافة كوكب تسميه النسق مفرداً وحوالي النسق كواكب تسمى الثماثيل وفي هذه الصورة أيضاً كواكب من جملة الكواكب التي تسمى الضباع وهذه الكواكب في القوس، والميزان.
كوكبة الشلياق ويسمى أيضاً اللوزا والصبح والمعرفة والسلحفاة وكواكبه عشرة، النير منها هو، النسر الواقع، شبهته العرب بنسر قد ضم جناحية إلى نفسه كأنهما قد وقعا، والجناحان هما اللذان مع هذا النير على مثلث والعامة تسميه: الأثافي، وقدام النير كواكب خضبة يسمونها الأظفار ويسمون النسر الواقع مع قلب العقرب الهراربن لأنهما يطلعان معاً في كثير من العروض وهي في الجدي.
كوكبه الطائر وهو الدجاجة كواكبه سبعة عشر كوكباً من الصورة، واثنان من خارج الصورة وأكثر كواكبه في المجرة، وفي الصورة أربعة كواكب مصطفة قد قطعت المجرة عرضاً تسميها العرب الفوارس شبهوها بأربعة فوارس يتسايرون، على ذنبه كوكب منير تسميه ردفاً كأنه ردف للفوارس، بعضها في الجدي وأكثرها في الدلو.
كوكبة ذات الكرسي وهي صورة امرأة قاعدة على كرسي وهي في نفس المجرة وكواكبها ثلاثة عشرة كوكباً، والعرب تسمى النيرة منها الكف الخضيب، وهي كف الثريا اليمنى المبسوطة، وذلك أنه يمتد من عند الثريا سطر من كواكب فيه تقويس فيمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، ويتصل بهذه الكواكب النيرة، فشبهت العرب السطر بيد ممدودة للثريا، وشبهت هذه الكواكب النيرة بأنامل مخضوبة وأحدها يرسم على الاسطرلاب وتسمى: الكف الخضيب، وتسمى أيضاً سنام الناقة، لأن هناك كواكب تشبه صورة ناقة، ولطخة سحابية على ممسك رأس الغول جعلوها موضع السمة على فخذ الناقة وهي في الحمل والثور.

كوكبة برشاوش وهو حامل رأس الغول، وهو صورة رجل قائم على رجله اليسرى وقد رفع رجله اليمنى ويده اليمنى فوق رأسه، وبيده اليسرى رأس غول، وكواكبه كلها فيما بين الثريا وبين كوكبة ذات الكرسي، وهي ستة وعشرون كوكباً من الصورة، وثلاثة حوالي الصورة، يمتد من عند اللطخة التي على يديه اليمنى، سطر يمر على كواكب كثيرة حتى ينتهي إلى كوكبين على قدمه قريبين من الثريا، شبهت العرب جميعها مع كوكبة ذات الكراسي التي على ظهر الناقة بيد الثريا، ممدودة فسمت النيرة التي على ظهر الناقة الكف واللطخة والمعصم، والذي على المرفق الأيمن من حامل رأس الغول مع الذي على منكبه الأيمن الساعد واللذين على الجنب المابض، وآخر على الجنب أيضاً إبرة المرفق، وثلاثة أحدهما على القدم اليمنى واثنان على الجنب العضد، والذي على الساق اليسرى المنكب، والاثنين المتقارنين اللذين يليان الثريا وهما على القدم اليسرى العاشق، وهي كلها في الثور.
كوكبة ممسك الأعنة وهو صورة رجل قائم خلف ممسك رأس الغول، بين الثريا وبين كوكبة الدب الأكبر، وكواكبه أربعة عشر كوكباً وعلى رأسه كوكبان تسميها العرب مع كواكب أخر بقرب منها الخباء لأنها على صورة الخباء، وعلى منكبه الأيسر كوكب نير تسمية العيوق، وعلى مرفقه الأيسر كوكب تسمية العنز وعلى المعصم الأيسر كوكبان متقاربان تسميان الجديين وتسمى العيوق لأجل ذلك العناز ويسمونه أيضاً: العنز ويسمى رقيب الثريا لأنه يطلع في كثير من المواضع بطلوع الثريا.
ولذلك قال أبو ذؤيب:
فوردن والعيوق مقعد رابئ ال ... ضرباء فوق النجم لا يتتلع
ويسمى أيضاً عيوق الثريا وعلى منكبه الأيمن كوكب يسمى مع آخرين على الكعبين توابع العيوق والأعلام.
وذكر بعض من صنف في الأنواء أن بين عاتق الثريا وبين العيوق كوكبين تحت المجرة يسميان المرجف والبرجيس، كواكبه كلها في الجوزاء.
كوكبة الحوا والحية: هي صورة رجل قائم، قد قبض بيديه جميعاً على حية، وكواكب الحوا أربعة وعشرون من الصورة، وخمسة خارجة منها، وكواكب الحية ثمانية عشر كوكباً، وعلى منشأ عنق الحية كوكب، وآخر على صدغها، يتصلان بالكواكب المصطفة التي على المنكب والعضد والمرفق الأيمن من صورة الجاثي، يعدهما العرب من جملة النسق الشامي، وتسمى أربعة كواكب من كواكب الحية، مع النيرين اللذين على ركبتي الحواء الذي على ساقه اليمنى وهي كلها مصطفة على سطر فيه تعويج النسق اليماني وسمت هذه النسق يمانياً لأن كواكبه تغيب في ناحية الشام وشق اليمن، وسمت الأول شامياً لأن كواكبه تغيب في ناحية الشام، ويسمى البقعة التي بين النسقين الروضة، والكوكب التي في الروضة الأغنام، والذي على رأس الحوا الراعي والذي على رأس الجاثي كلب الراعي، كواكبها في العقرب، والقوس.
كوكبة السهم هي خمسة كواكب بين منقار الدجاجة وبين النسر الطائر في نفس المجرة العظيمة، ونصل السهم إلى ناحية المشرق والفوق إلى ناحية المغرب، ولم يذكر عن العرب فيها شيء وهي في الجدى.
وكوكبة العقاب: وهو النسر الطائر، وكواكبه تسعة من الصورة وستة خارجة منها، والعرب تسمى الثلاثة المصطفة النسر الطائر لأن بازائه النسر الواقع، وسمي واقعاً لوقوع جناحيه، سمي هذا طائراً لانبساط جناحيه، وتسمى كوكبين من الخارجة عن الصورة وهما بين الثلاثة التي ذكرها وبين النعام الصادر الظليمين الصغيرين وهي في الجدي.
كوكبة الدلفين وكواكبه على مربع شبيه بالمعين تسميها العرب: القعود والعامة تسميها: الصليب، ويسمى الكوكب الذي على ذنب الدلفين عمود الصليب وهي في الدلو.
كوكبة قطعة الفرس، وهي أربع كواكب يتبع الدلفين، اثنان منهما متضايقان بينهما شبر على موضع الفم واثنان على الرأس، ولم يذكر عن العرب فيها شيء.

والأربعة جميعاً موضعها من الفلك وقسمته في الدلو كوكبة الفرس الأعظم، وكواكبها عشرون كوكباً، وهي صورة فرس له رأس ويدان وبدن إلى آخر الظهر وليس له كفل ولا رجلان، وعلى سرته كوكب، وهي أيضاً على رأس المرأة المسلسلة مشترك بينهما، ويرسم على الاسطرلاب ويسمى سرة الفرس، ورأس المسلسلة، وعلى متنه أيضاً كوكب يسمى جناح الفرس ويرسم أيضاً على الاسطرلاب، وعند منشأ اليد أيضا كوكب يسمى منكب الفرس، على متنه كوكب نير عند منشأ العنق يسمى متن الفرس، والعرب تسمى هذا الأربعة الدلو. وتسمى الاثنين المتقدمين: وهما منكب الفرس ومتن الفرس: الفرغ الأول والفرغ المقدم، ويسميان أيضاً العرقوة العليا، وناهزى الدلو المقدمين، ويسمى الاثنين التاليين وهما سرة، وجناح الفرس الفرغ الثاني، والفرغ المؤخر والعرقوة السفلى وناهزى الدلو المؤخرين وفي البدن كوكبان يسميان النعام، ويسيمان أيضاً الكرب شبهتهما بمجمع العرقوتين في الوسط، وعلى رأس الفرس كوكبان أحدهما أنور، يسميان سعد البهام، وسعد النهى وعلى عنقه كوكبان يسميان سعد الهمام، وفي الصدر كوكبان متقاربان يسميان سعد البارع، وعلى الركبة اليمنى كوكبان يسميان سعد مطر، ويروى عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بالكرب، وتسمى بالبقعة التي بين الفرغ الثاني وبين السمكة من السماء بلدة الثعلب.
وتزعم أن القمر ربما قصر فنزل ببلدة الثعلب، فأما مواضعها من الفلك فإن المشترك الذي هو الرأس في أول الحمل وأما الباقية فإنها كلها من الحوت سوى سعد البهائم فإنه في الدلو.
كوكبة المسلسلة تسمى المرأة التي لم تر بعلاً، وتسمى باليونانية: أندرومينا وكواكبها ثلاثة وعشرون كوكبا من الصورة، سوى النير الذي على الرأس فإنه على سرة الفرس، والعرب وجدت سطرين من كواكب قد أحاطا بصورة سمكة عظيمة تحت نحر الناقة، بعضها من هذه الصورة وبعضها من كوكبة السمكة الشمالية من السمكتين اللتين في القسم الثاني عشر من صورة البروج فسمت العرب هذه السمكة العظيمة الحوت، وزعمت أن القمر ينزل ببطن الحوت فسمت المنزل الأخير من منازل القمر: بطن الحوت والرشا، وقد وقع الكوكب النير الذي على جنب المسلسلة على موضع البطن من الحوت، فقدر قوم من مؤلفي كتب الأنواء أن العرب سمت هذا الكوكب النير بطن الحوت، وأن القمر ينزل بهذا الكوكب والقمر لا ينزل بشيء من كواكب الحوت ولا ببطن الحوت وإنما يمر بموازاتها وأما النير الذي على الرجل اليسرى من المسلسلة فإنهم اختلفوا فيه، يروي بعضهم عن العرب أنها سمته عناق الأرض وروى آخرون أن العناق هو النير الذي على رأس الغول وذلك أنهم حكوا أن العناق: هو الكوكب الأزهر الذي لا يجاوزه إلا كوكبان صغيران، كأنه بهما النسر الواقع وليس هناك كوكب بهذه الصفة إلا النير الذي على رأس الغول، وموضع بطن الحوت والعناق جميعاً من البروج في الحمل، وكذلك جميع الكواكب المسلسلة.
كوكبة المثلث: وكواكبه أربعة كواكب بين كوكبة السمكة وبين النير الذي على رأس الغول وهي أيضاً بين الشرطين وبين النير الذي على الرجل اليسرى من صورة المرأة، وهو مثلث فيه طول على رأسه كوكب نير من الثلاثة الباقية على القاعدة الأنيسين ودرجاتهما في الطول أكثر من درجات الشرطين، ويطلعان مع ذلك قبل الشرطين لأن عرضهما في الشمال اكثر من عرض الشرطين فقدر أصحاب كتب الأنواء أن القمر ينزل أولاً بالأنيسين ثم الشرطين، فحكوا عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بهما ولا يلحق الشرطين وذلك غلط، لأنهما يكونان قدام الشرطين إلى أن يقربا من خط وسط السماء ثم يتأخران عن الشرطين رويداً رويداً، حتى إذا صارا إلى المغرب غابا بين الشرطين فيجب أن يقال: إن القمر ربما أسرع فجاوز الشرطين ونزل بالأنيسين وكواكب المثلث كلها في الحمل.

صور البروج، اثنا عشر، أولها: الحمل وكواكبه ثلاثة عشر كوكباً من الصورة وخمسة خارجه منها ومقدمه إلى جهة المغرب، ومؤخره إلى المشرق وهو ملتفت إلى مؤخره، ووجهه إلى ظهره، وقد اختلفت الروايات عن العرب في كواكب هذه الصورة والخارجة منها، فرأى بعضهم أنها تسمى الكوكبين النيرين اللذين على القرن الشرطين، والشرط وهو المنزل الأول من منازل القمر، لأن هذا القسم من البروج هو الأول من الأقسام الإثني عشرة، وبحلول هذه الصورة فيه في وقت الرصد سمي الحمل بجميع اللغات وذكروا أنهم يضيفون إلى الكوكبين اللذين ذكرناهما الكوكب الخفي الذي أصل العنق فيسمونها الأشراط والنطح، وروى أخرون أنها تسمى أحد النيرين اللذين على القرن مع النير الخارج عن الصورة التي يرسم على الأسطرلاب وتسمى الناطح ويضيف إليهما الجنوبي من الاثنين اللذين على القرن ويسميها الأشراط والنطح ويسمون الذي على منشأ الألية مع المتقدم من ثلاثة هي على الألية مع كوكب خفي على الفخذ وهي على مثلث شهيه بالمتساوي الأضلاع على بطن الحمل، البطين وهو المنزل الثاني من منازل القمر وإنما صغروا البطين بالإضافة إلى بطن السمكة العظيمة وقد غلط كثير من أصحاب الأنواء وظنوا أن البطين هو من الكواكب الأربعة الخارجة عن الصورة، والشرطان النطح هي في الحمل والبطين وأكثر كواكب هذه الصورة هي في الثور بمواضعها من البروج.
كوكبة الثورة وصورته صورة ثور مؤخره إلى المغرب والجنوب ومقدمه بالمشرق.
وكواكبه اثنان وثلاثون كوكباً من الصورة سوى النير والذي على طرف قرنه الشمالي فإنه على الرجل اليمنى من ممسك الأعنة مشترك بينهما وأحد عشر كوكباً خارج الصورة فأما الكواكب الخفية في هذه الصورة وحواليها فكثيرة بلا نهاية وكذلك في سائر الصور وإنما نذكر عدد ما رصد منها من النيرات من الأقدار الستة.
فأما العرب فإنها تسمى الأربعة التي على سنام الناقة، مع ثلاثة أخر خفية لم ترصد، الثريا وهي متقاربة مجتمعة ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد وسموها النجم وسموها أيضاً نجوم الثريا، وإنما سميت الثريا يتبركون بها، ويزعمون أن المطر الذي يكون عند نوئها، تكون منه الثروة وهي تصغير ثروى، وكلهم ذكروا في كتبهم أنها على إلية الحمل نحو من ثلاثة أذرع في رأى العين وهي المنزل الثالث من منازل القمر، ويسمى الأحمر النير الذي على عين الثور الجنوبية الدبران لدبوره الثريا، ويسمى تابع النجم وتالي النجم والمجدح بكسر الميم وضمها ويسمى أيضاً التابع فرداً وحادي النجم الضيق ويسمى التي حواليه من الكواكب القلاص، ويزعمون أنها قلاص الفنيق، ويقولون أيضاً غنيمته، ويسمون الاثنين المتقاربين اللذين على الأذن الشمالية الكلبين، وكلبي الدبران. وقد روى كثير منهم عن العرب أنها تسميه الضيقة وذلك غلط فإن الضيقة هي الفرجة التي بين الثريا والدبران ويستحسنونها ويستحسنون أيضاً الدبران ويقولون فلان أشأم من حادي النجم ويتشاءمون بالمطر الذي يكون بنوئه. وهذه الكواكب في برج الثور.
كوكبة التوأمين وكواكبهما ثمانية عشر كوكباً من الصورة وسبعة خارجة من الصورة وهي صورة إنسانين رأساهما وسائر كواكبهما في الشمال والمشرق عن المجرة، وأرجلهما إلى الجنوب والمغرب في نفس المجرة وهما كالمتعانقين، قد اختلط كواكب أحدهما بكواكب أخرى، على كل واحد من الصورتين كوكب نير تسميها العرب الذراع المبسوطة وبقربهما كواكب صغار تسمى الأظفار، وعلى قدمي التوأم التالي كوكبان يسميان الهنعة، وهو المنزل السادس من منازل القمر، ويسميان المنسان والزر، وقد روى قوم أن أحدهما لمنسان والآخر الزر وعلى قدمي توأم المتقدم ثلاثة كواكب تسمى البخاتي وموضع الذراع المبسوطة من البروج في السرطان والتي على الأقدام في الجوزاء.

كوكبة السرطان: كواكبه تسعة ومن الصورة، وأربعة خارجة منها ومقدمه إلى المشرق والشمال، ومؤخره إلى المغرب والجنوب، وأول كواكبه لطخة سحابية يحيط بها أربعة كواكب، اثنان منها خلفها، واثنان قدامها. والعرب تسمى اللطخة النثرة، وهو المنزل الثاني من منازل القمر وتسمى الكوكبين التاليين للطخة المنخرين منخري الأسد والنثرة مخطته وتسمى أيضاً اللطخة مع الاثنين اللذين على المنخرين فم الأسد وتسمى اللطخة اللهاة، ويسمى كوكب من الخارجة عن الصورة وهو الذي خلف الكوكب الذي هو على الزباني الجنوبي مع واحد من الأربعة التي في رأس الأسد الطرف وهما عينا الأسد على مذهب العرب.
فسمي كوكب من الخارجة عن الصورة مع كوكب صغير آخر الأشفار وقد سمى المنجمون اللطخة التي ذكرناها المعلف، والاثنين التاليين لهما الحمارين ويروى ذلك عن العرب، وهذه الكواكب كلها في السرطان.
كوكبة الأسد: كواكبه سبعة وعشرون كوكباً من الصورة وثمانية خارجة منها، وعلى وجهه كوكب تسميه مع كوكب آخر خارج عن صورة السرطان الطرف، وعلى المنخر والرأس كواكب يسمونها الأشفار، وإنما اختاروا من الصورتين جميعاً الكوكبين الأصغرين، فجعلوهما الطرف لصغر عيني الأسد، وعلى الرقبة ثلاثة كواكب ورابعها النير الذي على القلب وهو الذي يسميه المنجمون قلب الأسد الملوكي، والعرب تسمى الأربعة جميعاً الجبهة، جبهة الأسد وهو المنزل العاشر من منازل القمر، وعلى القطن كوكب نير، على الحرقفة كوكب آخر تسميها العرب الزبرة، زبرة الأسد أي كاهله، وتسميان أيضاً الخراتين، الواحدة خراة وعند النير الذي على القطن، كوكبان يقال إنهم شبهوهما بالشعر الذي ينتفش بين الكتفين، وبذلك سميت الزبرة، وهو المنزل الحادي عشر من منازل القمر، وعلى الذنب كوكب يسمى قنب الأسد، وهو وعاء قضيبه ويسمى أيضاً الصرفة، وهو المنزل الثاني عشر، وسمي صرفة لانصراف الحر عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات، وانصراف البرد عند سقوطه في المغرب بالغدوات، وطلوع رقيبه وهو الفرغ الأول من تحت الشعاع، وثلاثة من جملة كواكب الخارجة عن الصورة فوق الذنب يسميها بطليموس الضفيرة، ويسميها العرب مع كواكب أخر، صغار متضايقة تشبه الثلاثة الهلبة، وذلك لأنه يخرج من عند الصرفة سطر من كواكب مقوسة فيها تعريج، فيتصل بالهلبة فهي أشبه شيء بذنب الأسد إذا رفعه، فشبهت العرب هذه الكواكب بالذنب، وشبهت النير الذي في أصل الذنب بوعاء القضيب، وشبهت الثلاثة التي ذكرناها مع الصغار المتقاربة التي في وسطها بالشعرة التي تكون على طرف الذنب، وسمتها الهلبة، وهي بعد القفزات الثلاث التي على قوائم الدب الأكبر، وعامة المنجمين تسمى هذه الكواكب المجتمعة السنبلة لكثرة كواكبها وكثافتها.
والصرفة في السنبلة وكذلك الهلبة وسائر كواكب هذه الصورة في الأسد.

كوكبة العذراء: وكواكبها ستة وعشرون كوكباً من الصورة وستة خارجة منها وهي صورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة وقدمها قدام الزبانيين اللذين على كفة الميزان، وعلى منكبها الأيسر كوكب، وعلى الجنب الأيسر أيضاً كوكب، ثم ينعطف إلى كوكب في الجنب الأيمن وآخر على المرفق، يصير الأربعة في زاوية مثل صورة كلاب تعوي يسميه العرب العواء وهو المنزل الثالث عشر وجعل بعضهم العواء وركي الأسد، وسماه بعضهم محاسة وهو حشوة البطن، وذكر بعضهم أن كواكب العواء هي كلاب تعوي خلف الأسد، وإنما سميت العواء للإنعطاف الذي فيها، يقال عويت الشيء إذا عطفته ويسمى أيضاً عواء البرد لأنها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد، وعلى الكتف اليمنى كوكب نير يسمى السماك الأعزل، وسمي الأعزل لان بإزائه السماك الرامح، وسمي رامحاً للرمح الذي على يمينه وهما الكوكبان النيران اللذان أحدهما يقدمه والآخر يتبعه، وسمي الآخر أعزل لأنه لا سلاح معه، والمنجمون يسمون السماك الأعزل السنبلة والعرب يسميه أيضاً ساق الأسد لأن عند أكثرهم أن السماكين هما ساقا الأسد، وعلى الذيل ثلاثة كواكب تسمى الغفر وهو المنزل الخامس عشر، ويزعمون أنه خير المنازل لأنه خلف ذنب الأسد وساقيه وأمام زباني العقرب وعادية الأسد في رأسه وأظفاره، وعادية العقرب في ذنبها وحمتها فيليه من الأسد ومن العقرب ما لا يضره، وذكر بعضهم أنه يكون مولد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، ويقال أنه سمى الغفر من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد، ويقال أنه سمي الغفر لنقصان ضوء كواكبه، يقال غفرت أي غطيت، ويقال أنه سمي الغفر لأنه فوق زباني العقرب، ولذلك سمي المغفر الذي يكون فوق الرأس، ومثل الرأس الذي يعلو الثوب، فيسمى الغفر، ويمكن أن يقال أنه أيضاً من التغطية. لأن المغفر يغطي الرأس والغفر الذي يغطي الثوب وكواكب العوا كلها في السنبلة وكواكب الغفر في الميزان.
كوكبة الميزان وهي ثمانية من الصورة وتسعة خارجة منها وعلى الكفة كوكبان نيران تسميها العرب زباني العقرب أي قرنيهما والإكليل، وهو المنزل السابع عشر من المنازل في هذه الصورة، ومن الخارج منها، وقد اختلفت الروايات في الإكليل فذكر بعضهم أنه الثلاثة التي على جبهة العقرب وهو غلط ولكنه من ثلاثة شبيهة بهذه الثلاثة في التقويس وكواكب هذه الصورة كلها في العقرب.
كوكبة العقرب وكواكبها أحد وعشرون كوكباً في الصورة، وثلاثة خارجة منها. قد ذكرنا ما فيها عن العرب في الثلاثة التي على جبهة العقرب من أنهم يسمونه الإكليل، وقلنا إنه غلط ودللنا على الإكليل في كوكب الميزان، فأما النير الذي على البدن فإن العرب تسميه القلب وقدامه كوكب تسميه مع آخر خلفه النياط، وتسمى التي في الخرزات الفقرات، ويسمى اللذين على طرف الذنب الشولة، وشولة العقرب، وتسمى الإبرة أيضاً، وهو المنزل التاسع عشر من منازل القمر، والقمر لا يعدل إليها، ولكنه تمر على محاذاتها لأنها مائلة عن طريق الشمس ثلاث عشرة درجة وأكثر ما يعدل القمر عنها خمس درجات ويقال ربما قصر القمر فنزل بالفقار والقلب والنياط في العقر والفقرات في الشولة والقوس.

كوكبة الرامي وكواكبها أحد وثلاثون كوبا في الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، هي صورة فارس قد وضع سهمه في قوسه ونزعها، وعلى زج السهم كوكب، وعلى مقبض القوس كوكب آخر، وعلى طرفه الجنوبي آخر وعلى طرف اليد اليمنى آخر، وهذه الأربعة على مربع منحرف، والاثنان الشماليان منها في وسط المجرة، الاثنان الجنوبيان في طرفها الشرقي، والعرب يسميها النعام الوارد لأنها شبهت المجرة بنهر والنعام قد ورده وعلى المنكب الأيسر من الرجل كوكب وعلى فوق السهم آخر وعلى الكتف آخر وتحت الإبط آخر وهي على مربع منحرف بعيدة عن المجرة إلى ناحية المشرق والمغرب، تسميها النعام الصادر وعلى الطرف الشمالي من القوس كوكب، وعلى الستة الشمالية آخر يسميان الظليمين، ويسمي الموضع الذي بين النعائم الوصل، وهو المنزل العشرون من منازل القمر وعلى رأس الفارس وعصابته ستة كواكب على خط مقوس خلف كوكب سحابي هو على عين الرامي تسمي القلادة والقلائص وتسمى أيضاً الأدحى وتسمى الموضع الخالي تحت القلادة الذي ليس فيه كوكب البلدة، وهو المنزل الحادي والعشرون، ويقال إن القمر ربما قصر فنزل بالقلادة ويجوز أن يكون كذلك لأن كواكبها قريبة من المنطقة، وعلى الفخذ اليسرى من الفرس كوكب وعلى الساق المؤخر اليمنى كوكب آخر يسميان الصردين والنعام الوارد في القوس وثلاثة من كواكب النعام الصادر في القوس وواحدة، وهو الذي على الكتف في المجرة والظليمان في القوس والقلادة في المجرة.
كوكبة الجدي وكواكبه ثمانية وعشرون كوكباً في الصورة، وليس حواليها كوكب مرصود، وعلى قرنه كوكبان أحدهما صغير يسميها العرب سعد الذابح يسمى ذابحاً الثاني الصغير ذكروا أنه في مذبح الآخر، وقالوا أيضاً إن الصغير هو شاته التي تذبح، وهو المنزل الثاني والعشرون من منازل القمر، وعلى الذنب كوكبان يسميان سعد ناشرة، ويسميان المحبين أيضاً وهما على طريقة القمر، وموضع سعد الذابح في الجدي وسعد الناشرة في الدلو.

كوكبة ساكب الماء وهو الدلو وكواكبها اثنان وأربعون كوكباً من الصورة وثلاثة خارجة عن الصورة، وعلى المنكب الأيمن من ساكب الماء كوكبان تسميهما العرب سعد الملك، وعلى منكبه الأيسر كوكبان يسميان مع كوكب على طرف ذنب الجدي سعد السعود، وهو المنزل الرابع والعشرون من منازل القمر، وسمته بهذا الاسم لتيمنهم من ذلك أن الثلاثة كلها في نحو عشر درجات من الدلو، فيطلع من تحت الشعاع إذا صارت الشمس في آخر الدلو وأول الحوت، فيكون طلوعه عند انكسار البرد، وسقوطه عند انكسار الحر، إذا صارت الشمس إلى أول السنبلة فيتفق في طلوعه ابتداء الأمطار وفي سقوطه انكسار السمائم وكثرة الرطب، وسقوط الطل. وروى عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بسعد ناشرة وذلك غلط، لأن سعد السعود يطلع قبل سعد ناشرة، وعرض سعد ناشرة في الجنوب درجتان والقمر يمر عليها ولا يعدل إلى سعد السعود، لأن عرض النير منها في الشمال نحو تسع درجات، والذي تحته ست درجات وكسر، ويمر في الندرة على الثالث منها الذي على طرف ذنب الجدي في كل ثماني عشرة سنة مرة، إذا صار الرأس في عشر درجات من العقرب، وعلى اليد اليسرى ثلاثة كواكب تسمى سعد بلع، وهو المنزل الثالث والعشرون سمي بذلك لأن الاثنين منها جعلوهما سعدا، والواحد الأوسط الذي قد ابتلعه لأن الصغير من سعد الذابح هو كأنه في نحر الآخر، والأوسط من هذه قد نزل عن الحلق وصار في موضع البطن، فكأنه قد ابتلعه، وعلى الساعد الأيمن كوكبة، وعلى يده اليمن ثلاثة كواكب تسمى سعد الأخبية، وهو المنزل الخامس والعشرون، سمى بذلك لأنه من أربعة كواكب. ثلاثة منها على مثلث وواحد في وسط المثلث، فجعلوا هذا الواحد سعداً والثلاثة له بمنزلة الخبأ، والنير الذي في أخر الصورة وهو آخر ممر الماء وهو في فم الحوت الجنوبي يسمى الضفدع الأول لأن النير الذي على الشوكة الجنوبية من ذنب قيطس يسمى الضفدع الثاني، ونذكر ذلك في صفة كوكبة قيطس، ويسمى الضفدع الأول الظليم أيضاً، وفي آخر الشهر أيضاً كوكب يسمى الظليم، وربما رسم على بعض الكرات هذان الكوكبان ويسميان الظليم وقد حكى عن العرب أن في ناحية الدلو في الجنوب سفينة، وأن أحد الضفدعين على مقدمها والآخر على مؤخرها وموضع سعد السعود في الدلو وكذلك سعد الملك وكذلك سعد الأخبية، وكوكبان من سعد بلع في الجدي والآخر في الدلو والضفدع أيضاً في الدلو وسائر كواكب الصورة بعضها في الدلو، وبعضها في الحوت.
كوكبة السمكتين وكواكبها أربعة وثلاثون كوكباً في الصورة، وأربعة خارجة عنها، وقد ذكرنا في صورة المرأة المسلسلة مذهب العرب في هذه النجوم.
؟

الصور الجنوبية
كوكبة قيطس وهي صورة الحيوان البحري، ومقدمه في ناحية المشرق على جنوب كوكبة الحمل، ومؤخره في ناحية المغرب خلف الثلاثة الخارجة عن صورة ساكب الماء، والتسعة التي على طريق الماء التي كل ثلاثة منها على مثال واحد، وهي التي تسميها العرب السفينة وكواكبها اثنان وعشرون كوكبا، وعلى الرأس ستة كواكب تسميها العرب الكف الجذماء يريدون كف الثريا، وذلك أنها وجدوا سطرين من كواكب يمتدان من عند الثريا، أحدهما نحو الشمال فتمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، حتى ينتهي إلى الكواكب النيرة التي على ظهر الناقة، وهي كوكبة ذات الكرسي فشبهوا النيرة التي على ظهر الناقة بأنامل مخضوبة فسموا هذه اليد الكف الخضيب، والآخر يمتد من عند الثريا نحو الجنوب فتمر على الأربعة المصطفة على موضع القطع من الثور وينقطع عند هذه الستة التي على رأس قيطس فشبهوا هذه الستة التي على رأس القيطس، وشبهوا هذا السطر، وهذه الكواكب الستة بيد جذماء لقصرها، ولأن امتدادها دون امتداد السطر الشمالي، وشبهوا الثريا برأس بين يدين، وعلى يديه خمسة كواكب تسمى النعائم والنعامات أيضاً، وعلى الشعبة الجنوبية من كوكب يسمى الضفدع الثاني، وقد قيل أن جميع كوكبة قيطس تسمى البقر وموضع هذه الكواكب كلها في الحمل والحوت.

كوكب الجبار وهو الجوزاء وكواكبه ثمانية وثلاثون كوكباً من الصورة، وهو صورة رجل قائم في ناحية الجنوب على طريقة الشمس أشبه شيء بصورة الإنسان، له رأس ومنكبان ورجلان وبيده عصا وفي وسطه سيف وعلى رأسه ثلاثة كواكب صغار متقاربة تشبه نقط الثاء تسمى الهقعة، وهقعة الجوزاء أيضاً، وقد روى أيضاً: البحاتي والبحيات والبحتة والأثافي. وهو المنزل الخامس، وتسمى الذي على المنكب الأيمن، وهو نير عظيم منكب الجوزاء، ويد الجوزاء، فيروي عنهم أيضاً مرزم الجوزاء، وهو غلط لأن من عادتهم أن يسموا الكوكب التي تقدم النير المرزم وتسمى الثلاثة النيرة المصطفة التي على وسطه منطقة الجوزاء، ونطاق الجوزاء، والنظام والنظم فيروى أيضاً نظم الجوزاء، وفقار الجوزاء. وتسمى الثلاثة المنحدرة المتقاربة المصطفة النقط وسيف الجبار أيضاً، ويسمى النير العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجوزاء، وراعي الجوزاء، وقد روى أن هذا الكوكب يسمى الناجذ وأن الأحمر الذي على منكب الأيمن يسمى راعي الجوزاء، والذي على منكب الأيسر يسمى المرزم، وهو بالمرزم أولى لأنه يقدم النير الأحمر، ويسمى التسعة المقوسة التي على الكم تاج الجوزاء وذوائب الجوزاء، وأكثر هذه الكواكب في الجوزاء، وبعضها في آخر الثور.
كوكبة النهر وكواكبها أربعة وثلاثون كوكباً من الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، ويبتدئ من عند النير الذي على قدم الجوزاء اليسرى، والعرب تسمي ثلاثة من الكواكب التي في أول النهر مع النهر على رجل الجوزاء فوق الكعب من رجله اليسرى كرسي الجوزاء المقدم، لأنها قد صارت على مربع شبيه بالكرسي، والنير الذي على رجل الجوزاء اليسرى قد صار على ضلع في المربع شبيه برجل على كرسي، وتسمى تسعة من كواكب النهر مع أربعة من الكواكب التي على صدر قيطس أدحى النعام والتي حوالي هذه الكواكب تسمى البيض والقيض أيضاً وفي آخر النهر نير يسمى الظليم وبين هذا الظليم وبين الظليم الذي في فم الحوت الجنوبي كواكب كثيرة تسمى الرئال وكواكب هذه الصورة كلها في الحمل والثور غير ثلاثة التي في أوله فإنها في أول الجوزاء.
كوكبة الأرنب: وكواكبه اثنى عشر كوكباً من الصورة وعلى يديه أربعة كواكب على مربع يسميها العرب كرسي الجوزاء المؤخر وعرش الجوزاء؛ لأنها فيما بين الرجلين في موضع العرش وقد روى أنها تسمى النهال وموضعها في الجوزاء.
كوكبة الكلب الأكبر وكواكبه ثمانية عشر كوكباً من الصورة وأحد عشر كوكباً حوالي الصورة، والنير العظيم الذي على موضع الفم يسمى الشعرى العبور، والشعرى اليمانية وسمته العبور لأنه قد عبر المجرة إلى ناحية الجنوب، وذلك أنهم يزعمون أن الشعريين هما أختا سهيل، وأن سهيل تزوج بالجوزاء، فبرك عليها وكسر فقارها، فهو هارب نحو الجنوب ولاذ بكبد السماء، وأن العبور عبرت المجرة إلى سهيل، وتسمى اليمانية لأن مغيبها في شق اليماني ويسمى أيضاً كلب الحبار لأنه يتبع الجوزاء أبداً، ويقدمهاكوكب يسمى مرزم الشعرى ومرزم العبور. وقد روي أنهم يسمونه الكلب، وعلى البدن والذنب أربعة كواكب تسمى العذارى وعذرة الجوزاء، وتسمى أربعة مصطفة من جملة الخارجة عن الصورة حوالي النيرين: القرود والأغربة. وقد روى أنهم يسمون المرزم وهو الذي على طرف يده اليمنى قدام النير العظيم مع الكوكب المتقدم من كوكبين خفيتين على ركبته اليسرى حضار والوزن تسميهما المحلفين والمحنثين أيضاً، لأنهما يطلعان قبل السهيل، فيقدران أحدهما سهيل، وفي ذلك غلط لأن سهيلاً كوكب نير عظيم في القدر الأول، منفرد، لا يجاوره شيء من الكواكب وهذان هما من القدر الثالث فيما بين كواكب كثيرة يطلعان في وقت واحد ويرتفعان عن الآفاق التي يرتفع فيها سهيل ارتفاعاً كثيراً، فلا يشبهان سهيلاً وكواكبها في السرطان والقرود خارجة من الصورة في الجوزاء.

كوكبة الكلب الأصغر وهما كوكبان بين النيرين اللذين هما على رأس التوأمين، وبين النير العظيم الذي على فم الكلب الأكبر يتأخر عنهما إلى المشرق، أحدهما أنور وهو الشعرى الشامية ويسمى أيضاً الشعرى الغميصاء لأن عندهم أنه أخت سهيل وأنه لما عبرت اليمانية المجرة إلى الجنوب وإِلى ناحية سهيل فبكت حتى غمصت عيناها ويسمون أيضاً الاثنين ذراع الأسد المقبوضة، سميت مقبوضة لتأخرها عن الذراع الأخرى النيرين اللذين على رأس التوأمين. وأكثر الرواة زعموا أنه المنزل السابع من منازل القمر، وذلك غلط لأن القمر ينزل بالذراع الأخرى المبسوطة وهي من الكوكبين النيرين الذين على رأس التوأمين، والكوكبان اللذان من صورة الكلب المتقدم في السرطان.
كوكبة السفينة وكواكبها خمسة وأربعون كوكباً من الصورة، والروايات عن العرب في هذه الكواكب وفي السهيل مختلفة، فروي بعضهم أنهم يسمون النير العظيم الذي على طرف السكان الثاني سهيلاً على الإطلاق وأن الكواكب النيرة التي تليه يسمونها سهيل بلقين وسهيل حضار وسهيل رقاس وسهيل الوزن، وسهيل المحلف والمحنث، وزعم قوم أن تحت سهيل قدمي سهيل، وأن تحت قدمي سهيل كواكب زهر بيض، لا ترى بالعراق ولا بنجد، وأن أهل تهامة يسمونها البقر، وسهيل في الجوزاء.
كوكبة الشجاع وكواكبها خمسة وعشرون كوكباً من الصورة واثنان خارج الصورة وعلى آخر العنق كوكب يسميه العرب الفرد لانفراده عن أشباهه وتنحيه إلى ناحية الجنوب وأما سائر الكواكب فقد اختلفت الرواية فيها عن العرب، وقال بعضهم أن بين كوكب الفرد وبين الخبأ كواكب مستطيلة مثل الحبل تسمى الشراسيف، الشراسيف والخبأ كواكب مستديرة تسمى المعلف أراد بذلك كوكب الباطئة ثم ذكر أن هناك عرش السماك وأنه يسمى الأحمال وهو كوكبة الغراب بعينها وذكر بعد ذلك أن بين الفرد وبين الزباني العقرب الخبأ اليماني وليس هناك خبأ غير كوكبة الغراب وقال بعضهم أن بين الفرد والزباني العرب الخبأ ثم الفرد ثم الشراسيف ثم المعلف وأكثر رواياتهم عن العرب كذلك وقد قال غيره والشراسيف هي كوكبة الشجاع أراد بذلك كوكبة الشجاع، وأراد بالخبأ كوكبة الغراب، وأن بين الشراسيف، أراد بذلك كوكبة الشجاع بين الفرد وبين كوكبه الغراب التي تسمى عرش السماك وهي أحد عشر كوكباً على مثلث على جنوب كوكبة الغراب، وأحد الكوكبين الخارجين عن الصورة، وهو الثاني منهما يخرج منه سطر فيما بين كوكبه الخارجين والشجاع، وبين كوكبه الأسد تسمى الخيل مع الكواكب النيرة التي تقع في السطر من كوكبة الأسد مع البقية من كوكبة الشجاع والكواكب الصغار التي في أثنائها، تسمى أفلاء الخيل، وفي خلالها كوكبة الباطئة بين الفرد وبين كوكبة الغراب يسمى المعلف. وكواكب الشجاع في السرطان والأسد والسنبلة.
كوكبة الباطئة هي سبعة كواكب على شمال كوكبة الشجاع والعرب تسميها المعلف، وهي السنبلة.
كوكبة الغراب: سبعة كواكب خلف الباطئة وعلى جنوب السماك الأعزل والعرب تسميها عجز الأسد، فتزعم أن القمر ربما قصر فنزل بعجز الأسد، وتسميها أيضاً عرش السماك الأعزل، وتسميها الأحمال أيضاً والخبأ، وهي في السنبلة.
كوكبة القنطورس وهي حيوان مقدمه مقدم إنسان من رأسه إلى آخر ظهره، ومؤخره مؤخر فرس، من منشأ ظهره إلى ذنبه على جنوب كوكبة الميزان وجهه إلى الشرق، ومؤخر الدابة إلى المغرب. وكواكبه سبعة وثلاثون كوكباً.
كوكبة السبع: وهي ثمانية عشر كوكباً خلف كوكبة قنطورس وبعضها مختلطة بها، والعرب تسمى كواكب الصورتين جميعاً الشماريخ، وهي تشبه الشماريخ لكثرتها وكثافة جمعها، ويسمون النير الذي على طرف اليد اليمنى من الدابة، مع النير الذي على ركبة اليد اليسرى منها حضار والوزن ويسمونها محلفين، لأن المتقدم منهما يمر على مجرى سهيل أو قريب منه، فإذا طلع أحدهما يشبهه من رآه بسهيل فيقول إنه سهيل، ويراه غيره فيعرفه فيقول ليس بسهيل فيتحالفان فيحنث أحدهما. ولم يذكر أن أيهما حضار وأيهما الوزن فيجوز أن يكون المتقدم حضار لأنهم يبدأون به عند ذكرهما، وكواكبه جميعاً في الميزان والعقرب.
كوكبة المجمرة سبعة كواكب على جنوب الخرزة الرابعة والخامسة من ذنب العقرب ولم يذكر فيها عن العرب شيء وهي في القوس.

كوكبة الإكليل الجنوبي ثلاثة عشر كوكباً من الصورة فيما بين النعامين، وقالوا عن العرب أنها تسميها القبة لاستدارتها، وزعموا أنها أسفل من شولة العقرب، وليس هناك كواكب مستديرة تشبه القبة غيرها، وذكر أكثرهم أن وراء القبة الصردين، والصردان من كوكبة الرامي أحدهما على الفخذ اليسرى من الدابة، وهو الصرد الأعلى والآخر على ساقه اليمنى، وقال آخرون أنها تسمى أدحى النعام وهو عشه، لأنها على جنوب النعائم الصادر والوارد وهي في القوس.
كوكبه الحوت الجنوبي: أحد عشر كوكباً من الصورة على جنوب كوكبة الدالي رأسه إلى المشرق، وذنبه إلى المغرب، والعرب تسمي الذي على فم الضفدع الأول الظليم وهو المشتري بينه ويبن كوكبة الدالي، وهو على آخر يم الماء.
هذا آخر الصور. مما كانت تقوله العرب: كانوا يقولون: أن الدبران خطب الثريا وأراد القمر أن يزوجه فأبت عليه، وولت عنه، وقالت للقمر: ما أصنع بهذا السبروت الذي لا مال له؟ فجمع الدبران قلاصه ليتزوج بها، فهو يتبعها حيث توجهت بسوق صداقها، قال من يعنون القلاص ويزعمون أن الجدي قتل نعشاً فبناته تدرن به تريده، وأن سهيلاً خطب الجوزاء فركضته برجلها، فطرحته حيث هوى، وضربها هو بالسيف فقطع وسطها.
؟

الباب السادس
أسجاع الكهنة
تحاكم عبد المطلب بن هشام وبنو ثقيف إلى عزي سلمة الكاهن، في ماء بالطائف يقال له ذو الهرم فجاء الثقفيون فاحتفروه فخاصمهم عبد المطلب إلى عزي وخبأوا له رأس جرادة في خرزة مزادة وجعلوه في قلادة كلب لهم يقال له سوار، فلما وردوا عليه قال: حاجتكم؟ فقالوا له: خبأنا لك خبيئاً فأنبئنا عنه أولاً. فقال: خبأتم لي شيئاً طار فسطع، فتصوب فوقع، في الأرض منه بقع. قالوا: لاده، أي بينه. قال هو شيء طار، فاستطار، ذو ذنب جرار، وساقِ كالمنشار، ورأس كالمسمار فقالوا: لاده، قال: إن لاده فلاده، هو رأس جرادة في خرز مزادة في عنق سوار ذي القلادة قالوا: صدقت. وانتسبوا له، وقالوا: أخبرنا فيما اختصمنا إليك؟ قال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت والحرم، أن الدفين ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم، فغضب الثقفيون وقالوا: اقض لأرفعنا مكاناً، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعانا، فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن كان سيد مضر، ولساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن: إن مقالي فاسمعوا شهادة: إن بني النضر كرام سادة، من مضر الحمراء ذي القلادة، أهل سناء ملوك قادة، زيارة البيت لهم عبادة. ثم قال: إن ثقيفاً عبد من قيس فأعتق فولد فأبق، فليس له في النسب من حق.
دعا أمية بن عبد شمس، هاشم بن عبد مناف إلى المنافرة فقال هاشم: فإني أنافره على خمسين ناقة سود الحدق ننحرها بمكة، أو الجلاء عن مكة عشر سنين، فرضي أمية، وجعلا بينهما الخزاعي الكاهن، وخرجا إليه، ومعهما جماعة من قومهما، فقالوا: خبأنا خبيئاً فإن أصابه تحاكمنا ليه، وإن لم يصبه تحاكمنا إلى غيره، فوجدوا أبا همهمة، وكان معهم أطباق جمجمة، فأمسكها معه، ثم أتوا الكاهن فأناخوا ببابه وكان منزله بعسفان فقالوا له: إنا قد خبأنا لك خبيئاً فأنبئنا عنه، فقال: أحلف بالضوء والظلمة، ومن بتهامة من تهمة، وما بنجد من أكمة، لقد خبأتم لي أطباق جمجمة، مع البلندح أبي همهمة. قالوا: صدقت. احكم بين هاشم بن عبد مناف وبني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أيهما أشرف بيتاً ونسباً ونفساً؟ فقال: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد تسبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منه وآخر، فأخذ هاشم الإبل ونحرها وأطعمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فيقال إنها أول عداوة بين بني هاشم، وبين أمية.
كانت سعدى بنت كريز بن ربيعة قد تطرقت وتكهنت، وهي خالة عثمان بن عفان رضي الله عنه، روي عن عثمان أنه قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب، وكانت ذات جمال رائع، دخلتني الحسرة أو كالحسرة، ألا أكون سبقت إليها، ثم لم ألبث أن انصرفت إلى منزلي فألقيت خالتي، فلما رأتني قالت:
ابشر وحييت ثلاثاً تترى ... ثم ثلاثاً وثلاثاً أخرى
ثم بأخرى كي تتم عشرا ... أتاك خيرٌ، ووقيت شراً

نكحت والله حصانا زهرا ... وأنت بكر ولقيت بكرا
وافيتها بنت نفيسٍ قدرا ... بنت نبي قد أشاد ذكرا
قال عثمان: فعجبت من قولها، وقلت: ما تقولين؟ فقالت:
عثمان يا ابن أختي يا عثمان ... لك الجمال ولك البيان
هذا نبي معه البرهان ... أرسله بحقه الديان
وجاءه التنزيل والفرقان ... فاتبعه لا تحتالك الأوثان
فقلت: يا خالة، إنك لتذكرين ما قد وقع ذكره في بلدتنا فاثبتيه لي، فقالت: إن محمد بن عبد الله رسول من عند الله جاء بتنزيل الله، يدعو إلى الله، مصباحه مصباحٌ، وقوله صلاحٌ، ودينه فلاحٌ، وأمره نجاح، وقرنه نطاح، ذلت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الذباح، وسلت الصفاح ومرت الرماح، قال: ثم قامت فانصرفت ووقع كلامها في قلبي، وجعلت أفكر فيه. وذكر بعد ذلك إسلامه وتزويجه برقية، فكان يقال: أحسن زوج رقية وعثمان فقيل فيهما: أحسن زوج رآه إنسان، رقية وزوجه عثمان.
وروى المدائني: أن قريشاً وثقيفاً اختصموا في أرض، فجعلت ثقيف أمرها إلى كدام أو كلدة، وقام لقريش عبد المطلب، فقال الثقفي لعبد المطلب: أنا فرك فأينا نفر فالمال لأصحابه، وتراضوا بسطيح، فخرجوا وخبأوا له عين جرادة، في خرزة مزادة، فساروا سبعاً، فلما أتوه قال: لقد سرتم سيراً بلغ زعزعة، ووضع حتى تدليتم النقع في آخر السبع، قالوا: صدقت. قال: إن شئتم أخبرتكم قالوا: قد شئنا. قال: طار فسطع، فصاح فضبح، وامتلأ فنضح، قالوا: زه، زهٍ، زهٍ. فقال الثقفي: احكم لأشدنا ضراباً، وأكثرنا أعتابا، وأفضلنا وطابا. فقال عبد المطلب: أحكم لأكرمنا فعالاً، وأكثرنا ضيفاناً، وأعظمنا جفاناً، قال سطيح: والسماء والأرض، وما بينهما من جدد ودحض، لعبد المطلب أولى بكل خفض ورفع، وضر ونفع.
وذكر أن بني كلاب وبني رباب من بني نضر خاصموا عبد المطلب في مال قريب من الطائف، فقال عبد المطلب: المال مالي، فسلوني أعطكم، قالوا: لا. قال: فاختاروا حاكماً. قالوا: ربيعة بن حذار الأسدي، فتراضوا به، وعقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا: من حكم له، فالإبل والمال له، وخرجوا، وخرج مع عبد المطلب حرب بن أمية: فلما نزلوا ربيعة، بعث إليهم بجزائر فنحرها عبد المطلب وأمر فصنع جزوراً وأطعم من أتاه، ونحر الكلابيون والنضريون ووشقوا، فقيل لربيعة في ذلك فقال: أن عبد المطلب امرؤ من ولد خزيمة فمتى يملق يصله بنو عمه، وأرسل إليهم أن اخبأوا لي خبئاً فقال عبد المطلب: خبأت كلباً اسمه سوار وفي عنقه قلادة، في خرزة مزادة، وضممتها بعين جرادة.
فقال الآخرون: قد رضينا بما خبأت، وأرسلوا إلى ربيعة، فقال: خبأتم خبيئاً حياً. قالوا: زد، قال: ذو برثنٍ أغبر، وبطن أحمر، وظهر أنمر، قالوا: قربت، قال: سما فسطع، ثم هبط فلطع، فترك الأرض بلقع. قالوا. قربت، فطبق، قال: عين جرادة، في خرزة مزادة، في عنق سوار ذي القلادة، قالوا: زهٍ زهٍ! أصبت، فاحكم لأشدنا طعاناً، وأوسعنا مكاناً. قال عبد المطلب: أحكم لأولانا بالخيرات، وأبعدنا عن السوءات، وأكرمنا أمهات. قال ربيعة: والغسق والشفق، والخلق المتفق، ما لبني كلاب وبني رباب من حق، فانصرف يا عبد المطلب على الصواب، ولك فصل الخطاب، فوهب عبد المطلب المال لحرب بن أمية.

جلس نفر من قريش فتحدثوا فقال أبو ربيعة بن المغير. ليس في قريش كرجال ابن مخزوم، منا عبد الله بن عمر بن مخزوم وفلان. فقال أسيد: إليك، بنو قصي أشرف، فتداعوا إلى المنافرة فقال أسيد. إن نافرتك أخرجتك من مالك، وإن نافرتني فلك مالي. فتراضوا بالكاهن الخزاعي فقال فقيم بن أبي همهمة، مهلاً يا ربيعة، فأتى، وخرجوا وساقوا إبلاً ينحرها المنفر، فوجدوا في طريقهم حمامة وثمامة، فأخذوها ودفعوها إلى أسامة عبد أبي همهمة فجعلها في ريش ظليم، فقالوا للكاهن: ما خبأنا؟ قال: أما وغمامة تتبعها عمامة، فوقعت بأرض تهامة، فطفا من وبلها كل طلح، لقد خبأتم لي فرخ حمامة أو أختها يمامة، في زف عمامة، مع غلامكم أسامة، وقالوا: احكم. فقال: أما ورب الواطدات الشم، والجراول السود الصم، إن أسيداً لهو الخصم، لا ينكر الفضل له في القمر، أما ورب السماء والأرض، ما لاح لناظر، لقد سبق أسيد أبا ربيعة بغير مراء. قالوا: فقضى بالفضل لمخزوم فقال: أما ورب العاديات الضبح، ما يعدل الحر بعبده مفشح، بمن أحل قومه بالأبطح، فنحر أسيد ورجعوا فأخذ مال أبي ربيعة، وكانت أخت أسيد عند أبي جهل فكلموها، فكلمت أخاها فرد ماله.
ذكر الأصمعي أن هنداً كانت عند الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان له بيت ضيافة يغشاه الناس فيدخلونه من غير إذن ، فخلا ذلك البيت يوماً واضطجع فيه الفاكه وهند، ثم قام الفاكه فترك هنداً لأمر عرض له، فأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رأى المرأة نائمة ولى هارباً، فأبصر الفاكه، فإذا رجل قد خرج من البيت فأقبل الفاكه إلى هند فرفعها برجله وقال: من هذا الذي كان عندك؟ فقالت: ما رأيت أحداً ولا انتبهت حتى أنبهتني. فقال لها: الحقي بأبيك. قالت: أفعل، ومضت من فورها، وتكلم الناس في ذلك فقال لها أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا فيك الكلام، فأخبريني بالقصة على الصحة، فإن كان كاذباً دسست إليه من يقتله، فتنقطع القالة عنك فحلفت أيمناً بأنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فهل لك في أن تحاكمني إلى بعض الحكام؟ فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرج معه هنداً ونسوة معها يهدون بعض الكهنة، فلما شارفوا بلاد الكاهن، تنكرت حال هند وتغير لونها، ورأى ذلك أبوها فقال لها: يا بنية، إني أرابني ما بك، وما ذاك إلا لمكروه عنك، فهلا كان هذا من قبل أن يشهر عند الناس سرنا؟ قالت: يا أبت والله ما الذي رأيت مني لمكروه، ولكني أعلم أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، فلا آمن أن يسمني ميسماً يكون على عاراً في العرب، قال لها: فإني سأمتحنه قبل المسألة بشيء، وصفر لفرس له فأدلى ثم أخذ حبة بر فأدخلها في إحليلة ثم أوكى عليها بسير، وتركه حتى إذا وردوا على الكاهن أكرمهم وتحر لهم، فلما أكلوا قال عتبة إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبيئاً أختبرك به فانظر ما هو فقال: تمرة في كمرة، فقال له عتبة؟ أريد أبين من هذا. قال: حبة بر، في إحليل مهر. قال: صدقت، فانظر في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند. فضرب على كتفها وقال: انهضي غير رسحاء ولا زانية، ولتلدن ملكاً يقال له معاوية: فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها وقال لها: ارجعي إلى بيتك، فنترت يدها من يده، وقالت: إليك عني فوالله إني لأحرص أن يكون من غيرك، فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية.

خرج خمسة نفرٍ من طيئ من ذوي الحجا والرأي، منهم برج بن مسهر ، وهو أحد المعمرين، وأنيف بن حارثة بن لأم، وعبد الله بن الحشرج أبو حاتم طيء، وعارق الشاعر ومرة بن عبد رضي، يريدون سواد بن قارب الدوسي، ليمتحنوا علمه، فلما قربوا من السراة، قالوا: ليخبأ كل رجل منكم خبيئاً، ولا يخبر به صاحبه، لنسأله عنه، فإن أصاب عرفنا علمه، وإن أخطأ ارتحلنا عنه، فخبأ كل واحد منهم خبيئاً ثم صاروا إليه، فأهدوا له إبلاً وطرفاً من طرف الحيرة، فضرب عليهم قبة، ونحر لهم، فلما مضت ثلاث دعا بهم فدخلوا عليه. فتكلم برج - وكان أسنهم - فقال: جادك السحاب، وأمرع لك الجناب، وضفت عليك النعم الرغاب، ونحن أولو الآكال والحدائق والأغيال والنعم الجفال، ونحن أصهار الأملاك، وفرسان العراك. يورى عنه أنهم من بكر بن وائل، فقال سواد: والسماء والأرض، والغمر والبرض والفرض والقرض، إنكم لأهل الهضاب الشم، والنخيل العم، والصخور الصم، من أجأ العيطاء، وسلمى ذات الرقبة السطعاء.
قالوا: إنا كذلك، وقد خبأ كل واحد منا خبيئاً لتخبره باسمه وخبيئته فقال لبرج: أقسم بالضياء والحلك، والنجوم والفلك، والشروق والدلك، لقد خبأت برثن فرخ، في إعليط مرخ، تحت آسرة الشرخ قال: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قال: أنت برج بن مسهر، عصرة الممعر وثمال المحجر.
ثم قام أنيف بن حارثة فقال: ما خبيئ وما اسمي؟ فقال سواد: والسحاب والتراب، والأصباب والأحداب، والنعم والكثاب، لقد خبأت قطامة فسيط، وقذة مريط، في مدرة من مدى مطيط. قال: ما أخطأت شيئاً فمن أنا؟ قال أنت أنيف، قاري الضيف، ومعمل السيف، وخالط الشتاء بالصيف ثم قام عبد الله بن سعد، فقال: ما خبيئي؟ ومن أنا؟ فقال سواد: أقسم بالسوام العازب، والوقير الكارب، والمجد الراكب، والمشيح الحارب، ولقد خبأت نفاثة فنن، في قطيع قد مرن، أو أديم قد جرن. قال: ما أخطأت، فمن أنا؟ قال: أنت ابن سعد النوال، عطاؤك سجال، وشرك عضال وعمدك طوال، وبيتك لا ينال. ثم قام عارق، فقال: ما خبيئ وما اسمي؟ قال: أقسم بنفنف اللوح، والماء المسفوح، والفضاء المندوح، لقد خبأت زمعة طلاً أعفر، في زعنفة أديم أحمر، تحت حلس نضوٍ أدبر، قال: ما أخطأت شيئاً فمن أنا؟ قال: أنت عارق ذو اللسان العضب، والقلب الندب ومضاء الغرب، ومناع السرب، ومبيح النهب، ثم قام مرة فقال: ما خبيئ وما اسمي؟ فقال سواد: أقسم بالأرض والسماء، والبروج والأنواء، والظلمة والضياء لقد خبأت دمة في رمة، تحت مشيط لمة، قال، ما أخطأت. فمن أنا؟ قال: أنت مرة، السريع الكرة، البطيء الفرة، الشديد المرة، قالوا: فأخبرنا بما رأينا في طريقنا إليك، فقال: والناظر من حيث لا يرى، والسامع قبل أن يناجي، والعالم بما لا يدري، لقد عنت لكم عقاب عجزاء، في شغانيب دوحة جرداء، تحمل جدلاً، فتماريتم إما يداً وإما رجلاً، فقالوا: كذلك، ثم مه؟ قال: سنح لكم قبل طلوع الشرق، سيد أمق على ماء طرق قالوا: ثم ماذا؟ فقال: تيس أفرق، سند في أبرق، فرماه الغلام الأزرق، فأصاب بين الوابلة والمرفق قالوا: صدقت وأنت أعلم من تحمل الأرض، ثم انصرفوا فقال عارق:
ألا لله علم لا يجاري ... إلى الغايات، في جنبي سواد
وهي أبيات.

الباب السابع
أوابد العرب
كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد البعير الذي أمات به مائة فأغلق ظهره لئلا يركب، وليعلم أن صاحبه ممءٍ، حمى ظهره، وإغلاق ظهره: أن تنزع سناسن فقرته، ويعقر سنامه، والفعل: تعني وهو معنى معني، قال الفرزدق:
علوتك بالمفقئ والمعنى ... وبيت المحتبي والخافقات
التعمية والتفقئة
كان الرجل إذا بلغت إبله ألفاً فقأ عين الفحل، يقول: إن ذلك يدفع عنها العين والغارة وهي التفقئة قال:
وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران
فإذا زادت الإبل على الألف عموه بالعين الأخرى وهي التعمية قال الشاعر ينعي عليهم ذلك:
فكان شكر القوم عند المنن ... كي الصحيحات وفقء الأعين
عقد الرتم
كان الرجل إذا أراد سفراً عمد إلى شجرة، فعقد غصناً من أغصانها بآخر، فإن رجع ورآه معقوداً زعم أن امرأته لم تخنه: وإن رآه محلولاً زعم أنها قد خانته، قال الشاعر:

هل ينفعنك اليوم إن همت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرتم؟
خانته لما رأت شيئاً بمفرقه ... وغره حلفها والعقد للرتم

ذبح العتائر
كان الرجل منهم يأخذ الشاة وتسمى العتيرة والمعتورة فيذبحها، ويصب دمها على رأس الصنم، وذلك يفعلونه في رجب، والعتر قيل هو مثل الذبح وقيل هو للصنم الذي يعتر له.
قال الطرماح:
فخر صريعاً مثل عاترة النسك
أزاد بالعاترة الشاة المعتورة.
ذبح الظباء
كان الرجل ينذر أنه إذا بلغت إبله أو غنمه مبلغاً ما ذبح عنها كذا، فإذا بلغت ضن بها، وعمد إلى الظباء يصطادها وفاء بالنذر ويذبحها، قال الشاعر:
عنتاً باطلاً وزوراً كما يع؟ ... تر عن حجرة الربيض الظباء
كي السليم عند الجرب
زعموا أن الإبل إذا أصابها العر فأخذوا الصحيح كووه، زال العر عن السقيم. قال النابغة:
لكلفتني ذنب امرئٍ وتركته ... كذي العر يكوي غيره وهو راتع
ويقال أنهم يفعلون ذلك ويقولون نؤمن معه العدوى.
ضرب الثور ليشرب البقر
كانوا إذا امتنعت البقر عن شرب الماء ضربوا الثور، وزعموا أن الجن تركب الثيران، فتصد البقر عن الشرب.
قال الأعشى: ؟وإني وما كلفتماني وربكم ليعلم من أمسى أعق وأحربا
لكا لثور والجني يضرب ظهره ... وما ذنبه أن عافت الماء مشربا؟
وما ذنبه أن عافت الماء باقر ... وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
وقال آخر:
كذاك الثور يضرب بالهراوي ... إذا ما عافت البقر الظماء
عقد السلع والعشر
كانوا إذا استمطروا يعمدون إلى البقر، ويعقدون في أذنابها السلع والعشر يضرمون فيها النار، ويصعدونها في الجبل، ويزعمون أنهم يمطرون في الوقت.
قال أمية به أبي الصلت:
ويشقون باقر السهل للطو ... د مهازيل خشيةً أن تبورا
عاقدين نيران في ثكن الأذ ... ناب منها لكي تهيج البحورا
سلعٌ ما ومثله عشرٌ ما ... عائلٌ ما وعالت البيقورا
كعب الأرنب
كانوا يعلقونه على أنفسهم، ويقولون: إن من فعل هذا لم تصبه عين ولا سحر؛ وذلك أن الجن تهرب من الأرنب؛ لأنها ليست من مطايا الجن، لأنها تحيض. قال الشاعر:
ولا ينفع التعشير إن حم واقعٌ ... ولا ودعٌ يغني، ولا كعب أرنب
وقيل لزيد بن كثوة: أحق ما يقولون إن من علق على نفسه كعب الأرنب لم تقربه جنان الحي وعمار الدار؟ فقال: إي والله ولا شيطان الحماطة، وجان العشيرة وغول القفر وكل الخوافي، إي والله وتطفأ عنه نيران السعالي.
دائرة المهقوع
وهو الفرس الذي به الدائرة التي تسمى الهقعة، فيزعمون أنه إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته وطلبت الرجال قال:
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حراً عجانها
السنام والكبد
زعموا أن الإنسان إذا عشي ثم قلي له سنام فأكله، وكلما أكل لقمةً مسح جفنه الأعلى بسبابته وقال: يا سنام:
يا سناماً وكبد ... ليذهب الهدبد
ليس شفاءُ الهدبد ... إلا السنام والكبد
عوفي صاحب العشي منه. والهدابد: العشي.
الطارف والمطروف
ويزعمون أن الرجل إذا طرف عين صاحبه فهاجت، فمسح الطارف عين المطروف سبع مرات وقال في كل مرة: بإحدى جاءت من المدينة، باثنتين جاءتا من المدينة، بثلاث جئن من المدينة إلى سبع، سكن هيجانها.
بكاء المقتول
كان النساء لا يبكين المقتول إلى أن يدرك ثأره، فإذا أدرك بكينه، قال:
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه ... يلطمن حر الوجه بالأسحار
وطء المقاليت
يزعمون أن المرأة المقلات إذا وطئت قتيلاً شريفاً بقي أولادها، قال بشر بن أبي خازم:
تظل مقاليت النساء يطأنه ... تقلن: ألا يلقى على المرء مئزر؟
تعليق الحلي على السليم
يزعمون أن السليم إذا علق عليه الحلي أفاق فيلقون عليه الأسورة والرعاث ويتركونها عليه سبعة أيام ويمنع من النوم.
قال النابغة:

يسهد من نوم العشاء سليمها ... لحلي النساء ، في يديه قعاقع

شق الرداء والبرقع
زعموا أن المرأة إذا أحبت رجلاً أو أحبها، ثم لم تشق عليه رداءه، أو يشق عليها برقعها، فسد حبهما، فإذا فعلا ذلك دام حبهما. قال:
إذا شق بردٌ شق بالبرد برقعٌ ... دواليك حتى كلنا غير لابس
فكم قد شققنا من رداء محبر ... وكم برقع عن طفلة غير عانس
رمي السن في الشمس
يقولون إن الغلام إذا أثغر فرمى سنه في عين الشمس بسبابته وإبهامه وقال: أبدليني بها أحسن منها، ولتكن إياتك فيها أمن على أسنانه العوج والقلح والنغل، قال طرفة:
بدلته الشمس من منبته ... برداً أبيض مصقول الأشر
قال النابغة:
سقته إياة الشمس إلا لثاته
وقال أبو دؤاد:
ألقي عليه إياة الشمس أرواقا
ذهاب الخدر
يزعمون أن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحب الناس إليه، ذهب عنه الخدر. قال كثير:
إذا خدر رجلي دعوتك أشتفي ... بذكراك من مذل بها فيهون
وقالت امرأة من كلاب:
إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعبٍ ... فإن قلت: عبد الله! أجلى فتورها
تراجع القلفة
يزعمون أن من ولد في القمراء تراجعت قطعته فكان كالمختون، ودخل امرؤ القيس مع قيصر الحمام فرآه أقلف فقال:
إني حلفت يميناً غير كاذبةٍ ... أنك أقلف إلا ما جنى القمر
إذا طعنت به مالت عمامته ... كما تجمع تحت الفلكة الوبر
التعشير
يزعمون أن الرجل إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها، فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشر كما ينهق الحمار، ثم دخلها لم يصبه وباؤها.
قال عروة بن الورد:
لعمري، لئن عشرت من خشية الردى ... نهاق الحمير، إنني لجزوع
تعليق السن
زعموا أن الصبي إذا خيف عليه نظرة أو خطفةٌ، فعلق عليه سن ثعلب أو سن هرة أو غير ذلك أمن، فإن الجنية إذا أرادته لم تقدر عليه، فإذا قال لها صواحباتها في ذلك. قالت:
كانت عليه نغرة.
ثعالب وهرره.
والحيض حيض السمره.
أعوان السنة
يزعم أنه قيل للسنة أنك مبعوثة، فقالت: ابعثوا معي أعواني: الحصبة والجدري والذئب والضبع.
حبس البلايا
كانوا إذا مات الميت يشدون ناقته إلى قبره، ويعكسون رأسها إلى ذنبها، ويغطون رأسها بوليةٍ - وهي البرذعة - فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى، ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك ليركبها صاحبها في المعاد ليحشر عليها كي لا يحتاج أن يمشي، قال علي أبو زبيد:
كالبلايا رءوسها في الولايا ... مانحات السموم حر الخدود
خروج الهامة
زعموا أن الإنسان إذا قتل ولم يطلب بثأره، خرج من رأسه طائر يسمى الهامة وصاح على قبره: اسقوني!! اسقوني!! إلى أن يطلب بثأره، قال ذو الإصبع:
يا عمرو إلا تدع شمي ومنقصتي ... اضربك حتى تقول الهامة: اسقوني!
الحرقوص
دويبة أكبر من البرغوث يزعمون أنه يدخل أحراح الأكابر فيفتضهن وأنشدوا:
ما لقي البيض من الحرقوص
من مارد لص من اللصوص
يدخل تحت الغلق المرصوص
بمهر لا غالٍ ولا رخيص
عض الصفر
زعموا أن الإنسان إذا جاع عض على شرسوفه حية، تكون في البطن يقال لها الصفر، قال الشاعر:
لا يتأرى لما في القدر يرقبه ... ولا يعض على شرسوفه الصفر
تثنية الضربة
يزعمون أن الجنية تموت من أول ضربة، فإذا ثنيت عاشت. قال تأبط شراً:
فقالت: عد، فقلت: رويداً ... إني على أمثالها ثبت الجنان
خيانة القين

زعموا أن عمرو بن شأس كان غيوراً، ينزل ربوة من الأرض منفرداً عن الناس فطرق الجن ليلاً فأوجس منهم خيفة، ثم تنحى عنهم ويسمع إلى ما قالوا، فقالوا: أما إن محله هذا على عين ما، وإن في إبله دويبة وهي داء إبله، وأن أحد أولاده ليس له. فلما أصبح ثاب إليه عقله فحفر الموضع، فوجد العين ثم طلب الدويبة، فوجدها وقتلها ثم فكر فقال: كيف لي بتعرف خبر أولادي؟ فبينما هم مع عمرو في الصيد حتى طردوا النعام، وأصابه الصيد، لجأوا إلى ظل شجرة فقال لأحدهم: لماذا تصلح هذه الشجرة؟ فقال: لقوم كرام طردوا الصيد نصف النهار ثم جاءوا إليها، وقال للآخر مثله فقال: لأن تكسر فتبني منها مظلة، فقال: هما ابناي. ثم قال للثالث: لماذا تصلح هذه الشجرة؟ فقال: لأن تحرق فتصير فحماً. فاتهمه فتسمى بنو أسد: القيون: وقال أوس بن حجر:
بكرت أمية غدوة برهين ... خانتك إن القين غير أمين
وقول آخر:
وعهد الغانيات كعهد قين

تعفير الزند
إذا قدحوا أخذوا يعفرون رأس الزند، يقولون إن ذلك يخرج ناره قال الطرماح:
وأخرج أمه لسواس سلمى ... لمعفور الضبا ضرم الجنين
حيض الضبع
يقولون إن الضبع تحيض، وأنها تنتاب جيف القتلى، فتركب كمرها وتستعمله، وقالوا في قول الشاعر معاني، أحدها: هذا:
تضحك الضبع لقتلي هذيل ... فترى الذئب لها يستهل
خضاب النحر
كانوا إذا أرسلوا الخيل على الصيد، فسبق واحد منها، خضبوا صدره بدم الصيد علامة له. قال:
كأن دمكاء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل
نصب الراية
كانت العواهر تنصب على أبواب بيوتها رايات لتعرف بها، ومن شتائمهم: يا بن ذات الراية!.
دم الأشراف
يقولون إنه ينفع من عضة الكلب، قال:
من البيض الوجوه بني نمير ... دماؤهم من الكلب الشفاء
رمي البعرة
كانت المرأة إذا أحدت على زوجها سنة، وكان رأس الحول رمت ببعرة، ومعناه: أن هذا هين ومنه المثل السائر: " أهون من لقعة ببعرة " .
ضمان أبي الجعد
وهو الذئب قال الراجز:
أخشى أبا الجعد وأم العمرو
يعني الذئب والضبع، وضمانه أن العرب تقول: إن الضبع إذا هلكت وكانت له جراء تكفل الذئب بقوتها. قال الكميت:
وكما خامرت في حصنها أم عامر ... لذي الحبل حتى عال أوس عيالها
معالجة الضبع
كان الرجل يأتي وجارها ومعه حبل فيدخله ويقول: خامري أم عامر ابشري بشاءٍ هزلي، وجرادٍ عظلي.
فتسكن حتى يقيدها فإن رأت الضوء قبل تقييدها، وثبت على الصائد فقتلته.
رعية الجأب
وهو الحمار الوحشي يقولون: إنه يعلو نشزا من الأرض مع أتنه، مال على الشمس حتى تغيب ثم شرد؛ يفعل ذلك خشية القانص قال:
وظلت صوافن خزر العيون ... إلى الشمس من رهبة أن تغيبا
شرب العير
يزعمون أن الحمار إذا ورد الماء بالأتن تقدمها، فخاض الماء من خوف الرماه، ثم رشف الماء رشفاً خفيفاً، فإذا أمن أعلى الجرع، فجئن إليه إذا سمعن جرعه، قال الشاعر:
فلما رماها بالنجار وأشرفت ... على راكد كالهدم سكانه الرأل
ثناها بهمس الرشف حتى قاربت ... وأعلى جرعاً، فاستجابت على مهل
قطع المشافر
كانوا إذا سلكوا مفازةً جدباء أعطشوا الإبل ثم سقوها ريها، وقطعوا مشافرها طولاً فلا يمكنها أن ترعى، فيبقى الماء في أجوافها، فإذا أعوزهم الماء، شقوا الكرش بالسيف وشربوا الماء استقاء السيف - يعني به - هذا هو القطع. قال الشاعر:
ودويةٍ بها يخشى الردى ... وليس بها إلا اليماني مخلف
المخلف: المسقي أي لا يستقى فيها إلا السيف.
التسويد
كانوا يجعلون الدم في المصير ويلقونه على النار ثم يأكلونه.
التصفيق
كانوا إذا ضل منهم الرجل في الفلاة، قلب ثيابه، وحبس ناقته، وصاح في أذنيها كأنه يومئ إلى إنسان، وصفق بيديه قائلاً: الوحا الوحا، النجا النجا، هيكل، الساعة الساعة، إلي، إلي عجل، ثم يحرك الناقة فتهتدي. قال:
وأذن بالتصفيق من ساء ظنه ... فلم يدر من أي اليدين جوابها
يعني: يسوء ظنه بنفسه إذا ضل.
ضرب الأصم

يزعمون أن الأصم يتشدد في الضرب لأنه لا يسمع شيئاً فيظن أنه قد قصر، قال الشاعر:
فأوصيكما بطعان الكماة ... فقد تعلمان بأن لا خلودا
وضرب الجماجم ضرب الأصم ... حنكل شاته تجني هبيدا

جز النواصي
كانوا إذا أسروا رجلاً؛ ومنوا عليه وأطلقوه، جزوا ناصيته، ووضعوها في الكنانة، قال الحطيئة:
قد ناضلوك فسلوا من كنانتهم ... مجداً تليداً ونبلاً غير أنكاس
وقالوا يعني بالنبل: الرجال.
وقالت خنساء:
جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنون ألا تجزا
الالتفات
زعموا أن من خرج من سفر فالتفت وراءه، وتطيروا له من ذلك سوى العاشق، فإنهم كانوا يتفاءلون إلى ذلك، ليرجع إلى من خلف.
البحيرة
كان أهل الوبر يقطعون لآلهتهم من أموالهم من اللحم، وأهل المدر يقطعون لها من الحرث، فكانت الناقة إذا أنجبت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس - ما لم يكن ذكراً - فشقوا أذنها وتركوها فتلك البحيرة، فربما اجتمع منها هجمة من البحر فلا يجز لها وبر ولا يذكر عليها إن ركبت اسم الله، ولا يحمل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء.
السائبة
كان يسيب الرجل الشيء من ماله، إما بهيمة، وإما إنساناً فيكون حراماً أبداً، منافعها للرجال دون النساء.
الوصيلة
كانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع، فإن كان ذكراً ذبح، وإن كانت أنثى تركت في الشاء، فإن كان ذكراً وأنثى قيل: وصلت أخاها فحرما جميعاً. فكانت منافعها، ولبن الأنثى منها للرجال دون النساء.
الحامي
كان الفحل إذا أدرك أولاد أولاد أولاده، فصار ولده جداً، قالوا: حمى ظهره، اتركوه فلا يحمل عليه، ولا يركب ولا يمنع من ماء ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التي جعلوها لآلهتهم، اشترك في أكلها الرجال والنساء وذلك قول الله عز وجل: " وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء " .
وأما أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا حرثاً، وغرسوا غرساً، خطوا في وسطه خطاً، فقسموه بين اثنين، فقالوا: ما دون هذا الخط لآلهتهم، وما وراءه لله. فإن سقط مما جعلوا لآلهتهم أقروه، وإذا أرسلوا الماء في الذي لآلهتهم فانفتح في الذي سموه لله سدوه، وإن انفتح من ذاك في هذا قالوا: اتركوه فإنه فقير إليه. فأنزل الله عز وجل: " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فقالوا: هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم، ساء ما يحكمون " .
الأزلام
كانوا إذا كانت مداراة أو نكاح أو أمر يريدونه، فلا يدرون ما الأمر فيه، ولم يصح لهم، أخذوا قداحاً لهم فيها افعل، ولا تفعل، ونعم، لا، خير، شر، بطيء، سريع أما المداراة فإن قداحها كانت بيضاً ليس فيها شيء، كانوا يجيلونها، فمن خرج سهمه فالحق له، وللحضر والسفر سهمان فيأتون السادن من سدنة الأوثان فيقول السادن: اللهم أيهما كان خيراً فأخرجه لفلان: فيرضى بما خرج له. وإذا شكوا في نسب الرجل أجالوا له القداح وفيها: صريح وملصق فإن خرج الصريح ألحقوه بهم ولو كان دعياً، وإن خرج الملصق نفوه وإن كان صريحاً، فهذه قداح الاستقسام.
الميسر
أما الميسر فإن القوم كانوا يجتمعون فيشترون الجزور بينهم، فيفصلونها على عشرة أجزاء ثم يؤتى بالحرضه وهو رجل يتأله عندهم، لم يأكل لحماً قط بثمن فيؤتى بالقداح وهي أحد عشر قدحاً، سبعة منها لها حظ إن فازت، وعلى أهلها غرم إن خابت بقدر مالها من الحظ عند الفوز، وأربعة تثقل بها القداح، لاحظ لها إن فازت، ولا غرم عليها إن خابت، فأما التي لها الحظ: فأولها: الفدُّ، في صدره حز واحد، فإن خرج أخذ نصيباً، وإن خاب غرم صاحبه ثمن نصيب.
ثم التوءم له نصيبان إن فاز، وعليه ثمن نصيبين إن خاب.
ثم الضريب وله ثلاثة أنصباء.
ثم الحلس ولها أربعة.
ثم النافس وله خمسة.
ثم المسبل وله ستة.
ثم المعلى وله سبعة.

وأسماء الأربعة التي تثقل بها القداح: السفيح والمنيح والمضعف والمصدر. فيؤتى بالقداح كلها، وقد عرف كل رجل ما اختار من السبعة، ولا تكون الأيسار إلا سبعة، لا يكونون أكثر من ذلك، فإن نقصوا رجلاً أو رجلين فأحب الباقون أن يأخذوا ما فضل من القداح فيأخذ الرجل القدح أو القدحين فيأخذ فوزهما إن فازا، أو يغرم عنهما إن خابا ويدعى ذلك التتميم. قال النابغة:
إني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي، وأكسوا لجفنة الأدما
فيعمد إلى القداح، فتشد مجموعة في قطعة جلد تسمى الربابة، ثم يعمد إلى الحرضة فيلف على يده اليمنى صنفة ثوب لئلا يجد مس قدح له في صاحبه هوى فيحابيه في إخراجه، ثم يؤتى بثوب أبيض يدعى المجول فيبسط بين يدي الحرضة، ثم يقوم على رأسه رجل يدعى الرقيب ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة وهو محول الوجه عنها، فيأخذها بيمينه، ويدخل شماله من تحت الثوب، فينكز القداح بشماله، فإذا نهد منها قدح تناوله فدفعه إلى الرقيب، فإن كان مما لاحظ له رد إلى الربابة، فإن خرج المعلى أخذ صاحبه سبعة أنصباء، فإن خرج بعده المسبل أخذ الثلاثة الباقية، وغرم الذين خابوا ثلاثة أنصباء من جزور أخرى، على هذه الحال يفعل بمن فاز وبمن خاب فربما نحروا عدة جزر، ولا يغرم الذين فازوا من ثمن الجزور شيئاً، وإما الغرم على الذين خابوا، ولا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئاً، فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطار ما فعلوا ذلك به.

نكاح المقت
كان الرجل إذا مات، قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه، فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة، يزوجها بعض اخوته بمهر جديد، فكانوا يرثون نكاح النساء كما يرثون المال، فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن " .
الاستئسار
وكان الرجل يحمل في الحرب على الرجل بالطرف الذي فيه الزج، فيقول: استأسر! فإن لم يفعل قلب له السنان.
قال زهير:
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم
الذئاب
ويزعمون إنه إذا ظهر بأحد الذئاب دم، مال عليه صاحبه فقتله.
قال ابن الطثرية:
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوماً دماً فهو آكله
نباح الكلاب
ويقولون: إن الكلاب إذا نبحت السماء، دل ذلك على الخصب.
قال:
وما لي لا أغزو وللدهر كرة ... وقد نبحت نحو السماء كلابها
نقب لحى الكلب
وكانوا ينقبون لحى الكلب في السنة الصعبة، لئلا يسمع الأضياف نباحه.
خرزة السلوان
ويزعمون أن للسلوان خرزة إذا حكها العاشق بماء، وشرب ما يخرج منها، سلا وصبر.
قال ذو الرمة:
لا أشرب السلوان ما سليت
ما بي غنى عنك وإن غنيت
نيران العرب
نار الاستسقاء:
منها النار التي كانوا يستعملونها في الجاهلية الجهلاء، وهي الجاهلية الأولى فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد عليهم البلاء واشتد الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار واجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السلع والعشر ثم صعدوا بها في جبل وعر وأشعلوا فيها النار، وضجوا بالدعاء والتضرع، فكانوا يرون أن ذلك من أسباب السقيا.
وأنشد الورل الطائي:
لا در در رجالٍ خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقوراً مسلعةً ... ذريعةً لك بين الله والمطر؟
ونار أخرى وهي التي توقد عند ذلك، ويدعون الله الحرمان والمنع من منافعها، على الذي ينقض العهد ويخيس بالعهد، ويقولون في الحلف : الدم، الدم، والهدم الهدم.
يحركون الدال في هذا الموضع لا تزيده الشمس إلا شراً، وطول الليالي إلا ضراً، ما بل البحر صوفه، وما قامت رضوى في مكانها - إن كان جبلهم رضوى، وكل قوم يذكرون المشهور من جبالهم - وربما دنوا منها حتى تكاد تحرقهم، يهولون على من يخافون الغدر من جهته بحقوقها ومنافعها ومرافقها بالتخويف من حرمان منفعتها. قال الكميت:
هم خوفوني بالعمى هوة الردى ... كما شب نار الحالفين المهول
وقال أوس بن حجر:

إذا استقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف
ولقد تحالفت قبائل من قبائل مرة بن عوف، فتحالفوا عند نار دنوا منها وعشوا بها وهولوا بها حتى محشتهم النار، فسموا المحاش وكان سيدهم والمطاع فيهم أبو ضمرة بن سنان بن أبي حارثة ولذلك يقول النابغة:
جمع محاشك يا يزيد فإنني ... جمعت يربوعاً لكم وتميما
وربما تحالفوا وتعاقدوا على الملح. والملح شيئان: أحدهما الدقة والآخر اللبن، وأنشد لأبي الطمحان:
وإني لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبرا
وذلك أنه جاورهم فكان يسقيهم اللبن فقال: أرجو أن تسرعوا في رد إبلي على ما شربتم من ألبانها. وقوله " وما بسطت من جلد أشعث أغبرا " كأنه يقول: كنتم مهازيل، - والمهزول يتقشف جلده وينقبض، فسمنتهم - فبسط ذلك من جلودكم.

نار الطرد:
نار أخرى: وهي التي كانوا ربما أوقدوها خلف المسافر، وخلف الزائر، الذي لا يحبون رجوعه، يقولون في الدعاء: أبعده الله وأسحقه وأوقدوا ناراً على إثره، وأنشدوا:
وجمة أقوام حملت ولم أكن ... كموقد نارٍ إثرهم للتندم
والجمة: هي الجماعة يمشون في الدم وفي الصلح، يقول: لم تندم على ما أعطيت من الحمالة عند كلام الجماعة، فتوقد خلفهم ناراً لئلا يعودوا ومن ذلك قول الشاعر:
صحوت وأوقدت للجهل ناراً ... ورد عليك الصبا ما استعارا
يقول: إني أردت ألا يراجعك الجهل فأوقدت خلفه ناراً.
نار أخرى:
وهي: كانوا إذا أرادوا حرباً، فتوقعوا جيشاً عظيماً، وأرادوا الاجتماع، أوقدوا ليلاً ناراً على جبلهم، ليبلغ الخبر أصحابهم قال عمرو بن كلثوم:
ونحن غداة أوقد في خزازي ... رفدنا فوق رفد الرافدينا
وربما جدوا في جمع عشائرهم فأوقدوا نارين، وذلك قول الفرزدق:
ضربوا الصنائع والملوك وأوقدوا ... نارين، أشرفنا على النيران
وربما أوقدوا ناراً واحدة، وربما أوقدوا ناراً عدة، فأما النار الواحدة فقد توقد للقريب، ويستدل بها بالليل من يلتمس ذلك من باغ وزائر وجائع، فإن كان الرجل قادراً مطعاماً، أوقد الليل كله، وأكثر ذلك في ليالي الشتاء، وربما صنعوا ذلك عند توقع الجيوش العظام، واستجماع قبائلهم، قال ابن مياده:
وناراه نار كل مدفع ... وأخرى يصيب المجرمين سعيرها
ونار أخرى وتسمي يلمع، وهو حجر يلمع، ويبصر من بعيد، فإذا دنوت منه لم تر شيئاً، قال متمم:
وقيساً وجزءاً بالمشقر ألمعاً
ونار أخرى وهي التي توقد للسليم إذا سهد، كما قال النابغة:
يسهد من الليل التمام سليمها ... ولحلى النساء في يديه فقاقع
وتلك النار توقد للمجروح والمضروب إذا خافوا عليه الكزاز من نزف الدم، وهم يكرهون له النوم في تلك الحال، والشطار لا يدعون المضروب على ظهره بالسياط أن ينام يرون أن حتفه فيه، ويحمون النوم صاحب عضة الكلب، وفي نار المجروح يقول الأعشى:
بداميةٍ يغشى الفراش رشاشها ... يبيت لها ضوء من النار جاحم
ونار أخرى وذلك أن الملوك إذا سبوا القبيلة بأسرها وخرجت إليهم السادات في الفداء أو الاستيهاب، فيكرهون أن يعرضوا النساء نهاراً فيفتضحن فيعرضهن ليلاً في الظلمة دون النار والضوء، فيخفى عليه قدر ما يجيس لنفسه من الصفى، وقدر ما تجود به نفسه من أخذ فداء أو امتنان على الوقد فتوقد. لذلك قال الشاعر:
نساء بني شيبان يوم أوارةٍ ... على النار إذا تجلى له فتيانها
ونار أخرى، وهي نار الوسم والميسم:
يقال للرجل: ما نارك؟ فيقول: خباط أو علاط أو حلقة أو كذا أو كذا وعرض بعض اللصوص إبلاً قد أغار عليها وسلبها من كل جانب، وجمعها من قبائل شتى، ففر بها إلى بعض الأسواق، فقال له بعض التجار. ما نارك؟ - وإنما يسألون عن ذلك لأنهم يعرفون ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها به - فقال:
يسألني الباعة ما نجارها ... إذا زعزعوها فسمت أبصارها
وكل دار لأناس دارها ... وكل نار العالمين نارها
نار الزحفتين:

هي نار أبي سريع، وهو العرفج، لأن العرفج إذا التهبت فيه النار أسرعت وعظمت وشاعت واستفاضت أسرع من كل شيء، فمن كان يقربها يزحف عنها ثم لا تلبث أن تنطفئ من ساعتها، في مثل تلك السرعة فيحتاج الذي زحف عنها، إلى أن يزحف إليها من ساعته، فلا تزال ولا يزال المصطلى بها كذلك، فمن أجل ذلك قيل لها نار الزحفتين.
ونار أخرى: وهي التي يذكر العرب أن الغيلان توقدها بالليل للعبث والتخييل وإضلال السابلة.
ونار أخرى: وهي مذكورة على الحقيقة لا على المثل، وهي من أعظم مفاخر العرب وهي النار التي ترفع للسفر ولمن يلتمس القرى، فكلما كانت أضخم وموضعها أرفع، كانت أفخر، قال الشاعر:
له نار تشب بكل وادٍ ... إذا النيران ألبست القناعا

نار الإياب:
ونار أخرى: وهي التي توقد للقادم من سفر سالماً غانماً، قال:
يا لبيني أوقدي النارا ... إن من تهوين قد حارا
حار: رجع. قال الله تعالى: " إنه ظن أن لن يحور بلى " أي لن يرجع.
نار العار:
ونار أخرى: كانت العرب إذا غدر الرجل بجار، أوقد له ناراً بمنى أيام الحج على الأخشب، وهو الجبل المطل على منى ثم صاحوا: هذه غدرة فلان فيدعو عليه الناس قالت امرأة من بني هاشم:
فإن تهلك فلم تعرف عقوقا ... ولم توقد لنا بالغدر نارا
وقال بعض الحكماء: النيران أربعة: نار تأكل وتشرب، وهي نار المعدة، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار البرق، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الحطب.
ويقال أيضاً: النيران أربعة: فنار تشرب ولا تأكل، ونار تأكل ولا تشرب، ونار تأكل وتشرب، ونار لا تأكل ولا تشرب؛ فأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي النار التي هي من الشجر، والنار التي تأكل ولا تشرب فناركم هذه، والنار التي لا تأكل ولا تشرب فالنار التي في الحجر، والنار التي تأكل وتشرب فنار جهنم.
الباب الثامن
وصايا العرب
أخبرنا الصاحب إسماعيل بن القاسم عن الأبجي عن محمد بن الحسن عن أبي نصر، عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول لبنيه وهو يوصيهم: اتقوا الظهيرة الغراء، والفلاة الغبراء، وردوا الماء بالماء.
أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال: يا بني، قد أتت علي مائة وستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلة فاجر، ولا صبوت بابنة عم ولا كنة، ولا بحت لصديق علي بسر.
ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بقي على دين عيسى بن مريم أحد من العرب غيري وغير تميم بن مرة، وأسد بن خزيمة، فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيتي، إلهكم فاتقوه، يكفكم المهم من أموركم، ويصلح لكم حالكم، وإياكم والمعصية، يحل بكم الدمار ويوحش منكم الديار، وكانوا جميعاً، ولا تفرقوا فتكونوا شيعاً، بزوا قبل أن تبزوا، فموت في عز، خير من حياةٍ في ذل وعجز، فكل ما هو كائن كائن، وكل جمع إلى تباين، والدهر صرفان: صرف بلاءٍ وصرف رخاء. واليوم يومان: يوم حبرة ويوم عبرة، والناس رجلان: رجل معك، ورجل عليك. زوجوا النساء من الأكفاء وإلا فانتظروا بهن القضاء، وليكن طيبهن الماء، وإياكم والورهاء فإنها أدوأ الداء.
يا بني: قد أكلت مع أقوام، وشربت مع أقوام، فذهبوا وغبرت وكأني بهم قد لحقت. ثم أنشأ يقول:
أكلت شبابي وأفنيته ... وأمضيت بعد دهورٍ دهورا
في أبيات أخر: قال أبو عمرو بن العلاء: أنكح ضرار بن عمرو الضبي ابنته من معبد بن زرارة، فلما أخرجها إليه قال: يا بنية أمسكي عليك الفضلين: فضل الغلمة، وفضل الكلام، ضرار هو الذي رفع عنزته بعكاظ وقال: " ألا إن شر حائل أم، فزوجوا أمهات " ، وذلك أنه صرع بين القنا، فأشبل عليه إخوته لأمه حتى أنقذوه.
لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بني احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني. إذا مت، فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم، فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم، وعليكم باستصلاح المال، فإن منبهة للكريم، ويستغني به عن اللئيم، وإياكم ومسالة الناس فإنها أخر كسب المرء.
لما أقام ابن قميئة بين العقابين قال له أبوه: أطر رجليك، وأصر إصرار الفرس، واذكر أحاديث غدٍ، وإياك وذكر الله في هذا الموضع فإنه من الفشل.

أوصى أبو الأسود ابنه فقال: يا بني، إذا جلست في قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك، وإذا وسع الله عليك فابسط يدك، وإذا أمسك عليك فامسك ولا تجاود الله فإن الله أجود منك.
قال بعضهم لبنيه: يا بني لا تعادوا أحداً، وإن ظننتم أنه يضركم، ولا تزهدوا في صداقة أحد، وإن ظننتم أنه لا ينفعكم، فإنكم لا تدرون متى تخافون عداوة العدو، ولا متى ترجون صداقة الصديق، ولا يعتذر إليكم أحد إلا قبلتم عذره، وإن علمتم أنه كاذب، زجوا الأمر زجاً.
وقال سعد العشيرة لبنيه عند موته: إياكم وما يدعو إلى الاعتذار، ودعوا قذف المحصنات، لتسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي، ودعوا المراء والخصام، تهبكم العشائر، وجودوا بالنوال تنم لكم الأموال، وإياكم ونكاح الورهاء، فإنها أدوأ الداء، وابعدوا من جار السوء داركم، ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التقاطع.
وقال بعضهم: سمعت بدوياًُ يقول لابنه: يا بني: كن سبعاً خالساً، أو ذئباً خانساً، أو كلباً حارساً، وإياك وأن تكون إنساناً ناقصاً.
قال هانئ قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل: الحذر لا ينجي من القدر، والدنية أغلظ من المنية، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغر، خير وأكرم منه في الدبر، يا بني: هالك معذور، خير من ناج فرور، قاتلوا، فما للمنايا من بد.
قال أكثم بن صيفي: يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي، إن بين حيزومي وصدري لبحراً من الكلم، لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقار إلا قلوبكم فتلقوها بأسماع صافية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها: إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروية مقيدة، ومن يجهل التواني، ويترك الروية يتلف الحزم.
ولن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن، ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، ولا يجاوز ضره نفسه.
يا بني تميم: الصبر على جرع الحلم، أعذب من جني ثمر الندم، ومن جعل عرضه دون ماله، استهدف الذم، وكلم اللسان، أنكى من كلم الحسام، والكلمة مزمومة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع محرب، أو نار تلهب، ولكل خافية مختفٍ، ورأى الناصح اللبيب دليل لا يجور، ونفاذ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن والضرب.
استشار قومٌ أكثم بن صيفي في حربٍ أرادوها، وسألوا أن يوصيهم، فقال: أقلوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا المحالة، فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تهب ريثاً، واتزروا للحرب وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
وقال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه: يا بني إذا نازعتك نفسك إلى صحبة الرجال، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن عرتك به مؤونة أعانك. اصحب من إن قلت صدق قولك، وإن ملت سدد صولك، واصحب من إن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها. اصحب من إن سألته أعطاك، وإن سكت أغناك، اصحب من لا يأتيك من البوائق، ولا يختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.
وقال بعضهم لابنه: كن يا بني جواداً بالمال في موضع الحق، ضنيناً بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء، الإنفاق في وجه البر، والبخل بمكتوم السر.
أوصى بعض الأنصار ابنه فلقال: يا بني، إني موصيك بوصية، إن لم تحفظها عني كنت خليقاً ألا تحفظها عن غيري: يا بني اتق الله، وإن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك من أمس، وغداً خيراً منك اليوم، فافعل. وإذا عثر عاثر من بني آدم فاحمد ألا تكونه، وإياك والطمع، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس، فإنك لن تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه، وإياك وما يعتذر منه، فإنه لا يعتذر من خير أبداً، وإذا قمت إلى صلاتك فصل صلاة مودع، وإنك ترى أنك لا تصلي بعدها أبداً.

روى عن الكلبي قال: لما قتل قيس بن زهير أهل الهبات خرج حتى لحق بالنمر ابن قاسط فقال: يا معاشر النمر، أنا قيس بن زهير، حريب طريد، شريد، موتور فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى وأدبها الفقر، قال: فزوجوه امرأة منهم فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي، إني فخور غيور آنف، ولست أفخر حتى أبتلي، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم، فرضوا أخلاقه، فأقام فيهم حتى و لد له، ثم أراد التحول عنهم. فقال: يا معشر النمر: إني أرى لكم علي حقاً بمصاهرتي إياكم، ومقامي بين أظهركم، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال: عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة، وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فإن به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل الإنعام وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى، وخلط الضيف بالعيال، وأنهاكم عن الرهان فغني به ثكلت مالكاً أخي، وعن البغي فإنه صرع زهيراً أبي، وعن السرف في الدماء، فإن قتلى أهل الهبات أورثني العار. ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء، فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور، واعلموا أني أصبحت ظالماً مظلوماً؛ ظلمتني بنو بدر بقتلهم مالكاً، وظلمتهم بقتلي من لا ذنب له. ثم رحل عنهم فلحق بعمان، فتنصر بها، وأقام حتى مات. وقيل إنه احتاج فكان يأكل الحنظل حتى قتله، لم يخبر أحد بحاجته.
بلغ أبا الأغر أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شر، فأرسل ابنه الأغر فقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسيف فإنه ظل الموت، واتق الرمح فإنه رشاء المنية، ولا تقرب السهام فإنها رسلٌ لا تؤامر مرسلها، قال فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر:
جلاميد أملاء الأكف كأنها ... رءوس رجالٍ حلقت في المواسم
وقال رجل من بني هلال لبنيه: يا بني اظهروا النسك فإن الناس إن رأوا من أحدكم بخلا قالوا: مقتصد لا يحب الإسراف وإن رأوا عياً قالوا: متوق يكره الكلام، وإن يروا جبناً قالوا: متحرج يكره الإقدام على الشبهات.
وكانت العرب إذا أوفدت وافداً تقول له: إياك والهيبة فإنها خيبة، وعليك بالفرصة فإنها خلسة، ولا تبت عند ذنب الأمر، وبت عند رأسه.
أوصت أعرابية ابنتها عند إهدائها إلى زوجها، فقالت: اقلعي زج رمحه، فإن أقر فاقلعي سنانه، فإن أقرفا كسرى العظام بسيفه، فإن أقر فاقطعي اللحم على ترسه، فإن أقر فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار.
وأوصت أخرى ابنتها وقد زوجتها فقالت: لو تركت الوصية لأحد لحسن أدب أو لكرم حسب لتركتها لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. يا بنية: إنك قد خلفت العش الذي فيه درجت، والموضع الذي منه حرجت، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، كوني لزوجك أمةً، يكن لك عبداً، واحفظي عني خصالاً عشراً، تكن لك ذخراً وذكراً، أما الأولى والثانية: فحسن الصحابة بالقناعة، وجميل المعاشرة بالسمع والطاعة، ففي حسن الصحابة راحة القلب، وفي جميل المعاشرة رضا الرب. والثالثة والرابعة: التفقد لموضع عينه، والتعاهد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا تجد أنفه منك خبث ريح. واعلمي أن الكحل أحسن الحسن المودود، وأن الماء أطيب الطيب الموجود، والخامسة والسادسة، فالحفظ لماله، والإرعاء على حشمه وعياله، واعلمي أن أصل الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير، والإرعاء على الحشم والعيال من حسن التدبير. والسابعة والثامنة: التعاهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فحرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، والتاسع والعاشر: فلا تفشين له سراً ولا تعصين له أمراً، فإنك إن أفشيت سره، لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
لما حضرت وكيعاً الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بني إن قوماً سيأتونكم قد فرحوا جباههم وعرضوا لحاهم، يدعون أن لهم على أبيكم ديناً فلا تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من الذنوب ما إن غفرها الله، لم تضره هذه، وإلا فهي مع ما تقدم.
لما حضرت سعد بن زيد مناة الوفاة جمع ولده، فقال: يا بني أوصيكم بالناس شراً، كلموهم نزرا، واظعنوهم شذراً، ولا تقلبوا لم عذراً، اقصروا الأعنة، واشحذوا الأٍنة، وكلوا القريب يرهبكم البعيد.

وأوصيت امرأة ابنتها وقد أهدتها إلى زوجها، فقال: كوني له فراشاً يكن لك معاشاً، وكوني له وطاء يكن لك غطاء، وإياك والاكتئاب إذا كان فرحاً، والفرح إذا كان كئيباً، ولا يطلعن منك على قبيح، ولا يسمن منك إلا الطيب ريحاً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن أفشيت سره، سقطت من عينه، ولم تأمني غدره، وعليك بالدهن والكحل فهما أطيب الطيب.
وزوج عامر بن الظرب ابنته من ابن أخيه، فلما أرادوا تحويلهما قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازةً إلا ومعها ماء؛ فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا مل البدن مل القلب، ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة الموافقة.
فلم تلبث إلا شهراً حتى جاءته مشجوجة، فقال لابن أخيه: يا بني، إرفع عصاك عن بكرتك تسكن فإن كانت نفرت من غير أن تنفر، فذاك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاق ففراق الخلع أحسن من الطلاق، وإن لم تنزل أهلك ومالك، فرد عليه صداقه، وخلعها منه فهو أول خلع كان في العرب.
قال أكثم بن صيفي: ألزموا النساء المهابة وأكرموا الخيل، ونعم لهو الحرة المغزل وحيلة من لا حيلة له؛ الصبر.
وقال أكثم بن صيفي لولده: يا بني تقاربوا في المودة، ولا تتكلوا على القرابة.
وصى رجل من ربيعة ابنه، فقال: يا بني إذا حزبك أمر فحك ركبتك بركبة شيخ من قومك، وشاوره، فإني أردت التزويج فأتيت شيخاً من قومي في بادية، فجلست إليه حتى خف من عنده، فقال، يا ابن أخي لك حاجة؟ فقلت: نعم، أردت التزويج فأتيتك أشاورك. فقال: أقصيرة النسب أم طويلته؟ فما أخيرت ولا أردأت، - أي لم اقل خيراً ولا رديئاً - فقال: يا ابن أخي إني لأعرف في العين إذا لم تنكر ولم تعرف، فأما العين إذا عرفت فإنما تتحاوص للمعرفة، وإذا أنكرت فإنها تجحظ للإنكار، وإذا لم تعرف ولم تنكر فإنها تسجو سجواً، يا ابن أخي، لا تزوج إلى قوم أهل دناءةٍ، أصابوا من الدنيا عثرة، فتشركهم في دناءتهم، ولا يشركونك في أموالهم، فقال، فقمت وقد أكفيت.
أوصت امرأة من كلب ابنها فقالت: يا بني إذا رأيت المال مقبلاً فانفق، فإنه يحتمل النفقة، وإذا رأيته مدرباً فانفق فإن ذهابه فيما تريد، خيرٌ من ذهابه فيما لا تريد.
قال الغضبان بن القبعثري لولده: يا بني إذا سمعتم صيحة بليل، فلا تخرجوا غليها، فإن صاحبها لو وجد بدرة لم يدعكم إليها.
كان دريد بن الصمة يقول: النصيحة ما لم تهجم على الفضيحة، وإذا اجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك، فإنه من عاره غانماً لم يرجع سالماً، ولا تحقروا شراً فإنه كثير، ومن خرق ستركم فأرقعوه، ومن حاربتم فلا تغفلوه، وأحيلوا جدكم كله عليه، ومن أسدى إليكم خطة خير فأضعفوا له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله، ومن كانت له مروءة فليظهرها، ولا تنكحن دنياً من غيركم، فإن عاره عليكم. وإياكم وفاحشة النساء، وعليكم بصلة الرحمن فإنها تديم الفضل، وترين النسل، وأسلموا كل جريرة بجريرته، ولا تسخطن خلقاً من غيركم فتعلموه بينكم.
قال أعرابي لأخيه وكان بخيلاً، يا أخي إن لم تفن مالك أفناك، وإن لم يكن لك كنت له، فكله قبل أن يأكلك.
وقال جد زيد بن حارثة لبنية: اتقوا إلهكم، ولا تستثيروا السباع من مرابضها فندموا، وداروا الناس بالكف عنهم تسلموا، وخفوا عن السؤال ولا تتثاقلوا.
قيل بلغ ولد طيئ بن أدد وولد ولده وهو حي خمسمائة رجل فجمعهم حين حضرت الوفاة فقال: يا بني، إنكم قد نزلتم منزلاً لا تدخلون منه، ولا يدخل عليكم، فارعوا مرعى الضب الأعور، يعرف قدره ويبصر حجره، ولا تكونوا كالجراد لقف وادياً، وترك وادياً، وإياكم والبغي، فإن الله إذا أراد هلاك النملة، جعل لها جناحين.
أوصى سعد العشيرة بنيه عند موته فقال: يا بني إلهكم اتقوا في الليل والنهار، وإياكم وما يدعوا إلى الاعتذار، ودعوا قفو المحصنات، تسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي على قومكم، تعمر لكم الساحات، ودعوا المراء والخصام، تسلم لكم المروءة والأحلام، وتحببوا إلى العشائر يهبكم العمائر، وجودوا بالنوال تثمر لكم الأموال، وإياكم ونكاح الحمقاء الورهاء، فإنها أدوى الداء، وأبعدوا عن جار السوء داركم، ومن قرين الغي مزاركم ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التباين، ولا تكونوا لآبائكم عاقين، وحياكم ربكم وسلمكم.

وأوصى قيس بن معدي كرب الكندي أولاده حين بلغوا فقال: يا بني، عليكم بهذا المال، فاطلبوه بأجمل الطلب، ثم اصرفوه في أجمل مذهب وصلوا منه الأرحام، واصطنعوا منه الأقوام واجعلوه جنةً لأعراضكم، يحسن في الناس مقالكم، فإن بذله كمال الشرف وثبات المروءة حتى أنه يسود غير السيد، ويقوي غير الأيد، حتى يكون في أنفس الناس نبيهاً، وفي أعينهم مهيباً، ومن كسب مالاً، فلم يصل منه رحماً، ولم يعط منه سائلاً، ولم يصن به عرضاً، بحث الناس عن أصله، فإن كان مدخولاً هتكوه، وإن كان صحيحاً كسروه إما دنية أو عرقاً لئيماً حتى يهجنوه.
وأوصى الأشعث بن قيس فيقال: يا بني ذلوا في أعراضكم وانخدعوا في أموالكم، فإن أباكم كذاك كان يفعل، لتخفف بطونكم من أموال الناس، وظهور كم من دمائهم، فإن لكل أمر تبعة، وأصلحوا المال لجفوة السلطان، ونبوة الزمان، وأجملوا في طلب الرزق، حتى يوافق النجاح قدراً، وكفوا عند أول مسألة؛ فإنه كفى بالود منعاً، وامنعوا نساءكم إلا من أكفائكم، فإنكم أهل بيت يكتفي بكم الكريم، ويتشرف بكم اللئيم، وكونوا في عوام الناس ما لم يضطرب حبل، فإذا اضطرب حبل، فالحقوا بعشائركم، وعودوا بفضلكم على قومكم، فإنه لم يزل رجل منكم يرجى عذره وتعمريده.
وأوصى أود بن صفر بن سعد العشيرة فقال: يا بني، سلوا الناس ولا تخبروهم، وأخيفوهم ولا تخافوهم.
وأوصى أسلم بن أفصى الخزاعي فقال: يا بني، اتقوا ربكم في الليل إذا دجا، وفي النهار إذا أضاء، يكفكم كل ما تخافون ويتقي، وإياكم ومعصيته، فإنه ليس لكم وراءه وزر، ولا لكم دونه محتضر، يا بني: جودوا بالنوال وكفوا عن السؤال، يا بني: إنكم إن وهبتم قليلاً فسيعود لكم نحلاً، فلا تمنعن سائلاً محقاً كان أو مبطلاً، فإن كان محقاً فلا تحرموه، وإن كان مبطلاً فقد أذهب خفره، وصرح الحياء عن بصره فأعطوه، ولا تماروا عالماً ولا جاهلاً فن العالم يحجكم فيغلبكم، وإن الجاهل يلحكم فيغضبكم فإذا جاء الغضب كان فيه العطب، وإياكم والفجور بحرم الأقوام، فإنه قلما انتهك رجل حرمة إلا ابتلى في حرمته. وإياكم وشرب الخمر، فإنها متلفة للمال، طلابة لما لا ينال، وإن كان فيها صلاح البدن، فإن فيها مفسدة للعقل. وإياكم والاختلاف فإنه ليس معه ائتلاف، ولا يكونن لكم جار السوء جاراً، ولا خدن السوء زوارا، وعليكم بصلة الرحم تكثر أموالكم، ولا تقطعوا فتعف من دياركم آثاركم، وإياكم والعجز والتواني، فإنهما يورثان الندامة، ويكثرانالملامة، يا بني: أنتم مثل شجرة نابتة الأركان، ملتفة الأغصان ولا تختلفوا فتذبل الأغصان، وتجف الشجرة، فتكونا أشلاء بكل مكان. يا بني، قد أتت علي مائتي سنة ما شَتَمْتُ ولا شُتِمتُ، ولا قلت من لوم: ماذا صنعت؟ خذوا بوصيتي تسلموا، ولا تخالفوا فتندموا.
يقال إن أوس بن حارثة أبا الأنصار لما حضرته الوفاة ولم يكن له ولد غير مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة، قيل له: كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت، وليس لك ولد إلا مالك، فقال: لم يهلك هالك، ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد فلعل الذي استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة أن يجعل لمالك نسلاً، ورجالاً بسلاً، وكلنا إلى الموت، يا مالك: المنية ولا الدنية، والعتاب قبل العقاب، والتجلد ولا التبلد، واعلم أن القبر خير من الفقر ومن لم يعط قاعداً منع قائماً، وشر شارب الشراب المشتف وأقبح طاعم للطعام المقتف، وذهاب البصر خير من كثير من النظر، ومن كرم الكريم، الدفاع عن الحريم، ومن قل ذل، ومن أمر قل وخير الغني القناعة، وشر الفقر الخضوع: والدهر صرفان، صرف رخاء، وصرف بلاء، واليوم يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، يميتك المفيت، خير من أن يقال هبيت، وكيف بالسلامة لمن ليست له إقامة؟ وحياك ربك والسلام.

جمع زرارة بن عدس التميمي بنيه وهو يومئذ عشرة: حاجب ولقيط ومعبد ومالك ولبيد وعلقمة وخزيمة وسعد ومناة وعمرو والمنذر فقال: يا بني: إنكم أصبحتم بيت تميم، بل بيت مضر، يا بني: ما هجمت على قوم قط من العرب لا يعرفونني إلا أجلوني فإذا عرفوني ازددت عندهم شرفاً، وفي أعينهم عظماً، ولا وفدت إلى ملك عربي قط ولا أعجمي إلا آثرني وشفعني، يا بني: خذوا من آدابي، وقفوا عند أمري، واحفظوا وصيتي، وموتوا على شريعي، وإياكم أن تدخلوا قبري حوية أسب بها، فوالله ما شايعتني نفسي على إتيان دنية ولا عمل بفاحشة، ولا جمعني وعاهرة سقف بيت قط، ولا حسنت لنفسي الغدر منذ شدت يداي إزاري، ولا فارقني جارٌ لي عن قلي، ولا حملتني نفسي عن هوى يعيبني في مضر، يا بني: إن القالة إليكم سريعة، والآذان سميعة، فاتقوا الله في الليل إذا أظلم، وفي النهار إذا انتشر، يكفكم ما أهمكم، وإياكم وشرب الخمر، فإنها مفسدة للعقول، والأجساد، ذهابة بالطارف والتلاد، زوجوا النساء الأكفاء، وإلا فانتظروا بهن القضاء، واذكروا قومكم إذا غابوا عنكم بمثل الذي تحبون أن تذكروا به، يا بني: انشروا الخير تنشروا، واستروا الشر تستروا، يا بني: قد أدركت سفيان بن مجاشع شيخاً كبيراً، فأخبرني أنه قد حان خروج نبي من بني مضر بمكة يدعى أحمد، يدعو إلى البر والإحسان، ومحاسن الأخلاق، فإن أدركتموه فاتبعوه لتزدادوا بذلك شرفاً إلى شرفكم، وعزاً إلى عزكم، يا بني: وما بقي على دين عيسى بن مريم غيري وغير أسد بن خزيمة. يا بني: لولا عجلة لقيط إلى الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث، لقدمته أمامكم، وهو فارس مضر الحمراء، فعليكم بحاجب؛ فإنه حليم عند الغضب، جواد عند المطلب، فراج للكرب، ذو رأي لا ينكش، وزماع لا يفحش، فاسمعوا له وأطيعوا، جنبكم ربكم الردى.
أوصى الفرافصة ابنته نائلة حين زفها إلى عثمان فقال: يا بنية، إنك تقدمين على نساء قريش، هن أقدر على الطيب منك، فلا تلقبي على خصلتين أقولهما لك: الكحل والماء، تطهري حين يكون ريح جلدك كأنه ريح شن أصابه مطر.
أوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلداً حين استخلفه على جرجان فقال: يا بني قد استخلفتك، فانظر هذا الحي من اليمن، فكن منهم كما قال الشاعر:
إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم ... فرش واصطنع عند الذي بهم ترمي
وانظر هذا الحي من ربيعة فإنهم شيعتك وأنصارك، فاقض حقوقهم، وانظر هذا الحي من تميم، فامطر ولا تزه لهم، ولا تدنهم فيطمعوا، ولا تقصهم فينقطعوا عنك، وكن بين المطيع وبين المدبر، وانظر هذا الحي من قيس، فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية، ومناصفوهم المنابر في الإسلام، ورضاهم منكم البشر. يا بني: إن لأبيك صنائع فلا تفسدها، فإنه كفى بالمرء من النقص أن يهدم ما بنى أبوه، وإياك والدماء، فإنها لا بقية بعدها، وإياك وضرب الأبشار فإنه عار باقٍ، ووتر مطلوب، واستعمل على النجدة والفضل دون الهوى، ولا تعزل إلا عند العجز أو الخيانة، ولا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه، فإنك إنما تصطنع الرجال لنفسك، ولتكن صنيعتك عند من يكافئك عند العشائر، احمل الناس على أحسن أدبك، يكفوك أنفسهم، وإذا كتبت كتاباً فأكثر النظر فيه، وليكن رسولك فيما بيني وبينك، من يفقه عني وعنك، فإن كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع سره، واستودعك الله فإنه ينبغي للمودع أن يسكت، وللمشيع أن ينصرف، وما خف من المنطق، وقل من الخطبة أحب إلى أبيك.

وأوصى المنذر بن مالك البجلي بنيه وكان قد أصاب دماء في قومه فلحق ببني هلال ابن عامر، فلما حضره الموت جمع بنيه فقال: باسمك اللهم، يا بني احفظوا أدبي يكفكم وابتغوا وصاتي تلحقوا بصالح قومكم، فإني لم أكلكم إلى أديب حي، والمعنى بكم غائب عنكم، آثروا ما يجمل، واقنوا أخياركم، وأطيعوا ذوي الرأي منكم، وأجلوا ذوي أسنانكم، ولا تعطوا الدنية، وإن كان الصبر على خطة الضيم أبقى لكم، وتناصروا تكونوا حمى، وإذا قدمتم على قومكم فلتكن خلتكم واحدة، ولا تسثيروا دفين داءٍ لم يدرك مثله، يقطعوا عنكم النار، وتعدموا بقومكم غيرهم، ولا تدبروا أعجاز ما قد أودت صدوره فتفشلوا، وعفوا عن الدناءة، ووقروا أهل الكفاية، ولا تواكلوا الرفد والنجدة فتجدي عظتكم، واتخذوا لأسراركم من علانيتكم حاجزاً تكفوها، ولا تفيلوا الرأي بالظن فيبدع بكم، وأطيلوا الصمت، إلا من حق تسبقوا: والزموا الأناة تقر قدمكم، واغتنموا الفرصة تظفروا، وعجلوا تحمدوا، ولا تأخذوا حبلاً من قليل فإن القليل ذليل، وخذوا الحبل من ذي المرة الكاثر، وشمر لدرك الثأر، ومنعة الجار، واظعنوا في الشهر الأصم تبلغوا دار قومكم سالمين، واوفوا بالعهد، واتقوا الغدر، فشؤم النساء والغدر أورثاني دار الغربة.
وأوصى عمر بن يشكر البجلي فقال: يا بني إذا غدوتم فكبروا، وإذا أرحتم فهجروا، وإذا أكلتم فأوتروا، وإذا شربتم فأسئروا أوتروا، أي كلوا بثلاث أصابع.
أوصى مصعب بن يشكر فقال: يا بني أوسعوا الحبا، وحلوا الربا، وكونوا أسى تكونوا حمى.
وأوصى عمرو بن كلثوم التغلبي فقال: يا بني إني قد بلغت من الهرم ما لم يبلغه أحد من آبائي إلا جدي: تلك الرجل كان ملك جده فسمي الرجلُ لكماله، ولا بد من أمر مقتبل، وأن ينزل بي ما نزل بالآباء والأجداد والأمهاتِ والأولادِ، وإني والله ما عيرت رجلاً قط بشيء إلا وعيرني بمثله، وإن حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً، من سب يسب، فكفوا عن الشتم، فإنه أسلم لأعراضكم، وصلوا أرحامكم، تعمر داركم، وأكرموا جاركم، يحسن ثناؤكم، وزوجوا بنات العم بني العم، فإن تعديتم بهن إلى الغرباء، فلا تألوا بهن عن الأكفاء، وابعدوا بيوت الرجال عن النساء، فإنه أغض للبصر، وأعف للذكر، فإذا كانت المعاينة واللقاء، ففي ذلك داءٌ من الأدواء، ولا خير فيمن لا يغار لغيره، كما يغار لنفسه، وقل من انتهك حرمةً لغيره، إلا انتهكت منه حرمته، وامنعوا ضيم الغريب من القريب، فإنك تذل على قريبك ولا يجمل بك ذل غريبك، فإذا تنازعتم في الدماء، فلا يكونن حقكم اللقاء، ورب رجل خير من ألف، وود خير من خلف، وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار يكون الإهذار، وموت عاجل خير من ضنى آجل، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان، وربما شجاني من لم يكن أمره عناني، ولا عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة، واعلموا أن أشجع القوم العطوف، كما أن أكرم الحتوف قتل بالسيوف، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب، ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره، ولا تبرحوا في حبكم، فإنه من برح في حب، آل ذلك إلى قبيح البغض، وكم من قد زارني وزرته، فانقلب الدهر بنا فبرته، وقل ما رأيت غضباً إلا فترته أكتسب بغضاً، واعلموا أن الحليم سليم، وأن السفيه كليم، إني لم أمت، ولكني هرمت، ودخلتني ذلة فسكنت، وضعف قلبي فأهترت سلمكم ربكم وحياكم.
أوصى تميم بن مر فقال: يا بني عليكم بلا، فإنها ترفع للحنين وإياكم ونعم، فإنها رجاً للمين، وعليكم بالمسألة، فإنه است المسئول أضيق، ولا تحقروا اليسير أن تأخذوه، فإن اليسير إلى اليسير كثير، واستعيروا ولا تعيروا، واظهروا للناس من الحاجة لكي لا تسألوا فتمنعوا فتكون استاهم هي الضيقة، وإن وعدتم الناس شيئاً فأكرموهم، وأمطلوهم، فإن الذي يصدق في الموعد وإن مطل وهو مقل، يكون حرياً بالنجح في الموعد، إذا أمكنته المقدرة، وابدأوا الناس بالشر يرد عنكم الشر، وإياكم والوهن فيجرأوا عليكم، ولا تشتطوا في مهور النساء، فإن ذلك أكسد لأياماكم، جمع الله لكم أمركم.

وأوصى قيس بن عاصم فقال: يا بني خذوا عني فلا أحد أنصح لكم مني، إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم، فسودوا أكبركم، فإن القوم إذا سودوا أكبرهم، خلفوا آباءهم ولا تسودوا أصغركم فإن القوم إذا سودوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم، وإياكم ومعصية الله، وقطيعة الرحم، وتمسكوا بطاعة أمرائكم، فإنهم من رفعوا ارتفع، ومن وضعوا اتضع، وعليكم بهذا المال، فاستصلحوه فإنه منبهة للكريم، واستغناء عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل، فإن أحداً لم يسأل إلا ترك كسبه، وإياكم والنياحة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عنها، وادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم، ولا يعلم بكر بن وائل بمدفني فإني كنت أعاديهم في الجاهلية، وبيننا وبينهم خماشات، فأخاف أن يدخلوها عليكم فيعيبوا عليكم دينكم، وخذوا بثلاث خصال: إياكم وكل عرق لئيم أن تلابسوه، فإنه إن يسرركم يوماً، فسوف يسؤكم يوماً، واكظموا الغيظ، واحذروا بني أعداء آبائكم، فإنهم على منهاج آبائهم لآبائكم. ثم قال:
أحيا الضغائن آباء لنا هلكوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
قال الكلبي: فنحل هذا البيت سابقاً البربري، فعيسى أول من قاله.
وأوصى وكيع بن حسان بن أبي سود فقال: يا بني إن أبي والله ما ورثني إلا بدعا سحقاً ورمحاً خطيا، وما ورثني ديناراً ولا درهماً، وقد جمعت لكم هذا المال الذي ترون من حله وحرامه وإياكم إذا مت أن تأتيكم هذا الباعة من أهل الأسواق، فيقولون: لنا على أبيكم دين، يا بني، إن كان الله يريد أن يغفر لي، فوالله ما ديني في ذنوبي إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، وإن كان لا يريد أن يغفر لي، فوالله ما ديني في تلك الذنوب إلا كحصاة رمي بها في بحر، شدوا أيديكم على مالكم، واحفظوه ولا تقضوا عني شيئاً، ثم مات.
وأوصى عامر بن صعصعة فقال: يا بني جودوا على الناس ولا تسألوهم، وتهضموا عدوكم، ولا تستذلن جاركم.
وأوصى أبجر بن جابر العجلي ابنه حجاراً حين أراد الإسلام فقال له: إن كان لا بد لك من الإسلام، فاحفظ عني ثلاثاً: انزل من هذا السلطان بحيث أنزلك، فإنه إن يقال لك تقدم قدامك، خير لك من أن يقال لك تأخر وراءك. واستكثر من الصديق، فإن العدو كثير، وإياك والخطب فإنها نشوارٌ، كثير العثار.

الباب التاسع
في أسامي أفراس العرب
نذكر أولاً أسامي أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نتبهعا بذكر سائر الأفراس المعروفة.
يقال إن أول فرسٍ ملكه عليه السلام فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أوراق، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس فسماه عليه السلام السكب وكان له فرس يدعى المرتجز، وكان له لزاز الظرب واللحيف وقيل لحاف، واليعسوب.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن أول من اتخذ الخيل وركبها إسماعيل عليه السلام، وقالوا: كان داود يحبها حباً شديداً وجمع ألف فرس، فلما ورثها سليمان عليه السلام قال: " ما ورثني داود مالاً أحب إلي من هذه الخيل " وضمرها وصنعها.
فمن الأفراس القديمة: زاد الركب: قالوا: إن قوماً من الأزد من أهل عمان، قدموا على سليمان بعد تزوجه بلقيس ملكة سبأ، فأعطاهم هذا الفرس وانتشرت الخيل منه في العرب.
الهجيسي: كان لبني تغلب، استطرقوا الأزد لما سمعوا بذكر زاد فنتج لهم الهجيسي.
الديناري: لبني عامر، استطرقوا من بكر بن وائل فنتجوه عن الهجيسي.
أعوج: استطرقوها على سبل وكانت أجود ما أدرك وأمها سوادة قسامة وكان فياض وقسامة لبني جعدة، ويزعم أن فياض من حوشية وبار، وقال بعضهم: ليس أعوج بني هلال من بنات زاد الركب هو أكرم من ذلك، هو من بنات حوشية وبار. وإنما أعوج الذي كان ابن الديناري فرس لبهراء سمي باسم أعوج، فأما أعوج الأكبر فإن أمه سبل من حوشية وبار.
ذو العقال: لبني ثعلبة بن يربوع هو ابن أعوج بن ديناري.
الورد: فرس حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه من بنات ذي العقال ومنه يقول
ليس عندي إلا سلاح وورد ... قارح من بنات ذي العقال
الغراب والوجيه ولاح والمذهب ومكتوم: هذه جميعاً لغني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فيها يقول طفيل الغنوي:
بنات الغراب والوجيه ولاحقٍ ... وأعوج تنمي نسبة المنتسب
وقال:

دقاقٌ كأمثال السراحين ضمرٌ ... ذخائر ما أبقى الغرابُ ومذهبُ
أبوهن مكتومٌ وأعوجُ أنجبا ... وراداً وحواً ليس فيهن مغربُ
جلوى: كانت لبني ثعلبة بن يربوع أم داحس وهو ابن ذي العقال.
الغبراء: كانت لقيس بن زهير، وهي خالة داحس وأخته لأبيه.
الحنفاء: أخت داحس لأبيه من ولد ذي العقال لحذيفة بن بدر الفزاري.
قسام: لبني جعدة بن كعب، فيه يقول الجعدي:
أغر قسامي كميتٌ محجلٌ ... خلا يده اليمنى فتحجيله خسا
فياض وسوادة أم سبل: لبني جعدة. فيها يقول النابغة الجعدي:
وعناجيج جيادٌ نجبٌ ... نجل فياضٍ ومن آل سبل
الحمالة والقريط: لبني سليم. فيها يقول العباس بن مرداس:
ابن الحمالة والقريط فقد ... أنجبت من أم ومن فحل
اللطيم: فرس ربيعة بن مكدم.
مصادٌ: فرس ابن غادية الخزاعي ولها يقول:
صبرت مصاداً إزاء اللطي ... م حتى كأنهما في قرن
ويزعمون أن ابن غادية هو الذي قتل ربيعة بن مكدم يوم الكديد وأنه كان حليفاً لبني سليم، ونسب الناس قتله إلى نبيشة بن حبيب السلمي.
الأجدل: فرس أبي ذر الغفاري.
اليعسوب: فرس الزبير بن العوام، من نتاج بني أسد من نبات العسجدي والعسجدي من نسل الحرون.
ذو اللمة.
فرس عكاشة بن محصن الأسدي وروي أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند عكاشة.
ثادق: لبعض بني أسد فيه يقول:
وباتت تلوم علي ثادقٍ ... ليشرى فقد جد عصيانها
العسجدي: لبني أسد، من بنات زاد الركب، وكان من نتاج الديناري.
لاحق الأصغر: من بنات لاحق الأكبر.
زرة: للجميح بن منقد الأسدي وفيه يقول:
رميتهم بزرة إذا تواصوا ... وسار بنحرها أسل الرماح
حزمة: لحنظلة بن فاتك الأسدي ولها يقول:
جزتني أمس حزمة سعى صدقٍ ... وما أقفيتها دون العيال
الحمالة الصغرى: لطليحة بن خويلد الأسدي ولها يقول:
نصبت لهم صدر الحمالة إنها ... معاودةٌ قيل الكماة: نزال!
ومن خيل بني أسد: الظليم وظبية ومعروف ومنيحة وناصح.
ولبني تميم: الشوهاء: فرس حاجب بن زرارة ولها يقول بشر بن أبي خازم.
وأفلت حاجب تحت العوالي ... على شوهاء تركع في الظراب
الحشاء: فرس عمرو بن عمرو وكانت خنثى ولها يقول جرير:
كأنك لم تشهد لقيطاً وحاجباً ... وعمرو بن عمرو إذ دعا: يال دارم!
ولولا مدى الحشا وبعد جرائها ... لقاظ قصير الخطو دامي المراغم
ويروى: ولا مدى الخنثى.
الرقيب: فرس الزبرقان بن بدر وهو السعدي. له يقول:
أقفي الرقيب أداويه وأصنعه ... عاري النواهق لا جافٍ ولا قفرٌ
النباك وحلاب وأثال: لبني حنظلة، والشيط: من خيل ضبة.
والعرادة: فرس كلحية اليربوعي وفيها يقول:
تسائلني بنو جشم بن بكر ... أغراء العرادة أم بهيم؟
هي الفرس التي كرت عليكم ... عليها الشيخ كالأسد الظليم
يريد الذي يشد في الظلام.
العباب: فرس مالك بن نويرة. وفيه يقول:
تدارك إرخاء العباب ومره ... لبون ابن حبي وهو أسفان كامد
لازم: فرس سحيم بن وثيل اليربوعي، وفيه يقول ابنه جابر:
أقول لأهل الشعب إذ يسرونني ... ألم تعلموا أني ابن فارس لازم؟
كامل: فرس زيد الفوارس الضبي وفيه يقول العائف الضبي:
يرمي بغرة كاملٍ وبنحره ... خطر النفوس وأي حين خطار!
ذات العجم، وذو الوشوم، ووحفة، وذر الوقوف كلها لبني تميم.
مبدوعٌ: للحارث بن ضرار الضبي وله يقول:
تشكي الغزو مبدوعٌ وأضحى ... كأشلاء اللجام به كدوح
االجون: لمتمم بن نويرة اليربوعي وله يقول مالك أخوه:
ولولا داوئي الجون قاظ متمم ... بأرض الخزامي وهو للذل عارف
الغراف والسميدع: للبراء بن قيس بن عتاب، وفيه يقول:
فإن يك عرافٌ تبدل فارسا ... سواي، فقد بدلت منه السميدعا
المكسر: لعتيبة بن الحارث بن شهاب وله يقول مالك بن نويرة:
ولو زهم الأصلاب منا لزاحمت ... عتيبة، إذ دمى جبين المكسر

شولة: لزيد الفوارس.
قصرت له من صدر شولة إنما ... ينجي من الكرب الكمي المناجد
النحام: لسليك بن السلكة وفيه يقول:
كأن حوافر النحام لما ... تروح صحبتي أصلاً محار
المزنوق: لعامر بن الطفيل وله يقول يوم فيف الريح، يوم فقئت عينه:
لقد علم المزنوق أني أكره ... على جمعهم كر المنيح المشهر
؟حذقة: فرس خالد بن جعفر وعليها قتل زهير بن جذيمة وفيها يقول:
أريغوني إراغتكم فإني ... وحذفة كالشجا تحت الوريد
جروة: لشداد أبي عنترة ولها يقول:
فمن يك سائلاً عني فإني ... وجروة لا تباع ولا تعار
الأبجر: لعنترة وله يقول:
لا تعجلي، أشدد حزام الأبجر ... إني إذا الموت دنا لم أضجر
الأدهم وابن النعامة أيضاً لعنترة. وفي الأدهم يقول:
يدعوني عنتر، والرماح كأنها ... أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
وفي ابن النعامة:
ويكون مركبك القلوص ورجله ... وابن النعامة يوم ذلك مركبي
وجزة: ليزيد به سنان بن أبي حارثة.
محاج: لمالك بن عوف النصري وهو الذي كان يدعي الأسد الرهيض، وله يقول يوم حنين:
اقدم محاج إنه يوم نكر
مثلي على مثلك يحمي ويكر
العبيد: فرس العباس بن مرداس الذي يقول فيه:
اتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع
صوبة والصموت: للعباس مرداس الذي يقول فيه:
أعددت صوبة والصموت ومارنا ... ومفاضة للروع كالسحل
البيضاء، وقصاف، وزرة، والمصبح، وزامل، والصيود، وقرزل، والقويس وسلم: كلها لقيٍس.
خصاف: لسفيان بن ربيعة الباهلي، وعليها قتل قولاً المرزبان وضرب به المثل فقيل: أجرأ من فارس خصاف.
مياس: لشقيق بن جزء الباهلي.
السلس: لمهلهل، ولما قال الحارث بن عباد:
قرباً مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
فقال مهلهل:
اركب نعامة إن ... ي راكب الساس
زيم: للأخنس بن شهاب التغلبي ولها يقول: هذا أوان الشد، فاشتدي زيم.
المنكدر وخميرة والنباك لبني تغلب.
العنز: لأبي عفراء بن سنان المحاربي، محارب عبد القيس ولها يقول:
دلفت لها بصدر العنز لما ... تحامتها الفوارس والرجال
هراوة، الأعزاب: لعبد القيس ولها يقول لبيد:
تهدي أوائلهن كل طمرةٍ ... جرداء مثل هراوة الأعزاب
وكانوا يعطونها العزب منهم، فيغير عليها، حتى إذا تأهل أعطوها العزب الآخر.
الجون: وفرس امرئ القيس بن حجر وله يقول:
ظللت وظل الجون عندي مسرجا ... كأني أعدي عن جناح قبيض
اليحموم: فرس النعمان بن المنذر وفيه يقول الأعشى:
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليقٍ، فقد كاد يستق
العطاف: فرس عمرو بن معدي كرب. وله يقول:
يختب بي العطاف حول بيوتهم ... ليست عداوتنا كبرق الخلب
الهطال: لزيد الخيل وفيه يقول:
أقرب مربط الهطال إني ... أرى حرباً تلقح عن حيال
العطاس: لعبد الله بن عبد المدان الحارثي ويقول فيه:
يخب بي العطاس رافع طرفه ... له ذمراتٌ في الخميس العرمرم
العصا: لجذيمة الأبرش، وهي بنت العصية لإياد ولها قيل: العصا من العصية وقيل أيضاً: يا ضل ما تجري به العصا، ويقال: إن قصيراً ركبها لما صار جذيمة في بلاد الروم، فركضها فذكر أنها لم تقف إلا على رأس ثلاثين ميلاً، ثم وقفت وبالت، فبنى على ذلك الموضع برج، فسمي برج العصا. وفيها يقول عدي:
فخبرت العصا الأنباء عنه ... ولم أر مثل فارسها هجينا
الضبيب: لحسان بن حنظلة الطائي، حمل عليه كسرى حين انهزم من بهرام جوبين فنجا، فقال حسان بن حنظلة:
تلاقيت كسرى أن يضام ولم أكن ... لأتركه في الخيل يعثر راجلا
بذلت له ظهر الضبيب وقد بدت ... مسومةٌ من خيل ترك وكابلا
البريت: فرس إياس بن قبيصة الطائي، وله يقول حارثة بن أوس الكلبي.
كأن استه إذ أخطأته رماحنا ... وفات البريت لبده يتصبب
ذنابي حباري أخطأ الصقر رأسها ... فجادت بمكنون من السلح يثعب

حومل: لحارثة بن أوس الكلبي وله يقول:
لولا جرى حومل يوم عذرٍ ... لمزقني وإياها السلاح
القريط، ونحلة، وساهم: لكندة.
وفيها يقول امرؤ القيس بن عابس الكندي:
أرباب نحلة والقريط وساهم ... إني هنالك آلف مألوف
مردود: لرجل من غسان وفيها يقول ربيعة بن مقروم الضبي: وفارس مردود أشاطت رماحنا: وأجزرن مسعوداً ضباعاً وأذؤبا.
الضبيح: لخوات بن جبير وفيه يقول يوم هوازن:
وعلى الضبيح صرعت أول فارس ... أولى فأولى، يا بني لحيان
الورهاء: فرس قتادة. ولها يقول مالك بن خالد بن الشريد.
وأفلتنا قتادة يوم ترج ... على الورهاء تطعن في العنان
كنزة: لمقعد بن شماس الجذامي ولها يقول:
أتأمرني بكنزة أم عمرو ... لأشريها؟ فقلت لها ذريني
اليسير: لأبي النضير السعدي، وله يقول:
ألا أبلغ بني سعد رسولاً ... بأني قد سبقت على اليسير
فإني واليسير إذا التقينا ... لكالمتكافئين على الأمور
الجون: للحارث بن أبي شمر الغساني، وله يقول علقمة بن عبدة:
وأقسمت لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب؟؟!
العرن: لعمير بن جبل البجلي وله يقول:
يا ليت شعري! وليت أهلكت إرما ... هل يجزيني بما أبليته العرن؟
هوجل: لربيعة بن غزالة السكوني وله يقول:
أيها السائل بهوجل إني ... قائل الحق فاستمع ما أقول:
الهداج: للريب بن الشريق السعدي، وفيه قتل شقيقٌ وحرمي:
شقيق وحرمي أراقا دماءنا ... وفارس هداج أشاب النواصيا
العارم: لمنذر بن الأعلم الخولاني. وله يقول:
جال بي العارم في مأقطٍ ... يعشى وأغشيه صدور العوال
نصاب: للأحوص بن عمرو، والقراع له أيضاً ويقول فيه:
أرمي المقانب بالقراع معترضا ... معاود الكر مقداماً إذا نزقا
الغزالة: لمحطم بن الأرقم الخولاني ولها يقول:
تجول بي الغزالة في مكر ... كريهٍ، ما يرام بضعف قلب!
صعدة: لذؤيب بن هلال الخزاعي الكاهن وفيها يقول يوم أخذت منه:
لعمرك إني يوم حانت بجدةٍ ... وصعدة إذ لاقيتهم لذليل!
النعامة: لقراص الأزدي ولها يقول:
عرضت لهم صدر النعامة أذرعا ... ولم أرج ذكراً، كل نفسٍ أسوقها
الورد: لمالك بن شرحبيل ومنه يقول الأسعر الجعفي:
كلما قلت إنني ألحق الور ... د تمطت به صبوحٌ ذنوب
ذو الريش: لأبي هند الخولاني، وله يقول:
لعمري لقد أبقت لذي الريش بالعدى ... مواسم خزيٍ ليس تبلى مع الدهر
الطيار: لأبي ريسان الخولاني وله يقول:
لقد فضل الطيار في الخيل إنه ... يكر إذا حامت خيول ويحمل
ذو العنق: لمقداد بن الأسود الكندي: الجناح: لمحمد بن مسلمة الأنصاري.
العوراء: قيس بن معاوية بن الفاتك، وكان يعرف بفارس العوراء.
المعلى: لأسعر بن أبي حمران الجعفي وفيه يقول:
أريد دماء بني مازن ... وراق المعلى بياض اللبن
بهرام: للنعمان العتكي وله يقول:
قد جعلنا بهرام للنبل ترسا ... وأجبنا المضاف حين دعانا
صهبي: للنمر بن تولب العكلي ولها يقول:
أيذهب باطلاً عدوات صهبي ... وركض الخيل تختلج اختلاجاً؟
أطلال: لبكير بن عبد الله بن الشداخ الليثي وشهد مع سعد القادسية ويقال: إنه لما قطعوا الجسر الذي على نهر القادسية صاح بها وقال: أطلال فاجتمعت ووثبت فإذا هي من وراء النهر وهزم الله به المشركين يومئذ، فيقال إن عرض ذلك النهر يومئذ أربعون ذراعاً فقالت الأعاجم: هذا أمر من السماء.
وقال فيه الشاعر:
لقد غاب من خيل بموقان أحجمت ... بكير بن عبد الله فارس أطلال
الحليل: فرس مقسم بن كثير الأصبحي وله يقول:
ليت الفتاة الأصبحية أبصرت ... صبر الحليل على الطريق اللاحب
العصفري: لمحمد بن يوسف أخي الحجاج وكان من ولد الحرون الصريح وثادق والغمامة وقيد، كانت لملوك أبناء المنذر ولها يقول أبو داؤد الإيادي:

نجل الغمامة والصريح وثادق ... وبنات قيدٍ نجل كل جواد
الشعور: للحبطات وفيها يقول بعضهم:
فإني لن يفارقني مشيحٌ ... نزيع بين أعوج والشعور
خباس وناعق: لبني فقيم، وفيها يقول دكنين بن رجاء الفقيمي:
بين الخباسيات والأوافق ... وبين آل ساطع وناعق
والأعوجيات وآل لاحق
رعشن: لمراد وفيه قيل:
وخيل قد وزعت برعشني ... شديد الأسر يستوفي الحزاما
الصغا: لمجاشع بن مسعود السلمي: وكانت من نجل الغبراء اشتراها عمر بن الخطاب بعشرة آلاف درهم، ثم غزا مجاشع، فقال عمر: تحبس هذه بالمدينة وصاحبها في نحر العدو وهو إليها أحوج؟ فردها إليه، فنجبت عنده ولده حتى بعث الحجاج بن يوسف فأخذها بعينها.
القتادي والترياق: للخزرج في الإسلام، ولهما يقول إبراهيم بن بشير الأنصاري:
بين القتادي والترياق نسبتها ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب
الحرون: لمسلم بن عمرو الباهلي اشتراه من رجل من بني هلال من نتاجهم وهو الحرون ابن الخزز، وكان مسلم تزايد هو والمهلب بن أبي صفرة، على الحرون حتى بلغا به ألف دينار وكان مسلم أبصر الناس بفرس،، وصنعة له، إنما كان يلقب بالسائس من بصره بالخيل فلما بلغ ألف دينار، وقد كان الفرس أصابه مغلة فلصق خاصرتاه، وكان صاحبه يبرأ من حرانه، فقال المهلب: فرس حرونٌ مخطفٌ بألف دينار! قيل له: إنه ابن عوج. قال: لو كان أعوج نفسه على هذه الحالة ما ساوى هذا الثمن. فاشتراه مسلم. ثم أمر به فعطش عطشاً شديداً، وأمر بالماء، فبرد فشرب منه حتى امتلأ، ثم أمر رجلاً فركبه، وركضه حتى ملأه ربواً، فرجعت خاصرتاه، وسبق الناس دهراً، لا يتعلق به فرس، ثم افتحله فلم ينجل إلا سابقا. وليس في الأرض جوادٌ من لدن زمن يزيد بن معاوية ينسب إلا إلى الحرون. نتج البطين والبطان بن البطين، - لم ير مثلهما قط - والقتادي، وكانت ترسل الخيل فيجئ السابق لمسلم ثم المصلي، ثم توالى له عشرون فرساً ليس لأحد فيها شيء، فلما مات مسلم وورد الحجاج أخذ البطين من قتيبة بن مسلم، فبعث به إلى عبد الملك فوهبه لابنه الوليد، فسبق الناس ثم استفحله فهو أبو الذائد، والذائد أبو أشقر مروان.
جلوى: لعبد الرحمن بن مسلم هي بنت الحرون لصلبه، ومن ولد الحرون.
مناهب: لبني يربوع.
الضيف: لبني تغلب.
حميل: لبني عجل.
والبواب: أخو الذائد بن البطين.
والصاحب: لغني.
والقدح: لهم، سبق الناس بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز.
وغطيف: لعبد العزيز بن حاتم الباهلي.
والعصفري: لمحمد بن يوسف أخي الحجاج.
وذو الموتة: لبني سلول اشتراه بشر بن مروان بألف دينار.
وكان باليمامة عند الحكم بن عرعرة فرس يقال له الحموم من نسل الحرون فطلبها منه هشام بن عبد الملك، فقال الحكم: إن لها حقاً وصحبةً، وما تطيب نفسي عنها، ولكني أهب لأمير المؤمنين ابنا لها، سبق الناس عاماً أول، وإنه لرابض: قال: فضحك القوم فقال: وما يضحككم؟ أرسلتها عاماً أول بجو في حلبة ربيعة وأنها لعقوق به، قد ربض في بطنها، فسبقت، فبعث به إلى هشام، فسبق الناس وما أثغر وإنما قال وهو رابض، لأن الولد لا يربض في بطن الفرس إلا بعد عشرة أشهر فأراد أنها سبقت وهي مثقل.
الكميت، وريش، وذؤاب: لبني المعجب بن سفيان. يقول: فيها المرقال:
ورثت عن رب الكميت منصبا ... ورثت ريشاً وورثت ذؤابا
ومن سوابق أهل الشام من الخارجية، التي لا يعرف لها نسب، فرسا عباد بن زياد القطراني، والأعرابي ومنه يقول التميمي:
قدنا من الشام إلى البلدان ... بنات الأعرابي كالعقبان
وفيما تقدم ذكره عدة من حر الأفراس، لم ننسبها إلى أربابها ونذكرها الآن فمن خيل بني أسد: ظبية، ومعروف، والمنيحة وناصح.
وأما ظبية فلهراش ولها يقول:
ظننتم أن ظبية لن تؤدي ... ورأى السوء يزري باللئام
ومعروف، لسلمة بن هند الغاضري وله يقول:
أكفئ معروفاً عليهم كأنه ... إذا أزور من وقع الأسنة أحرد
والمنيحة: فرس دثار بن فقعس الأسدي ولها يقول:
قرباً مربط المنيحة مني ... شهت الحرب للصلاة سعارا
وناصح لفضالة بن هند بن شريك، وله يقول:

أناصح شمر للرهان فإنها ... غداة حفاظٍ جمعتها الحلائب
أثال: لضمرة بن ضمرة، وفيها يقول:
ولو صادفتني وأثال فيها ... رأيت العبد يطعن في ذراها
والخذواء: للشيطان بن الحكم الغنوي، وفيه يقول الطفيل بن عوف:
لقد منت الخذواء منا عليهم ... وشيطان إذ يدعوكم ويثوب
ولبني ضبة الشيط: فرس أنيف بن جبلة الضبي، وهو جد داحس من قبل أمه فيما يزعم العبسيون. وله يقول الشاعر:
أنيف لقد بخلت بعسب عودٍ ... على جارٍ بضبة مستراد
والفينان: فرس قرابة بن هقرام الضبي، وله يقول:
إذا الفينان ألحقني بقوم ... فلم أقتل، فشل إذاً بناني!
وذت العجم: لرجل من بني حنظلة، وفيها يقول الزبرقان بن بدر:
رزئت أبي وابني شريفٍ كليهما ... وفارس ذات العجم تحلو شمائله
ذو الوشوم: لعبد الله بن عداء البرجمي. ومنه يقول:
أعارض في الحزن عدواً برأسه ... وفي السهل أعلو ذا الوشوم فاركب
وحفة: لعلائة الحنظلي ولها يقول:
فما زلت أرميهم بوحفة عارضاً ... لهم صدرها وحداً أزرق منجل
ذو الوقوف: لرجل من بني نهشل وله يقول الأسود بن يعفر:
خالي ابن فارس ذي الوقوف مطلقٌ ... وأبي أبو أسماء عبد الأسود
ذو الخمار: لمالك بن نويرة، منه يقول:
جزاني دوائي ذو الخمار وصنعتي ... على حين لا يقوي على الخيل عالف
الشقراء: للرقاد بن المنذر الضبي وفيها يقول:
إذا المهرة الشقراء أدرك ظهرها ... فشب الإله الحرب بين القبائل
الورد: لاحمر بن جندل بن نهشل وله يقول الشاعر:
تجنبتنا بالورد يوم رأيتنا ... يمر كمر الثعلب المتمطر
الورد أيضاً لعامر بن طفيل: وفيه قتل يوم الرقم.
ولولا نجاء الورد لا شيء غيره ... وأمر الإله ليس لله غالب
إذا لسكنت العام نفء ومنعجا ... بلاد الأعادي، أو بكتك الحبائب
وجزة: لزيد بن سنان بن أبي الحارثة ولها يقول:
رميتهم بوجزة إذ تواصوا ... وسال بحدها أسل الرماح
البيضاء: لبحير بن عبد الله بن سلمة بن قشير، ولها يقول:
تمطت بي البيضاء بعد اختلاسةٍ ... على دهشٍ، وخلتني لم أكذب
قصاف: لزياد بن الأشهب القشيري. ولها يقول:
أتاني بالقصاف وقال خذه ... علانيةً فقد برح الخفاء
زرة: لمرداس بن أبي عامر أبي العباس، وفيها يقول:
وما كان تهليلي لدي إذ رميتهم ... بزرة إلا حاسراً غير معلم
المصبح: لعوف بن الكاهن السلمي، وله يقول:
نصبت لهم صدر المصبح بعدما ... تدارك ركضٌ منهم متعاجل
زامل: لمرداس بن معاوية السلمي، وقيل معاوية بن مرداس أخو العباس وفيه يقول:
لعمري لقد أكثرت تعريض زاملٍ ... لوقع السلاح أو ليفزع عابرا
الصيود: لبني سليم ومنها يقول عباس بن مرداس:
أبوها للضبيب أو افتلتها ... ذوات السن من آل الصيود
العراد: لأبي داؤد الإيادي واسمه حارثة بن الحجاج ولها يقول:
قرباً مربط العرادة إن ال ... حرب فيها تلاتلٌ وهموم
الحمالة: لطفيل بن مالك، ثم صارت إلى عامر بن الطفيل وفيها يقول سلمة بن عوف النصري.
نجوت بنصل السيف لا غمد فوقه ... وسرج على ظهر الحمالة قاتر
قرزل: للطفيل بن مالك أيضاً، ويقول فيه أوس بن حجر:
والله لولا قرزل إذ نجا ... لكان مثوى خدك الأخرما
القويس: لسلمة بن الحارث العبسي ولها يقول:
عطفت له صدر القويس وأتقي ... بلين من المزان: أسمر مطرد
سلم: لزبان بن سيار الفزاري، وفيه يقول لزيد الخيل:
مننت فلا تكفر بلائي ونعمتي ... وأد كما أداك يا زيد سلما
المنكدر: لرجل من بني غنم بن ثعلب، وله يقول المرار:
ببعيد قدره ذي عذرٍ ... صلتانٍ من بناتِ المنكدر
خميرة: لشيطان بن مدلج الجشمي ولها يقول:
أتتني بها تسري خميرة موهناً ... كمسرى الدهيم أو خميرة أشأم
نباك: لمخلد بن شماخ التغلبي وله يقول:

فإني لن يفارقني نباكٌ ... يرى التقريب والتعداء دينا
الشموس: ليزيد بن خذاق ولها يقول:
ألا هل أتاها أن شكة حازمٍ ... علي، وأني قد صنعت الشموسا
أسامي الأفراس التي ذكرناها ونسبناها إلى أربابها أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم: السكب، المرتجز، لزاز، الظرب، واللحيف، واليعسوب.
الأفراس القديمة: زاد الركب، الهجيس، الديناري، أعوج، سبل، فياض، قسامة، ذو العقال، جلوى، حمالة.
أفراس مضر وربيعة: الورد، الغراب، الوجيه، لاحق، الذهب، مكتوم، داحس، الغبراء، الحنفاء، قسام، فياض، سوادة، الحمالة، القريط، اللطيم، مصاد الأجدل، اليعسوب، ذو اللمة، ثادق، العسجدي، لاحق الأصغر، زرة، حزمة، الحمالة الصغرى، الظليم، ظبية، معروف، ناصح، الشوهاء، الخنثى، الرقيب، النباك، العرادة، حلاب، أثال، نشيط، الخذواء، الشيط، العباب، لازم، كامل، ذات العجم، ذو الوشوم، وحفة، ذو الوقوف، مبدوع، الجون، الغراف، شولة، النحام، المزنوق، الحذفة، جروة، الأبجر، وجزة، محاج، العبيد، صونة، الصموت، البيضاء، قصاف، المصبح، زامل، الصيود، قرزل، القويس، سلم، خصاف، ميأس، السلس، اليسير، العزاج، نصاب، الصفا، النعامة، صهباء، أطلال، الشموس، حباس، مناهب، حميل، البواب، الصاحب، القدح، العصفري، ذو الموتة، الحموم، الكميت، رس، ذؤاب، القطراني، الأعرابي، الفينان، المنكدر، الخميرة، النباك، العنز، هراوة الأعزاب، الورهاء، السميدع، الوديعة، الشقراء.
أفراس اليمن: الجون، اليحموم، العطاف، الهطال، العطاس، العصا، العصية، الضبيب، البريت، حومل، مريط، نحلة، شاهر، مودود، الضبيح، كنزة، العارم، العرن، موكل، هوجل، القزاع، الغزالة، صعدة، الورد، ذو الريش، الطيار، ذو العنق، الحشاء، المعلى، بهرام، الخليل، ثادق، الغمامة، مريد، رعشن، القتاري، الترياق، صهبي، الخيل.
ومن الأفراس التي لم تنسب إلى أربابها،: الأتان، الطيار، الربيب، العريان، الصبيح، مندوب، اليحموم، الظليم، أم غليط، اليسار، الحفار، الخطار، الصموت، غزلاء، المياس، سبحة، الضاوي، الأصفر، الحواء، الغراب، الوالقي، البقية، الطريح.

الباب العاشر
أسامي سيوف العرب
أسياف رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
المخذم، ورسوب، وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف منها: سيف قلعي، وسيف يدعى الحنف، وسيف يدعى يساراً.
أسياف علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ذو الفقار كان للعاص بن منبه السهمي قتله علي رضي الله عنه يوم بدر وأتى بسيفه فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، وفيه قيل:
لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي
وروي أنه سمع ذلك في الهواء يوم أحد، وروي أن بلقيس أهدت إلى سليمان بن داود عليه السلام سبعة أسياف. ذو الفقار، وذو النون، وضرس الحمار، والكشوح، والصمصامة، وهذاما، ورسوبا.
فأما ذو الفقار: فكان لمنبه بن الحجاج السهمي، وأما الصمصامة وذو النون فكانا لعمرو بن معد يكرب، وأما مخذم ورسوب فكانا للحارث بن جبلة الغساني شهد بها يوم حليمة مظاهراً بين درعين متقلداً لسيفين فقال علقمة بن عبدة فيه:
مظاهر سربالي حديد عليهما ... عقيلاً سيوف مخذم ورسوب
فقلدهما الحارث صنماً كان لطيء في الجاهلية يقال له الفلس وكان أهل الجاهلية يقلدون الأصنام السيوف فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه، فهدم الفلس وأخذ السيفين، فقدم بهما على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أن الحارث كان قلدهما مناة.
وسيف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: الليام، وفيه قتل يوم أحد وقتل عثمان ابن أبي طلحة ومعه اللواء.
قد ذاق عثمان يوم الحد بن أحد ... مع الليام، فأودى وهو مذموم
سيف عبد المطلب الذي ورثه عن أبيه العطشان، وفيه يقول:
من خانه سيفه في يوم ملحمةٍ ... فإن عطشان لم ينكل ولم يخن
سيف عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ولول وفيه يقول:
أنا ابن عتاب وسيفي ولول ... والموت دون الجمل المجلل
سيف هبيرة بن أبي وهب المخزومي الهذلول وفيه يقول:
وكم من كمى قد سلبت سلاحه ... وغادره الهذلول يكبو مجدلا
سيف الحارث بن هشام الأخيرش قال فيه:

وجنبت خيلي بنحل ولا ونت ... ولا لمت يوم الروع وقع الأخيرش
نحل: موضع بالأردن.
سيف عكرمة بن أبي جهل النزيف، قال يوم بدر وقد قتل ابن عفراء:
وقبلهما أردى النزيف سميدعا ... له في سناء المجد بيتٌ منقب
سيف عمر بن محمد بن أبي قيس بن عبدود الملك قال:
إن الملك لسيف ما ضربت به ... يوماً من الدهر إلا جد أو كسرا
سيف ضرار بن الخطاب الفهري، السحاب، قال فيه:
فما السحاب غداة الحر من أحدٍ ... بناكل الحد إذ عاينت غسانا
سيف عمرو بن العاص اللج قال في بعض حروب الشام:
أضربهم باللجحتى يجلو الفجلمن مشى ودج
سيف عمر بن سعد بن أبي وقاص الملاء قيل فيه:
تجرد فيها والملاء بكفه ... وأبيض يعشو من ملاوة البصر
سيف خالد بن يزيد بن معاوية العمر قال:
قطعت بها مستبطنا تحت ربطتي ... وفوق قميص العمر ذا شطب عضبا
سيوف خالد بن الوليد المرسب وفيه يقول:
ضربت بالمرسب رأس البطريق
علوت منه مجمع الفروق
الآؤلق وفيه يقول:
أضربهم بالآولقضرب غلام ممئنقبصارم ذي رونق
والقرطبا:
علوت بالقرطبا رأس ابن مارية ... عمرو، فاصبح وسط الحرب مثلولا
وذو القرط، ومنه يقول:
وبذي القرط قد قتلت رجلاً ... من كهول طماطم وعراب
سيف المختار بن أبي عبيد الثقفي، ذو الراحة، قال فيه:
رب كمي عاش دهراً مصعباً ... بني عليه المجد بيتاً مرتبا
علاه ذو الراحة حتى أجلبا ... تركته في دمه مخضبا
سيف حكيم بن جبلة العبدي، اليابس، قال فيه يوم الجمل:
أضربهم باليابس
ضرب غلام عابس
سيف الحارث بن ظالم ذو الحيات، قال:
ضربت بذي الحيات مفرق رأسه ... وكان سلامي يحتويه الجماجم
والمغلوب ومنه يقول:
أنا أبو ليلى، وسيفي المغلوب
سيف قيس بن زهير العبسي، ذو النون، ومنه يقول:
سيخبر قومه حنش بن عمرو ... إذا لاقاهم وابنا بلال
ويخبره مكان النون مني ... وما أعطيته عرق الحلال
سيف عبد الرحمن بن سراقة بن جعشم الكناني، المجر، قال فيه:
فأضرب فحلها فهوى صريعاً ... وغادره المجر إلى ثلاثة
سيف عبد الله بن مسبره الجرشي، المرهف، قال فيه:
علوت بالمرهف المأثور هامته ... فما استجاب لداعيه وقد سمعا
سيف عبد الله بن الحجاج التغلبي، القوط، قال:
فما ذممت أخي قوطاً فأبغضه ... ولا نبا نبوةً يوماً فيخزيني
سيف عمرو بن معد يكرب، ذو النون، قال:
وذو النون الصفي، صفي عمرو ... وكل وارد الغمرات نابي
وصمصامة: قال:
خليلٌ لم أهبه عن قلاه ... ولكن المواهب في الكرام
سنان أزرق لا عيب فيها ... وصمصامي يصمم في العظام
سيف عدي بن حاتم الأفل وفيه يقول:
إني لأبذل طارفي وتلادي ... إلا الافل وشكتي والجرولا
سيف معقل الجراح الجو قال:
ورب قرن علوت مفرقه ... بالجو فيه كشعلة القبس
سيف زيد الخيل الطائي القرين وقال فيه:
فمن يك أمسى لائماً لكميعة ... فمع القرين ما نبا بي ولا نكل
سيف قيس بن المكشوح المرادي، المقوم، قال:
ليس المقوم حين أخبره ... يوم الحفاظ بنا كل الحد
سيف الأشر اليم قال يوم الجمل:
ما خائن اليم في مآقط ... ولا مشهر إذا شددت الإزارا
على أنه قد نبا نبوةً ... فأجمعت النفس منه حذارا
يعني، حين ضرب ابن الزبير على رأسه فنباً.
سيف بجير بن حارثة بن لام لسان الكلب قال فيه:
فإن لسان الكلب مانع حوزتي ... إذا حشدت معن وأفناء بحتر
سيف زهير بن جناب الكلبي اليج قال فيه:
ضربت قذاله باليج حتى ... سمعت السيف قبقب في العظام
سيف عرفجة بن سلامة الكلبي، الليل، قال:
آتيك سلمى باطلا ... والليل ذو الغربين كمعي
سيف عبد الرحمن بن سليم الكلبي، عابس، قال الفرزدق:

إذا ما تردى عابساً فاض سيفه ... دماءً ويعطى ماله أن تبسما
سيف عبد الملك بن الغافل الخولاني، الخطير وكان سيفاً عريضاً، أخضر، في معزبه فل.
فلما ولى العباس بن محمد بن إبراهيم اليمن، استعمل روق بن عباد بن محمد بن كثير ابن شهاب الخولاني، على مخلاف خولان فقال: حاجتي الخطير تهبه لي.
فوهبه له.
وقال ابن شهاب:
ولا ابتغي بدلاً بالخطير ... فكل بديل به أعور
سيف أبي الحسين بن عمرو الكندي القفزن قال:
إني ابن الحبر، وسيفي القفزن ... أسبره حجر بن عمرو بن هوزن
سيف قيس بن معد يكرب القلزم قال:
أنا ابن وقاص وسيفي القلزم ... كم من كميٍّ بطلٍ مسوم
تركته يحكو مكاء الأعجم
سيف الأشعث بن قيس، التمثال.
سيف أبرهة بن الصباح الحميري، العمار، مكتوب فيه: أنا العمار، أضرب بي، ولا تمار سيف ابن مرثد بن عبس، ذي جدن، مكتوب فيه: أنا برثن الأسد، المفرق بين الوالد والولد.
سيوف المنذر: القحزنات قال الغوي حين قتله المنذر عبيد بن الأبرص الأسدي:
دعا أسدا والقحزنات تنوشه ... ومن دونه هضب الرجام فالعنق
سيف ابن ذي يرحم مكتوب فيه: أنا ثأر الله من الظالمين.
سيف شرحيل، الصقل.
سيف عمرو بن الحي الكلاعي الحبحاب قال فيه:
مقتدار فما قضا ... ك للحبحاب إذ وقعا
سيف عمرو أبي سلمة، الملواح، قال سراقة البارقي:
إذا قبضت أنامل كف عمرو ... على الملواح واحتدم اللقاء
سيف قيس بن الخطيم، ذو الخرصين، قال:
ضربت بذي الخرصين رقبة مالك ... فأنت نفسٌ قد أصبت شفاءها
سيف مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي، البانك، قال:
أنا أبو حارث واسمي مالك
من أرحب في العدد الضبارك
أمهى غرابيه لنا ابن فاتك
سيف مالك بن العجلان الأنصاري، المسنون، قال:
أنا ابن عجلان زعيم الحبين ... علوت بالمسنون رأس البطين
سيف أبي دجانة سماك بن حرب الساعدي، الحت.
أنا سماكٌ وقبيلي ساعدة ... وسيفي الحت ودرعي الزائدة
سيف أبي قتادة الأنصاري الهجوم، وقال:
إذا كان الهجوم ضجيع جنبي ... ورمحي والهراء من العوالي
سيف أسيد بن الحضير الأشهلي الأزرق قال:
أنا أبو يحيى وسيفي الأزرق ... كم قط من جماجم وأسوق
سيف ثابت بن قيس بن شماس، الملوح، قال:
فمن يك لائماً للسيف منكم ... فما كان الملوح بالملوم
سيف عامر بن يزيد بن عامر الكناني، القراقر، لقيه مكرز بن حفص من بني معيص وكان عامر قد قتل أخاه فابتدره بالسيف فأخذه وعلاه به حتى قتله وقال:
وأيقنت أني إن أجله بضربة ... متى ما أصبه بالقراقر يعطب
سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذو الوشاح، أخذه من ابنه عبد الله بصفين يوم قتل وفيه قال:
إذا كان سيفي ذا الوشاح ومركبي ... الظليم فلم يطل دم أنا طالبه
سيف زمعة بن الأسود بن المطلب، لسان الكلب، صار لابنه عبد الله وبه قتل هدبة بن خشرم، وقال المسود بن الوباك لما قتله:
لسان الكلب قطع ويل ثأري ... فأذهب غلي، وشفيت نفسي
سيف زيد بن الحارثة الكلبي الغريف قال فيه:
سيفي الغريف وفوق جلدي نثرةٌ ... من صنع داود لها أزرار
سيف عبد الله بن الحارث بن نوفل، الشقيق، أراده معاوية رضي الله عنه على بيعه واثمن له فأبى وقال:
آليت لا أشري الشقيق برغبةٍ ... معاوي، إني بالشقيق ضنين
وقال الجرير للفرزدق:
فلو بشقيق النوفلي ضربته ... لقسمته والسيف ليس بناكل
ولكن بسيف القين سبحك غالب ... ضربت به بأشر حاف وناعل
سيف خالد بن سعيد بن العاص أبو أحيحة، ذعلوق، قال:
إني سعيد ووشاحي ذعلوق ... أعلو به هامة كل بطريق
سيف سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، الفائز، وآخر اسمه، الخيل، قال:
أضرب بالفائز والخيل، ضرب كريم ماجد بهلول
سيف خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد، ذو الكف، قال:
سل ابن أثالٍ هل علوت قذاله ... بذي الكف حتى خر منه موسد؟

الباب الحادي عشر

نوادر الأعراب
دخل أعرابي البصرة في يوم جمعة، والناس في الصلاة، فركع معهم فرجموه، فرفع يده، ولطم الذي يليه، وأخذ يزاحم ويقول في صلاته:
ترحماني بحذاءٍ من حمى ... عبل الذراعين، شديدا ملطما
ولى يوسف بن عمر أعرابياً عملاً له فأصاب عليه خيانة فعزله، فلما قدم عليه قال له: يا عدو الله أكلت مال الله، قال: فمن مال من آكل إذن.
كانت في وكيع بن أبي سود أعرابية وهوجٌ شديد، فقال يوماً وهو يخطب: إن الله خلق السموات والأرض في ست سنين، فقال بعض جلسائه: في ستة أيام. فقال: قلت الأولى وإني لأستقلها.
وصعد المنبر فقال: إن ربيعة لم تزل غضاباً على الله منذ بعث نبيه في مضر، ألا وإن ربيعة قوم كشف، فإذا لقيتموهم فأطعنوا الخيل في مناخرها، فإن فرسا لم يطعن في منخره إلا كان أشد على فارسه من عدوه.
ورؤي بعضهم في شهر رمضان نهاراً يأكل فاكهة، فقيل له: ما تصنع؟ قال: سمعت الله يقول: " كلوا من ثمره إذا أثمر " وخفت أن أموت من قبل أن أفطر، فأكون عاصياً.
قيل لآخر: ما يمنعك أن تمنع جارتك، فإنه يتحدث إليها فتيان؟ قال: وهي طائعةٌ أو كارهة؟ قالوا: طائعة. فقال: أما امتنعت جارتي مما تكره؟ قال: لما صرفت اليمانية من أهل مزة الماء عن أهل دمشق، ووجهوه إلى الصحاري كتب إليهم أبو الهيذام: يا أهل مزة، ليمسينني الماء أو لتصبحنكم الخيل؟ قال: فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهيذام: الصدق يني عنك لا الوعيد. قيل لأعرابي من طيئ: أبا مرأتك حبل؟ فقال: لا، وذو بينة في السماء، ما أدري، ما لها ذنب تشتال به، ولا آتيها إلا وهي ضبعة.
وقف أعرابي فسأل قوماً، فقالوا: عليك بالصيارفة فقال: هناك والله قرارة اللؤم.
خطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله عز وجل.
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
وخطب والي اليمامة فيقال: إن الله لا يأخذ عباده على المعاصي، وقد أهلك أمة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم.
خطب عدي بن وتاد الإيادي فقال: أقول لكم كما قال العبد الصالح " ما أريكم إلا ما رأى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " قالوا ليس هذا قول العبد الصالح، إنما هو من قول فرعون، فقال: ومن قاله، فقد أحسن.
سمع أعرابي سورة براءة فقال: ينبغي أن يكون هذا آخر القرآن، قيل له: ولم؟ قال: رأيت عهوداً تنبذ.
وقال الأصمعي: صلى أعرابي فأطال الصلاة، وإلى جانبه ناس فقالوا: ما أحسن صلاته! فقطع صلاته وقال: وأنا مع هذا صائم.
استشهدوا أعرابياً على رجل وامرأة، فقال: رأيته قد تقمصها، يحفزها بمؤخره، ويجذبها بمقدمه، وخفي علي المسلك.
رفع أعرابي يده بمكة فقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس.
وكان أعرابي باليمامة والياً على الماء، وإذا اختصم إليه اثنان، وأشكل عليه القضاء حبسهما جميعاً حتى يصطلحا، ويقول: زوال اللبس أو الحبس.
رأى أعرابي رقاقة فقال: ما هذه؟ قالوا: خبزة مرققة، قال: فيكف تؤكل؟ قالوا: تلف وتؤكل قال: فما عناؤكم ببسطها؟ سمع أعرابي المغيرة بن شعبة يقول: من زنا تسع زنيات وعمل حسنة واحدةً محيت عنه التسع، وكتبت له الواحدة، فقال الأعرابي: فهلم نتجر في الزنا.
وجد أعرابي مرآة وكان قبيحاً، فنظر فيها ورأى وجهه فاستقبحه، فرمى بها وقال: لشر ما طرحك أهلك.
العتبي: كان مجالساً لرجل من بني الحجاز، فقال يوماً: نظرت في جنسي، فلم أجده فأصابتني هجنة إلا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فقلنا له: هذا أنت الآن صريح، وإسماعيل هجين فأيكما أشرف؟ قال: فمسح سباله وقال: أما أنا فلا أقول شيئاً.
ولي أعرابي تبالة فصعد المنبر، فلا حمد الله ولا أثنى عليه، حتى قال: اللهم أصلح عبدك، وخليفتك أني أنت، إن الأمير أصلحه الله ولاني عليكم وأيم الله ما أعرف من الحق موضع سوطي هذا، وإني والله لا أوتي بظالم ولا مظلوم إلا ضربته حتى يموت.
شهد آخر عند بعض الولاة على رجل بالزنا فقال له: أشهد أنك رأيته كالميل في المكحلة، فقال الأعرابي: لو كنت جلدة استها ما شهدت بها.
تغدى أعرابي مع قوم فأتى بخلال قلبه ثم قال: وأصنع بهذه الصيصية ماذا؟

جلس أعرابي وأعرابية، طائي وطائية، فأكلا من التمر، وشربا من اللبن فقال الرجل: أنحن أشبع يا أم فلان أم معاوية؟ فقالت: نحن أشبع، وهم أكسى؟؟؟؟! ركب شيخ من بني تميم سفينة ومعه ابن له، وفي السفينة جماعة نسبهم الشيخ فإذا كلهم من الأزد، فأخذ الشيخ حديدة، وجعل ينقر بها السفينة فقال له ابنه: يابَهْ ما تصنع؟ قال: أخرقها، قال: إذاً تغرق! قال: يا بني: ألا ترضى أن أغرق أنا وأنت وثمانية عشر رجلاً من الأزد؟!.
كان أعرابي إذا توضأ، غسل وجهه قبل استه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أبدأ بالخبيثة قبل الطيبة.
قال بعضهم: أتيت لخماً وجذاماً، فكانوا يقدمون العروس، فصلى بهم سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السنة؟ قالوا: أما سمعت الله يقول في كتابه: كاد العروس أن يكون ملكاً.
قال الأصمعي: عذلت أعرابياً في الكذب، فقال: والله إني لأسمعه من غيري، فيدار بي من شهوته.
كان بعض الأعراب يأكل ومعه بنوه، فجعلوا يأخذون اللحم من بين يديه فقال: يا بني إن الله تعالى يقول: " فلا تقل لهما إفٍ ولا تنهرهما " ، ولأن تقولوا لي أف ألف مرة، إذ في كل مرة سبعون انتهاراً، أهون علي مما تفعلون.
قال بعضهم: سمعت أعرابياً يقول في صلاته: أغفر لي ولمحمد فقط، وأسألك تعجيل حسابي قبل أن يهلك الخلق.
قيل لأعرابي: ما طعم اللبن؟ قال: طعم الخير.
قال أعرابي: خطب منا رجل مغموز امرأة مغموزة فقيل لولي المرأة: تعمم لكم فزوجتموه، فقال: إنا تبرقعنا له، قبل أن يتعمم لنا.
قدم بعضهم الصلاة على امرأة كانت فاسدة فقال في الدعاء: اللهم! إنها كانت تسيء خلقها، وتعصي بعلها، وتبذل فرجها، وتحزن جارها، فحاسبها حساباً أدق من شعر استها!.
ولي أعرابي البحرين فجمع اليهود فقال لهم: ما تقولون في عيسى؟ قالوا: قتلناه وصلبناه؛ فقال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
قيل لأعرابي: أتعرف أبا عمرو؟ قال: وكيف لا أعرفه؟ وهو متربع في كبدي، يعني الجوع.
خرج المهدي يتصيد فغار به فرسه حتى دفع إلى خباء أعرابي فقال: يا أعرابي: هل من قرى؟ قال: نعم، وأخرج له فضلة من ملةٍ فأكلها، وفضلةً من لبن في كرش فسقاه، ثم أتاه نبيذٍ في زكرةٍ، فسقاه قعباً، فلما شرب المهدي قال: أدري من أنا؟ قال: لا والله، قال: أنا من خدم الخاصة، قال: بارك الله لك في موضعك، ثم سقاه آخر، فلما شربه قال: يا أعرابي أدري من أنا؟ قال: نعم زعمت أنك من خدم الخاصة، قال: لا بل أنا من قواد أمير المؤمنين، فقال: رحبت بلادك، وطال مزارك، ثم سقاه قدحاً آخر ثالثاً، فلما فرغ منه قال: يا أعرابي أتدري من أنا؟ قال: زعمت أخيراً أنك من قواد أمير المؤمنين، قال: لا ولكني أمير المؤمنين، فأخذ الأعرابي الزكرة فأوكاها وقال: والله لئن شربت الرابع لتقولن: إنك لرسول الله، فضحك المهدي وأحاطت بهم الخيل ونزل أبناء الملوك والأشراف، فطار قلب الأعرابي فقال له: لا بأس عليك، وأمر له بصلة فقال: أشهد أنك صادق ولو ادعيت الرابعة لخرجت منها.
رأوا أعرابياً يبول في المسجد، فصاحوا إليه فقال: أنا والله أفقه منكم، إنه مسجد باهلة.
وقيل لآخر: لم لا تشتري البطيخ؟ قال: لا والله لا أشتري حتى يبلغ من رخصه أن يكون من تناول من بائعه بطيخة، وعدا، رماه بأخرى.
لزم أعرابي سفيان بن عيينة حتى سمع منه ثلاثة آلاف حديث، ثم جاء يودعه فقال له سفيان: يا أعرابي! ما أعجبك من حديثنا؟ قال: ثلاثة أحاديث: حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب الحلواء ويحب العسل، وحديث عليه السلام إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة فأبدأوا بالعشاء، وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: ليس من البر الصوم في السفر.
دخل أعرابي على يزيد بن المهلب، وهو في فراشه والناس سماطان فقال: كيف أصبح الأمير؟ قال يزيد: كما تحب. فقال: لو كنت كما أحب، كنت أنت مكاني، وأنا مكانك. فضحك.
وقيل لأعرابي: لم يقال للعبد: باعك الله في الأعراب؟ قال: لأنا نجيع كبده، ونعري جلده، ونطيل كده.
توفي ابن لأعرابي، فعزاه بعض إخوانه فقال لانتهم الله في قضائه فقال: والله لا أتهم غيره، ولا ذهب بابني سواه.
قيل لأعرابي: في خلافة من ولدت؟ قال: في خلافة يوسف بن عمر أو كسرى بن هرمز وأعوذ بالله أن أقول على الله إلا حقاً!

قال الأصمعي: رأيت أعرابياً يرفع على والٍ ضربه فقال: والله إنه ليقبل الرشوة، ويقضي بالعشوة، ويطيل النشوة، ولقد بنى جماماً زندقةً وكفرا.
قدم إلى أعرابي كامخ فقال: مم يعمل هذا؟ قالوا: من اللبن والحنطة، قال: أصلان كريمان، لكنهما ما أنجبا.
قال ابن قريعة: سمع أعرابي قارئاً يقرأ القرآن " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " ، وقوله عز وجل: " تخشع قلوبهم لذكر الله " فقال الأعرابي: اللهم لا تجعلني منهم، فقيل له: ويحك لم قلت هذا؟ قال: لولا أنهم قوم سوء، لم توجل قلوبهم.
قال الأصمعي: أصابتنا السماء بالبدو فنزلنا بعض أخبية بني نعيم، وفيهم عروس فلما حضرت الصلاة قدموه فصلى بهم، وكان ذلك سنتهم أن يقدموا العروس سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السنة؟ قالوا: أوما سمعت الله يقول: كاد العروس أن يكون ملكاً.
مر أعرابي بقوم من اليهود فقال: ويلكم ألا تسلمون، ألا تأنفون مما أنزل الله فيكم وعيركم به؟ قالوا: يا أعرابي، وما الذي أنزله فينا؟ قال قوله: ألا لعنة الله على اليهود، إن اليهود إخوة القرود، قالوا: فإن الذي أنزل فيكم أعظم من هذا، قال: وما هو؟ قالوا قوله: " الأعراب أشد كفراً ونفاقاً " فقال: يا أخوتاه، مكذوب علينا وعليكم.
وأخذ رجل ينكح شاة، فرفع إلى الوالي وكان أعرابياً، فقال الرجل: يا قوم أوليس الله يقول: " أو ما ملكت أيمانكم " والله ما ملكت يميني غيرها، فخلى عنه وحد الشاة، وقال: الحدود لا تعطل، فقال إنها بهيمة، فقال: لو وجب حكم على بهيمة وكانت أمي وأختي لحددتهما.
قال بعضهم: وليت مخلافاً من مخاليف اليمن فأتيت بشيخ كبير فقلت: أمسلم أنت؟ قال: بلى، قلت: أتعرف النبي؟ قال: بلغني أنه كان رجلاً صالحاً، قلت: فابن من كان؟ قال: لا والله ما أدري، إلا أني أظنه رهط معن بن زائدة.
أصاب أعرابي سروالاً وهو لا يدري ما هو، فأخذه فأدخل يده في رجل السروال وبقي رأسه داخلاً، وجعل يقلب وليس يدري كيف يلبسه، فلما أعياه، رمى به وقال: ما أظن هذا إلا من قمص الشيطان.
وقيل لأعرابي: إقرأ: لم يكن فقال: ما وددت أن أحس ما كان فكيف ما لم يكن؟ قال الأصمعي: نزلنا على المياه، فإذا أعرابية نائمة، فأنبهناها للصلاة، فأتت الماء فوجدته بارداً فتركته، وتوجهت إلى القبلة وهي قاعدة، فكبرت ثم قالت: اللهم إني قمت إليك وأنا عجلى، وصليت وأنا كسلى، فاغفر لي ما ترى، عدد الثرى، قبل غيري وما جرى، قال: فعجبنا، فقلت: يا هذه، ليست هذه بصلاة، قالت: يا عم، إنها والله صلاتي منذ أربعين سنة.
قال: تقدم أعرابي للصلاة فقرأ: الحمد لله ثم قال: قد أفلح من هم في صلاته، وأخرج الواجب من زكاته، أطعم المسكين من نخلاته، وجانب الفحش وفاعلاته، وحافظ على بعيره وشاته، الله أكبر، فضحك من كان خلفه فقال: أني ضحكتم؟ والله لقد علمتني عجوز لنا أدركت النبي؛ يعني مسيلمة.
كان أعرابي إذا توضأ بدأ بوجهه فغسله، ثم غسل فرجه، ويقول: لا أبدأ بالخبيثة.
قال الأصمعي: حضرت الصلاة، فقال أعرابي: حي على العمل الصالح، قد قام الفلاح، ثم قام يصلي، وقال: اللهم احفظ لي حسبي ونسبي، واردد على ضالتي، واحفظ هملي والسلام عليك ورحمة الله.
قال: وقامت امرأة تصلي فقرأت: اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف، ومن شر ما جمعت من اللفيف، وأعوذ بك من حر ملك أمره، وعبد ملأ بطنه، الله أكبر.
وقف أعرابي يسأل شيئاً فقيل له: يا أعرابي، هل لك في خير مما تطلب؟ قال: وما هو؟ قال: تعلمنا سورة من القرآن، قال: والله إني لا أحسن منها ما إن حفظت كفاني، أحسن منه خمس سور، قال: فقلنا اقرأ، فقرأ: الحمد لله، وإذا جاء نصر الله، وإنا أعطيناك الكوثر. ثم سكت، فقلنا له: هذه ثلاثة فأين الثنتان؟ قال: إني وهبتهما لابن عم لي، يريد أني علمتهما إياه، ولا والله أعود في شيء وهبته أبداً.
خاصم أعرابي امرأته إلى السلطان فقيل له: ما صنعت؟ قال: خيراً، تجاثينا لركبنا قبلاً، فأكبها الله لوجهها، ولو أمر بي إلى السجن.
قال: سمعت أعرابياً يدعو ماداً يده عند الكعبة وهو يقول: اللهم إن كنت ترى يداً أكرم منها، فاقطعها.
صعد بعضهم المنبر في عمله يخطب فقال: والله لئن أكرمتموني أكرمتكم، وإن أهنتموني لتكونن أهون علي من ضرطتي هذه، وضرط.

قيل لأعرابي: أتعرف الأنبياء؟ قال: أي والله، إني بهم لعالم، قالوا: فسمهم، قال: لا تمسكوا محمدا صلى الله عليه، وعيسى، وموسى، وأمسكوا فرعون، والله ما الثناء عليه بحسن، ولوطاً والله أهل البادية يكرهون فعله، ولكن أهل العراق لا يرون به بأساً.
وقال: رأيت أعرابياً من طيئ، وهو يتوضأ للصلاة ولا يحسن، فقلت: يا أعرابي ما هذا الوضوء؟ قال: يا جاهل! أما سمعت الله يقول في محكم كتابه: من شدد على عبادي شددت عليه.
وقيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: بخير. فقال له آخر: كيف أصبحت؟ قال: كما أخبرت هذا.
وشهد أعرابي عند عامل على رجل، فقال المشهود عليه: لا تقبل شهادته فإنه لا يقرأ من كتاب الله شيئاً قال: بلى، قال: فاقرأ، فقال:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فقال القاضي: إنها لمحكمة، قال المشهود عليه: تعلمها والله البارحة.
قال رأيت أعرابياً يتيمم فقال: والله إني لأكره عادة السوء.
قال: بلغني أن أعرابيين كانا يطوفان بالبيت، فكان أحدهما يقول: اللهم هب لي رحمتك، فأغفر لي، فإنك تجد من تعذبه غيري، ولا أجد من يرحمني غيرك. فقال صاحبه: اقصد حاجتك ولا تغمز بالناس.
أقبل عيينة بن حصن الفزاري قبل إسلامه إلى المدينة. فلقيه ركب خارجين منها، فقال لهم: أخبروني عن هذا الرجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: الناس فيه ثلاثة: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشاً والعرب، ورجلٌ لم يسلم فهو يقاتله، وبينهم الترابح، ورجل يظهر له الإسلام إذا لقيه، ويظهر لقريش أنه معهم: قال: ما يسمى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون، قال: ليس فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء، أشهدكم أني من المنافقين.
قال الأصمعي: مر أعرابي بقوم يختصمون في مسيل ماء، فقال: فيم يختصمون؟ قالوا: في مسيل ماء. قال: والله ما بلت في موضع مرتين.
قال: وشكت أعرابية زوجها في صواحب لها فقلن لها: طلقيه، فقالت: أشهدن أنه طالق، فقلن لها: ثني فقالت: اشهدن أنه طالق، فقلن لها ثلثي فقالت: اشهدن أني طالق ثلاثاً، فاختصموا إلى والي الماء، فتكلمت فقال: إيهاً أفي ثلاث لا يجوز فيجازيك، الزمي الطريق المهيع، ودعي ببنات الطريق، وانتعلي الميت، كيف قلت؟ قالت: قلت هو طالق ثلاثاً، قال: فتفكر الوالي ساعة، ثم قال: أراك تحلين له، ولا أراه يحل لك.
حضر أعرابي مجلساً يتذاكرون فيه قيام الليل فقيل له: يا أبا أمامة أتقوم بالليل؟ قال أي والله، قالوا: فما تصنع؟ قال: أبول فأرجع.
قيل لآخر: أي بنيك الثلاثة أثقل؟ فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الوسيط.
اغتاب أعرابي رجلاً، ثم التفت فرآه فقال: لو كان خيراً ما حضرته.
ولي المهلب بعض الأعراب كورة بخراسان وعزل والياً كان بها، فلما وردها الأعرابي، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناص اقصدوا لما أمركم الله به فإنه عز وجل رغبكم في الآخرة الباقية وزهدكم في الدنيا الفانية فرغبتم في هذه. وزهدتم في تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية ولا تحصل لكم الباقية فتكونوا كما قال الله لا ماءك أبقيت، ولا حرك أنقيت. واعتبروا بهذا المعزول عنكم، كيف سعى وجمع فصار ذلك كله إلي، على رغم من أنفه، وصار كما قال الله في محكم كتابه:
أنعمي أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد
أتى أعرابي برقاقة فتأملها ثم قال: لقد سحقك الدهر.
قدم إلى أعرابي كامخ فقال: ما هذا؟ قيل: كامخ. فقال: من كمخ به؟ وذلك أنهم يقولون: كمخت البقرة إذا تلطت.
واجتمع اثنان منهم على كامخ فقال أحدهما: خيراً ورب الكعبة، وذاقه الآخر فاستطابه فقال: أحسبه خبز الأمير.
دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك وبين يديه فالوذج فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين، قال: هذا شيء من أكله مات، قال: أفلا أذوقه! قال: ذقه، فذاقه وشمر عن ساعده، وجعل يأكل ويقول: أوصيكم بعيالي خيراً.
مر أعرابي بقرص سفود وقد سقط من بعض الحاج فأخذه فلما نظر إلى وسطه رمى به وقال: من سلح عليك؟ لا حياك الله.
قال الأصمعي: سمع أعرابي واحداً يقرأ: " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " فقال: وأبيك، إني لأعرف هؤلاء القوم بنعتهم فقيل له: ومن هم! قال: الذين يثردون، ويأكل غيرهم.

قدم أعرابي رجلاً إلى القاضي واستعدى عليه، وتقدم شاهدان فقالا: نشهد أنه قد ظلم الأعرابي، فقال الأعرابي: كذبا، ما ظلمني ولكنه لوى حقي.
نظر بعض الأمراء إلى أعرابي كان قائماً بين يديه نظراً شديداً، فقال الأعرابي: لقد هم الأمير لي بخير؟ قال: لا، قال: فبشرٍ! قال: لا، قال: فالأمير إذاً مجنون!.
قال النضر بن شميل: ما شيت أبا جابر الأعرابي فرأى بقعة شمس فرمى بنفسه فيها فقلت: مالك؟ قال: الشمس، قلت: أوتعجبك؟ قال: هي أدفأ ثيابي. قال: وسمعته يقول: اللهم اسقنا شمساً. قيل له: إنما يقال هذا في الغيث، قال: أنا إلى الشمس أعطش.
قيل لأعرابي: ألا تغزو؟ فإن الله قد أنذرك فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أن أمضي إليه ركضاً.
حكى أنه أولم رجل وليمةً، فحضرها أعرابي، وجعل يأكل ولا يرفع رأسه، حتى حضره الفالوذج فرفع رأسه فنظر إلى شيخ معتزلٍ عن القوم فقال: ما بال شيخنا لا يأكل؟ قيل إنه صائم، فقال: وما أحوجه إلى الصوم؟ قال: طلب المغفرة والفوز بالجنة، فقال الأعرابي: فإذا نال الجنة أفتراه يطعم فيها أطيب من الفالوذج.
ركب أعرابي بحيرة، فقيل له: إنها حرام لا يحل ركوبها، قال: يركب الحرام من لا حلال له.
قدم أعرابي إلى والي، ليشهد على رجل بالزنا، فقال له الوالي: بم تشهد؟ قال: رأيت هذا دائم الأفكل كأنما هو عسالة عسل تلسب خصييه والمرأة سطيحة تحته، وهي تغط غطيط البكر، ولعابها يهمع، والله أعلم بما وراء ذلك.
وسئل أبو المغوار، وقد تقدم ليشهد مثل ذلك فقال: رأيت امرأة صرعى، ورجل يقوي فوه على فيها، ومسربته على مسربتها، والقنب غائب واليافعان يضربان بين المسفعة وهو يردي باسته والله أعلم بما وراء ذلك.
دخل أعرابي سوق النخاسين يشتري جارية فلما اشتراها وأراد الانصراف، قال النخاس: فيها ثلاث خصال، فإن رضيت وإلا فدعها، قال: قل: قال: إنها ربما غابت أياماً ثم تعود إذا طلبت، قال: كأنك تعني أنها تأبق قال: نعم، قال: لا عليك أنا والله أعلم الناس بأثر الذر على الصفا، فلتأخذ أي طريق شاءت فإنا نردها، ثم ماذا؟ قال: إنها ربما نامت فقطرت منها القطرة بعد القطرة، قال: كأنك تعني أنها تبول بالفراش؟ قال: نعم، قال: لا عليك فإنها لا تتوسد عندنا إلا التراب، فلتبل كيف شاءت، ثم ماذا؟ قال: أنها ربما عبثت بالشيء تجده عندنا، قال: كأنك تعني أنها تسرق ما تجد.؟ قال: نعم قال: لا عليك فإنها والله ما تجد ما يقوتها، فكيف ما تسرقه، وأخذ بيدها وانطلق بها.
قيل لأعرابي: أيسرك أنك نبي؟ قال: لا. قيل: ولم.؟ قال: يطول سفري، وأهجر دار قومي، وأنذر بالعذاب عشيرتي، قيل له: فيسرك أنك خليفة؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: ينقص عمري ويكثر تعبي، ولا تكبروني، أمشي وحدي، قيل: أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي؟ قال: على أن لا يعرف فيها نسبي.
سمع أعرابي قوماً يقولون: إذا كان للإنسان على شحمة أذنه شعر كان دليلاً على طول عمره، فضرب يده على شحمة أذنه فوجد عليها شعراً فقال: أنا بالله وبك.
قيل لأعرابي ما ترى يصنع الخليفة في مثل هذا اليوم الشديد البرد. قال: تجده قد أخذ لحم جزورٍ بيده اليمنى، وقدرة تمر بيده اليسرى، وبين يديه قصعة لبن، وقد استقبل الشمس بوجهه، واحتبى بكسائه فيكدم هذا مرة وهذه مرة ويتحسى من اللبن مرة.
وقفت أعرابية على قوم يصلون جماعة فلما سجدوا صاحت وقالت: صعق الناس ورب الكعبة.
قيل لأعرابي: أتعرف إبليس؟ قال: أما الثناء عليه فسيء، والله أعلم بسريرته.
ودخل آخر مسجداً والإمام يقرأ: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " فقال الأعرابي: والكامخ فلا تنسه أصلحك الله.
وسمع آخر رجلاً يقرأ: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " فقال: يا بن عم، إنه لبعيد سحيق.
قال الأصمعي: صلى بنا أعرابي بالبادية فقال الحمد لله، بفصاحة وبيان، ثم قال: ثبت ما يوسف ذوي ماءٍ ولا غلة، فأصبح في قعر الركية ثاوياً.
ثم ركع، فقلت: يا أعرابي، ليس هذا من القرآن قال: بلى والله، لقد سمعت كلاما هذا معناه.
قال: وقرأ آخر والضحى " بقراءة حسنة حتى بلغ إلى قوله: " ألم يجدك يتيماً فأوى " قال: وإن هؤلاء العلوج يقولون: قال " ووجدك ضالاً فهدى " لا والله ما أقولها فما أنا ضال، الله أكبر.
وقرأ آخر:

" إذا جاء نصر الله والفتح " ثم ارتج عليه، وجعل يكرر فلم يذكر الآية فالتفت في صلاته وقال لمن وراءه: قد بقيت علي آية لا أذكرها، ولكني سآتيكم بآية خير مما نسيت وهي: " محلقين حجاجاً " الله أكبر.
قال: وسمعت آخر وهو يقول: اللهم هب لي ما مضى من سيئ عملي، فإن عدت فلك الخيار فيما وهبت لي.
قال بعضهم: رأيت أعرابياً في بعض أيام الصيف قد جاء إلى نهر، وجعل يغوص في الماء، ثم يخرج ثم يغوص أيضاً، ويخرج وكلما خرج مرة، حل عقدةً من عقدٍ في خيطٍ كان معه، قلت: ما شأنك؟ قال: جنابات الشتاء أحصيهن كما ترى وأقضيهن في الصيف.
وسئل آخر عن مسألة من الفرائض ففكر ساعة، ثم قال: انظروا هل مات مع هذا الميت أحد من قرابته؟ قالوا: لا، قال: إن الفريضة لا تصح لا بموت آخر.
وقدم إلى أعرابي موز فجعل يقلبه ويقول: لا أدري، ممن أتعجب، ممن خاطه، أو ممن حشاه.! قيل لآخر: هل في بيتك دقيق؟ فقال: لا. والله، ولا جليل.
قيل لأعرابية: ما صفة الأير عندكم؟ فقالت: عصبة ينفخ فيها الشيطان فلا يرد أمرها.
وشربت أعرابية نبيذاً، فسكرت، وقالت: لبعض الحاضرين: أيشرب هذا نساؤكم.؟ قال: نعم، قالت: لئن صدقت، ما يدري أحدكم من أبوه.
قال بعضهم: سألت أعرابياً عن شهر رمضان، كيف صاموه. فقال: تجرد منا ثلاثون رجلاً، وأنذرناه في يوم واحد.
مات لأعرابي ابن صغير فقيل: هذا شفيعك يوم القيامة فقال: هلكنا والله، هو أضعفنا حجة، وأقطعنا لساناً، وليته يقوم بأمر نفسه.
شرب أعرابي لبناً، وابنه على يساره ورجل آخر عن يمينه، فسقى ابنه قبل الرجل، فقيل له: السنة أن تسقي من عن يمينك فقال: قد علمت أنه أحب إلي من السنة.
قيل لأعرابي أتخاف أحداً قال: نعم، الذئب في البادية، والشرطى في الحضرة.
صلى أعرابي خلف إمام قرأ: " قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي " فقال: أهلكك الله وحدك ما ترد إلا من معك.
قيل لآخر: مالك لا تغزو الروم؟ قال: أخشى أن أقتل ولا يطلب بثأري.
سقط أعرابي عن بعيره فانكسر بعض أضلاعه، فأتى الجابر يستوضفه فقال: خذ تمر شهرين فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمن، واضمد عليه، فقال الأعرابي: تمن؟ قال: خباء خلق في أرض قفر وجله، في أسفلها تمر، وكلب إذا أمطرت السماء يزاحمني في البيت.
قيل لأعرابي: كيف أكلك؟ قال: كما لا يحب البخيل.
سأل رجل من بني تميم عن رجل فقيل له: دعاه ربه، فأجاب، فقال: ولم أجاب؟ لا أجاب، أما علم أن الموت إحدى المهالك؟.
جاء أعرابي الحضر وكان يوم جمعة، فرأى الناس في الجامع، فقال لبعضهم: ما هذا؟ وكان المسئول ماجناً، قال: هذا يدعو إلى طعام، قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال: يقول ما يرضى الأعراب أن يأكلوا، حتى يحملوا معهم، فتخطى الأعرابي رقاب الناس، حتى دنا من الإمام فقال: يا هذا إنما يفعل ما تقول سفهاؤنا.
جاء آخر إلى صيرفي بدرهم، فقال الصيرفي: هذا الستوق، قال: وما الستوق؟ قال: داخله نحاس، وخارجه فضة، فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي أنت، أشهد أنك تعلم الغيب.
وجاء آخر إلى السوق بدرهم يشتري به تمراً، فقيل له مثل ذلك، فقال: أعطوني بالفضة تمراً، وبالنحاس زيتاً.
نزل عطار يهودي بعض أحياء العرب ومات، فأتوا شيخاً لهم لم يكن يقطع في الحي أمر دونه فأعلموه خبر اليهودي، فجاء فغسله وكفنه، وتقدم وأقام الناس معه، وقال: اللهم إن هذا اليهودي جاء وله ذمام، فأمهلنا نقضي ذمامه، فإذا صار في لحده فشأنك والعجل.
مر أعرابي وفي يده رغيف، بغلام معه سيف، فقال له: يا غلام، بعني هذا السيف بهذا الرغيف قال: ويلك أمجنون أنت؟ قال الأعرابي: لعن الله شرهما في البطن.
قيل لأعرابي: هل تعرف من النجوم شيئاً؟ قال: ما أعرف منها إلا بنات نعش، ولو تفرقن ما عرفتهن.
عض ثعلب أعرابياً، فأتى راقياً، فقال له الراقي: ما عضك؟ قال: كلب؛ واستحى أن يقول ثعلب، فلما ابتدأ يرقيه، قال: اخلط به شيئاً من رقية الثعلب.
سئل آخر عن حاله مع عشيقته فقال: ما نلت منها محرماً، غير أنني إذا هي بالت بلت حيث تبول.
قال بعضهم: صليت الغداة في مسجد باهلة بالبصرة، فقام أعرابي فسأل، فأمر له إنسانٌ منهم برغيفين فرآهما صغيرين رقيقين، فلم يأخذهما، ومضى، وجاء برغيفٍ كبيرٍ حسنٍ فقال لباهلة: استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعله ينجب.

دخل أعرابي الحمام وفيه نبطي، فبال الأعرابي وضرط، فقال النبطي: باسم هان الله، قال الأعرابي: يا ابن الخبيثة، فيكم ضراطي، أحسن من سبيحك.
قرأ إمام في صلاته: " إذا الشمس كورت " فلما بلغ إلى قوله: " فأين تذهبون " أرتج عليه، فجعل يرددها وكان خلفه أعرابي معه جرابه، فلما طال عليه الأمر، ولم يكن ينبعث.
تقدم الأعرابي فصفعه بالجراب، وقال: أما أنا فإني كلواذي، وهؤلاء الكشاخنة لا أدري أين يذهبون.! أبو زيد: قلت لأعرابي: أتقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: ما أنشد منه حرفاً.
تفاخر قوم بكبر الأيور، فقال أعرابي حضرهم: لو كان ذلك فخراً، لكان البغل من قريش.
سأل أعرابي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، حتى انتهوا إلى ذكر معاوية فقالوا: إنه كان كاتبه، فقال: أفلح ورب الكعبة، فإن الأمور بيد الكاتب.
سمع أعرابي قوله تعالى: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " فقال: وأين السلم؟! وقرأ بعضهم في صلاته: إنا بعثنا نوحاً فقيل له: إنما هو أرسلنا، فقال: ما بينهما إلا لجاجك.
وقرأ آخر: فمن يعمل مثقال ذرة شراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره فقيل له: غيرت فقال:
خذا صدر هرشي أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشي لهن طريق
صلى آخر بقوم وجعل يردد: " أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي " . فقال أعرابي من خلفه: أهلكك الله وحدك، ما تريد إلا من معك.
قيل لأعرابي: أيهما أحب إليك: أن تلقى الله ظالماً أو مظلوماً؟ فقال: بل ظالماً قيل. ولم؟ قال: وما عذري إذا قال لي: خلقتك قوياً، ثم جئت تستعدي.! سأل أعرابي عبد الملك فقال: سل الله فقال: قد سألته فأحالني عليك، فضحك وأعطاه.
سمع أعرابي يقول: أترى هذه الأعاجم تنكح نساءنا في الجنة؟ فقال له آخر: ذلك بأعمالهم الصالحة، فقال: توطأ إذاً رقابناً والله قبل ذلك.
وكان آخر يدعو فيقول: اللهم اغفر للعرب خاصة، وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك.
أكل أعرابي قرشياً فقيل له: ما تأكل.؟ فقال: فالوذج، إلا إنكم قد حمصتموه بعدي.
امتنع أعرابي من غسل اليد بعد الأكل، وقال: فقد ريحه كفقده.! قيل لآخر: هل تعرف التخمة.؟ فقال: ما هو؟ قال أن يمتلئ الإنسان من الطعام حتى يؤذيه ولا يشتهيه، قال: وهل يكون إلا في الجنة؟! قيل لآخر اشتد به الوجع: لو تبت؟ فقال: لست ممن يعطي على الضيم، إن عوفيت تبت.
طلبوا يوماً هلال شهر رمضان فقال لهم أبو مهدية: كفوا فما طلب أحد عيباً إلا وجده.
خرجت من واحد منهم ريح، وحضرت الصلاة، فقام يصلي، فقيل له في ذلك فقال: لو أوجبت على نفسي الوضوء بكل ريح تخرج مني، لخلتموني ضفدعاً أو حوتاً.
قال الأصمعي: سمعت أبا غرارة يقول: من أكل سبع موزات وشرب من لبن الأوارك، تجشأ بخور الكعبة.
قال هشام بن عبد الملك، من يسبني ولا يفحش، هذا المطرف له، فقال له أعرابي حضر: ألقه يا أحول. فقال هشام: خذه قاتلك الله.
دخل أعرابي المخرج، فخرج منه صوت، فجعل فتيان حضروه يضحكون منه فقال: يا فتيان هل سمعتم شيئاً في غير موضعه!.
قال الأصمعي: قيل لأبي المخش: كيف كان ابنه المخش؟ قال: كان أشدق خرطمانياً، إذا تكلم سال لعابه كأنما ينظر من قلتين كأن ترقوته بوان أو خالفةٌ، وكأن منكبه كركرة جمل ثفال، فقأ الله عيني هاتين إن كنت رأيت بهما أحسن منه، قبله ولا بعده.
وقال أبو المخش: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفاً كأنه صلفةً في ذراع كأنه جمارة، فلا تقع عينها على أكلة نفيسةٍ إلا خصتني بها، فزوجتها، وصرت أجلس مع ابن لي على المائدة، فيبرز كفاً كأنها كرنافة ذراع كأنه كربة فوالله ما إن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
ذكر أن رجلاً من الأزد كان يطوف بالبيت وهو يدعو لأمه ولا يذكر أباه، فعوتب فقال: هذه ضعيفةٌ وأبي رجل، فقال: باهلي؟ قال: أعيذك بالله من ذاك قال: أي والله وأنا مع ذاك مولى لهم فأقبل الأعرابي يقبل يديه ويتمسح به، فقال له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأن الله عز وجل لم ينلك بهذا في الدنيا، إلا وأنت من أهل الجنة.

وروى أبو هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جائع فأطعمني، فقدم له لقمة من سلت وقال له سم وكل، يا أعرابي، فأكل حتى شبع، وبقيت منها بقية، فقال الأعرابي للنبي عليه السلام: إنك لرجل صالح.
قيل لأعرابي: ما اسم المرق عندكم؟ قال: السخين. قيل: فإذا برد؟ قال: لا ندعه حتى يبرد.
قال بعضهم: أبقيت جاريةٌ للحي فقيل لنا: إنها عند بني أبي الحلاج، فأتيته وقلت له: إن جاريةً من الحي أبقت، وبلغنا أنها عند بنيك، فقال: حتى أنظر، فدخل ثم خرج فقال: هي عندهم، فأوردوا قليلاً لمخجونها بخجات ثم ندفعها إليكم.
ذكر أعرابي امرأة وزوجها بالحدة فقال: هي قداحة وزوجها حراق.
قيل لأعرابي: أتعرفون التخمة عندكم؟ قال: نعم، هي كثيرةٌ عندنا، قيل: وما هي، قال: يصبح الإنسان وكأن بنات البقر تلحس فؤاده، يعني الجوع.
قيل لأعرابي من بني تميم: أيهما أحب إليك أن تلقى الله ظالماً أو مظلوماً، قال: لا بل ظالماً والله، قالوا: سبحان الله أتحب الظلم، قال فما عذري إن أتيته مظلوماً.
يقول: خلقتك مثل البعير الصحيح ثم تأتيني تعصر عينك وتشتكي.؟؟ ؟

الباب الثاني عشر
أمثال العامة
باع كرمه واشترى معصرةً.
باع الدواء واشترى رمكة.
إن كان معلم وإلا فدحرج.
من صير نفسه نخالة، أكلته الدجاج.
اصبر من خلد الحداد.
أنذل من فأر السجن.
من أنفق ولم يحسب، خرب بيته، ولم يعلم.
المنخل جديد سبعة أيام.
ينيك المولى، ويفرح الخصي.
الفضولي دخل النار.
ما فرحنا بإبليس، فكيف بأولاده؟! ما رضياه نديم، صار زوج أم.
اسكت بخرا في حق.
كأنه حر قد تحسى كشكية.
ليس للأمر بصاحب، من لم ينظر في العواقب.
انفلت كل إنسان يتهجى ما يشتهي.
حين تقلين تدرين.
الحائك إذا بطر، سمى ابنته سمانة.
عاص غاص، أخرج إحره.
ببطرٍ يلعب الشر.
الشيطان يدري من ربه، ولكن، تحتر نفسه.
الشيطان يعدو بلا منشور، فيكف إذا سجل له.
أول الدن دردي.
شبرٌ من ألية الحمل، خير من ثلاثة أذرع من ذنب الثور.
الليلة في البرية من البلية.
سف السويق، ونفخ البوق لا يجتمعان.
الحولاء مع العور الملوزة العينين.
كادت الجدة أن تكون عروساً.
الريح تصفق الأبواب، والأبواب تصفق الحيطان، والبلية على صاحب الدار.
الحجر يجاز، والعصفور مجاز.
فلان كالكعبة، يزار ولا يزور.
الجل خير من الفرس.
الساجور خير من الكلب.
الجل خير من الغرب.
إذا أراد الله إهلاك النملة، أنبت لها جناحين.
شر السمك الذي يكدر الماء.
حق من كتب بالمسك، أن يختم بالعنبر.
اخرج الطمع من قلبك قبل أن تحل القيد من رجلك.
من غضب بلا شيء، رضي بلا شيء.
كل شيءٍ وثمنه.
كل إنسانٍ وهمه.
يسمون، ودونه.
من ضاق صدره، اتسع لسانه.
إذا ذكرت الكلب، فأعد له العصا.
من لم يذق اللحم، أعجبته الرئة.
مد رجليك، على قدر الكساء.
الجالب مرزوقٌ، والمحتكر ملعونٌ.
ليس في الحب مشورة.
ليس في الشهوات خصومة.
هان على النظارة، ما يمر على ظهر المجلود.
كلما كثر الجراد، طاب لقطه.
من كان في الخان فغمه عليك.
المستقرض من كيسه يأكل.
كل واشبع ثم أذل وارفع.
ضيقة عاجلة، خير من ربح بطيء.
اختم الطين ما دام رطباً.
رأس المال أحد الربحين.
العبد من لا عبد له.
الحرحر، وإن مسه الضر.
العبد عبد وإن ملك الدر.
الهوى إله معبود.
استراح من لا عقل له.
اللذات بالمؤنات.
كف بخت، خير من كوم علم.
للحيطان آذان.
من لم يتغد بدانقين، تعشى بأربعة دوانيق.
خذ اللص قبل أن يأخذك.
إذا تخاصم اللصوص، وجد صاحب المتاع متاعه.
من طلى نفسه بالنخالة، أكلته البقر.
كلام الليل يمحوه النهار.
لكل جديد لذة.
ولكل مقيم حرمة.
جزاء مقبل الوجعاء ضرطة.
الثقيل حمى الروح.
حدث عن البحر ولا حرج.
من كان له دهن، طلى استه.
الاستقصاء شؤم.
العيب تحدث.
من ساعةٍ إلى ساعة فرج.
لا تأمن الأمير، إذا غشك الوزير.
الصرف لا يحتمله الظرف.
ربما غلا الرخيص.
انقص من أشنانك، وزد في ألوانك.
من كان دليله البوم، كان مأواه الخرابات.
إذا جاء نهر الله، بطل نهر عيسى.
ليس على الطبيب اسفيدباج.
لا نعلم اليتيم البكاء.
من جرب المجرب، حلت به الندامة.

الطبل قد تعود اللطام.
كل واحدٍ يقول: نفسي نفسي.
الثقيل إذا تخفف، صار طاعوناً.
صفقة نقد، خير من بدرة النسيئة.
تشويش العمامة من المروءة.
من اشترى ما لا ينبغي باع بما لا ينبغي.
هو ألوط من ثغرة.
ألوط من حية.
أنعى من علق.
صمت حصاة بدم.
أقبح من السحر.
أوحش من الهجر.
فيهم من كل رق رقعة.
هم أبناء الدهاليز.
ما أشبه السفينة بالملاح له في كل قدرٍ مغرفة.
يضرط من أست واسعة.
نزلت بوادٍ غير ذي زرع.
تنفخ في حديد بارد.
أثقل من كراء الدار.
أكسد من الفرو في الصيف.
هو ابن زانية مريب.
فلانٌ في النفط، فإن الزيت مبارك.
باعه الله في الأعراب.
لا يقاس الملائكة بالحدادين.
هو أوسع من رحمة الله.
به داء الملوك.
إيش في الضرطة من هلاك المنجل؟ يأكل أكل اليتيم في بيت الوصي.
يأكل أكل الشص في بيت اللص.
رأسك والحائط.
هو ألزم من الدقيق.
ليت الفجل يهضم نفسه.
عجوزٌ منتقبة.
قفل على خربة.
أضيع من حلىِّ على زنجية.
أضيع من سراج في شمس.
هو رقيق الحافر.
يدهن رأسه من قارورة فارغة.
يرضى من المعاصي بالتهم.
يظن بالناس، ما يظن بنفسه.
دعوته دعوة السنة.
دعوته قبح حرشنه.
الغني فساه شمامات.
أوحش من زوال النعمة، والنعم.
وقع نقبه على كنيف.
حسبته صيداً، فصار قيداً.
يضبط ضبط الأعمى.
اقلب وقد أصبت.
ليس وراء عبادان قرية.
أخفي من خصى.
أبخل من حوزي.
أكثر من با جعفر في الديلم.
خذه بالموت حتى يرضى بالحمى.
أنت نائم ورجلك في الماء.
هو أحسن من الدنيا المقبلة.
لا تلاطم إلا شقي.
ليس حفصة من رجال أم عاصم.
ليت كل أرملة مثل أم جعفر.
تحول القوس ركوةً.
زاد في الشطرنج بغل.
البستان كله كرفس.
وقع اللص على اللص.
نزلت سملى بسلمى.
من هالكٍ إلى مالك.
إن كان لا بد من قيد، فليكن مجلو.
لا يعلم ما في الخلف، إلا الله والإسكاف يستلب القطعة من شرق الأسد.
استر ما لله.
بساط النبيذ يطوى.
فلان كالضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع.
هو يطين عين الشمس.
تخلصت منه بشعرة.
كلما طار قصوا أجناحيه.
أخلق من قفا نبك.
أعتق من الأهيئ.
أعتق من الحنطة.
جاهك عندنا جاه كلب ممطور في مقصورة في الجامع.
لا يسوي باقة بقل.
لا يقوم عطره بفساه.
ليس في عصاه سير.
حرساً وما يسطرون.
رأسه في القلية، واسته في الخرية.
هو كإيمان المرجئ، لا يزيد ولا ينقص.
يقوم أيرك، وينيك غيرك.
كاد المجرب أن يكون ساحراً.
اتكلنا منه على خص.
أخطأت استه الحفرة.
هو مع كفره قدري.
هو مع وسخه لوطي.
أم الكاذب عربية.
كلما دار ضرطت.
انصب دقيقك على الشوك.
لا يجني من خله عصيدة.
هي الطاقة من تلك الباقة.
هو قرة عين الشامت.
هو من طبقة السه.
غضب الصارف على المصروف، غضب الجلاد على المضروب.
لو ضاعت صفعة، ما وجدت إلا على قفاه.
سوقنا سوق الجنة.
هو أعرى من الخشبة.
هو أكسى من الكعبة.
هو حائط مائل.
بخر أحد بشعره.
وجهه يرد الرزق من فراسخ.
هو فالوذج الجسر.
هو كالشبت في القدر.
فلان يفسو على الكنيف.
هو رئيس الجديد، وبيت القصيد، ورأس التخت.
هو سبع في قفص.
هو ابن عم النبي من دلدل.
هو قرابته من يعفور.
قد أدى عنه حق الخميس.
الظفر به هزيمة.
فلان يفزع من ظله.
يضرب بين الدابة والشعير.
يلجم الفأر في بيته.
ينيك حمير الحاج.
من عبد الله في خلق الله! كلامه ريح في قفص.
مع الحمى دمل.
قد وقعت إصبعه في الذرة.
قوله وبوله سواء.
أعرفه بشري الأصل.
حدثني من الخف إلى مقنعه.
ومق الطست إلى الطسة.
رقصت في زورقة.
يكثر الجون بالعفن.
قد تعود خبز السفرة.
حاضرنا شيئاً والذي كان معنا انفلت.
زلق الحمار وكان من شهوة المكاري.
فلان يسرج بالخيل.
إذا استوى فسكين، وإن أعوج فمنجل.
هو ما تحت التبن.
لا يقوى على الحمار، فيميل على إلا كاف.
يصيد الحية بيد غيره.
كان سندانا فصار مطرقة.
حوصلي وطيري.
هذا الفرس، وهذا الميدان.
العمل، للزرنيخ والاسم للنورة.
إذا استطعم السكران، فأضحك في وجهه.
من أنت في الرقعة؟ لا يقتل الصبي بعلة الداية.
افرش له بنفخة.

فلان يضرب الطبل تحت الكساء.
يده تحت الوجاء.
ليس على الرف إلا الرف.
يفعل ذلك في موت كل خليفة.
قد حرك السلسلة.
فلان زيادة الكرش.
هو أخلق من بردة النبي.
هو أطوع لي من خاتمي.
أنطق من ببغاء.
أقود من درهم واضح.
أطيب من عرسي.
أجد من النور في شعرة القاضي.
أحسن من سوق العروس.
أشر من زنديق.
أعبس من هرةٍ مقشعرة.
أسعى من شص بر قعيد.
أنتن من الجورب العفن.
ألزم من الذنوب.
أطمع من قيم الرباط.
أنشط من أير دخل نصفه.
كأنه عامل البر يتحنن.
مواعيد والكمون.
كودي يسخر من جندي.
يركب الفيل، ويقول: لا تبصروني.
فيه كل عيب وعنين.
هو دابة أبي دلامة.
هو زنبيل الحوائج.
لو كان في البومة خير، ما تركها الصياد.
من زرع في سبخة، حصد الفقر.
عناية القاضي، خير من شاهدي عدل.
طريق الحافي على أصحاب النعال.
طريق الأصلع على أصحاب القلانس.
بحر النار إلى قرصه.
الليلة في البرية من البلية.
من ير السلجم وبياضه، يظنه كله دسما.
لا تر الصبي بياض أسنانك، فيرك حمرة استه.
ليس كل من قال نار، احترق لسانه.
الخنفساء في عين أمها مليحة.
لا تسب أمتي اللئيمة، فأسب أمك الكريمة.
من تكلم بما يحب سمع ما لا يحب.
تمرة وزنبور.
كل نكير شره.
لا تأكل خبزك على خوان غيرك.
أنا اجرة إلى المحراب وهو يجرني إلى الخراب.
الشيطان لا يخرب كرمه.
من أنفق ولم يحسب، هلك ولم يدر.
أنذل من زند المراق.
أعتق من الحمامة.
أحمق من الجمل الذي يضرب استه ويصيح رأسه.
إذا لم تجده، كم تجلده؟ ليس من كرامة الدجاج غسل رجليها.
انفخي في استه وعظيمة فإن التينور جاره.
ذكر الفيل بلاده.
يأكل الفيل ويقنص من البقة.
من لم يثق باسته، لم يشرب اهليلج.
من اشتهى اللهو، علق في خصاه جرساً.
ضرطت فلطمت عين زوجها.
من حب طب، واستقى ثم صب.
من يطرف من وتد إلى وتد، يدخل آخرها في استه.
من أكل على مائدتين اختنق.
ما أطيب العرس لولا النفقة.
من كان طباخه أبو جعران، ما عسى أن يكون الألوان؟ هذا هواك فذق كما عشقت الشبوق.
كل التمر على أنه كان رطباً.
الخصي ابن مائة سنة، واسته ابن سنتين.
إذا بطر الحائك، اشترى بخبزه رماناً.
قامت الإبنة تعلم الأم النيك.
من استحيي من ابنة عمه، يولد له في الآخرة.
فر من القطر، وقعدت تحت الميزاب.
خذ سرة الخصى، ينفتح شرجه.
الجمل بدرهم والحبل بألف دينار ولا أبيعهما إلا معاً.
كل شيء في القدر يخرجها المغرفة.
ما تركه اللص، أخذه العراف.
ما أشبه التين بالسرفين.
وهذه أمثال اشترك فيها الخواص والعوام، فقال أهل الأدب وقال السفل العز في عرف الفرس.
لا بغال إلا بغال البردعة.
الذل في ذيل البقر.
تأكل اثنين وتكسب أربعة.
السيد يعطي، والعبد يألم قلبه.
المولى يرضى، والعبد يشق استه.
من اصطنع قوماً اجتنى.
إن البراطيل، تنصر الأباطيل.
لا تعرف من لا تعرف.
افعل الخير، ودعه.
لا تعرف الخير بالشر.
لا تفعل الخير لا يصيبك سوء.
الغمرات ثم ينجلين.
لا يكون بعد الغم إلا الضيق الشديد.
قيمة كل امرئ ما يحسن.
من ليس معه درهم لا يسوي درهماً.
من اشترى، فقد اشتوى.
قيمة كل امرئ ما يملك.
لا يعرف قبيله من دبيره.
لا يعرف محساه من مفساه.
لا في العير ولا في النفير.
لا في حرها ولا في استها.
ما بقيت لهم ثاغية ولا راغية.
ما تبقى إلا حرها والبادية.
جيء به من حيث ليْس، وليْس.
بعض الشر أهون من بعض.
الشر يطفي بالشر.
القَرْضُ قَرْض.
النسيئة نسيان.
التقاضي هذيان.
وافق شن طبقه.
طوال لاثنين يكفي أربعة.
الجماعة مجاعة.
من فمي أستلبها.
من استي لفقها.
هو يغرف من بحر.
أكار نزل على صاحب الدار.
بقرٌ تنيك حماراً.
ليس كل أخضر طري.
ليس كل مدور بعر.
هو يضرط من استٍ واسعة.
قدم خيراً إثماً تجده.
قدم خيرك ثم أيرك.
أصبحت شطراً بطراً.
أصبحت وقد وجدت في خراك فلساً.
عاد غيثٌ ولا خسرنا.
فلا علينا ولا لنا.

الباب الثالث عشر
نوادر أصحاب الشراب والسكارى
قال بعضهم: إذا رأيت الرجل يشرب وحده، فاعلم أنه لا يفلح أبداً، وإذا لم يشرب إلا مع الإخوان فارج له الإقلاع.

كان بعض أولاد الملوك إذا شرب وسكر، عربد على ندمائه، وكان إذا صحا يندم، ويستدعي من عربد عليه ويعطيه ألف درهم وما يقاربها، فقال له بعضهم يوماً: أنا رجل مضيق، وأنا مع ذلك ضعيف ولا أحتمل عربدة بألف درهم فإن رأيت أن تعربد علي بمائتي درهم، فقلت: فاستظرفه وأعطاه وأحسن إليه.
سقط سكران في كنيف قد امتلأ، فجعل يقول: يا أصحابي ماللقعود هاهنا معنى.
قالوا: للنبيذ حدان، حد لا هم فيه، وحد لا عقل فيه، فعليك بالأول واتق الثاني.
كان أبو نواس يقول: خمر الدنيا، خير من خمر الجنة وقد وصفها الله تعالى بأنها لذة للشاربين. فقيل: كيف؟ قال: لأن هذا نموذج والأنموذج من كل شيء أبداً أجود.
قيل لبعضهم: فلان هل يشرب الخمر؟ قال: نعم إذا اشتري بثمن لحم خنزير مسروق.
قال رجل لبعض أصحاب النبيذ: وجهت إليك رسولاً عشية أمس، فلم يجدك، قال: ذاك وقت لا أكاد أجد فيه نفسي.
قال أبو العيناء: النبيذ بمكسود الغم.
سقى بعضهم ضيفاً له نبيذاً رديئاً، وقال له: هذا النبيذ من عانة. فقال الضيف: من أسفل العانة بأربعة أصابع.
قال بعضهم: ما نحب أن تدعى القينة في الصيف نهاراً، وفي الشتاء ليلاً إلا لنذهب البرد.
قيل لبعضهم: كم الصلاة؟ قال: الغداة، والظهر. قالوا: فالعصر، قال: تعرف وتنكر. قالوا: فالعشاء: قال: يبلغها الجواد، قالوا: فالعتمة؟ قال: ما كانت لنا في حساب قط.
قال بعضهم: ليكن النقل كافياً، وإلا أبغض بعضنا بعضاً.
خرج بعض السكارى من مجلس ومشى في طريق فسقط وتبوع وجاء كلب يلحس فمه وشفتيه والسكران يقول: خدمك بنوك، وبنو بنيك فلا عدموك! ثم رفع الكلب رجله وبال على وجهه فجعل يقول: وماء حارٌ يا سيدي! بارك الله عليك.
خرج سوار القاضي يوم من داره يريد المسجد ماشياً، فلقيه سكران فعرفه، فقال: القاضي أعزه الله يمشي، امرأته طالق إن حملتك إلا على عاتقي. فقال: إدن يا خبيث.
فدنا فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال: اهملج أو أعنق؟ قال يا خبيث! مشياً بين مشيتين واحذر العثار والزلق والصق بأصول الحيطان. فقال السكران: كأنك أردت الملا من الفروسية يا أبا عبد الله، فلما أوصله إلى المسجد، أمر سوار بحبسه فقال: أيها القاضي هذا جزائي منك، فتبسم، وتركه.
قال: تواثب اثنان من المعربدين في مجلس وتواجا بسكينيهما، فأصاب السكين طرف أنف أحدهما وكمرة الأير للآخر، وسقط من أنف هذا ما أشرف، وكذلك من كمرة هذا، وطلب كل واحد منهما في الظلمة ما انقطع منه فوقعت كمرة هذا في يد هذا، فلزقه على أنفه بجرارته وشده، ووقع طرف أنف هذا في يد صاحبه، فلزقه بجرارته وشده، فالتحم الجرحان، وبرآ، وصار هذا يتنفس من كمرة صاحبه، وصاحبه يبول وينيك بأنفه ما عاشا!.
وعاتبت امرأة ابنها على شرب النبيذ فقال: والله لأشربن اليوم خاصة، حتى أرى هذين الديكين أربعة - وفي الدار ديك واحد يدرج - وكان الغلام قد شرب، فقالت له أمه: فاترك من يدك القدح، فقد بر قسمك، ورأيت الواحد اثنين.
شرب الأقيشر في حانوت خمار حتى أنفد ما معه، ثم شرب بثيابه حتى غلقت، وبقي عريان ليس عليه شيء، وجلس في وسط تبن يستتر به، فمر به رجل ينشد ضالته فقال: اللهم أردد عليه، واحفظ علينا. فقال له الحمار: سخنت عينك! أي شيء يحفظ عليك ربك؟ قال: هذا التبن لا يأخذه صاحبه فأهلك من البرد.
كانت علية بنت المهدي، تقول: من أصبح وعنده فضلة طباهجة، وقنينته ناقصة. وتفاحة معضوضة، فلم يصطبح فلا تعده من الفتيان.
وكتب أخ كان لأبي عبد الرحمن العطوي، إليه يعذله في النبيذ، فكتب إليه: يا أخي، أما تستحي لي أن تكون توبتي على يدك؟ دخل رجل على ابن سيابة وبين يديه خمر قد اشتراه ولم يشرب منه بعد، فقال: لك الويل إن كان إلا الخمر. فقال ابن سيابة: الويل لي إن لم يكن خمراً.
سئل إسحق عن الندماء فقال: واحدٌ: غم، واثنان: هم، وثلاثةٌ: قوامٌ، وأربعةٌ: تمام، وخمسةٌ: مجلسٌ، وستةٌ: زحام، وسبعةٌ: جيشٌ، وثمانية: عسكرٌ، وتسعة: اضرب طبلك، وعشرة: آلوبهم من شئت.
قال إبراهيم الموصلي: دخلت يوماً على الفضل بن جعفر، فصادفته وهو يشرب وعنده كلب، فقلت له: أتنادم كلباً؟ قال: نعم، يمنعني أذاه ويكف عني أذى سواه، يشكر قليلي، ويحفظ مبيتي، ومقيلي وعقيلي. وأنشد:

وأشرب وحدي من كراهية الأذى ... مخافة شرٍ أو سباب لئيم
وكان آخر يشرب وحده، وكان مدمناً للشرب، وكان إذا جلس وضع بين يديه صراحية الشراب، وصراحية فارغة، ثم يصب القدح ويشربه، ويقول للصراحية الفارغة: هذا سروري بك، ثم يصب القدح ويشربه، ويقول للصراحية الفارغة: هذا سروري بك، ثم يصب القدح ويشربه، ويقول للصراحية: هذا سرورك بي، ويصبه فيها، ويكون هذا دأبه إلى أن يسكر.
حضر بعض التجار مجلس شرب فجعل يسرع في النقل فقال بعض الظراف: هذا يشرب النقل، وينتقل بالنبيذ.
قال بعضهم: ليس يقوم سكر العشى بمكروه خمار الغداة، فقال آخر: لولا سرور خمار الغداة، لم أحتمل سكر العشي.
قال بعضهم: رأيت أبا نواس يضحك من سكران، فقال: ما رأيت سكراناً قبله. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأني كنتُ أسكر قبل الناس، ولا أعلم ما يكون حالهم. قال: رأيت سكراناً قد وقع في الطين وهو يصيح ويقول: رحم الله من أخذ بيدي، وله أبنة في مثل حالتي، وهو يرى حاله، حال نعمة.
حمل آخر على قفا حمال ليرده إلى منزله، فسأل الناس الحمال، وقالوا: ما هذا؟ فرفع السكران رأسه وقال: بقيةٌ مما ترك آل موسى، وآل عمران، تحمله الملائكة.
قال بعضهم: مر بنا سكران فسلم، فلم نرد عليه، فحل مئزره ليبول وسطنا، فقيل له: ما تصنع؟ ويلك! قال: ما ظننت أنا هاهنا إنسان!.
تقدم سكران فصلى بقوم، فلما سجد نام في سجوده، فحركوه فأنتبه، وقال: القدح ليس هو لي.
وصلى الوليد بن عقبة وهو أمير الكوفة بالناس صلاة الفجر أربع ركعات، وقرأ:
علق القلب الربابا ... بعد ما شابت وشابا
إن دين الله حق ... لا أرى فيه ارتيابا
ثم سلم والتفت إلى أصحابه وقال: أزيدكم! أي يكفيكم. ونام في المحراب وتقيأ.
قيل لبعض الحكماء: كيف ابنك؟ قال: على ما أريده ما لم يسكر، وعلى ما يريده النبيذ إذا سكر.
قال بعضهم: شربت يوماً عند ختنى النباذ إذ دفع الباب، فدخل فقاع ختنى، وقال: أمي زانية إن تركتك تذوق قدحاً أو توفي ثمنه أو تعطي رهناً بما تشرب، قال: فساره بشيء لم أسمعه، وتراضياً، وجلس يشرب، فقلت: ختنى، ما أعطاك؟ قال: أعطاني رهناً وثيقاً قال: جعل امرأته في يدي إلى أن يجيء بثمن ما يشرب يوم كذا. قال: فغلبني الضحك، وقلت: ما ظننت أن الطلاق يرهن إلى الساعة.
وشرب آخر عند بعض الخمارين، فلم يكن يسكر، فشكا ذلك إلى الخمار فقال: اصبر فإن هذا يأخذ في آخره، فلما خرج أخذه الطائف فقال: صدق الرجل، هذا أخذ في آخره.
قال بعضهم: قلت لواحد من السفل، رأيته في بيت خمار: جئت إلى هاهنا مطفلاً؟ فقال: بل اتكيت على درهم ودانقين، وجئت.
أخذ الطائف بالبصرة رجلاً سكران فقال لرجاله: جروه. فقال: أصلحك الله، لست سكراناً قال: فاقرأ سورة البقرة، قال: أعزك الله، لعلك لا تريد أن تطوف الليلة.
شرب جعفري ولهبي على سطح، فلما أخذ الشراب منهما، رمى الجعفري بنفسه إلى أسفل وقال: أنا الطيار في الجنة، فتكسر. وتشبث اللهبي بالحائط، وقال: أنا ابن المقصوص في النار.
مر سكران وهو يترنح برجل يبول، فقال له: من أنت؟ قال: رجلٌ من أهل الأرض، قال: فاقطعني نصفها.
قال: قد فعلت. قال السكران: أمه زانية، إن درعها إلا داري.
قيل لشيخ: أتشرب النبيذ؟ قال: مقدار ما أتقوى به على ترك الصلاة.
قال أبو بكر بن عياش: كنت وسفيان الثوري وشريك ابن عبد الله نمشي بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخاً أبيض الرأس واللحية، حسن السمعة، له رواء فقلنا: هذا شيخ جليل، قد سمع الحديث، ورأى الناس، وكان سفيان أطلبنا للحديث، وأشدنا بحثاً وأعلمنا به، وأحفظنا له، فتقدم إلى الشيخ وسلم، ثم قال: أعندك رحمك الله شيءٌ من الحديث؟ قال: أما الحديث فلا، ولكن عندي عتيق سنتين. فنظرنا، فإذا هو خمار.
باع بعضهم ضيعته فقال له المشتري: بالعشي أشهد عليك.
قال: لو كنت ممن يفرغ بالعشي، ما بعت ضيعتي.

خرج ثمامة من منزلٍ ضيق له، مع المغرب، وهو سكران، فإذا هو بالمأمون قد ركب في نفر، فلما رآه ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون، فضرب كفل دابته وحاذاه، فوقف ثمامة، فقال له المأمون: ثمامة!، قال: إي والله، قال: من أنا؟ قال: لا أدري والله. فضحك المأمون حتى انثنى على دابته. وقال: عليك لعائن الله. فقال ثمامة: تترى إن شاء الله. وأمر له بخمسين ألف درهم.
قدم شراعه بن زيد على الوليد بن يزيد، وكان كثب في إقدامه عليه، فلما دخل ما سأله عن سفرة، ولا عن نفسه، حتى قال: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله، ولا أستفتيك عن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال: لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا. قال: إنما أرسلت إليك لأسألك عن الفتوة، قال: يا أمير المؤمنين فاسأل عنها طبيبها الرفيق، ودهقانها العالم. قال: أخبرني عن الأشربة. قال: سلني: قال ما تقول في الماء؟ قال: لا بد لي منه، والحمار شريكي فيه. قال ما تقول في اللبن؟ قال: ما رأيته منذ فطمت، إلا استحيلت أمي لطول مصي ثديها. قال: فما تقول في السويق: قال: شراب المريض والمحزون والمستعجل. قال: فما تقول في نبيذ التمر؟ قال سريع امتلاؤه، وسريع انتشاره، وضرط أكثره، قال فما تقول في الزبيب: قال: يحام به حول الأمر. قال: فما تقول في الخمر؟ قال: فوضع يده على صدره ثم قعد، وقال: يا أمير المؤمنين تلك صديقة روحي، قال: وأنت أيضاً صديقي. قال فما تقول في الطعام؟ قال: ليس لصاحب النبيذ على الطعام سبيل. قال: فأي المجالس أعجب إليك؟ قال: يا أمير المؤمنين والله العجب لمن لم يغرقه المطر، أو تحرقه الشمس، كيف يجلس إلا تحت السحاب؟! والله ما شرب الناس على وجهٍ، أحسن من وجه السماء.
قيل لعبد العزيز بن آدم: إن بنيك يشربون النبيذ. قال: صفوهم لي. فوصفوهم بالخرق والطيش قال: هؤلاء يدعونه: قالوا له. ولكن آدم أوقر ما يكون إذا شرب، قال: إنه والله هو الذي لا يدعه أبداً.
كتب أخو العطوي إليه يعذله في النبيذ. فكتب إليه: أما تستحي أن تكون توبتي على يديك؟! قال الجاحظ: رأيت أسود في يده قنينة وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن تنكسر قبل أن أسكر!!!

الباب الرابع عشر
في الكذب
قال دغفل: حمى النعمان ظهر الكوفة، ومن ثم قيل: شقائق النعمان، فخرج يوماً يسير في ذلك الظهر، فإذا هو بشيخ يخصف النعل. فقال: ما أولجك هاهنا؟ قال: طرد النعمان الرعاء، فأخذوا يميناً وشمالاً، فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاءٍ من الأرض، فنتجت الإبل، وولدت الغنم، وامتلأت السمن. والنعمانً معتم لا يعرفه الرجل. قال: أوما تخاف النعمان؟ قال: وما أخاف منه لربما لمست بيدي هذه بين عانة أمه وسرتها، فأجده كأنه أرنب جاثم، فهاج النعمان غضباً وسفر عن وجهه، فإذا خرزات الملك، فلما رآه الشيخ قال: أبيت اللعن!، لا تر أنك ظفرت بشيء، قد علمت العرب أنه ليس بين لابتيها شيخ أكذب مني. فضحك النعمان ومضى.

سمعت الصاحب رحمة الله عليه، يحكي عن الوزير أبي محمد المتنبي أن بعض الأحداث من أهل بغداد من أولاد أرباب النعم فارق أباه مستوحشاً، وخرج إلى البصرة، وكان في الفتى أدب وظرف وفضل، فدخلها وقد انقطع عنه، وتحير في أمره، فسأل عمن يستعان به من أهلها من الفضلاء، فوصف له نديم الأمير، كان بها في ذلك الوقت من المهالبة فقعده وعرض عليه نفسه وعرفه أمره فقال له: أنت من أصلح الناس لمنادمة هذا الأمير، وهو أحوج الناس إليك إن صبرت منه على خلة واحدةٍ فقال: وما هو؟ قال: هو رجل مشغوف بالكذب لا يصبر عنه، ولا يفيق منه، ولا بد لك من تصديقه في كل شيءٍ يقوله، وكل كذب يختلقه، لتحظى بذلك عنده، وإن لم تفعل ذلك لم أمنه عليك. فقال الفتى: أنا أفعل ذلك واحتذ من رسمك فيه، ولا تجاوزه فوصفه هذا النديم لصاحبه، فقال: لا يكونن بغدادياً سيئ الأدب، فضمن عنه حسن الأدب، وإقامة شروط الخدمة. فاستحضره وحضر، وأعجب به، وخلع عليه، فحملت إليه صلة من الثياب والدراهم وغيرها، ووضعت بين يديه وواكله وأحضر مجلس أنسه وهو في أثناء ذلك يأتي بالعظائم من الكذب فيصدقه إلى أن قال مرة - وقد أخذ الشراب من الفتى - إن لي عادةً في كل سنة أن أطبخ قدراً كبيرةً وقت ورود حاج خراسان، وأدعوهم وأطعمهم جميعهم من تلك القدر الواحدة، فتحير الفتى وقال: أي شيء هي هذه القدر بادية العرب؟ دهناء تميم؟ بحر قلزم؟! فغضب الأمير، وأمر بتمزيق الخلع عليه وطرده في بعض الليل، وأقبل على النديم يعنفه ويلومه، وعاد الفتى إلى باب النديم، وبات عليه إلى أن أصبح، وعاد الرجل إلى منزله، فدخل إليه واعتذر بالسكر، وضمن أن لا يعود لمثل ذلك، فعاد إلى صاحبه وحسن أمره وقال: أنه كان بعيد عهدٍ في الشراب، وعمل النبيذ فيه عملاً لم يشعر معه بشيءٍ مما جرى. وأنه بكر إلى سير، فرآه اللصوص عند عوده فعارضوه وأخذوا منه حلة الأمير ومانعهم فمزقوا عليه خلعة، فرسم بإعادته إلى المجلس، وأضعف له في اليوم الثاني الجائزة والخلعة وجعل الفتى يتقرب بأنواع التقرب إليه، وإذا كذب الأمير صدقة، وحلف عليه. إلى أن جرى ذكر الكلاب الربيبة والصغار فقال الأمير: قد كان عندي منها عدة في غاية الصغر، حتى أتى لأمر بأن تلقى في المكحلة، وكان لي مضحك أعبث به، فأمرت أن يكحل من تلك المكحلة إذا قام وسكر وكان إذا أصبح وأفاق من سكره يرى تلك الكلاب وهي تنبح في عينه ولا يقدر عليها لصغرها.
قال: فقام الفتى وخلع الثياب المخلوعة عليه، وترك الجائزة وعاد عرياناً. قال: لا صبر لي على كلابٍ تنبح من أجفان العين، اعمل بي ما شئت، وفارق البصرة، وعاد إلى بغداد.
قال المدائني كان عندنا بالمدائن رجل يقال له: دينارويه وكان خبيثاً، قال له والي المدائن: إن كذبت كذبةً لم أعرفها فلك عندي زق شراب ودراهم وغيرهما. قال له دينارويه: هرب لي غلامٌ فغاب عني دهراً لا أعرف له خبراً فاشتريت بطيخة فشققتها فإذا الغلام فيها يعمل خفاً وكان إسكافاً، قال العامل: قد سمعت هذا. قال: كان لي برذون يدبر، فوصف لي قشر الرمان فألقيتها على دبرته، فخرج في ظهره شجرة رمان عظيمة. قال: قد سمعت بهذا أيضاً. قال: كان لغلامي فروةٌ فقمل: فطرحها فحملها القمل ميلين. قال: قد سمعت بهذا. فلما رأى أنه يبطل عليه كل ما جاء به قال: إني وجدت في كتب أبي صكا، فيه: أربعة آلاف درهم والصك عليك.
فقال: وهذا كذب وما سمعته قط. قال: فهات ما خاطرت عليه. فأخذه.

قال الشعبي: حضرت مجلس زياد وحضره رجلٌ فقال: أصلح الله الأمير، إن لي حرمة أذكرها؟ قال: هاتها. قال: رأيتك بالطائف وأنت عظيم ذو ذؤابة، قد أحاط بك جماعة من الغلمان فأنت تركض هذا مرة برجلك وتنطح هذا مرة برأسك وتكدم هذا مرة بأنيابك، فكانوا مرة ينثالون عليك هذه حالهم، ومرة يندون عليك وأنت تتبعهم حتى كاثروك، واستعدوا عليك فجئت حتى أخرجتك من بينهم وأنت سليمٌ وكلهم جريح. فقال: صدقت، أنت ذلك الرجل.؟ قال: أنا ذاك. قال: حاجتك؟ قال: حاجة مثلي الغني عن الطلب، قال: يا غلام اعطه كل صفراء وبيضاء عندك، فنظر فإذا قيمة ما يملكه في ذلك اليوم أربعة وخمسون ألف درهم فأخذها وانصرف. فقيل له بعد ذلك: أأنت رأيت زياداً وهو غلام في شدة الحال. قال: أي والله لقد رأيته اكتنفه صبيان صغيران كأنهما من سخال المعز، فلولا أني أدركته، لظننت أنهما يأتيان على نفسه.
قال رجلٌ من آل الحارث بن ظالم: والله لقد غضب الحارث يوماً فانتفح في ثوبه فبدر في عنقه أربعة أزرارٍ، ففقأت أربعة أعين من عيون جلسائه.
ومما حكاه أبو العنبسي عن أبي جعفر الرزاز. قال: رأيت ببلاد الأغلب خصياً نصفه أبيض، ونصفه أسود، شعر رأسه أشقر، وكنت في مركب، وأشرف علينا طائر من طيور البحر في منقاره فيل، وعلى عنقه فيل، وفي كل مخلب من مخالبه فيل، وتحت إبطه كركدن، وهو يطير بها إلى وكره ليزق فراخه.
ورأيت بالمراغة عين ماء ورأيت شجرة تحمل مشمشاً داخل المشمش تمرة، ونوى التمرة باقلاء عباسية.
ورأيت بالنعمانية رجلاً تعشى ونام، وبيده تمرة، فجره النمل ستة أميالٍ، ورأيت خمسة من المخنثين تغدوا في قصعة، وجدفوا بكفاف طبولهم حتى عبروا نهر بلخ، وكان لأبي خف من مرى مصاعد.
قال بعضهم: كان لأبي منقاشٌ اشتراه بعشرين ألف درهم. فقيل له: ما كان ذلك المنقاش؟ كان من جوهر أو مكللاً بالجوهر؟! فقال: لا كذبت. قال: كان هذا المنقاش إذا نتفت به شعرةً بيضاء، عادت سوداء.
قال المبرد. تكاذب أعرابيان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي، فإذا أنا بظلمة شديدة فتممتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعةٌ من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أنهيتها فانجابت. فقال: ألا لقد رميت ظبياً مرة بسهم. فعدل الظبي يمنة، فعدل السهم خلفه، ثم تياسر السهم، ثم على الظبي فعلا السهم ثم انحدر فأخذه.
قال وزعم الرواة أن عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب قال: لابني الجون الكنديين: إن لي عليكما حقاً لرحلتي ووفادتي، فدعوني أنذر قومي من موضعي، فقالوا: شأنك. فصاح بقومه فأسمعهم على مسيرة ليلة.
وسئل أبو عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال إن العجم تكذب فتقول: كان رجلٌ نصفه من نحاس ونصفه من رصاص. فتعارضها العرب بمثل هذا وشبهه.
ومن ذلك ما يحكون في خبر لقمان بن عاد فإنهم يصفون أن جارية له سئلت عما بقي من بصره لدخوله في السن. فقالت: والله لقد ضعف بصره، ولقد بقيت منه بقية إنه ليفصل بين أثر الأنثى والذكر من الذر إذا دب على الصفا.
في أشياء تشاكل هذا من الكذب.
قال الأصمعي: قلت لأعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ فقال: لولا أني أصدق في هذا لقلت لك: لا.
وتحدثوا عن عمرو بن معدي كرب أنه كان معروفاً بالكذب وأن أهل الكوفة الأشراف كانوا يظهرون بالكناسة فيتحدثون على دوابهم إلى أن تطردهم الشمس، فوقف عمرو بن معدي كرب، وخالد بن الصقعب النهدي وأقبل عمرو يحدثه فقال: أغرنا على بني نهد، فخرجوا مستغيثين بخالد بن الصقعبي فحملت عليه فطعنته فأذريته ثم ملت عليه بالصمصامة فأخذت رأسه فقال خالد: خلا، أبا ثور، إن قتيلك هو المحدث. فقال: يا هذا إذا حدثت فاسمع، فإنما يتحدث بمثل هذا لنرهب به الأعداء.
وقيل لخلف الأحمر، وكان شديد التعصب لليمن أكان عمرو بن معد يكرب يكذب؟ فقال: كان يكذب في المقال، ويصدق في الفعال.
وذكر أن قاصاً كان يكثر التحديث عن هرم بن حيان، فاتفق أن كان معه هرم في المسجد وهو يقول: حدثني هرم مرة بعد مرة بأشياء لا يعرفها هرم فقال له: يا هذا أتعرفني؟ أنا هرم بن حيان، ما حدثتك بهذا من شيء، فقال له القاص: وهذا أيضاً من عجائبك، أنه ليصلي في المسجد خمسة عشر رجلاً اسم كل واحد منهم هرم، فكيف توهمت أن ليس في الدنيا هرم غيرك.؟

وشبيه بهذا ما شهدناه، وهو أنه لما وفد أبو القاسم بن بابك على الصاحب رحمه الله وأنشده مدائحه فيه، طعن عليه بعض الحاضرين وذكر أنه منتحل وأنه ينشد قصائد قد قالها ابن نباته، فأراد الصاحب أن يمتحن، فاقترح عليه أن يقول قصيدة يصف فيها الفيل على ورق عرد فقال أبو القاسم قصيدته المعروفة التي أجاد فيها واستحسنها الصاحب. وقال له: شككت له، خيب الشك، ولام الطاعن على كذبه، وادعائه أنه ينتحل شعر غيره فقال: يا مولانا، هذا والله معه ستون فيلية كلها على هذا الورق لابن نباتة.
وقال المبرد كان بالرقة قاص يكثر الحديث عن بني إسرائيل، فيظن به الكذب، فقال له يوماً الحجاج بن خيثمة: ما كان اسم بقرة بني إسرائيل؟ فقال خيثمة عجل فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري: في أي كتب وجدت هذا؟ قال: في كتاب عمرو بن العاص.
وقال العتبي أنا أصدق في صغيرٍ ما يضرني، ليجوز كذبي في كبيرٍ ينفعني.
وروي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله إنما أوخذ من الذنوب بما ظهر، وأنا استسر بخلال أربع: الزنا، والسرقة وشرب الخمر، والكذب، فأيهن شئت تركت لك، يا رسول الله قال: دع الكذب. فلما ولي عنه هم بالزنا فقال: يسألني رسول الله فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حددت أو رجعت، فلم يزن، ثم هم بالسرقة ثم بشرب الخمر، ثم فكر في مثل ذلك، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: يا رسول الله، قد أخذت على السبل، قد تركتهن جميعاً.
شهد أعرابي عند معاوية فقال له: كذبت، فقال الأعرابي: الكاذب والله المتزمل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من عجل.
وذكروا أن رجلاً نظر إلى ظبيةٍ، فقال له أعرابي: أتحب أن تكون لك؟ قال: نعم قال: فاعطني أربعة دراهم حتى أردها إليك، ففعل، فخرج يمحص في أثرها فحدق وجد، حتى أخذ بقرنيها، فجاء بها، وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها
تريغ شدى وأريغ شدها
كيف ترى عدو غلام ردها.
ذكر أنه أضل أعرابي بعيراً له عربياً، وكان في الصائغة، فبينا هو يطوف في طلبه، إذا هو في حجرة الوالي ببختي لنابه صريف، عليه بلمة فتأمله طويلاً، ثم رجع إلى أصحابه فقال: بعيري الذي ضل قد وجدته، فجاء معه نحو من خمس مائة رجل من قومه من حمير إلى الوالي فقالوا: نشهد إنه بعيره، فقال له الوالي: خذه، فلما انصرف قال له بعضهم: يا فلان ألم يكن بعيرك الذي أضللته عربياً.؟ قال: بلى، ولكنه أكل من شعير الأمير فتبخت.
اشترى رجلٌ من الأعراب شاة على أنها تحلب قفيزاً فإذا هي تحلب أقل من ذلك، فقال لأصحابه: تشهدون بي على شاتي هذه أنها تسرق السمع، فأتى بها أبا عطاء فقال: أصلحك الله، إن هذا باعني شاة على أنها تحلب قفيزاً، وامرأته طالق إن لم يكن عوج عندها في الأكل جائع وهذه، وهؤلاء الأربعة يشهدون على ما قلت، فالتفت إليهم فقال: أتشهدون على شهادة محدودة؟ قال أولهم: أشهد أني رأيت هذه الشاة وثبت على شيء طوله أربعون ذراعاً فأكلته حتى بلغت طرفه فقال للثاني: بم تشهد؟ قال: أشهد أني رأيت هذه الشاة وثبت على قدر لرجل من الجيران يطبخ فيها لحم، فأكلت اللحم وحسيت المرق وكسرت القدر، وضربت عظماً برجلها، فشحب القاضي وهو له به، ثم قال للثالث: بم تشهد قال: أشهد إني رأيت هذه الشاة وثبت على جماعة تبول، فأكلت بعضها صحاحاً، وبعضها مقطعاً، فقال أبو عطاء للرابع: لا تشهد بشيء، فإني أخشى أن يشهد أنها أهلكت رجلاً فآخذك بالدية.
وكان ورد على كافي الكفاة أبو الفضل ابن العميد، وقبله شيخ حسن الهيئة والشيبة والشارب والبزة، يرجع إلى فضل كثير، ويفتق في العلوم، ويقول شعراً جيداًُ وكان مشغوفاً بالكذب، وكانت له أوابد، وعجائب، يحدث بها عن نفسه ولا يتحاشى من كبير ولا صغير، مما حكى أنه قال: إني سلكت طريقاً بالروم في شدة البرد، فلما ارتفع النهار سمعنا في الهواء أصواتاً مختلقةً، وكلاماً عالياً، ولم نر أحداً، فإذا قومٌ كانوا سلكوا طريقاً فقطعوا الطريق قبلنا في الليل، وجمدت أصواتهم من شدة البرد في الجو، فلما حمى النهار وطلعت الشمس على الأصوات الجامدة، ذابت، فكنا نسمعها، وواحد يقول: اشدد الرحل، وآخر يقول: اسرج الدابة، وما يجانس ذلك من كلامٍ حفظ عنهم.

وذكر أنه وجد في هذا الطريق جبلاً أسود، فشد به رحله، فلما طلعت عليه الشمس، تقطع وطار وسقط رحله على الطريق، وأن ذلك كان من اجتماع خطا طيف كثيرة أصابها البرد، فادخل كل واحد رأسه في است الآخر، وصارت على هيئة الجبل، فلما مسها حر الشمس طارت!! قال أبو حية: رميت والله ظبيةً فلما نفذ السهم ذكرت بالظبية حبيبة لي، شبهتها بها فشددت السهم حتى قبضت على قذذة فرددته.
وقال الجاحظ: قيل لخباز أنك لتكذب بالحديث قال. وما عليك إذا كان الذي أزيد فيه أحسن منه، فوالله ما ينفعك صدقه ولا يضرك كذبه، وما يدور الأمر إلا على لفظٍ جيد ومعنى حسن، لكنك والله لو أردت ذلك، لتلجلج لسانك، ولذهب كلامك.
قال أبو بكر الشيباني كنت أسيراً مع بني عم لي من بني شيبان، وفينا من موالينا جماعة في أيدي التغالبة، فضربوا أعناق بني عمي وأعناق الموالي، على وهدة من الأرض، فكنت والذي لا إله غيره أرى دم العربي ينماز من دم المولى، حتى أرى بياض الأرض بينهما فإذا كان هجيناً قام فوقه، ولم يعتزل عنه.

الباب الخامس عشر
نوادر المجان
قال بعض المجان: اليمين الكذب كالترس خلف الباب.
شرب الهفني دواء فأسرف عليه حتى أنحله وذهب بجسمه فأتاه إخوانه يعودونه فقال: ما علمت أني من جراحتي اليوم.
دنا جماعة منهم إلى فقاعي فشربوا من عنده فقاعاً ثم قالوا: ليس معنا شيء، فخذ منا رهناً قال: وما الرهن؟ قال: تأخذ من كل واحدٍ منا صفعة، فلما كان بعد أيام، جاءوه وقالوا: خذ ثمن الفقاع ورد علينا الرهون، فجعل يأبى ويمتنع ويقول: لا حاجة لي في الثمن. قالوا: يا أحمق: لك حقك والسلعة لنا رهن عندك، فأخذ ما أعطوه شاء أم أبى، وصفعوا خده بقدر ما كان صفعهم كلهم واحداً واحداً.
تداين من بقال شيئاً بنسيئة، وحلف له أنه لا يجامع امرأته إلى أن يقضي دينه، فكان قد راهن أن يدع امرأته عند البقال.
شرب داود المصاب مع قوم في شهر رمضان ليلاً، وقالوا له في وجه السحر: قم فانظر هل تسمع أذاناً؟ فأبطأ عنهم ساعة ثم رجع فقال: اشربوا فإني لم أسمع الأذان سوى من مكان بعيد.
نظر رجل إلى ابن سيابة يوم جمعة وقد لبس ثيابه فقال: يا أبا إسحق أظنك تريد الجامع قال: لعن الله الظالم والمريد.
كتب بعضهم إلى صديق له: أما بعد، فقد أظلنا هذا العدو يعني شهر رمضان. فكتب إليه في الجواب لكن أهون عليك من شوال.
قيل لبعضهم: من أبغض الناس إليك؟ قال: مشايخ الدرب.
قيل لابن مضاء الرازي: قد كبرت، فلو تبت وحججت كان خيراً لك، قال: ومن أين لي ما أحج به؟ قال: بع بيتك، قال: فإذا رجعت فأين أنزل؟ وإن أقمت وجاورت بمكة أليس الله يقول: يا صعفان، بعت بيتك وجئت تنزل على بيتي؟ وتزوج بامرأة وأمهرها أربعة آلاف درهم، فاستكثر ذلك بعض أصدقائه فقال: الأمر يسهل مع غريم كلما ألفيته نكته.
وكان بسجستان ماجنٌ يعرف بعمرو الخزرجي، استقبله يوماً رجل من أصدقائه وقد شجوه وسالت الدماء على وجهه، فقال لعمرو: ليس تعرفني؟ فقال: ما رأيتك في هذا الزي قط فاعذرني، إني لم أتثبتك.
وكان في بعض السنين قحط وغلاء ووقع بين امرأته وبين جيرةٍ لها خصومة، فضربت وكسرت ثنيتها، فانصرفت إليه باكية وقالت: فعل بي ما هو ذا تراه، وضربت وكسرت لي ثنية فقال: لا تغتمي، ما دام الثغر هذا، تكفيك ثنية واحدة.
ومازحه يوماً إنسان ومد يده إلى أيره وجعل يرطله فقال عمرو: إن أحببت أن تأكله فكله هنا، فإنك إن رددته إلى البيت، غصبتك أم الصبيان عليه.
وسئل عن زوجته وجمالها فقال: هي كباقة نرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجلها خضراء.
وقال رجل لصديق له: إن لك شيئين ليس لله مثلها قال: ما ذاك؟ قال: لك ابني عم بغاءين، وليس لله ذلك.
وصار جماعةٌ من جيرانه إليه وسألوه أن يعطيهم شيئاً يصرفونه في ثمن يواري مسجد في جيرته فقال لهم: إن كنتم رأيتموني في المسجد يوماً في الأيام، أو دخلت لحاجة فضلاً عن الصلاة، فكلفوني أن أفرشه طولاً في جهرمية اشتريها لكم.
وقال يوماً الناس لا يعلمون متى يموتون، وأنا أعلم متى أموت. قالوا: وكيف علمت؟ قال: أنا أعلم أنه إذا دخل كانون الثاني وهبت الريح الباردة وليس لي جبة وما أتدثر به، فإني أموت لا محالة.
وقيل له: هل تعرف الدرهم وتنقده؟ فقال: منذ زمان رأيته، فإذا رأيته رجوت أن أعرفه.

وقع بينه وبين امرأته كلامٌ فقالت له: قد والله شيبتني وبيضت رأسي، فقال: إن كنت أنا بيضت رأسك، فمن قلع أسنانك؟ وصار بعض المجان إلى باب داره ودق الباب، فلما دنت امرأته من الباب قال لها: افتحي حتى أدخل وأنيكك، وأنظر أنت أطيب أم امرأتي.؟ فقالت: سل عمراً فقد ناكنا جميعاً.
وقال له يوماً إنسان: متى عهدك بالنيك؟ فقال: سل أمك فقد نسيته.
قيل لبعض المجان: البشرى! فقد رزق الأمير البارحة ابناً، فقال: سمعت هذا الخبر من يومين. قيل له: إنما ولد البارحة، كيف سمعته أنت من يومين؟ قال: خبر السوء يتقدم بثلاثة أيام.
صرع امرأة بعض المجان، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزم، ثم قال: أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني.؟ فأجابه الشيطان على لسانها وقال: أنا مسلم، قال: فكيف استحللت أن تتعرض لأهلي وأنا مسلم مثلك؟ قال: لأني أحبها، قال: ومن أين جئت؟ قال: من جرجان قال: فلم صرعتها؟ قال: لأنها تمشي في البيت مكشوفة الرأس. قال: يا سيدي إذا كنت بهذه الغيرة، هلا حملت من جرجان وقاية تلبسها ولا تتكشف؟ قام بعضهم من مجلس ليصلي فقيل له: أي صلاة تصليها الأولى أو العصر؟ فقال الماجن وكان حاضراً: أي صلاة صلاها فهي الأولى، فإنه ما صلى غيرها.
وكان بعضهم لا يصلي فقبل له في ذلك. فقال: أليست الصلاة مع الميتة حرام؟ قالوا: نعم. قال: فإن أيري هذا هو ميت من ثلاثين سنة.
قال أحمد بن أبي طاهر: دعوت أصدقائي فجاءوا معهم بصفغ فمددت يدي إليه فقال لي: يا ابن البظراء، هذا مزاج من داره على دجلة، وفي بستانه طاووس، وفي اصطبله فيل، وعلى باب داره زرافة، ليس من داره بكرا وخبزه شرا، ودواؤه في رنقة وفي حجرته ديك، وعلى بابه كلب.
قال آخر: الصفع غلة، ولكنه مذلة.
قال آخر: الصفع المجان، خير من البطالة بكراء.
قيل لأدهم المضحك، وكان أسود، وقد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلى إلا في سواد قال: فأنا أخرج عريان.
قال المتوكل لبعض المجان، أطلب لي نصارى يسلمون، فغاب عنه أياماً ثم عاد إليه، وقال: الإسلام والحمد لك في الإقبال، ولم أجد ما طلبت، ولكن هاهنا مشايخ مصورون من المسلمين يتنصرون إن أردت.
قال بعضهم: رأيت بعض المجان المتنادرين بعد موته في النوم فقلت له: يا فلان ما فعل بك ربك؟ قال: يا أحمق، ترى صهري فعل أبي ما يفعله بكل أحد، وعاملني ما يعامل به غيري؟ قال بعضهم: رأيت العتابي في سوق البزارين جالساً يبول على أعقاب منادين فقلت: تفعل هذا مع أدبك البارع فقال: إنما اغتنمت هذه الخلوة.
قال بعضهم: مر بي عبادي بين يديه حمار عليه قفص من زجاج فقلت: أي شيء معك! قال: إن عثر الحمار، فلا شيء.
قال: كوني أنا سفلة في الدنيا، سفلة في الآخرة قيل: كيف ذلك! قال: أما دنياي فكما ترون، وأما الآخرة فإن دخلت الجنة فلم أطمع أن أكون مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإن دخلت النار، لم أطمع أن أكون مع معاوية بن أبي سفيان!! استرث رجل حال بي هفان فقال له: ما شأنك قال: لا أدري: إما أن أكون عند الله في عداد الموتى، أو تكون الملائكة تسرق لذتي.
كان نعمان أحد ولد الفضل بن نعمان ماجناً ذا نوادر، فقال له جماعةٌ من أصحابه، هذا شهر رمضان فمن يصلي بالجيران التراويح؟ فقال كل واحد منهما: ليس فينا من ينشط لذلك قال: نعم. فالعبوا بالنرد إحدى عشرة فصلة ترويحتين فمن تقمر صلى ترويحتين، ثم ألعبوا أبداً حتى يفرغوا من عداد التراويح حتى لا يقع على واحد منهم خيف.
كان بعض المجان لا يصوم تطوعاً إلى يوم الأربعاء، فعوتب على ذلك فقال: أصومه رحمةً له، لأني لا أجد أحداً يصومه.
أكل بعضهم سمكاً كثيراً ففلج فلما كان من الغداء اشتهى اللبن والسمك. فقالوا له: أبده الله في نفسك فقال: تخافون أفلج مرة أخرى.
قال بعضهم: مررت بشيخ يأكل في شهر رمضان جهاراً فقلت له، أما تتقي الله؟ فقال: لست مرائياً، عافاك الله.
قيل لبعضهم: روي في الحديث: أن الله إنما رزق الأحمق ليعلم العاقل أنه لا يجر إلى نفسه بعقله شيئاً. فقال: كان يكفي إنسان واحد للأنموذج.

قال بعض الظرفاء لصديق له. أنت عندي غداً، فقال: تقوي ظهري برقعة. أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك، فأخذوا يدعون الله بالنجاة ويتضرعون ورجلٌ فيهم ساكتٌ لا يتكلم فقالوا له: لم لا تدعو أنت أيضاً؟ فقال: هو مني إلى هاهنا وأشار إلى أنفه، وإن تكلمت، غرقكم.
قال بعضهم: غضب العشاق مثل مطر الربيع.
قال بعضهم: نيك الخصى أوله بكاء وآخره ضحك قالوا: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا ناك المرأة عضها فتبكي، وإذا نزع ضرط فتضحك.
قيل لبعضهم: ما بال الكلب إذا بال يرفع رجله؟ قال: يخاف أن يتلوث دراعته قيل: وللكلب دراعة؟ قال: هو يتوهم أنه بدارعة.
حكي عن بعض الشيوخ أنه قال: مررت بالبصرة فرأيت ماجنين يقول أحدهما للآخر: تحالفا علينا على غير أمرٍ كان منا، فجمعت خطى وأنني استطعم حديثهما، فإذا هما يقولان: أي والله إن هذا لعجب يقول إبليس، فوربك لأغوينهم أجمعين. ويقول الله: فالحق والحق أقول لأملأن جهنم ومن يقوم لتحالفهما. قال: فلما رأياني حولاً وجه الحديث، وانثنيا في معنى آخر.
قيل لابن سيابة: ما نظنك تعرف الله. قال: وكيف لا أعرف من أجاعني، وأعراني، وأدخلني في حر أمي.
قام شملة ولزمه آخر وكانا ماجنين. فقال: حتى لا تفلح أبداً تعالى فقال: أما أنا فقد جئت، فإن شئت أنت، فتعال.
سئل أبو الريان الحمصي عن معنى قول النبي عليه السلام حين سئل متى تقوم الساعة؟ فأشار بأصابعه الثلاث وتأول على ثلاثمائة سنة، فقال: إنما أراد الطلاق إنه لا يدري. قال بعضهم: سمعت بعض المجان يقول: فلانٌ أخذ من الحافي نعله. قال: وسمعت آخر يقول: لعن الله فلاناً، يطر من العريان كمه.
مر ماجنٌ بالمدينة برجل قد لسعته عقرب، فقال: أتريد أن أصف لك داواءها؟ قال: نعم. قال: عليك بالصياح إلى الصباح.
نظر بعضهم إلى صبي بغيض فقال: هذا والله من أولاد الإيمان، فقالوا: كيف قال: يقول أبوه نحرت ابني هذا عند الكعبة، اهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم، ثكلت ابني هذا.
قال قدامة بن نوح: أولاد الزنا أنجب، وذلك أن الرجل يزني بشهوته كلها ونشاطه فيخرج الولد كاملاً، والباقون من جماع بغير شهوة وتصنع من الرجل لامرأته.
قال بعضهم: حفظت من أحاديث النبي عليه السلام أربعة ونصف قيل له: وما هو! قال: حديثه إذا ابتلت النعال، فالصلاة في الرحال. وحديثه؛ عليه السلام: ابردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم. وحديثه: إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء. وحديثه: ليس من البر الصيام في السفر، ونصف الحديث. حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وكانت قرة عينه في الصلاة وليست كذلك.
مر بعضهم في طريق فعي من المشي، فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب، ارزقني دابة، فلم يمش إلا قليلاً حتى لحقه أعرابي راكب رمكة وخلفه مهر لها صغير قد عي فقال للرجل: احمله ساعة، فامتنع الرجل فقنعه بالسوط حتى حمله، فلما حمله نظر إلى السماء فقال: يا رب، ليس الذنب لك، إنما الذنب لي حيث لم أفسرك، دابة تركبني أو أركبها.
اشتري بعضهم جارية فقيل له: اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النساء! فقال: بل لنفسي، ولو اشتريت للنساء لكنت اشتري مملوكاً فحلاً.
كان أبو زهرة ماجناً كان يحمق، فصعد يوما في درجة طويلة فلما قطعها، قال ما بيننا وبين السماء إلا مرحلة وقد رميت الشياطين من دون هذه المسافة.
ودخل يوماً من باب صغير وكان طويلاً فقال: أدخلتم الجمل في سم الخياط قبل يوم القيامة؟؟ قال بعضهم: لو أعطى الله الناس أمانيهم لافتضحوا.. قيل: وكيف! قال: لأنه ليس في الدنيا امرأة إلا وهي تشتهي أن يكون أير صاحبها مثل أير الحمار، وهو يشتهي أن يكون حرها أضيق من حلقة الخاتم، متى كان هذا في هذا.
ورث بعضهم مالاً، فكتب على خاتمه الوحى، فلما أفلس كتب على خاتمه استرحنا.

الباب السادس عشر
نوادر في الفساء والضراط
قال بعض العباديين: من حبس ضرطته، كتب استه من الكاظمين الغيظ.
ضرط أبو الأسود عند معاوية واستكتمه فأراد أن يضع منه، لما كان عليه من التشيع فلما اجتمع الناس أخبرهم بضرطه قال أبو الأسود: إن امرءاً اؤتمن على ضرطة فلم يكتمها لحريٌّ، أن لا يؤتمن على أمر الأمة.

مشت فتاة في الطريق وإِلى جانبها شيخ فاستعجلت فضرطت فقال الشيخ: سبحان الله. فوقفت وقالت له: سبحت في غل وقيدين، يا بغيض يا مقيت، ممن تسبح؟ قطعت عليك الطريق؟ فتعلقت لك بثوب؟ شتمت لك عرضاً؟ رميتك بفاحشة؟ حبستك عن حاجة؟ امض على حالك لا مصحوباً ولا محفوظاً، فخجل الشيخ حتى كأنه هو الذي ضرط.
ضرط الرجل بحضرة عمر فلما حضرت الصلاة، قال عمر: عزمت على من كانت هذه الريح منه، إلا توضأ. فقال جرير بن عبد الله: لو عزمت علينا جميعاً أن نتوضأ كان أتسر للرجل وأكرم في الفعل. فقال له عمر: جزاك الله خيراً، فلقد كنت سيداً في الجاهلية، سيداً في الإسلام، عزمت عليكم ألا توضأتم، فقاموا جميعاً وسترت على الرجل.
وكان سعيد بن جبير الكاتب من المعروفين بالضراط، وكان يضرط على عيدان القيان ويزعم أن الضراط أحسن من السماع.
وضارط مرة أبا هفان ثلاثاً. قال: اجعلهما نغمة بين شدوين، فغلط أبو هفان وضرط، فقال سعيد: نقضت الشرط، قال: صدقت، زدت على قومي ما ليس فيهم، وكان أبو هفان عبدياً، وعبد قيس تعير بالفسو.
وقال مرة لأبي هفان: والله لئن ضرطت عليك ضرطة لأبلغنك فيها إلى فيه في دفعةٍ. فقال: الله الله يا مولاي، زدني أخرى، وبلغني مكة فإني صرورة.
فضرط عليه ضرطة أصعقت أبا هفان، ورجي عليها بالقرآن ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وقال أبو هفان: يا سيدي، ردني من الثعلبية فقد كفاني!! وقال المأمون لحاتم الريش وكان ضراطاً: أنت أمير الضراطين، وقال: أنا أوسع منك سلطاناً إذن، لأن الإيمان خاص، والضراط عام.
وقال له مرة: يا حاتم أين بلغ ابنك؟ فقال: أول ما فسا يا أمير المؤمنين! دخل أعرابي إلى الحجاج فجعل يشكو إليه جدب السنة فبينا هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال: أصلح الله الأمير، وهذه أيضاً من بلية هذه السنة. فضحك وأجازه.
وخاصم آخر خصماً له بين يدي بعض الولاة، فغضب أحدهما وأزرى على صاحبه في الكلام، فبينا هو على تلك الحال حتى ضرط، فقال: وهذه أيضاً في لحيتك.
قيل للمنصور وكان مريضاً: إن فلاناً ضرط في مجلس فتنبه فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
كان بالأهواز عاملٌ أصم، وكان يضرط في مجلسه، ويحسب أنه يفسو، فضرط مرة بين أهل عمله وبين يديه كاتب له، فأخذ كاتبه رقعة وكتب فيها: أصلح الله الأمير إن هذا الذي يخرج ضراط يسمع، وهو يرى أنه فساء يخفى، فإن رأى أن يمسك، فعل إن شاء الله. فوقع في حاشيته: إنما استكفيناك أمر خراجنا، ولم نصدرك على ضراطنا، فتغافل كما تغافل القوم، فأنت واحدٌ منهم.
ذكر أن ابن سيابة كان عند كاتب من كتاب المهدي فسأله حاجةً فمنعه، وجر الكاتب دواته فضرط فقال: ذلك تقدير العزيز العليم.
فقال ابن سيابة:
إذا أذنبوا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجر المقادر
دخل إعرابي على يزيد وهو يتغدى فقال لأصحابه أفرجو لأخيكم فقال الأعرابي: لا حاجةً لي إلى ذلك أن أطنابي والحمد لله طوال، فلما جلس وتهيأ ليأكل، ضرط، فقال له يزيد واستضحك: ما أظن إلا طنباً من أطنابك قد انقطع.
وعطس رجلٌ فضرط وأراد بعض جلسائه أن يقول: يرحمك الله، فقال: ضرطت والله. فقال: صدقت والله.
وحدثني بعض مشايخ الكتاب بالري: لما مات ابن فراشكين صاحب جيش خراسان بالري، قام بالأمر بعده واحد كان يقال له نبال غز قال: فكنا بين يديه يوماً إذا تقدم صاحب البريد، وقال له: أيها الأمير قد نزل ركن الدولة خارجاً من أصفهان طامعاً في الري، قال: وتغير لونه وتحرك وضرط، وأراد أن يستوي قاعداً فضرط ضرطةً أخرى وثلث وربع، فقال له صاحب البريد: الرجل منا بعد على ثمانين فرسخاً. قال: فغضب وقال له: يا فاعل تقرر أني أضرط هو ذا من الفزع؟ أنا إنما أضرط من الغضب.
وضرط بعض جلساء الصاحب رحمه الله في مجلسه وكان معه على سرير، فخجل وأراد أن يدفع عن نفسه، فقال: هو صرير التخت. يعني السرير، فقال الصاحب: بل هو صرير التحت.
وكان يتكلم يوماً في مسألة من الأصوات فضرط بعض الحاضرين فقال الصاحب: وهذا أيضاً من الأصوات، ومر في المسألة يتكلم على عادته فيها.
قيل لبعضهم: لا تضرط، فإن الضراط شؤوم. قال: أحرى أن أدعه في جوفي.
نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزة سرية فقال: ما يصنع هذا؟ قالوا: يضرط فقال: ما طلب الدنيا بما يستحق أحد غير هذا.

مد رجل رجله إلى أكار له، وقال: اطلب شوكة قد شاكتني. فجعل الأكار يطلبها بإبرة فانفلتت من الرجل ضرطة فقال الأكار: لست أرى الشوكة، ولكن هو ذا اسمع صوتها.
وتزوج رجل بامرأة فضرطت ليلة الزفاف، فخجلت، وبكت، فقال لها: لا تبكي فقد قيل: إن المرأة إذا ضرطت ليلة الزفاف، كان ذلك دليلاً على خصب السنة، قال: فضرطت أخرى، قال: لا فإن بيتنا الذي ندخر فيه الغلة بيت واحد صغير، ولا يسع أكثر من هذا.
قال المدائني: أتى عبد الله بن علي برجل من أصحاب مروان فعرفه فقال: يا غلام الصاعقة بسيف كان لا لمرتشي إلا هتكته. فقال الشامي: من لا يحسن هذا. أما والله لو كان هذا الكلام منك لعلمت أنك لا تقوله: قال: يا ابن الفاعلة، وتخاطبني أيضاً، اضربوا رأسه بالعمود، فضرط الشامي ضرطة وقع العمود لها من يد الغلام، ونفرت دابة عبد الله، فضحك، وقال له: اذهب فأنت عتيقها. قال الشامي. وهذا أيضاً من الإدبار، كنا ندفع الموت بأسيافنا، فصرنا ندفعه بأستاهنا.
صعد المغيرة المنبر فضرط فحرك يده وضرب بها استه وقال: كل است ضروط، ثم نزل وتوضأ، وعاد إلى مكانه.
قال بعضهم: كنت جالساً عند صديق لي، فجاءته رقعة من منزله، فنظر فيها وضرط، فحادثته ساعةً واغتفلته، وأخذت الرقعة، وقرأتها فإذا فيها: فني، الدقيق وندر الخبز.
تلاعب اثنان بالشطرنج، وعدلهما آخر فشرطاً عليه أن لا يدبدب، ولا يعلم واحداً منهما وينبهه على لعب، فرأى شاه رخ لأحدهما ولم يملك نفسه ولم يقدر أن يتكلم ليمينه، فضرط من القلق الذي أخذه وفطن الرجل بضرطه لشاه رخ، فادعى خصمه أن ذلك دبدبة واحتكما إلى الصولي، فقال: إن كان جرى من هذا الرجل في مثل هذا المجلس وسم الضراط، فليس ذلك بدبدبة، وإن لم يعرف منه ذلك قبل هذا، فهو دبدبة.
كان بعض العلماء به طرش، وكان يرسل الضرطة في مجلسه ويحسبها فسوة، فعرفه كاتبه ذلك في رقعة فوقع في جوابها: أقل ما لي عند أهل علمي، أن يحتملوا إلى صرف ما بين الفسوة والضرطة.
أدخل إنسان أبخر إلى بعض الرؤساء وساره بشيء فتأذى ببخره، فلما فرغ من حديثه فساء وزاد البلاء على الرجل فقال له: قم يا ابن الفاعلة، عافاك الله فإنك غارم الطرفين.
دخل رجل من أهل السواد في يوم جمعة، المدينة، وأراد تجديد الوضوء، فأخذ كوز ماء من عند بعض من يجلس على باب الجامع وتطهر به، فلما أراد أن يذهب. طالبه صاحب الماء بقطعة مما معه، فقال: ليس معي شيء، قال: فلم أخذت الماء وتطهرت به؟ فقال: إن كنت تطهرت بمائك فها، وضرط ضرطة منكرة، وقال: خذ طهورك، فقد رددته عليك، ودخل المسجد وصلى بحالته.
سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة، فقال له: يا ابن حمدون ولدت في شباط؟ أي أنت كثير الرياح، وذلك أن ابن حمدون ضرط في مجلس المتوكل وفي ذلك للشعراء أشعارٌ كثيرة.
مر ابن علقمة على جماعة من عبد القيس، فضرط بعض فتيانهم، فالتفت إليهم فقال: يا عبد القيس، فسائين في الجاهلية، ضراطين في الإسلام، إن جاء دين آخر خريتم.
أثنى رئيس وفد على الملك، فإنه كذلك إذا فلتت منه ضرطة فالتفت إلى استه فقال يخاطبها: مثل هذا الملك، يصلح أن يثني عليه من جميع الجوارح، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلم فاسكتي. فضحك الملك وقضى حوائجهم.
سأل بعض الولاة عن أبي نصر الهروي ليعبر له رؤيا رآها، فقيل هو ممرور يأوي للصحراء، فبعث إليه، فأتى به فقال: إني رأيت كأن في كمي عصافير، فجعلت تفلت واحدةً واحدة وتطير، فلما كان آخر عصفورة كادت تفلت فحبستها. قال: أكلت عدسية فبدت تضرط ليلتك فلما كان آخرها أردت أن تسلح فحبسته قال الوالي: اسكت قبحك الله، قال: هو والله ما قلته. فلما خرج قال: الرجل والله ما أخطأ شيئاً.
كان بالمدينة عطاران يهوديان فأسلم أحدهما ولقيه صاحبه بعد حين فقال: كيف رأيت دين الإسلام؟ قال: خير دين، إلا أنهم لا يدعونا نفسو في الصلاة قال صاحبه: ويلك! افس وهم لا يعلمون.
صلى أطروش خلف إمام وإِلى جنبيه أبخر، فلما سلم الإمام قال الأبخر للأطروش: سهل الإمام في صلاته، فقال: نعم قد علمت أنه فسا، وهو ذا أشم الرائحة.

قال بعضهم: دخلت على يزيد بن مريد فقال لي: رأيت البارحة رؤيا. فقلت: وما هي، أعز الله الأمير؟ قال: رأيت كأني اصطدت طيطوية فذبحته، وسال الدم قلت: افتض الأمير جارية بكراً. قال: قد كان ذاك، قلت: ما في الرؤيا شيء آخر؟ قال: ما هو؟ قلت: وكان بينكما ضرطة. قال: مني والله كانت، فمن أين علمت؟ قلت: رأيت في الرؤيا طيطي فعلمت ذلك. فضحك وأمر لي بجارية.
دخل رجل الحمام ومعه أطروش، فجعل الرجل يضرط، ثم التفت إلى الأطروش فقال: ما بقي من سمعك؟ قال، أسمع الكلام، بعد الكلام، والضراط في الحمام.
ومرت امرأة في زقاق فضرطت، والتفتت فإذا شيخ خلفها، فقالت، ويلي: مذ كم أنت خلفي؟ قال الشيخ: مذ قدمت طبق التقل.
كان للمدائني غلام فدعاه يوماً ليغمزه فأقبل الغلام يغمز رجليه، والمدائني يفسو، ثم قال: تبارك الله ما أضعف ابن آدم. فقال الغلام بالعجلة: وأفساه!! قال بعضهم. حضرنا مجلساً فيه قينة. فتحركت فضرطت وقشورت وقطعت الزير، فتغافلوا ثم قالت لبعضهم: ما تحب أن أغنيك، فقال:
يا ريح ما تصنعين بالدجن ... كم لك من محو منظر حسن؟!
قال فكأنما خجلها من اقتراحه. أشد من خجلها من ضرطتها.
روى أن حجاماً كان يأخذ من شارب عمر فتنحنح عمر، فضرط الحجام، فأعطاه أربعين درهماً.
صلى أشعب يوماً إلى جانب مروان بن عثمان، وكان مروان عظيم العجيزة والخلق فأفلتت منه ريح عند نهوضه لها صوت فانصرف أشعب من الصلاة يوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الريح، فلما انصرف مروان إلى منزله، جاء أشعب فقال له: الدية، قال: دية ماذا. قال: الضرطة التي تحملتها عنك، وإلا شهرتك والله، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئاً صالحاً.
وصلى الله على محمد وحسبنا الله ونعم المعين.
الحمد لله للصواب، والصلاة على سيدنا محمد المؤيد بفصل الخطاب، وبعد، قال أحمد ابن نوشراز القاضي، كبت الله أعاديه وحساده، وبلغه في الدارين أقصى مراده.
كنت قد ابتدأت بتصحيح هذا الجزء السادس من كتاب نثر الدر الذي جميع آخرآيه السبعة موجودة في هذا المجلد يوم السبت سابع عشر من شعبان عقب صبيحة ليلة الصك بيومين لسنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فيسر الله سبحانه وتعالى منوى من التصحيح، إلى أن بلغت منتهى السادس المذكور مقيداً النعمة العلمية في هذا الورق يوم الخميس المعمور سادس من شهر رمضان للسنة المذكورة تيسيراً جلياً معلوماً لذوي الأفهام، مكتوماً عن أعين أولي الأوهام، ويتلوه الجزء السابع الذي نختم به السياحة في بحار المعاني ومراد المباني، والسبع المثاني، انتهى.
كتبه المصحح حامداً ومصلياً ومسلماً.
//بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر
الفصل السابع
بتوفيقك اللهم نلزم الجدد الواضح، والسنن القاصد، والمنار المنير، والصراط المستقيم، والنهج المفضي إلى سعادة الأبد، وإلى النعيم الدائم السرمد، وإلى جنتك التي لا هادي إليها غير فضلك وإحسانك، ولا دليل عليها غير رضاك ورضوانك، بك نستعين ونعتضد، وعليك نتوكل ونعتمد، وإياك نعبد ونحمد، ولرضاك ندأب ونجهد، وبحمد نبيك نتوسل، وبشفاعته نتوصل.
هذا هو الفصل السابع من كتاب نثر الدر ويشتمل على ستة وعشرين باباً.
الباب الأول:
نكت من كلام الأنبياء
عليهم السلام، وكلام لقمان الحكيم.
قال المسيح عليه السلام: " البر ثلاثة: المنطق والنظر والصمت، فمن كان منطقه من غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها " .
ورأوه عليه السلام، يخرج من بيت مومسة فقالوا: يا روح الله ما تصنع عند هذه؟ قال: " إنما يأتي الطبيب المرضى " .
وعيّرته اليهود بالفقر فقال: " من الغنى أتيتم " .
وكان يقول للدنيا: " وكنت ولم أكن فيك، وتكونين ولم أكن فيك، شقيت إن شقيت فيكِ " .
في زبور داود عليه السلام " من بلغ السبعين اشتكى من غير علة " .
قال عيسى عليه السلام: " في المال ثلاث خصال " . قالوا: وما هي يا روح الله؟ قال: " يكسبه من غير حله " . قالوا: فإن كسبه من حله. قال: " يمنعه من حقه " . قالوا: فإن وضعه في حقه. قال: " يشغله إصلاحه عن عبادة ربه " .
ويروى عنه أنه قال: " يباعدك من غضب الله ألا تغضب " .
قيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: " أخاف أن أشبع فأنسى الجائع " .

لقى يحيى عيسى عليهما السلام، فقال له عيسى: " إنك لتبتسم ابتسام آمن " . فقال: " إنك لتعبس عبوس قائط " . فأوحى الله تعالى إلى عيسى: " الذي يصنع يحيى أحب إلي فإنه أحسنكما ظناً بي " .
قالوا: كتب يوسف عليه السلام، على باب السجن " هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء " .
وقال المسيح عليه السلام: " لو لم يعذب الله على معصيته، لكان ينبغي ألا يُعصى شكراً لنعمته " .
وقال: أمرٌ لا ندري متى يغشاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك؟ " .
قالوا: مكتوب في الصحف الأولى: " إذا أغنيت عبدي عن طبيب يستشفيه، وعما في يدي أخيه، وعن باب سلطان يستعديه، وعن جار يؤذيه، فقد أسبغت عليه النعم " .
قال يعقوب عليه السلام ليوسف: " ما كان خبرك؟ قال: لا تسألني عما فعل بي إخوتي وسلني عما فعل بي ربي " .
قال عيسى عليه السلام: " إني بطحت لكم الدنيا وأحبستكم على ظهرها، فليس ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم، وأما النساء فاتقوهن بالصوم " .
وقال عليه السلام لرجل لا يستحق: حفظك الله. فقيل له: أتقول هذا لمثل هذا؟ فقال: " لسان عِّود الخير فهو ينطق به لكل أحد " .
وقال داود عليه السلام: " نعم العون الغنى واليسار على الدين " .
وقال لابنه سليمان عليه السلام: " يا بني لا تستبدلن بأخ لك قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، فإنك إن فعلت تغيرت إليه نعمة الله عليك، ولا تستقل أن يكون لك عدو واحد، ولا تستكثر أن يكون لك ألف صديق " .
قيل لأيوب عليه السلام: أي شيء كان في بلائك أشد عليك؟ فقال: " شماتة الأعداء " .
قال المسيح عليه السلام: " إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين، إنما ينفع من العلم القليل ومن العمل الكثير " .
وقال: " لا يزني فرجك ما غضضت طرفك " .
ومر بخلق من بني إسرائيل كلما قالوا شراً قال المسيح خيرا. فقال له شمعون الصفا: كلما قالوا شراً تقول خيرا؟! قال: " كل امرئ يُعطى مما عنده " .
ويروى عنه أنه كان يقول: " إن احتجتم إلى الناس فكلوا قصدا، وامشوا جانبا " .
وقال: " كما ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا " .
دخل جاثليق النصارى إلى مصعب وكلمه بكلام أغضبه، فعلاه بقضيب. فتركه حتى سكن غضبه ثم قال: إن أذن الأمير أخبرته بما أنزل الله على المسيح عليه السلام. قال: أخبر. قال: " لا ينبغي للسلطان أن يغضب، فإنه إنما يأمر فيطاع، ولا ينبغي له أن يعجل فليس يفوته شيء، ولا ينبغي أن يظلم فإنما به يدفع الظلم. فاستحيا مصعب وترضاه " .
مر عيسى عليه السلام برجل وهو يأكل لحماً فقال: " لحم يأكل لحما، أف لهذا " .
قالوا: إن أصل قولهم في المثل: " كأن على رؤوسهم الطير " أن سليمان عليه السلام كان يقول للريح: أقلينا، وللطير أظلينا، فتقله وأصحابه الريح، وتظلهم الطير فكان أصحابه يغضون أبصارهم هيبة له، ولا يتكلمون إلا أن يسألهم فيجيبوه، فقيل للقوم إذا سكنوا: " كانما على رؤوسهم الطير " .
روي عن شميط أنه قال: أوحى الله إلى داود: " قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا بين أضباثهم ليلقوها ثم ليدعوني " بين أضباثهم أي في قبضاتهم، يقال ضبثت له أي قبضت عليه.
وروي أن داود عليه السلام كان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله فلا تشدها إلا الأسر، أي أن تعصب.
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: " ذكّر عبادي إحساني إليهم، فإنهم لا يحبون إلا من أحسن إليهم " .
قال كعب في التوراة: " أحمد وأمته الحمادون، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون على أنصافهم " .
قيل: إن مريم عليها السلام، سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه، فأطعمها الجراد. فقالت: " اللهم عيّشه بلا رضاع، وتابع بينه بلا شياع " .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عيسى عليه السلام، قام خطيباً في بني إسرائيل، فقال: " يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها: ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا، ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فاتبعوه، وأمر بين غيُّه فاجتنبوه، وأمر اختُلف فيه فردوه إلى الله عز وجلّ " .
قال كعب في التوراة: " محمد عبدي ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق " .
قال كعب: قرأت في بعض ما أنزل الله على الأنبياء: " الهدية تفقأعين الحكيم " .

قيل مكتوب في حكمة آل داود: " على العاقل أن يكون عالماً بأهل زمانه، مالكاً للسانه، مقبلاً على شانه " .
لما قذف إبراهيم عليه السلام، في النار قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة يا خليل الله؟ قال: أما إليك فلا.
قال الحواريون لعيسى عليه السلام: ما تقول في الأمراء؟ قال: " إن أمرهم جعل لكم فتنة فلا يدخلنكم حبهم في معصية الله، ولا يخرجنكم بغضهم من طاعة الله، أدوا إليهم حقوقهم تخلصوا من شرهم ويسلم لكم دينكم " .
في الإنجيل: " كونوا حلماء كالحيّات وبُلها كالحمام " .
قال سليمان عليه السلام: " ليكن أصدقاؤك كثيرا، وليكن صاحب سرك منهم واحداً من ألف " .
وقال المسيح عليه السلام: " إن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم، وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم " .
وقال عليه السلام: " ويلكم يا عبيد الدنيا، كيف تخالف فروعكم أصولكم، وعقولكم أهواؤكم، قولكم شفاء يبرئ الداء، وعملكم داء لا يقبل الدواء، ولستك كالكرمة التي حسن ورقها، وطاب ثمرها، وسهل مرتقاها، ويلكم يا عبيد الدنيا، أنتم كالشجرة التي قل ورقها وكثر شوكها وخبث ثمرها، وصعب مرتقاها، ويلكم يا عبيد الدنيا، جعلتم العلم تحت أقدامكم، من شاء أخذه، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يستطاع تناولها، لا عبيد أتقياء، ولا أحرار كرام، ويلكم يا أجراء السوء، أما الأجر فتأخذون، وأما العمل فتفسدون، سوف تلقون ما تجرون، يوشك رب العمل أن ينظر في عمله الذي أفسدتم، وفي أجره الذي أخذتم. ويلكم يا غرماء السوء، تبدأون بالهدية قبل قضاء الدين، بالنوافل تطوعون، وما أمرتم به لا تؤدون، إن رب الدين لا يرضى بالهدية حتى يُقضى دينه " .
وقال داود عليه السلام: " اللهم لا صحة تطغيني، ولا مرض يضنيني، ولكن بين ذلك " .
عيّرت اليهود عيسى عليه السلام بالفقر فقال: " من الغنى أتيتم " .
وقال: " الدنيا لإبليس مزرعة، وأهلها له حراثون " .
وقال: " تعملون للدنيا وانتم ترزقون فيها بغير عمل وتتركون طلب الجنة وأنتم لا تدخلونها إلا بالعمل " .
ومر بقوم يبكون على ذنوبهم فقال: " اتركوها تغفر لكم " .
وقيل له: من نجالس؟ قال: " من تذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقة، ويرغبكم في الآخرة عمله " .
وقيل: مكتوب في التوراة: " لا يعاد الحديث مرتين " .
وقال وهب: مكتوب في التوراة: " الزاني لا يموت حتى يفتقر، والقواد لا يموت حتى يعمى، ومدحة الظالم تسخط الرب " .
روي أن موسى عليه السلام، سأل ربه عز وجلّ فقال: " رب ما أحكم الحكم، وما أغنى الغنى، وما أفضل الشكر؟ " . فقال جل ثناؤه: " أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك، وأغنى الغنى أن يرضى العبد بما قسم له، وأفضل الشكر ذكر الله " .
كان عيسى عليه السلام يقول: " كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع " .
وقال: " تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالتباعد منهم، وأحبوا ما أحب الله، واكرهوا ما كره الله، ولا تجالسوا أهل المعاصي فيرغبوكم في الدنيا وينسوكم الآخرة " .
قالوا: في الزبوب مكتوب " إذا كان في البيت بر فتعبد " .
ولما حبس يوسف أخاه كتب إليه يعقوب عليه السلام: " إن الأنبياء لا تسرق ولا تلد سارقا " .
قال داود: " يا رب كيف لي أن أشكر نعمتك؟ فأوحى الله إليه: " إذا علمت أن النعم التي لك مني فقد شكرتني " .
وقيل لنوح عليه السلام، وكان في بيت عليه خص: لو اتخذت بيتاً؟! " فقال: هذا كثير لمن يموت " .
أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام: " أتدري لم اتخذتك خليلا؟ قال: لا يا رب، قال: لأني اطلعت إلى قلبك فوجدتك تحب أن تُرزأ ولا تَرزأ " .
أوحى الله تعالى إلى المسيح عليه السلام: " أن عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني " .
لقمان: قال: " ضرب الوالد للولد كالسماد في الزرع " .
وقال: " نقلت الصخر، وحملت الحديد فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذ من العافية " .
وقال لابنه: " إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه " .
وقال: " لا تمنعنك مسائ أخيك من ذكر محاسنة " .

وقال: " ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، والأخ عند الحاجة " .
وقال لابنه: " يا بني تودد إلى الناس، فإن التودد إليهم أمن، ومعاداتهم خوف " .
وقال: " يا بني كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش، يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام " .
وقال لابنه: " يا بني خصلتان إذا أنت حفظتهما فلا تبالي ما ضيعت بعدهما: دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك " .
وقال: " إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق " .
وقال: " يا بني استعذ بالله من شرار النساء وكن من خيارهن على حذر " .
وقال: " إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول يعجب منظره ويقبح أثره " .
وقال لابنه: " إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم أجلس، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غيره فخلهم وانهض، يريد بسهم الإسلام السلام " .
وقال: لا ينبغي للعاقل أن يخلى نفسه من أربعة أوقات: فوقت منها يناجي فيه ربه، ووقت يحاسب فيه نفسه، ووقت يكسب فيه لمعاشه، ووقت يخلي فيه بين نفسه وبين لذتها في غير محرم يستعين بذلك على سائر الأوقات " .
وقال: " يا بني إن الأوطار تكسب الأوزار، فارفض وطرك، واغضض بصرك " .
دخل كعب على عمر فأدناه، وأمره بالجلوس إلى جنبه، فتنحى كعب قليلا، فقال له عمر: وما منعك من الجلوس إلى جنبي؟ فقال: لأني وجدت في حكمة لقمان مما أوصى به ابنه قال: " يا بني إذا قعدت لذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل، فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك فيريد أن تتنحى له عن مجلسك فيكون ذلك نقصاً عليك وشينا " .
قال لقمان لابنه: " ارحم الفقراء لقلة صبرهم، والأغنياء لقلة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم " .
وقال: " يا بني لا تأكل شيئاً فوق شبع، فإنك إن تنتبذه للكلب خير لك من أن تأكله.
وقال: يا بني أكلت المقر، وأطلت على ذلك الصبر، فلم أجد شيئاً أمر من الفقر.
كان داود عليه السلام، يسرد درعاً، ولقمان عنده، فقال ما هذا؟ فسكت عنه، فلما فرغ لبسها وقال: نعم اللباس للحرب " فقال لقمان: " الصمت حكم وقليل فاعله " .
وقال: " يا بني قد ندمت على الكلام، ولم أندم على السكوت " .
وقال: " العالم مصباح فمن أراد الله به خيراً اقتبس منه " .
وقال: " لا يهونن عليكم من قبح منظره ورث لباسه، فإن الله تعالى إنما ينظر إلى القلوب، ويجازى بالأعمال " .
وقال: " يا بني من كذب ذهب جمال وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من تفهيم من لا يفهم " .
وقال: " لا مال كصحة البدن، ولا نعيم كطيب نفس " .
وقال: " يا بني إذا افتقرت فلا تحدثن أحداً بفقرك؛ كيلا يبغضك الناس وتهون عليهم " .
وقال: " يا بني عليك بمجالس العلماء، واسمع كلام الحكماء؛ فإن الله يحيي القلب الميت بالحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر " .
وقال: " يا بني إن غاية الشرف والسؤدد في الدنيا والآخرة حسن العقل؛ لأن العبد إذا حسن عقله غطى ذلك عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه خالقه، وكفى بالمرء عقلاً أن يسلم الناس من شره " .

الباب الثاني
نوادر ونكت الفلاسفة
نظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال: ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة.
مرت بسقراط امرأة، وهو يتشرق، فقالت له: يا شيخ ما أقبحك! فقال: لولا أنك من المرائي الصدئة لغمنّى ما بان من قبح صورتي فيك.
ورأى سقراط رجلاً يضرب غلاماً له ويرعد، فقال: ما الذي بلغ بك هذا الذي رأى؟ فقال: إساءة هذا الغلام، فقال: إن كان كلما جنى عليك جناية سلطته على نفسك تفعل به ما أرى فما أسرع ما تهرم نفسك من هذا الفعل.
ونظر إلى امرأة حين أريد قتله، وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: وكيف لا أبكي وأنت تقتل ظلماً؟ فقال لها: فكأنك أردت أن أقتل بحق.
وكان سقراط يقول لتلامذته: أقلوا من القنية تقل مصائبكم.
وقال له تلميذ له: كيف لا أرى أيها الحكيم فيك أثر حزن؟ قال: لأني لا أملك شيئاً لإن فقدته حزّنني.
فقال له آخر: فإن انكسر هذا الحب الذي أنت فيه فماذا تفعل؟ - وكان سقراط يأوى إذ ذاك في كنف حب - فقال سقراط إن انكسر الحب لم ينكسر المكان.
وقال: " إن اخترت أن تحيا له فمت دونه " .

خطب رجلان إلى ديمانوس بنته، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً، فاختار الفقير، فسأله الاسكندر عن ذلك، فقال: لأن الغني كان جاهلاً فكنت أخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلاً فرجوت له الغنى.
قيل لبعضهم: ما أهم الأشياء نفعاً؟ فقال: موت الأشرار.
قيل لأفلاطون: ما الشيء المعزّي للناس على مصائبهم؟ فقال: أما للعلماء فعلمهم بأنها اضطرارية، وأما لسائر الناس فتأسِّي الحسن.
قال بعضهم: لا شيء أنفس من الحياة، ولا غبن أعظم من إنفادها لغير حياة الأبد.
قال آخر للإسكندر: إذا كان سر الملك عند اثنين دخلت على الملك الشبهة، واتسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهم اتهم بريئاً بجناية مجرم. وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة عليه.
قيل لآخر: ما العقل؟ قال: الإصابة بالظن، ومعرفة ما لم يكن بما كان.
قال أرسطاطاليس: العاقلُ يوافق العاقلَ، والجاهلُ لا يوافق العاقلَ ولا الجاهلَ، ومثال ذلك المستقيمُ الذي ينطبق على المستقيم، فأما المعوُّج فإنه لا ينطبق على المعوجِّ ولا على المستقيم.
نظر سقراط إلى السيل، وقد حمل امرأة، فقال: زادت الكدر كدرا والشر بالشر يهلك.
طلب أهل يونان رجلاً للملك بعد موت ملك لهم، فاسموا بواحد فقال فيلسوف لهم: لا يصلح هذا للملك. فقالوا: ولم؟ قال: هو كثير الخصومة، فليس يخلو في خصومته أن يكون ظالماً أو مظلوماً، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، والمظلوم أحرى ألا يصلح لضعفه، فقالوا له: صدقت، أنت أولى منه، وملكوه.
قيل لبعضهم: إن فلاناً يحكي عنك كل سوء، فقال: لأنه لا يهتدي إلى الخير فيحكي.
قيل لبعضهم، وكان محبوساً: ألا تكلم الملك في إطلاقك؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن الفلك أحدُّ، والفضاء أجد، من أن تبقى حال على حد.
قال اٌسكندر لما قتل دارا: قاتل دارا لا يبقى.
قيل لديوجانس: لمَ تأكل في السوق؟ قال: لأني جعت في السوق.
ورأى غلاماً لقيطاً يرمي بالحجارة، فقال: لا ترم، لعلك تصيب أباك ولا تدري.
ورأى آخر مؤدباً يعلم جارية الكتابة، فقال: لا تزد الشر شراً، تسقي سهمها سماً لترمي به يوماً ما.
ورأى جارية تحمل ناراً، فقال: نار على نار، والحامل شر من المحمول.
ورأى مرة امرأة في ملعب فقال: ما خرجت لترى، ولكن خرجت لتُرأى.
ورأى امرأة عوراء تصنع نفسها فقال: نصف الشر شر أيضاً.
قال بعضهم: إني لأعجب من الناس، وقد مكنهم الله من الاقتداء به، فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم.
وقيل لآخر: ما الفضل بينك وبين الملك؟ قال: هو عبد الشهوات وأنا مولاها.
وقيل لآخر: إن الملك لا يحبك، قال: إن الملك لا يحب من هو أكبر منه.
وقيل لآخر: من الجواد؟ قال: من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره.
قيل لسقراط: لم لا تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه؟ قال: لم أعلم أن هذا يكون.
قال سقراط لأرسجانس: لا تسوطن النار بسكين - قيل: أراد إذا رأيت الغضبان فلا تهيجه - . وقال أيضاً له: احذر الأسد غير ذي الأربع، - قال: أراد السلطان - .
قيل للإسكندر: إن فلاناً يثلبك فلو عاقبته! قال: هو عند العقاب أعذر.
وقال الإسكندر: ليس من الإنصاف أن يقاتل أصحابي عني، ولا أقاتل عن نفسي.
قيل لفيلسوف: ما بال الثمرة غشاؤها هر المأكول منها والنواة في جوفها، والجوزة بخلاف ذلك؟ قال: لم تكن العناية بما يؤكل في حال الأكل، إنما كانت العناية ببقاء النوع، فحفظت النواة بالغشاء، والجوزة بالقشرة.
قال بقرط: سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشى.
قال رجل للإسكندر: إن العسكر الذي فيه دارا كثير، فقال الإسكندر: إن الغنم وإن كثرت تذل لذئب واحد.
ورأى الإسكندر سمياً له لا يزال ينهزم في الحروب، فقال: أيها الرجل، إما أن تغير فعلك، وإما أن تغير اسمك.
رأى فيلسوف مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء لا موضع الرجال.
جاء بعض الكلبيين، وهو جنس من اليونانيين، إلى الإسكندر فقال: هب لي مثقالاً واحداً، فقال الإسكندر: ليس هذا عطاء ملك، قال: فهب لي قنطارا. فقال الإسكندر: ليس هذا سؤال كلبيّ.
أشير على الإسكندر بالبيات في بعض الحروب فقال: ليس من آيين الملوك استراق الظفر.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11