كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري

خرج قيس بن زهير في زمن الجدب ممتاراً، فبصر بنار فأمها، ثم أبت نفسه ذل المسألة، فصار إلى شجرة ذات سم فأكل من ورقها، ثم مال غلى الوادي فنام في الشمس ومات.
عمرو بن براقة الهمداني:
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم
ابن أبي فنن:
جعلتك حصناً دون كل ملمة ... تخاوص عيناها ويصرف نابها
فلبيت لما أن دعوت مشمراً ... ولا خير في ذي دعوة لا يجابها
أعرابي:
قوض خيامك والتمس بلداً ... ينأى عن الفاشيك بالظلم
أو شد شدة بيهس فعسى ... أن يتقوك بصفحة السلم
علي رضي عنه: وأكرم نفسك عن كل دنية وأن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لا تعتاض بنا تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن بعد غيرك وقد جعلك الله حراً.
استنصر سبيع بن الخطيم التيمي زيد الفوارس الضبي فنصره فقال:
نبهت زيداً فلم أفزع إلى وكل ... رب السلاح ولا في الحي مغمور
سالت عليه شعاب الحي حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير
عبد الله بن أبي الهداد في ثابت بن يحيى وزير المأمون:
إذا ما زمان السوء مال بركنه ... علينا عدلناه بإحسان ثابت
كريم يفوت الناس مجداً وسؤدداً ... وليس الذي نرجوه منه بفائت
كلم عمر بن عبد العزيز أموياً أمه مرية فقال: قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة، فبلغ عقيل بن علفة المرى وهو بجنفاء، من المدينة على أميال. فقدم على عمر بدير سمعان فقال: بلغني أنك غضبت على فتى من بني أبيك فقلت قبح لله شبهاً غلب عليك من بني مرة، وأنا اقول: قبح الله ألأم طرفيه. فقال عمر: دع ذا وهات حاجتك، قال: لا والله مالي حاجة غيرها وولى راجعا، فقال عمر: سبحان الله! من رأى مثل هذا الشيخ؟ سعد بن قرط العبقسي:
لما رأيت الموت لا ستر دونه ... يحوم على هامات بكر بن وائل
عطفت عليهم مهرة أعوجية ... وناديت عبد القيس دون القبائل
فجاءوا كأسد الغاب في مرجنة ... لها ذمرات بالقنا والمناصل
ففرجت عن بكر وكانت بحالة ... مخنقة للقوم ذات غوائل
لأني وبكراً من ربيعة في الذرى ... إذا حصل الأقوام أهل الفضائل
قدم مكة في الجاهلية قيس بن نشبة السلمى ابن عم العباس بن مرداس بابل له فباعها من أبي خلف الجمحي فمطله الثمن، فجعل قيس يطوف في مجالس قريش ويقول:
يا آل فهر كيف هذا في الحرم ... وحرمة البيت وأخلاق الكرم
أظلم لا يدفع عني من ظلم
فأمره العباس بن مرداس أن يستنصره بالعباس بن عبد المطلب ففعل، فاستخرج له حقه وقال:
رعيت لقيس حقه وذمامه ... وأوليت فهي الرغم من كان راغما
سأمنعه ما دمت حياً وإن أمت ... أحض عليه للتناصر هاشما
فقال ابن قيس لابن عباس في الإسلام:
أحبكم في الجاهلية والدي ... وفي الدين كنتم عدتي ورجائيا
فصرت بحبي منكم غير مبعد ... لديكم وأصبحت الصديق المصافيا
وآليت لا أنفك أحدو قصيدة ... تمد بها بزل الجمال الهواديا
وقد زياد الأعجم على المهلب بن أبي صفرة وهو يقاتل الأزارقة بتوج فأكرمه وأنزله على ابنه حبيب، وقال له أحسن قراه، فبينا هما في بستان إذ غنت حمامة على فنن، فطرب لها زياد، فقال له حبيب: أنها فاقدة ألف كنت أراه معها، فقال زياد: هو أشد لشوقها، وأنشأ يقول:
تغني أنت في ذممي وعهدي ... وذمة والدي أن لا تضاري
فإنك كلما غردت صوتاً ... ذكرت أحبتي وذكرت داري
فأما يقتلوك طلبت ثاراً ... لأنك يا حمامة في جواري
فضحك حبيب ودعا بجلاهق فرماها، فسقطت يمتة، فنهض زياد مغضباً وقال: أخفرت أبا بسطام ذمتي وقتلت جاري، فشكا إلى المهلب، فعضب وقال لحبيب: أما علمت أن جار أبي أمامة جاري، وذمته ذمتي، والله لا لزمتك دية الحر والعبد، وأخذها من ماله، ودفعها إلى زياد، فقال:

فلله عينا من رأى كقضية ... قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ... من الطير إذ يبكى شجاه ويندب
فرفع خبره إلى الحجاج فقال: لشيء ما سودت العرب المهلب، ويروى: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.
سقط الجراد قريباً من بيت أبي حنبل جارية بن مر، فجاء الحي فقالوا: نريد جارك، فقال: أما إذ جعلتموه جاري فوالله لا تصلون غلي؛ فأجاره حتى طار من عنده، فسمي مجير الجراد؛ وفي ذلك يقول هلال بن معاوية الثعلبي:
وبالجبلين لنا معقل ... صعدنا إليه بصم الصعاد
ملكناه في أوليات الزمان ... من قبل نوح ومن قبل عاد
ومنا ابن مر أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد
وزيد لنا ولنا حاتم ... غياث الورى في السنين الشداد
كتب عثمان رضي الله عنه إلى علي عليه السلام يوم الدار: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى، وبلغ الحزام الطبيين، فأقبل إلي، كنت لي أم علي
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق
زهير الأزدي:
كفوء وذادوا بالوشيج وراءه ... تميم وأهل السر ن غطفان
ولو بسواهم كان إذ شاط لحمه ... أناخ لقد زلت به القدمان
وله:
فإن كنت تبغي للظلامة مركباً ... ذلولاً فأنى ليس عندي بعيرها
نشأت هسيراً لاتلين عريكتي ... ولا يستقر فوق ظهري كورها
علق عيينة بن أسماء الغزاوي جارية، فشكا وجده بها إلى أخيه مالك بن أسماء، وكان مالك أوجد بها منه فقال:
أعيين خلا إذ شغفت بها ... كنت استعنت بفارغ العقل
أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل
أراد النعمان بن المنذر قتل الفظ بن مالك الغساني حين هجاه فاستوهبه عمرو بن معدي كرب فقال الفظ:
تداركني من مذحج ... وسيف أبي قابوس يستقطر الدما
وكنت الذي تثنى الخناصر باسمه ... وكنت إلى دفع المنية سلما
يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جسده.
كان لعبد العزيز بن أبي دلف جارية يرى الدنيا بعينها فضرب عنقها وقال: خفت أن أموت من حبها، فتنام هي بعدي تحت غيري.
زوج عمر بن عبد العزيز بنتاً له، فقال لامرأته فاطمة بنت عبد الملك: علمي هذه الصبية ما كنت تعلمين، أي ما كنت أعجب به منك، قالت: أو ما تغار؟ قال: إنما الغيرة في الحرام، فأما الحلال فلا، أبعد قول رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة لا تعجلا حتى أدخل عليكما.
قالوا قليل عدده ... من غار قل ولده
سمع الحجاج قول عيينة بن الحكم الخلجي:
خلت البصرة من أقذائها ... وخلونا بالرعابيب الخرد
وكان جميلاً غزلا، فسيره عن البصرة إلى خراسان.
علي رضي عنه: ما زنى غيور قط. وعنه غيرة المرأة كفر، وغيرة الرجل إيمان.
الخليع البصري:
وموشح نازعت فضل وشاحه ... وكسوته من ساعدي وشاحا
ترك الغيور يعط جلدة وجهه ... وأمال أعطافا علي ملاحا
قالت بنت النعمان بن بشير لروح بن زنباع: أنك لغيور، فقال: أن المرء العاقل لحقيق أن يغار على حمقاء ورهاء مثلك، لا يأمن أن تأتي بولد من غيره فتقذفه في حجره.
المأمون: الغيرة بهيمية، وضرب من البخل.
ابن المدبر في عبيد الله بن يحيى بن خاقان:
معاذي وجاري وجهك اليوم إنه ... هو الوجه من يبغي به النجح ينجح
وعدلك مبسوط وأمنك شامل ... وحلمك من ثهلان أوفى وأرجح
نوح بن عمرو بن حوي السكسكي في مولى دفع عنه:
ومولى دفعت الضيم عنى بشخصه ... وأبيض من ماء الحديد مجرب
فأقدم والرمح الطويل يكفه ... وعرد عني يوم ذاك بنو أبي
وكر حفاظاً خشية العار مقدما ... وصمم تصميم الحسام المشطب
فقام بحق الروع يوم جلاده ... حسامان ركابا قرى المتهيب
أراد بالحسامين مولاه وسيفه الذي ذب به عنه.
فمولاك لا تفقد نوالك انه ... شريكك في الهيجا وناصرك الأبي

موسى بن حكيم العيشمي:
دعاني عوف دعوة فأجبته ... ومن ذا الذي يدعى لنائبة بعدي
فلو بي بدأتم قبل من دعوتم ... لفرجت عنكم كل نائبة وحدي
إذا ما عدو غاظني ثم أجحفت ... به نكبة حلت رزيته حقدي
محمد بن أحمد بن سوار الطائي:
وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروانا يغار على القدر
هجا الفرزدق ذو الاهدام الكلابي، فقال الفرزدق:
ونبئت ذا الأهدام يعوى ودونه ... من الشام زراعاتها وقصورها
فعاذت أمه بقبر غالب فقال:
عجوز تصلى الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
أتقى لفح النار، بالكبريت والقار؛ إذا استغاث بمن يستضر به.
ويقال: استكف النار بالحلفاء.
أبو عزة القشيري:
لو كنت من رهط الأصم بن مالك ... أو الخلعاء أو زهير بني عبس
إذا دافعت عني يد مضرية ... ولم يرهب الجاني الذي جر بالأمس
سراقة بن مرداس السلمي أخو العباس، وقد جاور غنيا فحمدهم:
كأني من رماح بني غني ... بخيسة أسد عشر أو يريم
وأسقي من غني في زجاج ... يضيء شعاعه وجه النديم
عبيد الله بن زياد حين أجارته الأزد بعد يزيد بن معاوية:
فقل للأزد دارك خير دار ... وزندك في العلا أورى زناد
جزيتم عن عبيد الله خيراً ... وقبل بني زياد عن زياد
حللتم داره فمنعتموه ... بسمر الخط والبيض الحداد
وكنتم عند ظني حين ضاقت ... علي برحبها سعة البلاد
بعث ملك الحبشة إلى عبد المطلب يأمره بأن يدين له، وكانت مكة لقاحاً، فقال:
إنا أناس لا ندين بأرضنا ... عض الرسول ببظر أم المرسل
الرسول صلى الله عليه وسلم: من ذب عن عرض أخيه كان ذلك له حجاباً من النار.
محرز بن نجدة الخفاجي:
إذا القوم ساموني يداً لا أريدها ... أبي خلق لي مينع الضيم أشوس
وإني متى أركب سوى الحق خطة ... منوع رضا القوم المعادين أليس
كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا إنك قد أخترتني جاراً، واخترت داري داراً، فجناية يدك علي دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبي على أهله؛ ويوشك أن يكون هذا من الأسباب الموصلة إلى أن شرف بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
أصابت أهل البادية قحمة شديدة فخرج الفرزدق إلى الوليد بن عبد الملك وامتدحه بقصيدة فيها:
وكم من مناد والشريفان دونه ... إلى الله يشكو والوليد مفاقره
وقالوا أغثنا إن بلغت بدعوة ... لنا عند خير الناس إنك زائره
فقال له الوليد حاجتك؟ قال: تملأ لي إبلا قمحا، وإبلا زيتا، وإبلا دراهم، فأفرقها في أهل البوادي، من بابك إلى اليمامة، وتكتب إلى عمالك كلما نفد منها شيء أعيد لي؛ ففعل، فقسم الفرزدق ذلك حتى انتهى إلى اليمامة.
لما حبس خالد بن عبد الله عمر بن خبيرة، ونقب له السجن فهرب، قصد إلى مسلمة بالشام، وقد كان بينهما تباعد، وذلك أن عمر كان قد احتال حتى عزل مسلمة عن العراق وولي مكانه، فدخل عليه وهو قائل، فانتبه فقال: ابن خبيرة؟ قال: نعم.
وإذا يصيبك والحوادث جمة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق
فركب مسلمة إلى هشام من ساعته، فقال: يا أبا سعيد ما أعملك إلينا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أكان أحد من قريش يمد يده إلى شيء إلا نمد إليه أيدينا؟ قال: لا والله؛ قال: فهل نلنا ذلك إلا بالوفاء؟ قال: أجل؛ فقال: إن عمر بن هبيرة لجأ إلي فجعلت له ذمة الله وذمة أمير المؤمنين عبد الملك وذمتك وذمتي، قال أجرنا من أجرت، قال: فرد عليه ماله، فأمر له بمائة ألف، وانصرف مسلمة وضم إليه خمسين ألفا وحمله.

وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك فذكر حاجبه عبد الله بن الزبير فنال منه، فضرب وجهه حتى أدمى نفسه، فقال له عبد الملك من فعل بك؟ قال: يحيى، قال: أدخله وكان متكئاً فجلس، وقال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين عمي عبد الله كن أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته إن لا يسمعوها فدعا، وإن كان يقول لها من سب أهلك فسبي أهله؛ أنا والله المعم المخول تفرقت العرب عن عمي وخالي، وكنت كما قال الأول:
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها تقدما
فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف فيه الإكرام ليحيى. هو من جهة أمه أموي، أمه بنت الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك.
قال ابن الزبير في خطبته بعد قتل مصعب: والله لوددت أن الأرض قأتني عنده حين لفظ غصته، وقضى نحبه.
خذيه فجريه ضباع وقضقضي ... عظام امرئ قد غاب بالأمس ناصره.
لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة أهل المدينة، ضم علي بن الحسين إلى نفسه أربع مائة منافية بحشمهن يعولهن إلى أن تقوض جيش مسلم، فقال امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي مثل ذلك التريف.

باب
الإخاء، والمحبة، والصحبة، والألف، وما يقع بين الأخوان من الجفوة، والمصارحة، وذكر الحب والبغض في الله والجوار النبي صلى الله عليه وسلم: اكثروا من الإخوان، فإن ربكم حيي كريم يستحي أن يعذب عبده بين إخوانه يوم القيامة.
وعنه عليه الصلاة والسلام: من نظر إلى أخيه نظرة المودة، ولم يكن في قلبه عليه أحنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه.
علي رضي الله عنه: من كان له صديق حميم فإنه لا يعذب، ألا ترى كيف أخبر الله عن أهل النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.
علي رضي الله عنه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته ووفاته.
وعنه: أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
عمر رضي الله عنه: ثلاث يثبتن الود لك في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
تكثر من الأخوان ما استطعت أنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور
فليس كثيراً ألف خل وصاحب ... وإن عدواً واحداً لكثير
حكيم: سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشا.
ابن عرفة:
حسبي بقلبك شاهداً لي في الهوى ... والقلب أعدل شاهد يستشهد
كتب رجل إلى أخ له: إنك من جوارحي يميني، ومن سوانحي يقيني.
وكتب آخر: ما انفكت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك.
كان عمر بن عبد العزيز ينشد:
وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرفق
إني لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالمذق
والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله يفزع إلى العرق
علي رضي الله عنه: الصديق من صدق غيبه.
الأصمعي: دخلت على الخليل وهو جالس على حصير صغير، فأشار علي بالجلوس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه أن الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين، وأن شبراً في شبر يسع متحابين.
الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.
قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، قال: صدقت، الصديق نسيب الروح، والأخ نسيب الجسم.
قال محمد بن علي الباقر: أيدخل أحدكم في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم؟ قالوا: لا، قال: فلستم بإخوان إذن. إبراهيم بن العباس:
فأنت مني النفس من بينهم ... وأنت الحبيب وأنت المطاع
فما منك أن بعدوا وحدة ... ولا منهم إن بعدت اجتماع
كاتب:
ثلاثة أصفيتهم اخائي ... كأنهم كواكب الجوزاء
عطارديون يرون رائي ... كأنما أهواؤهم أهوائي
أعرابي: ودك عندي لا ينضى ملبوسه، ولا يتوى محروسه، ولا يذوى مغروسه.
جعفر بن محمد: صحبة عشرين يوماً قرابة.
قال رجل لضيغم العابد: اشتهيي أن اشتري داراً في جوارك حتى ألقاك، قال: المودة التي يفسدها تراخي اللقاء مدخولة.
كتب رجل إلى أخ له: أما بعد فإن كان أخوان الثقة كثيراً فأنت أولهم، وإن كانوا قليلاً فأنت أوثقهم، وأن كانوا واحداً فأنت هو.

النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أخاه فليعلمه.
ابن مسعود رضي الله عنه: ما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب.
حكيم: من ودك لأمر ولي مع انقضائه.
كاتب: دع رجلي ورجلك في نعل ما وسعهما القبال.
أعرابي: المودة بين السلف ميراث بين الخلف.
حافظ على الصديق ولو في الحريق.
قال ظريف لأخيه: لو كنت معك في جوف فقاعة ما باليت.
أعرابي: دع مصارمة أخيك، وإن حثا التراب في فيك.
عرض رجل بآخر وأنشد:
صديقك لا يثني عليك بطائل ... فماذا عسى فيك العدو يقول
فقال:
وحسبك من لؤم وخبث طوية ... بأنك عن غيب الصديق سؤول
مسافر بن أب عمرو بن أمية بن عبد شمس:
أخوك الذي إن تجن يوماً عظيمة ... يبت ساهراً والمستذيقون رقد
تمت إلى الأقصى بثديك كله ... وأنت على الأدنى صروم مجدد
شريح بن عمران اليهودي:
آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن ... شربوا بها السم الثميلا
الخليل: رغبتك في الزاهد فيك ذل نفس، وزهدك في الراغب فيك قصر همة.
قارب إخوانك في خلائقهم تسلم من بوائقهم.
اعتذر رجل إلى صاحبه من تأخر اللقاء فقال: أنت في أوسع عذر عند ثقتي، وفي أضيق عذر عند شوقي.
علي رضي الله عنه: ينبئ عن كل امرئ دخيله.
عبد الله بن شداد بن الهادي يوصي ابنه: لا تواخ أحدا حتى تعاشره، وتتفقد موارد أمره ومصادره، فإذا استطبت العشرة، ورضيت الخبرة، فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة، وكن كما قال أبو يزيد العدوي:
أبل الرجال إذا أردت اخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي الديانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
فإذا يزل، ولا محالة، زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فازدد
فلان يتحسى مرار الأخوان، ويسقيهم عذبه.
قيل لحكيم: ما الصديق؟ قال: إنسان هو أنت إلا انه غيرك.
المأمون: الأخوان على ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء الذي يحتاج إليه، وطبقى كالنفس لا تمكن الحياة إلا به.
المعتز بالله:
إن الصديق له حقوق جاوزت ... حد القرابة للنسيب الأقرب
قس بن ساعدة: تقاربوا بالمودة، ولا تتكلوا على القرابة. هرمز: شرط الصديق أن لا يضن عليك بماله، فإن ضن عليك بماله فهو بنفسه أضن.
لا يباع الصديق الألوف بالألوف.
حكيم: أكرم الخيل أجزعها من السوط، وأكيس الصبيان أشدهم بغضا للكتاب، وأكرم الصفايا أشدها حنينا إلى أوطانها، وأكرم المهارة أشدها ملازمة لأمهاتها، وخير الناس آلفتهم للناس.
المتنبي:
خلقت ألوفاً لو رحلت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطأون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون.
بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، ولعدوك عدلك وإنصافك.
علي رضي الله عنه: الغريب من ليس له حبيب.
قيل لحكيم: من أبعد الناس سفرا؟ قال: من سافر في ابتغاء الأخ الصالح.
لا شيء أوحش من الوحدة، والوحدة آنس من شرار الأخوان.
كان مع مالك بن دينار كلب، فقيل له: يا أبا يحيى ما هذا؟ قال: هذا خير من جليس السوء.
قال فضيل للثوري: دلني على جليس أجلس إليه. قال: تلك ضالة لا توجد.
عمرو بن ميمون: قدم علينا معاذ بن جبل فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب بالشام.
ألا قبح الرحمن كل مماذق ... يكون أخاً في الخفض لا في الشدائد
لقمان: يا بني: إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف يعجبك منظره، ويقبح أثره.
علي رضي الله عنه في وصيته: احمل نفسك في أخيك عند صرامة على الصلة، وعند صدوده على اللطف، وعند جحوده على البذل، وعند تباعده على الدنو، عند شدته عل اللين، وعند جرمه عل العذر، حتى لكانك له عبد؛ ولا تتخذن عدو صديقك فتعادي صديقك؛ وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية ترجع إليها، أن بدا لك يوما ما، ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من ضيعت حقه.

أخ طاهر الأخلاق عذب كأنه ... جنى النحل ممزوجاً بماء عمام
يزيد على الأيام فضل مودة ... وشدة إخلاص ورعي ذمام
الجاردود العبدي ملك البحرين وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رهطه بني جذيمة فأسلم وقال:
فإن لا تكن داري بيثرب فيكم ... فإني لكم عند الإقامة والنهض
أصالح من صالحت من ذي عداوة ... وأمنح من أمسى على بغضكم بغضي
مرسي السعدي:
أخ لي كأيام الحياة اخاؤه ... تلون ألوانا علي خطو بها
إذا عبت منه خصلة فهجرته ... دعتني إليه خصلة لا أعيبها
معاوية بن عبد الله بن جعفر في يزيد بن معاوية:
إذا مذق الأخوان بالغيب ودهم ... فسيد أخوان الصفا يزيد
لقمان: ثلاثة لا تعرفهم إلا عند ثلاثة، الحليم عند الغضب، والشجاع عند الخوف، والأخ عند حاجتك إليه.
قيل لبعض قضاة البصرة: إن فلانا يعضهك، فقال لكني أجعل صداقته سترا لقلبي عن قبول سيئته، فبلغ المأمون فقال: هذا والله عين الضن بالصداقة.
أحذر مودة ماذق ... شاب المرارة بالحلاوة
يحصى الذنوب عليك أي ... ام الصداقة للعداوة
الزبرقان بن بدر، وروي لعمرو بن الأهتم المنقري:
ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
فأصبح باقي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر فيه العجايب
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ألم تر أن المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عنه ليسلم سائره
فكيف تراه بعد يمناه صانعاً ... بمن ليس منه حين تدوى سرائره
علي رضي الله عنه: حسد الصديق من سقم المودة.
كان رجل يقول: اللهم اكفني بوائق الثقات، اللهم احفظني من الصديق.
ذكر خالد بن صفوان شبيب بن شبيبة فقال: ذلك رجل ليس له صديق في السر، ولا عدو ف العلانية.
قيل لحكيم: أي الكنوز خير؟ فقال: أما بعد تقوى الله فالأخ الصالح: أن أكرم أخواني علي من كثرت أيادي عنده.
قيل لخالد بن صفوان: أيما أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فإن: إنما أحب أخي إذا كان صديقاً.
إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك.
قيل لروح بن زنباع: ما معنى الصديق؟ قال: لفظ لا معنى له الصديق الفاضل من أحب صديق صديقه. كل مودة عقدها الطمع حلها اليأس.
القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق عوضا من ذي الرحم المدبر.
الفضل بن مروان: السؤال عن الأخوان لقاء.
قال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه إذا نازعتك نفسك صحبة الرجال فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن خدمتك صانك، وإن عركت به مؤونة مانك؛ أصحب من إن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها؛ اصحب من يتناسى معروفه عندك، ويتذكر حقوقك عليه.
إذا كان ذواقا أخوك مصارماً ... موجهة في كل أوب ركائبه
فخل له ظهر الصديق ولا تكن ... مطية رحال كثير مذاهبه
آخر:
وإني إذا ساء الصديق طويته ... كطي اليماني ثم قل له نشرى
قال رجل لمطيع بن إياس: قد جئتك خاطبا، قال: لمن؟ قال: مودتك، قال: قد انكحتك إياها، وجعلت الصداق ألا تقبل في مقالة قائل.
حكيم: ليكن اختيارك من الأشياء جديدها، ومن الأخوان أقدامهم.
صديق حضارة وصديق عين ... وليس لمن تغيب بالصديق
آخر:
رجل صديق ما بدت لك عينه ... فإذا تغيب فاحترس من دعلج
امرؤ القيس:
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرت به العينان بدلت آخرا
كذلك جدى لا أصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيرا
أبو يزيد بن أبي ثمامة العبدي:
أتزعم أنني أهوى خليلا ... سواك على دنو أو بعاد
جحدت إذاً موالاتي علياً ... وقلت بأنني مولى زياد
طرفة:
أصرمت حبل الوصل أم صرموا ... يا صاح بل صرموا الحبال هم
أن اللئام كذاك خلتهم ... كانوا إذا أحببتهم سئموا
كعب بن زهير:
إذا ما خليل لم يصلك فلا تقم ... بتلعته واعمد لآخر واصل
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود استاذ الزهري قال فيه وقد انقطع عنه:

إذا شئت أن تلقى صديقاً مصافياً ... لقيت وإخوان الصفا قليل
لم ير الناس أعجب حالاً من الكنيت والطرماح كان الكميت عدنانيا عصيباً، وشيعيا من الغالية، ومتعصباً لأهل الكوفة، والطرماح قحطانيا عصبيا، وخارجيا من الصفرية، ومتعصباً لأهل الشام، وبينهما من الخالصة والمخالصة ما لم يكن بين نفسين قط، لم يكن بينهما صرم ولا جفوة؛ وقيل لهما: علام تصادقتما؟ قالا على بغض العامة!!.
وللكميت:
إذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد
ونحوه تزوج السيد الحميري ببنت الفجاءة واتفاقهما عمرهما.
قال أسماء بن خارجة الفزاري: إذا قدمت المودة سمج الثناء؛ فنظمه من قال:
إذا صفت المودة بين قوم ... ودام ولاؤهم سمج الثناء
قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يسد خللي، ويغفر زللي، ويقبل عللي.
أبو الحسن ابن فضال النحوي، وقد أحسن ودل على فضله:
وإخوان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صغت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي
العتابي:
نود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك أن الرأي عنك لعازب
وليس أخي من ودني رأي عينه ... ولكن أخي من صدقته المغايب
قال لأبي داود السجستاني المحدث صاحب له: استمد من محبتك؟ قال: لا،فانحزل الرجل حياء؛ فقال له: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستيذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان.
إياك وكثرة الأخوان فإنه لا يؤذيك إلا من تعرف.
جزى الله عنا الخير من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا نتعارف
فما سامنا خسفاً ولاشفنا أذى ... من الناس إلا من نود ونألف
شبيب بن شيبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، وهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء.
قرع باب أحد السلف صديق له بالليل، فنهض إليه وبيده كيس وسيف، وهو يسوق جارية له، ففتح الباب وقال: قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وعدو فهذا السيف، وأيمة فهذه الجارية.
أبو زبيد الطائي:
وأغمض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
آخر:
فما منك الصديق ولست منه ... إذا لم يعنه شيء عناك
أنشد السيرافي:
كم لك في بغداد من صديق ... حتى إذا جاء كساد السوق
باعك بالصاع من الدقيق
قيل للعتابي: نراك زاهداً في استطراف الأخوان؛ قال: إني لم أحمد تالدهم.
كاتب صديقك كما تكاتب حبيبك، فإن غزل الصداقة أرق من غزل الصبابة.
الأصدقاء بمنزلة النار، قليلها متاع، وكثيرها بوار.
كان علي بن الجهم يمدح أبا تمام ويطنب؛ فقيل له: لو كان أخاك ما زدته على هذا المدح، فقال: إلا يكن أخا في النسب فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة، أما سمعتم ما خاطبني به:
إن يكد مطرف الإخاء فإننا ... نغدو ونسرى في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد
أو يختلف نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
مر بخالد بن صفوان صديقان، فعرج عليه أحدهما وطواه الآخر فقال: عرج علينا هذا لفضله، وطوانا ذاك لثقته.
إذا انكرت أحوال الصديق ... فلست من التجنب في مضيق
طريق كنت تسلكه زماناً ... فأسبع فاجتنبه إلى طريق
يوسف بن صبيح الكاتب: يقال فلان ناصح الجيب إذا كان أمينا.
وما كنت أدري أن مثلك ينثني ... على جيب خوان الصديق مريب
فراق أخ يعطي المودة حقها ... أضر وأبلى من فراق حبيب
قال أعرابي لصاحب له: قطعت أوصالي إذا صرمت وصالي.
قال رجل لآخر: إني لأودك، قال: إني لأجد رائد ذلك.
رجل لمحمد بن واسع: إني أحبك في الله، قال اللهم إني أعوذ بك من أن أحب فيك وأنت لي مبغض.
مسلم بن يسار: ما من عمل إلا وأخاف أن يكون قد دخله ما أفسده إلا الحب في الله؛ ومرضت مرضا فلم أجد شيئاً أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلا لله.

البراء بن عازب، عنه عليه السلام: أتدرون أي عري الإيمان أوثق؟ فعددنا شرائع الإسلام كلها، فلما رآنا لا نصيب قال: أوثق عرى الإيمان أن يحب الرجل في الله ويبغض في الله.
موسى بن هلال: قال ثابت البناني: ليزيدك لي حبا قرابتك من مذعور وهو مذعور.
ابن الطفيل القيسي الزاهد: كان يقول أبو جعفر المنصور: ما تلذذت بشيء تلذذي بمصادقة عمرو بن عبيد، ثم وليت هذا الأمر فهجرني، فوالله لساعة منه أحب إلي مما أنا فيه؛ كنت إذا أعسرت ملأ قلبي بأنس القناعة، وإذا اغتممت آنسني بنيل الثواب، ثم أنشأ يقول:
حب الصديق إذا كانت مودته ... في الله فرض على العلامة الفطن
ما إن يكون كعمرو صاحب أبداً ... في كل أمر أخي رشد ولم يكن
ملء الفؤاد من الآداب وذو فكر ... تنبيك آثاره عن فعله الحسن
إذا تنعتع قوم في حديثهم ... أجدى الحديث لهم من مقول لسن
يونس بن عبيد من أصحاب الحسن: شيئان ليس في الأرض أقل منهما ولا يزدادان إلا قلة: درهم حلال يوضع في ق، وأخ يسكن إليه في الإسلام.
محمد بن واسع: إن القلب إذا أقبل إلى الله أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
عبد الله بن المبارك: إذا سمعت الرجل ينال من أبي حنيفة لم أتمالك أن أجالسه أو أراه، مخافة أن تنزل آية من آيات الله فتعجل بي معه.
عمر رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا.
إذا صاحبا وصل بحبل تجاذبا ... فلن يلبثا بالجذب أن يقطعا الحبلا
آخر:
لي صديق هو عندي عوز ... من سداد لا سداد من عوز
آخر:
وأخي أنت ولا تنفعني ... لا أخا للمرء إلا من نفع
الأعمش: أدركت أقواما، لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين، فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت؟ وكيف حالك؟ ولو سأله شطر ماله أعطاه؛ ثم أدركت آخرين، إذا لم يلق الرجل منهم أخاه يوما، سأله حتى عن الدجاجة في البيت، ولو سأله حبة من ماله لمنعه.
مجاهد: لو لم يكن لك من الصاحب الصالح إلا أن حياءه يمنعك من معصية الله كفاك.
وعنه: كان يقال: لا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له.
أحب فقير غنيا في الله، ثم سأله حاجة ثلاث مرات فرده، والفقير لا يتغير عن محبته؛ فقال له في ذلك، فقال يا أخي إنما أحببتك في الله، فلم يفسد ما بيني وبينك شيء من الدنيا؛ فقاسمه الرجل شطر ماله.
ابن المبارك: من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الهفوة وظلم الدالة.
وعنه من كانت لأخيه المسلم في قلبه مودة فلم يعلمه فقد خانه.
من رضي بصحبة من لا خير فيه، لم يرض بصحبته من فيه خير.
أخوة أولى الألباب أدوم من أخوة أولى الأكتساب.
كان أشعب الطماع إذا حدث عن عبد الله بن عمر قال: حدثني عبد الله، يبغضني في الله.
وذكر رجل لجعفر البرمكي مودته إياه فقال: لبث قلوبنا حتى ترى أعيننا.
قال رجل للعرجي: جئتك أخطب إليك مودتك. فقال: لا حاجة بك إلى الخطبة، قد جاءتك زنى فهو ألذ لها وأحلى.
قال الحجاج لابن القرية ما الكرم؟ قال: صدق الإخاء في الشدة والرخاء.
أوصى عبد الملك بن مروان أولاده بالتآلف والتعاضد، وتمثل بقول عبد الأعلى القرشي:
أن القداح إذا جمعن فرامها ... بالكسر ذو حق وبطش أيد
عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالكسر والتوهين للمتبدد
علي رضي الله عنه: يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط. وروي: محب غال، ومبغض قال.
وعنه رضي الله عنه حين توفى سهل بن حنيف الأنصاري مرجعه من صفين، وكان من أحب الناس إليه: لو أحبني جبل لتهافت.
وعنه عليه السلام: القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه.
تقول العرب: لولا الوئام هلك الأنام. يعني أنهم يتآنسون ويتعايشون، ولولا ذلك لأهلكتهم الوحشة. يقال واءمه: وافقه.
وعن بعضهم: كان عندنا فروج وحمام، فكان يأنس بالحمام، فجئنا بدراج فترك الحمام إليه، ثم جئنا بفروج فلزم الفروج، ثم جئنا بدجاجة فصار إليها؛ فذكرت قول عبد بني فزازة: إن الوئام شرع في جميع الطمش، لا تقرب العنز الضأن ما وجدت المعز.
قال رجل لشهر بن حوشب: إني أحبك؛ فقال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤونتي على غيرك؟.

كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أما بعد فإنك سالم والسلام، فلم يدر، فنبه على أنه أراد قول عبد الله بن عمر في ابنه سالم:
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم
وعن أبي العباس محمد بن يزيد: قلت للعتبي: كنت أحب أن أعرف موقعي من قلبك؛ قال: موقع سالم، يعني سالم بن عبد الله، وقد كان يكلف به حتى يقبله وهو شيخ، ويقول: شيخ يقبل شيهاً، وسالم مولى هشام، وكتب الصاحب في الوصاة ببعض الفقهاء: والأخ الفقيه وسميي وصفيي، وهو عندي كسالم وسالم، بل كالسلامة، فهي أخص موقعاً، وأشرف موضعاً، والسلام.
وللمصنف:
مكانك من عيني وقلبي سالم ... وما أنت إلا سالم لي وسالم
الصاحب:
ونحرت الود بالهج ... ر كما تذكى الجزور
أن أم الصدق في ال ... حب لمقلاة نزور
آخر:
أخو ثقة يسر بحسن حالي ... وإن لم تدنه مني قرابة
أحب غلي من ألفي قريب ... بنات صدورهم لي مسترابه
آخر:
بنفسي من هواه أخي وتربي ... وحبيه رضيع بنات قلبي
آخر:
تغربت أسأل من عن لي ... من الناس هل من صديق صدوق
فقالوا عزيزان لا يوجدان ... صديق صدوق وبيض الأنوق
كتب رجل إلى صديق له: كتبت تشكو جفائي إياك بتأخري عن لقائك، وذلك إيثاراً مني لاستدامة مودتك على سروري بالأس بك، مخافة استدعاء الملالة، بكثرة الزيادرة؛ فتركت ما أحب فيك إلى ما أكره منك، والسلام.
تقول للخصيص: أنت أول العقد وواسطة العقد.
أبو بكر الخوارزمي: لا خير في حب لا تحتمل أقذاؤه، ولا يشرب عل الكدر ماؤه، وإنما العشرة مجاملة؛ والمجاملة لا تسع الاستقصاء والكشف، ولا تحتمل الحساب والصرف.
العلاء بن سعد الحداد الكوفي:
ومن الناس من يريك وداداً ... صافياً شربه بلا تكدير
فإذا ما رأيته قلت هذا ... لي ذخر ورأس مال كبير
فإذا ما طلبت منه فتيلا ... لحق الود باللطيف الخبير
أبو الأسد نباتة التميمي:
أغدو على مال بسطام فأنهبه ... كما أشاء فلا تثنى إلي يدي
حتى كأني بسطام إذا اجترحت ... يداي فيه وبسطام أبو الأسد
أنا استمسك من وده بالعروة الوثقى، وأرجع من ولائه إلى كنف لا أضل فيه ولا أشقى.
صجيقك من ساعدك في أطوارك وقدم سعيه في أوطارك.
ذمام ودادك عندي لا يخفر، وإن أتيت بما لا يغفر.
هو شعلة من زنده، وشعبة من رنده.
كان يقال: من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قل صديقه؛ ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره إياه على نفسه دام سخطه؛ ومن عاتب صديقه على كل ذنب كثر عدوه.
شريك بن عبد الله: إنما الرجل بإخوانه، فإذا ذهب أخوان الرجل ذهب الرجل.
كان يقال: العيش الذي لا يمل مناجاة الصديق.
أعرابي: أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من صيع من ظفر به منهم.
كان يقال: الحبيب من تحبب لا من تنسب.
عمر رضي الله عنه: احذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خنسى الله.
إذا رأيت ازوراراً من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطاني
فإن صددت ازوراراً كي أكافئه ... فالعين غضبي وقلبي غير غضبان
عمران بن عصام العنزي:
عذيري من أخ أن أدن شبراً ... يزدني من تباعده ذراعا
أبت نفسي له إلا وصالاً ... وتأبى فسه إلا انقطاعا
المهلب: ما السيف الصارم بكف الشجاع بأعز له من الصديق.
الهند: من كتم السلطان نصحه، والأطباء علته، والأخوان بثه، فقد خان نفسه.
ليس من الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك.
الشعبي: كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطأهم عداوة، مثل الكوز من الفضة يبطئ انكساره، ويسرع انجباره؛ ولئام الناس أبطأهم مودة وأسرعهم عداوة، مثل كوز الفخار، يسرع انكساره، ويبطئ انجباره.
كان يقال: صحبة بليد نشأ مع الحكماء أحب إلى من صحبة لبيب نشأ مع الجهلاء.
الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لأخ له: يا أخي إن الصديق يحول بالجفاء عدوا، والعدو يحول بالصلة صديقاً، وإني أراك رطب اللسان بعيوب أصدقائك، فلا تزدهم في أعدائك.
قيل لرجل: ما لذة الدنيا؟ قال: تواصل بعد اهتجار، وتصاف بعد اكتدار.

عبيد الله بن عبد الله بن مسعود استاذ ابن شهاب الزهري يقول له بعد أن انقطع عنه:
إذا شئت أن تلقي صديقاً مصافياً ... لقيت وإخوان الصفاء قليل
وله:
وإني امرؤ من يؤتني الود يلفني ... وأن نزحت دار به دائم الوصل
لعمرك إني ما ينال مودتي ... من الناس إلا مسلم كامل العقل
أبو حمران السلمي:
كفى حزناً أن الصديق إذا اقتنى ... غنى صد حتى لا يقال صديق
فليت صديقاً يفسد المال وده ... إل يوم يلقاه الحمام مضيق
قال المنصور لاسحق بن مسلم العقيلي: أنا أحب إليك أم مروان؟ قال: ذاك إليك، أن أحسنت إلي فوق إحسانه كنت أحب إلي منه.
أوصى أعرابي بنيه: عاشروا الناس معاشرة، أن عشتم حنوا إليكم، وإن متم خنوا عليكم. من الخنين، وهو صوت يسمع من أنف اباكي، ومنه حديث خالد فخنوا يكون.
قال الله لموسى عليه السلام: يا موسى اعلم أن كل صديق لا يواتيك على مسرتك فهو عدو لك.
كان إبراهيم عليه السلام إذا ذكر زلته غشى عليه، وسمع اضطرابه من ميل؛ فقال له جبريل: يا خليل الله، الخليل يقريك السلام ويقول: هل رأيت خليلاً يخاف خليله؟ فقال: يا جبريل، كلما ذكرت الزلة نسيت الخلة.
أوس بن حارثة: أحق من شركك في النعيم شركاؤك في المكاره. منه قول أبي تمام:
أن الكرام إذا ما اسهلوا ذكروا ... من كان يلقاهم في المنزل الخشن
قيس بن الخطيم:
سأصفيك ودي في الحياة فإن أمت ... يودك عظم في التراب دفين
أنس: كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فمر به رجل، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، قال: أعلمته؟ قال: لا، قال: أعمله؛ فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له.
أبو ذر: قال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت؛ فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنس: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل بمثله، فقال عليه السلام: المرء مع من أحب.
أبو الدرداء، عنه عليه الصلاة والسلام: حبك الشيء يعمى ويصم.
أنس، يرفعه: لا تبغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله أخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وروي: فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالآثم. وروي فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار.
أبو خراش السلمي: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه.
أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: تفتح أبواب السماء كل يوم اثنين وخميس، فيغفر في ذلك اليوم لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا من بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحان.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هجر بعض نسائه أربعين يوما. وابن عمر هجر ابنا له إلى أن مات.
قيل للمغيرة بن شعبة: إن بوابك يأذن لأصحابه قبل أصحابك، فقال: أن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل الصؤول فكيف بالرجل العقول؟ عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار:
أني يكون أخاً أو ذا محافظة ... من كنت من غيبة مستشعراً وجلا
إذا تغيب لم تبرح تظن به ... سوء وتسأل عما قال أو فعلا
بعض القرشيين:
إذا ما كنت متخذاً خليللاً ... فلا تجعل خليلك من تميم
بلوت صميمهم والعبد منهم ... فما أدنى العبيد من الصميم
عبد الله بن العباس الطالبي:
علي لأهواني رقيب من الصفا ... تبيد الليالي وهو ليس يبيد
يذكر فيهم في مغيب ومشهد ... فسيان عندي غيب وشهود
دع مصارمة أخيك وإن حثا التراب في فيك.
يحيى بن علي المنجم:
وإذا لم يكن اخاؤك في الل ... ه فعقد الإخاء ليس بباق
لآخر:
لو قيل لي خذ أماناً ... من اعظم الحدثان

لما أخذت أماناً ... إلا من الأخوان
آخر:
وإذا جفوت قطعت منك منافعي ... والدر يقطعه جناء الحالب
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر الملقب بنينويه:
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... وفي لي ولا إن كنت طوع يديه
إذا أنا لم أرغب إليه استمالني ... ويرغب عني أن رغبت إليه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصو أن كدرت عليه
قال المأمون: من يأخذ عني الخلافة ويعطيني هذا الصاحب.
غسلان العنبري:
ولا تهن للصديق تكرمه ... نفسك حتى تعد من خوله
يحمل أثقاله عليك كما ... يحمل أثقاله على جمله
آخر:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكن إخوان الصفاء الذخائر
في ديوان المنثور: محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء. أنتم الأوداء الأعزاء ما لم يصبكم داء وعزاء، كونوا حنفاء لله، حلفاء في الله.
في ديوان المنظوم:
كيف أرجو من الصديقي وفاء ... فسد الأصدقاء إلا الأقل
لم يصح الأقل أيضاً فقل لي ... هل لحر على البسيطة خل
وفيه:
قل لباغي الصديق رمت عزيزاً ... ما أقل الضديق فوق المقلة
لو عملت الزمان والناس علماً ... مثل علمي لما رضيت بخلة
وكذا السائمات لو علمته ... لأبت أن تذوق طعماً لخلة
محمد بن عبد الله النميري:
غشى المنازل بالسليل فهاجه ... ربع تبدل غيره أحبابه
ولقد تراه للقبول وأهلها ... جاراً تمسى بيوتهم أطنابه
مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر
ماضر جار لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يوارى جارتي الخدر
معاوية بن عمرو العقيلي:
بني بنى معاوية بن عمرو ... وكان أبوكم براً وفيا
فأوصيكم بضيف أو بجار ... يجاوركم فقيراً أو غنياً
النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. وعنه عليه الصلاة والسلام: جار السوء في دار المقامة قاصمة الظهر. وعنه: من جهد البلاء جار سوء معك في دار مقامة، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها وأفشاها.
داود عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من مال يكون علي فتنة، ومن ولد يكون علي ربا، ومن حليلة تقرب المشيب من قبل المشيب، وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه، أن رأى خيرا دفنه، وإن سمع شراً طار به.
ابن مسعود، يرفعه: والذي نفسي بيده لا يسلم العبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ويأمن جاره يواثقه. قالوا: وما يوائقة؟ قال: غشمه وطلمه.
النخعي: كانوا يكرهون مجاورة الأغنياء.
لقمان: يا بني حملت الحجارة والحديد، فلم أر أثقل من جار السوء.
ألا من يشتري داراً برحص ... كراهة بعض جيرتها تباع
الأصمعي: جاور أهل الشام الروم، فاحذوا عنهم خصلتين: اللؤم وقلة الغيرة، وجاور أهل البصرة الخزر فأخذوا عنهم خصلتين الزنى وقلة الوفاء.
وجاور أهل الكوفة أهل السواد فأخذوا عنهم خصلتين السخاء والغيرة.
كان يقال: من تطاول على جاره حرم بركة داره.
كان عبد الله بن أبي بكرة ينفق على من حول داره، وعلى أهل أربعين دارا من كل جهة من جهاتها الأربع، وكان يبعث إليهم بالأضاحي والكسوة، ويقوم لمن تزوج منهم بما يصلحه، ويعتق في كل عيد مائة رقية، سوى ما يعتق في سائر السنة.
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: هل يشتري جوار قط؟ قال: ردوا لي داري وخذوا مالكم، ما أدع جوار رجل أن قعدت سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني جائحة فرج عني. فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه مائة ألف درهم.
الحسن: ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى. وجاءته امرأة محتاجة وقالت: أنا جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قالت: سبعة أدؤر؛ فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم فأعطاها وقال: كدنا نهلك.

كان كعب بن مامة إذا جاوره رجل قام له بما يصلحه وأهله، وحماه ممن يقصده، وإن هلك له شيء أخلفه عليه، وإن مات وداه. فجاوره أبو داود الإيادي فزاده على عادته. فكانت العرب إذا حمدت جارا قالوا كجار أبي دواد. قال قيس بن زهير:
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي داود
وتعلم منه أبو دواد فكان يفعل بجاره فعل كعب به.
استعرض أبو مسلم صاحب الدولة فرسا محضيرا فقال لأصحابه: لم يصلح هذا؟ فذكروا السباق، وصيد حمر الوحش والنعام، واتباع المنهزم، فقال: ما صنعتم شيئاً، ما يصلح إلا للفرار من جار السوء. سأل سليمان بن علي خالد بن صفوان عن ابنيه جعفر ومحمد، فقال: كيف احمادك جوارهما؟ فتمثل بقول يزيد بن مفرغ الحميري:
سقى الله داراً لي وأرضاً تركتها ... إلى جنب داري معقل ويسار
أبو مالك جار لها وابن مرثد ... فيا لك جاري ذلة وصغار
عبد الله بن عمر ذبح شاة فقال: أأهديتم لجاري اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
جابر بن عبد الله يرفعه: الجيران ثلاثة: فجار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق. فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار؛ وأما الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له، له حق الإسلام وحق الجوار؛ وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم؛ وأدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن يقتدح له منها.
أبو جحيفة: جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشكو جاره، فقال: اطرح متاعك على الطريق، فطرحه، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه؛ فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما لقيت من الناس؟ قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنونني، فقال: قد لعنك الله قيل الناس، قال: فإني لا أعود؛ فجاء الذي شكى إليه فقال: ارفع متعاك فقد كفيت.
أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار النادي يتحول.
قالوا: الجيران خمسة: الجار الضارة السيء الجوار، والجار الدمث الحسن الجوار، والجار اليربوعي المنافق، والجار البراقشي المتلون في أفعاله، والجار الحسدلي الذي عينه تراك وقلبه يرعاك.
عيسى عليه السلام: تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالتباعد منهم، والتمسوا رضاه بسخطهم.
أنس يرفعه: ما تحاب رجلان في الله قط إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه.
رأى علي رضي الله عنه قوما حول داره، فسألهم، فقيل: هؤلاء شيعتك، قال: مالي لا أرى عليه سيما الشيعة! قال: وما سيما شيعتك؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكى.
من كان يريد رضا ربه يسخط نفسه، ومن لم يسخط نفسه لم يرض ربه.
علي رضي الله عنه رفعه: ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه.
إبراهيم بن نعيم الغامدي:
لبست جديد ثوب الدهر حتى ... كسانيي الدهر أسمال الثياب
متى تحسب صديقك لا يقلوا ... وإن تخبر يقلوا في الحساب
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الكاتب:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأقضي للصديق على الشقيق
أفرق بين معروفي ومنى ... وأجمع بين مالي والحقوق
وإن ألفيتني حراً مطاعاً ... فإنك واجدي عبد الصديق
السيد بن محمد الحميري:
إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن
ثم الولاء الذي أرجو النجاء به ... يوم القيامة للهادي أبي حسن
وله:
وإذا الرجال توسلوا بوسيلة ... فوسيلتي حبي لآل محمد
وله:
مه لا تلومن في أبي حسن ... فلست عن حبه بمشتغل
رست له بين أضلعي مقة ... لو زالت الراسيات لم تزل
إذا تبدلت بعده بدلا ... فلا تهنأت ذاك من بدل
وله:
أيا رب إني لم أرد بالذي به ... مدحت علياً غير وجهك فارحم
صالح بن علي الهاشمي:
وليس ذكرى لك عن خاطر ... بل هو موصول بلا فصل

أبو يعقول اسحق بن حسان بن قوهي الخريمي:
إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرم وإن سفروا أناروا
يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطعان هم تجار
إذا ما كنت جار بني خريم ... فأنت لأكرم الثقلين جار
إذا غضبوا تحطمت العوالي ... وإن وهبوا تدفقت البحار
ابن عبد السلام الرصافي:
إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها ... فكم تلبث النفس التي أنت قوتها
دهام بن هانيء العقيلي:
تقول ظعينتي أبرقت فاظعن ... وبعض البرق يخلف في البلاد
أغيثا تبتغين وراء أني ... جعلتك جارة لبني الرقاد
هم قوم من بني جعدة، يعني أن حوارهم يغني عن الغيث.
زبينا النصراني الرسعني:
إذا تاه الصديق عليك كبراً ... فنه كبراً على ذاك الصديق
وأن سلك العرام به طريقاً ... فسر عرماً سوى ذاك الطريق
وأرخض قدر من إن سيم رخصاً ... بقدرك باعه في كل سوق
فإيجاب الحقوق لغير راع ... حقوقك رأس تضييع الحقوق
أبو زيد الأنصاري النحوي:
إذا أنت لم تعف عن صاحب ... أساء وعاقتبته أن عثر
بقيت بلا صاحب فاحتمل ... وسمه الوفاء إذا ما غدر
الكامل الأوسسي سويد بن الصامت:
ألا رب من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشهد ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثور عل ثغرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبتزى عقب الظهر
تبين لك العينان ما القلب كاتم ... ولا جن بالبغضاء والنظر الشرز
فرشني بخير طالما قد برتني ... فخير الموالي من يريش ولا يبري
علي رضي الله عنه: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو حببت الدنيا بحمأتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني؛ وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي أنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق.
صعصعة بن معاوية السعدي عم الأحنف:
لعلي عندي مزية حب ... وأحب الصديق والفاروقا
ولعثمان مشرب من فؤادي ... لم يكن آجنا ولا مطروقا
لا أرى بعضهم لبعض عدواً ... بل رأى بعضهم لبعض صديقاً
عبد الله بن اسحق بن الفضل بن ... عبد الرحمن بن العباس المطلبي:
شهد الله أن ديني حق ... لست تنصابة ولا رافضيا
وأحب الشيخين شيخي قريش ... لست أبرا ممن يكون رضيا
وبهذا سمي تنصابة.
عائد الكلب:
ولقد تدوم لدي الصفاء مودتي ... وإذا تلون كنت ذا ألوان
إني كذاك إذا تلون صاحبي ... داويته بالصد والهجران
أبو الأسود الكندي:
أمفندي في حب آل محمد ... حجر بنيك فدع ملامك أو زد
من لم يكن بحبالهم متمسكاً ... فليعترف بولادة لم ترشد
دعبل الخزاعي:
بأبي وأمي سبعة احببتهم ... لله لا لعطية أعطاها
بأبي النبي محمد وصفيه ... والطيبان وبنته وابناها
الطيبان: حمزة وجعفر رضي الله عنهما.
عمرو بن حكيم بن معية:
خليلي أمسى حب خرقاء عامدي ... ففي القلب منه وقرة وصدوع
ولو جاورتنا العام خرقاء لم نبل ... على جدبنا لا يصوب ربيع
أبو قحافة أبو السديق:
اذهبي يا لهو فاستمعي ... خبريه بالذي فعلا
وسليه في ملاطفه ... لم وصلناه فما وصلا
مروان بن محمد السروجي، أموي شيمي:
يا بني هاشم بن عبد مناف ... أنني منكم بكل مكان
أنتم صفوة الإله ومنكم ... جعفر ذو الجناح والطيران
وعلي وحمزة أسد الل ... ه وبنت النبي والحسنان
فلئن كنت من أمية إني ... لبرئ منها إلى الرحمن
نمير بن عداء الطائي:
ألا ليت حظي من جميلة أنها ... مساكنة لي لا علي ولا ليا

مالك بن أنس: من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له في الفيء نصيب.
العوام بن حوشب: أدركت من أدرك صدر هذه الأمة، يقولون: حدثوا الناس بمحاسن أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتلف عليهم القلوب، ولا تحدثوهم بالذي شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم.
قال رجل لأبي سليمان: إن فلانا وفلانا ما يقعان على قلبي. قال: ولا قلبي، لعلهما أتيا من قبلي وقبلك، ليس فينا خير فما نحب الصالحين.
كانت بالكوفة عجوز لها ابن شاب، فانقطع إلى سفيان فقالت: يا بني إني عرفت في ليلك صحبة سفيان.
أخوك الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
لو أن إنساناً ربط مع أسد ثلاثة أيام لا ستأنس به.
علي رضي الله عنه: أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة؛ فأصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك، وأعداؤك: عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.
وعنه: يا بني إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد ان ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبتعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر، فإنه يبيعك بالتافه، غياك ومصادقة الكذاب، فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب.
الحاجة إلى الأخ المعين كالحاجة إلى الماء المعين.
قال رجل لابن الزيات: إني أتوسل إليك بالجوار، وأسألك العطف والرقة. فقال: أما الجوار فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للنساء والصبيان.
الشعبي: ما لقينا من علي بن أبي طالب إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه هلكنا.
المتصوفة: اصحبوا الله، فإن لم تستطيعوا فاصحبوا من يصحب الله، لنوصلكم بركات صحبته إلى صحبة الله.
طاووس: مثل أصحاب رسول الله مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها.
كان أبو بكر وعمر حليتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتزين بهما في يوم عيد أو وفد أن قدم عليه، أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره.
قيل لعلي بن الحسين كيف كان منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه.
حدث شريك بن عبد الله في دار المهدي بفضائل لعلي بن أبي طالب، فقال له رجل كوفي: ياأبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث؛ فقال: كيف لا أحدث بفضائل رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب؛ فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير!! القتى إخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله، قال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله؛ فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي.
عبد الله بن إدريس: أبو بكر رضي الله عنه ثاني اثنين في الإسلام، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في المشورة يوم بدر، وثاني اثنين في القبر، وثاني اثنين في الخلافة، وثاني اثنين في الجنة.
أبو حيان الدارمي:
أقدمه والله فضله على ... صحابته بعد النبي المكرم
بلا بغضة والله منى لغيره ... ولكنه أولاهم بالتقدم
ابن عباس: لما اختصني عمر بن الخطاب قال لي أبي هذا الرجل قد اختصك دون من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحفظ عني ثلاثاً: لا يجربن عليك كذبا، ولا تعب عنده أحدا، ولا تفشين له سرا. قال عكرمة: فقلت لك واحدة منها خير من ألف؛ فقال: بل من عشرة آلاف.
الثوري: ما بحثنا أحدا يتناول أبا بكر وعمر إلا وجدنا ذلك أيسر عمله.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني شيئاً يحبني عليه الله والناس؛ قال: أما الذي يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا، وأما الذي يحبك الناس عليه فإن تنبذ إليهم ما في يدك.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إن التوراة كبيرة فاختر لنا منها شيئاً ما يمكن حفظه، فقال: ما تحبون أن يصحبكم به الناس فاصحبوهم به. يعني أن هذه الكلمة هي الأختيار من التوراة.
الوليد بن عبد الملك: كان أبي يقول: الحجاج جلدة ما بين عيسى، وأما أنا فأقول: الحجاج جلدة وجهي كله.
لم أبخل بخلتي عليك لما طلبتها، ولم أعضل مودتي عنك حين خطبتها. أحببت أن يطلع على سويداء قلبي، فيلعم أن إخلاصي له مشرق الصفحة، أملس الجلدة.
وكانت رياح الشام يكرهن مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب
مثل في الحب بعد البغض.

فلان مملوك رفيقه، وخادم صديقه. أودك مودة حرة وأبغض عدوك بغضة مرة. الشد بالقد أسهل من مصاحبة الضد.
كيف يصفى لك الوداد صديق ... يخرج الذم مخرج الإشفاق
ابتدأتني بلطف من غير اجترام، فأطمعني أولك في إخائك، وأيسأيي آخرك من وفائك، فسبحان من لو شاء، كشف الغطاء فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.
أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله
مثل في التحبب غلى كل أحد.
هو في وجهك مرآ ... ة ومن خلفك مقراض
آخر:
صاننا الله وإيا ... كم عن الود المرقع
أبو فرعون العدوي:
كفاني الله شرك يا ابن عمي ... فأما الخير منك فقد كفاني
نظرت فلم أجد أشفى لغيظي ... من أني لا أراك ولاتراني
سهيل بن أبي صالح: كنت مع أبي بمنى فمر عمر بن عبد العزيز، فجعل الناس يثنون عليه ويدعون له، فقلت لأبي: إني أرى الله يحب عمر، قال: وكيف ذاك! قلت: أرى الناس يثنون عليه؛ فقال: بأبيك أنت! سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبداً قال: يا جبريل إني لأحب فلاناً فأحبوه، فينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، ويلقى على أهل الأرض فيحب.
قال عمر بن عبد العزيز لأبيه: يا أبت مالك إذا خطبت مررت فيها مستجفرا لا تكفف ولا توقف، حتى إذا صرت إلى ذكر علي تلجلج لسامك وامتقع لومك واختلج بدنك. قال: أو قد رأيت ذلك يا بني!! أما أن هؤلاء الحمير لو يعلمون من علي ما نعلم ما اتبعنا منهم رجلان.
عمر بن عبد العزيز: أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله.
قال هشام للأبرش: كيف تكون أخص الناس بي وأنت أخص الناس بمسلمة؟ فتمثل الأبرش:
أواخي رجالاً لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض أن صدري واسع
عمرو بن العاص: إذا كثر الإخاء كثر الغرماء. أراد بالغرماء الحقوق.
مسلم بن يسار: مرضت مرضة، فنظرت في عملي فلم أجد أوثق من قوم كنت أحبهم، ولا أحبهم إلا في الله.
وكان مطرف يقول لأصحابه: لو كنت راضيا عن نفسي لقليتكم، ولكني لست عنها براض.
الحر لو مشى في حاجة أخيه عرض الأرض، لم ير أنه أدى الفرض.

باب
التأديب والتعليم والتثقيف والسياسة وذكر المعلمين والمقومين، والضرب والقيد والحبس والنكال ونحو ذلك عائشة رضي الله عنها: ما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مملوكا قط ولا غيره، إلا في سبيل الله ولا انتصر قط لنفسه إلا أن يقيم حداً من حدود الله.
وعنه عليه الصلاة والسلام: علق سوطك حيث يراه أهلك.
جاء الإسلام وإن جفنة العباس لتدور على فقراء بني هاشم، وإن درته طلقة لسفائهم، فكان يقال: هذا السؤدد، يشبع جائعهم ويؤدب سفيههم.
لقمان الحكيم: ضرب الوالد الولد كالسماد في الزرع.
قال رجل للشعبي: إذا حدثت فلا تذكب. فقال له: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل، لين الهز، أصلع الرأس، عظيم الثمرة، يؤخذ من عجب الذنب إلى مغرز العنق، فيوضع منك على مثل ذلك، فتكثر له رقصاتك من غير جذل. قال: وما هذا يا أبا عمرو؟ قال: شيء لنا فيه أرب، ولك فيه أدب.
ضرب يزيد غلاماً، فقال له معاوية: كيف طاوعك قلبك على بسط يدك إلى من لا يقدر على رفعها إليك؟ فما ضرب يزيد غلاماً بعد.
ضرب عثمان رضي الله عنه ابن حنبل الجمحي وسيره إلى حيبر، وحبسه في القموص فقال:
إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا ... أبا حسن غلا شديداً أكابده
بخيبر في قعر القموص كأنها ... جوانب قبر أعمق اللحد لا حده
العتابي: أبرز لهم غرة السيف ذي الشطب، وهامة الجرز ذي الشعب، وجمع لهم العصي حزما، والسياط رزما.
كتب معاوية إلى مروان أن أضرب عبد الرحمن بن الحكم وعبد الرحمن بن حسان حداً. فضرب أخاه أربعين وابن حسان ثمانين. فقيل له: ألا ترفع ما صنع بك إلى معاوية؟ قال: ولم وقد أقامني مقام الذكر الحر وأقام أخاه مقام الأمة الأنثى؟ علوان بن جندل النميري في قتيبة بن مسلم:
عجبت لعبد باهلي مؤمر ... على الناس يرضي من يشاء ويغضب
يقيم حدود الله فيهم وانه ... لجاني حدود ليس عنهن مذهب
فضيل: رب ضربة لليتيم أنفع له من الخبيص تلقمه إياه.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله: بلغني أن قبلك قوما يشتمون أبا بكر وعمر، فمن قامت عليه بينة فاضربه ضرب الرجل المستطيل في عرض أخيه وهو عنه ساكت.
لقمان: لئن يضربك الحكيم فيؤذيك خير من أن يدهنك الجاهل يدهن طيب.
ضربهم ضرب غرائب الإبل، وضرب المضبب أستاه المسامير، وضربا تغمض دونه الأحداق.
غشاهم نبعا وسلما حتى تركهم رفاتا ورمما. قطع أوساطهم بأطراف السياط حتى أقامهم على سواء الصراط. السياط تمشق في ظهورهم وتعبث بصدورهم.
في نوابغ الكلم: الصبي لا بد له من تثقيف وإن كان من قريش أو ثقيف، والأرض لا بد لها من عرة وإن كانت أرضاً حرة.
علي بن عاصم الإصبهاني:
ضربت الفي بيدي ... خانت يميني عضدي
فاقتص لما اغرورقت ... مقلته من كبدي
فلا أقلت بعدها ... سوطي من الأرض يدي
خرج موسى الهادي على جلسائه مهموما منتقع اللون، فسألوه، فقال: لم أر كالدنيا وصحبتها، لا أطول هموما، ولا أعظم بلية!! لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر قد عرفتم موقعها مني، كلمتني بالادلال، فلم يكن لها عندي احتمال، ولا عندها الأقصار، فضربتها؛ فسكتوا جميعا، فقال ابن دأب: يا أمير المؤمنين إنك لم تأت منكرا، ولم تفعل بديئاً، قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدبون نساءهم هذا الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته، وفضله فضله، وثب على امرأته أسماء بنت الصديق أخت عائشة، وهي أفضل نساء زمانها، فضربها في شيء عتب فيه عليها، حتى كسر يدها، وكان سبب فرقتها، وذلك أنها استغاثت بولدها، فأغاثها الله بعبد الله، فقال: هي طالق إن حلت بيني وبينها، فلم يقلع. وهذا كعب بن مالك الأنصاري أخو الزبير، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، عتب على امراته، وكانت من المهاجرات الأول، فضربها حتى حال بنوها بينه وبينها فقال:
ولو لا بنوها حولها لخبطتها ... كخطبة فروج لوم أتلعثم
فسري عن الهادي، وطابت نفسه، وأمر له ببدرة وثلاثين ثوبا.
ألح رجل من المتظلمين على أحمد بن الخصيب، وهو راكب إلى المنتصر، فركله فقيل فيه:
قل للخيفة يا ابن عم محمد ... اشكل وزيرك إنه ركال
قال احمد بن مصر: قدم إلي مجوسي لأضربه فقال: يا هذا اضرب بقدر ما تقوى عليه؛ يريد القصاص في الآخرة، فتركته وتركت عمل السلطان.
لطمه لطم المتنفش، هو البعير يشاك فيضرب بيده الأرض.
أدبه بزجرك وهذبه بهجرك.
قيس بن الهيثم السلمي، وضربه الحجاج:
ليس بتغزير الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مليم
قدم حمزة العدوي السارق إلى معاوية فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيدها ... بعفوك من عار عليها يشيها
فلا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمال فارقتها يمينها
فلو قد أتى الإخبار قومي لقلصت ... إليك المطايا وهي خوص عيونها
فأبطل الحد عنه، فهو أول حد أبطل في الإسلام.
خطب علي رضي الله عنه أهل الكوفة، ودعا للجهاد، فقال أربد الغزاري: والله لا نجبيبك؛ فضربه قوم من همدان حتى مات. فوداه علي من بيت المال. وقال علاقة بن عركي التميمي:
معاذ الهي أن تكون منيتي ... كما مات في سوق البراذين أريد
تعاوره همدان خصفا نعالها ... إذا رفعت عنه يد وضعت يد
كان معلم أنوشروان يضربه بلا ذنب، ويأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط: فآلى لئن ملكت لأقتلنه؛ فلما ملك هرب، فأمنه فأتاه؛ فسأله عن الضرب ظلما، فقال: لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته؛ قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك؛ فغزا فأصبحوا في غداة باردة، فلم يقدروا على توتير قسيهم، فوترها لهم، فقاتل وظفر، فعرف مراد مؤدبه.
الكميت:
أقول له إذا ما جاء مهلا ... وما مهل بواعظة الجهول
قيل لبعض المجوس: ما أحكم شيء في كتابكم؟ قال: نحتك الحجارة بغير فأس، وإذابتك الحديد بغير نار أهون من رياضة مستصعب قد جفا عن التقويم.
من التعذيب تأديب الذيب. تنبو المعاول عن صفاته وتعجز المقاول عن صفاته. من لم يصلحه الطالي أصلحه الكاوي. ليس كبح الصعب الشرس إلا باللجام الشكس.

السلامي:
يحلو بأفواه الأنامل صفعه ... حتى كأن قذاله من سكر
قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك؛ قال هم أمناؤنا على أنفسنا، فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟ قال أبو نؤاس: دخلت على عنان جارية الناطفي، وقد ضربها مولاها وهي تبكي، فقلت:
إن عنانا أرسلت أدمعاً ... كاللؤلؤ المرفض من خيطه
فأشارت عنان إلى مولاها وقالت:
فليت من يضربها ظلماً ... تجف بمناه على سوطه
فقال مولاها: هي حرة لوجه الله إن ضربتها ظالما أو غير ظالم.
قال الحجاج للحكم بن المنذر بن الجارود: أنت الذي يقول لك الشاعر:
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
أنت الجواد بن الجواد المحمود
قال: نعم؛ قال: لأجعلن سرادقك السجن. فأنشأ الحكم يقول:
متى ما أكن في حبس أروع ما جد ... فاني على ريب الزمان صبور
فلو كنت أخشى الحبس والقيد لم أجب ... دعاءك إذ كان الدعاء غرور
وقد عشت دهراً لا أخوف بالتي ... تخاف ولا يسطو علي أمير
فخلى سبيله؛ ثم اعتل عليه بعد فحبسه حتى مات في حبسه.
المعتضد: لا أخرج عدوي من حبسي إلا إلى قبره.
محمد بن هارون بن مخلد:
يعز علينا أن نزورك في الحبس ... ولم نستطع نفديك بالمال والنفس
فقدنا بك الأنس الطويل وعطلت ... مجالس كانت منك تأوى إلى أنس
لئن سترتك الجدر عنا فربما ... راينا جلايب السحاب على الشمس
أنشد الجاحظ لصقلات المعلم:
وكيف يرجى العقل والحزم عند من ... يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل
وأنشد:
فإن كنت قد بايعت مروان طائعاً ... فصرت إذاً بعد المشيب معلما
وفارقت قومي مؤثراً لعدوهم ... وأصبحت فيهم ذاهل العقل مفحما
آخر:
جمعت الذي لو كان يؤلم من أذى ... فيشكي لهانت عنده أم ملدم
غباوة أصحاب الحديث ونوكهم ... وبذخ المغني في جنون المعلم
رأى زهير بن نعيم رجلاً معه ابنه فقال: أهذا ابنك؟ قال: نعم؛ قال: احذر لا يراك وأنت تعصي الله فيجترى عليك.
أنشد ابن الأعرابي:
وليس بتعزيز الأمير خزاية ... على ولا عار إذا لم يكن حداً
ولا الحبس إلا ظل بيت دخلته ... ولا السوط إلا جلدة صادفت جلدا
لما تزوج شريح زينب زارتها أمها بعد سنة، فقالت له: لم يضم الرجل إلى نحره شراً من ورهاء، وإنما زينب من النساء، فإن رابك منها شيء فالسوط، فضحك ثم قال:
رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا
وكل محب يمنح الود ألفه ... ويعذره يوماً إذا هو أذنبا
الخطيم العكلي:
يقول لي السجان وهو يسوقني ... إلى السجن لا تجزع فما بك من بأس
وما البأس إلا أن يصدق كاذب ... ويترك عذري وهو أضحى من الشمس
وشيبنس أن لا تزال عظيمة ... يجيء بها غيري ويرمى بها رأسي
مروان بن أبي حفصة:
أن يحبسوني فالكريم يحبس ... إني لسامي الناظرين أشوس
مصابر حين تجيش الأنفس ... عرضي نفسي وأديمي أملس
الخولاني:
إن السياط تركن لاستك منطقاً ... كمقالة التمتام ليس بمعرب
يقال للرجل إذا سود وجهه وشهر: أخرجوه في أم محمد لأنهم يصيحون حواليه يا أم محمد أبصري نقش؛ كان من شهر في الزمن الأول اسمه محمد وقيل له ذلك فشاع. والمراد بالنقش السواد. والنجبيه: أن يجعل وجهه قبل دبر الدابة إذا حمم من الجبهة. ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من أحصن؟ قالوا: يجبه.

محمد بن صبيح بن السماك الواعظ: يا ابن آدم أنت في حبس، مذ كنت أنت في الصلب محبوس، ثم تخرج إلى الرحم فتكون محبوساً، ثم تخرج إلى السرير والقماط فتكون محبوساً، ثم تنشأ فتصير في الكتاب في حبس، ثم تكبر فتصير محبوساً فالكد على العيال، ثم تصير في القبر محبوساً، فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون أيضاً في حبس.
ابن أبي عيينة:
يتغنى القيد في رج ... ليه ألوان الغناء
باكياً لارقأت عي ... ناه من طول البكاء
كان باليمامة أعرابي وال على الماء، فإذا اختصم إليه اثنان، وأشكل عليه القضاء، حبسهما حتى يصطلحا، ويقول: دواء الليس الحبس.
حبس خالد بن عبد الله القسري الكميت بن زيد، وكانت أمرأته تختلف إليه في ثياب وهبأة، فلبس يوما ثيابها وخرج، فقال:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... على الرغم من تلك النوابح والمشلى
علي ثياب الغانيات وتحتها ... صريمة عزم أشبهت سلة النصل
كان خالد يعذبه يوسف بن عمر فمر به الفرزدق وهو منصوب للضرب فقال: طد قدميك في الأرض، وانصب جنبيك، وأعضض على أضراسك، فإنه أسهل لما يمر بدفتيك. قال ففعلت فوجدت راحة.
أقام عامل على دهقان عونين، وأمرهما بنتف سباله، فقال: لم تفعل هذا أصلحك الله؟ فقال: حتى تصحح خراجك، وخراج أهل بيتك، وخراج شركائك، فلما طال عليه رفع رأسه إلى العونين فقال: انتفا على بركة الله.
حبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه أبياتا، فوقع: لا بأس عليك؛ فكتب إليه:
أمين الله إن الحبس بأس ... وقد وقعت ليس عليك بأس
آخر:
تمنيت أن تحيا حياة هنية ... وأن لا ترى مد الزمان بلابلا
رويدك هذى الدار سجن وقلما ... يمر على المسجون يوم بلا بلا
ذاك حامل درة، وآخذ على كتاب الله أجرة. أي معلم.
كان معلم يقعد أبناء المياسير في الظل، وأبناء الفقراء في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة ابزقوا عل أهل النار.
قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك بني أصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
وقال عبد الملك للمشعبي حين أخذ بتعليم ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم اسوأ الناس رعاة، وأقلهم أدبا وعلما؛ وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة؛ واحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم تصح عقولهم، وتشد قلوبهم، وتصقل رؤوسهم؛ وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا؛ ومرهم أن يستاكوا عرضاً، ويمصوا الماء مصاً، ولا يعبوا عبا؛ فغن احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية، فيهونوا عليهم.
وقال آخر: تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك العلم في السمع، وازدحامه في الوهم، مضلة للفهم.
أبو بردة بن نيار: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لأحد أن يضرب أحدا فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله.
كلم شمعل التغلبي عبد الملك كلاما لم يرضه فرماه عبد الملك بجرز فخدش وهشم فقال شمعل:
أمن حذفه بالجزر منه تباشيرت ... عداتي فلا عار علي ولا نكر
وإن أمير المؤمنين وعتبه ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر
ضم عبد العزيز إلى ابنه صالح بن حسان، فاغضبه وصيف له، فقال: أعظك الله بكذا، ولا يكنى؛ فنفر منها صالح واشماز، فرأى ذلك عمر في وجهه فقال: لا أعود ولن يسمعها مني. فقال صالح: أرأيت لو أن رجلاً قال لعبد العزيز في مجلسه: يا عبد العزيز خذ هذه الحشفة فأدخلها في است هذا الكلب، أترى أنه قد أساء وقصر بعبد العزيز؟ فقال: سبحان الله!! ومن يقول له ذلك؟ قال صالح: فالله، والله، أحق وأحق أن يعظم ويوقر من خلقه. قال صالح: فما رأيت بعد تلك السقطة منه ما أكره، وما رأيت أحدا الله أجل في صدره من عمر.

كان لعامر بن عبد الله بن الزبير ابن لم يكن يرضى سيرته فحبسه، وقال: لا أخرجك حتى تحفظ كتاب الله؛ فأرسل إليه: يا ابت قد حفظت كتاب الله فأخرجني؛ فأرسل إليه: لا بيت خير لك من بيت جمعت فيه كتاب الله فأقم. فما أخرج إلا لجنازة عامر، ولقد دخل شابا واخرج شيخا.
اشترى طلحة بن عبد الله بن عوف مهريا بثلاثين دينارا فانقلب بالبائع إلى داره لينقد له الثمن، وقد وضع له الغداء، فقال: كل، فأبى وقال: علج لي حقي، فقال: والله لا أعطيك الثمن أو تأكل؛ فغضب وانصرف، فقيل له: هو النجاشي الحارثي، فرده فأعطاه الجمل والدنانير؛ فقال النجاشي: بأبي أنت وأمي والله ما عوتب عتيق خيل قط إلا أعتب.
لما كبر عبد الله بن جدعان أخذت بنو تيم على يده، ومنعوه أن يعطي ماله، فإذا أتاه السائل قال: أدن مني فيلطم وجهه، ثم يقول اذهب فاطلب لطمتك أو ترضى منها؛ فيطالبه الرجل بلطمته، فترضيه بنو تيم من ماله، وذلك عنى ابن الرقيات بقوله في قصيدة يذكر فهيا سادات قريش:
والذي إن أشار نحوك لطماً ... تبع اللطم نائل وعطاه
لبعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري في الحكم بن المطلب المخزومي.
خليلي إن الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذا شدت عليه مرافقه
ترى عارض المعروف في كل ليلة ... وكل ضحى يستن في السجن بارقه
إذا صاح كبلاه طفا فيض بحره ... لزواره حتى ترام غرائقه
كانت بوجه عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر شجة يستحسنها الناس، فكان النساء يخططن في وجوههن بالغالية على مثال شجة عبد الحميد.
أخذ علي رضي الله عنه رجلا من بني أسد في حد، فاجتمع قومه ليكلموا عليا، وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم، فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا؛ فدخلوا إليه، فرحب بهم، وقال لهم معروفاً، وسألوه، فقال: لا تسالوني شيئاً أملكه إلا أعطيتكم؛ فخرجوا وهم راضون، يرون أنهم قد أنجحوا؛ فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتي، وحكوا له قوله؛ فقال ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فافعلوه، فأخرجه علي فحده، ثم قال: هذا لله لست أملكه.
جاء رجل من الأنصار واضعاً خشبة على منكبه، فقال يا رسول الله أين هؤلاء الذين لم يصدقوا ربهم حتى حلف لهم، قال: فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون؛ قال: ما تصنع بهم؟ قال: ضربهم بخشبتي هذه.
شهد رجل عند عمر بن عبد العزيز فقال له: ن يعرفك؟ قال: مولاي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، فسأل إبراهيم فقال: ما أعلم خصلة من خصال السوء إلا وهي فيه، إلا أنه يأخذ جلدتكم هذه فيستكمل بها خصال السوء. أراد السوط وأن يكون عريقاً.

باب
البخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس واليمن الشؤم والنكد والخيبة والفلج والرزق والحرمان ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ألا ترى أن آدم كان في الجنة في عيش رغد، فأخرج منها إلى الدنيا بالمعصية التي كانت منه.
موسى عليه السلام قال في مناجاته: يا رب لم ترزق الأحمق وتحرم العاقل؟ فقال: ليعلم العاقل أنه ليس في الرزق حيلة لمحتال.
كان أبو نافع مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تاجراً مجدوداً إذا اشترى شيئاً غلا من يومه، وإذا باعه رخص من يومه، فقيل لكل مبخوت: له بخت أبي نافع.
قسم عمر رضي الله عنه قسا، فأمر لرجل بلقحة، فاتبعها فصيلان لها، فردهما، فقال عمر: دعها، ثم تمثل بقول علقمة بن عبدة.
ومطعم الغنم يوم الغنم مطمعة ... أنى توجه والمحروم محروم
علي رضي الله عنه: عيبك مستور ما أسعدك جدك.
وعنه: شاركوا الذي قد أقبل عليه الرزق، فإنه أخلق بالغنى، وأجدر باقبال الحظ.
أبو ذر: عن النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع.
قيل لبزرجمهر: تعال فتناظر في القدر، فقال: وما أصنع بالمناظرة!! رأيت ظاهرا دل على باطن، رأيت أحمق مروزقا، وعالما محروما، فعلمت أن التدبير ليس إلى العباد.
المتقدم في الحذق متأخر في الرزق.
والمرء يرزق لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
فيلسوف: افراط العقل مضر بالجد.

ابن دريد: أوضح الدلائل على ضعف الرجل في صناعته أن يكون محظوظاً منها؛ لأنك لا تكاد تجد متناهياً في حرفته إلا وجدته متناهيا في حرفته.
قيل لأفلاطون: لم لا تجتمع الحكمة والمال قل: لعزة الكمال حكيم: استأذن العقل على الحظ فحجبه، فقال: أتحجبني وأنا خير منك؟ فقال: وأنت ما تساوي إذا لم أكن معك؟ قيراط من حظ خير من كر عقل.
أبو الشيص:
من الناس ناس لا تنام جدودهم ... وحظي ولا كفران لله نائم
حرفة الأدب أعدى من الجرب.
ابن المبارك: لو لم نزهد في الدنيا إلا لأنها في أيدي الأنذال، لكان ينبغي لنا أن نزهد فيها.
يزجمهر: وكل الله الحرمان بالعقل، والرزق بالجهل، ليعلم أن لو كان الرزق بالحيلة لكان العقل أعلم بوجوده مطلبه، والاحتيال لمكسبه.
التقي ملكان فتساءلا فقال أحدهما: أمرت بسوق حوت اشتهاه فلان اليهودي؛ وقال الاخر: أمرت باهراقة زيت اشتهاه فلان العابد.
دخل يحيى بن أكثم عل المأمون، وفيه بعض الرثاثة، فسأله عن حاله، فأنشأ يقول:
صفت الدنيا لاولاد الزنا ... ولمن يحسن ضرباً وغنا
وهي للحر مخاض كدر ... غبن الحر لعمري غبنا
فأمر له بمال ابتني به سوق يحيى ببغداد.
العتابي:
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
وإنني واجد في الناس واحدة ... الرزق والنوك مقرونان في سبب
وخصلة قل فيها من يخالفني ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
قالت أم الاسكندر في دعائها له: رزقك الله حظاً تخدمك به ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الحظوظ.
قال أبو هفان: كان مروان بن أبي الجنوب من المرزوقين بالشعر مع تخلفه فيه، أعطاه المتوكل مائتي ألف دينار من ورق وذهب وكسوة. وقدله اليمامة والبحرين وطريق مكة، واختصه بمنادمته، وكان لا يزال يكرمه ويخلع عليه.
ابن طيفور:
وما الشعر إلا السيف ينبو وحده ... حسام ويفري وهو ليس بذي حد
ولو كان بالإحسان يرزق شاعر ... لأجدى الذي يكدى وأكدى الذي يجدي
كان المعتمد على الله ابن المتوكل يقول الشعر المكسور فيكتب بالذهب، ويغني به المغنون.
علي رضي الله عنه: الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.
فلان يكالب الرزق، ويغالب القدر، وليس ينال إلا ما قدر له.
سأل عمر رضي الله عنه الصحابة: من أغبط الناس عيشاً؟ فقال أبو الدرداء: من تحت التراب، قد واجه الحساب، وأمن العقاب، واستحق الثواب؛ فقال عمر: ليجتهد البلغاء أن يزيدوا فيها حرفاً.
فلان لو غرس الشوك لأثمر العنب.
فلان يقدح زنداً شحاحاً.
غرست غروساً كننت أرجو لحاقها ... وآمل يوماً أن تطيب جناتها
فإن أثمرت لي غير ما كنت أرتجي ... فلا ذنب لي أن حنظلت نخلاتها
لو انتهى إلى عذب فرات صار أجاجاً، أو أخذ ياقوتاً في كفه زجاجاً.
سعد المطر، قال الجاحظ: قيل له ذلك لأنه كان ملقى من المطر، أي يلقى الأذى من المطر، وهو الذي يقول:
أما الثياب فلا يغررك إن غسلت ... صحو يدوم ولا شمس ولا قمر
وممن مني بذلك مولى آل سليمان، جلس على طريق الناس، وقد رجعوا من الاستمطار وقد سقوا، فقال: ليس بي إلا سرورهم بالإجابة، وما مطروا إلا لأني غسلت ثيابي اليوم، ولم أغسلها قط إلا جاء الغيم والمطر؛ فليخرجوا غدا فإن مطروا فإني ظالم.
ولو أني أردت غسل ثيابي ... في حزيران عاد يوماً مطيرا
الهيثم بن القاسم الخثعمي:
قد يرزق الأحمق المرزوق في دعة ... ويحرم الأحوذي الأرحب الباع
كذا السوام تصيب الأرض محرمة ... والأسد منزلها في غير امراع
والناس من كان ذا مال وسائمة ... مدوا إليه بأبصار وأسماع
الخنوت:
تعرى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد
ارسطو طاليس: حركة الإقبال بطيئة، وحركة الإدبار سريعة، لأن المقبل كالصاعد من مرقاة إلى مرقاة، والمدبر كالمقذوف به من علو إلى سفل.

طويس المخنث مثل في الشؤم. ولد ليلة توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطم ليلة توفي أبو بكر، وبلغ الخنث يوم قتل عمر، وتزوج يوم قتل عثمان، وولد له ليلة قتل في صبيحتها علي بن أبي طالب عليه السلام. وكان يقول: يا أهل المدينة ما دمت بن طهرانيكم فتوقعوا خروج الدجال، فإن مت فأنتم آمنون.
للبستي:
وصير طوس معقله فكانت ... عليه طوس أشأم من طويس
كان ببغداد كاتب ظريف، إلا أنه لم يستكتبه أحد إلا سلط عليه الدمار، فتحاموه تطيرا منه؛ فطلب نصر بن منصور بن بسام كاتبا فاضلا، فقيل: أصبناه لك لولا قيل، ولولا قيل، وهو مشؤوم؛ قال: لا عدوى ولا طيرة، ائتوني به، فبره واستكتبه، فما مضت أيام أن برسم نصر ومات. فقال ابن عائشة فيه:
آخر قتلاه إذا حصلوا نصر بن منصور بن بسام
وكان بالسيف يلاقيهم ... قصار يلقاهم ببرسام
ونظيره حاجب عبيد الله:
يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح
وبدأت تخدم رابعاً لتبيره ... رفقاً به فالشيخ شيخ صالح
يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح
أمر عبد الملك بن مروان بضرب عنق خارجي، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا جزائي منك. قال: كيف؟ قال: والله ما خرجت معه إلا نظرا لكن وتقربا إليك، فإني ما صحبت أحدا إلا هزم وقتل وصلب، ولكوني عليك مع غيرك خير لك من مائة ألف معك، فضحك وأطلقه.
يزيد بن محمد المهلبي:
وإذا جددت فكل شيء نافع ... وإذا حددت فكل شيء ضائر
عبد الله بن أبي الشيص:
أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حرا
ابن الحجاج:
خاطر يصفع الفرزدق في الش ... عر ونحو يصك وجه الكسائي
غير أني أصبحت أضيع في القو ... م من البدر في ليالي الشتاء
الحمدوني:
ما ازددت من أدبي حرفاً أسر به ... إلا تبدلت حرفاً تحته شوم
إن المقدم في الدنيا بصنعته ... أني توجه منها فهو محروم
المنتصر بن المتوكل:
متى ترفع الأيام من قد وضعته ... وينقاد لي دهر على جموح
أعلل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح
قطع على رجل فلقيه صديق له فقال: أحسبك جئت بخفي حنين. فقال: يا سيدي تلقاني حنين في الطريق فأخذ الخفين من رجلي وتركني حافيا.
إذا أقبل البخت باضت الدجاجة عل الوتد؛ وإذا أدبر انشق الهاون بالثمد.
أبو علي العدوي من أهل أرزن:
العقل ليس بمسعد خلقاً إذا ... ما عال حتى يسعد المقدود
وحكومة الأيام يسعد جاهل ... فيها ويشقى البارع النحرير
أيامه متبعة هواه، ولياليه قيام بما يهواه. مطعم الغنم يفلق الصخر جده.
الأعشى:
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة ينبع لأوريت نارا
رجع بحمر النعم موقرة ببيض النعم.
قطع جعفر بن سليمان رزق إبراهيم بن هرمز البصري، فكتب إليه:
إن الذي شق فمي ضامن ... للرزق حتى يتوفاني
حرمتني خيراً قليلاً فماذا ... زادك في مالك حرماني
حكيم: أسعد الناس من كان القضاء له مساعدا، وكان لمساعدته إياه أهلا.
كعب بن جعيل:
زكنت كمرتاد بمنقاره الثرى ... فصادف عين الماء إذ يترسم
آخر:
وثنيت آمالي على أدراجها ... وصرفت خائبة وجوه رجائي
ورجعت عنك بما يعود بمثله ... راجي السراب بقفرة بيداء
رجعت آمالهم خاسئة عل أذنابهم، ناكصة على أعقابها.
كتب أبو مسلم إلى ابراهيم الإمام بهرب نصر بن سيار فتمثل يقول خداش بن زهير:
وما برحت بكر تثوب وتدعى ... ويلحق منهم أولون وآخر
لدن غدوة حتى أتى الليل وانجلت ... عماية يوم شره متظاهر
وما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضت سليم وعامر
وكانت قريش يفلق الصخر جدها ... إذا أوهن الناس الجدود العواثر

كانت لكثير بن الصلت القرشي دار بالمدينة، ما كانت دار تساويها، فطلبها معاوية، فقال ما إلى بيعها سبيل وفيها مائة مخمرة. فحرمه معاوية عطاءه، وكانت له عليه مائة ألف، فكتب إلى مروان أن طياله بها، فضاق عليه الأمر، فكتب إلى معاوية يستعطفه، وصار إلى سعيد بن العاص يستعينه على الدين؛ فأصبح ذات يوم وقد ورد عليه كتاب معاوية بالأفراج عنه وبمائة ألف لعطائه، وحملت إليه من دار سعيد مائتا ألف، فأحاط به الفلاح من كل وجه؛ وضرب المثل بغداة كثير، فقيل لقيته غداة كثير.
العباس بن ريطة الرعلي:
وأهلكني أن لا يزال يكيدني ... أخو حنق في القوم حران ثائر
وذلك ما جرت علينا رماحنا ... وكل امرئ يوماً به الجد عاثر
آخر:
يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه
آخر:
كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمي فيحرزه من ليس بالرامي
آخر:
إن الأمور إذا دنت لزوالها ... فعلامة الإدبار فيها تظهر
آخر:
وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنها الأقدار تعطى وتحرم
آخر:
إذا كبا بالفتى زمان ... لم يغن حزم ولا حذار
آخر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده
الحسين: وكل الله الحرمان بالعقل، ووكل الرزق بالجهل، ليعتبر العاقل فيعلم أن الرزق ليس بالعقل.

باب
تبدل الأحوال واختلافها وتبدل الدول وانقلابها ووقوع الفتن والنوائب وعزل الولاة وسوء عواقبهم ونحو ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكون عليكم أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأعوان خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة، سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيفة، أهواؤهم مختلفة، يفتح الله عليه فتنة غبراء مظلمة، فيتهوكون فيها كما تهوكت اليهود، فو الذي نفسي بيده لينتقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال لا إله إلا الله.
علي رضي الله عنه في صفة فتنة: تكيلكم بصاعها، وتخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملة، قائم على الضلة، فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر، أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن منكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب.
وعنه: إذا غضب الله على أمة غلت أسعارها، ولم تربج تجارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغرز أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وغلبها شرارها.
اختلف في مفتاح الفتن، فقيل: مقتل عثمان، وقيل مقتل الحسين، في مجلس الوزير عبيد الله بن سليمان، فحكم الحسن بن علي الكاتب فقال: الأمر في ذلك أقرب متناولاً من أن يقع لأحد فيه شك، أنظروا أشدهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأشد على المسلمين. فقال الوزير: لله درك من صادع بالحق، حاكم بالعدل.
بعضهم: بينا هذه الدنيا ترضع بدرتها، وتصرح عن زبدتها، وتلحف فضل جناحها، وثغر بركود رياحها، إذ عطفت عطف الضوس، وضرحت ضرح الشموس، وأراقت ما حلبت من النعيم؛ فالفائز من لم يغر بنكاحها، واستعد لو شك طلاقها.
الشعبي: لا تذهب الدنيا حتى يصير العلم جهلاً، والجهل علما.
سديف في خطبة: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وامامتنا غلبة يعد المشورة، وعهدنا ميراثا بعد الاختبار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛ اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهيته، وحرف وليده، وساتكحع طريده، وضرب بجرانه؛ اللهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره.
أهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي:
لعمر أبيك فلا تجزعي ... لقد ذهب الخير إلا قليلاً
وقد فتن الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شراً طويلا
أبو العتاهية:
يعمر بيت بخراب بيت ... يعيش حي بتراث ميت
كان معاوية يقول: معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان لم يأت.

عن شيخ من همدان: بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع بهدايا فمكثت حولاً لا أصل إليه، ثم أشرف اشرافة من كوة له فخر من حول القصر سجداً. ثم رأيته بعد، وقد هاجر إلى حمص، يشتري اللحم، بدرهم، ويسمطه خلف دابته. وهو القائل:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها في عناء وأذى
إن صفا عيش امرئ في صحبها ... جرعته ممسيا كأس القذى
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشاً قيل ذا
كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فاشتد على الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام: إن حقا على الله أن لا يرفع شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه.
أنس: ما من يوم والليلة، ولا شهر ولا سنة، إلا والذي قبله خير منه؛ سمعت ذلك من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
يونس بن ميسرة: لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه، ولا تولى عنا زمان إلا بكينا عليه. ومنه قوله:
رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه
ونحوه قول المشرك المصري:
أبكي إلى لقياهما حتى إذا ... دنوا إلي بكيت من لقياهما
أبو العتاهية:
يا صاحب الدنيا المحب لها ... أنت الذي ما ينقضي تعبه
أن ساتهانتها بمن صرعت ... لبقدر ما تعلو به رتبه
عبد الله بن خنيق الأنطاكي: ما بقي على وجه الأرض مستوحش منه، أولهم أنا.
مر أبو سفيان بعد إسلامه باحد، فقيل له: أي يوم لك هاهنا!! فقال: والآن لو وجدت رجالاً.
إذا كان آخر الزمان قام القريع بصفع البابغان: وجد في صندوق عبد الله بن الزبير صحيفة فيها مكتوب: إذا كان الحديث خلفاً، والمقيت ألفاً، وكان الولد غيظاً، والشتاء غيضاً وغاض الكرام غيضاً، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفر، في جبل قفر، خير من ملك بني النضر.
إسماعيل بن عمار الأسدي:
بكت دار بشر شجوها إذ تبدلت ... هلال بن مرزوق ببشر بن غالب
وما هي إلا كالعروس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
نصر بن يسار حين جاشت خراسان بالمسودة:
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الشر مبدؤه كلام
وقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام
بعض العلوية:
أرى ناراً تشب بكل واد ... لها في كل ناحية شعاع
وقد نامت بنو العباس عنها ... وباتت وهي آمنة رتاع
كما رقدت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس بها دفاع
كتب مفلس على فص خاتمه: اصبر فالدهر دول.
سقراط: إذا رأت العامة منازل الخاصة حسدتها، وتمنت أمثالها؛ فإذا رأت مصارعها بدا لها، واغتبطت بحالها.
وإنما الدنيا دول كراحل فيها نزل أو نازل قيل رحل قيل لابن الجهم بعدما صودر: أما تفكر في زوال نعمتك؟ قال: لا بد من الزوال، فلأن تزول نعمتي وأبقى خير من أن أزول وتبقى.
أنشد السيرافي لابن الأعرابي:
عن الأيام عد فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي
علي رضي الله عنه: ما قال الناس لشيء طوبى، إلا وقد خبأ الدهر له يوم سوء.
من كلام الجاهلية الأولى: كل مقيم شاخص، وكل زائد ناقص.
ابن المعتز: تذل الأشياء للتقدير، حتى يصير الهلاك في التدبير.
عقدوا ألوية الفتنة، واطلقوا عقال البدعة.
بشار بن برد: لقد كنت في زمان، وأدركت أقواماً لو احتفلت الدنيا ما تحملت إلا بهم، وإني لفي زمان ما أرى عاقلاً حصيفا، ولا فاتكا طريفا، ولاناسكا عفيفا، ولا جواداً شريفا، ولا خادماً نظيفا، ولا جليسا خفيفا ولا من يساوي على الخبرة رغيفا.
العباس بن عبد المطلب:
إذا مجلس الأنصار خف بأهله ... وحلت بواديهم غفار وأسلم
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولاالدار بالدار التي كنت تعلم
حماد الرواية شاهدنا في هذا المسجد، يعني مسجد الكوفة، قوماً كانوا إذا خلعوا الحذا وعقدوا الحبى، وناشوا أطراف الحديث، أخبروا السامع وأخرسوا الناطق.

كتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان في نكبته: قد علمت أطال الله بقاك أن الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأن اللئيم يزيد من النعمة لؤما، لا يزيد المحنة الكريم إلا كرما، هذا متكل على رازقه، وذا يسيء الظن بخالقه.
كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر: فإني ما اذكر فتنة صفين إلا كانت حزازة في صدري. فكتب إليه خفض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقاً لا يرفعه عمل، ولا يضعه عزل.
وروي أنه كتب إليه: أنظر رجلاً يصلح لثغر الهند فوله. فكتب زياد: أن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة، فكتب معاوية: بأي يومي الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة، فكتب معاوية: بأي يومي الأحنف بن قيس نكافيه، أبخذلان أم المؤمنين، أم بسعيه علينا يوم صفين؟ فوجه سنانا. فكتب إليه: أن الأحنف قد بلغ من الشرف ومن الحلم والسؤدد ما لا ترفعه الولاية ولا يضعه العزل.
أنشد هشام بن عروة لزيد بن عمرو بن نفيل:
إذا كان لخطاء أقل ضراً ... وأنفع في الخطوب من الصواب
وكان النوك يلحق بالثريا ... وكان العقل يدفن في التراب
وعطلت المكارم والمعالي ... وأغلق دون ذلك كل باب
وأقصى كل ذي حسب ودين ... وقرب كل مهتوك الحجاب
وولي بعضهم حرباً وخرجاً ... وولي بعضهم فصل الخطاب
فما أحد أظن بما لديه ... من المتحرج المحض اللباب
مطرف: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك، ولين رياسهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم.
شيخ منؤبني تميم: ما أسرع انتقالهم وما هم فيه، ثم بكى وقال: إن عمرا قصيرا يستوجب صاحبه النار مشؤوم على صاحبه.
مر بعضهم على قصر خرب فقال: ذهبت أعمارهم، وبقيت أعمالهم.
لما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد، ونزل في داره، وقعد على فرشه، دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت: يا عامر إن دهراً أنزل مروان عن فرشه، وأقعدك عليها، لمبلغ في عظتك أن عقلت.
مالك بن دينار: مررت على قصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:
ألا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يذهب بساكنك الزمان
ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب، وثم عجوز فقالت: يا عبد الله قد والله دخلها الحزن، وذهب بأهلها الزمان.
أبو العتاهية:
لئن كنت بالدنيا بصيراً فإنما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
عبد الملك بن عمير: رأيت رأس الحسين عليه السلام بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة، ثم رأس ابن زياد بين يدي المختار، ثم رأسه بين يدي مصعب، ثم رأسه بين يدي عبد الملك. قال سفيان: فقلت له: كم كان بين أول الرؤوس وآخرها؟ قال: ثنتا عشرة سنة.
كان للنعمان بن المنذر بن ماء السماء وهو النعمان الأصغر الذي قتله أبرويز تحت أرجل الفيلة قبل مبعث الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وولى مكانه إياس بن قبيصة بنتان قد ترهبتا: هند صاحبة دير هند بنته بظاهر الكوفة، والحرقة؛ وحين فتح خالد ابن الوليد عين التمر، سأل عن الحرقة، فأتاها وسألها عن حالها فقالت: لقد طلعت علينا الشمس وما من شيء يدب حول الخورنق إلا تحت أيدينا، ثم غربت وقد رحمنا كل من يدور به، وما من بيت دخلته حبرة إلادخلته عبرة؛ وأنشأت تقول:
بينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن منهم سوقه نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تيارات بنا وتصرف
وأتت سعد بن أبي وقاص في جوار لها في مثل زيها، فقال: سعد قاتل الله عدي بن زيد كأنه ينظر إليها حيث يقول:
إن للدهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا
قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمناً مسروراً
ثم أكرمها وأحسن جائزتها؛ فلما قامت قالت: أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضا: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولانزع عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سببا لردها عليه، فلقيها النساء وقلن: ما فعل بك الأمير؟ فقالت:
حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريما

دخل أبو الأملاك رضي الله عنه على أبي الذبان في يوم قر، وهو على فرش كاد يغيب فيها، فقال يا ابن عباس إني لأحسب اليوم أصبح باردا، قال: أجل وإن ابن هند عاش في مثل ما ترى أربعين سنة، عشرين أميرا وعشرين خليفة، ثم هو ذاك على قبره ثمامة نابته.
قال الأصمعي: بلغني ان عبد الملك بن مروان ومحمد بن جبير ابن معطم مرا بقبر معاوية، فإذا عليه ثمامة تهتز.
كان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره عل دجلة ينظر، فإذا هو بحشيش على وجه الماء، في وسطه قصبة على رأسها رفعة، فدعا بها فإذا فيها:
تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
فما انتفع بنفسه مدة.
نبغ بعد الخمول، ونجم بعد الأفول، فاستطار سناه ثم خبا، ونهض به القضاء ثم كبا.
الخثعمي:
خنازير ناموا عن المكرمات ... فنبههم قدر لم ينم
فيا قبحهم عندما خولوا ... ويا حسنهم في زوال النعم
لا تكن ممن يحسن ما نقصت قدرته فإذا قدر قصر، ويحمل ما انقبضت يده فإذا انبسطت تغير.
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
الدهر إذا أتى سجواء سجسج تعقبها بنكباء زعزع.
وكذلك شرب العيش فيه تلون ... بيناه عذب إذ تحول آجنا
يحيى بن خالد: أعطانا الدهر فأسرف، ثم عطف علينا فقصف.
فيا لنعيم ساعدتنا صدوره ... وخاست بنا اكفاله والروادف
استبدل من الطيب خبيثاً، واستعاض من التذكير تأنيثا.
تكدر من مناهله ما صفا، وتقلص من حواشيه ما ضفا.
أزل ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع
بعضهم: رأيت إبراهيم بن المهدي في هذه الدار، يعني في دار الخلافة، في خمس طبقات: رأيته في أيام الرشيد والمأمون في طبقة الخلطاء، رأيته خليفة، ثم رأيته في مرتبة العامة، ثم رأيته في مرتبة الندماء، ثم رأيته في أيام المعتصم في مشايخ بني هاشم.
أنشد اسحق الموصلي إبراهيم بن المهدي حين حبس:
هي المقادير تجري في أعتنها ... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السماك ويوما تخفض العالي
فما أمسى حتى وردت عليه الخلع من المأمون ورضي عنه.
إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير.
الراضي بالله: عند تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال.
زمام العافية بيد البلاء، ورأس السلامة تحت جناح العطب.
كان طاووس رحمه الله إذا قدم مكة نزل بصديق له، فقال ذات يوم: يا أبا عبد الرحمن، إن الدنيا أقبلت علينا حتى لو اشترينا ترابا لربحنا فيه، ولو أن البيضة سقطت من السطح لم تنكسر؛ فقطع النزول به. فأتاه الرجل بعد ذلك فقال: أن الدنيا قد أدبرت عنا؛ فنزل به فسأل الرجل، فقال: أني رأيت الله قد أدبر عنكم فأدبرت. ثم رأيت الله قد أقبل عليكم فأقبلت.
نحن في زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب، فإذا ذكرنا الأحياء ماتت.
عبيد الله بن الحر:
تبيت النشاوى من أمية نوماً ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما ضيع الإسلام إلاقبيلة ... تأمر نوكاها ودام نعيمها
وأضحت قناة الدين في كف ظالم ... إذا أعوج منها جانب لا يقيمها
ابن الرقاع:
زالت قضاعة عنها بعدما سكنت ... بها سنين فصارت أهلها مضر
آخر:
كانت على سالف الأيام مقبلة ... يحلها من سراة الناس خيار
فأدبرت منذ صار العلج يسكنها ... وللمنازل اقبال وادبار
من عجائب نوائب الدنيا قطع يد أبي علي ابن مقلة، ثم قطع لسانه، ثم مراسلته القاطع وهو الراضي بالله بعد ذلك في أن يستوزره، واطماعه في تصحيح المال الذي قطع بسببه، وإظهاره للأقتدار على الكتبة بحيلة يحتالها بيمينه أو بيساره.

ومن عجائب اتفاقاته أنه قلد الوزارة ثلاث دفعات، لثلاثة من الخلفاء: المقتدر والقاهر والراضي؛ وسافر في عمره ثلاث سفرات: اثنين إلى شيراز، وواحدة إلى الموصل؛ ودفن ثلاث مرات: دفن في دار السلطان، ثم سأل أهله تسليمه إليهم فنبش، ودفنه ابنه أبو الحسين في داره، ثم نبشته جهته المعروفة بالدينارية، فدفنته في دارها بقصر أم حبيب. ويروى له:
بعت ديني لهم بدنياي حتى ... حرموني دنياهم بعد ديني
ليس بعد اليمين لذة عيش ... يا حياتي بانت يميني فبيني
عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن عمل وقلده جعفرا؛ فكتب يحيى إلى الفضل: قد رأى أمير المؤمنين أن تحول الخاتم من شمالك أبى يمنيك فأجاب الفضل: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة، وما انتقلت عني نعمة صارت إلى أخي.
كتب عامل إلى المصروف به: قد قلدت العمل بناحيتك فهنأك الله تجدد ولايتك، وأنفذت خليفتي بخلافتك، فلا تحله من هدايتك، إلى أن يمن الله بزيارتك. فأجابه: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك، وإني لأجد صرفي ولاية ثانية، وصلة من الوزير وافية، لما أرجو لمكانك من حسن الخاتمة، ومحمود العاقبة، والسلام.
إبراهيم بن عيسى الكاتب في إبراهيم بن المدبر:
لتهن أبا اسحق اسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل
شهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل
الدورقي:
لا بد يا نفس من سجود ... في زمن السوء للقرود
هبت لك الريح يا ابن وهب ... فخذ لها أهبة الركود
أدخل عمرو بن الليث إلى بغداد على فالج كان أهداه إلى المعتضد فقال أبو علي بن الفهم:
ألم تر هذا الدهر كيف صروفه ... تكون يسيراً مرة وعسيراً
وحسبك بالصفار نيلا وعزة ... يروح ويغدو للجيوش أميرا
حباهم بأجمال ولم يدر أنه ... على جمل منها يقاد أسيرا
حطمة بن قندش الطائي يرثى أخاه:
وكان زئير الأسد لا يستفزني ... فلما مضى بصبصت عند النوائح
علي رضي الله عنه: وأيم الله ما كان قوم قط في خفض من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترموها، لأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد؛ ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتازول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد.
وعنه: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروي على ولدها، وتلا قوله تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
محمد بن سليمان الجرمي في زوال أمر محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر:
من كان يدري أن مثل محمد ... يغتاله ريب الزمان الأنكد
وهو الفتى لولاه ما افترع الندىعذر المكارم والعلى والسؤود
نفر الطائي:
ألا قالت بهيسة ما لنفر ... أراه غيرت منه الدهور
وأنت كذاك قد غيرت بعدي ... وكنت كأنك الشعري العبور
هانئ بن مسعود الذهلي:
إن كسرى عدا على الملك النعما ... ن حتى سقاه أم الرقوب
كل ملك وإن تصعد يوماً ... بأناس يعود للتصويب
المشرك المصري في بني الأطروش الماذرايئين:
أما تراهم وقد حطوا براذعهم ... عن أتنهم واستبدوا بالبراذين
وعرجوا عن مشارات البقول إلى ... دور الملوك وأبواب السلاطين

علي رضي الله عنه: قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا أدبارا، والشر إلا اقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلا طعما؛ فهذا أوان قويت عدته، وعمت مكيدته، وأمكنت فريسته؛ اضرب بطرفك حيث شئت فهل تنظر إلا فقيراً يكابد فقرا، أو غنيا بدل نعمة الله كفران أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا، أو متمردا كأن بسمعه عن سمع الواعظين وفرا، أين خياركم وصلحاؤكم، وأين أحراركم وسمحاؤكم، وأين المتورعون في مكاسبهم، والمتنزعون في مذاهبهم؟ أليس قد ظعنوا جميعاً عن هذه الدنيا الدنية، والعاجلة المنغصة، وهل خلفتم إلا في حثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان، استصغار لقدرهم، وذهابا عن ذكرهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ ظهر الفساد فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر، أفلهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعز أوليائه عنده، هيهات لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته.
الحرث بن عبد الله بن الحشرج الجعدي في زمن أبي مسلم:
أبيت أرعى لنجوم مرتفقاً ... إذا استقلت تجرى أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة ... قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن ... بالشام كل شجاه شاغلها
فالناس في كربة تكاد لها ... تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في ظل مبهمة ... عمياء تغتالهم غوائلها
أحيحة بن الجلاح الأوسي:
وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري إذا القحت شولا ... أتلقح بعد ذلك أم تحيل
ألقح فلان وأحال: إذا لقحت إبله وحالت.
وما تدري إذاأجمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل
عزل احمد بن الخصيب، فقال بغا: أبطرته النعمة، فعالجته النقمة. وقال الحسن بن مخلد: لئن دخل مدخلا لا يشبهه، لقد خرج مخرجا يشبهه. وقال إبراهيم بن حمدون: طالت السفالة في دولته، وطلعت المروءة بزولته.
كان يعقوب بن داود، وزير المهدي؛ من أكرم الناس وأعفهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأكثرهم خيرا، فأزال نعمته بانجاء علوي من قتله، وألقاه في بئر، وبنى عليها قبة فبقي فيها خمس عشرة سنة، أيام خلافته وخلافة الهادي وصدرا من خلافة الرشيد، حتى أخرجه الله بحرمة قذفها في قلب الرشيد؛ وكان السبب فيه انه حمل ذات ليلة بنية له على عاتقه، فتذكر حمل يعقوب إياه على عاتقه في صباه، فرق له، ورمى إليه بخاتم الوزارة فأباها، واستأذنه في المجاورة، فأذن له، فمات بمكة رحمه الله.
كشاجم:
يا معرضاً عني بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبله
هل بعد حالك خذه من حالة ... أو غاية إلا انحاط المنزلة
آخر:
من لم يذق غير الزمان وصرفه ... فليمس معتبراً بهذا البائس
هذا ربيعة فاعرفوه باسمه ... كان الأمير فصار كلب الحارس
كلب الحارس مثل في ساقط ينتمي إلى ساقط.
لا تقوم الولاية بذل العزل.
ابن المعتز:
وذل العزل يضحك كل يوم ... وينعر في قفا الوالي المدل
ألقى الدهر عليهم الكلكل، وشرب وأكل. اللئيم إذا ولي اهتبل، وإذا عزل ابتهل عادت سهول أموره حزونا، وذلول عيشه حرونا.
وقع الصاحب على رقعة عامل: إذا احتجنا إليك صرفناك، وإلا صرفناك.
أبو بكر الخوارزمي في معزول: الحمد لله الذي ابتلى في الصغير، وهو المال، وعافى في الكبير، وهو الجمال.
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عاراً أن يزول التجمل
والمال حظ ينقص ثم يزيد، وظل ينحسر ثم يعود. وفلان المولى يوم يعزل، والمصون ساعة يبتذل، والكبير بنفسه وإن انفرد عن غيره، والمستأنس بفضله وأن استوحش من دهره.
أن الأمير هو الذي ... يضحى أميراً يوم عزله
أن زال سلطان الولا ... ية فهو في سلطان فضله
آخر:
الدهر ذوجول المرء ذو حيل ... فافزع الى جبل او فانتظر حولا
آخر:
ما من مسيء وإن طالت اساءته ... إلا ستكفيه يوما ما مساعيه
كتبت خظية إبراهيم بن المهدي إليه في الحبس، تستأذنه في يرطلة الموكلين به، حتى تصل إليه، فكتب إليها:
إذا أنت أزمعت الرواح فقل لها ... قد انقطعت عني وعنك المزاير

أرادت رجوع اللهو بعد انصرافه ... ولم تدر ماذا أحدثته المقادر
فإن أعص ريعان الشباب فربما ... أطعت إليه الجهل والحلم وافر
يغر الفتى مر الليالي سليمة ... وهن به عما قليل عوائر
فأخذت الرقعة، وأوصلت إلى المأمون، فبكى وأمر بتسهيل إذنها عليه.
لما زفت بنت عبد الله بن جعفر على الحجاج نظر إليها، وعبرتها تجري على خديها، فقال: مم بأبي وأمي؟ قالت: من شرف اتضع، وضعة شرفت.
قال عبيد بن شرية، وقد أتى عليه مائتان وعشرين سنة، وقد سأله معاوية عما رأى من القرون: أدركت الناس يقولون: ذهب الناس.
سوار بن الأسعر في وكيع بن أبي سود حين قتل قتيبة بن مسلم:
فإن نلت خيراً أو أصبت إمارة ... إلى بعض شهراً ويكون إلى شهر
فسقت وكم من فاسق قد رأيته ... أصاب ثراء ثم عاد إلى فقر
شعية بن غريض اليهودي:
إن امرء من الحوادث وارتجى ... طول الحياة كضارب بقداح
إن أمس قد سدت على مذاهبي ... أو أمس قد جمدت على لقاحي
فلقد أجر الخصم يخشى درؤه ... وأرد حد جماحه بجماحي
نابغة بني شيبان عبد الله بن المخارق:
ما من أناس وأن عزوا وأن كثروا ... إلا يشد عليهم شدة الذيب
حتى يصيب على عمد خيارهم ... بالنافذات من النبل المصايب
إني رأيت سهام الموت صائبة ... لكل حتف من الآجال مكتوب
من يلق بؤسا يصبه بعده فرج ... والناس بين أخي روح ومكروب
عبد الله بن عروة بن الزبير:
ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... هشوا إلي ورحبوا بالمقبل
وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهاوشت بالمنزل
عبد الوهاب الشلمغاني:
فأحسن إن وليت بلا اساة ... فقد ناداك بالنصح الأديب
وإن الدهر ليس بذي وفاء ... وفي عطفاته العجب العجيب
عاصم الهلالي:
أضحت بجلية من فوقي مسلطة ... خطب جليل لعمري شأنه عجب
يا ليتني مت لم تظفر بجلية بي ... كذلك الدهر بالإنسان ينقلب
محمد بن عتاب الكاتب في جعفر بن محمود لما صرف عن وزارة المعتز:
في غير حفظ الله يا جعفر ... زلت فزاال الشر والمكر
كنت كثوب زانه طيه ... حيناً فأبدى عيبه النشر
ذلك العزل يضحك من تيه الولاية. نسخ فلان بفلان: إذا ولى مكانه.
الفرزدق:
بكت المنابر من فزارة شجوها ... فاليوم من قسر تضج وتجزع
وبنو أمية أضرعونا للعدا ... لله در ملوكنا ما تصنع
قالهما حين عزل عمر بن خبيرة بخالد بن عبد الله القسري.
منصور الفقيه:
قل لمصر إذا ترح ... لت عنها مودعا
يا حمى ما خطا به الل ... يث إلا مروعا
قل لنا ما الذي أعا ... دك للذئب مرتعا
أهلاك الحماة أم عج ... زهم أم هما معا
ركب الأصمعي حمارا دميما، فقيل له: أبعد براذين الخلفاء تركب هذا؟ فقال متمثلاً:
ولما أبت إلا أطرافا بودها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا
شربنا برنق من هواها مكدر ... وكيف يعاف الرنق من كان صاديا
آخر:
أرى فتنة هاجت وباضت وفرخت ... ولو تركت طارت إليك فراخها
كثير:
فما ورق الدنيا بباق لأهله ... ولا شدة البلوى بضربة لازم
آخر:
رب قوم غبروا من عيشهم ... في سرور ونعيم وغدق
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق
أعرابي: هنا غناء لولا أنه فناء، وعلاء لولا أنه بلاء، وبقاء لولا أنه شقاء.
قد يكدي الجاد ويكل الحاد.
محمد بن يحيى الأسدي:
وآمن نكبات الدهر قلت له ... وأجهل الناس بالأيام آمنها
لا تغفلن ورحى الأيام دائرة ... فكم ترى غافلاً دقت طواحنها
ولى المتوكل حمدون بن إسماعيل موضع الزئبق وهو الشيز من ارض أذربيجان فقال:
ولاية الشيز عزل ... والعزل عنها ولاية

فولني العزل عنها ... إن كنت بي ذا عناية
دخل سعيد بن خالد بن أسيد على سليمان بن عبد الملك، وكان جوادا، إن لم يجد شيئاً كتب على نفسه صكا حتى يوسر، فتمثل له سليمان:
إني سمعت مع الصباح منادياً ... يا من يعين على الفتى المعوان
ثم قال حاجتك؟ قال: ديني؛ قال: كم هو؟ قال ثلاثون ألف دينار؛ قال: لك دينك ومثلاه وعشرة آلاف، فأمر له بمائة ألف دينار. فلما ولى هشام أتى بنو سعيد هشاما فقالوا: أن أبانا قد تركنا وما في قريش أحوج منا، فحجر عليه وأجرى عليه في كل يوم شاة، فقال: ويلكم زيدوني أبلغكم أني بازي.
عدي بن زيد العبادي:
أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرا الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون أخلدن أم من ... ذا عليه من أن بضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور
أم بنو الأصفر الكرام ملوك الأر ... ض لم يبق منه مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجل ... ة تجي إليه والخابور
شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد الس ... ملك عنه فبابه مهجور
وتبين رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غبط ... ة حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والأم ... سة وارتهم هناك القبور
ثم اضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور
أثنى رجل على مصعب بين يدي عبد الملك فقال: هو كما قلت:
ولكنه رام التي لا ينالها ... من القوم إلا كل خرق معمم
أراد أموراً لم يردها إله ... فخر صريعاً لليدين وللفم
ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة، فأحسن السيرة ثم عزل، فاجتمع إليه اهلها فاستعبر وقال: أيكم ينشدني قول دراح الضبي:
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفني ... ولكنني من خشية الموت أجزع
بلى أن قومي قد أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا التي كنت أمنع
أم والله ما بكائي جزعا من العزل، ولا أسفا على الولاية، ولكني أخاف أن يلي هذه الوجوه من لا يعرف لها حقها.
كتب الأمين إلى طاهر: من عبد الله محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين، سلام عليك، أما بعد فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلى هتك الستور، وكشف الحرم، ولست آمن ان يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد، لشتات الفتنا، واختلاف كلمتنا، وقد رضيت أن تكتب لي امانا لأخرج إلى أخي، فإن تفضل علي فأهل لذاك وإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، ولئن يفترسني السبع أحب إلي من أن ينجني الكلاب.
قلما قرأه قال: الآن حين افخرم عنه مراقه وفساقه، وبقي مخذولا مفلولا يلوذ بالأمان!! لا والله أو يجعل في عنقه ساجورا يقول: قد نزلت على حكمك.
للأمين:
يا نفس قد حق الحذر ... أين الفرار من القدر
كل امرئ مما يخا ... ف ويرتجيه على خطر
من يرتشف صفو الزما ... ن يغص يوما بالكدر
/باب

الجزاء والمكافأة
وما ناسب ذلك من ذكر العوض والخلف ونحوه قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام يخدمهم، فقيل: يا رسول الله لو تركتنا كفيناك، قال: هكذا كانوا يصنعون بأصحابي.
ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: قام عيسى عليه السلام في بني إسرائيل فقال: يا بني اسرائيل لا تظلموا، ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم عند ربكم.

وقف سائل عند علي رضي الله عنه فقال لأحد ولديه: قل لأمك هاتي درهما من ستة دراهم؛ فقالت: هي للدقيق؛ فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون ما في يد الله أوثق مما في يده؛ فتصدق بالستة. ثم مر به رجل يبيع جملا، فاشتراه بمائة وأربعين، وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة، فقالت ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان أبيك من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
عبد الوهاب بن الصباح الكاتب المدائني:
ولولا النهى لاحت بأعناق معشر ... مياسم ينثى عارها في المواسم
وبعض انتقام المرء يزرى بعرضه ... وأن لم يقع إلا بأهل الجرائم
وما كل ذي قرض يجازى بمثله ... ألا إنما تجزى قروض الأكارم
وذكر ذنوب الوغد ترفع قدره ... وأن عبثت أطرافه بالمظالم
وله:
وكم معتد طاشت سفاهة رأيه ... به فنزا في البغي بعد حران
وكلت إلى ريب الزمان جزاءه ... وأكرمت عنه صولتي فجزاني
الأوزاعي: جاءه جار له، فقال: هذا عيد وما عندنا شيء، فقال لامرأته: أعطيه ما معك؛ فقالت: معي نيف وعشرون درهما فأشاطره؛ فقال أعطيه كلها عسى الله أن يبعث بخير منها. فإذا رجل يدق الباب، فأذن له، فقال: أني كنت عبداً لأبيك أبتعت فأكتسبت هذه الدنانير وهي نيف وعشرون ديناراً؛ فقال: أنت حر. ثم قال لامرأته: كيف رأيت صنع الله، أعطى بكل درهم ديناراً وأعتق نسمة.
يزيد بن خالد بن عروة بن الورد العبسي:
وكان أخي إذا ما عز مال ... وكنت عياله دون العيال
فما لي لا أجازيه بوفري ... لنسل أصبحوا في قل مال
حاجب بن زرارة:
ومثلي إذا لم يجز أحسن سعيه ... تكلم نعماه بفيها فتنطق
نظيره ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
علي رضي الله عنه: عاقب أخاك بالاحسان إليه، وأردد شره بالأنعام عليه.
وعنه: أزجر المسيء بثواب المحسن.
وعنه: من لم يعط باليد القصيرة لم يعط باليد الطويلة.
الشافعي رحمه الله تعالى اجتاز بمصر في الحذائين. فسقط سوطه، فقام إنسان فأخذ سوطه فمسحه فناوله؛ فقال لغلامه: كم معك؟ قال: عشرة دنانير؛ قال: أعطه، وأعتذر إليه.
محمد بن الحصين الهباري:
ثكلتني التي تؤمل أدرا ... ك العلا بي وعاجلتني المنون
أن تولى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السيوف الجفون
علي رضي الله عنه: رد الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه ألا الشر.
قدم زياد على معاوية بهدايا فيها سقط جوهر، فأعجب به معاوية، فقال زياد: دوخت لك العراق، جبيت لك برها، ووجهت إليك بحرها؛ فقال يزيد: أن تفعل ذلك يا زياد فأنا نقلناك من ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن عبيد إلى حرب بن أمية. فقال معاوية: حسبك فداك أبوك.
استنشد عبد الملك عامراً الشعبي، فأنشده لغير شاعر حتى أنشده لحسان:
من سره شرف الحياة فلا يزل ... في عصبة من صالحي الأنصار
البائعين نفوسهم لنبيهم ... بالمشرفي وبالقنا الخطار
الناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الأبصار
فقام أنصاري: يا أمير المؤمنين استوجب عامر الصلة قبل المسألة، له علي ستون من الأبل، كما أعطينا حسان يوم قالها؛ فقال عبد الملك: وله علي ستون ألفا وستون من الابل.
قيل لبرزجهر: أي شيء نلته أنت به أشد سروراً؟ قال: قوتي على مكافأة من أحسن إلي.
وسئل الأسنكدر: عن أفضل ما سره من مملكته؛ فقال: اقتداري على أن أكثر الأحسان إلى من ثبتت إلي منه حسنة.
أسر زفر بن الحرث النفيلي القطامي التغلبي، فمن عليه وأطلقه، فمدحه بقصيدتيه الدالية والعينية اللتين هما غرة شعره؛ وفي أحداهما، وهي الدالية:
من مبلغ زفر القيسي مدحته ... عن القطامي قولاً غير أفناد
فإن قدرت على يوم جزيت به ... والله يجعل أقواما بمرصاد
فقال زفر: لا أقدرك الله على ذلك اليوم، وقال في الأخرى: وهي العينية:
فلم أر منعمين أقل مناً ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا
من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلا اتساعا

أمر أنو شروان أن يكتب على ناووسه حين أحتضر: ما قدمناه من خير فعند من لا يبخس الثواب، وما كسبناه من شر فعند من لا يعجز عن العقاب.
عبد الرحمن بن سعيد بن يزيد بن عمرو بن نفيل:
أن تقتلونا يوم حرة وأقم ... فنحن على الاسلام أول من قتل
ونحن قتلناكم ببدر أذلة ... وأبنا بأسلاب لنا منكم نفل
فإن ينج منا عائذ البيت سالماً ... فما نالنا منكم وأن شفنا جلل
علي رضي الله عنه: ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه، وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، وكل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
وعنه: أحسنوا في عقب غيركم تحفظوا في عقبكم.
الطرماح:
أسرناهم وأنعمنا عليهم ... واسقينا دماءهم الترابا
فما صبروا لبأس عند حرب ... ولا أدوا لحسن يد ثوابا
جذيمة بن عوف الأنماري ضربه أثال بن لجيم فجذمه، فسمي: جذيمة؛ وضرب هو أثالا فحنف رجله فسمي حنيفة؛ وقال:
أن تكن خنصري بانت فإني ... بها حنفت حاملتي أثال
والبة بن الحباب الأسدي:
أن كان يجزى بالخير فاعله ... شراً ويجزى المسي بالحسن
فويل تالى القرآن في ظلم الليل وطوبى لعابد الوثن
نفيع بن صفار الكوفي للأخطل:
أبا مالك لا يدرك الوتر بالخنا ... ولكن بأطراف المثقفة السمر
قتلتم عميراً لا تعدون غيره ... وكم قد قتلنا من عمير ومن عمرو
إذا أكره الخطي فيهم تجشأوا ... شريحين من لحم الخنازير والخمر
الحصين بن الحارث العدوي:
لعل الله يمكن من سليم ... تميماً والدوائر قد تدور
فندرك ثأرنا منهم ونشفى ... أحاحاً قد تضمنه الصدور
عمرو بن العاص:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ... به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصراً فأربح صفقة ... أخذت بها شيخاً يضر وينفع
قدم المعذل البكري على المهلب فقال لمن حضره: يا معشر الأزد هذا الذي يقول:
جزى الله فتيان العتيك وأن نأت ... بي الدار عنهم خير ما كان جازيا
فجمعوا له خمسين وصيفا، وأعطاه المهلب خمسين وصيفا.
عبد الله بن أمية المخزومي:
ألم تر أن العبد يشتم ربه ... فيترك حيناً ثم يهشم حاجبه
وأنا لقوم ما تطل دماؤنا ... ولا يتعالى صاعداً من نحاربه
كان كثير بن شهاب الحارثي أميراً على الري، فضرب عبد الله بن الحجاج بن محصن الذيباني في الخمر، فاغتال الأمير ليلاً، فضربه على وجهه ضربة وقال:
من مبلغ أفناه قيس أنني ... أدركت طائلتي من ابن شهاب
أدركته ليلاً بعقوة داره ... فضربته قدماً على الأنياب
هلا خشيت وأنت عاد ظالم ... بقصور أبهر سطوتي وعقابي
شهد أبو دلامة عند قاضي الكوفة، فهم برد شهادته فقال:
أن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وأن بحثوا عني ففيهم مباحث
وأن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم يوماً كيف تلك النبائث
عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي:
جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعل عليه بالقراميد والسكب
فابهمه من بعد حرس وحقبة ... وقد هزه أهل المشارق والغرب
فلما رأى البنيان تم سحوقه ... وآض كمثل الطود ذي الباذج الصعب
وظن سنمار به كل حبوة ... وفاز لديه بالمودة والقرب
فقال اقذفوا بالعلج من رأس شاهق ... فهذا لعمرو الله من أعجب الخطب
النبي صلى الله عليه وسلم: تواضع للمحسن إليك وأن كان عبداً حبشياً، وانتصف ممن أساء إليك وأن كان حراً قرشياً.
الجاحظ: من قابل الأساءة بالأحسان فقد خالف الله في تدبيره.
سليمان بن قتة:
إذا افترقت قيس جبرنا كسيرها ... وتقتلنا قيس إذا النعل زلت

كان لملك وزير إذا صبحه قال بعد التسليمة: سيجزى المحسن بإحسانه، وستكفيك المسيء إساءته، لا يخل بذلك، وكان معظما عند الملك،، فحسده حاسد، فكاده بأن أضافه وأطعمه ثوما، ثم قال للملك: قد فضحك من تؤثره بغاية الاعظام في بلدك، وشهرك بالبخر، فلما صبحه غطى فمه لرائحة الثوم، فحسب الملك أن ذلك لبخره، فكتب إلى رأس الشرط كتابا أمره فيه أن يقطع رأسه ويسلخه ويملأ جلده تبنا، وختمه، وكانت عادته أن يكتب بيده كتب الجوائز العظام، فلما خرج به حسب الحاسد أنه كتاب جائزة فقال: أنا أحمل كتابك وأحصل ما فيه، فدفعه إليه، ففعل فيه ما أمر به فيه؛ فلما جاء الوزير مصبحا على عادته أحس الملك بالأمر، فقال: هل كان بينك وبينه شيء؟ قال: لا، إلا أنه أضافني وأطعمني الثوم، وغطيت فمي لذلك؛ فقال: صدقت أن المحسن سيجزى بإحسانه، والمسيء ستكفيه اساءته.
قدم مرزبان من مرازبة الفرس على أبي عبيد الله وزير المهدي فقال: وليت علينا رجلاً، أن وليته وأنت تعرفه فما خلق الله رعية أهون عليك منا، وأن لم تعرفه فما هذا جزاء الملك الذي ولاك أمره وسلطك على ملكه؛ فدخل الوزير على المهدي وخرج فقال: هذا رجل كان له علينا حق فكافأناه؛ فقال: أصلحك الله أن على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوبا عليها: العمل للكفاة، وقضاء الحقوق على بيوت الاموال. فأمر بعزله.
المدائني: رأيت رجلاً يطوف بين الصفا والمروة على بغلة، ثم رأيته راجلاً في سفر؛ فقلت له، فقال: ركبت حيث يمشي الناس، فكان حقاً على الله أن يرجلني حيث يركب الناس.
قيل لمعاوية: أن أبا مسلم الخولاني يطوف ويبكي على الاسلام؛ فقال له: سمعت أنك تطوف وتبكي على الاسلام، فقال: نعم، وما اسمك؟ قال: معاوية؛ قال: يا معاوية أن عملت خيرا جزيت خيرا، وأن عملت شرا جزيت شرا، إنك لو عدلت بين أهل الأرض ثم جرت على واحد منهم مال جورك بعدلك.
ساوم هشام بجارية، فاستام بها صاحبها سوما كثيرا، وأبي هشام أن يزيده على عشرة آلاف؛ فخرج بها وأهل المجلس يرون ما بهشام من فرط العجب بها، فتبعه الأبرش فلم يزل به حتى أخذها بثلاثين ألفا وأهداها إلى هشام؛ وحظيت عنده، فلم يلبث هشام حتى أتته الأموال من ضياعه، وذلك قبل الخلافة، ففرقها في أهله وفي حشمه، وبقيت عنده مائة وعشرين ألفا؛ فدعا بامرأته أم حكيم وعبدة، فاستشارهما فيم يصرفها؛ فقالت أم حكيم: أن أحق الناس بها أم ولدك، تعني نفسها، وولدك؛ قال: قد أخذتما حقكما؛ وقالت عبدة، وكانت من آل أبي سفيان، أحق الناس به من جاد عليك بما بخلت به على نفسك، فقال هشام: أشهد أنك ممن أنت منه؛ فلما استقل المال على الحمالين قال: هذا الآن أجمل، أنه في صلة الأخ ومكافأته أحسن منه في ثمن جارية.
أمر الحسن بن علي لرجل من جيرانه بألفي درهم؛ فقال: جزاك الله خيرا يا ابن رسول الله؛ فقال: ما أراك أبقيت لنا من المكافأة شيئاً.

باب
الجهل والنقص والخطأ والتصحيف والتحريف
واللحن وما أشبه ذلك معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم على بينة من أمركم، ما لم يظهر منكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حب الدنيا.
لحن رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أشهد أن الذي خلقك وخلق عمرو بن العاص لواحد.
سئل الأوزاعي عن رجل يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لحن أيقيمه؟ قال: نعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحن.
حدث محدث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تشقيق الحطب؛ فقال ملاح: يا قوم كيف نصنع والحاجة ماسة؟ وإنما هو تشقيق الخطب.
قيل في خالد بن عبد الله القسري:
بل السراويل من خوف ومن جزع ... واستطعم الماء لما هم بالهرب
وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشقيق في الخطب
سهل بن عبد الله: حرام على الناس أن يعبدوا الله بالجهل.
نفور العلم من الجاهل أشد من نفور العالم من الجهل.
وصف رجل فقيل: يغلط من أربعة أوجه: يسمع غير ما يقال، ويحفظ غير ما يسمع ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب.

سأل المأمون ثمامة ما جهد البلاء؟ فقال: عالم يجرى عليه حكم جاهل، قال: من أين قلت هذا؟ قال: حبسني الرشيد، ووكل مسروراً بي، فضيق علي الأنفاس، ثم قرأ يوماً: والمرسلات فقال: ويل يومئذ للمكذبين فقلت: أن المكذبين هم الرسل ويحك؛ فقال: كان يقال أنك قدرى فما صدقت، لا نجوت أن نجوت؛ فعانيت الموت يا أمير المؤمنين.
الناشيء في داود بن علي الأصبهاني:
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري
رسطاليس: العاقل يوافق العاقل،، والجاهل لا يوافق العاقل ولا الجاهل، ومثال ذلك: المستقيم الذي ينطبق على المستقيم، فأما المعوج فإنه لا ينطبق على المعوج ولا على المستقيم.
قال بدوي لابنه: يا بني كن سبعا خالسا، أو ذئبا خانسا، أو كلبا حارسا، وإياك أن تكون أنسانا ناقصا.
الخليل: ما أقبح اللحن بالمتقعر.
أعرابي: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب.
أبو سعيد السيرافي: رأيت متكلما ببغداد بلغ به نقصه في العربية أنه قال في مجلس مشهور: أن العبد مضطر بفتح، والله مضطر بكسرها؛ وزعم: أن القائل الله مضطر بالفتح كافر. فانظر أين ذهب به جهله، وإلى أي رذيله أداه نقصه.
وصف بعضهم قوما فقال: والله للحكمة أزل عن قلوبهم من المداد عن الأديم الدهين.
مر عمر رضي الله عنه على رماة غرض فسمع بعضهم يقول لصاحبه: أخطيت وأسيت؛ فقال: مه فإن سوء اللحن أشد من سوء الرماية.
تضجر عمر بن عبد العزيز من كلام رجل، فقال شرطي على رأسه: قم فقد أوذيت أمير المؤمنين؛ فقال عمر: أنت والله أشد أذى بكلامك هذا منه.
قرى على ثعلب من كتاب بخط ابن الأعرابي خطأ فرده، فقيل: نغيره؟ فقال دعوه ليكون عذرا لمن أخطأ.
قيل لشريح: أيضحى بالضبي؟ قال: وما عليك لو قلت: أيضحى بالظبي؟ قال: أنها لغة بالكسر؛ قال: وما عليك لو قلت أنها لغة؟ قال: قد تعثر الجواد بالتأنيث، قال شريح: قد ذهب العتاب.
قال غلام لأبيه: يا أبة، قد علمت أن الرمادية هم الذين يبولون في الرماد، فما القدرية؟ قال: يا بني، هي الذين يخرون في القدور.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أنا أفسي في ثوبي وأصلي فيه، هل يجوز؟ قال: نعم، لا أكثر الله في المسلمين مثلك.
الجهل أخصب رحلاً والأدب أحضر محلا.
سمع الأصمعي رجلاً عند الملتزم يقول: يا ذي الجلال والاكرام؛ فقال: من كم تدعو؟ قال من سبع سنين دأبا فلم أر الاجابة؛ فقال: أنك تلحن في الدعاء فأنى يستجاب لك؟ قل: يا ذا الجلال والإكرام؛ ففعل فأجيب.
البردخت:
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العود عما تتبع
تتبع لحنا في كلام مرقش ... وخلقك مبني على اللحن أجمع
قرأ عبد الله بن أحمد بن حنبل في الصلاة: اقرأ باسم ربك الذي خلق؛ فقيل له: أنت وأبوك في طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وأنت تزعم أن الرب مخلوق.
قال رجل للحسن: ما تقول لرجل مات وترك أبيه وأخيه؟ فقال: ترك أباه وأخاه؛ فقال فما لأخاه وما لأباه؟ فقال: فما لأخيه وما لأبيه؟ فقال الرجل أراك كلما طاوعتك خالفتني.
قال أبو عبيدة: قال لي أبي: إذا كتبت كتابا فالحن فيه فإن الصواب حرفة، والخطأ أنجح.
قال سعيد بن سلم: دخلت على الرشيد فبهرني وملأ قلبي، فلما لحن خف علي أمره.
حدث المأمون عن هشيم يرفعه: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من غوز؛ فقال النضر بن شميل صدق يا أمير المؤمنين هشيم فإنه حدثنا عوف يرفعه: كان فيها سداد من عوز. وكان المأمون متكئاً فأستوى جالساً، وقال: كيف قلت؟ قلت: السداد ها هنا لحن، وإنما لحن هشيم وكان لحانة فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال: قبح الله من لا أدب له، ثم وصلني بخمسين ألفاً.
دخل خالد بن صفوان الحمام، فسمع رجلاً يقول لابنه، وهو يريد أن يعرف خالداً بلاغته، ابدأ بيداك وثن برجلاك؛ ثم قال: يا ابن صفوان، هذا كلام قد ذهب أهله؛ فقال خالد: بل ما خلق الله له أهلاً.
أبو عبيدة: لا تردن على أحد خطأ في حفل، فإنه يستفيد منك ويتخذك عدواً.
من ليس يدري ما يريد فكيف يدري ما تريد ابراهيم بن سيابة:

إذا ما منحت الجاهل الحلم لم تزل ... إليك بجهل منك تهوى ركائبه
وأن عقاب الجاهلين لذاهب ... بفضلك فانظر أي ذا أنت راكبه
علي رضي الله عنه: الناس أعداء ما جهلوا.
قيل لبزرجمهر: لم لا تعاتبون الجهلة؟ فقال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.
قال رجل لخالد بن صفوان: مالي إذا رأيتكم تتذاكرون وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ أنسان.
كلم أبا مسلم بعض قواده فلحن، فقال: ألا تنظر في العربية؛ فقال: بلغني أنه من نظر فيها قل كلامه؛ قال: ويحك لئن يقل كلامك بالصواب خير من أن يكثر بالخطأ.
قال بشر المريسي: قضى الله لكم الحوائج على أحسن وجه وأهنؤها. فقال قاسم التمار هو جائز على قوله:
أن سليمي والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها
فكان أصحاح قاسم أندر من لحن بشر.
قال معبد بن وهب: حملني رجل إلى بيته، فجعلت لا آتي بحسن ألا خرجت إلى أحسن منه، وهو لا يرتاح، ولا يحفل لما رأى مني، ثم قال: يا غلام شيخنا شيخنا، فلما رآه هش إليه، فاندفع الشيخ يغني:
سلور في القدر ويلي عله ... جا القط أكله ويلي علوه
فجعل الرجل يصفق ويضرب برجليه، وكاد يخرج من جلده؛ فانسللت فما رأيت عملاً أضيع، ولا شيخاً أجهل.
قال أبو عمرو: قال جبلة بن مخرمة كنا عند جد النهر؛ فقلت: جدة النهر، فما زلت أعرفها فيه.
ذروة بن جحفة الكلابي:
وما تدرى كهول بني كليب ... إذا نطقت أتخطى أم تصيب
سمع بعضهم أن برذون فلان قد نفق، فقال: والهفاه كنت أرجو أن يكسد فيخسر. ظن أنه من نفاق السلعة.
سمع رجل من ينشد:
وكان أخلائي يقولون مرحباً ... فلما رأوني معدماً مات مرحب
فقال: مرحب لم يمت، قتله علي عليه السلام.
قيل للنسابه البكري: يا أبا ضمضم، آدم من أبوه؟ فحمله استقباح الجهل عنده على أن قال: آدم بن المضاء بن الحملج، وأمه صاعدة بنت فرزام. فتضاحكت به العرب.
إذا ما أتيت الجاهلين بحكمة ... فلم يعرفوها أنزلوها على هجر
الهجر بالفتح هو الهذيان. أدنس شعار المرء جهله.
العتابي: مجالسة الجاهل مرض العقل.
أبو الأسود الدؤلي: إذا أردت أن تعذب عالماً فاقرن به جاهلاً.
قال رجل لأعرابي: كيف أهلك، بكسر اللام، فقال الأعرابي تفحم صلباً أن شاء الله.
زاهد: لمن أعربنا في كلامنا حتى ما تلحن، فقد لحنا في أعمالنا حتى ما نعرب.
دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله يلحنون ويربحون.
كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند، فقال لرجل: ما اسمك؟ فقال: عبد الله، بالنصب، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الرحمن، بالجر، فأمر بضربه فقالك بسم الله، فقال دعوه فلو كان تاركاً لتركه تحت السياط.
كتب كاتب الأشعري: من أبو موسى، فكتب إليه عمر: أنظر كاتبك فاجلده سوطاً. وروي: أقسمت عليك لما ضربت كاتبك سوطاً.
كان الوليد بن عبد الملك لحانة، فقرأ في خطبته: يا ليتها كانت القاضية بالرفع؛ فقال أخوه سليمان: عليك.
التصحيف قفل ضل مفتاحه.
كتب بريد أصبهان إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أن فلاناً يلبس الخرلخية، ويجلس للنساء في الطرقات؛ فكتب محمد إلى يحيى بن هرثمة، وكان والي أصبهان، أشخص إلي فلاناُ وجر لحيته، فصحف الذي قرأ عليه الكتاب فقرأ: وجز لحيته، فجزها وأشخصه آية.
قال رجل للحسن: يا أبو سعيد، قال: أين غذيت؟ قال: بالأبلة، قال: من هناك أتيت.
عمرو بن زعبل التميمي:
وأن عناء أن تفهم جاهلاً ... فيحسب جهلاً أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
قال رجل للحسن: أنا أفصح الناس. قال: لا تقل. قال فخذ علي كلمة واحدة. قال: هذه واحدة.
قرع رجل باب نحوي، فخرج ولد له فقال: يا صبي أباك أبيك أبوك هاهنا؟ قال لا لي لو.
ابن السماك: أعقل الناس محسن خائف، وأجهلهم مسيء آمن. ذو النون المصري: من جهل قدره هتك ستره.
حدث شريك، فقال عافية القاضي: ما سمعنا بهذا الحديث، فقال شريك وما يضر عالماً أن جهل جاهل.
قال رجل للحسن: ما أراك تلحن. قال: يا ابن أخي أني سبقت اللحن.

كان الوليد بن يزيد يلعب بالشطرنج، فاستأذن عليه رجل من ثقيف فسترها، ثم سأله عن حاله وقال له: أقرأت القرآن؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين قد شغلني عنه أمور وهنات؛ قال: أفتعرف الفقه؟ قال: لا والله؛ قال: أتروي من الشعر شيئاً؟ قال: ولاش؛ فكشف عن الشطرنج وقال: شاهك؛ فقال له عبد الله بن معاوية: مه يا أمير المؤمنين؛ قال: اسكت فما معنا أحد.
علي رضي الله عنه: ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
بعضهم في أبي العيناء: ما رأيت رجلا لا يحسن شيئاً أشد أدعاء لكل شيء منه.
يتعاطى كل شيء ... وهو لا يحسن شيئا
آخر:
عرضناه على السبك ... فعرضناه للهتك
حارثة بن بدر الغداني:
إذا ما قتلت الشيء علما فقل به ... ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
المنتمون إلى العلوم كثيرة ... أن حصلوا أفناهم التحصيل
دقائق خفية لا يراها الغبي، ولطائف غامضة لا يعرفها إلا الذكي.
يقال للغالط: تكسرت قواريرك.
في نوابغ الكلم: العجب ممن يكبر غلطه ثم يكثر لغطه.
من لا يجد أثر ذلة المعصية في قلبه، ولا مس نقص الجهل في عقله؛ فليس ممن ينزع عن ريبة، ولا يكترث لفصل بين حجة وشبهة.
أدعى رجل إلى العرب، فقيل له مرة، وهو قاعد في الشمس وقد ثارت به المرة. والله أنك لتشبه العرب، فقال: ألي يقال هذا؟ وأنا والله حرباء تنضبه، يشهد لي سواد لوني، وغؤور عيني، وحبي للشمس.
ابن أبي ليلى: سايرت شاميا فمر بحمال فأخذ منه رمانة، ثم تصدق بها على فقير، فتعجبت منه، فقال: أخذتها فكانت سيئة، ثم تصدقت بها فكانت عشر حسنات.
جهل أبي جهل مثل.
قال ابن الحجاج:
عادية السن بطش سورتها ... أجهل في الرأس من أبي جهل
كناه المسلمون بذلك، وكانت قريش تكنيه أبا الحكم. قال حسان:
الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل
الأستطالة لسان الجهل، كم من عاقل أخره عقله وجاهل صدره جهله. نزت به البطنة ونأت عنه الفطنة.
حدث معبد بن خالد العدواني وكان دميماً: وفدنا معشر عدوان على عبد الملك فقدموا رجلاً منا وسيماً فقال ممن؟ فقال من عدوان، فأنشد:
عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضاً ... فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض
ثم قال له إيه، فقال: لا أحفظها، وكنت خلفه فقلت:
ومنهم حكم يقضى ... فلا ينقض ما يقضى
فقال له: من الحكم؟ فقال لا أدري: فقلت: عامر بن الظرب؛ فقال: من قائل الشعر؟ قال: لا أدري؛ فقلت: ذو الأصبع؛ فقال: لم قيل له ذو الأصبع؟ قال: لا أدري، قلت نهشته أفعى فقطعت أصبعه؛ فقال له: ما كان اسمه؟ قال: لا أدري، قلت: حرثان بن الحارث؛ فقال عبد الملك: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة دينار؛ فقال لي: في كم أنتظ فقلت في ثلثمائة، فقال: أجعلوا عطاء هذا لهذا وعطاء هذا لهذا. فأنصرفت وعطائي سبعمائة وعطاؤه بثلثمائة.
وقف رجل على مجلس الحسن فقال: اعتمر أخرج أبادر؛ فقال الحسن: كذبوا عليه ما كان ذاك. أراد السائل: أغثمن أخرج أبا ذر.
قال المعتصم لطباخه: حاسب رشيد؛ قال: مقراض؛ أراد: جاشت رسيذاي أي أدرك غذاؤك بالفارسية، وأراد بمقراض: لا.
يبس في شفتيه: أي تيس في سفينة. عد ستة تتصل: أي عدسية ببصل. شوا بخبز: أي بيتوا بخير. ثقب لو لو بطرف: أي ثقيل ولو تظرف.
غاب عن الصاحب ندماؤه ليلة فقال: سمسم، أراد بيت من يتم. وكان نقش خاتم ابن العميد: شيخ أشقر، أي: تب تنج أنب تفز.
قرأ الحجاج يوما: أنا من المجرمون منتقمون، فقالوا: لحن الأمير، فأنشد:
أن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
الاعمش: سمعت الحجاج على منبر الكوفة يقول: يا معشر الحمراء تخلفتم عن الغزو، وجلستم على الكراسي، وتبردتم تحت الطلال، فلا يمر بكم مار إلا قلتم ما الهبر ما الهبر، والله لأهبرنكم بالسيف هبراً أشغلكم به عن الأخبار.
تكلم رجل عند عبد الله بن عباس فأكثر الخطأ، فدعا بغلام له فأعتقه، فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ فقال: أن لم يجعلني مثلك.

شهد سلمى الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: هو أصلحك الله ناصبي، رافضي، قدري، مجبر، يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان. فقال له جعفر: لا أدري على أي شيء أحسدك أعلى علمك بالمقالات أم على معرفتك بالانساب؟ قال: أصلح الله الأمير ما أخرجت من الكتاب حتى حذقت هذا كله.
أكثم بن صيفي: ويل لعالم أمر من جاهل.
حضر مجلس الاعمش قوم ليسمعوا الحديث، فقال ما اليوم؟ فقال رجل منهم الاثنين؛ فقال: الأثنين، أرجعوا فأعربوا كلامكم ثم أطلبوا الحديث.
رأى الحجاج لحنا في كتاب كاتبه فأمر بقطع أصبعه.
وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز كتابا فوجده ملحونا فأحضره وضربه درة.
قال سيحان بن الحسين حضرت مجلس محمد بن سلام فلحن المستملى، فأخذت عليه. فتداخله من ذلك، فقال له محمد: شيطان يجيئني في مسك الرجال صبي مثله يأخذ عليك، ثم زجره.
سمع رجل يقرأ: الأكراد أشد كفراً ونفاقاً، فقيل له: قل ويحك الأعراب، فقال: كلهم يقطعون الطريق.
التقط أعرابي اسمه موسى كيساً، ثم دخل مسجداً يصلي فيه، فقرأ الأمام : " وما تلك بيمينك يا موسى " فرمى إليه بالكيس وقال: والله أنك لساحر.
حكيم: بعد الجاهل من أن يلتحم به الأدب كبعد النار من أن تشتعل في الماء.
مر بالأوقص المخزومي وهو قاضي مكة، ولم ير مثله في عفافه ونبله وظرفه مع زهده، سكران بالليل وهو نائم في جناح له، والسكران يتغنى:
عوجي علينا ربة الهودج ... إنك أن لم تفعلي تحرجي
فأشرف عليه وقال: يا هذا شربت حراما، وأيقظت نياما، وغيت خطأ، خذه عني، وأصلحه له.
قامت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أبا غفر حفص الله لك، فقال: ويحك ما تقولين؟ قالت: صلعت من فرقتك.
الأصمعي: عن بعض الرواة قلت للشرقي بن القطامي ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فكذبت له فقلت: كانوا يقولون:
ما كنت ولواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه
فإذا به يحدث به في المقصورة يوم الجمعة.
ابن عمار الثقفي الملقب بالغرير:
أعيرتني النقصان والنقص شامل ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
وأقسم أني ناقص غير أنني ... إذا قيس بي قوم كثير تقللوا
ولو منح الله الكمال ابن آدم ... لخلده والله ما شاء يفعل
قيل لعبد الأعلى القاص: لم سمي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفر؛ قيل: فالطفشيل؟ قال: لأنه طفا وشال؛ قيل: فالقلطى؟ للكلب، قال: لأنه قل ولطىء؛ قيل: فالسلوقي؟ قال: لأنه يسل ويلقى.
سئل رجل عن النسبة إلى اللغة فقال: ما أبين الجواب وأظهر الحق، أما سمعتم قول الله تعالى: أنك لغوي مبين.
قال الجماز: سمعت سائلا يقول: من يعطيني قطعة حبا للأمينين جبريل ومعاوية.
لحن خالد صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه.
ولحن آخر عند سليمان فقال: اللحن في الكلام أقبح من النقبة في الديباج.
قال الجاحظ: قلت مرة: إذا شممت النرجس فنكسه فإنه أكثف لرائحته وأذكى؛ فسمع ذلك مني شيخ من عدول القضاة فقال: والله لأشهدن عليك بالزندقة، فكان سبب خروجي من البصرة.
يقال للجهل أم الرذائل.
أبا جعفر أن الجهالة أمها ... ولود وأم العقل جداء حائل
قال الشعبي لرجل: ممن أنتظ قال: من بنو عبد الله بن زيد؛ فقال: لو كنت من بني عبد الله لقلت من بني عبد الله.
الزبير بن بكار: وفدت على المتوكل فقال لي أدخل على عبد الله بن المعتز، فدخلت وهو صبي، فسألني عن الحجاز واستنشدني؛ ثم نهضت فعثرت فسقطت، فقال يا زبير:
وكم عثرة لي باللسان عثرتها ... تفرق من بعد اجتماع من الشمل
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه تذهب نفسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل
كان خالد بن صفوان يحدث بلال بن أبي بردة ويلحن، فقال: أتحدثني حديث الخلفاء وتلحن لحن السقاءات؟ فتعلم الأعراب.

قال الحجاج لثقفي: أين تركت الجند؟ قال: تركتهم يخنقون يعارضين؛ قال: لعلل تريد: يعرضون بخانقين، قال: نعم اللهم لا تخانق في باركين؛ يعني لا تبارك في خانقين. ونظر رجل إلى أبريق نظيف فقال: ما أبرق أنظيفكم.
أبو حاتم: قال الأصمعي: الزوج للذكر والانثى بغير تاء، وتلا قوله تعالى: " أسكن أنت وزوجك الجنة " ، فقيل له: فقد قال ذو الرمة:
أذو زوجة بالمصر أم ذو قرابة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا
فقال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن هذا فقال: إن ذا الرمة طال ما أكل الخل والبقل في حوانيت البصرة، يريد أنه قد تحضر. قال جار الله وأنشد ابن الأعرابي لأبي فرعون:
وزوجتي تأكل أكل الدب ... بنيها كالفرعل الأزب
وقال الفرزدق:
وأن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
ولكن لغة القرآن تلحق الفصيح بالتأتاء أن أقدم على الحاق هذه التاء.
قال أمير لأعرابي، وقد رأى معه ناقة فأعجب بها، هل أنزيت عليها؟ قال: نعم أيها الأمير قد أضربتها؛ قال: قد أضربتها، قد أحسنت حين أضربتها، نعم ما صنعت حين أضربتها؛ قال: فجعل يرددها، فعملت أنه يريد أن ينقف بها لسانه.
سوادة عن أبي جعفر: من فقه الرجل عرفانه اللحن.

باب
الجنون، والحمق، والسفه، والغفلة
والحزن، والعجلة وترك الأناة، والفضول، والدخول فيما لا يعني، والعبث
أنس رضي الله عنه: مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله هذا مجنون؛ فأقبل عليه فقال: أقلت مجنون؟ إنما المجنون المقيم على المعصية، ولكن هذا مصاب.
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كونوا بلهاً كالحمام. وكان الرجل منهم يدعو لصاحبه فيقول: أقل الله فطنتك.
عيسى عليه السلام: عالجت الأكمه والأبرص فابرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني.
لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها
كان شريح يقول: لئن أزاول الأحمق أحب إلي من أزاول نصف الأحمق؛ قيل: يا أبا أمية ومن نصف الأحمق؟ قال: الأحمق المتعاقل.
علي رضي الله عنه: ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش.
الأحنف: أني لأجالس الأحمق ساعة فأتبين ذلك في عقلي.
المبرد: دخلت دير هزقل فرأيت مجنونا مربوطا، فدلعت لساني في وجهه، فنظر إلى السماء وقال: لك الحمد والشكر، من حلوا ومن ربطوا؟ ودير هزقل موضع للمجانين يربطون فيه ويعالجون؛ يقال للذي تجنن كأنه من دير هزقل.
قيل لمجنون: عد لنا مجانين البصرة؛ قال: كلفتموني شططا، أنا على عد عقلائها أقدر.
قيل لأعرابي: أيسرك أنك أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال لا؛ قيل ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي عليها وأبقى أحمق.
عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقلهم ألذ وأحلى
حمقى قائم بقوت عيالي ... ويموتون أن تعاقلت هزلا
أصطحب أحمقان في طريق، فقال أحدهما: تعال نتمن فإن الطريق يقطع بالحديث؛ فقال أحدهما: أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع برسلها ولحمها وصوفها، ويخصب معها رحلي، ويشبع معها أهلي؛ قال الآخر: وأنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتى عليها؛ فقال: ويحك أهذا من حق الصحبة، وحرمة العشرة؟ وتلاحما وأشتدت الملحمة بينهما، فرضيا بأول من يطلع عليهما حكماً، فطلع عليهما شيخ على حمار بين زقين من عسل، فحدثاه، فنزل من الحمار، وفتح الزقين حتى سال العسل في التراب، ثم قال: صب الله دمي مثل هذا العسل أن لم تكونا أحمقين.
بكر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء أحتاج إلى جزء من الحمق يتقدم في الأمور، فإن العاقل أبداً متوان، متوقف، متخوف.
قال رقبة بن مصقلة: ما أذلني قط إلا غلام مصاب بالكوفة، قال لي: رأيتهم شبهوك بي فسرني ذلك لك.
الفرات بن حيان: في هجاء حسان، وقيل هي لأبي سفيان بن الحارث:
أبوك أب سوء وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالكا
يصيب وما يدري ويخطىء وما درى ... وكيف يكون النوك إلا كذلكا

جابر بن عبد الله: كان رجل متعبد في صومعة، فمطرت السماء وأعشبت الأرض، فرأى حماره يرعى في ذلك العشب، فقال: يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري؛ فبلغ ذلك بعض الأنبياء، فهم أن يدعو عليه، فأوحى إليه: أن لا تدع عليه، فإني أجازي العباد على قدر عقولهم.
وهب بن منبه: خلق ابن آدم أحمق، ولولا حمقه ما هنأه عيش.
قيل لأعرابي: يا مصاب، قال: أنت أصوب مني، أي أجن. وفي عقله صابة.
يقال: هو سليم الصدر، معدود في أهل الجنة؛ هو ذو حمق وافر وعقل نافر. ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه. لو كان في بني اسرائيل فأمروا بذبح بقرة ما ذبح غيره. عقله منه على سفر.
يظن بأن الخمل في القطف ثابت ... وأن الذي في داخل التين خردل
هو ذو بصيرة بلهاء عند تشابه النوائب، وتجربة عمياء عند تأمل العواقب.
يقال للأبله السليم القلب: هو من بقر الجنة، لا ينطح ولا يرمح، وللأحمق المؤذي: من بقر سقر.
كان يقال: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
خطب هند ابنة عتبة رجلان: سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب، فألقى إليها أبوها صفيتهما، فأختارت أبا سفيان لعقله ودهائه، وحمقت سهيلا فقال:
نبئت هنداً ضلل الله رأيها ... تمادت وقالت وصف أهوج مائق
وما هوجى يا هند إلا سجية ... أجر بها ذيلي لحسن الخلائق
ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولاطمت بالبطحاء في كل شارق
فلان أعطى مقولاً ولا يعط معقولاً، للأحمق البين الحمق.
أهل بغداد: فلان الساعة سقط من المحمل. يريدون أنه غبي، شبهوه بالخراساني الوارد عليهم، لم يخبر أحوال بلدهم.
كتب سعد إلى عمر رضي الله عنه: أني أصبت فيما أفاءه الله على رسوله صندوقا من ذهب عليه قفل من ذهب، فلم افتحه، وأن رجلاً أعطى به، طمعا فيما فيه، مالاً كثيراً. فكتب إليه أن بعه منه، فإني أحسبها حمقة من حمقات العجم؛ ففعل. ففتحه المشتري فأصاب فيه حريرا مدرجا، فجعل يكشفه حتى أفضى إلى درج ففتحه، فإذا فيه كتاب؛ فأتى بعض من يقرأ بالفارسية، فقرأ فإذا فيه: لتسريحة اللحية من ناحية الحلق أنفع من ألف تسريحة إلى خلف؛ فاستقال مشتريه؛ فكتب بذلك إلى عمر؛ فكتب إلى سعد: أن أستحلفه أكان مقيلنا لو أصاب فيه كنزاً أكثر مما تأمل؟ فسئل الرجل، فقال: ما كنت لأقيلكم، فلم يقيلوه.
حارثة بن بدر الغداني في زياد:
الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن وقاف، والمنافق وثاب.
قال آدم عليه الصلاة والسلام لولده: كل عمل تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فأني لو وقفت لم يكن أصابني ما أصابني.
وقع ذو الرياستين: أن أسرع النار التهابا أسرعها خموداً، فتأن في أمرك.
ابن المقفع: من أدخل نفسه فيما لا يعنيه ابتلي فيه بما يعنيه.
أعرابية: أن أخي من رطاته لا يعرف لطاته من قطاته. الرطاة: الحماقة، والرطي: الأحمق، واللطاة: الجبهة، والقطاة: مقعد الردف من الدابة.
قال رجل لامرأة كان يحبها: أنا والله لك مائق، أراد: وامق؛ فقالت: لست والله لي وحدي بمائق، أنت والله مائق للخلق كله.
قال رجل لزهير البابي: ألا توصي لي بشيء؟ فقال: أحذر لا يأخذك الله وأنت على غفلة.
من ورد عجلاً صدر خجلاً.
بينا ابن عمر رضي الله عنه جالس إذ جاءه أعرابي فلطمه؛ فقام إليه وافد بن عبد الله فجلد به الأرض. فقال ابن عمر: ليس بعزيز من ليس في قومه سفيه.
مطرف: ما من أحد إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه، إلا أن بعض الحمق أهون من بعض.

باب
الجوابات المسكتة، ورشقات اللسان
وما يجري من الاستدراك والاعتراض، والتبكيت، والمماراة، واللجاج، والجدل
النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعدي شيء شيئاً. فقال أعرابي: يا رسول الله أن النقبة تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الأبل العظيمة فتجرب كلها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أجرب الأول؟ لما أخذ عمر رضي الله عنه في التوجه إلى الشام قال له رجل: أتدع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أدع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاح أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولقد هممت أن أضرب رأسك بالدرة حتى لا تجعل الرد على الأئمة عادة فيتخذها الأجلاف سنة.

أجتار عمر بن الخطاب بصبيان يلعبون، فهربوا إلا عبد الله بن الزبير، فقال له عمر: لم لا تفر مع أصحابك؟ قال: لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقاً فأوسع عليك.
علي رضي الله عنه: قال له يهودي: ما دفنتم نبيكم حتى أختلفتم!! فقال له: إنما أختلفنا عنه لا فيه؛ ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: أجعل لنا ألهاً كما لهم آلهة.
رفع رجل رجلاً إلى علي رضي الله عنه وقال: أن هذا زعم أنه أحتلم على أمي؛ فقال: أقمه في الشمس فاضرب ظله.
قال رجل لجعفر بن محمد: ما الدليل على الله؟ ولا تذكر لي العالم والعرض والجوهر، فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم؛ قال: هل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال: نعم، قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم، قال: فإن ذاك هو الله، قال الله تعالى: " ضل من تدعون إلا إياه " ، " وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون " .
سئل علي رضي الله عنه عن مسافة ما بين الخافقين، فقال: مسيرة يوم للشمس.
قال رجل لآخر: والله ما أمل الحديث؛ فقال: إنما يمل العتيق. مرت بالوليد بن عبد الملك خيل لعبد الله بن يزيد بن معاوية، فعبث بها وأصغره؛ فشكا ذلك أخوه خالد إلى عبد الملك فقال: أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها؛ فقال خالد: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية؛ فقال عبد الملك: أفي عبد الله تكلمني؟ وقد دخل علي فما أقام لسانه لحناً؛ فقال خالد: أفعلى الوليد تعول؟ فقال عبد الملك: أن كان الوليد يلحن فإن أخاه سليمان؛ فقال خالد: وأن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالد؛ فقال عبد الملك: اسكت فو الله ما تعد في العير ولا في النفير؛ فقال خالد: ويحك من في العير والنفير غير جدي أبو سفيان صاحب العير، وعتبة بن ربيعة صاحب النفير؟ ولكن لو قلت: غنيمات وخبيلات والطائف ورحم الله عثمان، قلنا: صدقت. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطرد الحكم بن أبي العاص، وهو جد عبد الملك، فلجأ إلى الطائف، فكان يرعى غنيمات، ويأوى إلى حبلة وهي الكرمة، ثم رده عثمان حين أفضت الخلافة إليه.
شهد أعرابي عند معاوية بشيء كرهه، فقال معاوية: كذبت؛ فقال: الكاذب والله متزمل في ثيابك. فقال معاوية وتبسم: هذا جزاء من عجل.
أنشد كثير عبد الملك فقال للأخطل: كيف ترى؟ فقال: حجازي مجوع مقرور، فدعني أضغمه لك. فسأل عنه كثير فقال له: هلا ضغمت الذي يقول:
لا تطلبن خؤولة في تغلب ... فالكلب أكرم منهم أخوالا
والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك أسته وتمثل الأمثالا
فسكت فما أجابه بحرف.
أتي الحجاج بامرأة خارجية، فلم تنظر إليه، فقيل لها، فقالت: لا أنظر إلى من لا ينظر الله إليه.
قال عمر رضي الله عنه لأبي مريم الحنفي: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم؛ قال: أتمنعني حقاً؟ قال: لا؛ قال: فلا بأس، إنما ياسى على فقدان الحب النساء.
دخل يزيد بن أبي مسلم صاحب شرطة الحجاج على سليمان بن عبد الملك بعد موت الحجاج، فقال سليمان: قبح الله رجلاً أجرك رسنه وخرب لك أمانته؛ قال يا أمير المؤمنين: رأيتني والأمر لك وهو عني مدبر، ولو رأيتني والأمر علي مقبل لاستكبرت مني ما أستصغرت، وأستعظمت مني ما استحقرت؛ فقال سليمان: أترى الحجاج أستقر في جهنم؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا تقل، فإن الحجاج وطأ لكم المنابر وأذل لكم الجبابرة، وهو يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك وعن يسار أخيك، فحيث كانا كان.
أستمع معاوية على يزيد ليلة، فسمع غناء أعجبه، فلما أصبح قال: من كان ملهيك البارحة؟ قال: ذاك ابن خاثر؛ قال: إذن فأخثر له من العطاء.
قال الرشيد لسعيد بن سلم من بيت قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين بنو فزارة؛ قال: فمن بيتهم في الاسلام؟ قال: الشريف من شرفتموه؛ قال: صدقت، أنت وقومك.
مر نصر بن سيار بأبي الهندي، وكان شريفاً، وهو يميل سكراً، فقال: أفسدت شرفك؛ فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان.
أنشد بشار قول كثير:
ألا إنما ليلي عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين
قال: لله أبو صخر!! أيجعلها عصا ثم يعتذر إليها، والله لو جعلها عصا مخ، أو عصا زبد لكان قد هجنها بذكر العصا، ألا قال كما قلت:

وبيضاء المحاجر من بعد ... كأن عظامها من خيزران
بكى سفيان بن عيينة يوماً، فقال له يحيى بن أكثم: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: بعد مجالستي أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بليت بمجالستكم. فقال له يحيى، وكان حدثاً، فمصيبة أصحاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام أظن السلطان سيحتاج إليك.
سئل ابن عمر: هل كان يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟ فقال: لا ولا في غير الصلاة.
تكلم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال أبهرك القول؟ فقال: أن الجياد نضاحة بالماء.
حدث الحسن البصري بحديث، فقال له رجل: عمن؟ فقال: وما تصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته.
قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يتفرقع؛ قال: لا تخف إنما يسبح؛ قال: أخاف أن تدركه رقة فيسجد.
تناظر أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد في الوعيد، فأنشد أبو عمرو:
لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختشي من صولة المتهدد
وإني وأن أوعدته أو وعدته ... لمخلف أيعادي ومنجز موعدي
فقال له عمرو صدقت، تمدح العرب بالوعد دون الأيعاد وتمدح بالوفاء بهما لتصرف المعاني وأنشد:
أن أبا خالد لمجتمع الرأ ... ي شريف الأفعال والبيت
لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثأره على فوت
وأنشد السيرافي لأبي وجزة السعدي في نحو ذلك:
صدق إذا وعد الرجال وأوعدوا ... فأحث بادرة وأوفى موعد
ولبعض الأسديين وهو جاهلي:
أنا الصاب أن شورست يوما وأنني ... جنى النحل أن سومحت إلا لآكل
بسيط يد بالعرف والنكر أن أقل ... بوعد وإيعاد أقل قول عامل
صؤول على الصعب المنوع وممسك ... عرامي على الواهي القوى المتضاءل
إذا سنة حالت بأزم تلقحت ... بمعروفنا حتى ترى غير حائل
قالت عجوز لزوجها: أما تستحي أن تزني ولك حلال طيب؟ قال: أما حلال فنعم، وأما طيب فلا.
قيل لمزيد: هل في بيتك دقيق؟ قال: لا، ولا جليل.
قال رجل لغلامه: هات الطبق، وأغلق الباب؛ قال: هذا خطأ، بل أغلق الباب وآتي بالطعام؛ فقال الرجل: أنت حر لعلمك بالحزم.
كان الرشيد يلعب الصوالج فقال ليزيد بن مزيد الشيباني: كن مع عيسى؛ فأبى فقال: أتأنف ويحك أن تكون معه؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني حلفت يميناً ألا أكون عليك في جد ولا هزل.
عرض بلال بن أبي بردة الجند، فمر به نميري ومعه رمح قصير فقال: يا أخا نمير، أنت ليس كما قيل:
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار
فقال: أصلح الله الأمير ما هو لي وإنما أستعرته من رجل من الأشعريين.
مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أولها:
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الهادي ووجه المهرجان
فكره الحسن افتتاحه بلا؛ فقال أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من كلمة التوحيد، وأولها لا.
قال موسى بن قيس المازني: قلت لأبي فراس المجنون، أنت النهار كله ماش، أفتشكى بدنك الليل؟ قال:
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
فقلت: يا أحمق أسألك عن حالك وتنشدني الشعر؛ قال: أجبتك يا مجنون؛ قلت: أتقول لي هذا وأنا سيد من سادات الأنصار فقال:
وأن بقوم سوددك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم لطم عينه، ومر وهو يقول: هكذا يكون الجواب المقشر.
قيل لسقراط: أن الكلام الذي قتله لم يقبل؛ فقال: ليس يلزمني أن يقبل، إنما يلزمني أن يكون صواباً.
قال الاسكندر لابنه يا ابن الحجامة؛ فقال: أما هي فأحسنت التخير، وأما أنت فلا.
وقال أعرابي لابنه: أسكت يا ابن الأمة؛ فقال له: والله لهي أعذر منك حيث لم ترض إلا حراً.
قال خالد القسري لابن هبيرة: فررت مني فرار العبد يا أبا المثنى؛ قال: حين نمت عني نوم الأمة يا أبا الهيثم.
تنبأ رجل في زمن المنصور، فقال له المنصور: أنت نبي سفلة؛ فقال: جعلت فداك كل أنسان يبعث إلى شكله.

قال ملك لوزير: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به؛ قال: فإن عدمه، قال: أدب يتحلى به؛ قال: فإن عدمه، قال: فمال يستره؛ قال: فإن عدمه، قال: فصاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.
قال عبد الملك لأعرابي: الناقة إذا كانت تمنع الحلب قومتها العصا؛ فقال: إذن تكفأ الأناء وتكسر أنف الحالب.
علي رضي الله عنه: إذا أزدحم الجواب خفي الصواب.
غنى إبراهيم الرشيد، فقال له: أحسنت أحسن الله إليك، فقال: يا أمير المؤمنين إنما يحسن الله إلي بك؛ فأمر له بمائة ألف درهم.
قال معاوية لعقيل: ما أبين الشبق في رجالكم يا بني هاشم!! قال: لكنه في نسائكم أبين يا بني أمية.
حضر أبو عبد الرحمن الحنفي ورجل من المجبرة مجلس والي البصرة، فأتى بطرار أحول، فقال الوالي للمجبر: ما ترى فيه؟ قال: يضرب خمس عشرة درة؛ وسأل أبا عبد الرحمن، فقال: ثلاثين، خمس عشرة لطره، وخمس عشرة لحوله؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن أضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعا من خلق الله، فما جعل الضرب على الطر أحق من جعله على الحول؟ كان بالكوفة رجل يحدث عن بني إسرائيل ويكذب، فقال له الحجاج ابن حنتمة: ما أسم بقرة بني إسرائيل؟ قال حنتمة! فقال رجل من ولد أبي موسى في أي الكتب وجدت هذا؟ قال: في كتب عمرو بن العاص التي جدع بها أبا موسى.
قال المتوكل لأبي العيناء: إلى متى تمدح الناس وتذمهم؟ قال: ما أحسنوا وأساءوا.
قال ابن مكرم لأبي العيناء: بلغني أنك مأفون: قال: مكذوب علي وعليك.
نظر رئيس إلى أبي هفان وهو يسار رجلاً فقال: فيم تكذبان؟ قال: في مدحك.
رأى أعرابي أبا هفان فقال: من هذا؟ فقال ابن محرز الكاتب: شيخ لنا مصاب؛ فقال أبو هفان: نعم يا ابن أخي، هذا.
سأل المأمون أبا يونس فقيه مصر عن رجل اشترى شاة فضرطت فخرجت منها بعرة فقأت عين رجل، على من الدية؟ قال: على البائع، قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاة في استها منجنيق، ولم يبرأ من العهدة.
قال عبيد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف الحال؟ قال: أنت الحال، فأنظر كيف أنت لنا، فأحسن صلته.
قال رجل لأعرابي: أتجلب التمر إلى هجر؟ فقال: نعم، إذا أجدبت أرضها، وعاوم نخلها.
قال المتوكل للفتح بن خاقان، وقد خرج وصيف الخادم في أحسن زي، يا فتح أتحبه؟ قال: أنا لا أحب من تحب، وإنما أحب من يحبك.
سمع مجنون رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة؛ فقال: إذن لا يأخذك أبداً.
اشترى أسحق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس غلاماً فصيحاً، فطلبه الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين لم أشتر إلا لك؛ فقال له الرشيد: أن مولاك قد وهبك لي، فقال: يا أمير المؤمنين: ما زلت ولا زلت؛ قال: فسر؛ قال: ما زلت لك وأنا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وأنا لك؛ فأعجب به الرشيد وقدمه.
قال المعتصم للفتح بن خاقان وهو صبي: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص؟ لفص في يده، قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه.
كان لعمران بن حطان زوج جميلة، وكان هو قصيراً دميماً، فقال له ذات يوم: أعلم أني وإياك في الجنة؛ قال: كيف؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأنا بليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة.
أجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن البصري في دار الرشيد، فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال؛ قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال: قليله؛ قال: ما رأيت خيراً قط إلا والأزدياد منه خير إلا خيرك هذا، فإن قليله خير من كثيره.
أعترض رجل المأمون فقال: أنا رجل من العرب؛ قال: ليس ذاك بعجب؛ قال: وأني أريد الحج؛ قال: الطريق أمامك نهج؛ قال: وليست لي نفقة؛ قال: قد سقط عنك الفرض؛ قال: أني جئتك مستجدياً لا مستفتياً؛ فضحك وبره.
قال الخياط المتكلم: ما قطعني إلا غلام، قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: أني أقف فيه؛ قال: فما تقول في ابنه يزيد؟ قلت: ألعنه؛ قال: فما تقول فيمن يحبه؟ قلت: ألعنه؛ قال: أفترى معاوية كان لا يحب ابنه؟ دخلت أم أفعى العبدية على عائشة فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في أمرآة قتلت ابنا لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار؛ قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الكبار عشرين ألفا؟ قالت خذوا بيد عدوة الله.

قيل لبلال: من سبق؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قيل: سألناك عن الخيل؛ قال: وأنا أجيبكم عن الخير.
قال رجل لأبي الهذيل: ما الدليل على حدوث العالم؟ قال: الحركة والسكون؛ قال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك قلت: الدليل على حدوث العالم العالم، دل على حدوث العالم بغير العالم؛ فقال أبو الهذيل: أن جئتني بسؤال من غير العالم جئتك بجواب من غير العالم.
قال الأشعث بن قيس لشريح: يا أبا أمية لعهدي بك وأن شأنك لشؤين؛ فقال: يا أبا محمد تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها من نفسك.
زحمت مدينة رجلاً فقال: المستعان بالله منكن، ما أكثركن؟ فقالت: يا هذا نحن على الكثرة وأنتم تبتغون ما وراء ذلك، فليت شعري لو كان فينا قلة ماذا كنتم تعملون؟ دخل رجل على ابن ميادة وبين يديه كتاب فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب عملته مدخلاً إلى التوراة؛ قال: الناس ينكرون هذا؛ قال: الناس كلهم جهال؛ قال فأنت ضدهم؟ قال: نعم؛ قال: فينبغي أن يكون ضدهم جاهلاً عندهم؛ قال: صدقت؛ قال: فقد بقيت جاهلاً بإجماع، والناس جهال بقولك وحدك.
خطب معاوية فقال: أن الله يقول: " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم " فعلام يلوموني إذا قصرت في عطياتكم؟ فقال الأحنف: أنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه، فجعلته أنت في خزانتك وحلت بيننا وبينه.
قال الحجاج لرجل: أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول، وأنا أبسط قامة.
قال رجل لعبد الملك: تزوجت امرأة وتزوج ابني أمها فارفدني؛ قال: أن أخبرتني ما قرابة أولادكما إذا ولدتا فعلت؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا حميد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنها، فإن أصاب لزمني الحرمان، وأن أخطأ اتسع لي العذر؛ فسأله، فقال: والله ما قدمتني على العلم ولا نصبتني له، وقدمتني على العمل بالسيف والطعن بالرمح، إلا أني أجيب عنها، ثم أقبل على الرجل فقال: يا ابن المعروكة كان أحدهما عما للآخر والأخر خالاً له. فانخزل الرجل؛ فقال عبد الملك: أجاب وأصاب، وجهلت وأنخزلت ولكنك تستحق ما طلبت بأمتحاننا إياك وصبرك علينا.
قال المنتصر لأبي العيناء: ما أحسن الجواب؟ قال: ما أسكت المبطل وحير المحق.
عمرو بن عتبة: تعريف الجاهل أيسر من تقرير المنكر.
قال داود الهي كن لابني سليمان كما كنت لي؛ فأوحى إليه. يا داود قل لأبنك سليمان يكون لي كما كنت لي، حتى أكون له كما كنت لك.
قال أبو العتاهية لابن مناذر: كم تقول في اليوم من الشعر؟ قال: الخمسة أو الثلاثة؛ فقال أبو العتاهية: لكني أقول المائة والمائتين، فقال ابن مناذر: أجل إنك تقول:
يا عتب مالي ولك ... يا ليتني لم أرك
وأنا أقول:
ستظلم بغداد وتجلو لنا الدجى ... بمكة ما عشنا ثلاثة أقمر
إذا نزلوا بطحاء مكة أشرقت ... بيحي وبالفضل بن يحيى وجعفر
وما خلقت إلا لجود أكفهم ... وأقدامهم إلا لأعواد منبر
ولو أردت مثله لطال عليك الدهر.
دخل محمد بن عيسى برغوث على أبي الهذيل وهو متكىء فلم يتحرك له، فتوهم من حضر أنه لم يعرفه، فسأله عن سبع عشرة مسألة، فأجابه عنها جواب مثله، فلما نهض قال: أن مسائلنا هذه لتقصع البراغيث قصعاً؛ فعرفوا أنه عرفه.
دخل جرير على الوليد وعنده ابن الرقاع فقال الوليد لجرير: تعرف هذا؟ قال: لا؛ قال: هو ابن الرقاع، قال: شر الثياب ما كانت فيه الرقاع قال: أنه من عاملة، قال: عاملة ناصبة، قال: ما تريد من رجل يمدح أحياء بني أمية ويؤبن موتاها؟ والله لئن هجوته لأركبنه عنقك. فخرج جرير وابن الرقاع وراءه، فقال: أيها الناس كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عنقي.

قال المتوكل يوما: أتعلمون لماذا عتب الناس على عثمان: فقال بعض جلسائه: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر على المنبر دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر، فقعد في مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر المسلمون ذلك. فقال عبادة: يا أمير المؤمنين ما أحد أعظم منة عليك، ولا أسبغ معروفا من عثمان، قال: كيف ويلك؟ قال: لأنه صعد ذروة المنبر، ولولا ذلك لكان كلما قام خليفة نزل عن مقام من تقدمه مرقاة فكنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء.
ولى المنصور سليمان بن راميل الموصل، وضم إليه ألفاً من العجم، فقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذل بهم الخلق؛ فعانوا في نواحى المواصل؛ فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان؛ فأجاب: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا؛ فضحك المنصور، وأمده بغيرهم.
كان ليزيد بن عبد الملك أخ من أمه يقال له مروان، فشتمه الوليد ذات يوم، فأراد أن يرد عليه، فقال له يزيد: أخوك وإمامك وأسن منك، ووضع يده على فم مروان؛ فقال: يا أخي قتلتني ورددت في جوفي كلمة هي أحر من النار، فمات مروان من حرقة ترك الجواب.
نزل مخنث في نهر ليغتسل، فجاء قوم من آل أبي معيط يرمونه، فقال: لا ترموني فلست بنبي.
قال المنصور: لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟ فقال الشامي: أن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون؛ فسكت، ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله.
أخذ يعقوب بن الليث رجلاً من أهل سجستان موسراً فأفقره، فدخل عليه بعد مدة، فقال له: كيف أنت الساعة؟ قال: كما كنت قديماً، قال: وكيف كنت قديماً؟ قال: كما أنا الساعة؛ فأطرق وأمر له بعشرة آلاف ألف.
حج معاوية فتلقته قريش بوادي القرى، والأنصار بأبواب المدينة، فقال: يا معشر الأنصار ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريش؟ قالوا: لم يكن لنا دواب، قال: فأين النواضح؟ قال الغمر بن عجلان: أنضيناها يوم بدر، في طلب أبي سفيان وأصحابه؛ فسكت مفحماً. فلما دخل المدينة قال: أين زيد بن ثابت؟ قالوا عليل أصابه سلس البول؛ فقال: علي به، فقال: ما منعك من تلقي؟ قال: علتي، قال: ليس كذا، ولكن غرك ما قيل في زيد بن ثابت كاتب الوحي؛ قال: بلى، حيث لم يأمنك الله ورسوله، فأفحم.
أمر بلال بن أبي بردة بإخراج مجنون من الحبس، ليضحك منه، فقال له: أتدري لم دعوتك؟ قال: لا، قال: لأسخر منك؛ فقال المجنون غير منكر: فقد حكم المسلمون حكمين فسخر أحدهما من الآخر. فخجل بلال وأطلقه.
شكا رجل إلى كسرى بعض عماله وأنه غصبه ضيعه، فقال: قد أكلتها أربعين سنة فما عليك أن تتركها على عاملي سنة!! قال: أيها الملك وما عليك أن تسلم ملكك إلى بهرام فيأكله سنة!! فأمر أن يوجاً في عنقه. فقال: أيها الملك دخلت بمظلمة وأخرج بمظلمتين، فأمر برد ضيعته وقضاء حوائجه.
حبس عمرو بن العاص عن جنده العطاء، فقام إليه رجل حميري فقال: أصلح الله الأمير أتخذ جنداً من حجارة لا يأكلون ولا يشربون؛ قال: أسكت يا كلب؛ قال: أن كنت كذلك فأنت أمير الكلاب. فأطرق عمرو وأخرج أرزاقهم.
قال علي رضي الله عنه لابن عباس حين بعثه إلى الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً.
سأل رجل الشعبي عن المسح على اللحية، قال: خللها، قال: أتخوف أن لا نبلها، قال: أن تخوفت فأنقعها من أول الليل.
روى الشعبي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسحروا ولو أن يضع أحدكم أصبعه على التراب ثم يضعها في فمه. فقال رجل في المجلس: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي إبهام رجله وقال هذه.
قال رجل ليعقوب فقيه سجستان: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر للغسل إلى أين أتوجه، إلى القبلة أم إلى غيرها؟ قال: أفضل ذلك أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنزعها. وسأله آخر: إذا شيعنا جنازة فقدامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ قال: أجهد أن لا تكون عليها وأمضى حيث شئت.
جاء رجل إلى الشعبي فقال: أصاب ثيابي التوت؛ قال: أغسله؛ قال: بم أغسله؟ قال؟: بالخل والأنجذان.

تذاكروا سوء سيرة الحجاج، فقال رجل: امرأته طالق أن غفر الله للحجاج؛ فقيل له: حلفت على غيب فسل عن يمينك، فاختلفوا عليه، وقالوا: تجنب امرأتك، فسأل عمرو بن عبيد فقال: شد يديك بامرأتك، فإن غفر الله للحجاج ذنوبه لم يتعاظمه أن يغفر لك هذا الذنب الواحد. وروي فإن يغفر الله للحجاج فما ذنبك في جنب ذنبه إلا شوى.
سأل طاهر بن الحسين أبا النبيه منذ كم دخلت العراق؟ قال: منذ عشرين سنة، وأنا أصوم منذ ثلاثين سنة. فقال طاهر سألناك عن مسألة فاجبت عن ثلاث.
غزا محمد بن واسع خراسان مع قتيبة فرعوا الزرع، وأخذ هو بعنان فرسه يتخلل به الأودية، فقال له دهقان القرية: أنت الذي أهلكتني؛ فقال: كيف؟ قال: لولاك لهلك هؤلاء.
دخل محمد بن واسع على قتيبة وعليه جبة صوف، قال: لم لبستها؟ قال: أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي، أو أن أقول فقراً فأشكو ربي.
كان الحسن يقول: لا توبة لقاتل المؤمن متعمداً؛ فدس إليه عمرو بن عبيد رجلاً وقال: قل له: لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافراً أو منافقاً أو فاسقاً، فإن كان مؤمنا فإن الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " ، وأن كان كافراً فإنه يقول: " قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " ، وأن كان منافقاً فإنه يقول: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا " ، وإن كان فاسقاً فإنه يقول: " أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا " ، فقال للرجل من أين لك هذا؟ قال: شيء أختلج في صدري؛ قال: محال، أصدقني، فقال: عمرو بن عبيد. فقال الحسن: عمرو وما عمرو!! إذا قام بأمر قعد به، وإذا قعد بأمر قام به، ورجع.
قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد: ما تقول في أموالنا التي نصرفها في سبل الخير؟ فأبطأ عمرو في الجواب، يريد به وقار العلم، ثم قال: أن من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غداً. فقال: نحن أحسن ظناً بالله منكم؛ فقال: أقسم على الأمير بالله عز وجل، هل تعلم أحداً كان أحسن ظناً بالله من رسوله؟ قال: لا، قال: فهل علمته أخذ شيئاً قط من غير حله، ووضعه في غير حقه؟ قال: اللهم لا؛ قال: حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل لاياس بن معاوية: لم تعجل بالقضاء؟ قال: كم لكفك من أصبع؟ قال خمس؛ قال: عجلت، ثم قال: يتعجل من قال بعدما قتل الشيء علماً.
أبو العيناء: ما رأيت أفصح لساناً، ولا أحضر حجة من ابن أبي داود؛ قال له الواثق: رفعت فيك رقعة فيها كذب كثير؛ قال: ليس بعجيب أن أحسد بمنزلتي عند أمير المؤمنين فيكذب علي؛ قال: وزعموا أنك وليت القضاء رجلاً أعمى؛ قال: بلغني إنما عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك، وأمرته أن يستخلف؛ قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار؛ قال: دون ذاك، وقد أثاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعباً، وقال في آخر: أقطعوا لسانه عني، وهذا شاعر طائي مصيب محسن، لو لم أرع له إلا قوله فيك للمعتصم:
فأشدد بهارون الخلافة أنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
فقال الواثق: قد وصلته بخمسمائة دينار.
سئل الشعبي عن شيء فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي وأنت فقيه العراقيين! فقال: الملائكة لم تستح إذ قالت: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.
حفص بن غياث: خرج علينا الأعمش يوماً فقال: هل تدرون ما قالت الأذن؟ قلنا: وما قالت؟ قال: قالت لولا أني أخاف أن أقمع بالجواب لطلت كما طال اللسان؛ قال حفص: فكم من كلمة غاظنى صاحبها منعني جوابها قول الأعمش.
خاصمت امرأة زوجها إلى شريح فبكت، فقال الشعبي: أظنها مظلومة، فقال: أن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون وكانوا ظالمين.
شقيق بن إبراهيم البلخي: قال لي إبراهيم بن أدهم: أخبرني عما أنت عليه، قلت: إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت؛ قال: هكذا تفعل كلاب بلخ؛ فقلت: فكيف تعمل أنت؟ قال: إذا رزقت آثرت، وإذا منعت شكرت.
أنشد كثير سكينة:
فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وعهد النوى عند الفراق ذميم
فقالت: أنه لبيت حسن؛ ولكن لو أفلتت عليه شاة لأكلته.
قال نهار بن توسعة:

ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الغنى والعرف بعد المهلب
فلما غزا قتيبة الصغد وأصاب من السبي ما لم ير مثله، قال لنهار: أنت القائل ألا ذهب الغزو، فما هذا؟ قال: هو الحشر.
قيل لحكيم: مالك تدمن أمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ قال: لا علم أني مسافر.
أنشد رجل غرارة شعراً ردياً ثم قال: تراني مطبوعاً؟ قال: أي والله على قلبك.
أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية فشتمه وقال: أنت خارجي منافق، ائتني بمن يكفل بك؛ قال: ما أجد أعرف بي منك؛ قال: وما علمني بك وأنا شامي وأنت عراقي!! قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟ فضحك وخلى سبيله.
دخل شريك بن الأعور على معاوية، وكان دميماً، فقال له: أنك لدميم والجميل خير من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وأن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور، فكيف سدت قومك؛ فقال: وأنك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فأستعوت الكلاب، وأنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ وخرج وهو يقول:
أيشتمني معاوية بن حرب ... وسيفي صارم ومعي لساني
وحولي من ذوى يمن ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان
يعير بالدمامة من سفاه ... وربات الخدور من الغواني
ذوات الحسن والريبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان
قال أبو يوسف رحمه الله لبعض من أعترض في كلامه: لست من أرض هذا، فإذا ذكر مثل هذا فأستأسر ولا تستأسد.
حجة لا يهتدي تاركها، ومحجة لا يضل سالكها:
طعنت بالحجة الغراء ثغرته ... ورمح غيرك فيه العي والخطل
ضاع عجاجه، وكعم بحجاجه. فلان كعيم الحجة. هذه الحجة لي مسرح في ردها عليك، وعكسها إليك. أتى بكلمة مجمجمة، وحجة ملجلجة.
لما توجهت عليك الحجة كابرت، ولما وضح لك الحق تضاجرت.
فرط في الحجاج، وأسرع في اللجاج.
قال ابن شبرمة لرجل: أنت والله حجة خصمك، وسلاح عدوك، وفريسة قرنك، ونقصان في عدد أهلك.
بخوع الفتى بالحق أحسن في النهى ... وأولى به من أن يلج يباطل
وأحسن بمثلى أن يراجع رشده ... بترك لجاج في مماراة جاهل
المبطل مخصوم وأن غلب، والمحق فالج وأن خصم.
أعرابي في وصف متناظرين: أول مجلسهم اشطاح، وآخره اصطلاح.
أعذر وأن حمض الجواب، فرب منتفع بحامض.
كأني استفز بالحداء عوداً، وأهز بالنداء طوداً.
قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة؟ قال: الدلائل المخبرة، والعبر الواعظة.
وهب بن منبه: صحب رجل عالماً سبعمائة فرسخ، ثم سأله عن سبع كلمات، قال له، أخبرني عن السماء وما أثقل منها، وعن الأرض ما أوسع منها، وعن الحجر ما أقسى منه، وعن النار ما أحر منها، وعن البحر ما أغنى منه، وعن اليتيم ما أضعف منه، وعن الزمهرير ما أبرد منه؟ فقال الحكيم: البهتان أثقل من السماوات، والحق أوسع من الأرض، وقلب الكافر أقسى من الحجر، وقلب القانع أغنى من البحر، وجشعة الحريص أخر من النار، ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم، واليأس من القريب أبرد من الزمهرير.
سئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف، فقيل له: ما تقول في الذباب؟ فقال: أن أشتهيته فكله.
قيل لهشام بن الحكم: أترى الله، في فضله وعدله وكرمه، كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ قال: قد والله فعل، ولكن لا نستطيع نتكلم.
أدعى رجل الفقه، وبسط على باب داره البواري، وقعد للفتوى، وأحتف به الناس فجاء رجل فقال: يا فقيه ما تقول فيمن أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليها دم؟ فقال: يحتجم؛ فقال: أقعدت فقيهاً أم طبيباً؟ فقال: لك طبيباً ولغيرك فقيهاً.
أدعى رجل أنه من كندة، فقيل له: من أيها أنت؟ فلم يدر ما يقول فقال: يا سبحان الله! أهذا موضع هذا السؤال عافاك الله؟ سمع الحجاج أن الناس يقولون أنه من بقية ثمود، فقال في خطبته: أتزعمون أني من بقية ثمود، والله يقول: وثموداً فما أبقى، صدق الله وكذبتم أنتم.
قال عبد الله بن خازم لقهرمانه: إلى أين تمضى يا هامان؟ قال: أبنى لك صرحاً؛ فعجب من جوابه، لأنه أشار إلى أنه فرعون، أن كان هو هامان.

سمع اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة رحمه الله يحيى بن أكثم يغض من جده فقال: ما هذا جزاؤه منك؟ قال: حين فعل ماذا؛ قال: حين أباح النبيذ، ودرأ الحد عن اللوطي.
وهب بن منبه: استعمل علينا ابن الزبير رجلاً منا دميما يلقب عجوز اليمن، فقدمت على ابن الزبير وعنده عبد الله بن خالد بن أسيد فقال لي: يا أبا عبد الله كيف عجوز اليمن؟ فأعادها مراراً، فلما أكثر قلت: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، فما فعلت عجوز قريش؟ قال: ومن عجوز قريش؟ قلت: أم جميل حمالة الحطب؛ فضحك ابن الزبير، وقال لخالد: أسأت السؤال وأحسن الجواب. عيره برجل من قومه، فخيل أنه يسأل عن بلقيس وكانت من اليمن، فأجاب بأنها أسلمت مع سليمان، وعيره بعجوز قومه التي هي حمالة الحطب، ودفع عن الرجل الدفع الحسن، فلله عقولهم ما أثقبها!! أما تراه كيف غالط، وكيف أبعد عن أميره المذمة على الطريقة الجميلة.
كتب ملك الروم إلى المعتصم يتهدده، فأمر بجوابه، فعرضت عليه الأجوبة فلم يرضها؛ فقال للكاتب أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، والسلام.
دخل ابن مكرم على أبي العيناء عائداً فقال: أرتفع فديتك؛ فقال: رفعك الله إليه، أي أماتك.
اعترض رجل جارية رقاصة فقال: هل في يدك صناعة؟ قالت: لا، ولكن في رجلي.
دخل شاعران على المأمون، فقال لأحدهما: ممن؟ قال: من ضبة، فأطرق، فقل: يا أمير المؤمنين من ضبة الكوفة لا من ضبة البصرة؛ وسأل الآخر فقال: من الأشعريين؛ فقال: أنت أشعر أم صاحبك؟ فقال: ما ظننت أن هاشميا يحكم أشعرياً بعد أبي موسى، فضحك وقال: أعطوا الضبي ألف دينار لفطنته، وللأشعري ألفاً لنادرته.
أغار أنس بن مدركة الخعثمي على سرح قريش في الجاهلية فذهب به، فقال له عمر رضي الله عنه في خلافته: لقد اتبعناك تلك الليلة فلو أدركناك!! فقال: لو أدركتني لم تكن للناس خليفة.
كان يقال: أحضر الناس جواباً من لم يغضب.
الأصمعي: من علامة الأحمق الأجابة قبل أستقصاء الأستماع.
مرت أمرأة بمجلس بني نمير فقال رجل منهم هي رسحاء فقالت: يا بني نمير، لا قول الله سمعتم، ولا قول الشاعر أطعتم، قال الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " ، وقال الشاعر؛ فغض الطرف أنك من نمير.
تقدم أياس بن معاوية وهو غلام خصماً له شيخاً إلى قاضي الشام، فقال له: أتتقدم شيخاً كبيراً؟ قال: الحق أكبر منه؛ قال: أسكت، قال: فمن ينطق بحجتي؟ قال: لا أظنك تقول حقا حتى تقوم، قال: لا إله إلا الله، فخبر القاضي عبد الملك بخبره، فقال أقض حاجته الساعة، وأخرجه من الشام، لا يفسد علي الناس.
تفاخر أموي وأنصاري، فقال الأموي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر عماله بنو أمية، بمكة عتاب بن أسيد، وعلى البحرين أبان بن سعيد بن العاص وعلى اليمن خالد بن سعيد بن العاص وعلى نجران أبو سفيان؛ فقال الأنصاري: صدقت، ولكنهم حالفوا أهل الردة على هدم الاسلام، فكأنما ألقمه حجراً.
دخل معن بن زائدة على المنصور يقارب خطوه، فقال: كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين؛ قال: وإنك لتتجلد؛ قال: لأعدائك؛ قال: وإن فيك بقية؛ قال: هي لك يا أمير المؤمنين.
علي رضي الله عنه، أرسل إليه أهل البصرة كليباً الجرمي بعد يوم الجمل، ليزيل الشبهة عنهم في أمره، فذكر ما علم أنه على الحق، ثم قال له: بايع، فقال: حتى أرجع إليهم، إني رسول القوم، فلا أحدث حدثا دونهم؛ فقال: أرأيت الذين وراءك لو أنهم بعثوك رائداً تبتغي له مساقط الغيث، فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الماء والكلأ؛ قال: فأمدد إذن يدك؛ قال كليب: فو الله ما أستطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي، فبايعته.
قال ابن عباس لأبي الأسود الدؤلي: لو كنت جملاً لكنت ثقالا؛ فقال: يا ابن عباس لو كنت راعي ذلك الجمل ما أرويته من ماء، ولا أشبعته من كلأ.
دخل رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي فقال: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام!! يعني الضفادع لقول الأخطل:
تنق بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبرى

ضفادع في أناء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
فقال المحاربي: أصلحك الله أنهم أضلوا برقعاً البارحة فكانوا في طلبه؛ يريد قول القشيري:
لكل هلالي من اللؤم جبة ... ولابن يزيد جبة وبراقع
أبو عثمان الناجم:
أبى لي أن أجيبك أن قدري ... أبي لي أن نازعك الكلاما
قال الفرزدق: ما أستقبلني أحد بمثل ما أستقبلني به نبطي، قال: أأنت الفرزدق الذي يمدح الناس ويهجوهم ويأخذ أموالهم، قلت: نعم؛ قال: أنت في الكنيف من قدمك إلى أنفك؛ قلت: لم حاشيت العينين؟ قال: حتى ترى هوان نفسك؛ فبهت.
كتب عون إلى محمد بن عبد الملك:
قد بعثنا بتحفة البستان ... بكر ما قد جنى من الريحان
ياسميناً ونرجساً قد بعثنا ... وبعثنا شقائق النعمان
فأجابه:
عون رض الأله من فيك أقصا ... ه وأدناه يا عيي اللسان
حشو بيتين قد وقد فالى كم ... قدك الله بالحسام اليماني
قال رجل لأبي نواس: ولاك أمير المؤمنين على القردة والخنازير؛ قال: فأسمع وأطع لأنك من رعيتي.
دخل معن بن زائدة على المنصور، فقال له: هيه يا معن تعطى مروان بن أبي حفصة مائة ألف على قوله:
معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفاً إلى شرف بنو شيبان
قال: كلا، إنما أعطيته على قوله:
ما زلت يوم الهاشمية معلماً ... بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان
قال أحسنت يا معن.
كان الجهجاء يدعي الخلافة بجنونه، فأدخل على الرشيد، فقال له جعفر بن يحيى: هو أمير الحباقين يزعم أنه أمير المؤمنين؛ فقال لو كنت كذلك لكنت أوسع امرة من صاحبك لأن الحباق عام والأيمان خاص؛ فقال هارون: لأضربنك حتى تقر بالزندقة؛ فقال: هذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أضرب الناس حتى يقروا بالإيمان، وأنت تضربني حتى أقر بالكفر.
عن الشعبي: حضرت عبد الله بن الزبير وهو يخطب بمكة فقال في آخر خطبته: والله لو كانت الرجال تصرف لصرفتكم تصريف الذهب بالفضة، أما والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلاً من أهل الشام، بل بكل خمسة، بل بكل عشرة، فما بكم يدرك الثار، ولا بكم يمنع الجار. فقام إليه رجل من أهل البصرة فقال: ما نجد لنا ولك مثلاً إلا قول الأعشى:
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعلق أخرى ذنب الرجل
علقناك، وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام بني مروان، فما عسينا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت بجواب أحضر منه ولا أحسن.
قال جعفر بن سليمان لأعرابي، رآه في إبل قد ملأت الوادي، لمن هذه الأبل؟ قال: لله في يدي.
قيل لبعض السلف: إذا كان الله واسع الرحمة فلم يعاقب عباده بذنوبهم؟ قال: رحمته لا تغلب حكمته.
وفد ابن أبي محجن على معاوية، فقام خطيباً فأحسن، فحسده فأراد أن يكسره، فقال: أنت الذي أوصاك أبوك بقوله:
إذا مت فادفني إلى أصل كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فأنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
فقال: بل أنا الذي يقول أبي:
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته ... وسائل الناس ما جودي وما خلقي
أعطي الحسام غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرديه من العلق
ويعلم الناس أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... وأكتم السر فيه ضربة العنق
كتب ابن المعتز إلى علي بن مهدي الكسروي:
أبا حسن أنت ابن مهدي فارس ... فرفقاً بنا لست ابن مهدي هاشم
وأنت أخ في يوم لهو ولذة ... ولست أخاً عند الأمور العظائم
فأجابه علي:
أيا سيدي أن ابن مهدي فارس ... فداء ومن يهوى لمهدي هاشم
بلوت أخاً في كل أمر تحبه ... ولم تبله عند الأمور العظائم
وأنك لو نبهته لملمة ... لأنساك صولات الأسود الضراغم
في وصية علي رضي الله عنه: أياك أن تجمح بك مطية اللجاج.
رمى المتوكل عصفوراً فلم يصبه، فقال ابن حمدون أحسنت، قال: كيف أحسنت؟ قال: إلى العصفور.

عاد شريح زياد بن أبيه، فلما خرج قيل له: كيف تركته؟ قال: تركته يآمر وينهى؛ خيل أنه صحيح يقوم بإمارته آمراً ناهياً، وإنما أراد أنه مشف، يآمر بتنفيذ وصاياه، وينهى عن النوح عليه.
عبد الله بن الحسن بن الحسن: المراء يفسد الصداقة القديمة، يحل العقدة الوثيقة، وهو أمتن أسباب القطيعة.
لما أنشد كثير عبد الملك قوله:
علي ابن أبي العاصي دلاص حصينة ... أجاد المسدى سردها وأذالها
يؤود ضعيف القوم سرد قتيرها ... ويستضلع القرم الأشم أحتمالها
قال عبد الملك: هلا قلت كما قال أخو بني ثعلبة:
وإذا تجيء كتيبة ملموسة ... خرساء يخشى الذائدون نزالها
كنت المقدم غير لابس جنة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها
فقال: إني وصفتك بالحزم، ووصف الأعشى صاحبه بالخرق.
علي رضي الله عنه: إذا أزدحم الجواب خفى الصواب.
ما أحر السؤال يرحمك الله ولكن أحر منه الجواب قال عمر بن عبد العزيز لسالم السندي: أسرك ما وليت أم ساءك؟ قال: سرني للناس وساءني لنفسك؛ قال: فإني أتخوف أن أكون أوبقت نفسي؛ قال: ما أحسن حالك أن كنت تخاف، وإنما أخاف أنك لا تخاف؛ قال: عظني؛ قال: أن أبانا قد أخرج من الجنة بخطيئة واحدة.
قال علوي لأبي العيناء: أتبغضني وقد أمرت بالصلاة علي؟ تقول صلى الله على محمد وآله؛ قال: أني أقول الطيبين الأخيار، فتخرج أنت.
قال عبد الملك لأعرابي: لا تحسن أن تطاف؛ قال: يا أمير المؤمنين، أني لأطيل المشي حتى أتواره، كراهة أن أرى، وأستدير الريح، وأجتنب القبلة، وأستر بالنجوة وأفج أفجاج الثعلب، وأتمسح بالحجر والمدر، وأجتنب الروثة والرمة؛ قال: أنك نبيل أصيل.
قال أبو العيناء: ما قطعني أحد قبل المهتدي، قال: بلغني أنك تغتاب الناس؛ قلت: يبطل ما قيل عني شغلي بعيني؛ قال: ذاك والله أشد لتغيظك على أهل العافية.
أن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل
وهل أرد شبا خصمي بحاسمة ... تكفي الألد حجاج الخصم بالجدل
فيه لدد وله مدد.
النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم.
وعنه عليه الصلاة والسلام: لا خير في المراء وأن كان في حق.
أبو حيان: أن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد مطلبه، فلن يفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء، وأنقلبت العصا حية.
قاول عثمان بن مسعود العبسي حضين بن المنذر الرقاشي بحضرة قتيبة بن مسلم فغلبه حضين وقال:
فإن تك قد لاقيت مني شكيمة ... فما يوم عيسى من رفاس بواحد
عاتبت أم جعفر الرشيد في إيثار المأمون على محمد، فوجه إليهما خادمين حصيفين يقولان لكل واحد في الخلوة: ما تفعل بي إذا أستخلف؟ فقال محمد: أقطعك أغنيك، ورمى المأمون الخادم بدواة، وقال: يا ابن الإخناء، أتسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟ أني لأرجو أن نكون جميعاً فداء له. فقال الرشيد: كيف ترين؟ ما أقدم أبنك ألا متابعة لرأيك وتركاً للحزم.
دخل زبيري الهوى على عبد الملك بعد قتل عبد الله، فقال له: أليس قد ردك الله على عقبيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أو من رد إليك فقد رد على عقبيه؟ فسكت عبد الملك، وأستحيا وأمر له بمال.
قال عمر بن عبد العزيز لرجل من أهل الشام: كيف عمالكم فبلكم؟ قال: يا أمير المؤمنين إذا طابت العين عذبت الأنهار.
أخذ الحجاج ابن الحنفية بمبايعة عبد الملك، قال: إذا أجتمع الناس عليه كنت كأحدهم؛ قال: لأقتلنك، قال: أو لا تدري؟ قال: وما لا أدري؟ قال: حدثني أبي: أن الله في كل يوم ثلثمائة وستين لحظة، له في كل لحظة ثلثمائة وستون قضية، فلعله يكفنيك في قضية من قضاياه. فأرتعد الحجاج وأنتفض وقال: لقد لحظك الله فأذهب حيث شئت.
فكتب الحجاج بحديثه إلى عبد الملك، ووافق ذلك كتاب ملك الروم إليه يتهدده، فكتب عبد الملك إلى قيصر بحديث محمد؛ فكتب إليه قيصر: هيهات هيهات، هذا كلام ما أنت بأبي عذره، هذا كلام لم يخرج إلا من نبي، أو من أهل بيت نبوة.

أستدرك على إياس بن معاوية ثلاث، قيل له تسرع في الجواب، ونجالس الدون من الناس، وتلبس الدون من الثياب؛ فقال: خمسة أكثر أم ستة؟ قالوا: ستة، قال: أسرعتم في الجواب، قالوا: ومن يشك في ذا؟ قال: فأنا لا أشك في الدقيق كما لا تشكون في الجليل، ولئن أجالس من يرى لي أحب إلي من أن أجالس من أرى له، ولئن ألبس ثوباً يقيني خير من أن ألبس ثوباً أقيه.
كتب قيصر إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أول قطرة دم وقعت في الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة، فلم يعلم ذلك إلا الحسن ابن علي، قال: ظهر الكعبة، وشبر حراء، وأرض البحر حين ضربه موسى.
خالف ناس من قريش معاوية فقال: لقد هممت أن أبعث إليهم من يأتيني برؤوسهم؛ فقام إليه ابن قيس فقال: لو فعلت ذلك لقطعنا أعدادها من رؤوس بني أبي سفيان، فقال معاوية: أنت يا غراب!! فقال: أن الغراب يدب إلى الرخمة حتى ينقف رأسها. فضحك معاوية وسكت.
قال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: أتدري ما يأتمر بك قومك؟ قال: نعم؛ قال: من أخبرك؟ قال: ربي؛ قال: نعم الرب ربك فأستوص به خيراً؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به خيراً. أراد الطاعة.
أنشد أبو الخطاب عمر بن عامر السعدي قصيدته التي أولها:
يا خير من عقدت كفاه حجزته ... وخير من قلدته أمرها مضر
فقال الهادي: إلا من، فقال سعيد بن سلم: أراد من في هذا الزمان، وقد أفكر الشاعر فقال:
ألا النبي رسول الله أن له ... فضلاً وأنت بذاك الفضل تفتخر
فقال: الآن أصبت وأحسنت، وأمر له بخمسين ألفاً.
وكان سعيد يقول: والله أني لأرجو أن يغفر الله للهادي فيرحمه لما رأيته منه.
أنشد العماني الرشيد قوله حين عقد للأمين والمأمون:
قل للأمين المقتدى بأمه ... ما قاسم بدون ما ابني أمه
وقد رضيناه فقم فسمه فقال الرشيد: لم يرض أن يعقدها جلوساً حتى جعلنا قياماً؛ قال: أنه قيام عازم، لا قيام قائم.
ونحوه أن الفرزدق أنشد سعيد بن العاص بالمدينة وهو واليها:
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان عالا
قياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال له مروان: لم ترض أن تجعلنا قعوداً ننظر إليه حتى جعلتنا

باب
الجنايات والذنوب وما يتعلق بها من العقود
والعقاب والأعتذار والتنصل والتوبة
النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يقبل من متنصل، صادقاً كان أو كاذباً، لم يرد علي الحوض.
وعنه عليه الصلاة والسلام: تجافوا لذوي الهيآت عن زلاتهم.
وعنه: أن الله يحب أن يعفى عن زلة السري.
الأشعري عنه عليه الصلاة والسلام: يد الله مبسوطتان لمسيء الليل ليتوب بالنهار ولمسيء النهار ليتوب بالليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
الحسن رفعه: أن ابليس قال: وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح في جسده؛ فقال الرب جل جلاله: وعزتي لا أمنعه التوبة ما لم يعرغر بنفسه.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أني أذنبت ذنبا؛ قال: أستغفر ربك، قال: وأني أتوب ثم أعود؛ قال: كلما أذنبت فتب وأستغفر ربك حتى يكون الشيطان هو الحسير.
وروى أن حبيب بن الحارث قال له: أني مقراف للذنوب؛ قال: فتب إلى الله يا حبيب؛ فقال: إني أتوب ثم أعود؛ فقال: كلما أذنبت فتب، حتى قال: عفو الله أكبر من ذنوبك يا حبيب.
قياماً، فقال له الفرزدق: أنك من بينهم يا أبا عبد الملك لصافن.
عن الأصمعي: كان فهم الرشيد فهم العلماء، أنشده العماني في قوله في صفة الفرس قوله:
كأن أذنيه إذا تشرقا ... قادمة أو قلماً محرفا
فقال له: دع كأن وقل تخل، حتى يستوي.
أنس عنه عليه السلام: المؤمن مثل السنبلة يستقيم أحياناً ويميل أحياناً.
الحسن يرفعه: أن المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنة؛ فقالوا: يا نبي الله، كيف يدخله الجنة؟ قال يكون نصب عينيه، تائباً عنه، مستغفراً منه، حتى يدخل الجنة.

علي رضي الله عنه: سمعت أبا بكر، وهو الصادق، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد أذنب ذنباً فقام فتوضأ فأحسن وضوءه وصلى وأستغفر من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له، لأنه يقول: " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله " الآية.
عمر رضي الله عنه: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة.
وعنه: أعقل الناس أعذرهم للناس.
وعنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
علي رضي الله عنه: العفو زكاة الظفر.
وعنه: إذا أنا مت من ضربته هذه فأضربوه ضربة بضربة؛ ولا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
مسلم بن الوليد الأنصاري في المأمون:
يغدو عدوك خائفاً فإذا رأى ... أن قد قدرت على العقاب رجاكا
الجرجرائي الكاتب:
خل أتى ذنبا إلي وأنني ... لشريكه بالذنب إن لم أغفر
أعتذر رجل إلى يحيى بن خالد فأساء، فقال يحيى: ذنبك يستغيث من عذرك.
إذا كان وجه العذر ليس بواضح ... فإن أطراح العذر خير من العذر
التجنى رائد الصرم، فأصفح الصفح الجميل قبل الرضا بلا عتاب.
سخط الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالسيف والنطع، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت لأنه لابد منه، وإنما بكيت أسقا على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط علي؛ فضحك وعفا عنه وقال: أن الكريم إذا خادعته انخدعا.
أمر زياد بضرب عنق رجل فقال: أيها الأمير أن لي بك حرمة؛ قال: وما هي؟ قال: أن أبي جارك بالبصرة؛ قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت أسم نفسي فكيف أسم أبي؟ فرد زياد كمه إلى فيه، وعفا عنه.
ضرب أبو الجحش الأعرابي غلماناً للمهدي، فأستعدوا عليه، فقال: أجترأت على غلماني فضربتهم؟ فقال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك، ضرب بعضنا بعضا؛ فعفا عنه.
غضب الأسكندر على شاعر فأقصاه، وفرق ماله في الشعراء؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: أما أقصائي له فلجرمه، وأما تفريقي ماله في أصحابه فلئلا يشفعوا فيه.
أعرابي: أجعل لي وكيلاً من نفسك يقوم عندك بعذري، ويخاصمك إلى كرمك في أمري.
أعرابي: هذا مقام من لا يتكل عندك على المعذرة، بل يعتمد منك على المغفرة.
منصور الفقيه:
لا يوحشنك مني ... ما كان منك إليا
أنتم على كل حال ... أعز خلق عليا
قيل لحكيم: العمل بالبر أفضل، أم أجتناب الأثم؟ فقال: ترك العمل بالبر أعظم الأثم. وأجتناب الأثم أعظم البر.
أمر الحجاج بقتل رجل فقال: أسألك بالذي أنت غداً بين يديه أذل موقفاً مني بين يديك اليوم إلا عفوت عني، فعفا عنه.
لما ضرب الحجاج أعناق أصحاب الأشعث أتي برجل من بني تميم بآخرتهم فقال: والله يا حجاج لئن كنا أسأنا في الذنب ما أحسنت في العفو؛ فقال: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم من يحسن مثل هذا، وعفا عنه.
زياد: أن الأمرة تذهب الحفيظة، فمن كان مسيئاً فليرجع، ومن كان محسنا فليزدد، وقد كان بيني وبين قوم هنات، وقد جعلت ما كان من سوء إلي تحت قدمي، ودبر أذني؛ فلو بلغني أن أحدكم قد أخذه السل من بغضي ما هتكت له ستراً، ولا كشفت له قناعا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره.
وقع بين عبد الملك بن مروان وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد منازعة فغلبه عبد الرحمن، فقيل لي أشكه إلى عمك ينتقم لك منه؛ فقال: مثلي لا يشكو، ولا أعد أنتقام غيري لي أنتقاما؛ فلما أستخلف قيل له في ذلك فقال: حقد السلطان عجز.
رضي عيسى بن فرخانشاه عن المبرد بعد أن غضب عليه فقال له: أنا أعزك الله، لولا تجرع مرارة الغضب، ما التذذت بحلاوة الرضا، ولا يحسن مدح الصفو إلا عند الكدر، ولقد أحسن في هذا البحتري حيث يقول:
ما كان إلا مكافأة وتكرمة ... هذا الرضا وأمتحانا ذلك الغضب
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سبب ما مثله سبب
هذي مخايل برق خلفه مطر ... وذاك وري زناد خلفه لهب
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب
فقال له عيسى: أطال الله بقاك، وأحسن عنا جزاك، فأنت كما قال أبو نواس:

من لا نعد العلم إلا ما عرف ... كنا متى نشاء منه نغترف
رواية لا تجتنى من الصحف وأنا أصل البحتري لتمثلك بشعره.
قال المنصور لجرير بن عبد الله وكان واحداً عليه؛ تكلم بحجتك؛ قال: لو كان لي ذنب لتكلمت بعذري، وعفو أمير المؤمنين أحب إلي من براءتي.
الحسن: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به.
كان إبراهيم بن المهدي يقول: والله ما عفا عني المأمون تقرباً إلى الله، وصلة للرحم، ولكن له سوق في العفو فكره أن تكسد بقتلي.
أعتذر رجل إلى ابن أبي خالد فأساء، فقال لأبي عباد: ما تقول فيه؟ قال: يوهب له جرمه، ويضرب لعذره أربعمائة.
أن العفو يفسد من اللئيم بقدر أصلاحه من الكريم.
عاتب محمد بن زبيدة أبا نواس في شيء، فقال: يا أمير المؤمنين تمام العفو ألا تذكر الذنب.
غضب الرشيد على عبد الله بن مالك، ثم أتضحت له براءته فعفا عنه؛ وكان عبد الله يرى فيه بعض الأنقباض؛ فقيل له: أن عبد الله يشكو أثراً باقياً من تلك النبوة؛ فقال: أنا معشر الملوك إذا غضبنا على أحد من بطانتنا ثم رضينا عنه بقي لتلك الغضبة أثر لا يخرجه ليل ولا نهار.
النعمان بن المنذر:
تعفو الملوك عن العظيم من الذنوب لفضلها
ولقد تعاقب في اليسير وليس ذاك لجهلها
إلا ليعرف فضلها ... ويخاف شدة نكلها
كتب معاوية إلى عقيل بن أبي طالب يعتذر إليه من شيء جرى وبينهما: من معاوية ابن أبي سفيان إلى عقيل بن أبي طالب، أما بعد يا بني عبد المطلب فأنتم والله فروع قصي ولباب عبد مناف وصفوة هاشم، فأين أحلامكم الراسية، وعقولكم الكاسية، وحفظكم الأواصر، حبكم العشائر؟ ولكم الصفح الجميل، والعفو الجزيل، مقرونان بشرف النبوة، وعز الرسالة؛ وقد والله ساء أمير المؤمنين ما كان جرى، ولن يعود لمثله إلى أن بغيب في الثرى.
فكتب إليه عقيل:
صدقت وقلت حقا غير أني ... أرى أن لا أرك ولا تراني
ولست أقول سوء في صديقي ... ولكني أصد إذا جفاني
فركب إليه معاوية، وناشده في الصفح، وأجازه بمائة ألف درهم، حتى رجع.
عثمان بن خريم في الرشيد:
أغثني أمير المؤمنين بنظرة ... تزول بها عني المخافة والأزل
ففضلك أرجو لا البراءة أنه ... أبى الله إلا أن يكون لك الفضل
وإلا أكن أهلاً لما أنت أهله ... فأنت أمير المؤمنين له أهل
استبطأ رجل أخا له فقال في الأعتذار إليه: لا تستبطئني في حقك، فو الله لو علمت أن نومي أهنأ من نومك لاحتلت في أن أوثرك به.
عمر بن عبد العزيز: أن أباكم قد أخرج من الجنة بذنب واحد، وأن ربكم وعد على التوبة خيراً، فليكن أحدكم من ذنبه على وجل، ومن ربه على أمل.
الأحنف: الكامل من عدت هفواته.
أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم.
الخليل ابن أحمد: أقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى غير توبة.
كان النخعي يكره أن يعتذر إليه، ويقول: أسكت معذوراً، فإن المعاذير يحضرها الكذب.
أوحى الله إلى بعض أنبيائه: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني.
سئل فضيل عن الفتوة فقال: الصفح عن عثرات الأخوان.
إبراهيم بن أدهم: أطلب لأخيك المعاذر من سبعين باباً، فإن لم تجد له عذراً فاعذره أنت.
أحمد بن عاصم الأنطاكي العابد: هذه غنيمة باردة: أصلح ما بقي يغفر لك ما مضى.
أعتذر رجل إلى أبي عبيد الله كاتب المهدي فأكثر، فقال له: ما رأيت عذراً أشبه بإستئناف ذنب من هذا العذر.
كتب الموصلي إلى الفضل بن الربيع وقد وجد عليه: أن لكل ذنب عفواً وعقوبة، فذنوب الخاصة عندك مغفورة، وأما مثلي من العامة فذنبه لا يغفر، فعاقبني بأعراض لا يؤدي إلى مقت، والسلام.
كتب أبو دلامة إلى أبي جعفر من السجن:
وقد كانت تحدثني ذنوبي ... بأني من عذابك غير ناجى
على أني وأن لاقيت شراً ... لعفوك بعد ذاك الشر راجى
أعرابي: أن الله أفرح بتوبة العبد من المضل الواجد، والظمآن الوارد، والعقيم الوالد.
الحسن: لو علم الله من عبد يقبضه على غير التوبة، أن لو عمره عمر الدنيا تاب إليه، ما أختلسه دون توبته.

الحسن: إذا حدثتك نفسك بالخطيئة أو واقعتها، فعجل التوبة إلى الله منها والفزع إليه فيها، والأستغفار له منها، تجده قريباً مجيباً.
وعنه: لا تتمن المغفرة بغير توبة، ولا الثواب بغير عمل، ولا تغتر بالله، فإن الغرة بالله أن تتمادى في سخطه، وتترك العمل بما يرضيه، وتتمنى عليه مع ذلك مغفرته، فتغرك الأماني حتى يحل بك أمره.
علي رضي الله عنه: كل مفتن تواب.
سعيد بن جبير في قوله تعالى: " أنه كان للأوابين غفوراً " . قال: الأواب التواب يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
أسوف توبتي خمسين حولاً ... وظني أن مثلي لا يتوب
علي رضي الله عنه: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: محسن يزداد كل يوم أحسانا، ومسىء يتدارك بالتوبة. وعنه ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة.
الحسن: ابن آدم ما يؤمنك أن تكون أصبت كبيرة فأغلق دونك باب التوبة، فأنت تعمل في غير معمل.
زفر بن الحارث الكلابي:
ولم تر مني نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا
أيذهب يوم واحد أن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا
ابن المسيب: يرفعه: إذا تاب العبد إلى الله فتاب عليه أنسى الحفظة ما علموا، وقال للأرض ولجوارحه أكتمي عليه مساوئه، ولا تظهري عليه أبداً.
وعنه عليه الصلاة والسلام: المستغفر باللسان دون القلب كالمستهزىء بربه.
فضيل: الأستغفار بلا أقلاع توبة الكذابين.
ثمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا.
بكى الحسن ذات ليلة حتى أبكى أهله، فقيل: فكرت في نفسي فقلت: وما يدريك يا حسن لعلك قد أذنبت ذنباً، مقتك الله عليه مقتاً، لا يريد مراجعتك أبداً.
سهل بن سعد: عنه عليه الصلاة والسلام: إياكم ومحقرات الذنوب فإن محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء هذا يعود وجاء هذا يعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم؛ وإن محقرات الذنوب مما يزدريها صاحبها فتهلكه.
ابن عمر: كان رأس عمر على فخذي في مرضه، فقال: ضع رأسي على الأرض، فقلت: وما عليك لو كان على فخذي!! فقال: ضع رأس عمر على الأرض لا أم لك؛ فقال: ويل لي أن لم تغفر لي.
العتبي عن أبيه عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا فأراد سفراً فقال: يا بني تألفوا النعم بحسن مجاورتها، وألتمسوا المزيد بالشكر عليها، وأعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، وأعطى شيء لما سئلت، فأحملوها على مطية لا تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق وأن تقدمت عليها، نجا من هرب من النار، وأدرك من سابق إلى الخير. فقال الأصاغر من ولده: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة.
صالح غلام أبي تمام الطائي يخاطب مولاه:
إذا عاقبتني في كل ذنب ... فما فضل الكريم على اللئيم
فإن تكن الحوادث برحت بي ... فإن الصبر يعصف بالهموم
التجني وجه القطيعة.
تاب مما لا تحسن مفارقته، وعاد إلى ما لا تجمل به مفارقته.
أحترش بتمهيد عذره ضباً جائماً في صدره.
فلان لطيف التوصل، حسن التنصل.
مات حقدي بحياة عذرك.
أجعل ما توليه رضى لا تراضيا، وأغضاء لا تغاضيا.
أغضى على صفاته، وعطف بحلمه وأناته.
فلان لا يخدش وجه عفوه بتثريب.
جحود الذنب ذنبان.
عرفت ما اعترفت به من تقصيرك، فوجدت الأعتراف أو كد معاذيرك.
قعد في مدارج نفسه، يناقشه في الكلم، ويحاسبه على الحلم.
هو منزوع الرحمة من قلبه، يرى العفو مغرما، والسطو مغنما.
ضاق نطاق الأحتمال عما أتاه.
لا يسلمنك الأغترار بعواطفنا إلى التعرض لعواصفنا.
عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر.
كسع ذنوبه بالأستغفار.
حكيم: تجنب صغار الخطايا، فمن العود إلى العود ثقلت ظهور الحطابين، ومن الهفوة إلى الهفوة كثرت ذنوب الخطائين، ورب خطوة يسيرة عادت همة كبيرة، كغصن صار دوحة، وشعبة صارت أيكة، وقضيب صار غيلا.
عقوبة الجاهل نكال للعاقل.
الربيع بن خيثم: لو كانت الذنوب تفوح ما جلس أحد إلى أحد.
علي رضي الله عنه: أنفتر عن الواضحة وقد علمنا الذنوب الفاضحة.
عبيد الله بن معمر القرشي في معاوية:
إذا أنت لم ترخ الأزار تكرما ... على الكلمة العوراء من كل جانب

فمن ذا الذي نرجو لحقن دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحمل النوائب
أنشد الجاحظ:
وعوراء من قيل امرىء قد رددتها ... بسالمة العينين طالبة عذرا
ولو أنني إذ قالها قلت مثلها ... أو أكبر منها أورثت بيننا غمرا
فأعرضت عنها وأنتظرت به غداً ... لعل غداً يبدي لمنتظر أمرا
لأخرج ضباً كان تحت ضلوعه ... أقلم أظفاراً أطال لها الحضرا
أنوشروان: وجدنا للعفو من اللذة ما لم نجده للعقوبة.
ربما وفي ظنين وهفا أمين.
النبي صلى الله عليه وسلم: عفو الملوك بقاء الملك؛ رواه ابن الكلبي عن أبي صالح.
في بعض الكتب: أن كثرة العفو زيادة في العمر. وأصله قوله تعالى: " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " .
بليغ: تاب توبة قيد إليها بخزامة الأضرار، لا بحزامة الأختيار.
هجا دعبل المأمون بقوله:
أتي من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... وأستنفذوك من الحضيض الأوهد
وكاتبه أبا عباد بقوله:
وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد
فقيل للمأمون فقال: من جسر أن يهجو أبا عباد، على نزقه وعجلته، جسر أن يهجوني، على تأني وعفوي. وأنشد المأمون أبا عباد هجاءه، فأنشده أبو عباد ما هجاه به، فضحك وقال: فإني قد عفوت عنه فلا تعرضن له، ولك في أسوة حسنة؛ ثم قال: سبحان الله!! أما يستحي دعبل من الكذب؟ متى كنت خاملا وبدر الخلافة غذيت، وفي حجرها ربيت، خليفة وابن خليفة وأخو خليفة؟.
علي رضي الله عنه: أعظم الذنوب ما أستخف به صاحبه.
الحسن: أن العبد ليصيب الذنب ليلا فيصبح وعليه مذلته.
قال يزيد بن مزيد: أرسل إلي الرشيد ليلاً يدعوني، فأوجست منه خيفة؛ فقال: أنت القائل أنا ركن الدولة، والثائر لها، والضارب أعناق بغاتها؟ لا أم لك!! أي ركن لك، وأي ثائر أنت؟ وهل كان منك إلا نفجة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها؟ قلت يا أمير المؤمنين ما قلت هذا، إنما قلت: أنا عبد الدولة، والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحل غضبه عن وجهه، ثم ضحك؛ فقلت: أسر من هذا قولي:
خلافة الله في هارون ثابتة ... وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور
أرث النبي لكم من دون غيركم ... حق من الله في القرآن مسطور
فقال: يا فضل، أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح.
عفا المأمون عن إبراهيم بن المهدي، ثم قال: لو علم أهل الجرائر لذتي في العفو ما أرتكبوها.
وعنه: لو عرف الناس رأيي في العفو لما تقربوا إلي إلا بالجنايات، ومنه أخذ من قال:
تبسطنا على الآثام لما ... رأينا العفو من ثمر الذنوب
معاوية: إني آنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي.
إبراهيم بن المهدي قال للمأمون: يا أمير المؤمنين، ذنبي أعظم من أن يحيط به عذر، وعفوك أعظم من أن يتعاظمه ذنب.
يزدجرد: الملك الحازم من يؤخر العقوبة في سلطان الغضب.
سمع راهب رجلاً يستغفر فقال: مه؛ فقال: كيف أصنع؟ قال: ينبغي للعبد إذا ذكر ذنباً أن ييبس لسانه على حنكه من خشية الله.
كان أبو عاصم الأسلمي هجا الحسن بن زيد، فلما تقلد المدينة للمنصور طلبه، فأتاه في يوم قعد فيه للأعراب فقال:
ستأتي مدحتي الحسن بن زيد ... ويشهد لي بصفين القبور
قبور لو بأحمد أو علي ... يلوذ مجيرها حفظ المجير
هما أبواك من وضعا فضعه ... وأنت برفع من رفعا جدير
فقال له: من أنت؟ قال الأسلمي، قال: أذن حياك الله، وبسط له رداءه، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
خرج محمد بن البعيث بن حلبس الربعي على المتوكل، فأخذه وحبسه، فهرب من الحبس وعاد إلى ما كان عليه؛ فجىء به وقدم لتضرب عنقه؛ فقال له المتوكل يا محمد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: الشقوة يا أمير المؤمنين، وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه، وأن لي بك لظنين: أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك، وهو العفو:
تضاءل ذنبي عند عفوك قلة ... فمن بعفو منك فالعفو أفضل
ولم أتوسم غير ما أنت أهله ... وأنك بي خير الفعالين تفعل
فعفا عنه.

عيسى عليه السلام: راكبا الكبيرة والصغيرة سيان. قيل: كيف؟ قال: الجرأة واحدة، وما عف عن الدرة من سرق الذرة.
وقع جعفر بن يحيى في رقعة متنصل، تقدمت لك طاعة، وظهرت لك نصيحة، وكانت بينهما نبوة، ولن تغلب سيئة حسنتين.
كتب اليزيدي إلى المأمون في الأعتذار:
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
جنى زيد أخو علي بن موسى الرضا، فقال له: يا زيد لعله عرك قول أهل دار البطيخ بالكوفة: أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار؛ أتدري لمن ذلك؟ إنما هو للحسن والحسين؛ والله يا زيد لئن كانا بطاعتهما وطهارتهما يدخلان الجنة، وتدخلها أنت بمعصيتك، إنك لخير منهما.
وجد المتوكل على قبيحة، فدخلت عليه وعليها عصابة مكتوب عليها:
إليك فؤادي تائب متنصل ... وعفوك والأنصاف منك مؤمل
إذا أخضر طلح الهجر من سقي سخطكم ... رأيت سماء العين بالدمع تهطل
فقال: قبلنا عذرك، ووهبنا جرمك.
رقى عتبة بن أبي سفيان المنبر في مرض موته فقال: يا أهل مصر، قد تقدمت لي فيكم عقوبات، كنت يومئذ أرجو الأجر فيها، وأنا اليوم أخاف الوزر منها، فليتني لم أكن أخترت دنياي على معادي، ولم أصلحكم بفسادي، وأنا أستغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم، وقد شقي من هلك بين عفو الله ورحمته.
أمر مصعب بن الزبير بقتل رجل من أصحاب المختار، فقال: ما أقبح بي أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعباً فيم قتلني؟ قال: أطلقوه؛ قال: أيها الأمير أجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض؛ قال: قد أمرت لك بمائة ألف درهم؛ قال: فإني أشهد الله وأشهد الأمير أن لابن الرقيات نصفها؛ قال: ولم؟ قال: لقوله:
إنما مصعب شهاب من الله تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء
يتقى الله في الأمور وقد أفلح من كان دينه الأتقاء
فضحك وقال: أرى فيك موضعاً للضيعة، وأمره بلزومه.
العفو الذي يقوم مقام العتق ما سلم من تعداد السقطات، وتخلص من تذكار الفرطات.
قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
أعرابي: يا بني إياك وما سبق إلى القلوب أنكاره، وأن كان عندك أعتذاره، فلست بموسع عذراً كل من أسمعته نكراً.
كعب بن جعيل كان شاعر معاوية يمدحه ويذم علياً عليه السلام فقال:
ندمت على شتم العشيرة بعدما ... مضى وأستتبت للرواة مذاهبه
فأصبحت لا أستطيع رد الذي مضى ... كما لا يرد الدر في الضرع حالبه
محمد بن يزداد:
أعيرتني ذنباً وأذنبت مثله ... قضاء لعمري فأعلمن عجيب
على أنني أستغفر الله تائباً ... وأنت مصر لا أراك تتوب
قال رجل لرابعة: أني قد عصيت الله أفتريه يقبلني؟ قالت: ويحك، أنه يدعو المدبرين عنه، فكيف لا يقبل المقبلين إليه؟ علي رضي الله عنه: ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني في عزلة عنه، إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك، والسلام.
وعنه: إذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
وعنه: أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثر إلا ويده بيد الله يرفعه.
فروخ الطلحي:
ما زلت بالعفو للذنوب وأطلاق لعان بجرمه غلق
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القد والحلق
حميد اليشكري:
أبا خالد ما كنت أول مذنب ... صفحت بحلم عنه يا ابن المهلب
فإن تعف عني تعف عني بقدرة ... وأن تكن الأخرى فقد ضاق مذهبي
أبو حازم المدني: ويحك يا أعرج!! ينادى يوم القيامة: يا أهل خطيئة كذا، فتقوم معهم، ثم ينادى: يا أهل خطيئة أخرى، فتكون معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة.
ابن سيرين: أني لأعرف الذنب الذي حمل علي الدين؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس.
أبو سليمان الداراني: قلت ذنوبهم فعلموا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فلا ندري من أين نؤتي.
معتمر بن سليمان عن أبيه: إذا أصاب الرجل الذنب أصبح وعليه مذلته.
أبو الدرداء: الشرك قتل، والمعاصي جراحات.

زهير بن نعيم: لأن يتوب رجل أحب إلي من أن يرد الله علي بصري.
لما حل بداود الموت، وكان وسم خطيئة على يده، رفعها إلى بصره وهو يقول لملك الموت: أقبضني ويدي هكذا.
ثمامة بن أشرس المتكلم حبسه الرشيد بسبب البرامكة، فكتب إليه من الحبس:
عيد مقر ومولى سست نعمته ... بما يحدث عنه البدو والحضر
أوقرته نعماً أتبعتها نعماً ... طوارفاً تلداً في الناس تشتهر
ولم تزل طاعتي بالغيب ظاهرة ... ما شابها ساعة غش ولا غير
فإن غفرت فشيء كنت أعهده ... أو أنتصرت فمن مولاك تنتصر
لما أنصرف الجحاف بن حكيم من وقعة بني تغلب، ندم على ما فعل هو وقومه، وكانوا قد قطعوا ثدي النساء، وقتلوا الأطفال في المهود؛ فحجوا وجعلوا يطوفون ويقولون اللهم أغفر لنا وما نراك تفعل. فسمعهم ابن عمر فقال: يا هؤلاء قنوطكم من رحمة الله أعظم من أجرامكم.
كان الداراني يقول: أن خطيئة تغم قلب صاحبها لمباركة، إنما البلاء من يعصى ولا يغتم؛ وما عمل داود قط عملاً كان أنفع له من خطيئته، ما زال خائفا منها هاربا، حتى لحق بربه.
دخل قوم على فضيل بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من خراسان؛ قال: أتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، وأعلموا أن العبد، وأحسن الأحسان كله، وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين.
بينا داود عليه السلام جالسا على باب داره جاء رجل فأستطال عليه، فغضب له اسرائيلي كان معه، فقال: لا تغضب، فإن الله إنما سلطه علي لجناية جنيتها؛ فدخل فتنصل إلى ربه، فجاء الرجل يقبل رجليه، ويعتذر إليه.
وأستطال رجل على أبي معاوية الأسود وأسمعه شراً، فقال: أستغفر الله، وأعوذ بالله من الذنب الذي سلطك به علي.
أبو نواس:
أفنيت عمرك والذنوب تزيد ... والكاتب المحصى عليك شهيد
كم قلت لست بعائد في سوءة ... ونذرت فيها ثم أنت تعود
قال أبو بكر الهذلي للمنصور، وأراد أن يعاقب أهل البصرة، يا أمير المؤمنين بلغني أنه ينادى مناد يوم القيامة: ألا ليقم من كانت له على الله دالة، فلا يقوم إلا أهل العفو؛ قال: فإني أشهدك أني قد عفوت عنهم.
سمع جبريل إبراهيم خليل الرحمن يقول: يا كريم العفو؛ فقال: أو تدري يا إبراهيم ما كرم عفوه؟ قال: لا يا جبريل؛ قال: أن عفا عن السيئة كتبها حسنة.
أن سمتني ذلا فعفت حياضه ... سخطت ومن يأب المذلة يعذر
أسحق مولى المهلب:
فأين الفضل منك فدتك نفسيعلي إذا أسأت كما أسأت كان النميري يشبب بزينب أخت الحجاج، فخافه فهرب، فطلبه فلم يقدر عليه، فلم يشعر إلا وهو واقف بين يديه ينشده:
فها أنذا طوفت شرقاً ومغرباً ... فجئت وقد طوفت كل مكان
فلو كانت العنقاء منك تطير بي ... لخلتك إلا أن تصد تراني
سئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ فقال: رجل أجترح الذنوب، فكلما ذكر ذنبه أحتقر عمله.
فضيل: لو شممتم رائحة ذنوبي ما قاربتموني.
معاوية: إني لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وأن لم يكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر أذني.
جرى بين شهرام المروزي وبين أبي مسلم صاحب الدعوة كلام فقال له شهرام: يا لقيط؛ ثم ندم فأقبل عليه متنصلاً، فقال أبو مسلم: لسان سبق، ووهم أخطأ، وإنما الغضب شيطان، وأنا جرأتك على نفسي بطول أحتمالي لك، وقد عفوت عنك؛ فقال شهرام: أن عفو مثلك لا يكون غروراً، وألح في الأعتذار، فقال أبو مسلم: يا عجبا!! كنت تسىء وأنا أحسن، أفأسيء حين أحسنت؟ يزيد بن الطفيل وقد تاب عن الخرابة وقتل في سبيل الله:
ألا قل لأصحاب المحابض أهملوا ... فقد تاب مما تعلمون يزيد
وأن امراً ينجو من النار بعدما ... تزود من أعمالها لسعيد
فضيل: قال أبليس يا رب أن الخليقة تحبك وتبغضني، وتطيعني وتعصيك؛ فقال سبحانه وتعالى، وهو الغفور الرحين، لأغفران لهم طاعتهم إياك ببغضهم لك، ولأغفرن لهم معصيتهم أياي بحبهم إياي.

عمر رضي الله عنه: يا ابن آدم لا يلهك الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما علمت، إذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئاً أشد طلباً، ولا أسرع دركاً، من حسنة حديثة لذنب قديم.
عمر بن عبد العزيز:
فلولا النهي ثم التقى خشية الردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... له صبوة أخرى الليالي الغوابر
مدح شاعر محمد بن عبدوس فقال: ما أن أعطيك شيئاً من مالي فلا، ولكن أذهب فأجن جناية حتى لا آخذك بها.
تغيظ عبد الملك على رجل فقال: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن؛ فلما صار بين يديه قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت، فأصنع ما أحب الله، فعفا عنه.

الحياء والسكوت، وقلة الأسترسال، والعزلة
والستر والخمول، وسلامة الجانب، والتواضع، وهضم النفس، ونحو ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم: لكل دين خلق، وخلق الأسلام الحياء، وعنه عليه الصلاة والسلام: الحياء شعبة من الإيمان. وعنه: أن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فأصنع ما شئت.
أبو هريرة رضي الله عنه، رفعه: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة؛ والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار.
علي رضي الله عنه: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
أبو موسى الأشعري: إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني صلبي حياء من ربي.
عبد الواحد بن زيد: ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون.
كان عتبة الغلام يدخل في الصلاة في مئزر، فيخرج وقد تصبب عرقاً؛ فقيل له في ذلك، فقال: حياء من ربي.
الأسود بن يزيد: أن الرجل ليكون بينه وبين الرجل ذنب فيعفو له عنه، وهو يستحي أن ينظر في وجهه أيام حياته؛ فالله أحق أن يستحيا منه.
النظار الفقعي:
بعيش المرء ما أستحيا كريماً ... ويبقى العود ما بقي اللحاء
وما في أن يعيش المرء خيراً ... إذا ما المرء فارقه الحياء
أعرابي: لا يزال الوجه كريما ما غلب حياؤه، ولا يزال الغصن نضيراً ما بقى لحاؤه.
آخر: الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء.
آخر: رونق صحيفة الوجه عند الحياء كفرند صفيحة السيف عند الجلاء.
آخر: ما المبتختر في وشي ردائه بأحسن من المتقارب في قيد حيائه.
رسطاليس: من أستحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده.
النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله أمرأ ملك فضل لسانه، وبذل فضل ماله.
وقبل عقبة بن عامر: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: يا عقبة أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئك.
أبو الدرداء: أنصف من فيك أذنيك، فإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول.
كان رجل يحضر مجلس أبي يوسف كثيراً ويطيل السكوت، فقال له يوماً: مالك لا تتكلم، ولا تسأل عن مسألة؟ قال: أخبرني أيها القاضي متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس؛ قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل؟ فتبسم وتمثل ببيت جرير:
وفي الصمت ستر العيي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما
وهب: إذا كان في الصبي خلقان: الحياء والرهبة طمع في رشده.
عمران بن حصين رفعه: الحياء خير كله.
ما أن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا نهاني الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
الكاتب العبرتاي:
وأني لأغضى من رجال على القذى ... مراراً وما من هيبة لهم أغضى
ولكنني أقنى الحياء تكرماً ... وأكرم عن أدناس عرضهم عرضي
الخمول أخو العدم، والشهرة أم الكون.
قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة!! قال: أنا جليس ربي، إذا شئت أن يناجيني قرأت كتبه، وإذا شئت أن أناجيه صليت.
علي رضي الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام.
واصل بن عطاء: لأن يقول الله لي يوم القيامة: هلا قلت، أحب أني من أن يقول لي: لم قلت؟ لأنه إذا قال لي: لم قلت؟ طالبني بالبرهان، وإذا قال لي: هلا قلت! فليس ذاك يريد.
النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن من أمنه الناس.

نزل النعمان برابية فقال له رجل: لو ذبح رجل إلى أي موضع كان يبلغ دمه من هذه الرابية؟ فقال: المذبوح والله أنت، ولأنظرن إلى أين يبلغ دمك؟ فقال بعض الحاضرين: رب كلمة تقول لصاحبها دعني.
تحدثوا عند الأوزاعي، وفيهم أعرابي من بني عليم بن جناب لا يتكلم، فقيل له: بحق ما سميتم خرس العرب، أما تحدث!! فقال: أن الحظ للمرء في أذنه، وأن الحظ في لسانه لغيره، فقال الأوزاعي: لقد حدثكم فأحسن.
أعرابي: رب وحدة أنفع من جليس، ووحشة أمتع من أنيس.
إبراهيم النظام:
وإذا تأمل في الزجاجة ظله ... جرحته لحظة مقلة الظل
أبو بكر الطائي الكاتب:
رق حتى خلته ملكاً ... خارجاً عن جملة البشر
فعيون الوهم تجرحه ... بخفي اللحظ والنظر
أعرابي: رب منطق صدع جمعاً، وسكوت شعب صدعاً.
قالت امرأة لزوجها: مالك إذا خرجت إلى أصحابك تطلقت وتحدثت، وإذا دخلت تعقدت وأطرقت؟ قال: لأني أدق عن جليلك وتجلين عن دقيقي.
قيل لعروة أخي مرداس: لم لا تحدثنا ببعض ما عندك من العلم؟ قال: أكره أن يميل قلبي بإجتماعكم إلي حب الرياسة، فأخسر الدارين.
وكان قتادة يقول: لولا حب الحسن الرياسة لمشى على الماء.
وكان أبو معاوية الضرير يقول: في خصلتان ما يسرني بهما رد بصري: قلة الأعجاب بنفسي، وخلو قلبي من إجتماع الناس إلي.
عمر رضي الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة.
بشر بن منصور: ما جلست إلى أحد: ولا جلس إلي، فقمت من عنده، أو قام من عندي، إلا علمت أني لو لم أقعد إليه، ولم يقعد إلي، لكان خيراً لي.
مكحول رفعه: من ستر مخزاة على المؤمن ستره الله يوم القيامة.
النبي صلى الله عليه وسلم: أعجب الناس إلي منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه، ويعتزل الناس.
وعنه عليه الصلاة والسلام: أن أغبط الناس مؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من صلابة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان عيشه كفافاً فصبر على ذلك، ثم عجلت منيته فقل تراثه، وقلت بواكيه.
جاء عمر بن سعد إلى أبيه فقال: أرضيت أن تكون أعرابيا في عنمك وإبلك، والناس يتنازعون الملك؟ فضرب سعد وجهه وقال: ويلك دعني فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله يحب العبد التقي الخفي.
صعد حسان على أطم من آطام المدينة فنادى: يا صباحاه!! فأجتمعت الخزرج فقالوا: ما عندك؟ قال: قلت بيت شعر فأحببت أن تسمعوه؛ قالوا: هات؛ قال:
وأن أمرءً أمسى وأصبح سالماً ... من الناس إلا ما جنى لسعيد
عبد الله بن عمر رفعه: ليس أحد أحب إلى الله من الغرباء؛ قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم، يجمعون إلى عيسى بن مريم.
لما بنى سعد بن أبي وقاص منزله بالعقيق، قيل له: تركت مجالس أخوانكم وأسواق الناس، ونزلت العقيق؛ فقال: رأيت أسواقهم لاغية، ومجالسهم لاهية، فوجدت الأعتزال فيما هناك عافية.
الربيع بن خثيم تفقهوا ثم اعتزلوا وتعبدوا.
قيل لابن المبارك: لو أتيت هذا الرجل فأمرته ونهيته، لعل الله أن ينفع بك؛ فقال: من أعتزلهم فقد أمرهم ونهاهم.
كان العمري وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر صلباً مهيباً، فأعتزل وسكن البادية، وكان ملازماً للمقابر، ومعه كتاب، وكان يقول: ما من شيء أوعظ من قبر، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة، فكتب إليه مالك بن أنس: إنك قد بدوت، فلو سكنت بقرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجابه: حملني على ذلك بغضي لجوار مثلك، إنك لم يطلع الله عليك وأنت متغير الوجه فيه.
فيل للأحنف: بأي شيء سدت قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء ما شربته.
واصل بن عطاء كان يأتي مجلس الحسن في أوائل الناس وينصرف في أواخرهم، وهو زام لا يتكلم فيه بكلمة قط.
كان عمر بن عبيد لا يكاد يتكلم، فإذا تكلم لم يكد يطيل.
النخعي: إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.
ابن عون: ثلاث أرضاها لنفسي ولأخواني: الأولى أن يتعلم المسلم القرآن ويقرآه ويتدبره، والثانية أن يسأل عن السنة ويتبعها جهده، والثالثة أن يدع هؤلاء الناس.
حماد بن زيد الذي يقول فيه ابن المبارك:
أيها الطالب علماً ... إيت حماد بن زيد

أقتبس منه علوماً ... ثم قيدها بقيد
كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلم رجل فغضب حماد وقال: يقول تعالى: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ، وأنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تتكلمون.
سفيان بن عيينة: قال لي بشر بن منصور السلمي: يا ابن عيينة أقل من معرفة الناس، فإنه أقل لفضيحتك غدا.
النخعي: كانوا يتعلمون السكوت كما يتعلمون الكلام.
علي بن هشام بن فرخسرو:
لعمرك أن الحلم زين لأهله ... وما الحلم إلا عادة وتحلم
إذا لم يكن صمت الفتى من فدامة ... وعي فإن الصمت أهدى وأسلم
موسى بن طريف: أجتهد في كتمان الخير فإنه يرق قلبك، وأن أمكنك فكن بين قوم لا يعرفونك، ولا يكن نصيبك من الدنيا أن تقول جالست فلانا، وناظرت فلانا، فإن ذلك يقسى القلب.
صحب رجل الربيع بن خثيم فقال: أني لأرى الربيع لا يتكلم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد، ولا يتكلم في الفتنة، فلما قتل الحسين قالوا: ليتكلمن اليوم؛ فقالوا له: يا أبا يزيد قتل الحسين؛ فقال: أوقد فعلوا، اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، ثم سكت. وكان يقول: أن العبد أن شاء ذكر ربه وهو ضام شفتيه.
قال الثوري لأخ له: أبلغك شيء مما تكره عمن لا تعرف؟ قال: لا، قال: فأقل من معرفة الناس، فإن معرفة الناس ما أبقت لي حسنة.
وعنه: ما رأيت للأنسان خيراً من أن يدخل في حجره، فقال يونس: ينبغي اليوم أن يدخل في قبره.
وكتب إلى عباد بن كثير: عليك بالخمول فإنه زمان الخمول؛ وإياك والرياسة، فإن لها غوراً لا تبصره إلا السماسرة.
قيل لمالك بن مغول: أما تستوحش في هذه الدار وحدك؟ قال: ما كنت أرى أن أحداً يستوحش مع الله.
وهيب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، والعاشر عزلة الناس.
عتبة بن أبي لهب:
زعم ابن عمي أن حلمي ضرني ... ما ضر قلبي أهله الحلم
أنا أناس من سجيتنا ... صدق الحديث ورأينا حتم
لبسوا الحياء فإن نظرت حسبتهم ... سقموا ولم يمسسهم سقم
إني وجدت العدم أكبره ... عدم العقول وذلك العدم
والمرء أكبر عيبه ضرراً ... خطل اللسان وصمته حكم
علي رضي الله عنه: وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نومة، أن شهد لم يعرف، وأن غاب لم يفتقد، أولئك مصابيح الهدى، وأعلام السرى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر، أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضراء نقمته.
وعنه: أختزن رجل لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه، والله ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه، وأن لسان المؤمن من وراء قلبه، وأن قلب الكافر من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وأن كان شراً وأراه؛ وإن المنافق يتكلم بما أتى على لسانه، ولا يدري ماذا له وماذا عليه؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، فمن أستطاع منكم أن يلقى الله، وهو نفي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم فليفعل.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المؤمن صموتاً فأدنوا منه، فإنه يلقي الحكمة.
أحيحة بن الجلاح:
والصمت أحسن بالفتى ... ما لم يكن عي يشينه
والقول ذو خطل إذاً ... ما لم يكن لب يعينه
فضيل: كان يقال: من أستوحش من الوحدة، وأستأنس بالناس، لم يسلم من الرياء.
عمر رضي الله عنه: في العزلة راحة من خلطاء السوء.
فضيل: إذا أقبل الليل فرحت، وقلت أخلو بربي، ولا أرى الناس، وإذا نظرت إلى الصبح استرجعت، وركبني شيء كراهة لقاء الناس.
وعنه: ما في الأرض أحد أشتهى أن أراه، ولا يقرع أحد بابي إلا شق علي، إلا رجلين؛ أراد ابن المبارك والعمري.
وعنه: أني لأتخذ للرجل عندي يداً إذا لقيني لا يسلم علي، وإذا مرضت لا يعودني.

سفيان بن عيينة: دخلنا على فضيل في مرضه فقال: ما جاء بكم؟ والله لو لم تجيئوا كان أحب إلي؛ ثم قال: نعم الشيء المرض لولا العيادة.
النخعي: دخلت المسجد ليلاً فوجدت فضيلاً وحده خلف المقام فجئته، فقال: من هذا؟ قلت: إبراهيم؛ قال: ما جاء بك؟ تحب أن تغتاب؛ قلت: لا؛ قال: تحب أن تكذب؟ قلت: لا؛ قال: تحب أن ترائي؟ وروي: تحب أن تتزين لي وأتزين لك؟ قلت: لا؛ قال: فقم عني.
ابن عيينة: من حرم العقل فليصمت، فإن حرمها فالموت خير له.
وسمع رجلاً يتكلم فقال: اسكت فما أزعم أن متكلما يبرأ من الرياء.
قيل لفضيل: أن أبنك يقول: لوددت أني بالمكان الذي أرى الناس ولا يرونني؛ فقال: ويح علي! هلا أتمها فقال: لا أراهم ولا يرونني.
الشافعي رحمه الله: الأسترسال إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والأنقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط.
إذا طلبت صلاح قلبك فأستعن عليه بحفظ لسانك.
محمد بن القاسم: قرىء على باب صنعاء: أن كانت العافية من شأنك، فسلط السكوت على لسانك.
عبد الله بن أبي زكريا: عالجت العبادة، فلم أجد شيئاً أشد من الصمت.
أنس رفعه: طوبى لمن أمسك الفضل من قوله، وأنفق الفضل من ماله.
عائشة رفعته: عجبت من ابن آدم، وملكاه على نابيه، فلسانه قلمهما، وريقه مدادهما، كيف يتكلم فيما لا يعنيه.
ابن عمر رفعه: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإن كثرة الكلام في غير ذكر الله قسوة القلب، وأن أبعد الناس من الله القلب القاسي.
ابن عباس: أخذ لسانه فقال: يا لسان قل خيراً تغنم وأمسك عن القبيح تسلم.
عبد الكريم أبو أمية: تحفظ في بعض المنطق أحب إلي من كثير من الصوم والصلاة.
كان يقال: ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظاً للسانه منه لموضع قدميه.
لأن تكون أخرس عاقلاً خير لك من أن تكون نطوقاً جاهلا، ولكل شيء دليل ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت.
النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون على أمر دينك، وفي الصمت سلامة من الندامة، وتلافيك ما فرطت فيه من صمتك أيسر من أدراك متا فاتك من منطقك.
كتب سفيان إلى عباد بن عباد: أما بعد، فإنك في زمان كان الصحابة يتعوذون أن يدركوه، ولهم من العزم ما ليس لنا ولا لك، ولهم من العلم ما ليس لنا ولا لك؛ فعليك بالعزلة وقلة المخالطة، وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، والنجاة في تركهم.
يقال: لسانه منه على بال. تمسك بإطراف السكوت، وقف مطية الكلام. هو جبان الوجه، أي حيي. تروح إلى بقاء عزك بالوحدة، ولا تتشوف إلى من تخلق عنده الجدة. أرفض الناس فكل مشغلة. من نطق في غير خير فقد لغا، ومن نظر في غير أعتبار فقد سها، ومن سكت في غير فكر فقد لها، لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك. لو رأيت ما في ميزانك ختمت على لسانك.
الفيض بن أبي صالح وزير المهدي في الوزير أبي عبيد الله:
فالصمت في غير عي من سجيته ... حتى يرى موضعاً للرأي يستمع
لا يرسل القول إلا في مواضعه ... ولا يخف إذا حل الحبى الجزع
قالوا: ما أحتنك رجل قط إلا أحب الخلوة.
أراد معاذ الحج فطلب ثابت البناني أن يصاحبه، فقال: ويحك دعنا نتعايش بستر الله، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
لما خرج يونس من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم!! فقال: أن الكلام صيرني في بطن الحوت.
حكيم: إذا أعجبك الكلام فأصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم.
الصمت أخفى للنقيصة، وأنفى للغميصة.
أقلل من القول تسلم من غوائله ... وأرض السكوت شجا في الحلق معترضا
كان ربيعة الرأي كثير الكلام، وكان يقول: الساكت بين النائم والأخرس.
كان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام، وأن السفيه إذا سكت عنه كان في أغتمام.
قيل لرجل: بم سادكم الأحنف؟ فو الله ما كان أكبركم سناً، ولا بأكثركم شيئاً؛ قال: بقوة سلطانه على نفسه.
مطرف بن عبد الله: لو كنت راضياً عن نفسي قليتكم، ولكني لست عنها براض.
العتابي: أما بعد فإن كان ما تطلبه من المعاش لك مقدوراً فسيأتيك وأن سكت، وأن كان عنك مصروفاً فلن يأتيك ولو تكلمت، فإن كان ذلك كذلك فآثر عز السكوت على ذل الكلام، والسلام.

الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار أسيراً في وثاقها.
قد لزمت السكوت من غير عي ... وصحبت الفراش من غير عله
وهجرت الأخوان لما أتتني ... منهم كل خطة مصمئله
فعلى أهل هذا الزمان جميعاً ... ضعف قطر السماء من لعنة الله
لما قال الله تعالى لنوح عليه السلام: " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " ، قال نوح: أستحييت من ربي فنكست رأسي أربعين سنة حياء من ذلك القول.
أجتمع أربعة ملوك فتكلموا، فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مراراً؛ وقال قيصر: أنا عل رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت؛ وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني؛ وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمة أن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع.
أردوان الأكبر: كثر القبيح حتى قل الحياء منه.
كان بهرام جور قاعداً ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والأنسان!! لو حفظ هذا لسانه ما هلك! وقد نظمه من قال:
حفظ اللسان، فأحفظ اللسانا، ... قد يحفظ الطائر والأنسانا
ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بما أن حكي عنه ضره، وأن لم يحك عنه لم ينفعه.
علي رضي الله عنه: بكثرة الصمت تكون الهيبة.
عمرو بن العاص: الكلام كالدواء أن أقللت منه نفع، وأن أكثرت منه قتل.
لقمان: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فأفتخر أنت بحسن صمتك.
ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل السمك، والمروي في أمر جسيم.
قال عبد الملك لأعرابي: تمن؛ قال: رزقاً في سعة لا يكون بيني وبين أحد مطالبة؛ قال: ثم؛ قال: ثم الخمول فإني رأيت الشر إلى ذوي النباهة سريعا؛ قال عبد الملك: ليت هذه الخلافة موركة في عنقك وأني رزقت هذا.
تلحف بالخمول تعش سليما ... وجالس كل ذي أدب كريم
حكيم: من خلا بالعلم لم يستوحش من الخلوة.
النبي صلى الله عليه وسلم: رأس التواضع أن تبدأ بالسلام على من لفيت، وأن ترضى بدون المجلس، وأن تكره أن تذكر بالبر والتقوى، وأن تدع المراء وأن كنت محقاً.
كلم فضيل داود الطائي في عزلته فقال: أن كان لك بدينك حاجة ففر من الناس فرارك من الأسد، ولقد جالستهم، اللهم غفراً، فأما صغيرهم فلا يوقرك، وأما كبيرهم فيحصى عليك عيوبك.
أصرم بن حميد الطائي:
أصم عن الكلم المحفظات ... وأحلم والحلم بي أشبه
وإني لأترك جل الكلام ... لئلا أجاب بما أكره
إذا ما أجتررت سفاه السفيه ... علي فإني أنا الأسفه
علي رضي الله عنه: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، وأشتغل بطاعته، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شغل، والناس منه في راحة.
وعنه: لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل.
قيل لعبد الله الراسبي: ما بقي مما تسربه؟ قال: سرب أخلو به فيه.
رأى سفيان بن عيينة سفيان الثوري في المنام فقال له: أوصني؛ قال: أقلل من معرفة الناس، ثلاث مرات.
كتب حكيم إلى أخ له: إياك والأخوان الذين يكرمونك بالزيارة ليغصبوك يومك، فإنك إنما تنال الدنيا والآخرة بيومك، فإذا ذهب يومك فقد خسرت الدنيا والآخرة.
وعن بعضهم: اللهم إني أعوذ بك من كل ما جاءني يشغلني عنك.
الخواص: أن العباد عملوا على أربع منازل: على الخوف، والرجاء، والتعظيم، والحياء، فأرفعها منزلة الحياء، لما أيقنوا أن الله يراهم على كل حال قالوا: سواء علينا رأيناه أو رآنا؛ فكان الحاجز لهم عن معاصيه الحياء منه.
عابد: أن الله غيور، لا يحب أن يكون في قلب العبد أحد إلا الله.
سفيان: الزهد في الدنيا الزهد في الناس.
لبس مطرف بن عبد الله الصوف، وجلس مع المساكين، فقيل له؛ فقال: أن أبي كان جباراً، فأحببت أن أتواضع لربي، لعله يخفف عن أبي تجبره.
مجاهد: أن الله تعالى لما أغرق قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي، فرفعه على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه.
أبو محمد التيمي في الفضل بن سهل:
لعمرك ما الأشراف في كل بلدة ... وإن عظموا إلا لفضل صنائع

ترى عظماء الناس للفضل خشعاً ... إذا ما بدا والفضل لله خاشع
تواضع لما زاده الله رفعة ... وكل رفيع قدره متواضع
أبو سليمان الداراني: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض أجتمعوا على أن يضعوني كأتضاعي عند نفسي ما أحسنوا ذلك.
مر فضيل بشيخ يحدث، فقال: يا شيخ ليس أوان تحلق وحديث، هذا أوان أخف شخصك وأعمل.
أوحى الله إلى نبي من الأنبياء: أن أردت أن تسكن حضيرة القدس، فكن في الدنيا وحيداً حزيناً وحشياً، كالطائر الفرد الذي يرعى في القفار، ويأوى إلى رؤوس الأشجار، إذا جنه الليل لم يأو مع الطير، استيناساً بربه، وأستيحاشاً من غيره.
كتب يونس بن عبيد الله إلى أخ له: أن نفسي قد ذلت لي بصيام هذا اليوم الشديد الحر، البعيد الطرفين، ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعنيني.
رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثاً مغيراً
ابن المعتز:
ويضل صباغ الحياء بخده ... نعباً يعصفر تارة ويورد
محمد بن علي بن الحسين: لم يردد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم طالباً عن شيء يملكه، ولا حمله الأستحياء على أن يسمح في غير ذلك، حتى لقد قال له قائل، في كبة شعر من الفيء: يا رسول الله أخذت هذه لأخيط بها برذعة لجملي؛ فقال: أما نصيبي منها فهو لك؛ فطرحها الرجل في المقسم.
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاً من أبي سفيان وعيينة بن حصن وسهيل بن عمرو مائة من الأبل، فقالوا: يا بني الله تعطي هؤلاء وتدع جعيلاً؟ وهو رجل من بني غطفان، فقال: جعيل خير من طلاع الأرض مثل هؤلاء، ولكني أعطي هؤلاء أتألفهم، وأكل جعيلاً إلى ما جعله الله عنده من التواضع.
أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيه بصره وسمعه وقلبه ولسانه ويده، وإياكم والجلوس في هذه الأسواق فإنها تلغى وتلهى.
محمد بن كناسة الأسدي:
في أنكماش وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
المخبل القيسي:
تبين طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا أستعجمت بالمنطق الشفتان
الخدري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه.
ليلى الأخيلية:
وتوبة أحيى من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفان خادر
أشج عبد القيس: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن فيك لخلقين يحبهما الله قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء؛ قلت: قديما كان ذاك أو حديثا؛ قال: قديما؛ قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.
رجل لعائشة رضي الله عنها: متى أكون محسناً؟ قالت: إذا علمت أنك مسيء؛ قال: فمتى أكون مسيئاً؟ قالت: إذا ظننت أنك محسن.
الصمت زين العاقل وستر الجاهل.
يقول اللسان للجوارح كل صباح: كيف أنتن؟ فيقلن: بخير أن تركتنا.
عمر بن عبد العزيز: أنه ليمنعني من كثير الكلام مخافة المباهاة.
خرج عمر بن عبد العزيز متبعاً جنازة، فقعد نجوة فأتاه صبي يشكو ظلامة فأقعده إلى جنبه، وطشت السماء فغطاه بثوبه.
قال ربيط نبي اسرائيل: زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت.
كان بعض العلماء يقول: أنا نستحي من الأموات، كما نستحي من الأحياء.
ابن مسعود رضي الله عنه: أن من رأس التواضع أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ من لقيت بالسلام.
سأل بعض الصلحاء رجلاً: هل بقي خلف من فلان؟ فقال: بئس الخلف بقي منه؛ فوضع يده على لسانه، ودلكه على الحائط حتى دمي، وقال: إنما جاء هذا منك، ولولاك لم يقع هذا المسلم في الغيبة.
قيل لراهب في صومعته: ألا تنزل؟ قال: من مشى على وجه الأرض عثر.
قال الله لموسى: هل تعرف لم كلمتك من بين الناس؟ قال: لا يا رب؛ قال: لأني رأيتك تتمرغ في التراب بين يدي، كالكلب بين يدي صاحبه، تواضعاً، فأردت أن أرفعك من بين الناس.

باب
الاحتيال، والكيد، والمكر، والنكر، والدهاء
والخبث والخديعة والطر، وخبث الدخلة، وفساد النية
ونحو ذلك كعب بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وكان يقول: الحرب خدعة.

المغيرة بن شعبة في عمر رضي الله عنه: كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع، وما رأيت مخاطباً له قط إلا رحمته، كائناً من كان.
أراد عمر رضي الله عنه قتل الهرمزان، فأستسقى وأمسك القدح في يده، وأضطرب، فقال عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه؛ فألقى القدح من يده؛ فأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف أمنتك؟ قال: قلت لا بأس عليك حتى تشربه، فقولك لا بأس أمان، ولم أشربه؛ فقال عمر: قاتلك الله: أخذت أمانا ولم أشعر.
معاوية: أني لأكره النكارة في الرجل، وأحب أن يكون عاقلاً.
دهاة العرب أربعة، وكلهم ولدوا بالطائف: نعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والسائب بن الأقرع.
فلان يطر من العريان كمه، ويخلع من الحافي نعله. الحاجة تفتح أبواب الحيل.
قالت أم يوحنا الذي عشق بنت الملك له: لا تقطع أملك من نيلها، فإن النجع مغلول بالطلب، والظفر مأسور بالصبر، والقدرة مقرونة بالحيلة.
أعرابي: سكيت في بطش عفريت.
عبد الله بن محمد بن عيينة:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون
يسعى اللبيب فلا ينال بسعيه ... وينال حظاً عاجز ومهين
سيكون ما هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
زياد بن أبيه: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكن العاقل الذي يحتال للأمور أن لا يقع فيها.
قال الضحاك بن مزاحم لنصراني: لو أسلمت؛ فقال: ما زلت محباً للأسلام، إلا أنه يمنعني منه حبي للخمر؛ فقال: أسلم وأشربها؛ فلما أسلم قال له: قد أسلمت فإن شربتها حددناك، وأن أرتددت قتلناك، فأختر لنفسك؛ قال أختار السلامة، وحسن أسلامه.
ما هو إلا خديعة، وسراب بقيعة.
وفد بلال بن أبي بردة على عمر بن عبد العزيز بخناصره، فسدك بسارية المسجد يصلي، فقال عمر للعلاء بن المغيرة: أن يكن سر هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراقين غير مدافع؛ فقال العلاء: أنا آتيك بخبره، فقال له: قد عرفت مكاني من أمير المؤمنين، فإن أشرت بك على ولاية العراق ما تجعل لي؟ قال: عمالتي سنة، وهي عشرون ألف ألف؛ قال: فأكتب لي، فكتب له؛ فلما رآه عمر كتب إلى والي الكوفة: أما بعد؛ فإن بلالاً غرنا بالله، فكدنا نغتر، ثم سبكناه فوجدناه خبثاً كله، فلا تستعن على شيء من عملك بأحد من آل أبي موسى.
وكتب إلى عدي بن أرطأة: غرتني منك مجالستك القراء، وعمامتك السوداء، فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أملناك، قاتلكم الله أما تمشون بين القبور.
فعودك من خدع مورق ... وواديك من علل مخصب
من خدعك فتخادعت له فقد خدعته. من خدع من لا ينخدع فقد خدع نفسه.
أياس بن معاوية: لست بخب، والخب لا يخدعني.
عمر رضي الله عنه: من تكلم بالفارسية فقد خب، ومن خب ذهبت مروءته.
دليت من السماء سلسلة في أيام داود عليه السلام عند الصخرة التي في وسط بيت المقدس، فكان الناس يتحاكمون عندها فمن مد يده إليها وهو صادق نالها، ومن كان كاذباً لم ينلها؛ إلى أن ظهرت فيهم الخديعة، وذلك أن رجلا أودع رجلاً جوهرة، فخبأها في عكازة له؛ وطلبها المودع فجحدها، فتحاكما، فقال المدعى: أن كنت صادقاً فلتدن مني السلسلة، فمسها؛ ودفع المدعى عليه العكازة إلى المدعي وقال: اللهم أن كنت تعلم أني رددت الجوهرة فلتدن مني السلسلة، فمسها، فقال الناس: قد سوت السلسلة بين الظالم والمظلوم، فأرتفعت السلسلة بشؤم الخديعة. وأوحى إلى داود عليه السلام أن أحكم بين الناس بالبينة واليمين، فبقي ذلك إلى الساعة.
أمية بن أبي الصلت كان داهية من دواهي ثقيف، وثقيف دهاة العرب، ومن دهائه ما هم به من أدعاء النبوة، ولذلك درس الكتب، وكان طلابة للعلم علامة، معروفاً بالجولان في البلاد، راوية.
المختار بن أبي عبيد الثقفي: قال ذات يوم لتنزلن من السماء نار دهماء فلتحرقن دار أسماء؛ فذكر ذلك لأسماء بن خارجة فقال: أو قد سجع بي أبو إسحق؟ هو والله محرق داري؛ فهرب من الكوفة. ومن حيله أنه كان له كرسي قديم، فغشاه بديباج، وقال: هذا من ذخائر علي بن أبي طالب، فضعوه في حومة القتال، فإن محله فيكم محل السكينة في بني إسرائيل.

ولما وجه إبراهيم بن الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد دفع إلى خاصته حماماً بيضاً ضخماً وقال: أن رأيتم الأمر عليكم فأرسلوها؛ وقال للناس: إني لأجد في محكم الكتاب، وفي اليقين والصواب، أن الله ممدكم بملائكة غضاب، تأتي في صور الحمام تحت السحاب؛ فلما كادت الدبرة تكون على أصحابه أرسل الحمام، فتصايح الناس: الملائكة الملائكة؛ فكروا حتى غلبوا، وقتل ابن زياد.
عمران بن حطان:
أحلام نوم أو كظل زائل ... أن اللبيب يمثلها لا يخدع
ولى عبد الملك بن مروان بشراً الكوفة، وكان شاباً ظريفاً غزلاً، وبعث معه روح بن زنباع، وكان شيخاً متورعاً، فثقل على بشر مراقبته، فذكر ذلك عند نديم له، فتوصل إلى أن دخل بيته ليلاً في خفية، وكتب على حائط قريباً من مجلسه:
يا روح من لبنيات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي
أن ابن مروان قد حانت منيته ... فأحتل لنفسك يا روح ابن زنباع
فأستوحش من ذلك، وخرج من الكوفة، وبلغ عبد الملك فحدثه بذلك، فأستغرب ضحكاً وقال: ثقلت على بشر وأصحابه فأحتالوا لك.
أتى معن بن زائدة بثلثمائة أسير، فأمر بضرب أعناقهم؛ فقال أحدهم: أنشدك الله نحن عطاش، فسقوا ثم أمر بضرب أعناقهم؛ فقال: أنشدك الله أن تقتل أضيافك؛ فقال: أحسنت، فأطلقهم.
جحد رجل مال رجل، فأحتكما إلى أياس بن معاوية، فقال للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة بمكان كذا، قال: فأنطلق إلى الشجرة لعلك أن تتذكر كيف كان الأمر؟ فمضى وجلس حصمه، فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة؟ فقال: لا بعد؛ قال: يا عدو الله أنت خائن؛ فقال: أقلني أقالك الله، وأقر.
ابن المقفع: إذا نزل بك مكروه فأنظر: فإن كان لك حيلة فلا تعجز، وأن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع.
سئل معاوية عن أدهى العراق فقال: زياد ومولاه سليم وكان له شيء يتضمخ به فيه الزعفران، إذا أراد الدخول على الأمراء؛ فقيل للداهي الخداع: معه أصفر سليم، يشبهونه بسليم في دهائه.
بعض السلف: أين كيد الشيطان من كيد النساء؟ أن الله تعالى يقول: " أن كيد الشيطان كان ضعيفاً " ، ويقول: " أن كيدكن عظيم " . ابن المعتز: من لم يتأمل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقاتله.
قبيصة بن جابر: لو أن مدينة لها سبعة أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر ودهاء، لخرج المغيرة بن شعبة من أبوابها كلها.
لا تحقرني فربما نفذت ... في ردم بأجوج حيلة الجرذ
الحيلة تجرى مجرى القوة، لا بل هي ألطف غوصاً.
الشعبي: وجه بي عبد الملك إلى ملك الروم، فقال لي: أمن أهل بيت الخلافة أنت؟ قلت: لا، ولكني رجل من العرب؛ فكتب لي رقعة إلى عبد الملك، فقرأها فقال: أتدري ما فيها؟ قلت: لا؟ قال: فيها العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف ولوا أمرهم غيره؟ ثم قال: أتدري ما أراد بهذا؟ قلت: لا؛ قال: حسدني عليك فأراد أن أقتلك؛ فقلت: إنما كبرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يرك.
فرجع الكلام إلى ملك الروم فقال: لله أبوه ما عدا ما في نفسي.
أراد المنصور أن يعقد للمهدي ويقدمه على عيسى بن موسى، فأراده على ذلك، وأداره عليه، وكتب إليه، فأبى وأجاب بجواب عنيف في آخره:
خيرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... أما صغار وأما فتنة عمم
وقد هممت مراراً أن أساقيكم ... كأس المنية لولا الله والرحم
ولو فعلت لزالت عنكم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النقم
فلما يئس منه قال لخالد بن برمك: أن كانت عندك حيلة فقدمها، فقد أعيتنا وجوه الحيل؛ فقال: يا أمير المؤمنين ضم إلي ثلاثين رجلاً من كبار الشيعة، فمضوا إليه، فلم يزدد إلا نبواً؛ فخرجوا، فقال لهم: ما الحيلة؟ فأعضلتهم، فقال: ما هي إلا أن نخبر أمير المؤمنين أنه قد أجاب، ونشهد عليه أن أنكر؛ قالوا: نفعل؛ فصاروا إلى المنصور وقالوا: قد أجاب. وخرج التوقيع بالبيعة للمهدي، وكتب بذلك إلى الآفاق. وجاء عيسى فأنكر؛ فشهدوا عليه بالإجابة.
فكان المهدي يعرف ذلك لخالد، ويصف جزالة الرأي فيه.
تغيظت عاتكة بنت يزيد بن معاوية على عبد الملك وكانت امرأته، وكان من أشد الناس حباً

لها، فحجبته وأغلقت بابها عليه؛ فشق ذلك عليه، وشكاه إلى خاصته، وأعيته الحيل فيها، وفي رضاها عنه؛ فقال له عمرو ابن هلال، وكان خصيصاً بيزيد ومعاوية، مالي عندك أن رضيت؟ قال: حكمك؛ فأتى بابها، فخرجت إليه مولياتها ونساؤها، فقال: قد عرفت الحرة مكاني من أمير المؤمنين، وقد وقع لي ما لابد من أن أفزع إليها، قتل أحد ابني الآخر، وأراد الخليفة قتل الآخر به، وأنا الولي وقد عفوت، وهو لا يسمع قولي، وقد رجوت أن يحيى الله ابني على يديها؛ فقالت: فما أصغ مع غضبي عليه؟ فلم يزلن بها حتى خرجت إليه، وأخذت برجله فقبلتها؛ فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى أصطلحا. وقال لعمرو: حكمك؟ قال: مزرعة بعيدها وما فيها، وألف دينار، وفرائض لولدي وأهل بيتي؛ فقال: ذلك لك.

باب
الخير والصلاح، وذكر الأخيار والصلحاء
وصفاتهم وأحوالهم، وما جاء فيهم وعنهم
النبي صلى الله عليه وسلم: الخير عادة، والشر لجاجة.
صهيب عنه عليه الصلاة والسلام: عجباً لأمر المؤمن، وأن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، أن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
سئل علي رضي الله عنه عن الخير فقال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم عملك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وأن أسأت أستغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات.
وفي وصيته رضي الله عنه: لقاء أهل الخيرات عمارة القلوب.
وعنه: من كانت فيه خلة من خلال الخير غفر الله له ما سواها لها.
وعنه: فاعل الخير خير منه، وفاعل الشر شر منه.
حكيم: الخير بطلب أهله، كما يطلب طير الماء الماء.
ابن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة ألف بيت من جيرانه البلاء، ثم قرأ: " ولولا دفع الله الناس " الآية.
من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فإنه يصيبك من بركاته.
كان إبراهيم بن أدهم إذا نشط لعمل الخير أرتجز بقوله:
أجعل الله صاحبا ... ودع الشر جانبا
ألم تر أن سير الخير ريث ... وأن الشر صاحبه يطير
الربيع بن خثيم: ما خياركم اليوم بخيار، ولكن خير من شر منهم.
كان يجتمع في مجلس سفيان بن عيينة مائة ألف نفس، وكان يقول: أنا لكم مثل جبل أبي قبيس، أصعدوا علي وأطلعوا على التابعين.
علي رضي الله عنه: أين الذي دعوا إلى الاسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً، وصفاً صفاً، بعض هلك، وبعض نجا؛ لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن القتلى، مره العيون من البكا، خمص البطون من الطوى، ذبل الشفاه من الظمأ، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك أخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، وأن نعض الأيدي على فراقهم.
وعنه: كان لي فيما مضى أخ في الله، كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه؛ وكان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد؛ وكان أكثر دهره صامتاً، فإن قال بذ القائلين، ونقع غليل السائلين؛ وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصل واد؛ لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضياً؛ وكان لا يلوم أحداً على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره؛ وكان لا يشكو وجعاً إلا عند برئه؛ وكان يفعل ما يقول، ولا يقول ما يفعل؛ وكان أن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت؛ وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم؛ وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه؛ فعليكم بهذه الخلائق فالزموها، وتنافسوا فيها.
وعنه: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل شيء نفساً، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، سهل الخليفة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد.
وعنه: رحم الله عبداً سمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزه هاد فنجا؛ راقب ربه، وخاف ذنبه، قدم خالصا وعمل صالحا؛ أكتسب مذخورا، وأجتنب محذورا؛ ورمى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9