كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري

دخل الشعبي على صديق له: فلما أراد القيام قال: لا تفرقوا إلا عن ذواق. ثم قال: أي التحفتين أحب إليك؟ تحفة إبراهيم أم تحفة مريم، أراد اللحم أو الرطب، فقال: أما تحفة إبراهيم فمهدي بها الساعة. فدعا بطبق من رطب.
شربة أبي الجهم مثل في الطيب السيئ العاقبة، قال:
تجنب سويق اللوز لا تشربنه ... فإن سويق اللوز أودى أبا الجهم
وهو أبو الجهم بن عطية كان عيناً لأبي مسلم على المنصور فأحس بذلك، فطاوله الحديث يوماً حتى عطش، فاستسقى، فدعا له بقدح من سويق اللوز فيه السم. فما بلغ داره حتى مات.
طفيل الأعراس الذي ينسب إليه الطفيليون كان مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو طفيل بن زلال من ولد عبد الله بن غطفان من نازلة الكوفة. وكان يقول: وددت أن الكوفة بركة مصهرجة فلا يخفى علي من أعراسها شيء.
وسئل عن أشرف الأعواد فقال: عصا موسى، ومنبر النبي، وخوان العرس.
ولعملاق العثماني وكان ينزل بنيسابور:
تلبس عملاق بن غيدان للشقا ... وللحزن والإخفاق أثواب حارس
يطوف بنيسابور في كل سكة ... خليفة مولاه طفيل العرائس
شاعر: -
حسبناه طفيلياً فلما ... كشفنا الأمر زاد على طفيل
قيل لسعد القرقرة وهو مضحك النعمان بن المنذر: ما رأيناك إلا وأنت تنقد شحماً وتقطر دماً؟ قال: لأني آخذ ولا أعطي، ولا ألام متى أخطي فأنا الدهر ضاحك مسرور. والقرقرة القهقهة، وهو معدود في الأكلة.
أبو رافع كان أبو هريرة ربما دعاني إلى عشائه فيقول: دع العراق للأمير، فانظر فإذا هو ثريد بزيت. وكان يقول: أكل التمر أمان من القولنج، وشرب العسل على الريق أمان من الفالج، وأكل السفرجل يحسن الولد، وأكل الرمان يصلح الكبد، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب، والكرفس يقوي المعدة ويطيب النكهة، والعدس يرق القلب ويذرف الدمعة، والقرع يزيد في اللب ويرق البشرة. وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر. وكان يديم أكل الهريسة والفالوذج ويقول، هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة جداً فيأكلها مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي رضي الله عنه، فإذا قيل له قال مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل. فكان يقال له شيخ المضيرة.
كان في ملوك بني غسان المروءة والترفه وطيب الأطعمة فقيل، ثريدة بني غسان، فالوذج ابن جدعان ومضيرة ابن أبي سفيان.
كانت الأكاسرة تحظر السكباجة على العامة ويقولون هي للملوك، حتى ملك ابرويز فأطلقها لهم. وكان يقول موسى بن الفرات: السكباجة مخ الأطعمة.
قال أعرابي لأهله: أين بلغت قدركم؟ قالت: قام خطيبها. أرادت الغليان.
ابن الرومي:
ما أن رأينا من طعام حاضر ... نعتده لفجاءة الزوار
كمهيأين من المطاعم فيهما ... شبه من الأبرار والفجار
هام وأرغفة نقاء بضة ... قد أخرجت من جاحم فوار
كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار
علي بن الحسين عليهما السلام: تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم بنفسه وأهله، أما تسمع قوله: وامرأته قائمة.
الأصمعي: سألت عنبسة بن وهب عن مكارم الأخلاق فقال: أما سمعت قول عاصم بن وائل المنقري:
وإنا لنقرى الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك
المدائني: - كانت العرب لا تعرف الألوان إنما طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح، حتى كان زمن معاوية فاتخذ الألوان وتنوق فيها، وما شبع مع كثرة ألوانه حتى مات، لدعاء رسول الله.
قالوا: من اللؤم أن تلقى كَلَب جوعك على طعام غيرك.
يقال للمرقة المسخنة بنت نارين. وكان بعض المترفين يقول: جنيدا مائدتي بنت فارين.
أبو طالب المأموني:
فما حملت كف امرئ متطعماً ... ألذ وأحلى من أصابع زينب
هي ضرب من الحلواء يعمل ببغداد يشبه أصابع النساء المنقوشة الكريم لا يحظر تقديم ما يحضر. حظر على إخوانه ما حضر خوانه.
حاتم: الحر عبد الضيف. وله:
وإني لأستحيي صحابي أن يروا ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
أقصر كفي أن تنال أكفهم ... إذا نحن أهوينا وحاجتنا معا

فإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... حياءً أخاف الذم أن أتضلعا
قالوا: ينبغي للملك أن يكون له طباخ إذا لم يشته طعاماً صنع له ما يشتهيه.
قال المنصور لطباخه: لكم ثلث وعليكم ثلثان، لكم الرؤوس والأكارع والجلود، وعليكم الحطب والتوابل.
قالوا: - كل طعام أعيد عليه التسخين ففاسد، وكل غناء خرج من تحت السبال فبارد.
قدم أعرابي الحضر فقيل له: أين كنت؟ فقال كنت والله عند كريم حظير، أطعمني بنات التنانير، وأمهات الأبازير، وحلواء الطناجير. ثم سقاني رعاف القوارير من يد غزال غرير.
صاحت عصافير بطنه، ونقت ضفادع جوفه. إذا جاع فصوتت أمعاؤه.
المتزهد إذا أضاف إنساناً حدثه بسخاء إبراهيم وإذا أضافه إنسان حدثه بزهد عيسى وقناعته.
على الضيف أن يري الضيف بيت الماء، وأن يعلمه مواقيت الصلاة. و وعن ملك الهند: إذا أضافك أحد فأره الكنيف فإني قد ابتليت مرة فوضعت في قلنسوتي.
النبي صلى الله عليه: يا علي، ابدأ بالملح واختم به فإن به شفاء من سبعين داء وروي أن نبياً من الأنبياء شكا إلى الله الضعف، فأمره أن يطبخ اللحم باللبن فإن القوة فيهما.
دعي مزبد إلى طعام فقال: أنا صائم. فلما قدم الفالوذ زحف نحوه، فقيل له، فقال: أنا على صوم يوم أقدر مني على ترك مثل هذا.
دعا يحيى بن أكثم عدوله فقدم لهم مائدة صغيرة، فتصاموا عليها حتى كان أحدهم يتقدم فيأخذ اللقمة، ثم يتأخر حتى يتقدم الآخر. فلما خرجوا قيل لهم: فيم كنتم؟ قالوا: كنا في صلاة الخوف.
أعرابي:
حذار من شيخ لنا حذار ... يلقم لقماً شبه الأفهار
كأنما يهوى بها في غار
أبو بكر القهستاني في الطباهجة:
جاء الغلام بمقلاة فأفرشها ... جمراً وجمر الطوى في الجوف يلتهب
وقال اعمل للمولى طباهجة ... ما إن يرى مثلها عجم ولا عرب
فرقها مثل قرص الشمس مشرقة ... كأنها فضة قد مسها ذهب
فأقبل الشيج يطوي طيو عجباً ... كأنه الأجر في الإقبال يحتسب
اللحم ينب اللحم، والشحم لا ينبت الشحم ولا اللحم.
في الحديث: من داوم على اللحم أربعين يوماً قسا قبله ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه.
الحارث بن كلدة: إذا تغدى أمدكم فيلنم على غدائه، وإذا تعشى فيليتخط أربعين خطوة.
كان الحسن بن قحطبة مضيافاً، له مطبخان في كل مطبخ سبعمائة تنور.
كان ابن دأب لا يأكل مع الهادي، فقيل له، فقال: ما كنت لآكل مع رجل لا أغسل يدي عنده. فكان الهادي يقعده من بين الجلساء ليغسل يده.
كان الحسن إذا دعي جلس على الديباج، وشرب من النبيذ، وتطيب. وكان ابن سيرين يتقزز، فقال له يوماً:ا يا لكع، إن كنت لا تقبل كرامة القوم فألحق بأهلك. وكان الحسن يكره ذكر الموت على الطعام.
علي رضي الله عنه: إذا أكلتم الثريد فكلوا من جوانبه، فإن الذروة فيها البركة.
مد صوفي يده إلى جام فيه خبيص فهور الصومعة، فقيل له: اصبر حتى تبلغها من ناحيتك، فقال: أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغها.
أعرابي: -
يا غنمي روحي إلى الأضياف ... إن لم يكن فيك صبوح كافي
فأبشري بالقدر والأثافي
قدم إلى عبادة رغيف يابس فقال: هذا نسج في أيام بني أمية ولكن محو أطرازه.
سأل أعرابي فأعطاه باهلي رغيفاً صغيراً فلم يأخذه، وجاء برغيف كبير حسن فقال: يا باهلة، استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعلكم أن تنجبوا.
قيل لصوفي: ما تقول في الفالوذج؟ قال: لا أحكم على غائب.
خالد الكاتب في أبي المثنى الطفيلي:
تعجبه من غيره دعوة ... حتى يراها أبداً في المنام
قد رسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيس في سبيل الطعام
بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من طاس أرز.
ثلاثة تضني: - سراج لا يضيء، ورسول بطيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء.
أولم ولو بيربوع ... أو بقراد مجدوعِ
قتلنا من الجوع
قيل لطفيلي: فيم لذتك؟ قال في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
خير الغداء بواكره، وخير العشاء بواصره.

قيل لشامي: أي الطعام أطيب؟ قال: ثريدة موسعة زيتاً أخذ أدناها فنقض أقصاها تسمع لها رقيباً في الحنجرة كتقحم بنات المخاض في الجرف.
مضغت أعرابية علكاً فقيل لها كيف ترينه؟ قلت: تعب الأضراس وخيبة الحنجرة.
شاعر:
بالملح يدرك ما يخشى تغيره ... فكيف بالملح إن حلت به الغِير
آخر:
وما رصفت النقل تبغي به ... تحسينه لكن لكي تحميه
فإن فتىً حدث نفساً به ... لم يستجز أن ينقض التعبيه
قيل لرجل: من يحضر مائدة فلان؟ قال: الملائكة، قيل: من يأكل معه قال: الذباب في وقت.
سأل رجل يزيد بن هارون عن أكل المدر، قال حرام، قال الله تعالى: كلوا مما في الأرض ولم يقل كلوا الأرض.
قصد جماعة من الطفيلين وليمة، فقال رئيسهم: اللهم لا تجعل البواب وكازاً في الصدور، دفاعاً في الظهور، طرحاً للقلانس، هب لنا رأفته ورحمته وبشره وسهل علينا أذنه، فلما دخلوا تلقاهم الضيف، فقال الرئيس: غرة مباركة، موصول بها الخصب، معدوم معها الجدب، فلما جلسوا على الخوان قال: جعلك الله كعصا موسى وخوان إبراهيم ومائدة عيسى في البركة. ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم، وأقيموا أعناقكم، وابسطوا الأكف، وأجيدوا اللف، ولا تمضغوا مضغ المتعلكين الشباع المتخمين، واذكروا سوء المنقلب، وخيبة المضطرب، خذوا على اسم الله.
من كانت همته أكلة كانت قيمته أكله.
قيل لأبي مرة: أي الطعام أحب إليك؟ قال ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمص، بلقاء من الشحم، ذات حفافين من اللحم، لها جناحان من العراق.
قيل: وكيف أكلك لها؟ قل: اصدع بهاتين، يعني السبابة والوسطى، واسند بهذه، يعني الإبهام، واجمع ما شذ منها بهاتين، يعني البنصر والخنصر، واضرب فيها ضرب ولي السوء في مال اليتم.
قيل لطفيلي: ما معنى قوله تعالى: واسأل القرية. ؟ قال: أراد أهل القرية. كما تقول أكلنا سفرة فلان تريد ما في السفرة.
قيل لأعرابي: صف نفسك، قال: خذ على بركة الله، إن كان أكل فقرب، وإن كان نبيذ فجرب، وإن كان قتال فغرب.
أعرابي:
ألا ليت لي خبزاً تسربل رابياً ... وخيلاً من البرني فرسانها الزبد
عمرو بن الأهتم:
فقلت لها أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فهذا مبيت صالح وصديق
ابن الحجاج:
مالي وللحم إن شهوته ... قد تركتني لحماً على وضم
قيل لأعرابي: ما تسمون المرق؟ قال: السخين. قيل: فإذا برد. قال: ما ندعه يبرد.
أتى طفيلي باب قوم فحجبوه، فاحتال حتى دخل وهو يقول:
نزوركم لا نؤاخذكم بجفوتكم ... إن المحب إذا ما لم يزر زارا
ولد لابن أبي ليلى غلام فأطعم جيرانه الفالوذج والخبيص وترك المساور إجلالاً له فقال:
من لم يدسم بالخبيص سبالنا ... عند الولاد فلا هناه الفارس
إن الخبيص له لذاذة مطعم ... يا حبذا هو رطبه واليابس
قال أبو بكر الخوارزمي: لم أسمع في وصف الطفيلي أبلغ من قول الحمدوني:
أراك الدهر تطرق كل دار ... كأمر الله يحدث كل ليلة
قيل لأعرابي: ما أسمنك؟ قال: أكلي الحار، وشربي القار، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي، والثريد بعد الكظة.
مات لأعرابي أخ فقيل له: ألا تحضر جنازته؟ فقال: لا، قيل: لم؟ قال: إنه كان والله قطاعاً زقاقاً جردبيلاً. أي غامساً اللقمة المعضوضة في الأدام، شارباً على المائدة وفي فيه الطعام، آكلاً بيمينه وقد أمسك المأكول بيساره لئلا يتناول، وهو الجردبان.
سأل حماد الراوية رقبة بن مصقلة عما أكل عند بلال بن أبي بردة فقال: الأبيض المنضود، والماضي المردود، والذليل الرعديد، والملوز العقود. أي الرقان الألوان المختلفة والفالوذج والبفريج.
كان عمارة بن حمزة يقول: يخبز في بيتي كل يوم ألف رغيف، وكل أهلي يأكلون حلالاً غيري. وكان يقول: رب الدار كلب الدار.
قيل لأعرابي على مائدة بعض الملوك وهو يأكل الفالوذ: لم يشبع منه أحد إلا مات. فأمسك ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيراً، فو الله إني لأشبع منه حتى الموت.
قيل لأعرابي: أين تحب أن يكون طعامك؟ قال في بطن أم طفل راضع، أو ابن سبيل شاسع، أو أسير جائع، أو كبير كانع.

يقال: رماه الله بداء الذئب وهو الجوع، والذئب إذا لم يجد شيئاً تبلغ بالنسيم، وربما استف التراب.
ويقال الطين الأبيض الذي يؤكل لا يوجد أجوده إلا بوجود الذئب إياه.
ويقال: اللحم بقلة الذئب لأن الذئب لا يأكل النبات، إنما بقلة اللحم.
قيل لجمين: أي البقول أحب إليك؟ قال: بقلة الذئب، وقال:
الخبز أفضل شيء أنت آكله ... وأفضل البقل بقل الذئب يا صاح
قالوا: ثلاث ينتهي الحمق إليها: أن يستظل الرجل بمظلة وهو في الظل، وأن يسابق الرجل إلى بيضة البقيلة، وأن يحتجم في غير داره.
وقالوا: الوحدة خير من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل السوء. وليس جليس أكيلاً، فإن أردت المواكلة فمع من لا يستأثر بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة، ولا يلتهم كبد الدجاجة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا ينتزع خاصرة الحمل. ولا يزدرد قانصة الكركي، ولا يتعرض لعيون الرؤوس، ولا يستولي على صدور الدجاج.
وعن محمد بن أبي المؤمل: لقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويضعها كل امرئ لصاحبه، وأنت اليوم لو أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة إليها لم تقدر عليها.
وعاتب رجل صاحبه على قطعة أضافته فقال: ما الذي أنكرت مني؟ هل ثنيت وسادتك؟ هل قلبت صفحتك؟ هل جلجلت ملح أبزارك؟ هل أكلت بيضة بقيلتك؟ هل بزقت في طستك؟ كان عبد الله بن جدعان: من مطعمي قريش كهاشم بن عبد مناف، وهو أول من عمل الفالوذ للضيف، وقال فيه أمية بن أبي الصلت:
له داع بمسكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى درح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
وكان له جفان يأكل منها القائم والراكب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يستظل بظل جفنته في الجاهلية.
وفد عبد المطلب على كسرى ومعه جماعة من صناديد قريش، فلما أرادوا الرجوع سأل كلاً منهم مسالته، فقال ابن جدعان: الجارية التي تعمل للملك الفالوذ، فوهبها له، فكانت تعمله له بمكة.
وحدث الرياشي عن رجل، قال: أتيت نجران فدخلت على عبد المدان بن الديان الحارثي وهو على سرير، كأنه القمر، بنوه حوله كأنهم كواكبه، فدعا بالغداء فأتي بالفالوذ. فانصرف الرجل وهو يقول:
ولقد رأيت القايلين وفعلهم ... فرأيت أكرمهم بني الديان
ورأيت من عبد المدان خلائقاً ... فضل الأنام بهن عبد مدان
البر يلبك بالشهاد طعامهم ... لا ما يعللنا بنو جدعان
فبلغ الخبر ابن جدعان فعمل الفالوذ وأطعمه.
فالوذج السوق مثل في ذي منظر لا مخبر له. قال:
أعزز علي بأخلاق وصمت بها ... عند البرية يا فالوذج السوق
ابن الحجاج:
ليس له في الجميل رأي ... ولا يفعل الجميل طاقه
كأنه في القميص يمشي ... فالوذج السوق في رقاقه
الحسن ين رجاء:
قد يصبر الحر على السيف ... ويأنف الصبر على الحيف
ويؤثر الموت على حالة ... يعجز فيها عن قرى الضيف
يعون للمؤاخاة والمواساة وأنت تدعون للمكافأة والمباهاة.
يعون للمؤاخاة والمواساة وأنت عدتون للمكأة والمباهاة.
يا معشر الشباب عليك بالخبز والملح فإنه يذهب بشحم الكلى ويزيد في اليقين.
أبو سليمان الداراني: خير ما أكون إذا لصق بطني بظهري، أجوع الجوعة وأخرج فتزحمني المرأة فما ألتفت إليها، أشبع الشبعة فأخرج فأرى عيني تطمحان.
الأوزاعي: ما يسرني أن هذه الألوان تجري علي وعليكم غدوة وعشياً من حلال ولا نسأل عنها يوم القيامة. قالوا: ولم يا أبا عمرو؟ قال: لأنها تقسي القلب.
كتب علي رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف وهو عامله على البصرة: بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإن لكل مأموم إمام أيقتدي به، ويستضيء بنور علمه. ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.

ولو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العمل ولباب هذا القمح وسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟ أو أكون كما قال: -
وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهوا عما يراد بها.
وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازل الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرق جلوداً.
وأيم الله يميناً استثنى فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً.
جرير: -
إن الهجيم قبيلة ملعونة ... نط اللحي متشابهو الألوان
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أضحى جمعهم بعمان
متأبطين بنيهم وبناتهن ... صعر الأنوف لريح كل دخان
نزل جدي بن قيس بن تدول بن بختر الطائي بكلفة بن قعين فلم يقره، فقال:
طرقنا أخا دودان نلتمس القرى ... فعبس لما أن رآنا وقطبا
فلو بالفتى نصر ألمت ركابنا ... لأحسن مثوانا وأدنى وقربا
نزل الفرزاق برجل من بلعنبر فلم يقره وشركه في زاده فقال:
نزلنا بأقوام كثير فلم نجد ... لذي منزل كالمحجني عقال
نزلنا به نبغي قراه فلم يكن ... عقال على الأضياف غير عيال
ونزل جرير برجل منهم فباعه قراه فقال:
يا طلحة بن خثيم إن بيعكم ... رفد القرى مانع للدين والحسب
قالوا نبيعكه بيعاً فقلت لهم ... بيعوا الموالى واستحييوا من العرب
يقال للسكباج مخ الأطعمة، وسيد المرق، وأم القرى، وزين الموائد.
ويقال: إذا طبخت اللحم بالخل فقد ألقيت من معدتك ثلث المؤونة. المؤرنة.
وعن بعض الخلفاء قال لطباخه: إلى كم سكباج؟ فقال: يا أمير المؤمنين، هو مخ الأطعمة، لا يكره بارده، ولا يمل حاره، بل يستطاب في الحضر، ويتزود في السفر ولا يؤثر عليه في الشتاء والصيف. فضحك وأجاز.
كان أحمد بن أبي خالد وزير المأمون من الشره والنهم بمضرب المثل على كرم فيه وسخاء. يحكي أنه ولي كورة فوهب خراجها بخوان فالوذج أهدي إليه.
وعرف المأمون كرمه ونهمه فأجرى عليه لمائدته كل يوم ألف درهم، ويحكى أنه حاسب دينار بن عبد الله في داره بسبعة آلاف ألف، ثم قدم له الحاسب الأطعمة فنسي المبلغ، وقيل للمأمون: قامت عليك خمسة آلاف ألف، فقال له: ذهبت ألف ألف بأكلة، وألف ألف أخرى بم ذهبت؟ فذهب غداء دينار مثلاً بالعراق فيمن يبتاع الحظير باليسير.
شرب أعرابي نبيذاً عند الموصلي فقال:
شربنا شراباً طيباً عند طيب ... كذا شراب الطيبين يطيب
قال خالد بن صفوان لجاريته: هات جباً فإنه يهيج المعدة ويشهي الطعام. قال: قد كان ونفد. قال: لا عليك، فإنه يقدح في الأسنان، ويستولي عليه البطن، وهو من عمل أهل الذمة.
يقال للخبز جابر بن حبة، قال:
في حبة القلب مني ... زرعت حب ابن حبة
أبو المخفف عاذر بن شاكر البغدادي كان ظريفاً طيباً، وكان يركب حماراً، وتركب جارية له حماراً وتحتها خرج، ويدور في بغداد فلا يمر بسلطان ولا تاجر ولا صانع إلا أخذ منه رغياً أو كسرة.
وقال محمد بن الجهم صاحب الفراء: كنت أنا وغيري ممن يستطيبه يحتسبه فلا يقر ويقول لا أخاف رسمي، وقال:
دع عنك رسم الديار ... ودع صفات العقار
واترك نعوت الزنا ... نير في حضور العذاري
وصف رغيفاً سرباً ... حكته شمس النهار
فليس تحسن إلا ... في وصفه أشعاري
وذاك أني قديماً ... خلعت فيه عذاري
رغفان المعلم والبقال مثل في التفاوت، قل: من هجا الحجاج:
أينسى كليب زمان الهزا ... ل وتعليمه صبية الكوثر

رغيف له فلكة ما ترى ... وآخر كالقمر الأزهر
سمع أعرابي يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: اللهم ميتة كما مات أبو خارجة. قيل له: كيف مات؟ قل: أكل بذجاً، وشرب مشعلاً، ونام شامساً، فأتته منته شبعان ريان دفآن.
نزل بخالد بن عامر أحمد بني عميرة قوم فأطعمهم خبزاً بلبن ولم يذبح لهم. فلقبوه القعار فقال:
أنا القعار خالد بن عامر ... لا بأس بالخبز ولا بالخاثر
ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إذا رأيتم أهل الجمع والتفكر فادنوا منهم، فإن الحكمة تجري على ألسنتهم.
قيل لابن عمر: ألا تجعل لك جوارشناً؟ قال: وما الجوارشن؟ قيل: شيء تأكله يهضم طعامك. قال: ما شبعت منذ أربعة اشهر، وما ذاك أني لا أجد وأني لا أجوع، ولكن شهدت قوماً كانوا يجوعون أكثر مما يشبعون.
ابن عباس: أكرموا الخبز، فقيل: وما كرامته؟ قال: لا ينتظر به الأدم، إذا وجدتم الخبز فكلوه حتى تؤتوا بغيره.
سمرة بن جندب رفعه: من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه. قسا قلبه.
الأوزاعي: قالت لمكحول: أين ترى لي أن أنزل؟ قال: أنزل حيث يصفو لك الخبز فإن الدين مع الخبز.
قيل في قوله تعالى: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن: هم الخبز.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أي الطعام أحب إليك؟ قال:: الزبد والكمأة. فقال:ما هما بأحب الطعام إليه ولكنه يحب الخصب للمسلمين.
قال الحجاج لجلسائه: ليثبت كل منكم في رقعة أطيب الطعام عنده، ففعلوا، فإذا في الرفاع كلها الزبد والتمر.
ابن الأعرابي: يقال أطيب اللحم عوذه، أي ما عاذ بالعظم.
من الفرزدق بيحيى بن الحضين الرقاشي فقال: يا أبا فراس، هل لك في جدي سمين ونبيذ زبيب؟ قال: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة؟ كان الثوري يعجب بالرؤوس، وكان يسمي الرأس العرس لما يجمع من الألوان المختلفة الطيبة. وكان يسميه مرة الجامع، ومرة الكامل، وكان ينشد:
هم حملوا رأسي في الرأس أكري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
أبو صوارة: الأرز الأبيض بالمسلى وبالسكر ليس من طعام أهل الدنيا. وقال: أطول الليالي ليلة العقرب، وليلة الهريسة، وليلة جدة إلى مكة.
وهب بن منبه: إذا سرد الرجل الصيام زاغ بصره عن موضعه، فإذا أفطر على حلاوة رجع إلى مكانه.
حماد بن سلمة: دخلت على إياس بن معاوية وهو يأكل الفالوذ، فقال: ادن فكل فإنه يزيد في العقل.
عصابة الجرجرائي:
خوان الأمير معمي المكان ... له شبح ليس بالمستبان
يرى بالتوهم لا بالمجس ... وبالخبر الفذ لا بالعيان
منصور الحراني:
سرى نحونا يبغي القرى طاوي الحشا ... لقد عملت فيه الظنون الكواذب
فبات له منا إلى الصبح شاتم ... يعدد تطفيل الضيوف وضارب
وله:
إن الضيوف تحاموني وحق لهم ... ما منهم أبلي يوماً ولا شائي
إذا الضريك عرانا بات ليلته ... دون البيوت بلا خبز ولا ماء
نزل الحطيئة ضيف فأشار إليه بعصا، قال: إني ضيف، قال: تضيفان أعددتها.
وقال: عجراء من سلم.
قدم إلى بدوي كامخ فقال: ما هذا؟ فقيل: كامخ، قال: من كمخه منكم؟ أي سلحه.
ابن رستم الكاتب:
ولولا اعتراض العذر ألفيت صاحبا ... إلى كل ما تهوي خفيفاً مسرعا
وحين يزول العذر يأتيك كامخ ... تقر به عيناً إذا كنت جائعا
ما قصر في قوله إذا كنت جائعاً وهو من الإيغال.
الحسن البخل بالطعام من أخلاق الطعام.
كتب الحجاج إلى عامله بفارس: ابعث لنا عسلاً من عسل خلار من النحل بكار من الدستفشار الذي لم تمسه النار.
كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أرسل إلي بعسل أخضر في السقاء، أبيض في الإناء من عسل الندغ والسحاء، من حَدَب بني شبابه.
ابن عباس: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الشراب أفضل؟ قال: الحلو البارد. قالوا: أراد العسل.
ويقال: أجود الأعسال الذهبي الذي إذا قطرت منه قطرة على وجه الأرض استدارت كما يستدير الزئبق وتقول الروم: أجوده ما تلطخ به الفتيلة فتعلق بالنار.
سئل فيلسوف عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد الله في عمره.
الحسن: لا تسقوا بناتكم السويق، فإن كنتم لا بد فاعلين فاحفظوهن، قالوا يورث الغلمة.

ابن عمر رفعه: ثلاثة لا ترد اللبن والوساد والدهن.
كان يقال: - اللبن أحد اللحمين.
بعض الحكماء: إذا سخن اللبن وسيط بعود من التين راب من ساعته، وإن أريد أن لا يروب، وإن كانت فيه الروبة، طرح فيه شيء من الحَبَق.
الأصمعي: قال ذو الرمة: إذا قلت للرجل أي اللبن أيطب؟ فإن قال: القارص، فقل: عبد من أنت؟ وإن قال: الحليب، فقل ابن من أنت؟ مدني من تصبح بسبع موزات وقدح من لبن أوراك تجشأ بخور الكعبة.
وقال معاوية على كنانية فقال: هل من قرى؟ قالت: نعم قال: ما هو؟ قال: خبز خمير، ولبن مضير، وماء نمير.
النبي صلى الله عليه: الأكل في السوق دناءة.
أم سلمة رضي الله عنها رفعته: انهشوا اللحم فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ ورفعت: لا تشموا الطعام كما تشمه السباع.
أكل الجارود مع عمر رضي الله عنه، فقال: يا جارية هاتي الدستوذر. فقال عمر: امسح باستك أو ذر.
كان يقال: إذا اجتمع للطعام أربع فقد كمل، أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وأن يفتح باسم الله، وأن يختم بحمد الله.
كان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
عمر رضي الله عنه: إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر.
رأى رجل رجلاً يأكل لحماً فقال: لحم يأكل لحماً، أف لهذا عملاً.
دعا عبد الملك رجلاً إلى الغداء فقال: ما في فضل، فقال: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى ما يكون به فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبح أمير المؤمنين.
قيل لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة.
قال أبو المخش الأعرابي: كانت لي بنت تجلس معي على المائدة فتبرز كفاً كأنه طلعة، في ذراع كأنها كربة، فوالله أن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
كان بعضهم لا يأكل إلية ويقوم أنها طبق الأست وقريب من الجواعر.
كان عمر رضي الله عنه يقول: يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمكن يعني تتغدى. وكان يقول: نعم الأدام الجوع ما ألقيت إليه قبله.
قال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش، أراد: أكثر الصيام وأطل القيام حتى تستطيب الطعام وتستمد الفراش.
أنس بن مالك: رأيت عمر يلقى له الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه.
رأى المغيرة على مائدته رجلاً ينهش ويتعرق، فقال: يا غلام ناوله سكيناً. فقال: كلا امرئ سكينه في رأسه.
أعرابي: أتانا فلان بثريدة فجعلنا نلملم منها مثل القطا الكدري.
أكل عبد الرحمن بن أبي بكرة على خوان معاوية فرأى منه لقماً منكراً، فقال لأبي بكرة بعد ذلك: ما فعل ابنك التلقامة؟ قال: اعتل، قال: مثله لا يعدم العلة.
كان سليمان بن عبد الملك ثعباني الالتهام لقماني الالتهام، على أن جميع المروانية كانوا أمثالاً في الأكل، أمامهم فيه الآكل في سبعة أمعاء معاوية.
ويحكى أن سبب موت سليمان أنه أتي بقفعتين عظيمتين من بيض مسلوق وتين.فجعل يقرن بين بيضة وتينة حتى أتى عليها.
وعن سالم بن قتيبة: عددت للحجاج أربعة وثمانين رغيفاً، مع كل رغيف سمكة.
شاعر:
ونجاد مخزق وخوان ... كسرت رجله وأخرى رهيص
ولقد كان ذا قوائم ملس ... يؤكل اللحم فوقه والخبيص
كان جمين يقول للوزينج قاضي قضاة الحلاوى، وللخبيص خاتمة الخير.
النبي صلى الله علي: من دخل على غير دعوة فكأنما دخل سارقاً وخرج مغيراً، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
يقال: أكلنا طعاماً خداجاً أي لا حلواء معه.
معدة شيطانها رجيم.
شاعر: -
يدارك اللقم ولا يخشى الغصص ... تلقماً يقطع أزرار القمص
بات يعثمي وحده ألف جعل، لكثرة ما يضع لكثرة أكله.
له بُضيعة في الأكل مزجاة. أي هو قليل الطعم.
دخل الجمل المصري على قادم وعنده قوم بين أيديهم أطباق الحلوى ولا يمدون أيديهم، فقال: لقد أذكرتموني ضيف إبراهيم وقوله تعالى: فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم. ثم قال: كلوا رحمكم الله، فضحكوا وأكلوا.
يقال: فلان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام، وثعبان موسى في سرعة الالتهام.
قالوا: إذا القي اللحم في العس طرياً خرج بعد شهر طرياً لا يتغير.
حسان:
ثريد كأن السمن في حجراته ... نجوم الثريا أو عيون الضياون

كان حسان عند بعض الملوك فقدم الطعام فقال لقائده: أطعام يدين أم طعام يد؟ أراد شواء أم ثريد.
شاعر:
خبز شعير بغير أدم ... عند فقير من الكرام
ألذ عندي من ألف لون ... عند غني من اللئام
أطعم رجل قوماً ما أضرس أسنانهم فقيل:
قد لعمري اقتصصت من كل ضرس ... كان يجني عليك في رغفانك
فلان شدق وعلق وحدّق. أي جعل لقمة في شدقه، وأخرى في يده، ورمق ثالثة بعينه.
دولاب اللقم أكيله، إذا كان يراعيه.
ذقته فوجدته عافية مجموعة.
لكل شيء حلية، وحلية الخوان السُكُرّجات والبقول.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حضر العَشاء والعِشاء فابدأوا بالعَشاء.
جعفر بن محمد: أحب إخواني إلي أكثرهم أكلاً وأعظمهم لقمة، وأثقلهم علي من يحوجني إلى تعاهده في الأكل.
وعنه: تبين محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في منزلة.
اجتمع أنس بن مالك وثابت البناني عل طعام، فقدم أنس إليه الطست فامتنع، فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردها. فردها.
ودعا الرشيد أبا معاوية الضرير فصب على يده، ثم قال: له: يا أبا معاوية، أتدري من صب على يدك؟ قال: لا، قال: صب أمير المؤمنين. قال: يا أمير المؤمنين، إنما أكرمت العلم وأجلته فأكرمك الله أو أجلك.
قالوا: غسل الأيدي في الطست في حالة واحدة أدخل في التواضع، وينبغي أن يجمع الماء فيها. قال عليه السلام: اجمعوا وضوءكم جمع الله شملكم.
وعن ابن مسعود: اجتمعوا على غسل أيد في طست واحدة، ولا تستنوا بسنة الأعاجم.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار لا ترفع طست من بين يدي القوم إلا مملوءة، ولا تشبهوا بالعجم.
وقيل يستحب جلوس الصاب، وروي أنه صب على يد بعضهم وهو جالس فقام، أحدنا لابد أن يكون قائماً.
نزل الشافعي بمالك رحمه الله عليهما فصب بنفسه الماء على يده وقال: لا يرعك ما رأيت مني. فخدمة الضيف فرض.
علي رضي الله عنه لئن أجمع إخواني على صاع من الطعام أحب إلي من أن أعتق رقبة.
النبي صلى الله عليه وسلم: " من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، أبعده الله من النار بسبعة خنادق، وما بي خندقين مسيرة خمسمائة عام " .
لا بأس أن يدخل الرجل دار أخيه ويستطعم للصداقة الوكيدة، فقد قصد رسول الله والشيخان منزل أبي الهيثم بن التيهان وأبي أيوب الأنصاري لذلك، وكانت من عادة السلف.
وكان لعون بن عبد الله المسعودي ثلثمائة وستون صديقاً كان يدور عليهم في السنة.
ولا بأس أن يدخل بيت صديقه ويأكل وهو غائب، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه دار بريرة فأكل طعامها وهي غائبة.
وعن محمد بن واسع وأصحابه أنهم كانوا يدخلون منزل الحسن فيأكلون ما يجدون بغير أذن.
وعن الحسن أنه كان قائماً عند بقال يأخذ من هذه الجونة تينة ومن هذه قسبة فيأكلها. فقال له هشام: ما بدأ لك يا أبا سعيد في الورع؟ فقال: يا لكع، أتل علي آية الأكل، فتلا إلى قوله تعالى أو صديقكم. فقال: من الصديق؟ قال: من استروحت إليه النفس واطمأن إليه القلب.
عن يونس النبي صلى اله عليه أن أخوانه زاروه، فقدم إليهم كسراً وجزّ لهم بقلاً، وقال: كلوا ولو لا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم.
وعن أنس وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون الكسر اليابسة وحشف التمر، ويقولون: ما ندري أيهما أعظم وزراً: الذي يحتقر ما يقدم إليه، أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه؟ كان الشافعي رحمه الله نازلاً بالزعفراني ببغداد، وكان يرقم كل يوم في رقعة من يطبخ من الألوان ويدفعها إلى الجارية، فأخذها الشافعي يوماً وألحق لوناً آخر، فعرف ذلك المضيف فأعتق الجارية سروراً بذلك.
وقال صديق للسري: جاءني بفتيت وأخذ يجعل نصفه في القدح، فقلت: ما تفعل؟ أنا اشربه كله في مرة، فقال لي: هذا أفضل لك من حجة.
قالوا: الأكل ثلاثة مع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، ومع أبناء الدنيا بالآداب.
أنس رفعه: من لقم أخاه لقمة حلواء صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة.
يقولون: ما خلا مضيف الخليل عليه السلام إلى يومنا هذا ليلة من ضيف.
النبي صلى الله عليه وسلم: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء دون الفقراء.
حكيم: إذا كان خبزك جيداً وماؤك بارداً وخلك حامضاً فلا مزيد عليه.

المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها كل البقول إلا الكراث، وسمكة عند رأسها خل وعند ذيلها ملح، وسبعة أرغفة على كل واحد زيتون وحب رمان.
كانت سنة السلف أن يقدموا جملة الألوان دفعة ليأكل كل مما يشتهي.
عنه عليه السلام: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " . وعنه: " إن من سنة الضيف أن يشيع إلى باب الدار " .
وعن أبي قتادة رضي الله عنه: قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين فأنا أحب أن أكافئهم.
وتمام الضيافة التطلق وطيب الحديث. قال يزيد بن أبي زياد: ما دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا حدثنا حديثاً حسناً وأطعمنا طعاماً حسناً.
بعض الزهاد: أنا لا أجيب الدعوة إلا لأتذكر طعام أهل الجنة.
في الحديث: ترك الغداء مسقمة وترك العشاء مهرمة. وتقول العرب: تره الغداء يذهب بشحم الكاذة.
حبس ذو النون أياماً فلم يأكل، وبعثت إليه أخت له في الله طعاماً على يد السجان فلم يأكل وقال: هو حلال ولكن جاءني على طبق ظالم، وأشار إلى يد السجان.
اشترى رجل أحمالاً من السكر، وأمر باتخاذ مسجد من السكر ذي شرف ومحاريب وأعمدة منقوشة. ثم دعا الفقراء فهدموه وانتهبوه.
عمر بن أبي سلمة: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدي تطيش في الصفحة، فقال: يا غلام، سمّ الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يلبك. وقالوا له أن يجيل يده في الفاكهة.
ابن عباس رفعه: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يلعِقها.
وعن كعب بن مالك: رأيت رسول الله يلعق أصابعه الثلاث بعد الطعام.
كان الحجاج يطعم في اليوم على مائدة، على كل مائدة عامرة، ويطاف به في محفة ليفتقدها، ثم يقول: يا أهل الشام اكسروا الخبز لئلا يعاد عليكم.
شاعر:
أبلج بين حاجبيه نوره ... إذا تغذى رفعت ستوره
عبد الصمد بن المعذل:
كلفتني عذرة الباخل أن ... طرق الطارق والناس هجوع
ليس لي عذر وعندي بلغة ... إنما العذر لمن لا يستطيع
سأل المهدي معبد بن خالد بن أنس بن مالك وكان منزله بشيراز عن بعض ما كان فيه ملوك فارس، قال: كانت لكسرى كل يوم عناق قيمتها أربعون ألفاً، قال: كيف؟ قال: كان يلتمس له عناق حمراء زرقاء غذيت بألبان النعاج الفتية، فتشترى بما بلغت، ثم نذبح بسكين من ذهب، ثم تسمط بماء الورد، ثم تغسل بالخمر والمسك، ثم يسجر التنور بالعود الهدي، وتجعل في سفود من ذهب، ويضرب في تنورها المسك والعنبر. وكان يؤتى كل يوم بِدرَّة قيمتها عشرة آلاف فتسحق وتجعل في لون يتخذ له يقال أنه نافع من السل.
قال عبد الملك حين حج لحُبّي: - ما فعلت حريرتك؟ قالت: البرمة عندي وعندي أقط وسمن، فعملتها له، فأكل منها فقال: يا حبي، ليست كما كنت أعهد، فقالت: ألهاك عنها زِمِكّى الدجاج، قال: صدقت، وأمر لها بمال.
كان عبد العزيز بن مروان جواداً مضيافاً، فتغذى عنده أعرابي، فلما كان من الغد رأى الناس على بابه كما رآهم بالأمس، فقال: أفي كل يوم يطعم الأمير؟ وأنشد:
كل يوم كأنه يوم أضحى ... عند عبد العزيز أو يوم فطر
وله ألف جفنة مترعات ... كل يوم يمدها ألف قدر
حدث الأصمعي الرشيد بأن سليمان بن عبد الملك كان شرهاً نهماً، يدعوا بالدجاج في سفافيده فيعجل عن المناديل فيأخذه بكمية وعليه جبة الوشي فيهشه. فضحك الرشيد وقال: قاتلك الله ما أعلمك! ثم قال: علي بجبات سليمان ، فأتي بها، فإذا عليها آثار الدهن. وكسا الأصمعي جبة منها. فكان يقول إذا لبسها: هذه جبة سليمان كسانيها الرشيد.
كان أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي جواداً مطعاماً، وكان يقول: إني لأستحي أن يدخل داري أو يمر بي أحد فلا أطعمه. حتى أنه كان يطرح للذر السويق والحنطة.
وعن شيخ من أهل الغرس أنه سمع رجلاً يشكو كثرة الذر في منزله، وكن نازلاً في منزل أبي عبيدة، فقال له: إن الذر يحسب أنك أبو عبيدة فلا ينتقل، فيشك أن يعرفك فينتقل.

وعن إبراهيم بن هشام أمير المدينة أنه قال لأصحابه: تعالوا نفاجئ أبا عبيدة، عسى أن يبخله، فاستنزلهم، فقالوا: إن كان شيء عاجل وإلا فلا ننزل. فجاءهم بسبعين كرشاً فيها رؤوس. فعجب ابن هشام وقال: ترونه ذبح في ليلته عدد هذه الرؤوس؟ كان الزهري إذا لم يأكل أحد من أصحابه من طعامه حلف لا يحدثه عشرة أيام.
أسماء ذات النطاقين: أدخلت عائشة على رسول الله، فأتينا بحلاب من لبن فشرب منه رسول الله صلى اله عليه، ثم ناوله عائشة فأعرضت، فقتل: خذي من رسول الله، ثم ناولتني فشربت، وجعلت أدير الإناء إلى أن أصادف الموضع الذي شرب منه رسول الله صلى الله عليه، ثم ناولته امرأة معي، فقالت: لا أشتهيه، فقال رسول الله: لا تجمعي كذباً وجوعاً.
الحارث بن أمية في هشام بن المغيرة المخزومي وكان جواداً مطعاماً:
وأصبح بطن مكة مقشعراً ... كأن الأرض ليس بها هشام
يروح كأنه أشلاء سوط ... وفوق جفانه شحم ركام
كان المغيرة بن عبد الرحمن يأمر بالسكر والجوز فيدقان ويطعمهما أصحاب الصفة، ويقول: أنهم يشتهون ما يشتهي غيرهم ولا يمكنهم.
دخل السائب في يوم شات على علي رضي الله عنه، فناوله قدحاً في عسل وسمن ولبن، فأباه فقال: أما أنك لو شربته لم تزل شبعان دفآن سائر يومك.
نافع بن أبي نعم كان أبو طالب يعطي علياً رضي الله عنه قدحاً من لبن يصبه على اللات، فكان علي يشرب اللبن ويبول على اللات حتى سمن، فأنكر ذلك أبو طالب حتى عرف القصة. فولى ذلك عقيلاً.
دخل علي الحسن بن علي عليهما السلام ناس من أهل الكوفة وهو يأكل، فسلموا وقعدوا. فقال: الطعام أيسر من أن يقسم عليه، فإذا دخلتم على رجل منزله فقرب طعاماً فكلوا منه، ولا تنتظروا أن يقال لكم هلموا، فإنما وضع الطعام ليؤكل.
عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي: كان عبد الله بن عامر إذا حدثناه أحسن الاستماع، وإن سكتنا ساقطنا أحسن الحديث، فإذا جاء غداؤه مثل طباخه بين يديه فيقول: أخبر القوم بما عندك ليستبقي الرجل نفسه لما يريده ويقدر في الأكل، حتى إذا أمعن القوم حسر ذراعيه وجثا على ركبتيه واستأنف الأكل. وأمر بناته وكنائنه إلا يلطفنه بلطف إلا حين توضع مائدته فتجيئه الألطاف من هنا ومن هنا.
عن عبد الله بن جدعان أو هاشم بن عبد مناف: المائدة مرزوقة، ومن كان مضيافاً وسع الله عليه.
وجاءت هدايا معاوية يوم النيروز إلى سعيد بن العاص وهو يغدي الناس فتمثل به الأعمش: أولم أبو وائل رحمه الله برأس بقرة وأربعة أرغفة.
أبو ميسرة كان يقول: اللهم اغفر لنا وللممرقين الذين يطبخون ويغرفون لجيرانهم.
ابن عباس: من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور الطعام.
عن إبراهيم بن الأدهم: إن إنساناً أضافه فذهب إليه فسأل خادمه فقال: لم لا يحضر فقال: هو رجل كسلان. فقام إبراهيم وأخذ كساءه. ولم يطعم ثلاثة أيام، وقال: أيها الحلق إنما جاء منك، ولولاك لم يتكلم الرجل بكلام الغيبة.
دخل داود عليه السلام غاراً فيه رجل ميت عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا فلان ملكت ألف عام، وبنيت ألف مدينة، وتزوجت ألف امرأة، وهزمت ألف جيش، ثم صار أمري إلى أن بعثت إلى السوق قفيزاً من الدراهم في رغيف فلم يوجد، فبعثت فقيزاً من الدنانير فلم يوجد، فبعثت قفيزاً من الجواهر فلم يوجد. فدققت الجواهر فاستففتها فمت مكان. فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن أحداً على وجه الأرض أغنى منه فأماته الله كما أماتني.
كان الفضيل يمشي مع الثوري في السوق فإذا هي مزينة بألوان الفواكه، فقال له: هب أن هذه كانت بالأمس، أي تصير عاقبتها ما تعرف.
قال يوماً: ما يقولون في رجل في كمه تمر فقعد على رأس الكنيف فيطرحه فيه تمرة فتمرة؟ قالوا: هو مجنون. قال: فالذي يطرحه في بطنه حتى يحشوه فهو أجن منه، فإن ذلك الكنيف يملأ من هذا الكنيف.
ورأى مائدة كثيرة الطعام فقال لصاحبه: أتدري مم عمارة مائدته؟ قال:لا، قال: من خراب محرابه.
ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه على الله وأجره لي.
كان الأمين على سخائه بالمال بخيلاً بالطعام جداً.

قال المهدي لحسنة لما نزل بماسبيذان وفيها قبره: إني لأشتهي شيئاً ما اشتهيته قط. قالت: وما هو؟ قال: لبن وتمر أتجمع بهما كتجمع الأعراب، فاتخذته، فتمجمع وأكثر. ثم أغفى وانتبه يصيح من بطنه، ودعا بماء حار فلم يؤت به. قالوا سمته حسنة لغيرة نالتها.
عن يحيى بن أكثم: دخلت على المأمون وبين يديه طعام في طبق فدعاني إليه، وإذا هو لحم قليل.فقال:
اعرض طعامك وابذله لمن دخلا ... واحلف على من أبى واشكر لمن أكلا
ولا تكن سابري العرش محتشماً ... من القليل فست الدهر محتفلا
؟

الطمع والرجاء، والحرص، والمني
والوعد وإنجازه وإخلافه، والمطل والتسويف ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع.
وعنه عليه السلام أنه قال للأنصار: إنكم لتكثرون عند الفزع وتقولن عن الطمع.
علي رضي الله عنه: أكثر تصارع العقول عند بروق المطامع.
أكثم: مصارع الألباب تحت ظلال المطامح.
فيلسوف: العبيد ثلاثة عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
عبد الله رضي الله عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغنى فقال: اليأس مما في أيدي الناس. ومن مشى منكم إلى طمع الدنيا فليمش رويداً.
عمر رضي الله عنه: ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الطمع.
في الحديث المرفوع: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر.
ابن خبيق الأنطاكي: من أراد أن يعيش حراً أيام حياته فلا يسكن الطمع قلبه.
شاعر:
رأيت مخيلة فطمع فيها ... في الطمع المذلة للرقاب
آخر:
اللؤم والذل والضراعة والفا ... قة في أصل أذن من طمعا
أنشد الأصمعي:
وما زلت اسمع أن العقو ... ل مصارعها بين أيدي الطمع
لقي كعب عبد الله بن سلام فقال: يا ابن سلام، من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: - فماذا أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد غذ علموه؟ قال: الطمع وشره النفس وطلب الحوائج إلى الناس.
الأصمعي: كان يقال: العبد حر إذا قنع، والحر عبد إذا طمع. طمع.
علي رضي الله عنه: الطمع رق مؤبد.
وعنه: إياك أن ترجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة.
اجتمع الفضيل وسفيان وابن كريمة اليربوعي فتواصوا، فافترقوا وهم مجتمعون على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطمع.
دارا الأصغر: - لا تطمع في كل ما تسمع.
الطمع يدنس الثياب ويفري الإهاب.
فلان يتبع دقاق المطامع فاستبعده. يقال في سري يتبع المطامع الدنية.
الطاووس مع حسنه يغتذي الحياة ويأكل السموم، والنسر مع عظمة وجودة سلاحه لا يأكل إلا الجيف.
عتود عند الفزع، ذئب عند الطمع.
كان يقال: حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطمع، والحسد. فهي تجري في أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه.
إسماعيل بن قطري القراطيسي:
حسبي بعلمي أن نفع ... ما الذل إلا في الطمع
من راقب الناس نزع ... عن سوء ما كان صنع
ما طار طير فارتفع ... إلا كما طار وقع
سابق البربري:
يخادع ريب الدهر عن نفسه الفتى ... سفاهاً وريب الدهر عنها يخادعه
ويطمع في سوف ويهلك دونها ... وكم حريص أهلكته مطامعه
جابر بن أحمد الشيباني:
كان ابن أنثى مُخْلد إلى طمع ... ما ضاق أمر ضيق إلا اتسع
بكار بن رباح المدني: -
ذلة ليس تنفع ... وهوى لا يشفع
وعتاب يجول في ... أذن ليس تسمع
والملالات عنك تخ ... برني كيف أصنع
فاجعل الوعد منك لي ... كذباً فيه مطمع
بكر بن حبيب السهمي:
سير النواعج في بلاد مضلة ... يمشي الدليل بها على بلبال
خير من الطمع الدنيء ومجلس ... بفناء لا طلق ولا مفضال
فاقصد بحاجتك المليك فإنه ... يغنيك عن مترفع مختال
علي عليه السلام: الطامع في وثاق الذل.
أبو حيان: أسير طمع يزلقه على مداحض الذل. ومتوقع يأس لا يصح له فينتهي إلى العز.

قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد.
وقال لآخر: لم تقل هذا إلا وفي قلبك خبر. وقال: ما رأيت رجلين يتساران في جنازة إلا قدرت إن الميت أوصى لي بشيء من ماله. وما زفت بالمدينة عروس إلا كنست بيتي رجاء أن يغلط بها غلي.
وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، امرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلاً من وقت، فوثبت إليه فطاحت، فاندق عنقعها.
وكان يقعد إلى الطبّاق فيقول: وسع، وسع، فعسى يهدي إلي من يشتريه. وقال: ما رأيت أطمع مني إلا كلباً تبعني على مضغ العلك فرسخاً.
شاعر:
لا تغضين على امرئ ... لك ما نع ما في يديه
وأغضب على الطمع الذي استدعاك تطلب ما لديه
قيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشاب؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذق الشاب.
أنوشُروان: أحذر خدمة الحرص، فلا راحة لحريص.
المأمون: صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قط حرصاً ولا طمعاً فرأيت فيه مصطنعاً.
يقال للحريص: - جاء ناشراً أذنيه ابن أبي فنبن:
فدع الحرص للحريص ولا ... تمتهن النفس إنها أقسام
الليث يبعث حتفه كلبه.
لا تزيده السن إلا نقصاً، ولا يزيده الغني إلا حرصاً.
شاعر: -
إذا طاوعت حرصك كنت عبداً ... لكل دنية يدعوا إليها
إبراهيم بن المهدي:
قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إن الحريص من الدنيا لفي تعب
قد يرزق المرء لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب
أفريدون: المحسن معان، والبريء جريء والمسيء مستوحش، والحريص تعب.
قيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال الرضا بما رزقت منها، قيل: فما غمها؟ قال الحرص.
ابن أبي عينية:
ومن أشرب اليأس كان الغني ... ومن أشرب الحرص كان الفقيرا
من أطلق من أمله فرّط في عمله.
كان ابن سيرين يقول: أنا لما لا أحتسب أرجي مني لما احتسبت، قال الله تعالى: " ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
قيل لأبي رجاء العطاردي: كيف تجدك؟ قال: قد جف جلدي على عظمي، وهذا أملي جديد بين عينيّ.
سعيد بن جبير: الاغترار بالله المقام على الذنوب رجاء المغفرة.
فضيل: الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحاً فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف.
ابن عيينة: لو قيل للناس أي الأمرين أعجب إليكم، أن تزادوا في عقولكم أو في ذات أيديكم؟ لقالوا: أما عقولنا فقد أوتينا منها ما اكتفينا به.
يقدر المقدرون والقضاء يضحك.
الحسن: لو رأيت الأجل ومسيره لنسيت الأمل وغروره.
الخدري رضي الله عنه: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر،أن أسامة لطويل الأمل.
أنس رضي الله عنه: رأى رسول الله في نعل رجلاً بشعاً من حديد، فقال: قد أطلت الأمل، وزهدت في الآخرة، وحرمت الحسنات، إنه إذا انقطع قبال أحدكم فاسترجع كان عليه من الله صلاة.
ابن عباس: كان نبي الله يخرج فيبول ثم يمسح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدرين لعلي لا أبلغه.
أبو عثمان النهدي: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة، وما مني شيء إلا وقد عرفت فيه النقص غير أملي فإنه كما هو.
أنس رفعه: يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان الحرص والأمل.
أبو هريرة رفعه: لا يزال الكبير شاباً في اثنتين حب المال وطول الأمل.
صلى محمد بن أبي تربة بمعروف الكرخي، ثم قال: لا أصلي بكم أخرى. فقال معروف: - أو أنت تحدث نفسك بصلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.
أبو العتاهية:
لقد لعبت وجد الموت في طلبي ... وإن في الموت شغلاً لي عن اللعب
لو شمرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتد حرصي على الدنيا ولا كلبي
وله:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تصبر إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال
لقمان: يا بني، كن ذا قلبين، قلب تخاف الله به خوفاً لا يخالطه تفريط، وقلب ترجو الله به رجاء لا يخالطه تغرير.
لا ينقضي الأمل ما بقي الأجل.
المرء ما دام حياً خادم الأمل.

قيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، سيئ العمل.
من جرى في عنان أمله كان عاثراً بأجله.
لو رأيتم الأجل وسروره لأبغضتم الأمل وغروره.
لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.
قيل لرجل: كيف حالك؟ قال: - أخدم الرجاء إلى أن ينزل القضاء.
بسط مطارح نظري ومسارح أملي.
وفدت عليه آماله فانثالت عليه أمواله.
ابن نباته:
لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
إياكم وطول الأمل فإنه من ألهاه أمله أخزاه أجله.
لما خلق الله تعالى آدم خلق له أملاً وأجلاً، وجعل أمله أمامه، وأجله وراءه فالحرص والأمل يحملان النفوس على المآثم ويوردانها المهالك.
قال رجل لمدني: أيسرك أن هذه الدار لك؟ قال:نعم، قال: وليس إلا ذاك؟ قال: وكيف أقول؟ قال تقول نعم وأحم سنة، نعم وأعور.
ابن عائشة: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلمه الجباز.
قتادة بن شراحيل بن الأصهب:
وإن رجائي من جمانة باطل ... رجاء غمام لاقح غير ماطر
يقال: في فلان ملق داية وحرص نباش.
ابن المعتز:
دع الناس قد طال ما أتعبوك ... ورد إلى الله وجه الأمل
ولا تطلب الرزق من طالبيه ... واطلبه ممن به قد كفل
قال معاوية لجلسائه مرة: وددت لو أن الدنيا في يدي بيضة بنمرشت وأحسوها كما هي.
قال رجل لصاحبه: لو كان لي كذا! فقال: حرث اللو فما أنبت.
أنذر أبا مسلم شيخ نصراني حين دنا قتله فبكى، فقال: لا تبك، إنك لم تؤت من رأى ربيق، ولا من حزم وثيق، ولا تدبير نافع، ولا سيف قاطع، ولكن ما اجتمع في أحد أمله إلا أسعر في تفريقه أجله.
عتبة بن أبي سفيان في خطبته: وإياكم وقول لو فإنها قد أعيت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم.
ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه.
علي رضي الله عنه: من بلغ أقصى أمله فليتوقع أدنى أجله.
أبو زبيد الطائي:
ليت شعري وأين مني ليت ... إن ليتاً وإن لوّاً غناء
عبد الصمد بن المعذل:
ولي أمل قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما
أبو عبيد الله وزير المهدي: اليأس حر والرجاء عبد.
أبو عبيد الخواص وكان نطوقاً بالحكمة: حين علمت أن مولاي يلي محاسبتي زال عني حزني. قيل: كيف؟ قال: لئن الكريم إذا حاسب تفضل.
بعض القرشيين: أجرى الله أعط وعاني الله أنتقد.
علي رضي الله عنه: وإياكم والاتكال على المنى فإنها بضائع التوكى، مع تثبيطها من خير الدنيا والآخرة.
الخذلان مسامرة الأماني، والتوفيق رفض التواني.
خاضت بنا المنى أودية من العنا. نال المنى عفواً، وكرع من شرعها صفواً.
معمر بن عباد: الأماني للنفس مثل الترهات للسان.
أنشد الجاحظ:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجل هذا المنى في الصدر وسواس
شاعر:
ولا تتعلل بالأماني فإنها ... مطايا أحاديث النفوس الكواذب
أعرابي: فلان يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى.
الحسن إياكم وهذه الأماني فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيراً قط في الدنيا ولا في الآخرة.
قس بن ساعدة الأبادي:
ما قد تولى فهو لا شك فئت ... فهل ينفعنّي ليتني ولعلي
شاعر:
شط المزار وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رمس ولا طلل
إلا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمر فيأتي دونه الأجل
الخليل:
ألا أيها المهدي غير مدافع ... رجاؤك خير من عطا سواكا
أعرابي: وعد الكريم فقد وتعجيل، ووعد اللئيم مطل وتعليل.
فلان يعد وعد من لا يخلف، ثم ينجز إنجاز من يخلف.
كاتب: أما بعد، فحق من أزهر بقول أن يثمر بفعل.
أعرابي: العذر الجميل أحسن من المطل الطويل، فإن أردت الأنعام فانجح، وإن تعذرت الحاجة فافصح.
موعد رجل رجلاً ولم يف له، فقال: أخلفتني، قال:والله ما أخلفتك ولكن مالي أخلفك.
الجاحظ: مواعيد القيان الآل اللامع في الفيافي، والهشيم تذروه الرياح السوافي.
قال أبو مقاتل الضرير: قلت لعرابي: قد أكثر الناس في المواعيد، فما قولك فيها؟ قال: بئس الشيء الوعد، مشغلة للقلب الفارغ، متعبة للبدن الخافض، خيره غائب، وشره حاضر.

النبي صلى الله عليه وسلم: عدة المؤمن كأخذ باليد.
أنشد الجاحظ:
قد بلوناك بحمد الله إن أغنى البلاء
فإذا كل مواعيدك والجحد سواء
قيل لمزبد: أيسرك أن عندك قنينة شراب؟ قال: يا ابن أم، من يسره دخول النار بالمجان.
فلان يمشي مطله في وجل.
عدة منشورة عن مطل، مطوية على بخل.
لا حبذا الإسعاف إذا اعتصر التسويف ماءه.
كم أجررته على شوك المطل، ثم أبته على قصص الخلف.
شاعر:
وإنك إن منيت منيت موعداً ... جهاماً وإن أبرقت خلبا
أخر:
يباري الرياح بمثل الرياح ... من كاذبات مواعيده
محمد بن حسان الضبي:
غذيت بالمطل وعداً رف مورقه ... حتى ذوى منه بعد الخضرة العود
واها لفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب مطل بعده سود
آخر:
جزى الله خيراً أريحياً سألته ... فلا هو أعطى ما سألت ولا منع
تكرم عن ردي ولم يقض حاجتي ... فيقلبني باليأس في صورة الطمع
هنيئاً لمن يرضى بإخلاف وعده ... هنيئاً له إن كان يحسن ما صنع
مدح بشار خالد بن برمك فأمر له بعشرين ألفاً فأبطأت عليه، فقال لقائده أقمني حيث يمر، فأخذ بلجام بغلته وقال:
أظلت علينا منك يوماً سحابة ... أضاءت لنا برقاً وراث رشاشها
فلا غيمها يصحى فييأس طامع ... ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها
فقال: لا تبرح حتى تؤتى بها.
زيد الفوارس من فرسان الجاهلية:
وموعدتي حقاً كأن قد فعلتها ... متى ما أقل شيئاً فإني كعازم
أريد به بعد الممات جزاءه ... لدى حاسب يوم القيامة عالم
صالح بن جناح اللخمي:
ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وإن تجمع الآفات فالبخل شرها ... وشر من البخل المواعيد والمطل
ولا خير في وعد إذا كان كاذباً ... ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
أبو الجزيرة:
إن التي سلبتك يوم عوارض ... بالذل وهي سليمة لا تسلب
منتك ثم لوتك ديناً قادعاً ... وعداتهن إذا وعدن الخلب
محمد بن أبي أمية:
تذب المنى عني المنايا ولو خلا ... مقيل المنى من مهجتي لطفيت.
محمد بن وهيب:
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
نفيع بن اللقيط الأسدي:
يسعى الفتى لينال أقصى سعيه ... أيهات حالت دن ذاك خطوب
يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب
لا الموت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب
فإذا صدقت النفس لم تترك ... أملاً ويأمل ما اشتهى المكذوب
صخر بن الجعد:
أرجى أن ألاقي آل كاس ... كما يرجو أخو السنة الربيعا
ماتت أم ولد للهذلي فأمر المنصور الربيع أن يعزيه ويقول: إن أمير المؤمنين موجه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عنها، وأمر معها بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذلي يتوقعها. ونسيها المنصور. وحج ومعه الهذلي، فقال له وهو بالمدينة: أحب أن أطوف الليلة في المدينة فأطلب لي من يطوف بي، فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف حتى وصل إلى بيت عائكة، فقال: يا أمير المؤمنين وهذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحرص: يا بيت عاتكة الذي أتعزل، فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه. فلما رج أمرّ القصيدة على قلبه فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فذكر الموعد فأنجزه له واعتذر إليه.
الوعد وجه والإنجاز محاسنه. الوعد سحابة والإنجاز مطر.
لقح المعروف بالوعد، وأنتجه بالفعال وأرضعه بالزيادة.
شاعر:
إذا مطلت امرءاً بحاجته ... فامض على مطله ولا تحد
قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن: يا بني، خف الله خوفاً ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك. وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك.
كان يقال لعبد الله بن عامر أفلح سائله.
أنشد العتبي الرشيد:

النفس تطمع والأسباب عاجزة ... والنفس تهلك بين اليأس والطمع

الطاعة لله ولرسوله ولولاة المسلمين
وذكر الانقياد والخضوع الامتثال علي رضي الله عنه: بعث رسول اله صلى الله عليه وسلم جيشاً وأمرّ عليهم رجلاً وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج ناراً وأمرهم أن يقتحموا فيها فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها. فبلغ ذلك النبي فقال: لو دخلوها لم يزالوا فيها. وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
وروي: فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها فأتوا رسول الله، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال: اسم الأمير عبد الله بن محرز وكانت فيه دعابة، فلما هموا بالدخول قال اجلسوا فإني كنت أضحك والعب. وقال رسول الله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عبد الله بن عمر رضي الله عنه، رفعه: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
أم الحصين: حججت مع رسول الله في حجة الوداع فسمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مُجدّع أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا.
أبو ذر رضي الله عنه: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ولو كان عبداً مجدع الأطراف.
أبو هريرة رفعه: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني.
وعنه عليه السلام: عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك.
أبو العتاهية: -
أطع الله بجهدك ... عامداً أو دون جهدك
أعط مولاك كما تط ... لب من طاعة عبدك
بعث سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى عمر ابن الخطاب، فقال له عمر: كيف تركت الناس؟ قال: هم كقداح الجعبة منها الأعضل الطايش ومنها القائم الرايش وسعد بن أبي وقاص ثقافها الذي يقيم أودها ويغمز عضلها. قال: وكيف تركت طاعتهم؟ قال: - يصلون الصلاة لأوقاتها، ويؤدون الطاعة إلى ولاتها. فقال عمر: الله أكبر! إذا أقيمت الصلاة أوتيت الزكاة، إذا كان الطاعة كانت الجماعة.
علي رضي الله عنه: إن الله سبحانه جعل الطاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.
قال عمر بن عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي لك؟ قال: أحسن طاعة.قال فأطعني كما كنت أطيعك، خذ من شربك حتى تبدوا شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
الحجاج في خطبته: يا أيها الناس، أقدعوا هذه الأنفس فإنها أشهى شيء إذا أعطيت شيء إذا منعت، فرحم الله امرء جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معصية الله، فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله.
شاعر:
يا من غدا لي أعز مولى ... ملكت مني أذل عبد
طاعة قلب ونصح جيب ... وأمن غيب ورعى عهد
مدح أعرابي رجلاً فقال: آخذ الناس لما به أمر، وأتركهم لما عنه زجر.
فضيل: من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد آثره عليه. ما أبالي فعلت ذلك أو صليت لغير القبلة.
إبراهيم بن أدهم: لأن أدخ النار وقد أطعت الله أحب إلي من أن أدخل الجنة وقد عصيت الله.
الحجاج: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله. إن الله يقول: " اتقوا الله ما استطعتم " فجعل فيها مثنوية، وقال: " اسمعوا وأطيعوا " فلم يجعل فيها مثنوية فلو قالت لرجل ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحل لي دمه.
إياس بن قتادة: -
وإن من السادات من لو أطعته ... دعاك إلى نار يفور سعيرها
أبرويز أطع من فوقك يطعك من دونك. وكان يقول: إذا أردت أن تفتضح فمر من لا يمتثل أمرك.
أسفنديار: إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. وعنه: إن المولى إذا كلف عبده ما لا يطيقه فقد أقام عذره في مخالفته.
كتب رسطاليس إلى الاسكندر: إياك أن تعهد من أصحابك طاعة المخافة فإنك تفقدها منهم أحوج ما تكون إليها. واجتهد في إحراز طاعة المحبة منهم تجدها في أي وقت أردت.

كان المنصور يقول: إن الحسن قد انتكث منذ لقيه أبو حنيفة. يريد الحسن بن قحطبة وأنه تثبط عن طاعته والإقدام على مظالمه لاستماعه لعظات أبي حنيفة رحمه الله ونصائحه وتخويفه من سطوات الله.
زيد بن علي رضي الله عنه: إذا دعوتكم إلى أمر فلم أسبقكم إليه فلا طاعة لي عليكم.
ابن رميلة الضبي:
أظن ضرار أنني سأطيعه ... وأني سأعطيه الذي كنت أمنع
إذا اغرورقت عيناه واحمر وجهه ... وقد كاد غيظاً جلده يتبضع
الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم، وجعل أهل معصيته أمواتاً في حياتهم.
علي رضي الله عنه: من أراد الغنى بلا مال، والعز بلا عشيرة، والطاعة بلا سلطان، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فإنه واجد ذلك كله.
أبو البختري: وددت أن الله يطاع وأني عبد مملوك.
لقيط بن زرارة التميمي لعمرو بن هند:
فإنك لو غطيت أرجاء هوة ... مغمسة لا يستبان ترابها
وذلك في ظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها مسرعاً لا أهابها
طريح بن إسماعيل في الوليد:
لو قلت للسيل دع طريقك والمو ... ج عليه كالهضب تعتلج
لارتد أوساخ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
صاحب كليلة ودمنة: لا يرد باس العدو القوي بمثل الخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانسيابه معها.
قال عبد الملك للحجاج كيف طاعتك؟ قال: طاعة الحمار الحمول العمول، إن حمل عليه اثنان قال هو ذاك، وإن حمل عليه واحد قال هو ذاك، وإن أقضم رضي الله، وإن لم بقضم عمل العمل.
وكتب عبد الملك إليه ينكر عليه إسرافه في الدماء والأموال، فأجابه:
إذا أنا لم أطلب رضاك واجتنب ... أذاك فيومي لا توارى كواكبه
وما لامرئ يعصي الخليفة جنة ... تقيه من الأمر الذي هو راهبه
أسالم من سالمت من ذي قرابة ... ومن لم تسالمه فإني محاربه
إذا قارف الحجاج فيك خطيئة ... فقامت عليه في الصباح نوادبه
إذا أنا لم أدن الشفيق بنصحه ... وأقص الذي تسري إليه عقاربه
وأعطي المواسي في البلاء عطية ... ترد الذي ضاقت عليه مذاهبه
فمن يتقي يومي ويرعى مودتي ... ويخشى غدي والدهر جم عجائبه
والأمر إليك اليوم ما قلت قلته ... وما لم تقله لم أقل ما يقاربه
فقف بي إلى حد الرضا لا أجوزه ... يد الدهر حتى يرجع الدر حالبه
وإلا فذرني والأمور فإنني ... رفيق شفيق أحكمته تجاربه
أمر رجل رجلاً بأمر فقال: أنا أطوع لك من الرجاء، وأذل لك من الحذاء.
شاعر:
ولو أنه قال مت حسرة ... لسارعت طوعاً إلى أمره
آخر:
إني لأذكره فأخضع ذلة ... حتى أمسى بخدي الأرضا
آخر:
أمر من طعم كل مر ... خضوع حر لغير حر
آخر:
لا بد للمرء من سجود ... في زمن السوء للقرود
سوار بن المضرب:
أترجو بنو مروان سمعي كطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
علي عليه السلام: فانهد بمن أطاعك على من عصاك، واستغن بمن أنقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبة خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه.

الظن والفراسة، والتهمة والشك
والاسترابة والحرص والتقدير، والفكر والأضمار ابن عباس رضي الله عنه: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: مرحباً بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والله إن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك، لئن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثاً: دمه، وماله وأن يظن به ظن السوء.
علي رضي الله عنه: من ظن بك خيراً فصدق ظنه.
وعنه: - اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم.
وعنه: إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خَزْية فقد ظلم، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غَرَّر.
وعنه: ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن.
عمر رضي الله عنه: لن ينتفع المرء بعقله حتى ينتفع بظنه.

وعنه: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك المسلم سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومنَّ من أساء الظن به.
وقلب موسوس على ناس فسألهم فردوه، فقال:
أسأت إذا أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
قيل لعالم: - من أسوأ الناس حالاً؟ قال: - من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله.
طلب المتوكل جاوية الزقاق بالمدينة، فكاد يزول عقله لفرط حبه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنك بالله وبي فإني كفيلة لك بما تحب، فحملت. فقال لها المتوكل اقرأي، فقرأت: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة. ففهم المتوكل ما أرادت فردها.
كتب محمد بن سوقة إلى جعفر بن بُرقان: الحمد لله الذي ستر منا ومنك القبيح، وأظهر منا ومنك الحسن حتى حسن الظن بنا وبك والسلام.
أبو هريرة رفعه:إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله.
شاعر:
وقد كان حسن الظن بعض مذاهبي ... فأدبني هذا الزمان وأهله
بلعاء بن قيس:
وابني صواب الظن أعلم أنه ... إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره
قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس.
ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: - هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب؟ النبي صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .
كان ابن الزبير رضي الله عنه يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
قيل ليعقوب عليه السلام: إن بصر رجلاً يطعم المسكين ويملأ حجر اليتيم. فقال: ينبغي أن يكون منا أهل البيت، فنظروا فإذا هو يوسف عليه السلام.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان:
لقد قرفوا أبا وهب بأمر ... تكبير بل يزيد على الكبير
وأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
أبو وهب كنية عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب الوليد، وهو الذي أفسد الوليد وحمله على السخف والشراب، فنحاه عنه هشام فقال ذلك.
سهل الأحول كاتب إبراهيم بن المهدي: ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز! وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم! أعرابي: تسقطني فلان فأخلفت ظنه.
النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في كل أمة مُحدَّثين ومُرَوَّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر منهم " .
المحدث المصيب في حدسه كأنما حدث بالأمر، قال أوس:
مليح نجيح أخو مأقِط ... ناب يحدث بالغائب
والمروّع الذي تلقى الأمور في روعه.
أبو هريرة رفعه: إياكم والظن، فإن الظن اكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا.
وعنه عليه السلام: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء. وأنا مع عبدي إذا ذكرني " .
شاعر:
أحسن بربك ظناً ... فإنه عند ظنك
الحسن: ما داء هذا الخلق كلهم إلا الشك.
محمد بن علي الصيني في طاهر بن الحسين
كأنك مطلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها
فكرات طرفك ممتدة ... إليك بغامض أخبارها
من موالي بني سُلَيم الحسن بن السقاء لم يكن في الأرض أخرص منه وأحزر. كان ينظر إلى السفينة فيحرز ما فيها فلا يخطئ.
وكان حرصه للموزون والمكيل والمعدود سواء لا يعدله له شيء من ذلك، يقول في هذا الرمانة كذا حبة، ووزنها كذا، ويأخذ عدد الآس فيقول فيه كذا ورقة ووزنه كذا فلا يخطئ.
ابن المعتز:
تفقد مساقط لحظ المريب ... فإن العيون في وجوه القلوب
وطالع بوادره في الكلام ... فإنك تجني ثمار الغيوب
وعلي كرم الله وجهه: من تردد في الريب وطأته سنابك الشياطين.
وعنه: ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصحفات وجهه.
أشار ابن عباس على علي رضي الله عنه بشيء فلم يعمل به ثم ندم فقال: ويح ابن عباس: كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
أبو نهشل ابن حميد الطائي:
أما والراقصات بذات عرق ... ورب البيت والركن العتيق
لقد اطلعت لي تهماً أراها ... ستحملني على مضض العقوق

قالوا: إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول: - ما عند الله خير وأبقى، فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها. وإذا رأيت أن قوماً يخرجون من عند قاض ويقولون: ما شهدنا إلا بما علمنا، فاعلم أن شهادتهم لم تقبل. وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء: كيف ما قدمت عليه؟ فقال: - الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن امرأته قبيحة.
وإذا رأيت رجلاً يمشي ويتلفت، فاعلم أنه يريد أن يحدث. وإذا رأيت فقيراً يعدو، فاعلم أنه في حاجة غني. وإذا رأيت خارجاً من عند الوالي وهو يقول: يد الله فوق أيديهم، فاعلم أنه قد صفع.
راجز:
قوم صدور الخيل يا ابن بشر ... ذات اليمين من مغيب النسر
إياك والشك وضعف الأمر
مر ولد نزار في طريقهم إلى الأفعي الجرهمي بكلأ قد رعي، فقال مضر: إن البعير الذي رعى هذا أعور، وقال ربيعة: وهو أزور، وقال إياد: وهو أبتر، وقال أنمار: وهو شرود. فلقيهم صاحب البعير فسألهم، فأعطوه صفته، فاستدلهم عليه، فقال: ما رأيناه فلزمهم وذهب معهم إلى الأفعى، فقال: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال مضر: رايته يرعى جانباً ويدع جانباً فعرفت أنه أعور.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعلمت أنه أفسده بشدة وطئه لازوراره. وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالاً لمصح به، وقال أنمار: كان يرعى بالمكان الملتف ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه وأخبث فعلمت أنه شرود. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم رحب بهم ودعا لهم بطعام وشراب وخرج من عندهم وتسمع عليهم، فقال مضر: لم أر كاليوم خمراً لولا أنها نبتت على قبره. وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً لولا أنه ربي بلبن كلبة. وقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعي إليه، وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاماً أنفع لولا أن صاحبنا يسمع.
فقال: ما هؤلاء إلى شياطين، وكان الأمر كما حدسوا.
ابن عباس في عمر رضي الله عنه: ما رأيته إلا وكأن بين عينيه ملك يسدده.
الحسن: أوصيكم بتقوى الله وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه.
وعنه من عرف الله أحبه، ومن عرف الدنيا زهد فيها.
والمؤمن لا يلهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن.
سال سعيد بن المسيب أيوب السخياني عن حديث فقال: إني أشك فيه. فقال: شكك أحب إلي من يقين شعبة.
عين المرء عنوان قلبه.
قيل لرقبة بن مصقل: ما أكثر منا تشك؟ فقال ما ذلك إلا محاماة عن اليقين.
جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: " لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " .
التفكر قبل العمل يرفع هيبة البديهة.
لما خرج عبد الملك يريد مصعباً عرض له كثير فقال: يا كثير ذكرتك اليوم فما تكاد تخرج من بالي، فإن أنبأتني لم ذكرتك فاحتكم علي فيما أدفعه إليك. قال: نعم، أردت الشخوص إلى هذا الوجه فنهتك عاتكة بنت يزيد، فلما جددت بكت فبكى لبكائها حشمها، فذكرت قولي:
إذا ما أراد الغزو لم يئن همه ... حصان عليها عقد در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما عراها قطينها
قال: قد والله أصبت فاحتكم، قال: مائة ناقة برعاتها، فدفعها إليه ثم قال: هل لك أن تصحبنا في هذا الوجه؟ فقال: احزر هذه وارجع إليك.
قال: إنك قد صدقتني فوفيت لك، أفرأيت أن أنبئك بما في نفسك أتحكمني؟ قال: أي والله، قال: قد قلت في نفسك هذا عائد عن الحق من أهل النار يخرج إلى مثله، فلعله يصيبني سهم غرب فالحق بالذي أنا معه. قال: قد أصبت يا أمير المؤمنين فاحتكم. قال: حكمي عليك أن اصل هذه الإبل لك بألف دينار وأعجل سراحك.

الظلم وذكر الظلمة وما عليهم
والأذى وقسوة القلب، وما اتصل بذلك أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عبداً كان لأخيه قِبَله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فنحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة ليس معه دينار ولا درهم.
جابر بن عتيك رفعه: من اقتطع شيئاً من مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة. قالوا يا رسول الله وإن شيء يسير؟ قال: ولو قضيب من أراك.
حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوحي إلي يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتاً من بيوتي

ولأحد من عبادي عند أحد منهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلي بين يدي يرد تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.
ابن عمر رفعه: لرد دانق حرام يعادل عند الله سبعين حجة مبررة.
أبو هريرة رفعه: لا يغبطن ظالم بظلمه فإن له عند الله طالباً حثيثاً، ثم قرأ: كلما خبت زدناهم سعيراً.
علي رضي الله عنه رفعه: إياكم ودعوة المظلوم، فإنما سأل الله حقه، وإن الله لا يمنع من ذي حق حقه.
خزيمة بن ثابت رفعه اتقوا دعوة المظلوم، فإنما تحمل على الغمام، يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
علي رفعه: يقول الله اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري.
النابغة الجعدي لعقال بن خويلد العقيلي:
كليب لعمرو الله كان أكثر ناصراً ... وأهون ذنباً منك ضرج بالدم
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المُسَهَّم
مر عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين. فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة، فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي على الظالمين أحل المظلومين في أعلى عليين.
بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين يتشاجران، وكان أحدهما يتعدى ويتطاول، وصاحبه يقول: حسبي الله، حسبي الله، فقال عليه السلام: يا رجل، ابل من نفسك عذراً، فإذا أعجزك الأمر فقل حسبي الله.
من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
زياد: يعجبني من الرجل إذا سيم خُطة الضيم أن يقول بملء فيه: لا.
عمر بن عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز، ومحمد بن يوسف باليمن!امتلأت الأرض والله جوراً.
لرجل من أزد شنوءة استعدى عتبة بن أبي سفيان وقد ظلمه عامله: -
أمرت من كان مظلوماً ليأتيكم ... فقد أتاكم غريب الدار مظلوم
نقش خاتم أنوشروان: لا يكون العمران حيث يجور السلطان.
كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله حادث، فأخذ رجلاً من عرض الناس فجردوه للسياط، واجتمع عليه النظارة، فقال الرجل: - ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: - أجب أن تجملنا بنفسك ساعة.
سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على من ظلمه فقال: كل الظلوم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك إلا أن يتداركه الله بعمل، وقَمِن أن لا يفعل.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: أما بعد فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله على عقوبتك وذهاب ما تأتي إليهم وبقاء ما يؤتى إليك والسلام.
كان علي بن الحسين يقول كلما ذر شارق: اللهم إني أعوذ بك أن أظلِم أو أُظلَم، وأعوذ بك أن أبغي أو يبغي علي.
علي رضي الله عنه: ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه.
طرفة:
والظلم فرق بين حيي وائل ... بكر فساقتها المنايا تغلب
الأفوه:
وبشؤم البغي والغشم قديماً ... ما خلا جوف ولم يبق حمار
جوف: وادٍ كان لحمار بن طويلع بن عاد.
أنوشروان: رفع غليه أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب، فوقع برد المال على الضعفاء، فإن الملك إذا كثر أمواله بما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتله من قواعد بنائه.
يقال: كسره كسر الجوز، وقشره قشر اللوز، وأكله أكل الموز، إذا نهكه ظلماً.
من كثر شططه كثر غلطه.
الظلم يجلب النقم، ويسلب النعم.
من طال عدوانه زال سلطانه.
لولا الداعون لهلك العادون.
من جمع به العدوان جنح عليه الإخوان.
لا تندم على فرض أقمته، وظالم وقمته.
رثى في طول لوح في أفق السماء مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته:
فلم أر مثل العدل للمرء رفعة ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعاً
شاعر:
كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فإن سقمت فإنا السالمون غدا
دعت إليك أكف طالما ظُلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا

النبي صلى الله عليه وسلم: " لو بغى جبل على جبل لدك الباغي " .
وعنه عليه السلام: " أعجل الشر عقوبة البغي " .
فيروز بن يزد جرد: من سل سيف البغي قتل به. ومن أوقد ناراً للفتنة كان وقوداً لها.
النجاشي: الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم.
علي رضي الله عنه: يم المظلوم على الظالم أشد من يوم المظالم على المظلوم.
معاوية: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصراً إلا الله.
كان الناس يتلاقون بعد قتل المنتصر أباه فيقولون: والله لا عاش إلا ستة أشهر كما عاش شيروبه بن كسرى حين قتل أباه. فكان كما ظنوا.
وروي أن سبب موته أنه فصد بمبضع مسموم، والطبيب الذي فصده احتاج إلى الافتصاد بعد ذلك، فأخرج إلى تلميذه دست مباضع وفيها ذلك المبضع، فاتفق أنه فصده به فمات الطبيب.
ورأى أباه في المنام فقال له: ظلمتني وقتلتني لا تمتعت بالخلافة إلا أياما.
وقال لأمه حين احتضر: عاجلت فترجلت.
أبو العيناء: كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تظافروا علي وصاروا يداً واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم. قلت: إن لهم مكراً، قال: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، قلت:هم كثير، قال: - كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله.
شاعر:
لا تبع عقدة مالٍ ... خيفة الجار الغشوم
واصطبر لنفسك الجا ... ري على كل ظلوم
فهو الدائر بالأمس على آل سدوم
يزعم الأعراب أن الله تعالى لم يدع ماكساً غلا أنزل به بلية، وأنه مسخ منهم اثنين ذئباً وضبعاً. وأن الضب وسهيلاً كان ماكسين، فمسخ الله أحدهما في الأرض والآخر في السماء.
قال الحكم بن عمرو البهراني:
مسخ الماكسين ضبعاً وذئباً ... فلهذا تناجلا أم عمرو
مسخ الضب في الجدالة قدما ... وسهيل السماء عمداً بصغر
الجدالة الأرض.
نظر دهقان يعذب في الخراج إلى الوالي يعطي الناس الجوائز فقال: أيها الأمير إن كنت إنما تظلم لمن ترحم فارحم من تظلم، فنفّس عنه.
قال كعب: نهيق الحمار دعاء الظلمة، فحدث به المسيب بن شريك فقال: لو علمت أن هذا حق لزدت في قضيم حماري.
عبد الله بن الفضل في قتل المتوكل ابن الزيات:
يكاد القلب من فزع يطير ... إذا ما قيل قد قتل الوزير
أمير المؤمنين هدمت ركناً ... عليه رجاكم كانت تدور
فمهلاً يا بني العباس مهلاً ... لكم في كل ناحية عقير
كأن الله صيركم ملوكاً ... لئلا تعدلوا ولأن تجوروا
كان أبو مسلم بعرفات يقول: اللهم إني تائب إليك مما لا أظنك تغفره لي. فقيل له: أيعظم على الله غفران ذنب؟ فقال: إني نسجت ثوب ظلم لا يبلى ما دامت الدولة لبني العباس، فكم من صارخة نلعنتي عند تفاقم الظلم؟ فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه.
وقيل له مرة: لقد قمت بأمر لا يقصر بك عن الجنة، فقال: خوفي فيه من النار أولى من الطمع في الجنة، أني أطفأت من بني أمية جمرة وألهبت من بني العباس نيراناً، فإن أفرح بالإطفاء فواحزنا من الإلهاب.
خطب الحجاج فقال: أتزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني أن رسول الله قطع أيدي رجال وأرجهلم وسمل عيونهم. قال أنس: فوددت أني مت قبل أن حدثته.
محمد بن عبد الله النفس الزكية:
متى نرى للعدل نوراً فقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم
أمية طالت عداتي بها ... كأنني فيها أخو حلم
علي رفعه: إياكم والظلم فإنه يخرب قلوبكم.
وعنه مرفوعاً: الويل لظالم أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
وعنه: ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب. فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قل الله سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً. القصاص هناك شديد ليس هو جرحاً بالمُدى ولا ضرباً بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه.
وعنه: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.
أبو مخلد: في قوله تعالى: ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.

أبصر أبو هريرة رجلاً يعظ رجلاً. فقال آخر: دعه فإن الظالم لا يضر إلا بنفسه. فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفسي بيده إنه ليضر غيره، حتى أن الحباري لتموت في وكرها بظلم الظالم.
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قدم على رسول الله من الحبشة، فسأله ما أعجب ما رأيت ببلاد الحبشة؟ قال: رأيت امرأة على رأسه مكتل فيه دقيق، إذ مر فارس فزحمها فألقى المكتل فانصب الدقيق. فجعلت تجمعه وتقول: ويل لك من ديان يوم الدين إذا وضع كرسيه للقضاء، فأخذ للمظلوم من الظالم. فقال رسول الله: لا تقدس الله أمة لا يأخذ فيها لضعيفها حقه غير متعتع.
أبو ذر رفعه: يقول الله تعالى إني حرمت الظلم على نفسي، وحرمته على عبادي، فلا تظالموا.
أوس بن شرحبيل رفعه: من مشي مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام.
وعنه عليه السلام: " من مشى خلف ظالم سبع خطات فقد أجرم " ، وقال تعالى: " إنا من المجرمين منتقمون " .
يوسف بن أسباط: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه.
الأحنف: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كأن لمجده أهدم.
أبو المطراب من لصوص الحجاز وقد تاب فظلم:
ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني
فلست بصابر إلا قليلا ... فإن لم ينتهوا راجعت ديني
محمد بن يزداد بن سيود وزير المأمون:
لا تأمنن الدهر حراً ظلمته ... فما ليل حر إن ظلمت بنائم
الهيثم بن فراس السامي من بني سامة بن لؤي في الفضل بن مروان:
تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل
وقمت كما قام الثلاثة ظالماً ... ستودي كما أودي الثلاثة من قبل
يريد الفضل بن يحيى، والفضل بن الربيع، والفضل بن سهل.
علي رضي الله عنه: لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأجر في الأغلال مصفداً، أحب غلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام. وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قُفولها، ويطول في الثرى حلولها.
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها تعلى أن أعصي اله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. ما لعلي ولنعيم يفنى، ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل.
أوحى الله إلى موسى: يا موسى قل لظلمة بني إسرائيل يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم بلعنة حتى يسكت.
قال منصور بن المعتمر لابن هبيرة حين أراده على القضاء: ما كنت لألي بعدما حدثني إبراهيم. قال: وما حدثك؟ قال: حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتى من يرى لهم قلماً أو لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت حديد ثم يلقى بهم في جهنم.
كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي يهوى جارية أخيه عبيد بن صالح فسقى أخاه سماً فقتله وتزوجها. فقال ابن برد الشامي وقد ظلمه في أرض له:
لئن كان فضل بزني الأرض ظالماً ... لقبلي ما أردى عبيد بن صالح
سقاه نشوعياً من السم ناقعاً ... ولم يكتئب من مخزيات الفضائح
كان أسلم بن زرعة والي خراسان من قبل عبيد الله بن زياد ينبش قبور الأعاجم فربما أصاب فيها الذهب والفضة. فقال بيهس بن صهيب الجرمي:
تعوذ بحجر واجعل القبر في الصفا ... من الأرض لا ينبش عظامك أسلم
هو النابش القبر المحيل عظامه ... لينظر هل تحت السقائف درهم
أبو الدرداء: إياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
ظُلم أعرابي من بكر بن وائل فقتل ظالمه بعنف فقال:ما أساء من قتل ظالمه. فقيل: أتحب أن تلقي الله ظالماً أو مظلوماً؟ قال: بل ظالماً، ما عذري عند الله قال حلقتك مثل البعير ثم تجيء تشكو إلي؟

علي رضي الله عنه: أوحى الله إلى المسيح قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بأبصار خاشعة، وقلوب طاهرة، وأيد نقية، وخبرهم أني لا أستجيب لأحد منهم دعوة ولأحد من خلقي لديهم مظلمة.
محمد بن يوسف الأصبهاني الزاهد، كتب إليه أخوه يشكو السلطان فأجابه: إن من عمل المعاصي لا ينكر العقوبة.
خطب الحسن بن علي رضي الله عنهما فذكر مفاخرة، فقال معاوية: عليك بالرطب، يعين أنك لا تصلح للخطب أراد أن يخجله ويقطعه. فاستمر في خطبته. فقال معاوية: إنك لترجو الخلافة ولست هناك. فقال: إن الخلافة لمن سار بسيرة رسول اله صلى الله عليه وسلم وسيرة صاحبيه وعمل بطاعة الله، وليست الخلافة لمن عمل بالجور وعطل الحدود، ومن لم يعمل بمثل سيرتهما كان ملكاً من الملوك يتمتع في ملكه فكان قد انقطع عنه وبقيت تبعته عليه، فهو كما قال الله تعالى: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
دخل على هشام، في متنزه له قد تكلف فيه، رجل ألقى إليه صحيفة وتلمس، فإذا فيها بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، فتدر عليه يومه، ومات بعد أيام.
قيل للمنصور: في حبسك محمد بن مروان فلو أمرت بإحضاره ومسألته عما جرى بينه وبين ملك النوبة. فقال صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا، فأمرت بالمضارب فضربت، فخرجت النوبة يتعجبون، وأقبل ملكهم رجل أصلع طوال حاف عليه كساء، فسلم وجلس على الأرض، فقلت: ما بالك لا تقعد على البساط؟ فقال: أنا ملك، وحق لكل من رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه، ثم قال: ما بالكم تطأون الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: أشياعنا فعلوه بجهلهم. قال: فما بالكم تلبسون الديباج وتتحلون بالذهب والفضة وهي محرمة عليكم على لسان نبيكم؟ قلت: فعل ذلك أعاجم من خدمنا كرهنا الخلاف عليهم. فجعل ينظر في وجه ويكرر معاذيري على وجه الاستهزاء. ثم قال: ليس كما تقول يا ابن مروان، ولكنكم ملكتم فظلمتم، وتركتم ما أمرتم به فأذاقكم الله وبال أمركم، ولله فيكم نقم لم تبلغ، وإني أخشى أن تنزل بك وأنت في أرضي فتصيبني معك، فارتحل عني.
وجد تحت فراش يحيى بن خالد البرمكي رقعة فيها:
وحق الله إن الظلم لؤم ... وإن الظلم مرتعه وخيم
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
وجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفى في مصلاه رقعة فيها:
بغي وللبغي سهام تنتظر ... أنفذ في الأحشاء من وخز الإبر
سهام أيدي القانتين في السحر
أنس رفعه: إن الله نظر إلى أهل عرفات فباهى بهم الملائكة قال: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً قد أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق. فاشهدوا أني قد غفرت لهم، إلا التبعات التي بينهم.
لقي رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال: يا أبا الفضل، أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما الله في النار. فصفح عنه، ثم قال، فصفح عنه، فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ أنفه. فانطلق إلى رسول الله، فلما رآه قال: ما هذا؟ قال: العباس، فأرسل إليه وقال: ما أردت إلى رجل من المهاجرين؟ فقص عليه القصة وقال: ما ملكت نفسي وما إياه أراد ولكن أرادني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الشيء وإن كان حقاً؟.
قدم ابن أبي جهل المدينة، فجعل يمر في الطريق فيقول الناس: هذا ابن أبي جهل، فذكر ذلك لأم سلمة فذكرته لرسول الله. فخطب الناس وقال: لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات.
فضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً؟ عبيد الله بن الحر:
تبيت النشاوى من أمية نوماً ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما ضيع الإسلام إلا عصابة ... تأمر نوكاها ودام نعيمها
فأضحت قناة الدين في كل ظالم ... إذا أعوج منها جانب لا يقمها
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة ... وعيني تبكي لا تجف سجومها
حياتي أو تلقى أمية خزية ... يذل لها حتى الممات زعيمها

رفعت قصص إلى المهدي فإذا قصة مكتوب عليها قصة صاحب السمكة. فقال: ما هي؟ فقال الربيع: بيننا أبوك مشرفاً على دجلة إذ بصر بملاح صاد سمكة، فوجه إليه خادماً يشتريها، فاستلمها بدينار فأبى، وباعها من تاجر باثني عشر درهماً. فاستحضر التاجر وقد سوى السمكة فأخذها منها وأكلها وقال: لو لم يكن معك مال لما اشتريت سمكة باثني عشر درهماً وأمر خادمه بأن يذهب إلى منزله ويحمل ما أصاب في صناديقه. فجاء ببدرتين. فقال: أنا رجل معيل وعلي مؤونة. فأعطاه منها أربعمائة درهم يتعيش بها.
فأمر المهدي أن تطلب البدرتان في بيت المال، فجيء بها مكتوب عليها مال صاحب السمكة، فقال المهدي: اجعل أبي في حل فإنه كان مسرفاً على نفسه، وخذ المال.
جابر بن عبد الله يرفعه: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.
أبو موسى رفعه: إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، وقرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة أن أخذه أليم شديد.
أبو هريرة رضي الله عنه: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه " .
وعنه مرفوعاً: " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له فغفر له " .
وروي: لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
أبو برزة: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أنتفع به، قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين.
حج سليمان بن عبد الملك فلقيه طاووس، فقيل حدث أمير المؤمنين، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أعظم الناس عذاباً يوم القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار في حكمه " . فتغير وجه سليمان.
ذكر هشام عند محمد بن كعب القرظي، وثم محمد بن على بن الحسين، فوقع فيه فقال القرظي: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون. إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم، فانطلق نفر إلى خيرهم فقالوا: نخرج عليه؟ فقال: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون، ولكن انطلقوا فصوموا عشراً وقوموا ولا تظلموا فيها أحداً ولا تطأوا فيها امرأة فجاءوا بعد عشر، فقال: - زيدوا عشراً أخرى، فلم يزالوا حتى بلغوا أربعين. ثم قال لهم: - اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم، ففعلوا. فدعا الملك ببرذون له وأمر سائسه أن يسرجه، فتشاغب وامتنع البرذون، فغضب الملك فقام فأسرجه وركبه، فجمح به حتى ألقاه، فتقطع وهلك. فقال الحبر: هكذا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم.
وفي الحديث إن الله يقول: " لا يذكرني عبدي الظالم حتى ينزع عن ظلمه، فإنه من ذكرني كان حقاً علي أن أذكره، وإني إذا ذكرت الظالمين لعنتهم " .
مجاهد: يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكوا حتى تبدو عظامهم، فيقال لهم: هل يؤذيكم هذا؟ فيقولون: أي والله. فيقال هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين.
؟

العتاب، والتريث، والشكوى
والبث، والاستعطاف، وما أشبه ذلك.
أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، فما قال أف قط، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ ولا فعلت هذا! وعنه عليه السلام: " إذا زنت خادم أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب، وروي: - ولا يعيرها - " عاتب عثمان علياً رضي الله عنهما وعلي مطرق، فقال: مالك لا تقول؟ إن قلت لا أقول إلا ما تكره وليس لك عندي إلا ما تحب.
في الإنجيل: إن ظلمك أخوك فاذهب إليه فعاتبه فيما بينك وبينه فقط، فإن أطاعك ربحت أخاك، وإن هو لم يطعك فاستتبع رجلاً أو رجلين ليشهدا ذلك الكلام كله. فإن لم يستمع فإنه أمره إلى أهل السعة، فإن هو لم يسمع من أهل السعة فليكن عندك كصاحب المكس وروي عن عيسى صلوات الله عليه: إذا كانت بينك وبين أخيك معاتبة فالقه فسلم عليه، واستغفر لك وله، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فأشهد عليه شاهدين أو ثلاثة أو أربعة، فعلى ذلك تقوم شهادة كل شيء، أو مجلس قومه، فإن قبل فأخوك، وإن أبى فليكن كصاحب مكس، أو كمن كفر بالله.
أبو الدرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟ شاعر:
خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما صدري

فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر
كتب الصولي إلى ابن الزيات:
وكنت أخي بإخاء الزما ... ن فلما نبا جربا عوانا
وكنت أذم إليك الزما ... ن فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكتب إليه:
أخ كنت آوى منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المنازل لقيه ابن عم له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحي يفن، فقال لهما: أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجني والتجني يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة.
شاعر:
فدع ذكر العتاب فرب شر ... طويل هاج أوله العتاب
قال رجل لصديق يعاتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا استبطئك إلا لك، ولا أستريدك إلا بك.
وقال له: أنا منتظر واحدة من اثنتين عتبي تكون منك، أو عقبي تغنى عنك. وقال له: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك. وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك فإن نزعت من الآن فصفح لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.
أوس بن حارثة لابنه: العتاب قبل العقاب.
ابن أبي فنن:
إذا كنت تغضب في غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليا
طلبت رضاك فإن عزني ... عددتك ميتاً وإن كنت حيا
سأل سفيان بن الأبرد الكلبي هنداً بنت أسماء بن خارجة امرأة الحجاج أن تكلمه في شأنه فمطلته فقال:
أعاتب هنداً والسفاه عتابها ... وماذا أرجى من معاتبتي هندا
أغيب فتنسى حاجتي وتصوغ لي ... حديثاً إذا ما جئتها يقطر الشهدا
قال مدني لأبي مروان القاضي: أيها القاضي، إلى متى استمطرك غيث الجميل، واستطلعك شمس الإحسان، وأنت تخوف برعد المطل. وتؤنس ببرق التسويف.
كاتب: أنت فتى المجد، ومعدن الحرية، ووطن الأدب، ومن كانت هذه صفاته فالخروج عن مودته جهل، فضلاً عن الدخول في عداوته. وأنا وأنت أخوا مودة، ورحم المودة أمس من رحم القرابة، فكيف رشت سهامك؟ أم كيف امتحنت بعداوتك؟ ولكنه كما قال:
بلي قد تهب الريح من غير وجهها ... ويقدح في العود الصحيح القوادح
أبو الزبرقان الكاتب:
صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب
وإذا أنت تكثر ذم الزمان ... ونفسك نفسك تستحجب
عمرو بن الأيهم بن الأقلت النصراني:
قاتل الله قيس عيلان طراً ... ما لهم دون غارة من حجاب
ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب
من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على الهجر.
قدم ابن ذكاء المعتصم وكان شيخ الرملة والمشار إليه في فلسطين على ابن قريعة القاضي فقدم على ما ساءه وناءه حتى قال: لقد اقشعر جلدي بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم لي بالعراق، ولو سلخني المغاربة سلخاً، ونفخوا في جلدي نفخاً، لكان أهون علي مما عاملني به.
كتبت عثعث على زر قميصها بالذهب:
علامة ما بين المحبين في الهوى ... عتابها في كل حق باطل
وكتبت مستهام جارية الفضل بن الربيع على تفاحة إليه:
تمنى الرجال ما أحبوا وإنني ... تمنيت أن أشكوا إليه فيسمعا
غيره: -
وكنت إذا ما جئت أكرمت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر
فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إلي بها في سالف الدهر تنظر
الأحنف: شكوت إلى عمي صعصعة بن معاوية وجعاً في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي، إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان، صديق تسوءه، وعدو تسره، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، وهو قادر على أن يفرج عنك.
يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلاً من أربعين سنة، وما اطلعت على ذلك امرأتي ولا أحد من أهلي.
أبو دلف:

وإذا عوتب في سيئة ... لم يدعها وتعاطى أختها
محمد بن أمية بن أبي أمية:
وأضمر في قلبي العتاب فإن بدا ... وساعفني منه اللقاء نسيت
غيره:
ومن لم يعاتب في التواني خليله ... وأملي له صار التواني تماديا
آخر:
ترك العتاب إذا استحق أخ ... منك العتاب ذريعة الهجر
شكى رجل إلى آخر الفقر، فقال له فضيل يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
آخر:
شكوت وما أشكو لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها
آخر:
وكم من أخ ناديت عند ملمة ... فألفيته منها أمض وأقدحا
المتنبي:
لا تشك يوماً إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
وهيب بن الورد: - خالطت الناس منذ خمسين سنة فما وجدت رجلاً غفر لي زلة، ولا أقالني عثرة، ولا ستر لي عورة، ولا أمنته إذا غضب.
ما أصغيت لك إناء، ولا أصننت لك فناء، أي ما فعلت بك ما يوجب الشكاية.
قوله:
وأراك تشربني فتمزجني ... ولقد عهدتك شارباً صرفا
مثل في ترك اختصاصه بالمودة، وهو في غاية الجودة.
شاعر:
يا ذا الذي منه التنك ... ر والتنفر والتبؤ
إن كان أدركك الملا ... ل فقد تداركني السلؤ
غيره:
كل يوم قطيعة وعتاب ... ينقضي دهرنا ونحن غضاب
كثرة العتاب تنغل أديم المودة.
عتاب جحظة مثل فيما رق ولطف، قال:
ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان
وللبديع الهمداني: بيننا عتاب لحظة كعتاب جحظة واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة.
في نوابغ الكلم: الكتاب أن أردت العتاب. إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهة.
قابوس: أراك واهي الود، غير زاكي السب في منابت الحب. الوفاء عندك بمنزلة الأبلق العقوق، والصفاء لديك مشوب برنق العقوق.
كثير:
ومن لا يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه من يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهداً كل عثرة ... يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
بشار:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
كان أحمد بن يزيد المهلبي نديماً للمنتصر فطلبه أبوه المتوكل لمنادمته، فلم يزل نديمه حتى قتل، فلما ولي المنتصر حجبه، ثم أذن له وأمر بنان بن عمرو المغني، فغنى:
غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلاً ولم أتبدل
والبيت للمنتصر، فاعتذر المهلبي، فقال المنتصر: إنما قلته مازحاً، أتراني أتجاوز بك حكم الله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. ووصله بثلاثة آلاف دينار.
حبس عبد الله بن علي المستهل بن الكميت، فكتب إليه:
إذا نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد
زهير بن صرد السعدي أسر يوم حنين فيمن أسر من هوازن، فقال يستعطف رسول الله ويذكره بحرمة الرضاع في بني سعد
امنن على عصبة أعناقهم ذلل ... مفرق شملها في دارها غير
وامنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأها من محضها درر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر شكر
وألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك أن العفو منتظر
فمن عليهم رسول الله. أي هو مترقب منك تفعله لا محالة، أو عفو الله منتظر يعفو عن الطاغين من عباده.
عثمان بن مظعون رضي الله عنه هاجر إلى أرض الحبشة فبلغه من أمية بن خلف كلام فقال:
تريش نبالاً لا يواتيك ريشها ... وتبرى نبالاً ريشها لك أجمع
فكيف إذا تابتك يوماً ملمة ... وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
المؤمل بن أميل المحاربي:
شكوت ما بي إلى هند فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت ما حجر
لا تحسبيني غنياً إن مودتكم ... إني إليك وإن أيسرت مفتقر
منصور النمري:
أقلل عتاب من استربت بوده ... ليست تنال مودة بقتال
معبد بن أخضر المازني
لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... أبلغ عنكم والقلوب قلوب

وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ... ليرجع حلم والمعاد قريب
ولست أراكم تحرمون عن التي ... كرهنا ومنها في القلوب ندوب
فلا تأمنوا منا كفاءة فعلكم ... فيشمت خصم أو يساء حبيب
ويظهر منا في المقال ومنكم ... إذا ما ارتميتا بالمقال عيوب
فإن لسان الباحث الداء ساخطاً ... بني مازن ألوى البيان كذوب
قعنب بن أم صاحب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
محمد بن جميل التميمي الكاتب:
لئن أنا لم أبلغ بجاهك حاجة ... ولم يك لي فيما وليت نصيب
وأنت أمير الأرض من حيث اطلعت ... لك الشمس قرنيها وحيث تغيب
أبا غانم أني إذا لبروضة ... لغيري يصفو رعيها ويطيب
محمود بن مروان بن أبي حفصة:
رحلت إلى أغر أبت جدودي ... إلى أجداده إلا ارتحالا
وله:
أزور إمام الهدى جعفراً ... وكان لجديه جدي زؤوراً
وله:
كنا نزور جدوده فركابنا ... من طول ذلك الطريق عوالم
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الزهري يستقدمه، فأبطأ عليه فقال: يا ابن شهاب لو كان غيرها ما أبطأت عليه، لقد قلبتك ظهراً لبطن فوجدتك بني دنيا

العبيد، والإماء، والخدم
والأمر بالاستيصاء بالمماليك خيراً، والنهي عن سوء الملكة، ونحو ذلك.
علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يدخل الجنة شهيد، وعبد احسن عبادة ربه ونصح لسيده " .
ابن عمر رضي الله عنه، رفعه: إن العبد إذا نصح ليسده، وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين.
كان زيد بن حارثة لخديجة رضي الله عنها، اشتري لها بسوق عكاظ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رضي بذلك فعلت، فسئل زيد فقال: ذل الرق مع صحبته أحب إلي من عز الحرية مع مفارقته. فقال عليه السلام: إذا اخترناه. فاعتقه وزوجه أم أيمن، وبعدها زينب بنت جحش.
عطاء رفعه: الإبدال من الموالي.
علي رضي الله عنه: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " .
المعرور بن سويد: دخلنا على أبي ذر بالربذة فإذا عليه برد، وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته غيره. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فيلعنه " .
أبو هريرة رفعه: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي، وفتاي وفتاتي. ولاية ولا يقل أحدكم اسق ربك، وأطعم ربك، وضئ ربك، ولا يقل أحدكم ربي، وليقل سيدي ومولاي.
أبو مسعود الأنصاري: كنت أضرب غلاماً لي، فسمعت من خلفي صوتاً، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، إن اله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفعتك النار.
رافع بن مكيث، رفعه: حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، وري: يمن.
ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم تعفوا عن الخادم؟ ثم أعاد عليه فصمت، فلما كانت الثالثة قال: اعفوا عنه كل يوم سبعين مرة.
أبو هريرة: حدثني أبو القاسم نبي التوبة صلى الله عليه وسلم: من قذف مملوكه بريئاً مما قال جلد له يوم القيامة حداً.
هلال بن يساف: كنا نزولاً في دار سويد بن مقرن، وفينا شيخ فيه حدة، ومعه جارية، فلطم وجهها، فما رأيت سويداً أشد غضباً منه ذلك اليوم، قال: أعجز عليك حر وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن، مالنا إلا خادم، فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها.
وعن معاوية بن سويد: لطمت مولى لنا، فدعاني أبي ودعاه فقال: اقتص منه.
استبق بنو عبد الملك فسبقوا مسلمه، وكان ابن أمة، فتمثل عبد الملك يقول عمرو بن مبرد العبدي:

نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا
فتفتر كفاه ويسقط سوطه ... وتخدر رجلاه فما يتحرك
وما يستوي المرءان هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك
وأدركه خالاته فاختزله ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
فقال مسلمة: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين: ليس هذا مثلي ولكن كما قال علي بن المغمر:
فما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأرماحنا قهراً
فما زادها فينا السباء مذلة ... ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضاً غطارفة زهرا
وكائن ترى فينا من ابن سببة ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضاً وبصدرها حمرا
كريم إذا أغبر اللئيم تخاله ... إذا سار في الليل الدجى قمراً بدرا
فقبل رأسه، وذهب غمه، وقال: أحسنت يا بني، ذاك أنت، وأمر له بمائة ألف مثل ما أخذ السابق.
زاذان: أتيت ابن عمر، وقد أعتق مملوكاً له، فأخذ من الأرض عوداً فقال: ما لي من الأجر ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من لطم مملوكاً أو ضربه فكفارته أن يعتقه " .
أبو هريرة. يرفعه: من خبب زود امرئ أو مملوكه فليس منا.
أعتق عبد الله بن جعفر غلاماً، وأخذ يكتب كتاب العتق، فقال الغلام: اكتب كما أملي: كنت بالأمس لي فوهبتك لمن وهبك لي، فأنت اليوم مني. فكتب ذلك واستحسنه وزاده خيراً.
مر ابن عمر براع مملوك فاستباعه شاة، فقال: ليست لي، فقال: أين العلل؟ فقال: أين الله؟ فاشتراه فأعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
أراد رجل بيع جارية فبكت، فسألها، فقالت: لو ملكت منك ما ملكت مني ما أخرجتك من يدي. فأعتقها.
تغدى سليمان عند يزيد بن المهلب، فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمونه بالإشارة دون القول.
قال سهل بن صخر، وهو من الصحابة لابنه: إذا ملكت ثمن غلام فاشتر به غلاماً. فإن الجدود في نواصي الرجال.
أبو الهيثم بن خالد:
ولي صديق ما مسني عدم ... مذ وقعت عليه على عدمي
بشرني بالغنى تهلله ... وقبل هذا تهلل الخدم
ومحنة الزائرين بينة ... تعرف قبل اللقاء في الحشم
كان أبو يوسف راكباً وغلامه يعدو خلفه، فقيل له، فقال: أيحل أن أسلم غلامي مكاريا؟ قيل: نعم، قال: فيعدو إذن معي كما يعدو مع الحمار إذا كان مكاريا.
النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع " .
قال ابن الزبير لرجل كان يتعاطى بيع الرقيق: ما أشد إقدامك على ركوب الغرر وإضاعة المال! قال: بماذا؟ قال: بضاعتك الملعونة، قال: وما لها؟ قال هي ضمان نفس ومؤونة ضرس.
شر الناس من يبيع الناس.
أميروس: التسلط على المماليك دناءة.
طلب معاوية جواري فقال: كل رافعة من بعيد، مليحة من قريب.
البحتري:
أنا من ياسر ويسر ونجد ... لست من عامر ولا عمار
ما بأرض العراق يا قوم حر ... يفتديني من خدمة الأحرار
لا أريد التنظير يخرجه الشت ... م إلى الاحتجاج والافتخار
وإذا رعته بنا حبسه السو ... ط على الذنب راعني بالفرار
هل جواد بأبيض من بني الاص ... فر ضخم الجدود ضخم النجار
فوق ضعف الصفار إن وكل إلا ... مر إليه ودون كيد الكبار
وكأن الذكاء يبعث منه ... في سواد الأمور شعلة نار
ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواء بالثوب والدينار
وعزيز إلا لديك بهذا الف ... ج أخذ الغلمان بالأشعار
بعض النخاسين: حناء بنصف دانق يزيد في ثمن الجارية مائة درهم.
النبي صلى الله عليه وسلم: " عاتبوا أرقاءكم على قدر عقولهم " .

أبو اليقضان: إن قريشاً لم ترغب في أمهات الأولاد حتى ولدن ثلاثاً هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله. وذلك أن عمر رضي الله عنه أتى بنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى سبيات، فأراد بيعهن، فقال له علي: إن بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوموهن، فأعطاه أثمانهن، فقسمهن بين الحسين بن علي، ومحمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة.
محمد بن سوقة كان إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بسيدك! عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون ثاني اثنين، فنادى: يا غلام، يا غلام، بأعلى صوته، فدخل غلام تركي فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشر أو يتوضأ أو يصلي!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح: يا غلام، يا غلام! إلى كم يا غلام، يا غلام؟ فنكس راسه طويلاً، فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، فقال: يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا تستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
النبي صلى الله عليه وسلم: بئس المال في آخر الزمان المماليك.
مجاهد: إذا كثر الخدم كثرت الشياطين.
سالم بن أبي الجعد رفعه: عبد عن الله صالح خير من حر طالح.
لقمان: لا تأمنن امرأة على سر، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة.
غلام يأكل فارهاً، ويعمل كارهاً ويبغض قوماً، ويحب نوحاً.
أعتق عمرو بن عقبة غلاماً كبيراً، فقال عبد له صغير: اذكرني يا مولاي، ذكرك الله بخير. فقال: إنك لم تخرف. فقال: إن النخلة قد تجتني زهوا قبل أن يصير معوا: فقال: قاتلك الله! لقد استعتقت فأحسنت، وقد وهبتك لواهبك، كنت أمس لي واليوم مني.
العبد عز مستفاد، وغيض في الأكباد.
قد ذممنا العبيد حتى إذا نح - ن بلونا المولى عذرنا العبيدا آخر:
وما لي غلام فأدعو به ... سوى من أبوه أخو عمتي
أكثم: الحر حر وإن مسه الضر، والعبد عبد وإن مشى على الدر.
كانت لخالد بن برمك جارية اسمها سرور، أكتب الناس بقلم، وأحسنهم علماً وكانت توقع بين يديه فتخرج التوقيعات إلى الكتاب، وربما اقترحوا عليها نسخ الكتب لبلاغتها، وكانت شجاعة، تركب معه في سيف ومنطقة وسواد، فلا يعلم أجارية هي أم غلام. وكانت لخازم بن خزيمة مثلها اسمها قطاة.
كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد ، فاستشفع بعلي أن يكاتبه، فكاتبه: ثم دعا عثمان بالعبد فقال: إن كنت عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه، ثم قال عثمان: شد شد، يا حبذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة.
وعنه رضي الله عنه: ما ملك رقيقاً من لم يتجرع بغيظ ريقاً.
خادم الملك لا يتقدم في رضاه خطوة إلا استفاد بها قدمة وحظوة.
أشرف الرشيد على الكسائي والأمين والمأمون بين يديه يعلمهما، فقام لحاجته، فابتدرا يقدمان نعليه: فقال الرشيد لجلسائه: أفي الناس أكرم خدماً؟ قالوا: أمير المؤمنين، قال: لا، بل هو الكسائي يخدمه عبد الله ومحمد.
ليس حقك علينا بالخدمة دون حقنا عليك بالنعمة.
نشأ فلان في حضن عنايتك، وأرضع بلبان نعمتك، وشرف بقدمة خدمتك.
دعا بعض أهل الكوفة إخوانه، وله جارية فقصرت في بعض ما ينبغي لهم، فقال:
إذا لم يكن في منزل الحر حرة ... رأى خللاً فيما تولى الولائد
فلا يتخذ منهن حر قعيدة ... فهن لعمر الله ينس العقائد
أحمد بن سهل: عز الملوك بالمماليك.
كان لمحمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس خمسون ألف مولى، وهو وأخوه جعفر بن سليمان من ملوك بني هاشم وفرسانهم، وقد زوجه المهدي بنته العباسة ونقلها إلى البصرة.
علي رضي الله عنه: واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك.
لا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك.
قلما تنفع خدمة الجوارح إلا بخدمة القلب.
جندل مولى عدي بن حاتم يفتخر بأنه محرر الرجال دون النساء:
وما فك رقي ذات دل خريدة ... ولا أخطأتني غرة وحجول
نماني إلى العلياء أبيض ماجد ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول

كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشرى عنب وتين، فأبطأ حتى نوَّط الروح، ثم جاء بأحدهما، فضربه وقال: ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين، ثم مرض فأمره أن يأتي بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فسأله: فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ جئتك بطبيب، فإن رجاك وإلا حفر هذا قبرك. فهذا طبيب وهذا حفار.
المأمون بن الرشيد:
كنت حراً هاشمياً ... فاسترقتني الإماء
أنا مملوك لمملو ... ك وتحتي الأمراء
كانت للمأمون جويرية من أحسن الناس وجهاً وأسبقهم إلى كل نادرة، فحلت عنده في ألطف محل فحسدتها الجواري وقلن: لا حسب لها، فنقشت على خاتمها حسبي حسني، فازداد بها المأمون عجباً، فسممنها فجزع عليها وقال:
اختلست ريحانتي من يدي ... أبكي عليها آخر المسند
كانت هي الأنس إذا استوحشت ... نفسي من الأقرب والأبعد
وروضة كان بها موقعي ... ومنهلاً كان به موردي
كانت يدي كانت بها قوتي ... فاختلس الدهر يدي من يدي
المتوكل في جاريته قبيحة:
أمازحها فتغضب ثم ترضى ... وكل فعالها حسن جميل
فإن غضبت فأحسن ذي دلال ... وإن رضيت فليس لها عديل
دعا طلحة أبا بكر وعمر وعثمان، فأبطأ عليه الغلام بشيء وأراده، فصاح: يا غلام، فقال: لبيك، فقال طلحة: لا لبيك. فقال أبو بكر: ما سرني أني قلتها ولي الدنيا. وقال عمر: ما سرني أني قلتها ولي نصف الدنيا، وقال عثمان: ما سرني أني قلتها ولي حمر النعم. وصمت عليها طلحة، فلما خرجوا باع ضيعة بخمسة عشر ألفاً وتصدق بها.
كان لمحمد بن أبي الحارث الكوفي صديق له قينة، فباعها ببرذون فقال محمد:
قينة كانت تغني ... مسخت برزون أدهم
عجت بالساباط يوماً ... فإذا القينة تلجم
الحسين الفارسي النحوي، ابن أخت أبي علي الفارسي: اسمه رشأ، رأيته بعد موت سيده في ناحية عبد العزيز بن يوسف لقد ارتقى إلى رتبة الوزارة، وقال أبو منصور الثعالبي: قرأت أنا بخطه قال: كتب ابن سكرة الهاشمي إلى أبي عثمان يسأله عني، فكتب إليه:
ما هو عبد لكنه ولد ... خولنيه المهيمن الصمد
وشد أزري بحسن صحبته ... فهو يدي والذراع والعضد
صغير من كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد
معشق الطرف كحله كحل ... معطل الجيد حليه جيد
وغصن بان إذا بدا فإذا ... شدا فقمري بانه غرد
ثقفه كيسه فلا عوج ... في بعض أخلاقه ولا أود
ما غاظني ساعة فلا صخب ... يمر في منزلي ولا حرد
مسامر إن دجا الظلام فلي ... منه حديث كأنه الشهد
خازن ما في يدي وحافظه ... فليس شيء لدي يفتقد
يصون كتبي فكلها حسن ... يطوي ثيابي فكلها جدد
وحاجبي فالخفيف محتبس ... عندي به والثقيل متطرد
وحافظ الدار إن ركب فما ... على غلام سواء اعتمد
ومنفق مشفق إذا أنا اسر ... فت وبذرت فهو مقتصد
وأبصر الناس بالطبيخ فكا ... لمسك القلايا والعنبر الثرد
وواجد بي من المحبة والرأ ... فة أضعاف ما به أجد
إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد
ذا بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد
كان أبان بن عبد الحميد بن لاحق مولى لبني رقاش فقال فيهم:
ألا يا ليت لي قوماً بقومي ... ولو عكلاً فينفعني معاشي
فكنت لهم أخا ثقة ومولى ... ولم أك في اللئام بني رقاش
وحشي الرياحي المدني:
يعجبني من فعل كل مسلمه ... مثل الذي تفعل أم سلمه
إقصاؤها عن بيتها كل أمة
أهدى داود بن روح بن حاتم المهلبي جارية للمهدي، فحظيت عنده، فواعدته المبيت معه، ثم منعها الحيض، فكتب إليها:
لأهجرن حبيباً خان موعده ... وذاك منه لصغر العيش تكدير
فأرسلت إلى داود ليجيبه ويعرفه عذرها، فقال:

لا تهجرن حبيباً خان موعده ... ولا تذعن وعداً فيه تأخير
ما كان حبي إلا من حصول أذى ... لا يستطاع له بالقول تفسير
والدهر أطول فيه للأمام مدى ... يحيى السرور وتخليد وتعمير
أصيب أنوشروان ببعض خدمه فجزع وقال: اثنان هما العدة والعمدة في النوائب، الخادم الناصح، والقريب الصديق، وقد فجعت بأحدهما، ولم أكتحل بالآخر.
معاوية: التسلط على المماليك من لؤم القدرة.
قال قرشي: سألني سعيد بن المسيب عن أخوالي، فقلت: أمي فتاة، فنقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة، ثم دخل علي بن الحسين بن علي، فقلت: من أمه؟ قال: فتاة. ثم قلت: رأيتني نقصت في عينك لأني ابن فتاة، أفمالي بهؤلاء أسوة؟ فحِللت في عينه.
عبيد الله بن الحر:
فإن تك أمي من نساء أفاءها ... جياد القنا والمرهفات الصفائح
فتباً لجد الحر إن لم أنل به ... كرائم أولاد النساء الصرائح
عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصباً ... شطري وأحمي سائري بالمنصل
أنشد المبرد:
إن أولاد السراري ... كثروا والله فينا
رب أدخلني بلاداً ... لا آري فيها هجينا
قال هشام بن عبد الملك لزيد بن علي: بلغني أنك تطلب الخلافة ولست لها بأهل، قال: لم؟ قال: لأنك ابن أمة، قال: فقد كان إسماعيل بن أمة وإسحاق ابن حرة، وقد أخرج الله من صلب إسماعيل سيد ولد آدم.
قال الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف: لو كان رجل من ذهب لكنته، قيل: كيف؟ قال: لم تلدني أمة إلى آدم ما خلا هاجر فقالوا له: لولا هاجر لكنت كلباً من الكلاب.
قال رجل لعبد استعقله: ألا ألحقك بنفسي؟ فقال: لأن أكون عبداً لايقاً أحب إلي من أن أكون حراً لاحقاً.
جعفر بن عقاب:
وضمتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقاب
فتاة من بني حام بن نوح ... سبتها الخيل غصباً والركاب
عقاب أمة وكانت سوداء.
دخل جرير على الحجاج وعلى رأسه جارية، فقال له: بلغني أنك ذو بديهة فقل فيها، فقال: ما لي أقول فيها حتى أتأملها، وما لي أتأمل جارية الأمير. فقال: بلى فتأملها، فقال: ما اسمك يا جارية؟ فأمسكت، فقال: الحجاج: خبريه يا لخناء. فقالت: أمامة، فقال:
ودع أمامة حان منك رحيل ... إن الوداع لمن تحب قليل
هاذي القلوب هوائماً يتيمها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل
فقال الحجاج: جعل الله لك السبيل إليها، فضرب بيده إلى يدها فامتنعت عليه فقال:
إن كان طيكم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم جميل
فاستضحك الحجاج وأمر بتجهيزها إلى اليمامة. وكانت من أهل الري، وإخوتها أحرار، فبذلوا له عشرين ألفاً فأبى، وقال:
إذا عرضوا عشرين ألفاً تعرضت ... لأم حكيم حاجة هي ما هيا
فقد زدت أهل الري مني مودة ... وحبيت أضعافاً إلى المواليا
وأولدها حكيماً وبلالاً وحزرة.
الرقيق4 جمال وليس بمال، فعليك من المال بما يعولك ولا تعوله.
اشترى يزيد بن عبد الملك حبابة بأربعة آلاف دينار، وكان صاحب لهو، فحجر عليه سليمان فردها، فلما ولي يزيد، وكانت تحته سعدة بنت عبد الله بن عمر بن عثمان، وكان حرة عاقلة، قالت: يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من الدنيا شيء تتمناه؟ قال: نعم، حبابة، فسألت عنها فقيل اشتراها رجل من أهل مصر، فأرسلت من اشتراها بأربعة آلاف، وقدم بها، فصنعتها حتى ذهب عنها آثار السف. ثم أتت بها فراش يزيد، وأجلستها وراء الستر، وقالت: هل بقي من الدنيا شيء تتمناه؟ فقال: ألم تسأليني عن هذا مرة؟ فرفعت الستر وقالت: هذه حبابة، وقامت وخلتها، فحظيت سعدة عنده.
كان لبصري جارية قد أدبها، وكانت أحب غليه من بصره وسمعه، فقعد الدهر بهما، فاعتزم على بيعها، فاشتراها عمر بن عبد الله بن معمر التيمي بألف دينار، فلما ذهبت الدارية لتدخل علق بثوبها وقال:
ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري

تذكر من بساسة القلب حاجة ... دعت حزناً للعاشق المنذكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر: قد شئت فخذها وخذ الألف.
محمود ابن مروان بن أبي حفصة يصف جارية:
ليست تباع ولو تباع بوزنها ... دراً بكى أسفاً عليها البائع
علق عبد الرحمن بن أبي عمار وهو من نساك أهل الحجاز جارية، فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعظونه فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
فحج عبد الله بن جعفر فزاره الناس إلا عبد الرحمن فاستزاره، وكان قد تقدم فاشترى له الجارية بأربعين ألفاً، وأمر بتجهيزها، فقال له: ما فعل حب فلانة؟ قال: هو في اللحم والدم والمخ والعصب والعظام، قال: أتعرفها إن رايتها؟ قال: إن دخلت الجنة لم أنكرها، فأمر بها فأخرجت وهي ترفل في الحلي والحلل: وقال: ما شأنك بها، وأمر أن يحمل معها مائة ألف درهم. فبكى عبد الرحمن وقال: قد خصكم الله بشرف ما خص به أحد من ولد آدم، فلتهنكم هذه النعمة، وبارك لكم واهبها.
عن جويرية بن أسماء: أراد ابن سيرين شرى جارية، فقلت: قد علمت مكانها، ولكن في شفتيها عظم: قال: ذاك أفحم لقبلتها.
؟

العداوة، والحسد، والبغضاء، والشماتة
وذكر الأضغان، والطوائل، والوعيد، والتهديد النبي صلى الله عليه وسلم: " أعدي عدو لك نفيستك بين جنبيك " .
أبو بكر الصديق رضوان الله عليه: العداوة تتوارث.
ابن مسعود رضي الله عنه: اللهم إني لاستعديك على نفسي عدوى لا عقوبة فيها.
داود عليه السلام: لا تشتر عداوة واحد بصداقة ألف.
الحارث بن أبي شمر الغساني: من اغتر بكلام عدوه فهو أعدى عدو لنفسه.
أعرابي: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك.
أراد كسرى أن يتزوج بنت بزرجمهر بعد قتله، فقالت: لو كان ملككم حازماً ما جعل بينه وبين شعاره موتوراً.
زياد بن عبيد الله بن عبد المدان خال أبي العباس السفاح. وكان ولاء المدينة. فعزله عنها المنصور وعذبه. فقال:
ولو أني بليت بها شمي ... خؤلته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
يقول: لو بليت بذلك من السفاح الذي أخواله كرام لكان أهون علي من أن أبلى به ممن أمه أمة يعني المنصور.
ولا غرو أن يبلى شريف بخامل ... فمن ذنب المتنين تنكسف الشمس
بث رجل في وجه أبي عبيدة مكروهاً، فانشأ يقول:
فلو أن لحمي غذ وهي لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذواب
لهون وجدي أو لسلى مصيبتي ... ولكنما أودى بلحمي أكلب
وكان حاتم أسيراً في بلاد عنزة، فلطمته أمة لهم فقال: لو ذات سوار لطمتني:
عذرت البزل غذ هي خاطرتني ... فما بالي وبال ابن اللبون
عبد الله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم، ومفاجأة لئيم.
أنوشروان: العدو الضعيف المحترس من العدو القوي أحرى بالسلامة من العدو القوي المغتر بالعدو الضعيف.
صالح بن سليمان: لا تستغروا عدواً، فإن العزيز ربما شرق بالذباب.
تقول العرب: أصبحا يتكاشحان ولا يتناصحان، ويتكاشران ولا يتعاشران.
قيل لكسرى: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلاً؟ قال: عدوي، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلاً فإني منه في عافية.
ذريح بن جابر الغيداقي:
إذا المرء عادى من يودك صدره ... وسالم ما اسطاع الذين تحارب
فلا تَفْله عما يجن ضميره ... فقد جاء منه بالشناءة راكب
ذؤيب بن حبيب الخزاعي:
قلبي إلى ما ضرني داني ... يكثر أحزاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
فيلسوف: كونوا من المسر المدغل أخوف منكم من المكاشف المعلن، فإن مداواة العلل الظاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن.
إياك أن تعادي من إذا شاء خلع ثيابه، ودخل مع الملك في لحافه.
محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تعض يد عدوك فقبلها.
حكيم: إني لاغتنم في عدوي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.

كتب مروان الحمار إلى الخارجي الشيباني: أنا وإياك كالحجر والزجاجة، إن وقع عليها رضها، وإن وقعت عليها فضها.
نازع غلام من بني أمية عبد الملك بن مروان فأرى عليه، فقيل لعبد الملك: لو تظلمت إلى عمه! فقال: لا أعد انتقام غيري انتقاماً.
الواثق بالله:
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسناً فزده
ستكفي عدوك كل كيد ... إذا كاد العدو فلا تكده
كانت جليلة بنت مرة أخت جساس تحت كليب، فقتل أخوها زوجها، وهي حبلى بهجرس بن كليب، فلما شب قال لها:
أصاب أبي خالي وما أنا بالذي ... أمثل أمري بين خالي ووالدي
وأورث جساس بن مرة غصة ... إذا ما اعترتني حرها غير بارد
ثم قال:
يا للرجال لقلب ما له آسي ... كيف العزاء وثاري عند جساس
ثم قتله وقال:
ألم ترني ثأرت أبي كليباً ... وقد يرجى المرشح للذحول
غسلت العار عن جشم بن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول
جدعت بقتله بكراً وأهل ... لعمر الله للجدع الأصيل
علي رضي الله عنه وذكر عثمان: وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف وارفق حداتهما العنيف. وأراد أنهما كانا يجدان في عداوته.
وعنه: وجد على عدوك بالفضل فإنه أحلى الظفرين.
مراجل أحقادهم تفور، وطوالع أضغانهم لا تفور.
هبت عليهم ريح التعادي، فنسفتهم عن البوادي.
من كثر غمره لم يطل عمره.
دار عدوك لأحد أمرين، أما صداقة تؤمنك، أو فرصة تمكنك.
لكل إبراهيم نمرود، ولكل موسى فرعون.
محاسبة الصديق دناءة، وترك الحق للعدو غباوة.
سويد بن منجرف إلى مصعب:
فأبلغ مصعباً عني رسولاً ... وهل تلقى النصيح بكل وادي
تعلم أن أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي
أنشد الجاحظ:
القوم أمثال السباع فانشمر ... فمنهم الذئب ومنهم النمر
والضبع الغثراء والليث الهمر
فلان كثير المذاق، مر المذاق.
النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بشراركم، من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده: ألا أخبركم بشر من ذلك من يبغض الناس ويبغضونه " .
قال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضكم، قال: أدخل الله أشدنا بغضاً لصاحبه الجنة.
وكيع: جئنا مرة إلى الأعمش، فلما سمع حسنا قام ودخل، فلم يلبث أن خرج فقال: رأيتكم فأبغضتكم، فدخلت إلى من هو أبغض منكم، فخرجت إليكم.
أراد أنوشروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد، فاستشار عظماء مملكته، فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن الترك ولدته وفي أخلاقهم ما علمت، فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من حسن سيرته وعدله ما رأيتم:فقيل: هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك، فقال: إن قصره في رجليه ولا يكاد يرى إلا جالساً أو راكباً، فلا يستبين ذلك فيه، فقيل: هو بغيض في الناس، فقال أوه! أهلكت ابننا هرمز، فقد قيل: إن من كان فيه خير واحد ولم يكن لذلك الخير المحبة في الناس فلا خير فيه، ومن كان فيه عيب واحد ولم يكن ذلك العيب المبغضة في الناس فلا عيب فيه.
وإذا شنئت فتى شنئت حديثه ... وإذا سمعت غناءه لم أطرب
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في الفضل ابن السائب.
رأيت نضيلاً كان شيئاً ملففاً ... فكشفه التمحيص حتى بداليا
أأنت أخي إن لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا
ولست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ونحوه:
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا
كان ابن عمر يقول: نعوذ بالله من قدر وافق إرادة حسود.
قيل لرسطاليس: ما بال الحسود أشد غماً؟ قال: لأنه يأخذ بنصيبه من هموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمه لسرور الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم: " استعينوا على أموركم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود " .

نذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فأنكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر بصلب الأحنف، ومالك بن مسمع، وقيس بن الهيثم، وحمدان الحجام، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء! فقال: ألم أقل أن الناس يحسدون على الصلب.
منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
المغيرة بن حبناء شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا
عثمان رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.
مالك بن دينار: شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فإنهم أشد تحاسداً من السوس في الوبر.
أنس رفعه: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
بعض حكماء العرب: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود.
يقول الله عز وعلا: " الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي " .
عبد الله بن شداد بن الهاد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه: يا بني إن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها رجع القول على من قالها.
الأصمعي: رأيت أعرابياً قد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك! فقال: تركت الحسد فبقيت.
أعرابي: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد.
تراه كأن الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر
المتنبي:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني لما أنا باك منه محسود
ابن الحجاج:
إن يحسدوني فلا والله ما بلغت ... لولا الخساسة حالي موضع الحسد
وإنما في يدي عظم امششه ... من المعاش بلا لحم ولا غدد
لا يخلو السيد من ودود يمدح، وحسود يقدح.
لا يسلم الفاضل من قدح وإن غدا أقوم من قدح.
ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس.
كان يقال: إياك والحسد فإنه يتبين فيك، ولا يتبين في محسودك.
حكيم الحسد خلق دنيء، ومن دناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب.
قيل لعبد الله بن عروة: لزمت البدو وتركت قومك! قال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت على نكبة؟ الحسود غضبان على القدر والقدر لا يعتبه.
بينا عبد الملك بن صالح العباسي يسير مع الرشيد في موكبه، إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين طأطئ من إشرافه، وقصر من عنانه، واشدد من شكاله. فقال الرشيد: ما يقول هذا؟ فقال عبد الملك: مقال حاسد، ودسيس حاسد. قال: صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلفوا وسبقتهم حتى برر شأوك، وقصر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلف. وحزازات التبلد، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين فأضرمها عليهم بالمزيد.
يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغداً بلا قتر صفواً بلا رنق
خلص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغل في العنق
عباد بن ثعلبة، وهو أنف الكلب، حسده بنو أخيه فقال:
قد كنت أحسبكم أو خلتكم ولداً ... فاليوم أعلم أن لستم بأولاد
الله يعلم غيبي كيف كان لكم ... والله يعلم ما غبتم لعباد
كتب عبد الملك إلى الأحنف يستدعيه، فقال: يدعوني أبن الزرقاء إلى ولاية أهل الشام، فوالله لوددت أن بيننا وبينهم جبلاً من نار، فمن أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق.
أبو حيان: قال لقمان: نقلت الصخر، وحملت الحديد، فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذ من العافية، وأنا أقول: لو مسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار، لوجدها أهون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في نسب، أو مجاورين في بلد.
اللهم إني أعوذ بك من تتابع الإثم، وسوء الفهم، وشماتة ابن العم.
قيل لأيوب عليه السلام: أي شيء كان عليك في بلائك أشد؟ قال: شماتة الأعداء.
وائلة بن الأسقع: تظهر الشماتة بأخيك المسلم فيرحمه الله ويبتليك.
أنشد الجاحظ:

وقال العاذلات نسل عنها ... وداو غليل قلبك بالسلو
فكيف وقبلة منها اختلاسا ... لذ من الشماتة بالعدو
الخبزرزي:
شماتتكم بي فوق ما قد أصابني ... وما بي دخول النار بل طنز مالك
ابن أبي عيينة المهلبي:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شمامة الأعداء
أعرابي: بنو الطرف عنوان الشر.
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
إن المصائب تنقضي أيامها ... وشماتة الأعداء بالمرصاد
قيل لأفلاطن بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.
النبي صلى الله عليه وسلم: خير ما أعطي المؤمن خلق حسن. وشر ما أعطي الرجل قلب سوء في صورة حسنة.
سئل الحسن: أيحسد المؤمن؟ فقال: وما أنساك بني يعقوب لو كانت المشاجرة شجراً لم تثمر إلا صخراً.
إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت.
الخلاف غلاف الشر.
من العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب، فقال: والله لئن عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة بما أبقى الله لنا شبانا يشبون الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن أيديهن، وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أن البغايا ومن أي حرامِ
أظهرن من موت النبي شماتة ... وخضن أيديهن بالعُلاّم
فاقطع هديت أكفهن بصارم ... كالبرق أومض في متون غمام
فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.
كاتب: فلان يتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعة إلا بسقوط حالك.
كتب عبد الحميد عن مروان إلى أبي مسلم كتاباً قد نفث فيه خراشي صدره،وكان من كبر حجمه على جمل، فدعا أبو مسلم ينار فطرحه فيها، إلا قدر ذراع كتب فيه هذين البيتين:
محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب
فإن تقدموا نعمل سيفاً شحيدة ... يهون عليها العتب من كل عاتب
العرب: حين تقلينه تدرين أين غثة من سمينه.
قيل لعبد الملك بن صالح الهاشمي: إنك لحقود فتمثل:
إذا ما امرؤ لم يحقد الوتر لم يكن ... لديه لذي النعمى جزاء ولا شكر
وقيل: عاتب ملك وزيره فقال له: إنك لحقود؟ فقال: أيها الملك السعيد، إن الصدر خزانة لما يودع فيه من خير وشر، فإذا لم يحفظ السيئة لم يحفظ الحسنة.
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير
علي رضي الله عنه: لأضغطن الكوفة ضغطة تحبق لها الصرة.
عمارة بن عقيل:
يا أيها الراكب الماضي لطيته ... بلغ حنيفة وانشر فيهم الخبرا
مهلاً حنيفة إن الحرب إن طرحت ... عليكم ركنها أسرعتم الضجرا
مغلس بن لقيط السعدي:
قرينين كالذئبين يعتورانني ... وشر محابات الرجال ذئابها
إذا رأيا بي غرة أغريا بها ... أعادي الأعداء تعوي كلابها
وإن رأياني قد نجوت تلمساً ... لرجلي مغوّاة هياماً ترابها
حكيم لا تأمن الضعيف، فإن القناة قد تقتل وإن عدمت السنان والزج.
إذا ما رآني مقبلاً شام نبله ... ويرمي إذا وليت ظهري بأسهم
النابغة الجعدي:
وراثة بغض من أبيك ورثتها ... فلا برحت حتى تلاقي المنخلا
أي أبداً.
عمر بن معد يكرب:
عجت نساء بني زياد عجة ... كعجيج نسوقنا غداة الأرنب
طفيل الغنوي:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب
أوس بن حجر:
رأيت بريداً يدريني بعينه ... تشاوس قليلاً أنني من تأسل
وله:
فمن لا يكن منكم مسيئاً فإنه ... يشد على كف المسيء فيجلب
السمهري العكلي:
إذا حرسي قعقع الباب أرعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها
فإن تك عكل سرها ما أصابني ... فقد كنت مصبوباً على من يريبها

السرندي بن عتبة التميمي:
رمى الناس عن قوس تميماً ولا أرى ... عداوة من عادى تميماً يضيرها
عبيد الله بن سليمان بن وهب:
كاد الأعادي فلا والله ما تركوا ... قولاً وفعلاً وتلقيباً وتهجيناً
ولم نزد نحن في سر ولا علن ... على مقالتنا يا ربنا اكفينا
فكان ذاك رد الله حاسدنا ... بغيظه لم ينل تقديره فينا
قدامة بن موسى المدني:
إن بدراً نعمة سابغة ... خصنا الله بها حين قسم
فضل الله بها أهل التقى ... وبنى الله بيوتاً وهدم
إنما يحسد أو يبغضنا ... لشقاء الجد أرباء النعم
في نوابغ الكلم: الحسد حسك، من تعلق بها هلك.
نصر بن سيار:
إني نشأت وحسادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما بين لما بهم ... فمثل ما بي مما يجلب الحسدا
معن بن زائدة:
وإن حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوماً غير محسود
حسيل بن عرفطة الأسدي:
ليهنك بغض في الصديق وظنه ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه
وأنك مشنوء إلى كل صاحب ... بلاك ومثل الشر يكره راكبه
فلم أر مثل الجهل أدى إلى الردى ... ولا مثل بغض الناس غمص صاحبه
الحسن: الكبش يعتلف، والسكين تحد، والتنور يشجر.
كتب علي رضي الله عنه إلى أهل البصرة، فإن خطب بكم الأهواء المردية، والآراء الجائرة إلى منابذتي وخلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي ورحلت ركابي ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق. مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهماً إلى بريء، ولا ناكثاً إلى وفي.
عقال بن شبة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير، فحياه ولاطفه، فقلت: أبعد ما قال لنا ما قال؟ قال: يا بني أفأوسع جرحي؟ قال السفاح لسديف حين أغراه علي بني مروان: يا سديف حلق الإنسان من عجل ثم قال:
أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن نبيد وللآباء أبناء
عن المنصور: إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك وإلا قبلها.

العدل، والإنصاف
واستعمال السوية في القسمة وغيرها، وذكر من عدل وأوصى بالعدل النبي صلى الله عليه وسلم: " زين الله السماء بثلاث: بالشمس، والقمر، والكواكب، وزين الأرض بثلاث: بالعلماء، والمطر، وسلطان عادل " .
أول خطبة خطبها عمر رضي الله عنه قال: أيها الناس، والله ما منكم أحد هو أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه، ثم نزل.
علي رضي الله عنه: أشد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، ومواساة الإخوان بالمال، وإنصاف الناس من نفسك.
وجه علي رضي الله عنه ابن عباس، وعامر بن ياسر، والحسن ابنه حين توجه إلى صفين، لعزل أبي موسى عن الكوفة، وحمل ما في بيت مالها إليه، فوجدوا فيها اثنين وخمسين ألف درهم.
فقال: كيف اجتمع هذا كله لأشعري ولم يجتمع لمن قبله؟ فقال مجاشع ابن مسعود: أصدقكم، والله ما جمعه إلا العدل في الرعية، وإقامة أمر الله في عباده.
كان الاسكندر يقول: يا عباد الله، إنما إلهكم الله الذي في السماء، عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله أحب شيئاً إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئاً غلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله يحب العدل في عباده، ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكئ في مجلسي كيف شاء، وليتمن علي ما شاء، فلن نخطئه أمنيته، والله المجازي كلاً بعمله.
إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب بالعصيان.
العباس بن عبد المطلب:
أبا طالب لا تقبل النصف منهم ... أبا طالب حتى تعق وتظلما
أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما
أنوشروان: قيل له: أي الجنن أوقى؟ قال: الدين، قيل: فأي العدد أقوى؟ قال: العدل.
شوا إلى جعفر بن يحيى عاملاً له، فوقع إليه: قد كثر شاكوك، فإما اعتدلت، وإما اعتزلت.

قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنه: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك عن أهل الرفقة؟ قال: أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله.
أنصف وانظر إلي بعين الرضا. ثم اقتحم بي جمر الغضا.
من أنصف من نفسه رضي به حكماً لغيره.
قال رجل لسليمان بن عبد الملك، وهو جالس للمظالم: ألم تسمع قول الله تعالى: فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين؟ قال: فما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبني ضيعتي وضمها إلى ضيعتك الفلانية، قال: فضيعتي لك، وضيعتك مردودة إليك، وكتب إلى الوكيل بذلك، وبصرفه عن عمله.
رقي إلى كسرى بن قباذ أن في بطاقة الملك من فسدت نياتهم، وخبثت ضمائره، فقال: إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.
هارون بن محمد البالسي:
زيد في قدرك العلي علواً ... يا ابن وهب من كاتب ووزير
أنت وجه الإمام لا زلت طلقاً ... بك تغتر عابسات الأمور
أسفر الشرق منك والغرب عن ض ... وء من العدل فاق ضوء البدور
أنشر الناس غيثكم بعد أن كا ... نوا رفاقاً من قبل يوم النشور
شرد الدور عدلكم فسرحنا ... منكم بين روضة وغدير
نزل رجل بعلي رضي الله عنه فمكث عنده أياماً، ثم تغوث إليه في خصومة، فقال علي: أخصم أنت؟ قال: نعم: قال: فتحول عنها، فإن رسول الله نهى أن يضاف خصم إلا ومعه خصمه.
وعنه: بالسيرة العادلة يقهر المناوئ.
مات بعض الأكاسرة، فوجدوا له سفطاً، ففتح فإذا فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من الثدي، معها رقعة مكتوب فيها: هي من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.
تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم، فقال: ما علمت في عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية، وأعود بالرفق عليهم منه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين: ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يوليه بلداً بلداً حتى يلحق كل بلد مثل الذي لحقنا، ويأخذ بقسطه منه كما أخذه، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين. فضحك وعزله.
كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن قبلنا قوم لا يؤدون الخراج إلا أن يمسهم العذاب، فاكتب إلي برأيك. فكتب إليه:أما بعد فالعجب لك كل العجب! تكتب إلي تستأذنني في عذاب البشر، كأن أذني لك جنة من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك منهم ما عليه عفواً فخذه منه، ومن أبي فاستحلفه، وكله إلى الله، فوالله لئن يلقوا الله بجرائمهم أحب إلي من أن نلقاه بعذابهم، والسلام.
جاء رجل من مصر إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مكان العائذ بك، فقال: لقد عذت عياذاً، فما شأنك؟ قال: سابقت ولد عمرو ابن العاص فسبقته، فجعل يقنعني بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، وبلغ عمراً فحبسني خشية أن آتيك، فانفلت. فكتب عمر إلى عمرو: إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم وابنك. وقال للمصري: أقل حتى يقدم عمرو ويشهد الحج. فلما كان رمى إليه بالدرة، فضرب ولد عمرو، وعمر يقول: اضرب ولد الأكرمين، حتى قال: يا أمير المؤمنين قد استغنيت. قال: ضعها على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين: ضربت الذي ضربني، قال: أم والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي ينزع. ثم قال: يا عمرو، متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ الأحنف: ما عرضت النصفة على أحج قط فقبلها إلا دخلتني له هيبة، ولا ردها إلا أختبأتها في عقله.
قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمر بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يستمع إلى أبياتك في العدل، فأنشده:
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ... ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به ... إذا تلون أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
فقال المنصور: وددت أني رأيت يوم عدل ثم مت. قال ابن المبارك: فهلك والله أبو جعفر وما عدل.

فضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله، تدري من كان يتكلم بفمه كله؟ عمر بن الخطاب، كان يطعم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن، ويعطيهم الحق ويزيدهم، وأعطى رجلاً عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفاً، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما تزيد هذا؟فقال: إن هذا ثبت أبوه يوم أحد، ولم يثبت أبو هذا.
عبادة بن الصامت: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من إبل الصدقة، فلما سلل تناول وبرة من البعير وقال: ما لي فيما أفاه الله عليكم ولا مثل هذه، إلا الخمس والخمس مردود فيكم.
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما النجاة من هذا الأمر؟ قال: شيء هين، قال: وما هو ؟ قال: لا تأخذ شيئاً إلا من حقه، ولا تضعه إلا في حقه، قال: ومن يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة، وهرب من النار.
لا يكون العمران إلا حيث يعدل السلطان.
العدل حصن وثيق في راس نيق، لا يحطمه سيل، ولا يهدمه منجنيق.
وقع المأمون إلى عامل: أنصف من وليت أمره، وإلا أنصفه من ولي أمرك. وعنه: أكفه أمره وإلا كفيته أمرك.
بعض السلف: العدل ميزان الله، والجور مكيال الشيطان.
الملك العادل مكنوف بعون الله محروس بعين الله.
بليغ: رأيت بفلان نور القمرين، وسيرة العمرين.
أردشير: إذا رغب الملك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة.
وعنه: لا سلطان إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة. ولم يكن بعد أردشير أعدل من أنوشروان وهو الذي ولد رسول الله لسبع سنين خلت من ملكه. وقال: ولدت في زمن الملك العاد. وسائر الأكاسرة كانوا ظلمة يستعبدون ويتسخرون الرعايا، ويستأثرون عليهم بكل شيء، فلا يجرأ أحد أن يطبخ سكباجاً، أو يلبس ديباجاً، أو يركب هملاجاً، أو يملك حسناء، أو يبني قوراء، أو يؤدب وله، أو يمد إلى مروءة يده، ويبنون الأمر على قول عمرو بن مسعدة للمأمون: كل ما يصلح للمولى على العبد الحرام.
أنوشروان: كفاك من بركة العدل في الرعية، وحفظ الله لصاحبه، ما أعطى الله الضحاك من ملك ألف سنة، أما والله لو أن ملوك يونان وهموان، يعني حمير، والأشغان عدلوا لطالت أعمارهم. فاقتدروا بخيار ملوككم، وأهل الفضل منهم، تسعدوا بالعيش ما عشتم، وتصيروا بعد الموت إلى خير منه.
رسطاليس: العدل حسن، وهو علة كل حسن، وكذلك الحسن مع كل معتدل، والجور قبيح. وهو علة كل قبيح، وكذلك القبح مع كل خارج عن الاعتدال.
سقراط: ينبوع فرح الإنسان القلب المعتدل، وينبوع فرح العالم الملك العادل، وينبوع حزن الإنسان القلب المختلف المزاج، وينبوع حزن العالم الملك الجائر.
قدم عبد الله بن زمعة على علي رضي الله عنه في خلافته، وكان من شيعته، فطلب منه مالاً، فقال: إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون بغير أفواههم.
وقال لعامله: انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولاتجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فأنزل بمائهم، من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق لتؤدوه إلى وليه؟ فأن قال قائل لا فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تسعفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كانت لك ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بأذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيها فلا تدخلها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفرن بهيمة، ولا تفزعنها، ولا تسوأن صاحبها فيها.
وقال للأشتر حين ولاه مصر: اجعل لذوي الحاجات منك فسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم فيه مجلساً عاماً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: " لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع: ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنهم الضيق والأنف، يبسط الله عليك أكتاف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته " .

لما ولي عمر بن عبد العزيز أخذ في رد المظالم، فأبتدأ بأهل بيته، فاجتمعوا إلى عمة له كان يكرمها وسألوه أن تكلمه، فقال لها: إن رسول الله سلك طريقاً، فلما قبض سلك صاحباه ذلك الطريق، فلما ولي عثمان سلك ذلك الطريق غير أنه خد فيه أخدوداً، فلما أفضى الأمر إلى محمد معاوية فجره يميناً وشمالاً،وأيم الله لئن مد لي عمر لأردنه إلى الطريق الذي سلكه رسول الله وصاحبا. فقالت له: يا ابن أخي إني أخاف عليك منهم يوماً عصيباً، فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا أمننيه الله إن خفته. فخرجت إليهم فقالت: أفتتزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا قرعهم الشبه تكلمتم؟ وذلك أن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
الحكماء: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان.
ازرع الأحرار بسيبك، واحصد الأشرار بسيفك.
كثير في عمر بن عبد العزيز:
قد غيب الدافنون اللحد من عمر ... بدير سمعان قسطاس الموازين
ضمن غيب معنى أودع وضمن، فلذلك عداه إلى اثنين.
نزل بالحسن بن علي ضيف، فاستسلف درهماً اشترى له به خبزاً، واحتاج إلى الأدام فطلب من قنبر أن يفتح له زقاً من زقاق عسل جاءت من اليمن، فاخذ منه رطلاً. فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها قال: يا قنبر قد حدث في هذا الدن الحدث، قال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: عليَّ به: فرفع عليه الدرة، فقال: بحق عمي جعفر، وكان إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال: إن لنا فيه حقاً، فإذا أعطيناه رددناه، قال: قداك أبوك! وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله يقبل ثنيتك لأوجعتك ضرباً. ثم دفع إلى قنبر درهماً وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه. قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي علي على فم الزق، وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لا يعلم.
الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير، فأتته حفصة فقالت: يا أمير المؤمنين، حق أقربيك، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال يا حفصة، إنما حق أقربائي في مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك. فقامت تجر ذيلها

العجز،والتواني، والبلادة، والكسل، والبطء
والتردد في الأمر، وما أشبه ذلك سعد بن أبي وقاص :كنا عند رسول الله فقال : أيعجز أحدكم إن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل :كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط ألف خطيئة.
علي رضي الله عنه : ما أطاع التواني ضيع الحقوق.
أكثم بن صيفي : ما أحب أن أكفي جميع أمر الدنيا، قيل :ولم ذاك؟ قال: أخاف عادة العجز.
حكيم: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير.
كتب على عصا ساسان: الحركة بركة، التواني هلكة، و الكسل شؤم، و التواني زاد العجزة، وكلب طائف خير من أسد رابض.
من العجز و التواني نتجت الفاقة.
قال أبو المعافى:
إن التواني أنكح العجز بننه ... وساق إليها حين زوجها مهرا
فراشاً وطيئاً نسم قال لها أنكى ... فقصراكما لا شك أن تلدا الفقرا
قال جرير للفرزدق: ظننت أن تفعل كذا، فقال: طالما أخلفت من العجزة. وما ظنك بالحلفاء أدنيت لها ناراً؟ خرج المعتصم إلى بعض منتزهاته، فظهر لهم أسد، فقال لرجل من أصحابه، أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه:يا رجل أفيك خير؟ فقال بالعجلة: لا و الله يا أمير المؤمنين. فضحك المعتصم وقال: قبحك الله وقبح طالعك.
شاعر:
لا تضجرن ولا تأخذك معجزة ... فالنجح يذهب بين العجز و الضجر
آخر:
و لا تركن إلى كسل و عجز ... تحل على المقادر و القضاء
أبو بكر العرزمي:
أرى عاجزاَ يدعى جليداَ لغشمه ... و لو كلف التقوى لكلت مضاربه
وعفاً يسمى عاجزاً لعفافه ... و لولا إلتقى ما أعجزته مذاهبه
وليس بعجز المرء أخطاء الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحيلة.
فلان يخدعه الشيطان عن الحزم،فيمثل له التواني في صوره الهوينى بإحالته على القدر.

الحسن:إن أشد الناس صراخاً يوم القيامة رجل سن سنة ضلالة فاتبع عليها، ورجل فارغ مكفي قد استعان بنعم الله على معاصيه.
قيل لسهل بن هارون: خادم القوم سيدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى.
(شاعر)
أصبحت لا رجلاً يغدو لمطلبه ... ولا قعيدة بيت تحسن العملا
لبيد؛ اعص ما يأمر توصيم الكسل.
الخيبة نتيجة مقدمتين الكسل و الفشل، وثمرة شجرتين الضجر والملل.
شعاره الكسل، دثاره التسويف و العلل.
الكسل باب الخصاصة: الكسلان إذا أرسلته في حاجة تكهن عليك.
يسحب رجلاً لا تكاد تنسحب.
إن الهوينى تورث الهوانا.
شاعر:
لو سابق الذر مشدوداً قوائمه ... يوم الرهان لكان الذر يسبقه
التعبد يثقل على أهله كثقله في الميزان، والكسل يخف على أهله كخفته في الميزان.
لقمان: يا بني إياك والكسل والضجر، فإن كسلت لم تؤد حقاً، وإذا ضجرت لم تصبر على حق.
طاهر بن الفضل: الكسلان منجم، والبخيل طبيب.
العطاف الكلبي:
كلوا عجرة الوادي فإن بلاءكم ... ضعيف إذا ما كان يوم قماطر
ولا تغضبوا مما أقول فإنما ... أنفت لكم مما تقول المعاشر
أبو نعامة الديقعي:
إذا وضع الراعي على الأرض صدره ... فحق على المعزاء أن تتبددا
ابن السماك: جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور.
عنه عليه السلام: " كان إذا سئم تبدى " .
المأمون: إن النفس لتمل الراحة كما تمل التعب.
أبجر بن جابر العجلي: يا بني إياك والسآمة في طلب الأمور، فتقذفك الرجال في أعقابها.
فلان لا ينتبه ولو أعيد في الكور، ونفخ عليه إلى أن ينفخ في الصور.
علي رضي الله عنه: إلى كم أغضي على القذى، وأسحب ذيلي على الأذى، وأقول لعل وعسى:
ولو نشر الخليل له لعفت ... بلادته على فطن الخليل
عمر رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحكم قارعاً سبهللاً، لا في عمل دنيا ولا آخرة.
إن كان الشغل محمدة فإن الفراغ مفسدة.
حجام ساباط مثل في الفراغ، وهو ساباط المدائن، كان به حجام إذا مر به البعوث حجمهم بسيئة إلى وقت القفول. وقيل: حجم مرة أبرويز فأمر له سماً أغناه عن الجحامة فلم يزل فارغاً مكفياً.
قال ابن بسام:
دار أبي العباس مفروشة ... ما شئت من بسط وأنماط
لكنما بعدك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط
مطبخه قفر وطباخه ... أفرغ من حجام ساباط
وكان ابن الرومي إذا ذكر أبا حفص الوراق سماه وراق ساباط لفراغه.
اخلع علي ساعة من ساعاتك. أي تفرغ لي.
أنس رفعه: أشد الناس حساباً يوم القيامة المكفي الفارغ.
قدامة بن جعفر: كنت مروياً في أمر، آتيه أم أذره؟ فأنشدت في المنام:
كان الفراغ إلى سلامك قادني ... ولربما طلب الفضول الفارغ
قولك في أذني قرط معلق لا أنساه.
أظنك نسيتني، وللنسيان نسوان، وللذكر ذكران.
لو غابت عنك العافية أنسيها.
جابر بن عبد الله رفعه: خمس يورثن النسيان: أكل التفاح، وسؤر الفأر والحجامة في النقرة، ونبذ القملة، والبول في الماء الراكد.
وعن علي رضي الله عنه: عشر يورثن النسيان: كثرة الهم، والحجامة في النقرة، والبول في الماء الراكد، وأكل التفاح الحامض، وأكل الكزبرة، وأكل سؤر الفأر، وقراءة ألواح القبور، والنظر إلى المصلوب، والمشي بين الجملين المقطورين، وإلقاء القملة حية.
في نوابغ الكلم: يا انيسيان عادتك النسيان. أذكر الناس نأس، وأرق القلوب قاس.
فلان بعل الفؤاد غير نساء للأحقاد.
المعتز:
وما أمل حبيبي ليتني أبداً ... مع الحبيب ويا ليت الحبيب معي
العباس بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن مللت فلم يكن لي حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
تقول العرب: إنك لذو ملة طرف، أي تتخذ خليلاً ثم تمله وتستطرف آخر.
هذا أمر يضيق به قضاؤك، وتسقط منه كسفاً سماؤك.
كان رجل ينسى أسماء مماليكه، فقال: اشتروا لي غلاماً له اسم مشهور لا أنساه، فاشتروا له غلاماً، وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه. اجلس يا فرقد.
أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان

قالت العرب: عقرة العلم النسيان.
قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا، قال: أنذرتكم سوف.

العفاف، والورع، والعصمة والحلال والحرام
ومن تحرج وتنزه من الرجال والنساء عطية السعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما بأس به.
أبو بكر رضي الله عنه: إنا منذ ولينا أمور المسلمين لم نأخذ لهم ديناراً ولا درهماً. ولكن قد أكلنا من جريش طعامهم، ولبسنا من خشن ثيابهم، وليس عندنا من فيهم إلا هذا الناضح. وهذا العبد الحبشي وهذه القطيفة.فإذا قبضت فادفعوها إلى عمر. فلما قبض أرسلوها إليه، فبكى حتى سالت دموعه، ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده.
علي رضي الله عنه: العفاف زينة الفقر.
قال داود عليه السلام لبني إسرائيل: اجتمعوا فإني أريد أن أقوم فيكم بكلمتين. فاجتمعوا على بابه، فخرج إليهم فقال: يا بين إسرائيل، لا يدخل أجوافكم إلا طيب. ولا يخرج من أفواهكم إلا طيب.
إن أحببت أن تعلم علم اليقين فاجعل بينك وبين الشهوات حائطاً من حديد.
سليمان عليه السلام: إن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح مدينة وحده.
حلقت قرشية شعرها، وكانت أحسن الناس شعراً، فقيل لها في ذلك، فقالت: أردت أن أغلق الباب، فلمحني رجل ورأسي مكشوف، فما كنت لأدع علي شعراً رآه من ليس بمحرم
إن أكن طامح اللحاظ فإني ... والذي يملك الفؤاد عفيف
بعض بني كلب:
فقالت بحق الله ألا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد قام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعاً ولم أقلب لها كف لامس
الحلال يقطر، والحرام يسيل.
لقي مخنث آخر وقد تاب، فقال له: من أين معاشك؟ قال: بقيت لي بقية من الكسب القديم، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فإن لحم الخنزير طرياً خير من قديد.
نزل خارجي على أخ مستتراً عن الحجاج، فشخص المنزول عليه لبعض حاجته، وقال لامرأته: أوصيك يا زرقاء بضيفي هذا خيراً، فلما عاد بعد شهر قال لها: كيف ضيفنا؟ قالت:ما اشغله بالعمى عن كل شيء! وكان الضيف أطبق عينيه،فلم ينظر إلى المرأة والمنزل إلى أن عاد زوجها.
مرت امرأة بقوم من بني نمير، فقال رجل منهم: هي رسحاء. فقالت: يا بني نمير ما أطعتم الله ولا أطعتم الشاعر، قال الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، وقال الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير.
عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص:
هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف ... عجزاء غامضة الكعبين معطار
من الأوانس مثل الشمس لم يرها ... في ساحة الدار لا بعل ولا جار
لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر بن أبي ربيعة كان عفيفاً،يصف ولا يقف، ويحوم ولا يرد.
قيل للحسن: إن عند فلان عشرة آلاف، فقال:ما أحسبها اجتمعت من حلال.
وقيل له: إن فلاناً مات وترك مائة ألف، قال: إذن لا تتركه.
زاهد: إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه.
لا تعود نفسك الشبع من الحلال فتأكل الحرام.
سقط من يد كهمس بن الحسن الحنفي دينار، فطلبوه حتى وجدوه، فأبى أن يأخذه، وقال: لعله ليس بديناري.
ابن سيرين: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام فاعلم أنها لا تحل لي فاصرف بصري.
قال بعضهم: ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في المنام.
شاعر:
وإني لعف عن فكاهة جارتي ... وإني لمشنوء إلي اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زؤوراً ولم تأنس إلي كلابها
ولم أكُ طلاباً أحاديث سرها ... ولا عالماً من أي حوك ثيابها
تذاكروا اشد الأعمال في مجلس يونس بن عبيد فاتفقوا على أنه الورع، فجاء حسان بن أبي سنان فقال: إن الصلاة لمؤونة، وإن الصوم لمؤونة، وإن الصدقة لمؤونة، وما أهون للورع إذا رابك شيء فاتركه.

ومن ورع حسان أن غلاماً له كتب إليه من الأهواز: أن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر مما قبلك من السكر، ففعل، فطلب منه بعد قليل بربح ثلاثين ألفاً، فاستقال البيع صاحبه وقال: لم نعلم كنت أعمل حين اشتريته، فقال: قد أعلمتني الآن وقد طيبتك، فلم يطمئن قلبه، ولم يزل حتى رده إليه.
محمود الوراق:
لا تشعرن قلبك حب الغنى ... إن من العصمة أن لا تجد
كم مدمن خمراً وعاد ... سماع لهو وغناء غرد
لو لم يجد خمراً ولا مسمعاً ... برد بالماء غليل الكبد
ابن المبارك: أراد أبو حنيفة رحمه الله أن يشتري جارية، فمكث عشر سنين يختار ويشاور من أي سبي يشتريها.
اختلطت غنم الغارة بغنم أهل الكوفة، فسأل أبو حنيفة كم تعش الشاة؟ قالوا: سبع سنين، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين. وحملت إليه بدرة من عند المنصور، فرماها في زاوية البيت.فلما توفي جاء بها ولده حماد إلى الحسن بن قحطبة، فقال: أوصاني أبي برد هذه الوديعة إليك، فقال: رحم الله أباك، لقد شح بدينه غذ سخت به أنفس أقوام.
الثوري: انظر درهمك من أين هو، وصل في الصف الأخير.
كان عمر رضي الله عنه يتمثل:
حلالها حسرة يفضي إلى ندم ... وفي المحارم منها السم مذرور
جابر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة: لا يدخل الجنة من نبت لحمه من حرام، النار أولى به.
أبو بكر رضي الله عنه رفعه: إن الله حرم الجنة أن يدخلها جسد غذي بحرام.
أبو هريرة رفعه: يأتي على الناس زمان لا يبالون من حلال كسبوا المال أم من حرام.
حذيفة رفعه: إن قوماً يحيون يوم القيامة لهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباءً، ثم يؤمر بهم إلى النار، فقال سليمان: حلهم لنا يا رسول الله. فقال: أما إنهم كانوا يصلون ويصومون، ويأخذون أهبة من الليل. ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا إليه.
أيمن بن خريم:
فقلت اصطبحها أو لغيري فأهدها ... فما أنا بعد الشيب ويلك والخمر
تعففت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر
فلان يعقد نطاقه على طبع الطيب الإزار.
أبو سليمان الداراني: من صدق في ترك الشهوة كفي مؤونتها، الله أكرم أن يعذب قلبه بها وقد تركها له.
مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم أضافوه فقال: يا أبا إسحاق نعم الشيء هذا لو لم يكن تكرمة على الدين.
مروان بن معاوية: ما من أحد إلا وقد أكل بدينه حتى سفيان الثوري، كان له أخ يعمل ببضاعته وهو جالس، ولولا دينه ما فعل به ذلك.
ملك اللذات أن يعبدنه.
هو بماله متبرع، وعن مال غيره متورع.
لم يتدنس بحطام، ولم يتلبس بآثام.
عف السريرة غيبه كالشهد.
قالت امرأة لرجل أكثر تأملها: عبر عينك وشيء غيرك.
أبو إمامة الباهلي: لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أتت إبليس جنوده وقالت قد بعث نبي لما بعث نبي وخرجت أمته، قال: أفيحبون الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: إن كان يحبون الدنيا فإني لا أبالي أن لا يعبدوا الأوثان، أنا أغدو عليهم وأروح بثلاث: أخذ المال من غير حله، وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه، والشرك تبع لهذا.
حكيم: عز النزاهة أحب إلي من فرح الفائدة، والصبر على العسرة أحب إلي من احتمال المنة.
قيل لابن المسيب: العن الحجاج، فقال: لا يأخذ الناس مظالمهم من الحجاج ويأخذ الحجاج مظلمته مني، حسبه ذنبه.
دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال: يا بثينة ما أرى شيئاً مما كان يقول جميل، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك، قال: فكيف صادفتيه في عفته؟ قالت: كما وصف نفسه:
لا والذي تسجد الجبال له ... ما لي بما دون ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت بها ... ما كان إلا الحديث والنظر
وعن أبي سهل الساعدي: دخلت على جميل وبوجهه آثار الموت فقال لي: يا أبا سهل، إن رجلاً يلقى الله ولم يسفك دماً حرامً، ولم يأت فاحشة، أترجو له؟ قال: أي والله، فمن هو؟ قال: إني لأرجو أن أكون ذلك، فذكرت بثينة، فقال: إني لفي آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة قط.

عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعته امرأة إلى نفسها للنور الذي بين عينيه، فأبى وقال:
أما الحرام فالحمام دونه ... والحل لا حل فاستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
وقال:
وأحور مخضوب البنان محجب ... دعاني فلم أعرف إلى ما دعا وجها
بخلت بنفسي عن مقام يشينها ... فلست مريداً ذاك طوعاً ولا كرها
الحسن: لو وجدت رغيفاً من حلال لأحرقته، ثم دققته، ثم ذريته، ثم داويت به المرضى.
عدمت زوج أبي ذر رضي الله عنها ما تكفنه به فبكت، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين. فابصري الطريق. فإذا برجال أقبلوا ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، فقال: أنشدك الله أن كفنني رجل منكم كان عريفاً، أو أميراً أو شرطياً. فكفنه فتى أنصاري منهم بثوبين من غزل أمه.
راود توبة ليلى الأخيلية عن نفسها، فاشمأزت وقالت:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فلس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاح وخليل
ابن ميادة:
موانع لا يعطين حبة خردل ... وهن دوان في الحديث أوانسي
ويكرهن أن يسمعن في اللهورية ... كما كرهت صوت اللجام الشوامس
قال رجل للثوري: أصاب ثوبي خلوق من خلوق الكعبة، فقال: اغسله فكم فيه من دم مسلم.
فضيل ابنه علي: كانت لنا شاة أكلت يسيراً من علف بعض الأمراء فما شرب من لبنها بعد.
إبراهيم بن أدهم: أنا بالشام من أربع وعشرين سنة، ما جئت لجهاد ولا رباط، ولكن لا شبع من خبز حلال.
عمرو بن العاص: لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال، وهما يريان أنه يحل لهما، لقد غبنا ونقص رأيهما، والله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي. ولئن كان ما أصبنا منه يحرم علينا لقد هلكنا، وأيم الله ما أتى الوهم والوهن إلا من قبلنا.
عبد الله بن حسن بن حسن:
أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث فواسقاً ... ويصدهن عن الخنا الإسلام
كان الأصمعي يستحسن بيتي العباس بن الأحنف:
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء أن طال الجلوس به ... عف الضمير ولكن فاسق النظر
كان ابن المولى المدني متواصفاً بالعفة وطيب الإزار، فأنشد عبد الملك بن مروان وهو متنكب قوسه:
وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الود تبذل
واخنع بالعتبى إذا كنت مذنباً ... وإن أذنبتن كنت الذي أتنصل
فقال هل: من ليلى هذه؟ لئن كانت حرة لأزوجنكها، ولئن كانت مملوكة لاشتريتها لك بالغة ما بلغت، فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ما كنت لأمعر بوجه حر أبداً في حرته ولا في أته، والله ما ليلى إلا قوسي هذه ، أسميتها ليلى فأنا أنسب بها.
مهدي بن الملوح الجعدي:
كأن علي أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق
وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم في أعلى السحابة بارق
عائشة رضي الله عنها: قالت: يا رسول الله من المؤمن؟ قال: المؤمن من إذا أصبح نظر في رغيفيه من أين يكسبهما. قالت: يا رسول الله أما إنهم لو كلفوه لتكلفوه، قال: أما إنهم قد كلفوه، ولكن يعشقون الدنيا عشقاً.
اختفى إبراهيم بن المهدي في هربه من المأمون عند عمته زينب بنت أبي جعفر، فوكلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمس مائة ألف فأبت، فهويها، وتذمم أن يطلبها إليها، فغنى يوماً وهي قائمة على رأسه.
يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خد ... يه فقبلت يديه
بأبي وجهك ما أك ... ثر حادي عليه
أنا ضيف وجزاء الضي ... ف إحسان إليه

ففطنت الجارية، فحكت لمولاتها، فقالت: أذهبي إليه فأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت إليه، فلما رآها مقبلة أعاد الغناء، فانكبت عليه، فقال: كفي، فقالت:قد وهبتني لك مولاتي، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم.
أنشد المبرد:
ما أن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا عصاه الحياء والكرم
فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لريبة قدم
طلب عمر بن عبد العزيز رحلاً لمصحفه، فأتي برحل فأعجبه، فقال: من أين أصبتموه؟ فقيل: عمل من خشبة وجدت في بعض الخزائن، قال: قوموه في السوق، فقوم بنصف دينار، فقال: ضعوا في بيت المال ديناراً، فقيل: لم يقوم إلا بنصف دينار، فقال: ضعا في بيت المال دينارين.
عيسى عليه السلام، لا تكن حديد النظر إلى ما ليس لك. فإنه لن يرى فرجك ما حفظت عينيك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل، ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله.
/باب

التعجب، وذكر العجائب والنوادر
وما خرج من العادات علي بن ربيعة: شهدت علياً رضي الله عنه، فأتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد لله والله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين، من أي شيء تضحك؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت أنا ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء تضحك؟ قال: إن ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري.
وعنه رضي الله عنه: إن ربك يعجب من الشاب ليست له صبوة.
وعنه: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون.
علي رضي الله عنه: عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ويكون غداً جيفة. وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت. وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى. وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء.
قعنب بن أم صاحب
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
نظرت فيه نظر المعجب به لا المتعجب منه، وذكرت قول أرسطاليس: أما التعجب من مناقبك فقد أسقطه تواترها، فصارت كالشيء المألوف الذي لا يتعجب منه.
وقيل لبحار: ما أعجب ما رأيت من عجائب البحر؟ قال: سلامتي منه.
ركب أعرابي البحر فرأى من أمواجه الأهوال، ثم ركبه مرة أخرى وهو ساكن، فقال: لا يغرني حلمك فعندي من جهلك العجائب.
قيل لبرزجمهر: من أعلم الناس بالدنيا؟ قال: أقلهم منها تعجباً.
اسمع المعتز عبيد الله بن عبد الله بن طاهر غناء حظية له وقال: كيف تراها؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حظ العجب منها أكثر من حظ العجب بها.
برزجمهر: العجب ممن يعرف ربه ثم يغفل عنه طرفة عين.
قيل للمشعبذ أبو العجب، قال أبو تمام:
وحادثات أعاجيب خساً وزكاً ... ما الدهر في فعله إلا أبو العجب
وقال ابن الرومي في البحتري:
أولى بمن عظمت في الناس لحيته ... من حاكة الشعر أن يدعى أبا العجب
الجد أعمى ولولا ذاك لم تره ... في البحتري بلا عقل ولا أدب
لو قيل: أي شيء أعجب عندك؟ لقلت: قلب عرف الله ثم عصى.
كان ببابل سبع مدائن، في كل مدينة أعجوبة: في إحداها تمثال الأرض،فإذا التوى على الملك بعض أهل مملكته بخراجهم خرق أنهارها عليهم في التمثال، فلا يطيقون سد البثق حتى يعتدلوا وما لم يسد في التمثال لم يسد في ذلك البلد.
وفي الثانية حوض، فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى كل واحد بما أحبه من شراب، فصبه في ذلك الحوض، فاختلطت الأشربة، فكل من سقي منه كان شرابه الذي جاء به.
وفي الثالثة طبل، إذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب عن أهله قرعوه، فإن كان حياً صوت، وإن كان ميتاً لم يسمع له صوت.
وفي الرابعة مرآة، فإذا أرادوا أن يعلموا حال الغائب نظروا فيها، فأبصروه على أية حالة هو عليها كأنهم يشاهدونه.

وفي الخامسة أوزة من نحاس، فإذا دخل الغريب صوتت الأوزة صوتاً يسمعه أهل المدينة.
وفي السادسة قاضيان جالسان على الماء، فيأتي الخصمان فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي، ويرتطم المبطل.
وفي السابعة شجرة ضخمة لا تظل ساقها، فإن جلس تحتها أحد أظلته إلى ألف رجل، فإن زاد على الألف واحد جلسوا كلهم في الشمس.
الخليل في سليمان بن حبيب:
وزلة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجب جاءت من سليمانا
لا تعجبن لخبز زل عن يده ... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
ورد على قلبي منه ما طبقه عجباً إن لم يطبقه شجباً:
الدهر فيه لمن تعجب عبرة وعجائب
الظبي يخضم الحنظل خضماً وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ له والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء الأجاج كما تغمس الشاة لحييها في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر، ويستحلي مرارة الحنظل؟ عن عبد الرحمن بن عدي: سمعت أبا هريرة يقول: ضرس الكافر مثل أحد. فقلت في نفسي: فكيف برأسه؟ فكيف بيده؟ كالشاك، فأريت في النوم من القابلة أن بثرة خرجت في خنصري فملأت المدينة. فقيل لي: هذا لشكك في قول أبي هريرة.
عن أبي عقيل: كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى مروان بن الحكم بحبال وفعلة، يريد أن يزيد درجات على منبر رسول الله، وذلك بأمر معاوية، فزلزت الأرض، وخسفت الشمس، وبدت النجوم، واصطفقت القناديل.
كان في زمن بني إسرائيل جارية متعبدة، تسمى سوسن، تخرج إلى مصلى يليه شيخان، وكان بجنبه بستان تتوضأ فيه، فعلقها الشيخان، فراوداها عن نفسها، فأبت، فقالا: لئن لم تمكيننا من نفسك لنشهدن عليك بالزنا؛ فقالت: الله كافي شركما. ففتحا باب البستان وعيطا، فغشيهما الناس، فقالا: وجدناها مع شاب يفجر بها وانفلت من أيدينا. وكانوا يقيمون الزاني للناس ثلاثة أيام، ثم يرجم. فأقاموها، وكانا يدنوان منها يضعان يديهما على رأسها، ويقولان: الحمد لله الذي أنزل بك نقمته. فلما أريد رجمها تبعهم دانيال وهو ابن ثنتي عشرة أول ما تنبأ، فقال: لا تعجلوا، أنا أقضي بينهم. فوضع له كرسي، ففرق بين الشيخين، وهو أول من فرق بين الشهود، فقال لأحدهما: ما رأيت؟ فذكر حديث الشاب، فقال: أي مكان من البستان؟ فقال: تحت الشجرة الكمثري. وسأل الآخر فقال: تحت الشجرة التفاح. وسوسن رافعة يديها تدعو بالخلاص. فأنزل الله ناراً فأحرقت الشاهدين، وأظهر براءتها.
عن الشافعي رحمه الله: بينا أنا أدور في طلب العلم فدخلت بلدة من بلاد اليمن، فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان، ويأكلان ويشربان. ثم غبت عنهما سنتين ورجعت، فسألت عنه، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد، توفي فربط من أسفله بحبل وثيق، وترك حتى ذبل وقطع، فلعهدي بالجسد الآخر في السوق ذاهباً وجائياً.
قال: ورأيت باليمن أعميين يتقاتلان وأبكم يصلح بينهما.
وقال: باليمن قوم يشق أحدهم لحمه ثم يرده فيلتئم من ساعته. ويقال: إن غداء أولئك اللسان.
وقال: رأيت باليمن بنات سبع يحضن كثيراً.
وقال: رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم ار مثلها في موضع قط. رأيت رجلاً فلس في مد من نوى، فلسه القاضي. ورأيت رجلاً له سن شيخ كبير خضيب، يدور على بيوت القيان ماشياً يعلمهن الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعداً، ورأيت رجلاً أعسر، يكتب بشماله يسبق من يكتب بيمينه.

باب
العشق، وذكر من بلي به وقال فيه الشعر
ومن مات منهم كمداً، ومن رق لهم وترحم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: من عشق فعف وكتم ثم مات مات شهيداً.
لما أعتقت عائشة رضي الله عنها جاريتها بريرة، وكان زوجها حبشياً، اسمه مغيث، خيرت بين الإقامة معه وبين مفارقته، فاختارت المفارقة، فكانت إذا طافت بالبيت طاف مغيث خلفها، ودموعه تسيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث لبريرة؟ لو كلمناها أن تتزوجه! فدعاها وكلمها، فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، قال: أما أمر فلا، ولكن أشفع. فأبت أن تتزوجه. قال الراوي: فهذا من قد رآه رسول الله، وشهد لشدة عشقه، وشفع في بابه.

يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذاباً.
بعضهم: رأيت امرأة في غاية الضمر والنحافة رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف.
تزود كل الناس زاداً يقيتهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي
ففعلت، فإذا بفتى، فقال: أنا الزاد. فمضيت بها إليها، فما زادا على النظر والبكاء. ثم قالت له: انصرف مصاحباً محافظاً. فقلت: ما علمت أن لقاءكما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك، أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد؟ إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي الواسطي.
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
كم قد خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر
كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر
عن زبيدة: قرأت في طريق مكة على حائط:
أما في عباد الله أو في أمانه ... كريم يجلى الهم عن ذاهب العقل
له مقلة أما المآقي فقرحة ... وأما الحشا فالنار فيه على رجل
فنذرت أن أحتال لقاءهما حتى أجمع بينه وبين من يهوى، فإني لبالمزدلفة إذ سمعت من ينشدهما، فأدنيته، فزعم أنه قالهما في بنت عم له قد نذر أهلها أن لا يزوجوها منه، فوجهت إلى الحي، وما زلت أبذل لهم المال حتى زوجوها، وإذا المرأة أعشق من الرجل. وكانت زبيدة تعده في أعظم حسناتها، وتقول: ما أنا بشيء أسر بي بجمعي بين ذلك الفتى والفتاة.
كان لسليمان بن عبد الملك غلام وجارية يتحابان، فكتب إليها:
ولقد رأيتك في المنام كأنما ... عاطيتني من ريق فيك البارد
وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعاً في فراش واحد
فطفقت يومي كله متراقداً ... لأراك في يومي ولست براقد
فأجابته.
خيراً رأيت وكلما عاينته ... ستناله مني برغم الحاسد
إني لأرجو أن تكون معانقي ... فتبيت مني فوق ثدي ناهد
وأراك بين خلاخلي ودمالجي ... وأراك بين مراجلي ومجاسدي
فبلغ ذلك ذلك سليمان. فأنكحهما وأحسن جهازهما.
الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة. كما أن السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما جاوز حد الاقتصاد.
سئل أفلاطون عن العشق فقال: داء لا يعرض إلا للفراغ.
آخر: العشق جهل عارض صادف قلباً فارغاً.
قيل لأعرابي: ما بلغ حبك لفلانة؟ قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك.
سأل الرشيد رجلاً فقال: ما أشد ما يكون من العشق؟ قال: أن تكون ريح البصل منه أحب إليك من ريح المسك من غيره.
عن عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أن نعم التي يقول فيها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
اغتسلت عند غدير فأقام يشرب منه حتى جف.
رأى شبيب أخو بثينة جميلاً عندها، فوثب عليه وآذاه، ثم أتى مكة وفيها جميل، فقيل له: دونك شبيباً فاثأر منه، فقال:
وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
كتبت جارية للمتوكل على جبينها: هذا ما عمل في طراز الله، فتنة لعباد الله.
أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى:
مطارق الشوق منها في الحشا أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كور الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الحزن لا يبقى ولا يذر
عبد الله بن عجلان النهدي أحد العشاق المذكورين، تزوجت عشيقته فرأى أثر كفها على ثوب زوجها، فمات كمداً.
أهدى أبو العتاهية للمهدي برنية فيها ثوب مطيب، قد كتب في حواشيه:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ... الله والقائم المهدي يكفيها
إني لآيس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها

فهم أن يدفع عتبة إليه، فضجرت وقالت: يا أمير المؤمنين، حرمتي وخدمتي! أتدفعني إلى رجل قبيح المنظر، بائع جرار، متكسب بالشعر؟ فأعفاها، وأمر أن تملأ البرنية مالاً. فأرادوا أن يملاؤها دراهم، فقال: إنما أمر بالدنانير، فاختلف في ذلك حولاً. فقال عتبة: لو كان عاشقاً لم يختلف حولاً في التمييز بين الفضة والذهب، وقد أعرض عني صفحاً.
صحب جميلاً رجل من عذرة، يدعى العشق وهو سمين، فقال فيه:
وقد رابني من زهدم أن زهدماً ... يشد على خبزي ويبكي على جمل
فلو كنت عذري العلاقة لم تكن ... سميناً وأنساك الهوى كثرة الأكل
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لأولاده: عفوا تشرفوا، واعشقوا تظرفوا.
أول العشق النظرة، وأول الحريق الشرر.
زار علي بن عبيدة الريحاني جارية كان يهواها عند إخوانه، فحان وقت الظهر، فبادروا الصلاة، وهما يتحدثان، حتى كادت الصلاة تفوت. فقيل: يا أبا الحسن الصلاة، فقال: رويدك حتى تزول الشمس. أي حتى تقوم الجارية.
وصف أعرابي امرأة طرقها فقال: ما زال القمر يرينيها، فلما غابت أرنيه. قيل: فما كان بينكما؟ قال: أبعد ما أحل الله مما حرم، إشارة في غير بأس، ودنو في غير مساس؛ ولا وجع أشد من الذنوب.
أبو العيناء: أضحكني بائع رمان يقول:
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
عبد بني الحسحاس:
فكم قد شققنا من رداء محبر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد برقع ... دواليك حتى كلنا غير لابس
وذلك! إن الرجل يشق برقع حبيبته، والمرأة تشق برد حبيبها، ويقولون: إذا لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما.
ذكر أعرابي فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، وما كانت أيامي معها إلا كأباهيم القطا قصراً، ثم طالت بعدها شوقاً إليها، واأسفاً عليها! عشق رجل امرأة، فقيل له: ما بلغ من عشقك لها؟ فقال: كنت أرى القمر على سطحها أحسن منه على سطوح الناس.
من جرى مع هواه طلقاً جعل للعذاب فيه طرقاً.
عبد الله بن رواحة:
سبتك بعيني جؤذر بخميلة ... وجيد كجيد الريم زيفه النظم
وأنف كحد السيف يشرب قلبها ... وأشنب رفاف الثنايا به ظلم
أعرابية في صفة العشق: خفي أن يرى، وجل أن يخفي، فهو كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته ورى، وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر.
كثير:
وإني لأرضى منك يا عز بالذي ... لو أيقنه الواشي لقرت بلابله
بلا وبان لا أستطيع وبالمنى ... وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضي ... أواخره لا تلتقي وأوائله
يقال: سرقت فؤاده إذا عشقها، وتسللت مسالك الروح منه.
ويقال: ناط حبها بقلبي نائط، وساطه بدمي سائط.
أعرابي: لقد كنت آتيها عند أهلها، فيتجهمني لسانها، ويرحب بي قلبها.
ليلى العامرية في قيسها:
لم يكن المجنون في حالة ... إلا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسر الهوى ... وإنني قد ذبت كتمانا
ابن مرخية:
سألت سعيد بن المسيب مفتي ال ... مدينة هل في حب دهماء من وزر
فقال سعيد بن المسيب إنما ... تلام على ما تستطيع من الأمر
فقال سعيد: والله ما سألني أحد عن هذا، ولو سألني ما كنت أجيب إلا به.
كان الهوى فيما مضى أن يسر أحدهم بلبان مضغته حبيبته، أو بسواك استاكت به. واليوم يطلب أحدهم الخلوة الصحيحة، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة.
مر مالك بن دينار بدار ليلا، وإذا قائل يقول:
يا سيدي قد جاءك المذنب ... يرجو الذي يرجوه من يعتب
فاصفح له عن ذنبه منعماً ... وهب له منك الذي يطلب
فوقف مالك يتسمع ويبكي، والقائل يردد البيتين بصوت حزين. فلما قارب السحر قال:
يا ناصباً معانه فننسه ... إليك من مقلتك المهرب
فقال مالك: يا فاسق! إنما كان تضرعك لغير الله، ومضى.
هوي أحمد بن أبي عثمان الكاتب جارية لزبيدة اسمها نعم، حتى مرض ونهك، وقال فيها أبياتاً منها:
وإني ليرضيني الممر ببابها ... واقنع منها بالشتيمة والزجر

فوهبتها له.
زبان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم:
علق القلب مهاة طفلة ... من بني عبد مناف في اللباب
وبنو زهرة أخوال لها ... وبنو الأصبغ أولاد الرباب
من ذرى كلب وكلب هامة ... من معد في المعالي والروابي
جمعتني وسليمى نسوة ... فاتكات من عدي بن جناب
المعتزل بالله:
بيضاء رود الشباب قد غمست ... في خجل ذائب بعصفرها
مجدولة هزها الصبا فغدت ... يشغل لحظ العيون منظرها
الله جار لها فما امتلأت ... عيني إلا من حيث أبصرها
أبو عبد الله الغواص:
قمر لم يبق مني حبه ... وهواه غير مقلوب قمر
خليد مولى العباس بن محمد الهاشمي شاعر الطاهرية:
أما والراقصات بذات عرق ... ومن صلى بنعمان الأراك
لقد أضمرت حبك في فؤادي ... وما أضمرت حباً من سواك
أطعت الآمريك بقطع حبلي ... مريهم في أحبتهم بذاك
فإن هم طاوعوك فطاوعيهم ... وإن عاصوك فاعصي من عصاك
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رأى امرأة بالشام فأعجبته فقال:
تذكرت ليلى والسماوة دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأن تعاطي قلبه حارثية ... تحل ببصري أو تحل الجوابيا
أعرابي:
أقول لعيس قد برى السير فيها ... فلم يبق منها غير عظم مجلد
خدي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وهاجتك أصوات الحمام المغرد
فطارت مراحاً خوف دعوة عاشق ... تجوب بي الظلماء في كل فدفد
فما ونت في السير ثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطاً إلى ضحوة الغد
الفتح بن خاقان صاحب المتوكل:
أيها العاشق المعذب صابر ... فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحجة مسرورة
قال يوسف بن الماجشون أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن:
إذا قلت هاتي نوليني تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم
فما نولت حتى تضرعت حولها ... وعرفتها ما رخص الله في اللمم
فضحك وقال: إن كان وضاح لفقيهاً في نفسه.
علي بن هشام فرخسرو وكان المأمون يزوره ويستأنس به ثم قتله:
يا موقد النار يذكيها فيخمدها ... برد الشتاء بأرواح وأمطار
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة ... بالشوق تغن بها يا موقد النار
ويا أخا الذود قد طال الظماء بها ... ما تعرف الري من جدب وإقفار
رد بالعطاش على عيني وعبرتها ... تروى العطاش بدمع واكف جاري
عبد الرحمن القارىء القس:
قد كنت أعذل في الصبابة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام
فاليوم أعذرهم وأعلم أنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام
برمة النحوي:
يا طيب مرعى مقلة لم تخف ... بوجنتيه زجر حراس
حلت بخد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس
كشاجم.
فلم يزل خدها ركناً ألوذ به ... والخال في صحنه يغني عن الحجر
الخيزرزي:
لو أبصر الوجه منه منهزم ... يطلبه ألف فارس وقفا
عن عمر بن أبي ربيعة: كنت بين امرأتين، هذه تسارني، وهذه تعضني، فلما شعرت بعضة هذه من لذة سرار هذه.
ريسان العذري:
لو حز بالسيف رأسي من مودتها ... لطار يهوى سريعاً نحوها راسي
وسمع به ابن أبي ربيعة بعد ما تنسك ولبس الصوف، فقال: أحسن والله، وتحرك وقال: تالله لقد هجتم علي ساكناً.
محمود بن مروان بن أبي حفصة:
يدمي الحرير جلودهن وإنما ... يكسين من حلل الحرير رقاقها

باب
العقل، والفطنة، والشهامة، والرأي، والتدبير
والتجارب، والنظر في العواقب النبي صلى الله عليه وسلم: ما أودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما.
وعنه عليه السلام: العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل.

أنس رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب، قال: ما من آدمي إلا وله ذنوب وخطايا يقترفها، فمن كانت سجيته العقل، وغريزته اليقين، لم تضره ذنوبه. قيل: كيف دلك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن تدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه، فيمحو ذنوبه، ويبقى له فضل يدخل به الجنة.
وعنه: أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير، فقال رسول الله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله، نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله! فقال نبي الله: إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات، وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم.
الحسن: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.
عامر بن عبد قيس: إذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل.
قال عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث: ما رأيت عقول الناس متقاربة، إلا ما كان من الحجاج وأياس.
علي بن عبيدة: العقل ملك، والخصال رعيته، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله.
معن بن زائدة: ما رأيت قفا أحد إلا عرفت عقله. قيل: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرأه.
فيلسوف: عقل الغريزة سلم إلى التجربة.
أيدي العقول تمسك أعنة الأنفس.
كل شيء إذا كثر رخص غير العقل، فإنه إذا كثر غلا.
لينذر من كان حياً، قيل من كان عاقلاً.
العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
برزجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
أعرابي: العاقل متصفح، والجاهل متسمح.
وصف المعلى بن أيوب ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه.
قال أبو العيناء لرجل: والله ما فيك من العقل إلا بمقدار ما تجب به الحجة عليك، والنار لك.
أعرابي: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحق لأضاء معه الليل، وإنك من كليهما لمعدم.
العاقل من كان له على جميع شهوته رقيب من عقله.
من لم يؤسس عقله على التقوى فلا عقل له.
يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوته حيث كان.
كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا مال على الناس هين
ومن كان ذا عقل أجل بعقله ... وأفضل عقل عقل من يتدين
المهلب: لئن أرى لعقل الرجل فضلاً على لسانه أحب إلي من أرى للسانه فضلاً على عقله.
لقمان: غاية الشرف والسؤدد حسن العقل، فمن حسن عقله غطى عيوبه، واصلح مساوئه، ورضي عنه مولاه.
علي رضي الله عنه: العاقل من وعظته التجارب.
كان يقال: الأريب العاقل الفطن المتغافل.
نعوذ بالله من أن نكون ممن عقله صديق مقطوع، وهواه عدو متبوع.
لفلان من عقله رقيب على شهوته، يهديه إلى الهدى، ويرده عن الردى.
قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين ولدت، فلما رأى إنكارهم قال: أما أنا فقد بكيت حين جعت، وطلبت الثدي حين احتجت، وسكت حين أعطيت. يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل.
أحلام عاد مثل عند العرب في رجاحة العقول؛ قاسوا عقولهم على أجسادهم فاسترجحوها. قال:
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم ... وإن فطن العوراء غرب لسان
ابن المعتز: ما أبين وجوه الخير والشر في مرآة العقل إن لم يصدقها الهوى.
العاقل يروي ثم يروي، ويخبر ثم يخبر.
أردشير بن بابك: من لم يكن عقله أغلب خلال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الشر عليه.
أردشير بن هرمز: العاقل من ملك عنان شهوته.
بطليموس: كل عمل يأذن فيه العقل فهو صواب. وعنه: العاقل لا يشرب السم اتكالاً على ما عنده من الترياق.
ملك الخزر: إذا شاورت العاقل صار عقله لك.
قال المنذر لابنه النعمان فيما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبيء ترجع إليه أبداً؛ قال النعمان: مرني بأمر جامع، قال: الزم الحزم والحياء.
ذو العقل لا تبطره المنزلة السنية، كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح. والسخيف تبطره أدنى منزلة، كالحشيش تحركه أدنى ريح.
قال الحجاج لابن القرية: من أعقل الناس؟ قال: من يحسن المداراة مع أهل زمانه.
حكيم: العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق أحدهما دون الآخر انباتاً.

العتبي: العقل عقلان، عقل تفرد الله بخلقه، وعقل يستفيده الرجل بأدبه وتجربته، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركب في الجسد، فإذا اجتمعا قوى كل واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة ضوء البصر.
المأمون: إذا أنكرت من عقلك شيئاً فاقدحه بعاقل.
قيل لعلي رضي الله عنه: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي يضع الشيء مواضعه. قيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت. يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه.
وعنه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك.
حكيم: اجعل سرك إلى واحد، ومشورتك إلى ألف.
لن يعدم المشاور مرشداً، والمستبد برأيه موقوف على تداحض الزلل.
أعرابي: من لم تسمه التجارب دبت إليه العقارب.
العرب: بر تخبر.
أبو بكر رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عز به الحق، وانتشر عنه الصدق، ورتق برأيه الفتق.
عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت أحب إلي من أن أصيب وقد استبددت.
ذكر أعرابي رجلاً فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
فيلسوف: من عرف التجارب طابت له المشارب.
الفضل بن سهل: الرأي يسد ثلم السيف، والسيف لا يسد ثلم الرأي.
دخل أحمد بن يوسف على المأمون، وعريب تغمز رجله، فخالسها النظر، وأومأ إليها بقبلة، فقالت: كحاشية البرد، فلم يدر ما قالت فحدث به محمد بن بشير فقال: أنت تدعي الفطنة يذهب عليك مثل هذا؟ أردات طعنة، ذهب إلى قول الشاعر:
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة ... كحادية البرد اليماني المسهم
الجعجاع الأزدي:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصيحة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن ... نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءً غير كاتم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم
فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم
النبي صلى الله عليه وسلم: المستشار معان.
وصف أعرابي رجلاً فقال: يشرق بعزم لا يوجد معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس عنده صعب، حتى يغادر المستعجم معجماً والمشكل مشكولاً.
أدخل الركاض وهو ابن أربع سنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته، فقال له: ما تحب أن أهب لك؟ قال: جميل رأيك، فإني أفوز به في الدنيا والآخرة؛ فأمر له بدنانير ودراهم، فصبت بين يديه، فقال: اختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين وضرب بيده إلى الدنانير. فضحك الرشيد وأمر بضمه إلى ولده، والإجراء عليه.
الحازم لا تدهش له عزيمة، ولا تكهم له صريمة.
برزجمهر: إن الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضاع لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، وكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل، ثم يضرب بعضها ببعض حتى يخلص الرأي.
هجين عاقل خير من هجان جاهل.
فيلسوف: لا رأي لمن تفرد برأيه.
عبد الله بن وهب الراسبي: دعوا الرأي يغب، فإن غبوبه يكشف لك عن محضه. وقال: استفتحوا باب الرأي بالاستخارة.
ابن المقفع: ما رأيت حكيماً إلا وتغافله أكثر من فطنته.
قيل لبرز جمهمر: من أكمل الناس؟ قال: من لم يجعل سمعه غرضاً للفحشاء، وكان الأغلب عليه التغافل.
حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي.
أعقل الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب، وأفره الدواب لا يستغني عن السوط، وأورع النساء لا تستغني عن الزوج.
الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل؛ فأما الرجل فذو الرأي والمشورة، وأما نصف الرجل فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور.
إني أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقا
تضرب للحازم. ونحوه أن رجلاً شكا إلى أخيه قلة مرفقه في عمله، واستشاره في التقصي، فقال: إن كلباً لقي كلباً في فمه رغيف محترق، فقال: ويحك ما أردأ هذا الرغيف! قال: نعم، لعنة الله عليه وعلى من يتركه حتى يجد خيراً منه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: كيف صبرتم على حرب بني ذبيان وهي أضعافكم في العدد؟ قال: كان فينا ألف حازم؛ قال: وكيف كان فيكم ألف حازم؟ وهل كان في عبس وغطفان هذا؟ قال: كان فينا قيس بن زهير.
كان بعض الماضين إذا استشير قال لمشاوره: أنظرني أصقل عقلي. يومه.
قال المنصور لولده: خذ عني ثنتين: لا تقل بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير.
طاهر بن الحسين.
اعمل صواباً تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذم لأهل الحزم تدبير
فإن هلكت مصيباً أو ظفرت به ... فأنت عد ذوي الألباب معذور
وإن ظهرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير
أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظ المصيبين والمقدور مقدور
إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في النار أعالج أغلالها وسعيرها وزقومها وزمهريرها، فقلت: يا نفس أيش تشتهين؟ قالت: ارجع إلى الدنيا فأعمل عملاً أنجو به من هذا العذاب، ومثلتها في الجنة مع حورها ألبس من سندسها وحريرها، فقلت: أيش تشتهين؟ قالت: أن أرجع فأعمل عملاً أزداد به الثواب. فقلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي.
فضيل: المشورة فيها بركة، وإني لأستشير حتى هذه الحبشية الأعجمية.
ابن عيينة: كان رسول الله إذا أراد أمراً شاور فيه الرجال، وكيف يحتاج إلى مشاورة المخلوقين من الخالق مدبر أمره؟ ولكنه تعليم منه ليشاور الرجل الناس وإن كان عالماً.
أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل، ولا ظهر أقوى من المشورة.
أكثم بن صيفي: في الاعتبار غنى عن الاختبار.
الرأي الفذ كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين المبرمين، والثلاثة مرائر لا تكاد تنقض.
لقمان: يا بني، إذا أردت أن تقطع أمراً فلا تقطعه حتى تستشير مرشداً.
وفي وصية علي رضي الله عنه: يا بني، إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم، وفكرت في أخبارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما أنتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كان أمر نخيله، وتوخيت جميله، وصرفت عنك مجهوله.
عمر رضي الله عنه: لا أمين إلا من خشي الله، فشاور في أمرك الذين يخشون الله.
له رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودعاء كالبحر بعد غور وقرب مغترف.
شاعر
وقد يتغابى المرء في عظم أمره ... ومن تحت برديه المغيرة أو عمرو
آخر
شاور نفسي طمع وخيبة ... تقول هاتي لا وهاتيك بلى
من بدأ بالاستخارة وثني بالاستشارة فحقيق أن لا يقبل رأيه.
له دراية مستقاة من حنكة.
سلمة بن عياش: قال لي رؤبة: ما كنت أحب أن أرى في رأيك فيالة.
إذا حلت المقادير ضلت التدابير.
من نظر من المغاب ظفر بالمحاب. من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه.
الرأي السديد أحمى من الأيد الشديد.
أبو القاسم الهرندي.
وما ألف مطرور السنان مسدد ... يعارض يوم الروع رأياً مسددا
كأن السرور حجر على كل ذي حجر.
ذكر المأمون ولد علي رضي الله عنه فقال: أيدوا بتدبير الآخرة وحرموا تدبير الدنيا قيل للأحنف بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه ورأي لا يستغنى عنه.
إذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلماً، والحدة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعي صمتاً، والعقوبة أدباً، والجبن حذراً، والإسراف جوراً.
كان يقال: من أجهد رأيه، واستخار ربه، واستشار صديقه، فقد قضى ما عليه، ويقضي الله في أمره ما أحب.
عمر رضي الله عنه: ما تشاور قوم قط إلا هدوا إلى رشد أمرهم.
قال بعض العرب لابنه: يا بني، إن أباك أهدى من القطا، ومن دعيميص الماء، ومن الطير في الهواء، قد حلب الدهر أشطره، وعرف أعاجيب الدهور، وغوامض التدبير، وأخذ عن النساك والفتاك، وبات في الفقر مع الوعول، وتزوج السعلاة، وجاور الغول، ودخل في كل باب، وجرى مع كل ريح، وامتحن في السراء والضراء، وجالس السلاطين والمساكين، ومثلت له التجارب عواقب الأمور.
سليمان عليه السلام: يا بني، لا تقطع أمراً حتى تأمر مرشداً، فإذا فعلت فلا تحزن.

أحزم الناس رجلان: رجل وسع عليه الله في الدنيا فشكر ليوسع عليه الله في الآخرة، ورجل ضيق الله عليه فصبر لئلا يضيق الله عليه في الآخرة.
بهمن بن أسفنديار: تجريب المجرب تضييع الروزمار.
أبو بكر رضي الله عنه: ليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد التناظر.
علي رضي الله عنه: خاطر من استغنى برأيه.
المعتصم: إذا نصر الهوى خذل الرأي.
الهند: المستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير فإنه يزداد برأيه رأياً، كما تزداد النار بالسليط ضوءاً.
لما قتل المنصور أبا مسلم قال لصاحب شرطه نصر بن مالك: استشارك أبو مسلم في القدوم علي فأشرت عليه أن لا يفعل. قال: سمعت إبراهيم الإمام يحدث عن أبيه: لا يزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره.
أحمد بن موسى السلمي من بني الشريد:
إذا خصلتان أشكل الرأي فيهما ... فسعيك في شعب التي هي أجمل
ورأيك من رأي المشيرين كلهم ... غداة اختلاف الرأي أرأى وأعدل
علي رضي الله عنه: ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله تعالى.
وعنه: من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها عقولها.
أشجع السلمي:
رأي سرى وعيون الناس هاجعة ... ما أخر الحزم رأي قدم الحذرا
سمع محمد بن يزداد وزير المأمون قول القائل:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا
فأضاف إليه:
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلاً ... فإن فساد العزم أن تتقيدا
حبيب بن أوس الطائي:
ذهب الصواب برأيه فكأنما ... آراؤه اشتقت من التأييد
فإذا دجا خطب تبلج رأيه ... صبحاً من التوفيق والتسديد
محمود الوراق.
إن اللبيب إذا تفرق أمره ... فتق الأمور مناظراً ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
الرشيد حين بدا له في تقديم الأمين على المأمون في العهد:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما
فكيف يرد الدر في الضرع بعدما ... توزع حتى صار نهباً مقسما
أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وإن ينقض الحبل الذي كان أبرما
آخر:
وما المرء منفوعاً بتجريب غيره ... إذا لم تعظه نفسه وتجاربه
آخر:
خليلي ليس الأمر في صدر واحد ... أشيرا علي اليوم ما تريان
محمد بن ذويب:
ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها
وصف رجل عضد الدولة فقال: له وجه فيه ألف عين. وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب.
لقمان: يا بني، شاور من جرب فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء، وأنت تأخذه بالمجان.
أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة.
الإسكندر: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الدنيء، فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.
في الحديث: ما أوتي أحد فضلاً ولا عقلاً إلا احتسب عليه من رزقه.
مسلمة بن عبد الملك: ما ابتدأت أمراً قط بحزم فرجعت بلائمة على نفسي، وإن كانت العاقبة علي، ولا ضيعت شيئاً من الحزم فسررت به، وإن كانت العاقبة لي.
هنأ العتبى المهدي بالخلافة، فسأل عنه، فقيل هو من أولاد عتبة بن أبي سفيان، فقال: أو قد بقي من أحجارهم ما أرى؟ من قولهم رمي بحجر الأرض.

باب
العمل، والكد، والتعب، والشغل، والجد
والتشمير، والعزم، والنية، والكفاية، والكيس، والعجلة، والسرعة، والعدو، وحسن التأني في الأمور، وانتهاز الفرص النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل العمل أدومه وإن قل.
عائشة رضي الله عنها: كان عمله ديمة.
علي رضي الله عنه: قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه.
وعنه: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.
علي بن الحسين رضي الله عنه، لما مات فغسلوه وجدوا على ظهره محلاً مما كان يستقي لضعفة جيرانه بالليل، ومما كان يحمل إلى بيوت المساكين من جرب الطعام.

في التورية: حرك يدك افتح لك باب الرزق.
داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ إن العلم آلة العمل، وإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟ كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصد بالنهار، ويصلي بالليل.
النبي صلى الله عليه وسلم: تعلموا ما شئتم أن تعملوا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا به، فإن العلماء همتهم الوعاية، وإن السفهاء همتهم الرواية.
ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا للعلم وعاة، ولا تكونوا رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي ولا يرعوي.
عيسى عليه السلام: ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل، إن كثرة العلم لا يزيدك إلا جهلاً ما لم تعمل به.
مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر على الصفا.
شبيب بن سليم الأسدي: دخلنا على الحسن حجاجاً فدعا لنا، ثم قال: لعلكم من أصحاب السيوحات! قلنا: لا، قال: إياكم وإياهم، فإنه بلغني أن الرجل منهم يكتب خمسمائة حديث ثم يضيعها، ولا يعلم أن الله سائله عنها حرفاً حرفاً.
علي رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم، قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل.
النبي صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنى على الله.
شر الأعمال ما كان عناؤه طويلاً وغناؤه قليلاً.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في لبن قبر إبراهيم ابنه فأمر أن تسد: وقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه.
الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شراً أعطاهم الجدل ومنعهم العمل.
وما المرء غلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
حكيم: ما شيء أحسن من عقل زانه علم، ومن علم زانه حلم، ومن حلم زانه صدق، ومن صدق زانه عمل، ومن عمل زانه رفق.
كتب علي خوان ذهب لبعض الملوك: لا عمل إلا العمل للثواب.
ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب
أكتل السدوسي.
صبراً خلاج فلا تعانق طفله ... شرقاً بها الجادي كالتمثال
حتى تلاقي في الكتيبة معلماً ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال
صعصعة بن معاوية التميمي:
وللمجد حومات تلقاك دونها ... مهالك مقطوع عليها جسورها
عبد الله بن السائب: إن أعما الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فلا تحزنوا موتاكم.
وعن عباد الخواص أنه دخل على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين، فقال عظني، فقال أصلحك الله، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم الموتى. فانظر ماذا تعرض على رسول الله من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
وكان أبو أيوب الأنصاري يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وقد آخى بينهما رسول الله، ومات ابن رواحة قبله.
علي رضي الله عنه: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لا يفل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يتقبل.
بعضهم: صف عملك من الآفات وإن قل تسعد به في الدارين، ومن لم يتق الآفات في عمله فإنه لا يكاد يفلح وإن كثر اجتهاده، وإنما ارتفع القوم لاعتنائهم بإصلاح سرائرهم. فعند ذلك أمدهم الله بالنصر على الشيطان، وبصرهم مكايده، وصاروا من الأبطال، حتى أن الشيطان ليفر من ظل أحدهم.
مطرف: لأن يقول لي ربي لم تعمل أحب من أن يقول: لم عملت؟ الداراني: عمل الرجل مع رفيقه ومع أهله عمل في السر، لأنه لا يقدر أن يكتم منهما.
يقال: تفرقت بفلان شعب الدنيا، إذا كثرت أشغاله.
قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: اعذرني فإني مشغول. فقال: إذا فرغت لم أحتج إليك، وما أصنع بك فارغاً؟ وأنشد:
فلا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
واعتذر بعض السلطانية إلى رجل بالشغل فقال: لا بلغت يوم فراغك.

قيل لروح بن حاتم: لقد طال وقوفك في الشمس؟ قال: ليطول وقوفي في الظل، وأنشد:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدرأني للمقام أطوف
أعرابية في ابنها:
لو ظمى القوم فقالوا من فتى ... يحلف لا يردعه خوف الردى
وبعثوا سعداً إلى الماء سدى ... في ليلة بيانها مثل العمى
بغير دلو ورشاء لاستقي ... أمر يهدي رايه رأي اللحى
من غلى دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء.
لقيط بن زرارة كان يرتجز يوم جبلة:
أين الشواء والنشيل والمرغف ... والقينة الحسناء والكأس الرعف
للضاربين الهام والخيل حنف
عمر بن حبيب كان إذا فرغ من تهجده قال: الرواح الرواح. السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظل، إنه من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظل يضح.
وكان في بستان له مع غلامه فأذن المؤذن، فقال الغلام: الله أكبر أكبر، فقال: سبقتني إليها؟ أنت حر، ولك هذه النخلة.
شاعر
إن كلف السعي سعى ... وإن يقل قم يثب
عبيد بن عمير: ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيما مضى.
ما في كل صدر اتساع، ولا في كل نفس اضطلاع.
عينه إليه ممدودة، وأذنه إلا عنه مسدودة.
مدح أعرابي رجلاً فقال: كان والله إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علات النفوس.
شاعر
شعري إذا يهم بأمر ... لم يعرج لمتنبي أو لعلي
أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالجد والتشمير ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ... ونام عنها تولى رعيها الأسد
إذا هم بأمر هان علاجه، وانفتح رتاجه.
فلان يستعير السيف حده، ويتعلم الليث جده.
فلان لا يجف لبده إذا لم يفتر.
هو في طلبه قاضي نذور.
أخف من حسوة طائر، ولفتة ناظر، ومن لمعة بارق وخلسة سارق أخف من جلسة منتهز، وخلسة مستوفز.
فلان لا يتزعزع عما يرتئيه، ولا يستنزل عما ينتويه.
تسنم ظهر مفخرة أنيخت ... لتركبها ولا تك بالهيوب
ما أدري على البرق سار أم على البراق؟ والشنفري هو أم ابن براق؟ أسرع من الماء منحدراً، ومن النجم منكدراً.
أسرع حتى ظله لا يلحقه.
لا يمس الأرض إلا تحليلاً وإيماءاً، ولا يطؤها إلا إشارة وإيماء.
برز على الغاية وقصب، وغبر في وجوه الخيل وحصب.
أعرابي:
برئت إلى الرحمن من كل صاحب ... أصاحبه إلا حماس بن ثامل
وظني به بين السماطين أنه ... سينجو بحق أو سينجو بباطل
لا يكاد يعدم الصرعة من عادته السرعة.
النبي صلى الله عليه وسلم: سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن.
قال عدي بن أرطأة لاياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذاك أبعد من الكبر، وأسرع في الحاجة.
كان الأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، ويكاد لسانه يسود من ظمأ الهواجر، فيقول له علقمة: كم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد يا أبا شبيل، الجد الجد.
ما جد قوم قط إلا جدوا.
المرء بكده، والفرس بشده، والسيف بحده.
قال عيسى عليه السلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: فمن يعود عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
عدا كلب خلف غزال فقال له: لن تلحقني، قال: لم؟ قال: لأني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
نظر رجل إلى ظبية ترود فقال له: هل تحب أن تكون لك؟ قال: نعم، قال: أعطني أربعة دراهم حتى أردها عليك، ففعل، فجعل يمحص في أثرها حتى أخذ بقرنها، فجاء بها وهو يقول:
وهي على البعد تلوي خدها ... تريغ شدي وأريغ شدها
كيف ترى عدو غلام ردها
شاعر
وقال من جد في امر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
من جد وجد وجد.
تقول العرب: فلان وثاب على الفرص.
الزق ما دام التنور حاراً. أي اطلب الأمر في ابان إمكانه.
ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لا رويت نارا
حماس بن الأبرش الكلبي:

ولو بت تقدح في ظلمة ... صفاة بنبع لا وريت نارا
في كد البدن روح الروح.
يعمد الشغل لأوسع أوقاتي فيضيقه.
كتب مسلمة إلى أخيه الوليد من قسطنطينية:
أرقت وصحراء الطانة بيننا ... لبرق تلالا نحو غمرة يلمح
أزاول أمراً لم يكن ليطيقه ... من القوم إلا اللوذعي الصمحمح
شاعر:
نقل الجبال الرواسي من مواضعها ... أخف من رد نفسي حين تنصرف
لا أريد كدي ولو جعل العليون اقطاعي، والعالمون أتباعي.
شاعر
فلئن كفيت مهمها ... فلمثلها أعددت مثلك
علي رضي الله عنه حين أشير عليه بترك محاربة طلحة والزبير فقال: والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، وبالسامع المطيع العاصي المريب، حتى يأتي علي يومي.
شاعر
وما يرأب الصدع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل
عمر رفعه: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الأعمال البهيمية ما عمل بغير نية.
قيل لبعض أهل الحديث حدثنا، فقال: حتى تحضر النية.
في نوابغ الكلم: أعمالك نية، لم تنضجها نية.
أنس رفعه: يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله.
خير الأعمال ما أثل المجد، وحصل الحمد.
بعضهم: العمل سعي بالأركان إلى الله، والنية سعي بالقلوب إلى الله، والقلب ملك، والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود، ولا الجنود إلا بالملك.
وقيل: النية جمع الهم في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسمح له في السر ذكر غيره.
أوحى الله إلى نبي، قل لهم يخفوا إلى أعمالهم، وعلي أن أظهرها لهم.
عبد العزيز بن أبي رواد: لو كانت هذه الأعمال قرباناً تأكله النار إذن لم ترغبوا في كثرتها، ولكن في أتقاها، وأنقاها، وأهداها.
وعنه لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
الدنيا كلها ظلمات إلا موضع العلم، والعلم كله هباء إلا موضع العمل، والعمل كله هباء إلا موضع الإخلاص.
الشافعي رحمة الله عليه: اغتنموا الفرص، فإنها خلس أو غصص.
بهرام جور: إذا تقدم في الأعمال قبل وقتها انتفع بها في وقتها، وإذا عمل بها بعد وقتها لم ينتفع بها.
بشار بن برد كان في مجلس قوم فقال: لا تجعلوا يومنا حديثاً كله، ولا غناء كله، ولا شرباً كله، تناهبوا العيش تناهياً فإنما الدنيا فرص.
من ورد عجلاً صدر خجلاً.
غاضب المنذر بن الزبير أخاه عبد الله، فقدم على معاوية فأجازه بألف ألف وأقطعه ماله المعروف بمنذران بالبصرة.
ولما وقعت الحرب على ابن الزبير خاف يزيد أن يتصل بأخيه، فكتب إلى عبيد الله ابن زياد بالقبض عليه، فقال له عبيد الله: إن شئت اشتملت عليك فتكون نفسي دون نفسك، وإن شئت فاذهب حيث شئت. فخرج من البصرة فأصبح بمكة صبح ثامنة. فقال بعض من يرتجز معه:
قاسين قبل الصبح ليلاً منكرا ... حتى إذا الصبح انجلى فأسفرا
أصبحن صرعى بالكثيب حسرا ... لو يتكلمن شكون المنذرا
فسمع عبد الله صوت المنذر على الصفا، وهو في المسجد الحرام، فقال: هذا أبو عثمان حاشته الحرب إليكم.
عمر رضي الله عنه: لو كنت أستطيع أن أقطع أبا موسى أعضاء فأفرقه في الأمصار لفعلت، لاجزائه عني.
قيل لبعض العمال في ضيافته: ما أنقى خبزك؟ قال: لا تغتروا ببياضه فإن في وسطه دماً. ثم قال: كم من سيف ضربت به في باب السلطان حتى ابيض خبزي.

باب
العز، والشرف، وعلو الخطر، والتقدم، والرياسة
والجاه، والهيبة، والاحتشام، والشهرة تميم الداري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز يعز الله به الإسلام، وذل ذليل يذل الله به الكفر.
علي رضي الله عنه رفعه: من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أعناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس.

قيل للحسن بن علي رضي الله عنه: فيك عظمة، قال: لا بل في عزة، قال الله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
ابن أبي لبابه: من طلب عزاً بباطل أورثه الله تعالى ذلاً بحق.
النابغة الجعدي:
فإن كنت ترجو أن تحول عزنا ... بكفيك فانقل ذا المناكب يذبلا
وإني لأرجو أن أردت انتقاله ... بكفيك أن يأبى عليك وتنقلا
نصر بن سيار:
إن ينصرونا لا نعز بنصرهم ... أو يخذلونا فالسماء سماء
قال رجل للحسن: إني أريد السند فأوصني، قال: أعز أمر الله حيث ما كنت يعزك الله. قال: فلقد كنت بالسند وما بها أحد أعز مني.
سئل محمد بن الحنفية عن أعظم الناس خطراً، فقال: الذي لا يرى الدنيا كلها عوضاً من بدنه. ثم قال: إن أبدانكم هذه ليست لها أثمان إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها.
قدم البصرة بدوي فقال لخالد بن صفوان: أخبرني عن سيد هذا المصر، قال: هو الحسن بن أبي الحسن، قال: عربي أم مولي؟ قال: مولى، قال: وبم سادهم؟ قال: احتاجوا إليه في دينهم، واستغنى عن دنياهم، فقال البدوي: كفى بهذا سؤدداً! علي رضي الله عنه: ما أرى شيئاً أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم.
فلان من حضان الشرف.
ابن الكلبي: كان عصام القائل:
نفس عصاماً سودت عصاما ... وعلمته الكسر والإقداما
وصيرته ملكاً هماما
مملوكاً اتصل بالرذال من أتباع النعمان، فلم يزل بارتفاع همته يندرج حتى اتصل بالنعمان واستولى على أمره، فقيل للنعمان في ذلك. فقال: ما أنا قدمته، وإنما قدمته الأخلاق السرية المجتمعة فيه.
الأهتم السعدي:
ولو أني أشاء كبت نفسي ... وعاداني شواء أو قدير
ولاعبني على الأنماط لعس ... عليهن المجاسد والحرير
ولكني إلى تركات قوم ... هم الرؤساء والنبل البحور
فضيل: ما عشق الروسة أخذ إلا حسد وبغي وطغى.
فضيل: ممن عشق الرياسة لم يفلح.
وعنه: لا يطلب الرياسة أحد إلا طلب عيوب الناس ومساوئهم، وكره أن يذكر عنده أحد بخير.
وعنه: ما كثر تبع أحد إلا كثرت شياطينه.
إبراهيم بن أدهم: كن ذنباً ولا تكن رأساً، فإن الذنب ينجو، والرأس يهلك.
كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث حجج لا يسأله عن مسألة هيبة له.
في مالك بن أنس:
يأتي الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه.
البني صلى الله عليه: قدموا قريشاً ولا تتقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها.
إن قريشاً وهي من خير الأمم ... لا يضعون قدماً على قدم
عبد الله بن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده، فيوقف بين يديه، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.
قال رجل لقتيبة بن مسلم: أتيناك لا نرزؤك ولا ننكؤك ولكن نسألك جاهك. فقال: سألتم أثقل الأمور علي، والله إنا لنعطي أموالنا وقاية لوجوهنا.
محمد بن عبد السلام البغدادي:
واسوءتا لامرىء شيبته ... في عنفوان وماؤه خضل
راض بقوت المعاش متضع ... على تراث الآياء يتكل
لا حفظ الله ذاك من رجل ... ولا رعاه ما أطت الإبل
كلا وربي حتى يكون فتى ... قد نهكته الأسفار والرحل
مصمم يطلب الرياسة أو ... يضرب فتكاً بفعله المثل
حتى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوماً لامك الهبل
أبو هريرة: عن صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا.
كان شبيب بن شيبة إذا ذكر عمرو بن عبيد تمثل:
إذا ما تراءاه الرجال تحفظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب
أراد عاصم الخروج إلى البصرة، فقال للشعبي: ألك حاجة؟ قال: إذا أتيتها فبلغ الحسن سلامي، قال: ما أعرفه، قال: انظر إلى أجمل رجل في عينك، وأهيبهم في صدرك، فأقرته عني السلام.
هو أنور من ليلة البدر، وأشهر من يوم بدر.

الحسن: لقد صحبت أقواماً، إن الرجل لتعرض له الكلمة من الشهرة، لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه، فما يمنعهم منها إلا مخافة الشهرة.
فضيل: كان إذا جلس إليه أربعة أو أكثر قام مخافة الشهرة.
ابن سيرين: لم يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، وأقمت على المصطبة، وقيل هذا ابن سيرين.
كان أيوب السختياني يخفي زهده، وما رئي أحد أشد تبسماً في وجوه الرجال منه، ودخلوا عليه فإذا على فراشه مجلس أحمر، فرفعوه فإذا خصفه محشوة بليف، وكان يقوم الليل، فإذا كان من آخر اليل يرفع صوته، يوهم أنه قام تلك الساعة. وكان يقول أهلكت المعرفة، والله إني أخاف أن أكون بها شقياً.
معمر رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض، فقلت: ما هذا؟ قال: إنما كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها، واليوم الشهرة في تقصيرها. وكان يقول للخياط: اقطع وأطل، فإن الشهرة اليوم في القصر.
النمري:
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على خز
ذكرت البيوتات عند هشام بن عبد الملك فقال: البيت ما كان له سالفة، ولاحقه، وعماد حال، ومساك دهر. فإذا كان كذلك فهو بيت قائم.
أراد بالسالفة ما سلف من شرف الآباء، وباللاحقة ما لحق من شرف الأبناء، وبعماد الحال الثروة، وبمساك الدهر الجاه عند السلطان.
اصطنع أنوشروان رجلاً، فقيل له: إنه لا قديم له. فقال: اصطناعنا إياه بيته وشرفه.
لي همة لو غرقت الدنيا فيها ما طلبت إلا بالغاصة، ولو كانت الليل ما تنفس فيها الصبح.
شاعر
ولي همة أسمو بها وعزيمة ... تبلغني أعلى من السرطان
إذا النفس لم تبعثك في طلب العلى ... فتلك من الأموات لا الحيوان
الأمير الصليحي:
ولي همة تعلو على كل همة ... ولي أمل يعلو على كل آمل
ولي صرخة تعلو على كل صرخة ... صليحية ليست بهبش القبائل
قيل للعتابي: فلان بعيد الهمة، قال: إذن لا تكون له غاية دون الجنة.
يقال: فلان بعيد المنزعة، أي الهمة.
أتى دكين الشاعر عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف يستنجز وعداً كان وعده إياه، قال: فقال لي يا دكين إن الله وضع بين جنبي نفساً نزاعة إلى معالي الأمور، نزعت إلى إمارة المدينة فرزقتها. ونزعت إلى إمارة الحجاز فنالتها، فنزعت إلى الخلافة فما حظيت بها قالت هي الفوز بالدنيا كلها، فتاقت إلى الآخرة وترقت بهمتها إلى الجنة، وما رزأت من أموال المسلمين شيئاً، وما عندي إلا الفا درهم، فأعطاني ألفاً وقال: خذها بارك الله لك فيها، فابتعت بها إبلاً وسقتها إلى البادية، فرمى الله في أدنابها بالبركة، ورزقني ما ترون.
يقال: همته ترمي به وراء سنه مرمى بعيداً.
بعضهم: إني لأعشق الشرف كما يعشق الجمال.
قال معاوية لعرابة بن أوس: أنت الذي يقول لك الشماخ:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
فيم سدت قومك؟ قال: والله ما أنا بأكرمهم حسباً، ولا بأفضلهم نسباً، ولكني أعرض عن جاهلهم، وأسمح لسائلهم. فمن عمل عملي فهو مثلي، ومن زاد فهو أفضل مني، ومن قصر فأنا أفضل منه، قال معاوية: هذا والله الكرم والسؤدد.
مخرمة بن عبد الملك: ما رأيت من العلماء أهيب من الشافعي من بعيد، ولا أبر وأكرم منه من قريب.
هو في عيش غريض وجاه عريض.
الشعبي: كان درة عمر أهيب من سيف الحجاج. ولما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيراً إلى عمر لم يزل الموكل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه بالمسجد نائماً متوسداً درته. فلما رآه الهرمزان قال: هذا والله الملك الهني عدلت فأمنت فنمت: والله إني خدمت أربعة من ملوكنا الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحداً منهم هيبتي لصاحب هذه الدرة.
الأخطل في عبد الملك بن مروان:
وترى عليه إذا العيون رمقته ... سيما التقي وهيبة الجبار
تذاكروا أشراف الجاهلية في مجلس فيه عبد الله بن الزبير فقال: إن كنتم لابد فاعلين فاذكروا عبد الله بن جدعان، فما اقتسم الشرف إلا بعده.

أصاب الناس بالبصرة مجاعة، فكان ابن عامر يغذي عشرة آلاف ويعشي مثلهم، حتى تجلت الأزمة. فكتب إليه عثمان يجزيه خيراً، وأمر له بأربعمائة ألف معونة له على نوائبه، وكتب إليه: لقد رفعك السؤدد إلى مكان لا يناله إلا الشمس والقمر، فتوخ أن يكون ما أعطيت لله، فإنه لا شرف إلا ما كان فيه وله.
قال رجل لفضيل: عظني، قال: كن ذنباً ولا تكن رأساً حسبك.

باب
العلم، والحكمة، والأدب، والكتاب، والقلم
عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، والبحث عنه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمحدث في الخلوة، والجليس في الوحدة، والصاحب في الغربة والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والزين عند الأخلاء، والسلاح على الأعداء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة، وفي الهدى أئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تستغفر، لهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والأرض وخزائنها، لأن العلم حياة القلب من الجهل، ونور الأبصار ومصابيحها في الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى، ومجالسة الملوك في الدنيا، ومرافقة الأبرار في الآخرة. والفكر في العلم يعدل الصيام، ومذاكرته تعدل القيام، وبالعلم توصل الأرحام، وتفصل الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام. وبالعلم يعرف الله ويوحد، وبالعلم يطاع ويعبد. والعلم إمام العقل هو قائده، يرزقه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء.
عنه عليه السلام: يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر، ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة. ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشره بالجنة. ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة.
علي رضي الله عنه: أقل الناس قيمة أقلهم علماً. وعنه: قيمة كل امرىء ما يحسنه.
موسى عليه السلام، قال: يا إلهي من أحب الناس إليك؟ قال: عالم يطلب عالماً.
كان يقال: تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظاً، فلئن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم.
أنس بن أبي إياس:
يقولون أقوالاً ولا يعرفونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان. والنحو لللسان.
أعرابي:لا تقل فيما لا تعلم فتتهم فيما تعلم.
الخليل: من الأبواب ما لو شئنا أن نشرحه حتى يستوي في علمه القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية.
فيلسوف: أضرع لمن فوقك في العلم، ولمن دونك في الجهل.
أبو الحسن الجرجاني الخطيب: المتكلمون لسان الشرع، وسيف الدين، وبحر العلم، بهم ضرب الدين بجرانه. وبحججهم قهرت الطاغية، وبكلامهم حرس الملك، ولولا كتبهم واستنباطهم لكان هذا الأمر مزعزع الدعائم، محلول الشكائم. وقد علم أن الدهري ومن عداه من ذوي البدع المزخرفة، والمذاهب المختلفة، لا يزال ضاحكاً مهتزاً ما دام مكلمه ومناظره حشوياً، فإذا طلع متكلم عبس واكفهر، وضاق به ذرعاً وانجحر.
أبان بن تغلب: الإسناد في العلم كالعلم في المرط.
ثعلب: وددت أن الليل نهار حتى لا ينقطع عني أصحابي.
قال رجل لهشام بن الحكم: أنت أعلم الناس بالكلام، قال: كيف؟ ولم تكلمني، قال: رأيت كل حاذق يزعم أنه ناظرك وغلبك، فلولا أنك عندهم الغاية لما فخروا بذلك.
عمر بن عبد العزيز: ما شيء، كنت أحب علمه إلا علمته، إلا أشياء كنت أسمعها وأسأل عنها فبقي جهلها.
النبي صلى الله عليه وسلم: خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله.
قيل لابن شبرمة، وكان كوفياً: أنتم أروى للحديث أم أهل البصرة؟ فقال: نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره.
سئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها، فقيل: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم تستح منه الملائكة حين قالت لا علم لنا.

عنه عليه السلام: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً، وروي: كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وعنه: بين العالم والعابد مائة درجة، بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة.
علي رضي الله عنه: الحكمة ضالة المؤمن، فالتقفها ولو من أفواه المشركين.
منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمناً إلا فهم القلوب.
استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فأفتاه عنها. فقال: أعن قدوة؟ قال: نعم، عن رسول الله، فقال: استسمنت القدوة، فاء الله لك بالرشد.
علي رضي الله عنه: خذ الحكمة أين كانت، فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن.
الخليل: يرتع الجهل بين الحياء والكبر في العلم.
سمع شعبة صرير الميل في الألواح فغضب وقال: أما تحفظون حديثاً واحداً! والله لا حدثت اليوم إلا ضريراً. فقال له رجل: يا أبا بسطام، قد سمعنا اليمين، فهل تتسامح معنا بأعور؟ فضحك وحدث، وكفر عن يمينه.
قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذ؟ قال: قال رسول الله: للفرس سهمان وللرجل سهم، قال أبو حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وأشعر رسول الله وأصحابه البدن، وقال أبو حنيفة: الأشعار مثلة. وقال: البيان بالخيار ما لم يتفرقا، وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار. وكان عليه السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفراً، وأقرع بين أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
نظر الخليل في فقه لأبي حنيفة، فقيل له: كيف تراه؟ قال: أرى جداً في طريق جد، ونحن في هزل وطريق هزل.
أتى أبي حنيفة رحمه الله إلى حماد يطلب الفقه، فقال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئاً حتى ينفتق لك العلم، ففعل ففقه حتى أشير إليه بالأصابع.
كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: ما أتانا عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم، وما أتانا عن التابعين فنحن رجال وهم رجال.
سأل الأعمش أبا حنيفة عن مسائل، فقال: من أين لك هذا؟ قال: مما حدثتنا به، فقال: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
وكان أبو يوسف إذا سئل عن مسألة أجاب فيها وقال: هذا قول أبي حنيفة، ومن جعله بينه وبين ربه فقد استبرأ لدينه.
عبد الله بن داود: لا يتكلم في أبي حنيفة إلا أحد رجلين: إما حاسد لعلمه، وإما جاهل لا يعرف قدر جهله.
ونيل من أبي حنيفة فقال ابن داود: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس: قال رسول الله يأتيكم أهل اليمن، هم أرق قلوباً، وألين أفئدة، يريد أقوام أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم.
وكان النووي إذا سئل عن مسألة دقيقة قال: لا يحسن أن يتكلم فيها إلا رجل قد حسدناه، ونعي إلى شعبة فقال بعدما استرجع: لقد طفيء عن أهل الكوفة أضواء نور أهل العلم، أما إنهم لا يرون مثله أبداً.
وفي ديوان المنثور: وتد الله تعالى الأرض بالأعلام المنيفة، كما وتد الحنيفية بعلوم أبي حنيفة. الأئمة الجلة االحنفية أزمة الملة الحنيفية.
الجود والحلم حاتمي وأحنفي، والدين والعلم حنيفي وحنفي. الشرائع بمسائلها، والشرايع بمسايلها.
علي رضي الله عنه: من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم.
حكيم: تصفح طلاب حكمك كما تتصفح طلاب حرمك.
لا تلبسوا اللئام ملابس الحكم، فإن أجسادهم أخشن من أن تتزين ببرودها، ورقابهم أذل من أن تتحلى بعقودها.
بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري:
فلئن سألت ليخبرنك عالم ... والعلم ينفع أهله ما كانا
آخر:
إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغشم والظلم
محمد بن خازم:
وذو اللب وقاف لدى كل مشكل ... ولا خير في التقليد حتى تفهما
العلم علمان: علم يرفع، وعلم ينفع، فالرافع هو الفقه في الدين. والنافع هو الطب.

رئي واصل بن عطاء رحمة الله عليه يكتب من فتى حديثاً، فقيل له: أتكتب من هذا؟ فقال: أما إني أحفظ له منه، ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة، ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
نظر مزبد إلى امرأته تصعد في الدرجة فقال: أنت طالق إن صعدت، وطالق إن وقفت، وطالق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث كانت. فقال لها: فداك أبي وأمي! إن مات مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم.
كان المزني إذا فاتته صلاة صلى خمساً وعشرين صلاة تطوعاً، فقال له محمد بن إسحق بن خزيمة جلوسك مع أصحابك أفضل منها، لأن صلاتك لا تعدوك، وتعليمك يعدوك إليهم، فتعم بركاته، وتثمر عاقبته، قال: صدقت، ولكني أجمع بين الأمرين، ألقى عليهم المسألة فيعملون فكرهم فيها، وأنا آخذ في تطوعي. قال: ولكنك لو ألقيت عليهم المسألة، وأقبلت بوجهك إليهم لكنت معيناً لهم على استخراجها. قال: هو كما قلت.
بقي أبو يوسف على باب الرشيد حولاً لا يصل إليه، حتى وقعت واقعة، وهي أن الرشيد كان يهوى جارية لزبيدة، وحلفت أن لا تبيعها إياه ولا تهبها. فأعضلت على الفقهاء الفتيا. فسأل الربيع أن يعلمه بمكانه، ففعل، فقال: يا أمير المؤمنين، أفتيك وحدك أم بحضرة الفقهاء، ليكون الشك أبعد، واليقين أقعد؟ فاحضروا، فقال: المخرج منها أن تهب لك نصفها وتبيعك نصفها، فصدقوه. ثم قال: أريد أن أطأها اليوم. فقال: اعتقها ثم تزوجها فسري عنه، وعظم أمره عنده.
قال رجل لأفلاطون: كيف قويت على جمع هذا العلم كله؟ قال: أفنيت من الزيت في السراج أكثر من الشراب الذي شربته في عمري كله.
أحمد بن حرب: أبو حنيفة في العلماء كالخليفة في الأمراء.
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أفضلكم أفضلكم معرفة.
جالينوس: من أهل أثينة: أن من لم يعلم ولده لم يجب له على ولده حق الأبوة.
قال أبو عمرو بن العلاء: لم أزل أتلطف حتى التقى الخليل وابن المقفع، فرأيت أعجب اثنين، يخبر كل واحد منهما بما في ضمير صاحبه وكأنه قد اطلع على ما في نفسه. فتناظرا ملياً في فنون ثم افترقا. فسألت الخليل عن ابن المقفع فقال: ما رأيت مثله! إلا أن لسانه أكبر من معرفته. وسألت ابن المقفع عنه فقال: لم أر مثله إلا أن معرفته أكبر من لسانه.
تكثر من العلم لتفهم، وتقلل منه لتحفظ.
استودع العلم قرطاساً فضيعه ... فبئس مستودع العلم القراطيس
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: كفاك من علم الدين مالا يسع جهله وكفاك من علم من علم العربية أن تروي الشاهد والمثل.
لما أراد الإسكندر المضي إلى أقاصي البلاد قال لأرسطاليس: أوصني. قال: عليك بالعلم فاستنبط منه ما يحلو بألسنة الناطقين، ويحلو بآذان السامعين تنقد لك الرعية من غير حرب.
كان المهدي يشتهي الحمام، فدخل عليه غياث بن إبراهيم المحدث وهو مع الحمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فحدث بقوله عليه السلام: لا سبق إلا في خف أو حافر، وزاء فيه: أو جناح. فأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما ولى قال: أشهد أنه قفا كذاب على رسول الله ولكنه أراد أن يتقرب إلي لولعي بالحمام، فذبحها كلها. وما أفلح غياث بعد ذلك.
حكيم: قويت الأجساد والمطاعم والمشارب، وقوت العقل الحكمة والعلم.
النبي صلى الله عليه: تعلموا العلم، وتعلموا له السكينة والحلم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم.
وعنه: ليس الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم.
علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوانح والأركان.
قيل لكسرى: أيحسن بالشيخ التعلم؟ قال: من كان الجهل يقبح به فإن العلم ليحسن به.
العلم والعمل قرينان كاقتران الروح والجسد، لا ينتفع بأحدهما إلا مع الآخر.
شاعر
قد أدبر الأمر حتى ظل محتبياً ... أبو جبيرة يغنى وابن شداد
كان يزيد بن زريع إذا سمع أصحاب الحديث يخوضون في أبي حنيفة رحمه الله وكيف عظم شأنه قال: هيها، طارت بفتياه البغال الشهب.
النبي صلى الله عليه: هلاك أمتي في شيئين، ترك العلم، وجمع المال.
حكيم: علم المرء بأنه لايعلم أفضل علمه.
الخليل: كنت إذا لقيت عالماً أخذت منه وأعطيته.
قطع ظهري من الناس اثنان: عالم فاسق يصد عن علمه بفسقه، وجاهل ناسك يدعو إلى جهله بنسكه.

سأل رجل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال: العلم بالله، والفقه في دينه، وكررهما عليه. فقال: يا رسول الله، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم؟ فقال: إن العلم لينفعك معه قليل العمل، وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل.
المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح.
عيسى عليه السلام: من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الأعلى عظيماً. قال القاضي الإمام أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن عبد السلام القزويني رحمه الله: فإذا كان عظيماً في ملكوت السماء مع كون الملأ الأعلى أغنياء عنه في دينهم فماأولاه في هذا الطمش الأسفل بأن يعظم مع أنهم محاويج إليه، وعيال عليه. وكان رحمه الله وغفر له إذا سلم في صلاته قال: اللهم اغفر لأبي حنيفة، اللهم اغفر لأبي حنيفة. وما قال هذا القول، ودعا هذا الدعاء إلا لأنه عريف من عرفاء الدين الرصين، وعريق من عرقاء العلم الأصيل، ولولا ذلك لمر على هذا الحديث مرور غيره ممن لا يأبه لنحو هذه اللطائف، التي لا يعقلها إلا أوحدي في طبقة الشيوخ، موصوف بينهم بالرسوخ.
وكانت العرب تقول للعالم العامل المعلم: الشارع الرباني.
أبو حنيفة رحمه الله: إني لأدعو الله لحماد فأبدأ به قبل أبوي.
قال ابن كناسة، وقيل ابن داود البلاذري:
ما من روى أدباً فلم يعمل به ... فكيف عادية الهوى بأديب
ولقلما تجدي إصابة صائب ... أفعاله أفعال غير مصيب
النبي صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاً يلتمس علماً سلك به طريق الجنة.
الشعبي: ليتني أفلت من علمي كفافاً لا علي ولا لي.
الخليل: العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها.
وعنه: زلة العالم مضروب بها الطبل، وزلة الجاهل يخفيها الجهل.
عمرو بن عبيد: لو كان العلم صورة ينظر إليها ما نظر الناس إلى شيء أحسن منها.
الخدري عنه عليه السلام: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: يا نبي الله، وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر.
قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: إذا استطعت أن لا يكون أحد أسعد بما سمع منك فافعل.
كان مالك بن أنس إذا أراد أن يتحدث توضأ، وسرح لحيته، وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة، تعظيماً لحديث رسول الله. ودخل إليه ليلة بعد ما أوى إلى فراشه قريبه إسماعيل بن أبي أويس ليحدثه، فقام وتوضأ وفعل نحو ذلك وحدثه، ثم نزع ثيابه وعاد إلى فراشه.
وأراد الرشيد أن يسمع منه الموطأ مع ابنيه، فاستخلى المجلس، فقال: إن العلم إذا منع منه العامة لم ينتفع به الخاصة، فأذن للناس فدخلوا.
وهب: كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه، ويبذلون لهم دنياهم، وأهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا، فزهدوا فيه، وضنوا عليهم بدنياهم.
وهب: ابذل علمك لمن يطلبه، وادع إليه من لا يطلبه، وإلا فمثلك مثل من أهديت إليه فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت.
كتب وهب إلى مكحول: أما بعد فقد بلغني أنك أصبت بما ظهر من علم الإسلام محبة من الله وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنعك من الأخرى. والسلام.
كان ملك يقتل الناس على أكل لحم الخنازير، فأتي بعالمهم معهم، وقد دس له الشرطي لحم جدي فلم يأكل، وقال: خفت أن يفتتن بي الناس ويحتربوا بسببي، وقتل.
وهب: أن للعلم طغياناً كطغيان المال.
طاووس: ما حمل العلم في مثل قراب الحلم.
مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
وعنه: إذا طلبت العلم لتعمل به كثرك العلم، وإذ طلبته لغير العمل لم يزدك إلا فقراً.
وقال: مثل قراء هذا الزمان كرجل نصب فخاً، فوقع عصفور قريباً منه، فقال للفخ: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع، قال: فلم اختفيت؟ قال لطول العبادة، قال: فما هذا الحب المصبوب؟ قال: أعددته للصائمين. قال: نعم الجار أنت. فلما غابت الشمس أخذ العصفور الحبة فخنقه الفخ فقال: إن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير في العبادة.
وقال: يا حملة القرآن ما زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
عن محمد بن واسع: أخبرت أن قوماً دخلوا النار، فقال لهم أهلها: ما لكم؟ آذيتمونا بريحكم! قالوا: نحن قوم جعل الله في أجوافنا علمنا فلم ننتفع به.

سميط بن عجلان: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن، ويطلب العلم، حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره، وحملها فوق رأسه، فنظر إليه أحد ثلاثة: امرأة ضعيفة، وأعرابي جاف، وأعجمي جاهل، فقالوا: هذا أعلم بالله منا. لو لم ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا، فرغبوا في الدنيا وجمعوها، فمثله كمثل الذي قال الله: ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون.
بديل بن ميسرة: من أراد بعلمه وجه الله أقبل الله بوجهه ووجوه العباد إليه، ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله عنه وجهه ووجوه العباد.
معاوية بن قرة: إذا دخلت المسجد فرأيت الرجل يجلس وحده فاجلس إليه، وإذا رأيته يحب أن يجلس إليه، ويقال حلقة فلان، فلا تجلس، ولا تنعم له عيناً.
واصل بن عطاء: من أتى عليه يوم لم يزدد فيه علماً فهو في نقصان. وكان عيسى بن حاضر يقول: رحم الله أبا حذيفة، فما رأيته إلا معلماً أو متعلماً.
وقالت أخت عمرو بن عبيد وكانت تحته: كان واصل إذا جنه الليل صف قدميه يصلي، ولوح ودواة موضوعان بين يديه، فإذا مرت به آية من كتاب الله فيها حجة على أهل الإلحاد والبدعة كتبها، ثم عاد في صلاته، كان ذلك دأبه حتى لحق بربه.
قال شبيب بن شيبة: ما رأيت في غلمان محمد بن الحنفية أكمل من عمرو بن عبيد فقيل له: متى اختلف عمرو بن عبيد إلى ابن الحنفية؟ فقال: إن عمراً غلام واصل، وواصل غلام محمد.
الحسن: لقيت أقواماً من أصحاب رسول الله يقولون: من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فاطلبوا العلم طلباً لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا يضر بالعلم.
عيسى عليه السلام: كيف يكون من أهل العلم من يسار به إلى آخرته وهو يقبل على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ أيوب السختياني: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً باختلاف العلماء.
مالك بن دينار: رحم الله مطراً كان عبدا العلم. يريد مطر بن صهمان الوراق قال محمد بن مسلم بن أبي الوضاح: خرج إلي المهدي يوماً وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي خطب فضل الرقاشي. وخرج يوماً وفي يده كتاب فقال: حفظه ابني، فإذا هي مسائل عمرو بن عبيد. وقال: هذا الكتابان بخط المنصور.
منصور بن عمار: إنه وجد رقعة فيها بسم الله الرحمن الرحيم فأكلها، فرأى كأنه قيل له: قد فتح الله عليك باب الحكمة لاختزانك الرقعة.
أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن ورد العتكي: لأن أزني ثلاثين مرة أحب إلي من أقول قال فلان، ولم أسمع منه. وقال: لأن أخر من السماء أحب إلي من أقول لشيء لم أسمعه قال فلان. وكان يقول: أن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم، فهل أنتم منتهون؟ كعب: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: تعلم الخير وعلمه، فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
مر الحسن بأبي عمرو بن العلاء، وحلقته متوافرة، والناس عكوف، فقال من هذا؟ قالوا: أبو عمرو بن العلاء، فقال: لا إله إلا الله، كاد العلماء أن يكونوا أرباباً.
هشام بن عبد الملك: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك كان أجهل ما يكون.
سلام بن مسكين: سمعت أيوب يقول: لا خبيث أخبث من قارىء فاجر.
الخدري عنه عليه السلام: شر الناس رجل فاجر يقرأ كتاب الله لا يرعوي على شيء منه.
سئل الثوري: العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئاً أفضل من العلم إذا صحت فيه النية. فقيل: يا أبا عبد الله، ما النية في العلم؟ قال: يريد الله ربه والدار الآخرة. وكان إذا لقي الشيخ سأله: هل سمعت من العلم شيئاً؟ فإذا قال: لا، قال: لا جزاك الله تعالى عن الإسلام خيراً.
أفلاطون: ليس كل إنسان بإنسان، إلا من كان في علمه وأدبه إنساناً.
فضيل: كان العلماء ربيع الناس، إذا رآهم الفقير لم يسره أنه غني، وإذا رآهم المريض لم يسره أنه صحيح.
الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه: إن أخوف ما أخاف على أمتي زلات العلماء، وميل الحكماء، وسوء التأويل.
وعنه: ثاني العلماء بركبتيك، ولا تمارهم فيمقتوك.

أنس: عنه عليه السلام: ألا أخبركم بأجود الأجواد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم، وأجودكم من بعدي رجل علم علماً فنشره، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل.
الثوري: كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون.
فضيل: هما عالمان، عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا.
وعنه: لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وشحوا على دينهم، وأعزوا هذا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله تعالى، إذاً لخضعت لهم رقاب الجبابرة. وانقاد لهم الناس تبعاً. ولكنهم ابتذلوا أنفسهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا، فهانوا وذلوا، ووجدوا لغامز فيهم مغمزاً. فإنا لله وإنا إليه راجعون، أعظم بها مصيبة! وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، وقد أحسن كل الإحسان، كأنما نسجت في طراز حسان:
ولم أقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما
فإن قلت جد العلم كاب فإنما ... كبا حين لم يحرس حماه وأسلما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فذل ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره.
عيسى عليه السلام: لا تطرحوا الدار تحت أرجل الخنازير.
فضيل: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء.
وعنه: لو علمت أن رجلاً يريد الحديث لله تعالى لأتيته في منزله وحدثته.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفاً. وينجو العالم منها بعلمه.
كتب غيلان بن مسلم الدمشقي إلى أخ له: أما بعد فافرغ إلى العلم، ولا تفرغ منه، فإن العلم مسكن العاقل الذي عنه يصدر وإليه يرد.
بشر بن الحارث المروزي: أدوا زكاة هذا الحديث: قالوا: يا أبا نصر؟ كيف؟ قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
لقمان لابنه: جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء.
وعنه: يا بني صر علمك كما تصر نفقتك، فلا تحدث به حتى تجد له موضعاً.
كان أبو حنيفة رحمه الله ينشد كثيراً:
من طاب العلم للمعاد ... فهو له أفضل العتاد
ويا لخسران طالبيه ... لنيل فضل من العباد
فضيل: أشدهم خشية لله أعلمهم به.
تشاجر قوم في مسجد البصرة، والمسجد مشحون برجالات العرب، فرضوا بالحسن البصري، وتحاكموا إليه. فقال الأحنف: كاد العلماء يكونوا أرباباً، وكل لم يوطد بعلم فإلى ذل يصير.
النبي صلى الله عليه: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم.
من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
الزهري: تعلم سنة خير من عبادة سنتين.
قال أعرابي لعلي رضي الله عنه: رجحان النفوس في ضمائرها. فقال: صدقت يا أعرابي، قيمة كل امرىء ما يحسنه.
وعنه عن رسول الله: أقل الناس قيمة أقلهم علماً.
كان ابن مسعود إذا رأى طالبي العلم قال: مرحباً بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلم، خلقان الثياب، جدد القلوب، ريحان كل قبيلة.
أبو بكر بن عياش: كنا عند الأعمش ونحن صبيان نكتب الحديث، فمر صديق له فقال: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يحفظون عليك دينك.
علي رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفاً أنه يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه؛ وكفى بالجهل ضعه أن يتبرأ منه من هو فيه، يعضب إذا نسب إليه.
النبي صلى الله عليه: ما أتى الله أحداً علماً إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحداً.
أبو عبيدة: من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي.
جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية، ويظهر حقيقة ما يعلمه بما يعمله.
ثمرة الأدب العقل الراجح، وثمرة العلم العمل الصالح.
لحديثه سلاسل يقاد بها. أي أسانيد.
الحسن: قال له رجل: إني أجتهد أن أقوم الليل فلا أقدر، وأن أتصدق فلا أقدر؛ فقال: بئس ما أثنيت على نفسك! عليك بمجالسة العلماء، فإن صدأ القلوب لا يصقله إلا العلم.

عمر رضي الله عنه: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وأنا شاهد فقال: يا رسول الله، إذا حضرت الجنازة وحضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهده؟ قال: إذا كان مع الجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس العالم لأفضل من حضور ألف جنازة.
الحسن: إنما أنزل الله هذا القرآن ليتفكروا فيه، ويعملوا به فاتخذ قوم تلاوته عملاً، يقول الرجل: قد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفاً. والله لقد أسقطه كله.
النبي صلى الله عليه وسلم: العالم والمتعلم في الأجر سواء، يأتيان يوم القيامة كفرسي رهان.
عمر: عنه عليه السلام: على باب الجنة شجرة تحمل ثماراً كثدي النساء، تخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب، والناس عطاش.
ابن مسعود: من تعلم باباً من العلم ليتعلمه الناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبياً.
ابن عمر: من تعلم باباً من العلم، عمل به أو لم يعمل. كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة.
إنما كان الأنبياء أفضل من العلماء لأنهم أكثر علماً، لأن النفع بعلومهم أعظم، ومن ثم كان نبينا أفضلهم، لأن المنفعة بدعوته كانت أعظم منها بدعوتهم.
أنس: عنه عليه السلام: ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون العلم تجارة يبيعونها بيعاً، لا أربح الله تجارتهم.
قال عمار بن زياد للثوري: لئن سلمت من مجلسك ما أعلم أحداً في المصرين مثلك.
كان ثابت البناني يقول إذا أفتى: قد جعلت رقبتي جسراً للناس، ثم ترك الفتوى.
أبو عبد الرحمن العطوى المتكلم:
فوحق البيان يعضده البر ... هان في مأقط ألد الخصام
ما رأينا سوى الحبيب شيئاً ... جمع الحسن كله في نظام
لو قال: سوى الشريعة لكان أحسن.
علي رضي الله عنه لسائل سأله عن معضلة: سل تفقهاً ولا تسل تعنتاً، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت.
فساد الخلق من عالم.
أنس: عنه عليه السلام: أخلصوا الله أعمالكم، وأعزوا الإسلام. قالوا: يا رسول الله، وكيف نعز الإسلام؟ قال: بالحضور عند العلماء لتعلم العلم بالرد على أهل الأهواء، فإن من رد عليهم وأراد به وجه الله فله عبادة أهل مكة منذ خلقت. قيل: يا رسول الله، فالمرائي يؤجر بعمله؟ قال: إن الله قضى على نفسه أن من أعز الإسلام،أراد به وجه الله أو لم يرد. فقد حرم النار على وجهه.
علي رضي الله عنه: أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر على الجوارح والأركان.
للعلم دالة يتسحب بها الصغير على الكبير، والمملوك على المالك، ألا ترى أن الهدهد، وهو من محقرات الطير، قال لسليمان، وهو الذي أوتي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده: أحطت بما لم تحط به.
أبو عمرو بن العلاء: قيل لنا إن في دار فلان ناساً قد اشتملوا على سوء، وهم جلوس على خميرة، وعندهم طنبور. فدخلنا فإذا فتى جالس وسط الدار، وأصحابه شيوخ وهم بيض اللحى، وهو يقرأ عليهم دفتر شعر، فقيل لنا: السوءة في ذلك البيت، فقلت: لا والله لا كشفت فتى أصحابه شيوخ وفي يده دفتر علم، ولو كان في ثوبه دم يحيى بن زكريا عليه السلام.
فقه العبادلة مثل. وهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وابن عمرو بن العاص.
اشتهى أن أرى عالماً زاهداً، وزاهداً عالماً.
العلم أنفس ذخر أنت ذاخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره
الدنيا بصفائح الزبر، والدين بصحائف الزبر.
علي رضي الله عنه قال لفتيان من قريش: يا بني ويا بني أخي إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع أن يحفظه فليكتبه.
قيل لملك زال عنه ملكه: ما الذي سلبك ما كنت فيه؟ قال: العلم في غير أهله. ومنعه من أهله.
عيسى عليه السلام: لا تثبوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
العلم أصون لنفسه من أن يتصدى إلا لعاشق له.
حلية الخرائد الحلق في ذفاريها، وحلية الدفاتر الحلق في حواشيها. والمغاربة يقولون: الدرر في الطرر.
وقيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته: ما تشتهي؟ قال: النظر في حواشي الكتب.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9