كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري

كتب عبد الله بن الحسن العلوي والي الحرمين إلى المأمون يستعطفه على أهل الحرم فيما أصابهم من اجتياح السيول والحطمة، فوجه إليهم بأموال كثيرة، وكتب: وصلت شكيتك لأهل حرم الله إلى أمير المؤمنين فبكاهم بعين رحمته، وأنجدهم بسيب نعمته، وهو متبع ما أسلفه إليهم بما يسلفه عليهم عاجلاً أو آجلاً، والسلام.
قال أبو السمط مروان بن أبي الجنوب الشاعر: أمر لي المتوكل بمائة وعشرين ألفاً، وخمسين ثوباً، وثلاثة من الظهر، فقلت أبياتاً في شكره. فلما بلغت قولي:
فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد ... فقد خفت أن أطغى وأن أتجبرا
قال: والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي، فأمر لي بضياع تقوم بمائة ألف درهم.
أحمد بن سليمان بن وهب:
ضحوك لسؤاله ... قطوب إذا لم يسل
كأن نعم نحلة ... تمج بفيه العسل
الجاحظ: مررت بحجام يحجم حجاماً أيام قتل المخلوع وهو يقول: سقط والله المأمون من عيني منذ قتل أخاه. فقلت: هلك والله المأمون إذ سقط من عين مثلك. فرفع الخبر إلى المأمون فوجه إليه بدرة وقال: إن رأيت أن ترضى عني فعلت. فقال: قد فعلت.
قالوا: ما بلغ أحد من ولد خالد بن برمك مبلغه في رأيه وجوده وبأسه ونزاهته. وكان يحيى بن خالد يقول: ما أنا إلا شرارة من نار أبي العباس.
قيل لداود الطائي: أي الناس أسخى؟ فذكر خالد بن برمك فقيل: قد وصل الفضل بن يحيى منذ نزل النهروان إلى أن دخل خرامان بثمانين ألف ألف. قال: ما بلغ ذاك يوماً من أيام خالد.
قيل للعباس: ما المروءة؟ قال: ترك اللذة، قيل: فما اللذة؟ قال: ترك المروءة.
وقف أعرابي على محمد بن معمر وكان سخياً فسأله، فخلع خاتمه وأعطاه وقال: لا تخدعن عن هذا الفص فإنه قام علي بمائة دينار. فهشم الأعرابي الخاتم وقلع فصه وقال: دونكه، فالفضة تكفيني أياماً. فقال: هذا والله أجود مني.
زرعة التغلبي:
ذريني تجد كفي بمالي أنني ... سأصبح لا أستطيع جوداً ولا بخلا
إذا وضعوا فوق الضريح جنادلاً ... علي وخليت النجيبة والرحلا
أبو العيناء: تذاكروا السخاء فاتفقوا على آل المهلب في الدولة المروانية، وعلى البرامكة في الدولة العباسية. ثم اتفقوا على أن أحمد ابن أبي دؤاد أسخى منهم جميعاً وأفضل.
ابن سيرين: قدم رجل من أهل المدينة بسكر فكسد عليه، فاشتراه منه عبد الله بن جعفر وأنهبه الناس.
بهرام بن هرمز: المروءة اسم جامع للمحاسن كلها.
النجاشي: لا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصاد.
حسان بن تبع: العرف حصن النعم.
مر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز بأعرابية، فذبحت له عنزاً، فقال لابنه معاوية: ما معك من النفقة؟ قال: مائة دينار، قال: ادفعها إليها، فقال: هذه يرضيها اليسير ولا تعرفك. قال: إن كانت ترضى باليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
الكريم يكرم وإن افتقر، كالأسد يهاب وإن كان رابضاً. واللئيم يهان وإن أيسر، كالكلب يخسأ وإن طوق وحلي.
بعض العرب:
أبيت خميص البطن غرثان طاوياً ... وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وامنحه فرشي وافترش الثرى ... واجعل قر الليل من دونه لبسي
حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوماً إلى صدره رمسي
عظم على طيء موت حاتم فادعى أخوه أن يبلفه، فقالت أمه: هيهات، فشتان ما بين خلقيكما، وضعته فبقي سبعة أيام لا يرضع، حتى ألقمت أحد ثديي طفلاً من الجيران، وكنت أنت راضعاً أحدهما وآخذاً الآخر بيدك، فأي لك؟ أبو العباس السفاح: إني لأعجب من إنسان يفرحه إنسان فيمكنه أن يكافئه ولا يكافئه على ما أدخل عليه من السرور، أو بجعل ثوابه تسويفاً وعدة. فكان لا يصدر عن السفاح أحد ممن يسره بمدح أو غيره إلا بحباء. ولم تر هذه الفضيلة في عربي ولا عجمي غيره.
شاعر:
يقول في العسر إن أيسرت ثانية ... أقصرت عن بعض ما أهدي وما أوهب
حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب

سئل إسحاق الموصلي عن المخلوع فقال: ما كان أعجب أمره كله، فأما المتبذل فما كان يبالي أين قعد مع جلسائه، وكان أعطاهم للذهب والفضة، أراد سليمان بن أبي جعفر الانصراف ليلة فقال له: الماء أحب إليك أم الظهر؟ فقال: الماء ألين علي. قال: أوقروا له زورقه ذهباً، وأمر لي بألف ألف درهم.
كان هشام بن حسان إذا ذكر يزيد بن المهلب يقول: أن كادت السفن لتجري في جوده.
شكا سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان إلى سليمان بن عبد الملك موسى شهوات وقال: قد هجاني. فاستحضره وقال: أتهجو سعيداً؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنا أخبرك الخبر، عشقت جارية مدنية فأتيت سعيداً فقلت له: أحب هذه الجارية، وإن مولاتها قد وقفت من ثمنها على مائتي دينار، فقال لي: بورك فيك. فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك. فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك. فأتيت سعيد بن خالد، فقال: يا جارية، هات مطرفاً، فأنت بمطرف خز، فصر لي فيه في كل زاوية من زواياه مائتي دينار. فخرجت وأنا أقول:
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد
عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد
ذروه ذروه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود
أم سعيد العثماني بنت سعيد بن العاص فلذلك قال: ابن بنت سعيد. وأم سعيد بن خالد عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية أخت طلحة الطلحات فقال سليمان: قل ما شئت. ولده حتى الساعة يعرفون بني عقيد الندى.
كان يقال للفضل بن يحيى خاتم الإسلام وخاتم الأجواد. وكان يقال: حدث عن البحر ولا حرج وعن الفضل ولا حرج.
أكثم بن صيفي: عليكم بالمنائح الكريمة فإنها مدارج الشرف.
لا تغفل مروءتك وإن قرع الدهر مروتك.
كان يقال: من جاد بماله جاد بنفسه، وذلك أنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
وقف سائل على المطلب بن حنطب، فأخرج كيساً فيه خمسمائة درهم فدفعه إليه، فبكى. فقال: ما يبكيك؟ استقللت؟ قال: لا، ولكني أنفس على التراب أن يأكل مثلك.
المدائني: إنما سمي طلحة بن عبيد الله الخزاعي طلحة الطلحات لأنه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوجهم، فكل مولود له سماه طلحة.
قدم نهيك بن ملك القشيري الملقب بمنهب الورق مكة بعير عليها طعام ومتاع فأنهبه. وقد أنهب ماله بعكاظ ثلاث مرات. فعاتبه خاله فقال:
يا خال ذرني ومالي ما فعلت به ... وخذ نصيبك منه إنني مودي
إن نهيكا أبني إلا خلائقه ... حتى تبيد جبال الحرة السود
فلن أطيعك إلا أن تخلدني ... فانظر بكيدك هل تستطيع تخليدي
الحمد لا يشترى إلا له ثمن ... ولن أعيش بمال غير محمود
ماله معرس الحقوق.
كان محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة سيد أهل الكوفة، وكان على أذربيجان في أيام ابن الزبير، وهو من الأسخياء الكرام حمل في يوم واحد على ألف قارح.
وسمعت الأمير الشريف ذا المناقب علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس الحسنى أدام الله تأييده يقول: رأيت أمير مكة قاسم بن أبي هاشم حمل في غداة واحدة على مائة وعشرين من العراب.
محمد بن عمران التيمي: ما شيء أشد حملاً من المروءة. ثم قال: المروءة أن لا تعمل شيئاً في السر تستحي منه في العلانية.
كان جعفر بن محمد يقول: اللهم ارزقني مواساة من قترت عليه رزقك بما وسعت علي من فضلت.
قيل لأنوشروان: ما الجود الذي يسع الناس كلهم؛ قال: إرادة الخير لجميعهم، وبسط الوجه لهم.
له نفس فيحاء لا تضيق بالبذل، وأذن صماء لا تصيخ إلى العذل.
بعض العرب: يا بني، لا تزهدن في معروف، فإن الدهر ذو صروف. كم راغب كان مرغوباً إليه، وطالب كان مطلوباً ما لديه، وكن كما قال أخو بني الديل:
وعد من الرحمن فضلاً ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغباً ... فإنك لا تدري متى أنت راغب
لا يترك قضاء حقوق الكرام وإن أخذ الإفلاس منه بالكظم.
حظ نفسه من نعمته حظ نأره من وجنته.

يحيى البرمكي: اعط من الدنيا وهي مقبلة، فإن ذلك لا ينقصك منها شيئاً. فكان الحسن بن سهل يتعجب من ذلك ويقول: لله دره! ما أطبعه على الكرم وأعلمه بالدنيا! وقد أمر يحيى من نظمه فقال:
لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف
فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالشكر منها إذا ما أدبرت خلف
أحمد بن إبراهيم العبرتاني:
لا تكثري في الجود لائمتي ... وإذا بخلت فأكثري لومي
كفي فلست بحامل أبداً ... ما عشت هم غد على يومي
زهير:
الناس فوجان في معروفه شرع ... فصادر مرتوٍ أو قارب يرد
علي رضي الله عنه: كن سمحاً ولا تكن مبذراً، وكن مقدراً ولا تكن مقتراً.
وعنه رضي الله عنه: لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.
قيل للأحنف: ما الإنسانية؟ قال: التواضع عند الرفعة، والعفو عند القدرة. والعطاء بغير منة.
لقي سليمان بن المغيرة شعبة، فشكا إليه الحاجة، وكان راكب حمار، فقال: والله ما أملك من الدنيا إلا هذا الحمار. فنزل عنه ودفعه إليه.
الشافعي رحمة الله عليه قال لابنه: والله لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي ما شربته إلا حاراً حتى أفارق الدنيا.
جعفر بن محمد: نظرت في المعروف فوجدته لا يتم إلا بثلاث: نعجيله، وستره، وتصغيره. إنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته تممته، وإذا صغرته عظمته.
دخل أعرابي على داود بن يزيد وهو بالسند، فقال: أيها الأمير، تأهب لمديحي. فلبس سواده وتقلد سيفه وخرج، فقال: يا أعرابي، لقد أخذت أهبتي، فوالله لئن أحسنت لأحسنن إليك، ولئن أسأت فلأمثلن بك. فقال:
فتى تهرب الأموال من جود كفه ... كما يهرب الشيطان من ليلة القدر
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
وراحته لو أن معشار عشرها ... على البر كان البر أندى من البحر
فقال: أحسنت، فاحتكم إن شئت، أو فوض الحكم إلينا. قال: بل احتكم. فاحتكم لكل بيت ألف درهم. فقال داود: لو فوضت الحكم إلينا لكان خيراً لك. فقال الأعرابي: لم يكن عند الأمير ما يسعه حكمه. فقال: أنت في هذا أشعر منك في شعرك. وأمر له مكان كل ألف بأربعة آلاف.
كان يقال: لو سقط المعروف ما سقط إلا متكئاً.
ذهاب المال في حمد وأجر ... ذهاب لا يقال له ذهاب
أبو داود بن جرير:
الجود أخشن مساً يا بني مطر ... من أن يبركموه كف مستلب
ما أعلم الناس أن الجود مدفعة ... للذم لكنه يأتي على النشب
سئل أعرابي عن المروءة فقال: لا يمر بك أحد إلا ناله رفدك، ولا تمر بأحد إلا رفعت نفسك عن رفده.
في الحديث المرفوع: أفضل الصدقة جهد المقل.
قال الرشيد لجعفر بن يحيى في سفر له إلى الرقة: اعدل بنا عن غبار العسكر. فمالا عنه، فأصاب الرشيد جوع شديد، فعدل إلى خيمة أعرابي فاستطعم، فأتاه بكسيرات خبز يابس، فقال جعفر: قد تبذل الأعرابي فيما قدم. فقال الأعرابي: مهلاً ويحك! فإن الجود بذل الموجود. أما سمعت قول الشاعر:
وما ذاك من بخل ولا من ضراعة ... يلام على معروفه وهو محسن
ألم تر أن المرء من ضيق عيشه ... ولكن كما يزمر له الدهر يزفن
فقال الرشيد: صدق الأعرابي وأحسن. ثم أمر له بعشرة آلاف درهم.
خرج الوليد بن يزيد بن عبد الملك متصيداً، فانفرد مع الحسين ابن عبيد الكلابي، وجاع فقدم إليه نبطي خبز شعير وكراثاً وزيتاً رثيثاً. فقال الحسين:
إن من يطعم شيئاً مع الزي ... ت بخبز الشعير والكراث
لحقيق بلطمة أو بثنتي ... ن لقبح الصنيع أو بثلاث
فقال الوليد: مه، قبحك الله! فإن الجود بذل المجهود، هلا قلت:
لحقيق ببدرة أو بثنتي ... ن لحسن الصنيع أو بثلاث
وأمر له بثلاث بدر.
فيلسوف: آفة الجود الخطأ بالمواضع.
أنوشروان: اصطناع السفلة خطيئة كبيرة، وندم في العواقب.
قرىء على شيخ شامي مآثر غطفان، فقال: ذهبت المكارم إلا من الكتب.
محمد بن عمران التيمي: إنا والله لا نجمد عند الحق، ولا نذوب عند الباطل.

كان عبد العزيز بن مروان: يعطى الناس صنوف العطايا، فقام مصري فقال: أصلح الله الأمير، وجدنا لزهير بيتاً في وصف النعمان وإعطائه ضرباً من العطايا ما ذكر لغيره، وأنشده:
فأين الذي قد كان يعطيهم القرى ... بغلاتهن والحسان الغواليا
فتبسم عبد العزيز، وأمر له بثلاث قريات.
شاعر:
ومعشر صيد ذوي تجلة ... ترى عليهم للندى أدلة
غيره:
فليت عن العلى وربآت فيها ... فلم أر كالصنائع في الكرام
كسرى: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
أعرابي: لو وقع فلان في ضحضاح معروفة لغرقة.
بعض السلف: الأيدي ثلاث: يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، ويد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المن.
كتب كلثوم بن عمرو إلى كريم رقعة في آخرها:
إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بث النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود
نشاطره ماله، حتى بعث إليه نصف خاتمه وفرد نعليه.
باع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضاً له بثمانين ألفاً، فقيل له: واتخذت لولدك من هذا المال ذخراً، قال: بل اجعله ذخراً لي عند الله، واجعل الله ذخراً لولدي. وقسمه بين ذوي الحاجة.
استحمل رجل معن بن زائدة، فقال: يا غلام، أعطه بعيراً وبرذوناً وفرساً وبغلاً وجارية، ولو وجدنا مركوباً غير هذا لأعطيناك.
يحيى بن خالداً: ما سقط غبار موكبي على لحية أحد إلا أوجبت حقه.
الحسن: لا يرد الأمراء إلا مراء أو أحمق.
أعرابي: إذا أوقدوا شبوا، وإذا اصطنعوا ربوا.
بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، وإن وقع وجد متكئاً.
كان خالد بن عبد الله يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لابد من تفريقها. فقال له أسد بن عبد الله. وقد وفد عليه من خراسان: هدأة أيها الأمير، إن الودائع إنما تجمع ولا تفرق. قال: ويحك! إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة.
مالك بن دينار: لو كنت شاعراً لرثيت المروءة.
المهلب: العجب لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بفعاله؟ أبو دلف العجلي:
إن المكارم كلها حسن ... والجود أحسن ذلك الحسن
كم عارف بي لست أعرفه ... ومخبر عني ولم يرني
نزل بأبي البختري وهب بن وهب القرشي ضيف، فسارع إلى إنزاله عبيده وخدمه، وخدموه أحسن خدمة، وفعل به هو كل جميل. فلما هم بالرحيل لم يقربه أحد منهم وتحاموه، فأنكر ذلك، فقالوا: نحن إنما نعين النازل على الإقامة ولا نعينه على الرحيل. فبلغ ذلك أحد القرشيين فقال: لفعل هؤلاء العبيد أحسن من رفد سيدهم.
الأحنف: ما شاتمت منذ كنت رجلاً، ولا زحمت ركبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مجتدي حتى ينتج جبنيه عرقاً كما ينتج الحميت فوالله ما وصلته.
استسرف الحسن والحسين عبد الله بن جعفر في الجود، فقال: بأبي أنتما وأمي، إن الله عودني أن يفضل علي، وعودته أن أفضل على عبادة، فأخاف أن أقطع العادة فينقطع مني.
الأصمعي: اجتمع الناس في جامع البصرة للصلح بين أحياء، فبعثت وأنا غلام إلى عبد الله بن عبد الرحمن القعقاعي، فوجدته في شملة يخلط بزراً لعنز، فأخبرته، فأمهل حتى أكلت العنز، ثم غسل الصحفة وأني بتمر وزيت، فدعاني، فقذرته، فأكل وغسل يده بطين ملقى في الدار، ثم دعا بالماء فشرب ومسح فضله على وجهه. ثم قال: الحمد لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى تؤدي شكر هذه النعم؟ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين، ومشى إلى القوم، فما بقيت حبوة إلا حلت إعظاماً له. ثم جلس فتحمل ما كان بين الأحياء، فلم أر رجلاً أحقر أولاً وأجمل آخراً منه.
وفد حاتم وأوس بن حارثة على عمرو بن هند: فقال الأوس: أأنت أفضل أم حاتم؟ فقال: أبيت اللعن، لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة. ثم دعا حاتماً فقال: أنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللعن، إنما ذكرت بأوس، ولأخذ ولده أفضل مني.

ويحكى أن النعمان بن المنذر وفدت عليه الوفود وفيهم أوس، فقال: احضروا غداً، فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم. فتخلف أوس وقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون حاضراً، وإن كنت المراد فسأطلب. فلما ير الملك أوساً قال: قولوا له احضر آمناً ما خفت. فلما لبس الحلة حسد، فقيل للحطيئة: اهجه ولك ثلثمائة ناقة. فقال: أأهجو من لا أرى في بيتي أثاثاً ولا مالاً إلا منه ثم قال:
كيف الهجاء وما تنفك صالحة ... من آل لام بظهر الغيب تأتيني
فقال بشر أنا أهجوه لكم، فأخذ الإبل. فأغار عليها أوس فاكتسحها وطلبه. فجعل لا يستجير بحيي من أحياء العرب إلا قالوا: قد أجرناك من الجن والإنس إلا من أوس. وكان قد ذكر أمة في هجائه، وإني به أسيراً، فاستشارها فقالت: أرى أن ترد عليه ماله وأنا أعطيه مثله، فإنه لا يمحو الهجاء إلا مدحه. ففعل، فقال: لا جرم والله، لا مدحت أحداً غيرك ما عشت. ثم مدحه فقال:
إلى أوس بن حارثة بن لام ... ليقضي حاجتي فيمن قضاها
فما وطأ الحصى مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
وفدت ليلى الأخيلية على الحجاج فقالت فيه:
إذا ورد الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العقام الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
فقال: لا تقولي غلام، قولي همام. يا غلام اعطها خمس مائة. فقالت: أيها الأمير اجعلها أدماً. فقيل: إنما أمر لك بشاء. فقالت: الأمير أكرم من ذلك. فجعلها إبلاً إناثاً.
إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم.
وسمت امرءً بالعرف ثم اصطنعته ... ومن أكمل المعروف رب الصنائع
أبو الفياض الطبري:
والعز ضيف لا يراه بربعه ... من لا يرى بذل التلاد تلادا
والجود أعلى كعب كعب قبلنا ... فمضي جواداً يوم مات جوادا
آخر:
لا تضع المعروف في ساقط ... فذاك صنع ساقط ضائع
وضعه في حر كريم يكن ... عرفك مسكاً عرفه ضائع
بعضهم: كنا عند سعيد بن أبي عروبة في بيته، وفيه حصير، وقفة فيها خبز، وجرة، إذ دخل رجل فمر إلى القفة فأكل، ثم شرب من الجرة، ثم خرج. فجعلنا نلتفت إليه. فقال سعيد: أي شيء تنظرون؟ فوالله ما أدري من هو، ولكن كذلك أدركنا.
الجود والشجاعة ينبعان من عين واحدة وهي قوة النفس وبعد الهمة. وكانوا يقولون: لا يكون الشجاع إلا جواداً، حتى نقض ذلك عبد الله بن الزبير، فإنه كان شجاعاً وكان يبخل. قال أبو تمام:
أيقنت أن من السماح شجاعة ... وعلمت أن من الشجاعة جودا
علي رضي الله عنه: السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم.
أبو الرميح حبيب بن شوذب الأسدي:
فك السري عن الندى أغلاله ... فجرى وكان مكبلاً مغلولا
وتعاقدا العقد الوثيق وأشهدا ... من كل قوم مسلمين عدولا
ووفي الندى لك بالذي عاقدته ... ووفي السري فما يريد بديلا
وله في الحكم بن المطلب المخزومي:
أنت أنف الجود إن فارقته ... عطس الجود بأنف مصطلم
أنت أنف الجود تنمى صاعداً ... للمعالي وابن عرنين الكرم
بكر بن صرذ:
لجواد من بني مطر ... أتلفت كفاه ما صنعا
كلما عدنا لنائله ... افتررنا جوده جذعا
بشر بن مسعود البكري:
بحر إذا حلت الوراد ساحته ... لم تثنهم علل منه عن العلل
وأحسن منه قول أبي تمام في مديح كعب:
هو البحر من أي الواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله
كريم إذا ما جئت للعرف سائلاً ... حباك بما تحوى عليه أنامله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله
محمد البجلي:
وله مواهب كلما نسبت ... فينا إليه زانها النسب
ومن المواهب ما يكدره ... ويشينه قدر الذي يهب
أبو الخطاب الهذلي:
الجود طبع وما يسطيعه أحد ... إلا امرؤ أبواه الدين والكرم
معن بن زائدة:

دعيني أنهب الأموال حتى ... أعف الأكرمين عن اللثام
القضم البكائي:
وتندى البطاح البيض من جود خالد ... ويخصبن حتى نبتهن عميم
أتى قيس بن خفاف البرجمي حاتماً يسأله في حملة وقال:
حملت دماءً للبواجم جمة ... فجئتك لما أسلمتني البراجم
وقالوا سفاهاً لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يحمي الحمالة حاتم
متى آته فيها يقل لي مرحباً ... وأهلا وسهلاً أخطأتك الأشائم
فيحملها عني وإن شئت زادني ... زيادة من حيزت إليه المكارم
يعيش الندى ما عاش حاتم طيء ... وإن مات قامت للسخاء مآتم
بعضهم:
وإني امرؤ لا تستقر دراهمي ... على الكف إلا عابرات سبيل
ابن الرومي:
العرف غيث وهو منك مؤمل ... والبشر برق وهو منك مشيم
ألقحت أم الجود بعد حيالها ... ونتجت بنت المجد وهي عقيم
عمل نصر بن أحمد إبريق ذهب رفيع ونقش عليه بيتين للمرادي:
طالب الدنيا جميعاً ... طالب ما ليس يوجد
إنما الدنيا عروس ... زوجها نصر بن أحمد
فأبصره نصر قال: لمن البيتان؟ قالوا: لفلان. فأمر بحمل الإبريق إليه وقال: هو أولى به مني.
سأل يزيد بن معاوية الأحنف عن المروءة، فقال: التقى والاحتمال، ثم أطرق هنيئة فقال:
وإذا جميل الوجه لم ... يأت الجميل فما جماله
ما خير أخلاق الفتى ... إلا تقاه واحتماله
فقال يزيد: أحسنت يا أبا بحر، وافق البم زيراً. فقال الأحنف: هلا قلت وافق المعنى تفسيراً.
أبو التيار الراجز:
إذا نزل الفضل بن يحيى ببلدة ... رأيت بها عشب السماحة ينبت
وليس بسعال إذا سيل حاجة ... ولا بمكب في ثرى الأرض بنكت
قال خالد بن يزيد بن معاوية وكان جواداً: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، لأنه جاد بما لا قوام لنفسه إلا به.
أضاق بشير بن عبد الله المدني فخرج إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك وهو بحمص فأعطاه مالاً كثيراً وأغناه. ثم كتب إليه صديقه عمران بن أبي فروة يجزع من فراقه، ويلوم نفسه على ترك مواساته إياه بماله، فأهدى العباس لعمران ثياباً ومالاً، وقال لبشير: إن لعمران علينا ذماماً بمودتك، ولائمته نفسه في البخل عنك.
دخل طلحة بن عبد الله بن عوف سوق الظهر يوماً، فوافق فيه الفرزدق فقال: يا أبا فراس: اختر عشراً من الإبل، ففعل. فقال: ضم إليها مثلها، ففعل. فلم يزل يقول ذلك حتى بلغت مائة، فقال: هي لك، فقال:
يا طلح أنت أخو الندى وعقيده ... إن الندى إن مات طلحة ماتا
إن الندى ألقي إليك رحاله ... فبحيث بت من النمازل باتا
وقدم الفرزدق المدينة، فتلقاه من نعى إليه طلحة فقال: بفيك التراب والحجر.
ودخل من رأس الثنية يولول ويقول: يا أهل المدينة، أنتم أذل قوم في الأرض. قالوا: وما ذاك؟ قال: غلبكم الموت على طلحة. وروي: كيف تركتم طلحة يموت.
قالت امرأة طلحة له: ما رأيت ألأم من إخوانك! أراهم إذا أيسرت لزموك. وإذا أعسرت تركوك. قال: هذا والله من كرمهم. يأنون في حال القوة، ويتركون في حال الضعف بنا عنهم.
وخرج طلحة ومع غلامه سبعة آلاف درهم، فقال له أعرابي: أعن على الدهر. فقال لغلامه: انثرها في حجر الأعرابي. فذهب يقلها فعجز عنها وبكى. فقال: لعلك استقلتها. قال: لا والله، ولكن تفكرت فيما تأكل الأرض من كرمك فبكيت.
قدم زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج بنيسابور، فأنزله وألطفه، وبعث إليه بألف دينار فقال:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
فقال: زدني، فقال: كل شيء وثمنه.
قدم أمية على عبد الله بن جدعان، فقال له: أمر ما أتى بك. قال: نعم، غرماء كلاب قد نبحتني ونهشتني. قال: قدمت علي وأنا عليل من حقوق قد لزمت لا تدفع، فأنظرني حتى نجم مالي، وقد ضمنت دينك. فأنظره أياماً، ثم أتاه فقال:
أتترك حاجتي أم قد كفاني ... حياءك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالأمور وأنت قرم ... لك الحسب المهذب والسناء

كريم لا يغيره صباح ... عن الخلق الكريم ولا مساء
يباري الريح مكرمة وجوداً ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء
فيوم منك خير من أناس ... تروح عليهم إبل وشاء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
وأرضك أرض مكرمة بنتها ... بنو تيم وأنت لها سماء
فقضى دينه. وكانت عنده قينتان، فقال: اختر أحديهما. فأخذها، ومر بمجلس قريش فلاموه، وقالوا: أخذتها وهي أنسه، فلو رددتها كان أوفر لحظك عنده. فتذمم وردها. فقال: لعل قريشاً لاموك؟ قال: والله يا أبا زهير ما أخطأت، وأنشده:
عطاؤك زين لامرىء إن حبوته ... ببذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرىء بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
فقال: خذ بأيديهما. فخرج وهو يقول:
ومالي لا أحييه وعندي ... مواهب يطلعن من النجاد
لأبيض من بني تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيات الحداد
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق ذروته ينادي
إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد
لكل قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس يقدم كل هادي
احتضر الحكم بن المطلب، وكان من الأسخياء، فأصابته غشية. فقيل: اللهم هون عليه فإنه كان وكان. فأفاق فقال: إن ملك الموت يقول: إني بكل سخي رفيق.
وفد أبو عطاء السندي على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له. فأنزله وأحسن إليه، وقال: ما عندك يا أبا عطاء؟ قال: وما عسى أن أقول وأنت أشعر العرب؟ غير أني قلت بيتين، قال: هاتهما فقال:
يا طالب الجود أما كنت تطلبه ... فاطلب على نأيه نصر بن سيار
الواهب الخيل تعدو في أعنتها ... مع القيان وفيها ألف دينار
فأعطاه ألف دينار ووصائف ووصفاء، وحمله وكساه. فقسم ذلك بين رفيقيه لم يأخذ منه شيئاً. فبلغه ما فعل فقال: ماله قاتله الله من سندي!؟ ثم أمر له بمثله.
كان الموكل إذا ركب حملت معه الدراهم والدنانير مخلوطة، فلا يدنو منه أحد إلا قال: يا غلام اضرب يدك أحث له. وكان يسقي بعرفات الأسوقة والجلاب وأنواع الشراب.
كان لعثمان على طلحة رضي الله عنهما خمسون ألفاً. فخرج عثمان إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه. فقال: هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك.
خرج الحسنان، وعبد الله بن جعفر، وأبو حبة الأنصاري من مكة إلى المدينة، فأصابتهم السماء، فلجأوا إلى خباء أعرابي، فأقاموا عنده ثلاثاً حتى سكت السماء، وذبح لهم، فلما ارتحلوا قال له عبد الله بن جعفر: إن قدمت المدينة فسل عنا.
فاحتاج الأعربي بعد سنين، فقالت له امرأته: لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان، فقال: قد أنسيت أسماءهم، قالت: سل عن ابن الطيار. فأتاه. فقال: الحق سيدنا الحسن، فلقيه فأمر له بمائة ناقة بفحولتها ورعالها، ثم أتى الحسين، فقال: كفانا أبو محمد مؤونة الإبل. فأمر له بمائة شاة. ثم أتى عبد الله فقال: كفاني أخواي الإبل والشاء فأمر له بمائة ألف درهم. ثم أتى أبا حبة فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك، ولكن جئني بإبلك، فأوقرها له تمراً. فلم يزل اليسار في أعقاب الأعرابي.
أراد ابن عامر أن يكتب لرجل خمسين ألفاً، فجرىالقلم بخمس مائة ألف. فراجعه الخازن، فقال: أنفذه فوالله لإنفاذه أحسن، وإن جرح المال أحسن من الاعتذار. فاستسرفه، فقال: إذا أراد الله بعبد خيراً حرك القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته، وأنا أردت شيئاً وأراد الجواد الكريم أن يعطي لعبده عشرة أضعافه، فكانت إرادة الله الغالبة، وأمره النافذ.
وقف أعرابي على ابن عامر فقال: يا قمر البصرة وشمس الحجاز ويا ابن ذروة العرب، وترب بطحاء مكة، نزعت بي الحاجة، وأكدت بي الآمال إلا بفنائك، فامنحني بقدر الطاقة والوسع، لا بقدر المحتد والشرف والهمة. فأمر له بعشرة آلاف. فقال: ماذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟ قيل: بل دراهم. فصعق. ثم قال: رب إن ابن عامر يجاودك، فهب له ذنبه في مجاودتك.

وتعشى الناس عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعداً. فقال له سعيد: ألك حاجة؟ وأطفأ الشمعة كراهة أن يحصر الفتى عن حاجته، فذكر أن أباه مات وترك ديناً وعيالاً، وسأله أن يكتب له إلى أهل دمشق ليقوموا بإصلاح بعض شأنه. فأعطاه عشرة آلاف دينار، وقال: لا تقاس الذي على أبوابهم. قال بعض القرشيين.لاطفاؤه الشمعة أكثر من عشرة آلاف.
قال المأمون لمحمد بن عباد: بلغني أن بك سرفاً. قال: يا أمير المؤمنين، امنع الموجود لسوء ظن بالمعبود. فأمر له بمائة ألف، وقال: أنا مادتك، والله مادني، فأنفق ولا تبخل.
سمع المأمون قول عمارة بن عقيل:
أأترك إن قلت دراهم خالد ... زيارته إني إذا للئيم
فقال: أو قلت دراهم خالد؟ احملوا إليه مائتي ألف درهم. فعشرها خالد لعمارة. وقال: هذا مطر من سحابة.

باب
اللؤم، والشح، وذكر اللئام، والشحاح
وما جاء في ذمهم والنداء على سوء طريقتهم عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم.
أبو هريرة رضي الله عنه: قتل رجل على عهد رسول الله، فبكت باكية فقالت: وا شهيدها! فقال عليه السلام: وما يدريك؟ لعله كان يتكلم بما لا يعنيه، ويبخل بما لا يملك.
ومر علي رضي الله عنه على مزبلة فقال: هذا ما بخل به الباخلون.
وعنه: البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء.
أم البنين أخت عم بن عبد العزيز: أنت للبخل، لو كان قميصاً ما لبسته، أو كان طريقاً ما سلكته.
عبد الملك: يا بني مروان، لا تبخلوا إذا سئلتم، ولا تلحفوا إذا سألتم، فإنه من ضيق ضيق الله عليه.
كان عمرو بن حفص بن سالم لا يسأله أحد من أهله حاجة إلا قال لا.
فقال له عمرو بن عبيد: أقلل من قول لا، فإنه ليس في الجنة لا.
كان خالد بن صفوان إذا حصل في يده درهم قال: يا عياركم نعير؟ وكم تطوف وتطير؟ لأطيلن ضجعتك. ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه.
أبو عون الأنباري.
حاتم في بخله فطنة ... أدق حساً من خطا النمل
فحاتم الجود أخو طيء ... وكان هذا حاتم البخل
علي بن هشام بن فرخسرو:
هبيني جمعت المال ثم خزنته ... فحانت وفاتي لا أزاد به عمرا
إذا اختزن المال البخيل فإنه ... سيورثه خصماً ويحتقب الوزرا
كان أحيحة بن الجلاح يبخل، فإذا هبت الصبا أطلع من أطمه فنفر إلى ناحية هبوبه ثم يصيح: هبي هبوبك، فقد أعددت لك ثلثمائة وستين صاعاً من عجرة، أدفع إلى الوليد منها خمس تمرات، فيرد علي ثلاثاً، وبعد جهد ما يلوك منها ثنتين.
استأذن جحظة على صديق له مبخل، فقيل: هو محموم. فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق.
قيل لأبي عمرو الأعرج، وقد خرج إلى مكة مع نوفل بن عمارة المخزومي، كيف صحبته؟ قال: امرأتي طالق إن لم يكن ظن بظني أنه قد ضربت عنقي، لأنه كان يمكث ثلاثة أيام لا يدخله شيء.
سأل المأمون اليزيدي عن ابنه العباس فقال: رأيته وقد ناوله الغلام أشناناً ليغسل يده، فاستكثره فرد بعضه في الأشناندانة ولم يلقه في الطست، فعلمت أنه بخيل لا يصلح للملك.
عمل سهل بن هارون كتاباً في مدح البخل أهداه إلى الحسن بن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
ابن أبي فنن:
ذريني وإتلافي التلاد فإنني ... أحب من الأخلاق ما هو أجمل
فأخمد ناري التي جزت القرى ... وأحمد زادي القريب المعجل
وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
لما مات الأصمعي اشتروا من ماله جزوراً فنحروها عنه فقال العتبي: والله لو عاش لما أراد الحياة بما نقصوه من ماله، ولو بذلت له الجنة بدرهم ما رضي أو تستنقص شيئاً.
قيل لجعفر بن محمد: إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ استخلف إلا الخشن، ولا يأكل إلا الجشب. قال: لم يا ويحه، مع ما مكن الله من السلطان وجبي إليه من الأموال؟ فقال: بخلاً وجمعاً للمال: فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما ترك له دينه.
قال أعرابي لنازل به: نزلت بواد غير ممطور، برجل بك غير مسرور، فأقم بعدم، أو ارحل بندم.

سمع شامي خفق نعل داخل عليه، وبين يديه فراريج مشوية، فغطاها بذيله، وأدخل رأسه في جربانه، وقال: انتظرني على الباب حتى أفرغ من بخوري.
قيل لجمين: أتغديت عند فلان؟ قال: لا، ولكن مررت ببابه وهو يتغدى. قيل: كيف علمت؟ قال: مررت بغلمانه وبأيديهم قسي البنادق يرمون الطير في الهواء.
لما قال أبو العتاهية:
سافر بطرفك حيث شئ ... ت فلا ترى إلا بخيلا
قيل له: بخلت الناس كلهم.قال: كذبوني بواحد.
الحمدوني:
رأيت أبا زرارة قال يوماً ... لحاجبه وفي يده الحسام
حلال الله من أهل ومال ... عليه وهو ما يحوى حرام
لئن حضر الخوان ولاح شخص ... لاختطفن رأسك والسلام
فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام
فقال وقام من حنق إليه ... بقد لم يزد فيه القيام
أبي وأبو أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام
وقال له أبن لي يا ابن كلب ... علي خبزي أصادر أو أخام
إذا حضر الطعام فلا حقوق ... علي لوالدي ولا ذمام
فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام
قيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال: من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشق مرارته.
أعرابي: فصح الألسنة يرد السائل جذم الأكف عن النائل.
كتب أنوشروان إلى ابنه هرمز: لا تعد الشحيح أميناً، ولا الكذاب حراً، فإنه لا عفة مع الشح، ولا مروءة مع الكذب.
كان مكتوباً على خوان كسرى: اتق الشح، فإنه أدنس شعار، وأوحش دثار.
أمر عبد الله بن الزبير لأبي جهم العدوي بألف درهم، فدعا له وشكر. فقال له: بلغني أن معاوية أمر لك بمائة ألف فمسختها وشكوته، وقد شكرتني. فقال أبو الجهم: بأبي أنت! أسأل الله أن يديم لنا بقاءك، فإني أخاف إن فقدناك أن يمسخ الناس قردة وخنازير. كان ذاك من معاوية قليلاً، وهذا منك كثير. فأطرق عبد الله ولم ينطق.
كفاك لم يخلقا للندى ... ولا كان بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة ... كما نقصت مائة سبعة
وكف ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شرعة
دخل هشام بن عبد الملك بستاناً له، فأكل أصحابه من ثمارها، وقالوا: بارك الله لك فيها. فقال: كيف يبارك فيها وأنتم تأكلونها.
كان يقال: الجواد يأكل ماله، والبخيل يأكله ماله.
ثواب الحود خلف، وثواب البخل تلف.
ما هو إلا سمرة، ولا ظل ولا ثمرة.
لو سئل نفانة سواك ما أعطى.
فلان لا ينطق أبداً بنعم فوه، ولا ينطلق بنعم على من يعفوه.
لو بدل الله قمله غنماً، ما طمع الجار منه في صوفه.
قيل لجمين: أما يكسوك محمد بن يحيى؟ قال: لو كان له بيت مملوء إبراً، وجاءه يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء، والملائكة ضمناء، يستعير منه إبرة، ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر، ما أعاره إياها. فنظمه من قال:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل
العيوب كلها مجموعة في مسك بخيل، مصبوبة على هامة الشحيح.
شر ما في الكريم أن يمنعك جداه، وخير ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه.
نزل ابن أحمر الشاعر على عمار بن مسروق، فقيل له: على من نزلت؟ قال على أبي الخصيب والخبز من عندي. قيل: وكيف؟ قال: لأن خبزه مكتوب عليه: لا حافقظ إلا الله، وهو في ثني الوسادة، وهو متكىء عليه.
بدر الموصلي:
لذبح عمران على ردة ... وحمله حولاً على روق
أيسر من إنفاقه درهماً ... على أبيه وهو في السوق
الحجاج بن علاط البهزي:
بخيل يرى في الجود عاراًوإنما ... يرى المرء عاراً أن يضن ويبخلا
إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا
المنذر بن صخر الأسدي:
إذا المجلس العبدي يوماً تقابلوا ... رأيى كلهم وجهاً لئيماً يقابله
وإن سيل أي الناس ألأم والداً ... أشار إلى العبدي من أنت سائله
مالك بن سوار الطائي:

ثوى اللؤم في العجلان يوماً وليلة ... وفي دار مروان ثوى آخر الدهر
ولما أتى مروان ألقى رحاله ... وقال رضينا بالمقام إلى الحشر
دعبل: كنا عند سهل بن هارون فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع. فقال: ويحك يا غلام غدنا. فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ، ثم قال: أين الرأس؟ قال: رميت به. فقال: والله إنني لأمقت من يرمي برجليه فكيف برأسه، ولو لم أكره مما صنعت إلا الطيرة والفأل لكرهته، الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصدح الديك. ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقه الذي يتبرك فيه. وعينه التي يضرب بها المثل فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم تر عظماً أهش تحت الأسنان من عظم رأسه. وهلا إذ ظننت أني لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه، وإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله فإن عندنا من يأكله. أما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن رأس العنق. انظر لي أين هو؟ قال: والله ماأدري أين رميت به. قال: لكني والله أدري، رميت به في بطنك فالله حسيبك.
أنشد الجاحظ لأبي الشمقمق:
ممن تعلمت هذا ... أن لا تجود بشيء
أما مررت بعبد ... لعبد حاتم طيء
سأل أعرابي قوماً، فرق له أحدهم فضمه إليه، وأجرى عليه أياماً ثم قطع. فقال:
تسرى فلما حاسب المرء نفسه ... رأى أنه لا يستقيم له السرو
بعضهم:
إن هذا الفتى يصون رغيفاً ... ما إليه لناظر من سبيل
هو في رقعتين من أدم الطا ... ئف في سلتين في منديل
في جراب في مخدع جوف صن ... دوق له عند خازن مغلول
وعلى السلتين قفلان مفتا ... حاهما في جوار ميكائيل
ختمت كل سلة برصاص ... وسيور تقد من جلد فيل
الصاحب: جئت في اللؤم بنادر، لم تهتد إليه فطنة مادر.
الحسن: ما لقيت أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة، حتى إن أحدهم ليكسر عظام أخيه عظماً عظماً، هات درهماً، هات درهماً. فهذا عاض عليه، وهذا ملح عليه.
إذا سألت لئيماً فغافصه، ولا تدعه يفكر، فإنه كلما تفكر ازداد بعداً.
ربعي الهمداني:
جمعت صنوف المال من كل وجهة ... وما نلتها إلا بكف كريم
وإني أرجي أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم
أحمد بن عبد الصمد الرقاشي:
أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان
فإن أبصرت شخصاً من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرساً ... يقيمون الصلاة بلا آذان
قال تميم بن مر لولده: يا بني امنعوا، فلئن تكونوا مباخلين مسؤولين خير من أن تكونوا أجاويد سائلين.
من الناس من يبخل بالطعام وهو جواد بغيره وبالعكس، قال:
أبو دلف يضيع ألف ألف ... ويضرب بالحسام على الرغيف
أبو دلف لمطبخه قتسار ... ولكن دونه سل السيوف
وكان الأمين على فرط سخائه بخيلاً بالطعام جداً.
معن بن زائدة في أخيه مزيد:
لا تسألن أبا داود خلعته ... عدل على مزيد في الخبز واللبن

باب
الألوان، والنقوش، والوشم، والتصاوير
وذكر الخضاب وما أشبه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: البياض نصف الحسن. وكان رسول الله أبيض أزهر. والخلص من ولد إسماعيل بيض.
قال حسان:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
وعنه عليه السلام: إن الله خلق الجنة بيضاء وإن أحب الثياب إلى الله البيض، فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم.
وعنه: أبرقوا فإن دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين.
وعنه: جاءت امرأة، فقالت: يا رسول الله، اتخذت غنماً رجوت نسلها ورسلها، وإني لا أراها تنمى. فقال: ما ألوانها؟ قالت: سود. قال عفري.
عن ابن عمر: أنه بعث رجلاً يشتري له أضحية، فقال: اشتره كبشاً أملح.
وروى أن الكبش الذي فدي به إسماعيل كان أبيض اللون أعين أقرن، وكنا نتحرى تلك الصفة في أضاحينا.
قالوا: الصفرة أشكل، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل. السواد أهول، والبياض أفضل.

بعض أولاد الرشيد: لو لم يكن من عيب الأسود، إلا أنه لا يرى أثر الضرب في بدنه، وأن أوجعه كما يراه الأبيض فيروعه فلا يعاود الذنب، وأنه لا يتبين في وجهه ما يتبين في وجه الأبيض من حمرة الخجل وصفرة الوجل لكفى به.
هشام بن عمار: خلق الأسود كلونه.
رأى عبادة سوداء عليها وقاية حمراء فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.
نظر الجماز إلى سودءا عليها معصفرات فقال: كأنها بعرة عليها رعاف.
الحيقطان:
لئن كنت جعد الرأس واللون فاحم ... فإني لسبط الكف والعرض أزهر
وإن سواد اللون ليس بضائري ... إذا كنت يوم الروع بالسيف أخطر
قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت سني، ورق عظمي وبليت ببنيات نفضت عليهن من لوني فكسدن. فرق له ووصله.
دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون، فقال: إنك يا عم الخليفة الأسود. فتمثل بيتي نصيب:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... يوم الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ... أن أسود اللون إني أبيض الخلق
فقال: يا عم، أخرجك الهزل إلى الجد. ثم أنشد:
ليس يزري السواد بالرجل الشه ... م ولا بالفتى الأريب الأديب
إن يكن للسواد منك نصيب ... فبياض الأخلاق منك نصيبي
ذكر السودان عند المنصور، وقيل إن لهن حظوة. فقال: ما قربت سوداء مخافة أن ألحق برسول الله السواد.
كاتب: وصل كتابك فاستلمته استلام الحجر الأسود. وتمتعت منه بالعيش الأخضر، وجمعت يدي منه على الكبريت الأحمر، والبازي الأشهب، وملك بني الأصفر.
مدح ابن أبي فنن المعتز بقصيدته التي أولها:
أجد بكاءً حين جد التفرق ... وأرقه طيف الخيال المؤرق
فقال المعتز: هذا الشاعر الأدلم، فقال ابن أبي فنن: لا يضره سواده مع بيض أياديك.
اللجام:
ويبرز للرائين وجهاً كأنه ... كساه إهاباً من قشور الخنافس
كشاجم في كتب سود الجلود:
كسيت من أديمها الحلك الجو ... ن غشاءً أحسن به من غشاء
مشبهاً صبغة الشباب ولما ... ت العذارى ولبسة الخطباء
وجه الناصبي يوصف بالسواد والظلمة، ويشبه به كل حالك. قال أبو بكر الخوارزمي:
رب ليل كطلعة الناصبي ... ذي نجوم كحجة الشيعي
كان إبراهيم بن المهدي أسود، وأبوه المهدي وأمه شكلة أبيضين. وكان أسامة شديد السواد مثل القار، وزيد أبيض مثل القطن، وقد مر بهما مجزز المدلجي. وهما في قطيفة وقد غطيا وجوههما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
قالوا: كل شيء من الحيوان أسود جلده أو صوفه أو شعره أو وبره كان أقوى لبدنه.
أهدي إلى مروان غلام أسود، فأمر عبد الحميد أن يكتب فيه ويذمه ويوجز، فكتب: لو وجدت لوناً شراً من السواد، وعدداً أقل من الواحد لأهديته، والسلام.
تزوج أعشى سليم دنانير الزنجية، فرآها يوم تخضب يدها وتكتحل فقال:
تخضب كفاً قطعت من زندها ... فتخضب الحناء من مسودها
كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها
فقالت:
وأقبح من لوني سواد عجانه ... على بشر كالقلب أو هو أنصع
فسمي أسود العجان، وصاح به الصبيان فطلقها.
قال أبو يوسف القاضي لابن نهيك: ما تقول في السواد؟ قال: النور في السواد. أراد أن نور العين في سوادها.
نظر ابن أبي عتيق إلى سوداء فقال: لو اقتسمتها الغواني خيلاناً لحظين بها.
ابن الخطاب النصراني:
قالوا تعشقتها سوداء قلت لهم ... لون الغوالي ولون المسك والعود
إني امرؤ ليس شأن البيض مرتفعاً ... عندي ولو خلت الدنيا من السود
قيل لمدني: كيف رغبتكم في السواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسودناها. وكان أبو حازم المدني الأعرج ينشد:
من يك معجباً ببنات كسرى ... فإني معجب ببنات حام
قيل للأصمعي أي النس أخف أرواحاً؟ قال: الذين أعرقت فيهم السودان.
تفاخرت حبشية ورومية، فقالت الحبشية: بندقة مسك وغرارة منح. فقالت الرومية: حبة كافور وعدل فحم.

وفد على عبد الملك عرار بن عمرو بن شاس بكتاب الحجاج ورأس ابن الأشعث، فرأى رجلاً عالي الجسم أدلم، فيسأله فيروقه كلامه، وينظر إليه فتقتحمه عينه وتعلو عن سواده، فتمثل بقول عمرو:
وإن عراراً أن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم
فضحك، فقال له: ما أضحكك؟ قال انا والله عرار يا أمير المؤمنين من بين أمري وقل. فأعجب بذلك واستعجب، وأقعده معه وقدمه وكان سميره حتى رجع.
شاعر:
أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب
بعضهم:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لاشك إذ لونكما واحد ... ألكما من طينة واحده
آخر:
كأنما قد قمص من ليط جعل ... كأنما وجهك ظل من حجر
السواد معصفر الرجال.
المتنبي:
إنما الجلد ملبس وابيضاض النف ... س خير من ابيياض القباء
النبي صلى الله عليه وسلم: الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة.
عبد الله بن عمر: هبطنا مع رسول الله من ثنية، فالتفت وعلي ريطة مضرجة بالعصفر، فقال: ما هذه الريطة عليك؟ ويروى: لو أن ثوبك هذا كان في تنور أهلك أو تحت قدر أهلك كان خيراً لك. فأتيت أهلي وهم يشجرون تنوراً لهم فقذفتها فيه. ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله، ما فعلت الريطة؟ فأخبرته، فقال: أفلا كسوتها أهلك؟ فإنه لا بأس بها للنساء.
رافع بن خديج: خرجنا مع رسول الله في سفر، فرأى على رحالنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر، فقال: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم؟ فقمنا سراعاً حتى نفر بعض إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها.
عمران بن الحصين: قال رسول الله: لا أركب الأرجوان، ولا ألبس العصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير.
هلال بن عامر عن أبيه: رأيت النبي صلى الله عليه يخطب على بغلة وعليه برد أحمر، وعلي أمامه يعبر عنه.
وعن البراء: رأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه.
إبراهيم بن المهدي:
بدر إذا لبس البياض تخاله ... كالياسمين منضداً في المجلس
وإذا بدا في صفرة فكأنه ... نسرين بستان كريم المغرس
وإذا بدا في صفرة مع خضرة ... شبهته في الحسن طاقة نرجس
أسلم مولى عمر: رأى عمر على طلحة ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو مدر، فقال: إنكم أيها الرهط أئمة تقتدي بكم الناس، ولو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال إن طلحة كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام.
وروي: رأى عليه ثوبين ممشقين من المشمق وهو المغرة، والممصرة نحوه.
وفي حديث عيسى عليه السلام ينزل بين ممصرتين.
قال معاوية لصحار بن عباس العبدي: يا أزرق! قال: البازي أزرق! قال: يا أحمر! قال: الذهب أحمر! بشار:
هجان عليها حمرة في بياضها ... تروق بها العينين والحسن أحمر
القنائي؛ جمال كل مجلس أن يكون سقفه أحمر وبساطه أحمر.
أبو رمثة: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه، فرائه عليه بردان أخضران.
الصنوبري:
أنت في لباس لها أخضر ... كما لبس الورق الجلنارة
فقلت لها ما اسم هذا اللباس ... فأدت جواباً لطيف العبارة
شققنا مرائر قوم به ... فنحن نسميه شق المرارة
النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الزرق فإن فيها يمناً.
قيل لحكيم: ما لفلان يختضب؟ قال: يخاف أن يؤخذ بأفعال المشايخ فلا توجد عنده فيفتضح.
عقبة بن عامر: عنه عليه السلام: عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام، إنه يصفي البصر، ويذهب بالصداع، ويزيد في الباه. وإياكم والسواد، فإنه من سود سود الله وجهه يوم القيامة.
يقال: فلان يسود وجه النذير. إذا اختضب.
عنه عليه السلام: عليكم بالخضاب، فإنه أهيب لعدوكم، وأعجب لنسائكم.
كان عبد الرحمن بن الأسود أبيض اللحية والرأس، فغدا ذات يوم وقد حمرهما. فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ.
/اللباس، والحلي من القلائد والأسورة والخلاخيل والخواتم، وذكر البسط والمفارش والوسائد. وما جانس ذلك

في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: البس الخشن من الثياب والصفيق منها تذللاً لله، عسى العز والفخر لا يجد فيك مساغاً. وتزين أحياناً في عبادة الله بالشارة الحسنة تعففاً وتكرماً وتجملاً، فإن ذلك لا يضرك، وعسى أن يحدث لك ذكراً.
أنس: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في عباءة له يهنأ بعيراً.
وعنه: رأيته يسم الغنم في آذانها، فرأيته مؤتزراً بكساء.
علي عليه السلام: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه إزرار فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعة من ثيابنا.
كان كم قميص علي لا يجاوز أصابعه، ويقول: ليس للكمين على اليدين فضل. واشترى قميصاً فجاوزه كفه أصابعه، فقطعه، وقال للخياط: خطه.
ورؤي علي وعليه إزار خلق مرقوع، فقيل له، فقال: يخشع له القلب، وتذل به النفس.
طاووس: من زعم أن الثياب لا تغير القلوب فقد كذب، لأني أغسل ثوبي هذين فأنكر نفسي ما دام نقيين.
ورأى فيه من قريش يطوفون فقال: إنكم تلبسون ثياباً ما كان آباؤكم يلبسونها، وتمشون مشية ما يحسن الزفافون يمشونها.
كان عمر بن عبد العزيز تشترى له الحلة بألف دينار، فيقول: ما أجودها لولا خشونة فيها! فلما استخلف كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم، فيقول: ما أجوده لولا لينه! سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وكان يلقب بالمبقع للسنة، في أبي بكر بن حزم:
إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خير الثياب وتشبعوا
فإذا تذوكرت المكارم ويلكم ... في مجلس أنتم به فتقنعوا
المبرد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرع الشيء على غير جهة التلذذ، ولكن على جهة الإحلال والإستنان، ألا ترى أنه لبس حلة كسرى التي اشتراها له الأنصاري، فخطب فيها، ثم نزل فوهبها لأسامة. فيقال: إن أبا سفيان بن حرب لما رأى ذلك جعل ينكره، ويقول، أحله كسرى بن هرمز على ابن الشاة؟! يعني أسامة، وذلك لأن أسامة ماتت أمه وهو صغير، فغذي بلبن شاة.
مسلم بن يسار: إذا لبست ثوباً فظننت أنك فيه أفضل مما في غيره فبئس الثوب هو لك.
منصور بن عمار: من تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من لباس الدنيا.
المهلب: ما رأيت أحداً بين يدي قط إلا أحببت أن أرى ثيابي عليه، فاعلموا يا بني أن ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم.
دخل محمد بن عبد الرحمن القرظي على سليمان بن عبد الملك في ثياب رثة، فقال: ما يحملك على لبس هذه الثياب؟ قال: أكره أن أقول الزهد فأطري نفسي، أو أقول الفقر فأشكو ربي.
دخل الوليد على هشام وعليه عمامة وشي، فسأله عن ثمنها، فقال: ألف فاستكثره، فقال الوليد: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أعضائي، وقد اشتريت أنت جارية بعشرة آلاف وهي لأخس أطرافك.
لبس ابن أبي دؤاد طيلساناً جديداً، فزال عن منكبه، فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد. فقال له أبو العلاء المهدي: إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه. فوهبه له.
الأصمعي: لقيت أعرابياً فاستنشدته، فأنشدني أبياتاً، وروى لي أخباراً، فتعجبت من جماله وسوء حاله، فسكت سكتة ثم قال:
أ أخي إن الحادثات ... عركتني عرك الأديم
لا تنكرن أن قد رأي ... ت أخاك في طمري عديم
إن كن أثوابي يلبس ... ن فإنهن على كريم
نادى فقير على جبة فلم يطلب بشيء، فقال: ما علمت أني عريان إلا الساعة.
مر مزيد على فقير عليه أثواب فاخرة، فقال: موتاهم، يشهد الله، أحسن حالاً من أحيائنا.
ابن عباس: كل ما شئت، وألبس ما شئت إذا أخطأتك اثنان سرف أو مخيلة.
كان ابن عباس: يرتدي رداء قيمته ألف. واشترى تميم الداري حلة بألف ليصلى فيها.
كان ببغداد رجل مجنون يلبس فروته مقلوبة، ويقول: لو علم الله أن الصوف إلى داخل أجود جعل الصوف إلى داخل.
كان الأعمش يلبس قميصه مقلوباً، ويقول: الناس مجانين، يجعلون الخشن إلى نفوسهم، واللين إلى عيون الناس.
وكيع: راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب فروته، وجعل على كتفه منديل الخوان مكان الرداء.
ابن مسعود رضي الله عنه: كونوا جدد القلوب خلقان الثياب، تخفون في الأرض وتعرفون في السماء.

جاء سيار أبو الحكم إلى مالك بن دينار في ثياب اشتهرها مالك، فقال له: ما هذه الشهرة؟ فقال سيار: أتضعني عندك أم ترفعني؟ قال: بل تضعك، قال أراك تنهاني عن التواضع، فقعد مالك بين يديه.
أيوب: يقول الثوب اطوني أجملك.
عروة بن الزبير: يقول الملل أرني حاجتي.
عمرو: يقول الثوب أكرمني داخلاً أكرمك خارجاً، وكان يقول: لكل شيء راحة، وراحة البيت كنسهن وراحة الثوب طيه.
قال المتوكل لابن أبي قتن: ثيابك يا أحمد في رزمة لا في تحت، قال: كذلك هي يا أمير المؤمنين، قال: لا تفعل، إنها في التخت أبقى وأنقى، بأن لي ذلك في تكسرها.
القلاح بن حزن:
ولم أر أثواباً أجر لخزية ... وألأم مكسواً وألأم كاسيا
من الخرق اللائى ضببن عليكم ... كسيتم ثياباً أم كسيتم مخاريا
أعرابي: لقد رأيت بالبصرة بروداً كأنها نسجت بأنور الربيع فهي تروع، وللأبسوها أروع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ألبس جديداً وعش حميداً.
كان أزدشير وبهرام جور وأنوشروان يأمرون بإخراج ما بخزائنهم من الثياب عن آخرها، فيكسونها في النيروز والمهرجان، ولا يعلم أحد اقتفى أثرهم إلا عبد الله بن طاهر، فإنه كان لا يترك في هذين اليومين في خزائنه ثوباً واحداً إلا كساه.
كان الملوك لا يلبسون الشعار إلا لبسة واحدة، ثم لم يعودوا إلى لبسه، وكان يزدجرد وأنوشروان وقباذ يغسل شعارهم ثلاث غسلات، ثم يخلعونها على قراباتهم.
قال يحيى بن خالد البرمكي للعتابي في لباسه، وكان لا يبالي ما لبس، فقال: يا أبا علي، أخزى الله امرءً رضي أن ترفعه هبتاه من ماله وجماله، فإنما ذلك حظ الأدنياء من الرجال والنساء، لا والله حتى ترفعه أكبراه، همته ونفسه، وأصغراه: لسانه وقلبه.
عمرو بن معد يكرب:
ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا
إن للجمال معادن ... ومناقب أورثن مجدا
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مروءة الرجل نقاء ثوبيه.
استكسى الفضل بن العباس الهاشمي شاعر، فوهب له قلنسوة، فقال:
كساك فضل بن عباس قلنسوة ... هذا السخاء الذي قد شاع في الناس
لو كان ضم إليها الجور بين معاً ... كفى إذاً كسوة الرجلين والرأس
محارب بن دثار: إنه ليمنعني لبس الثوب الجديد مخافة أن يحدث في جيراني حسد لم يكن.
ليث بن مهاجر عن ابن عمر: من لبس مشهور الثياب ألبسه الله ذلة يوم القيامة.
ذكر أبو الأسود الدؤلي العمامة فقال: هي جنة في الحرب، ومكنة في الحر ومدفأة في القر، ووقار في الندي، وزيادة في القامة، وتعظيم للهامة، وهي تعد من تيجان العرب.
قال المنذر لابنه النعمان : إن لك لساناً وجمالاً، فالبس من القشر ما تزيد به من جمالك.
كان سليمان إذا لبس القميص حكته الشياطين واستهزؤا به، فقال لهم: اعملوا شيئاً ألبسه وأنا أنظر إليكم، فعملوا له القباء، فهو أول من لبسه.
اشترى مزبد لامرأته ثوباً، فقلت: هو خشن، فقال: أيما أخشن هو أم الطلاق؟ فرضيت به.
عرض للمتوكل، وهو يتنزه في حراقة، شيخ عليه مرقعة، فدعا به وكساه ثياب خز، واستوهبه المرقعة، وقال يا كوثر: إذهب بها إلى أمي وقل لها: في الناس من يلبس مثلها لتعلمي ما أنت فيه من النعمة، دخل أبان بن صدقة بقباء جديد على المنصور، وعليه سواد خلق، فجعل ينظر إلى قبائه. فغدا عليه من الغد وعليه قباء خلق، فقال له المنصور: لم غيرت؟ قال: كرهت أن يكون عليك خلق وعلي جديد، فقال له: أنت أحمق، البس أحسن ما عندك، فإن الناس يعلمون أني أقدر على ما أشاء من الثياب، وأنت إذا رأوك في ثوب خلق ظنوا أن ذلك من سخطي عليك، وأنك لا تقدر على شيء.
أبو هفان العبقسي:
تعجبت در من شيبي فقلت لها ... لا تعجبي فطلوع الفجر في السدف
وزادها عجباً أن رحت في سمل ... ومادرت در أن الدر في الصدف
قيل لعابد: لو لبست قميصاً أجود من قميصك! فقال: ليت قلبي في القلوب مثل قميصي في القمص.
الحسن: من لبس الصوف تواضعاً زاده الله نوراً في بصره ونوراً قلبه، ومن لبس الكبر والخيلاء كور في جهنم مع المردة.

قيل لراهب بالشام وعليه مدرعة صوف ضيقة الكمين: لم ضيقت كميك؟ قال الشيخ: أمرنا أن نضيق أكمامنا لئلا ندخر فيها شيئاً إذا فضل منا.
خاطر الرشيد عيسى بن جعفر على مائة ألف أن يلبس ثوباً ليس له مثله، فلما لبسه قال له عيسى: عندي فرش من هذا، فأحضره وأخذ المال. ثم خاطره على مائة ألف أن يلبس جبة ليس له مثلها، فأحضر أحسن منها وانصرف بمائتي ألف. فاغتاظ الرشيد، فقال إبراهيم بن المهدي: إن أجبت أن تسترجع المائتين ومثلهما فخاطره والبس البردة، فدعا به فخاطره، فغلبه، وأخذ أربعمائة ألف وأعطاها إبراهيم.
مهدي بن ميمون: رأيت الحسن إذا دخل منزله كان له سحق ثوب يلبسه.
مضرس بن ريعي:
وليس يزين الرحل قطع وتمرق ... ولكن يزين الرحل يامي راكبه
كان يقال: كل من الطعام ما تشتهيه، وإلبس من الثياب ما تشتهيه الناس، وقد نظمه من قال:
إن العيون رمتك إذ فاجأتها ... وعليك من شهر الثياب لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت ... واجعل لباسك ما اشتهاه الناس
كان يقال: ثوب كلعاب الشمس وخلع الهلال، لو رآه أصحاب الكلام لجعلوه من حيز الأعراض دون الأجسام. الهلال الحية.
ربما بلغت قيمة الحمل من رق مصر مائة ألف دينار.
يقال في الثياب المنسوبة: برود اليمن، ووشي صنعاء، ريط الشام، وأردية مصر، وأكسية فارس، وديباج الروم، وحلل البحرين، وعمائم الأبلة، ومناديل دامغان، وتكك أرمينية، وجوارب قزوين.
الحمدوني في طيلسان خلق أهداه له محمد بن حرب:
كم رفوناه إذ تمزق حتى ... بقي الرفو وانقض الطيلسان
وقال:
فيما كسانيه ابن حرب معتبر ... فانظر إليه فإنه إحدى الكبر
قد كان أبيض ثم ما زلنا به ... نرفوه حتى أسود من صدأ الإبر
وقال:
يا ابن حرب أطلت فقرى برفوى ... طيلساناً قد كنت عنه غنيا
فهو في الرفو آل فرعون في ال ... عرض على النار بكرة وعشيا
وهي قريب من مائتي قطعة تفنن في معانيها.
عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه، وقبض صلى الله عليه وسلم والخاتم في يمينه.
وذكر السلامي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانية بذلك، ثم نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيام الرشيد فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك.
وروي عن عمرو بن العاص أنه سله يوم التحكيم من يده اليمنى وجعله في اليسرى، وقال: خلعت علياً من الخلافة كما خلعت خاتمي من يميني، وجعلتها إلى معاوية كما أدخلت خاتمي يساري.
علي رضي الله عنه رفعه: تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم ما دام ذلك عليه.
أبو هقان العبقسي:
لعمري لئن بيعت في دار غربة ... ثيابي لما أعوزتني المآكل
فما أنا إلا السيف يأكل جفنه ... له حلية من نفسه وهو عاطل
بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنه اشترى قص خاتم بألف، فكتب إليه: عزمت عليك لما بعت خاتمك بألف، وجعلتها في ألف بطن جائع، واستعملت خاتماً من ورق فضة، ونقشت عليه: رحم الله امرءً عرف نفسه.
كان على فص أبي العتاهية و(له ابن) اسمه زيد: أبا زيد ثق، فتأوله الناس أنا زنديق.
قالت امرأة لأشعب: هات خاتمك أذكرك به، قال اذكريني بأني لم أعطك.
قيل لعمر رضي الله عنه: لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فسأل علياً رضي الله عنه، فقال: إن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها. وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله على حاله، ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكاناً، فأقره حيث أقره الله ورسوله. فقال له عمر: لولاك لافتضحنا! وتركه.
جعفر بن محمد عليه السلام: إن المؤمن ليتنعم بتسبيح الحلي عليه في الجنة، في كل مفصل من المؤمن في الجنة ثلاثة أساور من ذهب وفضة ولؤلؤ.
سلمة بن شقيق الأسدي:
العير عير وإن صيغت خلاخله ... من الزبر جد والمرجان والذهب

فرطا مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الكندي، وهي التي في قول حسان:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
مثل في النفاسة، يقال: خذه ولو بقرطي مارية. كانت فيهما درتان كبيض الحمام، ولم ير مثلهما، ولم يدر ما قيمتهما.
وسبحة زندان قهرمانة المقتدر مثل أيضاً، كانت فيها ثلاثون درة متحدة في الوزن والقدر، وعشرة يواقيت لم ير أمثالها في عقد ملكة ولا خزانة ملك.
ما ذم إبلي عجم ولا عرب ... خدودها مثل طواويس الذهب
هذه حلي كانت نساء العرب تتخذها على خلقة أجنحة الطواويس.
حذا علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعلين جديدين، فلما رآهما استحسنهما، فخر ساجداً ثم قال: أعوذ بنور وجهك إن استحسن شيئاً مما أبغضت، فتصدق بهما ولم يلبسهما.
قال فضيل في قوله تعالى: لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً: لا يستحسن شسعه على شسع أخيه.
الأحنف: استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال.
جابر بن عبد الله: تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه.
ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يذكر الشيء أوثق في خاتمه خيطاً.
جعفر بن محمد: كان خاتم علي من ورق، ونقشه: نعم القادر الله.
كان لأبي نواس خاتمان، أحدهما عقيق مربع وعليه:
تعاظمني ذنبي فلما عدلته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
والآخر حديد صيني وعليه: الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً. وأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه.
يزيد بن الخطيب: بعثني الرشيد إلى ملك الروم، فأنس بي، وقال لي يوماً: أريك شيئاً ما رأيت مثله قط، فأخرج إلي ستر إبريسم منسوجاً بالذهب، عرضه نيف وثمانون ذراعاً، في طول مائة ذراع، ولم يتم بعد، في أعلاه مكتوب سطرين: بسم الله الرحمن الرحيم مما عمل لسام بن نوح.
قرئ على ستر بالموصل: هذا ستر حسن، وستر الله أحسن.
فلان يتبختر في استبرق بعد اشتماله بكساء أبرق.
دعبل في أبي العلاء المغنى:
سألنا خلعة على ما يغنى ... فخلعنا على قفاه النعالا
آخر :
عمرته الرقاع فهو كمصر ... سكنته نزاع كل قبيلة
لقيت سكينة بنت الحسين سعدة بنت سلم بن عبد الله بن عمر بين مكة ومنى، ومع سكينة بنت لها، فقالت لها: قفى يا بنت سالم، فوقفت، فكشفت عن بنتها فإذا هي قد أثقلتها بالدر، فقالت: والله، ما ألبستها إياه إلا لتفضحه.
عبيد الله بن كليب السلمى:
يا طيلسان أبى حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذ بالعمر
إذا ارتداك لعيد أو لجمعته ... تنكب الناس أن يبلى من النظر
الغطمش الضبي:
ولو أخذوا نعل الغطمش لاحتذوا ... لأرجلهم منها ثماني أنعل
جعفر بن محمد: ما افتقرت كف تختمت بفيروزج.
بعضهم: كان عندي جوهر أعرضه فلا يطلب إلا بدون ما ابتعته، فقلت لحميد النظام: ما الحيلة؟ فقال: أنا أتولى بيعه. ولي من كل زيادة مائة درهم على ما اشتريته خمسة دراهم، فأخذه ونظمه مراراً حتى وقفت عينه على غاية استحقاق تأليفه، ثم أخرجه فبلغ زيادة ثلاثة آلاف على الثمن، فأخذ مائة وخمسين.
سبتني بعينيها وتأليف عقدها ... فصرت سليب القلب بالعين والعقد
ولم تر عني نحرها غير أنها ... أرتنيه من تحت الجمان على عمد
أراد عمرو بن مسعدة الركوب إلى دار المأمون في جبة وشي مظاهرة، فقال له إبراهيم بن نوح: لا تفعل. فقال عمرو: أتنكر لمثلى وغلتي في الشهر كذا؟ قال: إن غلتك مسموعة، وهذه ملحوظة.
كان ملك العرب كلما مرت سنة من سني ملكه زيد في تاجه خرزة، فكان يقال لها خرزات الملك. ولما بلغت خرزات النعمان أربعين قتله أبرويز، وإياه عنى لبيد.
رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى قاد والشيب شامل
قميص عثمان الذي قتل فيه مثل فيما يهيج الحزن ويجدد الحسرة والبكاء. وعن عمرو ابن العاص أنه لما أحس من العسكر فتوراً أشار على معاوية بأن يبرز لهم قميص عثمان، فلما وقعت عيونهم عليه ارتفعت ضجتهم بالبكاء والنحيب، وجدوا في الحرب، فعندها قال: حرك لها حوارها تحن.

ولما قتلت الترك المتوكل بمواطئة المنتصر وأفضى الأمر بعده وبعد المستعين إلى المعتز لم تزل أمه قبيحة تحرضه على الانتصار من قتلة أبيه، ويعلم أن لا قوة به عليهم. فلما طل بها الانتظار أبرزت له قميص المتوكل الذي قتل فيه، وجعلت تبكي وتضرع، فقال: يا أماه، ارفعي القميص وإلا صار قميصين. فعندها سكنت.
كما ابن الزبير بني أسد دون غيرهم حلتين حلتين، فقال أبو العباس الضرير:
كست أسد إخوانها ولو أنني ... ببلدة إخواني إذاً لكسيت
فأمر عبد الله بكسوته، فأعطي أربعمائة قميص سوى الجباب والأردية والطيالسة.
كان سليمان بن عبد الملك يلبس المصبغات ويقول: ما جعل النساء أحق بالصبغ من الرجال، وكان يخطب فيها، فقيل له حسان قريش.
قحذم: بعثني يوسف بن عمر إلى هشام بياقوتة حمراء، يخرج طرفاها من كفي. كانت للرائقة جارية خالد بن عبد الله القسري، اشتراها بثلاثة وسبعين ألف دينار، وحبة لؤلؤ أعظم مما يكون من الحب، فدخلت عليه فدنوت منه، فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش، فتناول الحبة والحجر، فقال: فقال: أكتب معك بوزنها؟ قلت: يا أمير المؤمنين، هما أعظم من أن يكتب بوزنهما، ومن أين يوجد مثلهما؟ قال: صدقت.
دخل أبو نخيلة على هشام وعليه لحاف سمور مظهر بخز، فرمقه أبو نخيلة، فقال: ما بالك ترمقه ولست من أهله؟ قال: صدقت يا أمير المؤمنين، ولكني من أهل الشرف والافتخار، فرمى به إليه.
ثم دخل عليه، وعليه جبة خز، فقال: يا أمير المؤمنين ، لا أحسن أن أنظر إليك، قال: ولم؟ قال: أخاف أن تقول: ومالك ترمق الجبة؟ قال: أو أعجبتك؟ فرمى بها إليه.
ودخل عليه، وعليه رداء وشي أفواف، فجعل ينكت بإصبعه على الأرض ويقول:
كسوتنيها فهي كالتجفاف ... كأنني فيها وفي اللحاف
من عبد شمس أو بني مناف ... والخز مشتاق إلى الأفواف
فرمى بالرداء إليه.
كان الزبير بن العوام يقاتل يوم بدر وعليه عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر قد أرخوها.
كان عبد الله لا يكسو أسماء كسوة إلا كساها مصعب مثلها.
دفع مصعب بن الزبير لما أحس بالقتل إلى مولاه زياد فص ياقوت قام عليه بألف ألف درهم، فقال له: انج بهذا، فأخذه فدقة بين حجرين وقال: والله لا أنتفع به بعدك.
عبد الله الفقير إليه:
وإذا كسوت فجبة وعمامة ... ما واحد الثوبين بالحسن
لم يستقم في حكمه بدن بلا ... رأس ولا رأس بلا بدن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، فتخلف عن الجيش، وغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة خز سوداء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خلفك عن أصحابك؟ قال: أحببت أن أكون آخرهم عهداً بك. فأجلسه، فنقض العمامة، وعممه بيده وأسدلها بين كتفيه قدر شبر، وقال: هكذا فاعتم يا ابن عوف.
كان الحكم بن المطلب إذا انقطع شسعه خلع النعل، فانقطع شسعه يوماً. فخلع النعل الأخرى ومضى. فأخذ نعليه نوبي فسوى الشسع وجاءه بالنعلين في منزله، وقال: سويت لك الشسع. فدعا جاريته بثلاثين ديناراً فدفعها إليه وقال: ارجع بالنعلين فهما لك.
كان لسليمان بن علي جارات من عنزة يغزلن على سطح لهن بالليل، فقلن: لو أن الأمير اطلع علينا فأعطانا ما يغنيننا! فسمع بذلك فقام يطوف في القصر، حتى جمع حلياً كثيراً ما أمكنه، فجعلها في منديل ورمى بها إليهن.
ولى عمر رضي الله عنه السائب مغانم نهاوند، فقال له بعض دهاقينها: هل لك أن أدلك على كنز النخيرجان وتعطيني الأمان على نفسي وأهلي ومالي؟ وكان النخيرجان من عظماء فارس، وله امرأة جميلة، فتولع بها كسرى وجعل يختلف إليها، فقال له سائسه: إن الملك يأنى أهلك. فاجتنبها النخيرجان. فقال له كسرى: بلغني أن لك عينا عذبة وأنك لا تشرب منها، قال: إني واجدت عند تلك العين أثر السبع فاجتنبتها، فوثب عن سريره وفرح فرحاً شديداً، وأمر بتاجين فصيغا له ورصعا بألوان الجواهر.
فاستخرجهما الدهقان في سفطين، وجاء بهما السائب إلى عمر، فنظر إلى الجوهر فحول وجهه عنه خوف الافتتان، وأمر برفعه. ثم رأى في المنام من ليلته أن الملائكة أتته بالسفطين وفيهما جمر يتوقد، فقسم الجوهر على الذرية والمقاتلة.

أهدى يزيد بن معاوية إلى معاوية إلى عبد الله بن جعفر هدية فيها در وجوهر وعطر وكسى فقال للرسول: اختر ما شئت منها، فاختار فصاً من ياقوت أحمر وجد في خزائن ذي القرنين مما كان لدارا بن دارا، فقال: خذه وكل ما في السفط، فقال: أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين! قال: ومن يبلغ ذاك إلا أنا وأنت؟ فأخذه.
نهي عن الشهرتين وذلك أن يكون الثوب فاخراً مرتفعاً أو سخيفاً منحطاً.
وعن عبد الله بن عامر أنه كان يطوف وعليه ثياب رقاق يسحبها، فأنكر عليه فتى من النساك، وقال: أما علمت أن الله يبغض الشهرة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الشهرة شهرتان، فنهرة مثل ثيابي، وشهرة مثل ثيابك، وكان على الفتى كرباستان مشهرتان.
لم يغسل عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ثوباً قط، كلما استغسل ثوبه كساه. فكلما أراد أحد من أهله أو من غيرهم شيئاً من ثيابه قال له: استغسل ثوبك، فيدفعه إليه.
جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرد، فقالت: إني نويت أن أعطي هذا البرد أكرم العرب، قال: أعطيه هذا الغلام سعيد بن العاص. فبذلك سميت البرود السعدية.
بعث معاوية إلى عائشة رضي الله عنها طوقاً من ذهب، فيه جوهر قوم بمائة ألف، فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
أبو أمامة الباهلي رفعه: عليكم بلباس الصوف تجدوا حلاوة الإيمان في قلوبكم، وعليكم بلباس الصوف تجدوا قلة الأكل، عليكم بلباس الصوف تعرفوا به الآخرة، فإن النظر في الصوف يورث في القلب التفكر، والتفكر يورث الحكمة، والحكمة تجري مجرى الدم. فمن كثر تفكره قل طعمه وكل لسانه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه، والقلب القاسي بعيد من الله بعيد من الجنة، قريب من النار.

اللهو، واللعب، واللذات، والقصف
وذكر التبذير وما يتصل به، واتباع الشهوات البراء رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهواته في الآخرة. ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مقيتاً في ملكوت السماوات. ومن صبر على القوت الشديد صبراً جميلاً أسكنه الله من الفردوس حيث شاء.
معاذ بن جبل: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.
أبو هريرة رفعه: شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسادهم.
حكيم: اجتنب الشهوة فإنها رأس كل مهلكة، ألم تر السباع الضاربة والبزاة الصائدة كيف تصاد بالشهوة فتصير في أيدي الناس أسري؟ أبو سليمان داود بن نصير الطائي صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه: إذا كنت تشرب الماء البارد المروق، وتأكل اللذيذ الطيب ، وتمشي في الظل الظليل ، فمتى تحب الموت والقدوم على الله؟.
وقل لداود: إلا تتحول من الشمس؟ فقال: إني لأستحي من ربي إن انقل قدمي إلى ما فيه راحة بدني.
وصف بعض البلغاء طروباً فقال: انه لأطرب من زنجي عاشق سكران.
قال الحجاج لخزيم الناعم: ما النعمة؟ فقال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش. قال: زدتي، قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش. قال: زدني، قال: الشباب، فإني رأيت الهرم لا ينتفع بعيش . قال: زدني،قال : لا أجد مزيدا.
أبو نواس:
شققت من الصبا واشتق مني ... كما اشتقت من الكرم الكروم
فلست أسوف اللذات عني ... مياومة كما دفع الغريم
آخر:
فلله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني والبطالة جانب
نظر أعرابي إلى رجل جالس على الماء يرمي فيه بالدنانير، فقال: يا هذا، لقد أراحتك النعمة وأتبعتها.
قال: عمرو بن العاص لمعاوية : ما بقى من لذتك؟ قال: عين خرارة في أرض غوارة، وعين ساهرة لعين نائمة.
وقال عمرو: أن ؟أبيت معرسا بعقيلة من عقائل الحي.
وقال وردان: الأفضال على الإخوان. فقال معاوية:اسكت فأنا بهذا منك. قال: قد أمكنك فافعل.
وروى أنه قال: أن ألقى كريما قادرا بعقب إحسان كان مني إليه.
وقال سليمان لابنه: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره، الكثبان العفر.
وقيل لعبد الملك ، فقال: محادثة الإخوان في الليالي القمر على وامتطينا الالعذراء، فلم يبق من لذتي إلا صديق اطرح بيني وبينه مؤونة التحفظ.

وقيل لأعرابي: فيم اللذة؟ قال في قبلة على غفلة.
وقيل آخر سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب .
وقال الطفيلي: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا تجيش نفسه من الجرع.
وقال آخر: فيندامى تغلق دورهم وتغلى قدورهم.
وقال العالم: في حجة تتبخر اتضاحاً، وشبهة تتضاءل افتضاحاً.
وقال الراعي : في واد عشيب، ولبن حليب.
وقال العابد: في عمل يخلص، ورياء ينقص، وقلب عن الدنيا يسلو، وهمت إلى الله تعلو.
وقال أعرابي: اشتهى محضاً روياً، وضياً شوياً.
وقال المضياف : في كوم تنحر، ونار تسعر، وضيف ينزل، وآخر يرحل.
وقال االمغنى: مجلس يقل هذره، وعود ينطق وتره، ورجل عقول، يفهم ما أقول.
وقال: الشجاع: طرف سريع وقرن صريع.
وقال البحار: شربة من ماء الفنطاس بقشر النارجيل، ونومة في ظل الشراع.
عبد الرحمن بن الرحمن بن الحكم: لذة العيش زحف الأحرار إلى طعامك، وبذل الأشراف وجوههم لك، وقول المنادى الصلاة أيها الأمير.
اجتمع عبد اله بن عمر، وعروة ومصعب ابنا الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت، قال: ولاية العراق وتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، فنال ذلك، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف وجهزها بمثلها. وتمنى عروة الفقه وأن يحمل عنه، فناله، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنالها وتمنى ابن عمر الجنة.
ولى يحيى البرمكي ابنه الفضل خراسان، فبلغه إقبال منه على اللهو، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني عنك ما كنت جديراً بغيره، وقد يهفو ذو الحنكة، ويزل الحليم، ثم يعود إلى ما هو أولى به، حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك، وقد كتبت إليك بأبيات إن تجاوزتها صرمتك حولاً، وعزلتك عن سخط.
انصب نهاراً في طلاب العلى ... واصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل بدا مقبلاً ... واستترت فيه وجوه العيوب
فبادر الليل بما تشتهي ... قائماً الليل والنهار الأديب
كم من فتى تحسبه ناسكاً ... يستقبل الليل بأمر عجيب
غطى عليه الليل أستاره ... فبات في أمن وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو رقيب
فارتدع عما كان فيه.
أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات، أولها يسألونك عن الخمر والميسر، فكان المسلمون بين شارب وتارك، إلى أن شرب رجل ودخل في الصلاة فهجر، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فشربها من شرب من المسلمين، حتى شربها عمر فأخذ لحي بعير فشج رأس عبد الرحمن بن عوف، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن عبد يغوث.
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الفتيان والشرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر ... من الشيزى المكلل بالسنام
أ يوعدنا بن كبشة أن سنحيى ... وكيف حياة أصداء وهام
أيعجز أن يرد الموت عني ... وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج مغضباً يجر رداءه، فرفع شيئاً كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله.
فأنزل الله تعالى: إنما يريد الشيطان، إلى قوله: فهل أنتم منتهون.
فقال عمر: انتهينا.
قال عبد الملك بن مروان لنصيب: هل لك فيما يتنادم عليه؟ فقال: يا أمير المؤمنين تأملني، فإن جلدي أسود، وخلقي مشوه، ولست في منصب، وإنما بلغ بي مجالستك عقلي، فأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه، فأعجبه كلامه وأعفاه.
استوصف رجل ابن ماسويه دواء الباه، فقال: عليك بالكباب والشراب، وشعر أبي الخطاب. هو عمر بن أبي ربيعة.
أتى عبد الملك يعود، فقال للوليد بن مسعدة الفزاري: ما هذا؟ قال: عود يشقق، ثم يرقق، ثم يلصق، ثم تمد عليه أوتار، وتضرب به القيان فيطرب له الفتيان، وتضرب رؤوسها بالحيطان. وامرأتي طالق إن كان أحد في المجلس إلا وهو يعلم منه مثل ما أعلم، أولهم أنت يا أمير المؤمنين. فضحك وقال: مهلاً يا وليد.

قيل لأعرابي: أما تشرب النبيذ؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلي.
علي بن أبي كثير مولى بني أسد:
سقاني ثلاثاً بعد سبع وأربع ... فخثرن ما بين الذؤابة والنعل
ورحت أجوب الأرض أو كل متنها ... إذا هي مالت بي ليعدلها ركلي
ترى عيني الحيطان حولي كأنها ... تدور ولو كلمتني قلت ذو خبل
فلا العين تهديني وبالرجل ما بها ... فلأياً بلأي ما دفعت إلى أهلي
تهوع سكران في طريق فلحسن كلب شفتيه، فقال: خدمك بنوك ولا عدوك. ثم شعر على وجهه، فقال: وماء حار أيضاً؟ بارك الله عليك! كان لأبي تمام صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت أن تنام عندنا فافعل.
مر أبو نؤاس برجل ينشد:
وما مسها نار سوى أن علجهم ... سعى في نواحي كرمها بسراج
فالتفت إليه فقال: ما له أحرق الله قلبه كما أحرقها؟! خرج سوار القاضي إلى المسجد ماشياً، فلقيه سكران فقال: القاضي أعزه الله يمشي! امرأتي طالق إن حملته إلا على عاتقي. فكره سوار إن تطلق امرأته، فقال: ادن يا خبيث، فحمله على عاتقه، ثم رفع رأسه فقال: أ أهملج أم أعنق؟ فقال: مشياً بين مشيين، واحذر الآبار والزلق، والصق بأصول الحيطان. فقال: كأنك أردت المرائي من الفروسية. فلما أوصله إلى المسجد أمر بحبسه، فقال: أهذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.
السكارى ثلاثة: قرد حرك رأسه ورقص، وكلب هارش ونبح، وحية زويت فنامت.
مر عقال الناسك بمرداس بن خذام الأسدي فاستسقاه لبناً، فصب له خمراً وعلاه باللبن، وشربه فسكر ولم يتحرك ثلاثة أيام، فقال:
سقيت عقالاً بالثوية شربة ... فمالت بعقل الكاهلي عقال
قرعت بأم الخل حبة قلبه ... فلم ينتعش منها ثلاث ليالي
قال رجل لابن له يتعاطى الشراب: يا بني دع الشراب، فإنما هو قيء في شدقك، أو سلح على عقبك، أو حد في ظهرك.
قال عبد الملك للأخطل: صف لي الخمر. قال: أولها صداع وآخرها خمار. قال: فما يعجبك منها؟ قال إن بينهما طربة لا يعدلها ملكك، وأنشأ يقول:
إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير
سمع عالم قول الشاعر: ما لها تحرم في الدنيا وفي الجنة منها؟ فقال: لصداع الرأس ونزف العقل. ذهب إلى قوله تعالى: لا يصدعون منها ولا ينزفون.
قال الضحاك بن مزاحم لرجل: ما تصنع بشرب النبيذ؟ قال: يهضم طعامي. قال: ما يهضم من دينك وعقلك أكثر.
كانت مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة تحت زبان بن سيار، فمات عنها وخلف ابنه عليها، فأخبر بذلك عمر رضي الله عنه وبأنه يشرب، ففرق بينهما ونهاه عن الشرب، فقال:
ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهر ... إذا ذهبت عني مليكة والخمر
فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فحي ابنة المري ما طلع الفجر
كان لأزدشير غلامان ذكيان موكلان بحفظ ألفاظه إذا غلب عليه السكر، أحدهما يملى، والآخر يكتب حرفاً حرفاً، فإذا صحا قرئ عليه، فإن كان فيه شيء خارج عن آيين الملوك وآدابهم جعل على نفسه ألا يزمزم ذلك اليوم إلا على خبز الشعير والجبن عقوبة لنفسه.
اجتمع محدث ونصراني في سفينة، فصب النصراني من زكوة كانت معه في مشربة وشرب، وصب فيها وعرضها على المحدث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصراني: جعلت فداك، إنما هو خمر، فقال: من أين علمت أنها خمر؟ قال: اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر. فشربها بالعجلة، وقال للنصراني: أنت أحمق، نحن أصحاب الحديث نضعف سفيان بن عينة ويزيد بن هارون، أ فنصدق نصرانياً عن غلامه عن يهودي، والله ما شربته إلا لضعف الإسناد.
ممن حرم الخمر في الجاهلية علقمة بن نضلة، وقال:
لعمرك إن الخمر ما دمت شارباً ... لمذهبة مالي ومنسية حلمي
وجاعلني من الضعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصديق بلا جرم
وقيس بن عاصم، وذلك أنه شرب، فلما سكر مد يده ليلتمس القمر، فلما أصبح أخبر، فاستسفه فعله وحرمها، وقال: لا أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم وقال:
تركت القداح وعزف القيان ... والخمر تصفية وابتهالا
وقال ابن أوفى لقومه حين نهوا عن شرب الخمر:

أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل
فإني وجدت الخمر شيئاً ولم يزل ... أخو الخمر حلالاً شرار المنازل
كان رجل يقول لوكيله: اشتر لي المطبوخ وحلف الخمار على أنه مطبوخ. فيأتي بالمطبوخ، فيقول الرجل: ليس له صفاء ولا حسن، أريد أرق منه. فلا يزال يردده حتى يأتيه بالخمر الصرف، فيقول: أما أحلفت الخمار؟ أما استوثقت منه؟ فيقول: بلى، فيقول: ثقة والله وقد حج. ثم يتعد يشربه بقلب مطمئن.
الخمر مصباح السرور، ولكنها مفتاح الشرور.
اترك النبيذ قبل أن يبلغ الحد الذي يوجب الحد.
المهلبي الوزير: الشراب بغير دسم سم، وبغير نغم عم.
تغدى الحجاج عند عبد الملك، ثم دعا بالشراب، فقال: أعفني يا أمير المؤمنين، فإني أضرب عليه أهل العراق، فو الله لئن شربته لا ضربت عليه أبداً. قال: يا أبا محمد، إنه نبيذ الرمان، يشهى الطعام، ويزيد في الباه، قال: أما قولك يشهى الطعام، فوددت أن هذه الأكلة كفتنى حتى أموت، وأما قولك يزيد في الباه، فحسب الرجل أن يصرع في كل شهر مرة.
أبو حنيفة عن إبراهيم: كانت الرواية كل سكر حرام فزادوا فيها ميماً.
أخذ الطائف فتياناً يشربون ومعهم أعرابي، فأتي بهم الحجاج. فقال الأعرابي: والله ما كنا في شر، قدم إلينا هذا الكريم عافاه الله خبزاً من لباب البر، ولحماً من سمان الضأن، وطيباً من نبيذ السعن، وعنده رجل معه خشيبة يعرك أذنيها فينطق جوفها، فبينا نحن على أحمد حال وأرضاها إذ وغل هذا اللئيم، فأكل وشرب حتى إذا تضلع غدر بنا، وساقنا إليك لؤماً وسفالة.
فضحك الحجاج، ووهب لهم الطائف يفعلون به ما شاءوا.
يزيد بن المهلب: وددت لو أن كل كأس بألف دينار، وكل منكح في جبهة الأسد، فلا يشرب إلا جواد، ولا ينكح إلا شجاع.
الحسن: لو كان العقل عرضاً لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب لمن يشتري شيئاً بماله يشربه فيذهب عقله.
وعن عبد الله بن الأهتم: لو كان العقل يشترى ما كان علق أنفس منه، فالعجب لمن يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه، فيقيء في جيبه ويسلح في ذيله، يمسي محمراً، ويصبح مصفراً.
النبي صلى الله عليه وسلم : من بات سكران بات للشيطان عروساً.
عيسى عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والنساء حيائل الشيطان، ولخمر داعية للشر.
شاعر:
بلوت النبيذ بين في كل بلدة ... فليس لإخوان النبيذ حفاظ
إذا دارت الأرطال أرضوك بالمنى ... وإن فقدوها فالوجوه غلاظ
حكيم: إياك وإخوان النبيذ، فبينا أنت متوج عندهم مخدم، مسجود له معظم إذ زلت بك القدم، فجروك على شوك أسلم. واحفظ قول القائل:
وكل أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم
لئن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنني بالفاسقين عليم
شرب رجل من إداوة عمر رضي الله عنه، فسكر، فجلده. فقال: إنه من نبيذك! فقال: إنما جلدت لسكرك.
قيل لسعيد بن سلم: أتشرب النبيذ؟ قال: لا، قيل: لم؟ قال: تركت كثيره لله، وقليله للناس.
قال ابن صدقة العطار البصري: لو لم يوجب اجتناب السكر إلا قول الأحنف: " تركته مخافة أن احتاج بالعشي إلى تقويم من احتاج إلى تقويمي بالغداة " لكفى به.
قال حكيم الهند: عجباً عجباً لمن كان شرابه عصير الكرم، وطعامه الخبز واللحم، ثم اقتصد في أكله وشربه وجماعه وتعبه، كيف يمرض وكيف يموت؟.
شهد رجل عند شريك، فقال المدعي عليه: إنه يشرب النبيذ، فقال له شريك: أتشربه؟ قال: نعم، وأنا الذي أقول:
وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق
بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق
يهضم المطعم هضماً ... ثم يجري في العروق
فقال شريك: قم فأثبت شهادتك. وأراد الكسر على المشهود عليه.
دخل الهيثم بن خالد على عبد الملك وبوجهه آثار، فقال: ما هذا؟ قال: قمت بالليل فصدمني الباب، فقال عبد الملك:
رأتني صريع الكأس يوماً فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارع
فقال: آخذك الله بسوء ظنك يا أمير المؤمنين، قال: بل آخذك الله بسوء مصرعك يا هيثم.

كان وكيع بن أبي سود مدمناً، فولي ابن أخيه بعض الأعمال، فبلغه أنه يشرب، فدعا به وقال: إني استعملتك لأشرفك وارفع ذكرك فأقبلت على الشرب! فقال: والله ما شربت حسوة منذ وليتني، ولكني الساعة سكران. قال: من أي شيء؟ قال: من ريحها منك.
استفتى أعرابي من جبلي طي ابن أبي ذئب في النبذ وقال: يحسن الوجوه، ويسخي الأنفس، ويسلي الهموم، ويحض على النجدة. فقال: هو حرام. فقال: إنه ينفعني من أرواح تعتريني، ويصلح عليه جسمي، قال: لم يجعل الله فيما حرم شفاء، فأنشأ يقول:
دع ابن أبي ذئب وإن كان مفتياً ... وأصحابه واشرب حلالاً من التمر
ومن رطب زهو إذا ما وجدته ... وكل نبيذ من عتيق ومن بسر
فإن الهدى في غير ذلك فاعلمن ... وما المر إلا في الفواحش والحمر
قال حفص بن غياث: كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذ، فاستأذن قوم فسترته، فقال: لم سترته؟ فقلت: كرهت أن يقع فيه ذباب. فقال: هيهات هو أمنع جانباً من ذاك.
علي رضي الله عنه: الشطرنج ميسر العجم، وعنه أنه مر بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.
عمر رضي الله عنه وقد ذكر عنده الشطرنج: إني لأعجب من ذراع في ذراع يدبرها الحكماء منذ وضعت لم يقفوا لها على غاية.
قيل لابن مجاهد: إن الصولي صنف كتاباً في القرآن سماه " الشامل " فقال: إنه جيد الدست. أراد أنه شطرنجي حاذق. فأما القرآن فإنه منه في قطر بعيد.
دخل أبو العنبس على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج، وكان وسخاً، فقال: ما أوسخ هذا الشطرنج! قال أبو تمام: فكيف لو رأيت اللعب؟ فإنه أوسخ من الشطرنج.
كان أبو القاسم الكسروي يقول: لا ترى شطرنجياً غنياً إلا بخيلاً، ولا فقيراً إلا طفيلياً، ولا تسمع نادرة باردة إلا على الشطرنج.
قالوا: على الملك أن ينصف صاحبه في اللعب بالشطرنج والصوالج والصيد والرمي في الغرض، ولا يتفضل عليه وعلى صاحبه المتاحة وترك الأعضاء.
حكي عن سابور أنه لاعب ترباً له بالشطرنج على إمرة مطاعة، فقمره تربه، فقال سابور: ما إمرتك؟ قال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب الغابة. فدعا ببرقع فتبرقع به، وجثا لتربه.
استأذن يحيى بن أكثم على المتوكل وهو يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان، فغطيت الرقعة بمنديل. فقال له المتوكل: إني كنت ألاعب الفتح فكره دخولك واحتشمك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن خاف أن أعلمك عليه، فضحك وأمر له بمال.
احتضر شطرنجي وهو يقول: شاه مات مكان الشهادة.
سئل الشعبي عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا بأس به إذا لم يكن هناك تقامر وتباذل.
بعضهم: كنا في السجن مع ابن سيرين فكان يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج، فيقوم قائماً فيقول: ارفع الفرس، افعل كذا.
سعيد بن المسيب: كنت ألعب بالشطرنج مع صديقي في بيته حين خفت الحجاج.
علي بن الجهم:
أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين حرين معروفين بالكرم
تذاكرا الحرب فأحالا لها فطناً ... من غير أن يأثما فيها بسفك دم
هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحزم لم تنم
فانظر إلى بهم حاشت بمعركة ... في عسكرين بلا طبل ولا علم
وقيل هي للمأمون.
قالوا إن سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يريدون القتال، فإذا تنازع فريقان في كورة أو مملكة تلاعبا بالشطرنج، فيأخذها الغالب من غير قتال.
ولى سليمان بن عبد الملك صالح بن عبد الرحمن بعد الحجاج، وأمره يتتبع آثار الحجاج. فقال له بعض أبناء ملوك الفرس: انظر شطرنجاً من ياقوت أحمر كان لبعض آبائي، قام عليه أصغر قطعة منها بثلاثة آلاف ألف، فإن وجدتها في الخزانة فاعلم أن الحجاج لم يخن. فوجدوها في جونة عليها خاتمه، فحكي أن تلك الشطرنج حملها الأموي الذي لحق بالأندلس، فهي فخرهم.
أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت ألاعب الحسين وهو صبي بالمداحي، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت احملني، فيقول: ويحك! أتركب ظهراً حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأتركه. وإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني، فيقول: أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فاحمله.

المداحى والمسادى والمراصج أحجار كالقرصة يدحرجونها إلى حفيرة، إن وقعت فيها فقد قمر.
لما بلغ عمر رضي الله عنه تبايع أهل الشام في الخمر أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه، فقال ذو الكلاع:
صبرت ولم أجزع وقد مات اخوتي ... ولست عن الشهباء يوماً بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر
عبد القوي بن عتاهية بن أبي العتاهية، وكان متهماً في دينه، يقول ليموت بن المزرع:
يموت يا من نفسه نائمة ... غافلة غفلتها دائمة
لا تلح ضداً لك في نحلة ... فإن شطر نجكما قائمة
حنظلة بن عرادة التميمي في يزيد بن معاوية:
طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم
ومرنة تبكي على نسوانه ... بالصبح تقعد تارة وتقوم
مقيس بن صبابة الكناني:
رأيت الخمر طيبة وفيها ... خصال كلها دنس ذميم
فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما طلع النجوم
سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذات ما أرسى يسوم
علي بن خالد العقيلي الكاتب أهدى لعلي بن الجهم نبيذاً من زبيب وكتب غليه:
سللت بحكم النار روح زبيبة ... تخيرتها صفراء ممحوضة العجم
فلما بدت زوجتها ريح نحلة ... أرق وأقوى في الصفاء من الوهم
وزفقتها منك إليك زجاجة ... وقد أنزلاها منهما منزل الأم
فأنتجهما سيفاً من السكر قاطعاً ... وجرده ثم اضرب به عنق الهم
أبو عدنان الأعور:
ود النبيذ بين رد خلابة ... والوصل منهم ليس بالتماسك
لا يرفضونك في رخاء معيشة ... وإذا ابتليت فأنت أول هالك
عامر بن الظرب العدواني أول من حرم الخمر في الجاهلية:
إن أشرب الخمر أشربها للذتها ... وإن أدعها فإني ماقت قالي
سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهابة بعقول القوم والمال
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرق ترب القبر أوصالي
الأعرج الطائي:
تركت الشعر واستبدلت منه ... إذا داعي صلاة الصبح قاما
كتاب الله ليس له شريك ... وودعت المدامة والندامى
زراع بن عروة الحنفي:
قد قال زراع فكن عند قوله ... ترفق بأهل الجهل إن كنت ساقيا
يبين لنا ذو العقل من سفهائنا ... إذا ما تعاطينا الكؤوس تعاطيا
وجدت أقل الناس عقلاً إذا انتشى ... أقلهم عقلاً إذا كان صاحيا
تزيد حسى الكأس اللئيم ملامة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا
بلغ عمر رضي الله عنه أن علله بدست ميسان قال:
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأكبر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم
فقال: إي ها الله! إنه ليسؤوني ذلك، والله لا عملت لي عملاً، وعزله.
علي رضي الله عنه: إيكم وتحكيم الشهوات.
سمع الوليد بن يزيد بخبر شراعة بن الزندبود وظرفه وصلاحه لمنادمة مثله، فاستحضره، فقال له: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة رسوله، فقال: لو سألتني عنها لوجدتني فيها حماراً. قال: ولكن لأسألك عن الفتوة، قال: فنادهقنها الخبير، وطبيبها الرفيق. فقال له: ما تقول في الشراب؟ فقال: عن أية تسألني؟ قال: عن الماء، قال: هو قوام البدن ويشاركني فيه الحمار. قال: فاللبن؟ قال: ما نظرت إليه إلا استحييت من أمي لطول إرضاعها لي. قال: فالخمر؟ قال: إنه صديق روحي. قال الوليد: وأنت أيضاً صديقي. ثم سأله عن أصلح مكان للشرب، فقال: عجبت لمن لا تحرقه الشمس ولا يغرقه المطر لا يشرب مصحراً، فوالله ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه الماء، وصفو الهواء، وخضرة الكلأ، وسعة الفضاء، وقمر الشتاء.

قيل لرجل: ما تقول في نبيذ السعن؟ قال: نبيذ الرعن. قال: ففي نبيذ الجر؟ قال: اشرب حتى تجر. قال: فنبيذ الدن؟ قال: اشرب حتى تجن. قال فالداذي؟ قال: أحلى من العسل الماذي. قال: فنبيذ العسل والزبيب؟ فستر وجهه وقال: العظمة لله! قال: فالخمر؟ قال: لا تشربوها. قال: ولم؟ قال: أخاف أن لا تؤدوا شكرها فتنتزع منكم.
أهديت إلى الوليد جفنة بلور، فملأها خمراً، وطلع القمر وهو يشرب، فقال: أين القمر الليلة؟ فذكر له بعض الأبراج، فقال بعض ندمائه: هو الجفنة. فضحك وقال: ما عدوت ما في نفسي، وطرب وقال: لأصطبحن الهفتجة، يريد الأسبوع، فقال له حاجبه: إن قريشاً ووفود العرب بالباب، والخلافة ترق عن هذه الحالة. فقال: اسقوه، فأبى، فوضع القمع في فيه، وسقوه حتى خر ما يعقل.
شاعر:
إذا اختلس الخطى واهتز ليناً ... رأيت لرقصه سحراً مبينا
يمس الأرض من قدميه وهم ... كرجع الطرف يخفى أن يبينا
ترى الحركات مسه بلا سكون ... فتحسبها لخفتها سكونا
كسير الشمس ليس بمستقر ... وليس بممكن أن يستبينا
للنبيذ حدان عقل لا هم فيه، وهم لا عقل فيه، فعليك بالأول ودع الثاني.
قال الجماز: رأيت شيخاً في علية، معه صبي يقول له كل ساعة: هات فروتي، فاطلعنا فإذا قنينة كلما طلب فروة سقي قدحاً.
عكرمة: ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فدعوت اللعابين، فلعبوا، فأعطاهم أربعة دراهم.
سئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد، فقال: إذا لم يكن قمار فلا بأس به.
إبراهيم بن محمد: رأيت أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر على ظهر المسجد.
أبو الفضل الميكالي:
عيرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الرجال لبيب
هي تحت الظلام نور وفي الأك ... باد برد وفي الخدود لهيب
قلت يا هذه عدلت عن النص ... ح وما للرشاد فيك نصيب
إنها للستور هتك وبالألب ... باب فتك وفي المعاد ذنوب
كان عروة بن الزبير يقول لولده: يا بني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا مع اللعب.
في كل رأس طربة ونزوة.
أبو سليمان الداراني: خرجت شهوة الشطرنج من قلبي بعد أربع وعشرين سنة.
أعرابي:
غضت علي لأن شربت بصوف ... فلئن بقيت لأشربن بخروف
ولأشربن من بعد ذاك بناقة ... ولأشربن بالدي وطريفي
بريدة: عن النبي صلى الله عليه وسلم : من لعب بالنردشير كأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه.
ودخلت في زمن الحداثة على شيخ يلعب بالنرد مع آخر يعرف بالنردشير، فقلت: الأزدشير والنردشير بئس المولى وبئس العشير.
عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل وأنا ألعب بالبنات، وعندي صواحباتي، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم سعين، فيقول: كما أنتن. ولا يعيب علي.
خرج غلمان من أهل البحرين يلعبون بالصوالجة، وأسقف البحرين قاعد، فصكت الكرة صدره فأخذها، فجعلوا يطلبون إليه في ردها، فأبى، فقال غلام منهم: أسألك بحق محمد لما رددتها علينا، فشتم رسول الله، فأقبلوا عليه بصوالجهم وما زالوا يخبطونه حتى مات.
فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فوالله ما فرح بفتح ولا غنيمة من غنائم المسلمين كفرحه بقتل أولئك الغلمان السقف، وقال: الآن عز الإسلام، إن غلمة صغاراً سمعوا شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا. ثم اهدر دم الأسقف.
قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي رضي الله عنه: أعدني على أخي عاصم. قال: ما باله؟ قال: لبس العباءة يريد النسك. قال علي به، فأتوا به مؤتزراً بعباءة مرتدياً بأخرى، شعث الرأس واللحية. فعبس في وجهه وقال: ويحك! أما استحيت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى أن الله أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئاً؟ بل أنت أهون على الله، أما سمعت الله يقول في كتابه: والأرض وضعها للأنام إلى قوله يخرج منها اللؤلؤ والمرجان؟ أفترى الله أباح هذا لعباده إلا ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإن ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال.
قال عاصم: فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك! فإنما تزينت بزينتك. قال: ويحك! إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.

زاد عبد الله بن عمر عبد الله بن جعفر وبين يديه بربط، فقال: إن أخبرتني ما هذا يا أبا عبد الرحمن فلك أي جارية من جواري شئت. فأخذ ابن عمر البربط فقبله ونظر إليه وقال: ميزان حراني، وأنا أبو عبد الرحمن. فضحك ابن جعفر ووهب له جارية.
بعضهم: رأيت أبا قتادة في عرس يقول للجارية ارعفي الدف.
عن أسلم مولى عمر: قدم علينا معاوية وهو من أبض الناس، فجعل عمر يضع إصبعه على متنيه ثم يرفعهما عن مثل الشراك حمرة، وهو يقول: بخ بخ، نحن إذن خير الناس إن جمعت لنا الدنيا والآخرة، فقال معاوية: أنا بأرض الريف والحمامات. فقال عمر: ما بك إلا إلطافك نفسك بطيب الطعام، وتصبيحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات من وراء الباب.
كان المأمون يحب لعب الشطرنج حباً شديداً، ويقول: هو فكري يشحذ الذهن. وكان يقول: لا أسمعن أحداً يقول: تعال حتى نلعب، ولكن يقول: حتى نتزاول ونتقاتل.
ولم يك حاذقاً بهما، فكان يقول: أنا أدبر الدنيا فاتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين.

الأمراض، والعلل، والعاهات، والطب
والدواء، والعيادة، ونحو ذلك عبد الله بن أنيس عنه عليه الصلاة والسلام: أيكم يحب أن يصح فلا يسقم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات، والذي بعثني بالحق، إن الرجل لتكون له الدرجة في الجنة فيبلغهما بشيء من عمله، فيبتليه الله ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله.
وقال صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يمرض مرضاً إلا حط الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها.
كان يقال: ما تزال الأوصاب والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة المصفاة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى على جسده البشيرة ابتهل في الدعاء وقال: إن الله إذا أراد أن يعظم صغيراً عظمه.
جرير:
ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد
لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي
قالهما في الوليد بن عبد الملك. وروي أنهما لكثير في عبد الملك.
آخر:
يعدن مريضاً هن هيجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد داثيا
مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ إخوانه، فقيل: يستحيون مما لك عليهم من الديون، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من العيادة، فأمر فنودي: من كان لقيس بن سعد عليه مال فهو في حل. فكسرت درجته لكثرة من عاده ذلك اليوم.
كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى في مرضه: أطال الله يا أخي مدتك، والله ما منعني عن إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك، ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك، والسلام.
أطال قوم عيادة بكر بن عبد الله المزني، فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
علي بن الجهم:
لا ييئسنك من تفرج كربة ... خطب رماك به الزمان الأنكد
واصبر فإن الصبر يعقب راحة ... في اليوم يأتي أو يجيء به الغد
كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاثة في ظل العرش، عائد المرضى، ومشيع الموتى، ومعزى الثكلى.
محمد البيدق الشيباني:
قالوا أبو الفضل معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل معذور
يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور
دخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده، فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة. قال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرضا.
قيل لإسماعيل بن صبيح وهو مريض: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت تحيرت على الأطباء.
دخل الجاحظ على علي بن عبيدة الريحاني صاحب المنصور عائداً، فقال له: ما تشتهي؟ قال: أعين الرقباء، وأكباد الحساد، وألسن الوشاة.
قيل للنظام في مرضه: ما تشتهي؟ قال: أن أشتهي.
قيل لأحول: إنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة.
ولعبد الله الفقير إليه:
ليس يرى ثانياً له أحد ... في العدل إلا المصاب بالحول.

مرقوم بماء من مياه العرب، فوصفت لهم ثلاث أخوات بالجمال متطببات، فأحبوا أن يروهن، فحكوا ساق أحدهم يعود حتى أدموه، ثم قالوا: هذا سليم هل من راق؟ فخرجت صغراهن كأنها الشمس الطالعة، فقالت: ليس بسليم، ولكن خدشه عود بالت عليه حية، إذا طلعت عليه الشمس مات، فكان كما قالت.
قال الجماز: لرجل إذا رمدت العين بم تداويها؟ قال: بالقرآن ودعاء الوالدة، قال: دواءان مباركان، ولكن اجعل معهما شيئاً يقال له العزروت.
أبو جعفر ابن العباس من أبناء الوزراء:
وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويك
فما جارحة فيك ... إذن أحوج من فيك
إبراهيم التيمي: كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا، وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصير.
الحمد لله الذي يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحة ما أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية، ومد فيها عصارة عيشك، حتى يقبضك على أرذل عمرك، وأحسن عملك.
قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، مالكم تصابون في أبصاركم؟ فقال: بدلاً مما تصابون في بصائركم. وذلك أنه لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله والعباس وعبد المطلب.
الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحاً، والخصيان أكثر الناس إبصاراً، لأنهما طرفان، ما نقص من أحدهما زاد في الآخر.
بشار بن برد، وكان أعمى جاحظ العينين قد تغشاهما لحم أحمر:
عميت جنيناً والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلاً
وغاض ضياء العين للقلب رافداً ... بقلب إذا ما ضيع الناس حصلا
وشعر كنور الروض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا
منصور الفقيه:
يا معرضاً بهواه ... لما رآني ضريرا
كم ذا رأيت بصيراً ... أعمى وأعمى بصيرا
لما قال المؤمل بن أميل المحاربي:
شفت المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصبر
عمي، فرأى في منامه من يقول له: هذا ما تمنيت في شعرك.
كان سيبريه كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
إذا بل من داء به ظن أنه ... يجاد به الداء الذي هو قاتله
المتنبي:
فإن أمرض فما مرض اصطباري ... وإن أحمم فما حم اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام
وقال آخر:
كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها إلا صباح وإلا مساء
فدعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء
قال رجل لفيلسوف: يا أبخر. فقال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري، وإن أخرجتها لم تجد من ذلك شيئاً.
شاعر:
أنت لو جزت ببيت ... رض فيه المسك رضا
وتنفست لقال النا ... س فيه قد توضأ
سار أبخر أصم فقال له: قد فهمت قد فهمت. فلما ولى سئل عما قال له، فقال: ما أدري، ولكنه فسا في أذني.
كان عمرو بن عدس أبخر، ويقال لولده: أفواه الكلاب.
عض عبد الملك على تفاحة ورمى بها إلى امرأته، فدعت بسكين، فقال لها: ما تصنعين به؟ قالت: أميط عنها الأذى. فشق عليه وطلقها.
وكنت الذبان تسقط إذا ألممن بفيه لشدة بخره، ولذلك لقب بأبي الذبان.
وسار أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك، وكان أبخر، فخمر أنفه بكمه، فجذب كمه وقال: لا يصلح للخلافة من لا يصبر على مناجاة الشيوخ البخر.
طول انطباق الفم يورث الخلوف، وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه. ولذلك لا يعرض للمجانين الذين تسيل أفواههم، وكذلك من سال منه اللعاب نائماً، ولذلك كان الزنج أطيب الناس أفواها، وإن كنت لا تعرف سنوناً ولا مسوكاً.
والسباع موصوفة بالبخر، والمثل مضروب بالأسد والصقر، والكلب من بينها طيب الفم. وليس في البهائم أطيب أفواهاً من الظباء.
علي رضي الله عنه: وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
سمع أبو العينا المتوكل يقول: ما يمنعني من نظم أبي العيناء في جملة الندماء إلا أنه ضرير. فقال: إن أعفني من المسايفة، ورؤية الهلال، وقراءة الخواتيم صلحت لمنادمته.

كان الأعمش يقود النجعي فيصبح بهما العينان عين بين اثنين، فكان إبراهيم إذا انتهى إلى مجامعهم خلى عنه، فقال الأعمش: وما عليك يأثمون ونؤجر! قال: إبراهيم: وما عليك أن يسلموا ونسلم.
أنشد ابن الأعرابي لرجل من بني قريع.
يقولون ماء طيب خان عينه ... وما عين ماء خان عيناً بطيب
ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني قطامى نمى فوق مرقب
كأن ابن حجل مد فضل جناحه ... على ماء انسانيهما المتصبب
جرى فوق انسانيهما فكأنما ... جرى فوق انسانيهما ماء طحلب
أبو علي البصير الأنباري:
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني للسير إذ أنا راكب
فقد يستضيء القوم بي في وجوههم ... ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
وقال آخر:
إذا ما غدت طلابة العلم مالها ... من العلم إلا ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي
النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يعادون، صاحب الدمل، والرمد، والضرس.
الشعبي: عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه.
عاد أعرابي أعرابياً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق علي والله الفضاء العريض، وأردت إتيانك لم يكن بي نهوض، فلما حملتني رجلاي، ولساء ما يحملان، أتيتك بجزرة شيخ ما مسها عرنين، فاشممها واذكر نجداً، فهو الشفاء بإذن الله.
شاعر:
بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر
اعتل المسور فجاء ابن عباس نصف النهار يعوده، فقال المسور: هلا ساعة غير هذه! قال: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق إليك أشقها علي.
المؤمل بن أميل:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
قال عبد الله بن مصعب:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود
فسمي عائد الكلب، وبنوه بنو عائد الكلب.
قيل لأعرابي: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟ قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أمرضني.
أبو هارون الأعرابي:
مرضت فلم تعدني في شكاتي ... ولم تبعث لجارتها رسولا
ولو كنت المريض ولا تكوني ... لأكثرت العيادة والعويلا
عاد مالك بن أنس عبد السلام النكاح فقال:
عادني مالك فلست أبالي ... بعد من عادني ولم يعدني
إذا دخل العواد على الملك فحقهم أن لا يسلموا عليه فيخرجونه إلى الرد، فإذا علموا أنه لاحظهم دعوا له دعاء يسيراً وخرجوا.
داووا كل مريض بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع لهوائها، وتنزع إلى غذائها.
نظر الحارث بن كلدة إلى حية، فقال: إن الطيب العالم ربما قام له علمه مقام الدواء، وأجزأت عنه حكمته في موضع الترياق، فقيل له: فما بالك يا أبا وائل لا تأخذها بيدك إن كان الأمر على ما تصف؟ فحملته النخوة أن مد يده إليها، فنهشته فوقع صريعاً، فما برحوا حتى مات.
قيل لجالينوس حين نهكته العلة: أما تتعالج؟ قال: إذا كان الداء من السماء بطل الدواء، وإذا نزل قدر الرب بطل حذر المربوب.
هرب سليمان بن عبد الملك من الطاعون، فتلي عليه قوله تعالى: قل لن ينفكم الفرار، إلى قوله: إلا قليلاً. فقال: ذلك القليل نريد.
وقع الطاعون بالكوفة، فخرج فيمن خرج صديق للريح، فكتب إليه: أما بعد، فإنك والمكان الذي أنت به بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب. وإن المكان الذي خلفته لا يعجل أحداً إلى حمامه، ولا يظلمه شيء من أيامه، وأنا وإياكم لعلى بساط واحد، وإن النجف من ذي قدرة لقريب.
دعي ابن المقفع إلى الغداء، فقال: لست اليوم أكيلاً للكرام، لأني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار.
في الحديث: قال الشيطان: ما حسدت ابن آدم إلا على شيئين الطسأة والحقوة. والطسأة الزكام، والحقوة الهيضة.
قيل لأعرابي: ما بال الآباط أنتن موضع في الجسد؟ فقال: كانت فقاحاً فغورن.
عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة: لي إبطان ترميان جليسي بشبيه السلاح أو بسلاح.
عبد الله بن مالك الخزاعي.
ظلت علي الأرض مظلمة ... إذ قيل عبد الله قد وعكا

يا ليت ما بك بي وإن تلفت ... نفسي وقل ذاك لك
قيل لفيلسوف: لم صار الأحدب أخبث الناس؟ قال: لأنه قرب فؤاده من دماغه، وكبده من فؤاده.
قالوا: من قدم أرضاً فأخذ مجن ترابها، فجعله في مائها، ثم شربه، فهو في أمن من وبائها.
كان أنوشروان يمسك عما تميل شهوته إليه من الطعام، ويقول: تركنا ما نحبه لنستغني عن العلاج بما نكرهه.
كتب الحسن بن سهل إلى أخ له: أجدني وإياك كالجسد الواحد إذا خص عضواً منه ألم عم سائره، فعافاني الله بعافيتك، وأدام لي الإمتاع بك.
قال أعرابي لمريض: كيف تجدك؟ قال: أجدني أقربكم إلى الله، قال: اللهم باعد عبدك منك.
كشف الله ما بك من السقم، وطهرك بالعلة من الخطايا، ومتعك بأنس العافية فأعقبك دوام الصحة.
قطعت رجل عروة بن الزبير فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: والله ما كنا نعدها للصراع، لقد أبقى الله لك أكثك، أبقى لك سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك. قال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.
النبي صلى الله عليه وسلم : العيادة قدر فواق ناقة.
شاعر:
بإخوانك الأدنين لا بك كلما ... شكوت إلي اليوم من ألم الورد
بكل امرئ منهم بقدر احتماله ... فإن عجزوا عنه فحملته وحدي
تقول العرب: قالت الحمى أنا أم ملدم، أكل اللحم وأمص الدم.
وجد في لوح:
يا أيها المشعر هما لا تهم ... إنك إن تقض لك الحمي تحم
ولو علوت شاهقاً من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم
وخط أيام الصحاح والسقم.
حموا عند فتح خبير، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا أيها الناس، إن الحمى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وقطعة من النار، فإذا وجدتم من ذلك شيئاً فبردوا لها الماء في الشنان، ثم صبوا عليكم فيما بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فذهبت عنهم.
خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في متجرهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الرجوع، فقال: ما أقول لمن يسألني عنك؟ قال: قل لهم لما دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونة في صدره، وغرزاً في طحاله، وخفقاناً في فؤاده، وضرباناً في كبده، وورماً في ركبتيه، ورعشاً في ساقيه، وضعفاً عن القيام على رجليه. فقال: بلغني أن الإيجاز في كل شيء مما يستحب، فأنا أكره أن أطول عليهم، ولكني أقول لهم قد مات.
قيل بحضرة أعرابي: لا أشد من وجع الضرس، فقال: كل داء شر داء.
جعفر بن محمد الصادق: ثلاث قليلهن كثير، النار والفقر والمرض.
طلع بن حبيب: الهلبلجة في البطن كالكذبانوفة في البيت. أي كالمرأة التي تصلح أمر البيت وتديره.
خرجت قرحة في كف محمد بن واسع، فقيل له: إنا نرحمك منها. فقال: وأنا أشكر الله إذ لم تخرج في عيني.
أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب، وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله أخاف ذنوبي. قال: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف.
مرضت رابعة القيسية فقيل لها: ما تشتهين؟ فقلت: أشتهي أن يجمع الله بيني وبين محمد بن واسع في عرصات القيامة.
عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة سمعت رجلاً يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه محبته ولم يبق منه جارحة إلا أخذها.
قيل لحسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار. وقيل: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة الطرفين أحيى ما بينهما.
رفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه يبول كل ليلة في الفراش. فقال الرجل: لا تعجل، أصلحك الله، حتى أقص عليك قصتي. إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر، وفيها قصر، وفوق القصر علية، وفوق العلية قبة، وفوق القبة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وأن الجمل يتطأطأ ليشرب من البحر، فإذا رأيت ذلك بلت فرقاً. فبال القاضي وقال: يا هذه، أنا قد أخذني البول من هول حديثه، فكيف بمن رأى الأمر عياناً؟ ربيعة الرقى:
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بنظرة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
وقال:

وليس لمكفوف خواطر مبصر ... وذو العين والتمييز جم الخواطر
قال عمر: لإدريس بن أنيس القرني، وقيل هو ابن الخليص: أخرج بك وضح فدعوت الله أن لا يذهبه عنك؟ وقلت: اللهم دع لي في جسدي ما أذكر به نعمك علي. قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما اطلع على هذا بشر. قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلج الربيع بن خيثم، فكان بكر بن ماعز يقوم بأمره، فسال لعابه فبكى بكر، فقال الربيع: ما يبكيك؟ فو الله ما أحب أنه باعني الديلم على الله.
وقيل له: لو تداويت! فقال: قد عرفت أن الدواء حق، ولكن عاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً كانت فيهم الأوجاع، وكانت لهم الأطباء، فما بقي المداوى ولا المداوي.
الثوري: إذا مرض العبد ثم صح فعاد إلى ما كان عليه قالت الملائكة مسكين! عولج فما أنجع فيه الدواء.
أعرابي:
يا ابن التي خمارها في فيها ... أ إبلي زعمت لا أرويها
يعني أن أمه كانت بخراء فهي تخمر فاها.
تتزوج أبخر امرأة، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه، وقالت:
يا حب والرحمن إن فاكا ... أهلكني فولني قفاكا
إذا غدوت فاتخذ سواكا ... من عرفط إن لم تجد أراكا
دخل ابن السماك على الرشيد في عقب مرض، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ذكرك فاذكره، وأطلقك فاشكره.
عبد الله بن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟ أصاب إبراهيم بن أدهم بطن فتوضأ في ليلة ستين مرة.
اشتكى مدني بالشام، فعاده جيرانه، فقالوا له: ما تشتهي؟ قال: اشتهى أن أرى إنساناً.
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: كن كالمداوى جرحه، يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء.
نظر معاوية في بئر عادية بالأبواء فلقي ، فخطب بمكة فقال: إن كنت ابتليت فقد ابتلى الصالحون قبلي، وإن مرض عضو مني فما أحصى صحيحي، وما عوفيت منه أكثر.
عن موسى وداود عليهما السلام: لا مرض يضنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.
قباذة بن فيروز: المرض حريق الجسد، والحزن منبت المنايا.
قيل للربيع بن خيشم: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، ثم قال:
أصبحت لا أدعو طبيباً لطبه ... ولكنني أدعوك ما منزل القطر
عاد الفرزدق مريضاً فقال له:
يا طالب الطب من داء تخونه ... إن الطبيب إذا أبلاك بالداء
هو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذوق لك الترياق بالماء
علي بن العباس النوبختي:
كيف رأيت الداء أعفيك الله شفاء به من السقم
لئن تخطت إليك نائبة ... مست جميع القلوب بالألم
فالدهر لا بد محدث طبعاً ... في صفحتي كل صارم خذم
كان الحسن يتمثل بقول عمران بن حطان:
أ في كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعى ولا تنعى متى وإلى متى
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده، فقال: طهور. فقال: بل حمى تفور، في صدر شيخ كبير، تزيره القبور.
قيل لعطاء في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعاً للشهوة.
النعمان بن بشير: إنما المؤمنون كرجل، إذا اشتكى عضو من أعضائه اشتكى جسده له أجمع، وإذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون.
لقمان: لا تطيلوا الجلوس على الخلاء فإنه يورث الباسور. وكانت حكمة مكتوبة على أبواب الحشوش.
أبو العتاهية:
بينا الفتى مرح الخطى فرحاً بما ... يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها ... إذ قيل أصبح مثخناً ما يرتجى
إذ قيل أمسى شاخصاً وموجهاً ... ومعللاً إذ قيل حل به الردى
أبو للنجم العجلي:
والمرء كالحالم في المنام ... يقول إني مدرك مرامي
في قابل ما فاتني في العام ... والمرء يدنيه إلى الحمام
مر الليالي السود والأيام ... إن الفتى يصبح للأسقام
كالغرض المنصوب للسهام ... أخطأ رام وأصاب رامي
يقال في المهزول: هو شاحب المتحسر، ما فيه قوت يوم للقراد.
هو كأنه اللجام.
يقال: هو مريض، مهيض، ووصب نصب.

يقال لمن شرب الدواء: كم لبست نعلك؟ كم تخطيت إلى بيت الكرامة؟ كم جدا برقك وسح سحابك، وكم سارت بك الناقة إلى المنزل الخالي.
لو كانت العلة مما يحتمل لتقمصت قميصها دونه، ولو كانت الصحة مما يتحلل لخلعت سربالها عليه.
الجرب علة إذا عرضت للمرء هربت عن فراشه عرسه، بل نفرت عن نفسه نفسه، وهو ربع من أرباع الخسران، وقسم من أقسام الخذلان.
أعاذك الله من أشياء أربعة ... الموت والعشق والإفلاس والجرب
شاعر:
وظنوا بالعيادة وهي أجر ... كأن عيادتي بذل الطعام
عليك بالحمية فإنها طابع الصحة، فلئن تصبر على الحمية مدة طويلة أحسن من أن تقاسى ساعة نفساً عليلة.
كفى بالمرء عاراً أن يكون صريع ماكله، وقتيل أنامله، فكم لقمة أكلت نفس حر، وأكلة منعت أكلات دهر.
الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحته.
راع غداك تحكم به مناك.
من غرس الطعام جنى ثمرة السقام.
رائد بن الغطريف الطائي:
يقولون لا تشرب نسياً فإنه ... واركت حسراناً عليك وخم
لئن لبن المعزى بماء مؤيسل ... بغاني داء أنني لسقيم
النسي المحض يصب عليه ماءً فيشرب، وتفسيره في البيت الثاني.
أبو حكيمة:
أ يحسدني إبليس دائين أصبحا ... برأسي ورجلي دملاً وزكاما
فليتهما كانا به وأزيده ... زمائة شيخ لا يريد قياما
بعض أهل البيت كان إذا أصابته علة جمع بين ماء زمزم وماء السماء، والعسل، واستوهب من مهر أهله شيئاً. وكان يقول: قال الله تعالى: وأنزلنا من السماء ماءً مباركاً، وقال: فيه شفاء للناس، وقال عليه السلام: ماء زمزم لما شرب له، وقال تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً. فمن جمع بين ما بورك فيه، وما فيه شفاء، وبين الهنئ والمرئ، يوشك أن يلقى العافية.
رجل من بني عجل:
وشى بي واش عند ليلى سفاهة ... فقالت له ليلى مقالة ذي عقل
وخبرها أني عرجت فلم تكن ... كورهاء تجتر الملامة للبعل
وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلاً أقيم بها رجلي
ابن الرقاع العاملي:
لقد تباشر أعدائي بما لقيت ... رجلي وكم من كريم سيد عثرا
رجلي التي كنت أرقى في الركاب بها ... فاستقل وأرضى خطوها البشرا
محبوكة مثل أنبوب القناة لها ... عظم تكمش عنه اللحم فانحسرا
ليت الذي مس رجلي كان عارضه ... بحيث ينبت مني الحاجب الشعرا
في ديوان المنثور: كم من أعرج في ديوان المعالي أعرج، وكم من صحيح قدم ليس له في الخير قدم. يصبح للأسقام كالغرض للسهام، أخطأ رام وأصاب رام. من الصم من يسمع السرار، وإذا رفعت له الصوت لم يسمع. ورأينا من العمش من لا يثبت صورة الإنسان من قرب ويقرأ الخط الدقيق في حواشي الكتب.
مدح طريف بن سوادة عمرو بن هداب، وكان أبرص، فلما انتهى إلى قوله:
أبرص فياض اليدين أكلف ... والبرص أغدي باللهى وأعرف
صاح به الناس وقالوا: قطع الله لسانك. فقال عمرو: مه. البرص من مفاخر العرب، أما سمعتم قول ابن حبناء:
إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا من عتيك ولا أخوالي العوق
لا تحسبن بياضاً في منقصة ... إن المهاميم في أقرانها بلق
أو ما سمعتم قول ابن مسهر:
أيشتمني زيد بأن كنت أبرصاً ... وكل كريم لا أبالك أبرص
أو ما سمعتم قول الآخر:
يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحاً أوفى على خصيلي
فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل
ثم قال لطريف: أما تحفظ فيه شيئاً؟ فأنشد:
ليس يضر الطرف توليع البهق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق
الجاحظ أنشدني أبو نواس لبعض بني نهشل:
نفرت سودة مني أن رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح
قلت يا سودة إني والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح
هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف نحاسين الفرح
وزعم أبو نواس أنهم كانوا يتبرتون به، وجذيمة الوضاح يفتخر به.

ولما شاع في بلعاء بن قيس قيل له: ما هذا يا بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.
وعن عمرو بن هداب أنه لما كف بصره، قال له ابن جامع: يا أبا أسيد، لا تجزعن من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتيك، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن يكون الله قطع يديك ورجليك وقطع ظهرك. فصبح به. فقال عمرو: معناه صحيح ونيته حسنة، وإن أساء في اللفظ.
كانت لرجل جارية يتعشقها، وبها صنان، وكان يعجبها منها، فإذا تعالت بالمرتك غاظة، فكان ينهاها. فإذا سألته حاجة ففرط قالت: لأمرتكن الله. فلا يجد بداً من قضائها.
الجاحظ: آباط الزنج منتنة العرق، وسائر ذلك الجسم سليم. والتيس إبط كله، ونتنه في الشتاء كنتنه في الصيف. وإنا لندخل السكة فيها تيس فنجد نتنه، فلا نكاد نقطعها إلا مخمري الأنوف.
ومن الناس من يستطيب رائحة التيس لفساد مزاجه، فيتعهد الجلوس على باب التياس، ومنهم من يشتهي ريح الكرباس، فيحرقه ثم يضع منخريه عليه حتى يقضى وطره.
ثلاث يهلكن: الجماع على البطنة، وأكل القديد اليابس، وشرب الماء البارد على الريق.
ومما يورث الهزال النوم على غير وطء، وكثرة الكلام برفع الصوت.
وقال النظام: ثلاثة تخلق العقل طول النظر في المرآة، والاستغراب في الضحك ودوام النظر في البحر.
الجاحظ: قال لي من أثق به: ما أخذت شيئاً من البلاذر ونازعت أحداً إلا ظهرت عليه. وهو جيد للعصب. ويقولون: إن الحس للعصب خاصة.
كان أعين الطبيب يصرع، واتفق أن كان له بغل يصرع، فربما صرعا جميعا. والصرع قلما يذهب. وقد عرض للأصمعي فداواه ابن بختيشوع فذهب.
من الناس من لا يسكر البتة، منهم محمد بن الجهم وأبو عبد الله العمي.
أنشد الجاحظ لابن عباس:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منها نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور
الخريمي:
أصغي إلى قائدي فيخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني
أريد أن أعدل السلام وإن ... أفصل بين الشريف والدون
أسمع مالا أرى فأكره أن ... أخطئ فالسمع غير مأمون
لله عين التي فجعت بها ... لو أن دهراً بها يواتيني
لو كنت خيرت ما أخذت بها ... تعمير نوح بملك قارون
علي بن هارون بن علي في ابن أبي الحواري، وقد عرضت له سقطة.
كيف نال العشار من لم يزل ... منه مقيلاً في كل خطب جسيم
أو ترقى الأذى إلى قدم ... لم يخط غلا إلى مقام كريم
عبد الواحد بن قيس عنه عليه الصلاة والسلام: داء الأنبياء الفالج واللقوة.
قال الجاحظ: ومن المفاليج إدريس عليه السلام. وأكثر ما يعتري المتوسطين في الأسنان، لأن الشاب كثير الحرارة، والشيخ كثير اليبس.
وممن فلج من الكبراء أبان بن عثمان. وكانوا يقولون: رماه الله بفالج أبان، ولقوة معاوية، وبخر عبد الملك، وبرص أنس بن مالك، وجذام ابن أبي قلابة، وعمى حسان، وصمم ابن سيرين.
ومنهم أحمد بن أبي دواد قاضي قضاة المعتصم والواثق، وكان من الشرف والكرم بمنزلة. ولأبي هفان في رجل ضرب غلاماً له:
أتضرب مثله بالسوط عشراً ... ضربت بفالج ابن أبي دواد
وقال علي بن الجهم:
أ أرقد الليل مسروراً عدمت إذن ... عيشمي وأحمد يرعى ليله وصبا
الله يعلم أني قد نذرت له ... صيام شهر إذا ما أحمد ركبا
ثم لما طال به قال:
لا زال فالجك الذي بك دائماً ... وفجعت قبل الموت بالأولاد
عزهم بن قيس بن بلغدويه لما فقئت عين مالك بن مسمع:
تقاضوك عيناً مرة فقضيتها ... وفي عينك الأخرى عليك خصوم
أ جهلاً إذا ما الأمن غشاك ثوبه ... وحلماً إذا ما كدحتك كلوم

كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعمتني بوطء المطهمات حتى أصابني النقرس، أتخمتني بأكل الطيبات حتى ضربني الفالج، لولاك لكنت أبعد من النقرس من فتح، وأسلم من الفالج من مكان. وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب، ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحة غيره، وعيبه أحمد من براءة ضده، فما ظنك بغير ذلك من أمره؟ والسلام.
شبحة عبد الحميد مثل في مستهجن يزيد صاحبه حسناً، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من اجمل أهل زمانه، فأصابته شبحة فزادته زينة وجمالاً، حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجة عبد الحميد.
أبو محلم الحراني في عبد الله بن طاهر:
فإن تك حمى الربع شفك وردها ... فعقباك فيها أن يطول لك العمر
وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر
كان يقال لعمر بن عبد العزيز أشج بني أمية. وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
لما نفحه الحمار برجله فأثر في جبهته قال أصبغ: الله أكبر! هذا أشج بني أمية، يملك ويملأ الأرض عدلاً. ولما قال عمر بن عبد العزيز في يزيد بن المهلب: أي عربي هو لولا عذرة في رأسه، بلغ ذلك يزيد فقال: من يعذرني من لطيم الشيطان؟.
الفضل بن إسماعيل العباسي:
أشكو إلى الله ما أصبت به ... من ألم في مفاصل القدم
كأنني لم أطأ بها كبداً ... من حاسد سر قلبه ألمي
ما من صحيح إلا ستنقله ال ... أيام من صحة إلى سقم
في الحديث: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أم مغيث، وهي وسط الرأس.
شاعر:
ففي شؤوني حريق من تنزلة ... وفي الخياشيم ضيق محصد المدر
ابن الحجاج:
أيها النزلة بيني ... واصعدي فوق لهاتي
ودعي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي
يقال للحمى داء الأسد لأنه قل ما يخلو منها. قال أبو تمام:
فإن يك قد نالك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يرعك الأسد الورد
وقال البحتري:
وما الكلب محموماً وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد
منيع بن لوبك الأسدي الأقطع:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيراً وغالت دابريه المقادر
لقد كنت مما احدث الدهر آمناً ... ألا ليتني ضمت علي المقابر
الحسن: رحم الله أقواماً لم يدروا ما هيليلج ولا بليلج.
قال أعرابي كثر عياله وقل ماله: سأنتجع خيبر، عسى أن يخفف عني ثقل هؤلاء. فلما شارفها قال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فلما دخلها حم، وحم حمامه، وعاش أيتامه.
القابلة بالأهواز ربما قبلت الصبي فتجده محموماً، ولا ترى بها وجبة حمراء لصبي.
دماميل الجزيرة داء فاحش لا يكاد يخرج دمل بالجزيرة فعاش صاحبه.
قال الحجاج لطبيبه: أخبرنا بجوامع الطب، فقال: لا تطأن من النساء إلا شابة، ولا تأكلن من اللحمان إلا لحم فتي، وإذا تغديت فاستلق، وإذا تعشيت فامش ولو على الشوك، ولا يدخلن بطنك طعام حتى تستمرئ ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء فتنتفض، وكل الفاكهة في إقبالها وذرها في إدبارها.
إذا ألم الألم فالمعالجة ترك المعالجة.
فتيان العراق يسمون الجرب حب الطرف، وفيه لبعضهم:
طلبت من المشتري ظرف حب ... فعوضني زحل حب طرف
فيا ليتني كنت صفر اليدين ... من كل حب ومن كل طرف
دخل العمري على الفضل بن الربيع عائداً، فسلم ثم قال: أبا العباس، قد والله أمرضني ما أرى بك، وإنك لبعرض خير من أجر عظيم، فأتقبل ذلك بشكر وحسن صبر.
ونظر إلى مجلسه وهو في فسحة فقال: أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير المجالس ما سافر فيه النظر، واستروح فيه البدن. ثم قام فقال: عمرك الله العافية، ولا كان بك السوء.
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

جس الطبيب يدي يوماً فقلت له ... إن المجسة في قلبي فخل يدي
ليس اصفراري لحمي خالطت جسدي ... لكن لطارق هم حل في كبدي
قال رجل للقاسم بن محمد وقد ذهب بصره: لقد سلبت أحسن وجهك. فقال: صدقت، غير أني منعت النظر إلى ما يلهي، وعرضت الفكرة فيما يجدي.
شاعر:
حق العيادة يوم بعد يومين ... وخلسة مثل خلس اللحظ بالعين
لا تبرمن عليلاً في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسأل بحرفين
كانت بيحيى بن خالد البرمكي علة في جوفه عجز عنها أطباء العراق، فأشخص منويل أسقف فارس. وقد تقدم قبل أن يدخل عليه إلى خواصه بأخذ مائهم في قوارير، فأتوا بها، وفيهم مدني مضحك قد وهب له جارية فكان في كثرة الباه الدعاوى العريضة، فأعطاه الوزير مجسته، فقل تناولت الحرف، فجحد، فحلف منويل حتى أقر. ونظر في القوارير فرد كل واحدة إلى صاحبها، فتعجب من لطف علمه.
وقال للمدني: أنت عنين، فلح، فقال: هو كافر بالمسيح إن كان خرج من صلبك شيء إلا البول. فاعترف وطلب العلاج، فقال: هذا ما لا حيلة فيه، ثم قال: إن كان، وما أظنه يكون، فعليك بالكباب والأجر مع نبيذ الصرفان.
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
كان جرير في بلاد قيس مريضاً فعادوه وتفقدوه، فقال:
نفسي الفداء لقوم زينوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوادي
لو خفت ليثاً أبا شبلين ذا لبد ... ما أسلموني لليث الغابة العادي
إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالرحيل فقد أحسنتم رادي
أبو الأطروشي صاحب طبرستان، كلمه رجل فقال: ارفع صوتك فإن بأذني بعض ما بروحك.
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة في نقرة القفا فإنها تورث النسيان. وأمر أن يستنجي بالماء البارد فإنه صحة من الباسور.
خطب المأمون بخراسان، فسعل الناس، فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليدوا بشرخل الخمر، ففعلوا، فانقطع عنهم السعال.
عروة بن الزبير: قلت لعائشة: إني نظرت في أمرك فعجبت من أشياء، ولم أعجب من أشياء، رأيتك من أفقه الناس، فقلت: وما يمنعها وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت أبي بكر؟ ورأيتك من أعلم الناس بالشعر وأيام العرب، فقلت: وما يمنعها وهي بنت أبي بكر وعلامة قريش؟ ولكني رأيتك من أعلم الناس بالطب. فأخذت بيدي، وقالت: يا عروة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسقام والأوجاع، فكانت العرب والعجم تنعت له، فكنا نعالجه.
حكيم: إياك أن تحك بثرة وإن زعزعتك، واحفظ أسنانك من القار بعد الحار، والحار بعد القار، وأن تطيل النظر في عين رمدة وفي بئر عادية، واحذر السجود على خصفة حديدة حتى تمسحها بيدك، فرب معظية حقيرة فقأت عيناً خطيرة.
كانت الأدوية تنبت في محراب سليمان عليه السلام، فيقول كل نبت: يا رسول الله، أنا دواء لداء كذا.
جالينوس: البطنة تقتل الرجال، ومنها يكون الفالج، والبطن الذريع، والأقعاد، وصنف من الجذام يقال له الفهد لا يسمع صاحبه ولا يبسر ولا ينطق، وترك الطعام يغير الطبائع، ويهيج شدة الصداع، والكبد في العينين، والضربان في الأذنين، والقولنج. فعليك بالطريقة الوسطى. واتق الليل وطعامه وشرابه بجهدك.
رسطاليس: إن سم الحية حياة لها وتلف لغيرها، والسم ما دام في الحية فهو سخين، فإذا خرج إلى غيرها برد حتى يقتل بشدة برده.
جالينوس: الغم المفرط يميت القلب، ويجمد الدم في العروق فيهلك صاحبه. والسرور المفرط يلهب حرارة الدم حتى تغلب الحرارة الغريزية فيهلك.
قال أسقف فارس لمحموم: هذا عمل الداذي، قال: ما ذقته منذ فارقت بغداد. قال: ألم تر امرأة حملت ببغداد ووضعت بفارس؟

وضع على مائدة المأمون يوم عيد أكثر من ثلثمائة لون، فكان يذكر منفعة كل لون ومضرته وما يختص به. فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، إن خضنا في الطب فأنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم فأنت هرمس في حسابه، أو في الفقه فأنت علي بن أبي طالب في علمه، أو في السخاء فأنت حاتم في كرمه، أو في صدق الحديث فأنت أبو ذر في لهجته، أو في الوفاء فأنت السموأل بن عاديا في وفائه، فسر بكلامه وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل غيره بعقله، ولولا ذاك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أفضل من دم.
طبيب الهند: منفعة الحقنة للإنسان كمنفعة الماء للشجرة إذا سقى أصلها.
ومرض أبو دجانة فنعت الطبيب له الحقنة فأبى، فأنشأ أعرابي عنده يقول:
لقد سرني والله وقاك شرها ... نفارك منها إذ أتاك يقودها
كفى سوءة ألا تزال مجبياً ... على شنة وفراء في استك عوها
سفيان بن عيينة: اجتمع أطباء فارس وابن كلدة على أن الداء إدخال الطعام على الطعام. وقالوا: إدخال اللحم على اللحم يقتل السباع في البر. والشرب في آنية الرصاص أمان من القولنج.
حكيم: أربعة تهدم البدن: الجناع على الامتلاء، والاستحمام على الشبع، وأكل القديد، ونكاح العجوز.
قال الرشيد حين كان بطوس لرجل: خذ هذه الدرة وأعرض هذه القارورة على أسقف فارس، وبختيشوع من غير أن يتشاعرا، وأزعم أنها قارورة أخ لك. فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرشيد! فانتظر ولا ترحل فإن أخاك ميت غداة غد. وقال: بختيشوع مثله.
وعرض رجل على أيوب الطبيب قارورته، فقال: ما هي بقارورتك، لأنه ماء ميت وأنت حي تكلمني. فما فرغ من كلامه أن خر الرجل ميتاً.
صدع ملك فأمره الطبيب بأن يضع قدميه في الماء الحار، فقال خصي عنده: وأين القدم من الرأس؟ فقال: أين وجهك من بيضتيك نزعتا فذهبت لحيتك؟ شكا رجل إلى الطبيب وجع البطن، وقال: أكلت سمكاً ولحم بقر وبيضاً وماستاً، فقال: انظر فإن مت من هذا وإلا فارم نفسك من حالق.
اشترى أعرابي غلاماً، فقيل: يبول في الفراش. فقال: إن وجد فراشاً فليبل عليه راشداً.
قال أعور لأبي الأسود الدؤلي: ما الشيء ونصف الشيء ولا شيء؟ قال: أما الشيء فالبصير كما أنا، وأما لا شيء فالأعمى، وأما نصف الشيء فأنت يا أعور.
شم أعرابي إبطيه فقطب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما.
صالح بن عبد القدوس:
عزاءك أيها العين السكوب ... وصبرك إنها نوب تنوب
وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب
فإن أك قد ثكلتك في حياتي ... وفارقني بك الألف الحبيب
فكل قرينة لا بد يوماً ... سنسعب إلفها عنها السعوب
على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب
بموت المرء وهو بعد حياً ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب
يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب
إذا ما مات بعضك فابك بعضاً ... فإن البعض من بعض قريب
ذكر أعرابي رجلاً توانى في درك ثأره، فقال: كيف يدرك ثأره وفي صدره من البلغمم حشو مرفقة؟ والبلغماني يكون سميناً بطيناً.
جعفر بن سليمان الهاشمي ظبي لنا فذبحناه وسلخناه، فإذا جسده قد شرق بالدم، فقال لنا داود الطبيب: هكذا جسد المتخم ولكن لا يراه.
افتصد المأمون فسرح والتحم، وعنده بختيشوع وابن ماسويه وميخائيل، فطلب الحيلة، فاعتزلوا ليتناظروا. فقال المأمون لأسود قائم على رأسه: مص موضع الفصد، ففعل، فخرج الدم. فقالوا: لو نشر بقراط وجالينوس ما زادا على هذا.
صدع المأمون بطرسوس فلم ينفعه علاج، فوجه إليه قيصر قلنسوة وكتب: بلغني صداعك فضعها على رأسك يسكن. فخاف أن تكون مسمومة، فوضعها على رأس حاملها فلم تضره، ثم وضعت على رأس مصدع فسكن، فوضعها على رأسه فسكن فتعجب، ففتقت فإذا فيها رق فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، كم من نعمة في عرق ساكن، حم عسق لا يصدعون عنها ولا ينزفون، من كلام الرحمن خمدت النيران، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن

أسامة بن زيد رفعه: أن الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع في أرض فلا تخرجوا فراراً منه.
الهزيمي:
قد كنت أنظر قبل اليوم في كتب ... فيها الحكايات والأشعار والخطب
ودفتر الطب فيها لا ألم به ... إذ لم يكن فيه لي من صحتي أرب
فجاءت السبع والخمسون تحوجني ... إلى العلاج فمالي غيرها كتب
ابن عباس رفعه: تداووا فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له شفاءً إلا السام.
وروي لكل داء دواء إلا الهرم.
أنشد الموصلي:
أعزز علي بأن أزورك عائداً ... أو أن أرى بفنائك العوادا
علي عليه السلام رفعه: من أتى أخاه المسلم يعوده مشى في خراقة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة.
أنس رفعه: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار.
مرض أحمد بن أبي دؤاد، فعاده المعتصم وقال: نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال: يا أمير المؤمنين، لنجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً. فقال: نويت أن أتصدق بها على من هاهنا، وأطلق لأهل الحرمين مثلها. فقال: متع الله الإسلام بك، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصماً ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم: عدته ولا تعود جلة أهلك! قال: وكيف؟ وما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، وأوجب لي شكراً، وما سألني حاجة لنفسه قط.
دخل أبو الغمر على الداعي وهو يحتجم، فقال بديهاً.
إذا كتبت يد الحجام سطراً ... أتاك به الأمان من السقام
فحسمك داء جسمك باحتجام ... كحسمك داء ملكك بالحسام
فاستجاده وأمر له بعشرة آلاف درهم.
علي رفعه: ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء.
وروى عنه: عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة، ويذهب البلغم، ويشد العصب، ويذهب بالأعياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالهم.
وروي عنه: إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام، أو شربة من عسل.
أبو نواس في أحمد بن روح بن أبي بحر الشاعر، وكان يهاجيه:
لا رعى الله ابن روح ... وسخ اسمي بلعابه
أسقم اسمي ريح فيه ... فأظن اسمي لما به
خالد بن عامر الملقب بالقفار:
وهن ببخص الداء مدن ... نواعم كالغزلان مرضى قلوبها
بهن من الداء الذي أنا عارف ... ولا يعرف الأدواء إلا طبيبها
خالد بن زيد الجهضمي:
كفى حزناً أني أجالس معشراً ... يخوضون في بعض الحديث وأمسك
وما ذاك من عي ولا من جهالة ... ولكنه ما في للصوت مسلك
فإن سد مني السمع فالله قادر ... على فتحه والله بالعبد أملك
ربيعة الرقى:
عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بكحلة منك تشفيه من الرمد
إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد
طعن في عين قتادة بن النعمان يوم أحد فندرت في وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت أحد عينيه نظراً وأحسنها، فقال الخرنق الأوسي:
ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيما رد
فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد
أبو الحسن الناجم.
قالوا اشتكت نرجستا وجهه ... قلت لهم أحسن ما كانا
حمرة ورد الخد شابتهما ... والصبغ قد ينفض أحيانا
يريد أحسن ما كان وجهه إذا رمد.
ولد الأحنف ملتصق الأليتين حتى شق ما بينهما.
شراعة بن الزندبود:
قالوا شراعة عنين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عتين
قال ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني من بيت ابن رامين
أبو الفيض القضافي في المعتضد:
أرقت دماً لو تسكب المزن مثله ... لأصبح وجه الأرض أخضر زاهيا
دماً طيباً لو يطلق الدين شربه ... لكان من الأسقام للناس شافيا
اعتل عثمان بن عمرو القيني فلم يعده العتبى، فكتب إليه:

بأبي أنت إن ذا الفضل محف ... وظ أقل القليل من هفواته
أ ترى عتبة ابن أبي سفي ... ان وصى بنيه عند وفاته
أن يبروا الصحيح ممن أحبوا ... ويعقوا العليل عند شكاته
يا ابن من بالعتاب سمي أعتب ... وأسألن بالعليل إن لم تأته
فحلف العتبى ليأتينه شهراً كل يوم.
العباس بن الأحنف:
قالت مرضت فعدتها فتبرمت ... فهي الصحيحة والمريض العايد
والله لو أن القلوب كقلبها ... ما رق للولد الضعيف الوالد
قال سفيان لصاحب له: ما نمت البارحة من ضربان ضرسى. فقال: وأنت يا عبد الله تشكو؟ قال: يا أحمق، لم أشك، وإنما أنت أخي أخبرتك.
قال أبو سليمان: إذا أخبر فقد شكا.
أبو صفوان: إن الله خلق جنة، وأعد فيها نعيماً، وندبنا إليه بترك الشهوات، فلم نطعه. ثم أصبنا الشهوات فأورثتنا الأدواء، فجئنا إلى بعض خلقه ممن نشتمهم غدوة وعشياً، فقلنا: داوونا. فقالوا: نداويكم على أن تتركوا الشهوات، فأطعناهم.
مالك بن دينار: عجبت ممن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمى من الذنوب مخافة النار.
عاد سفيان فضيلاً فقال: يا أبت محمد، وأي نعمة في المرض لولا العواد؟ قال: وأي شيء يكره في العواد؟ قال: الشكية.
علي عليه السلام لبعض أصحابه جعل الله ما كان من شكواك حطاً لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه، ولكن يحط السيئات ويحتمها حت الأوراق، وإنما الأجر في القول باللسان، والعمل بالأيدي والإقدام.
كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره. فكتب سفيان: أما بعد، فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك، والسلام.
استأذن الربيع بن خثيم على ابن مسعود، فخرجت إليه جارية حسناء، فغمض عينيه، فقالت: على الباب رجل أعمى يقول أنا الربيع بن خثيم، فقال: ليس بأعمى، وإنما غض بصره عما نهاه الله عنه.
كان رجل يتعاطى الصراع فلا يصرع أحداً، فترك الصراع وتعالى الطب، فمر به في بعض الأيام حكيم فقال له: الآن تصرع خلقاً كثيراً.
كان منيع بن كوثل يقطع بنواحي الحجاز، فقطع، فقال:
هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر
وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيراً وغالت دابريه المقادر
لقد كنت مما أحدث الدهر آمناً ... ألا ليتني ضمت علي المقابر
كان أيمن بن خريم به برص في يده، وكان يصفره بالزعفران، فإذا أكل رجلاً لم ينشب أن يصفر الطعام. وكان مداحاً لعبد العزيز بن مروان، فامتدحه نصيب بما أعجبه، فقال لأيمن: هو الله أشعر منك، فقال أيمن: لا والله، ولكنك طرف ملول. فقال: أنا ملول وأنا أواكلك مذ كذا وكذا؟ دخل عمر بن عبد العزيز إلى إسطبل أبيه، فضربه فرس على وجهه، فأتى به أبوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشج بني أمية أنك لسعيد.
كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور، فجعل أعرابي يديم النظر إليه حابساً نفسه عن طعامه، فقال له المنيرة في ذلك، قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور وأراك تطعم الطعام وهده صفة الدجال.
وكانت عينه أصيبت في قتال الروم، فقال: الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
كان أبو أحمد بن جحش من المكافيف، وقد أخذ خطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، وهو يسمى بين الصفا والمروة، وهو يرتجز:
يا حبذا مكة من وادي ... أرض بها أهلي وعوادي
أرض بها ترسخ أوتادي ... أرض بها أمشي بلا هادي
علي بن الجهم في مرض المتوكل:
لإمام الهدى البقاء الطويل ... ومنا لا به الصنى والنحول
كادت الأرض أن تميد لشكوا ... ك وكادت لها الحبال نزول
أنا أشكر إليك قسوة قلبي ... كيف لم ينصدع وأنت عليل
دخل علي عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائداً، فقال علي لصعصعة: والله ما علمتك إلا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين، إن الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وإنك بكتاب الله لعليم.

فلما قام ليخرج، قال: يا صعصعة، لا تجعل عيادتي فخراً على قومك، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
وروي: لا تتخذها أبهة على قومك، إن عادك أهل بيت نبيك.
ابن عباس: مرضت مرضاً شديداً، فحماني أهلي كل شيء حتى الماء، فعطشت ليلة أشد العطش، فحبوت إلى أداوة معلقة، فشربت كما أردت، فما زلت أعرف الصحة منها في جسمي ونفسي. فلا تحرموا مرضاكم شيئاً.
سل الزبير العبسي حتى لم يبق منه إلا الجلد والعظم، فأخرج ذراعه فنظر إليها، فقال: الحمد لله الذي لم يبق للأرض من جسدي نباتاً.
مرض بكر بن عبد الله المزني فرأى الناس يدخلون ويخرجون، فغمه ذلك، فلما كثر عليه قال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا. فرؤي عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى سال رعافه على درج المنبر.
أحمد بن يحيى ثعلب ناله صمم شديد حتى كان يكتب له الشيء في آخر أيامه.
قال السفاح لطبيبه في علة موته وأراد جسه:
أنظر إلى ضعف الحرا ... ك وذلة بيد السكون
ينبيك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون

المال، والكسب، والتجارة، والانفاق، والغلاء
والرخص، والغبن، والمكاس، وذكر الغنى والفقر وما اتصل بذلك ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أحد: ما يسرني أنه لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله، لا أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين إن كان.
قال: فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا أمة، وترك درعه التي كان يقاتل فيها رهناً بثلث قفيز من شعير.
أنس رفعه: يقول الله عز وجل: ابن آدم أقبل إلي املأ قلبك غنى، وانزع الفقر من بين عينيك، واكف عليك ضيعتك، فلا تصبح إلا غنياً، ولا تمسي إلا غنياً. وإن توليت عني نزعت الغنى من قلبك، وأنسيت عليك ضيعتك، فلا تصبح إلا فقيراً، ولا تمسي إلا فقيراً.
عبد الله بن معقل: أتى رجل رسول الله فقال: والله إني لأحبك في الله. قال: إن كنت صادقاً فيسر للفقر تجفافاً، فالفقر إلى من يحبني أسرع من السيل إلى منتهاه.
أبو ذر رفعه: صاحب الدرهمين أشد حساباً يوم القيامة من صاحب الدرهم.
أوحى الله إلى موسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته. وإذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين.
لقمان: كان إذا مر بالأغنياء قال: يا أهل النعيم، ولا تنسوا النعيم الأكبر. وإذا مر بالفقراء قال: إياكم أن تغبنوا مرتين.
أبو سعيد المخزومي:
وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
دخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده، فرآه يصوب بصره ويصعده نحو صندوق له، فقال: يا أبا سعيد، ما قولك في ماءة ألف في هذا الصندوق لم توصل منها رحم ولم تؤد زكاة؟ قال الحسن: ثكلتك أمك، فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومفاخرة العشيرة.
فلما مات ضرب الحسن بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال لوارثه: لا تخدعن كما خدع أبوك. أما إنك أتاك هذا المال حلالاً فإياك أن يكون عليك وبالاً، من باطل جمعه فأوعاه، ومن حق منهع فأوكاه. إن أعظم الحسرات يوم القيامة أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيا لها من توبة لا تنال وعثرة لا تقال! حكيم: من لم يصبر على خيانة الوكلاء، وإضاعة الكفاة فليس بتام الدهقنة.
قيل لعبد الله بن جعفر: إنك لتبذل الكثير إذا سئلت، ويضايق في القليل إذا توجرت. فقال: إني أبذل مالي، وأضن بعرضي وبعقلي.
النبيص : من باع داراً أو عقاراً فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مال قمن أن لا يبارك الله فيه.
حكيم: إذا تزين المرء بالذهب والفضة فقد دل على نقصه في نفسه عنها، والفاضل من زين الذهب والفضة بحسن السياسة والتدبير فيها.
الحسن: من وسع الله عليه في ذات يده فلم يخف أن يكون ذلك مكراً به من الله فقد أمن مخوفاً. ومن ضيق الله عليه في ذات يده فلم يرج أن يكون ذلك نظراً من الله تعالى فقد ضيع مأمولاً.
العتابي:

إني امرؤ هدم الأقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الأيام من خطر
أيام عمرو بن كلثوم يسوده ... حيا ربيعة والأحياء من مضر
أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر
النبي صلى الله عليه وسلم : لا يعجبنك امرؤ كسب مالاً حراماً، فإنه إن أنفق لم يتقبل منه، وإن أمسك لم يبارك فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار.
رسطاليس: محبة المال وتد الشر كله، لأن الشر كله متعلق بها.
نظر أعرابي إلى دينار فقال: ما أصغر قمتك وأكبر همتك! القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر.
ابن السماك: الفطام عن الحطام شديد.
أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم تزده النعمة إلا تواضعاً.
يحيى بن معاذ الرازي: الاقتصاد في المعيشة ضيعة لم تتكلف ثمنها النبي صلى الله عليه وسلم : ما عال من اقتصد.
العرب: ينبغي للمشتري أن يشترى، أي أن يختار.
السري: نهيتك من مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، وأفواه المكاييل.
معاوية: ما رأيت سرفاً إلا وإلى جانبه حق مضاع.
من ختم البضاعة أمن الإضاعة.
مدح رجل رجلاً عند خالد بن عبد الله فقال: دخلت عليه فرأيته أسرى الناس داراً وفراشاً وآلة وخدماً. فقال خالد: لقد ذممته، هذه والله حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلاً ولا للكرم موضعاً.
ونحوه: من عظمت مؤونته على نفسه قل فضله على غيره.
الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.
أبو الدرداء رضي الله عنه:
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ورزقي ... وتقوى الله أكبر ما استفادا
اشترى لابن عمر متاع فرضيه ودفع الثمن إلى من اشتراه له، فجاء وقد استوضع دينارين، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ الدينارين؟ ردهما على الرجل.
النبي صلى الله عليه وسلم : الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.
باع مزبد خماراً، فأقبلوا يقلبونه، فقال: والله لو قلبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم فيها صدأً.
علي رضي الله عنه: ما كسى عن درهميك فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.
النبي صلى الله عليه وسلم : أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
قيل لابن عيينة: من أفقر الناس؟ قال: ليس أحد دون أحد، قال الله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله.
رأى بزرجمهر فقيراً جاهلاً، فقال: بئس ما اجتمع على هذا! فقر ينغص دنياه، وجهل يفسد آخرته.
في الحيث المرفوع: مثل الفقر للمؤمن كمثل فرس مربوط بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئاً مما يهوى ردته حكمته.
قال رجل لفيلسوف: ما أشد فقرك! فقال: لو تعلم ما الفقر لشغلك الغم لنفسك عن الغم لي.
أعرابي: المال لا يصلح إلا بالوالي يلي المال ربه وإن كان أحمق.
قالوا: الغبن في شيئين، في الغلاء والرداءة، فإذا استجدت فقد أحرزت أفضلها.
شاعر:
خلق المال واليسار لقوم ... وأراني خلقت للأملاق
أنا فيما أرى بقية قوم ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق
قرىء على درهم في أحد جانبيه:
قرنت بالنجح وبي كلما ... يراد من ممتنع يوجد
وفي الجانب الآخر:
وكل من كنت له آلفاً ... فالجن والأنس له أعبد
الجاحظ: غنما هو شيىء ألقاه الشيطان في قلوب العامة، وأجراء على ألسنتهم حتى قالوا: المغبون لا محمود ولا مأجور، فحملوا الجهلة على النظر في قيمة حبة، والاطلاع في لسان الميزان، وأخذ المعايين بالأيدي.
وبالحري ان يكون المغبون محموداً ومأجوراً.. وقالت الحكماء: السؤدد التغافل. وأدبنا رسول الله حيث قال: رحم الله رجلاً سهل البيع سهل الشرى. وقال معاوية: إني لأجر ذيلي على الخدائع. وعن الحسن البصري: لا يكون المؤمن مماكساً.
قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز وجهى ويعجز عن بر الصديق.
من حفظ ماله حفظ الأكرمين: دينه وعرضه.
إذا استغنى اللئيم بلي به ثلاثة: صديقه القديم يجفوه، وامرأته يطلقها، وخادمه يستبدل به.
الحسن: ما اعز أحد الدراهم إلا أذله الله.
وعنه رحمه الله: كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف.

وذكر بعضهم أبا الشعثاء فقال: كان مسلماً عند الدرهم.
عبد الله الفقير إليه:
وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدينار
يردده كالظهر الذلول فإنه ... حجر يلين قسوة الأحجار
حبس عمرو بن الليث أبا سعيد الكاتب وعلي بن النضر، فتبلح أبو سعيد في أداء ما طولب به، فحلف المطالب ليقلعن أضراسه إن لم يؤده، فلما احتاله من حيث وضع عمد ابن النضر فسرقه، فدعي بالصست والكبلتين فقلعت أضراسه. فنمي الخبر إلى عمرو فاغتم له وأطلقه. فلما كان بعد مدة أتاه علي بالكيس فقال: ما حملك على ما فعلت؟ دخلت في دمي وفجعتني بأضراسي. قال: اسكت، فانه إذا لم يكن لك أضراس وكانت لك درهم اتخذت الهرايس والاخبصة، وإذا لم يكن لك مال وأنت سالم الأضراس مت جوعاً. فضحك وتسلى، وقعد يتنعم.
يونس بن عبيد صاحب الحسن: كسبت في هذه السوق ستين ألف درهم، ما منها درهم الا وأنا أخاف أن أسال عنه.
أنس رفعه: يقول الله لملائكته: أدنوا أحبائي، فتقول الملائكة: سبحانك من أحباؤك؟ قال: أدنوا منى فقراء المسلمين .
الثوري : المال في هذا الزمان عز للمؤمن. وقال: المال سلاح المؤمن في هذا الزمان. وكان بين يديه دنانير يقبلها، فقيل له: أتحبها؟ فقال: دعنا منك، فلولا هذه لتمندلت بأعراضنا القوم تمندلاً. وقال: لئن أخلف عشرة آلاف يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم :إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه.
ترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهم إنك تعلم إني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي وديني.
وقيل لآخر: لم تحب هذه الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ قال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها.
عبد الله الفقير إليه:
لا تلمني إذا وقيت الأواقي ... فالأواقي لماء وجهي واقي
ابن عينة: من كان له مال فليصلحه، فإنكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس كان أول ما يبذل دينه.
عون: صحبت الأغنياء، فلم يكن أحد أكثر غماً مني، لأني كنت أرى ثياباً خيراً من ثيابي، ودابة خيراً من دابتي. ثم صحبت المساكين فاسترحت.
فضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة، وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا، وعطلوا الحدود، ونقصوا الكيل والميزان.
قال رجل لإبراهيم بن أدهم: أقبل مني هذه الجبة، قال: إن كنت غنياً قبلتها منك، قال: أنا غني، قال: كم مالك؟ قال: ألفان، قال: أيسرك أن يكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: أنت فقير، لا أقبلها منك.
الحسن في قوله تعالى: يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون، ينقر أحدهم فيعلم كم فيه من حبة، ويضيع دينه، ستعلم يا لكع.
حكيم : لا تكن أسوأ المغرورين بجمع المال، فكم رأينا من جامع لبعل حليلته.
وفي نوابغ الكلم: أيها القلب الخول، إن حيلتك أن تجمع المال لبعل حليلتك.
حكيم: إنما مالك لك، أو لجائحة تحدث فيه، أو للوارث، فلا تكن أخسهم حظاً.
وفي نوابغ الكلم: المال للحارث، أو للحادث، أو للوارث، فلا تكن أخس ثالث.
أعرابي من بني أسد:
يقولون ثمر ما استطعت وإنما ... لوارثة ما ثمر المال كاسبه
فكله وأطعمه وخاله وارثاً ... شحيحاً ودهراً تعتريه نوائبه
عبد الرحمن بن شبل: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: التجار هم الفجار. فقيل: أليس أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيحنثون.
مر علي عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرة، وهو يقول: يا معشر التجار خذوا الحق وأعطوا الحق تسلموا، ولا تردوا قليل الحق فتحرموا كثيره، ما منع مال من حق إلا ذهبت في باطل أضعافه.
لقمان: يا بني، قد أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئاً أمر من الفقر. فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيما لاي ينتقصوك، ولكن سل الله، فمن الذي سأل الله فلم يعطه؟ أو دعاه فلم يجبه؟ أو تضرع إليه فلم يكشف ما به؟.
أعرابي: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً.
إن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وظهرت عند الجدة نعمته.
يقال للدرهم الأخرس النجيع وخاتم رب العالمين.
أعرابي هلكت إبل له فقال: إن موتاً تخطاني إلى مالي لعظيم النعمة علي.

يقال لمقاسي الفقر: فلان يلاطم حمأة الجفر، أكثر غدارته قد نضب. أخذ الإفلاس بكظمه.
أوصى رجل فقال اكتبوا: خلف فلان ما يسوءه وينوءه، مالاً يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره وإثمه.
وفي نوابغ الكلم: ترك مالاً يبقى عليه وارثه، وتبقى عليه كوارثه. لكل نافقة كساد.
القاسم بين القوم أوشلهم حظاً. أي أقلهم.
لا مال لمن لا مادة له.
كسب المال للولد حسرة الأبد.
عيسى عليه السلام: المال فيه داء كبير. قيل يا روح الله: ما داؤه؟ قال: أن يمنع صاحبه حق الله، قيل: فإن أدى حق الله؟ قال: لن ينجو من الكبر والخيلاء، قيل: فإن نجا؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله.
حكيم: لا يعد الغرم غرماً إذا ساق غنماً، ولا يعد غنياً من لم يكن غناه مشتركاً.
أبو الفضل الميكالي:
وقد تهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه
قال أعرابي لرجل: كيف فلان فيكم؟ قال: غني حظي، قال: هذا من أهل الجنة.
الجاحظ: التجار أصحاب ترتيح وتدنيق، نظرهم في الطفيف مقرون بصناعتهم، ولذلك كان جود قريش، العالي على الأجواد، من قوم لا كسب لهم إلا من التجارة عجباً من العجب. وسبب إيثارهم التجارة أنهم من بين العرب دانوا بالتحمس والتشدد في الدين، لأنهم أهل حرم الله وحضنة بيته، فتركوا الغزو، وكراهة السبي، واستحلال النهب، فاقتصروا على التجارة، واتخذوها مكسبة، فضربوا في البلاد، وفتح الله عليهم الرزق بإيلافهم الرحلتين.
شاعر:
وما القطا الكدر إلى الغدر ... أهدى من الفقر إلى الحسر
من دعاء السلف: اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر، ومن بطر الغنى. القنية ينبوع الأحزان.
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى
خير الأعمال ما قضى الغرض، وخير الأموال ما وقى العرض.
ما بقاء المال بين حوائج الإنسان وحوائج الزمان؟ كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلا فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل اقتلعه وأدخله بيته، فقيل له، فقال: أخزى الله مالاً لا تطبق عليه بابك.
ومن الحواثر عامل عمرو بن هند الذي كتب إليه في قتل طرفة، وكان قد وداه بعد ذلك، فقال المتلمس لمعبد أخي طرفة:
لن ترحض السوءات عن أحسابكم ... نعم الحواثر إذ تساق لمعبد
قال معاوية للأحنف: ما مالك؟ قال: لا أخبرك، قال: ولم؟ قال: لأنك من القرشي بين شرتين، إن كنت غنياً حسدك، وإن كنت فقيراً حقرك.
يده في الكسب صناع، ولكنها في الإنفاق خرقاء.
الغنى أنس الأوطان.
إذا أيسرت فكل رحل رحلك، وإذا أعسرت فما أهلك أهلك.
الغربة مع الجدة أوطأ من لين الوطن مع الفقر.
حكيم: حسن التدبير مع الكفاف أكفى من المال الكثير مع الإسراف.
العطوي:
قاتلها الله لقد ... سامتكها إحدى العضل
تقول هلا رحلة ... تنفلنا خير تفل
ما الفقر عار إنما ال ... عار المراء والبخل
ملك الهياطلة: ما أقبح قضوع عند الحاجة، والتيه عند الاستغناء! عمرو بن الليث: الطير بالطير تصاد، والمال بالمال يكتسب.
مكتوب على باب مدينة الرقة: ويل لمن جمع المال من غير حقه، وويلان لمن ورثه من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره.
أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب إلزم سوقك فإن الغنى من العافية.
قال خالد بن صفوان: يا بني، خلتان إن أنت حفظتهما لم تبال ما ضيعت بعد: دينك لمعادك، ودنياك لمعاشك.
شاعر:
ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
وأهونهم وأحقرهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير
يباعده الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير
وقد يلقى الغني له جلالاً ... يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن الغنى رب غفور
نزل جبريل على لقمان وخيره بين النبوة وبين الحكمة، فاختار الحكمة، فمسح جبريل جناحه على صدره، فنطق بها، فلما ودعه قال: أوصيك بوصية فاحفظها، يا لقمان، لئن تدخل يدك إلى مرفقك في فم التنين خير لك من أن تسأل فقيراً قد استغنى.

قال الحجاج لابن القرية: أي المال أنفع؟ قال الذي قدمته في وجهه إلى الله في صحة البدن.
قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟ قال: الدهر أعرض منه.
ودفع إلى سائل درهماً فاستقله، فقال: أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف؟ أما ترى كيف ارتفع الدرهم حتى بلغ ما بلغ.
قرئ عند المنصور قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا. فقال: حد الله النفقة فنهى عن الإسراف والتقتير، وأمر بالقصد والتقدير.
علي عليه السلام: إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام.
الحسن: رحم الله عبداً كسب طيباً، وأنفق قصداً، وقدم فضلاً.
وعنه رحمه الله: إن المؤمن قد أخذ عن الله أدباً حسناً، فإذا وسع عليه وسع على عياله، وإذا قتر عليه قتر عليهم. فقال داود بن أبي هند: نفقات ننفقها نجد منها بداً من الطعام واللباس والطبيب. قال: أيها الرجل، أوسع على اهلك مما وسع الله عليك.
مالك بن خريم الهمداني جد مسروق بن الأجدع
أنبئت والأيام ذات تجارب ... وتبدي لك الأيام ما لست تعلم
أن ثراء المال ينفع ربه ... ويثني عليه الحمد وهو مذمم
وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المخزم
يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم
علي عليه السلام في ذكر آخر الزمان: ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله.
وعنه: الفقر الموت الأكبر.
وعنه: يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.
وعنه: من أتى غنياً فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه.
وعنه: إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة.
وعنه: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجار. يعني يبتغون المال ولا يريدون الدين.
عمر رضي الله عنه: ما يأتيني الموت على حال أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين دفتي رحلي أبغي على عيالي.
قيل لميمون بن مهران: إن ها هنا أقواماً يقولون: نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا. فقال: هؤلاء حمقى! إن كان لهم يقين مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن فليفعلوا.
سفيان: يعجبني الرجل يموت ولا يترك كفناً.
اشترى سلمان وسقاً من طعام وهو ستون صاعاً، فقيل له، فقال: النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت.
لما افتتحت بلخ في أيام عمر وجدت على بابها صخرة مكتوب فيها: إنما يبين الغني من الفقير عند الانصراف من بين يدي الله بعد العرض.
نبيه بن الحجاج:
قصر الناس بي ولو كنت ذا ما ... ل كثير لأجلب الناس حولي
ولقالوا أنت الكريم علينا ... ولحطوا إلى هواي وميلي
ولكلت المعروف كيلاً هنياً ... يعجز الناس أن يكيلو بكيلي
علي عليه السلام قال لابن الحنفية: يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت.
وعنه: إن الله فرض في أموال الأغنياء، أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع غني، والله سائلهم عن ذلك.
وعنه: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.
وعنه: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله! وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالاً على الله.
وعنه: من مات تعباً من كسب الحلال مات والله عنه راض.
عامر: أحب الناس إلى الله الفقراء، وكان أحب خلقه إليه الأنبياء فابتلاهم بالفقر.
قعود المرء عن الكسب إلحاف بالمسألة.
إبراهيم بن أدهم: اكتسب فإنك إن لم تفعل احتجت فداهنت الناس للطمع، فخالفت حينئذ الحق وأهله.
قيل لعروة بن الورد عروة الصعاليك، لأنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرساً ورمحاً، وقال: إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله يا فتى.
شاعر:
لا تنظرن إلى ذوي ال ... مال المؤثل والرياش
فتظل موصول النها ... ر بحسرة قلق الفراش
وأنظر إلى من كان دو ... نك أو نظيرك في المعاش
الفضل بن عبد الرحمن المطلبي:
ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد ... لكل غد رزق من الله واجب

أنس: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: إن الله الخالق القابض الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة ظلمت بها من أهل ولا مال. دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
المرار بن سعيد الفقعسي:
إذا افتقر المرار لم ير فقره ... وإن أيسر المرار أيسر صاحبه
أبو مسلم الحلق البصري:
عجبت لحملي المفتا ... ح إمسائي وإصباحي
وما ساوى الذي في من ... زلي قيمة مفتاحي
محمد بن البعيث بن الجليس الربعي:
كم قد قضيت أموراً كان أهملها ... غيري وقد أخذ الإفلاس كالظكم
منه كسب الحمد في عسر وفي يسر ... إن الجواد الذي يسخو على العدم
هارون بن جعفر الطالبي:
بوعدت همتي وقورب مالي ... ففعالي مقصر عن مالي
لو أعان السماح مني وفر ... لزكت لي مروءتي وفعالي
ما اتسمى الناس مثل ثوب اقتناع ... وهو من بين ما اكتسبوا سر بالي
ولقد تعلم الحوادث إني ... ذو اصطبار على صروف الليالي
يزيد بن محمد بن يزيد المهبلي في مرثية المتوكل:
قد كنت أسرف في مالي ويخلفه ... فعلمتني الليالي كيف أقتصد
اليوسيفى الكاتب:
تكسبت بعد الفقر ما لم تمنه ... ولا دونه فيما مضى أنت تأمل
ونفسك تلك النفس أيام فقرها ... وأنت بها ما عشت في الناس تسفل
النمر بن تولب:
خاطر بنفسك قد تصيب غنيمة ... ان الجلوس مع العيال قبيح
فالمال فيه نجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة ونصوح
شاعر:
لم أر بعد الدين خيراً من الغنى ... ولم بعد الكفر شراً من الفقر
ولم أر زين المال إلا امتهانه ... وتنفيذه في أوجه الحمد والأجر
أنس بن أناس:
وباه تميماً بالغنى إن للغنى ... لساناً به المرء الهيوبة ينطق
أعرابي من باهلة:
وان الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان
كان لعمر بن عبد العزيز سفينة تحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة، وهو واليهما فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أيما عامل تجر في رعيته هلكت رعيته هاكت رعيته. فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكها وتصدق بخشبها على المساكين.
عمر بن عبد العزيز: إذا اشترى أحدكم الشيء فليستجده، فإنه إنما يغبن عقله لا درهمه.
كان أبو بكر رضي الله إذا خرج في تجارة أخذ بضائع لضعفة قريش فيبيعها لهم ويشتري. ولا يرزأهم شيئاً.
وقف علي عليه السلام على تمار، فإذا هو بخادم تبكى عنده، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا تمراً بدرهم، فرده علي مولاي، فأبى أن يأخذه منى. قال: أعطيها درهمها وخذ تمرك فإنها خادم ليس لها أمر.
فدفعه التمار، فعرف انه أمير المؤمنين، فصب المر وأعطها الدرهم، وقال: ارض عني يا أمير المؤمنين، قال: إنا راض إن وفيت المسلمين حقوقهم.
أول من وضع لسان الميزان عبد الله بن عامر، وكان الناس يزنون بالشاهين.
كان علي عليه السلام يمر في السوق على الباعة، فيقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم على المسلمين فانه أعظم للبركة .
كان غلام من أهل مكة لازماً للمسجد، فافتقده ابن عمر رضي الله عنه، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعيم له يبيعه، فلقيه فقال له: مالك وللطعام؟ فهلا إبلاً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟! فهلا عنزاً؟! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
وقف رجل على تاجر يحلف، فقال: يا عبد الله، اتق الله ولا تلقح سلعتك بالإيمان، فانه لا يأتيك إلا ما كتب لك.
كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجالسهم ويتحدث إليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.
من استغنى بالله افتقر إليه الناس.
رضينا قسمة الرحمن فينا ... لنا أدب وللثقفي مال

المدح، والثناء، وطيب الذكر
والحث على اكتسابه، وما مدح به من المساعي الكرينة والخصال الحميدة

النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب، قال العنبي: هو المدح بالباطل والكذب، أما مدح الرجل بما فيه فلا بأس به. وقد مدح أبو طالب والعباس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحسان وكعب وغيرهم، ولم يبلغنا أنه حث في وجه مادح تراباً. ومدح هو صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار. ومدح هو صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: أنا سيد ولد آدم. وقال يوسف عليه: إني حفيظ عليم.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه.
وفي حثو التراب معنيان: أحدهما التغليظ في الرد عليه، وثانيهما ان يقال له: بفيك التراب.
وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يحسبون، واغفر لي مالا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
أبو بكرة عن أبيه: مدح رجل رجلاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ويحك قطعت عنق صاحبك. ثم قال: إن أحدكم مادحاً صاحبه فليقل : احسب فلاناً ولا أزكى على الله أحداً.
أثني على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قطعتم ظهره، لو سمعها ما أفلح بعدها.
أبو خلف خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مدح الفاسق اهتز العرش، وغضب الرب.
مطرف: ما مدحني أحد إلا تصاغرت في نفسي.
سارية بن زنيم الديلي، وهو الذي ولاه عمر فارس وقال: يا سارية الجبل:
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد
وهو أصدق بيت قالته العرب.
من احسن ما مدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عبد الله بن رواحة:
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر
فضيل: إذا كان قول الناس أنت رجل صدق أحب إليك من قولهم أنت رجل سوء فأنت والله رجل سوء.
وعنه: من ذا الذي يتكلم فلا يحب أن يجود الناس كلامه.
ابن عائشة: قلت لأبي: إن الناس يكثرون في عمر بن عبد العزيز.
فقال: يا بني، إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
مطرف: كنت جالساً عند مذعور، فمر رجل فقال: من سره أن ينظر إلى رجلين من أهل الجنة فلينظر إلى هذين. فعرفت الكراهة في وجهه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلمنا ولا يعلمنا.
قال ابن عباس لعمر رضي الله عنه حين طعن: أبشر أمير المؤمنين بالجنة. قد أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، ومات نبي الله وهو عنك راض، ولا يختلف في خلافتك رجلان، ثم قتلت شهيداً. فقال عمر: إن من تغرونه لمغرور، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.
علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح علياً رضي الله عنه:
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها ... أبو حسن من بينهم ناهضاً قدما
فما فاتهم منها به سلموا له ... وما شاركوه كان أوفرهم قسما
الحسن: تراهم يهدرون عنده هدير الفحالة، أنت والله، أنت والله، وتراه مقنعاً ساكناً، يحسب الحميق أنه كما يقال له.
علي عليه السلام في الأنصار: هم والله ربوا الإسلام كما يربى الفلو، مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط.
مدح هشام بن عبد الملك فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعم الله عليك لتجدد له شكراً. فقال هشام : هذا أحسن من المدح، ووصله وأكرمه.
كتب رجل إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: رأيتني فيما أتعاطى من مديحك كالمخبر عن النهار الباهر، والقمر الزاهر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الله بك.
قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول كما كنت نقول في آل المهلب. قال: إنهم كانوا والله أهدافاً للشعر. قال: هذا والله أمدح مما قلت فيهم.
فتى دهره شطران فيما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر
فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر
أعرابي: ما يذم بلد تأويه، ولا يشكى زمان أنت فيه.

آخر: كان والله إذا ضيع الأمور مضيعها، وانصرف عن الحسنى ضجيعها، يهين نفساً كريمة على قومها، غير مبقية لغدها ما في يومها، وكان أماراً بالخير، نهاء عن المنكر.
قيل: إن فلاناً يحسن القول فيك. قال: سأكافئه، قيل: بماذا؟ قال: بأن أحقق قوله.
كان الحجاج يستثقل زياد بن عمر العتكي، فلما قدم على عبد الملك وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم، لم يكن بعد ذلك أحد أخف على قلبه منه.
بعض إياد:
وأي فتى صبر على الأين والضما ... إذا اعتصروا واللوح ماء فظاظها
إذا ضرجوها ساعة بدائها ... وحل عن الكوماء عقد شظاظها
فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها
أعرابي: كان فلان قوالاً للحق، قواماً بالقسط.
قال رجل لآخر: أنت بستان الدنيا. فقال: وأنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.
وقال رجل لأبي عمر الزاهد صاحب كتاب الياقوتة في اللعنة: أنت والله عين الدنيا. فقال: وأنت بؤبؤ تلك العين.
قال أعرابي ليحيى بن خالد: لولا ما أمسكت من رمق المكارم لقامت عليه المآتم.
آخر: فلان حتف الأقران يوم النزال، وربيع الضيفان عشية النزول آخر: فلان بحره مفعم، وخصمه مفحم.
آخر: هو نبعة أرومته، وأبلق كتيبته، ومدره عشيرته. ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون.
آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وإنه مع ذلك عذب في أفواه الأصدقاء.
آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وإنه مع ذلك عذب في أفواه كان ماضياً.
القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي:
قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالخرصان
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
أنو شروان: من أثنى عليك بما لم توله فغير بعيد أن يعضهك بما لم تجنه.
وهب: من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك.
ما مدح أحد إلا نزا به الشيطان إلا أن المؤمن يراجع.
أيوب السختياني: لو لم نلق الله إلا بذنب ما يقوله الناس فينا، ويثنون علينا فنرضى به، للقيناه بهلكة إلا أن يغفر الله.
النبي صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل صلوات الله عليه: يا محمد، من أولاك يداً فكافه، فإن لم تقدر فأثن عليه.
وكان يقول لعائشة: أبياتك، أبياتك، فتنشد:
ارفع ضعيفك لا تحزنك ضعفته ... يوماً فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثنى عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
يقال: هذه المدحة فأين المنحة؟
إذا ما المدح سار بلا نوال ... من الممدوح كان هو الهجاء
توضحت جباه التواريخ بغرره، وافتتحت صفحات الدواوين بسيره.
إنما تمدح عبدك، وتنشر بردك، وتقرظ ملكك، وتفتق مسكك. تقوله لكبير يثنى عليك.
أوتي فلان خصال الرهان، وأصل البرهان، الأثنية مخيمة بفنائه مطنبة، والألسنة مسهبة في أطرائه مطنبة، له عنت نواصي المحامد، وأذعنت عواصي المكارم.
يزيد بن المهلب: الحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب إلي من الحياة، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما يقال غداً إذا مت كريماً.
ابن عباس في علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر. فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحياءه.
قيل لناسك: كيف أصبحت؟ قال: بنعمة من الله، وثناء من الناس لم يبلغه عملي.
كعب بن زهير في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تحمله ناقته الأدماء محتجراً ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
وفي عطافيه أو أثناء ريطته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم
قطن بن حارثة العليمي فيه عليه السلام:
رأيتك يا خير البرية كلها ... تبث نضاراً في الأرومة من كعب

أغر كان البدر يشبه وجهه ... إذا ما بدا للناس في حلل العصب
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها ... ورشت اليتامى في السغابة والجدب
زياد بن أبيه: من مدح رجلاً بما ليس فيه، فقد بالغ في هجائه.
المأمون: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد.
سئل حكيم عن أحسن شيء في العالم، فقال: حسن الذكر.
كان أبو عبيد الله الوزير يقول: ما رأيت أجمع من خالد، له جمال أهل الشام، وشجاعة أهل خراسان، وأدب أهل العراق، وكتابة أهل السواد.
حكى الجاحظ عن إبراهيم، قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها - كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الناس، وإدخال السرور والمرافق على الضعفاء، وكان عفيف الطعمة مفوهاً - : خبرني عما هون عليك النصب، وفواك على التعب، فقال: والله لقد سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار، وسمعت خفق الأوتار، وتجاوب العود والمزمار، فما طربت من صوت حسن كطربي من ثناء حسن على رجل قد احسن. فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرماً.
أوس بن لام في حاتم:
فإن تنحكي ماوية الخير حاتماً ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
فتى لا يزال الدهر أعظم همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
ابن حمدون:
آل المهلب معشر أنجاد ... ورثوا المكارم والوفاء فسادوا
شاد المهلب ما بنى آباؤه ... وأتى بنوه ما بناه فنادوا
وكذاك من طابت مغارس نبتة ... وبنى له الآباء والأجداد
مدح خالد بن صفوان غبراهيم بن الأهتم فقال: كان يقرى العين جمالاً والأذن بياناً.
أعرابي في مدح قومه: جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم، فالخير بهم زائد، والجود لهم شاهد، يعطون أموالهم بطيب أنفس إذا طلبت إليهم، ويباشرون المكروه باشران أوجه إذا بغي عليهم.
قيل الجمل المصري: هلا مدحت سليمان بن وهب وهو وال! ومدحته وهو معزول. فقال: عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه عمل أم عزل.
الرشيد: جعفر بحر لا ينزح، وجبل لا يزحزح.
الجاحظ: بقتك فيل، وحصاتك جمل.
كتب رسطاليس إلى الإسكندر: أما التعجب من مناقبك فقد نسخه نواترها فصارت كالشيء القديم الذي قد نسى، لا كالحديث الذي يتعجب منه.
كتب إبراهيم بن المهدي إلى أحمد بن يوسف: لعن الله زماناً أخرك عمن لا يساوي كله بعضك.
قالت امرأة عمران بن حطان: أما زعمت انك لا تكذب في شعر قط؟ فقال: أو فعلت؟ قالت: أنت القائل:
فهناك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامة
أيكون رجل أشجع من أسد؟ قال: أنا رأيت مجزاة فتح مدينة، والأسد لا يفتح مدينة.
سلم الخاسر في الفضل بن يحيى البرمكي:
سأرسل بيتاً قد وسمت جينه ... يقطع أعناق البيوت الشوارد
أقام الندى والبأس في كل منزل ... أقام به الفضل بن يحيى بن خالد
كان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة، فلما سجن ونقب له السجن، فسار هو وابنه تحت الأرض، قال:
ولما رأيت الأرض قد سد ظهرها ... ولم يبق إلا بطنها لك مخرجا
دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا
فقال ابن هبيرة: ما رأيت أشرف من الفرزدق، هجاني أميراً ومدحني أسيراً.
اتفقت الألسن على تقريظه إجماعاً يدخل فيه صديقه بالإتيار وعدوه بالإضطرار.
الأصبغ بن عبد العزيز في عبد العزيز بن المطلب المخزومي:
إذا قيل من للعدل والحق والنهي ... أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
أشارت إلى حر المحاتد لم يكن ... ليدفعه عن حوزة المجد دافع
سوار بن أبي زهدم:
بني تيم بن مرة إن فيكم ... مكارم لسن في أحد سواكم
سبيلكم إلى المعروف تهج ... ولم تحلل إلى جهل حباكم
داود بن روح المهبلي في الرشيد:
له همان ما قسما هواه ... جهاد الروم والبيت الحرام
ينام الناس أمنا في ذراه ... ويكلؤهم بعين لا تنام
السري بن عبد الرحمن المدني في يزيد بن حاتم بن قبيصة:
يا واحد العرب الذي دانت له ... قحطان قاطبة وساد نزارا

إني لأرجو إن رأيتك سالماً ... أن لا أعالج بعدك الأسفارا
عبد الله بن خارجة الشيباني في عبد الملك بن مروان:
رأيتك أمسي خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
وأنت غداً تزيد الخير فضلاً ... كذاك يزيد سادة عبد شمس
عبد الله بن حمزة بن فروة:
أنت المهذب من قريش والذي ... لفروعه فوق الفروع بسوق
ولكل باب ندى بكفيك مفتح ... ولكل معروف عليك طريق
وإذا المناسب حصلتك تعطفت ... من كل ذي كرم عليك عروق
كعب بن مالك الأنصاري:
يا هاشماً إن الإله حباكم ... ما ليس يبلغه اللسان المفصل
قوم لأصلهم السيادة كلها ... قدماً وفرعهم النبي المرسل
عمرو بن هند النهدي:
ألم تر أولاد الزبير تحالفوا ... على المجد ما صامت قريش وصلت
قريش غياث في السنين وأنتم ... غياث قريش حيث سارت وحلت
الحطيئة العبسي:
فأثنوا علينا لا أباً لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد
الحسين بن دعبل الخزاعي :
ملك الأمور بجوده وحسامه ... شرفاً يقود عدوه بزمامه
فأطاع أمر الجود في أمواله ... وأطاع أمر الله في أحكامه
أ؟من البلاد وأهلها في سلمه ... ومخاوف الثقلين في استلئامه
مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري في الحسن بن سهل:
لن ينفذ الكلم المثنى عليك به ... ما فيك من كرم أو ينفذ الكرم
آخر:
يلقني السيوف بوجهه وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول المطرف اصطبر لشبا القنا ... فمقرت ركن المجد ان لم تعقر
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... مستربل سربال ليل أغبر
أو ما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
عبد الملك بن مروان في الأصدق: كان والله ذا طي لسره، غرماً بماله، فارغ القلب لفهم من حدثه، مشغول اللب بمعرفة ما أشكل عليه.
قيل لبعض العلماء: إن الناس يكثرون في أمر عمر بن عبد العزيز، فقال: كان يقال: ان الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أحب أن أحمد، كأنه يخاف على نفسه، فقال: وما منعك أن تحب أن تعيش حميداً أو تموت فقيداً .

الملح، والمداعبات، والمضاحك
وما جاء من النهي عن المزاح، والترخيص فيه، ونحو ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: المزاح استدراج من الشيطان، واختداع من الهوى.
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله. امنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب بالمروءة، ويوغر الصدور.
علي عليه السلام: ما مزح امرؤ مزحة إلا مج من عقله مجة.
وعنه: إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك.
مزح رجل عند الحسن فقال: إنما هو عمرك فاقطعه بما شئت.
حكيم: تجنب شؤم الهزل، ونكد المزح، فإنما هما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد عسر، وفحلان إذا لقحا لم ينتجا غير فقر.
آخر: لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح.
الحسن: ضحك المؤمن غفلة من قلبه.
السري بن يحيى: ما رأيت الحسن ضاحكاً قط إلا مرة، ولا تبسم إلا أتبعها بعبرة.
سئل النخعي: كأصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أمثال الجبال الرواسي.
محمد بن المنكدر: قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم.
غزوان بن غزوان الرقاشي قال: لله علي أن لا يراني ضاحكاً حتى أعلم أي الدارين أرد، فما رؤي ضاحكاً حتى لحق بالله تعالى.
إبراهيم: رآني فضيل ضاحكاً، فقال: يا إبراهيم، ألا أحدثك حديثاً حسناً؟ قلت: بلى، رضي الله عنك، قال: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين .
خرج أعرابي في الليل فإذا هو بجارية مليحة، فراودها، فقالت: يا هذ1، أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك واعظ من دين؟ قال: والله ما ترانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟ فأخجله كلامها فقال: إنما كنت أمزح، فقالت الجارية:
فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد احتقانه ... ويورث بعد العز صاحبه ذلا

يزيد بن معاوية قال على منبره: ثلاث يخلقن العقل: سرعة الجواب، وطول الصمت، والاستغراب في الضحك.
الأحنف: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئاً عرف به.
كان الحجاج إذا استغرب ضحكاً وإلى بين الاستغفار.
المغيرة: كنت كثير الضحك فلم يقطعه عني إلا قتل زيد بن علي.
ذكر المزاح عند خالد بن صفوان فقال: يصك أحدكم أخاه بأصلب من الجندل، ينشقه أحد من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما أمازحك.
لقي يحيى عيسى عليه السلام، فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال: مالي أراك لاهياً كأنك آمن؟ فقال عيسى: مالي أراك عابساً كأنك قانط؟ فقال: لا تبرح حتى ينزل علينا الوحي، فأوحى الله عز وجل: أحبكما إلى أحسنكما بي ظناً. وروي: أحبكما إلي الطلق البسام.
عبد الله بن سالم: كان يقال: ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير عجب.
فلان معرب في المفاوهة، مغرب في المفاكهة.
عبد الله لبنيه: إياكم والمزاح فإنه يذهب البهاء، وإياكم والقهقهة فإنها تذهب الهيبة.
خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال.
المصنف: العجب ممن هو في سواء الجحيم كيف يضحك ممن هو في بحبوحة الجنة وهو يبكي. كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبكي حتى يبل الأرض.
محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح إنما تعجب عقلاء الرجال.
الأصمعي: شهرت بالأدب ونلت بالملح.
علي بن الجهم: ما حثت الكؤوس بالأوتار كحثها بالملح القصار.
إن الأحاديث من السمار أجلب للهو من العقار.
ركب يزيد بن نهشل بعيراً له لا يكاد ينهض، فلما استوى عليه قال: اللهم إنك قلت: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإني أشهدك إني لهذا مقرن، فنفر البعير، وتعلقت رجله بالغرز والبعير يجمز به حتى مات.
كان جماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ لهم، فقال خليع منهم: امشوا رويداً فإن طالب العلم يطأ على أجنحة الملائكة، حتى لا تكسروها. فعثر عثرة عرج منها.
كان بالمغرب وراق، فكتب مصحفاً في أسبوع، فقيل له: في كم كتبته؟ فقال: في ستة أيام وما مسنا من لغوب، فجست يده، وهكذا من أدركه الخذلان، وسلب التوفيق، فاستعمل الهزل في موضع الجد والجد كله حول كتاب الله وسنة رسول الله - وتخطاه أن يتدبر قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب. قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، وما روى عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتحادثون، ويتناشدون الأشعار، فإذا ذكر الله وذكر الدين انقلبت حماليقهم كأنهم مجانين.
أبرم الأصمعي أصحابه ثم استزادوه، فقال: لا والله، ولا زغبه من عنفقه جرذ.
ظهير بن عبد مناف الهذلي:
إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاقبل وصاة أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جاراً ولا لرفيق4
مر أعرابي بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عم؟ قال: من الثنية، قال: فهل أتيتنا منها بخبر؟ قال: سل عما بدا لك، قال: كيف علمك بيحيى؟ قال: أحسن العلم، قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟ قال: حارس الحي، قال: فبأم عثمان؟ قال: بخ بخ، ومن مثل أم عثمان؟ لا تدخل الباب إلا متحرقة بالثياب المعصفرات، قال: بعثمان؟ قال: وأبيك جرو الأسد، يلعب مع الصبيان وبيده الكسوة. قال فبجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط، قال: فبالدار قال: وأبيك انها خصيبة الجناب، عامرة الفناء. ثم قم عنه وقعد ناحية يأكل ولا يدعوه. فمر كلب فنبح وقال: يا ابن عم، أين هذا الكلب من نفاع؟ قال: يا أسفاً، نفاع قد مات. قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات، قال: إنا لله أو قد مات الجمل؟ فما أماته؟ قل: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله، قال: ويل أمك! أماتت أم عثمان؟ قال أي والله، أماتها الأسف على عثمان، قال: ويلك! أمات عثمان؟ أي وعهد الله، سقطت عليه الدار. فرمى الأعرابي بطعامه ونثره، وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار، وأقبل الى طعامه يلتقطه ويأكله، ويهزأ به ويضحك منه، ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام.

كان إسحاق بن فروة مزاحاً، فقال لأعرابي يوماً وهو يمازحه: أشهد بما لم تره عينك؟ قال: نعم، أشهد أن أباك فعل بأمك ولم أر ذلك. فأفحمه، فجعل على نفسه أن لا يمازح أحداً أبداً.
حضر مائدة يزيد بن مزيد أعرابي، فقال: أفرجوا لأخيكم، فقال: لا حاجة إلى إفراجكم، إن أطنابي طوال. يريد سواعده. فلما مد يده حبق ، فقال يزيد: ما أحسب إلا أن طنباً من أطنابك قد انقطع.
أفلتت من معاوية ريح على المنبر فقال: يا أيها الناس، إن الله خلق أبداناً، وجعل فيها أرواحاً فما تمالك الناس أن تخرج منهم. فقام صعصعة ابن صوحان فقال: أما بعد فان خروج الأرواح في المتوضئات ينة، وعلى المنابر بدعة، واستغفر الله لي ولكم.
كان للعباس بن محمد الهاشمي ابنان، أحداهما ضخم سمين، والآخر قميء صغير الجثة، فقال فيهما محمد بن علي بن عبد العزيز الغربي:
كنت عند الجسر مختبئاً ... حين ولى الليل والغلس
إذ أتاني راكب عجل ... قد علاه البهروالنفس
قال هل جازتك قنبلة ... حولها الأجناد والحرس
قلت مرة بي قلنسوة ... فوق سرج تحته فرس
حشوها شونيزة معها ... دنفح في ظهره قعس
فشكا العباس إلى المأمون، فأمر بصلبه على خشبة عند الجسر يوماً الليل، فلما أنزل، دعا بحمال ليحمل الخشبة ، فقل له، فقال أول حملان حملني عليه أمير المؤمنين لا أضيعه، فحملها وباعها بثلاثة دراهم، واشترى بها تيناً وعنباً لصبيانه. فرفع خبره إلى المأمون، فضحك وأمر له بخمسة آلاف درهم.
اتكأ حجا على جارية أبيه وهي نائمة، فقالت: من ذا؟ فقال: اسكتي، أنا أبي.
وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة، فقال: بل هو سنة، لقول رسول الله ص :إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً.
قال عليه السلام لامرأة من الأنصار: ألحقي زوجك ففي عينيه بياضاً. قال: ان في عيني بياضاَ لا لسوء.
أتت عجوز أنصارية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع لي بالمغفرة، فقال لها: أما علمت أن الجنة لا تدخلها العجز،فصرخت، فتبسم رسول الله وقال: أما قرأت: إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً.
أنس: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقل: يا رسول الله احملني، فقال عليه السلام: إنا حاملوك على ولد ناقة. قال: وما أصنع بولد ناقة؟ قال: وهل تلد الإبل إلا النوق؟ ذكر نعيمان وهو بدوي، وكان أولع الناس بالمزاح، عند رسول الله وأنه يكثر المزاح والضحك، فقال: يدخل الجنة وهو يضحك.
وخرج هو وسويبط بن عبد العزي مع أبي بكر في تجارة قبل وفاة رسول الله بعامين، وكان سويبط على الزاد، فاستطعمه نعيمان، فقال: حتى يجيء أبو بكر، فمر ركب من نجران فباعه منهم على أنه عبد بعشر قلائص، وقال: إنه ذو لسان ولغة، ولعله يقول: أنا حر، فقالوا: لا عليك، فوضعوا عمامته في عنقه وذهبوا به، فأخبر بذلك أبو بكر، فرد القلائص وخلصه، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة.
ورأى نعيمان مع أعرابي عكة عسل فاشتراها منه، وجاء بها بيت عائشة في يومها، وقال: خذوها. فتوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أنه أهداها له، ومر نعيمان وترك الأعرابي على الباب. فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء، ردوها علي عن لم يحضر ثمنها. فعلم رسول الله بالقصة فوزن له الثمن. وقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل، ورأيت الأعرابي معه العكة. فضحك عليه السلام ولم يظهر له نكيراً.
فلان مغناطيس السخت، لو ناطقه قيس بن عاصم لعاد دغة، ولو خاطبه أكثم لصار هبنقة.
هجت ابن أبي عتيق امرأته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية بقولها:
ذهب الإله بما تعيش به ... وقمرت ليلك أيما قمر
أنفقت مالك غير محتشم ... في خدر زانية وفي خمر
فكتب البيتين في رقعة وأراها ابن عمر. فاسترجع لما رآها، فقال: والله لو رأيت قائلها لأفعلن به. فأخذ ابن عمر أفكل وأربد لونه، وقال: مالك غضب الله عليك! فلما كان بعد أيام لقيه، فأعرض عنه، فقال: بالقبر ومن فيه ألا سمعت كلامي، فتحوب ووقف معرضاً عنه، فقال: علم أبا عبد الرحمن أني فعلت بقائل ذلك الشعر. فصعق عبد الله ولبط به. فدنا من أذنه وقال:إنها امرأتي. فقام ابن عمر وقبل ما بين عينيه.

قال ابن عمر لجاريته: خلقني خالق الخير، وخلقك خالق الشر.فبكت، فقال: لا عليك، فإن خالق الخير هو خالق الشر.
ما سمعت للمهتدي مزحة سوى قوله لسليمان بن وهب، وفي رجله خف واسع يصوت، فقال: يا سليمان؟ خفك هذا ضراط، وهو تعريض بضرطة وهب التي طار خبرها في الآفاق وعلى ألسن الشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة.
النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليتكلم بكلمة يضحك بها جليسه يهوى بها أبعد من الثريا.
قال الحجاج لمحمد بن عبد الله بن نمير الثقفي: أخبرني عن قولك:
ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات
في كم كنت؟ قال: كنت والله على حمار هزيل، ومعي دقيق على حمار مثله.
سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة، فقال: ولدت في ساباط. يعني: إنك كثير الرياح.
رؤي أعرابي على شاطئ نهر في حزيران يغوص غوصة ثم يخرج فيعقد عقدة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف.
قيل لأعرابي كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.
استطرقت أعرابية فحلاً لحجرها، فلما أدلى رأت شيئاً عظيماً، فقالت لقيمها: نح الحجر، فو الله ما حمله من الرجال حر قط، ولا من الخيل جواد قط.
الحسن: ابن آدم تضحك! ولعل كفنك خرج من عند القصار.
رأى زبيد اليامي قراءً يضحكون، فقال: ما رأيت قراءً أغلظ رقاباً ولا ألين ثياباً ولا أكل لمخ العيش منكم.
حبق كاتب لعمر بن عبد العزيز بين يديه، فرمى بقلمه وقام خجلاً.
فقال له عمر: لا عليك، خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك، فما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
محمد بن سلامة بن أبي زرعة الدمشقي:
لا يؤنسنك أن تراني ضاحكاً ... كم ضحكة فيها عبوس كامن
نافع: كان أبو هريرة على المدينة خليفة لمروان، فربما ركب حماراً قد شد عليه برذعة وفي رأسه خليه، فيلقي الرجل في الطريق، فيقول: الطريق قد جاء الأمير! وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فانظر فإذا هو ثريد بزيت.
كان ابن سيرين ينشد:
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
ويضحك حتى يسيل لعابه.
كاتب: ونحن نحمد الله إليك، فإن عقدة الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فعصم الله منهم، وحل توفيقه دونهم. ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج به من الأنس إلى العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: امنعوا الناس يمن المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة، وتذهب بالمروءة.
أبو رفاعة: أخبرتني زبراء خادم علي عليه السلام، قالت: وضأت علياً، فلما أراد القيام وضع يده على منكبي، فقال: انظري لا تضرطي يا زبراء.
الحسن: ضحك الزمن إنما هو غفلة منه.
ناصح الملك أكثر عدواً من الخائن، لأن صديق الملك يعاديه لمنزلته، وعدو الملك يعاديه لنصحه.
لا تعدن شتم الملك شتماً، ولا أغلاطه إغلاظاً، فإن ريح العزة تبسط اللسان بالغلظة في غير بأس ولا سخطة.
كان العهد لابن عم المنصور عيسى بن موسى، فأراد أن يكون لابنه المهدي، فمناه حتى سلم الأمر إلى المهدي، وولاه لذلك الكوفة. فقدم إليه مخنث فقال: ما أحسبك تعرفني حين تفعل في عملي! قال: بلى والله أيها الأمير، أنت الذي كنت غداً فصرت بعد غد، فخجل، وأمر فسحب من بين يديه.

الموت وما يتصل به من ذكر القبر
والنعش والتعزية، والمرثية، والنعي، وغير ذلك ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات لأحدكم الميت فحسنوا كفنه، وعجلوا إنجاز وصيته، وأعمقوا له في قبره، وجنبوه جار السوء. قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: هل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك في الآخرة.
قال ابن المبارك: أحب إلي أن يكفن في ثيابه التي كان يصلي فيها.
في وصيته عليه السلام لأبي ذر: زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله.

أبو الدرداء: ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: وما عند الله خير للأبرار. ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيراً لأنفسهم.
كان عمر رضي الله عنه: إذا سوى عليه فقال: اللهم، أسلمه إليك الأهل والولد والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.
محمد بن سعد المدني: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقبرة، فنادى: يا أهل القبور، ألا أخبركم بما حدث بعدكم، تزوج نساؤكم، وبيعت مساكنكم، واقتسمت أموالكم، فهل انتم مخبرون بما عاينتم؟ ثم قال: ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.
كتب على قبر عبد الله بن جعفر:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب
كانت تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم آجركم الله ورحمكم.
خرج علي عليه السلام في ليلة يوم الجمل، ومعه شعلة من نار، يتصفح وجوه القتلى، فعثر على طلحة، فقال: أعزز علي أبا محمد أن أراك معفراً تحت نجوم السماء في بطون الأودية! شفيت نفسي، وقتلت معشري، إلى الله أشكو عجزي وبجرى.
نظر الحسن إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إن امرءً هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله، وإن امرءً هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله، وإن امرءً هذا أوله لجدير أن يخاف آخره.
نظر فيلسوف إلى ميت ينقل، فقال: حبيب ينقله أحباؤه إلى حسن الأبد.
عزى رجل رجلاً فقال: جعل الله مصيبتك تاريخ ما تخشى ومفتاح ما تحب.
معاوية لعمرو بن عتبة: رحم الله أباك، والله لقد لصقت المصيبة بي، وإن كانت قد أخطأتني لقد أصابتني.
عمران بن حطان:
يا حمزة كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل
عبد الله الفقير إليه:
حطمتني الخمسون والخمس حطماً ... خطمتني إلى المنية خطما
قد ظماني خوف المنية لكن ... خوف ما يعقب المنية اظمأ
عبدة بن الطيب وكان حبشياً من لصوص الرباب، ولما آسن جمع بنيه وأنشدهم قصيدته التي منها:
وقد علمت بأن قصري حفرة ... غبراء يحملني إليها
فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إلي ثن تصدعوا
أبنت الخنساء أخاها، فقالت: لقد كان كريم الجدين، واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
جزعك في مصيبة صديقك احسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.
عزى رجل فتى عن أبيه فلم يجده كما أحب، فقال: يا بني، سوء الخلف أضر علينا من فقد السلف.
مصيبة استطارت لبي واستطالت على قلبي.
دخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضه، فقال: أعائداً جئت أم شامتاً؟ فقال عمرو: لم تقول هذا؟ فوا الله ما كلفتني رهقاً، ولا أصعدتني زلقاً، ولا جرعتني علقاً، فلم استثقل حياتك؟ ولم استبطئ وفاتك؟ فقال معاوية:
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
دخل ابن الجصاص على أبي إسحاق الزجاج بعد وفاته أمه ضاحكاً وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق قد والله سرني، فدهش الناس، فقال: بلغني أنه هو الذي، فلما صح أنها هي التي سرني، فضحكوا.
اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فقالت: ويلك، كيف تعمل إن مت؟ فقال: ويلي، كيف أعمل إن لم تموتي؟ أبو مروان: كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.
عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز بابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أن امرءً تركت تعزيته لعلمه وتيقظه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
وبئت خبير فخرج إليها أعرابي بعياله وقال:
قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فحم ومات، وبقي عياله.
عزى رجل الرشيد، فقال: آجرك الله على الباقي، ومتعك بالفاني. فقال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط، فتلا: ما عندكم ينفد وما عند الله باق.
أبو ذويب:
يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نبيشة والطراق يكذب قيلها
ولو أن استودعته الشمس ... لارتقت إليه المنايا عينها أو دليلها

قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين يذهب بي؟ قالوا: إلى الله، قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلا منه.
قيل للكميت: لم لم ترث أخاك؟ فقال: إن مرثيته لا ترد مرزيته.
كتب عمر ابن عبد العزيز إلى عمرو بن عبيد يعزيه عن أبيه: أما بعد، فإنا أناس من أهل الآخرة اسكنا في الدنيا، أموات آباء أموات أبناء أموات، فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت.
صالح المرى: التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب.
قال عليه الصلاة والسلام: ما تغدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الذي لا يبقى له ولد. قال: بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئاً.
عزى أبو العيناء رجلاً فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك.
قيل لرجل: ما ورثت أختك من زوجها؟ قال: أربعة أشهر وعشراً.
استنشد عمر رضي الله عنه متمماً مرثية أخيه، فأنشده عينيته، فقال: لو كنت احسن مثل ما تقول لبكيت أخي، فقال: لو صرع أخي مصرع أخيك لما بكيته، فقال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.
عبد الرحمن الأعين القرشي يرثي امرأته:
لعمرك أني يوم زيل بنعشها ... ونفسي معي لم ألقها لصبور
أعشى همدان:
فما تزود مما كان يملكه ... إلا حنوطاً غداة البين في خرق
وغير نفحة أعواد تشب له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق
عزى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له فقال: أيسرك وهو بلية وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة؟ وقال آخر: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.
في الحديث المرفوع: من يرد الله به خيراً يصب منه.
عزى شبيب بن شيبة يهودياً: أعطاك الله على مصيبتك افضل ما أعطى أحداً من أهل ملتك.
الأصمعي: هلك ابن لأعرابية، فتبعت جنازته وهي تقول: رحمك الله يا هيثم، ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، وأنت لكما قال:
رحيب ذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا
فقلنا: يا أم الهيثم فهل لك منه عوض! قالت: نعم، ثواب الله، ونعم العوض الآخرة من الدنيا.
المنصور: اللهم عن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا الله مناً منك، لا مناً عليك.
سأل أشعبي رجلاً عن سبب موت أخ له، فقال: عضت فأره إصبعه فمات، فقال: أشهد أنه لا يرد على الموتى شهيد أنذل من أخيك.
كان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيراً:
تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه
والمرء قد يرجو الرجا ... ء مغيباً والموت دونه
قيل للحسن: فلان في النزع، قال: وما معنى النزع؟ قالوا: التقرب إلى الموت. قال: هو في ذلك منذ خلق.
وقيل له في عام وقعت فيه الميله: أما ترى يا أبا سعيد؟ ما أحسن ما فعل ربنا! أقلع عاص، وأعطى ممسك، ولم يغلط بأحد.
نعي الحسن إلى أبي حازم فقال: يرحمك الله أبا سعيد. كنت كالعافية لا يعرف قدرها إلا بعد فراقها.
عمر بن عبد العزيز: ألا ترون أنكم من الدنيا في أسلاب الهالكين، وسيسلبها بعدكم الباقون، حتى يرث ذلك خير الوارثين.
بكى الخولاني عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلة الزاد، وقد سلكت عقبة فما أدري إلى أين يهبط بي، وإلى أي المكانين أسقط.
مات ابن لمسلم بن يسار، فقال: شغلني يا بني الحزن لك عن الحزن عليك.
مات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف في ثياب حسنة وقد أدهن، فأنكروا عليه، فقال: أفأستكين لها؟ وقد وعدني عليها ربي ثلاثاً، إحداها احب إلي من الدنيا وما فيها، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
الحسن: دفنا صالحاً لنا فمددنا على القبر ثوباً، فجاء صلة بن أشيم العدوي فرفع الثوب ونادى: يا فلان.
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا
أبو عبيدة الخواص قال عند قبر: حتى متى تشيع غادياً أو رائحاً إلى ربه؟ تجعله في لحد وتحثى عليه التراب، أم والله لتكوننه عن قريب.
ابن المعتز: الموت باب الآخرة.
كان الربيع بن خثيم يخرج إلى القبور بالليل، فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا.
مالك بن مغول: بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله.

فضيل: ما الموت فيما بعده إلا كركضة عنز.
قيل لإبراهيم: كيف وجدت الموت؟ قال: كأن النفس تنزع بالسلا، قيل: قد رفقنا بك يا إبراهيم.
دخل ملك الموت على داود عليه السلام، قال: من انت؟ قال: من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشى. قال: فاذن أنت ملك الموت، ولم أستعد بعد، قال: يا داود، أين فلان جارك؟ أين فلان قرينك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟ كتب أحمد بن يوسف الكاتب إلى عمرو بن سعيد بن مسلم يرثى ببغاء ماتت له:
عجباً للمنون كيف أتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا
شملتنا المصيبتان جميعاً ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا
لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي رضي الله عنه، سجد معاوية وسجد من حوله شكراً. فدخل عليه ابن عباس فقال له: يا ابن عباس أمات أبو محمد؟ قال: نعم، وبلغني سجودك، والله يا ابن آكلة الكبود لا يسدن حسدك إياه حفرتك، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك.
عائشة رضي الله عنها: لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه، فقبل ما بين عينيه، وبكى طويلاً. فلما رفع على السرير قال: طوباك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.
بينما حسان جالس وفي حجره صبي له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبي بهما، فمات، فقال:
اعمل وأنت صحيح مطلق مرح ... ما دمت يا مغرور في مهل
يرجو الحياة صحيح ربما كمنت ... له المنية بين الزبد والعسل
في الحديث المرفوع: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، فإذا انفلت منها وقع في الهرم إلى أن يموت.
عزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: إن رأيت أن تعجل ما أخرته العجزة فتريح نفسك وترضى ربك فافعل.
قيل لأعرابي: ما سبب موت أبيك؟ قال: كونه.
دخل على المأمون في مرض موته، فإذا هو قد فرش له جل الدابة، وبسط عليه الرماد، وهو يتمرغ عليه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
قال عمرو بن العاص عند احتضاره لابنه: من يأخذ هذا المال بما فيه؟ قال: من جدع الله أنفه، فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين. ثم دعا بالغل والقيد، فلبسهما ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه، ثم استقبل القبلة فقال: اللهم إنك أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فارتكبنا، هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدمت يداي، سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين. فمات وهو مغلول مقيد. فبلغ الحسن بن علي فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلها تنفعه.
وقال المنصور حين احتضر: يا ربيع بعنا الآخرة بنومه.
وقال المعتصم، وجعلوا يهونون عليه: هان على النظارة ما يمر بظهر المجلود.
عائشة رضي الله عنها: لا أغبط بهون الموت أحداً بعد الذي رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مطرف: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيماً لا موت فيه.
أبو حازم: انظر العمل الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فخذه الساعة.
ندب رسطاليس الإسكند فقال: كان أمس يعظنا بكلامه، وهو اليوم يعظنا بسكوته.
في الحديث المرفوع: لو أن الطير والبهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً.
في مرثية أعشى باهلة للمنتشر بن وهب الباهلي، وهي التي قال الأصمعي ليس في الدنيا مثلها:
فإن جزعنا فمثل الخطب أجزعنا ... وإن صرنا فإنا معشر صبر
أما سلكت سبيلاً أنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:
يا حسرتا من مصيبة عظمت ... ابناء عوف ومالك هلكوا
خلوا فجاجاً علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا
في الحديث المرفوع: لا يتمن أحدكم الموت إلا من وثق بعمله.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات، ورؤي عليه كآبة، وأكثر حديث النفس.
قيل لإبراهيم بن أدهم: الا تتبع الجنازة؟ قال: لا أجد صاحباً، إنما صاحبي من يأخذ بعضدي ويقول انتبه فانظر إلى رأس أخيك كيف يبقى على السرير.
حاتم الأصم: اتباع الجنائز فضيلة، والصلاة عليها سنة، ومداواة القلب بها فريضة.

سمع أبو الدرداء رجلاً يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت، وإن كرهت فأنا.
سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره.
مكحول كان إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون.
وكان مالك بن دينار يقول: سبحان الذي لا يموت.
ثوبان رفعه: من شيع جنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنباً كلها كبيرة.
ابن شوذب: اطلعت امرأة في لحد، فقالت لامرأة معها: ما هذا؟ فقالت: كندوج العمل، تعني خزانة العمل، فكانت تعطيها الشيء وتقول: اذهبي فضعى هذا في كندوج العمل .
ابن عباس: أرحم ما يكون الرب لعبده إذا أدخل قبره، وتفرق عنه أهله.
عمرو بن ميمون: افتتحنا مدينة بفارس، فدللنا على مغارة فيها بيت، فيه سرير من ذهب، عليه رجل، عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام بن بهرام ملك فارس كنت أعتاهم بطشاً، وأقساهم قلباً، وأطولهم أملاً، وأحرصهم على الدنيا، فدوخت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وأذللت المقاول، وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم أستطع إن افتدى به من الموت إذ نزل بي.
قال أبو بلال: كل ميتة ظنون إلا ميتة البلجاء. قيل: وما ميتة البلجاء؟ قال: أخذها زياد فقطع يديها ورجليها، فقيل لها: كيف ترين يا بلجاء؟ قالت: قد شغلني هول المطلع عن برد حديدكم هذا. وهي من نساء الخوارج.
الأصمعي: أول من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر. كنا في حلقة يونس فجاء خلف فسلم وقال: قد طرقت ببكرها أم طبق. فقال يونس: وماذا يا أبا محرز؟ فقال: فنتجوها خبراً ضخم العنق، فقال: لم أدر بعد، فقال: موت الإمام فلقة من الفلق. فارتفعت الضجة بالاسترجاع.
ابن الرومي:
يا حر صدري على ثلاثة أموا ... ه أريقت في الترب والمدر
ماء شباب ونعمة مزجا ... بماء ذاك الحياء والخفر
عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن ولد فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك. يعني: عوضه الله منك ما هو خير منك وهو جوار الله، فعوضك منه ما هو خير منه وهو ثواب الله.
سكرات الموت به محدقة، وعيون الأمل به محدقة.
لا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيها.
يحيى بن خالد: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.
مات عكرمة مولى ابن عباس وكثير عزة في وقت واحد، وصلى عليهما عمارة بن خزيمة بن ثابت. ودفنا في مكان واحد. فقال: اللهم كما جمعت بينهما في زيارة القبور فلا تفرق بينهما يوم النشور. فما بقي في المدينة أحد إلا استحسن كلامه.
لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلاً يقبض روح خليله؟ فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلاً يكره لقاء خليله؟ قال: فاقبض روحي الساعة.
نصر بن سيار: كل شيء يبدو صغيراً ثم يكبر، إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.
ابن المعتز: إذا كثر الناعي إليك كثر الناعي بك.
وقال نادب الاسكندر: مالك لا تقل عضواً من أعضائك؟ وكنت نستقل بملك العباد والبلاد.
وقال رئيس الطباخين: قد نضدت النضائد، وألقيت الوسائد، ونصبت الموائد، ولست أرى عميد المجلس.
وقف علي عليه السلام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن الصبر لجميل إلا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإن ما بعدك وما قبلك جلل. ثم قال:
ما غاص دمعي عند نازلة ... إلا جعلت للبكا سببا
فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون ففاض وانسكبا
إني أجل ثرى حللت به ... من أن أرى بسواه مكتئبا
ورويت لمعقل بن عيسى العجلي أخو أبي دلف في جارية توفيت له.
مطر بن عكاش رفعه: إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، وأنشد:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجته فيطير
عزى شبيب بن شيبة المهدي عن أمته فقال: والله، الله خير لها منك، ولثواب الله خير لك منها، وإن أحق ما صبر عليه ما لم يستطع دفعه.
وعزى آخر عن ولده فقال: وهبه الله لك فحملت مؤنه وتكاليفه فهنيت به، وقبضه فرفع عنك مؤنه وتكاليفه فعزيت عنه، ولو عمل على الحق لعزيت عما هنيت به، وهنيت بما عزيت عنه.

نعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجرساقه الله. ثم ركب ومضى.
ماتت لبعض ملوك كندة بنت، فوضع بدرة بين يديه وقال: من أبلغ في التعزية فهي له. فدخل أعرابي فقال: عظم الله أجر الملك، كفيت المؤونة، وسترت العورة، ونعم الختن القبر. فقال: أبلغت وأوجزت. وأعطاه البدرة.
توفيت أم قاضي بلخ، فقال له حاتم الأصم: إن كانت وفاتها عظة لك فعظم الله أجرك على موت أمك، وغن لم تتعظ بها فعظم الله أجرك على موت قلبك.
وقال له: أيها القاضي، منذ كم تحكم بين عباد الله؟ قال: منذ ثلاثين سنة، قال: هل رد الله عليك حكماً؟ قال: لا، قال: فإن الله لم يرد أحكامك في ثلاثين سنة وترد حكماً واحداً حكمه عليك.
رأى الحجاج في منامه أن عينيه قلعتا، فطلق هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة. فلم ينشب أن جاءه نعي محمد أخيه يوم مات ابنه محمد. فقال: والله هذا تأويل رؤياي من قبل، إنا لله وإنا إليه راجعون. محمد ومحمد في يوم واحد! ثم أنشأ يقول:
حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك
وقال الفرزدق:
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد
مر الإسكندر بمدينة ملكها سبعة وبادوا، فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ فقالوا: بقي واحد هو في المقابر، فدعا به وقال: لم تلزم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال له: هل لك أن تتبعني حتى أبلغ بك بغيتك؟ قال: بغيتي حياة لا موت معها، فهل تقدر عليها؟ قال: لا، قال: فدعني أطلبها ممن يقدر عليها.
أبو عارم الكلابي:
أ جازعة ردينة إن أتاها ... نعيي أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل قبري ودعوني ... وراحوا والأكف بها غبار
وغودر أعظمي في لحد قبر ... تراوحه الجنائب والقطار
تهب الريح فوق محط قبري ... ويرعى حوله اللهق النوار
مقيماً لا يكلمني صديق ... بقفر لا أزور ولا أزار
فذاك النأي لا الهجران حولاً ... وحولاً ثم تجتمع الديار
للإنسان عند الإشراف على الموت حركة من حدوث قوة، نحو ما يعرض للسراج عند انطفائه من حركة سريعة، وضياء ساطع، وتسميها الأطباء النعشة الأخيرة.
ولعبد الله الفقير إليه:
قولا لشيخ هز من عطفه ... أن نعشته دولة زاهرة
لا تغترر فالمرء يرمي به ... في النعش بعد النعشة الآخرة
جزع الرشيد على حظية ماتت له، فقال مضحك له: ما هذا الجزع الشديد؟ قال: أما ترى ما ابتليت به؟ ما أحب أحداً إلا مات. قال: فاحببني حتى أموت، قال: إن الحب ليس بشيء يصنع، وتسوقه الأسباب، قال: قل أنا أحبك، فقال، فحم ومات.
قال الحجاج حين أرجف الناس بموته عند موت المحمدين: قالوا مات محمد بن الحجاج، ومحمد بن يوسف، والحجاج ميت. فمات الحجاج فمه! والله ما رضي الله البقاء إلا لأهون خلقه عليه إبليس، فانظره إلى يوم يبعثون. والأسوة برسول الله والتابعين من أولياء الله أحب إلي من الأسوة بإبليس.
وقف رجل من ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على قبر الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: أما أن أقدامكم قد نقلت وأعناقكم قد حملت إلى هذا القبر ولياً من أولياء الله، ليسر نبي الله بمقدمه، وتفتح أبواب السماء لروحه، وتبتهج الحور العين بلقائه، وتبشر به سيدات نساء الجنة من أمهاته، ويوحش أهل الحي والدين فقده. رحمة لله عليه، وعند الله تحتسب المصيبة.
عزى رجل عمر بن عبد العزيز فقال:
تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد
هل ابنك إلا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد
فقال: ما عزاني احد بمثل تعزيتك.
جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أصبت بمصيبة فما وقع بقلبي شيء مما عزيت به، حتى دخل علي مجوسي فقال: انظر ما كنت تعزى به الناس فعز به نفسك واحتسب.
عزى حبيب بن درواس جعفر بن سليمان عن أخيه محمد فقال: انظر مصيبتك في نفسك تنسك فقد غيرك، واذكر قول الله تعالى لنبيه: إنك ميت وإنهم ميتون، وخذ بقول ابن أراكة الطائي:

تفكر فإن كان البكاء رد هالكاً ... على أحد فاجهد بكاء على عمرو
ولا تبك ميتاً بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر
عزت أعرابية قوماً فقالت: جافى الله عن ميتكم الثرى، وأعانه على طول البلى، وآجركم ورحمه.
أعرابي: إن المؤمن بعرض خبر تستبشر به السماء، وترحب به الأرض، ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها.
الثوري: ينبغي لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهيأ كفنه.
أخبر الحسن بموت الحجاج فقال: اللهم إنه عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنته وأعماله الخبيثة. ودعا عليه.
أم سلمة: قال بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: قولي اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقباً حسناً. فقلت ذلك، فأعقبني الله منه من هو خير منه رسول الله.
عقبة بن عامر: لأن أطأ على جمرة حتى تبرد، أو على حد سيف حتى تنقطع قدمي احب إلي من أن أمشي على قبر رجل مسلم، وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق بين ظهراني الناس.
في الحديث المرفوع: كسر عظم المؤمن بعد مماته ككسره في حياته.
زيد بن اسلم: لقد كان تمضى في الزمن الأول أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.
مات ابن للرضا فقال أبو العيناء: يا ابن رسول الله، أنت تجل عن عظتنا، وقدرك تقصر عنه صفتنا، وفي علمك بكتاب الله ما كفاك، وفي رسول الله ما عزاك، وفي ثواب الله ما أسلاك.
خليد في المنذر بن الجارود:
أقول لما حملوا نعشه ... ما يعلم النعش ولا الحاملون
ما حملوا من حسب ثاقب ... ونائل جزل وجد ولين
الربيع بن ضبيع الفزاري:
سيدركني ما أدرك المرء تبعاً ... ويغتالي ما أغتال انسر لقمان
وأفنى ويبقى منطقي بعد أزمن ... وكل امرئ إلا أحاديثه فان
المكعبر الضبي:
وتنفر من عمرو ببيداء ناقتي ... وما كان ساري الليل ينفر من عمرو
ولقد حببت عندي الحياة حياته ... وحبب سكني القبر سكناه في القبر
عبد الله بن عباس في موت الحسن بن علي:
أصبح اليوم ابن هند آمناً ... ظاهر النخوة إذ مات الحسن
ارتع اليوم ابن هند قامصاً ... إنما يقمص بالعير السمن
علي عليه السلام: فاتقى عبد ربه، نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوفها، حتى تهجم منيته عليه أغفل مايكون عنها.
وعنه رضي الله عنه: لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت كفه في كفى فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هنيمة منهم، يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه.
وعنه: كانوا قوماً من أهل الدنيا وليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس فيها، يرون أهل الدنيا يعظمون موت اجسادهم، وهم اشد إعظاماً لموت قلوب أحيائهم.
وعنه: من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره.
قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني. قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك إذا قمت.
قال عبد الله بن مرزوق لسلامة: يا سلامة لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تحملني وتطرحني على المزبلة لأموت عليها، فلعله يرى مكاني فيرحمني.
ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس بالطائف، فلما وضع ليصلي عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، فالتمس فلم يوجد. فلما سوي عليه سمعنا من يسمع صوته ولا يرى شخصه: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.
خاطب بن قيس بن هبشة يرثي عمرو بن حمحمة الدوسي:
سلام على القبر الذي ضم أعظما ... تحوم المعالي حوله وتسلم
سلام عليه كلما ذر شارق ... وما امتد قطع من دجى الليل مظلم
فيا قبر عمرو جاد أرضاً تعطفت ... عليك ملث دائم القطر مرزم
وقال عتيك بن قيس المدني يرثيه:

برغم العلى والمجد والجود والندى ... طواك الردى يا خير حاف وناعل
لقد غال صرف الدهر منك مرزءً ... نهوضاً بأعياء الأمور الأثاقل
يضم العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضم أم الرأس شعب القبائل
ويسرو دجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كسف الإصباح طرق الغياطل
ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جراراً كثير الصواهل
ويمضي إذا ما النقع مد رواقه ... على الروع وارفضت صليل العوامل
العيزار بن الأخنس السنبسي، وسنبس من طيء:
إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الخمام خيارها
جزى الله زيداً كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها
أبو الهيذام العقيلي:
وما زال حكم البيض والسود نافذاً ... بأمر الردى في أنفس البيض والسود
فللثكل ترخي حملها كل حامل ... وللموت يغذو والد كل مولود
القاسم بن طوق بن مالك التغلبي يشمت بموت الفضل بن مروان:
أبا العباس صبراً واعترافاً ... بما يلقى من الظلم الظلوم
وزقت سلامة فبطرت فيها وكنت تخالها أبداً تدوم
لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت ملعن فيها ذميم
وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم
فبعداً لا انقضاء له وسحقاً ... فغير مصابك الحدث العظيم
محمد بن مناذر في مرثية عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وهي إحدى المرائي المبرزات، وهي نحومن ثلثمائة بيت:
ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
محمد بن هارون بن مخلد:
كأني بإخواني على حافتي قبري ... يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري
فيا أيها المذري على دموعه ... ستعرض في يومين عني وعن ذكري
عفا الله عني يوم أترك ثاوياً ... أزار فلا أدري وأجفا فلا أدري
طلب يعقوب بن الربيع أخو الفضل بن الربيع جارية اسمها ملك سبع سنين، باذلاً فيها ماله وجاهه حتى ملكها، فماتت بعد ستة أشهر، فأنفد شعره في مراثيها، فمن ذلك قوله:
بليت ملك في التراب فأب ... لاني بلاها وذكر ملك جديد
ينقص الوجد كلما قدم العه ... د ووجدي في كل يوم يزيد
الفرزدق في امرأة له ماتت حاملاً:
وجفن سلاح قد رزيت فلم أنج ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو ان المنايا أرجأته لياليا
أخت طرفة ترثيه:
عددنا له وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيداً شخماً
فجعنا به لما رجونا إيابه ... على خير حال لا وليداً ولا قحما
أبو الزبرقان الكاتب يرثي أبا تمام:
خبر أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقلاً أحشائي
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
لما احتضر معاوية رفع يديه وقال:
هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهم فأقل العثرة، واعف عن الزلة، وعد بعفوك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، يا واسع المغفرة والرحمة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.
فبلغ سعيد بن المسيب فقال: لقد وفق عند تلموت، فإن ينج أبو عبد الرحمن من النار غداً فهو الرجل الكامل. وما أخوفني عليه! شاعر:
سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات
ماتت لرجل بنت فقال: عزوني لتعاهدوا السنة، وهنوني أن تقدم بعض إلى الجنة.
حفر ثابت البناني قبره، فكان يختلف إليه، يقرأ فيه ويصلي حتى مات.

قال عبد الملك عند موته: يا وليد، لا أعرفنك إذا أنا مت تجلس وتعصر عينك، ونحن كما تخن الأمة الوكعاء، لكن ائتزر وشمر والبس جلد النمر، وضعني في حفرتي، وخلني وشأني ، وعليك وشأنك. وادع الناس إلى بيعتك، فمن قال بوجهه هكذا فقل بسيفك هكذا. ثم بعث إلى محمد وخالد ابني يزيد بن معاوية، فقال لهما: هل بكما من ندامة على بيعة الوليد؟ قالا: ما نعرف أحق بالخلافة منه. قال: أولى لكما! والله لو قلتما غير ذلك لأخذت الذي فيه أعينكما، ثم رفع ثني فراشه فإذا سيف مجرد، ونفسه تتردد في حنجرته، وهو يقول: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيراً أخذ من خلقه أم كبيراً، حتى فاضت نفسه.
ودخل الوليد ومعه بناته يبكين عليه، فتمثل:
ومستخبر عنا يريد بنا الردى ... ومستخبرات والعيون سواجم
وكان الطبيب قد حماه الماء، فقال: اسقوني شربة وإن كانت فيها نفسي، فسقوه فمات.
ابن عمر رفعه: ما حق امرئ مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، وكانت وصية ابن عمر لا تفارق جيبه.
وعن ابن عمر توشك المنايا تسبق الوصايا.
جابر رفعه: الذي يوصى عند الموت كالذي يقسم ماله عند الشبع.
ابن عباس رضي الله عنه: الضرار في الوصية من الكبائر.
معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه: من حضرته الوفاة فأوصى، وكانت وصيته على كتاب الله، كانت كفارة لما ترك من زكاته في حياته.
الفضل بن عباس: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم موعكاً قد عصب رأسه، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر، ثم قال: ناد في الناس، فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني، ومن كنت شتمت له عرضاً فليستقد مني، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقل أحد أني أخشى الشحناء من رسول الله، ألا إن الشحناء ليست من طبيعتي ولا شأني. ألا وإن أحبكم إلي من أخذ حقاً إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيبة نفسي، وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً.
وذكر أنه رجع فقال مثله، وأن رجلاً ذكر أن له عليه ثلاثة دراهم فقضاها. وأن عكاشة بن محصن قال: رفعت قضيبك الممشوق لتضرب العضباء، وأنا بقربك، فأصابني، فأتى به فقال: يا عكاشة فاقتص مني قبل القصاص يوم القيامة، فكرر قوله فضوح الدنيا أهون من فضوح يوم القيامة، فقال: ضربتني وأنا عريان، فألقى جبة من صوف كانت عليه، فخر عليه يقبله ويمرغ عليه وجهه ويقول: أعوذ بهذا البطن من النار. فقال: يا عكاشة أعاذك الله من النار. ثم قال: عفوت عنك يا رسول الله، فقال عفا الله عنك كما عفوت عن نبيه.
اجتمع الحسن والفرزدق في جنازة النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، فقال الفرزدق: يقولون فيها خير الناس وشر الناس. فقال الحسن: لست أنا بخير الناس، ولا أنت بشر الناس، ثم قال له: يا أبا فراس ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: هذا العمود فأين الطنب؟ فقال الفرزدق:
أخاف وراء القبر إن لم تعافني ... أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى الموت مغلول القلادة أزرقا
فبكى الحسن حتى بل كمه.
عثمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة. قال: وثلاثة، قلنا: واثنان، قال: واثنان. ولم نسأله عن واحد.
ثوبان: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى ناساً ركوباً، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب.
أنس: شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: اطلع على القبور، واعتبر بالنشور.
عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه. وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى ما لا يبكي عند ذكر الجنة والنار. فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده شر منه.

مر عبد الله بن عمر بمقبرة فصلى ركعتين، وقال: ذكرت أهل القبور، وأنهم حيل بينهم وبين هذا، فأردت أن أتقرب بهما إلى الله تعالى: البراء رفعه: في قوله تعالى: لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش، يكسى الكافر في قبره لو حين من نار.
معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل عليه السلامأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجراً بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد، من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله يجر ثوبه مبادراً إلى سعد بن معاذ، فوجده قد قبض.
قال جابر: ولما وضع سعد في قبره سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه، ثم كبر فكبروا معه. فقالوا: يا رسول الله لم سبحت؟ قال: هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عليه.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول.
وعن عائشة رفعته: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجياً منها لنجا سعد بن معاذ.
وروي أنس: لو أن بني آدم علموا كيف عذاب القبر ما نفعهم العيش في الدنيا، فتعوذ بالله من عذاب القبر.
الإنسان ينسى حمامه ويريد أن يفجر أمامه.
محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمهما الله.
ومتعب النفس مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد
الموت قانص لا يشوى.
قيل للحجاج، وقد أشرف على الموت، وهو على الإسراف: ما تجزع من الموت؟ قال: إن كنت مسيئاً فليست ساعة جزع، وإن كنت محسناً فليست ساعة فرح.
من يزف كريمته إلى القبر فقد بلغ أمنيته من الصهر.
استسلم لأمر الله فيما ذهب، واشكره على ما وهب.
الحسن: ما من يوم إلا تصفح ملك الموت وجوه الناس فيه خمس مرات، فمن رآه على لهو ولعب، أو معصية، أو رآه ضاحكاً حرك رأسه وقال: مسكين هذا العبد، ما أغفله عما يراد به! ثم قال: اعمل ما شئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك.
معاوية: أتتنا عجوز دهرية نسألها فقالت: حدثني أشياخ لنا أن الميت إذا وضع في قبره اعتورته أربع نيران، فتجيء الصلاة فتطفئ واحدة منها، ويجيء الصوم فيطفئ واحدة، ويقول: لو أدركتهن لأطفأت كلهن، ولكن أنا لك وأمامك.
قعد أبو حازم المدني على شفير قبر، فقال لصاحبه: ماذا ترى؟ فقال: أرى حفيرة يابسة وجنادل صماً. فقال: أما والله لتمهدنه لنفسك أو لتكونن معيشتك فيه ضنكاً.
حاتم الأصم: ما من صباح إلا ويقول الشيطان لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
الصاحب في تعزية عن بنت: لئن كانت الأيام قد فجعتك من المتوفاة بمن يوحش الخدور، فقد تجافت لك من ذكورة الولد عمن يؤنس الصدور.
معاذ بن جناب اليربوعي، وعاش مائة وأربعين سنة:
للموت ما يغذى وللموت قصرنا ... ولا بد من موت وإن نفس العمر
فمن كان مغروراً بطول حياته ... فإني كفيل أن سيصرعه الدهر
وليس بباق إن سألت ابن مالك ... على الدهر إلا من له الدهر والأمر
قال مسلم بن عبد الملك: ما وعظني إلا عمران بن حطان في قوله:
أ في كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعي ولا تنعى فكم ذا إلى متى
فقال له معاوية الصوفي: أما أنا فقد سمعته أمات الموت وما أماته شاعر قبله، حيث يقول:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فان إذا ما جاءه الأجل
وكل شيء أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل
الأمير نصر بن احمد عند وفاة أخيه أبي الأشعث:
يعزى المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزي في أحر من الجمر
ويسلوا العزي عن قليل كغيره ... ويبقى المعزى عنه في وحشة القبر
كان بعض الصالحين إذا مات له حميم يقول: كدت والله أكون السواد المختوم.
قيل لحسان: مالك لم ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لأني لم أر شيئاً إلا رأيته يقصر عنه.
كان عبد الملك يكرم كثيراً على ما يعلم من رأيه، وكان علوي الرأي، فلما مات دخل كثير على ولده وهم يقتسمون ميراثه، فلم يلتفتوا إليه، فخرج وهو يقول:
أضحت رثاث ابن مروان مقسمة ... في الأقربين بلا حمد ولا ثمن

ورثتهم فتعزوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن
قال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: يا رجاء إذا وضعتني في لحدي فاكشف الثوب عن وجهي، فإن رأيت خيراً فاحمد الله، وإن رأيت غير ذلك فاعلم أن قد هلك عمر. فلما دفناه كشفت عن وجهه، فرأيت نوراً ساطعاً فحمدت الله، وعلمت أنه قد صار إلى خير.
ماتت بنت لعمر بن عبد العزيز فأتاه الناس، فقال لحاجبه: قل لهم إنا لا نعزي على البنات والأخوات فارجعوا.
رجاء بن حيوة دخلت على عمر حين احتضر، فقال: يا رجاء إني أرى وجوهاً كراماً ليست بوجوه إنس ولا جان، وهو يقلب طرفه يميناً ويصعده ويحدره، ثم رفع يديه فقال: اللهم ربي، أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، فإن عفوت فقد مننت، وإن عذبت فما ظلمت، إلا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك المصطفى، ورسولك المرتضى، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فعليه السلام والرحمة. ثم قضى رحمه الله.
كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا وقف على قبر قال: ألا أراك ضيقاً؟ ألا أراك مظلماً؟ لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك.
عن كثير بن زيد: كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم اشتكى فاشتد وجعه، فقلت: لأحضرنه ولأنظرن ما يتكلم به، فإذا هو يهمهم ويقول: لا إله إلا أنت، أحبك وأخشاك، حتى مات.
أسماء بنت عميس: أنا لعند علي بن أبي طالب بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحباً، مرحباً، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، فقيل له: ما ترى؟ قال: هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون علي ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العاملون.
ووقف على قبره رجل من ولد حاجب بن زرارة فقال: لقد كانت حياتك مفتاح خير ومغلاق شر، ووفاتك مفتاح شر ومغلاق خير. ولو ان الناس قبلوك بقولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا فانتقض الأمر كما ينتقض الحبل عن مزايره.
جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف حتى سمته، ومكث شهرين وإنه ليرفع من تحته كذا طستاً من دم. وكان يقول: سقيت السم مراراً ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي فجعلت أقلبها بعود كان كان في يدي. وقد ورثته جعدة بأبيات منها:
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
إنك لن ترخي على مثله ... سترك من حاف ولا ناعل
وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاماً، فكان الصبيان يقولون له: يا ابن مسممة الأزواج.
ولما كتب مروان بشكاته إلى معاوية بشكاته، كتب إليه: أن أقل المطي إلي بخبر الحسن، ولما مات وبلغه موته سمع تكبير من الخضراء، فكبر أهل الشام لذلك التكبير. وقالت فاخته بنت قرط لمعاوية: أقر الله عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبرت له؟ قال: مات الحسن، قالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ قال: والله ما كبرت شماتة لموته، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة.
وكان ابن عباس بالشام، فدخل عليه وقال له يا ابن عباس هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشراً ومن يطيف بك وقد بلغني تكبيرك وسجودك. قال: مات الحسن. قال: إنا لله، رحم أبا محمد، ثلاثاً. ثم قال: والله يا معاوية أنه لا يسد جسده حفرتك، ولا يزيد يومه في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتقين، وخاتم النبيين. فسكن الله تلك العبرة، وجبر تلك المصيبة، وكان الله الخلف علينا من بعده.
وقال لأخيه الحسين: إذا أنا مت فادفني مع رسول الله إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، وإن منعوك فادفني في بقيع الغرقد. فلبس الحسين ومواليه السلاح، وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مروان في موالي بني أمية فمنعوه من دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان لعلي بن الحسين جليس مات له ابن فجزع عليه، فعزاه ووعظه، فقال: يا ابن رسول الله إن ابني كان من المسرفين على نفسه، فقال: لا تجزع إن من وراء ابنك ثلاث خلال، أما أولهن فشهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله، والثانية شفاعة جدي عليه الصلاة والسلام، والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شيء. فأين يخرج ابنك من واحدة من هذه الخلال؟

قال آدم عليه السلام حين احتضر لابنه شيت: يا بني، أوصيك أن تطلي جسدي بدهن ومر ولبان مما هبط به علي من الجنة، فإنه إذا طلي به الميت لم ينفصل شيء من أعضائه حتى يبعثه الله. وأوصيك أن يكون معك دهن ومر ولبان حيث ما ذهبت، فإن الشيطان لا يقربك، وأوصيك أن تجعل جسدي في تابوت، وتجعلني في مغارة في أوسط الأرض.
ومات يوم الجمعة، وصلى عليه في الساعة التي خرج فيها من الجنة، في ست ليال خلون من نيسان، وعمره تسع مائة وستون سنة. وناحوا عليه مائة وأربعين يوماً.
وعن ابن عباس قبره بمسجد الخيف بمنى، قال عطاء بلغني أن قبره مائة وأربعين يوماً.
وعن ابن عباس قبره بمسجد الخيف بمنى، قال عطاء بلغني أن قبره تحت المنارة التي وسط مسجد الخيف.
وهب بن منبه: إن الكافر إذا وضع في لحده هبط به إلى سجين.
وعن طاووس أنه قال لولده: يا بني، إذا وضعتني في لحدي فارفع لبنة وانظر فإن رأيتني فاحمد الله، وإن لم ترني فإنا لله وإنا إليه راجعون.
دفن طلحة رضي الله عنه على شاطئ المكلا بالبصرة، فرآه مولى له في المنام، فقال: أدركوني فقد غرقني الماء. فابتاعوا له داراً بالبصرة بعشرة آلاف وحولوه إليها.
مات أبو عيسى أخو المأمون، وقد عزم على أن يعقد له بعده، فعزاه محمد بن عباد، فقال: يا محمد حال القدر دون الوطر، وألوت المنية بالأمنية. فقال: يا أمير المؤمنين، كل مصيبة ما أخطأتك شوى، فجعل الله الحزن لك لا عليك.
عن ابن شهاب: أن رجلاً أهدى إلى لأبي بكر صفحة من خريز، وعنده الحارث بن كلدة، فأكلا منها، فقال الحارث: فيها سم سنة، فوا الذي نفسي بيده لا يمر بي وبك أكثر من حول. فماتا في يوم واحد على رأس السنة.
كان أبو هريرة إذا سئل عمن مات قال: أنت فإن كرهت فأنا.

الملك والسلطان، والإمارة والبيعة
والخلافة، وذكر الولاة وما يتصل بهم من الحجاب، وغير ذلك قال الحسن للحجاج: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقروا السلاطين وبجلوهم، فإنهم عز الله وظله في الأرض إذا كانوا عدولاً. قال الحجاج: لم يكن فيه إذا كانوا عدولاً، قلت: بلى.
قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، وإذا أساء فعليه الإصر وعليكم الصبر.
وعنه عليه الصلاة والسلام: أيما راع استرعى رعيته فلم يحطها بالأمانة والنصيحة من ورائها فقد ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
مالك بن دينار: وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى: أنا ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة. لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إلى الله أعطفهم عليكم.
مطرف: لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم.
أبو عمران الجويني: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار، وبكل من يخاف الناس شره وشدة بأسه، فيوثقون في الحديد، ثم أمر بهم إلى النار فأوصدها عليهم، فلا والله لا تستقر اقدامهم على قرار أبداً، ولا والله لا ينظرون إلى أديم السماء أبداً، ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض أبداً.
الأعمش: قال لي أبو وائل شقيق بن سلمة: يا أبا سليمان، ليس لنا من أمرائنا واحدة من ثنتين: لا تقوى في الإسلام، ولا حلم من أحلام الجاهلية.
أبو عبيد الله الأشعري وزير المهدي.
لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهي عادا
أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا
ما قربوا أحداً إلا ونيتهم ... أن يعقبوه من التقريب إبعادا
قيل لعبد الملك: أقتلت عمرو بن سعيد الأشدق؟ فقال: قتلته وهو اعز علي من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول.
سمع زياد رجلاً يسب الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لضربت عنقه، إنما الزمان هو السلطان.
قال جحظة لإسماعيل بن بلبل حين استوزر: الولايات عواري، واصطناع الحر نهزة، فاغتنم الواجدان قبل الفقدان.
عزل عمار بن ياسر عن الكوفة فقال: وجدتها حلوة الرضاع مرة الفطام.
الإسكندر: السعيد من لا يعرفنا ولا نعرفه، لأنا إذا عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومه.

الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: أعني بأصحابك. فأجابه: من كان من أصحابي يريد الدنيا فلا حاجى لك فيه، ومن كان يريد الآخرة فلا حاجة له فيك، ولكن عليك بذوي الأحساب، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن استحيوا تكرموا.
فيلسوف: إن الملك الأعظم أن يملك الإنسان شهوته.
إبراهيم بن العباس: أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلاً ثم وقعوا، فأقربهم إلى التلف أبعدهم في المرقى.
بزرجمهر: الملوك تعاقب بالهجران، ولا تعاقب بالحرمان.
جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الأخوان.
غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على أصبهان في آخر أيام بني أمية، واجتمع عليه الناس، فكتب بند رجل كان معه إلى عمران بن هند بذلك، فأجابه عمران:
أتاني كتاب منك يا بند سرني ... تخبرني فيه بإحدى العجائب
تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب
فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب
كنى عن الخلافة بالعجوز.
وقال كسرى لشيرين: ما أحسن هذا الملك لو دام! فقالت: لو دام ما انتقل إلينا.
مات بعض ملوك يونان، فطلوا ملكاً، فأشير بواحد، فقال فيلسوف: لا يصلح للملك لأنه كثير الخصومات، فلا يخلو من أن يكون ظالماً، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، أو مظلوماً والمظلوم أحرى أن لا يصلح لضعفه، فقيل له: فأنت أحق بالملك. فملكوه.
قيل لرجل: قد ولي أخوك فهلا أتيته. فقال: ما سرني له فأهنيه، ولا ساءته فأعزيه، فلم آتيه؟ عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد وتشرف المنبر.
الخليع البصري الباهلي:
ألا إنما المأمون لله محنة ... مميزة بين الضلالة والرشد
رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أبصر بالعبد
مر طارق الشرطي بابن شبرمة في موكبه، فقال:
أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
اللهم لي ديني ولهم دينهم. فاستقضى بعد ذلك، فعاتبه ابنه وذكره ما قال، فقال: يا بني، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.
سمع أعرابي رجلاً يقع في السلطان، فقال: ويحك إنك غفل لم تمسك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باكياً عليك.
مكتوب على باب نوبهار ببلخ قال بيوراسف: أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال - نوبهار قرية من قرى بلخ - وتحته: كذب عدو الله، من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.
سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من فيه يريد الخروج منه، ومن هو خارج منه يريد الدخول فيه.
خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالأمانة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأن عدو السلطان وصديقه يتناصران عليه بالعداوة، والعدو يعاديه لنصحه، والصديق ينافسه في منزلته.
رأى المأمون رؤوس المحارض مقدمة بالقطن، فقال للخادم: أحسنت، إنما يباهي بالذهب والفضة من قلا عنده، وأما نحن فحقنا المباهاة بالأفعال الجميلة، والشيم الكريمة، وذاك بالملوك أبهى وأجمل.
أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظاً للسمر، صابراً على السهر.
حكيم: ينبغي للوالي أن يتفقد أمر خاصته كل يوم وأمر عامته كل شهر، وأمر سلطانه كل ساعة.
علي عليه السلام: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لإزالة الجبال أيسر من إزالة ملك مؤجل.
قال سفيان الثوري للمهدي بمكة: حدث قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وقد رأيت الناس يضربون بين يديك.
أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة جالسة، كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قوماً. فقالت هند: إن لم يسودن إلا قومه فأماته الله.
سأل كسرى الموبذان: ما شيء واحد يعز به السلطان؟ قال: الطاعة، قال: ما سبب الطاعة؟ قال: التودد إلى الخاصة، والعدل في العامة.
كتب عبد الصمد بن المعزل إلى صديق له ولي النفاطات فأظهر تجبراً:

لعمري لقد أحدثت فيها كأنما ... توليت للفضل بن مروان منبره
وما كنت أخشى لو وليت مكانه ... علي أبا العباس أن تتغيرا
بحفظ عيون النفط أظهرت نخوة ... فكيف به لو كان مسكاً وعنبراً
دع الكبر واستبق التواضع إنه ... قبيح بوالي النفط ان يتكبرا
من أخلاق الملوك حب التفرد، ويعتقدون أن البهاء والأبهة فيه، حتى إن أمكنهم أن يتفردوا بالماء والهواء لم يشاركوا فيهما.
وعن أردشير بن بابك: كان إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان، وإذا ركب في لبسة لم ير على أحد مثلها، وإذا تختم بخاتم كان حراماً على أهل الملة أن يتختموا بمثله.
وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بمكة إذا أعتم لم يعتم أحد بمثل عمامته ما دامت على رأسه. وكان الحجاج إذا وضع على رأسه طويلة لم يجترئ أحد من خلق الله أن يدخل عليه في مثلها.
وعبد الملك: إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد مثله حتى ينزعه.
وعن أبي حسان الزيادي: أتاني من قال لي: يقول لك ذو الرياستين: لا تعتم غداً على قلنسوة إن أتيت الدار، فبت واجماً، فلما أصبحنا فيها خرج الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين يعتم اليوم على قلنسوة فانزعوا عمائمكم.
من حق الملك أن يفحص عن أسرار الرعية فحص المرضعة عن منام رضيعها.
وكان أردشير متى شاء قال لأرفعهم وأوضعهم: كان عندك في الليل كيت وكيت، حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء، وما ذاك إلا لتفحصه وتيقظه.
وعن عمر رضي الله عنه أن علمه كان بمن نأى عنه كعلمه بمن بات معه على وساد واحد.
وقد اقتفى معاوية أثره.
وتعرف رجل إلى زياد فقال: أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بأبيك وأمك؟ وأعرف هذا البرد الذي عليك. فرعب الرجل حتى أرعد.
وعن بعض العباسيين: كلمت المأمون في امرأة خطبتها، وسألته النظر إليها، فقال: يا أبا فلان، من قصتها وحالها وفعلها فوالله إن زال يصفها ويصف أحوالها حتى بهت.
ورفع إليه رجل رقعة يسأله إجراء الرزق، فقال له: كم عيالك؟ فزاد في العدد فلم يوقع، ثم كتب إليه في السنة الثانية فصدق، فوقع له.
قال ذو الكلاع الحميري لعمر: لقد أذنبت ذنباً ما أرى الله يغفر لي لقد أشرفت على الناس مرة بعد أن طال احتجابي عنه، فسجد لي مائة ألف.
لما بشر هشام بالخلافة سجد، وسجد أصحابه إلا الأبرش الكلبي. فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: وكيف أسجد وغداً تحلق في السماء وتتركني؟ قال: فإني أحلقك معي. قال: الآن وجب السجود.
الحمدوني في الحسن بن أيوب وإلى البصرة:
شر الإخلاء من ولي قفاه إذا ... كان المولى وأبدى البشر معزولا
من لم يسمن جواداً كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا
قيل لسلطاني: مثل السلطان مثل البرمة السوداء كل من مر بها سودته. فقال: إن كان ظاهر أسود فإن في باطنها لحماً سميناً وطعاماً لذيذاً.
كتب عمر رضي الله عنه إلى عقبة بن غزوان: أما بعد، فإنك أصبحت أميراً تقول فتطاع، وتأمر فيتبع أمرك، فيا لها من نعمة؟؟؟! إن لم ترفعك فوق قدرك، أو تطغك على من دونك. احترس من النعمة أشد من احتراسك من الخطيئة، هي والله أخوفها عندي عليك أن يقال لك: ومن مثلك ؟ فتترفع، فتسقط سقطة لا شوى لها. والسلام.
خرج المتوكل إلى بعض متنزهاته، فوقف على جبل كله حصى قد غسله المطر، فاستحسنه، فنزل ودعا بطعامه، فأكل وشرب، ثم قام إلى صلاة الظهر فصلى، ثم قعد فسبح، ثم قال في دعائه: اللهم إنك خلقتني ولم أك شيئا بقدرتك، ثم صيرتني فوق هذا الخلق بعزتك، وأنت قادر أن تزيل هذا كله، فارزقهم مني العدل والنصف، وألق في قلبي لهم الرأفة والرحمة، ثم بكى وأخذ كفاً من ذلك الحصى فجعله على رأسه، وجعل يقلب وجهه وخده على الأرض. ثم قام فركب.
ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: سيكون أقوام من أمتي يقرؤون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول لهم: لو أتيتم السلطان فأصبتم من دنياهم، واعتزلتموهم بدينكم ولا يكون ذلك، كما لا تجنى من القتاب إلا الشوك كذلك لا تجنى من قربهم إلا الخطايا.
الثوري: إن دعوك لتقرأ عليهم قل هو الله أحد فلا تأتهم. وعنه: إن مررت بدورهم فلا تنظر إليها، فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: " ولا تمدن عينيك إلا ما متعنا "

أبو حازم قال للزهري: إن الناس كانوا يفرون من السلطان وهو يطلبهم، وأنتم تأتون أبواب السلطان وهو يفر منكم.
قيل سعد بن المسيب مال السلطان من الخمس. ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال، ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودة.
كتب عبد الملك إلى ابن المسيب: إلى أخي الخالص دون الناس، إن الناس قد دعوا إلى بيعة ابن أخيك الوليد، فإن رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس لما أرجو فيه من الاستقامة وإصلاح ذات البين فافعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية.
فلما قرأ سعيد الكتاب قال: كذب والله الذي لا إله إلا هو، ما هو بأخي الخالص دون الناس، إنه لعدوي من دون الناس، هو الذي بعث إلى بيت الله الحجاج، فنصب عليه المجانيق وأحرقه بالنار، ولم تحل مكة لأحد من الخلق إلا لمحمد، أحلت له ثلاث ساعات من النهار. فدعاني أن أبايع لابنه، يريد أن يجعلها هرقلية.
مر بريد لبني مروان في سوق المدينة، فقال له سعيد: كيف تركتهم؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب. فاشرأب الرسول حتى سكن. فقال له المطلب بن السايب: يغفر الله لك، تشيط بدمك بكليمة تلقيها؟ قال: اسكت يا أحمق، والله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
كان ابن سيرين يثبت المهدي، وكان الحسن لا يعرفه، وقال يوماً: إن يكن لهذه الأمة مهدي فهو هذا، يعني عمر بن عبد العزيز.
أرسل عمر بن عبد العزيز محمد بن سعيد رسولاً إلى الروم ليفدي أسارى المسلمين بأسارى المشركين، فقال: دخلت على ملك الروم فإذا هو نازل عن سريره جالس على الأرض، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: أو ما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح. يعني عمر بن عبد العزيز. ثم قال: لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكني أعجب ممن أمكنته الدنيا وقدر عليها ثم زهد عليها. إني لأحسب لو كان أحد يحيي الموتى بعد عيسى لأحياهم عمر.
استحضر سليمان بن عبد الملك طاووساً فسكت طويلاً ثم قال: هل تعلمون أول ما خلق؟ قالوا: لا، قالا: القلم، ثم قال: فهل تعلمون آخر من يموت؟ قالوا: لا، قال: ملك الموت، قال: هل تعلمون أبغض خلق الله؟ قالوا: لا، قال: إن أبغض خلق الله إليه عبد أعطاه سلطاناً فعمل بمعصيته. فأخذ سليمان يحك رأسه حتى كاد يجرحه.
قال موسى صلوات الله عليه: يا رب، أنت في السماء ونحن في الأرض، فما علامة رضاك من سخطك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم.
النامي:
سأصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لمثلك من أمير أو وزير
رجوناهم فلما أخلفونا ... تمادى فيهم غير الدهور
فبتنا بالسلامة وهي غنم ... وباتوا في المحابس والقبور
ولما لم تنل منهم سروراً ... رأينا فيهم كل السرور
مالك بن دينار: إذا غضب الله على قوم سلط عليهم صبيانهم.
محمد بن واسع: والله لسف التراب ولقم القصب خير من الدنو من أبواب السلطان.
نهى الثوري عن القرب من المنبر، فقيل: أليس يقال ادن واستمع؟ قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأما هؤلاء فتباعد عنهم، ولا تسمع كلامهم، ولا ترى وجوههم.
وعنه: لا تجالس الملوك، فإنكم إن باهيتموهم أفقروكم، وإن تفضلوا عليكم حقروكم.
وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفظت. قال: أفتأمنونني أن أسبح في البحر فلا تبتل ثيابي.
كتب يعقوب بن داود وزير المهدي إلى عابد يستقدمه، فاستشار محمد بن النصر وقال: لعل الله أن يقضي ديني. فقال محمد: لأن تلقى الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دينك.
ابن السماك: الذباب على العذرى أحسن من القارئ على أبواب الملوك.
فضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لما جعلتها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الأمام أمن العباد والبلاد. فقبل ابن المبارك رأسه و قال: يا معلم الخير، من يحسن هذا غيرك؟ وعنه: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم.
سفيان بن عيينة: ما من عمل شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء.
هوبر التغلبي:
الملك إن لم يقم بالحق سائسه ... عما قليل لأهل الملك ضرار
لا بارك الله في دنيا إذا انصرمت ... لذاتها كان عقبى أهلها النار

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9