كتاب : ربيع الأبرار
المؤلف : الزمخشري

عيسى عليه السلام: ما أكثر الشجر! وليس كلها بمثمر، وما أكثر الثمار! وليس كلها بطيب، وما أكثر العلوم! وليس كلها بنافع، وما أكثر العلماء! وليس كلهم بمرشد.
أقل الناس عذراً في القبيح من عرف قبحه.
قيل لأنو شروان: ما بالكم لا تأخذون من العلوم شيئاً إلا زادكم عليه حرصاً؟ قال: لأنا لا نأخذ منه شيئاً إلا ازددنا بعظم منفعته علماً. قيل: فما بالكم لا تأنفون من أخذه من كل أحد؟ قال: لعلمنا أنه نافع من حيث أخذ.
بطليموس الثاني: خذوا الدر من البحر، والذهب من الحجر، والمسك من الفارة، والحكمة ممن قالها.
رسطاليس: الحكمة سلم العلو، فمن عدمها عدم القربة من ربه.
في جاويدان خرد: أفضل ما أعطي العبد في الدنيا الحكمة، وفي الآخرة الرحمة.
يحيى البرمكي: يا بني انتق من كل علم شيئاً. فإن من جهل شيئاً عاداه، وإني لأكره أن تكون عدواً لشيء من العلم.
قيل لأشعب: لو تركت النوادر ورويت الحديث لكان أنبل لك؛ قال: والله لقد سمعت الحديث؛ قيل: فحدثنا، قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه قال: خلقان من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فهاتهما، قال: نسي نافع واحدة، ونسيت أنا الأخرى.
صنع عيسى عليه السلام للحواريين طعاماً، فلما أكلوا وصاهم بفعله، قالوا: يا روح الله، نحن أولى أن نفعله منك، قال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون.
قال شهر بن حوشب: حدثت الحجاج حديثاً، فقال: من حدثتك به؟ قلت: محمد بن الحنفية، فنكت بقضيبه ساعة، ثم قال: أخذتها من عين صافية.
حكيم: إن الله إذا استرذل عبداً حظر عليه العلم.
ذو النون المصري: إياك أن تطلب العلم بالجهل؛ قيل: كيف يطلب العلم بالجهل؟ قال: إذا قصدت العالم في غير وقته، وتخطيت الرقاب، وتركت في طلبه حرمة الشيوخ، ولم تستعمل فيه السكينة والوقار وأدب النفس، فذلك طلب العلم بالجهل.
سئل أنو شروان: من أسوأ الناس حالاً؟ فقال: عالم يجري عليه حكم جاهل.
قال لسقراط طيماوس: لم لا تدون لنا حكمتك في الدفاتر؟ قال: ما أوثقك بجلود البهائم الميتة، وأشد تهتمك للجواهر الحية! فكيف رجوت العلم من معدن الجهل، ويئست منه من عنصر العقل؟ سواء من أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة، ومن أعطى السلامة فجزع لفقد الألم والتعب. لأن ثمرة الحكمة السلامة والدعة، وثمرة المال الألم والتعب.
قيل لقتادة: أكان الحسن يحتد عند المسألة؟ فقال: إن كان لطويل التبسم عند المسألة.
الحسن: من استطاع منكم أن يكون إماماً لحيه، إماماً لما وراء ذلك فليفعل فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك فيه نصيب.
ابن المبارك: ما قرأت كتاب رجل قط إلا عرفت مقدار عقله.
مدح أعرابي رجلاً فقال: كان الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين.
شاعر
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... الباء مأمونون غيباً ومشهدا
بلا كلفة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت أموات فلست مفندا
يريد الكتب.
قرأ الكندي كتاباً وضعه ابن الجهم فقال: هتك ستر العافية عن عقله.
في ديوان المنظوم:
حبيبي من الدنيا الكتاب فليس لي ... إلى غيره ما بي إليه من الفقر
كلانا لضيق الروح بالروح مانح ... دنواً بلا بعد ووصلاً بلا هجر
فكرسيه حجري إذا كنت قاعداً ... وإن اضطجع أفرشه مستلقياً صدري
نعم المحدث الدفتر.
الجاحظ: الكتب توجد في كل مكان، وتقرأ بكل مكان، على تفاوت ما بين الإعصار، وتباعد ما بين الأمصار.
فيلسوف: اعتقد لولدك كتب آداب تنعم أرواحهم، لا عقد أموال نعم أشباحهم.
احتيج أن يكتب على المعتضد كتاب، فكتب ابن نوابة كما تكتب الصكاك: في صحة من عقله، وجواز من أمره. فعرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان فقال: هذا لا يجب أن يكتب للخليفة وضرب عيه وكتب: في سلامة من جسمه وأصالة من رأيه. ومثل هذه الآداب لا تلمح إلا بدقيق من الألباب.

تخلف سابق الحاج عن وقته، ثم رفع قصة إلى المأمون، فوشمها بتوقيعه، فخرجت، فلم يروا شيئاً، حتى عثروا بعد طول تأمل على نقطة مضمومة إلى نقطة باء سابق. ولكن المحققين يأبون نقط هذا الحرف، ويخطئون ناقطه، ويصححون على المأمون توقيعه بوضع رقعة الهمزة موضع النقطة.
نظر أعرابي إلى كتاب فقال: كواكب الحكم في ظلم اعداد.
وقال آخر: خط الأقلام صور، هي في الأبصار سود، وفي البصائر بيض.
نخرق كتاب سيبويه في كم المازني نيفاً وعشرين مرة.
الجاحظ في وصف الكتاب: متى رأيت بستاناً يحمل في ردن، أو روضة تتقلب في حجر؟ من لك بزائر إن شئت جعل زيارته غباً، وورده خمساً؟ وإن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك مكان بعضك. الكتاب هو الذي إن نظرت فيه نجح نفسك، وعمر صدرك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، ولو لم يكن من فضله عليك، وإحسانه إليك، إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارة بك، مع ما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخوض، ومن حضور ألفاظ الناس الساقطة، ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الردية، وجهالتهم المذمومة، لكان في ذلك السلامة، ثم الغنيمة. ولعهدي بي وقد خرجت من الدار، وذلك في عصر الشبيبة، فلقيني أعرابي كانت به لوثة، فشغلني ببعض الحديث، وقد حانت من بعض شيوخي حاجة إلى حضوري فلم أصادف، فلما حضرته سألني عن سبب لبثي، ثم قال: العجب ممن يؤثر على مجالسات هؤلاء، وعدد جماعة من كبار المصنفين، مجالسة مجنون. وصحيح ما قال. فإن مطالعة كتبهم هي مجالستهم على الحقيقة.
رؤي شعر أبي الشمقمق في جلود كوفية ودفتين طائفيتين، وبخط رشيق، في يد إنسان، فقيل له: لقد ضيع دراهمه من تجود لشعر أبي الشمقمق. فقال: لا جرم والله إن العلم ليعطيكم على حسب ما تعطونه، ولو استطعت أن أودعه سويداء قلبي، أو أجعله مخطوطاً على ناظري لفعلت.
كتب الحمدوني إلى أخ له، وكان قد حبس عليه دفاتره:
ما بال كتبي في يديك رهينة ... حبست على كر الزمان الأطول
إيذن لها في الانصراف فإنها ... كنز عليه في الزمان معولي
فلقد تعنت حين طال ثواؤها ... طال الثواء على رسول المنزل
آخر:
لكل كلام موضع من كتابه ... كتنظيم درزينته الجواهر
فإن نظم العقد الذي فيه جوهر ... على غير ترتيب فما العقد فاخر
الكتاب بستان والخط نرجسه.
قال رجل من الأنصار للنبي عليه السلام: إني لأسمع الحديث ولا أحفظه، فقال: استعن بيمينك. أي اكتبه.
نظر المأمون إلى بعض ولده وهو ينظر في كتاب، فقال: يا بني، ما كتابك هذا؟ قال: بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحشة. فقال: الحمد لله الذي رزقني ذرية يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين وجهه.
شاعر
كم كتاب كتبته ولم أق ... راه فبان اختلاله بقراته
فإذا ما كتبت يوماً ولو سط ... راً فبث اللحاظ في جنباته
قد يرى الزاهد المصلي للفر ... ض مع الزهد مخطئاً في صلاته
إذا كتبت كتاباً فأعد النظر فيه، فإنما تختم على عقلك.
ابن عباس عنه عليه السلام: من نظر في كتاب أخيه من غي أمره فإنما ينظر في نار.
قال ابن الحجاج:
فقر وذل وخمول معاً ... أحسنت يا جامع سفيان
قالوا: عبد الحميد بن يحيى بن سعيد الكاتب أول من نهج طرق الكتابة، وبسط من باع البلاغة، وكان مروان بن محمد لا يرى الدنيا إلا به. ومن خصائص مروان: عبد الحميد الكاتب والبعلبكي المؤذن، وسلام الحادي، وكوثر الخادم وأشقر مروان، وكل فرد غريب لم ير مثله.
وقال البختري:
لتفننت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
وقال أبو إسحاق الصابي:
أنسيتم كتباً شحنت فصولها ... بفصول در عندكم منضود
ورسائل نفذت إلى أطرافكم ... عبد الحميد بهن غير حميد
وكان عبد الحميد يقول: إن كان الوحي ينزل على أحد بعد الأنبياء فعلى بلغاء الكتاب.
وقال أكرموا الكتاب فإن الله أجرى أرزاق الخلق على أيديهم، وقيل له: ما الذي خرجكم في البلاغة؟ قال: حفظ كلام الأصلع، يضي علياً رضي الله عنه.

أبو بكر الخوارزمي: يجب أن تجعل المنع صوانه، والعين بل القلب مكانه، فإن الغيرة على الكتب من المكارم، وهي أخت الغيرة على المحارم، وإني لأحسد على الورقة من لا أحسد على البدرة، وأغار على الأدب الكريم من المتأدب اللئيم.
وأرثي له من موقف السوء عندي ... كرثيتي للطرف والعلج راكبه
وددت لو كان الأدب في جبة الأسد، ولو أصبحت الكتب في أنياب الأسود ولو بيعت ورقة بدينار، وكتب دفتر بقنطار، فلا يتأدب إلا شجاع لي، ولا يخزن الدفاتر إلا جواد سخي.
كتب ابن مقلة كتاب هدنة بين المسلمين والروم، فهو في كنيسة قسطنطينية، يبرزونه في الأعياد، ويعلقونه في جملة تزايينهم في أخص بيوت العبادات، يعجبون الناس من حسنه. وفيه قيل:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حولت مقلا
الدر من درة ذو صفرة حسداً ... والنور من نوره ذو حمرة خجلا
وقال ابن الحجاج:
ظبي كأن جفونه ... في ضمنها هاروت مقله
وكأن خط عذاره ... في خده خط ابن مقله
أمر بعض الملوك ثمانين حبراً بترجمة التوراة. وفرق بينهم ليأمن تواطؤهم على شيء. فكانت أصح التراجم، وصارت توراة الثمانين مثلاً في الكتاب المصحح.
من ألف كتاباً أو قال شعراً فإنما يعرض عقله على الناس، فإن أصاب فقد استهدف، وإن أخطأ فقد استقذف.
وقالوا: لا يزال المرء في نسخة من أمره ما لم يقل شعراً أو يؤلف كتاباً.
ما خلدت العلوم إلا بما دبر من تدوينها، والتصنيف في أفانينها، وإلا لكانت أنفاساً تمضي، ورياحاً تجري، وأصواتاً تفنى، وأجراساً لا تبقى، ووذوت أفنانها، ولقل الغابر منها في أيدي الناس. والثابت على مر الأحراس، ولشط على طالبيه الرقاد. وكبت على مقتبسيه الزناد. ولا نرى للعالم علماً أدل منه في كنه فضله، وأفوه بما أوتي من فائز خصله، يربكه حباً ناطقاً وهو رميم. ومائلاً بين يديك وهو عديم.
قيل لجحا: ما تعلمت في الكتاب؟ قال: ما أعياني شيء. قيل: كيف تقسم أربعة دراهم على ثلاثة رجال؟ قال: للرجلين درهمين درهمين والثالث ليس له شيء.
أنشد أبو العيناء للجاحظ:
يطيب العيش أن تلقى حكيماً ... غذاه العلم والنظر المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل ... وفضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء لجهل ليس له طبيب
لحن خالد بن صفوان عند عبد الملك فقال: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه.
وقال سليمان: اللحن في الكلام أقبح من النقبة في الديباج.
الخليل: لا يصل أحد إلى ما يحتاج إليه إلا بعلم ما لا يحتاج إليه.
قال أبو شمر: فإذن قد صار ما لا يحتاج إليه مما يحتاج إليه.
حب السلطان العلم يلقح الخواطر العقم.
الشعبي قدم عبد الملك فبعث إلى الرواة، وكان يحب الشعر، فما أتت علي سنة حتى رويت الشاهد والمثل وفضولاً بعد ذلك. وقدم مصعب، وكان يحب النسب، فقعدت إلى النسابين فعلمته في سنة، وقدم الحجاج، وكان يدني على القرآن، فحفظته في سنة.
وروي عنه: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي، ثم قال: يا شعبي، كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عني يؤخذ، قال: كيف علمك بالفرائض؟ قلت: إلي فيه المنتهى. قال: كيف علمك بالفقه؟ قلت: أنا صاحبه، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيصل فيها، قال: كيف علمك بالشعر؟ قلت: أنا ديوانه. فقال: لله أبوك! ففرض لي في ألفين، وعرفني على قومي. فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همدان، وخرجت وأنا سيدهم.
الجاحظ: رؤساء المعتزلة المذكورون كلهم كان راوية عالماً، إلا معمراً، وكان بشر بن المعتمر أرواهم للشعر خاصة.
السري الموصلي:
أخو حكم إذا بدأت وعادت ... حكمن بعجز لقمان الحكيم
ملكت خطامها فعلوت قساً ... برونقها وقيس بن الخطيم
بعض الرجاز في المأمون:
هل لك في أرجوزة ظريفة ... أظرف من فقه أبي حنيفة
الذئب والنعجة في سقيفة ... واللص والتاجر في قطيفة
مولد:
متفقه جمع الكلا ... م إلى قياس أبي حنيفة
فأتاك يسعى للقضا ... ء بلحية فوق الوظيفة

كان يقال: أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا: أبو حنيفة في فقهه، والخليل في نحوه، والجاحظ في تأليفه، وأبو تمام في شعره.
مر عبد الحميد بإبراهيم بن خالد، وهو يكتب خطاً رديئاً، فقال: أطل جلفة قلمك واسمنها، وحرف قطتك وأيمنها، ففعل، فجاد خطه.
ابن المعتز في صفة فرس:
وله أربع تراها إذا هم ... لج تحكي أنامل الحساب
ابن أبي البغل:
مداد مثل خافية الغراب ... وقرطاس كرقراق السراب
وأقلام كمرهفة الحراب ... وخط مثل موشي الثياب
وألفاظ كأيام الشباب
أنا من بحاره مغترف، ومن ثماره مخترف.
أبو الموج منصف بن خليفة:
جرى في ميادين البلاغة سابقاً ... على طرف إحسان ميادينه الكتب
البستي:
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدىً ... وسيرته عدلاً وأخلاقه حسنا
فبشره أن الله أولاه فتنة ... تغشيه حرماناً وتوسعه حزنا
كانت اليونانية يورثون البنات العين والبنين الدين، وكانوا يقولون: الابن من المال إلا ما يكون عوناً له على طلب العلم، وأطيعوه على تعظيم الحكمة ليصير جمع العلم أغلب عليه من جمع المال، وليرى أنه أفضل عتاد، وأكرم مستفاد.
قال معاوية لعبيد الله: إنك لا تقدر على حفظ العلم كله، فاحفظ منه ما يحسن نشره، واترك الغث، فإنك لا تنتفع به. ولا ينتفع منه منك.
عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن لي باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه حمر النعم وسودها.
جلس سفيان بن عيينة على مرقب عال، وأصحاب الحديث على مد البصر، يثبتون، فتمثل يقول الخشعمي:
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد
أتى رجل الزهري ليحدثه فأبى، فقال: اسمع مني أخبرك، قال: هات، قال: ما أخذ الله على الجهال أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا.
المهلبي:
فإن أنا لم أمتت بقرب قرابة ... ولم تجمع الأسباب شملاً إلى شمل
ففي رحم الآداب ما ألف الهوى ... وأغنى عن الأسباب بين ذوي العقل
وله:
اذكر أبا جعفر حقاً أمت به ... إني وإياك مشغوفان بالأدب
عمر رضي الله عنه: رحم الله عبداً أصلح من لسانه.
وقال رجل لزياد بن أبيه: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا، فقال: يا هذا، ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
وقال رجل للحسن: يا أبو سعيد. فقال: كسب الدوانيق شغلك عن تقويم اللسان. وقال له آخر، فقال: أين غذيت؟ قال: بالابلة، قال: من ثم أتيت.
رسطاليس: الحكمة للأخلاق كالطب للأجساد.
لقي الرشيد الكسائي في بعض الطرقات، فوقف عليه وسأله عن حاله فقال: لو لم أجتن من ثمرة العلم والأدب إلا ما وهب الله لي من وقوف أمير المؤمنين علي لكان كافياً لي.
إسماعيل بن طريح الثقفي: عقول الرجال في أطراف أقلامها.
أوصى عبد الملك بن مروان بثلث ماله لأهل الأدب وقال: هذه صناعة مجفو أهلها.
قيل لسقراط: ما الفرق بين من له أدب ومن لا أدب له؟ قال: كالفرق بين الحيوان الناطق وبين الحيوان الذي ليس بناطق.
قيل لأعرابي: أين الجد من الأدب؟ قال: هذا مشرق وهذا مغرب.
وقع نحوي في كنيف، فجاءوا إليه بكناسين، فقال: اطلبا لي حبلاً دقيقاً، وشداني شداً وثيقاً، واجذباني جذباً رفيقاً. فقالا: والله لا نخرجه، هو في السلح إلى الحلق، وليس يدع الفضول.
أبو حيان: إن الأدب أنس إن شئت أنساً، وكنز إن طلبت كنزاً، وجمال إن أحببت جمالاً، ومثوبة إن قصدت ثواباً.
حكيم: من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير.
البرقعي:
قالوا أديب بلا جد فقلت لهم ... قوس بلا وتر سهم بلا فوق
كان الإمام عبد القاهر ينشد:
إنما النحو للخطابة والشع ... ر وتقويم سنة أو كتاب
فإذا ما تجاوز النحو هذا ... فهو شيء عن المسامع نابي
قيل لرافضي كان يتعلم النحو: ما علامة النصب؟ قال: بغض علي بن أبي طالب.
القلم الرديء كالولد العاق.
يوسف بن أحمد في جارية كاتبة: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن مبراتها سيف لحظها، وكأن مقطها قلب عاشقها.
ابن المعتز:

إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتق نوراً أو تنظم جوهرا
أبو إسحاق الصابي:
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلا من النقس
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس
المداد خلوق الكتبة.
نظر جعفر البرمكي إلى خط حسن فقال: لم أر باكياً أحسن تبسماً من القلم.
القلم قيم الحكمة، إن هذه العلوم تند فاجعلوا الكتب لها حماة، والأقلام عليها رعاة.
أيوب بن غسان:
فما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها أثر المداد
من السؤدد سوادان: سواد الكاتب، وسواد الراكب.
مسح كاتب قلمه بكمه فقيل له: فقال: إنما اعتقدنا هذا بهذا، سمعته من والدي رحمه الله تعالى.
كتب كأنها صفوف ولائد، عليها فصوص قلائد.
أتاني كتاب:
فكان فرات آمال ظماء ... وكان حياة أحوال رفات
سهل بن هارون: القلم أنف الضمير، فإذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره.
أحمد بن إسماعيل.
أضحكت قرطاسك عن جنة ... أشجارها من حكم مثمرة
علي بن يقطين مولى بني أسد:
يا ليت شعري ما يكون جوابي ... أما الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجلت نفسي الظنون واشربت ... طمع الحريص وخيفة المرتاب
واحسرتا من بعد هذا كله ... إن كان ما أخشاه رد جوابي
أعرابي: الدواة منهل، والقلم رشاء، والكتاب عطن.
الليقة إذا كانت ليقة ناعمة أمكن الكاتب أن يشمها روق القلم، وإذا تعهدت بالملح والكافور كان آمن من بخرها. ومن شرط الليقة أن تكون طيبة الريح.
قال أحمد بن إسماعيل:
كأنما النفس إذا استمده ... غالية مدفوعة بنده
سئل الحسن عن رجل يتعلم العربية ليعرف بها حسن المنطق. ويقيم بها وجهه، فقال: فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيى بوجهها فيهلك فيها.
وقيل له: إن ههنا أغيلمة يتعلمون العربية، فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم. وقال: أهلكتهم العجمة، يتألون القرآن على غير تأويله.
الزهري: كان يقول: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر، والرامك في الطيب، وكان يقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه.
وقال: ما أحدث الناس مروءة أعجب إلي من تعلم النحو.
وقال: لم يركب العز من لم يركب الأدب.
دخل أبو العالية على ابن عباس فأقعده معه على السرير، وأقعد رجالاً من قريش دونه، فرأى سوء نظرهم إليه، وحموضة وجوهم؛ فقال: ما لكم تنظرون إلي نظر الشحيح إلى الغريم المفلس؟ هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير. ويرفع المملوك على الولي، ويقعد العبيد على الأسرة.
أوصى حكيم ابنه فقال: يا بني، عز المال للذهاب والزوال، وعز السلطان يومان يوم لك ويوم عليك، وعز الحسب للخمول والد ثور، وأما عز الأدب فعز راسب رابط، لا يزول بزوال المال ولا يتحول بتحول السلطان، ولا ينقص عن طول الزمان. يا بني، عظمت الملوك أباك وهو أحد رعيتها، وعبدت الرعية ملوكها، فشتان بين عابد ومعبود! يا بني، لولا أدب أبيك لكان للملوك بمنزلة الإبل النقالة، والعبيد الحمالة.
دخل على الواثق هارون بن زياد معلمه، فبالغ في إكرامه وإجلاله، فقيل له في ذلك، فقال: هو أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله.
حجب العتابي على باب المأمون، وكان مؤدبه، فكتب إليه:
إن حق التأديب حق الأبوة ... عنه أهل الحجاز أهل المروة
وأحق الأنام أن يحفظوها ... ويعوها لأهل بيت النبوة
فدعا به وأحسن صلته، وآلى على الحاجب أن لا يعاود حجبه وزبره.
قيل لبرزجمهر: ما بال تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي كان سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية.
جالينوس: إن ابن الوضيع إذا كان أديباً كان نقص أبيه زائداً في منزلته، وإن ابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائداً في سقوطه.
أخذ عبد الملك خارجياً فقال: ألست القائل:
ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شيب
فقال: إنما قلت أمير المؤمنين بالنصب، فخلاه.
سمع أعرابي مؤذناً يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، بالنصب، فقال: ويحك يفعل ماذا؟

قيل لأعرابي: أتهتمز إسرائيل؟ قال إنني إذن رجل سوء. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: السنور يهمزها. وقيل لآخر أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي.
أنشد الأصمعي بيتاً من الشعر فاختلس الأعراب، وقال: إن العرب تجتاز بالإعراب اجتيازاً.
وقال ابن أبي إسحاق: العرب ترقرق على الإعراب ولا تتفيهق فيه.
وقال يونس: العرب تشم الإعراب ولا تحققه.
وقال الحسحاس بن جاب: العرب تقع بالإعراب وكأنها لم ترده.
قال ابن كيسان: قلت للمبرد: ثعلب أعلم أهل زمانه، فقال:
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب
لو أخذ النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى قلب
قيل لأعرابي: ما معنى قولهم شيطان ليطان، وجائع نائع؟ فقال: شيء نتدبه كلامنا.
قال العباس بن محمد لمؤدب ولده: إنك قد كفيته أعراضهم فاكفني آدابهم، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني.
سقراط: سوأة لمن أعطي الحكمة فجزع لفقد الذهب والفضة.
ولم أر فضلاً تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلاً تم إلا على أدب
آخر:
هل الحفظ إلا للصبي وذو النهى ... يمارس أشغالاً تشرد بالذكر
متى كان قلب المرء للحفظ فارغاً ... تناول أقصاه وإن كان لا يدري
علي رضي الله عنه: اعقلوا الخبر إذ سمعتموه، عقل رعاية، لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل.
عن بعض المحدثين: يكون الحديث الحسن عند الشيخ الذي لا يجوز حديثه، فأجيء به إلى الأعمش، فيسمع منه الحديث، فأرويه عن الأعمش، واطرح المحدث.
النبي صلى الله عليه: ما نحل والد ولده نحلاً أفضل من أدب حسن.
من قعد به حسبه نهض به أدبه. أحسن الأدب أن لا يفخر المرء أدبه.
الأصمعي: ما من مطية أبلغ دركاً، وهي وادعة، من الأدب. من لم يكن عليه قبول فلا جاه لأدبه.
سمع معاوية رجلاً يقول: يا غريب، فقال: كلا، الغريب من لا أدب له.
إذا فاتك الأدب فالزم الصمت، فهو من أعظم الآداب.
قيل لمحمد بن علي بن الحسين: متى يكون الأدب شراً من فقده؟ فقال: إذا كثر الأدب وقلت القريحة.
وسطاليس: من ترك الأدب عقم عقله.
لكل شيء زينة، وزينة العقل الأدب.
علي رضي الله عنه: عز الشريف أدبه.
الأدب صورة العقل، فحسن صورة عقلك كيف شئت.
قيل لبعضهم: كيف طلبك للأدب؟ قال: طلب المرأة الرائم أصغر ولدها وقد أضلته.
سمع الواقدي يقول لبعض ولده: لو أردنا بكثرة علومنا الله لنلنا الدنيا والآخرة، ولكن المقصد كان الدنيا فلم ننل منها إلا المقدور.
ما قرأت كلمة إلا حسد طرفي لساني على لفظه، وحسد لساني طرفي على لحظه.
وزنجية لم تلدها الأنسا ... ب وفي جوفها من سواها ولد
يريد الدواة.
خطية أنبتها وشجيك، وغصن قومه تخريجك.
الأدب غرس إذا لم يوافق ثري ثرياً، وجوا عذباً، وماء روياً، لم يرج إيراقه.
مناقب لم تحلم بها الهمم، ولم تفطن لها الأمم، فكان أبا عذرها، ومفتض بكرها.
ثمامة بن الأشرس: ما أثبتته الأقلام لا تطمع في دروسه الأيام.
الأقلام رسل الكلام.
علي بن عبيدة: أصم يسمع النجوى، ويجهل الشاهد، ويخبر بالغائب.
يقال للخط الرديء خط الملائكة. وفيه قولان: أحدهما إن خطهم خير بين للناس، وأجود الخط أبينه. والثاني إن أردأ الخط الرقم، وخطهم رقوم، قال الله تعالى: كتاب مرقوم يشهده المقربون.
منصور الفقيه:
قالوا خذ العين من كل فقلت لهم ... في العين فضل ولكن ناظر العين
حرفين من ألف طومار مسودة ... وربما لم تجد في الألف حرفين
فيلسوف: الخط لسان اليد.
السري:
لك القلم الذي يضحى ويمسي ... به الإقليم محمي الحريم
هو الصل الذي لو عض صلاً ... لأسلمه إلى ليل السليم
أبو بكر الخوارزمي:
صدعان من كبدي تمكن منهما ... صدغان ذو خال وآخر خالي
فكأن ذا دال خلت من نقطة ... وكأن ذا ذال ونقطة ذال
حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاته لا شعير فيها.
إبراهيم بن خلف البهراني:
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تعظمه إذا لم يلحن
وإذا طلبت من الأمور أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن

علي بن بسام:
رأيت لسان المرء رافد عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن
على أن للإعراب حداً وربما ... سمعت من الاعراب ما ليس يحسن
ولا خير في الإعراب فيه تعسف ... وفي المنطق الملحون والقصد أزين
قال طاووس لابنه: هل كتبت؟ قال: نعم، قال: أعارضت؟ قال: لا، قال: يا بني لم تكتب، ثم قال: يا بني أعارضت؟ قال: نعم. قال: أعجمت؟ قال: لا، قال: أعجم فإن العجم نور الكتاب.
هشام بن عبد الملك لبنيه: تعلموا القرآن والنحو، فإن القرآن بلا نحو كالجسد بلا رأس.
الحسن: قد وكل إبليس سبعين شيطاناً على أصحاب المحابر يصونون محابرهم.
النبي صلى الله عليه: النظر في وجوه العلماء عبادة.
سئل جعفر بن محمد الصادق عنه فقال: هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك بالآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة.
دغفل النسابة: إن للعلم آفة ونكدا وهجنة، فآفته النسيان، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشره عند غير أهله.
لقمان اغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامس فتهلك.
وفي ديوان المنظوم:
وما أسر بما قد نال من شرف ... كما أسر بفضل عنده وكرم
فكم صدور بلا فضل لهم نعيم ... يرعونها مثل ما ترعى الرياض نعم
أصبحن مثل الأسارى في أكفهم ... فهن مستصرخات لو نطقن بفم
وخير ما فيه من فضل محبته ... للفضل فهي على الفضل المبين علم
الثوري: يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
ويروى عن علي رضي الله عنه: كان يقال: يغفر للجاهل سبعون ذنباً قيل أن يغفر للعالم ذنب واحد.
كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أديت علماً، فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب، فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.
ابن مسعود: جنة العالم أدري، فإذا أخطأها أصيبت مقاتله.
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملي أم تناهي فأقصرا
ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
عمر رضي الله عنه: ما من غاشية أدوم رتعاً وأبطأ شبعاً من عالم.
كان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس حرون؛ فإذا كان قائد بلا سائق بلدت، وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يميناً وشمالاً.
عنه عليه السلام: لا ينبغي لجاهل أن يسكت على جهله، ولا لعالم أن يسكت عن علمه.
ابن عباس: ذلك طالباً فعززت مطلوباً.
حكيم: إني لا أرحم أحداً كرحمتي لأحد رجلين: رجل يطلب العلم ولا يفهم، ورجل يفهم ولا يطلب.
ابن عبد الحكم: كنت عند مالك أقرأ عليه، فحضرت الظهر فقمت لأصلي، فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي كنت فيه إذا صحت النية.
قدم الثوري عسقلان، فمكث مدة لا يسأل، فقال: اكثروا لي أخرج، هذا بلد يموت فيه العلم.
حكيم: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني فليعمل أحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه.
النخعي: سل مسألة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس.
الحسن: من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سربالاً، فاقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه.
حكيم: كما تقلب الأرض السبخة طيب البذر إلى العفن كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها.
رأى عالم من يكتب عنه بعض ما يسمع، فقال: يا ابن أخي، اكتب كل ما تسمع، فإن أخسه خير من مكانه أبيض.
أبو نواس: أما أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره قرأ عليهم أساطير الأولين؛ وأما الأصمعي فبليل في قفص تطربهم نغماته.
كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب ويحدثهم لئلا ينسى حديثه.
أبو الدرداء: قال رسول الله: كيف أنت يا عويمر إذا قيل أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت قيل لك: فما عملت فيما علمت؟ وإن قلت جهلت قيل لك: فما كان عذرك فيما جهلت؟ عبد الملك بن صالح العباس:
في الناس قوم أضاعوا مجد أولهم ... ما في المكارم والتقوى لهم أرب
سوء التآدب أرداهم وأرذلهم ... وقد يزين صحيح المنصب الأدب

سأل رجل ابن عمر عن شيء فقال: لا علم لي به، ثم قال بعد ما ولي الرجل نعم ما قال ابن عمر! قال لما لا يعلم لا أعلم.
سفيان بن عيينة: كنت في حلقة رجل من ولد عبد الله بن عمر فسئل عن شيء فقال: لا أدري. فقال له يحيى بن سعيد: العجب منك كل العجب! تقول لا أدري وأنت ابن إمام هدى؟ فقال: أولا أخبرك بأعجب مني عند الله وعند من عقل عن الله: من قال بغير علم، أو حدث عن غير ثقة.
قال الهيثم بن جميل: شهدت مالك بن أنس، سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري.
وعن أبي سليمان بن بلال: شهدت القاسم بن محمد، والناس يسألونه، فقال: يا هؤلاء بعضم مسائلكم فإنا لا نعلم كل شيء.
وكان عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري، حتى يكون أصلاً منه في أيديهم، إذا سئل أحدهم عما لا يعلم قال: لا أدري.
أنس: رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه عليه السلام: العلماء أمناء الله على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، ويداخلوا الدنيا، فإذا خالطوا السلطان، وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم.
الحسن: قال رسول الله: لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالىء قراؤها أمراءها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يمن خيارها أشرارها؛ فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم بالفاقة والفقر.
الثوري: إذا رأيت القارىء يلوذ بالسلطان فاعلم بأنه لص، وإياك أن تخدع ويقال: يرد مظلمة، ويدفع عن مظلوم، فإن هذه خدعة إبليس اتخذها فجار القراء سلماً.
عيسى عليه السلام: مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم النهر، لا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع.
الأوزاعي: شكت النواويس ما تجد من نتن ريح الكفار، فأوحى الله إليها: بطون علماء السوء في أنتن مما أنتم فيه.
أبو الدرداء: ويل لمن لم يعلم مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات.
الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملاً.
سحنون: ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد، فيسأل عنه، فيقال إنه عند الأمير.
ابن المبارك كان يقول: الشرط خير من أصحابنا. قيل: يا أبا عبد الرحمن، وكيف ذاك؟ قال: الشرطي إذا كبر تاب، وهم إذا كبروا دخلوا عمل السلطان.
عمر بن أبي عمر النوقاني:
أبت نفسي الدنيا فأنفس ما لها ... كتاب أبي إلا إليه سكونها
أصون كتابي عن يد لا تصونه ... صيانة نفسي عن يد لا تصونها
أبو هارون العبدي: دخلت على أبي سعيد الخدري فقال: مرحباً بوصية رسول الله، قال: سيأتيكم قوم من بعدي يتفقهون في الدين، ويسألون عن حديثي، فاستوصوا بهم خيراً.
سأل المأمون من بحضرته عن المبايعين ليلة العقبة، فدخل أحمد بن أبي دؤاد، فعدهم واحداً واحداً، بأسمائهم وكناهم وأنسابهم، فقال المأمون: إذا استجلس الناس فاضلاً فمثل أحمد، فقال: إذا جالس العالم خليفة فمثل أمير المؤمنين الذي يفهم عنه ويكون أعلم بما يقوله منه.
علي رضي الله عنه: الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
الجاحظ: إن لاياد إسناداً يعجز عنه جميع البشر، فإن راوي كلامهم رسول الله صلى الله عليه. يعني قصة قس.
كان يقول يحيى بن الحسين الحسني في إسناد صحيفة الرضا: لو قرىء هذا الإسناد في أذن مجنون لأفاق.، علي رفعه: من أفتى الناس بغير علم لعنته السماء.
الغريبي الكوفي غلب عليه طلب الغريب فنسب إليه في مدح الكتاب:
إن كنت تقصدني بظلمك عامداً ... فحرمت نفع صداقة الكتاب
السابقين إلى الصديق ثرى الغنى ... والناعشين لعشرة الأصحاب
والناهضين بكل عبء مثقل ... والناطقين بفضل كل خطاب
والعاطفين على الصديق بفضلهم ... والطيبين روائح الأثواب
ولئن جحدتهم الثناء فطالما ... جحد العبيد تفضل الأرباب
أشد الصولي لعمرو بن سليمان الجرجاني:
صليني بالرسائل والسلام ... وزوري زورة في كل عام
وجودي بالكتاب وعنونيه ... إلى الصب الكئيب المستهام
من الشمس المنيرة يوم دجن ... وبدر لاح من بين الغمام
نطاحة:

وإذا نمنمت بناتك خطاً ... معرباً عن إصابة وسداد
عجب الناس من بياض معان ... يجتني من سواد ذاك المداد
علي رضي الله عنه، قال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: ألق دواتك وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور، وقرمط بين الحروف، فإن ذلك أجدر بصباحة الخط.
رافع بن مالك الحارثي:
أنى يعد بنو الحصين مكارماً ... إلا أقاول ما لها برهان
كان الأخفش سعيد بن مسعدة يعلم ولد المعذل بن غيلان العبدي فكتب إليه يستجفي ابنه:
أبلغ أبا عمرو حليف الندى ... بأن عبد الله لي جافي
قد أحكم الآداب طراً فما ... يجهل منها غير الطافي
لم تند من كفيه لي قطرة ... وليس ذا منه بإنصاف
فأجابه:
إن يجف عبد الله أو لم يجد ... يكفيك إنصافي والطافي
فقال:
ما بعد إنصافك لي غاية ... وبعض إنصافك لي كافي
صالح بن أبي حيان الطائي:
إني أمت إليك بالعلم الذي ... يقضي لديك بحرمتي وذمامي
وقرابة الأدباء يقصر دونها ... عند الكرام قرابة الأرحام
صالح بن حيان اللخمي:
تعلم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلة الحسناء عند التكلم
ولا خير ممن راح ليس بعالم ... بصير بما يأتي ولا متعلم
موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان:
لعزة العلم يسعى الطالبون له ... إليه والعلم لا يسعى إلى أحد
وكل من لايصون العلم يظلمه ... ومن يصنه بعدل يهد للرشد
عبد الله بن شبرمة الكوفي القاضي:
رأيت فقه رجال في قلانسهم ... وفي ثيابهم الفحشاء والريب
دخل عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي على المهدي في القراء فأخذ عشرة آلاف درهم، ثم دخل في الفقهاء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في الشعراء فأخذ عشرة آلاف، ثم دخل في القصاص فأخذ عشرة آلاف. فقال المهدي: لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك.
أبو عبيدة معمر بن المثنى في رجل كان يكسر عينه حياله، يوهمه أنه يعلم ما يقول:
يكلمني ويخلج حاجبيه ... لأحسب عنده علماً دفينا
وما يدري قبيلاً من دبير ... إذا قسم الذي يروي الظنونا
ابن المعتز في أبي العباس ثعلب:
يا فاتحاً لكل باب مغلق ... وصيرفياً ناقداً للمنطق
إن قال هذا بهرج لم ينفق ... إنا على البعاد والتفرق
لنلتقي بالذكر إن لم نلتق
قال الخضر لموسى عليهما السلام: يا موسى، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتعلمه، فيكون عليك بوره ولغيرك نوره. ثم اختفى الخضر وبقي موسى يبكي.
سفيان الثوري: إن فجار القراء اتخذوا سلماً إلى الدنيا، فقالوا: ندخل على الأمراء فنفرج عن المكروب، ونكلم في المحبوس.
قال أبو حنيفة رحمه الله لداود الطائي: يا أبا سليمان، أما الأداة فقد أحكمناها: قال داود: فأيش بقي؟ قال: العمل بها. فنازعته نفسه إلى الانفراد والعزلة والعبادة.
سفيان: ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت فيه النية يعني يريد به الله والدار الآخرة.
إنما يفتح للمؤدب بقدر المؤدبين.
مل جماعة من الحكماء مجالسة رجل، فتواروا عنه في بيت، فترقى السطح، وسمع عليهم من الكوة، حتى وقع عليه الثلج فصبر. فشكر الله له ذلك فجعله إمام الحكماء، لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه.
خرج علينا سفيان الثوري ونحن أحداث، فقال: يا معشر الشباب تعجلوا بركة هذا العلم، فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تأملون، ليفد بعضكم بعضاً.
قدم جعفر بن برمك مكة، فقيل لفضيل: لو أتيته فحدثته فقال: إني أجل حديث رسول الله أن أذكره عند جعفر.
سفيان: زينوا أنفسكم بالعلم ولا تزينوا به.
قال فضيل لطلبة الحديث: يا هؤلاء، عدوا إني كنت عبداً لكم، أما كنتم تبيعوني إذا كرهتكم؟ فقد كرهتكم.
كان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام فانصرف.

الأوزاعي: من عمل بما يعلم كان حقاً على الله أن يعلمه ما لا يعلم ويوفقه فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك الجنة. ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما لا يعلم، ولم يوفق فيما يعلم، حتى يستوجب بذلك النار.
قيس بن الربيع: ما أفسد هذا العلم إلا أنتم يا معشر الموالي والتجار كنا نجالس الشيخ فنسمع منه الحديثين والثلاثة والأربعة فنحفظها، وأنتم ترتحلون وتكتبون الحديث.
قيل للضحاك: مالك لا تأتي عمر بن عبد العزيز؟ قال: والله إني لأعرف أنه إمام عدل، ولكنه لا يلبث بين أظهركم إلا قليلاً، وأمراء بني أمية لا يعرفونني، فأكره أن آتيه فيشهرني فيتولع بي أمراء بني أمية بعده.
قال له رجل يوماً: ناولني الدواة، فقال له: أيش تكتب؟ فإن كان الله رضاً ناولتك الدواة، وإلا لم أكن بالذي يعينك ويشاركك في معصية الله.
كان متعلم يكثر السؤال على عالم. فقال: لا ترض من نفس أن ترغب في زيادة العلم مع نقصان العمل، وأراك قوياً في السؤال. فانظر أن لا تكون ضعيفاً في العمل فتكون من أسراء إبليس.
كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا عرفوا، فإذا عرفوا هربوا.
علي رضي الله عنه: لا تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك. وبلاغة قولك على من سددك.
وعنه رضي الله عنه: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع.
وعنه: حمل الكتاب على رأيه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كثير الجرائم، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول اعتزل البدع وبينها اضطجع، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب الهوى فيصد عنه. فذلك ميت الأحياء.
وصف أعرابي نفسه بالحفظ فقال: كنت كالرملة لا يقطر عليها شيء إلا شربته.
شكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ، فقال: استعينوا على الحفظ بترك المعاصي، فأنشأ يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك أن حفظ المرء فضل ... وفضل المرء لم يدركه عاصي
وكان وكيع يقول: ما خطوت للدنيا منذ أربعين سنة، ولا سمعت حديثاً فنسيته.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: لأني لم أسمع شيئاً إلا عملت به.
وحتف الكلمة الشرود مثل في الحفظ.
عن أبي يوسف: مات لي ابن فأمرت من يتولى دفنه، ولم أدع مجلس أبي حنيفة، خفت أن يفوتني يوم منه.
رأى أيوب السختياني صاحباً يبادر حاجة، فقال: قم فإني لو علمت أن أم نافع تحتاج إلى دستجة بقل ما قعدت معكم. أراد أن من حق حاضر مجلس العلم أن يكون فارغ البال قد قضى حوائجه.
مالك بن دينار: بلغنا أنه يكون في آخر الزمان رياح وظلم، فيفزع الناس إلى علمائهم، فيجدونهم قد مسخوا. وليس ذلك إلا العالم الذي يأكل الدنيا بعلمه. وأنشد:
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... وللمشتري دنياه بالدين أعجب
محمد بن بشير:
خلوت في البيت أرضى بالذي رضيت ... به المقادير لا شكوى ولا شغب
فرداً يحدثني الموتى وتنطق لي ... عن علم ما غاب عني عنهم الكتب
هم مؤنسون وألاف غنيت بهم ... فليس لي في أنيس غيرهم أرب
لله من جلساء إلا جليسهم ... ولا عشيرهم للشر مرتقب
لا بادرات الأذى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطق ذرب
أبقوا لنا حكماً تبقى منافعها ... أخرى الليالي على الأيام وانشعبوا
فأيما أدب منهم مددت يدي ... إليه فهو قريب من يدي كثب
إن شئت من محكم الآثار ترفعه ... إلى النبي ثقات خيرة نجب
أو شئت من عرب علماً بأولهم ... في الجاهلية أنبتني به العرب
حتى كأني قد شاهدت عصرهم ... وقد مضت دونهم من دهرهم حقب
عطاب بن أبي رباح: ما رأيت مجلساً أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقهاً، وأعظم جفنة، إن أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده يصدرهم كلهم في وادٍ واسع.
رأى ابن كثير قارىء المدينة رسول الله في المنام جالساً، والناس يسألونه، فقال: إني قد تركت تحت المنبر كنزاً، وقد أمرت مالكاً أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك.

محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري. وكان يقال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.
وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، ووضع تراجمه بين قبر رسول الله ومنبره، وكان يصلي لك ترجمة ركعتين، وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.
أبو حيان التوحيدي: لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تثق بالعلم ما دمت مقصراً بالعمل، لكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما فإنك إن وهبت للعمل كلك أقعدك وأكلك. وإن منحت العلم كلك حيرك وأضلك. وآفة العمل تعلقه بالرياء. وآفة العلم تعلقه بالكبرياء، الخير بين طرفيهما متربع.
من عرف ما خوف به سهل عليه الهرب مما نهي عنه.
سماع مرة فائدة، وسماع مرتين إفهام، فإن زال الفحص كان المستفيد أخا الجاهل. ومن حفظ علماً بغير تفهم فقد زرع جهلاً حصيده التعب.
كان سليمان بن عبد الملك يجمع جواريه ونسائه، ويحدثهن بضروب من العلم، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لا تدرين ما أقول ولكن أريد التحفظ.
قال مجاهد: أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلمه، فما برحنا حتى تعلمنا منه.
قيل لنصر بن سيار: إن فلاناً يكتب، فقال: تلك الزمانة الخفية.
قال علي رضي الله عنه للحسن: يا بني، جالس العلماء، فإن أصبت حمدوك، وإن جهلت علموك، وإن أخطأت لم يعنفوك. ولا تجالس السفهاء فإنهم خلاف ذلك.
جعفر بن محمد: على العالم إذا علم أن لا يعنف، وإذا علم أن لا يأنف.
الأوزاعي: كنا إذا جئناه، يعني عطاء، نهاب أن نسأله حتى يمس عارضيه أو يلتفت أو تنحنح، فندنوا منه حينئذ فنسأله.
الأعمش عن أبي وائل مثل قراء هذا الزمان كمثل غنم. ضوائن ذات صوف عجاف، أكلت من الحمض، وشربت من الماء حتى انتفخت خواصرها، غمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فحبس منها شاه فإذا هي لا تنقى، ثم، مس أخرى فإذا هي لا تنقى، ثم مس أخرى فإذا هي كذلك، فقال: كل لا خير فيه.
ابن عباس: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.
قيل للقمان: من أعلم الناس؟ فقال: من ازداد من علم الناس إلى علمه.
الشعبي: ما حدثوك عن أصحاب محمد فخذه، برأيهم ما قالوا قيل عليه.
عبد الملك بن عمير: من إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله.
قال علي رضي الله عنه: من يشتري علماً بدرهم؟ فقام الحارث الأعور، فاشترى صحفاً بدرهم، فكان يكتب فيها فقال علي: يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل.
لما قدم عمر مكة قال: يا أهل مكة هل تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟ وهب: أرض بالدون من الدنيا مع ال علم، ولا ترض بالدون من العلم مع الدنيا.
سئل ابن عمر عن فريضة فقال: ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالفرائض مني.
الليث: ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس.
حكيم: أمور الدين والدنيا تحت شيئين أحدهما تحت الآخر، وهما السيف والقلم، والسيف تحت القلم.
يزعم المنجمون أن القلم في حساب الجمل وزنه نفاع، لأن الألف واحد، واللام ثلاثون، والقاف مائة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فذلك مائتان وواحد. ونفاع: النون خمسون، والفاء ثمانون، الألف واحد، والعين سبعون، فذلك مائتان وواحد.
ذو الرياستين: الأدب عشرة أجزاء، ثلاثة أنوشروانية: لعب الشطرنج، والضرب بالعود، وضرب الصوالج. وثلاثة شهرجانية: الهندسة، والطب، والنجوم. وثلاثة عربية: النحو، والشعر، وأيام العرب. وواحدة فاقتهن كلهن مقطعات الشعر والسمر.
إذا سئل العالم فلم يحب أن يقال أنت، فإن ذلك خفة واستخفاف بالسائل والمسؤول.
كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يكره أن يكتب بسم الله بغير سين وإذا رآها بغير سين محاها.
وكتب كاتب عمرو بن العاص إلى عمر ولم يكتب لها سيناً، فضربه، فقيل له فيم ضربك عمر؟ قال: ضربني في سين.
وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز من مصر كتاباً بغير سين، أمره بالقدوم عليه، ودفع إليه كتابه وقال: اجعل لبسم سيناً وارجع إلى مصرك.
جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه: إذا كتب أحدكم كتاباً فليتربه فإن التراب مبارك، وهو أنجح للحاجة.

وروي عنه عليه السلام أنه كتب كتابين، فأترب أحدهما ولم يترب الآخر، فأسلمت القرية التي ترب كتابها.
وكتب إلى النجاشي فاترب كتابه فأسلم، وكتب إلى كسرى فلم يترب كتابه فلم يسلم.
وكتب رسول الله كتاباً لأكيدر دومة فلم يكن له يومئذ خاتم فختمه بظفره.
كانت فارس تشعث أسنان أقلامها ثم تكتب بها، والصين أقلامهم أنابيب قد شدت على رؤوسها شعيرات كالتي يستعملها النقاشون.
اعلم أن وزن الخط وزن القراءة، وأجود القراءة أبينها، وأجود الخط أبينه.
من خدم المحابر خدمته المنابر.
أبو الحسن الأحمر: ربما أنسيت البيت الذي يستشهد به في النحو، فينشد فيه محمد الأمين. وما رأيت في الملوك أذكى منه ومن المأمون.
كان مع المعتصم غلام في الكتاب يتعلم معه، فمات، فقال له الرشيد: يا محمد مات غلامك؟ قال: نعم، واستراح من الكتاب. قال: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ قال: نعم. قال دعوه لا تعلموه شيئاً. فكان يكتب كتاباً ضعيفاً ويقرأ قراءة ضعيفة.

باب
الغزو، والقتل، والشهادة، وذكر الحرب
والأسلحة، والهزيمة، والغارة، والشجاعة، والجبن، وما أشبه ذلك أبو هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته، بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة.
وعنه يرفعه: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء.
وعنه يرفعه: من خير معاش الناس رجل يمسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة طار عليه يبتغي القتل والموت فناله؛ أو رجل في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، يعبد ربه حتى يؤتيه اليقين.
كتب أبو بكر رضي الله عنه: اعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك وتربأك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة. ولا تغسل الشهداء من دمائهم، فإن دم الشهيد يكون نوراً يوم القيامة.
عمر رضي الله عنه: لا تزالون أصحاء ما نزعتم ونزوتم وكان إذا رأى عمرو بن معد يكرب قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً.
العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئي ... رويداً فقد أودى بنجدتها عمرو
سئل المهلب عن أشجع الناس فقال: فلان وفلان، فقيل: فأين ابن الزبير، ابن خازم السلمي؟ فقال: إنما سئلت عن الانس ولم أسأل عن الجن.
الأجدع الهمداني أبو مسروق:
لقد علمت نسوان همدان أنني ... لهن غداة الروع غير خذول
وأبذل في الهيجاء وجهي وإنني ... له في سوى الهيجاء غير بذول
وصف أعرابي قوماً فقال: طالت خصومتهم أطراف الرماح.
رأى عبد الرحمن بن سليم الكلبي بنيه راكبوا عن آخرهم فقال: آنس الله بتلاحقكم الإسلام. فوالله لئن لم تكونوا أسباط نبوة إنكم لأسباط ملحمة.
ذكر أعرابي مغاورين فقال: احتثوا كل جمالية عوانة، فما زالوا يخصفون أخفاف المطي بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المران أرشية الموت فاستقو به أرواحهم.
وقال آخر: تلاقوا في الحرب فما تصافوا حتى تلافوا.
بعض الخوارج:
ومن يخش أظفار المنايا فإننا ... لبسنا لهن السابغات من الصبر
وإن كريه الموت عذب مذاقه ... إذا ما مزجناه بطيب من الذكر
حض منصور بن عمار على الغزو، فطوحت امرأة رقعة فيها: رأيتك يابن عمار تحض على الجهاد، وقد ألقيت إليك ذؤابتي، فلست أملك والله غيرها، فبالله إلا جعلتها قيد فرس غاز في سبيل الله، فعسى الله أن يرحمني. فارتج المجلس بالبكاء.
قال سيف بن ذي يزن لأنوشروان، حين أعانه بوهرز الديلمي ومن معه: أيها الملك، أين تقع ثلاثة آلاف من خمسين ألفاً؟ فقال: يا عربي، كثير الحطب يكفيه قليل النار.
ابن الرومي:
يشيعه قلب رواع وصارم ... صقيل بعيد عهده بالصايل
تشيم بروق الموت في صفحاته ... وفي حده مصداق تلك المخايل
وقع في بعض العساكر هيج، فوثب خراساني إلى دابته ليلجمها، فصير اللجام في الذنب من الدهش، فقال: هب جبهتك عرضت، ناصيتك كيف طالت؟

كان الجراح بن عبد الله يلبس درعين، فأكثر رجل النظر إليه، فقال؛ يا هذا، ما أقي والله بدني وإنما أقي صبري. فسمع بذلك سعد بن عمر الحرشي، وكان من فرسان الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه.
داود بن رزين الواسطي في الرشيد:
أكال أفئدة الرجال كأنما ... نضح الدماء بمساعديه عبير
يمشي العرضنة في الحروب كأنه ... أسد لهيبته القلوب تطير
النبي صلى الله عليه: الخير في السيف، والخير مع السيف، والخير السيف.
صمصامة عمرو أشهر سيوف العرب، وممن تمثل به نهشل بن حري.
أخ ماجد ما خانني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
ولما وهبه عمرو لخالد بن سعيد بن العاص عامل رسول الله على اليمن قال:
خليلي لم أخنه ولم يخني ... إذا ما صاب أوساط العظام
خليلي لم أهبه من قلاه ... ولكن المواهب للكرام
حبوت به كريماً من قريش ... فسر به وصين عن اللئام
وودعت الصفي صفي نفسي ... على الصمصام أضعاف السلام
فلم يزل في آل سعيد حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال خطير لهشام، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل عند بني مروان. ثم طلبه السفاح والمنصور فلم يجدوه. فجد الهادي في طلبه حتى ظفر به. فجرده ودعا بمكتل من الدنانير، وأمر الشعراء أن يصفوه ففعلوا فلم يقع منه إلا قول أبي الهول الحميري:
حاز صمصامة الزبيدي من بي ... ن جميع الأنام موسى الأمين
سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أطبقت عليه الجفون
فقال الهادي: السيف لك والمكتل لك، فأخذهما وفرق الدنانير على الشعراء، وقال: دخلتم معي وأخرجتم من أجلي، ولي في السيف عوض. وهو القائل فيه:
حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول
وكان على الصمصامة مكتوباً:
ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان في يمين يمان
كان لأبي حية النميري سيف ليس بينه وبين العصا فرق، وكان يسميه لعاب المنية. فحكى جار له قال: أشرفت عليه ذات ليلة وقد اقتضاه، وفي بيته كلب ظنه لصاً، وهو يقول: أيها المغتر بنا، والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وشر طويل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك، لا أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيساً تملأ الفضاء خيلاً ورجالاً، يا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها؟! ثم فتح الباب فإذا كلب! فقال: الحمد الله الذي مسخك كلباً وكفاناً حرباً.
منفعة بن مالك الضبي:
كفاني من الدنيا دلاص حصينة ... وأجرد خوار العنان نجيب
أقاتل عن ديني عليه وأتقي ... عدوي وأدعى للندى فأجيب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار القرار نصيب
ذكر للمتوكل سيف من سيوف حمير، فطلب باليمن، ثم بالمغرب ثم بسائر البلاد حتى ظفر به بالبصرة، فشرى بثلاثين ألف درهم. فأبصره فهزه فأعجب به إعجاباً شديداً، ودعا بجزور فقدها به؛ فوضعه تحت فراشه، ثم قال لبغا: انظر لي تركياً أيداً شجاعاً يتقلده، فدفع إلى باعر. وقيل له: تقلده لا يفارقنك فيكون حاضرك متى طلبته منك. فبذلك السيف قتله.
ابن الرومي:
لم أر شيئاً حاضراً نفعه ... للمرء كالدرهم والسيف
يقضي له الدرهم حاجاته ... والسيف يحميه من الحيف
علي رضي الله عنه لابن الحنفية حين أعطاه الراية: تزول الجبال ولا تزول. عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك ارم ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله.
خوف عليه السلام بالغيلة فقال: إن علي من الله جنة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ لا يطيش السهم، ولا يبرؤ الكلم.
وعنه: ولقد كنا مع رسول الله نقتل آباءنا وأبناءنا، وإخواننا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم وجداً في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا.

فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه، ومتبوءاً أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضر للإيمان عود. وايم الله لتحتلبنها دماً ولتتبعنها ندماً.
الحريش بن هلال القريعي:
لبدى فراشي إذا ما آنسوا فزعاً ... وتحت رأسي إذا ما نوموا حجر
وفي يميني خشيب ما يفارقني ... عضب مهزته ذو رونق ذكر
بزي الحديد ويحميني إذا هجمت ... عني العيون جواد قارح ذكر
بذاك أشهد يوم الروع إذ شجرت ... بسل الكماة وضاق الورد والصدر
أبو مسلم صاحب الدعوة: أشد الناس قتالاً ممتعض من ذلة، أو محم على ملة، أو غيور على طلة.
الإسكندر: أحل للشمس والريح بأن يكونا لك ولا يكونا عليك حبب إلى عدوك الفرار بأن لا تتبعهم إذا انهزموا.
أفراسياب إلى أخيه كرسون: يا أخي، إن الشجاع محبب حتى إلى عدوه، والجبان مبغض حتى إلى أمه.
لما أقبل كسرى هرمز لمحاربة بهرام قال له حاجبه: أما تستعد؟ قال: عدتي ثبات قلبي، وأصالة رأيي، ونصل سيفي، ونصرة خالقي.
كان ذو الفقار عند أولاد علي رضي الله عنه يتوارثونه حتى وقع إلى بني العباس. قال الأصمعي: رأيت هارون متقلداً سيفاً، فقال: يا أصمعي، ألا أريك ذا الفقار؟ اسلل سيفي هذا: فأستلله، فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة. قال المبرد في كتاب الاشتقاق: كانت فيه حزوز مطمئنة شبهت بفقار الظهر، وهو سيف منبه بن الحجاج، وكان صفير رسول الله في غزوة بني المصطلق.
أنشد الأصمعي لعبد الله بن الحسن بن موسى العلوي:
إذا اللئيم مط حاجبيه ... وذب عن حريم درهميه
فزنه وزن والديه ... وارتحل السيف بشفرتيه
واستنزل الرزق بمضربيه ... إن قعد الدهر فقم إليه
أوصى عبد الملك بن صالح أمير السرية فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيس، إن وجد ربحاً اتجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد خوفاً من احتيال عدوك عليك.
قال أعرابي لابنه: يا بني، كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، ولكن إياك والسيف فإنه ظل الموت، واتق الرمح فإنه رشاء المنية. واحذر السهام فإنها رسل الهلاك. قال: فبم أقاتل؟ قال:
جلاميد أملاء الأكف كأنها ... رؤوس رجال حلقت بالمواسم
النبي صلى الله عليه: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.
علي رضي الله عنه: بفية السيف أنمى عدداً، وأكثر ولداً. وعوين ذلك في ولد علي، وولد المهلب: فقد قتل مع الحسين عامة أهل بيته، ولم ينج إلا ابنه علي لصغره، فأخرج الله من صلبه الكثير الطيب. وقتل يزيد بن المهلب وإخوته وذراريهم، ثم مكث من بقي منهم نيفاً وعشرين سنة لا يولد فيهم أنثى ولا يموت منهم غلام.
كخسرو: أعظم الخطأ محاربة من يطلب الصلح.
أنوشروان: الفرار في وقته ظفر.
كتب عمران بن حطان إلى الحجاج:
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربداء تفزع من صفي الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
ملأت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مسالحه كأمس الدابر
غزالة الحرورية امرأة شبيب: بعض العرب: ما لفينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب إلا أوصى بعضنا إلى بعض.
أعرابي: ألحاظهم سهام، وألفاظهم سمام.
عرض عمرو بن الليث عسكره، فمر به رجل على فرس أعجف فقال: لعن الله هؤلاء، يأخذون المال ويسمنون به أكفال نسائهم؛ فقال: أيها الأمير، لو نظرت إلى كفل امرأتي لرأيته أهزل من كفل دابتي، فضحك وأمر له بمال وقال سمن بهذا كفلي دابتك وامرأتك.
وقيل لعباد بن الحصين وكان من أشجع الناس: في أي جنة تحب أن تلقى عدوك؟ فقال: في أجل مستأخر.
اصطفوا كجناح العقاب الكاسر، وشدوا شدة الضيغم الخدر فما ثنوا أعنتهم، ولا كفوا أسنتهم حتى هزموا القوم.
أرقلوا إلى الموت إرقال الجمال المصاعب، وتقضوا على العدو انقضاض رجوم الكواكب.
جعلوا أرشيتهم الرماح، فاستقوا بها الأرواح.
ضرب تعضب منه الهامات على الأجساد.
نهار بن توسعة:

قدمت صدر السيف ثم تبعته ... كالفجر مد عموده المنجابا
في مظلم الأرجاء يؤنسني به ... ماض وقلب لم يكن وجابا
علي رضي الله عنه في صفين: معاشر: المسلمين، استشعروا الخشية، وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجذ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأكملوا اللامة، وقلقلوا السيوف في الأغماد قبل سلها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطأ، واعلموا أنكم بعين الله، ومع ابن عم رسول الله، فعاودوا الكر، واستحيوا من الفر، فإنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفساً، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً. وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب، فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان كامن في كسره، قد قدم للوثبة يداً، وأخر للنكوص رجلاً، فصمدا صمداً حتى يتجلى لكم عمود الحق وأنتم الأعلون، والله معكم، ولن يتركم أعمالكم.
وعنه لمعاوية: وقد دعوت للحرب، فدع الناس جانباً واخرج إلي، ليعلم أينا المرين على قلبه، والمغطى على بصره، فأنا أبو حسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخاً يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي.
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في أخيه النفس الزكية حين قتل:
سأبكيك بالبيض الرقاب وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
وإنا لقوم ما تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهرا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها ما من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... تلبه في قطري كتائبها الجمرا
كان يقال عمر رضي الله عنه مفتاح الأمصار، لأنه الذي فتح أكثرها.
أعرابي: ما ظنكم بسيوف الله في أيدي أوليائه؟ وقد نصرهم من سمائه، وسلطهم على أعدائه.
إذا صافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها، فرب يوم عارم قد أحسنوا أدبه.
خرج يزيد بن عبد الملك من بعض مقاصيره وعليه درع، وذلك في أيام قتال يزيد بن المهلب فأنشده مسلمة قول الحطيئة:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو بانت بأطهار
فقال يزيد: إنما ذاك إذا حاربنا أكفاءنا، أما مثل هذا المزوني فلا فقبل مسلمة بين عينيه.
أعطى رسول الله عليه عبد الله بن جحش يوم أحد عسيباً من نخل، فرجع في يده سيفاً.
استطال علي رضي الله عنه درعاً، فقال: لينقص منها كذا حلقة، فقبض محمد بن الحنفية بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثم جذبها، فقطعها من الموضع الذي حده له أبوه.
ملكت الفرس بعد يزدجرد رجلاً ليس من آل ساسان، لما رأوا من ظلم يزدجرد وعسفه، فنهد بهرام جور وكان في حجر النعمان بن المنذر ملك الحيرة، لأن أباه يزدجرد سلمه إليه ليأخذ لغات العرب وأخبارها وآدابها لطلب المملكة، وقال: اعمدوا إلى أسدين جائعين فاطرحوا بينهما التاج، فمن أخذه فهو الملك. ففعلوا، فدنا منهما فأهويا نحوه، فأخذ برأس أحدهما فأدناه من رأس الآخر، ثم نطحه به، فقتلهما جميعاًن وشد على التاج فأخذه ووضعه على رأسه، فملكته الفرس.
أم الحباب بنت عاتكة الكلابية:
إذا فزعوا طاروا إلى كل شطبة ... تكاد إذا صل اللجام تطير
وزغف مثناة دلاص كأنها ... إذا شرجت فوق الكمي غدير
كعب بن مالك:
إذا ما نحن أشرجنا علينا ... جياد الجدل في اللزب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر ... كريم غير معتلث الزناد
أعرابي: يقتحمون الحرب حتى كأنما يلقونها بأنفس أعدائهم.
علي رضي الله عنه: يا قنبر، لا تعر فراس أي: لا تسليم قتلاي من البغاة.
لا يخطىء في رميته كما لا يخطىء في رؤيته، افترسه فافترشه.
لبعض أهل اليمامة في وصف رماة الفرس: ينزعون في قسي كأنها العتل، تثط إحداهن أطيط الزرنوق، يمغط أحدهم فيها حتى يتفرى شعر إبطيه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع، فما بين أحدكم وبين أن تنطح عينه، أو تصدع قلبه منزلة.
ابن الرومي يصف الترك:
لهم عدة تكفيهم كل عدة ... بنات الحنايا والقسي الموتر
بريد ببنات الحنايا النشاب.
محرز الكاتب:
لله در عصابة تركية ... دافعوا نوائب دهرهم بالسيف

قتلوا الخليفة جعفر في ملكه ... وكسوا جميع الناس ثوب الخوف
أنشدهما بنا بعد قتل المستعين فأجازه بعشرة آلاف ووصيفة وضيئة كانت قائمة على رأسه.
لم يكن في العجم أرمى من بهرام جور. تصيد وهو مردف حظية له يتعشقها، فعرضت له ظباء، فقال: أين تريدين أن أضع السهم؟ فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث؛ وإناثها بالذكران، فرمى ظبياً ذكر بنشابة ذات شعبتين، فاقتلع قرنيه؛ ورمى ظبية بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين. ثم سألته أن يجمع ظلف الظبي وأذنه بنشابة، فرمى أصل الأذن ببندقة، فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رمه بنشابة، فوصل أذنه بظلفه. ثم رمى الجارية إلى الأرض وقال: لشد ما اشتططت علي وأردت إظهار عجزي.
أتى سليمان بن عبد الملك بأسارى، فأمر الفرزدق بضرب عنق أحدهم، فضرب فنبا سيفه، وكلح الأسير في وجهه، فارتاع، وضحك سليمان والقوم. فهجاه جرير بذلك. فقال في الاعتذار.
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر
لم ينب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفساً قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
لما اعتل خالد بن الوليد جعل يقول: لقيت كذا وكذا زحفاً، فما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنذا أموت على فرشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت عيون الجبناء.
ولما ارتفعت الأصوات عليه أنكرها بعض الناس، فقال عمر: دع نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان، ويذرين من دموعهن سجلاً أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقه.
غزا عمرو بن عتبة بن فرقد، فحاصروا بلداً، فخرج وعليه جبة جديدة بيضاء، فقال لأبيه أي شيء أحسن فوق هذه؟ فقال: مطرف من الخز؛ فقال: ما شيء أحسن فوقها في نفسي من دم ينحدر عليها. ثم اعتزل الصف، فقام فصلى، فجعل يدعو؛ فقال أبوه: هذا عمرو يستشفع علي بربه؛ ثم قال: اركب يا بني إن شئت. فركب واستشهد، وتحدر الدم على جبته.
النبي صلى الله عليه: ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف الليل من خشيته.
عبد الله بن رواحة حين خرج إلى مؤتة، وقيل له: نسأل الله أن يردك سالماً:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة بات فرغ تنضح الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا
أنس: قال رسول الله حين انتهينا إلى خيبر: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
وعنه: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.
ابن مسعود رفعه: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.
أنس: عنه عليه السلام أنه قال يوم بدر: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض! قال: نعم قال: بخ بخ. قال: فاخترج تمرات من قرابه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بما معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل.
سمع رجل عبد الله بن قيس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الجنة تحت ظلال السيوف. فقال: يا أبا موسى أأنت سمعت رسول الله يقوله؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل.
قرىء على سيف:
إذا كنت في كف الفتى ثم لم يكن ... على الهول مقداماً فقامت نوادبه
بكر بن النطاح في أبي دلف:
قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللقاء ولا نراه جليلا
لا تعجبوا لو كان طول قناته ... ميلاً إذاً نظم الفوارس ميلا

أنس بن النضر عم أنس بن مالك لم يشهد يوم بدر، فلم يؤل متحسراً يقول: أول مشهد شهده رسول الله غبت عنه إن أراني الله مشهداً ليرني ما أصنع. فلما كان يوم أحد قال: واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل. فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قالت أخته الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه.
أبو مالك الأشعري: من فصل في سبيل الله فمات، أو قتل، أو وقعه فرسه أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد، وإن له الجنة.
فضالة بن عبيد رفعه: كل الميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى له إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر.
أبو أمامة رفعه: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة حفير من نفاق.
أنس رفعه: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
زيد بن علي رضي الله عنه:
السيف يعرف عزمي عند هبته ... والرمح بي خبر والله لي وزر
إنا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر
جرى بين زيد بن علي وهشام بن عبد الملك كلام موحش، فقام زيد وه ويقول: من استشعر حب البقاء استكثر الذل إلى الفناء.
فلما خرج يحيى بن زيد أنشأ يقول:
يا ابن زيد أليس قد قال زيد ... من أحب الحياة عاش ذليلا
كن كزيد فأنت مهجة زيد ... تتخذ في الجنان ظلاً ظليلا
خالد بن الوليد سيف الله حين رأى بني حنيفة قد سلوا السيوف:
لا يرعبونا بالسيوف المبرقة ... إن السهام بالردى مفوقة
والحرب ورهاء العقال مطلقة ... وخالد من دينه على ثقة
عقبة بن عامر الجهني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو على المنبر يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي.
وعنه: سمعت رسول الله يقول: إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر جنته صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به، ومنبله فارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا.
ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة كفرها.
وعنه: سمعت رسول الله يقول: ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه.
عن فقيم اللخمي أنه قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال: لولا كلام سمعته من رسول الله لم أعانه، من علم الرمي ثم تركه فليس منا.
عبد الله بن طاهر:
يبيت ضجيعي السيف طوراً وتارة ... تعض بهامات الرجال مضاربه
أخو ثقة أرضاه في الحرب صاحباً ... وفوق رضاه أنني أنا صاحبه
وليس أخو العلياء إلا فتى له ... بها كلف ما تستقر ركائبه
عبيد الله بن عمر بن الخطاب.
إذا كان سيفي ذو الوشاح وموكبي ... اللطيم فلا يطلل دم أنا صاحبه
ذو الوشاح سيف ورثه عن أبيه.
سهل بن حنيف رفعه: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: إن في المدينة رجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم المرض.
أبو موسى: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فذلك في سبيل الله.
عبد الله بن عمر رفعه: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث. وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم.
أبو جهم بن حذيفة بن غانم من مشيخة قريش المعمرين، بنى في الكعبة مرتين، مرة حين بنتها قريش، ومرة حين بناها ابن الزبير:
أن كان عثمان أصيب وحوله ... إخوانه وجماعة الأنصار
إن الذي جاءوا لأمر مستكل ... لا تجتليه نوافذ الأبصار
سبحان من قدر الأمور بعلمه ... قتل الإمام وصحبه في الدار
وأبى الذين هم صحاب محمد ... أن يمنعوه ويا له من عار

اعترض يزيد بن معاوية الناس، فمر به رجل معه ترس قبيح، فقال: يا أخا أهل الشام، مجن ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك، يريد قوله:
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعر
استعرض الإسكندر جنده، فتقدم إليه رجل على فرس أعرج فأمر بإسقاطه، فضحك الرجل، فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له: ما أضحكك وقد أسقطتك؟ قال: التعجب منك. قال: كيف؟ قال: تحتك آلة الهرب، وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني؟ فأعجب بقوله وما أسقطه.
قسم معن بن زائدة سلاحاً في جيشه، فدفع إلى رجل سيفاً رديئاً، فقال: أصلح الله تعالى الأمير، أعطني غيره، قال: خذه فإنه مأمور، قال هو مما أمر أن لا يقطع أبداً. فضحك وأعطاه غيره.
عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلا كألف فتى مقدامة بطل
راحت مزاودهم مملوءة أملاً ... ففرغوها وأوكوها من الأجل
قيل لعتيبة المدني: ألا تغزو؟ قال: والله إني لأكرم الموت على فراشي، فكيف أنتجعه؟ يقال للجبان: جثم الموت على أحشائه، وطارت عصافير رأسه، إن أحسن نبأة طار فؤاده، وإن طنت بعوضة طال سهاده، يفزعه صرين باب وطنين ذباب.
إن نظرت إليه شزراً غشي عليه شهراً، يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح. يفر فرار الليل من وضح النهار.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع.
أحمد بن أبي فن:
مالي ومالك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلاً ... أمسى وأصبح مشتاقاً إلى التلف
تسعى المنون إلى غيري فاحذرها ... فكيف أغدو إليها عاري الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أم خلت قلبي في جنبي أبي دلف
فبلغت أبياته أبا دلف، فأمر له بعشرة آلاف.
أمر روح بن حاتم المهلبي أبا دلامة بالقتال، فقال:
إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال لتخزى بي بنو أسد
إن الدنو من الأعداء تعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد
إن المهلب حب الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد
آخر:
حاذر على الرأس الذي فيه الشعر ... ليس بكراث إذا جز وفر
استماح رجل أبا دلف وانتسب إليه، فقال: أتستميح وجدك القائل:
ومن يفتقر منا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر الناس يسأل
وإنا لنلهو بالسيوف كما لهت ... فتاة بعقد أو سخاب قرنفل
فخرج الرجل وجرد سيفه، واستقبله وكيل لأبي دلف معه مال، فاستلبه وقتله. فبلغ الخبر أبا دلف فقال: دعوه فإني علمته.
لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين رضي الله عنه ولعن قاتله، قال أعرابي: انظروا إلى ابن دعيها كيف قتل ابن نبيها؟ عمر بن عبد العزيز: لو كنت في قتلة الحسين وقيل لي ادخل الجنة لما فعلت، حياءاً أن تقع علي عين محمد عليه السلام.
جزعت عائشة حين احتضرت، فقيل لها، فقالت: اعترض في حلقي يوم الجمل.
قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ فقال: لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
فروة بن نوفل الأشجعي وكان رئيس الخوارج:
ما إن نبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأجساد وأبشار
لقد علمت وخير العلم أنفعه ... أن السعيد الذي ينجو من النار
لما أسرف داود بن علي في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا ابن عم، إذا أسرفت في القتل لأكفائك فمن نباهي بسلطانك؟ بريدة رفعه: لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وعنه عليه السلام: من هدم بنيان الله فهو ملعون.
كان أبو العباس السفاح يقرب سليمان بن هشام بن عبد الملك وابنيه، ويسايرهما، فلما أنشده سديف مولاه الشعر الذي أوله:
أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبهاليل من بني العباس
أمر أبا الجهم الحرسي بضرب أعناقهم، فقال له سليمان: قدم ابني حتى احتسبهما، فضرب أعناقهما ثم ضرب عنقه.
لما جاء نعي الحسين رضي الله عنه وسخط على قاتله المدينة خرجت بنت عقيل بن أبي طالب وحفدتها يقولون:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
قال أبو زكار المغني: كنت عند جعفر بن يحيى فسألني أن أترنم بقوله:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الدهر يطرق أو يغادي
ولو فديت من حذر المنايا ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فما تم الصوت حتى دخل مسرور، فقال له: ما شأنك؟ قال: أمرت بضرب عنقك. قال جعفر: أشهد الله الذي لا إله إلا هو، وأشهدك يا أبا زكار، وإياك يا مسرور أن كل مملوك لي حر، وكل مالي صدقة، وكل من كان لي قبله حق أو وديعة فهو في حل، امض لما أمرت به، فأخذ رأسه ومضى.
قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلا، ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس اسطوانة.
كتب عبد الملك إلى الحجاج يعزم عليه أن يبعث برأس عباد بن أسلم البكري إليه، فقال: أيها الأمير، إني لأعول أربعاً وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري، فرق له واستحضرهن، فإذا واحدة كالبدر فقال: ما أنت منه؟ قالت: بنته فاسمع يا حجاج:
أحجاج إما أن تجود بنعمة ... علينا وإما أن تقتلنا معاً
أحجاج لا تفجع به إن قتلته ... ثمانٍ وعشراً واثنتين وأربعاً
أحجاج لا تترك عليه بناته ... وخالاته يندبنه الليل أجمعا
فبكى واستوهبه، وكتب له في العطاء.
عبد الله بن عمرو عنه عليه السلام: زوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم مسلم.
قيل لأبي مسلم صاحب الدعوة: في بعض الكتب النازلة: من قتل بالسيف فبالسيف يموت. فقال: الموت بالسيف أحب إلي من اختلاف الأطباء، والنظر في الماء، ومقاساة الداء والدواء، فذكر ذلك للمنصور فقال: صادف منيته كما أحب.
الأخيطل في مصلوب:
كأنه عاشق قد مد صفحته ... يوم الفراق إلى توديع مرتحل
أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتمطيه من الكسل
لما ذهب بهدبة بن الخشرم ليقتل انقطع قبال نعله فجلس يصلحه فقيل له: أو تصلحه وأنت على ما أنت؟ فقال:
أشد قبال نعلي أن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا
قتل مصعب نابي بن زياد بن ظبيان، فنذر أخوه عبيد الله بن زياد بن ظبيان الفتاك ليقتلن به مائة من قريش، فقتل ثمانين منهم، ثم قتل مصعباً وجاء برأسه إلى عبد الملك، فسجد شكراً لله، فأراد أن يفتك به وهو ساجد، فارتدع، ثم ندم وقال:
يرى مصعب أني تناسيت نابياً ... وبئس لعمرو والله ما ظن مصعب
فوالله لا أنساه ما ذر شارق ... وما لاح في داج من الليل كوكب
وثبت عليه ظالماً فقتلته ... فقصرك منه يوم شر عصبصب
قتلت به من حي فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشئون وشيب
وكفي لهم رهن بعشرين أو ترى ... علي مع الإصباح نوح مسلب
أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبب
وله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي.
أبا مطر شلت يمين علوتها ... بسيفك رأس ابن الحواري مصعب
كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك: يوم كله لطلحة. وذلك أنه ثبت مع رسول الله حين تفرق عنه أصحابه، فأصيبت يده فشلت، وكان يقي بها وجه رسول الله، وأصابته بضع وسبعون من طعنة وضربة ورمية.
قيس بن أبي حازم: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: إني لأول العرب رمى بسهم في الله.
أسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يوم الفتح وحسن إسلامه وقال:
لعمري إني يوم أحمل راية ... لغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أواني حين أهدي وأهتدي
هداني هاد غير نفسي وقادني ... إلى الله من طردت كل مطرد
فقال له النبي صلى الله عليه: أنت طردتني؟ فقال: أستغفر الله.
كان يقول عروة بن الزبير: كان علي أتقى لله من أن يعين في قتل عثمان، وكان عثمان أتقى لله من أن يعين في قتله علي.

لما توجه رسول الله عليه السلام إلى تبوك جاء أبو خيثمة، وكانت له امرأتان، وقد أعدت له كلتاهما من طيب ثمر بستانه، ومهدت له في ظل، فقال: ظل ممدود، وثمرة طيبة، وامرأة حسناء، وماء بارد، ورسول الله في الضح والريح؟ ما هذا بخير. فركب ومضى في أثره، فلما لاح لرسول الله شبحه قال: اللهم اجعله أبا خيثمة.
ولي أعرابي اليمن فجمع اليهود والنصارى فقال: ما تقولان في عيسى، قتلناه وصلبناه؛ قال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
خريم بن أوس: هاجرت إلى رسول الله منصرفه من تبوك، وسمعته يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت بقيلة على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود. فقلت: يا رسول الله، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها بما تصف فهي لي؟ فقال: هي لك. ثم كانت الردة فدخلناها فكان أول من لقينا الشيماء كما قال رسول الله على بغلة شهباء، معتجرة بخمار أسود، فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله. فدعا خالد بالبينة، فشهد لي محمد بن مسلمة ومحمد بن بشير الأنصاري، فدفعها إلي. وجاء أخوها عبد المسيح فقال لي: بعنيها. فقلت: لا أنقصها من عشر مئات شيئاً، فأعطاني ألف درهم، فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن عدداً أكثر من عشر مئات.
قيل لسقراط: لم لم تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه؟ قال: لم أعلم أن هذا شيء يكون.
فيلسوف: لا تصغر أمر من حاربت، فإنك إذا ظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر.
عمرو بن حلزة أخو الحارث بن حلزة:
لا تكن محتقراً شأن امرىء ... ربما كانت من الشأن شؤون
الصاحب: علموا أن القراع لا يثمر إلا قراع صفاتهم، والنزاع لا ينتج إلا نزع شواتهم.
ابن الرومي:
الموت إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
المهلبي الوزير في غلام لمعز الدولة جعله رئيس سرية:
ظبي يرف الماء في ... وجناته ويرق عوده
ويكاد من شبه العذا ... رى فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره ... سيفاً ومنطقة تؤده
جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده
علي رضي الله عنه: إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه لا شيء أدعى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حلها. والله سبحانه مبتدىء بالحكم وإن العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله.
وعنه: إن أكرم الموت القتل، والذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من ميتة على فراش.
اسلم قرة بن الباقرة الجذامي وأهدى لرسول الله صلى الله عليه بغلة فأمر الحارث بن أبي شمر الغساني بصلبه فقال:
من مبلغ الحسناء أن خليلها ... على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل
قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بعد قتل أخيه عبد الله، فطلب منه سيف الزبير وقال: اردده علي، فإنه السيف الذي أعطاه رسول الله يوم حنين. فقال له عبد الملك أو تعرفه؟ قال: نعم، قال: بماذا قال: بما لا يعرف به سيف أبيك، أعرفه بقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
فأعطاه إياه.
حسان:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
كان مع المشركين يوم بدر ففر، وأسلم يوم الفتح، وخرج إلى الشام في أيام عمر بأهله وماله، وتبعه أهل مكة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، وارتفع ضجيجهم بالبكاء، وبكى ثم قال: أما إن كنا نستبدل داراً بداراً وجاراً بجار، ما أردنا بكم بدلاً، ولكنها النقلة إلى الله. فلم يزل حابساً نفسه بالشام حتى ختم الله له بخير.

وكان سبب نقلته أنه وسهيل بن عمرو دخلا على عمر فقعدا عنده وهو بينهما، فجعل المهاجرون والأنصار يدخلون، فيؤخرهما عمر ويقدمهم، حتى صارا في الأخريات. فقال الحارث لسهيل: أما رأيت ما صنع عمر؟ قال سهيل: أيها الرجل، لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دعي القوم فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا. ثم أتيا عمر فقالا: رأينا ما فعلت بنا، وما أتينا من عند أنفسنا، فهل من شيء نستعز به؟ قال: لا أعلمه إلا هذا الوجه، أراد ثغر الروم. فخرجا إلى الشام.
كتب معاوية إلى أيمن بن خريم الأسدي يستنفره فكتب إليه: إن أبي وعمي صحبا رسول الله وأمرني إذا اقتتل المسلمون أن أعتزلهم، وقال:
ولست بقابل رجلاً يصلني ... على سلطان آخر من قريش
له سلطانه وعلي وزري ... معاذ الله من سفه وطيش
أأقتل مسلماً في غير جرم ... فلست بنافعي ما عشت عيشي
هبط جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن أصحابك الذين بمؤتة قد قتلوا جميعاً، وصاروا إلى الجنة. وإن الله قد جعل لجعفر جناحين أبيضين، قادمتاهما مضرجتان بالدماء، مكللتان باللؤلؤ والجوهر، يطير بهما مع الملائكة في الجنة.
سبى رسول الله يوم حنين ستة آلاف بين غلام وجارية، وجعل عليهم أبا سفيان بن حرب.
سعيد بن المسيب عن أبيه: فقدت الأصوات يوم اليرموك. وقد اختلط المسلمون والروم، فإذا رجل ينادي: يا نصر الله اقترب، فنظروا فإذا هو أبوسفيان.
انفصل ثلاثة من جيش المسلمين: ابن أبي الأفلح عاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة حتى وردوا الرجيع، ماء من مياه بني لحيان أرض الهدأة، فامتنعوا عليهم وهم كثير، فبرك عاصم ورماهم، فقتل رجلين بالنبل ورجلاً بالسيف، وقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، ويمثلوا به، فبعث الله تعالى الدبر فحمته وأظلت عكوفاً عليه، فقال بعضهم: ارقبوه حتى يمسي فإن الدبر لم تبت قط إلا في خشارمهم، ففعلوا، فلما جعلت الدبر تطير رفاقاً وطمعوا فيه بعث الله تعالى سحابة فأمطرها عليه، فذهب به سيلها. وإنما أرادتهم على احتزاز رأسه امرأة منهم، لأن الذين قتلهم هم زوجها وأخوها وابنها، فنذرت أن تجعل قحفه ميضأة.
وقال عمرو بن عبد الله بن مسلمة:
ومنا الذي سيقت له الدبر جنة ... من المثل إذ وافى حمام المقادر
وجد شاب قتيل بظهر الطريق أيام عمر، فلم يقدر على قاتله. فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبي ملقى بموضع القتيل، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله. فدفعه إلى ظئر وقال لها: إن جاءتك امرأة تقبله وترحمه فأعلميني. فلما شب وطاب إذا هي بجارية قالت لها: إن سيدتي تطلب أن تذهبي به إليها، ففعلت، فضمته إلى صدرها وقبلته، وتلك بنت شيخ من الأنصار. فأخبرت عمر فاشتمل على سيفه وخرج إلى منزلها، فوجد الشيخ متكئاً على باب داره فقال: ما فعلت ابنتك؟ قال: جزاها الله تعالى خيراً، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها، وذلك من حسن صلاتها وحسن صيامها، والقيام يدينها. فقال: أحببت أن أزيدها رغبة، فدخل واخرج من هناك وقال: اصدقيني خبر القتيل والصبي، أو لأضربنك بالسيف، وكان عمر لا يكذب فقالت: كانت عندي عجوز قد تأممتها، فعرض لها سفر فقالت: لي بنت أحب أن أضمها إليك، وكان لها ابن أمرد فجاءت به في هيئة الجارية، وأنا لا أشعر، فمكث عندي ما شاء الله، ثم اغتفلني وأنا نائمة، فلم أشعر به حتى خالطني، فمددت يدي إلى شفرة فضربته، وأمرت أن يلقى على الطريق، وقدر أني اشتملت منه على هذا الصبي فالقيته حيث وجد. فقال عمر: صدقتني بارك الله فيك، ثم وعظها ودعا لها وخرج، وقال للشيخ بارك الله لك في ابنتك، فنعم البنت بنتك.
دخل المأمون على زبيدة يعزيها عن الأمين، فتباكيا طويلاً وتبرأ من قتله، فأقسمت عليه ليتغدين عندها. فلما فرغ من الغداء أخرجت إليه من جواري محمد من تغنيه، فأومأ إلى وحدة، فغنت بقول الوليد بن عقبة:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه
فالإ يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه

باب
الغدر، والخيانة، والسرقة، والغش، والفتك
والوشايات، والنمائم، وإفشاء الأسرار

عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان.
عائشة رضي الله عنها، رفعته: ذمة المسلمين واحدة، فإن أجارت عليهم جارية فلا نفخرها، فإن لكل غادر لواء يوم القيامة.
أبو هريرة رضي الله عنه: مر رسول الله عليه السلام برجل يبيع طعاماً، فسأله كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال: ليس منا من غش.
قال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك، قال: إلي نقول هذا؟ وما ذاق أحد كأساً أمر من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة وذكره ناهيان عنه.
مالك بن دينار: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة.
وقع جعفر بن يحيى البرمكي على ظهر متاب لعيسى بن ماهان إلى الرشيد: حبب الله إليك الوفاء يا أخي فقد أبغضته، وبغض إليك الغدر فقد أحببته.
إني نظرت في الأشياء لأجد لك فيها ما يشبهك فلم أجد، فرجعت إليك فشبتهتك بك، وقد بلغ من حسن ظنك بالأيام أن أملت السلامة مع البغي وليس هذا من عادتها والسلام.
جعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى، ثم طالبه بتقديم المهدي عليه فقال عيسى:
بدت لي أمارات من الغدر شمتها ... أظن رواياها ستمطركم دما
وما يعلم العالي متى هبطته ... وإن سار في ريح الغرور مسلما
وقال:
أينسى بنو العباس ذنبي عنهم ... بسيفي ونار الحرب ذاك سعيرها
فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذل معاديها وعز نصيرها
أقطع أرحاماً علي عزيزة ... وأسدي مكيدات لها وأنيرها
فلما وضعت الأمر في مستقرة ... ولاحت له شمس تلألأ نورها
دفعت عن الحق الذي استحفه ... وسيقت بأوساق من الغدر عيرها
فتكتا الإسلام فتكة عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد الأشدق وفتكة المنصور بأبي مسلم.
احتضر رجل فإذا هو يقول: جبلين من نار، جبلين من نار. فسئل أهله عن عمله فقالوا: كان له مكيان، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر.
أبو هريرة رفعه: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فبئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة.
وعنه مرفوعاً: المكر والخديعة والخيانة في النار.
الخائن في المنزور كالخائن في الموفور، ولذلك أوعد الله بالنقير والقطمير، كما خوف بالمثاقيل والقناطير.
قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفضي في مخلفي، فقال وكيف لي بعلم الناس جميعاً أن هذا رأيك؟ كلهم يقولون إني قد غدرت بك وأنشد:
وغدري ظاهر لاشك فيه ... لمبصرة وعذري بالمغيب
ولما أتى به المنصور قال له: استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة. فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه.
كان يقال: لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكاره.
عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس:
غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فليس إلى توافينا سبيل
عارف الطائي:
أذل لوطء الناس من خشب الجسر ... إذا استحقبتها العيس جاءت من البعد
أيوعدني والرمح بيني وبينه ... تبين رويداً ما أمامة من هند
ومن أجأ حولي رعان كأنها ... قنابل خيل من كميت ومن ورد
غدرت بأمر كنت أنت اجتذبتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد
علي رضي الله عنه: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.
وكتب إلى عامله: فلما أمكنتك الشدة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه. اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى. فحملته رحيب الصدر بحمله، غير متأثم من أخذه، كأنك لا أباً لغيرك حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب؟ كيف تسيغ شراباً وطعاماً؟ وأنت تعلم أنك تأكل حراماً لأعذرن إلى الله فيك، لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار.
وعنه: وتغاب عما لا يتضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين.

وعنه: ومن استهان بالأمانة وقع في الخيانة، ومن لم ينزه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه في الدنيا، وهو في الآخرة أذل وأخزى. وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة، أفظع الغش غش الأئمة. والسلام.
قال المنصور لعامل بلغته عنه خيانة: يا عدو الله وعدو أمير المؤمنين أكلت مال الله! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن عيال الله، وأنت خليفة الله والمال مال الله. فما نأكل إذن؟ فضحك وقال: خلوه ولا تولوه.
كان محمد بن جعفر بن أبي طالب مع أخيه محمد بن أبي بكر الصديق بمصر فلما هزم ابن أبي بكر استخفى، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق، فقال:
لعمري للحيان عك وغافق ... أذل لوطء الناس من خشب الجسر
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... ولن تجد العكي إلا إلى غدر
أبو بكر رضي الله عنه: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث والمكر. قال الله تعالى: إنما بغيكم على أنفسكم. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.. ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
مر عبد بن عبيد بجماعة وقوف، فقال: ما هذا؟ قيل: السلطان يقطع سارقاً، فقال: لا إله إلا الله! سارق العلانية يقطع سارق السر.
أمر الإسكندر بصلب سارق، فقال: أيها الملك إني فعلت ما فعلت وأنا كاره، فقال: وتصلب وأنت أيضاً للصلب كاره.
وقف شاطر على قبر سارق فقال: رحمك الله، فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، إن نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنور، وإن استلبت فحدأة. وإن ضربت فأرض، وإن شربت فجب. ولكنك اليوم وقعت في زاوية سوء.
سرق مدني قميصاً، فأعطاه ابنه ليبيعه، فسرق منه، فجاء فقال له: بكم بعته؟ فقال: برأس المال.
العرب: الخلة تدعو إلى السلة.
شاعر:
من يأمن الذئب على غدره ... أهل لأن يخفره الذيب
كان عمر بن مهران يكتب على روشمه: اللهم احفظه ممن يحفظه.
الفرزدق:
إنا أبا الكرشناء ليس بسارق ... ولكن متى ما يسرق القوم يأكل
قال لرجل غلامه: يا سيدي قد سرق الحمار، فقال: الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.
أعرابي:
ألا لا أبالي بعد قوس سرقتها ... بمكة أن لا يكتب الله لي أجرا
دخل شهر بن حوشب، وهو من جلة القراء والمحدثين، بيت المال، فأخذ خريطة دراهم، وقيل فيه:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
وضرب بخريطة شهر المثل فيما يختزله المتسمون بالستر من أموال الناس.
كان للمأمون خادم يتولى وضوءه فيسرق طساسه، فقال له يوماً: كم تسرقها؟ فهلا تأتيني بها فأشتريها منك؟ قال: بدينارين. فاشتراها منه وقال: فهذه الآن في أمان؟ قال: نعم، قال: فلنا فيها كفاية إلى دهر.
لو خلا بالكعبة لسرقها.
ذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أن بابك بن ساسان كان يغشى البيت، وآخر ما زاره دفن فيه غزالاً من ذهب، عيناه من ياقوت وفي أذنيه شنفان من ذهب بدرتين، والسيوف القلعية التي لم تكن إلا لفارس.
وهو الغزال الذي سرقه أبو إهاب. وذلك أنه كان أبو إهاب وديك ودييك موليان لخزاعة يشربون، فنفذ شرابهم، فقال أبو إهاب والله ما نعول على شيء إلا على غزال الكعبة، فسرقوه، فعظم ذلك على قريش وقطعوا الموليين، ولم يقووا على أبي إهاب، وفيه يقول حسان:
أبا إهاب فبين لي حديثكم ... أين الغزال عليه الدر من ذهب
سباع بن كوثل السلمي، وكان لصاً فحبس حتى مات في السجن:
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أجرر حبلى ليس فيه بعير
أن أسأل المرء الدني بعيره ... وبعران ربي في البلاء كثير
كان لعمرو بن دويرة البجلي أخ قد كلف ببنت عم له، فتسور عليها، فأخذه إخوتها وأتوا به خالد بن عبد الله القسري وسرقوه وسأله فصدقهم ليدفع الفضيحة عن الجارية. فأراد خالد قطعه، فقال عمرو:
أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقر بما لم يأته المرء إنه ... رأى القطع خيراً من فضيحة عاتق
فزوجه خالد الجارية.
سرق رجل من مجلس أنوشروان جام ذهب وهو يراه، فلما فقده الشرابي قال: والله لا يخرج أحد حتى يفتش، فقال أنوشروان: لا تعرضن لأحد، فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينم عليه.

وسرق رجل من مجلس معاوية كيس دنانير وهو يراه، فقال الخازن: قد نقص من المال كيس دنانير، فقال: صدقت، وأنا صاحبه وهو محسوب لك.
قطع على قوم بالبادية، فكتب إلى عمرو بن حنظلة: أما بعد فإنكم أقوام قد استنكحتم هذه الفتنة، فلا على حق تقيمون، ولا عن باطل تمسكون، وإني أقسم بالله لتأتينكم مني خيل تدع أبناءكم يتامى، ونساءكم أيامى، ألا وأيما رفقة مرت بأهل ماء فأهل الماء ضامنون لها حتى تأتي الماء الآخر. فكانت الرفقة إذا وردت أهل الماء أخذوها حتى يوردوها الماء الآخر.
قال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري لم يزل يذكرك ويقول الضال. فقال عمرو: والله يا هذا ما رعيت حق مجالسته حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.
من نم لك نم عليك.
قالوا في السعاة: كفى أن الصدق محمود إلا منهم، وإن أصدقهم أخبثهم.
وشى واشٍ برجل إلى الإسكندر فقال: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما يقول فيك؟ قال: لا، قال: فكف عن الشر يكف عنك.
قال رجل لفيلسوف: عابك فلان بكذا، فقال: لقيتني بقحتك بما أستحيي أن يلقاني به.
يسعى عليك كما يسعى إليك فلا ... تأمن غوائل ذي وجهين كياد
ابن الطثرية:
تكنفني الواشون من كل جانب ... ولو كان واش واحد لكفاني
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذه ... تواشوا بنا حتى أمل مكاني
العلاء بن المنهال الغنوي:
قل للمساور إن زهدم خائن ... فخف الآله واعفنا من زهدم
إن العفيف إذا استعان بخائن ... كان العفيف شريكه في المأثم
عاتب مصعب بن الزبير الأحنف على شيء بلغه عنه، فاعتذر، فقال: أخبرني بذلك الثقة، فقال: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا ينم.
اشترى الربيع بن خثيم فرساً بثلاثين ألفاً يغزو عليه، فأرسل غلامه ليحتش له، وربطه وقام يصلي، فسرق وهو لا يفطن لاشتغاله بالصلاة، فقال: اللهم إن كان غوياً فاهده، وإن كان فقيراً فاغنه، ثلاث مرات.
حذيفة رضي الله عنه: ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت إن كان مسلماً رده علي إسلامه، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً أو فلاناً.
جعل سمعه مدرج النمائم.
كتب الفضل بن سهل: إنا نرى أن قبول السعاية شر من السعاية فإن السعاية دلالة، والقبول إجازة. فأنف هذا الساعي فإن يكن في سعايته صادقاً فهو في صدقه لئيم، إذ لم يرع الحرمة، ولم يستر العورة.
صالح بن عبد القدوس:
من يخبرك بشتم عن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك
ذاك شيء لم يواجهك به ... إنما اللوم على من أعلمك
كيف لم ينصرك إن كان أخاً ... ذا حفاظ عند من قد ظلمك
المستورد رفعه: من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله مثلها من نار جهنم. هو أن يسعى بأخيه ويجتر نفعاً بسعايته.
الجنيد: ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت.
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها.
طريح:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شراً أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
وحسبك تهمة ببريء قوم ... يضم على أخي سقم جناها
ولا تردعي الأسرار سمعي فإنما ... تصبين ماء في إناء مثلم
حلة امرىء القيس مثل في كرامة تحتها شر وغدر. وذلك أنه مر إلى قيصر يستنجده على قتلة أبيه. فأمده بجيش، فلما سار خطىء في رأيه فأتبعه حلة مسمومة وعزم عليه أن يلبسها، فلما لبسها تقرح جلده وتساقط لحمه.
موسى بن عبد الله بن حسن بن علي رضي الله عنهم:
تولت بهجة الدنيا ... فكل جديدها خلق
وخان الناس كلهم ... فلا أدري بمن أثق
رأيت معالم الخيرات ... سدت دونها الطرق
فلا حسب ولا أدب ... ولا دين ولا خلق
النبي صلى الله عليه: لا فتك في الإسلام. وعنه: قيد الإسلام الفتك وأول فتكاً في الإسلام ما فعله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، قاتل عمر رضي الله عنه، ثم فتكة عمرو بن جرموز بالزبير بن العوام، ثم فتكة عبد الرحمن بن ملجم بعلي رضي الله عنه.

وفتكة البراض في الجاهلية مثل.
ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن السخين العين من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنباً إلى جنب
ذم أعرابي رجلاً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقماً وإن فلاناً يحسوها حسواً.
كتبت غنج جارية الخزاعي على جبهتها: لا كنت إن خنت.
البريء جريء، والخائن خائف.
وفي نوابغ الكلم: الأمين آمن، والخائن حائن.
كان مالك بن الريب يصيب الطريق، فلم يزل بشر بن مروان يطلبه حتى أتي به، فرأى لساناً وظرفاً فقال: ويحك: إني لأرى فيك ما قل في رجل، فما يحملك على إصابة الطريق؟ قال: أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الإخوان، قال: أفرأيت إن أغنيتك أتعف؟ قال: أي والله، عفة ما عفها أبو ذر قط. فأغناه، فلما مات بشر عاد إلى قطع الطريق.

باب
الغموم، والمكاره، والشدائد، والبلايا
والخوف، والجزع، والبكاء حذيفة رضي الله عنه: إن أقر يوم لعيني ليوم لا أجد فيه طعاماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: إن الله ليتعاهد عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض الطعام.
وروى أبو عقبة عنه عليه السلام: إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه. قالوا: وما اقتناؤه؟ قال: لا يترك له مالاً ولا ولداً، ثم قال: والذي نفسي بيده لسمعت رسول الله. فذكر الحديث.
مر موسى عليه السلام برجل كان يعرفه مطيعاً لله، قد مزقت السباع لحمه وأضلاعه، وكبده ملقاة، فوقف متعجباً فقال: أي رب، عبدك ابتليته بما أرى؟ فأوحي إليه: إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله، فأحببت أن أبتليه لأبلغه تلك الدرجة.
ليث عن الحكم الغموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب الحسن في قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في كبد: لا أعلم خليقة تكابد من الأمر ما يكابد هذا الإنسان، يكابد مضائق الدنيا وشدائد الآخرة.
علي بن أمية الكاتب في فتنة الأمين.
دهتنا أمور تشيب الوليد ... ويخذل فيها الصديق الصديق
فبالله نبلغ ما نرتجي ... وبالله ندفع ما لا نطيق
علي رضي الله عنه: فكم من منعم عليه مستدرج بالنعم، ورب مبتلى مصنوع له بالبلوى.
ابن المعتز: من لم يتعرض للنوائب تعرضت له.
لم يزل زكريا عليه السلام يرى ولده يحيى صلى الله عليه مغموماً باكياً مشغولاً بنفسه، فقال: يا رب، طلبت منك ولداً أنتفع به فرزقتنيه لا أنفع به، قال: طلبته ولياً، والولي لا يكون إلا هكذا.
الثوري: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة.
الغم يشيب القلب، ويعقم العقل، فلا يتولد معه رأي، ولا تصدق معه روية.
سئل ابن عباس عن الحزن والغضب، فقال: أصلها وقوع الشيء بخلاف المحبة، فمن أتاه المكروه ممن فوقه نتج عليه حزناً، ومن أتاه ممن دونه نتج غضباً.
الأحنف: عهد البلاء خادم يدمدم، وبيت يكف، وحطب يفرقع، وخوان ينتظر.
أتى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب برجل لضرب عنقه فقال بعض جلسائه: هذا والله جهد البلاء. فقال: لا تقل، فوالله ما هذا وشرطة حجام الأسواء، ولكن جهد البلاء فقر مدفع بعد خير موسع.
وعن المعتمر بن سليمان: لم يعالج جهد البلاء من لم يعالج الأيام.
الجاحظ: جهد البلاء أن تظهر الخلة، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعرف إلا أخاً صارماً، وابن عم شامتاً، وجاراً كاشراً، وولياً قد تحول عدواً، وزوجة مختلعة، وجارية مستبيعة، عبداً يحقرك وولداً ينتهرك.
البرايا أهداف البلايا.
الصاحب: هو بين أنياب الدهر، ونوائبه تحطمه بصريفها وتعتوره بصروفها.
فرقد السبخي: قرأت في التوراة التي لم تبدل: من ملك استأثر ومن لم يستشر ندم، والحاجة الموت الأكبر، والهم نصف الهرم.
سمع حكيم رجلاً يقول لآخر: لا أراك الله مكروهاً، فقال: كأنك دعوت عليه بالموت، فإن صاحب الدنيا لابد له من أن يرى مكروهاً.
الدهر سلك حوادث وخطوب.
العرب: ويل أسهل من ويلين.
خرط القتاد دونه، ولقط الرمل أسهل منه.
ومطوي على خرق ... يكابد لوعة الأرق
كأن فؤاده قلقاً ... لسان الحية الفرق
تكاد غروب دمعته ... تعم الأرض بالغرق
شاعر:
وأحوال أبت إلا التباساً ... تبث الشيب في رأس الوليد

وتقعد قائماً بشجا حشاه ... وتبعث للقيام حبي القعود
وأضحت خشعاً منها نزار ... مركبة الرواجب في الخدود
بقي والله مغموزاً، مقروعاً صفاته، مسلوخاً شواته.
ابن عيينة: الدنيا كلها غموم، فما كان منها من سرور فهو ربح.
العتبي: إذا تناهى الغم انقطع الدمع، بدليل أنك لا ترى مضروباً بالسياط، ولا مقدماً إلى ضرب العنق يبكي.
شعيب بن الحبحاب: الحزن ينضو كما ينضو الخضاب، ولو بقي الحزن على أحد لقتله.
تزوج مغن نائحة، فسمعها تقول: اللهم أوسع علينا في الرزق. فقال: يا هذا إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك، إن كان فرح دعوني، أو حزن دعوك.
نفقت دابة لجندي، فقيل: لا تغتم فلعله خيرة، فقال: لو كان خيرة لكان حياً وإلى جانبه بغل.
وهب بن منبه: إذا سلك به طريق البلاء سلك به طريق الأنبياء.
وعنه: البلاء للمؤمن كالشكال للدابة.
في بعض كتب الله تعالى: كانوا إذا طالت بهم العافية حزنوا، ووجدوا في أنفسهم، فإذا أصابهم البلاء فرحوا، وقالوا: عاتبكم ربكم فأعتبوه.
مطرف: ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته.
كان سفيان عند رابعة فقال: واحزناه! فقلت: واقلة حزناه! فإنك لو كنت حزيناً ما هنأك العيش.
أويس القرني: كن في أمر الله تعالى كأنك قتلت الناس كلهم. يعني خائفاً مغموماً.
أبو حنيفة رحمه الله: ما أعلم أشد حزناً من المؤمن، شارك أهل الدنيا في هم المعاش، وتفرد في هم آخرته.
شعيب بن حرب: كنت إذا نظرت إلى الثوري كأنه رجل في أرض مسبعة خائف الدهر كله، وإذا نظرت إلى عبد العزيز بن أبي رواد فكأنه يطلع إلى القيامة من كوة.
الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهداً ظننت أنه خربندج ظل حماره وهو مغتم يتفكر في أمر الآخرة.
إبراهيم بن بشار: صحبت إبراهيم بن أدهم فرأيته طويل الحزن، دائم الفكر، واضعاً يده على رأسه، كأنما أفرغت عليه الهموم إفراغاً.
لا يجزع من المصيبة إلا من يتهم ربه.
جابر بن عبد الله رفعه: يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقض بالمقاريض، لما يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء.
لما اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلاً ألقى في قلبه الوجل، حتى أن خفقان قلبه ليسمع من بعد، كما يسمع خفقان الطير في الهواء.
مسروق: " إن المخافة قبل الرجاء، فإن الله خلق جنة وناراً، فلن تخصلوا إلى الجنة حتى تمروا بالنار.
قيل لفضيل: بم بلغ ابنك الخوف الذي بلغ؟ قال: بقلة الذنوب.
فضيل: إذا قيل لك أتخاف الله تعالى؟ فاسكت، فإنك إن قلت لا جئت بأمر عظيم، وإذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه.
عيسى عليه السلام: هول لا تدري متى يغشاك، ما يمنعك أن تستعد له قبل أن فجأك.
أبو المطراب:
لقد خفت حتى لو تمر حمامة ... لقلت عدو أو طليعة معشر
فإن قال خير قلت هذي خديعة ... وإن قال شر قلت حق فشمر
صلح المري: أخوف ما أخاف على عطاء شدة خوفه، يريد عطاء السلمي وقد انسلخ مجرى دموعه من البكاء.
قيل لرابعة القبسية: هل عملت عملاً ترين أنه مقبول؟ قالت: إن كان شيء فخوفي أن يرد علي عملي.
قيل لسفيان: ما أوثق ما تنق به من عملك؟ قال: لقد نزلت بي هيبة الله حتى ما أهاب شيئاً غيره.
قال ذر لأبيه عمر: ما لهم يتكلمون فلا يبكي أحد، وإذا تكلمت أنت كثر البكاء؟ قال: يا بني، ليست النائحة المستأجرة مثل النائحة الثكلى.
فضيل: البكاء بكاءان: بكاء بالقلب وبكاء بالعين. فبكاء القلب البكاء على الذنوب وهو البكاء النافع، وبكاء العين فإنك لترى الرجل تبكي عيناه وإن قلبه لقاس.
بكى نوح ثلثمائة سنة لقوله: إن ابني من أهلي.
مررنا بأعلى الجزع من قلة الحمى ... على طلل لم تبق إلا معالمه
وددت وقد عجنا نحييه أن لي ... دموع الورى دمع وأني ساجمة
وصف عيسى بن مريم أولياء الله فقال: كان يسقي زروعهم دموع أعينهم حتى أنبتوا، وأدركوا الحصاد يوم فقرهم.
أنس: ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم النار وبين يديه حبشي اشتد بكاؤه، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وكلامي وسعة رحمتي لا تبكي عين عبد في الدنيا إلا أكثرت ضحكه في الآخرة.

كعب: لئن أبكي من خشية الله تعالى حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل ذهب.
محارب بن دثار: رأيت عمر يبكي في صلاته فلما فرغ قال: إن الشمس تبكي من خشية الله، فإن لم تبكوا فتباكوا. فليس يرد غضب الله تعالى إلا الاستغفار والبكاء والدعاء.
العباس بن الأحنف:
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عيناً لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تعار
الحسن: تكلم ذات يوم أبكي من عنده فقال: أعجيج عجيج النساء ولا عزم. إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
بعضهم رأيت الحسن سنتين، فما أخطأني يوم أن أرى دموعه تحادر على لحيته.
عمرو بن ضبيعة الرقاشي:
تضيق جفون العين عن عبراتها ... فتفسحها بعد التجلد والصبر
وغصة صدر أظهرتها فرفهت ... حزازة حر في الجوانح والصدر
العباس بن الفرج الرياشي:
عجبت لنوح النائحات عشية ... حواسر أمثال البغال النوافر
بكى الشجو ما فوق اللهي من حلوقها ... ولم يبك شجواً ما وراء الحناجر
الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
أتعجب من جاري دموعي ومن ضوى ... كأنك لم تسمع بقاصمة الظهر
ولم تأتك الأنباء عن يوم كربلاء ... وقتل حسني فيه والفتية الزهر
فلا تعجبن مني ومن فيض عبرتي ... فأعجب منه عند ذكرهم صبري
دخل بعض ولد عبد الملك بن مروان عليه باكياً لضرب المعلم إياه فشق على عبد الملك، فأقبل عليه رجل من الخوارج فقال: دعه يبك فإنه أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى أن لا تأبى عليه عينه إذا أحقرته طاعة الله فاستدعى عبرتها. فأعجبه ذلك وسكت.
ألا رب هم يمنع النوم برحه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر
وشوق كأطراف الأسنة في الحشا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري
فيلسوف: الندم على الفائت تضييع وقت ثاني.
قيل لأبي أيوب صاحب المنصور: نراك إذا دعاك المنصور تغير لونك، واضطربت حالك، قال: مثلي مثل باز قال لديك: ما رأيت شراً منك! تكون عند قوم من صغرك إلى كبرك، يطعمونك ويسقونك فإن أرادوا أن ينتقلوا فطلبوك ليأخذوك لم تمكنهم من نفسك إلا بعد جهد جهيد، وأنا يرسلوني فارجع إليهم من الصحارى والمواضع البعيدة وأصيد لهم، قال الديك: أنت ما رأيت بازاً في سفود، وأنا قد رأيت عشرين ديكاً.
بكى ثابت البناني حتى كاد بصره يذهب، فقال له الطبيب: أعالجك على أن لا تبكي، فقال: وما أخيرهما إذا لم تبكيا؟ وعنه: اتخذ نبي الله داود تسع حشايا من شعر وحشاهن بالرمل وبكى حتى أنفذهن بالدموع.
مطرف: لو علم الناس رحمته وعفوه لقرت أعينهم، ولو علموا قدر عقوبته وبأسه مارقاً لهم دمع.
بديل بن ميسرة العقيلي: البكاء يكون من سبعة أشياء: من الفرح والحزن، والوجع، والفزع والرياء، والسكر، ومن خشية الله فذلك الذي تطفىء الدمعة منه أمثال البحور من النار.
معاوية بن قرة أبو إياس: الزكن من يدلني على رجل بكساء بالليل بسام بالنهار.
إسحاق بن سويد: صحبت مسلم بن يسار إلى مكة، فلم أسمعه يتكلم بكلمة، فقال لا أدري ما خشية رجل يدع ما يكرهه الله.
يزيد بن أبان الرقاشي من أصحاب أنس والحسن: كان يبكي عامة ليله ونهاره حتى سقطت أشفار عينيه. فقال له ابنه: لو خلقت النار لأجلك ما زدت على ما تصنع، فقال: وهل خلقت النار إلا لي ولأمثالي؟ ابن السماك: أعقل الناس محسن خائف، وأجلهم مسيء آمن.
إسحاق بن سويد: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، إنما الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعاقبه الله عليه.
فضيل: ما خوفنا عند خوف من كان قبلنا إلا كمثل شبكور قاد عمياناً، فإذا أبصر شيئاً قال العميان فلان بصير.
في وصية علي رضي الله عنه: اطردوا واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين.
كان يقال: عليك بسلاح الصبي، أرادوا التملق والبكاء.
أبو العتاهية:
تأتي المكاره حين تأتي جمة ... وترى السرور يجيء في الفلتات
شعيب اليماني: إنا نجد في الكتب أن العبد إذا استكمل الفجور ملك عينيه فبكى بهما إذا شاء.

خطب النبي صلى الله عليه، فبكى رجل بين يديه، فقال: لو شهدكم كل مؤمن، كان عليه من الذنوب أمثال الجبال الرواسي، لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة له، تدعوا له رحمة الله، وتقول: اللهم شفع البكائين فيمن لا يبكي.
النبي صلى الله عليه: ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار، فإن فاضت على خده لم يوهن وجهه قتر ولا ذلة، ولو أن عبداً بكى في أمة من الأمم لأنجى الله ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فإنها تطفىء بحوراً من النار.

باب
الفخر، والكبر، والصلف، وإعجاب المرء بنفسه
وذكر الخيلاء، وجر الإزار أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب. مؤمن تقي، وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم، أو فليكونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها.
رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يخطر بيديه ويقول: أنا ابن بطحاء مكة كديتها وكدائها، فقال له: إن لم يكن لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء.
علي بن الحسين، عنه عليه السلام في وصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه له: يا علي، لا فقر أشد من الجهل، ولا وحشية أشد من العجب.
افتخر رجل عند عمر رضي الله عنه فقال: أنا ابن معتلج البطاح، فقال: إن كان لك عقل فلك أصل، وإن كانت لك تقوى فلك كرم، وإن كان لك خلق فلك شرف، وإلا فالحمار خير منك.
إن أحبكم إلينا قبل أن نراكم أحسنكم اسماً، فإذا رأيناكم فأحسنكم سمتاً، فإذا تكلمتم فأثبتكم منطقاً، فإذا أخبرناكم فأحسنكم عملاً، وسرائركم بينكم وبين الله.
أبو هريرة رفعه: بينما رجل يمشي إذ أعجبته جمته وبراده، إذ خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
ابن عمر رضي الله عنه رفعه: إن الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
ابن يسار النسائي:
أتيه على جن البلاد وأنسها ... ولو لم أجد جناً لتهت على نفسي
أتيه فلا أدري من التيه من أنا ... سوى ما يقول الناس في وفي جنسي
فإن زعموا أني من الانس مثلهم ... فما لي عيب غير أني من الانس
رأى رجل رجلاً يختال في مشيته فقال: جعلني الله مثلك في نفسك، ولا جعلني مثلك في نفسي.
علي رضي الله عنه: ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك.
أتى وائل بن حجر النبي صلى الله عليه، فأقطعه أرضاً. وقال لمعاوية اعرض هذه الأرض عليه واكتبها له، فخرج مع وائل في هاجرة شاوية، ومشى خلف ناقته، وقال له: أردفني على عجز راحلتك، قال: لست من أرداف الملوك. قال: فأعطني نعليك، قال: ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان، ولكن أكره أن يبلغ أفيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن امش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفاً. ثم إنه لحق زمن معاوية، ودخل عليه فأقعده معه على سريره وحدثه.
داود بن علي: الملك فرع نبعة نحن أفنانها، وذروة هضبة نحن أركانها.
قال المساور بن هند لرجل: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المساور بن هند، قال: ما أعرفك، قال: فتعساً ونكساً لمن لا يعرف القمر.
علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي:
لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمط خدود وامتداد أصابع
فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع
ترانا سكوتاً والمنادى بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كل جامع
وله:
إني وقومي من أنساب قومهم ... كمسجد الخيف من بحبوحة الخيف
ما علق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وهمته أمضى من السيف
قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقاً؟ قال: مدح الرجل نفسه.
العتابي: العجب ضربان مفترض ومطرح، فأما المفترض فأن يعظم الإنسان نعم الله سبحانه عليه،ويفرح بإحسانه إليه؛ وأما المطرح فعجب الاستطالة الذي نهى الله عنه. ألا ترى إلى النبي صلى الله عليه حين يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر. فجهر بعجب الشكر. وأسقط استطالة الكبر.
مدح أعرابي نفسه، فقيل له، فقال: إلى من أكلها إذن.

وكان كعب بن زهير إذا أنشد قصيدة صنع لها خطبة في الثناء عليها، وكان يقول عند إنشادها: لله دري! وأي علم بين جنبي! وأي لسان بين فكي! الجاحظ: ولو لم يصف الطبيب مصالح دوائه للمتعالجين لما كان له طالب، ولا فيه راغب.
ولما أبدع ابن المقفع في رسالته، سماها اليتيمة تنزيلها لها عن المثل، ولو لم ينحلها هذا الاسم لكانت كسائر رسائله، فسكنت من القلوب موضع إرادته من تعظيمها.
استصحب هشام بن عبد الملك الفرزدق إلى مكة، فأعطاه أربع مائة درهم، فتسخطها وهجاه بقوله:
يرددني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأساً لم تكن رأس سيد ... وعيناً له حولاء باد عيوبها
فكتب إلى خالد القسري أن أوثقه بالحديد، ففعل، وبلغ ذلك جريراً فوفد على خالد، فقال له: ألا يسرك أن الله قد أخزى الفرزدق؟ فقال: أيها الأمير، ما أحب والله أن يخزيه الله إلا بشعري، وتشفع له، فقال خالد: اشفع إلي فيه على رؤوس الملأ ليكون أذل له، فشفع له على رؤوس الأشهاد، فدعا خالد بالفرزدق وقال: إن جريراً قد شفع فيك وإني مطلقك بشفاعته، فقال الفرزدق: أسير قسري، وطليق كلبي! بأي وجه أفاخر العرب بعدها؟ ردوني إلى السجن.
سمع الفرزدق الفضل بن العباس اللهبي يقول:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب
فقال: بم أساجلك؟ فقال:
برسول الله وابني عمه ... وبعباس وعبد المطلب
فقال: أعض الله من يساجلك بما أبقت المواسي من أمه.
ذكر أعرابي قوماً فقال: ما نالوا شيئاً بأناملهم إلا وطئناه بأخامص أقدامنا، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.
نظر رجل إلى ولد أبي موسى يختال، فقال: يمشي كأن أباه خدع عمراً.
وسمع الفرزدق أبا بردة يقول: كيف لا أتبختر وأنا ابن أحد الحكمين؟ فقال له: أحدهما مائق والآخر فاسق، فكن ابن أيهما شئت.
ونظر عمر بن عبد العزيز إلى علوي يمشي مشية منكرة، فقال: يا هذا، إن الذي شرفت به لم تكن هذه مشيته.
فلان يطعم الأرض فضل ثيابه.
فلان وضع نفسه في درجة لو سقط منها لتكسر.
الحسن: لو كان الرجل كلما قال أصاب، وكلما عمل أحسن أوشك أن يجن من العجب.
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي دجانة يتبختر بين الصفين، فقال: هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا المكان.
عبد الله عبد المطلب أبو رسول الله:
لقد علم السادات في كل بلدة ... بأن لنا فضلاً على سادة الأرض
وأن أبي ذو المجد والسؤدد الذي ... يساد به ما بين نشز إلى خفض
وجدي وآباءله أثلوا العلى ... قديماً بطيب العرق والحسب المحض
الجاحظ: المذكورون بالكبر من قريش بنو مخزوم وبنو أمية، ومن العرب بنو جعفر بن كلاب وبنو زرارة بن عدس. وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيداً، وأنفسهم إلا أرباباً. والكبر في الأجناس الذليلة أرسخ، ولكن القلة والذلة مانعتان من ظهور كبرهم. والجملة أن من قدر من الوضعاء أدنى قدره ظهر من كبره ما لا خفاء به.
وشيء قد قلته علماً وهو أني لم أر ذا كبر قط على من دونه إلا وهو يذل لمن فوقه بمقدار ذلك ووزنه.
وقال: وأما بنو مخزوم وبنو أمية وبنو جعفر بن كلاب واختصاصهم بالتيه فإنه أبطرهم موجدوه لأنفسهم من الفضيلة، ولو كان في قوى عقولهم فضل على قوى دواعي الحمية فيهم لكانوا كبني هاشم في تواضعهم وإنصافهم لمن دونهم.
ولما بلغ الحسن بن علي رضي الله عنه قول معاوية: إذا لم يكن الهاشمي جواداً، والأموي حليماً، والعوامي شجاعاً، والمخزومي تياهاً، لم يشبهوا آباءهم، قال: إنه والله ما أراد بها النصيحة، ولكن أراد أن يفني بنو هاشم ما بأيديهم فيحتاجون إليه، وأن تحلم بنو أمية فيحبهم الناس، وأن يشجع بنو العوام فيقتلوا، وأن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا.
وكان يقال: أربعة لم يكونوا، ومحال أن يكونوا: زبيري سخي، ومخزومي متواضع، وشامي صحيح النسب، وقرشي يحب آل محمد.
عبد الأعلى بن عبد الرحمن البصري في محمد بن أبي الشوارب:
إني رأيت محمداً متشاوساً ... مستصغراً لجميع هذا الناس

ويقول لما أن تنفس خالياً ... نفساً له يعلو على الأنفاس
ريح الخلافة في جوانب جبتي ... تستر دون لحى بني العباس
افتخر العباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة وعلي بن أبي طالب: فقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. وقال طلحة: أنا صاحب البيت ومعي مفتاحه، فقال علي رضي الله عنه: ما أدري ما تقولان، أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما وقبل الناس أجمعين لستة أشهر، فنزلت أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله، الآية.
كان يقال: كفى بالمرء ذماً لنفسه أن يطريها على رؤوس الملأ.
قيل لبرزجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد عليها صاحبها؟ قال: نعم، التواضع قيل: فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه؟ قال: نعم، قال: العجب.
أبو البيداء الأعرابي:
ولست بتياه إذا كنت مثرياً ... ولكنه خلقي إذا كنت معدماً
وإن الذي يعطي من المال ثروة ... إذا كان فل الوالدين تعظماً
قيل لحكيم: ما بال الأغبياء يذهبون بأنفسهم دون العلماء؟ قال: لمعرفة العلماء بالله، وأنه لا يماجد.
قال عمرو بن العاص لرجل من ثقيف: ما حشو جبتك؟ قال: أما مني فدين وكرم، وأما بعد ذلك فحسب.
تفاخر رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا ابن فلان حتى عد تسعة آباء من المشركين. وقال الآخر: أنا ابن فلان. وقال: لولا أنه مسلم لما انتميت. فأوحي إلى موسى: أنه قد قضي قضاؤهما، أما الذي عد تسعة آباء مشركين فحق على الله أن يجعله عاشرهم في النار، والذي انتمى إلى أب مسلم فحق على الله أن يجعله مع أبيه المسلم في الجنة.
قولا لأحمق يلوي التيه أخدعه ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تنه
التيه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مهلكة للعرض فانتبه
كان عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بني العباس مثلاً في التيه، حتى قيل: أتيه من عمارة، وكان يتولى دواوين السفاح والمنصور. ومن تيهه: أنه كان إذا أخطأ مضى على خطئه تكبراً عن الرجوع، ويقول: نقض وإبرام في ساعة واحدة! الخطأ أهون من هذا.
وافتخرت أم سلمة المخزومية امرأة السفاح ذات ليلة بقومها، فقال لها: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالي ليس في أهلك مثله، فأرسل إلى عمارة. فأعجله الرسول عن تغيير زيه، فجاء، فإذا هو في ثياب ممسكة، وقد غلف لحيته حتى قامت، فرمى إليه السفاح بمدهن ذهب فيه غالية، فقال: ياأمير المؤمنين، هل ترى في لحيتي موضعاً لها؟ فأخرجت أم سلمة عقداً لها، وأمرت خادماً أن يضعه بين يديه، فقام وتركه. فأمرت الخادم أن يتبعه به، ويعلمه أنها أهدته له، فقال للخادم: هو لك. فانصرف بالعقد وقال: قد وهبه لي. فاشترته منه بعشرة آلاف دينار، وتعجبت من كبر نفس عمارة.
الأعور بن براء الكلابي:
وكائن في المعاشر من قبيل ... أخوهم فوقهم وهم كرام
بنانا الله فوق بني أبينا ... كما يبني على الثبج السنام
عثمان بن واقد من ولد عمر رضي الله عنه:
جدي وصاحبه فازا بفضلهما ... على البرية لا جارا ولا ظلما
هما ضجيعا رسول الله نافلة ... دون الصحابة مجداً عانق الكرما
الخليفة الراضي بالله رضي الله عنه:
لو أن ذا حسب نال السماء به ... نلنا السماء بلا كد ولا تعب
فإن صدقتم فأعلى الخلق نحن وإن ... ملتم عن الصدق أعقبتم إلى الكذب
علي رضي الله عنه في المنذر بن الجارود: إنه لنظار في عطفيه، مختال في شراكيه.
وعنه: الإعجاب يمنع من الإزدياد.
وعنه: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله.
وعنه: من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه.
وعنه: إياك والإعجاب بنفسك، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحو ما يكون من إحسان المحسن.
قام داود ليلة، فكأنه أعجب بها، فأوحى الله إلى ضفدع أن كلميه، فقالت: يا داود، كأنك أعجبت بليلتك! هذا مقامي منذ عشرين ليلة، ما دخل جوفي قطرة ماء ولا خضرة، شكراً لله حين سلم بيضتي.

الجاحظ: أتيت أبا الربيع الغنوي ومعي رجل هاشمي، فناديت: أبو الربيع ها هنا؛ فخرج إلي وهو يقول: خرج إليك رجل كريم، فلما أبصر الهاشمي استحيي فقال: أكرم الناس رديفاً، وأشرفهم حليفاً. أراد بالرديف والحليف أبا مرثد الغنوي، لأنه كان رديف رسول الله وحليف أبي بكر، ثم نهض الهاشمي، فقلت له: من خير الخلق؟ قال: الناس والله، قلت: فمن خير الناس؟ قال: العرب والله قلت: فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله. قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر والله قلت: فمن خير يعصر؟ قال: غني والله، قلت: فمن خير غني؟ قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الناس؟ قال: إي والله. قلت: أيسرك أن تحتك بنت يزيد بن المهلب؟ قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا والله، قلت: فألفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق ثم قال: على أن لا تلد مني، وأنشد:
تأبى ليعصر أعراق مهذبة ... من أن تناسب يوماً غير أكفاء
فإن يكن ذاك حتماً لا مرد له ... فاذكر حذيف فإني غير أباء
أراد حذيفة بن بدر الفزاري، لأنه أقرب الأشراف أليه نسباً.
أبو الأبيض العلوي:
وأنا ابن معتلج البطاح تضمنى ... كالدر في أصداف بحر زاخر
تنشق عني ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر
كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهن مجاوري
سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
ابن الرقاع العاملي:
علوناهم في كل فخر وسؤدد ... وعزكما يعلو القناة سنانها
الزبير بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن القبائل من قريش كلها ... ليرون أنا هام أهل الأبطح
وترى لنا فضلاً على سادتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح
الحارث دعي الوليد بن عقبة:
ولقد شهدت اللبس أفرجه ... والأمر أبرمه وأنقضه
والغارة الشواء أقدمها ... باقب نهد حين أركضه
والقرن أكسو السيف هامته ... والثغر ذا الأهوال أنقضه
والشعر أسديه وألحمه ... متيسراً لي حين أقرضه
غرفاً بكفي غير مكترث ... من موج بحر ما أغيضه
الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر.
هشام بن حسان: سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك.
المطرف: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً.
حكى الأصمعي عن رجل: ما رأيت ذا كبر قط إلا تحول داؤه في يريد أني أتكبر عليه.
وعن آخر: ما تاه أحد علي مرتين. يريد أنه إذا تاه مرة لم أعاوده.
قيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة؟ قال: أخشى أن لا يحمل الجسر شرفي.
قيل للحجاج بن أرطأة: مالك لا تحضر الجماعة؟ فقال: أكره أن يزاحمني البقالون.
كان يقال: للعادة سلطان على كل شيء وما استنبط الصواب بمثل المشاورة. ولا حصنت النعمة بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
إسماعيل بن أبي خالد: كنت أمشي مع الشعبي وأبي سلمة فقال الشعبي: يا أبا سلمة، من أعلم أهل المدينة؟ فقال: الذي يمشي بينكما. يعني نفسه.
أبو مسلم صاحب الدعوة: ما تاه إلا وضيع، ولا فاخر إلا لقيط.
بعض ملوك يونن: من رفع نفسه فوق قدره استجلب مقت الناس فقال وزيره: من رفع نفسه فوق قدره رده الناس إلى قدره.
سأل عبد الله بن الزبير وفد العراق عن مصعب، فأثنوا عليه فتمثل بقوله:
قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المادين
حتى إذا شابوا وشيبوني ... خلوا عناني ثم سيبوني
يريد ما وليته إلا عن علم وتجربة.
أقبل رجل يمشي مرخياً بذيله، وطارحاً رجليه يتبختر، فقال له عمر رضي الله عنه: دع هذه المشية، فقال: ما أطيق. فجلده، ثم تبختر فجلده، فترك التبختر. فقال عمر: إذا لم أجلد في مثل هذا ففيم أجلد؟ فجاءه الرجل بعد ذلك فقال: جزاك الله خيراً، إن كان إلا شيطاناً علي، أذهبه بك.

باب
الفأل، والزجر، والطيرة، والعيافة، والكهانة
والرقى، والسحر، والشعوذة، والعين، واللغز والأحاجي ونحوها

سليمان بن بريدة عن أبيه: ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه، فقال: من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعنه عليه السلام: ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له.
أنس رفعه: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح. قالوا: وما الفأل الصالح؟ قال: الكلمة الطيبة.
وعنه: أنه كان يحب الفأل الصالح، والاسم الحسن.
أبو هريرة رفعه: إذا ظننتم فلا تحقوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا.
وعنه: أن رسول الله عليه السلام سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك.
عروة بن عامر: ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه، فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً. فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي الحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن رسول الله كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه سامه فرح به. ورئي بشر ذلك في وجهه.
أنشد المبرد:
لا يعلم المرء ليلاً ما يصبحه ... إلا كواذب ما يجري به الفال
والفال والزجر والكهان كلهم ... مضللون ودون الغيب أقفال
تقول العرب: طائر الله لا طائرك.
رأى أعرابي في دهليز عبيد الله بن زياد صورة أسد وكبش وكلب فقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح، أما إنه لا يتمتع بها أبداً. فما لبث عبيد الله إلا أياماً.
قبيصة: سمعت رسول الله يقول: العيافة والطيرة والطرق من الجبت.
ابن عباس رفعه: من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر.
أبو هريرة رفعه: من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضاً، أو أتى امرأته في دبرها فقد برىء مما أنزل على محمد.
تفاءل هشام بن عبد الملك بنصر بن سيار، فقلده خراسان. فكان بها عشرة أحوال حتى أخذ أمرهم في الانتقال.
وخرج عامر بن إسماعيل المذحجي صاحب السفاح من مصر في طلب مروان ابن محمد، فاعترضه بالفيوم قوم من العرب، فسأل رجلاً منهم ما اسمك؟ فقال: منصور بن سعد، وأنا رجل من سعد العشيرة. فتبسم تفاؤلاً به وتيمناً، واستصحبه فظفر بمروان في تلك الليلة.
وتفاءل المأمون بنصر بن بسام، فكان سبب مكانته عنده.
الجاحظ: قالوا لشمال اليدين يسار لأن اسمها العسراء. فتفاءلوا باليسار من اليسر.
لبيد:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
مزرد بن ضرار:
وإني امرؤ لا تقشعر ذؤابتي ... من الذئب يعوي والغرب المحجل
خزز بن لوذان:
لا يقعدنك عن بغاء ال ... خير تعقاد التمائم
فلقد غدوت وكنت لا أغ ... دو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالميا ... من والميامن كالأشائم
وكذاك لا خير وش ... ر على أحد بدائم
بعض العرب: خرجت في بغاء ناقة لي ضلت، فسمعت قائلاً يقول:
ولئن بعثت لنا البغا ... ة فما البغاة بواجدينا
فلم أتطير منه ومضيت، فلقيني رجل قبيح الصورة، به ما شئت من عاهة، فما ثنا لي ذلك، وتقدمت فلاحت لي أكمة فسمعت منها: والشر يلقي مطالع الأكم، فلم أكترث له، فلما علوتها وجدت ناقتي تفاجت للولاد، فنجتها وعدت إلى منزلي بها مع ولدها.
علي رضي الله عنه كان يكره أن يسافر، أو تزوج النساء في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب.
قال بشير غلام حرب الراوندي للمنصور يوم قتل أبا مسلم. يا أمير المؤمنين، رأت اليوم ثلاثة أشياء تطيرت لأبي مسلم منها، قال: وما ذاك؟ قال: ركب فوقعت قلنسوته عن رأسه، قال: الله أكبر! تبعها والله رأسه، رأسه يا بشير قال: وكبا به فرسه، قال: الله أكبر! كبا والله جده وأصلد زنده. وقال: قال إني مقتول وإنما أخادع نفسي، فإذا رجل ينادي في الصحراء لآخر: اليوم آخر الأجل بيني وبينك، قال: الله أكبر! ذهب أجله وانقطع من الدنيا أثره.
ألا أيها الغادي على ذم طائر ... ليلزمه جرماً وليس له جرم
وما لغراب البين بالبين خبرة ... وما لغراب البين بالملتقى علم

تجهز النابغة الذبياني واسمه زياد بن عمرو بن زبان بن سيار الفزاري للغزو، فلما أراد الرحيل نظر إلى جرادة سقطت عليه، فقال: جرادة تجرد وذات لونين، غيري من خرج في هذا الوجه ولم يلتفت زبان إلى طيرته، فمر ورجع غانماً فقال:
تخير طيرة فيها زياد ... لتخبره وما فيها خبير
أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشير
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحاييناً وباطله كثير
بعضهم: حضرت الموقف مع عمر رضي الله عنه فصاح صائح: يا خليفة رسول الله، فقال رجل من بني لهب، وفيهم العيافة، دعاه باسم ميت، مات والله أمير المؤمنين.
فلما وقفنا للجمار إذا حصاة قد صكت صلعة عمر فأدمتها، فقال قائل: أشعر والله أمير المؤمنين دماً. فإذا أنا باللهبي يقول: والله لا يقف هذا الموقف أبداً. فقتل قبل أن يحول الحول. وإنما قيل ذلك لأنهم يقولون: دية المشعرة كذا؟ يريدون دية الملوك، اسم لقتلاهم خصوصاً قال كثير:
تيممت لهباً أبتغي العلم عندها ... وقد صار علم العائفين إلى لهب
رأى سطيح مثل عند العرب، وكانوا فيما يزعمون يطوي كما يصوي الحصير ويتكلم بكل أعجوبة في الكهانة. وكذلك شق الكاهن وكان نصف إنسان.
قال ابن الرومي:
لك رأي كأنه رأي شق ... وسطيح قريعي الكهان
يستشف الغيوب عما يوار ... ين بعين جلية الإنسان
رأى مزيد خاتم ذهب في يد جارية، فقال: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فلعلك تعود.
الجاحظ: كان مسيلمة قبل التنبؤ يدور في الأسواق كسوق الأبله، وسوق بقة، وسوق الحيرة، يلتمس تعلم الحيل والنيرنجيات، واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم، وكان قد أحكم حيل الحواة وأصحاب الزجر والخط، فمن ذلك أنه صب على بيضه من خل حاذق قاطع فلانت، حتى إذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس، وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيأتها الأولى، فأخرجها إلى قومه، وهم قوم أعراب، وادعى النبوة فآمن به جماعة، وقيل فيه:
ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جاذف
يريد براية الشادن الراية التي يعملها الصبي من القرطاس الرقيق ويجعل لها ذنباً وجناحاً ويرسلها يوم الريح بالخيوط الطوال، كان يعمل رايات من هذا الجنس، ويعلق بها الجلاجل، ويرسلها في ليلة الريح، ويقول: الملائكة تنزل علي، وهذه خشخشة الملائكة وزجلها، وكان يصل جناح الطائر المقصوص بريش معه فيطير.
الدجاجة يتفاءل بذكرها. حكي أنه لما ولد لسعيد بن العاص عنبسة، قال سعيد لابنه يحيى: أي شيء تنحله؟ قال: دجاجة بفراريجها! وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمه كانت أمة، فتفاءل سعيد وقال: إن صدق الطير ليكونن أكثركم ولداً. فكان كما تفاءل. وهم بالمدينة والكوفة.
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال على منبر البصرة: إن الكلاب من الحن، وإن الحن من ضعفاء الجن، فإذا غشيكم منها شيء فألقوا إليه شيئاً أو اطردوه، فإن لها أنفس سوء.
قال الجاحظ: علماء الفرس والهند، وأطباء اليونانيين، ودهاة العرب، وأهل التجربة من نازلة الأمصار، وحذاق المتكلمين يكرهون الأكل بين يدي السباع. يخافون عيونها، للذي فيها من النهم والشره، ولما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء، وينفصل من عيونها مما إذا خالط الإنسان نقضه وأفسده. وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والأشربة على رؤوسهم مخافة العين. وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا.
وكانوا يقولون في الكلب والسنور: إما أن يطردوا وأما أن يشغل بما يطرح له.
وقالوا: نفوس السباع أردأ وأخبث لفرط شرهها. قالوا: ونظيره أن الرجل يضرب الحية بعصاه فيموت الضارب، لأن السم فصل من الحية فسرى فيها حتى داخله. ويديم الإنسان النظر إلى العين المحمرة فتعتري عينه حمرة، والثوباء تعدي أعداء ظاهراً.
ورأيت من المتكلمين من يكره دنو الطامث من اللبن لتسوطه، لأن لها رائحة وبخاراً يفسد ذلك السوط.
وعن الأصمعي: أن عيوناً كان يقول: إذا وجدت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.

وعنه: كان عندنا عيانان، فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال: تالله ما رأيت كاليوم مثله! فانصدع فلقتين؛ فمر عليه فقال: لعمرك لقل ما أضرت أهلك فيك فتطاير أربع قلق. وسمع الآخر صوت بول من وراء حائط فقال: إنك كثير الشخب! قالوا: هو ابنك، قال: وانقطاع ظهرياه! فقيل: لابأس به، فقال: لا يول والله بعدها أبداً. فما بال حتى مات.
وسمع صوت شخب بقرة فقال: أيتهن هذه؟ فوروا بأخرى عنها فهلكت جميعاً، المورى بها والمورى عنها.
أهدت إليه سفرجلاً فتطيرا ... منه وظل مفكراً مستعبرا
خاف الفراق لأن شطر هجائه ... سفر وحق له بأن يتطيرا
آخر:
يا ذا الذي أهدي لنا سوسنا ... ما كنت في إهدائه محسناً
نصف اسمه سوء فقد ساءني ... يا ليت أني لم أر السوسنا
آخر:
وامنح الياسمين البغض من حذري ... للياس إذ قيل لي نصف سمه ياس
آخر:
لا تراني طوال ده ... ري أهوى الشقائقا
إن يكن يشبه الخدو ... د فنصف اسمه شقا
يتفاءلون بالآس لدوامه، ويتطيرون من النرجس لسرعة انقضائه، ويسمونه العدار، قال العباس بن الأحنف.
إن الذي سماك يا منيتي ... بالنرجس الغدار ما أنصفا
لو أنه سماك رامشنة ... وفيت أن الآس أهل الوفا
تزعم العرب أن الجن تمتطي الوحش، وتجتنب الأرنب لمكان الحيض ولذلك كانوا يتعلقون كعبها كالمعاذة، ويقولون من تعلقها لم نصبه عين، ولم يعمل فيه سحر، وكانت فيه واقية من الجن. قال امرؤ القيس:
مرسعة وسط أرفاغه ... به عسم يبتغي أرنبا
ليجعل في ساقه كعبها ... حذار المنية أن يعطبا
كانت لعامر بن شفيق الضبي فرس تدعى ذات الرماح، وكانت لا تذعر، فإذا ذعرت تباشرت بنو ضبة بالغنم. وقال في ذلك قيس بن عبد الله الأصم الضبي:
إذا ذعرت ذات الرماح جرت لنا ... أيامن بالطير الكثر غنائه
الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضاً فتسمع يا سالم، أو باغياً فتسمع يا واجد.
عكرمة: كنا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر.
بعث معاوية رجلاً يقال له هدبة بقتل حجر بن عدي الكندي في ثلاثة عشر رجلاً، وكان هدبة أعور، فنظر إليه رجل من خشعم فقال: إن صدق الطير قتل نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولاً بعافيتهم.
خرج كثير إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابي من بني نهد فقال له: رأيت في وجهك شيئاً؟ قال: غراباً ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه، قال: إنك توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره ثم مضى، فوافى مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال:
وما أعيف النهدي لا در دره ... وأزجره للطير لا عز ناصره
رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ... ينتف أعلى ريشه ويطايره
فأما غراب فاغتراب ووحشة ... وبانة بين من حبيب تعاشره
قال: وهزر لغلامه حين جاء لقتال الحبشة: هات نشابة، وكان الأسوار يكتب على نشابه اسم الملك واسم نفسه واسم امرأته، فأخرج نشابة عليها اسمها، فتطير من المرأة وقال: ردها، فأدخل يده فأخرج الأولى، ففكر وهرز فقال: زبان فإذا ترجمته أضرب ذاك، فوضعها في كبد قوسه وقال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوته بين عينيه فمغط في قوسه حتى إذا ملأها سرحها، فأقبلت كأنها رشاء منقطع حتى صكت الياقوتة، فصارت فضاضاً وفلقت هامته.
وسميته يحيى ليحيى فلم يكن ... إلى رد أمر الله فيه سبيل
تيممت فيه الفأل حين رزقته ... ولم أدر أن الفأل فيه يفيل
عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل فقال: بسم الله أرقيك من كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين.
وعنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقماً.

وعنها: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات. فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه، لأنها أعظم بركة من يدي.
أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لجارية في بيتها، رأى في وجهها سعفة، بها نظرة فاسترقوا لها.
جابر بن عبد الله: لدغت رجلاً منا عقرب، فقال رجل: يا رسول الله؟ فقال: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل.
عوف بن مالك الأشجعي: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقي ما لم يكن في هشرك.
أبو سعيد الخدري: إن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب استضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا: هل منكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ. فقال رجل منهم: نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب. فبرىء، فأعطى قطيعاً من الغنم، فأبى أن يقبلها حتى يذكر لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذكر ذلك له فقال: يا رسول الله والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب. فتبسم وقال: ما أدراني أنها رقية؟ ثم قال: خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم.
ابن عباس: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا.
عائشة رضي الله عنها: كان يؤمر العاين فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين.
علي بن محمد البرقعي:
خذي عوذة مني لعينيك إنني ... أخاف على عينيك مني الدواهيا
أخاف على عينيك عيني إنها ... يرينهما أحلى من أهلي وماليا
قالت امرأة من بني عامر في رقية لها: أرقيك بالله من نفس حرى وعين شرى.
علي رضي الله عنه: الطيب نشرة، والغسل نشرة، والركوب نشرة، والنظر إلى الخضرة نشرة.
أضاع أعرابي ذوداً له، فمر في نشدانه بأعرابي يحتلب فسقاه ثم قال له: متى خرجت في الطلب؟ قال: قبل طلوع الفجر، قال: فما سمعت قال عواطس حولي، ثغاء الشاة ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الطير، قال: عواطس تنهاك عن الغزو، قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئب، قال: كسوب ذو ظفر، قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامة، قال: ذات ريش واسمها حسن، ارجع فإنك ستجد ضالك في منزلك.
كعب: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان، وتكلمه بلسان ذلق: أنا شجرة كذا في دواء كذا، فيأمر بها فيكتب اسمها وصورتها ومنفعتها، وترفع في الخزائن. حتى كان آخر ما جاء الخروبة فقال الآن نعيت إلى نفسي، وأذن في خراب بيت المقدس.
الفرس: إذا فشا الموت في الخنازير دل على عموم العافية في الناس، وإذا فشا في الوحش أصابهم ضيقه، وإذا فشا في الفار دل على الخصب، وإذا كثر نقيق الضفادع وقع موتان، وإذا نعب غداف فجاوبته دجاجة عمر الخراب، وإذا قوقت دجاجة فجاوبها غراب فبالعكس خرب العمار. وإذا نزا ديك على تكأة رجل نال شرفاً ونباهة، وإذا نزت عليها دجاجة فبالعكس.
كان في عنق نصراني صليب، وكان يقول للضعفة: عوده من الخشبة التي صلب عليها المسيح، فالنار لا تعمل فيه، وتكسب بذلك زماناً حتى فطن له. وإنما كان عود يؤتي به من ناحية كرمان لا يحترق.
ألقى يحيى بن أكتم على المتوكل قوله:
وباسطة بلا نصب جناحاً ... وتسبق ما يطير ولا تطير
إذا ألقمتها الحجر اطمأنت ... وتألم أن يباشرها الحرير
فقال: هي العين.
سئل أعرابي عن قول القائل:
أبي علماء الناس لا يخبرونني ... بناطقة خرساء مسواكها حجر
فقال: هي ما علمت أم سويد: أعرابي: أتعرفون شيئاً إذا قام كان أقصر منه إذا قعد: هو الكلب لأنه إذا أقعى كان أرفع سمكاً منه إذا قام على أربع.
عجبت لمولود وما أن له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
آدم وعيسى عليهما السلام: في أحاجي العرب: ما ابيض شطراً، اسود ظهراً، يمشي قمطراً، ويبول قطراً؟ هو القنفذ. يقال كلب قمطر إذا كان به عقال من اعوجاج ساقية، وقمطر الرجل العدو إذا هرب.
أعرابي:
له جناحان وليس بالطير ... يجر فداناً وليس بالثور
يريد الجعل.
بقية الحية مثل في الطول، قال علي بن الجهم في توقيعات محمد بن عبد الملك.
على ابن عبد الملك الزيات ... لعائن الله موقرات

رمى الدواوين بتوقيعات ... مطولات ومعقدات
أشبه شيء برقي الحيات
وعن خلف الأحمر: كنت أرى أنه ليس في الدنيا رقية أطول من رقية الحية، فإذا رقية الخبز أطول منها. يعني ما يتكلفه الناس في كسبه من النثر والنظم والخطابة والتصنيف وغيرها.
وما صفراء تكنى أم عوف ... كأن رجيلتها منجلان
هي الجرادة.
قال العتبي: سمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقى من العين فقتول: أعيذك بكلمة الله التامة التي لا يجوز عليها هامة، من شر الجن والإنس عامة، وشر النظرة اللامة. أعيذك بمطلع الشمس، من كل ذي مشي همس، وشر كل ذي نظر خلس، وشر كل ذي قول دس، ومن شر الحاسدين والحاسدات، والمنافسين والنافسات، وللكائدين والكائدات، نشرت عليك بنشرة نشار، عن رأسك ذي الأشعار، وعن عينيك ذوابي الأشفار، وعن فيك ذي المحار، وظهرك ذي الفقار، وبطنك ذي الأسرار، وفرجك ذي الأستار، ويديك ذواتي الأظفار، ورجليك ذواتي الآثار، وذيلك ذي الغبار، وعنقك فضلاً وذا إزار، وعن بيتك فرجاً وذا أستار، رششت بماء بارد ناراً، وكان الله لك جاراً.
تعجبت من أم حصان رأيتها ... لها ولد من غيرها وهي عاقر
فقلت لها بحراً فقالت مجيبتي ... أتعجب من هذا ولي زوج آخر
أراد أبو العتاهية أن يخرج من البصرة لفتنة وقعت فيها، فسمع منادياً ينادي: يا متوكل.. فأقام.
قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطيرة؟ قال: وما عسيت أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير الله، ولا خير إلا خير الله، ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب الله المنزل، يعني التوراة.

باب
التفاضل، والتفاوت، والاختلاف، والاشتباه، وما قارب ذلك ووافاه، وضرب في طريقه كان رسول الله صلى الله عليه إذا نظر إلى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قرأ: يخرج الحي من الميت. لأنهما من خيار الصحابة، وأبواهما أعدى عدو لله ورسوله.
وقال عليه السلام لابن علاثة: ما كان بينك وبين عامر! قال: آمنت وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر، وعففت وفجر. فقال عليه السلام: أنت خير منه.
علي رضي الله عنه لمعاوية: وأما قولك أنا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب. ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل؛ وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز أنعشنا بها الذليل. ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجاً، وأسلمت هذه الأمة طوعاً وكرهاً، كنتم فيمن دخل في الدين إما رغبة وإما رهبة، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الألون بفضلهم.
وسئل علي رضي الله عنه عن قريش فقال: أما بنو مخزوم فريحانة قريش، نحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم؛ وأما بنو عبد شمس فأبعدها رأياً، وأمنعها لما وراء ظهورها؛ وأما نحن فأبذل لما في أيدينا، واسمح عند الموت بنفوسنا، وهم أكثر وأمكر وأنكر، ونحن أفصح وأصبح وأنصح.
وعنه رضي الله عنه: شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره.
وعنه: أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم، وأنتم تريكة الإسلام وبقية الناس، إلى المعونة أو طائفة من العطاء فتفرقون عني.
الحسين بن النضير الفهري:
إن النبي محمداً ووصيه ... في كل سابقة هما أخوان
قمران نسلهما النجوم فثاقب ... منها وخاف خامد اللمعان
كان بين عبد الله بن محمد بن أبي عيينة ومروان بن سعيد بن عباد المهلبيين تهاج فقال له زيد بن يزيد بن حاتم بن قبيصة المهلبي:
سأقضي بين مروان بحق ... وعبد الله ثمت لا أجور
جرى مروان حتى لا يجاري ... فبرز وابن خيرة يستدير
مشيت لقهقري وشآك قدماً ... فقمت وأنت منقطع حسير
وقد أنحت عليك له قواف ... كما أنحى على الراعي جرير
فيا ابن أبي عيينة كف واربع ... ولما يضعفك الليث الهصور
وقد دلفت إليك مثقفار ... كذاك الليث يقدمه الزئير
عياض بن درة الطلي:

أنت الذنابي يا نهيك بن قعنب ... ونحن إذا طار الجناح قوادمه
إذا ما غمزنا من عنانك غمزة ... وهت عضداه واطمأنت شكائمه
قيل لأبي ثور: ما تقول في حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار؟ فقال: بينهما كما ما بين أبويهما في الصرف.
سأل رجل عمرو بن عبيد عن مسألة، فتثاقل عن جوابه، فأنشأ الرجل يقول:
إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... أبقى لنا ذنباً واستؤصل الرأس
فقال عمرو: كأنك تعني أبا حذيفة، أشهد أنه كان لي رأساً، وكنت له ذنباً.
أبو عمرو بن العلاء: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.
ابن المبارك: سمعت أبا حنيفة، وسئل عن علقمة والأسود أيهما أفضل، يقول: والله ما قدرت أن أذكرهما بالدعاء والاستغفار إجلالاً لهما، فكيف أفضل بينهما؟ قيل لأبي العيناء: ما تقول في ابني وهب؟ فتلا قوله تعالى: وما يستوي البحران هذا عذب فرات الآية.
بليغ: لو تتوجت بالثريا، وتقلدت بالفكة، تنطقت بمنطقة الجوزاء، وتوشحت بالمجرة ما كنت مثل فلان.
بينهما فعنف متباعد ما ولدت حرة على عفر الأرض شبيهاً له ولا تلد.
بخست بيربوع لتدرك دارماً ... ضلالاً فمن منك تلك الأمانيا
ثم ينصف فحل بمثله. ليس فلان من أرض فلان، أي لا يشبهه.
أنشد الجاحظ:
وإني لقاض بين شيبان وائل ... ويشك أني بالقضاء بصير
وجدنا بني شيبان خرطوم وائل ... ويشكر خنزير أزب قصير
عمر بن لجأ التميمي لجرير الشاعر:
تهجو النجوم وأنت مقع تحتها ... كالكلب ينبح كل نجم مصعد
هيهات حلت في السماء بيوتهم ... وأقام بيتك في الحضيض الأوهد
أريت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية في منامها من يقول: أعشرة هدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة؟ ثلاث مرات في ثلاث ليال. فقالت في الثالثة: بل ثلاثة كعشرة، فولات الكملة:ربيع الحفاظ، وأنس الفوارس، وعمارة الوهاب. والربيع هو الذي كان ينادم النعمان وقدم عليه عامر بن مالك بن صعصة عم لبيد، وكان عامر أدلم صغير الجثة، وله ابنان زرعة وعلس، فقال الربيع:
عمارة الوهاب خير من علس ... وزرعة الفساد شر من أنس
وسئلت عن بنيها أيهم أفضل؟ فقالت: أنس، لا بل عمارة، لا بل ربيع، ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
أبو عطاء السندي واسمه أفلح:
إن الخيار من البرية هاشم ... وبنو أمية أرذل الأشرار
وبنو أمية عودهم من خروع ... ولهاشم في المجد عود نضار
أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار
وبهاشم زكت البلاد وأعشبت ... وبنو أمية كالسراب الجاري
سأل زياد ابن أبيه أبا الأسود عن حب علي فقال: إن حب علي يزداد في قلبي حدة، كما يزداد حب معاوية في قلبك، فإني أريد الله والدار الآخرة بحبي علياً، وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، ومثلي ومثلك كما قال أخوة مذحج:
خليلان مختلف شأننا ... أريد العلاء ويهوي اليمن
أحب دماء بني مالك ... وراق العلى بياض اللبن
أبو العواذل زكريا بن هارون:
علي وعبد الله بينهما أب ... وشتان ما بين الطبائع والفعل
ألم تر عبد الله ينحى على الندى ... علياً ويلحاه علي على البخل
ابن الرقاع:
القوم أشباه وبين حلومهم ... بون كذاك تفاضل الأشياء
والأصل ينبت فرعه متفاوتاً ... والكف ليس بنانها بسواء
أحمد بن سهل: الرجال ثلاثة: سابق، ولاحق، وماحق؛ فالسابق الذي سبق بفضله، واللاحق الذي لحق بأبيه في شرفه، والماحق الذي محق شرف آبائه.
ونظر حكيم إلى شوك عليه حية في نهر، فقال: ما أشبه السفينة بالملاح! يقال في الرديئين من غير تفاضل كحماري العبادي. قيل للعبادي: أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا.
وللرقاشي وقد سئل عن رجلين:
حمارا العبادي الذي سيل عنهما ... فكانا على حال من الشر واحد

تنافر عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة، فلم يرد أن ينفر أحدهما على الآخر، فقال: أنتما كركبتي البعير تقعان على الأرض معاً.
ولد عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسمي باسمه، فكان الناس يقولون: أي حق رفع، وأي باطل وضع.
كفلت عائشة بنت عثمان أبا الزناد صاحب الحديث، وأشعب الطماع، وكان يقال له شعيب، وربتهما قال أشعب: فكنت أسفل ويعلو حتى بلغت أنا وهو هاتين الغايتين.
حج أبو الأسود الدؤلي بامرأته، وكانت جميلة شابة، فعرض لها عمر بن أبي ربيعة فغازلها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه فقال:
وإني ليثنيني عن الجهل والحنا ... وعن شتم أقوام خلائق أربع
حياء وإسلام وتقوى وأنني ... كريم ومثلي قد يضر وينفع
فشتان ما بيني وبينك أنني ... على كل حال أستقيم وتضلع
ربيعة بن عمرو بن الخليع العقيلي:
لا تدعوني فإني غير تابعكم ... ولست منكم ولا حسي ولا جرس
إذن أكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس
ربيعة الرقي:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر بن حاتم
يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الآزد للأمول غير مسالم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
أحفظ معاوية الأحنف وجارية بن قدامة ورجالاً من بني سعد فأغلظوا له، وذلك بسمع من بنت قرطة فأنكرت ذلك، فقال لها: إن مضر كاهل العرب، وتميماً كاهل مضر، وسعداً كاهل تميم، وهؤلاء كاهل سعد.
ونحوه: مضر خيرة اله تعالى من خلقه، وقريش خيرة مضر، وهاشم خيرة قريش، وعترة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرة هاشم.
وعن جعفر بن سليمان الهاشمي: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد.
وعن يحيى بن خالد البرمكي: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون ويحفظون أحسن ما يكتبون، يروون أحسن ما يحفظون.
ابن الرومي:
وما الدهر إلا كابنه فيه بكرة ... وهاجرة مسمومة الحر صيخد
ابن الدهر النهار، يعني كما أن النهار فيه روح البكرة وحر الهجير، وكذلك الدهر فيه نعيم وبؤس.
المأمون: الشرف نسب، فشريف العرب أولى بشريف العجم من وضيع العرب، وشريف العجم أولى بشريف العرب من وضيع العجم.
عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في أخيه الحسين بن عبد الله:
يقول أنا الكبير فعظموني ... ألا هبلتك أمك من كبير
إذا كان الصغير أعم نفعاً ... وأجلد عند نائبة الأمور
ولم يأت الكبير بيوم خير ... فما فضل الكبير على الصغير
سأل الرشيد برصوما الراسبي الزامر ما تقول في ابن جامع فحرك رأسه وقال: إن مات ذهب الغناء، فلا تفارقه فإنه كالخمر العتيق ينسف الرجلين نسفاً، قال: فإبراهيم؟ قال: بستان فيه كمثري وخوخ وتفاح وشوك وخرنوب. قال: فسليم بن سلام؟ قال: ما أحسن خضابه! قال: فعمر الغوالي؟ قال: ما أحسن ثيابه! الحسن: دنيا وسوطاً، لا ساقطاً سقوطاً، ولا هابطاً هبوطاً، ولا ذاهباً فروطاً.
بعضهم: كنت في فناء الكعبة، إذ مر بنا رجل أصلع أرسح أفجج، كأن أنفه بعرة، أشد سواداً من أست القدر، عليه ثوبان قطريان، فقلت: من هذا؟ قالوا: سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء بن أبي رباح.
حسان بن ثابت:
لا يجهلون وإن حاولت جهلهم ... في فضل أحلامهم عن ذلك متسع
إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
ابن الرومي:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمري ولكن منه شيبان
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول الله عدنان
وهيب بن الورد المكي: اتق الله، لا تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر.

كلامي لماظة من بحره، ونحاتة من صخره، وشظية من دوحته، وشظاظ من سرحته. أنا رشاش من سجله، ورذاذ من وبله. أنا كسهدي الماء إلى لجة البحر، والرمل إلى الكثبان العفر. كوز ماء أجاج تجهز إلى فرات عجاج. أنا كمهد إلى الشمس ضوءاً، وزائد في السماء نوءاً فرق بين النبع والفقع.
حديد سنان الزاعبي وزجه ... ولكن بعيد بين عال وسافل
وكم من نطفة عذبت فكانت ... أحب إلي من بحر أجاج
وزنا الكأس فارغة وملأى ... فكان الوزن بينهما سواء
برج تلاقى به التنين والقمر، في فاضل وناقص اجتمعا في مكان.
خبر يقبله الأكياس ويرده الأنكاس.
الأطواد الشم لا تطاول باللخاف، والجبال الرعن لا تزال بحصيات القذف.
أبو بكر الخوارزمي:
لا غرو من صيد الأمير بغبده ... إن الأسود تصاد بالحرفان
قد غرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بني كنعان
الحسن: إن لم تكن حليماً فتحلم، وإن لم تكن عالماً فتعلم، فإنه قل ما تشبه رجل بقوم إلا أوشك أن يكون منهم.
أسرت مزينة حسان بن ثابت في الجاهلية، فأراد أهله أن يفادوه، فقالت مزينة: لا نفاديه إلا بتيس أجم؛ فقالوا: والله لا نرضى أن نفدي شاعرنا ولساننا بتيس. فقال حسان: ويحكم أتغبون أنفسكم عياناً؟ إن القوم تيوس، فخذا من القوم أخاكم وأعطوهم أخاهم.
عبد الله الفقير إليه:
سئلت عن موسى وموسى ما الخبر ... فقلت شيخان كقسمي القدر
الفرق بين الموسيين قد ظهر ... موسى بن عمران وموسى بن ظفر
كان للحسن بن قيس حصن ابن شيمي، وابنة حرورية، وامرأة معتزلية، وأخت مرجئة، وهو سني. فقال لهم يوماً: أراني وإياكم طرائق قدداً.
الجاحظ: وصف خياط حرباً فقال: لقيناهم في مقدار سوق الخلقانين، فما كان بمقدار ما يخيط الرجل من زر حتى تركناهم في أضيق من الجربان، وخرجنا عليهم من وجهين كأنهما مقراضان، وتشبكت الرماح كأنها خيوط، فلو طرحت إبرة ما سقطت إلا على درز رجل.
ووصفها فلاح فقال: لقيناهم في مقدار جريب من الأرض، فما كان بمقدار ما يسقي الرجل مثارة حتى حصدناهم، فلو طرحت منجلاً لما سقط إلا على رقبة رجل.
ووصفها خباز فقال: لقيناهم في مقدار ما يعجن الرجل قفيزاً، فما كان بمقدار ما يعجن الرجل خمسة أرغفة حتى تركناهم في أضيق من جحر تنور، فلو رميت بمحور لم يقع إلا على هامة رجل.
ووصفها طباخ فقال: لقيناهم في مثل صحن مطبخ، فما كان بمقدرا ما يسوى الرجل حملاً حتى تركناهم في أضيق من خرق مصفاة، فلو رميت بمغرفة لم تقع إلا على رأس رجل.
وأنشد الخياط:
فتقت بالهجر دروز الهوى ... إذ وخزتني إبرة الصد
أزرار عيني فيك موصولة ... بعروة الدمع على خدي
قد قص ما قدم من وده ... مقراض بين مرهف الحد
ويحك يا كم سروري ويا ... جيب حياتي حلت عن عهدي
وأنشد الزراع:
زرعت هواه في رياض تربص ... وأسقيته ماء الدوام على العهد
وسرقته بالوصل لم آل جاهداً ... ليحرزه السرقين من آفة الصد
فلما تعالى النبت واخضر يانعاً ... جرى يرقان البين في سنبل الود
وله:
حصد الصدود وصالنا بمناجل ... طبع المناجل من حديد البين
ديس الوصال وذريت أكداسه ... بالسافيات من الحديث المين
فالقلب يطحنه بأرحية الهوى ... والبين يأكله بلون لون
وله:
جرادق اللوعة مسمومة ... مثرودة في قصعة الجهد
وأنشد الطباخ:
أنت لوزينج الفؤاد وفي اللي ... ن كلين الخبيصة الصفراء
يا نسيم القدور في يوم عرس ... وشبيهاً بشهدة بيضاء
إن اسفيذباج وصلك يشفي ... من زحير الأحزان أي شفاء
كان المعتصم الثامن من خلفاء العباسية، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر، وكان له من الولد ثمانية ذكور وثماني إناث. وفتح ثمانية حصون، وبنى ثمانية قصور، وخلف في بيت المال ثمان مائة ألف دينار وثمانية آلاف درهم.

سمع المخلوع جلبة العدو المحاصر له، وشغب جنده حين أحيط به، فقال: لعن الله الفريقين! أحدهما يطلب دمي، والآخر يطلب درهمي.
محمد بن يزيد الأموي في الحسن بن وهب:
أي جواد جرى فجود في ال ... جري إذا لم يكن على أثرك
وأي شمس أضاء لم يك من شم ... سك مستملياً ومن قمرك
آخر:
نثل الجفير فكان أه ... زع ما تضمنه الجفير
الأهزع أجود سهم يبقيه الرجل في أسفل جفيره لضنه به.
مروان بن أبي حفصة في معن:
نشابه يوماه علينا فأشكلا ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل
أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل
ابن الحاجب في مجاوبة ابن الرومي:
بيت وبيت عقرب يتقى ... وأرى نحل في اللها ذائب
جرحتني فيها وداويتني ... فأنت أنت الصادع الشاعب
فسري كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله تعالى: هذا عبدي حقاً.
أنس بن زنيم:
في كل مجمع غاية أجراهم ... جذع أبر على المذاكى القرح
يعني علياً رضي الله عنه، قاله يوم أحد.
ذكر رجال الشيخين ففاضلوا بينهما، فبلغ عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر.
استفتى أعرابي عبد الله بن الزبير وعمرو بن عثمان فتواكلا. فقال: اتقيا الله فإني جئتكما مسترشداً، أمواكلة في الدين؟ ثم أشارا له يا لحسن والحسين، فأفتياه فقال فيهما:
جعل الله حر وجهكما ... نعلين سبتا يطاهما الحسنان
كان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس برسول الله خلقاً وخلقاً، وكان الرجل يرى جعفراً فيقول: السلام عليك يا رسول الله، يظنه إياه، فيقول: لست برسول الله، أنا جعفر. وكان أبو هريرة يقول: ما لبس النعال، ولا ركب الرحال بعد رسول الله أفضل من جعفر.
قال سعيد بن العاص حين قتل الحسين رضي الله عنه: لله در ابن زياد! كان من صفر فصار من ذهب.
سأل الوليد بن عقبة مروان بن الحكم، وهو على المدينة، والمغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة، فلم يجد عندهما طائلاً، فانحدر إلى عبد الله بن عامر، وهو على البصرة، فقضى عنه دينه مائة ألف، فقال:
ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلى بذلة لابن عامر
لكي يقياه الحر والبرد والأذى ... ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر

باب
الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر
والسرور، والتهاني، والبشائر، وما أشبه ذلك ابن عباس رضي الله عنه: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلي فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، يا غلام، احفظ الله تجده أمامك، وتعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا أن يعطوك أمراً منعكه الله لم يقدروا على ذلك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. إن مع العسر يسراً.
ابن مسعود: عنه عليه السلام: لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه، ثم قرأ: إن مع العسر يسراً.
علي رضي الله عنه: عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.
قتل هدبة بن الخشرم ابن عمه زيادة بن ريد العذري في أيام معاوية فحبسه سعيد بن العاص وهو على المدينة خمس سنين إلى أن بلغ المسور بن زيادة بن زيد العذري، فقال هدبة في الحبس.
عسىالكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف وبفك عانٍ ... ويأتي أهله النائي الغريب
أبو حكيمة الكاتب:
لعمرك ما كان التعطل صائراً ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعة
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواءً فاغتنم لذة الدعة
وإن ضقت فاصبر يفرج الله ما ترى ... ألا رب ضيق في جوانبه سعة
الجرجرائي الكاتب:
ولا تيأسن من فرجة أن تنالها ... لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجو
الرياشي: ما اعتراني هم فأنشدت قول أبي العتاهية:
هي الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر

أتياس أن ترى فرجاً ... فأين الله والقدر
إلا سري عني، وتنسمت ريح الفرج.
قابوس. كل غم إلى انحسار، وكل عال إلى انحدار.
النعم به محفوفة، والمسار إليه مزفوفة.
سررت سرور من أعطي مناه، وأوتي كتابه بيمناه.
أصبحت لا تحملني كاهل أرضي فرحاًن ولا تقبلني أعود سرجي مرحاً.
مسرة من الزمان بدعة ... ما خطرت أمثالها بفكرة
أرخت أفراحي بها كمثل ما ... يؤرخ الناس بعام الهجرة
تباشروا به تباشروا الحرمين بلين لة لاسعار، وتحدثوا به تحدث البدو بتابع الأمطار.
لكل غمرة محنة معبر، ولكل مورد غمة مصدر.
خبر سار كتب في الألواح، وامتزح بالأرواح، في جملة البشائر العظام، وجرى في العروق وتمشي في العظام.
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور
قيل لمالك بن الريب: قال بعض الحكماء: أسر الأشياء في القلوب توبة بعد خطيئة، فقال: لكن أسر الأشياء عندي في القلوب قفلة على غفلة. قيل له: قد أبعدت بين السرورين، قال: كل يقول على قدر عقله.
أنشد ابن أبي عمرة:
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب
أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب
آخر:
الهم فضل والقضاء غالب ... وكائن ما خط في اللوح
فانتظر الروح وأسبابه ... آيس ما كنت من الروح
ابن المعتز: من كان عاقلاً لم يسر إلا غافلاً.
قيل لأعرابي: ما السرور؟ فقال: أوبة بغير خيبة، وألفة بغير غيبة. وقال آخر: غيبة تفيد غنى، وأدبة تعقب مني. وقال آخر: كفاية ووطن، وسلامة وسكن. فيه أمن لا يذعر سوامه، وخير لا ينحسر غمامه.
فلا تجزعي إن أظلم الدهر مرة ... فإن اعتكار الليل يؤذن بالفجر
حنيف بن عمير اليشكري مخضرم:
ربما تكره النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال
إن تكن ميتتي على فطرة الل ... ه حنيفاً فإنني لا أبالي
آخر:
ما سد من مطلع ضاقت بنيته ... إلا وجدت سواء الضيق متسعاً
آخر:
إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً ... فأضيق الأمر أدناه إلى الفرج
قيل لسقراط: لم لا تهتم على فائتة، ولا تفرح لفائدة؟ قال: لأن تلك لا تتلافى بعبرة، وهذه لا تستدام بحبرة.
يا قارع الباب رب مجتهد ... قد أدمن القرع ثم لم يلج
فاطو على الهم كشح مصطبر ... فآخر الهم أول الفرج
كتب رجل إلى ابن الزيات يهنيه بالوزارة: إن مما يطمعني في دوام النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في بقائها لك، أنك أخذتها بحقها، واستدمتها بما فيها من أسبابها، ومن شأن الأجناس أن تتقاوم، والشيء يتغلغل إلى معدنه، ويحن إلى عنصره، فإذا صادف منتبه، وركز في مغرسه، ضرب بعرقه، وتمكن للإقامة، وثبت ثبات الطبيعة.
في تهنئة بمولود:
مد لك الله الحياة مداً ... حتى ترى نجلك هذا جداً
مرزاً بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودة وقدا
هناك الله مولده، وقرن بالخير مورده.
كان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام من الرضاعة، وكان يقول: إني لأرى فيك مخايل الخلافة، ولا تموت حتى تليها، قال: فإن أنا وليتها فلك العراق. فلما ولي أتاه فأقام بين السماطين فقال: يا أمير المؤمنين، أعزك الله بعزته، وأيدك بملائكته، وبارك لك فيما ولاك، ورعاك فيما استرعاك، وجعل ولايتك على أهل الإسلام نعمة، وعلى أهل الشرك نقمة، لقد كانت الولاية أشوق منك إليها، وأنت لها أزين منها لك، وما مثلك ومثلها إلا كما قال الأحوص بن محمد:
وتزيدين طيب الطيب طيباً ... إذ تمسيه أين مثلك أينا
وإذا الدر زاد حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
دخل على المهدي أعرابي فقال: فيم جئت قال: أتيتك برسالة قال: أتاني آت في منامي فقال: إيت أمير المؤمنين فأبلغه هذه الأبيات:
لكم إرث الخلافة من قريش ... تزف إليكم أبداً عروسا
فتملك أربعيك مباركات ... وتورثها ولي العهد موسى

إلى هارون تهدى بعد موسى ... تميس وما لها أن لا تميسا
فقال المهدي: يا غلام، علي بالجوهر، فحشا فاه حتى كاد ينشق، ثم قال: اكتبوا هذه الأبيات واجعلوها ي مخانق صبياننا.
كان يقال للرجل إذا قام من مرضه: لتهنك الطهرة.
إبراهيم الموصلي في تهنئة الرشيد بالخلافة.
ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق نورها
تلبست الدنيا جمالاً بملكه ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
وغناه بهما من وراء حجاب، فوصله بمائة ألف، ويحيى بخمسين ألفاً.
لما دخل المأمون بغداد بعد قتل المخلوع دخلت عليه أم جعفر فقالت: الحمد لله، لئن هنأتك في وجهك لقد هنأت نفسي قبل أن أراك ولئن فقدت ابنا خليفة فقد اعتضت ابنا خليفة، وما خسر من اعتاض مثلك ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، فأنا أسأل الله أجراً على ما أخذ وامتاعاً بما وهب.
فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه.
دخل عطاء بن ابي صيفي الثقفي على يزيد، وهو أول من جمع بين التهنئة والتعزية، فقال: رزيت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله. قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، ووليت الرياسة، وكنت أحق بالسياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية، واشكر الله على أعظم العطية.
كتب المعتصم إلى المأمون في فتح تيسر على يده: كتابي هذا كتاب مدل بالخبر، لا مدل بالأثر.
لرجل من بني تميم في المهدي حين ولي العهد:
يا ابن الخليفة إن أمة أحمد ... تاقت إليك بطاة أهواؤها
ولتملأن الأرض عدلاً كالذي ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها
حتى تمنى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
وعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... وغدا عليك إزارها ورداؤها
شكا رجل إلى أبي العيناء امرأته، فقال: أتحب أن تموت؟ قال: لا والله الذي لا إله إلا هو، فقال: لم ويحك وأنت معذب بها؟ قال: أخشى أن أموت من الفرح.
مر عمر بن هبيرة بعد إفلاته من السجن بالرقة، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جارتها ليلاً، وهي تقول لها: لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه ما كان كذا. فرمى إليها بصرة فيها مائة دينار وقال: قد خلص الله عمر بن هبيرة فطيبي نفساً.
سعيد بن حمد:
كم فرجة مطوية ... لك تحت أثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
رأى دهقان بأصحاب نصر بن سيار ضعفاً أول ما خرج، فأخذ دوابهم فقطع أذنابها وجحافلها، فلما أصبحوا قال لهم نصر: أبشروا بخير فإني رأيت في النوم كأن قائلاً يقول:
إذا ابتليت فصبراً ... فالعسر يعقب يسرا
فبعد مدة يسيرة ولي خراسان، فأخذ الدهقان فضربه ألف سوط وصلبه.
أراد يزيد بن عمر هبيرة قتل رجل، فضاقت عليه الأرض برحبها، فرأى في منامه من يقول:
ما يسبق الإنسان قيد فتر ... ما كان في اللوح عليه يجري
فما أتى لذلك شهر حتى قتله أبو جعفر.
أبو الخطاب علي بن عيسى بن الجراح مادح المقتدي:
وافى البشير فأعطى السمع منيته ... وقوض الهم لما خيم الفرح
قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه على رسول الله عليه السلام من عند النجاشي، وقد افتتح خيبر، فتلقاه واعتنقه وقبل عينه، وقال: بأبي أنت وأمي، ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر؟ اعترضت المنصور أعرابية بطريق مكة بعد وفاة السفاح، فقالت: يا أمير المؤمنين. قد أحسن الله إليك في الحالتين، وأعظم النعمة عليك في المنزلتين، سلبك خليفة الله، وأفادك خلافة الله، فاحتسب عند الله ما سلبك، واشكر له ما منحك، وتجاوز الله عن أمير المؤمنين، وبارك له في إمرة المؤمنين.

باب
القرابات والأنساب، وذكر حقوق الآباء والأمهات
وصلة الرحم والعقوق، وحب الأولاد وما يجب لهم وعليهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أيولد لأهل الجنة؟ قال: والذي نفسي بيده، إن الرجل ليتمنى أن يكون له ولد، فيكون حمله ووضعه وشبابه الذي ينتهي إليه في ساعة واحدة.
علي رضي الله عنه، رفعه: إياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة من مسير خمسمائة عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء.

علي رضي الله عنه: وأكرم عشيرتك فإنهم جناحاك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، وإنك بهم تصول، وبهم تطول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورك، ويسر عن معسرهم.
كان رجل من النساك يقبل كل يوم قدم أمه، فأبطأ على إخوانه يوماً، فسألوه فقال: كنت أفرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات.
مكحول عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن الله تعالى كلم موسى ثلاثة آلاف وخمسمائة آية، فكان آخر كلامه يا رب أوصني، قال: أوصيك بأمك، حتى قاله سبع مرات. ثم قال: يا موسى، ألا إن رضاها رضاي، وسخطها سخطي.
الزبير بن العوام في ترقيص ابنه عبد الله:
أزهر من آل أبي عتيق ... مبارك من ولد الصديق
كان الحكم بن عبد المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه مستهتراً بالحارث ابنه، فاشترى الحكم جارية مشهورة بالجمال بمال جليل، فجهزها أهلها، وتهيأ هو بأجمل ثياب، وتطيب ودخل على أبيه وعنده الحارث فقال أبوه: إن لي إليك حاجة، فقال: يا أبه، إنما أنا عبدك فمرني، فقال: هب الجارية للحارث، واخلع عليه ثيابك، فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها. فعاتبه الحارث وغضب وأراد أن يحلف، فبدره الحكم فقال: هي حرة إن لم تفعل ما أمرك أبي، وخلع عليه الثياب ثم تخلى من الدنيا، ولزم الثغور حتى مات بمنبج.
أعرابية ترقص ولدها:
يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامي في البلد
أهكذا كل ولد ... أم لم تلد قبلي أحد
كان أعرابي يطوف بالبيت وهو يقول:
أحمل أمي وهي الحمالة ... ترضعني الدرة والعلالة
لقي أعرابي حاجاً فسأله عن نسبه فقال: أنا من باهلة، فقال: أعيذك بالله من ذاك، قال: أي والله، وأنا مع ذلك مولىً لهم. فأقبل الأعرابي يتمسح به ويقبل يديه ويقول: إني واثق بأن الله لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت في الجنة.
قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: خدمك بنوك، فقال: بل أغناني الله عنهم.
قيل لمحمد بن الحنفية: كيف كان علي رضي الله عنه يقحمك في المآزق، ويولجك في المضايق دون الحسن والحسين؟ فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت يديه، فكان يتقي بيديه.
معاوية: العيال أرضة المال.
دعا أعرابي لآخر فقال: لا جعلك الله آخراً يتكل على أوله.
بعض السلف: الأقارب عقارب. وأمسهم بك رحماً أشدهم لك ضرراً.
قال رجل مشوه للجماز: ولد لي ابن كأنه دينار منقوش، فقال: لاعن أمه ويحك.
الشعبي: لا يكون الرجل سيداً حتى يعمل ببيتي الهذلي:
وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منهم كاشح وحسود
أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
فيلسوف: من عق أباه عقه ولده.
كفاك من إكرام الله للملائكة أنه لم يبلهم بالنفقة وقول العيال هات هات.
سأل خالد بن عبد الله القسري واصل بن عطاء عن نسبه فقال: نسبي الإسلام الذي من ضيعه فقد ضيع نسبه، ومن حفظه فقد حفظ نسبه. فقال: خالد: وجه عبد، وكلام حر.
قال رجل لابنه وهو يخلف إلى المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
قيل لأعرابي: ما ولدك؟ قال: قليل خبيث، قيل: كيف، قال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من أنثى.
وجه رجل ابنه ليشتري له رشاء للبئر طوله عشرون ذراعاً، فانصرف من بعض الطريق وقال: يا أبي، في عرض كم؟ فقال: في عرض مصيبتي فيك.
كان لمحمد بن بشير الشاعر ابن جسيم، بعثه في حاجة فأبطأ، ثم عاد ولم يقضها، فنظر إليه ثم قال:
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل
فأجابه:
شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل
عاتب أعرابي ابنه وذكره حقه، فقال: يا أبة إن عظيم حقك علي لا يبطل صغير حقي عليك.
رب بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.
عبد الله بن جعفر.
لا تحسبن أذى ابن عم ... ك شرب ألبا اللقاح
وانظر لنفسك من يحبس ... ك تحت أطراف الرماح
دعبل:
كل يوم لأبي سع ... د على الأنساب عارة
فهو يوم من تميم ... وهو يوم من نزارة

قيل لأبي المخش: أما كان لك ابن؟ قال: بلى، المخش، كان أشدق خرطمانياً، إذا تكلم سال لعابه، كأنما ينظر من قلقين، وكأن ترقوته بوان أو خالفة، وكأن مشاشة منكبيه كركرة جمل، فقأ الله عيني هاتين إن كنت رأيت أحسن منه قبله أو بعده.
نعم ضجيج الفتى إذا برد اللي ... ل سحيراً وقرقف الصرد
زينها الله في الفؤاد كما ... زين في عين والد ولد
النبي صلى الله عليه وسلم: الولد ريحان من الجنة.
كان يقال: ابنك ريحانتك سبعاً، ثم خادمك سبعاً، ثم عدو أو صديق.
لما قبض ابن أبي عيينة صلة الخليفة قال لأصحابه: قد وجدتم مقالاً فقولوا، متى رأيتم صاحب عيال أفلح؟ كانت لنا هرة ليس لها جراء، فكانت لا تكشف عن المقدور، ولا تعبث في الدور، فصار لها جراء، فكشفت عن المقدور، وعاثت في الدور.
وإذا افتخرت بأعظم مقبورة ... فالناس بين مكذب ومصدق
فأقم لنفسك في انتسابك شاهداً ... بحديث مجد للقديم محقق
كان يقال: بنو أمية دن خل، أخرج الله منه زق عسل. يعني عمر بن عبد العزيز.
قالت الخنفساء لأمها: ما أمر بأحد إلا بزق، قالت: من حسنك تعوذين.
أعرابي في ترقيص ولده:
أحبه حب الشحيح ماله ... قد كان ذاق الفقر ثم ناله
إذا أراد بذله بداله
عير شريف النسب سقراط بسقوط نسبه، فقال: نسبي عار علي، وأنت عار على نسبك.
قيل لأعرابي: كيف ابنك؟ قال: عذاب رعف به علي الدهر، وبلاء لا يقوم معه الصبر.
قال عبد الملك لروح بن زنباع: أي رجل أنت لولا أنك من أنت منه! قال: يا أمير المؤمنين، ما يسرني أني ممن أنت منه، قال: كيف؟ قال: لأني لو كنت ممن أنت منه لغمرتني أنت ونظراؤك، وأنا اليوم قد سدت قومي كلهم غير مدافع. فأعجب بقوله.
نظر أعرابي إلى ابن له قبيح فقال: يا بني إنك لست من زينة الحياة الدنيا.
عزيت هند بنت عتبة عن يزيد بن أبي سفيان، وقيل: إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف منه، فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفاً من أحد؟ والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي بها فيها لخرج من أي أعراضها شاء.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
ربما سرك البعيد من النا ... س وكان القريب ناراً وعارا
إبراهيم الصولي:
وإن مقيمات بمنقطع اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
العماني:
نمته العرانين من هاشم ... إلى الحسب الأشهر الأوضح
إلى نبعة فرعها في السما ... ومغرسها سرة الأبطح
كان يقال لعمر بن الوليد بن عبد الملك فحل بني مروان، وكان يركب معه ستون رجلاً لصلبه.
قال المنصور لرجل من الهاشميين: متى مات أبوك؟ وما سبب موته؟ فقال: اعتل أبي رحمه الله، ومات في وقت كذا رحمه الله. فقال الربيع: كم تترحم على أبيك بين يدي أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي: لا ألومك، فإنك لم تعرف حلاوة الآباء. فضحك المنصور، وخجل الربيع.
بشر أعرابي ببنت فقال:
قد كنت أرجو أن تكوني ذكراً ... فشقك الخالق شقاً منكرا
قال محمد بن المنكدر: بت أغمز رجل أمي، وبات أخي يصلي، ولا تسرني ليلته بليلتي.
لم يكن محمد بن سيرين يكلم أمه بلسانه، كان يكلمها كما يكلم الأمير الذي لا ينتصف منه.
فضل: ريح الولد من الجنة.
يوسف بن أسباط: إذا أراد الله بعبد شراً سلط عليه أنياباً تنهشه يعني العيال.
قيل لأعرابي: ما تقول في ابن عمك؟ قال: عدوك، وعدو عدوك.
قالت ماوية امرأة لؤي بن غالب: أي بنيك أحب إليك؟ قال: الذي لا يرد بسط يده قبض، ولا يلوي لسانه عجر، ولا يلوي طبيعته سفه، وهو أحد ولدك، بارك الله لي ولك فيه، يعني كعب بن لؤي.
علي بن موسى الرضا: قال لأخيه زيد بن موسى: يا زيد، سوءة لك! ما أنت قائل لرسول الله؟ سفكت الدماء، وأخفت السبل، وأخذت المال من غير حله، لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار. إن هذا لما خرج من بطنها الحسن والحسين، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله.
خارجة بن فليح الملكي مداح آل الزبير.
كأن على عرنينه وجبينه ... شعاعين لاحا من سماك وفرقد

هو التابع التالي أباه لما تلا ... أبوه أباه سيد وابن سيد
ربيعة بن أمية بن أبي الصلت:
وإنا معشر من جذم قيس ... فنسبتنا ونسبتهم سواء
هم آباؤنا وبنوا علينا ... كما بنيت على الأرض السماء
النبي صلى الله عليه وسلم: صلة الرحم متمات للولد، مثراة للمال.
كان عروة بن الزبير عند عبد الملك فذكر أخاه عبد الله فقال: قال ابو بكر كذا، فقيل له أتكنيه عند أمير المؤمنين لا أم لك؟ فقال: ألي يقال لا أم لك وأنا ابن عجائز الجنة؟ يعني أن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله أم الزبير، وخديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين عمة الزبير، وعائشة أم المؤمنين خالة ابن الزبير، وأسماء ذات النطاقين أمه.
غضب معاوية على يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا أكبادنا، وثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، وبهم نصول على كل جليلة. إن غضبوا فأرضهم، وإن سألوك فأعطهم، وإن لم يسألوك فابتدئهم، ولا تنظر إليهم شزراً فيملو حياتك، ويتموا وفاتك. فقال: يا غلام، أيت يزيد فأقره السلام، واحمل إليه مائتي ألف، ومائتي ثوب. فقال يزيد: من عند أمير المؤمنين؟ قال: الأحنف، قال: علي به، فقال: يا أبا بحر، كيف كانت القصة؟ فحكاها، فقال: أما أنا فسأعلي سمكها، وشاطره الصلة.
زاهر البكري: كان ابنه يزيد بخراسان، فقال فيه:
إذا جاء ركب من خراسان مقبلاً ... ففي عن المستخبرين صدود
أحاذر أن يردى يزيد بن زاهر ... وجلدة بين الحاجبين يزيد
أبو لهب تبت يداه:
إذا القرشي لم يضرب بعرق ... خزاعي فليس من الصميم
وكيف يكون ذا شرف إذا ما ... تخطته دلالات النجوم
دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: انبذها عنك، فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن. قال: لا تقل يا عمرو، فوالله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان إلا هن، وإنك لواجد خالاً قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو: ما أراك يا أمير المؤمنين إلا قد جبهتهن إلي.
الجاحظ: عرق الخال أنزع من عرق العم، ونصيب الأمهات في الأولاد أنزع، وهن على الشبه أغلب، والدليل عليه أن أكثر ما يلدن الإناث من الناس، وسائر الحيوان، فإذا أردت أن تعرف حق ذلك من باطله فأحص سكان ما حولك من الدور، وانظر ذكورهم أكثر أم إناثهم. والعرب تكره الأذكار لأن الهجمة يكفيها فحل أو فحلان، والناقة تقوم مقام الجمل، والجمل لا يسقي اللبن. وكذلك الجحور في المروج والعانات في الفيافي، يكفي الجماعة فحل واحد. والأم والأب يستويان في وجده، ثم تفضله لأن الولد يخلق من مائهما، والأب إنما يقذف مثل المخطة أو البصقة ثم يعتزل والأم منها الرحم، وهو القرار الذي تفرغ فيه النطفة، كما يفرغ الرصاص المذاب في القالب، ثم لا يغتذي إلا من دمها. ولا يمص إلا من قواها ما دام في جوفها، فإذا ظهر غذته بلبنها، ولا يشك الأطباء أن اللبن دم استحال، فهي تغدوه بلبنها مرتين.
كان عبد الملك يقول في ترقيص عبد الله ابنه:
كأنه في العز قيس بن عدي ... إلى محل بيته يأتي الندى
يريد قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان سيد قريش في وقته، وقيس هو القائل:
عدي بن كعب إن سألت بطانتي ... فهنا وهنا عنهم فتنكب
ينشب عيصى ما بقيت بعيصهم ... تنشب عيص القشعة المتنشب
فإني وإن كانوا إلي أحبة ... أمي وقومي دون قومي وأقربي
لجان على حبي عدي وجاعل ... خفارتهم ما بين أذني ومنكبي
علي رضي الله عنه في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم موضع سره. ولجأ أمره، وعيبة علمه وموئل حكمة، وكهوف كتبه، وحبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائصه، هم أساس وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي.

وعنه عليه السلام: ألا يعدلن أحدكم عن القرابة يرى بها أن يسدها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض منه عنهم يد واحدة، تقبض منهم عنه أيد كثيرة، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة.
رأى رضي الله عنه الحسن يتشرع إلى الحرب فقال: املوا عني هذا الغلام لا يهدني، فإنني أنفس بهذين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعنه: رب بعيد أقرب من قريب، وقريب أبعد من بعيد، والغريب من ليس له حبيب.
قيل لفيلسوف: لم تعق والديك؟ قال: لأنهما أخرجاني إلى عالم الكون والفساد.
قيل لعلي بن الحسين: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك في صفحة واحدة.
قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها.
معقل أخو أبي دلف العجلي يقول له:
أخي مالك ترميني فتقصدني ... وإن رميتك سهماً لم يجز كبدي
وما لقلبك مجبولاً على ترتي ... كأن أجسادنا لم تغذ من جسد
أحمد بن أبي سلمة الكاتب:
حلفت بأنك من حمير ... وليس اليمين على المدعي
خلف بن خليفة وكان من العققة:
فيا رب إن أملت وفراً يسوقه ... خليفة فاحرمني الذي أنت واهبه
فخيرك لا يرجى وشرك يتقى ... كما يتقى شرك القتادة حاطبه
الشرف بالهمم العالية، لا بالرمم البالية.
أولى الناس بالمروءة من له بنوة النبوة.
ولد له ذكر مد في وجوه الملك غرراً، وملأ عيون المجد قراراً.
إذا ترعرع الولد تزعزع الوالد.
كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً. يعني أن هاجر أم إسماعيل كانت قبطية، وأم إبراهيم مارية كذلك. وقال لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي.
عمر رضي الله عنه: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله تعالى نسمة تسبحه وتذكره.
شبيب بن شمسة: ذهبت اللذات إلا من شم الصبيان، وملاقاة الإخوان، والخلوة مع النسوان.
الحسن بن زيد العلوي:
قالا عقيم فلم يولد له ولد ... والمرء يخلفه في قومه الولد
فقلت من علقت بالحرب همته ... عاف النساء فلم يكثر له عدد
ولد لجابر الفزاري بعد ما كبر غلام له ابهامان في يد، فقال:
الحمد لله العلي الماجد ... أعطى على رغم العدو الحاسد
بعد مشيب الرأس ذا الزوائد ... ليثاً يرى السبعة مثل الواحد
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا يقبل الله تعالى صدقة من أحد وذو رحمه جائع.
وعنه عليه السلام: أفضل الصدقة على ذي رحم كاشح.
عمر بن عبد العزيز لميمون بن مهران: يا ميمون، لا تأت السلاطين، وإن أمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر؛ ولا تخلون بامرأة وإن قرأت عليها سورة من القرآن؛ ولا تصحبن عاقاً فإنه لن يصلك وقد عق أبويه.
كانت لأعرابي امرأتان، فولدت إحداهما غلاماً والأخرى جارية، فرقصته أمه وقالت مضارة لضرتها:
الحمد لله الحميد العالي ... أنقذني العام من الحوال
من كل شرهاء كشن بالي ... لا تدفع الضيم عن العيال
فسمعت الأخرى فأقبلت ترقص بنتها وتقول:
وما علي أن تكون جارية ... تغسل رأسي وتكون الفالية
وترفع الساقط من خماريه ... حتى إذا ما بلغت ثمانية
أزرتها بنقبة يمانية ... أنكحها مروان أو معاوية
أصهار صدق ومهور غالية
فتزوجها مروان على مائة ألف، وقال: إن أمها لحقيقة أن لا تكذب ظنها، ولا تخاس بعهدها. وقال معاوية: لولا أن مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكنها لا تحرم الصلة. فبعث إليها بمائتي ألف درهم.
نظر عمر رضي الله عنه إلى رجل يحمل ابناً له على عاتقه. فقال: ما هذا منك؟ قال: ابني، قال: أما إنه إن عاش فتنك، وإن مات حزنك.

سعيد بن سلم: حججنا فبينا أن أسير على حمار خلف المحامل والقباب والكنائس، إذا أنا بأعرابي واقف ينظر إليها وهي تمر عليه، فقال لي: لمن هي يا هناه؟ قلت: لرجل من باهلة، فقال: والله ما رأيت كاليوم قط! ما ظننت أن الله يعطي باهلياً هذا ولا نصيفه ولا عشيره فقلت: هل يسرك أنها لك وأنت من باهلة؟ قال: لاها الله ذا، فناولته صرة كانت معي، فقال: والله لقد وافقت مني حاجة، فقلت إني من باهلة، فردها وقال: أكره والله أن ألقى الله ولباهلي عندي يد. فحدثت به الرشيد فضحك وقال: ما أصبرك يا سعيد! عبد الملك بن الكاهلية الثقفي:
ثلاث قد ولدنك من حبوش ... إذا تسمو جذبتك بالزمام
عق أبا المنازل فرعان بن الأعرف السعدي ابنه منازل، فقال:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنزل الدين طالبه
وما كنت أخشى أن يكون منازل ... عدوي وأدنى شانىء أنا راهبه
حملت على ظهري وقربت صاحبي ... صغيراً إلى أن أنكر الطر شاربه
وأطعمته حتى إذا آض شيظماً ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه
تخون مالي ظالماً ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه
ثم عق منازلاً ابنه خليج فقال:
تظلمني مالي خليج وعقني ... على حين صارت كالحني عظامي
وكيف أرجي العطف منه وأمه ... حرامية ما غرني بحرام
تخيرتها وازددتها لتزيدني ... وما بعض ما يزداد غير غرام
لعمري لقد ربيته فرحاً به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام
عمر رضي الله عنه: تكثروا من العيال، فإنكم لا تدرون بمن ترزقون.
المأمون: أقرباء الرجل بمنزلة الشعر من جسده، فمنه ما يحفي وينفي ومنه ما يكرم ويخدم.
قيل لحكيم: لم لا تطلب الولد؟ قال: لحبي له.
قال الحجاج لابن القرية: أي الثمار أشهى؟ قال: الولد، وهو من نخل الجنة.
عمر رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب، فرب رحم مجهولة قد وصلت بعرفان نسبها.
قال رجل من همدان لابن عباس: ممن أنا؟ قال: أنت رجل من العرب، قال: فممن أنت؟ قال: من سأل عنا أهل البيت فإنا من أهل كوثى، الأصل آدم، والكرم التقوى، والحسب الخلق، إلى هذا انتهت نسبة الناس.
فاخر أسماء بن خارجة رجلاً فقال: أنا ابن أشياخ الشرف. فقال له ابن مسعود: كذبت، ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أولئك أشياخ الشرف، ليسوا بآبائك.
سئل عيسى عليه السلام: أي الناس أشرف؟ فقبض قبضتين من تراب، ثم قال: أي هذين أشرف؟ ثم جمعهما وطرحهما، وقال: الناس كلهم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
عمر رضي الله عنه: تعلموا أنسابكم تعرفوا بها أصولكم، وتصلوا بها أرحامكم.
قالوا: لو لم يكن في معرفة الأنساب إلا الاعتزاز بها من صولة الأعداء، ومنازعة الأكفاء، لكان تعلمها من أحزم الرأي وأفضل الصواب ألا ترى إلى قول قوم شعيب: ولولا رهطك لرجمناك، فأبقوا عليه لرهطه.
كان لإسحاق عليه السلام ثلاثة بنين: يعقوب، والعيص أبو الروم، وبارص وقيل فارص، وهو فارس أبو الفرس.
تنافر غنى وباهلة إلى حرقوص السدوسي. فصدع جسمه بعود نصفين، وقال: هذا غني، وهذا باهلة.
كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة رجل من عنزة فسبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان، فكانت بغياً ثم عتقت. ووقع عليها أبو لهب، وأمية ابن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان ابن حرب، والعاص بن وائل، في طهر واحد، فولدت عمراً. فادعاه كلهم، فحكمت فيه أمه فقالت: هو للعاص لأن العاص كان ينفق عليها. وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان. وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
أبوك أبو سفيان لاشك قد بدت ... لنا فيك منه بينات الشمائل
وكان معاوية يعزي إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى العباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح مغن أسود كان لعمارة. قالوا: كان أبو سفيان دميماً قصيراً، وكان للصباح عسيفاً لأبي سفيان شاباً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها.
وقالوا أن عتبة ابن أبي سفيان من الصباح أيضاً، وأنها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك. وفي ذلك قال حسان:

لمن الصبي بجانب البط ... حاء ملقى غير ذي سهد
نجلب به بيضاء آنسة ... من عبد شمس صلته الخد
ذهب المهدي والعباس بن محمد إلى الحجر الأسود للاستلام، فقال المهدي: تقدم يا عم، فقال العباس: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، قدمت عمك، وتقديمك إياه تقدم لك وشرف.
عبد الرحمن بن دارة الغطفاني:
وإني لأستبقي امرء السوء عدة ... لعدوة عريض من القوم جانب
أخاف كلاب الأبعدين ونهشها ... إذا لم تهارشها كلاب الأقارب
أبو النضير مولى بني سليم:
ويفرح بالمولود من آل برمك ... ولاسيما إن كان من ولد الفضل
قال الرشيد لموسى بن جعفر: إني قاتلك، قال: لا تفعل، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد يكون واصلاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيقصرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين.
عن الكسائي أنه دخل على الرشيد فأمر بإحضار الأمين والمأمون، قال: فلم ألبث أن أقبلا ككوكبي أفق، يزينهما هديهما ووقارهما، قد غضا أبصارهما، وقاربا خطوهما حتى وقفا على مجلسه فسلما عليه بالخلافة، ودعوا له بأحسن الدعاء، فاستدناهما، فأجلس محمداً عن يمينه وعبد الله عن شماله، ثم أمرني أن ألقي عليهما أبواباً من النحو، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه، فسره سروراً استبنته فيه، وقال: كيف تراهما؟ فقلت:
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد
يسدان آفاق السماء بشيمة ... يؤيدها حزم وعضب مهند
ثم قلت: ما رأيت، أعز الله أمير المؤمنين، أحداً من أبناء الخلافة ومعدن الرسالة، وأغصان هذه الشجرة الزاكية، أدرب منهما ألسناً، ولا أحسن ألفاظاً، ولا أشد اقتداراً على بادية ما حفظا ورويا منهما، أسأل الله أن يزيد بهما الإسلام تأييداً وعزاً، ويدخل بهما على أهل الشرك ذلاً وقمعاً، وأمن الرشيد على دعائي، ثم ضمهما إليه، وجمع عليهما يديه، فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تنحدر على صدره. ثم أمرهما بالخروج، ثم قال: كأنكم بهما لو قد حم القضاء، ونزلت مقادير السماء، وقد تشتت أمرهما، وافترقت كلمتهما، حتى تسفك الدماء، وتهتك الستور.
قيل لأعرابي: ما تقول في ابنك، وكان عاقاً! فقال: بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب عليها الشكر.
براك الله حين براك بحراً ... وفجر منك أنهاراً غزارا
بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظم الناس الخطارا
ويروى أن عبد الملك بن مروان قال للشعراء: ألا قلتم كما قال كعب في المهلب وولده، وأنشدهم هذين البيتين.
وعن ابن هرمة أنه قال للمنصور قد مدحتك مدحة لم يمدح أحد بمثلها، فقال المنصور: وما عسى أن تقول في بعد قول كعب في المهلب؟ وأنشدهما.
مالك بن أحمد بن سوار الطائي:
وإني لأخشى أن أموت وأحمد ... صغير فيجفي أحمد ويضيع
وإني لأرجو جعفراً إن جعفراً ... لصالح أخلاق الرجال تبوع
جرت بين محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز وبين عبد الله بن مصعب الزبيري مفاخرة عند المهدي، فقال محمد:
عبد مناف أبو أبوتنا ... وعبد شمس وهاشم تؤم
بحران خر العوام بينهما ... فالتهماه والبحر يلتهم
هارون بن علي بن يحيى المجم:
أرى في ابني مشابه من علي ... ومن يحيى وذاك به خليق
فإن يشبههما خلقاً وخلقاً ... فقد تنمي إلى الشبه العروق
يزيد بن طلحة الطلحات:
إذا ما اتقى الله الفتى وأطاعه ... فليس به بأس وإن كان من جرم

كتب علي رضي الله عنه إلى زياد بن ابيه وأراد معاوية أن يخدعه باستلحاقه؛ وقد عرفت أن معاوية يستزل لبك ويستغل غربك فاحذره، فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته، ويستلب غرته، وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس، ونزعة من نزعات الشيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث والمتعلق بها كالواغل المدفع، والنواط المذبذب.
وعنه رضي الله عنه: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به، ثم تلا: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه، الآية. ثم قال: إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته.
أباق بن بديل الدبيري في ابنه الركض وكنيته أبو الذائد:
أبوء لله بشكر الحامد ... هو الذي أعطاك يابا الذائد
أعرف منك منكبي وساعدي ... وعفتي وكرم المشاهد
أنت شبيهي وشبيه والدي ... ومصدر الأمور في الشدائد
وله فيه:
إنك يا ركاض واري الزند ... أعددته للظالم الألد
ذي النخوة المولع بالتعدي ... أخشى عليك الوارثين بعدي
إذا رأوني جدفاً في اللحد ... إذ يعضهوك بالدواهي الربد
وقلب المجن من يفدي
علي رضي الله عنه: لا يكن أكثر شغلك بأهلك وولدك، فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله فإن الله لا يضيع أولياءه، وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله؟ وعنه: أن رجلاً هنأ آخر بمولود في حضرته فقال: ليهنك الفارس فقال: لا تقل ذلك، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده، ورزقت بره.
الحسن: إذا أراد الله بعبد خيراً لم يشغله في دنياه بأهل ولا ولد.
قالوا: صاحب العيال أعظم أجراً، والمتخلي يجد من حلاوة العبادة ما لا يجد المتأهل.
وقالوا: نظرنا في هذا الأمر فإذا الذين بلغوا فيه الغايات هم المنفردون.
الأوزاعي: الفار من عياله كالآبق، لا يقبل منه صوم ولا صلاة لا يرجع إليهم.
أبو العيناء: تنازعا ثوب العقوق حتى صدعاه بينهما صدع الزجاجة ما لها جابر.
رجل من بني أسد خزيمة:
ألا جعل الله اليمانين كلهم ... فدى الفتى الفتيان يحيى بن حيان
ولولا عريق في من عصبية ... لقلت وآلفاً من معد بن عدنان
ولكن نفسي لم تطب بعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان
أوس بن حارثة: العقوق ثكل من لم يثكل.
بعضهم: حججنا مع أبي جزء بن عمرو بن سعيد بن سلم، فجلسا في المسجد الحرام إلى قوم بني الحارث بن كعب، فرأوا هيأته وجماله وإعظامنا له، فقال بعضهم: من أهل بيت الخلافة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب، قال ممن؟ قال: من مضر، قال: أعرض ثوب الملبس، من أيها عافاك الله؟ قال: من قيس، قال إلى فصيلتك التي تؤويك، قال: من بني سعد بن قيس، قال: اللهم غفراً، من أيها؟ قال: من باهلة، قال: قم عنا.
قال الراوي: فقلت للحارثي: هو أمير بن أمير، حتى عددت خمسة، فقال: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة، قال: الخليفة أعظم أم النبي؟ قال: بل النبي، قال: لو عدت له في النبوة أضعاف ما عددت له في الأمرة ثم كان باهلياً ما عبأ الله بشيء من عمله.
أبو هفان العبقسي:
أباهل ينبحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب
كان عمران بن حطان حين أطرده الحجاج ينتقل في القبائل، فإذا نزل في حي انتسب إليه، فقال:
يوماً يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدياً فعدناني
المقنع الكندي:
وإذا رزقت من النوافل ثروة ... فامنح عشيرتك الأداني فضلها
واستبقهم لدفاع كل ملمة ... وارفق بناشئها وطاوع كهلها
واعلم بأنك لا تسود فيهم ... حتى ترى دمث الخلائق سهلها
أبو الجراح العقيلي: ما رأيت عقيلياً إلا حسست له، يريد رققت له وأشفقت عليه.
أوس بن حجر:
وآل بلالي أجساد أبوهم ... ونسل الجواد جريه يتقيل
من حق الولد على والده أن يوسع عليه ماله كيلا يفسق.

قيل لأعرابي: هل تحب الولد؟ قال: لا، إذا عاش كدني، وإذا مات هدني.
ابن عنقاء الفراري:
فإما تريني واحداً باد أهله ... وكل فريق لا أبا لك بائد
فإن تميماً قبل أن يلد الحصى ... أقام زماناً وهو في الناس واحد
من جفا أهل رحمه أجف مغارس نعمه.
حق على الأقارب إعظام الأصغر للأكبر، وحنو الأكبر على الأصغر. هو شعبة ذلك العود، وفلقة ذلك الجلمود.
يقال: فلان علوي من المنكب الألين، أي حسن. ومن المنكب الأخشن، أي حسيني، ومنه قول ابن هرمة:
وأنت من هاشم إن هاشم نسبت ... في المنكب اللين لا في المنكب الخشن
النبي صلى الله عليه وسلم: ملعون ملعون من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى غير مواله.
مجنون: في اختلاف الوجوه والأصوات في آل عجل دليل على فساد النساء.
كتب شريح إلى معلم بني له:
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس
فإذا أتاك فيضه بملامة ... أوعظه موعظة اللبيب الأكيس
وإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا بلغت به ثلاثاً فاحبس
واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما تجرعني أعز الأنفس
قال الجاحظ: وهذا الشعر عند أصحابنا لأعشى سليم في ابن له، وقد رأيت ابنه هذا شيخاً كبيراً وهو يقول الشعر.
كان يقال: إذا كان لك قريب فلم تمش إليه برجلك، ولم تعطه من مالك، فقط قطعته.
أبو عدي العبلي:
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا تناديك من مكان بعيد
والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد
عمران بن عصام الهميمي
قبح الإله عداوة لا تتقى ... وقرابة يدلى بها لا تنفع
نصيب الأصغر مولى المهدي:
إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أشر النبات بها وطاب المترع
وإذا ذكرت من امرىء أعراقه ... وقديمه فانظر إلى ما يصنع
أبو بديل التميمي في علي بن محمد العلوي:
أنت من هاشم بن عبد مناف ... ابن قصي في سرها المختار
في اللباب اللباب والأرفع الأ ... رفع منهم وفي النضار النضار
أبو العذافر في خزيمة بن خازم النهشلي:
خزيمة خير بني خازم ... وخازم خير بني دارم
ودارم خير تميم وما ... مثل خيم في بني آدم
إلا الليوث الغر من هاشم ... وهم سيوف لبني هاشم
يموت بن الموزرع البصري يخاطب ابنه:
مهلهل أحشائي عليك تقطع ... وأقرح أجفاني أخوك مزرع
إلى الله أشكو ما تجن جوانحي ... وما فيكما من غصة أتجرع
فإن ذرفت عيناي وجداً عليكما ... ففي دون ما ألقاه مبكى ومجزع
أخاف حماماً يا مهلهل باغتاً ... وطير المنايا حائمات ووقع
كان للزبرقان بن بدر سبع بنات، تزوج عمر وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما بنتين، والباقيات قوم من قريش وثقيف، وما مات حتى دعته مائة قرشية أباً.
جرير بن عبد الله بن عنبسة بن سعد بن العاص يقول للمهدي:
عبد شمس كان يتلو هاشماً ... وهما بعد لأم ولأب
لكم الفضل علينا ولنا ... بكم الفضل على كل العرب
فصلوا الأرحام منا واحفظوا ... عبد شمس يآل عبد المطلب
قول الشاعر:
وقد يخرج الزندان ناراً لقابس ... فتضحى من الزندين أعلى وأعظما
مثل فيمن يفوق أبويه.
المأمون: لم أر أحداً أبر من الفضل بن يحيى بأبيه. بلغ من بره أنه كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن، فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة، فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم من المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح. فشعر السجان بذلك فغيب المصباح. فتأبطه إلى الصباح.
دخل عثمان رضي الله عنه على بنته، وهي عند عبد الله بن خالد ابن أسيد، فرآها مهزولة. فقال: لعل بعلك يغيرك؟ قالت: لا، فقال لزوجها: لعلك تغيرها؟ قال: لا، قال: فافعل، فلغلام يزيده الله في بني أمية أحب إلي منها.
رأى ضرار بن عمرو الضبي من ولده ثلاثة عشر ذكراً، فقال: من سره بنوه نفسه.

في الحديث: من كان له صبي فليستصب له.
مر أعرابي بقوم ينشد ابناً له فقالوا: صفه، فقال: دنينير، فقالوا: لم نره. فلم ينشب أن جاء على عنقه بشبه الجعل، فقالوا: لو سألتنا عن هذا لأخبرناك به.
عنه عليه السلام: إنكم لتجبنون، وإنكم لتبخلون، وإنكم من ريحان الجنة.
أنشد ابن الأعرابي:
أحب بنيتي وودت أني ... دفنت بنيتي في قعر لحد
وما بي أن تهون علي لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدي
الطرماح:
أحاذر يا صمصام إن مت أن يلي ... تراثي وإياك امرؤ غير صالح
إذا صك وسط القوم رأسك صكة ... يقول له الناهي ملكت فاسجح
ولد للحسن غلام فهنىء به، فقال: الحمد لله على كل حسنة، ونسأل الله الزيادة من كل نعمة، ولا مرحباً بمن إن كنت عائلاً أنصبني، وإن كنت غنياً أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعياً، ولا بكدي له في الحياة كداً، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا لا يصل إلي من غمه حزن، ولا من فرحه سرور.
قيل لرجل: أي ولدك أحب إليك؟ قال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.
الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه على شرب النبيذ فلم يعتبه: وقال:
أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت علي الآن طابت لي الخمر
سأشرب فاغضب لا رضيت كلاهما ... إلي لذيذ أن أعقك والسكر
النبي صلى الله عليه: حق كبير الاخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده.
ابن عمر رضي الله عنه: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: أما علمت أنك ومالك لأبيك؟ عثمان رضي الله عنه: كان عمر يمنع أقرباءه لوجه الله، وأنا أعطي أقربائي لوجه الله. ولن ترى مثل عمر.
أبو هريرة: الرحم شجته من الرحمن، قال لها: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته.
عبد الله بن عمر رفعه: أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه.
عبد الله بن دينار: احذروا ثلاثاً فإنهن معلقات بالعرش: النعمة تقول: يا رب كفرت، والأمانة تقول: يا رب أكلت، والرحم تقول: يا رب قطعت.
مت إلى ابن عباس رجل برحم بعيدة، فألان له وقال: قال رسول الله: اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة.
علي رضي الله عنه: لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرمه، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة. وليعمل البار ما شاء فلن يدخل النار.
عمر رضي الله عنه رفعه: من كانت له بنت فهو متعب، ومن كانت له بنتان فهو مثقل، ومن كانت له ثلاث بنات فيا عباد الله أعينوه وأغيثوه، فإنه معي في الجنة كهاتين، وجمع بين اصبعيه.
ولد عبد الله بن الزبير بقباء، وكان اليهود حين قدم رسول الله صلى الله عليه قالت: أخذوهم كيلا يكون لهم نسل، فلما ولد عبد الله كبر المسلمون، فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة. فخرجت أسماء فوضعته في حجر رسول الله، فمضغ له التمر وحنكه بها، ودعا له وسماه عبد الله، وقال: قد أسميته بجبريل.
قدم عروة بن الزبير على ابن عباس البصرة وهو حدث، فقال له:
أمت بأرحام إليكم قريبة ... ولا قرب للأرحام ما لم تقرب
فقال له ابن عباس: أتدري من قاله؟ قال عروة: أبو أحمد بن جحش. فقال: فهل تدري ما قال له رسول الله؟ قال: لا، قال: قال له صدقت.
كان أبو كبشة جد رسول الله صلى الله عليه من قبل أمه، فلما خالف رسول الله دين قريش قالوا: نزعه عرق أبي كبشة، حيث خالفهم في عبادة الشعرى.
أتى عمر رضي الله عنه ببرود من اليمن يقسمها، فرأى برداً فائقاً فخاف إن أعطاه بعض الناس أن يغضب الباقين، فقال: دلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة، فقالوا: المسور بن مخرمة، فأعطاه إياه.
أقبل سعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا حظي، فليرني امرؤ خاله.
مر عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بعمر بن عبد الرحمن بن عوف، وهو خائر، فقال: مالك؟ فقال: وقف علي ابن عم لي فلم يترك شيئاً إلا قاله لي. قال: فلا يغمنك ذلك، فوالله ما قوم لهم عزة إلا إلى جانبها عرة، وما صار على طريدتك بأنهك لها من ابن عم دنيء لابن عم سري.

خلف الحارث بن هشام ابنه عبد الرحمن، وسهيل بن عمرو بنت ابنه فاخته، فحملا بعد موتهما بالشام إلى المدينة، وهما صغيران. فترحم عمر على أبويهما، وأجلسهما على فخذيه، وقال: زوجوا الشريد الشريدة عسى الله أن ينشر منهما، وولي تزويجهما عمر، وسماهما الشريدين، وأقطعهما بالمدينة فأوسع لهما، فقيل: أكثرت لهما. فقال: عسى الله أن ينشر منهما نسلاً كثيراً، فكانت الجارية تولد في آل الحارث ابن هشام فيتباشرها النساء، ويرى أهلها أنهم أغنياء.
قال إبراهيم بن هرمة.
فمن لم يرد مدحي فإن قصائدي ... توافق عند الأكرمين سوام
نوافق عند المشتري الحمدي بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام
نال المغيرة بن عبد الله من الحسين؟ فقال أبو ظبيان: ماله قبحه الله؟ إن كان رسول الله ليفرج بين رجليه فيقبل زبيبه.
جاءت فاطمة ببنيها إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله انحلهما، قال: فداك أبوك! ما لأبيك مال فينحلهما. ثم أخذ الحسن فقبله وأجلسه على فخذه اليمنى، وقال: أما ابني هذا فنحلته خلقي وهيبتي، وأخذ الحسين فقبله ووضعه على فخذه اليسرى، وقال: نحلته شجاعتي وجودي.
قال محمد بن علي بن الحسين: ما ولد فينا أحد أشبه بعلي بن أبي طالب من زيد.
وعن زياد بن المنذر: كنت عند محمد بن علي، وعنده زيد بن علي، فقام زيد، فأتبعه بصره وقال: لقد أنجبت أمك يا زيد.
وقع بين عبد الله بن الحسن وبين جعفر بن محمد كلام، فأغلظ له عبد الله، فقال له: أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ وتلا قوله تعالى: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب.
قال ابن عامر لامرأته أمامة بنت الحكم الخزاعية: إن ولدت غلاماً فلك حكمك. فلما ولدت قالت: حكمي أن تطعم سبعة أيام كل يوم ألف خوان من فالوذج، وأن تعق بألف شاة. ففعل.
قال رجل لعمر رضي الله عنه: إن لي أماً بلغ بها الكبر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا، إنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه بها وتتمنى فراقها.
أتى ابن عباس رضي الله عنه إنسانين من ولد أبي لهب ليصلح بينهما. فوجأ أحدهما الآخر بخنجر، فقال ابن عباس: أما أنا فأشهد أنكما مما كسب.
أراد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أن يتزوج ريطة بنت عبد الله الحارثية فمنعه الوليد بن عبد الملك. لما كانوا يرون من زوال الأمر عنهم على يد رجل من بني العباس يقال له ابن الحارثية. فلما قام عمر ابن عبد العزيز شكا ذلك إليه، فقال: تزوج بمن أحببت. فتزوجها فولدت له أبا العباس السفاح، وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس.

باب
القصاص والمتصوفة
وما جاء في أكلهم وزفنهم وصعقاتهم خباب بن الأرت: قال رسول الله صلى الله عليه: إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا.
روي أن كعباً رضي الله عنه كان يقص، فلما سمع هذا الحديث ترك القصص.
ابن عمر رضي الله عنه: لم يقص على عهد رسول الله، ولا على عهد أبي بكر، ولا على عهد عمر وعثمان، وإنما كان القصص حين كانت الفتنة.
مر علي رضي الله عنه بقاص، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى. قال: أنت أبو اعرفوني أيها الناس.
عن أبي قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئاً، ويجلس إلى العالم فلا يقوم إلا وقد تعلق منه بشيء.
نهى إبراهيم النخعي إبراهيم التيمي عن القصص، فقيل له: رجع يقص، قال: لم؟ قيل لرؤيا رآها، قال: وما هي؟ قيل: رأى كأنه يقسم على جلسائه ريحاناً، قال: ما أعلم الريحان إلا طيب الرائحة حسن المنظر، إلا أن طعمه مر، وكان يقول: ما أحد يبتغي بقصصه وجه الله إلا إبراهيم التيمي، ولوددت أنه يفلت منه كفافاً.
ابن المبارك: سألت الثوري من خير الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف، قال: المتقون، قلت: من الملوك، قال: الزهاد. قلت: من الغوغاء، قال: القصاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام قلت: من السفلة، قال: الظلمة.
سئل فضيل عن الجلوس إلى القاص، قال: ليس هذا لله، ليس هذا لله، هذا بدعة. ما كان على عهد رسول الله ولا عهد أبي بكر وعمر قاص. ولكن إذا كان الرجل يذكر الله ويخوف فلا بأس أن يجلس معه.
معاوية بن قرة: لتاجر يجلب إلينا الطعام أحب إلي من قاصين.

قدم سفيان الثوري البصرة، فنزل بمرحوم العطار، فقال: ألا أذهب بك إلى قاص تسمعه؟ فكأنه تكره، ثم مضى معه فإذا هو بصالح المري، فقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير.
وهب رجل لقاص خاتماً بلا فص، فقال: وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف.
مر عبد الأعلى القاص بقوم، وهو يتمايل سكراً، فقيل: هذا عبد الأعلى القاص سكران. فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح! قيس بن جبر النهشلي: هذه الصعقة التي عند القصاص من الشيطان.
قيل لعائشة رضي الله عنها: إن قوماً إذا سمعوا القرآن صعقوا، فقالت: القرآن أكرم من أن تنزف منه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.
لقي عمر رضي الله عنه ناساً من أهل اليمن، فقال: ما أنتم؟ قالوا: متوكلون. قال: كذبتم، بل أنتم متأكلون، ألا أخبركم بالمتوكل: رجل ألقى حبه في بطن الأرض توكلاً على الله.
سئل أنس عن قوم يصعقون عند القراءة، فقال: ذلك فعل الخوارج.
سئل ابن سيرين عمن يسمع القرآن فيصعق، فقال: ميعاد ما بيننا وبينكم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره، فإن صعقوا فهو كما قالوا.
قال ابن السماك للمتصوفة: إن كان لباسكم هذا موافقاً لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس على سرائركم، ولئن كان مخالفاً لسرائركم فقد هلكتم.
بعضهم: قلت لصوفي بعني جبتك. فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد؟ وروي أن قاصاً أنشد: أمن ذكر خود دمع عينيك يسفح. ولطم وجهه، وبكى بكاء شديداً، فسئل عن خود، فقال: واد في جهنم يا حمقى.
بالصوفية يضرب المثل في الأكل، فيقال: آكل من الصوفية، لأنهم يدينون بكثرة الأكل، وعظم اللقم، وجودة الهضم، ويأكلون أكل الغنيمة.
وسئل بعض العلماء عنهم فقال: أكلة رقصة، وقيل فيهم:
شرذمة نذلة خسيسة ... همتها الرقص والهريسة
ونقش بعضهم على خاتمه: أكلها دائم. ونقش آخر: آتنا غداءنا.
ويقال: صوفية الدينور، كما يقال: لصوص طوس، وجرابزة مرو.
وعظ عيسى عليه السلام بني إسرائيل، فأقبلوا يمزقون الثياب، فقال: ما ذنب الثياب؟ أقبلوا على القلوب فعاتبوها.
المأمون: أمور الدنيا أربعة: إمارة، وتجارة، وصنعة، وزراعة. فمن لم يكن أحد أهلها كان كلاً على الناس.
قوام الدين والدنيا العلم والنسب، فمن رفضهما وقال: أبتغي الزهد لا العلم، والتوكل لا الكسب، وقع في الجهل والطمع.
بعض القصاص: أول ما يدخل الجنة من البهائم الطنبور، قيل: وكيف ويلك؟ قال: لأنه يضرب بطنه، ويعصر حلقه، ويعرك أذنه. لا يجمع الله هذا على أحد.
كان يمرو قاص يبكي بمواعظه، فإذا طال مجلسه بالبكاء أخرج من كمه طنبوراً وينقره، ويقول: مع هذا الغم الطويل نحتاج إلى فرح ساعة.

باب
القضاء، وذكر القضاة، والشهود، والديون
والأيمان، والخصومات، وما يليق بذلك عبد الله بن عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قدست أمة لا يقضى فيها بالحق.
عبد الرحمن بن حواز: عنه عليه السلام: من حكم بين اثنين، تحاكما إليه وارتضياه، فلم يقض بينهما فعليه لعنة الله.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: ليس أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، فكه العدل، وأسلمه الجور.
أبو حازم: دخل عمر على أبي بكر رضوان الله عليهما، فسلم فلم يرد، فقال لعبد الرحمن بن عوف: أخاف أن يكون قد وجد علي خليفة رسول الله. فكلم عبد الرحمن أبا بكر، فقال: أتاني وبين يدي خصمان، قد فرغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أن الله سائلي عنهما وعما قالا وعما قلت.
استعدى رجل عمر على علي، وعلي جالس، فالتفت عمر إليه فقال: يا أبا الحسن، قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه فتناظرا، وانصرف الرجل فرجع علي إلى مجلسه، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيراً؟ أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، فألا قلت لي يا علي قم فاجلس مع خصمك؟ فأخذ عمر برأس علي فقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنتم! بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور.
أبان بن عبد الحميد اللاحقي في سوار بن عبد الله:
لا يقدح الظلمة في حكمه ... شيمته عدل وإنصاف

يمضي إذا لم تلقه شبهة ... وفي اعتراض الشك وقاف
دعا الحسن بن زيد بن الحسن حين ولاه المنصور المدينة إسحاق بن إبراهيم ابن طلحة، وكان من سروات قريش، إلى القضاء، فأبى فسجنه، فجاء بنو طلحة فاستجنوا معه. فبلغ ذلك الحسن بن زيد فجاء به وقال: إنك تلاججت علي، وقد حلفت أن لا أرسلك حتى تعمل لي فأبرر يميني. فأرسل معه الجند حتى جلس في مجلس القضاء، والجند على رأسه. فقال داود بن مسلم:
طلبوا الفقه والمروءة والفض ... ل وفيك اجتمعن يا إسحاق
فقال: ادفعوه، فدفعوه. وقام من المجلس، وأعفاه الحسن. فلما صار إلى منزله قال لداود: ما حملك على أن مدحتني بما كرهت؟ وأعطاه خمسين ديناراً.
لما وقعت فتنة ابن الزبير اعتزل شريح القضاء، وقال: لا أقضي فبقي لا يقضي تسع سنين. ولما انصرف يوماً من مجلس قضائه، فاعترضه رجل فقال له: أما حان لك أن تخاف الله؟ كبرت سنك، وفسد ذهنك، فصارت الأمور تجوز عليك. فقال: والله، لا يقولها أحد بعدك. فلزم بيته حتى مات.
كان ببغداد رجل اسمه رويم، فولي القضاء، فلقيه جنيد فقال: من أراد أن يستودع سره من لا يفشيه فعليه برويم، فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة حتى قدر عليها.
استقصى ابن هبيرة عتبة بن النهاس على الكوفة، فقال: لا والله الذي لا إله غيره ما أقوى على ذلك، ولا أرضى فقهي ولا علمي له، فلئن كنت فيما قلت صادقاً ما ينبغي لك أن توليني، وإن كنت كاذباً ما يسعك أن تستعين بكاذب. فقال ابن هبيرة: لو تكلم بهذا الكلام أعرابي من البادية لوليناه، فامض إلى عملك.
الأشهب الكوفي:
يا أهل بغداد قد قامت قيامتكم ... مذ قام قاضيكم نوح بن دراج
لو كان حياً له الحجاج ما سلمت ... صحيحة يده من وشم حجاج
وكان الحجاج يشم أيدي النبط بعلامة يعرفون بها.
ابن مسعود: ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم. ثم يرفع رأسه، فإن قال الله: ألقه ألقاه في مهواة أربعين خريفاً.
مسروق: لأن أحكم يوماً بحق أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله.
الحسن: إني لأرجو لقضاة المسلمين خيراً، ما لم يمالئوا، أو يحابوا، أو يرتشوا، إذا أدوا الحق.
ذكر لعباد بن العوام قاض بالعفاف والصلاح، فقال: من ظن أنه يلي لهؤلاء شيئاً فيخلون بينه وبين العدل فبئس ما يظن.
حفص بن غياث: مررت بعليان فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وخزي الآخرة فليتمن ما هذا فيه. فوالله لتمنيت أني مت قبل أن ألي القضاء.
القضاة المضروب بهم المثل في الجهل وتحريف الأحكام منهم: قاضي منى، وقاضي جبل، هي مدينة من طسوج كسكر، كان أيام المأمون. وقاضي ايذج.
قال فيه أبو إسحاق الصابي:
يا رب علج أعلج ... مثل البعير الأهوج
رأيته مطلعاً ... من خلف باب مرتج
وخلفه دنية ... تذهب طوراً وتجى
فقلت قاضي ايذج ... فقال قاضي ايذج
وقاضي شلبة، قال فيه أبو الحسن الجوهري:
رأيت رأساً كدبة ... ولحية كالمذبة
فقلت من أنت قل لي ... فقال قاضي شلبة
محمد بن أبي الشوارب قاضي الكوفة: ما رأيت أحسن وجهاً من المعتز، ولا أبلغ خطاباً، قال لي لما قضاني: يا محمد، قد وليتك القضاء، وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها أمرك، ولا يرد حكمك، فاتق الله وانظر ما أنت صانع. فما قرع قلبي كلام مثله.
كان سبب خروج أبي قلابة من البصرة إلى الشام أنه طلب للقضاء، فقال له أيوب: لو أنك وليت القضاء وعدلت فيه رجوت لك أجراً. فقال: يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح؟ وعن أبي حنيفة رحمه الله: القاضي كالغريق في البحر الأخضر، إلى متى يسبح وإن كان سابحاً؟ أراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة على القضاء فأبى، فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليسجننه، ففعل حتى انتفج وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب. فقال: الضرب في الدنيا بالسياط أهون علي من مقامع الحديد في الآخرة.
وعن ابن عون: ضرب أبو حنيفة مرتين على القضاء، ضربه ابن هبيرة، وضربه أبو جعفر، وأحضر بين يديه فدعا له بسويق وأكرهه على شربه، ثم قام، فقال: إلى أين؟ قال: إلى حيث بعثتني، فمضي به إلى السجن، فمات فيه.

عبد الله بن شبرمة لما ولي القضاء قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس هذا المجلس لأني أحبه وأشتهيه، فاكفني شر عواقبه.
أراد يوسف بن عمر منصور بن المعتمر على القضاء فأبى، فجيء بالقيد ليقيد، وأحضر خصمان فقعدا بين يديه، فما التفت إليهما، فقيل له: إنك لو بترته لم يل لك القضاء. فتركه.
عبد الملك بن عمير عن رجل من أهل اليمن: أقبل سيل باليمن في ولاية أبي بكر فأبرز عن باب مغلق، فظنناه كنزاً، فكتبنا إلى أبي بكر، فكتب: لا تحركوه حتى يقدم عليكم أمنائي. ففتح فإذا برجل على سرير، عليه سبعون حلة منسوجة بالذهب، وفي يده اليمنى لوح، فيه مكتوب:
إذا خان الأمير وكاتباه ... ورضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء
وإذا عند رأسه سيف أشد خضرة من البقلة، مكتوب فيه: هذا سيف هود بن عاد بن أرم.
سليمان بن حرب: لم يبق أمر من أمر السماء إلا الحديث والقضاء، وقد فسدا جميعاً.
القضاة يرشون حتى يولوا، والمحدثون يأخذون على حديث رسول الله الدراهم.
قال رجل لسليمان الشاذكوني: أرانيك الله يا أبا أيوب على قضاء أصفهان. فقال: إن كان لابد فعلي خراجها، فإن أخذ أموال الأغنياء أسهل من أخذ أموال الأيتام.
تقدم رجلان إلى قاض، فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم، فقال: أيها القاضي، تقضي على غائب؟ قال: كيف؟ قال: أنا غائب إذا لم أترك أتكلم.
بنى ابن أسد قصراً بالبصرة، وكانت في جانب منه حجرة صغيرة لعجوز تساوي عشرين ديناراً، فاحتاج إليها فطلبها بمائتي دينار فأبت، فقيل لها: إن القاضي يحجر عليك لسفاهتك، لأنك ضيعت مائتين فيما قيمته عشرون، فقالت: ولم لا يحجر على من يشتري بمائتين ما يساوي عشرين فحجت فاشتريت منها بثلثمائة دينار.
فائد بن الحبيب الأسدي في الزهري:
ومهمة أعيا القضاة قضاؤها ... تدع الفقيه يشك شك الجاهل
بدع معنية هديت لرتقها ... وضربت محردها بحكم فاصل
فنعشت قومك والذين تذمموا ... ك غير مختشع ولا متضائل
شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح فيه نخل، فسألهم عن عدد النخل فلم يعرفوا، فردهم. فقال رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من اسطوانة. فأجازهم.
شهد معلم عند سوار، فرد شهادته، وقال: إنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، فقال: وإنك تأخذ على القضاء رزقاً، قال: أنا أكرهت على القضاء.
قال: فهل أكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك.
أعرابي: لو كان رأسه في الحرباء لأخذت رزقي منه.
تقدمت امرأة إلى قاض، فقال: جامعك شهودك؟ فسكتت، فقال كاتبه: إن القاضي يقول: جاء شهودك معك؟ قالت: نعم، ثم قالت: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبرت سنك، ونقص عقلك، وعظمت لحيتك حتى غطت على لبك، ما رأيت ميتاً يقضي في الأحياء غيرك! كان شريح إذا جلس للقضاء بدأ بهذه الكلمات: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب، وإن المظلوم ينتظر النصر.
أبكي وأندب ملة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام
إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام
علي رضي الله عنه في معنى الحكمين: فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين، فأخذنا أن يجعجعا عند القرآن، ولا يجاوزاه وتكون ألسنتهما معه، وقلوبهما تبعه. فتاها عنه، وتركا الحق وهما يبصرانه.
احتكم رجلان عند شريح، وأقر أحدهما في خلال كلامه بشيء توجه به الحكم عليه، فحكم عليه شريح. فقال الرجل: أصلحك الله، تحكم علي بغير شهود؟ فقال: قد شهد عليك أبو أخت خالتك.
تقدم رجلان إلى بلال، فأطالا السكوت. فقال: لعلكما على حاجة فأقوم عنكما.
ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الطير لتلقي ما في أجوافها من هول يوم القيامة وما عليها من حساب، وإن شاهد الزور يؤتى به يوم القيامة فما يتكلم بشيء حتى يقذف به في النار.
وفي حديث جابر: إن الطير لتضرب بمناقيرها، وتقذف ما في حواصلها، وتحرك أذنابها من هول يوم القيامة.
كان شيخ من العدول يشهد بالشيء اليسير، فأعطاه رجل درهماً ليشهد له، فقال: والله ما ضربت فيها المشط بأقل من درهم قط، ولكني أسامحك إكراماً لك.

المبرد: من طرائف الأحكام أن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة وأميرها، رفعت إليه وصية لرجل بما أمر أن يتخذ به حصون، فقال: اشتروا به خيلاً للسبيل.
أما سمعتم قول الجعفي:
ولقد علمت على تجنبي الردى ... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
شاعر:
إن القضاة موازين البلاد وقد ... أعيى علينا بجور الحكم قاضينا
قرضابة طرفاه الدهر في تعب ... ضرس يدق وفرج يفسد الأبنا
استعدى رجل على امرأة حسناء، فجعل القاضي يميل بالحكم إليها. فقال الرجل: أصلحك الله، حجتي أوضح من هذا النهار، فقال: اسكت يا عدو الله، فإن الشمس أوضح من النهار، قم فلا حق لك عليها. فقالت: جزاك الله على ضعفي خيراً، فقال: ولكن لا جزاك الله على قوتي خيراً، فقد أوهنتها.
علي رضي الله عنه: إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، ورجل قمش جهلاً، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة. عم بما في عقد الهدنة. قد سماه أشباه الناس عالماً وليس به، بكر استكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى ارتوى من أجن، واكتنز من غير طائل، جليس الناس قاضياً، ضامناً لتخليص ما التبس على غيره. فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه ثم قطع به. فهو في لبس الشبهات في مثل بيت العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. خباط جهالات، ركاب عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات اذراء الريح الهشيم. تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله تعالى.
ادعى رجل عند المطلب بن عبد العزيز الحنظلي وقال: يشهد لي والله زنقطة الحذاء. فلما ولي ليحضره قال القاضي لأصحابه: ما شهادته له إلا كشهادته عليه. فلما دخل زنقطة قال: فداك أبي وأمي! أحسن والله من يقول:
من الحنظليين الذين وجوههم ... دنانير مماشيف في أرض قيصرا
فقال: كيس ورب الكعبة، وأجاز شهادته.
تقدمت جميلة إلى الشعبي فسألها البينة. فقيل لها: ما صنعت؟ فقالت: سألني البينة، ومن سئل البينة فقد فلج. فقال هذيل الأشجعي
فتن الشعبي لما ... رفع الطرف إليها
فتنته ببنسان ... كيف لورا معصميها
ومشت مشياً رويداً ... ثم هزت منكبيها
فقضى جوراً على الخص ... م ولم يقض عليها
بنت عيسى بن حراد ... دفع الملك إليها
فتناشدها الناس وتداولوها حتى بلغت الشعبي، فضرب الأشجعي ثلاثين سوطاً.
حكى ابن أبي ليلى قال: انصرف الشعبي يوماً من مجلس القضاء ونحن معه، فمر بالخادم تغسل الثياب وتقول: فتن الشعبي لما، فتن الشعبي لما، ولا تجيز البيت، فلقنها وقال: رفع الطرف إليها. ثم قال: أبعده الله، أما أنا ما قضينا إلا بحق.
قال رجل لآخر: علمني الخصومة. قال: أنكر ما عليك، وادع ما ليس لك، واستشهد الموتى، وأخر اليمين حتى تنظر فيها.
حكيم: الدين مجمع كل بؤس، هم بالليل، وذل بالنهار، وهو ساجور الله تعالى في أرضه، فإذا أراد أن يذل عبداً جعله طوقاً في عنقه.
لقد كان القريض سمير صدري ... فألهتني القروض عن القريض
استقرض الأصمعي خليل له، فقال: نعم وكرامة. ولكن سكن قلبي برهن يساوي ضعف ماتطلبه، فقال: يا أبا سعيد، ما تثق بي؟ قال: بلى، وهذا خليل الله قد كان واثقاً به وقد قال: ليطمئن قلبي.
باع رجل من أعرابي شيئاً بنسيئة وقعد يحسب ربحه، فقال الأعرابي:
يلوي بنان الكف يحسب ربحه ... ولا يحسب المطل الذي أنا ماطله
ومن دون ما يرجو عناء مبرح ... أواخره ما تنقضي وأوائله
لقمان: لا تستسلفن من مسكين استغنى.
علي رضي الله عنه: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر فيها ظلم ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم.
أحمد بن سريج: سمعت الشافعي رحمة الله تعالى عليه يقول: إذا كان لرجل على رجل دراهم، فأعطاه درهماً فيه حبة من نحاس أو رصاص لم يوفه.
عمرو بن دينار: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت شهيداً فأين أنا؟ قال: في الجنة. ثم قال: قال لي جبريل إن لم يكن عليه دين.

سعد بن أبي وقاص جاء يتقاضى ديناً له على رجل، فقالوا: خرج إلى الغزو، فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لو أن رجلاً قتل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي ثم قتل، لم يدخل الجنة حتى يقضي دينه.
الخدري: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة رجل من الأنصار، فقال أعليه دين؟ قالوا: نعم، فرجع. فقال علي رضي الله عنه: أنا ضامن يا رسول الله. فقال: يا علي، فك الله رقبتك كما فككت عن أخيك المسلم، ما من رجل يفك عن رجل دينه إلا فك الله تعالى رهانه يوم القيامة.
الزهري: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على رجل عليه دين. ثم قال بعد: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من مات وعليه دين فعلي قضاءه. ثم صلى عليهم.
أبو هريرة: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له. فهم به أصحابه. فقال: ألا كنتم مع الطالب؟ دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً. اشتروا له بعيراً. فلم يجدوا إلا فوق سنة، فقال: اشتروا له فوق سنه فأعطوه ثم قال: كذلك افعلوا، خيركم أحسنكم قضاء.
جابر: عنه عليه السلام: لا غم إلا غم الدين، ولا وجع إلا وجع العين.
ابن عباس رضي الله عنه: من مشى بدين عليه لأخيه كتب الله له بكل خطوة حسنة.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله تعالى عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى.
أبو هريرة: عنه عليه السلام: من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان، ومن أدان ديناً ينوي أن لا يقضيه فهو سارق.
ركب رجلاً دين كثير عجز عن أدائه، فقال له بعض غرمائه: أعلمك حيلة تتخلص بها على أن تقضيني؟ قال: لك ذلك. فتوثق منه. ثم قال له: كل من لقيك من غرمائك وغيرهم فلا تزد على النباح عليه، فإنك إن عرفت بذلك قالوا موسوس فكفوا عنك. ففعل، فلما كفوا عنه أتاه معلم الحيلة فقال: الشرط أملك. فنبح عليه، فقال: وعلي أيضاً؟ فلم يزده على النباح حتى يئس منه فتركه.
وجد تحت رأس يحيى البرمكي بعد موته كتاب مختوم. فحمل إلى الرشيد، ففكه فإذا فيه: قد تقدم الخصم، والمدعى عليه بالأثر، والحكم العدل لا يظلم ولا يحتاج إلى بينة.
عزل عمر بن عبد العزيز قاضياً، وقال: قد بلغني أن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك.
قال غيلان بن مرة التميمي:
وإني لأقضي الدين بالدين بعدما ... يرى طالبي للدين أن لست قاضيا
فأجابه ثعلبة بن عمير الحنفي:
إذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن ... قضاء ولكن كان غرماً على غرم
هلال بن ضبعاء التميمي:
ولا يستوي إن كنت لابد غارماً ... كريم إذا داينته ولئيم
إذا ما غدا عني غريم بحقه ... وبني يرجو القضاء غريم
أتى رجلاً قوم وقالوا: نحب أن تقرض فلاناً بألف درهم وتؤجله سنة. فقال: سألتموني حاجتين، فإذا قضيت إحداهما وزدت عليها ضعفها فقد أحسنت، قد أجلته سنتين، فأعفوني من القرض.
حلف أعرابي فقيل له: قل إن شاء الله. فقال: نعم إن شاء الله، يذهب بها الحنث، وتقضي بها الحاجة.
الأصمعي: كان قوم من الأعراب يسمطون أيمانهم سمطاً للمصدقين، فقال مصدق: هؤلاء لا يخافون الله، ولكن استحلفهم بأيمان في أمر معاشهم، فقال: سلخك الله تعالى برصاً، وأبدى عورتك. وفتك فت البعرة، وحتك حت الشعرة، ولا ترك له صاهلاً ولا ناهلاً، ولا خفاً ولا ظلفاً إن كان لله في مالك حق. فيكيع عنها.
أعرابي:
إني وجدك لا أقضى الغريم وإن ... حان القضاء ولا رقت له كبدي
إلا عصا أرزن طارت برايتها ... نتوء ضربتها بالكف والعضد
أبو هريرة: عنه عليه السلام: ما من عمل عصي الله فيه أعجل عقوبة من البغي. واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.
ما استرق الأحرار أفظ من الدين.
ثلاثة من حازهم عادت عزته ذلاً: السلطان، والولد، والغريم.
علي رضي الله عنه: احلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه بريء من حول الله تعالى وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذباً عوجل، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يعاجل لأنه وحد الله تعالى.
أعرابي في وصف قاض: يقضى بالعشوة، ويطيل النشوة، ويقبل الرشوة.
أطيط بن لقيط الفقعسي:

لعمرك إني إذ أخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفني فقعس
فما لكم طلساً إلي كأنكم ... ذئاب الغضا والذئب بالليل أطلس
عمر رضي الله عنه: لا تهاونوا بالحلف بالله فيهينكم الله.
أراد قاضي الدو أن يستحلف الخصم، فقيل له: هو لا يبالي بالحلف، احمله على حلف لا يستجري عليه، فقال: جعل الله تعالى نومك نغصاً، وطعامك غصصاً، ومشيك رقصاً، وسلخك برصاً، وقطعك حصصاً، وملأ عييك غمصاً، وأدخلك قفصاً، وابتلاك بهذه العصا. فأبى أن يحلف وأذعن للحق.
أنشد سيبويه:
وقد أعددت للغرماء عندي ... عصاً في رأسها منوا حديد
ابن السائب: جالست وكيعاً سنين فما رأيته يحلف بالله.
ابن أبي ثابت: ما احتجت إلى شيء أستقرضه إلا استقرضته من نفسي. أراد: أصبر عنه إلى أن تمكن الميسرة.
ونظيره قول القائل:
وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون وقد غلا
إياس بن الوليد:
إني وجدك من قوم إذا طلبوا ... بعد النسيئة يوماً أحسنوا الطلبا
عطية بن الخطفى أبو جرير الشاعر:
تلبث فقد داينت من أنت واثق ... بليانه أو قابل ما تيسرا
آخر:
أماطله العصرين حتى يملني ... ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
كتب عمر رضي الله عنه: قد آن للحق الذي عندك أن يرجع إلى أهله، ويستغفر الله تعالى من حبسه.
دخل علي بالري في مسيري إلى مكة حرسها الله تعالى بعض تجار، خوارزم وهو مستبشر يهتز منكباه. فقلت: ما وراءك يا أبا فلان؟ قال: كان لي رقيق لا يزاد لي فيهم على ستمائة، فاتجهت لي فيهم سعة رافعية، بعتهم من سلطاني بألف ومائتين صحاح مجردة نسيئة. فقلت له: ليتك بعتهم بربع ذلك وبقراضات ناجزاً، وكأني بهذه المجردة الصحاح قد أذاقتك الأمرين، وأماتتك حرضاً في بعض الخافات، ودفنتم تحت جبل طبرك. فسألت عنه منصرفي من الحجاز، فكان الأمر كما قلت.
جاءت امرأة إلى قاض فقالت: مات زوجي وترك أبويه وولداً ورهطاً. فقال القاضي: لأبويه الثكل، ولولده اليتم، ولامرأته الخلف، ولرهطه الوله والقلة. واحملي المال إلينا حتى ترتفع الخصومة بينهم.
ابن أبي أوفى: عنه عليه السلام: إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار برىء الله تعالى منه ولزمه الشيطان، وروى فإذا جار وكله الله إلى نفسه.
جابر بن عبد الله: عنه عليه السلام: تنصب يوم القيامة منابر نور، ليجلس عليها من ولي القضاء فعدل في حكمه، فإذا انقضى حسا الخلائق أمر بهم إلى الجنة.
حماس بن الأبرش الكلبي:
رفضت وعطلت الحكومة قبله ... في آخرين وملها رواضها
حتى إذا ما قام ألف بينها ... بالحق حتى جمعت أرفاضها
قال محمد بن حريث: بلغني أن نصر بن علي أرادوه على القضاء بالبصرة، واجتمع الناس إليه فكان لا يجيبهم، فلما ألحوا عليه دخل بيته ونام على ظهره، وألقى ملاءته على وجهه، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني لهذا كاره فاقبضني إليك. فقبض.
كتب عبيد بن ثابت مولى بني عبس إلى علي بن ظبيان قاضي بغداد: بلغني أنك تجلس للحكم على باري، وكان من قبلك من القضاة يجلسون على وطاء يتكؤن. فكتب إليه: والله إني لأستحيي أن يجلس إلي حران مسلمان على باري وأنا على وطاء، ولست أجلس إلا على ما يجلس عليه الخصوم.
أنس، يرفعه: القضاة جسور للناس يمرون على ظهورهم يوم القيامة.
وعنه: لسان القاضي من جمرتين حتى يصير إلى جنة أو نار.
هشام بن أبي يوسف: لما احتضر أبي جلسنا عند رأسه، فقلنا له: أني نفسك من هذا الأمر شيء؟ قال: لا والله، إلا شيء واحد، وصل نصراني ادعى مرة على الرشيد، فدعوت به، فجاء ومعه مصلى فجلس عليه، ولم أدع للنصراني بمصلى مثله، فذاك في نفسي.
عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في ثمرة قط.
لقي سفيان الثوري شريكاً بعد ما استقضى، فقال: بعد الإسلام والفقه والخير تلي القضاء؟ قال: يا أبا عبد الله، لابد للناس من قاض. قال: يا أبا عبد الله، لابد للناس من شرطي. وقال الحسن بن صالح: أي شيخ أفسدوا!

أبو ذر: قال لي رسول الله ستة أيام: اعقل يا أبا ذر ما أقول لك، ثم ما كان اليوم السابع قال: أوصيك بتقوى الله في سريرتك وعلانيتك، وإذا أسأت فأحسن، ولا تسألن أحداً وإن سقط سوطك، ولا تؤتمن أمانة. ولا تتولين يتيماً، ولا تقضين بين اثنين.
أراد عثمان بن عفان استقضاء عبد الله بن عمر، فقال: أليس سمعت النبي صلى الله عليه يقول: من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟ قال: بلى، فقال: فإني أعوذ بالله منك أن تستقضيني.
أنس يرفعه: شكت البقاع إلى الله، فقالت: يا رب، يطرح فينا نتن المشركين. فقال: اسكتي، وعزتي وجلالي لو طرح فيك نتن القضاة والولاة كان أنتن وأنتن.
قال حفص بن غياث لرجل كان يسأله مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضياً! لئن يدخل الرجل اصبعه في عينه فيقلعها ويرمي بها خير له من أن يكون قاضياً.
عرض على عبد الله بن وهب القضاء. فقال: لم أكتب هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة القضاة، ولكني كتبت هذا العلم لأحشر يوم القيامة في زمرة العلماء.
ابن عباس: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم.
أبو الدرداء يرفعه: إن لشاهد الزور لعلماً يعرف به يوم القيامة، يبعثه الله عاضاً على لسانه يقرضه بأسنانه، يلهث لهثان الكلب في الرعي.
سفيان بن عيينة: كان الناس بالكوفة إذا صلوا الغداة قام رجل منهم فقال: من يريد قرضاً؟ فيقرضه.
شاعر:
حلفت برب زمزم والمصلى ... ورب الحجر والحجر اليماني
والسبع الطوال ومن تولى ... تلاوتهن والسبع المثاني
أعرابي: لا والذي شق خمساً من واحدة. يعني الأصابع من الراحة.
البحتري:
أقسمت بالبيت الحرام ... وحرمة الشهر الأصم
كان بين أسامة وعمرو بن عثمان كلام في ضيعة، فقال عمرو: أتأنف أن تكون مولاي؟ فقال أسامة: والله ما يسرني بولائي من رسول الله نسبك. ثم ارتفعا إلى معاوية، فقام سعيد بن العاص فقعد إلى جانب عمرو وجعل يلقنه الحجة، فقام الحسن فقعد إلى جانب أسامة، فوثب عتبة بن أبي سفيان فصار مع عمرو، فقام الحسين فصار مع أسامة، فقام الوليد بن عقبة فصار مع عمرو، فقام عبد الله بن جعفر فجلس مع أسامة. فقال معاوية: القضية عندي، حضرت رسول الله وقد أقطع هذه الضيعة أسامة. فقال الأمويون: هلا أن كانت هذه القضية عندك بدأت بها قبل التحزب! فقال معاوية: لما رأيتهم كذلك ذكرت يوم صفين.
جرير:
تعالوا ففاتونا ففي الحكم مقنع ... إلى الغر من أهل البطاح الأكارم
فإني لأرض عبد شمس وما قضت ... وأرضى العلوال البيض من آل هاشم
كان الثوري يقول: الناس كلهم عدول إلا العدول.
مساور الوراق:
شمر قميصك واستعد لقائل ... واحكك جبينك للقضاء بثوم
وتماوتن إذا مشيت تخشعاً ... حتى تصيب وديعة ليتيم
كان روح بن زنباع يسمر مع عبد الملك، فقال له يوماً: ما رأيت أحداً أحسن حديثاً من أسماء بن خارجة، فحادثه فقال له في آخر الليل: هل من حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، دين علي. قال: كم؟ قال: خمسون ألفاً. قال: وفيم استدنتها؟ قال: في كريم صنت له عرضاً، وفي لئيم صنت منه عرضي. فأمر بقضائها عنه.
أوصى مطيع بن الأسود إلى الزبير بن العوام، فأبى أن يقبل وقال: في قومك من ترضاه، فقال: إني رأيتك دخلت على عمر بن الخطاب فلما خرجت قال: نعم ولي تركة المرء المسلم. فقبل الزبير وصيته.
عن يوسف بن محمد مولى آل عثمان: بعثني عبد الرحمن بن قطن المخزومي إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير يستسلفه ألف دينار، فدخلت عليه، فأمر ببختية له مري فحلبت في عس، وطرح فيه طبرزد، فشرب وسقاني، ودعا بالألف فأعطانيه، فلم يلبث عبد الرحمن إلا يسيراً أن بعثني بالألف إليه، فدخلت به عليه، فحلبت البختية، وسقيت لبنها مع الطبرزد، وقسم الألف نصفين وقال: خذ خمسمائة وأعطه خمسمائة، وقال: إنا قوم لا نعود فيما خرج منا.
تحاكمت إلى إياس وامرأتان في كبة، فقال لإحداهما في السر: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على كسرة، وقال للأخرى: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على خرقة. فنفضت الكبة فإذا هي على كسرة. فسمع بذلك ابن سيرين فقال: ويح له ما أفهمه! ويح له ما أفهمه!

عن نافع عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ضن الناس بالدنانير والدراهم، وتبايعوا بالعينة، وأخذوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد، أدخل الله عليهم ذلاً لا ينزعه منهم حتى يراجعوا دينهم.
شهد مولى للمطلب بن عبد الله بن حنطب عند عمر بن عبد العزيز فسأل عنه مولاه، فقال: هو عدل مع عدلين. يعني ليس بعدل.

باب
الكذب، والزور، والبهتان، والرياء
والنفاق، والباطل، والإرجاف، والتنبؤ، وما أشبه ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كذب العبد كذبة تباعد الملك منه مسيرة ميل من نتن ما جاء به.
وعنه مرفوعاً: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً.
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أستسر بخلال أربع: الزنا، والسرق، وشرب الخمر، والكذب، فأيتهن شئت تركت لك يا رسول الله؟ قال: دع الكذب. فلما تولى هم بالزنا، فقال: يسألني فإن جحدت نقضته ما جعلت له، وإن أقررت حددت أو رجمت. ثم هم بالسرق. ثم في شرب الخمر، ففكر في مثل ذلك. فرجع إليه فقال: قد أخذت علي السبيل، قد تركتهن أجمع.
وعنه عليه السلام: الكذب مجانب للإيمان.
أعرابي: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب.
قال الواثق لأحمد بن أبي دؤاد: ذكرك ابن الزيات بكل قبيح. فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب علي، ونزهني عن قول الحق فيه.
قد كنت أنجز دهراً ما وعدت إلى ... أن أتلف الجود ما جمعت من نسب
فإن أكن صرت في وعدي أخا كذب ... فنصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب
ابن طيفور: قال العباس بن عبد المطلب لعبد الله: يا بني، أنت أعلم مني. وأنا أفقه منك، إن هذا الرجل يدنيك، يعني عمر بن الخطاب، فاحفظ عني ثلاثاً: لا تفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يطلع منك على كذبة.
وقال رجل لأبي حنيفة رحمه الله: ما كذبت كذبة قط. قال: أما هذه واحدة نشهد بها عليك.
في وصية علي رضي الله عنه: ولا تحدثن إلا عن ثقة فتكون كذاباً.
يقال للكاذب: هو قموص الحنجرة، زلوق اللبد لا يوثق بسيل تلعته.
فيه أنافي النسر: الكذب، والنفاق، والحسد.
هو ذو كذبة بلقاء، للمشهور بالكذب.
كان يقال: راوي الكذب أحد الكاذبين.
رأس المآثم الكذب، وعمود الكذب البهتان.
فلان يقول البهت، والزور البحت.
أمران لا ينفكان من الكذب: كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
حكيم: إذا كذب الرجل فقد بطل.
الشعبي: كان الرجل يكذب الكذبة فما يستقيلها من نفسه زمناً طويلاً.
رسطاليس: فضل الناطق على الأخرس بالنطق، وزين النطق بالصدق، والأخرس والصامت خير من الكاذب.
الكذاب كلما فنيت أحدوثة قمطها من عنده بأخرى، حتى أنه يصدق فلا يصدق.
قال الرشيد للفضل بن الربيع: كذبت. فقال: يا أمير المؤمنين، وجه الكذب لا يقابلك، ولسانه لا يحاورك.
الحسن في قوله تعالى: ولكم الويل مما تصفون: هي والله لكل واصف كذب إلى يوم القيامة. لو لم أدع الكذب تأثماً لتركته تكرماً.
الأصمعي: قلت لأعرابي معروف بالكذب: أصدقت قط؟ قال: لولا أني أصدق في هذا لقلت لا.
قال رجل لمعاوية حين عقد ليزيد: اعلم أنك لو لم تول أمور المسلمين هذا لأضعتها، والأحنف جالس، فقال له معاوية: يا أبا بحر، ما لك لا تقول؟ فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت.
فقال: جزاك الله عن الطاعة خيراً، فما تقول في بيعة يزيد؟ قال: أنت أعلم بليله ونهاره، فلا تلقمه الدنيا وأنت منتقل إلى الآخرة. وأمر له بالسوف.
فلما خرجا قال له الرجل: إني لأعلم أن شر من خلق الله هذا وابنه، ولكنه قد استوثق من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال: امسك يا هذا، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهاً.
محمود بن مروان بن أبي الجنوب:
لي حيلة فيمن ين ... م وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليلة

النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله المثلث. فقيل له: من المثلث؟ فقال: الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه.
عوقب أعرابي على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما صبرت عنه.
يقال: أكذب من لمعان السراب، وم رؤيا الكظة، ومن مرآة اللفوة، وسحاب تموز.
كان بفارس محتسب يعرف بجراب الكذب، فكان يقول: إن منعت من الكذب انشقت مرارتي، وإني لأجد فيه، مع ما يلحقني من عاره، ما لا أجد بالصدق مع ما ينالني من نفعه.
أبو حيان: الكذب شعار خلق، ومورد رنق، وأدب سيء، وعادة فاحشة، وقل من استرسل معه إلا ألفه، وقل من ألفه إلا أتلفه.
والصدق ملبس بهي، ومنهل عد، وشعاع منبث، وقل من اعتاده ومرن عليه إلا صحبته السكينة، وأيده التوفيق. وخدمته القلوب بالمحبة، ولحظه النفوس بالمهابه.
ابن السماه: لا أدري أؤجر على ترك الكذب أم لا؟ لأني أتركه أنفة.
كل شيء شيء، ومصادقة الكذاب لا شيء.
فيلسوف: من عرف من نفسه الكذب لم يصدق الصادق.
يحيى بن خالد البرمكي: رأيت شريب خمر نزع، ولصاً أقلع، وصاحب واحش ارتدع، ولم أر كاذباً رجع.
شاعر
حسب الكذوب من البلي ... ة بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة ... من غيره نسبت إليه
أضاف قادم من سفره قوماً، وأقبل يحدثهم، فقال بعضهم: نحن كما قال الله تعالى: سماعون للكذب أكالون للسحت.
النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون في آخر هذه الأمة أعاجم وألسنة أعراب، يلقى الرجل أخاه فيخبره بغير ما في قلبه.
قال عمر بن عبد العزيز لزهرة بن معبد: لا تفعل شيئاً رياء، ولا تتركه حياء.
فضيل: إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه، محبباً في إخوانه فاعلم أنه مداهن.
معاذ بن جبل: قال لي النبي صلى الله عليه: يا معاذ، احذر أن نرى عليك آثار المحسنين وأنت تخلو من ذلك، فتحشر مع المرائين.
الحسن: المنافق يعطيك لسانه، ويمنعك ما في قلبه.
أنس يرفعه: يوتى بابن آدم يوم القيامة يعتل كأنه بذج، وربما قال، كأنه جمل، فيقول له الله: يا ابن آدم أنا خير قسيم. فانظر عملك الذي عملت لي فأنا أجزيك، وانظر عملك الذي عملت لغيري فإنما أجره على من عملت له.
لو أن رجلاً عمل عملاً من البر فكتمه ثم أحب أن يعلم الناس أنه كتم فهو من أقبح الرياء.
فقد الحسن بعض من يختلف إليه فسأل عنه، فقيل استقضاه الحجاج. فقال أعوذ من خشوع النفاق، من الناس من يتصنع للدنيا ويكمن لفرصة منها كما يكمن الأسد لفريسته، فإذا تمكن منها وثب عليها، يوشك أن يثب الله عليه وثبة يصطلم بها دنياه وآخرته. فلم تمض أيام حتى مات.
زكريا ابن أبي موسى مولى بني سليم:
إني امرؤ زقت علي ... ه عداته قول الضلال
وسعت سعاتي الكاشحو ... ن بغير ما نزعت سجالي
جمهرة السعايات أقتل من الأسياف ومن السم الزعاف.
المأمون: اتقوا خدع الحافين شواربهم فلما يحفون من أديانهم أكثر مما يحفون من شواربهم.علي رضي الله عنه: قال لي رسول الله: إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً.
أما المؤمن فيمنعه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه. ولكني أخاف عليكم كل منافق.
الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
كل ورع يحب صاحبه أن يعلمه غير الله فليس من الله.
عبد الله بن السري: قلنا لابن المبارك: حدثنا. قال: ارجعوا فإني لست أحدثكم. فقيل له: إنك لم تحلف. فقال: لو حلفت لكفرت وحدثتكم، ولكن لست أكذب. فكان هذا أحب إلينا من الحديث.
مجاهد: يكتب على ابن آدم كل شيء حتى أنينه في سقمه، وحتى أن الصبي ليبكي فيقول له اسكت أشتري لك كذا ثم لا يفعل تكتب كذبة.
لقمان: إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، وبعد قليل يقليه صاحبه.
حذيفة يرفعه: لا يدخل الجنة قتات.
أبو محمد اليزيدي:
واظنن بكل كاذب ... ما شئت بعد كذبه
هشام بن عبد الملك في عبد الله بن عمرو المعيطي:
أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس غيباً لصاحب
تبدي له بشراً إذا ما لقيته ... وتلسعه بالغيب لسع العقارب
أصرم بن حميد الطائي:
وكم من فتى يعجب الناظري ... ن له ألسن وله أوجه
ينام إذا ذكر المكرما ... ت وعند الدناءة يستنبه

يقال: هو عبد عين، لمن يرائيك بالتملق إذا شهد، فإذا غاب خالف.
قال:
ومنه كعبد العين أما لقاؤه ... فيرضي وأما غيبه فظنين
لو قيل لأحدهم لقينا فيلاً في كوز فقاع، يندف القطن بالنار، فيترامى شررها في الجو فيصير جمداً لصدق به.
يبدي بادية وفاق عن خافية نفاق.
يقال فلان يتوبل الحديث، ويفلفله، ويسعتره. أي يزوقه. وإنه ليزدهف في حديثه، أي يزيد فيه.
شداد بن أوس رفعه: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر.
قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء.
الأراجيف ملاقيح الفتن، ومفاتيح المحن.
أراجيف تساقطت ففرقت المنكر عن اجتماعه، وضاق لها الصدر بعد اتساعه.
شأن الإرجاف أن يختلف ناس ويصدق آخرون، غير باحثين عن منبعه، ولا فاحصين عن مطلعه، وأن يقال: صيد سليمان، وقد فتح صيدون، وأن يأفك نريد فيزيد عليه زيدون. صيدون مدينة فتحها سليمان عليه السلام، وقتل ملكها، وسبى ابنته.
شاعر
وتقول لي قولاً أظنك صادقاً ... نجيء من طمع إليك وأذهب
فإذا اجتمعت أنا وأنت لمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب
فلان يبرز في ظاهر أهل السمت، وهو في باطن أهل السبت.
إذا سمعت العرب حديثاً لا أصل له قالوا: حديث خرافة، ومنه قول ابن الزبعرى:
أعلل بالمجاعة في حياتي ... وبعد الموت من غل وخمر
حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو
وهو رجل استهوته الجن ثم رجع، وكان يحدث الناس بأعاجيب ينسبها إلى الجن. ثم كثر حتى قيل للأباطيل والترهات الخرافات. وسمعت العرب يشددون الراء. ويسمون الأباطيل الخراريف.
كان أبو حازم يقول: الذي يلقى من لا يتقي الله من تقية الناس أشد مما يلقى من يتقى الله من تقوى الله.
ابن هبيرة: قال لي محمد بن الباغندي يوماً: تزعمون أني مراء، وعزمي والله أن أصوم غداً ولا أعلم به أحداً.
بينما عابد يمشي في براز، والغمامة على رأسه تظله، جاء رجل يريد أن يستظل بها، فقدعه وقال: إن قمت معي لم يعلم الناس أن الغمام تظلني.
فقال الرجل: قد علم الناس أني لست ممن تظله الغمامة. فتحولت الغمامة إليه.
فضيل: ما من مضغة أحب إلى الله من اللسان إذا كان صدوقاً، ولا مضغة أبغض إلى الله منه إذا كان كذوباً.
ابن مسعود رضي الله عنه: أعظم الخطايا اللسان الكذوب.
وعنه: يكون الرجل مرائياً في حياته وبعد موته. قيل: كيف؟ قال: يحب أن تكثر الناس على جنازته.
عامر بن عبد قيس: الملمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب. وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان.
الخباز البلسي:
ولعنة الله على كل من ... له لسانان ووجهان
الحسن: ما لي أراكم أخصب شيء ألسنة وأجدبه قلوباً.
نبا رجل فطولب بالعلامة، فقال: أنبئكم بما في نفوسكم. قالوا: فما في نفوسنا؟ قال: إني لست بنبي.
قال عبد الأعلى السلمي القص يوماً: يزعمون أني مراء، وقد كنت أمس والله صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً.
للحق دولة وللباطل جولة.
قال أعرابي لرجل: إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك، وإن أظهر شفقته عليك فإن عقاربه لتسري إليك، فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
تنبأ رجل في أيام المأمون، وكان يقول أنا أحمد النبي، فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال: ظلمت بضيعتي، فتقدم بإنصافه، ثم قال: ما تقول؟ قال: أنا أحمد النبي، فهل تذمه أنت؟
لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء أو من قلة الورع
شاعر:
أبا دلف يا أكذب الناس كلهم ... سواي فإني في مديحك أكذب
آخر:
إن النموم أغطى دونه خبري ... وليس لي حيلة في مفترى الكذب
الكميت في هشام:
مصيب على الأعواد يوم ركوبها ... لما قيل فيها مخطىء حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامه ... وأفعال أهل الجاهلية يفعل
شريك بن عبد الله القاضي:
صلى وصام لدنيا كان يأملها ... فقد أصاب فلا صلى ولا صاما
أنس رفعه: من مشى بالنميمة بين العباد قطع الله له نعلين من نار يغلي منها دماغه، مزرقة عيناه، يدعو بالويل والثبور.

كتب بعض السعاة إلى السفاح: جئت متنصحاً وأريد ثواباً. فوقع: تقربت إلينا بما باعدك من الله، ولا ثواب لمن آثر عليه وخالف أمره.

باب
الكرم، والجود، واصطناع، الأحرار
وذكر الكرام والأجواد، وأولي المروءات أنس رضي الله عنه: أتى رسول الله صلى الله عليه رجل فسأله، فاعطاه غنماً بين جبلين. فرجع إلى قومه فقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء رجل لا يخاف الفاقة.
جابر بن عبد الله: ما سئل رسول الله شيئاً فقال لا.
وعن محمد بن أبي السري العسقلاني أنه رأى رسول الله في المنام، فسأله أن يستغفر له، فسكت عنه، فروى له هذا الحديث، فتبسم وقال: اللهم اغفر له.
وعنه عليه الصلاة والسلام: تجافوا عن ذنب السخي، فإن الله يأخذ بيده كلما عثر.
وكتب الواقدي إلى المأمون رقعة فيها غلبة الدين عليه، فوقع في ظهرها: أنت رجل فيك خلتان: السخاء، والحياء. فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فقد بلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فإن كنا أصبنا إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن كنا لم نصب إرادتك فجنايتك على نفسك. وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلى الله عليه قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل عليه. قال الواقدي: وكنت أنسيت هذا الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إلي من صلته.
عبد الله بن جدعان:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفي من المال
لا أحبس المال إلا ريث أنفقه ... ولا يغيرني حال إلى حال
النبي صلى الله عليه: الجواد من أصاب المال من حله، وأنفقه في حقه.
أوحى الله إلى موسى لا تقتل السامري فإنه سخي.
أغار قوم على طيء، فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى عشيرته، ولقي القوم فهزمهم وتبعهم. فقال رئيسهم: يا حاتم هب لي رمحك، فرمى به إليه، فاستمر الرجل ولم ينعطف. فقيل لحاتم: عرضت قومك للاستئصال، لو عطف عليك وأنت الرأس! فقال: قد علمت أنه التلف، ولكن ما جواب من يقول هب لي؟ ابن المبارك: سخاء النفس عما في أيدي الناس أعظم من سخاء النفس بالبذل.
عزم مروان بن أبي الجنوب على الحج، فوصله أحمد بن أبي دؤاد فقال:
حججت بنائل ابن ابي دؤاد ... وزرت البيت والبلد الحراما
وعندي من فواضله بدور ... يموت الحاسدون بها اغتماما
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وروى مرفوعاً عن علي رضي الله عنه: الكرم أعطف من الرحم.
وعنه: الجود حارس الأعراض.
جعفر بن محمد الصادق: إن لله وجوهاً من خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجود مجداً، والإفضال مغنماً، والله يحب مكارم الأخلاق.
وعنه: ما أنعم الله على عبد نعمة فلم يحتمل مؤونة الناس إلا عرض تلك النعمة للزوال.
كان الزهري رحمه الله من أسخى الناس، كان يعطي ما عنده حتى لا يبقى له شيء، فيستلف من أصحابه حتى ينزفهم، ويستلف من عبيده ويقول لأحدهم: يا فلان أسلفني وأضعف لك ذلك. وإن جاءه سائل وما عنده شيء تغير وجهه وقال: يا فلان أبشر فسوف يأتي الله بخير.
وهب: اتخذوا اليد عند المساكين، فإن لهم يوم القيامة دولة.
مر محمد بن واسع بأسود عند حائط يحفظه، وبين يديه كلب يأكل لقمة ويطعمه لقمة، فقال له: إنك تضر بنفسك، فقال: يا شيخ، عينه بحذاء عيني أستحي أن آكل ولا أطعمه. فاستحسن منه ذلك، فاشتراه واشترى الحائط، وأعتقه ووهب له الحائط. فقال: إن كان لي فهو سبيل الله. فاستعظم ذلك منه، فقال: يجود هو وأبخل أنا؟ لا كان هذا أبداً.
أبو يعقوب الخزيمي:
زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك مستور صغير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور كبير
لما غسل علي بن الحسين بن علي رأوا على ظهره مجولاً فلم يدروا ما هو، فقال مولى له: كان يحمل على ظهره إلى أهل البيوتات المستورين الطعام، فأقول له: دعني أكفك، فيقول: لا أحب أن يتولى ذلك غيري.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9