كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

إنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَ هذه اللَّفْظَةَ لِلطَّلَبِ الذي يَعْرِفُهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ هو الْإِرَادَةُ فَعَلِمْنَا أَنَّ هذه الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِرَادَةِ وَقَالُوا الطَّلَبُ الذي يُغَايِرُ الْإِرَادَةَ لو صَحَّ الْقَوْلُ بِهِ لَكَانَ أَمْرًا خَفِيًّا لَا يَطَّلِعُ عليه إلَّا الْخَوَاصُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى خَفِيٍّ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ ثُمَّ هو أَمْرٌ بِصِيغَتِهِ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ بِالْإِرَادَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هو أَمْرٌ بِإِرَادَةِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ وَهِيَ تَنْبَنِي على مَسْأَلَةٍ كَلَامِيَّةٍ فإن عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ وَلَا يُرِيدَهُ وقد أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ ولم يُرِدْ أَنْ يَسْجُدَ وَنَهَى آدَمَ عن أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَأَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ ولم يُرِدْ أَنْ يُذْبَحَ وَهَذَا لِأَنَّ ما أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا قال لِعَبْدِهِ افْعَلْ فقال أَمَرْته بِكَذَا ولم يَعْلَمْ مُرَادَهُ فَدَلَّ على أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرٌ بِصِيغَتِهِ فَقَطْ انْتَهَى وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَقُّ أَنَّ الْأَمْرَ يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ الدِّينِيَّةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ الْكَوْنِيَّةَ فإنه لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا يُرِيدُهُ شَرْعًا وَدِينًا وقد يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ كَوْنًا وَقَدَرًا كَإِيمَانِ من أَمَرَهُ بِالْإِيمَانِ ولم يُؤْمِنْ وَأَمَرَ خَلِيلَهُ بِالذَّبْحِ ولم يَذْبَحْ وَأَمَرَ رَسُولَهُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً ولم يُصَلِّ وَفَائِدَتُهُ الْعَزْمُ على الِامْتِثَالِ وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عليه وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ على التَّغَايُرِ بِأَنَّ من حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا دَيْنَهُ غَدًا وقال إنْ شَاءَ اللَّهُ ولم يَقْضِهِ لم يَحْنَثْ في يَمِينِهِ مع كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَوْ كان تَعَالَى قد شَاءَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ في يَمِينِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كان حَالًّا وَصَاحِبُهُ يَطْلُبُهُ فإذا كان مُؤَجَّلًا فَقَدْ يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْوَفَاءِ في غَدٍ إذَا لم يَكُنْ غَدًا مَحَلَّ الْأَجَلِ وَأَمَّا إذَا كان حَالًّا وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ فَفِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ على الْفَوْرِ وَجْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مُعَلَّقٌ على الْمَشِيئَةِ التي هِيَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ حتى يَحْنَثَ لِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ بَلْ هو مُعَلَّقٌ على الْمَشِيئَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى التي لم يَدُلَّ عليها الْأَمْرُ فَإِنْ صُرِّحَ بِتَعْلِيقِهِ على تِلْكَ الْمَشِيئَةِ مَنَعْنَا حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْأَمْرَ هل هو حَقِيقَةٌ في ذلك الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ مَجَازٌ في الْعِبَادَةِ الدَّالَّةِ عليه أو بِالْعَكْسِ أو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَقُولُ كَالْخِلَافِ في سَائِرِ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ هذا غَيْرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ هل هو مُشْتَرَكٌ بين الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فإنه هُنَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مع الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ

المبحث الثالث صيغة الأمر
في صِيغَتِهِ وَهِيَ افْعَلْ وفي مَعْنَاهُ لِيَفْعَلْ قال ابن فَارِسٍ الْأَمْرُ بِلَفْظِ افْعَلْ وَلْيَفْعَلْ نحو وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ وقد اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في أَصْلِ فِعْلِ الْأَمْرِ هل هو افْعَلْ أو لِيَفْعَلْ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ لِيَفْعَلْ لِأَنَّ الْأَمْرَ مَعْنًى وَالْأَصْلُ في الْمَعَانِي أَنْ تُسْتَفَادَ بِالْحُرُوفِ كَالنَّهْيِ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ افْعَلْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ لِيَفْعَلْ فإنه يُسْتَفَادُ من اللَّامِ حَكَاهُ الْعُكْبَرِيُّ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ فَأَمَّا مُنْكِرُو الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَرَبَ لم تَضَعْ له صِيغَتَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ هو الصِّيغَةُ فَكَيْفَ تُوضَعُ صِيغَةٌ لِلصِّيغَةِ وَإِضَافَتُهُ إلَيْهِ من بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وقال ابن الْقُشَيْرِيّ الصِّيغَةُ الْعِبَارَةُ الْمَصُوغَةُ لِلْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِيِّ فإذا قُلْنَا هل الْأَمْرُ صِيغَةٌ فَالْمَعْنِيُّ بِهِ أَنَّ الْأَمْرَ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ هل صِيغَتْ له عِبَارَةٌ مُشْعِرَةٌ بِهِ وَمَنْ نَفَى كَلَامَ النَّفْسِ إذَا قال صِيغَةُ الْأَمْرِ كَذَا فَنَفْسُ الصِّيغَةِ عِنْدَهُ هِيَ الْأَمْرُ فإذا أُضِيفَتْ الصِّيغَةُ إلَى الْأَوَامِرِ لم تَكُنْ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً بَلْ هو من بَابِ قَوْلِك نَفْسُ الشَّيْءِ ذَاتُهُ وَلِرُجُوعِ أَقْسَامِ الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِبَارَةِ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمُثْبِتُونَ لِكَلَامِ النَّفْسِ فَاخْتَلَفُوا هل لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ مَخْصُوصَةٌ أَيْ أَنَّ الْعَرَبَ صَاغَتْ لِلْأَمْرِ لَفْظًا يَخْتَصُّ بِهِ أَيْ وَضَعَتْ لِلدَّلَالَةِ على ما في النَّفْسِ لَفْظَةً تَدُلُّ على كَوْنِهَا أَمْرًا وإذا قُلْنَا بِأَنَّ لها صِيغَةً فما مُقْتَضَى تِلْكَ الصِّيغَةِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وأبو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ من أَهْلِ الْعِلْمِ كما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ إلَى أَنَّ له صِيغَةً تَدُلُّ على كَوْنِهِ أَمْرًا إذَا تَجَرَّدَتْ عن الْقَرَائِنِ وهو قَوْلُ الْبَلْخِيّ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ وَبِهِ قال عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى وَنُقِلَ عن الشَّيْخِ أبي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ لَا صِيغَةَ له تَخْتَصُّ بِهِ وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ افْعَلْ مُتَرَدِّدٌ بين الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَإِنْ فُرِضَ حَمْلُهُ على غَيْرِ النَّهْيِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بين جَمِيعِ مُحْتَمَلَاتِهِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَحُكِيَ ذلك عن ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَا يَصِحُّ عنه وقال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَحُكِيَ ذلك عن ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قال في

أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَمَّا قال تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ قال فلما احْتَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْأَمْرَ في تِلْكَ دَلَّ على أَنَّهُ وُقِفَ بِهِ الدَّلِيلُ قال أَصْحَابُنَا وَهَذَا تَعَنُّتٌ من أبي الْعَبَّاسِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يقول ذلك كَثِيرًا وَيُرِيدُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَرِدَ دَلَالَةٌ تَخُصُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُخَلَّى وَالْإِطْلَاقُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ كما يقول بمثله في الْعُمُومِ قال وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْوَعِيدُ يَكُونُ على الْوُجُوبِ ا هـ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في تَنْزِيلِ مَذْهَبِهِ فَقِيلَ اللَّفْظُ صَالِحٌ لِجَمِيعِ الْمَحَامِلِ صَلَاحَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَعَانِي التي ثَبَتَ اللَّفْظُ بها وَقِيلَ لَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ أَمَرْتُكُمْ وَنَحْوَهُ دَلَّ على الْأَمْرِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ في أَنَّ قَوْلَهُ افْعَلْ هل يَدُلُّ على الْأَمْرِ مُجَرَّدُ صِيغَتِهِ أَمْ لَا بُدَّ من قَرِينَةٍ وَقِيلَ أَرَادَ الْوَقْفَ بِمَعْنَى لَا نَدْرِي على أَيِّ وَضْعٍ جَرَى فَهُوَ مَشْكُوكٌ ثُمَّ نَقَلُوا عنه أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ على الْقَوْلِ بِهِ مع فَرْضِ الْقَرَائِنِ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وهو ذلك بَيِّنٌ في النَّقْلِ عنه وقال لَعَلَّهُ في مَرَاتِبِ الْمَقَالِ دُونَ الْحَالِ انْتَهَى وَلَا مَعْنَى لِاسْتِبْعَادِ ذلك فإن الْقَرَائِنَ لَا تُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ الذي وَقَفَ الشَّيْخُ فيه وَإِنَّمَا تُبَيِّنُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي أَرَاهُ في ذلك قَاطِعًا بِهِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ لَا يُنْكِرُ صِيغَةً مُشْعِرَةً بِالْوُجُوبِ الذي هو مُقْتَضَى الْكَلَامِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ نحو قَوْلِ الْقَائِلِ أَوْجَبْت أو أَلْزَمْت وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا الذي يَتَرَدَّدُ فيه مُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ من حَيْثُ وَجَدَهُ في وَضْعِ اللِّسَانِ مُتَرَدِّدًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يُظَنُّ بِهِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ نَحْوُ افْعَلْ حَتْمًا أو وَاجِبٌ نعم قد يَتَرَدَّدُ في الصِّيغَةِ التي فيها الْكَلَامُ إذَا قُرِنَتْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَالْمُشْعِرُ بِالْأَمْرِ النَّفْسِيِّ الْأَلْفَاظُ الْمُقْتَرِنَةُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ أَمْ لَفْظُ افْعَلْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَفْسِيرٌ لها وَهَذَا تَرَدُّدٌ قَرِيبٌ ثُمَّ ما نَقَلَهُ النَّقَلَةُ يَخْتَصُّ بِقَرَائِنِ الْمَقَالِ على ما فيه من الْخَبْطِ فَأَمَّا قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا أَحَدٌ وَهَذَا هو التَّنْبِيهُ على سِرِّ مَذْهَبِ أبي الْحَسَنِ وَالْقَاضِي وَطَبَقَةِ الْوَاقِفِيَّةِ انْتَهَى وَاسْتَبْعَدَ الْغَزَالِيُّ النَّقْلَ عن الشَّيْخِ وَالْقَاضِي بِالْوَقْفِ عنهما أَنَّ له صِيغَةً مُخْتَصَّةً بِهِ إجْمَاعًا وهو قَوْلُهُ أَمَرْتُك أو أنت مَأْمُورٌ بِهِ قال الْهِنْدِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذلك ليس صِيغَةً لِلْأَمْرِ بَلْ هو إخْبَارٌ عن وُجُودِ الْأَمْرِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ذلك يُسْتَعْمَلُ إنْشَاءً فَلَيْسَ فيه دَلَالَةٌ على الْمَطْلُوبِ وهو كَوْنُ الصِّيغَةِ مُخْتَصَّةً بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ فَلَا تَكُونُ الصِّيغَةُ مُخْتَصَّةً بِهِ وقال ابن بَرْهَانٍ إنَّمَا صَارَ شَيْخُنَا أبو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ لِأَنَّ

ذلك لَا يُتَلَقَّى من الْعَقْلِ إذْ الْعَقْلُ لَا يَدُلُّ على وَضْعِ الصِّيَغِ وَالْعِبَارَاتِ وَإِنَّمَا يُتَلَقَّى من جِهَةِ النَّقْلِ وقد اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ في جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ فَدَلَّ على أنها مُشْتَرَكَةٌ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِهِ فَذَهَبَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ له صِيغَةٌ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا على كَوْنِهَا أَمْرًا إذَا تَعَرَّتْ عن الْقَرَائِنِ وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ غير الْبَلْخِيّ إلَى أَنَّهُ لَا صِيغَةَ له وَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ على كَوْنِهِ أَمْرًا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا بِقَرِينَةِ الْإِرَادَةِ قال وَذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ هو مَعْنًى قَائِمٌ بِنَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُفَارِقُ الذَّاتَ وَلَا يُزَايِلُهَا وَكَذَلِكَ عنه سَائِرُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ من النَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ وَغَيْرِ ذلك كُلُّ هذه عِنْدَهُ مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ لَا تُزَايِلُهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وكان ابن كِلَابٍ يقول هِيَ حِكَايَةُ الْأَمْرِ وَخَالَفَهُ الْأَشْعَرِيُّ وقال لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هِيَ حِكَايَةٌ لِاسْتِلْزَامِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِثْلَ الْمَحْكِيِّ لَكِنْ هو عِبَارَةٌ عن الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ قال وَعَلَى هذا فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ في الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إذَا كان الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ هو الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ إنَّهُ له صِيغَةٌ أو لَيْسَتْ له صِيغَةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذلك في الْأَلْفَاظِ وَلَكِنْ يَقَعُ الْخِلَافُ في اللَّفْظِ الذي هو عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عن الْأَمْرِ وَلَا دَالًّا على ذلك بِمُجَرَّدِ صِيغَتِهِ وَلَكِنْ يَكُونُ مَوْقُوفًا على ما بَيَّنَهُ الدَّلِيلُ فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعِبَارَةُ عن الْأَمْرِ حُمِلَ عليه وَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعِبَارَةُ عن غَيْرِهِ من التَّهْدِيدِ وَالتَّعْجِيزِ وَالتَّحْقِيرِ وَغَيْرِ ذلك حُمِلَ عليه ثُمَّ احْتَجَّ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ على أَنَّ الْأَمْرَ له صِيغَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شيئا أَنْ يَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ قال فَفِي هذه رَدٌّ على من يقول لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ حَيْثُ قال إنَّمَا أَمْرُهُ فَجَعَلَ أَمْرَهُ كُنْ وَهِيَ صِيغَةٌ وَفِيهَا رَدٌّ على الْقَائِلِينَ إنَّ الْأَمْرَ يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ فإن الْآيَةَ فيها الْفَصْلُ بين الْإِرَادَةِ وَالْأَمْرِ قال إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ قال وَالدَّلِيلُ الْمُعْتَمَدُ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ يُفَرِّقُونَ بين صِيغَةِ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذلك من أَقْسَامِ الْكَلَامِ وقال الْمَازِرِيُّ ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ من الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ وَحُكِيَ عن الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قال في قَوْله تَعَالَى وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ من عِبَادِكُمْ لَا يُسْتَدَلُّ بها على إيجَابِ الْعَقْدِ وَعَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ لِتَرَدُّدِ الْأَمْرِ بين الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ لَكِنَّ الْوَاقِفِيَّةِ اخْتَلَفُوا في حَقِيقَةِ الْوَقْفِ هل هو وَقْفُ جَهَالَةٍ بِمَا عِنْدَ الْعَرَبِ أو وَقْفُ عَارِفٍ بِمَا عِنْدَهُمْ وهو كَوْنُ هذا اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بين الْمَصَارِفِ الْآتِيَةِ

فَيَقِفُ حتى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ على قَوْلَيْنِ قال وَأَمَّا من نَقَلَ عن الْأَشْعَرِيِّ الْوَقْفَ وَإِنْ ظَهَرَتْ الْقَرَائِنُ فَقَدْ أَغْلَى وَلَوْ ثَبَتَ فَلَعَلَّ الْوَقْفَ في الْإِفَادَةِ بِمَا جُعِلَتْ هذه اللَّفْظَةُ أو اللِّسَانُ انْتَهَى وَذَهَبَ غَيْرُ الْوَاقِفِيَّةِ إلَى أنها ظَاهِرَةٌ في الْوُجُوبِ وَنَقَلَهُ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ عن أَصْحَابِنَا قال وقد ذَكَرَ اللَّهُ في كِتَابِهِ الْأَمْرَ على أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ وَالظَّاهِرُ منها لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قام في بَعْضِهَا على غَيْرِ الْوُجُوبِ وَمُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْقَطْعُ بِاقْتِضَائِهَا الطَّلَبَ الْمُنْحَصِرَ مَصِيرًا إلَى أَنَّ الْعَرَبَ فَصَلَتْ بين قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا تَفْعَلْ الْأَوَّلُ هل لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ خَطَّأَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ تَرْجَمَةَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْأَمْرَ هل له صِيغَةٌ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ أَمَرْتُكُمْ بِكَذَا صِيغَةٌ دَالَّةٌ على الْأَمْرِ وَقَوْلُهُ نَهَيْتُكُمْ صِيغَةٌ دَالَّةٌ على النَّهْيِ وَقَوْلُهُ أَوْجَبْت صِيغَةٌ دَالَّةٌ على الْوُجُوبِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وَإِنَّمَا صِيغَةُ افْعَلْ إذَا أُطْلِقَتْ هل تَدُلُّ على الْأَمْرِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ أو لَا تَدُلُّ عليه إلَّا بِقَرِينَةٍ هذا مَوْضِعُ الْخِلَافِ وقال الْآمِدِيُّ لَا مَعْنَى لِهَذَا الِاسْتِبْعَادِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَمَرْتُك وَأَنْتَ مَأْمُورٌ لَا يَرْفَعُ هذا الْخِلَافَ إذْ الْخِلَافُ في أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ صِيغَةُ الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَمَرْتُك وَأَنْتَ مَأْمُورٌ إخْبَارٌ وقد سَبَقَ كَلَامُ الْهِنْدِيِّ فيه الثَّانِي الْمُرَادُ بِصِيغَةِ افْعَلْ الْمُرَادُ بِصِيغَةِ افْعَلْ لَفْظُهَا وما قام مَقَامَهَا من اسْمِ الْفِعْلِ كَصَهْ وَالْمُضَارِعُ الْمَقْرُونُ بِاللَّامِ مِثْلَ لِيَقُمْ على الْخِلَافِ السَّابِقِ فيه وَصِيَغُ الْأَمْرِ من الثُّلَاثِيِّ افْعَلْ نحو اسْمَعْ نحو احْضَرْ وَافْعِلْ نحو اضْرِبْ وَمِنْ الرُّبَاعِيِّ فَعْلَلٌّ نحو قَرْطِسْ وَأَفْعِلْ نحو أَعْلِمْ وَفَعِّلْ نحو عَلِّمْ وَفَاعِلْ نحو نَاظِرْ وَمِنْ الْخُمَاسِيِّ تَفَعْلَلْ نحو تَقَرْطَسْ وَتَفَاعَلْ نحو تَقَاعَسْ وَانْفَعِلْ نحو انْطَلِقْ وَافْتَعِلْ نحو اسْتَمِعْ وَافْعَلْ نحو احْمَرَّ وَمِنْ السُّدَاسِيِّ اسْتَفْعِلْ نحو اسْتَخْرِجْ وَافْعَوْعِلْ نحو اغْدَوْدِنْ وَافْعَالَّ نحو احْمَارَّ وَافْعَنْلِلْ نحو اقْعَنْسِسْ وَافْعَوِّلْ نحو اعْلَوِّطْ

وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرُ الْمَجْعُولُ جَزَاءَ الشَّرْطِ بِحَرْفِ الْفَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَيْ فَحَرِّرُوا وَقَوْلُهُ فَضَرْبَ الرِّقَابِ أَيْ فَاضْرِبُوا الرِّقَابَ وَقَوْلُهُ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أَيْ فَافْدُوا وَقَوْلُهُ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ أَيْ صُومُوا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في أَوَّلِ بَابِ الرَّهْنِ من تَعْلِيقِهِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأُصُولِيُّونَ افْعَلْ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ في الْكَلَامِ وَتَرِدُ صِيغَةُ افْعَلْ لِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَعْنًى أَحَدُهَا الْإِيجَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ الثَّانِي كَقَوْلِهِ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَمَثَّلَهُ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ في كِتَابِ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ وَمَثَّلَهُ ابن فَارِسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ وَأَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى أَنَّ هذا الْقِسْمَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ الثَّالِثُ الْإِرْشَادُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الرُّشْدَ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ سَافِرُوا تَصِحُّوا وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فقال وفي كل حَتْمٍ من اللَّهِ رُشْدٌ فَيَجْتَمِعُ الْحَتْمُ وَالرُّشْدُ وَسَمَّاهُ الصَّيْرَفِيُّ الْحَظَّ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّدْبِ بِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَطْلُوبٌ لِمَنَافِعِ الْآخِرَةِ وَالْإِرْشَادُ لِمَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُ فيه الثَّوَابُ وَالثَّانِي لَا ثَوَابَ فيه الرَّابِعُ التَّأْدِيبُ وَعَبَّرَ عنه بَعْضُهُمْ بِالْأَدَبِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ قال وَلَيْسَ في الْقُرْآنِ غَيْرُهُ وَمَثَّلَهُ الْقَفَّالُ بِالْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَسَارِ أَكْلُ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَلِيهِ وَمَثَّلَهُ ابن الْقَطَّانِ بِالنَّهْيِ عن التَّعْرِيسِ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالْأَكْلُ من وَسَطِ الْقَصْعَةِ وَأَنْ يُقْرَنَ بين التَّمْرَتَيْنِ قال فَيُسَمَّى هذا أَدَبًا وهو أَخَصُّ من النَّدْبِ فإن التَّأْدِيبَ يَخْتَصُّ بِإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ وَكُلُّ تَأْدِيبٍ نَدْبٌ من غَيْرِ عَكْسٍ الْخَامِسُ الْإِبَاحَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُوا من الطَّيِّبَاتِ

فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذلك وقال لم يَثْبُتْ عِنْدِي لُغَةً وَالتَّمْثِيلُ بِمَا ذَكَرُوهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كان الْأَصْلُ في الْأَشْيَاءِ الْحَظْرَ السَّادِسُ الْوَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ التي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ السَّابِعُ الْوَعِيدُ وَيُسَمَّى التَّهْدِيدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا وَقَوْلِهِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فإن مَصِيرَكُمْ إلَى النَّارِ وَمِنْهُمْ من قال التَّهْدِيدُ أَبْلَغُ من الْوَعِيدِ وَمَثَّلَ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ التَّهْدِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ من دُونِهِ وَقَوْلِهِ لِإِبْلِيسَ وَاسْتَفْزِزْ من اسْتَطَعْتَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم من بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِيرَ قال وَكِيعٌ مَعْنَاهُ يَعَضُّهَا الثَّامِنُ الِامْتِنَانُ كَقَوْلِهِ كُلُوا من طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ وَسَمَّاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِنْعَامَ وهو وَإِنْ كان بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ منه تَذْكِيرُ النِّعْمَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِبَاحَةِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُجَرَّدُ إذْنٍ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ من اقْتِرَانِ الِامْتِنَانِ بِذِكْرِ احْتِيَاجِ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عليه وَنَحْوِ ذلك كَالتَّعَرُّضِ في هذه الْآيَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هو الذي رَزَقَهُ التَّاسِعُ الْإِنْذَارُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ تَمَتَّعُوا ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّهْدِيدِ من وِجْهَتَيْنِ أَحَدُهُمَا

الْإِنْذَارُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ كَالْآيَةِ وَالتَّهْدِيدُ لَا يَجِبُ فيه ذلك بَلْ قد يَكُونُ مَقْرُونًا بِهِ وقد لَا يَكُونُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْفِعْلَ الْمُهَدَّدَ عليه يَكُونُ ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمَ وَالْبُطْلَانَ وفي الْإِنْذَارِ قد يَكُونُ كَذَلِكَ وقد لَا يَكُونُ الْعَاشِرُ الْإِكْرَامُ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ قال الْقَفَّالُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ اُثْبُتْ مَكَانَك الْحَادِيَ عَشَرَ السُّخْرِيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ إلَّا بِالْمَقْدُورِ عليه وَجَعَلَهُ الصَّيْرَفِيُّ وابن فَارِسٍ من أَمْثِلَةِ التَّكْوِينِ قال ابن فَارِسٍ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا من اللَّهِ تَعَالَى وَمَثَّلَ بها ابن الْحَاجِبِ في أَمَالِيهِ لِلتَّسْخِيرِ وَمَثَّلَ لِلْإِهَانَةِ بِقَوْلِهِ كُونُوا حِجَارَةً قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّسْخِيرَ عِبَارَةٌ عن تَكْوِينِهِمْ على جِهَةِ التَّبْدِيلِ لِمَنْ جَعَلْنَاهُمْ على هذه الصِّفَةِ وَالْإِهَانَةُ عِبَارَةٌ عن تَعْجِيزِهِمْ فِيمَا يَقْدِرُونَ عليه أَيْ أَنْتُمْ أَحْقَرُ من ذلك تَنْبِيهٌ وَقَعَ في عِبَارَتِهِمَا التَّسْخِيرُ وَالصَّوَابُ ما ذَكَرْنَاهُ فإن السُّخْرِيَةَ الْهُزْءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كما تَسْخَرُونَ وَأَمَّا التَّسْخِيرُ فَهُوَ نِعْمَةٌ وَإِكْرَامٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ الثَّانِيَ عَشْرَ التَّكْوِينُ كَقَوْلِهِ كُنْ فَيَكُونُ وَسَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ كَمَالَ الْقُدْرَةِ وَسَمَّاهُ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ التَّسْخِيرَ

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّخْرِيَةِ أَنَّ التَّكْوِينَ سُرْعَةُ الْوُجُودِ عن الْعَدَمِ وَلَيْسَ فيه انْتِقَالٌ إلَى حَالٍ مُمْتَهَنَةٍ بِخِلَافِ السُّخْرِيَةِ فإنه لُغَةً الذُّلُّ وَالِامْتِهَانُ الثَّالِثَ عَشَرَ التَّعْجِيزُ نحو فَأْتُوا بِسُورَةٍ من مِثْلِهِ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْخِيرِ أَنَّ التَّسْخِيرَ نَوْعٌ من التَّكْوِينِ فإذا قِيلَ كُونُوا قِرَدَةً مَعْنَاهُ انْقَلِبُوا إلَيْهَا وَالتَّعْجِيزُ إلْزَامُهُمْ بِالِانْقِلَابِ لِيَظْهَرَ عَجْزُهُمْ لَا لِيَنْقَلِبُوا إلَى الْحِجَارَةِ وَمَثَّلَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَفَّالُ بِقَوْلِهِ كُونُوا حِجَارَةً أو حَدِيدًا قال وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ ليس في قُدْرَتِهِمْ قَلْبُ الْأَعْيَانِ ولم يَكُنْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مِمَّنْ يَخْتَرِعُ وَيُسَخِّرُ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ كُونُوا كَذَا تَعْجِيزٌ أَيْ أَنَّكُمْ لو كُنْتُمْ حِجَارَةً أو حَدِيدًا لم تُمْنَعُوا من جَرْيِ قَضَاءِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَكَذَا جَعَلَهُ ابن بَرْهَانٍ وَالْآمِدِيَّ من أَمْثِلَةِ التَّعْجِيزِ وقال ابن عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِهِ عِنْدِي في التَّمْثِيلِ بِهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا التَّعْجِيزُ حَيْثُ يُقْتَضَى بِالْأَمْرِ فِعْلُ ما لَا يَقْدِرُ عليه الْمُخَاطَبُ كَقَوْلِهِ فَادْرَءُوا عن أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا هذه الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا كُونُوا بِالتَّوَهُّمِ وَالتَّقْدِيرُ كَذَا وَكَذَا الرَّابِعَ عَشَرَ التَّسْوِيَةُ بين شَيْئَيْنِ نحو فَاصْبِرُوا أو لَا تَصْبِرُوا هَكَذَا مَثَّلُوا بِهِ وَعَلَى هذا فَقَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ فَاصْبِرُوا أو لَا تَصْبِرُوا لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَمَّا لم يَكُنْ بِالصَّرِيحِ أَرْدَفَهُ مُبَالَغَةً في الْحَسْرَةِ عليهم وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ صِيغَةَ افْعَلْ أو لَا تَفْعَلْ وَحْدَهَا لَا تَقْتَضِي التَّعْجِيزَ وَلَا اسْتَعَارَ لها بِالتَّسْوِيَةِ إلَّا من جِهَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ بين الشَّيْئَيْنِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِيمَا خُيِّرَ الْمُخَاطَبُ بِهِ أو يُقَالُ إنَّ صِيغَةَ افْعَلْ وَحْدَهَا لم تَقْتَضِ التَّسْوِيَةَ لَكِنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ من افْعَلْ أو لَا تَفْعَلْ فَعَلَى هذا لَا يَصْدُقُ عليه أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ صِيغَةُ الْأَمْرِ من حَيْثُ هِيَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُمْ هذا الْمِثَالَ من صِيغَةِ افْعَلْ وَعُذْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِعْمَالُهَا حَيْثُ يُرَادُ التَّسْوِيَةُ بِالْكَلَامِ الذي هِيَ فيه الْخَامِسَ عَشَرَ الِاحْتِيَاطُ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا قام أحدكم من النَّوْمِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فإنه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ أَيْ فَلَعَلَّ يَدَهُ لَاقَتْ نَجَاسَةً من بَدَنِهِ لم يَعْلَمْهَا فَلْيَغْسِلْهَا قبل إدْخَالِهَا لِئَلَّا

يُفْسِدَ الْمَاءَ السَّادِسَ عَشَرَ الدُّعَاءُ وَالْمَسْأَلَةُ نحو رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا رَبَّنَا اغْفِرْ لنا وقد أَوْرَدَ على تَسْمِيَتِهِمْ ذلك في الْأُولَى سُؤَالًا قَوْله تَعَالَى وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَأَجَابَ الْعَسْكَرِيُّ في الْفُرُوقِ بِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْوَقْفِ في الْكَلَامِ وَاسْتِعْطَافِ السَّامِعِ بِهِ وَمَثَّلَ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْأَمْرَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَقَوْلِك كُنْ بِخَيْرٍ السَّابِعَ عَشَرَ الِالْتِمَاسُ كَقَوْلِك لِنَظِيرِك افْعَلْ وَهَذَا أَخَصُّ من إرَادَةِ الِامْتِثَالِ الْآتِي الثَّامِنَ عَشَرَ التَّمَنِّي كَقَوْلِك لِشَخْصٍ تَرَاهُ كُنْ فُلَانًا كَذَا مَثَّلَهُ ابن فَارِسٍ وَنَحْوُهُ تَمْثِيلُ الْأُصُولِيِّينَ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ انْجَلِي بِمَعْنَى الِانْجِلَاءِ لِطُولِهِ وَنَزَّلُوا لَيْلَ الْمُحِبِّ لِطُولِهِ مَنْزِلَةَ ما يَسْتَحِيلُ انْجِلَاؤُهُ مُبَالَغَةً وَإِلَّا فَانْجِلَاءُ اللَّيْلِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَيَجِيءُ من هذا الْمِثَالِ السُّؤَالُ السَّابِقُ في التَّسْوِيَةِ فإن الْمُسْتَعْمَلَ في التَّمَنِّي هو صِيغَةُ الْأَمْرِ مع صِيغَةِ إلَّا لَا الصِّفَةُ وَحْدَهَا فَالْأَحْسَنُ مِثَالُ ابْنِ فَارِسٍ التَّاسِعَ عَشَرَ الِاحْتِقَارُ قال أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ يَعْنِي أَنَّ السِّحْرَ وَإِنْ عَظُمَ شَأْنُهُ فَفِي مُقَابَلَةِ ما أتى بِهِ مُوسَى عليه السَّلَامُ حَقِيرٌ الْعِشْرُونَ الِاعْتِبَارُ وَالتَّنْبِيهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَوْلِهِ قُلْ سِيرُوا في الْأَرْضِ فَانْظُرُوا وَمَثَّلَهُ الْعَبَّادِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اُنْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَجَعَلَهُ الصَّيْرَفِيُّ من أَمْثِلَةِ تَذْكِيرِ النِّعَمِ لهم الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ التَّحْسِيرُ وَالتَّلْهِيفُ ذَكَرَهُ ابن فَارِسٍ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ وقَوْله تَعَالَى اخْسَئُوا فيها وَلَا تُكَلِّمُونِ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ التَّصْبِيرُ كَقَوْلِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا وقَوْله تَعَالَى فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا وَقَوْلِهِ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ذَكَرَ هذه الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ الْقَفَّالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْخَبَرُ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا

الْمَعْنَى أَنَّهُمْ سَيَضْحَكُونَ وَيَبْكُونَ وَمَثَّلَهُ محمد بن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَيْ أُذِنْتُمْ بِحَرْبٍ أَيْ كُنْتُمْ أَهْلَ حَرْبٍ وَمِنْهُ على أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ إذَا لم تَسْتَحِ فَاصْنَعْ ما شِئْت أَيْ صَنَعْت ما شِئْت وَعَكْسُهُ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ الْمَعْنَى لِتُرْضِعْنَ الْوَالِدَاتُ أَوْلَادَهُنَّ وَهَكَذَا أَبْلَغُ من عَكْسِهِ لِأَنَّ النَّاطِقَ بِالْخَبَرِ مُرِيدًا بِهِ الْأَمْرَ كَأَنَّهُ نَزَّلَ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ التَّحْكِيمُ وَالتَّفْوِيضُ كَقَوْلِهِ فَاقْضِ ما أنت قَاضٍ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَسَمَّاهُ ابن فَارِسٍ وَالْعَبَّادِيُّ التَّسْلِيمَ وَسَمَّاهُ ابن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الِاسْتِبْسَالَ قال أَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ قد اسْتَعَدُّوا له بِالصَّبْرِ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ تَارِكِينَ لِدِينِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَسْتَقِلُّونَ بِمَا هو فَاعِلٌ في جَنْبِ ما يَتَوَقَّعُونَهُ من ثَوَابِ اللَّهِ قال وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ عليه الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ التَّعَجُّبُ ذَكَرَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أو حَدِيدًا وَجَعَلَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ من قِسْمِ التَّعْجِيزِ وَنَقَلَ الْعَبَّادِيُّ في الطَّبَقَاتِ وُرُودَ التَّعَجُّبِ عن أبي إِسْحَاقَ الْفَارِسِيِّ وَمَثَّلَهُ قَوْله تَعَالَى اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَالَ وَمَثَّلَ ابن فَارِسٍ وَالْعَلَمُ الْقَرَافِيُّ لِلتَّعَجُّبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ وهو أَلْيَقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بِمَعْنَى التَّكْذِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَقَوْلِهِ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْآيَةَ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْمَشُورَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السُّؤَالَ يَحِلُّ مَحَلَّ الْحَاجَةِ إلَى ما يُسْأَلُ وَالْمَشُورَةُ تَقَعُ تَقْوِيَةً لِلْعَزْمِ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ الْإِهَانَةُ كَقَوْلِهِ ذُقْ إنَّك أنت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ فَكِيدُونِي جميعا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ وَقَوْلِهِ وَأَجْلِبْ

عليهم بِخَيْلِك وَرَجِلِك وَشَارِكْهُمْ في الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ذَكَرَهُ ابن الْقَطَّانِ وَالصَّيْرَفِيُّ قَالَا وَلَيْسَ هذا أَمْرَ إبَاحَةٍ لِإِبْلِيسَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ ما يَكُونُ مِثْلَ ذلك لَا يَضُرُّ عِبَادِي كَقَوْلِهِ إنَّ عِبَادِي ليس لَك عليهم سُلْطَانٌ وَسَمَّاهُ جَمَاعَةٌ بِالتَّهَكُّمِ وَضَابِطُهُ أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ دَالٍّ على الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمُرَادُ ضِدُّهُ وَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ بِأَنَّ الْإِهَانَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ أو بِالْفِعْلِ أو تَرْكِهِمَا دُونَ مُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ وَالِاحْتِقَارُ إمَّا مُخْتَصٌّ بِهِ أو وَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لَا مَحَالَةَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ بِدَلِيلِ أَنَّ من اعْتَقَدَ في شَيْءٍ أَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ يُقَالُ إنَّهُ احْتَقَرَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ أَهَانَهُ ما لم يَصْدُرْ منه قَوْلٌ أو فِعْلٌ يُنْبِئُ عنه الثَّلَاثُونَ التَّحْذِيرُ وَالْإِخْبَارُ عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تَمَتَّعُوا في دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ إرَادَةُ الِامْتِثَالِ كَقَوْلِك عِنْدَ الْعَطَشِ اسْقِنِي مَاءً فَإِنَّك لَا تَجِدُ من نَفْسِك عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ إلَّا إرَادَةَ السَّقْيِ أَعْنِي طَلَبَهُ فَإِنْ فُرِضَ ذلك من السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ تُصُوِّرَ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ أو النَّدْبِ مع هذه الزِّيَادَةِ وهو إتْحَافُ السَّيِّدِ بِغَرَضِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ إرَادَةُ الِامْتِثَالِ لِأَمْرٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ فإنه لم يَقْصِدْ الْأَمْرَ بِأَنْ يَقْتُلَ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ الِاسْتِسْلَامُ وَعَدَمُ مُلَابَسَةِ الْفِتَنِ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ التَّخْيِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أو أَعْرِضْ عَنْهُمْ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَفِيهِ ما سَبَقَ في التَّسْوِيَةِ ثُمَّ قال وَأَقْسَامُ الْأَوَامِرِ كَثِيرَةٌ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ كَثْرَةً وَكُلُّهَا تُعْرَفُ بِمَخَارِجِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ وَبِالدَّلَائِلِ التي يَقُومُ عليها ثُمَّ تَكَلَّمَ على الْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ في حَمْلِ الصِّيغَةِ على ما سَبَقَ قال وَكُلُّ ما كان من بَابِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ فَالْأَمْرُ فيه إرْشَادٌ وَحَظْرٌ وَإِبَاحَةٌ كَالْأَمْرِ بِالْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه أَيْ إنْ شِئْتُمْ وَلِهَذَا قال فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ له قال

وَكُلُّ ما جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ على خُصُوصِ الْعَامِّ جَازَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ على أَنَّ الْأَمْرَ ليس لِلْوُجُوبِ قال وقد تَرِدُ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ بِأَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمَعْنَيَيْنِ نحو قَوْلِهِ كُلُوا من ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ وَقَوْلِهِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَقَوْلِهِ فَكَاتِبُوهُمْ ثُمَّ قال وَآتُوهُمْ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَجْمَعُوا على أنها مَتَى كانت بِمَعْنَى الطَّلَبِ وَالشَّفَاعَةِ أو التَّعْجِيزِ أو التَّهْدِيدِ أو الْإِهَانَةِ أو التَّقْرِيعِ أو التَّسْلِيمِ وَالتَّحْكِيمِ لم يَكُنْ أَمْرًا وَأَمَّا التَّكْوِينُ فَقَدْ سَمَّاهُ أَصْحَابُنَا أَمْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُنْ فَيَكُونُ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ أَمْرٌ وَاخْتَلَفُوا في النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ لِاخْتِلَافِهِمْ في الْأَمْرِ بِالنَّوَافِلِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فيه بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ فقال الْجُمْهُورُ هو غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وقال طَائِفَةٌ من مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ انْتَهَى إذَا عَلِمْت هذا فَلَا خِلَافَ أنها لَيْسَتْ حَقِيقَةً في جَمِيعِ هذه الْمَعَانِي لِأَنَّ أَكْثَرَهَا لم يُفْهَمْ من صِيغَةِ افْعَلْ لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في بَعْضِهَا قال الْإِمَامُ الْخِلَافُ في أُمُورٍ خَمْسَةٍ منها وَهِيَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَلَيْسَ كما زَعَمَ لِمَا سَيَأْتِي وعبارة أبي الحسين بن القطان اختلف أصحابنا فيما قام الدليل على عدم وجوبه من هذه الصيغ هل يسمى أمرا على قولين انتهى وفي كتاب المصادر عن الشريف المرتضى أنها حقيقة في طلب الفعل والإباحة والتهديد والتحذير وقد اختلفوا في ذلك على بضعة عشر قولا الأول أنها حقيقة في الوجوب فقط مجاز في البواقي وهو قول الفقهاء وجماعة المتكلمين ونقل عن الشافعي قاله إمام الحرمين في التلخيص أما الشافعي فقد ادعى كل من أهل هذه المذاهب أنه على وفاقه وتمسكوا بعبارات متفرقة في كتبه حتى اعتصم القاضي بألفاظ له من كتبه واستنبط منها مصيره إلى الوقف وهذا عدول عن سنن الإنصاف فإن الظاهر والمأثور من مذهبه حمل الأمر على الوجوب وقال ابن القشيري إنه مذهب الشافعي وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني وهذا الذي

ذكرناه من أن الأمر بمجرده يحمل على الوجوب هو الظاهر من كلام الشافعي فإنه قال في الرسالة وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على التحريم حتى تأتي دلالة تدل على غير ذلك ثم قال يعني الشافعي بعد ذلك بكلام كثير ويحتمل أن يكون الأمر كالنهي وأنهما على الوجوب إلى أن يدل دليل على خلاف ذلك فقد قطع القول في النهي أنه على التحريم وسوى بين الأمر في ظاهر كلامه والثاني وذكر أبو علي الوجوب إلا أنه لم يصرح بذلك في الأمر كتصريحه إياه في النهي فجملته أن ظاهر مذهب الشافعي أن الأمر بمجرده على الوجوب إلى أن يدل دليل على خلافه وهو قول أكثر أصحابنا منهم أبو العباس وأبو سعيد وابن خيران وغيرهم وهو قول مالك وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء انتهى قلت الذي يقتضيه كلام الشافعي أن النهي للتحريم قولا واحدا حتى يرد ما يصرفه وأن له في الأمر قولين أرجحهما أنه مشترك بين الثلاثة أعني الإباحة والوجوب الثاني أنه للوجوب وهو الأقوى دليلا فإنه قال في أحكام القرآن فيما جاء من أمر النكاح قال الشافعي رضي الله عنه على قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا ثم أباحه كقوله وإذا حللتم فاصطادوا وأن يكون دلهم على ما فيه رشدهم كقوله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وأن يكون حتما وفي كل حتم من الله الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الأمر كله للإباحة حتى توجد دلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه أريد به الحتم فيكون فرضا قال الشافعي وما نهى الله أو رسوله عنه محرم حتى توجد الدلالة على أن النهي على غير التحريم وإنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو تأدبا والفرق بين الأمر والنهي من قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا ويحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا

بدلالة أنهما غير لازمين انتهى وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع وابن برهان في الوجيز هو حقيقة في الوجوب عند الفقهاء واختاره الإمام وأتباعه قال الشيخ أبو إسحاق وهو الذي أملاه الشيخ أبو الحسن على أصحاب الشيخ أبي إسحاق المروزي ببغداد وقال الأستاذ أبو إسحاق إنه لا يجوز غيره في تركه دفع الشريعة وقال القاضي عبد الوهاب إنه قول مالك وكافة أصحابه وقال في الملخص هو قول أصحابنا وأكثر الحنفية والشافعية والأقلين من الأصوليين وقال أبو بكر الرازي هو مذهب أصحابنا وإليه كان يذهب شيخنا أبو الحسن الكرخي وقال أبو زيد الدبوسي هو قول جمهور العلماء ثم ظاهر إطلاقهم أنا نقطع بأنه للوجوب وقال المازري بل ظاهر فيه مع احتمال غيره لكن الوجوب أظهر وهل ذلك بوضع اللغة أو الشرع فقيل اللغة وصححه أبو إسحاق ونقله إمام الحرمين في مختصر التقريب عن الأكثرين من القائلين باقتضاء الصيغة للوجوب وأنه كذلك بأصل الوضع لأنه قد ثبت في إطلاق أهل اللغة تسمية من قد خالف مطلق الأمر عاصيا وتوبيخه بالعصيان عند مجرد ذكر الأمر واقتضى ذلك دلالة الأمر المطلق على الوجوب وقال المازري صرح بعض أصحابنا بأن الوعيد مستفاد من اللفظ كما يستفاد منه الاقتضاء الجازم وقيل بوضع الشرع وحكاه صاحب المصادر عن الشريف المرتضى واختاره وقيل بضم الشرع إلى الفقه وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفراييني فيما حكاه المازري في شرح البرهان واختاره إمام الحرمين أيضا ونزل عليه كلام عبد الجبار وهو المختار فإن الوعيد لا يستفاد من اللفظ بل هو أمر خارجي عنه وعن المستوعب للقيرواني حكاية قول رابع أنه يدل بالعقل قال الشيخ أبو إسحاق وفائدة الوجهين في الاقتضاء باللغة أو بالشرع أنا إن قلنا يقتضيه من حيث اللغة وجب حمل الأمر على الوجوب سواء كان من الشارع أو غيره إلا ما خرج بدليل وإن قلنا من حيث الشرع كان الوجوب مقصورا على أوامر صاحب الشرع حكاه بعض شراح اللمع وأغرب صاحب المصادر فحكى عن الأكثرين أنه يقتضي الوجوب بمجرده ثم

حكى قولا آخر أنه يقتضي الإيجاب قال والفرق بينهما أن من قال يقتضي الوجوب أراد به أنه يدل على وجوبه لا أنه يؤثر في وجوبه ومن قال يقتضي الإيجاب أراد به أنه بالأمر يصير الفعل واجبا ويؤثر في وجوبه والثاني أنها حقيقة في الندب وهو قول كثير من المتكلمين منهم أبو هاشم وقال الشيخ أبو حامد إنه قول المعتزلة بأسرها وقال أبو يوسف في الواضح هو أظهر قولي أبي علي وإليه ذهب عبد الجبار وربما نسب للشافعي قال القاضي عبد الوهاب كلامه في أحكام القرآن يدل عليه قال الشيخ أبو إسحاق وحكاه الفقهاء عن المعتزلة وليس هو مذهبهم على الإطلاق بل ذلك بواسطة أن الأمر عندهم يقتضي الإرادة والحكيم لا يريد إلا الحسن والحسن ينقسم إلى واجب وندب فيحمل على المحقق وهو الندب فليست الصيغة عندهم مقتضية للندب إلا على هذا التقدير وقال إمام الحرمين هذا أقرب إلى حقيقة مذهب القوم وقال الأستاذ أبو منصور هو قول المعتزلة لأن عندهم أن الأمر يقتضي حسن المأمور به وقد يكون الحسن واجبا وقد يكون ندبا وكونه ندبا يقين وفي وجوبه شك فلا يجب إلا بدليل وذكر ابن السمعاني نحوه والثالث أنها حقيقة في الإباحة التي هي أدنى المراتب وحكاه البيهقي في سننه عن حكاية الشافعي في كتاب النكاح فقال وقال بعضهم الأمر كله على الإباحة والدلالة على المرشد حتى توجد الدلالة على أنه أريد بالأمر الحتم وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة بأنه على غير التحريم واحتج له بحديث أبي هريرة إذا أمرتكم بأمر ثم قال قال الشافعي وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قوله فأتوا منه ما استطعتم أن عليهم الإتيان بما استطاعوا لأن الناس إنما يلزمون بما استطاعوا وعلى أهل العلم طلب الدلائل حتى يفرقوا بين الأمر والنهي معا انتهى وقال الأستاذ أبو إسحاق في شرح الترتيب حكي عن بعض أصحابنا أن الأمر للندب وأنه للإباحة وهذا لا يعرف عنهم بل المعروف من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا أن الأمر على الوجوب وإنما هذا قول قوم ليسوا من الفقهاء أدخلوا أنفسهم فيما بين الفقهاء كما نسب قوم إلى الشافعي القول بالتوقف في العموم وليس هو مذهبه انتهى

الرابع أنها مشتركة بالاشتراك اللفظي بين الوجوب والندب وحكي عن المرتضى من الشيعة وليس كذلك فقد سبق عن صاحب المصادر حقيقة مذهبه وقال الغزالي صرح الشافعي في كتاب أحكام القرآن بتردد الأمر بين الوجوب والندب وقد سبق تأويله من كلام ابن القطان الخامس أنها حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الطلب لكن يحكم بالوجوب ظاهرا في حق العمل احتياطا دون الاعتقاد وبه قال أبو منصور الماتريدي السادس حقيقة إما في الوجوب وإما في الندب وإما فيهما جميعا بالاشتراك اللفظي لكنا ما ندري ما هو الواقع من هذه الأقسام الثلاثة ونعرف أن لا رابع وحكي عن بعض الواقفية كالشيخ والقاضي وحكاه بعضهم عن ابن سريج وقال إنه صار إلى التوقف حتى يتبين المراد والتوقف عنده في تعيين المراد عند الاستعمال لا في تعيين الموضوع له لأنه عنده موضوع بالاشتراك العقلي للوجوب والندب والإباحة والتهديد وذهب الغزالي وجماعة من المحققين إلى التوقف في تعيين الموضوع له أنه للوجوب فقط أو الندب فقط أو مشترك بينهما اشتراكا لفظيا السابع مشتركة بين الثلاثة أعني الوجوب والندب والإباحة وهل هو بالاشتراك اللفظي أو المعنوي رأيان الثامن أنها مشتركة بين الخمسة هذه الثلاثة والكراهة والتحريم حكاه في المحصول التاسع مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة والإرشاد والتهديد حكاه الغزالي ونسبه للأشعري والقاضي وأصحابهما قال وعندهم أنها مشتركة بحكم الوضع الأصلي فيكون حقيقة في كل واحد منهما بظاهره وإنما يحمل عليه بدليل وغاير ابن برهان بين مذهب الشيخ والقاضي ذهب الشيخ وأصحابه إلى أن الأمر ليست له صيغة تخصه وإنما قول القائل افعل مشترك بين الأمر والنهي والتهديد والتعجيز والتكوين لا يحمل على شيء منها إلا بدليل ثم ذكر مذهب القاضي كما سيأتي العاشر أنه حقيقة في الطلب مجاز فيما سواه قال الآمدي وهو الأصح

الحادي عشر أن أمر الله للوجوب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم للندب إلا ما كان موافقا لنص أو مبينا لمجمل حكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص عن شيخه أبي بكر الأبهري وكذا حكاه عنه المازري في شرح البرهان وقال إن النقل اختلف عنه فروي عنه كذا وروي عنه موافقة من قال إنه للندب على الإطلاق وقال القاضي عبد الوهاب في كلامه على الأدلة وأما ما حكيناه عن الأبهري فإنه ذكره في شرحه وهو كالمتروك وكان يستدل على ذلك بأن المسلمين فرقوا بين السنن والفرائض فأضافوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على ما قلناه وبهذا فارق بيان المجمل من الكتاب لأنه ليس بابتداء منه قال والصحيح هذا الذي كان يقوله آخر أمره وأنه لا فرق بين أوامر الله تعالى وأوامر رسوله من كون جميعها على الوجوب الثاني عشر وحكاه ابن برهان عن القاضي وأصحابه أنه ليست له صيغة تخصه وليست مشتركة بين الأمر وغيره ولا يدل عند قول القائل افعل على معنى أو مشترك وإنما يدل عند انضمام القرينة إليها ونزول الصيغة من القرينة منزلة الزاي من زيد لا يدل على تركب من الزاي والياء والدال حينئذ يدل على معنى وكذلك قولك افعل بدون القرينة لا يدل على شيء فإذا انضمت القرينة إليه حينئذ دل على المقصود وقال الشيح أبو حامد الإسفراييني ذهب الأشعري ومن تابعه إلى أن لفظ الأمر لا يدل على وجوب ولا غيره بمجرده ولا يحمل على شيء إلا بدليل تنبيهات الأول قال أبو الحسين البصري المسألة ظنية لأنها وسيلة إلى العمل فتنتهض فيها الأدلة الظنية وقال غيره قطعية إذ هي من قواعد أصول الفقه وبنى الصفي الهندي على هذا فقال المطلوب في هذه المسألة إن كان هو القطع فالحق فيها هو التوقف وإن كان أعم منه وهو الحكم إما على سبيل القطع أو الظن وهو الأشبه فالأغلب على الظن أن الحق فيما هو القول بالوجوب الثَّانِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حَقِيقَةً في شَيْءٍ مَجَازًا في غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تُرَدَّ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ إلَى الْعَلَاقَةِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ يُوجَدُ فيه فَأَشْبَهَ الطَّلَبَ بِوَجْهٍ فإن التَّعْجِيزَ وَالتَّكْوِينَ وَالتَّخْيِيرَ طَلَبٌ بِوَجْهٍ ما وَكَذَا النَّهْيُ

الثَّالِثُ أَنَّهُ تَرِدُ صِيغَةُ الْخَبَرِ لِلْأَمْرِ نحو وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ وهو مَجَازٌ وَالْعَلَاقَةُ فيه ما يَشْتَرِكُ كُلُّ وَاحِدٍ منها في تَحْقِيقِ ما تَعَلَّقَ بِهِ وَكَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى النَّهْيِ نحو لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ نعم هَاهُنَا بَحْثٌ دَقِيقٌ أَشَارَ إلَيْهِ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْعُنْوَانِ وهو أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عليه ما يَتَرَتَّبُ على الْأَمْرِ من الْوُجُوبِ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أو يَكُونُ ذلك مَخْصُوصًا بِالصِّيغَةِ الْمَعْنِيَّةِ وَهِيَ صِيغَةُ افْعَلْ ولم يُرَجِّحْ شيئا وَهَذَا الْبَحْثُ قد دَارَ بين الشَّيْخَيْنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ في مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ فَادَّعَى ابن تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَجَعَلَ قَوْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثٍ في مَعْنَى النَّهْيِ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ كما أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَنَازَعَهُ ابن الزَّمْلَكَانِيِّ وقال هذا مَحْمُولٌ على الْأَمْرِ بِصِيغَةِ افْعَلْ وَعَلَى النَّهْيِ بِصِيغَةِ لَا تَفْعَلْ إذْ هو الذي يَصِحُّ دَعْوَى الْحَقِيقَةِ فيه وَأَمَّا ما كان مَوْضُوعًا حَقِيقَةً لِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيُفِيدُ مَعْنَى أَحَدِهِمَا كَالْخَبَرِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّفْيِ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَلَا يُدَّعَى فيه أَنَّهُ حَقِيقَةٌ في وُجُوبٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ أو النَّهْيُ فَدَعْوَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً في إيجَابٍ أو تَحْرِيمٍ وهو مَوْضُوعٌ لِغَيْرِهِمَا مُكَابَرَةٌ قال وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ كَثِيرٌ من الْفُقَهَاءِ وَيَغْتَرُّونَ بِإِطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ وَيُدْخِلُونَ فيه كُلَّ ما أَفَادَ نَهْيًا أو أَمْرًا وَالْمُحَقِّقُ الْفَاهِمُ يَعْرِفُ الْمُرَادَ وَيَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ في مَوْضِعِهِ قُلْت صَرَّحَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَلْحَقَهُ بِالْأَمْرِ ذِي الصِّيغَةِ قال وَمِنْ الدَّلِيلِ على أَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ دُخُولُ النَّسْخِ فيه وَالْأَخْبَارُ الْمَحْضَةُ لَا يَلْحَقُهَا النَّسْخُ وَلِأَنَّهُ لو كان خَبَرًا لم يُوجَدْ خِلَافُهُ قال وَمِنْ هذا الْبَابِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَوْله تَعَالَى لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ

وقال بَعْضُهُمْ لَا إذَا كانت نَافِيَةً أَبْلَغُ في الْخِطَابِ من النَّهْيِ لِأَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْحُكْمَ قد كان قَارًّا قبل وُرُودِهِ وَالنَّفْيُ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عن حَالَتِهِ وَأَنَّهَا كانت مَنْفِيَّةً فلم تَكُنْ ثَابِتَةً قبل ذلك وَهَاهُنَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا في الْعُدُولِ عن صِيغَةِ الطَّلَبِ إلَى صِيغَةِ الْخَبَرِ وَفَوَائِدُ منها أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْبَرَ بِهِ يُؤْذِنُ بِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ وَثُبُوتِهِ على حُدُوثِهِ وَتَجَدُّدِهِ فإن الْأَمْرَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فِعْلًا حَادِثًا فإذا أُمِرَ بِالشَّيْءِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ آذَنَ ذلك بِأَنَّ هذا الْمَطْلُوبَ في وُجُوبِ فِعْلِهِ وَلُزُومِهِ بِمَنْزِلَةِ ما قد حَصَلَ وَتَحَقَّقَ فَيَكُونُ ذلك أَدْعَى إلَى الِامْتِثَالِ وَمِنْهَا أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ وَإِنْ دَلَّتْ على الْإِيجَابِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ الِاسْتِحْبَابُ فإذا جِيءَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ عُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ ثَابِتٌ مُسْتَقِرٌّ وَانْتَفَى احْتِمَالُ الِاسْتِحْبَابِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَحْكَامَ قِسْمَانِ خِطَابُ وَضْعٍ وَأَخْبَارٌ وهو جَعْلُ الشَّيْءِ سَبَبًا وَشَرْطًا وَمَانِعًا وَهَذَا من النَّوْعِ فإن الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فإذا جِيءَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ كان فيه دَلَالَةٌ على أَنَّهُ من قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ الْمُمْتَازَةِ عن سَائِرِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَيُوَضِّحُ هذا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لو كانت مَجْنُونَةً ثَبَتَ حُكْمُ الْعِدَّةِ في حَقِّهَا وَإِنْ لم تَكُنْ مُكَلَّفَةً الثَّانِيَةُ الْخَبَرُ الذي هو مَجَازٌ عن الْأَمْرِ في مِثْلِ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ هل هو مَجْمُوعُ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ أو خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ يَمِيلُ إلَى الثَّانِي وَأَنَّ الْمَعْنَى وَالْوَالِدَاتُ لَيُرْضِعْنَ وَبَعْضِهِمْ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَكُونُ جُمْلَةً إنْشَائِيَّةً الثَّالِثَةُ الْمَشْهُورُ جَوَازُ وُرُودِ صِيغَةِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بها الْأَمْرُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ جَمَعَ رَجُلٌ عليه ثِيَابَهُ وَحَسْبُك دِرْهَمٌ أَيْ اكْتَفِ بِهِ وَمَنَعَهُ السُّهَيْلِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ قال وَإِنَّمَا هو خَبَرٌ عن حُكْمِ الشَّرْعِ فَإِنْ وُجِدَتْ مُطَلَّقَةٌ لَا تَتَرَبَّصُ فَلَيْسَ من الشَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ من ذلك وُقُوعُ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى على خِلَافِ مُخْبَرِهِ وَقِيلَ لِتَتَرَبَّصَ بِحَذْفِ اللَّامِ

سقط مسألة إذَا دَلَّ على انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ فَهَلْ يُحْمَلُ على النَّدْبِ أو يُتَوَقَّفُ وَلَا يُحْمَلُ عليه وَلَا على غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فيه قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ وَعُزِيَ الثَّانِي لِأَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ قال فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ كان لِلْإِبَاحَةِ فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فَفِي جَوَازِ الْفِعْلِ وهو أَنْ يَكُونَ غير مَحْظُورٍ وَلَا يَكُونُ له حُكْمُ الْبَاطِلِ قال وَهَذَا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ من الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا بَعِيدٌ عنه إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ على انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ وَحُمِلَ على النَّدْبِ فَهَلْ هو مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً أو مَجَازًا خِلَافٌ سَبَقَ في بَحْثِ النَّدْبِ وَقِيلَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ عليها من بَابِ الْمُشَكَّكِ كَالْوُجُودِ وَالْبَيَاضِ لِأَنَّهُ في الْوُجُوبِ أَوْلَى إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ على انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ وَحُمِلَ على الْإِبَاحَةِ فَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَاخْتَارَهُ ابن عَقِيلٍ وَنَقَلَهُ عن جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَذَكَرَ أبو الْخَطَّابِ منهم أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ من فَوَائِدِ الْأَمْرِ هل هو حَقِيقَةٌ في النَّدْبِ فَيَجِيءُ فيها الْخِلَافُ وَحَكَى ابن عَقِيلٍ أَنَّ الْإِبَاحَةَ أَمْرٌ وَالْمُبَاحُ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ الْبَلْخِيّ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ لم يُرَدْ بِهِ الْوُجُوبُ فَهَلْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ في الْجَوَازِ فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في شَرْحِ اللُّمَعِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَصَحَّحُوا الْمَنْعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ لم يُوضَعْ لِلْجَوَازِ وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلْإِيجَابِ وَالْجَوَازُ يَدْخُلُ فيه تَبَعًا فإذا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ التَّابِعُ وقد سَبَقَتْ أَيْضًا مَسْأَلَةُ إذَا صَدَرَ من الشَّارِعِ مُجَرَّدًا عن الْقَرِينَةِ وَقُلْنَا يُحْمَلُ على الْوُجُوبِ وَجَبَ الْفِعْلُ لَا مَحَالَةَ وفي وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ قبل الْبَحْثِ خِلَافُ الْعَامِّ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِهِ في بَابِ الْعُمُومِ قال فَعَلَى

قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ يُحْمَلُ الْأَمْرُ على الْوُجُوبِ بِظَاهِرِهِ وَالنَّهْيُ على التَّحْرِيمِ بِظَاهِرِهِ وَعَلَى هذا الْقَوْلُ يُتَوَقَّفُ وَسَيَأْتِي في بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وقد تَعَرَّضَ هَاهُنَا صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ فقال إذَا صَدَرَ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ من مُفْتَرِضِ الطَّاعَةِ فَحُكْمُهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ وَاعْتِقَادُهُ قَطْعًا هذا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وقال مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ منهم الْمَاتُرِيدِيُّ إنَّ حُكْمَهُ من حَيْثُ الظَّاهِرُ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا على طَرِيقِ التَّعْيِينِ وهو أَنْ لَا يُعْتَقَدَ فيه نَدْبٌ وَلَا ما يُنَافِيهِ وَلَا خِلَافَ في وُجُوبِ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ بِطَرِيقِ التَّعْيِينِ وَبُنِيَ على هذا ما لو اقْتَرَنَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ قَرِينَةُ النَّدْبِ أو الْإِبَاحَةِ أو التَّهْدِيدِ فَمَنْ قال الْوُجُوبُ عَيْنًا فَلَيْسَ بِأَمْرٍ عِنْدَهُ لِانْعِدَامِ حُكْمِهِ بَلْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْأَمْرِ عليه مَجَازًا انْتَهَى وَأَقُولُ الْأَمْرُ ضَرْبَانِ أَمْرُ إعْلَامٍ وَأَمْرُ إلْزَامٍ فَأَمَّا أَمْرُ الْإِعْلَامِ فَمُخْتَصٌّ بِالِاعْتِقَادِ دُونَ الْفِعْلِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْأَمْرُ على الِاعْتِقَادِ بِزَمَانٍ وَاحِدٍ وهو وَقْتُ الْعِلْمِ بِهِ وَأَمَّا أَمْرُ الْإِلْزَامِ فَمُتَوَجِّهٌ إلَى الِاعْتِقَادِ وَالْفِعْلِ فَيَجْمَعُ بين اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَإِيجَابِ الْفِعْلِ وَلَا يُجْزِئُهُ الِاقْتِصَارُ على أَحَدِهِمَا فَإِنْ فَعَلَهُ قبل اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ لم يَجُزْ وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ ولم يَفْعَلْ كان مَأْخُوذًا بِهِ وَلَا يَلْزَمُ تَجْدِيدُ الِاعْتِقَادِ عِنْدَ الْفِعْلِ إذَا كان على ما تَقَدَّمَ من اعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ تَعَبُّدُ إلْزَامٍ وَالْفِعْلُ تَأْدِيَةُ مُسْتَحَقٍّ وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْأَمْرُ على الْفِعْلِ بِزَمَانِ الِاعْتِقَادِ وَاخْتُلِفَ في اعْتِبَارِ تَقْدِيمِهِ بِزَمَانِ الْمُتَأَهِّبِ لِلْفِعْلِ على مَذْهَبَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو قَوْلٌ شَاذٌّ من الْفُقَهَاءِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ على الْفِعْلِ بِزَمَانَيْنِ أَحَدُهُمَا زَمَانُ الِاعْتِقَادِ وَالثَّانِي زَمَانُ التَّأَهُّبِ لِلْفِعْلِ وَبِهِ قال من الْمُتَكَلِّمِينَ من اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ قبل الْفِعْلِ وَالثَّانِي وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يُعْتَبَرُ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ على الْفِعْلِ بِزَمَانِ الِاعْتِقَادِ وَحْدَهُ وَالتَّأَهُّبُ لِلْفِعْلِ شُرُوعٌ فيه فلم يُعْتَبَرْ تَقْدِيمُهُ عليه وَبِهِ قال من الْمُتَكَلِّمِينَ من اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ مع الْفِعْلِ وَسَبَقَتْ في مَبَاحِثِ التَّكْلِيفِ

مسألة
يجوز تقديم الأمر
يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ على وَقْتِ الْفِعْلِ خِلَافًا لِمَنْ قال لَا تَكُونُ صِيغَةُ افْعَلْ قبل وَقْتِ الْفِعْلِ أَمْرًا بَلْ يَكُونُ إعْلَامًا وَسَبَقَتْ في مَبَاحِثِ التَّكْلِيفِ
مسألة
قول الصحابى أمرنا رسول الله
إذَا قال الرَّاوِي أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكَذَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبُ الطَّبَرِيُّ وَجَبَ حَمْلُهُ على الْوُجُوبِ قال وَحَكَى الْقَاضِي أبو الْحَسَنِ الْحَرِيرِيُّ عن دَاوُد أَنَّهُ قال لَا حُجَّةَ فيه حتى يَنْقُلَ لَفْظَ الرَّسُولِ لِاخْتِلَافِ الناس هل الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أو النَّدْبَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وَجَعَلَهَا مَبْنِيَّةً على أَنَّ الْمَنْدُوبَ ليس مَأْمُورًا بِهِ وَعِنْدَنَا مَأْمُورٌ بِهِ مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ هل يَقْتَضِي الْجَوَازَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ في قَوْلِ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ كما قَالَهُ الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ قال وَأَنْكَرَ هذا الْإِطْلَاقَ وقال الْأَمْرُ إذَا اقْتَضَى إيجَابَ الشَّيْءِ فما الْمَعْنَى بِالْجَوَازِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِيجَابِ فَإِنْ قَيَّدْتُمْ الْجَوَازَ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَالْخِلَافُ في الْعِبَارَةِ فَإِنَّا لَا نَسْتَحْسِنُ تَسْمِيَةَ الْوُجُوبِ جَوَازًا وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِالْجَوَازِ شيئا آخَرَ سِوَى الْوُجُوبِ فَهُوَ مُحَالٌ وَيُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مُبَاحٌ وقال شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَثْبُتُ حُسْنُ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا وَاتَّفَقُوا على ثُبُوتِ صِفَةِ الْجَوَازِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّ الْحُسْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يُثْبِتُ جَوَازَ الْأَدَاءِ حتى يَقْتَرِنَ بِهِ دَلِيلٌ بِدَلِيلِ من ظَنَّ طَهَارَتَهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فإنه مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ شَرْعًا وَلَا تَكُونُ جَائِزَةً إذَا أَدَّاهَا على هذه الصِّفَةِ وَمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ شَرْعًا وَلَا يَكُونُ الْمُؤَدَّى جَائِزًا إذَا أُدِّيَ وَهَذَا مَمْنُوعٌ حُكْمًا وَتَوْجِيهًا

مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَهَلْ يَقْتَضِيهَا شَرْعًا أو لُغَةً يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ على الْخِلَافِ الْآتِي في النَّهْيِ مَسْأَلَةٌ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَذَا حَكَاه إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وابن السَّمْعَانِيِّ وابن بَرْهَانٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَالْبَاجِيُّ في الْأَحْكَامِ وَغَيْرُهُمْ وَخَرَّجُوا على ذلك الْوُضُوءَ الْمُنَكَّسَ وَالطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نُهِيَ عنه إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَنَا فَنَهْيُ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَنَهْيُ تَنْزِيهٍ وإذا كَانَا مَنْهِيَّيْنِ لم يَكُونَا مَأْمُورَيْنِ لِمَا بين الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ من التَّضَادِّ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يَصِحَّانِ لِأَنَّ مُطْلَقَ أَمْرِ الشَّارِعِ يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ وَاَلَّذِي رَأَيْته في كِتَابِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ حِكَايَةَ ذلك عن أبي بَكْرٍ الرَّازِيَّ فَقَطْ ثُمَّ قال وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ كما يُثْبِتُ صِفَةَ الْجَوَازِ وَالْحُسْنِ شَرْعًا يُثْبِتُ انْتِفَاءَ صِفَةِ الْكَرَاهَةِ وقال الْمَازِرِيُّ اخْتَارَ ابن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ كَوْنَهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ قال وَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ في تَضْمِينِ الْوُجُوبِ لِلْجَوَازِ حتى إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بَقِيَ الْجَوَازُ وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ سَبَقَتْ في فَصْلِ الْمَكْرُوهِ وقال ابن تَيْمِيَّةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ تَلْبِيسٌ فإن الْأَمْرَ إنَّمَا هو بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَيْسَ في الْأَمْرِ تَعَرُّضٌ لِكَرَاهَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فإذا قَارَنَتْهَا الْكَرَاهَةُ فقال قَائِلٌ صَلِّ صَلَاةً غير مَأْمُورٍ بها كان ذلك تَدْلِيسًا فإن الْأَمْرَ لم يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ بَلْ أَمْرٌ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا يُقَالُ هذه الصَّلَاةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بها

مَسْأَلَةٌ وُرُودُ صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ هل تُفِيدُ الْوُجُوبَ إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ من اقْتِضَاءِ صِيغَةِ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ فَلَوْ وَرَدَتْ صِيغَةٌ بَعْدَ الْحَظْرِ كَالْأَمْرِ بِحَلْقِ الرَّأْسِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ عليه بِالْإِحْرَامِ وَالْأَمْرُ بِحَمْلِ السِّلَاحِ في صَلَاةِ الْخَوْفِ بَعْدَ تَحْرِيمِ حَمْلِهِ فيها فَهَلْ يُفِيدُ الْوُجُوبَ أَمْ لَا فيه مَذَاهِبُ أَحَدُهَا أَنَّهُ على حَالِهَا في اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ كما لو وَرَدَتْ ابْتِدَاءً وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ في شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عن أبي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وهو كما قال فإنه نَصَرَهُ في كِتَابِهِ وَنَقَلَهُ عن أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قال وهو قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ هو قَوْلُ أَهْلِ التَّحْصِيلِ مِنَّا وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَنَصَرَهُ وقال ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ إلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ في الْوَجِيزِ عن الْقَاضِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي كما حَكَاهُ عنه إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لو كُنْت من الْقَائِلِينَ بِالصِّيغَةِ لَقَطَعْت بِأَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ بَعْدَ الْحَظْرِ مُجْرَاةٌ على الْوُجُوبِ وَصَرَّحَ الْمَازِرِيُّ عن الْقَاضِي بِالْوَقْفِ هُنَا كما هُنَاكَ وَحَكَى عن الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَقْوَى تَأْكِيدُ الْوُجُوبِ فيه عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ كَتَأْكِيدِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ عن تَقَدُّمِ حَظْرٍ حتى إنَّ هذا يُتْرَكُ عن ظَاهِرِهِ بِدَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ في الْقُوَّةِ مَبْلَغَ الْأَدِلَّةِ التي يُتْرَكُ لِأَجْلِهَا ظَاهِرُ الْمُجَرَّدِ عن ذلك قال الْمَازِرِيُّ وَهَذَا عَيْنُ ما اخْتَرْته في الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ كما سَبَقَ وَحَكَاهُ أبو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْوَاضِحِ عن الْمُعْتَزِلَةِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن الشِّيعَةِ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ إنَّهُ الْأَقْوَى في النَّظَرِ وقال في الْإِفَادَةِ ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ أو أَكْثَرُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ على الْإِبَاحَةِ وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ عن أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ وَالْخَفَّافُ في كِتَابِ الْخِصَالِ بِأَنَّهُ شَرَطَ لِلْأَمْرِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ حَظْرٌ وقال صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكَذَا حَكَاهُ عن الشَّافِعِيِّ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في كِتَابِهِ وقال الْقَاضِي صَارَ إلَيْهِ

الشَّافِعِيُّ في أَظْهَرِ أَجْوِبَتِهِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عن الشَّافِعِيِّ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في تَعْلِيقِهِ في بَابِ الْكِتَابَةِ وقال في كِتَابِهِ في أُصُولِ الْفِقْهِ قال الشَّافِعِيُّ في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ منها الْإِبَاحَةُ كَالْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا فإذا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا قال فَنَصَّ على أَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ بَعْدَ الْحَظْرِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ دُونَ الْإِيجَابِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا انْتَهَى وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ لِلشَّافِعِيِّ كَلَامٌ يَدُلُّ عليه وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ هو ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ من تَكَلَّمَ في أُصُولِ الْفِقْهِ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ إنَّهُ الذي صَارَ إلَيْهِ الْفُقَهَاءُ من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَطْلَقُوا على أَنَّ ذلك قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ نَصَّ عليه في كَثِيرٍ من كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ معه أَنَّهُ مَذْهَبُهُ خِلَافُهُ لَكِنْ قال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ الشَّافِعِيُّ يَجْعَلُ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ من مُوَلِّدَاتِ التَّأْوِيلِ وَهَذَا منه اعْتِرَافٌ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الْحَظْرِ يُوهِنُ الظُّهُورَ وَلَكِنْ لَا يُسْقِطُ أَصْلَ الظُّهُورِ كَانْطِبَاقِ الْعُمُومِ على سَبَبٍ انْتَهَى وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ وابن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَلِذَلِكَ احْتَجَّ على عَدَمِ وُجُوبِ الْكِتَابَةِ بِقَوْلِهِ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا فقال هو تَوْسِعَةٌ لِقَوْلِهِ وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَالثَّالِثُ إنْ كان الْحَظْرُ السَّابِقُ عَارِضًا لِعِلَّةٍ وَسَبَبٍ وَعُلِّقَتْ صِيغَةُ افْعَلْ بِزَوَالِهَا كَقَوْلِهِ وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَكَقَوْلِهِ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عن ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَادَّخِرُوا فإن الْحَظْرَ السَّابِقَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِسَبَبٍ فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ إذَا وَرَدَتْ صِيغَةُ افْعَلْ مُعَلَّقَةً بِرَفْعِهِ دَلَّ في عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ على أَنَّهُ لِدَفْعِ الذَّمِّ فَقَطْ وَيَغْلِبُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ على الْوَضْعِ وَأَمَّا إنْ كان الْحَظْرُ السَّابِقُ قد عَرَضَ لَا لِعِلَّةٍ وَلَا أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ عُلِّقَتْ بِزَوَالِ ذلك كَالْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَقِيبَ الزِّنَا بَعْدَ النَّهْيِ عن الْإِيلَامِ فَتَبْقَى صِيغَةُ افْعَلْ على ما دَلَّتْ عليه قبل ذلك فَمَنْ قال إنَّهَا لِلْوُجُوبِ قبل ذلك فَهِيَ لِلْوُجُوبِ بِحَالِهَا وَمَنْ قال إنَّهَا مَوْقُوفَةٌ قال هِيَ أَيْضًا مُتَرَدِّدَةٌ بين

الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَيُرِيدُ هُنَا أَيْضًا احْتِمَالَ الْإِبَاحَةِ وَلَا تَنْقُصُ الْإِبَاحَةُ بِسَبَبِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هُنَا دَعْوَى عُرْفٍ أو اسْتِعْمَالٍ حتى يُقَالَ بِأَنَّهُ يَغْلِبُ الْعُرْفُ الْوَضْعَ في هذه الصُّورَةِ بِخِلَافِ الْأُولَى بَلْ يَبْقَى التَّرَدُّدُ لَا غَيْرُ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وقال أَمَّا إذَا أُطْلِقَ غير مُعَلَّلٍ بِعَارِضٍ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ لَفْظُ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِمَا تَقَدَّمَ من الْحَظْرِ بِالْكَلَامِ فَإِنْ انْتَفَى التَّعَلُّقُ لم يُؤَثِّرْ قَطْعًا وَيُحْتَمَلُ وَأَمَّا إذَا لم تَرِدْ صِيغَةُ افْعَلْ كَقَوْلِك قال إذَا حَلَلْتُمْ فَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاصْطِيَادِ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالْإِبَاحَةَ وَالرَّابِعُ الْوَقْفُ بين الْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ عن الْمُتَكَلِّمِينَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مع كَوْنِهِ أَبْطَلَ الْوَقْفَ في لَفْظِهِ ابْتِدَاءً من غَيْرِ تَقَدُّمِ حَظْرٍ وقال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ وقال ابن الْقُشَيْرِيّ إنَّهُ الرَّأْيُ الْحَقُّ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في بَابِ الْكِتَابَةِ من تَعْلِيقِهِ وَالسَّادِسُ أنها تَرْفَعُ الْحَظْرَ السَّابِقَ وَتُعِيدُ حَالَ الْفِعْلِ إلَى ما كان قبل الْحَظْرِ فَإِنْ كان مُبَاحًا كانت لِلْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ وإذا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا أو وَاجِبًا فَوَاجِبٌ كَقَوْلِهِ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوَطْءِ وَهَذَا ما اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ من الْحَنَابِلَةِ وَنَسَبَهُ لِلْمُزَنِيِّ قال وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ قَوْله تَعَالَى فإذا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فإن الصِّيغَةَ رَفَعَتْ الْحَظْرَ وَأَعَادَتْهُ إلَى ما كان أَوَّلًا وَهَذَا هو الْمُخْتَارُ عِنْدِي قُلْت وهو ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ فإنه قال كُلُّ ما حُرِّمَ لِحُدُوثِ مَعْنًى فيه وكان قُبَيْلَ حَظْرِهِ غير وَاجِبٍ فِعْلُهُ فإذا وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ بَعْدَ الْحَظْرِ فَالظَّاهِرُ منه الْإِبَاحَةُ وَرَدُّ الشَّيْءِ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَلَا تَرَى أَنَّ وَطْءَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ لم يَكُنْ فَرْضًا عليه ثُمَّ حَرُمَ بِحُدُوثِ الْحَيْضِ فلما قِيلَ فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ لم يَكُنْ ذلك إيجَابًا بَلْ إبَاحَةً كَأَنَّهُ قال فإذا تَطَهَّرْنَ فَهِيَ على الْحَالَةِ الْأُولَى وَكَذَا قَوْلُهُ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا أَيْ فَقَدْ أَبَحْت لَكُمْ

الْآنَ ما حَظَرْته عَلَيْكُمْ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ على الْأَمْرِ هل هو قَرِينَةٌ تُوجِبُ خُرُوجَهُ عن مُقْتَضَاهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا فَالْقَائِلُونَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ لَا يَرَوْنَهُ قَرِينَةً مُوجِبَةً لِلْخُرُوجِ عن ذلك وَالْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ يَرَوْنَ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ قَرِينَةً خَارِجَةً لِلْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عن مُقْتَضَاهُ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ على ذلك وَلَا مُسْتَنَدَ لهم إلَّا دَعْوَى الْفَرْقِ في صَرْفِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ عن مُقْتَضَاهُ أو دَعْوَى أَكْثَرِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ في ذلك وَطَرِيقُهُمْ في ذلك إيرَادُ النَّظَائِرِ كَقَوْلِهِ وإذا حَلَلْتُمْ فإذا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ في إمْكَانِ الِانْتِقَالِ من بَعْضِ الْأَحْكَامِ إلَى بَعْضٍ كَيْفَ كانت قال وَمِنْ هذا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ ما قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ في هذه وهو مِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْوُجُوبِ قَائِمٌ وَالْوُجُودُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا وَقَرَّرَ كَوْنَ الْمَوْجُودِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ من الْحَظْرِ إلَى الْوُجُوبِ ليس بِقَوِيٍّ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ جَائِزٌ من غَيْرِ شَكٍّ وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ يَدَّعِي أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَالْعُرْفَ دَالَّانِ على صَرْفِ الْأَمْرِ على ظَاهِرِهِ في هذا الْمَحَلِّ وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ جَوَازُ الِانْتِقَالِ وَإِنَّمَا الطَّرِيقُ مُنَازَعَةُ الْخَصْمِ في ذلك وَإِلْزَامُهُ لِلْحُجَّةِ على ما قال وَأَمَّا النَّاظِرُ في نَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقَاتِ وَأَمْرِ الْعُرْفِ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ ما ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ قال بِهِ وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ جَعَلَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ الْمُعْتَزِلِيُّ وَصَاحِبُ الْمَصَادِرِ الشِّيعِيُّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كان الْحَظْرُ السَّابِقُ شَرْعِيًّا قَالَا فَإِنْ كان عَقْلِيًّا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَدْلُولُهُ عَمَّا كان لِوُرُودِهِ ابْتِدَاءً وَصَرَّحَ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في كِتَابِهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ في الْحَظْرِ بين الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ

وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ لِلْمَسْأَلَةِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا في أَصْلِهِ إمَّا بِحُكْمِ الْعَقْلِ على الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ في مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ مُبَاحٌ أو بِتَوَقُّفٍ من الشَّرْعِ على ذلك ثُمَّ يَرِدُ حَظْرٌ مُعَلَّقٌ بِغَايَةٍ أو شَرْطٍ أو عِلَّةٍ فإذا وَرَدَ افْعَلْ بَعْدَ زَوَالِ ما عَلَّقَ الْحَظْرَ بِهِ فإنه يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ وَيَرْفَعُ الْحَظْرَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَرِدَ حَظْرٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ مُعَلَّلٍ بَعْلَةٍ عَارِضَةٍ وَلَا مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ وَلَا غَايَةٍ ثُمَّ يَرِدَ بَعْدَهُ صِيغَةُ الْأَمْرِ فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَمِثْلُهُ بِالْكِتَابَةِ قال وَيَجُوزُ رُجُوعُهَا إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَنْعَ الْكِتَابَةِ إنَّمَا كان لِدُخُولِهَا في الْغَرَرِ وَحَظْرُ الْغَرَرِ مُبْتَدَأٌ الثَّانِي ليس الْمُرَادُ بِالْحَظْرِ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ ذلك أو أَنَّهُ كان من حَقِّهِ التَّحْرِيمُ فإن الشَّافِعِيَّ رضي اللَّهُ عنه مَثَّلَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَجَوَازُ الْكِتَابَةِ على خِلَافِ الْقِيَاسِ وَمِثْلُ ذلك الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ الثَّالِثُ قال الْمَازِرِيُّ تَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ كَالْمُتَنَاقِضِ إذْ الْمُبَاحُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ افْعَلْ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ وقال عبد الْجَلِيلِ الرَّبَعِيُّ في شَرْحِ اللَّامِعِ هذه الْعِبَارَةُ رَغِبَ عنها الْقَاضِي وقال الْأَوْلَى فيها أَنْ يُقَالَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ لِأَنَّ افْعَلْ يَكُونُ أَمْرًا تَارَةً وَغَيْرَ أَمْرٍ وَالْمُبَاحُ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ وَإِنَّمَا هو مَأْذُونٌ فيه الرَّابِعُ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ قَرِينَةٌ صَرَفَتْ لِلْأَمْرِ عن الْوُجُوبِ وَعَارَضَ ابن عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ فقال إذَا رَاعَيْتُمْ الْحَظْرَ الْمُتَقَدِّمَ وَجَعَلْتُمُوهُ قَرِينَةً صَارِفَةً له عن مُقْتَضَاهُ فَكَانَ من حَقِّكُمْ أَنَّهُ يَكُونُ تَهْدِيدًا وَوَعِيدًا وَيَكُونُ قَرِينَةُ الْحَظْرِ صَارِفَةً له إلَى التَّهْدِيدِ حتى تَكُونَ الْقَرِينَةُ مُبَيِّنَةً لِحُكْمٍ من جِنْسِهَا ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ النَّهْيُ إذَا وَرَدَ بَعْدَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ الْمُتَقَدِّمُ قَرِينَةً تَصْرِفُهُ عن ظَاهِرِهِ إلَى الْكَرَاهَةِ وَأُجِيبَ عن الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لم يُحْمَلْ على التَّهْدِيدِ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَقْصُودُ الْأَمْرِ فَحُمِلَ على الْإِبَاحَةِ مُرَاعَاةً له وَصُرِفَ عن الْوُجُوبِ مُرَاعَاةً لِلْقَرِينَةِ وَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ ما رَاعَى الْأَمْرَ فَلَا بُدَّ من جَوَابٍ صَحِيحٍ الْخَامِسُ قِيلَ يُحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ ما كان

مَمْنُوعًا منه لو لم يَجِبْ فإذا جَازَ وَجَبَ كَالْخِتَانِ وَقَطْعِ الْيَدِ في السَّرِقَةِ وَقَضِيَّةُ هذا الْجَزْمِ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ قُلْنَا الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ مَفْرُوضَةٌ في شَيْءٍ كان مَمْنُوعًا على تَقْدِيرِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَالْأُصُولِيَّةُ فِيمَا هو مَمْنُوعٌ منه لَا على هذه الصُّورَةِ مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ الْوَارِدُ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ أَمَّا النَّهْيُ الْوَارِدُ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ كَالنَّهْيِ الْمُطْلَقِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْوَاضِحِ وَالْمَصَادِرِ وَأَمَّا الْوَارِدُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَمَنْ قال هُنَاكَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ قال هُنَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ وَحَكَى في الْمَنْخُولِ فيه الِاتِّفَاقَ وَمَنْ قال هُنَاكَ بِالْإِبَاحَةِ فَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ من طَرَدَ الْخِلَافَ وَحَكَمَ بِالْإِبَاحَةِ وَمِنْهُمْ من قال لَا تَأْثِيرَ هُنَا لِلْوُجُوبِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ لِلنَّهْيِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَبِهِ قال الْأُسْتَاذُ وقال لَا يَنْهَضُ الْوُجُوبُ السَّابِقُ قَرِينَةً في حَمْلِ النَّهْيِ على رَفْعِ الْوُجُوبِ وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ في تِلْكَ وَتَبِعَ في دَعْوَى الْإِجْمَاعِ الْإِمَامَ في التَّلْخِيصِ وهو مَمْنُوعٌ فإن الْخِلَافَ ثَابِتٌ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَمَّا أنا فَأَسْحَبُ ذَيْلَ الْوَقْفِ عليه كما قَدَّمْته في صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وما أَرَى الْمُخَالِفِينَ الْحَامِلِينَ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ يُسَلِّمُونَ ذلك وَعَلَى هذا فَالْفَرْقُ بين الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَنَّ النَّهْيَ لِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَالْأَمْرُ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ أو اعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرُ من اعْتِنَائِهِ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ الْمَفَاسِدَ في الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ الدَّالِّ على عَدَمِ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ عَقِيبَ الِاسْتِئْذَانِ الْأَمْرُ عَقِيبَ الِاسْتِئْذَانِ وَالْإِذْنِ حُكْمُهُ في إفَادَةِ الْوُجُوبِ كَالْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ على فِعْلِ شَيْءٍ فَيَقُولَ افْعَلْ ذَكَرَهُ في الْمَحْصُولِ وهو حَسَنٌ نَافِعٌ في الِاسْتِدْلَالِ على وُجُوبِ التَّشَهُّدِ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذْ سَأَلُوهُ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك قال

قُولُوا الحديث أَمَّا النَّهْيُ عَقِيبَ الِاسْتِئْذَانِ كَقَوْلِ سَعْدٍ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قال لَا وَقَوْلُهُمْ أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قال لَا فَالْأَصْلُ في هذا الِاسْتِفْهَامِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عن الْخَبَرِ وقد تَأْتِي قَرِينَةٌ دَالَّةٌ على إرَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ عن الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا الْوُجُوبُ أو الْجَوَازُ أو الِاسْتِحْبَابُ وقد يَكُونُ اسْتِرْشَادًا أَيْضًا كما مَثَّلْنَا وَالظَّاهِرُ فيها أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عن الْجَوَازِ وَلِذَلِكَ كان الِانْحِنَاءُ حَرَامًا قال في الْبَحْرِ وَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ على الثُّلُثِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُهُ على هذا الْأَصْلِ

مسألة
ورود الأمر مقيدا بمرة أو بتكرار
الأمر إن ورد مقيدا بمرة أو بتكرار حمل عليه قطعا وإن ورد مقيدا بصفة أو شرط فسيأتي وإن ورد مطلقا عاريا عن القيود فاختلفوا في اقتضائه التكرار وعدمه وسواء قلنا إنه للوجوب أو الطلب على مذاهب أحدها أنه لا يدل بذاته لا على التكرار ولا على المرة وإنما يفيد طلب الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة ثم لا يمكن إدخال الماهية في الوجود بأقل من مرة فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به إلا أن الأمر لا يدل عليها بذاته بل بطريق الالتزام وقال الخطابي في المعالم إنه قول أكثر الناس وقال ابن السمعاني وهو قول أكثر أصحابنا وقال إلكيا الطبري إنه الصحيح وهو رأي القاضي على تولعه بالوقف في أصل صيغة الأمر والعموم واختاره الإمام فخر الدين والآمدي وأتباعهما ونقله في المعتمد عن الأكثرين وقال صاحب اللباب من الحنفية والباجي من المالكية هو قول عامة

أصحابنا وحكى ابن السمعاني خلافا عن القائلين بأنه لا يفيد التكرار منهم من قال لا يحتمله أصلا ومنهم من قال يحتمله قال وهو الأولى وهو ظاهر كلام الإمام في البرهان فإنه قال إنه في الزائد على المرة متوقف لا ننفيه ولا نثبته وقال أبو زيد الدبوسي الصحيح أنه لا يقتضي التكرار ولا يحتمله ولكن يحتمل كل الفعل المأمور به ويقتضيه غير أن الكل لا يثبت إلا بدليل وعليه دلت مسائل علمائنا وكذا قال شمس الأئمة السرخسي والثاني أنه للتكرار المستوعب لزمان العمر إجراء له مجرى النهي إلا أن يدل دليل على أنه أريد مرة واحدة وبه قال الأستاذ أبو إسحاق ونقله الشيخ أبو إسحاق عن شيخه أبي حاتم القزويني وعن القاضي أبي بكر وذكر الأصفهاني أن العالمي نقله عن أكثر الشافعية وحكاه شمس الأئمة السرخسي عن المزني ونقله في المنخول عن أبي حنيفة والمعتزلة ونقله الباجي عن ابن خويز منداد وحكاه ابن القصار عن مالك وحكاه أبو الخطاب الحنبلي عن شيخهم لكن شرط هذا القول الإمكان دون أزمنة قضاء الحاجة واليوم وضروريات الإنسان كما صرح به أبو الحسين بن القطان والشيخ أبو إسحاق وإمام الحرمين وابن الصباغ والآمدي وغيرهم قال الصفي الهندي ثم لا يخفى عليك أنه ليس المراد من التكرار هنا معناه الحقيقي وهو إعادة الفعل الأول فإن ذلك غير ممكن من المكلف وإنما المراد تحصيل مثل الفعل الأول واعلم أن بعضهم يعبر عن التكرار بالعموم لأن أوامر الشرع مما يستلزم فيه العموم التكرار إن قلنا إن العام في الأشخاص عام في الأحوال والأزمنة والثالث أنه نص في المرة الواحدة فقط ولا يحتمل التكرار وإنما يحمل عليه بدليل وحكاه في التلخيص عن الأكثرين والجماهير من الفقهاء وقال ابن فورك إنه المذهب قال أبو الحسين بن القطان وهو مذهب الشافعي وأصحابه وحذا قال الغزالي في المنخول وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني في كتابه في أصول الفقه إنه هو الذي يدل عليه كلام الشافعي في الفروع قال لأنه قال في الطلاق إذا قال لزوجته إذا دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق إلا طلقة واحدة بالدخول إلى الدار لأن إطلاق ذلك اقتضى مرة واحدة قال وعليه أكثر الأصحاب وهو الصحيح الأشبه بمذاهب العلماء قلت بل نص عليه في الرسالة صريحا في باب الفرائض المنسوبة إلى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم معها قال فكان ظاهر قوله فاغسلوا وجوهكم أقل ما يقع

عليه اسم الغسل مرة واحتمل أكثر وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء مرة فوافق ظاهر القرآن ولو لم يرد الحديث به لاستغني عنه بظاهر القرآن انتهى وممن اختاره ابن الصباغ في العدة ونقله الأستاذ أبو منصور والشيخ أبو إسحاق وسليم الرازي وابن برهان في الأوسط عن أكثر أصحابنا وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء وحكاه الشيخ أبو إسحاق عن اختيار شيخه القاضي أبي الطيب ونقله القاضي عبد الوهاب عن أصحاب مالك ونقله صاحب المصادر عن شيوخ المعتزلة وأبي الحسن الكرخي وقال ظاهر قول الشافعي يدل عليه قيل وأكثر النقلة لا يفرقون بين هذا والقول الأول وليس غرضهم إلا نفي التكرار والخروج عن العهدة بالمرة ولذلك لم يحك أحد المذهب المختار مع حكاية هذا وإنما هو خلاف في العبارة قلت بينهما فرق من جهة أن دلالته على المرة هل هي بطريق المطابقة والالتزام وإن عدم دلالته على التكرار هل هي لعدم احتمال اللفظ له أصلا أو لأنه يحتمله ولكن لما لم يتعين توقف فيه والرابع أنه يدل على المرة الواحدة قطعا ولا ينبئ عن نفي ما عداها ولكن يتردد الأمر في الزائد على المرة الواحدة وهو الذي ارتضاه القاضي كما نقله إمام الحرمين في التلخيص قال والفرق بين هذا والذي قبله أن الأولين قطعوا بأن الأمر يحمل على المرة الواحدة ولا يحتمل معنى غيرها فافهم الفصل بين هذه المذاهب قال الصفي الهندي القائلون باقتضائه للمرة الواحدة اختلفوا فمنهم من قال يقتضيها لفظا ومنهم من نفى ذلك وزعم أن اقتضاءه لها إنما هو بحسب الدلالة المعنوية وهي أنه لا يفيد إلا الطلب بتحصيل الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة لكن لما لم يمكن تحصيلها بدون المرة الواحدة قلنا دل عليها الأمر ضرورة بخلاف الكثرة فإنها لا تدل عليها لفظا ولا معنى قال وهذا اختيار أبي الحسين البصري والإمام فخر الدين ومنهم من قال إن مقتضى الصيغة الامتثال والمرة الواحدة لا بد منها وأما الزائد عليها فيتوقف فيه وهو اختيار إمام الحرمين وإليه ميل الغزالي انتهى وهذا الأخير حكاه صاحب المصادر عن الشريف المرتضى وقال إنه

الصحيح والذي في البرهان للإمام أنه يتضمن الامتثال بالمرة وهو في الزيادة عليها على الوقف بتوقف على القرينة وهو يرد نقل الآمدي عنه الثالث فاعلمه والخامس الوقف في الكل وهو رأي القاضي أبي بكر وجماعة الواقفية بمعنى أنه يحتمل المرة ويحتمل لعدد محصور زائد على المرة والمرتين ويحتمل التكرار في جميع الأوقات كذا صرح به في التقريب ثم ادعى قيام الإجماع على انتفاء ما عدا التكرار والمرة بالحصر وتوقف حينئذ بالمرة والتكرار ثم ادعى الاتفاق على أن فعل المرة متفق عليه وهو واضح ثم قال تفريعا على القول بعدم الوقف إن المفهوم فعل مرة واحدة هذا تحقيق مذهب القاضي ونقل بعضهم قول الوقف وقال هو محتمل لشيئين أن يكون مشتركا بين التكرار والمرة فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة والثاني أنه لأحدهما ولا نعرفه فيتوقف لجهلنا بالواقع والسادس أنه إن كان فعلا له غاية يمكن إيقاعه في جميع المدة فيلزمه في جميعها وإلا فلا فيلزمه الأول حكاه الهندي عن عيسى بن أبان ونقل في المعتمد عن أبي عبد الله البصري أن ورود النسخ والاستثناء على الأمر يدلان على أنه قد أريد به التكرار والسابع إن كان الطلب راجعا إلى قطع الواقع كقولك في الأمر الساكن تحرك فللمرة وإن رجع إلى اتصال الواقع واستدامته كقولك في الأمر المتحرك تحرك فللاستمرار والدوام ويجيء هذا في النهي أيضا وهو مذهب حسن مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ أو صِفَةٍ أو وَقْتٍ أَمَّا الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ أو صِفَةٍ أو وَقْتٍ نَحْوُ إنْ كان زَانِيًا فَارْجُمْهُ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ فَهَلْ يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِتَكْرَارِهَا من قال الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهَاهُنَا أَوْلَى وهو عِنْدَكُمْ آكَدُ التَّكْرَارِ من الْمُجَرَّدِ وَمَنْ قال لَا يَقْتَضِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَاهُنَا على وَجْهَيْنِ حَكَاهُ الصَّيْرَفِيُّ وابن الْقَطَّانِ وَالشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في أُصُولِهِمْ وَحَرَّرَ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَالْهِنْدِيُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ الْمُعَلَّقِ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْفِعْلِ مِثْلُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا وَقَوْلُنَا إنْ كان هذا

الْمَائِعُ خَمْرًا فَهُوَ حَرَامٌ فإن الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ اتِّفَاقًا من الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لم يَثْبُتْ كَوْنُهُ عِلَّةً بَلْ تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عليه من غَيْرِ تَأْثِيرٍ له كَالْإِحْصَانِ الذي يَتَوَقَّفُ عليه الرَّجْمُ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ انْتَهَى وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ أبي الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ فإنه قال الْمُرَادُ هُنَا بِالصِّفَةِ ما عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ من غَيْرِ أَنْ يَتَنَاوَلَ لَفْظَ تَعْلِيلٍ وَلَا شَرْطٍ كَقَوْلِهِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وَجَزَمَ بَعْدَ ذلك بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا وقد يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْآمِدِيَّ فَرَضَ الْكَلَامَ مع الْقَائِلِينَ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ على الْوَصْفِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ وَالْإِمَامُ تَكَلَّمَ في أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مع الْمُخَالِفِ في الْمَوْضِعَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ على سَبَبٍ كَ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ واقطعوا ( ( ( و ) ) ) واجلدوا ( ( ( اقطعوا ) ) ) في الْآيَتَيْنِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ اتِّفَاقًا وَالْمُعَلَّقُ على شَرْطٍ هو مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَأَمَّا تَكْرَارُ الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ بِتَكَرُّرِ الْجَنَابَةِ وَتَكْرَارُ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ بِتَكَرُّرِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَيَرْجِعُ إمَّا إلَى السَّبَبِيَّةِ أو بِدَلِيلٍ من خَارِجٍ وَيُعْرَفُ السَّبَبُ بِمُنَاسَبَتِهِ أو بِعَدَمِ دُخُولِ أَدَاةِ الشَّرْطِ عليه وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ في الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قال فَأَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فإن الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا اتِّفَاقًا ثُمَّ في الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي فِعْلَ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ على التَّكْرَارِ قال أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ إنَّهُ أَنَظْرُ الْقَوْلَيْنِ وقال ابن فُورَكٍ إنَّهُ الْأَصَحُّ وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَالشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ إنَّهُ الصَّحِيحُ كَالْمُطْلَقِ وَنَقَلَهُ في الْمُعْتَمَدِ عن أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ وزاد أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا عبد اللَّهِ الْبَصْرِيَّ وقال السَّرَخْسِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ في الْمُلَخَّصِ عن أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ من الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَرُبَّمَا نُسِبَ لِلشَّافِعِيِّ قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ لِأَنَّهُ قال فِيمَا لو قال لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ وَلَوْ قال إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وإذا

طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ ذلك يُحْمَلُ على فِعْلِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَرَّقَ بين إذَا وكلما وَهَذَا مَوْضِعُ اللِّسَانِ فَدَلَّ على أَنَّ إحْدَاهُمَا لِلتَّكْرَارِ وَالْأُخْرَى لَا تَقْتَضِيهِ وَاخْتَارَ هذا الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَالثَّانِي أنها تَقْتَضِيَهُ كَالنَّهْيِ قال ابن الْقَطَّانِ قال أَصْحَابُنَا وهو أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قال في التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِمَا قال اللَّهُ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَكُلُّ من قام وَجَبَ عليه الْوُضُوءُ قال فلما تَوَضَّأَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِلصَّلَوَاتِ وُضُوءًا وَاحِدًا دَلَّنَا على أَنَّ الْمُرَادَ من ذلك في الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَبَقِيَ في التَّيَمُّمِ في الظَّاهِرِ وَلِأَنَّهُ يقول بِالْعُمُومِ وَهَذَا عَامٌّ في سَائِرِ الْأَوْقَاتِ قال وأبو بَكْرٍ خَرَّجَهَا على وَجْهَيْنِ ثُمَّ قال وَالْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ وَالْأَظْهَرُ على الْمَذَاهِبِ التَّكْرَارُ انْتَهَى وَقَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ هو من كَلَامِ أبي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ كما رَأَيْته في كِتَابِهِ فَاعْلَمْهُ وَحَكَى هذا الِاسْتِدْلَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرَدَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ مُحْدِثِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ وَعَلَى هذا يَسْتَوِي حُكْمُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ وقال ابن فُورَكٍ ما تَعَلَّقُوا بِهِ من احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ في التَّيَمُّمِ فَلَا حُجَّةَ فيه لِأَنَّ وُجُوبَ تَكْرِيرِ التَّيَمُّمِ لَا يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَال عليه بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِحَّ وُجُوبُ تَكْرِيرِ الصَّلَاةِ فَيُجْرَى أَمْرُ التَّيَمُّمِ على ما يُجْرَى عليه أَمْرُهَا وَالثَّالِثُ إنْ كان الشَّرْطُ مُنَاسِبًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عليه بِحَيْثُ يَكُونُ عِلَّتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا وَكَآيَةِ الْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فإنه يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ لِلِاتِّفَاقِ على أَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا وَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ لم يَتَكَرَّرْ إلَّا بِدَلِيلٍ من خَارِجٍ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عليه من جِهَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ لم يُوضَعْ اللَّفْظُ له وَلَكِنْ يَدُلُّ من جِهَةِ الْقِيَاسِ بِنَاءً على الصَّحِيحِ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ على الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ وَاخْتَارَهُ في الْمَحْصُولِ وَالْبَيْضَاوِيُّ في الْمِنْهَاجِ وَالْخَامِسُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالْمُعَلَّقُ بِصِيغَةٍ يَقْتَضِيهِ من طَرِيقِ الْقِيَاسِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في التَّلْخِيصِ الذي يَصِحُّ وَارْتَضَاهُ الْقَاضِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُقَيَّدَ بِشَرْطٍ لَا يَتَضَمَّنُ تَكْرَارَ

الِامْتِثَالِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي مَرَّةً وَاحِدَةً وهو على الْوَقْفِ فِيمَا عَدَاهَا وَصَرَّحَ بَعْدَ ذلك بِالتَّكْرَارِ في الْعِلِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ كما فَصَّلَ الْآمِدِيُّ في الصِّيغَةِ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فَصَّلَ الْقُرْطُبِيُّ في الشَّرْطِ فقال إنْ اقْتَضَى التَّكْرَارَ نَحْوُ كُلَّمَا جَاءَك وَمَتَى ما جَاءَك فَأَعْطِهِ فإنه يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِحُكْمِ الْقَرِينَةِ وَإِنْ لم يَقْتَضِهِ فَلَا تَخْرُجُ صِيغَتُهُ عن مَوْضُوعِهَا الْأَصْلِيِّ قال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ هل تَدُلُّ على فِعْلِ الشَّرْطِ مُؤَثِّرًا كَالْعِلَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ إلَّا على كَوْنِهِ أَمَارَةً على جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْعِلَّةُ وُضِعَتْ مُؤَثِّرَةً جَالِبَةً وَالْخَصْمُ يقول ما يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ يَدُلُّ على كَوْنِهِ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ هذا كُلُّهُ في الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمَّا في تَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا لِمُجَرَّدِهِ وَإِنْ كان عِلَّةً فإنه لو قال أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ وَلَهُ عَبِيدٌ آخَرُونَ سُودٌ لم يُعْتَقُوا قَطْعًا وَالشَّرْطُ أَوْلَى كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فإذا دَخَلَتْ مَرَّةً وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عليه وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ثُمَّ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عليه إلَّا في كُلَّمَا وَمِنْهُ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فيه هذا الْخِلَافُ الْأُصُولِيُّ مَسْأَلَةٌ أَمَّا إذَا تَكَرَّرَ لَفْظُ الْأَمْرِ نَحْوُ صَلِّ ثَلَاثًا صَلِّ ثَلَاثًا فَإِنْ قُلْنَا في الْأَمْرِ الْوَاحِدِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهَاهُنَا هو تَأْكِيدٌ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مُطْلَقَهُ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَفِي تَكَرُّرِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَأْكِيدٌ له فَلَا يَقْتَضِي من الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ هو قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَنَسَبَهُ ابن فُورَكٍ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن الصَّبَّاغِ لِلصَّيْرَفِيِّ وقد رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ في كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ فقال مَتَى خُوطِبْنَا بِإِيجَابِ شَيْءٍ وَكُرِّرَ لم يَتَكَرَّرْ الْفِعْلُ لِتَكَرُّرِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَالدَّلِيلُ عليه حَدِيثُ الْأَقْرَعِ بن حَابِسٍ في الْحَجِّ وَقَوْلُهُ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ لَمَّا أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ الْأَعْضَاءِ لِلْجَنَابَةِ لم يَجِبْ أَنْ يَغْسِلَ الْأَعْضَاءَ مَرَّتَيْنِ من أَجْلِ الْحَدَثِ أو الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ من قام إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَدْخُلَ فيها بِالصَّلَاةِ التي وَضَعَهَا ولم يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ من الْحَدَثِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْحَدَثَ إنَّمَا هو عَلَمٌ لِنَقْضِ الطَّهَارَةِ لَا لِإِيجَابِهَا وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا

أَحْدَثَ وَجَبَ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَا لِلصَّلَاةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَلَوْ كان من أَجْلِ الْحَدَثِ لَلَزِمَ تَكْرَارُ الْغُسْلِ كما يَلْزَمُ من أُمِرَ إنْ فَعَلَ شيئا من أَجْلِ شَيْءٍ وَفَعَلَ مثله من أَجْلِ غَيْرِهِ كَأَمْرِنَا بِالْفِدْيَةِ إذَا حَلَقَ وإذا لَبِسَ نَعْلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ أبو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ في تَمْهِيدِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ فَيَقْتَضِي الْأَمْرَ بِتَكْرِيرِ الْفِعْلِ وَنَسَبَهُ ابن الصَّبَّاغِ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ له وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وقال ابن بَرْهَانٍ إنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ الْهِنْدِيُّ عن الْأَكْثَرِينَ وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْوَاضِحِ الْمُعْتَزِلِيُّ لِعَبْدِ الْجَبَّارِ وَنَسَبَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ لِأَهْلِ الرَّأْيِ وَقَطَعَ بِالْأَوَّلِ وقال الْبَاجِيُّ هو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من شُيُوخِنَا وهو ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ وَجْهًا ثَالِثًا وهو أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ على التَّأْكِيدِ وَالتَّكْرَارِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَنَسَبَهُ لِابْنِ فُورَكٍ وَرَأَيْت في كِتَابِهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَهَذَا قَوْلُ الْوَقْفِ الذي حَكَاهُ ابن الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُ عن الْوَاقِفِيَّةِ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بين التَّأْكِيدِ وَغَيْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ على الْقَرِينَةِ قال وَكَلَامُ الْقَاضِي مُتَرَدِّدٌ فَتَارَةً يَمِيلُ إلَى الْوَقْفِ وهو الصَّحِيحُ وَتَارَةً يقول يَقْتَضِي إنْشَاءً لَا مُتَجَدِّدًا انْتَهَى وَمِمَّنْ حَكَى الْوَقْفَ عنه أبو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ في هذه الْمَسْأَلَةِ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ولم يَكُنْ له في الثَّانِيَةِ نِيَّةٌ هل يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ أو الِاسْتِئْنَافَ قَوْلَانِ وَلِمَحَلِّ الْخِلَافِ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ ما يَمْنَعُ التَّكْرَارَ فَإِنْ كان فَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ قَطْعًا كَالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ إذَا تَكَرَّرَا في شَخْصٍ وَاحِدٍ فإنه لَا يُمْكِنُهُ قَتْلُهُ وَعِتْقُهُ مَرَّتَيْنِ ذَكَرَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ الثَّانِي أَنْ يَرِدَ التَّكْرَارُ قبل الِامْتِثَالِ فَإِنْ وَرَدَ بَعْدَهُ حُمِلَ الثَّانِي على الِاسْتِئْنَافِ قَالَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَ مَدْلُولُ اللَّفْظَيْنِ نَحْوُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ اخْتَلَفَا اقْتَضَى التَّكْرَارَ قَطْعًا قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الْوَاضِحِ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا أَعْطِهِ دِرْهَمًا اضْرِبْ زَيْدًا اضْرِبْ عَمْرًا صَلِّ رَكْعَتَيْنِ صُمْ يَوْمًا وَلَا فَرْقَ في هذا الْقِسْمِ بين أَنْ

يُقْرَنَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ أو لَا وَلَا بين التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ كما ذَكَرَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ وَغَيْرُهُ قال نعم إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّ الثَّانِيَ ذُكِرَ تَأْكِيدًا أو أُفْرِدَ عَمَّا عَدَاهُ تَفْخِيمًا فَالْحُكْمُ لِلدَّلِيلِ نَحْوُ عَطْفُ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ على الْمَلَائِكَةِ وقال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ إنْ وَرَدَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِالنَّكِرَةِ وَالثَّانِي بِالْمَعْرِفَةِ فإنه يَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى ما انْصَرَفَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ بِالْعَطْفِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا وَرَدَا بِالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ مَتَى ظَفِرَا بِمَعْهُودٍ فَإِنَّهُمَا يَنْصَرِفَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَانِعٍ وَلِهَذَا حَمَلَ ابن عَبَّاسٍ الْعُسْرَ الثَّانِيَ على الْأَوَّلِ في قَوْله تَعَالَى فإن مع الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مع الْعُسْرِ يُسْرًا حتى قال لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ الرَّابِعُ أَنْ لَا يُعْطَفَ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَإِنْ عُطِفَ فَلَا خِلَافَ في حَمْلِ الثَّانِي على الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ على نَفْسِهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَصَاحِبُ الْوَاضِحِ وَبِهِ جَزَمَ ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وَلَكِنَّهُ خَصَّ ذلك بِمَا إذَا لم يَكُنْ فيه لَامُ التَّعْرِيفِ فَإِنْ كانت مِثْلَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قال فَاخْتَلَفُوا فيه فَقِيلَ يُحْمَلُ على الِاسْتِئْنَافِ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تَقْتَضِي الِاتِّحَادَ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ إذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ ثُمَّ عَطَفَ عليه بِآخَرَ فَلِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي خِلَافَ الْأَوَّلِ نحو وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ضِدَّهُ فَكَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ كَقَوْلِهِ لَا تَمَسَّ زَيْدًا بِسُوءٍ وَلَا تَضْرِبْهُ ثُمَّ تَقُولُ اضْرِبْهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَتَعَدَّدَ الْوَقْتُ فَلَوْ اتَّحَدَ لم يَجُزْ وَإِنْ وَرَدَ حُمِلَ على التَّخْيِيرِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الثَّانِي مِثْلَ مُوجِبِ الْأَوَّلِ فَهَذَا وَضْعُ الْخِلَافِ فَذَهَبَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ ما لم يَمْنَعْ مَانِعٌ وَهَذَا الذي يَجِيءُ على قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ هو الْأَوَّلُ وَلَا بُدَّ أَيْضًا في هذا من اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْفِعْلِ مِمَّا يَصِحُّ تَكْرَارُهُ قال فَإِنْ كان الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الْجِنْسِ وَالْمَعْطُوفُ مُتَنَاوِلًا لِبَعْضِهِ فَقِيلَ بِالتَّغَايُرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقِيلَ إنَّ هذا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْوُسْطَى غير الصَّلَوَاتِ

الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلتَّغَايُرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذلك مَحْمُولٌ على ما سَبَقَ إلَى الْوَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِهِ وهو التَّفْخِيمُ وَالتَّعْظِيمُ وَأَمَّا عَكْسُهُ وهو كَوْنُ الثَّانِي أَعَمَّ من الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ اُقْتُلْ أَهْلَ الْأَدْيَانِ وَاقْتُلْ جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ فَاخْتُلِفَ فيه هُنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ على الْمُغَايَرَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ التَّفْخِيمُ وَالْبُدَاءَةُ بِمَا هو الْأَهَمُّ قال وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لم تَقُمْ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّأْكِيدِ فَإِنْ قَامَتْ دَلَالَةٌ على غَيْرِ ذلك صِرْنَا إلَيْهِ انْتَهَى الشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ في وَقْتَيْنِ كَذَا صَوَّرَ بِهِ سُلَيْمٌ مَسْأَلَةَ الْخِلَافِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَهُ في وَقْتٍ وَاحِدٍ يُحْمَلُ على التَّأْكِيدِ قَطْعًا لَكِنْ صَرَّحَ ابن الْقُشَيْرِيّ في كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ يَتَخَلَّلَهُ زَمَانٌ أَمْ لَا ثُمَّ قال وقال الْقَاضِي إنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الصَّادِرِ من الْخَلْقِ فَلَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ بين ما يُرِيدُ من الْأَوَامِرِ على التَّوَالِي أو مع التَّخَلُّلِ بِزَمَانٍ فَإِنْ تَخَلَّلَ حُمِلَ على التَّجَدُّدِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ على التَّأْكِيدِ فَأَمَّا ما في أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا فَرْقَ وَلِذَلِكَ جَازَ التَّخْصِيصُ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَهَذَا الذي قَالَهُ الْقَاضِي مَحَلُّ نَظَرٍ فإن ما اتَّصَلَ بِنَا من كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَاتُهُ دَالَّةٌ عليه فَأَيُّ فَرْقٍ وَلَوْ صَحَّ هذا لَصَحَّ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ على الْمُسْتَثْنَى منه السَّادِسُ أَنْ تَتَكَرَّرَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْمَأْمُورُ بِهِ دُونَ صِيغَتِهِ نَحْوُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فلم يُصَرِّحْ بها الْأُصُولِيُّونَ وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْفُقَهَاءِ منها خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ لَا فَرْقَ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ هل هو بِمَثَابَةِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أو تَقَعُ طَلْقَةٌ قَطْعًا فيه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ مَسْأَلَةٌ تَصْرِيحُ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ في أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ الْأَمْرُ إنْ صَرَّحَ الْآمِرُ فيه بِالْفِعْلِ في أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ أو قال لَك التَّأْخِيرُ فَهُوَ لِلتَّرَاخِي بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ لِلتَّعْجِيلِ فَهُوَ لِلْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كان مُطْلَقًا أَيْ مُجَرَّدًا عن دَلَالَةِ التَّعْجِيلِ أو التَّأْخِيرِ وَجَبَ الْعَزْمُ على الْفَوْرِ على الْفِعْلِ قَطْعًا قَالَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَهَلْ يَقْتَضِي الْفِعْلَ على الْفَوْرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ عَقِبَهُ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْأُمُورِ بِهِ أو التَّرَاخِي أَمَّا الْقَائِلُونَ بِاقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ فَالْفَوْرُ من ضَرُورِيَّاتِهِ كما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ

وَأَمَّا الْمَانِعُونَ فَاخْتَلَفُوا على مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَبِهِ قالت الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَاخْتَارَهُ من أَصْحَابِنَا أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَاضِي أبو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَالدَّقَّاقُ كما حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وقال الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في بَابِ الْحَجِّ من تَعْلِيقِهِ إنَّهُ الصَّحِيحُ من مَذْهَبِنَا قال وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الْحَجِّ بِدَلِيلٍ من خَارِجٍ وَحَكَى في كِتَابِهِ الْأَسْرَارِ عن الْقَفَّالِ الْجَزْمَ بِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي اعْتِقَادًا بِالْقَلْبِ وَمُبَاشَرَةً بِالْبَدَنِ ثُمَّ الِاعْتِقَادُ على الْفَوْرِ فَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ وَأَيْضًا فإن أَوَامِرَ الْعِبَادِ حُمِلَتْ على الْفَوْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي في بَابِ الزَّكَاةِ من التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن الْمُزَنِيّ وَأَبِي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وهو قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَدَاوُد وَحَكَاهُ الْكَرْخِيُّ عن أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَنَصَرَهُ أبو زَيْدٍ الرَّازِيَّ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ عليه تَدُلُّ أُصُولُ أَصْحَابِنَا وقال إنَّهُ الذي يَنْصُرُهُ أَصْحَابُنَا وَيَذْكُرُونَ أَنَّهُ قَضِيَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وقال أبو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ في التَّمْهِيدِ إنَّهُ الذي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ وَالْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِيَّةِ اخْتَلَفُوا كما قَالَهُ الْأُسْتَاذُ وابن فُورَكٍ وَصَاحِبُ الْمَصَادِرِ إذَا لم يَفْعَلْهُ في أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقِيلَ يَجِبُ بِظَاهِرِهِ أَنْ يَفْعَلَ في الثَّانِي وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ ثَانٍ وَلَا يَقْتَضِي إلَّا إيقَاعَ الْفِعْلِ عَقِبَهُ فَقَطْ وَسَيَأْتِي قال ابن فُورَكٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هل اقْتِضَاؤُهُ الْفَوْرَ من مُقْتَضَى اللَّفْظِ أَيْ بِاللُّغَةِ أو بِالْعَقْلِ وَزَيَّفَ الثَّانِي وقال إنَّمَا النِّزَاعُ في مُقْتَضَاهُ في اللِّسَانِ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاجِبَ إمَّا الْفَوْرُ أو الْعَزْمُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن أبي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَحَكَاهُ ابن الْحَاجِبِ عن الْقَاضِي قِيلَ وَبَنَاهُ على أَصْلِهِ في الْمُوَسَّعِ لَكِنَّ الذي رَأَيْته في التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي اخْتِيَارَ أَنَّهُ على التَّرَاخِي وَبُطْلَانَ الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في مُخْتَصَرِهِ وهو الْأَصَحُّ إذْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ أو يَلْزَمُهُ ضَرْبٌ من التَّنَاقُضِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ وَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حتى يَفْعَلَهُ وهو قَوْلُ الْجُمْهُورِ من أَصْحَابِنَا كما قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ قال وهو ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْحَجِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ من الْأَشْعَرِيَّةِ وَسَائِرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَقَلَهُ أبو

الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَمَّا ذَكَرَهُ في تَأْخِيرِ الْحَجِّ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ على التَّرَاخِي على حَسَبِ ما قَالَهُ في الْحَجِّ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ عَزَوْهُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وهو اللَّائِقُ بِتَفْرِيعَاتِهِ بِالْفِقْهِ وَإِنْ لم يُصَرِّحْ بِهِ في مَجْمُوعَاتِهِ في الْأُصُولِ وقال ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ لم يُنْقَلْ عن الشَّافِعِيِّ وَلَا أبي حَنِيفَةَ نَقْلٌ في الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ على ما نُقِلَ عنهما قال وَهَذَا خَطَأٌ في نَقْلِ الْمَذَاهِبِ إذْ الْفُرُوعُ تُبْنَى على الْأُصُولِ لَا الْعَكْسُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ عن أبي عَلِيِّ بن خَيْرَانَ وَابْنِ أبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ وَكَذَا نَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ عن الْقَاضِي وزاد أَبَا عَلِيٍّ وَأَبَا هَاشِمٍ الْجُبَّائِيَّيْنِ وَنَقَلَهُ عنهما صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ أَيْضًا قال وَجَوَّزُوا تَأْخِيرَ الْمَأْمُورِ بِهِ عن أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْهِنْدِيُّ وَأَتْبَاعُهُمْ وقال في الْبُرْهَانِ ذَهَبَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ إلَى ما اُشْتُهِرَ عن الشَّافِعِيِّ من حَمْلِ الصِّيغَةِ على اتِّبَاعِ الِامْتِثَالِ من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى وَقْتٍ مُقَدَّمٍ أو مُؤَخَّرٍ وَهَذَا يَدْفَعُ من قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مع اسْتِمْسَاكِهِ بِالْوَقْفِ وَتَجْهِيلِهِ من لَا يَرَاهُ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ كَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ منهم الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وابن بَرْهَانٍ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَوْهُ عَمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ من أَصْحَابِنَا وقال الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ إنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَهُ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ إنَّهُ الصَّحِيحُ قال وَمَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ على التَّرَاخِي أَنَّهُ ليس على التَّعْجِيلِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ له أَنْ يُؤَخِّرَهُ عن أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْفِعْلِ قال وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ قَوْلَهُ افْعَلْ ليس فيه عِنْدَنَا دَلِيلٌ إلَّا على طَلَبِ الْفِعْلِ فَحَسْبُ من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْوَقْتِ انْتَهَى وَعَلَى هذا فَهُوَ الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وقال السَّرَخْسِيُّ الذي يَصِحُّ عِنْدِي من مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ على التَّرَاخِي وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ على الْفَوْرِ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ نَصَّ عليه في الْجَامِعِ فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا له أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّ شَهْرٍ شَاءَ وكان الْكَرْخِيُّ يقول إنَّهُ على الْفَوْرِ وهو الظَّاهِرُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ عن الْبَزْدَوِيِّ فقال قال الْإِمَامُ أبو الْيُسْرِ الْبَزْدَوِيِّ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ الْوُجُوبَ مُطْلَقٌ على حَسَبِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ

لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَفُوتَ الْأَدَاءُ قبل الْمَوْتِ وقال أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَا بَلْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ عن الْوَقْتِ الْمُبَادَرَةُ وَإِنَّمَا يُبَيَّنُ هذا في بَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ هل يَصِيرُ مُكَلَّفًا بِالْأَدَاءِ لِلْحَالِ فَعِنْدَنَا لَا يَصِيرُ مُكَلَّفًا بَلْ الْأَدَاءُ مُوَسَّعٌ له في عُمُرِهِ وَعِنْدَهُمْ يَتَحَتَّمُ الْأَدَاءُ في الْحَالِ وقال الْقَاضِي أبو بَكْرٍ في التَّقْرِيبِ الْوَجْهُ عِنْدَنَا في ذلك الْقَوْلِ بِأَنَّهُ على التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ وَالْوَقْتِ انْتَهَى وَهَذَا خِلَافُ ما تَقَدَّمَ النَّقْلُ عنه وَالْخَامِسُ الْوَقْفُ إمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِهِ أو لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَصَحَّحَهُ الْأَصْفَهَانِيِّ في قَوَاعِدِهِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى فقال وَذَهَبَ إلَى الْوَقْفِ من جِهَةِ اللُّغَةِ وَأَمَّا من حَيْثُ عُرْفُ الشَّرْعِ فإنه عِنْدَهُ على الْفَوْرِ ثُمَّ افْتَرَقَتْ الْوَاقِفِيَّةُ فَقِيلَ إذَا أتى بِالْمَأْمُورِ بِهِ في أَوَّلِ الْوَقْتِ كان مُمْتَثِلًا قَطْعًا وَإِنْ أَخَّرَ عن الْوَقْتِ الْأَوَّلِ لَانْقَطَعَ بِخُرُوجِهِ عن الْعُهْدَةِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ وفي كَلَامِ الْآمِدِيَّ خَلَلٌ عنه وَقِيلَ إنَّهُ وَإِنْ بَادَرَ إلَى فِعْلِهِ في الْوَقْتِ لَا يُقْطَعُ بِكَوْنِهِ مُمْتَثِلًا وَخُرُوجُهُ عن الْعُهْدَةِ لِجَوَازِ إرَادَةِ التَّرَاخِي قال ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وَقَائِلُ هذا لَا يُجَوِّزُ فِعْلَهُ على الْفَوْرِ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ قَبْلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَذْهَبٌ مَنْسُوبٌ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الْكَلَامَ في هذه الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ على ثُبُوتِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وهو الصَّحِيحُ وَمَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِهِ فَلَا كَلَامَ معه قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ الثَّانِي أَنَّهُ قد اُشْتُهِرَ حِكَايَةُ قَوْلِ التَّرَاخِي وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمْ إنَّ هذا الْإِطْلَاقَ مَدْخُولٌ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي التَّرَاخِي حتى لو فُرِضَ الِامْتِثَالُ على الْبِدَارِ لم يُعْتَدَّ بِهِ وَهَذَا لم يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَالْأَحْسَنُ في الْعِبَارَةِ عن هذا الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الِامْتِثَالَ من غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ انْتَهَى وَلِهَذَا قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ إنَّ الْعِبَارَةَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يُقَالَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ

وَالتَّعْجِيلَ قال وَمَعْنَى أَنَّهُ على التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لَا أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ فإن أَحَدًا لَا يقول ذلك انْتَهَى لَفْظُهُ وقد سَبَقَ عن ابْنِ الصَّبَّاغِ حِكَايَةُ قَوْلِ إنَّ الْمُبَادَرَةَ لَا يُعْتَدُّ بها وَحَكَى الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى الْخِلَافَ أَيْضًا في الْمُبَادِرِ هل هو مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا فقال أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ من غَلَا فقال يُتَوَقَّفُ في الْمُبَادِرِ وَحَكَى الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ أَنَّ بَعْضَ الْأُصُولِيِّينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ من أَخَّرَ لَا يُعْتَدُّ منه بِمَا فَعَلَ مُؤَخَّرًا قال وَعَلَى هذا فَالتَّرْجَمَةُ لَا مُؤَاخَذَةَ عليها وَعَلَى ما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْفَوْرِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُؤَخِّرَ ليس بِمُمْتَثِلٍ وقد قال الْإِمَامُ في آخِرِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهُ لم يَقُلْهُ أَحَدٌ الثَّالِثُ قِيلَ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا في الْوَاجِبِ دُونَ النَّدْبِ وَقِيلَ يَكُونُ فِيهِمَا قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وهو الصَّحِيحُ قال وَاتَّفَقُوا على أنها لَا تُتَصَوَّرُ على مَذْهَبِ من يقول الْأَمْرُ لِلدَّوَامِ وَالتَّكْرَارِ لِأَنَّهُ إذَا كان كَذَلِكَ اسْتَغْرَقَ الْأَوْقَاتَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفَوْرِيَّةُ هل يَجِبُ تَعَلُّقُ الْأَمْرِ الْمُدَّعَى ذلك فيه بِفِعْلٍ وَاحِدٍ أو بِجُمْلَةِ أَفْعَالٍ فَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَقِيلَ يَعُمُّهَا وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَاحِدًا إذَا تَرَكَ الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ عَقِبَ الْأَمْرِ هل يَجِبُ عليه فِعْلٌ مِثْلُهُ أو بَدَلٌ منه بِنَفْسِ الْأَمْرِ بِهِ أو لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ مُسْتَأْنَفٍ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَاخِي هل يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ أو لَا فَقِيلَ يَجُوزُ إلَى غَايَةٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِنْ مَاتَ قبل الْأَدَاءِ مَاتَ آثِمًا وَقِيلَ لَا إثْمَ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ فَوَاتُهُ إنْ لو لم يَفْعَلْ وَفَصَّلَ آخَرُونَ فَقَالُوا قد يَكُونُ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ أَنْ لَا يَغْلِبَ على ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فَإِنْ مَاتَ كان مَعْذُورًا غير آثِمٍ وقد يَكُونُ إلَى غَايَةٍ مُحَدَّدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَغْلِبَ على ظَنِّهِ الِاخْتِرَامُ عِنْدَ حُصُولِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَجَّلُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي انْتَهَى وقال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ فَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حتى يَفْعَلَهُ فَإِنْ قِيلَ فإذا أَخَّرَ لم يَأْثَمْ فَلِمَ أَثَّمْتُمُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ قُلْنَا إنَّمَا جَوَّزْنَا له التَّأْخِيرَ على وَصْفٍ فإذا مَاتَ ولم يَفْعَلْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لم يَكُنْ له التَّأْخِيرُ قال وَنَظِيرُهُ رَامِي الْغَرَضِ يَرْمِي على غَرَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ وَأَنْ لَا يُصِيبَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ في الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنْ قِيلَ مَتَى يَكُونُ عَاصِيًا قِيلَ من أَصْحَابِنَا من قال يَكُونُ في جَمِيعِ السِّنِينَ عَاصِيًا كما يقول في السُّكْرِ إنَّهُ لم يَقَعْ بِالْقَدَحِ الْأَخِيرِ

دُونَ ما تَقَدَّمَهُ من الْأَقْدَاحِ كَذَلِكَ هذا وكان أبو حَفْصٍ يقول إذَا مَضَتْ عليه سَنَةٌ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحُجَّ فلم يَفْعَلْ وَمَاتَ قبل السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ لم يَكُنْ له إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَكَانَ عَاصِيًا فإذا بَقِيَ إلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى فَأَخَّرَ عنها وَمَاتَ عُلِمَ أَنَّ حَجَّهُ كان له وَمَاتَ فَكَانَ عَاصِيًا بِهِ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِالْفَاءِ هذا كُلُّهُ في الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا ما عُلِّقَ بِالْفَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا فإذا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ على الْفَوْرِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَالثَّانِي لَا يَقْتَضِيهِ قال وَالصَّحِيحُ هو الْأَوَّلُ لِلْإِجْمَاعِ على أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَلَوْ خُلِّينَا وَالظَّاهِرَ في قَوْلِهِ إذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَك لَعَمِلْنَا بِهِ لَكِنْ صِرْنَا إلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى

مسألة
إذا ورد الخطاب من الشارع بفعل عبادة في وقت معين فخرج ذلك الوقت ولم يفعل فهل يجب القضاء بأمر جديد ابتداء أم يجب بالسبب الذي يجب به الأداء وهو الأمر السابق أي يتضمنه ويستلزمه لا أنه عينه فيه قولان وأكثر المحققين من أصحابنا على الأول منهم أبو بكر الصيرفي وابن القشيري قال الشيخ أبو حامد وسليم وابن الصباغ وهو قول أكثر أصحابنا وقال الشيخ أبو حامد وأبو إسحاق إنه الصحيح ونقل عن المعتزلة منهم أبو عبد الله البصري وحكاه عن الكرخي وقال العالمي من الحنفية إنه اللائق بفروع أصحابنا وقال الباجي إنه الصحيح ونقله عن القاضي أبي بكر وابن خويز منداد وقال عبد العزيز الحنفي إنه مذهب أصحابنا ووجهه أن صيغة التأقيت تقتضي اشتراط

الوقت في الاعتداد بالمؤقت فإذا انقضى الوقت فليس في الأمر بالأداء أمر بالقضاء فلا بد من أمر ثان ولأن التكليف يتبع مقتضى الأمر وما دلت عليه الصيغة والصيغة لا تدل إلا على الأمر في الوقت المخصوص فدلالتها على الفعل في غيره قاصرة عنه وما وجب القضاء فيه فبدليل من خارج وذهب الحنابلة وأكثر الحنفية إلى الثاني منهم شمس الأئمة والجصاص والرازي وغيرهم وبه قال عبد الجبار وأبو الحسين من المعتزلة وحكاه الآمدي عن الحنابلة وحكاه عبد العزيز في الكشف عن عامة أصحاب الحديث قلت وهو ظاهر نص الشافعي في الأم فإنه قال فيما إذا ظاهر عنهما ظهارا مؤقتا إن العود لا يحصل إلا بالوطء قال ووجبت الكفارة واستقرت لا لأجل استحلال للوطء ثم قال ولو طلقها بعد العود أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد ولزم كفارة الظهار وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة ومعنى قوله تعالى من قبل أن يتماسا وقت لأن يؤدي ما وجب عليه في الكفارة قبل المماسة فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها لأنها فرض عليه فإذا لم يؤدها في الوقت وأداها بعده فلا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن يؤديها انتهى قال ابن الرفعة في المطلب وهذا من الشافعي يدل على أنه لا يرى القضاء بأمر جديد بل بالأمر الأول إذ لو كان لا يجب إلا بأمر جديد عنده لم يقسه على الصلاة لأن الأمر الجديد ورد فيها لكن إمام الحرمين في باب التطوع من النهاية قال إن القضاء بأمر يجدد عند الشافعي ويؤيده نصه في الرسالة على أن الصوم لا يجب على الحائض وإنما وجب القضاء بأمر جديد ونقل الهندي عن صاحب التقويم قولا ثالثا أنه يجب بالقياس على العبادات الفائتة عن وقتها الواجب قضاؤها في الشرع فإنه الأكثر بجامع استدراك مصلحة الفائتة وقال بعضهم وعند أبي زيد الدبوسي أن وجوب القضاء إنما هو بقياس الشرع وأضافه إلى الشرع لتخرج المقدمتان والنتيجة فإن ذلك قياس العقل والمراد بقياس الشرع رد فرع إلى أصل بعلة جامعة بينهما فكأنه قاس القضاء على المعاوضات الشرعية وذهب بعض المتأخرين إلى وجوبه بالأمر الأول باعتبار آخر مخالف لما يقوله

الحنابلة وبرهانه العلم القديم لم يتعلق بالأداء في حق من يستحيل وقوعه منه لأن ذاته معدومة في الموجودين فلو كلف العبد به كلف بما لا يطاق فإذن تعلق الأمر إنما هو بالفعل الذي يسمى قضاء وهو أمر واحد وهو الأمر الأول في حق القضاء إذ لا أداء هناك ولا فائت لعدمه في الموجودين العلمي والخارجي ومعنى هذا الخلاف أنه هل يستفاد من الأمر ضمنا الأمر بالقضاء أي يستلزم ذلك كما يستفاد منه جميع الفوائد الضمنية أو لا يستفاد هذا هو الصواب وصرح به المازري وغيره وزعم الأصفهاني في شرح المحصول أن القائلين بأن القضاء بالأمر الأول يقولون إنه يدل عليه مطابقة وأن هذا هو محل الخلاف ويساعده عبارة ابن برهان هل بقيت واجبة بالأمر السابق أم وجبت بأمر جديد وقال عبد العزيز موضع الخلاف في القضاء بمثل معقول فأما القضاء بمثل غير معقول فلا يمكن إيجابه إلا بنص جديد بالاتفاق وهذا كله في العبادة المؤقتة أما المطلقة إذا لم يفعل في أول أزمنة الإمكان على رأي من يجعل الأمر للفور فإن فعله بعده ليس قضاء عند الجمهور خلافا للقاضي أبي بكر ومن فروعه ما لو استأجر الولد سنة معينة ثم لم يسلمه حتى مضت انفسخ العقد ولا يجب بدلها سنة أخرى اعتبارا بالعقد الأول بل لا بد من إنشاء عقد جديد إن أرادها وقال صاحب الواضح المعتزلي هذا الخلاف لا يجيء إلا من القائلين بأن الأمر يقتضي الفور وأما القائل بأنه للتراخي فلا لأن عنده أن الفعل في الوقت الثاني والثالث وفيما بعدها مراد وأن لفظ الأمر بإطلاقه يتناول الفعل في أي وقت شاء وبذلك صرح أبو الحسين في المعتمد فقال أما القائلون بنفي الفور فيقولون باقتضائه فيما بعد ولا يحتاج إلى دليل ثان وأما القائلون بالفور هل يقتضي الفعل فيما بعد أو لا وقال الشيخ أبو إسحاق ليس الغرض بهذه المسألة الكلام في أعيان المسائل التي اتفقنا فيها على وجوب القضاء في العبادة المؤقتة كالصلاة والصوم وإنما الغرض بيان إثبات هذا الأصل من مقتضى الأمر المطلق في موضع لا إجماع فيه قال وكذلك جميع مسائل الأصول التي نتكلم فيها المقصود إثبات أصل عند التجرد من القرائن قال وفائدة الخلاف في هذه المسألة جواز الاستدلال بالأوامر المطلقة في أداء العبادة على قضائها إن قلنا يجب ما يجب به الأداء ومنعه وإن قلنا يجب بأمر

جديد قيل ومنشأ الخلاف يرجع إلى قاعدتين الأولى أن الأمر بالمركب أمر بأجزائه الثانية أن الفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بذلك الوقت فمن لاحظ القاعدة الأولى قال القضاء بالأول لأنه اقتضى شيئين الصلاة وكونها في ذلك الوقت فهو مركب فإذا تعذر أحد جزأي المركب وهو خصوص الوقت بقي الجزء الآخر وهو الفعل فيوقعه في أي وقت شاء ومن لاحظ الثانية قال القضاء بأمر جديد لأنه إذا كان تعين الوقت لمصلحة فقد لا يشاركه الزمن في تلك المصلحة وإذا شككنا لم يثبت وجوب الفعل الذي هو القضاء في وقت آخر بدليل منفصل والمراد بالأمر الجديد إجماع أو خطاب جلي على وجوب فعل مثل الفائت خارج الوقت لا أنه يتجدد عند فوات كل واجب الأمر بالقضاء لأن زمن الوحي قد انقرض مَسْأَلَةٌ فَوَاتُ الِامْتِثَالِ بِالْأَمْرِ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَأَخَّرَ عنه فَهَلْ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذلك بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أو يَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ قال ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ إنْ قُلْنَا الْمُؤَقَّتُ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَاهُنَا على قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ أَيْضًا بِفَوَاتِ الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ في الْوَقْتِ فإذا مَاتَ سَقَطَ كَالْمُؤَقَّتِ وَالثَّانِي لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَتَنَاوَلُ فِعْلَهُ مُطْلَقًا لَا لِوَقْتٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْفَوْرُ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ وُجُوبَهُ مَسْأَلَةٌ احْتِيَاجُ الْإِجْزَاءِ إلَى دَلِيلٍ إتْيَانُ الْمُكَلَّفِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ على الْمَشْرُوعِ مُوجِبٌ لِلْإِجْزَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ وَالْقَاضِي وَعَبْدِ الْجَبَّارِ حَيْثُ قَالَا الْإِجْزَاءُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وهو خِلَافٌ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ على خِلَافِهِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ

على ما يُثْبِتُهُ الدَّلِيلُ وَنَسَبَاهُ لِلْأَشْعَرِيَّةِ قال سُلَيْمٌ وهو قَرِيبٌ من مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِيهَا مَذْهَبٌ رَابِعٌ وهو أَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ من حَيْثُ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَا يَقْتَضِيهِ من حَيْثُ وَضْعُ اللُّغَةِ حَكَاهُ في الْمَصَادِرِ عن الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى وَخَامِسٌ وهو التَّفْصِيلُ بين ما يَقَعُ على الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ كَالصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْإِجْزَاءِ وَبَيْنَ ما يَدْخُلُهُ ضَرْبٌ من الْخَلَلِ إمَّا من جِهَةِ الْمُكَلَّفِ أو غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ في الْحَجِّ وَالصَّوْمِ فَلَا يَدُلُّ على الْإِجْزَاءِ حَكَاهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ ثُمَّ قال وَلَيْسَ هذا في الْحَقِيقَةِ مَذْهَبًا آخَرَ لِأَنَّا لَا نَقُولُ بِالْإِجْزَاءِ على أَيِّ أَمْرٍ وَقَعَ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ إذَا وَقَعَ على الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ وقال الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى إذَا قُلْنَا إنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ فَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَمْنَعُ إيجَابَ مِثْلِهِ بَعْدَ الِامْتِثَالِ لَكِنْ إنَّمَا سُمِّيَ قَضَاءً إذَا كان فيه تَدَارُكُ الْفَائِتِ من أَصْلِ الْعِبَادَةِ وَوَضْعِهَا فَإِنْ لم يَكُنْ فَوَاتٌ اسْتَحَالَ تَسْمِيَتُهُ قَضَاءً يَعْنِي شَرْعًا لَا عَقْلًا وَلَا بُدَّ من تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَنَقُولُ الْإِجْزَاءُ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارَيْنِ أَحَدُهُمَا الِامْتِثَالُ وَالثَّانِي إسْقَاطُ الْقَضَاءِ فَالْمُكَلَّفُ إذَا أتى بِالْمَأْمُورِ على وَجْهِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هو مُجْزِئٌ بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى الثَّانِي هو مَوْضِعُ الْخِلَافِ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وَالْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرُهُمَا أَيْ هل يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ الْحَكِيمُ افْعَلْ كَذَا فإذا فَعَلْت أَدَّيْت الْوَاجِبَ وَيَلْزَمُك مع ذلك الْقَضَاءُ قال الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ في الْمُعْتَمَدِ وَهَذَا هو مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَا يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لم يُمْتَثَلْ وَلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فيه وَلَا يَكُونُ وَقَعَ مَوْقِعَ الصَّحِيحِ الذي لَا يَقْتَضِي هذا تَحْرِيرُ مَذْهَبِ عبد الْجَبَّارِ في الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّنْ اعْتَنَى بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْعُنْوَانِ فقال وَتَحْرِيرُ الْخِلَافِ فيه أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ هل هو من مَدْلُولِ الْأَمْرِ وَمُقْتَضَاهُ أو هو من مَجْمُوعِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْغَيْرِ وَأَمَّا كَوْنُهُ إذَا فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ يَبْقَى مَطْلُوبًا فما زَادَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَمْرَ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ عَمَّا عَدَا الْمَأْمُورَ بِهِ فَلَوْ بَقِيَ عليه شَيْءٌ آخَرُ من جِهَةِ الْأَمْرِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ مُنْقَطِعًا في تَعَلُّقِهِ وَفِيهِ جَمْعٌ بين

النَّقِيضَيْنِ وهو مُحَالٌ انْتَهَى وقد وَقَعَ في الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ وَأَتْبَاعِهِ الْخِلَافَ في أَنَّ الِامْتِثَالَ هل يُوجِبُ الْإِجْزَاءَ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ لم يُخَالِفْ في الْإِجْزَاءِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فيه بِالثَّانِي وَالْخِلَافُ في الْأَوَّلِ بَعِيدٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ قال الْهِنْدِيُّ وَعَلَى هذا تَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذَكَرُوهُ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ ليس عِبَارَةً عن سُقُوطِ الْقَضَاءِ بِالْفِعْلِ فَلَا يَلْزَمُ من كَوْنِ الْفِعْلِ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بَلْ يَنْبَغِي تَرْجَمَتُهَا على ما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْإِجْزَاءِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وقال الْمُتَكَلِّمُونَ لَا يَقْتَضِي فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ على هذا بِبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ كَأَبِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ فإن كُلَّ من قال الْإِجْزَاءُ ليس عِبَارَةً عن سُقُوطِ الْقَضَاءِ على التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ من كَوْنِ الْفِعْلِ مُجْزِئًا سُقُوطُ الْقَضَاءِ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هو في سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَا في سُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِهِ وَكَوْنُهُ امْتِثَالًا وَطَاعَةً لِأَنَّ ذلك كَالتَّنَاقُضِ فَيَبْعُدُ وُقُوعُ الْخِلَافِ فيه لِأَنَّ أَدِلَّتَهُمْ تُشْعِرُ بِذَلِكَ الثَّانِي أَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ من الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ على الْإِجْزَاءِ وَإِنَّمَا الْإِجْزَاءُ مُسْتَفَادٌ من عَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ على وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَلَا خِلَافَ بين عبد الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِ في بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ وَاتَّفَقُوا على أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ اقْتَضَتْ الْعَدَمَ السَّابِقَ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ يقول الْعَدَمُ اللَّاحِقُ الْكَائِنُ بَعْدَ الْفِعْلِ مُسْتَفَادٌ أَيْضًا من الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأَعْدَامِ الْكَائِنَةِ قبل الْفِعْلِ وقد شَبَّهَ الْقَرَافِيُّ هذا الْخِلَافَ بِالْخِلَافِ في مَفْهُومِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَنْ نَفَاهُ قال عَدَمُ عِتْقِهِ ما لم يَأْتِ بِالْمَشْرُوطِ مُسْتَفَادٌ من الْمِلْكِ السَّابِقِ وَمَنْ أَثْبَتَهُ قال هو مُسْتَفَادٌ من ذلك وَمِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَيْضًا وَظَهَرَ بهذا أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ أتى بِالْمَأْمُورِ على وَجْهِهِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ يُمْكِنُ إيرَادُ أَمْرٍ ثَانٍ بِعِبَادَةٍ يُوقِعُهَا الْمَأْمُورُ على حَسَبِ ما أَوْقَعَ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَاسْتِئْنَافِ شَرْعٍ وَتَعَبُّدٍ ثَانٍ وَالنِّزَاعُ في تَسْمِيَةِ هذا الْأَمْرِ الثَّانِي قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ فَالْجُمْهُورُ يَنْفُونَهُ

لِأَنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُمْ ما فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ وُجُوبُهُ وَهَذَا ليس كَذَلِكَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ بِنَاءُ من بَنَى عليه صَلَاةَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إذَا تَمَكَّنَ من أَحَدِهِمَا هل يُعِيدُ قال ابن الْحَاجِبِ في مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ إنْ أَرَادَ عبد الْجَبَّارِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَرِدَ أَمْرٌ بَعْدَهُ بمثله فَمُسَلَّمٌ وَمَرْجِعُ النِّزَاعِ في تَسْمِيَتِهِ قَضَاءً وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ على سُقُوطِهِ فَسَاقِطٌ وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّهُ إنْ كان الْمُرَادُ لُزُومَ الْإِتْيَانِ بمثله فَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّكْرَارِ وَالْأَوَّلُ يُجْزِئُ عن الْآخَرِ لَكِنْ لم يَسْتَكْمِلْ وَإِنْ كان لِأَنَّهُ لم يَقَعْ الْمَوْقِعَ فَهُوَ غَيْرُ مُجْزِئٍ بِالِاتِّفَاقِ وقال هذه الْمَسْأَلَةُ مَقْلُوبَةٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ كَوْنُ النَّهْيِ يَدُلُّ على الْفَسَادِ مَسْأَلَةٌ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِمُعَيَّنٍ الْأَمْرُ إنْ تَعَلَّقَ بِمُعَيَّنٍ لم يَخْرُجْ الْمُكَلَّفُ عن عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ قَطْعًا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقٍ وهو الْمُتَنَاوِلُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَاخْتَلَفُوا في الْمَطْلُوبِ بِهِ هل هو الْمَاهِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ أو جُزْءٌ من جُزْئِيَّاتِهَا قال الْآمِدِيُّ هو أَمْرٌ يُجْزِئُ مُعَيَّنٌ من جُزْئِيَّاتِ الْمَاهِيَّةِ لَا بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ وقال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ هو أَمْرٌ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بين الْأَفْرَادِ لَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ لِأَنَّ الدَّالَّ على الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ على الْأَخَصِّ فإذا قال في الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ حَيَوَانٌ لِأَنَّ الْجِسْمَ أَعَمُّ وَهَذَا ما حَكَاهُ أبو الْمَنَاقِبِ الزَّنْجَانِيّ عن مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَ الثَّانِيَ أَيْضًا الْقَرَافِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحَا الْمَحْصُولِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ هِيَ وَلَا لَازِمَةً لها فلم يَدُلَّ عليها لَا مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَعَلَى هذا الْأَمْرُ بِالْجِنْسِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِشَيْءٍ من أَنْوَاعِهِ أَلْبَتَّةَ وَذَلِكَ كَالْمَأْمُورِ بِالْبَيْعِ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أو بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أو غَيْرِ ذلك لِأَنَّ الْبَيْعَ مُشْتَرَكٌ بين هذه الْأُمُورِ وَحَيْثُ حُمِلَ على مُعَيَّنٍ كَالْأَمْرِ من الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا فإنه مَحْمُولٌ على الشَّيْءِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا هو لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَحَيْثُ لم يُوجَدْ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ يُخَيَّرُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من تَحْصِيلِ الْمَاهِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ ذلك إلَّا في ضِمْنِ جُزْئِيٍّ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى من الْبَعْضِ فَيَتَعَيَّنُ التَّخْيِيرُ

وَتَوَسَّطَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فقال الْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا بِقَيْدِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِ اعْتِبَارِ أَحَدِهَا اعْتِبَارُ الْآخَرِ وَأَنَّ ذلك غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ بَلْ هو مَوْجُودٌ في ضِمْنِ الْجُزْئِيَّاتِ قال وَيُوَضِّحُ هذا كَلَامُهُمْ في الْفَرْقِ بين الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَبِشَرْطِ لَا شَيْءٍ وَلَا بِشَرْطٍ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ هذه الْمَسْأَلَةُ تَسْتَدْعِي تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بِمَسْأَلَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الْكُلِّيَّ إمَّا مَنْطِقِيٌّ أو طَبِيعِيٌّ أو عَقْلِيٌّ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْبَيْعُ كُلِّيٌّ فَهُنَاكَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ مَاهِيَّةُ الْبَيْعِ من حَيْثُ هِيَ هِيَ وهو الطَّبِيعِيُّ الثَّانِي قَيَّدَ كَوْنَهُ كُلِّيًّا أَيْ يَشْتَرِكُ في مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ وَهِيَ الْمَنْطِقِيُّ وَالثَّالِثُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ بِقَيْدِ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً وهو الْعَقْلِيُّ فَأَمَّا الطَّبِيعِيُّ فَهُوَ مَوْجُودٌ في الْأَعْيَانِ لِأَنَّ هذا الْبَيْعَ مَوْجُودٌ وَجُزْءُ هذا الْبَيْعِ نَفْسُ الْبَيْعِ بِالضَّرُورَةِ وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ فَفِي وُجُودِهِمَا في الْخَارِجِ خِلَافٌ يَتَفَرَّعُ على أَصْلٍ آخَرَ وهو أَنَّ الْأُمُورَ النِّسْبِيَّةَ هل لها وُجُودٌ في الْخَارِجِ أَمْ لَا وَفِيهِ خِلَافٌ بين الْعُقَلَاءِ قال وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وهو الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بين الْبِيَاعَاتِ هو الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ وَلَا شَكَّ في وُجُودِهِ في الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الْكُلِّيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ في نَفْسِ الطَّلَبِ وَلُزُومِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقِ غَيْرُ الْقَيْدِ في اللَّفْظِ بِقَيْدٍ أو وَصْفِهِ بَلْ أَطْلَقَ إنْ طُلِبَ فِعْلٌ من الْأَفْعَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ما لَا يُطْلَبُ إيقَاعُهُ في الْأَعْيَانِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا لِأَنَّ الْكُلِّيَّ ليس في الْخَارِجِ وَلَا يَقْبَلُهُ الْخَارِجُ وإذا كان هَكَذَا فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا قُلْنَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُزْئِيًّا مُعَيَّنًا عِنْدَ الْمُكَلَّفِ تَقَعُ فيه الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّ ذلك مُتَعَذِّرٌ قَطْعًا فَإِذَنْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا غير مُعَيَّنٍ مِثْلَ النَّكِرَاتِ كُلِّهَا كما تَقُولُ إذَا لَقِيت رَجُلًا فَأَكْرِمْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الذي يَلْقَاهُ هو جُزْئِيٌّ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَيُفَسِّرُ اللِّقَاءُ بِمُعَيَّنٍ وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يقول الْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ وَيَتَفَسَّرُ بِجُزْءٍ منها أو جُزْئِيَّاتٍ

مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ ليس أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ ما لم يَدُلَّ عليه دَلِيلٌ وَإِلَّا لَزِمَ التَّخَلُّفُ في مِثْلِ قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ كَذَا قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ كما كان على ضَرْبَيْنِ بِوَسَطٍ وَبِغَيْرِ وَسَطٍ جَعَلُوا الْأَمْرَ بِوَسَطٍ ليس أَمْرًا حَقِيقِيًّا وَنَقَلَ الْعَالَمِيُّ عن بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَمْرٌ وَنَصَرَهُ الْعَبْدَرِيُّ وابن الْحَاجِّ في كَلَامِهِمَا على الْمُسْتَصْفَى وَقَالَا هو أَمْرٌ حَقِيقَةً لُغَةً وَشَرْعًا بِدَلِيلِ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ آللَّهُ أَمَرَكَ بهذا فقال نعم فَفَهِمَ الْأَعْرَابِيُّ الْجَافِي من أَمْرِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَبَادَرَ إلَى الطَّاعَةِ قَائِلًا وَأَيُّ فَرْقٍ بين قَوْلِهِ لِلنَّاسِ افْعَلُوا كَذَا وَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ مُرْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فإنه قد جاء في رِوَايَةٍ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وفي رِوَايَةٍ فَأَمَرَهُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنْ يُرَاجِعَهَا فَفِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَمْرُ له وهو رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَوْ لم يَكُنْ قَوْلُهُ في الرِّوَايَةِ الْأُولَى مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا دَالًّا على أَنَّهُ مَأْمُورٌ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَمَا كان مَرْوِيًّا في الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى يَكُونُ مُخْتَلِفًا حِينَئِذٍ وَكَلَامُ سُلَيْمٍ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ على الثَّانِي الْفِعْلُ جَزْمًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في تَسْمِيَتِهِ أَمْرًا أَمْ لَا فإنه قال إذَا أَمَرَ

اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِأَنْ يَأْمُرَ أُمَّتَهُ بِشَيْءٍ فإن ذلك الشَّيْءَ يَجِبُ فِعْلُهُ عليهم من حَيْثُ الْمَعْنَى وَهَكَذَا إذَا أَمَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَاحِدَ من أُمَّتِهِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِشَيْءٍ كان دَالًّا على وُجُوبِ الْفِعْلِ عليه وَيَصِيرُ ذلك بِمَنْزِلَةِ وُرُودِ الْأَمْرِ ابْتِدَاءً عليه انْتَهَى وَجَعَلَ ابن الْحَاجِبِ في الْمُنْتَهَى مَوْضِعَ الْخِلَافِ نحو مُرْ فُلَانًا بِكَذَا أَمَّا لو قال قُلْ لِفُلَانٍ افْعَلْ كَذَا فَالْأَوَّلُ آمِرٌ وَالثَّانِي مُبَلِّغٌ قَطْعًا وَمِثْلُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْخِلَافُ في أَمْرِ الِاسْتِصْلَاحِ نَحْوُ مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ فَأَمَّا ما أُرِيدَ بِهِ التَّبْلِيغُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الثَّالِثَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ الْأَمْرِ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ على أَنَّ من طَلَّقَ زَوْجَتَهُ في الْحَيْضِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَعْدَ الدُّخُولِ اُسْتُحِبَّ له أَنْ يُرَاجِعَهَا لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَلَوْ كان لِلْخِلَافِ في هذه الْحَالَةِ مَجَالٌ لَجَرَى خِلَافٌ في الِاسْتِحْبَابِ وَفَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فقال إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ التَّبْلِيغُ كان ذلك أَمْرًا لِلثَّانِي وَإِلَّا فَلَا وهو حَسَنٌ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إنْ كان لِلْأَوَّلِ بِأَمْرِ الثَّالِثِ فَالْأَمْرُ الثَّانِي بِالْأَمْرِ الثَّالِثِ وَإِلَّا فَلَا وَمَعْنَى هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا أَمَرَ مُبَلِّغًا بِشَيْءٍ فَهَلْ هو أَمْرٌ لِلْمَأْمُورِ الثَّانِي بِذَلِكَ كما لو تَوَجَّهَ نَحْوَهُ الْأَمْرُ من غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالْجُمْهُورُ على أَنَّهُ ليس كَذَلِكَ وَنُقِلَ فيه خِلَافٌ ولم يُسَمِّ قَائِلَهُ نعم الْخِلَافُ بين أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ مَشْهُورٌ في أَنَّ الصَّبِيَّ مَأْمُورٌ بِأَمْرِ الْوَلِيِّ فَقَطْ أو مَأْمُورٌ بِأَمْرِ الشَّارِعِ وَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ وَذَلِكَ نَظَرٌ إلَى وَضْعِ اللَّفْظِ فَقَطْ وَجُنُوحٌ إلَى أَنَّ الصَّبِيَّ خَارِجٌ عن حُكْمِ الْخِطَابِ وهو مُقْتَضَى حَدِّ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَمَثَّلَ جَمَاعَةٌ منهم الْغَزَالِيُّ هذه الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الْآيَةَ وَقَالُوا إنَّ ذلك بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعْطَاءِ إلَّا من جِهَةِ وُجُوبِ طَاعَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْجُمْلَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ليس أَمْرًا إلَّا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ الذي اقْتَضَاهُ وُجُوبُ طَاعَةِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بَلْ هذه الْآيَةُ تَرْجِعُ إلَى أَنَّ ما لَا يَتِمُّ الشَّيْءُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلَيْسَ من فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ هل يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ أَمْ لَا وَلَا تَعَلُّقَ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ الْأَمْرُ بِالْإِتْمَامِ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِالشُّرُوعِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْمَامُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ وَلِهَذَا احْتَجَّ أَصْحَابُنَا على وُجُوبِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَسْأَلَةٌ إيجَابُ اللَّهِ على رَسُولِهِ شيئا إذَا أَوْجَبَ اللَّهُ على رَسُولِهِ شيئا لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِغَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يُوجِبَ عليه أَخْذَ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ هذا الْأَمْرُ إيجَابَ إعْطَاءِ الزَّكَاةِ على أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا فيه خِلَافٌ حَكَاهُ ابن الْقُشَيْرِيّ فقال قال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَجِبُ عليهم بِنَفْسِ ذلك الْأَمْرِ وَلَعَلَّهُمْ يُقَرِّبُونَ هذا من قَوْلِنَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِالْوُضُوءِ وقال الْقَاضِي يَجِبُ على أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الِابْتِدَارُ إلَى الْإِعْطَاءِ لَا من جِهَةِ الْأَمْرِ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ ليس في إيجَابِ الْأَخْذِ على الرَّسُولِ إيجَابُ الْإِعْطَاءِ على الْغَيْرِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عليه الْأَخْذُ فَيَأْمُرُ بِالْإِعْطَاءِ وَأَمْرُهُ وَاجِبٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على وُجُوبِ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ وُجُوبِ الْأَخْذِ عليه حُكْمًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عليه مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ هل يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ اخْتَلَفُوا في أَنَّ الْآمِرَ هل يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ أَمْ لَا على وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وَنَصَّ على عَدَمِ الدُّخُولِ وَكَذَا نَصَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وقال الْقَوْلُ بِالدُّخُولِ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ في كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قال لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَأْمُورَ غَيْرُهُ وَلَا بُدَّ من تَحْرِيرِ النِّزَاعِ فَنَقُولُ له حَالَاتٌ إحْدَاهَا أَنْ يَقُولَ لِنَفْسِهِ افْعَلِي مُرِيدًا ذلك الْفِعْلَ من نَفْسِهِ وَلَا نِزَاعَ في جَوَازِهِ وَهَلْ يُسَمَّى حَسَنًا أَمْ لَا قال الْهِنْدِيُّ الْحَقُّ الْمَنْعُ إذْ لَا فَائِدَةَ فيه

وَهَلْ يُسَمَّى أَمْرًا إنْ شَرَطْنَا الْعُلُوَّ أو الِاسْتِعْلَاءَ امْتَنَعَ وَإِنْ لم نَشْرِطْهُ فَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ بين الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ مُعْتَبَرَةٌ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هَاهُنَا فَإِنْ لم نَعْتَبِرْهَا سُمِّيَ بِهِ وهو بَعِيدٌ الثَّانِيَةُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بِهِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَا يَدْخُلُ الْآمِرُ تَحْتَهُ قَطْعًا سَوَاءٌ أَمَرَ عن نَفْسِهِ أو أَخْبَرَ بِالْأَمْرِ عن غَيْرِهِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ مُتَنَاوِلٍ له فَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَ بِأَمْرٍ الْغَيْرِ قال الْهِنْدِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ في دُخُولِهِ تَحْتَ الْأَمْرِ كما إذَا تَلَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَ بِأَمْرِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ يا أَيُّهَا الناس أو يا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ افْعَلُوا كَذَا فَهَذَا هو مَحَلُّ النِّزَاعِ وَالْأَكْثَرُونَ على دُخُولِهِ نَظَرًا إلَى عُمُومِ اللَّفْظِ فإن كَوْنَهُ أَمْرًا لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا له وَلِهَذَا دخل عليه السَّلَامُ في كَثِيرٍ من أَوَامِرِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ آخَرَ كَذَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي في الْعُمُومِ لَكِنَّ الْأَكْثَرِينَ وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ على عَدَمِ دُخُولِهِ وقال صَاحِبُ الْوَاضِحِ الْمُعْتَزِلِيُّ لَا خِلَافَ في أَنَّ الْآمِرَ لَا يَدْخُلُ في الْأَمْرِ إذَا أَمَرَ عن نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ بِالْأَمْرِ عن غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ لِأُمَّتِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِصَوْمِ يَوْمٍ فَاخْتَلَفُوا فيه على قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ دُخُولُهُ قال وَأَمَّا الْمُخْبِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ في الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ من قَعَدَ في الْمَطَرِ ابْتَلَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخْبِرُ عن نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُخْبِرًا لِغَيْرِهِ عن نَفْسِهِ أَنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكَلَامُ الْهِنْدِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَبَرَ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ قال وَلِهَذَا قِيلَ وَلَا أنت يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَرْتَبَتُهُ كَوْنُهُ مُخَاطِبًا لَا يَخُصُّهُ وَكَذَا في الْأَمْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِمَزِيدِ تَتِمَّةٍ في بَابِ الْعُمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ بِالصِّفَةِ الْأَمْرُ بِالصِّفَةِ أَمْرٌ بِالْمَوْصُوفِ فإذا أَمَرَ بِالطُّمَأْنِينَةِ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كان أَمْرًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ قال وَغَلِطَتْ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ اسْتَدَلُّوا على وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ في الْإِحْرَامِ بِمَا رُوِيَ أَنْ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ نَزَلَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال مُرْ أَصْحَابَك لِيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَجَعَلُوا النَّدْبَ إلَى الصِّفَةِ وَهِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ دَلِيلًا على وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قد يُنْدَبُ إلَى صِفَةِ ما هو وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ في نَدْبِهِ إلَى الصِّفَةِ ما يَقْتَضِي إيجَابَ الْمَوْصُوفِ وَاَلَّذِي يَتَنَاوَلُهُ بِصَرِيحِهِ هو رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَنَفْسُ التَّلْبِيَةِ إنَّمَا يُعْلَمُ من ضَمِيمِهِ على سَبِيلِ التَّبَعِ له وما تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ ما كان مُسْتَفَادًا من ضِمْنِهِ الْمُتَوَصَّلِ إلَيْهِ أَوْلَى وَفِيمَا أُطْلِقَ حِكَايَتُهُ عن الْحَنَفِيَّةِ نَظَرٌ وقال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَيْئَةٍ أو صِفَةٍ لِفِعْلٍ دَلَّ الدَّلِيلُ على أنها مُسْتَحَبَّةٌ جَازَ التَّمَسُّكُ بِهِ على وُجُوبِ أَصْلِ الْفِعْلِ لِتَضَمُّنِهِ الْأَمْرَ بِهِ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُهَا فإذا خُولِفَ في الصَّرِيحِ بَقِيَ التَّضَمُّنُ على أَصْلِ الِاقْتِضَاءِ قال ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عليه أَحْمَدُ حَيْثُ تَمَسَّكَ على وُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ بِالْأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ لَا يَبْقَى دَلِيلٌ على وُجُوبِ الْأَصْلِ انْتَهَى وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ الْأَمْرُ بِإِيجَادِ الصِّفَةِ وَإِدْخَالِهَا في الْوُجُودِ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالْمَوْصُوفِ لِاسْتِحَالَةِ دُخُولِ الصِّفَةِ في الْوُجُودِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ وما لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وقد يَكُونُ الْأَمْرُ بِالصِّفَةِ على تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمَوْصُوفِ وقد

يَحْتَمِلُ الْحَالُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ هل الْمُرَادُ إدْخَالُ إفْشَاءِ السَّلَامِ في الْوُجُودِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِأَصْلِ السَّلَامِ أو الْمُرَادُ إفْشَاؤُهُ على تَقْدِيرِ وُجُودِهِ أَيْ إذَا سَلَّمْتُمْ فَلْيَكُنْ فَاشِيًّا مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْأَمْرِ بِإِيجَادِ الْفِعْلِ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِإِيجَادِ فِعْلٍ فَهَلْ يَقَعُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَقَعُ الِاسْمُ عليه أَمْ لَا قال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ اخْتَلَفَ فيه الْأُصُولِيُّونَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْزِئُ ما وَقَعَ عليه الِاسْمُ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ الْأَمْرُ بِفِعْلِ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ وُجُوبَ أَدْنَى ما يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ ذلك الْفِعْلِ وَقِيلَ يَقْتَضِي الْأَكْثَرَ لنا أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فإذا وَرَدَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ تَعَلَّقَ بِالْمُتَيَقَّنِ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فيها قال وإذا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَزَادَ عليه فَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ

مسألة
الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده إن كان له ضد واحد كصوم العيد فالنهي عن صومه أمر بضده وهو الفطر فلا خلاف وإلا لأدى إلى التناقض ومثله الأمر بالإيمان نهي عن الكفر وإن كان له أضداد كالأمر بالقيام فإن له أضدادا من القعود والركوع والسجود والاضطجاع ونحوها وكالزنى فإن من أضداده الصلاة والنوم والمشي وغيرها فهو محل الخلاف قيل نهي عن جميع أضداده وقيل عن واحد منها لا بعينه حكاه عبد العزيز في شرح البزدوي واعلم أن الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين أحدهما النفساني واختلف المثبتون له في أن الأمر بشيء معين هل هو نهي عن ضده الوجودي على مذاهب

أحدها أنه ليس نهيا عن ضده لا لفظا ولا يقتضيه عقلا واختاره الإمام والغزالي وإلكيا الطبري وحكاه الشيخ أبو حامد وسليم وابن برهان وصاحب الواضح والمعتمد وإمام الحرمين في التلخيص عن المعتزلة بناء على أصلهم في اعتبار إرادة الناهي وذلك غير معلوم لكن نقل إمام الحرمين في البرهان عنهم أنه يتضمنه وهو محمول على اللسان كما سيأتي فتفطن له وقال إمام الحرمين وإلكيا في تعليقه إن هذا الذي استقر عليه رأي القاضي أبي بكر بعد أن كان يقول إنه نهي عن ضده والثاني أنه نفس النهي عن ضده من حيث اللفظ والمعنى بناء على أن الأمر لا صيغة له واتصافه بكونه أمرا ونهيا بمثابة اتصاف الكون الواحد بكونه قريبا من شيء بعيدا من شيء وهذا قول الشيخ أبي الحسن الأشعري والقاضي وأطنب في نصرته في التقريب ونقله عن جميع أهل الحق النافين لخلق القرآن ونقله في المنخول عن الأستاذ أبي إسحاق والكعبي ونقله ابن برهان في الأوسط عن العلماء قاطبة وقال صاحب اللباب هو قول أبي بكر الجصاص وهو أشبه وقال القاضي عبد الوهاب في الملخص هو قول المتكلمين منهم الأشعري وغيره أنه نهي عن ضده من حيث اللفظ والمعنى لأن الأمر لا صيغه له قال ابن دقيق العيد وهذا المذهب لا يتأتى مع القول بأن الأمر هو القول لأن إحدى الصيغتين لا تكون عين الأخرى قطعا فليؤول على أنه يستلزمه انتهى وهو عجب لأن الأشعري بناه على أن الأمر لا صيغه له كما سبق نقله عن القاضي عبد الوهاب وغيره وكذلك قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني بنى الأشعري هذا على أصله في أن الأمر لا صيغه له وإنما هو معنى قائم بالنفس وكذلك للنهي فالأمر عندهم هو نفس النهي من هذا الوجه وقال الهندي لم يرد القائل أن صيغة تحرك مثلا غير صيغة لا تسكن فإن ذلك معلوم الفساد بالضرورة بل يعني أن المعنى المعبر عنه ب تحرك عين المعنى المعبر عنه ب لا تسكن وقالوا إن كونه أمرا ونهيا بالنسبة إلى الفعل وضده الوجودي لكون الحركة قربا وبعدا بالنسبة إلى جهتين وقد وجهه الماوردي بأن الأمر له متعلقان متلازمان اقتضاء الفعل والإيقاع والنهي عن الفعل والاجتناب وترك الفعل فعل

آخر وهو ضد المتروك والثالث أنه ليس هو ولكن يتضمنه من طريق المعنى وبه جزم القاضي أبو الطيب ونصره الشيخ أبو إسحاق في التبصرة وابن الصباغ في العدة ونقله الشيخ أبو حامد الإسفراييني وسليم عن أكثر أصحابنا قال وهو قول أكثر الفقهاء كافة وقال ابن السمعاني هو مذهب عامة الفقهاء ونقله عبد الوهاب عن أكثر أصحاب الشافعي قال وهو الذي يقتضيه مذهب أصحابنا وإن لم يصرحوا به وقال الباجي عليه عامة الفقهاء واختاره الآمدي والإمام فخر الدين وقال أبو زيد الدبوسي في التقويم إنه المختار وبه جزم أبو منصور الماتريدي فقال إنه نهي عن ضده بدلالة الالتزام وكذا ا قال البزدوي والسرخسي منهم وقال إمام الحرمين وابن القشيري والمازري إن القاضي مال إليه في آخر مصنفاته وقال صاحب الواضح وقصد الفقهاء من هذه المسألة أن الأمر للوجوب فلهذا قالوا إنه نهي عن ضده ثم رد الإمام على من قال هو عينه بأنه جحد للضرورة فإن القول المعبر عنه ب افعل مغاير للمعبر عنه ب لا تفعل قيل وهذا منه غلط أو مغالطة إذ ليس الكلام في افعل ولا تفعل بل في افعل ولا تترك وليس بطلان اتحاد مدلولهما ضروريا وأبطل مذهب التضمن بأن الأمر قد لا يخطر له الضد ولو خطر له فلا قصد له في تركه إلا على معنى أن ذلك وسيلة إلى المأمور به واعترف بأنه يرى استلزام الوجوب الوعيد على الترك فكيف لا يخطر له الضد من الترك ولا بد أن يكون متوعدا عليه ثم هذا الخلاف في الكلام النفسي بالنسبة إلى المخلوق لأنه الذي يغفل عن الضد وأما الله تعالى فكلامه واحد لا يتطرق إليه ذهول كما صرح به الغزالي وابن القشيري واحترزنا بقولنا معين عن الواجب المخير والموسع فإن الأمر بهما ليس نهيا عن الضد والمسألة مقصورة على الواجب المعين صرح به الشيخ أبو حامد الإسفراييني والقاضي في التقريب واحترزنا بالوجودي عن الترك فإن الأمر بالشيء نهي عن تركه بطريق التضمن قطعا كما قاله الهندي وغيره وإنما الخلاف في أنه هل هو نهي عن ضده الوجودي المقام الثاني بالنسب إلى الكلام اللساني عند من رأى أن للأمر صيغة وفيه مذهبان أحدهما أن الأمر يتضمن النهي عن الضد وهو رأي المعتزلة منهم عبد الجبار وأبو الحسين قال ابن الأنباري وإنما ذهبوا إلى ذلك لإنكارهم كلام النفس والكلام عندهم

ليس إلا العبارات فلم يمكنهم أن يقولوا الأمر بالشيء نهي عن ضده لاختلاف الألفاظ قطعا فقالوا إنه يقتضيه ويتضمنه وليس يعنون بذلك إشعارا لغويا أو أمرا لفظيا فقط ولكنهم يقولون الأمر قول القائل لمن دونه افعل مع إرادات ومريد الشيء لا بد وأن يكون كارها لضده فيلزم أن يكون الأمر بالشيء نهيا عن ضده وفرق إمام الحرمين بين هذا القول وقول القاضي آخرا بأن المعتزلة يقولون صيغه الأمر تقتضي النهي وذلك الاقتضاء راجع إلى فهم معنى من لفظ من يشعر به والقاضي يقول بالكلام النفسي وما يقوم بالنفس لا إشعار له بغيره ولكنه يقول إذا قام بالنفس الأمر الحقيقي فمن ضروراته أن يقوم بالنفس معه قول آخر هو نهي عن أضداد المأمور به كما يقتضي قيام العلم بالمحل قيام الحياة به والثاني أنه لا يدل عليه أصلا وجزم به النووي في الروضة في كتاب الطلاق ولا يمكن أحد هنا أن يقول إنه هو فإن صيغة تحرك غير صيغة لا تسكن قطعا ولبعض المعتزلة مذهب ثالث وهو أن أمر الإيجاب يكون نهيا عن أضداده ومقبحا لها لكونها مانعة من فعل الواجب المندوب فإن أضداده مباحة غير منهي عنها ولا تنزيه غالبا واختار الآمدي أن يقال إن جوزنا تكليف ما لا يطاق فالأمر بالفعل ليس نهيا عن الضد ولا مستلزما للنهي عنه بل يجوز أن يؤمر بالفعل وبضده في الحالة الواحدة وإن منع فالأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده واختاره الهندي أنه نهي عن ضده بطريق الاستلزام لا أنه وضده يستلزم ذلك بل مع مقدمة أخرى وهي أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لو قيل باستحالة تكليف ما لا يطاق وقال أبو الحسين في المعتمد ليس الخلاف في تسمية الأمر حقيقة لبطلانه ولا في أن صيغة لا تفعل موجودة في الأمر لأن الحس يدفعه بل في أنه نهي عن ضده في المعنى واعلم أن الذي دلنا على الفصل بين المقامين وتنزيل خلاف كل قوم على حالة أن الشيخ والقاضي لم يتكلما إلا في النفسي ويدل لذلك قولهما إن اتصافه بالأمر والنهي على ما سبق والإمام في المحصول اختار أن الأمر يتضمن النهي عن ضده والظاهر أن كلامه في اللساني لأنه عبر بالصيغة وخلاف المعتزلة أنما يتصور فيه لأنهم ينكرون النفسي ولا أمر عندهم إلا بالعبارة إذا علمت ذلك فقد استشكل تصوير المسألة بأنه إن كان الكلام في النفساني

بالنسبة إلى الله تعالى فالله تعالى بكل شيء عليم وكلامه واحد وهو أمر ونهي وخبر واحد بالذات متعدد بالمتعلقات وحينئذ فأمر الله عين نهيه فكيف يتجه فيه خلاف وإن كان الخلاف بالنسبة إلى المخلوق فقط كما صرح به الغزالي وابن القشيري فكيف يقال هو أو يتضمنه مع احتمال ذهوله عن الضد مطلقا وهذا هو عمدة إمام الحرمين كما سبق وجوابه أن القائل بأنه أجراه مجرى العلم المتعلق بمتلازمين كيمين وشمال وفوق وتحت فإن من المستحيل علم الفوق وجهل التحت وعكسه وكذلك يستحيل أن يتعلق الأمر بالنفسي باقتضاء فعل ولا يتعلق النهي عن تركه وإنما الإشكال على القول بتضمنه النهي وجوابه ما ذكره إمام الحرمين أن هؤلاء لا يعنون بالاقتضاء ما يريده المعتزلة وإنما هؤلاء يعتقدون أن الأمر النفسي مقارنة نهي نفسي أيضا يجري ذلك مجرى الحياة في العلم فإن العلم إذا وجد اقتضى وجود الحياة وممن جزم أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو بالنسبة إلى الكلام اللساني لا النفساني القرافي وتبعه عليه التبريزي في التنقيح فقال لا يتحقق هذا الخلاف في كلام الله تعالى لأن مثبتي كلام النفس مطبقون على اتحاد كلام الله من أمر ونهي ووعد ووعيد واستفهام إلى جميع الأقسام الواقعة في الكلام فهو تعالى آمر بعين ما هو ناه عنه ولا شك أن قول القائل تحرك غير قوله لا تسكن وإنما النظر في قوله افعل إنما يتضمن ذلك على خلاف فيه طلب الفعل فهو طالب ترك ضده أم لا وكذا قال الصفي الهندي هذا النزاع غير متصور في كلام الله تعالى على رأي من يرى اتحاده بل في كلام المخلوقين وفي كلام الله تعالى على رأي من يرى تعدده وقال ابن القشيري الكلام في هذه المسألة مع مثبتي كلام النفس أما من نفاه فلا يمكنه أن يقول الأمر عين النهي فإن صيغة افعل غير صيغة لا تفعل لكنهم قالوا يقتضيه من طريق المعنى قال وصار إلى هذا ضعفة الفقهاء ومن لم يتحقق عنده كلام النفس ثم قال الخلاف في أمر المخلوق أما كلام الله فهو قديم وهو صفة واحدة يكون أمرا بكل مأمور ونهيا عن كل نهي خبرا عن كل مخبر ثم قال في آخر المسألة والقول بأن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده يلزم المصير إلى مذهب الكعبي لأن من ضرورة ارتكاب المباح أن يترك محظورات فوجه النظر إلى مقصود

الآمر والناهي والمبيح لا فيما يقع من ضرورة الجبلة وهذا نهاية المسألة النَّهْيُ عن الشَّيْءِ إنْ كان له أَضْدَادٌ أَمَّا النَّهْيُ عن الشَّيْءِ فَأَمْرٌ بِضِدِّهِ إنْ كان له ضِدٌّ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنَّهْيِ عن الْحَرَكَةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالسُّكُونِ وَإِنْ كان له أَضْدَادٌ فَاخْتَلَفُوا فيه فَقِيلَ نَفْسُ الْأَمْرِ بِضِدِّهِ كما في جَانِبِ الْأَمْرِ قَالَهُ الْقَاضِي ثُمَّ مَالَ آخِرًا إلَى أَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ وَقِيلَ بَلْ ذلك في جَانِبِ الْأَمْرِ لَا النَّهْيِ فَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ الذي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِ الْمَنْهِيِّ عنه وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن جَمِيعِ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَجَرَى عليه الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ فَقَالُوا إنْ كَالَ له ضِدٌّ وَاحِدٌ فَهُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الضِّدِّ أَيْ تَضَمُّنًا كما قَالَهُ سُلَيْمُ كَالصَّوْمِ في الْعِيدَيْنِ وَكَقَوْلِهِ لَا تَكْفُرْ فإنه أَمْرٌ بِالْإِيمَانِ وَإِنْ كان له أَضْدَادٌ كَثِيرَةٌ فَهُوَ أَمْرٌ بِضِدٍّ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عنه إلَّا بِهِ فَأَمَّا إثْبَاتُ الْأَمْرِ بِسَائِرِ الْأَضْدَادِ فَلَا مَعْنَى له وَحَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ عن الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً وقال صَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِضِدِّهِ إنْ كان ذَا ضِدٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ كان له أَضْدَادٌ فقال أبو عبد اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ لَا يَقْتَضِي أَمْرًا بها وقال الشَّافِعِيُّ يَقْتَضِي أَمْرًا بِالْوَاحِدِ وهو قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ ليس بِأَمْرٍ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا وَشَنَّعَ على من قال بِأَنَّ النَّهْيَ عن ذِي أَضْدَادٍ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ فقال من قال إنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ فَقَدْ اقْتَحَمَ أَمْرًا عَظِيمًا وَبَاحَ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ في نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فإنه إنَّمَا صَارَ إلَى ذلك من حَيْثُ قال الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن الْأَضْدَادِ وَيَتَضَمَّنُ لِذَلِكَ من حَيْثُ تَفَطَّنَ لِغَائِلَةِ الْمَعْنَى فَقَدْ نَاقَضَ كَلَامَهُ فإنه كما يَسْتَحِيلُ الْإِقْدَامُ على الْمَأْمُورِ بِهِ دُونَ الِانْكِفَافِ عن أَضْدَادِهِ فَيَسْتَحِيلُ الِانْكِفَافُ عن الْمَنْهِيِّ عنه دُونَ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ وَالتَّحْقِيقُ في هذه الْمَسْأَلَةِ ما أَشَارَ إلَيْهِ ابن الْقُشَيْرِيّ أَنَّ هَاهُنَا شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هل هو نَهْيٌ عن ضِدِّهِ أَمْ لَا الثَّانِي الْمَأْمُورُ بِشَيْءٍ مَنْهِيٌّ عن جَمِيعِ أَضْدَادِهِ وَأَنَّ الْآمِرَ بِهِ نَاهٍ عن جَمِيعِ

الْأَضْدَادِ فَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي فيه الْإِجْمَاعَ وقال أبو نَصْرِ بن الْقُشَيْرِيّ أنا لَا أَشُكُّ أَنَّ هذا مَمْنُوعٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ قال إنْ مَنَعَ ذلك مَانِعٌ قِيلَ له هذا خَرْقُ ما عليه الْكَافَّةُ مع أَنَّا نُلْجِئُهُ إلَى ما قِيلَ له بِهِ فَنَقُولُ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ على الْجَزْمِ بِشَيْءٍ وهو مُقَيَّدٌ بِالْفَوْرِ وَانْتَفَى عنه سِمَةُ التَّخْيِيرِ فَتَحْرِيمُ ضِدِّ الِامْتِثَالِ لَا شَكَّ فيه إذْ لو لم يَحْرُمْ فما مَعْنَى وُجُوبِ الِامْتِثَالِ انْتَهَى وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ مع تَجْوِيزِ عَدَمِ خُطُورِهِ بِالْبَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْخُطُورِ فَلَيْسَ الضِّدُّ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا هو ضَرُورِيٌّ دَعَا إلَيْهِ تَحَقُّقُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَيْسَ كُلُّ ضَرُورِيٍّ لِلشَّيْءِ يُقَالُ له إنَّهُ مَدْلُولُهُ أو يَتَضَمَّنُهُ قال وَهَذَا التَّحْقِيقُ تَحْرِيرٌ في أَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ ليس نَاهِيًا عن أَضْدَادِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْقِيَامِ طَالِبٌ له وقد يَخْطِرُ له ضِدُّهُ فَكَيْفَ يَطْلُبُ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا على أَنَّ عَيْنَ الْأَمْرِ لَا يَكُونُ نَهْيًا عن ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ وَكَذَا النَّهْيُ عن الشَّيْءِ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّ الْمَنْهِيِّ عنه لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هل يُوجِبُ حُكْمًا في ضِدِّ ما أُضِيفَ إلَيْهِ فَذَهَبَ أبو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُ من مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ له في ضِدِّهِ أَصْلًا بَلْ هو مَسْكُوتٌ عنه وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ كَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ يُوجِبُ حُرْمَةَ ضِدِّهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ من مُحَقِّقِي الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ على كَرَاهَةِ ضِدِّهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ من قال لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الضِّدِّ قال إذَا أَدَّى الِاشْتِغَالُ بِهِ إلَى فَوَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَرُمَ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْمَأْمُورِ بِهِ حَرَامٌ فلما نهى الْمُحْرِمَ عن لُبْسِ الْمَخِيطِ دَلَّ على أَنَّ من السُّنَّةِ لُبْسَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَطْلَقُوا الْأَمْرَ وهو يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ وَجَعَلَهَا نَهْيًا عن الضِّدِّ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا وَنُقِلَ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ عن بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ وهو الذي حَكَاهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ عن الشَّيْخِ فقال ذَهَبَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ إنْ كان له ضِدٌّ وَاحِدٌ وَأَضْدَادُهُ إنْ كان ذَا أَضْدَادٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ يَعْنِي الشَّيْخَ شَرَطَ في ذلك أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لَا نَدْبًا قال وقد حُكِيَ عن الشَّيْخِ أَنَّهُ قال في بَعْضِ كُتُبِهِ إنَّ النَّدْبَ حَسَنٌ وَلَيْسَ

مَأْمُورًا بِهِ وَعَلَى هذا الْقَوْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ الْوُجُوبِ في الْأَمْرِ إذْ هو حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا ثُمَّ قال الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ من وُجُوبٍ وَنَدْبٍ قال وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الشَّيْخُ في ذلك شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مع وُجُوبِهِ مُضَيِّقًا مُسْتَحِقَّ الْعَيْنِ لِأَجْلِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسِّعَ ليس بِنَهْيٍ عن ضِدِّهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عن ضِدِّهِ وَضِدُّ الْبَدَلِ منه الذي هو بَدَلُ لَا ما إذَا كان أَمْرٌ على غَيْرِ وَجْهِ التَّخْيِيرِ انْتَهَى وَهَذَا الشَّرْطُ الثَّانِي قد سَبَقَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِهِ وقد ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِهِ فقال إذَا كان شَيْءٌ وَاحِدٌ مُضَيِّقٌ مُعَيَّنٌ لَا بَدَلَ له وَذَكَرَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ أَيْضًا فقال هذا في الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ على التَّنْصِيصِ لَا على التَّخْيِيرِ فإن الْأَمْرَ على التَّخْيِيرِ قد يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَذَكَرَ عبد الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ عن ضِدِّهِ إذَا كان الْمَأْمُورُ بِهِ مُضَيَّقَ الْوُجُوبِ بِلَا بَدَلٍ وَلَا تَخْيِيرٍ كَالصَّوْمِ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ نَهْيًا عن ضِدِّهِ كَالْكَفَّارَاتِ وَاحِدَةٌ منها وَاجِبَةٌ مَأْمُورٌ بها غَيْرُ مَنْهِيٍّ عن تَرْكِهَا لِجَوَازِ رَدِّهَا إلَى غَيْرِهَا كما في الْأَمْرِ وقد احْتَرَزَ الْقَاضِي عن هذا فقال الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَبَدَلِهِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ إنْ كان له بَدَلٌ فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُشْتَمِلُ على التَّخْيِيرِ انْتَهَى وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كان الْأَمْرُ يُوجِبُ تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ على الْفَوْرِ فَلَا بُدَّ من تَرْكِ ضِدِّهِ عَقِبَ الْأَمْرِ كما لَا بُدَّ من فِعْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ فَأَمَّا إذَا كان الْأَمْرُ على التَّرَاخِي فَلَا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عن ضِدِّهِ إذَا اقْتَضَى التَّحْصِيلَ على الْفَوْرِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَاسْتُشْكِلَ وَجْهُهُ الْمُوَسَّعُ إنْ لم يَصْدُقْ عليه أَنَّهُ وَاجِبٌ فَأَيْنَ الْأَمْرُ حتى يُسْتَثْنَى منه قَوْلُهُمْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ وَإِنْ صَدَقَ عليه وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ الْوَقْتِ عنه فَضِدُّهُ الذي يَلْزَمُ من فِعْلِهِ تَفْوِيتُهُ مَنْهِيٌّ عنه وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ الْأَمْرُ عليه انْقَدَحَ كَوْنُهُ نَهْيًا عن ضِدِّهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهِ كما قُلْنَا في الْمُخَيَّرِ

الثَّانِي ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هو في الضِّدِّ الذي هو الْأَمْرُ الْوُجُودِيُّ الذي هو من لَوَازِمِ نَقِيضِ الشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْأَمْرُ بِالْحَرَكَةِ هل هو نَهْيٌ عن نَفْسِ السُّكُونِ الذي هو ضِدٌّ أَمْ لَا هذا هو مَوْضِعُ الْخِلَافِ أَمَّا النَّقِيضُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هو عَيْنُ النَّهْيِ عن نَقِيضِهِ فإن الْحَرَكَةَ نَقِيضُ اللَّا حَرَكَةَ فَاللَّا حَرَكَةَ نَقِيضٌ وَلَيْسَ بِضِدٍّ بَلْ ضِدُّ الْحَرَكَةِ هو السُّكُونُ وَهَذَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ مُسَاوٍ لِنَقِيضِ الْحَرَكَةِ فإذا وُجِدَ الْأَمْرُ بِالْحَرَكَةِ فَهَذَا بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عن نَقِيضِهَا لِأَنَّ النَّهْيَ عن نَقِيضِهَا هو سَلْبٌ لِسَلْبِهَا وهو في نَفْسِهِ عِبَارَةٌ عن سَلْبِ الْحَرَكَةِ وَسَلْبُ سَلْبِ الْحَرَكَةِ هو نَفْسُ الْحَرَكَةِ لِأَنَّ سَلْبَ السَّلْبِ إثْبَاتٌ وَطَلَبُ سَلْبِ الْحَرَكَةِ هو طَلَبُ سَلْبِ نَفْسِ الْحَرَكَةِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالْحَرَكَةِ هو بِعَيْنِهِ نَهْيًا عن نَقِيضِهَا وهو سَلْبُ الْحَرَكَةِ الثَّالِثُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ إذَا لم يَقْصِدْ الضِّدَّ بِالنَّهْيِ فَإِنْ قَصَدَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فإن الضِّدَّ مِثْلُ هذه الصُّورَةِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ

النَّهْيُ هو اقْتِضَاءُ كَفٍّ عن فِعْلٍ فَالِاقْتِضَاءُ جِنْسٌ وكف مُخْرِجٌ لِلْأَمْرِ لِاقْتِضَائِهِ غير الْكَفِّ وَشَرَطَ ابن الْحَاجِبِ هُنَا على جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ كما شَرَطَهُ في الْأَمْرِ وقال الْقَرَافِيُّ لم يَذْكُرُوا الْخِلَافَ السَّابِقَ في الْأَمْرِ في اشْتِرَاطِ الْعُلُوِّ أو الِاسْتِعْلَاءِ هُنَا وَيَلْزَمُهُمْ التَّسْوِيَةُ بين الْبَابَيْنِ قُلْت قد أَجْرَاهَا ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَلَيْسَ من شَرْطِ النَّهْيِ كَرَاهَةُ الْمَنْهِيِّ عنه كما ليس من شَرْطِ الْأَمْرِ إرَادَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ اعْتَبَرُوا إرَادَةَ التَّرْكِ كما في الْأَمْرِ وَلِلنَّهْيِ صِيغَةٌ مُبَيِّنَةٌ له تَدُلُّ بِتَجْرِيدِهَا عليه وَهِيَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا تَفْعَلْ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ في الْأَمْرِ وقال الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ ليس له صِيغَةٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وإذا قُلْنَا له صِيغَةٌ فَفِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا وَنُسِبَ لِلْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَغَيْرَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ حَقِيقَةً لَا لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّهَا يَقِينٌ فَحُمِلَ عليه ولم يُحْمَلْ على التَّحْرِيمِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا وَعَزَاهُ أبو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ لِقَوْمٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ حَقِيقَةً كما أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَجَعُوا في التَّحْرِيمِ إلَى مُجَرَّدِ النَّهْيِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وما نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا وَهَذَا هو الذي عليه الْجُمْهُورُ وَتَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عليه فقال في الرِّسَالَةِ في بَابِ الْعِلَلِ في الْأَحَادِيثِ وما نهى عنه رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهُوَ على التَّحْرِيمِ حتى يَأْتِيَ دَلَالَةٌ على أنها إنَّمَا أَرَادَ بِهِ غير التَّحْرِيمِ وقال في الْأُمِّ في كِتَابِ صِفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ النَّهْيُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنْ كان ما نهى عنه فَهُوَ مُحَرَّمٌ حتى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ أَنَّهُ بِمَعْنَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَنَصَّ عليه في أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَيْضًا قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ إنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فإنه في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَيَّنَ الْقَوْلَ فيه وَهَذَا الذي قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ هو الذي دَلَّ عليه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ كما سَبَقَ فَنَقُولُ إنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ قَوْلًا وَاحِدًا حتى يَرِدَ ما يَصْرِفُهُ وَلَهُ في الْأَمْرِ

قَوْلَانِ وَعَلَى هذا فَهَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ من جِهَةِ اللُّغَةِ أَمْ من جِهَةِ الشَّرْعِ فيه وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ في الْأَمْرِ ثُمَّ الْمُرَادُ صِيغَةُ لَا تَفْعَلْ فَأَمَّا لَفْظُ ن هـ ى فإنه لِلْقَوْلِ الطَّالِبِ لِلتَّرْكِ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أو مَكْرُوهًا وقال ابن فُورَكٍ صِيغَتُهُ عِنْدَنَا لَا تَفْعَلْ وانته ( ( ( و ) ) ) واكفف ( ( ( انته ) ) ) وَنَحْوُهُ

وُرُودُ صِيغَةِ النَّهْيِ لِمَعَانٍ وَتَرِدُ صِيَغُهُ النَّهْيِ لِمَعَانٍ أَحَدُهَا لِلتَّحْرِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا الثَّانِي الْكَرَاهَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عليه وَمَثَّلَهُ الْهِنْدِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَيْ على عُقْدَةِ النِّكَاحِ وقد يَدُلُّ عليه السِّيَاقُ كَقَوْلِهِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تُنْفِقُونَ قال الصَّيْرَفِيُّ لِأَنَّهُ حَثَّهُمْ على إنْفَاقِ أَطْيَبِ أَمْوَالِهِمْ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عليهم إنْفَاقُ الْخَبِيثِ من التَّمْرِ أو الشَّعِيرِ من الْقُوتِ وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ ما فَوْقَهُ وَهَذَا إنَّمَا نَزَلَ في الْأَقْنَاءِ التي كانت تُعَلَّقُ في الْمَسْجِدِ فَكَانُوا يُعَلِّقُونَ الْحَشَفَ قال فَالْمُرَادُ بِالْخَبِيثِ هُنَا الْأَرْدَأُ وقد يَقَعُ على الْحَرَامِ كَقَوْلِهِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ وقد يُعَلَّلُ بِالتَّوَهُّمِ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا اسْتَيْقَظَ أحدكم من نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ في الْإِنَاءِ حتى يَغْسِلَهَا فإنه لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيٍّ في الْعَبْدِ إنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ قد أَمْسَكَ على نَفْسِهِ فَنَبَّهَهُ على مَظِنَّةِ الشُّبْهَةِ احْتِيَاطًا الثَّالِثُ الْأَدَبُ كَقَوْلِهِ وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ الرَّابِعُ التَّحْقِيرُ لِشَأْنِ الْمَنْهِيِّ عنه كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى ما مَتَّعْنَا بِهِ الْخَامِسُ التَّحْذِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ السَّادِسُ بَيَانُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا السَّابِعُ الْيَأْسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَعْتَذِرُوا الثَّامِنُ لِلْإِرْشَادِ إلَى الْأَحْوَطِ بِالتَّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَسْأَلُوا عن أَشْيَاءَ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا قال الرَّافِعِيُّ في بَابِ الْهِبَةِ قال الْأَئِمَّةُ هذا إرْشَادٌ مَعْنَاهُ لَا تُعْمِرُوا طَمَعًا في أَنْ يَعُودَ إلَيْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ التَّاسِعُ اتِّبَاعُ الْأَمْرِ من الْخَوْفِ كَقَوْلِهِ وَلَا تَخَفْ إنَّك من الْآمَنِينَ الْعَاشِرُ الدُّعَاءُ كَقَوْلِهِ لَا تَكِلْنَا إلَى أَنْفُسِنَا الْحَادِيَ عَشَرَ الِالْتِمَاسُ كَقَوْلِك لِنَظِيرِك لَا تَفْعَلْ هذا الثَّانِيَ عَشَرَ التَّهْدِيدُ كَقَوْلِك لِمَنْ لَا يَمْتَثِلُ أَمْرَك لَا تَمْتَثِلْ أَمْرِي الثَّالِثَ عَشَرَ الْإِبَاحَةُ وَذَلِكَ في النَّهْيِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فإنه إبَاحَةٌ لِلتَّرْكِ الرَّابِعَ عَشَرَ الْخَبَرُ وَمَثَّلَهُ الصَّيْرَفِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَنْفُذُونَ إلَّا بِسُلْطَانٍ فَالنُّونُ في تَنْفُذُونَ جُعِلَ خَبَرًا لَا نَهْيًا يَدُلُّ على عَجْزِهِمْ عن قُدْرَتِهِمْ وَلَوْلَا النُّونُ لَكَانَ نَهْيًا وَأَنَّ لهم قُدْرَةً كَفَّهُمْ عنها النَّهْيُ وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ لَا رَيْبَ فيه أَيْ لَا تَرْتَابُوا فيه على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لم يَنْهَهُمْ عن الْمَوْتِ في وَقْتٍ لِأَنَّ ذلك ليس إلَيْهِمْ وقَوْله تَعَالَى الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أو مُشْرِكَةً لَفْظُهُ الْخَبَرُ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ لَا تَنْكِحُوا وَلَيْسَتْ حَقِيقَةً في الْكُلِّ اتِّفَاقًا بَلْ في الْبَعْضِ وهو إمَّا تَحْرِيمٌ فَقَطْ وَإِمَّا الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَإِمَّا هو مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أو هِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَقْوَالٌ وَالْأَوَّلُ مَعْنَوِيٌّ وَالثَّانِي لَفْظِيٌّ أو لَا يُدْرَى حَالُ هذه الْأَقْسَامِ مع أَنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عنها أو الْوَقْفُ على ما سَبَقَ في الْأَمْرِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ الْقَوْلَ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا وَرَأَيْت من يُنْكِرُهُ عليه وَإِنَّمَا قال الْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ إنَّ من حَمَلَ الْأَمْرَ على الْإِبَاحَةِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ حَمَلَ هذا على رَفْعِ الْحَرَجِ في تَرْكِ الْفِعْلِ وقال أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ لم أَقِفْ على الْخِلَافِ في حُكْمِ النَّهْيِ كما في الْأَمْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ في النَّهْيِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ في الْأَمْرِ فَمَنْ قال بِالْوَقْفِ ثَمَّ يقول بِهِ هُنَا وَمَنْ قال بِالْإِبَاحَةِ ثَمَّ يقول بِالْإِبَاحَةِ هُنَا وهو إبَاحَةُ الِانْتِهَاءِ وَمَنْ قال بِالنَّدْبِ هُنَاكَ يُنْدِبُ الِانْتِهَاءَ هُنَا وَمَنْ قال بِالْوُجُوبِ ثَمَّ يقول بِهِ هَاهُنَا وقال الْبَزْدَوِيُّ إنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قالوا بِالنَّدْبِ في بَابِ الْأَمْرِ وفي النَّهْيِ قالوا بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْدُوبُ وَالْوَاجِبُ في اقْتِضَاءِ الْحُسْنِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ النَّهْيِ فإنه يَقْتَضِي قُبْحَ الْمَنْهِيِّ عنه وَالِانْتِهَاءُ عن الْقَبِيحِ وَاجِبٌ فَأَمَّا

إتْيَانُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِهَذَا فَرَّقُوا يَجِيءُ النَّفْيُ في مَعْنَى النَّهْيِ وقد يَجِيءُ النَّفْيُ في مَعْنَى النَّهْيِ وَيَخْتَلِفُ حَالُهُ بِحَسَبِ الْمَعَانِي منها أَنْ يَكُونَ نَهْيًا وَزَجْرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ما كان لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ من الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَعْجِيزًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ما كان لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَنْزِيهًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ما كان لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ من وَلَدٍ ذَكَرَهُ ابن عَطِيَّةَ في سُورَةِ مَرْيَمَ مَسْأَلَةٌ مُفَارَقَةُ الْأَمْرِ لِلنَّهْيِ في الدَّوَامِ وَالتَّكْرَارِ النَّهْيُ يُفَارِقُ الْأَمْرَ في الدَّوَامِ وَالتَّكْرَارِ فإن في اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ التَّكْرَارَ خِلَافًا مَشْهُورًا وَهَا هُنَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ منهم الصَّيْرَفِيُّ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ بِأَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَالدَّوَامَ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ فيه الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وابن بَرْهَانٍ وَكَذَا قَالَهُ أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ وَأَمَّا الْخِلَافُ في أَنَّ الْأَمْرَ هل يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا فَلَا يُتَصَوَّرُ مَجِيئُهُ في النَّهْيِ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ عن النَّهْيِ مِمَّا يَسْتَغْرِقُ الْعُمُرَ إنْ كان مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا انْتِهَاءَ إلَّا بِعَدَمِ الْمَنْهِيِّ عنه من قِبَلِهِ وَلَا يَتِمُّ الِانْعِدَامُ من قِبَلِهِ إلَّا بِالثُّبُوتِ عليه قبل الْفِعْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُسْتَمِرَّ له حَدٌّ يُعْرَفُ وُجُودُهُ بِحَدِّهِ ثُمَّ يُتَصَوَّرُ التَّكْرَارُ بَعْدَهُ وقال الْمَازِرِيُّ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الِاتِّفَاقَ على أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لِلْأَزْمِنَةِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ لَكِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ حَكَى قَوْلًا أَنَّهُ كَالْأَمْرِ في اقْتِضَائِهِ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ ولم يُسَمِّ من ذَهَبَ إلَيْهِ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْأَمْرِ في أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وقال أبو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ في كِتَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ النَّهْيُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ في قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَسَمِعْت فيه وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الِاجْتِنَابَ عن الْفِعْلِ في الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ حِكَايَتُهُ لِضَعْفِهِ وَسُقُوطِهِ انْتَهَى وقال ابن عَقِيلٍ في الْوَاضِحِ النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وقال الْقَاضِي أبو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ لَا يَقْتَضِيهِ وَهَذَا النَّقْلُ عن الْقَاضِي يُخَالِفُهُ نَقْلُ الْمَازِرِيُّ وهو الصَّوَابُ

وَمِمَّنْ نَقَلَ الْخِلَافَ في الْمَسْأَلَةِ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ في الْمَحْصُولِ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كما لَا يَقْتَضِيهِ في الْأَمْرِ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَعَنْ بَعْضِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْكَفَّ عَقِبَ لَفْظِ النَّهْيِ فَتَحَصَّلْنَا فيه على مَذَاهِبَ يَقْتَضِيهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَقْتَضِيهِ بَلْ يُوقَفُ إلَى الدَّلِيلِ من خَارِجٍ وهو الْمَنْقُولُ عن الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَاخْتَارَهُ في الْمَحْصُولِ وَيَجِيءُ مِمَّا سَبَقَ في الْأَمْرِ مَذْهَبٌ آخَرُ بِالتَّفْصِيلِ من أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَطْعِ الْوَاقِعِ فَلِلْمَرَّةِ كَقَوْلِك لِلْمُتَحَرِّكِ لَا تَتَحَرَّكْ وَإِنْ رَجَعَ إلَى اتِّصَالِ الْوَاقِعِ وَاسْتِدَامَتِهِ فَلِلدَّوَامِ كَقَوْلِك لِلْمُتَحَرِّكِ لَا تَسْكُنْ أَمَّا النَّهْيُ الْمُقَيَّدُ بِشَرْطٍ أو صِفَةٍ فَالْخِلَافُ السَّابِقُ في الْأَمْرِ في اقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ يَأْتِي هُنَا فَمَنْ قال النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِهِ التَّكْرَارَ وَالدَّوَامَ قال بِهِ هَاهُنَا قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وهو آكَدُ من مُطْلَقِهِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ لِأَنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ التَّكْرَارُ فَالْمُعَلَّقُ على الشَّرْطِ أَوْلَى وقال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ النَّهْيُ الْمُقَيَّدُ بِشَرْطٍ أو صِفَةٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِخِلَافِ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَهُ بِوَصْفٍ صَارَ مَغْلُوبًا على الِاعْتِمَادِ مُخْتَصًّا بِهِ فَلَوْ اقْتَضَى التَّكْرَارَ مع فَهْمِ تَعَدُّدِهِ كان كَالْأَمْرِ وَحَكَى صَاحِبُ الْوَاضِحِ عن أبي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ فَرَّقَ بين النَّهْيِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ وَبَيْنَ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ فَحَمَلَ الْمُطْلَقَ على التَّأْبِيدِ وَفَصَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ وَحَمَلَ النَّهْيَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ على أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ وَمَثَّلَهُ بِالسَّيِّدِ إذَا قال لِعَبْدِهِ لَا تَسْقِنِي الْمَاءَ إذَا دخل زَيْدٌ الدَّارَ فَدَخَلَ زَيْدٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَفَى وَلَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ من سَقْيِهِ كُلَّ دَفْعَةٍ يَدْخُلُ زَيْدٌ الدَّارَ مَسْأَلَةٌ إذَا قُلْنَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ فَتَقَدُّمُ صِيغَةِ الْأَمْرِ هل يُغَيِّرُهُ فيه طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُهُ وَإِنْ جَرَى الْخِلَافُ في الْأَمْرِ وَبِهِ قال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيُّ في الْمَنْخُولِ وَحَكَيَا الْإِجْمَاعَ على ذلك وَالثَّانِي طَرْدُ خِلَافِ الْأَمْرِ وقد حَكَى الطَّرِيقِينَ ابن فُورَكٍ وقال الْأَشْبَهُ التَّسْوِيَةُ وَمَنَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ وَطَرَدَ الْوَقْفَ هُنَا بِنَاءً على اعْتِقَادِهِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ أَحَدُ مَحَامِلِ افْعَلْ بِخِلَافِ لَا تَفْعَلْ

مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْكَفَّ على الْفَوْرِ على الْمَشْهُورِ قالوا وَلَا يُتَصَوَّرُ مَجِيءُ خِلَافِ الْأَمْرِ هُنَا قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ إنَّهُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ بِلَا خِلَافٍ على الْمَذْهَبِ وَحَكَى ابن عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ عن الْقَاضِي أبي بَكْرٍ أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وقال ابن فُورَكٍ يَجِيءُ الْخِلَافُ إنْ قُلْنَا الْأَمْرُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِظَاهِرِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَكَرَّرُ بِظَاهِرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَالْقَوْلُ فيه كَالْقَوْلِ في الْأَمْرِ وقال الْإِمَامُ الرَّازِيَّ إنْ قُلْنَا النَّهْيُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهُوَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِلَّا فَلَا وَنَازَعَهُ النَّقْشَوَانِيُّ وَالْأَصْفَهَانِيُّ وَقَالَا بِنَاءُ الْفَوْرِ على وُجُوبِ التَّكْرَارِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا بِنَاءُ عَدَمِ وُجُوبِ الْفَوْرِ على عَدَمِ اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ فَمُشْكِلٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْتَضِيَ التَّكْرَارَ وَيَقْتَضِيَ الْفَوْرَ مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ عن وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ سَبَقَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ على الْأَصَحِّ وَأَنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ إنْ كان له ضِدٌّ وَاحِدٌ كَالصَّوْمِ في الْعِيدَيْنِ وَالْفِطْرِ وَإِنْ كان له أَضْدَادٌ فَهُوَ أَمْرٌ بِوَاحِدٍ منها وَسَبَقَ في الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا في النَّهْيِ عن وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ نَحْوُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا أو عَمْرًا فإن النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ له فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عنهما وَلَا يَجُوزُ بِهِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا بِنَاءً على أَنَّ أو في النَّهْيِ تَقْتَضِي الْجَمْعَ دُونَ التَّخْيِيرِ فإذا قال لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا أو عَمْرًا فَعَلَى مَذْهَبِنَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ على الِانْفِرَادِ وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجُوزُ مَسْأَلَةٌ الِاخْتِلَافُ في مَعْنَى لَا تَقُمْ اخْتَلَفُوا في مَعْنَى قَوْلِك لَا تَقُمْ فَذَهَبَ كَثِيرٌ من الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ مِنْك قِيَامٌ فَ لَا حَرْفُ نَهْيٍ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمَصْدَرِ بِوَاسِطَةِ إشْعَارِ الْفِعْلِ بِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي

وقال قَائِلُونَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ مَطْلُوبًا لَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وَلَا بِفِعْلِ عَدَمٍ مَحْضٍ ليس بِشَيْءٍ وَلَا يَصِحُّ الْإِعْدَامُ بِالْقُدْرَةِ ذَكَرَ هذه الْمَسْأَلَةَ كَذَا ابن الْأَنْبَارِيِّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ قال وَالنَّظَرُ فيها يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ عن مُتَعَلَّقِ التَّكْلِيفِ مَسْأَلَةٌ الْمُكَلَّفُ بِهِ في النَّهْيِ لَا خِلَافَ في أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ في الْأَمْرِ الْفِعْلُ وَاخْتُلِفَ في الْمُكَلَّفِ بِهِ في النَّهْيِ هل الْمُكَلَّفُ بِهِ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عنه أو عَدَمُ الْفِعْلِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَعْنَى لَا تَزْنِ عِنْدَهُمْ تَلَبُّسُ ضِدٍّ من أَضْدَادِ الزِّنَى أَيْ افْعَلْ فِعْلًا غَيْرَهُ مُبَاحًا أَيَّ فِعْلٍ كان وقال أبو هَاشِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلْ الزِّنَى من غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلضِّدِّ حتى لو خَلَا عن الْمَأْمُورِ وَعَنْ كل تَرْكٍ له اسْتَحَقَّ الذَّمَّ على أَنَّهُ لم يَفْعَلْ قال الْقَاضِي وَلَمَّا بَاحَ بهذا خَالَفَهُ أَصْحَابُنَا من الْمُعْتَزِلَةِ وَقَالُوا ما زِلْت مُنْكِرًا على الْجَبْرِيَّةِ إثْبَاتَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ على ما ليس بِخَلْقٍ لهم وَلَيْسَ بِفِعْلٍ لهم على التَّحْقِيقِ ثُمَّ صِرْت إلَى ثُبُوتِ الذَّمِّ من غَيْرِ إقْدَامٍ على فِعْلٍ وَسُمِّيَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أبو هَاشِمٍ الذِّمِّيُّ حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَ بِالذَّمِّ الْمَعْدُومَ وَهَذَا يَهْدِمُ جُمْلَةَ قَوَاعِدِهِ في التَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّظَرَ هل هو إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ فيه إلَّا الْعَدَمُ فإذا قال لَا تَتَحَرَّكْ فَعَدَمُ الْحَرَكَةِ هو مُتَعَلَّقُ النَّهْيِ أو يُلَاحَظُ أَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا وُضِعَ لِمَا هو مَقْدُورٌ مِمَّا ليس بِمَقْدُورٍ وَلَا يُطْلَبُ عَدَمُهُ وَالْعَدَمُ نَفْيٌ صِرْفٌ فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ طَلَبٌ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالضِّدِّ فَالْجُمْهُورُ لَحَظُوا الْمَعْنَى وأبو هَاشِمٍ لَحَظَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ في الِاعْتِبَارِ من صُورَةِ اللَّفْظِ وَنَقَلَ التَّبْرِيزِيُّ عن الْغَزَالِيِّ مُوَافَقَةَ أبي هَاشِمٍ وهو مَعْذُورٌ في ذلك فإنه قال في الْمَنْخُولِ قُبَيْلَ بَابِ الْعُمُومِ وَأَمَّا التُّرُوكُ فَعِبَارَةٌ عن أَضْدَادِ الْوَاجِبَاتِ كَالْقُعُودِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ ثُمَّ بَعْضُ تَرْكِ الْقِيَامِ لَا بِالْقُعُودِ وَوَافَقَنَا عليه أبو هَاشِمٍ الذِّمِّيُّ من حَيْثُ إنَّهُ عَلَّقَ الذَّمَّ بِالْمَعْدُومِ انْتَهَى وَهَذَا النَّقْلُ عن أبي هَاشِمٍ مَرْدُودٌ فإن من أُمِرَ بِالْقِيَامِ فلم يَمْتَثِلْ عَصَى عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ لم يَفْعَلْ الْقِيَامَ لَا لِكَوْنِهِ فَعَلَ التَّرْكَ وَكَوْنُهُ لم يَفْعَلْ نَفْيٌ لَا حَقِيقَةَ له وَعَلَيْهِ

يُذَمُّ وَلِهَذَا سُمِّيَ الذِّمِّيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُسْتَصْفَى في هذه الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ بين التَّرْكِ الْمُجَرَّدِ الْمَقْصُودِ لِنَفْسِهِ من غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ معه ضِدَّهُ بِالْمُكَلَّفِ فيه بِالْفِعْلِ كَالصَّوْمِ فَالْكَفُّ منه مَقْصُودٌ وَلِهَذَا وَجَبَ فيه النِّيَّةُ وَبَيْنَ التَّرْكِ الْمَقْصُودِ من جِهَةِ إيقَاعِ ضِدِّهِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْمُكَلَّفُ فيه بِالضِّدِّ وَتَبِعَهُ الْعَبْدَرِيُّ في شَرْحِهِ قال وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هل التَّرْكُ مَقْدُورٌ لِلْعَبْدِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ كَالْفِعْلِ أَمْ لَا قال وَهِيَ حِينَئِذٍ كَلَامِيَّةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْبَحْثِ في أَنَّهُ مَقْدُورٌ أَمْ لَا على هذه لَكِنَّهُمْ لم يَنْظُرُوا إلَّا لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ في الشَّرْعِ وقال بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّحْرِيرُ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ الْمَطْلُوبُ في النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ وَيَلْزَمُ من الِانْتِهَاءِ فِعْلُ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عنه وَلَا يُعْكَسُ فقال الْمَطْلُوبُ ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عنه وَيَلْزَمُ منه الِانْتِهَاءُ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ في الرُّتْبَةِ في الْفِعْلِ على فِعْلِ الضِّدِّ فَكَانَ معه كَالسَّبَبِ مع الْمُسَبَّبِ فَالِانْتِهَاءُ وَفِعْلُ الضِّدِّ في زَمَانٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ الِانْتِهَاءَ مُتَقَدِّمٌ بِالرُّتْبَةِ تَقَدُّمَ الْعِلَّةِ على الْمَعْلُولِ حتى لو فُرِضَ أَنَّ الِانْتِهَاءَ يَحْصُلُ بِدُونِ فِعْلِ الضِّدِّ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ بِهِ ولم يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى فِعْلِ الضِّدِّ لَكِنَّ ذلك فَرْضٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ إنَّمَا هو الِانْتِهَاءُ وَأَمَّا فِعْلُ الضِّدِّ فَلَا يُقْصَدُ إلَّا بِالِالْتِزَامِ بَلْ قد لَا يُقْصَدُ أَصْلًا وَلَا يَسْتَحْضِرُ الْمُتَكَلِّمُ وَمَتَى قَصَدَ فِعْلَ الضِّدِّ وَطَلَبَهُ من حَيْثُ هو كان أَمْرًا لَا نَهْيًا عن ضِدِّهِ وَعَلَى هذا يَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا قَوْلُ أبي هَاشِمٍ إنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْسُ لَا تَفْعَلْ فَهُوَ وَإِنْ تَبَادَرَ إلَى الذِّهْنِ من جِهَةِ أَنَّ حَرْفَ النَّهْيِ وَرَدَ على الْفِعْلِ فَقَدْ طَلَبَ منه عَدَمَهُ لَكِنَّ نَفْسَ أَنْ لَا تَفْعَلَ عَدَمٌ مَحْضٌ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلَا يُطْلَبُ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ من الْمُكَلَّفِ ما له قُدْرَةٌ على تَحْصِيلِهِ فَلَعَلَّ مُرَادَ أبي هَاشِمٍ الذي هو من الِانْتِهَاءِ وَالِانْتِهَاءُ فِعْلٌ فَإِنْ أَرَادَ ذلك تَقَارَبَ الْمَذْهَبَانِ وَيَكُونُ الْجُمْهُورُ نَظَرُوا إلَى حَقِيقَةِ ما هو مُكَلَّفٌ بِهِ وأبو هَاشِمٍ نَظَّرَ إلَى الْمَقْصُودِ بِهِ وهو إعْدَامُ دُخُولِ الْمَنْهِيِّ عنه في الْوُجُودِ وَإِنْ لم يَرُدَّ أبو هَاشِمٍ ذلك وَأَرَادَ أَنَّ الْعَدَمَ الصِّرْفَ الذي لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ في تَحْصِيلِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ الْفَرْقُ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ سَأَلُوا الْفَرْقَ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ هو مَعْنَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُ الضِّدِّ وَمَعْنَى أَنَّهُ ليس أَمْرًا بِضِدِّهِ هو أَنَّ الْمَطْلُوبَ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عنه فَالْمَسْأَلَتَانِ وَاحِدَةٌ وَأَجَابَ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ في تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ وفي هذه مَعْنَوِيٌّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَفْظًا أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَعْنَوِيَّ مَأْمُورٌ بِهِ على ما قَالَهُ فَيَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ وقال الْقَرَافِيُّ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَنَا النَّهْيُ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ بَحْثٌ في الْمُتَعَلِّقَاتِ بِكَسْرِ اللَّامِ فإن النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْهِيِّ عنه وَالْأَمْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُورِ وَقَوْلُنَا الْمَطْلُوبُ في النَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ بَحْثٌ في الْمُتَعَلَّقَاتِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا وَإِنْ تَغَايَرَا لَكِنَّهُ تَغَايُرٌ صُورِيٌّ وَلَا يَلْزَمُ منه عَدَمُ تَدَاخُلِ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ في الْأُخْرَى الثَّانِي أَنَّ الْبَحْثَ في تِلْكَ من جِهَةِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ أَيْ أَنَّهُ من نهى عن الشَّيْءِ مُطَابَقَةً دَلَّ على طَلَبِ ضِدِّهِ الْتِزَامًا وَالْبَحْثُ في هذه من جِهَةِ دَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ فما مَدْلُولُهُمَا الْمُطَابِقُ هل هو الْعَدَمُ أو ضِدُّهُ قِيلَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَلَامَ في الْمَسْأَلَتَيْنِ في الِالْتِزَامِ لَا الْمُطَابَقَةِ على ما سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْمَطْلُوبُ بِالنَّهْيِ فِعْلُ الضِّدِّ مُرَادُهُمْ بِهِ الضِّدُّ الْعَامُّ وهو الِانْتِهَاءُ الْحَاصِلُ بِوَاحِدٍ من الْأَضْدَادِ الْمَنْهِيِّ عنه وَقَوْلُهُ النَّهْيُ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ قد بَيَّنُوا أَنَّهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ مُرَادٌ بِهِ الضِّدُّ الْخَاصُّ وهو أَحَدُ الْأَضْدَادِ الذي يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِهَاءُ أو بِغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادُوا الضِّدَّ الْعَامَّ لَزِمَ من كُلٍّ من الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَكِنْ لَا يَكُونُ تَكْرَارًا بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ وَإِنْ لَزِمَ من مَعْرِفَةِ إحْدَاهُمَا حُكْمُ الْأُخْرَى فَلَا يَضُرُّ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ السُّؤَالُ لو كَانُوا وَضَعُوا مَسْأَلَةَ النَّهْيُ عن الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أو لَا وَلَيْسَ ذلك في الْمَحْصُولِ بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ وَتَكَلَّمَ غَيْرُهُ في أَنَّ النَّهْيَ عن

الشَّيْءِ هل هو أَمْرٌ بِضِدِّهِ التَّنْبِيهُ الثَّانِي عُلِمَ من كَلَامِهِمْ فَرْضُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كان لِلْمَنْهِيِّ عنه ضِدٌّ وُجُودِيٌّ يُفْهَمُ فَإِنْ لم يَكُنْ كَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُنْهَى عن شَيْءٍ لَا يُفْهَمُ غَيْرُ تَرْكِ ذلك الشَّيْءِ نَحْوُ لَا تَفْعَلْ فَلَا يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ إلَّا على الْقَوْلِ بِالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ مَسْأَلَةٌ النَّهْيُ عن مُتَعَدِّدٍ النَّهْيُ عن مُتَعَدِّدٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عن الْجَمْعِ أَعْنِي الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ دُونَ الْمُفْرَدَاتِ كَالنَّهْيِ عن نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ وَكَالْحَرَامِ الْمُخَيَّرِ عِنْدَنَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيًا على الْجَمِيعِ أَيْ عن كُلٍّ سَوَاءٌ كان مع صَاحِبِهِ أو مُنْفَرِدًا كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ فَالنَّهْيُ على الْجَمِيعِ مَعْنَاهُ على الْجَمْعِ في النَّهْيِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عنه لَا تَفْعَلْ هذا وَلَا ذَاكَ وَالنَّهْيُ عن الْجَمْعِ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْبَدَلِ لَا تَفْعَلْ هذا إنْ فَعَلْت ذلك فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَعَنْ الْبَدَلِ النَّهْيُ عن أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ بَدَلًا وَيُفْهَمَ منه النَّهْيُ عن أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ بين النَّهْيِ عن الْجَمْعِ وَالنَّهْيِ على الْجَمْعِ بِأَنَّ النَّهْيَ على الْجَمْعِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا النَّهْيُ عن الْجَمْعِ من فِعْلِهِمَا مَعًا بِقَيْدٍ الْجَمْعِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ منه الْمَنْعُ من أَحَدِهِمَا إلَّا مع الْجَمْعِيَّةِ فَيُمْكِنُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَالنَّهْيُ عن الْجَمْعِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الِانْفِكَاكِ عن الشَّيْئَيْنِ وَالنَّهْيُ على الْجَمْعِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِ الْخُلُوِّ عن الشَّيْئَيْنِ فَالنَّهْيُ على الْجَمْعِ مَنْشَؤُهُ أَنْ يَكُونَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَفْسَدَةٌ تَسْتَقِلُّ بِالْمَنْعِ وَالنَّهْيُ عن الْجَمْعِ حين تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ نَاشِئَةً عن اجْتِمَاعِهِمَا

مسألة
اقتضاء النهي للفساد
إذا ثبت أن النهي للتحريم فهل يقتضي الفساد اعلم أن النهي عن الشيء على قسمين أحدهما أن يكون لغيره وهو ضربان أحدهما ما نهي عنه لمعنى جاوزه

جمعا كالبيع وقت النداء للاشتغال عن السعي إلى الجمعة بعدما لزم وهو معنى تجاوز المبيع وكالصلاة في الدار المغصوبة والثاني ما نهي عنه لمعنى اتصل به وصفا ويعبر عنه بالنهي عن الشيء لوصفه اللازم له كالزنى فإنه قبح لعدم شرط المماثلة الذي علق الجواز به شرعا وكصوم يوم النحر وأيام التشريق فإنه لمعنى اتصل بالوقت الذي هو محل الأداء وصفا وهو أنه يوم عيد فأما الضرب الأول فلا يقتضي الفساد عند الشافعي والجمهور سواء كان في العبادات كالصلاة في الدار المغصوبة والثوب الحرير أو في العقود كالنهي عن البيع على بيع أخيه وبيع الحاضر للبادي وغيره وقال الآمدي لا خلاف أنه لا يقتضي الفساد إلا ما نقل عن مالك وأحمد قلت هو المشهور عند الحنابلة وداود وعزي إلى أبي هاشم وغيره وسوى أبو زيد الدبوسي في كتابه التقويم بين هذا القسم والذي بعده فقال فيهما دليلان على كون المنهي عنه غير مشروع لأن القبح ثابت في غير المنهي عنه فلم يوجب رفع المنهي عنه بسبب القبح في غيره هذا مذهب علمائنا انتهى وأما الثاني ففيه مذاهب أحدهما وهو المختار أنه يفيد الفساد شرعا كالمنهي عنه لعينه الثاني لا يفيده وعزاه ابن الحاجب للأكثرين وثالثها وهو قول الحنفية أنه يدل على فساد ذلك الوصف لا فساد المنهي عنه وهو الأصل لكونه مشروعا بدون الوصف وبنوا على هذا ما لو باع درهما بدرهمين ثم طرحا الزيادة أنه يصح العقد قال الشافعي والنهي عن الشيء لوصفه يضاد وجوب أصله قال ابن الحاجب أراد أنه يضاده ظاهره لا قطعا وإلا لورد عليه نهي الكراهة كالنهي عن الصلاة في أعطان الإبل والأماكن المكروهة فإنه يلزمه حينئذ إذا كان يضاد الوجوب الأصل أن لا تصح الصلاة وليس كذلك فإذا قيل إنه يضاد ظاهرا فقد ترك في هذه المواضع الظاهر لدليل راجح وفي كلام ابن الحاجب ما يقتضي اختيار ذلك أعني أنه يدل على الفساد ظاهرا لا قطعا وقيده البيضاوي في توضيحه بالتحريم فقال قال الشافعي حرمة الشيء لوصفه تضاد وجوب أصله وهذا تقييد حسن لا يحتاج معه أن يقول ظاهره إذا جعل ذلك مختصا

بالنهي المحرم كما نص عليه الشافعي فلا ترد الكراهة واعلم أن حقيقة هذا الخلاف بيننا وبين الحنفية ترجع إلى مسألة أخرى وهي أن الشارع إذا أمر بشيء مطلقا ثم نهى عنه في بعض أحواله هل يقتضي ذلك النهي إلحاق شرط المأمور به حتى يقال إنه لا يصح بدون ذلك الشرط ويصير الفعل الواقع بدونه كالعدم كما في الفعل الذي اختل منه شرطه الثابت بشرطيته بدليل آخر أم لا يكون كذلك مثاله الأمر بالصوم والنهي عن إيقاعه يوم النحر والأمر بالطواف والنهي عن إيقاعه في حال الحيض وغيره فالشافعي والجمهور قالوا النهي على هذا الوجه يقتضي الفساد وإلحاق شرط بالمأمور به لا يثبت صحته بدونه وذهب الحنفية إلى تخصيص الفساد بالوصف المنهي عنه دون الأصل المتصف به حتى لو أتى به المكلف على الوجه المنهي عنه يكون صحيحا بحسب الأصل فاسدا بحسب الوصف إن كان ذلك النهي نهي فساد وإلا فمجرد النهي عنده لا يدل على الفساد بل على الصحة كما إذا نذر صوم يوم النحر ينعقد نذره عندهم ويجب عليه إيقاعه في غير يوم النحر فإن أوقعه فيه كان ذلك محرما ويقع عن نذره وكذلك يحرم على الحائض الطواف ويجزئها عن طواف الفرض حتى يقع به التحلل وإذا باع درهما بدرهمين بطل العقد في الدرهم الزائد وصح في القدر المساوي وهذا معنى قولهم صحيح بأصله فاسد بوصفه وبالغوا في التخريج على هذه القاعدة حتى قالوا إن الزنى يترتب عليه حرمة المصاهرة من أم المزني بها وبنتها وإن الكفار إذا استولوا على أموال المسلمين ملكوها والحق أن هذا ليس من هذه المسألة لأن الزنى والاستيلاء من الأفعال الحسية ولا خلاف عندهم أن النهي عن الأفعال الحسية لانتفاء المشروعية ولهذا لم يقل أحد بمشروعية الزنى والغصب ولهم في ذلك مأخذان أحدهما أن المنهي عنه في يوم النحر هو إيقاع الصوم لا الصوم الواقع وهما مفهومان متغايران فلا يلزم من تحريم الإيقاع تحريم الواقع كما لا يلزم من تحريم الكون في الدار المغصوبة تحريم نفس الصلاة لتغاير المفهومين الثاني أن النهي يستلزم تصور حقيقة الشرعية ويقتضي ذلك الصحة والنهي عنه قبح لذاته وذلك قائم بالوصف لا بالفعل فيجب العمل بمقتضى الأصلين وقال الشافعي المعصية والصحة متنافيان لأن معنى الصحة ترتب الآثار

المشروعة على الشيء فلا يجتمع المشروعية والمعصية في ذات واحدة بالنسبة إلى شيء واحد ولهذا قال الشافعي النكاح أمر حمدت عليه والزنى أمر ذممت عليه ولم يجز أن يحمل أحدهما على الآخر ولا يرد وطء البهيمة والجارية المشتركة لأنهما لا يوصفان بالتحريم من كل وجه وقد أورد على قولنا أن النهي عن التصرفات الشرعية يقتضي رفع المشروعية بالكلية كالظهار فإنه تصرف منهي عنه محرم وقد انعقد سببا للكفارة التي هي عبادة أجيب بأن كلامنا في الحكم المطلوب شرعا المتعلق بسبب مشروع كالبيع للملك والنكاح للحل أنه هل يبقى سببا لذلك الحكم بعد ورود النهي عنه أم لا أما الظهار فليس بتصرف موضوع لحكم مطلوب شرعا بل هو حرام والكفارة وصالحا لإيجاب الجزاء بل يخصه كمادة القتل القسم الثاني أن يكون لعينه كبيع الملاقيح والمضامين فإن البيع مقابلة مال بمال والماء في الصلب والرحم لا مالية فيه هذا معنى كون الشيء منهيا عنه لعينه وليس معناه أنه نهى عنه غير مقيد بقيد نحو لا تصم ولا تبع كما فهم القطب الشيرازي وفيه مذاهب أحدها أن يدل على الفساد مطلقا سواء كان المنهي عبادة أو معاملة ولا يحمل على الصحة مع التحريم إلا بدليل وهو رأي الجمهور من أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأهل الظاهر وطائفة من المتكلمين كما نقله القاضي في مختصر التقريب وابن فورك والأستاذ أبو منصور وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني مذهبنا الذي نص عليه الشافعي وأكد القول فيه في باب البحيرة والسائبة أن النهي إذا ورد متجردا اقتضى فساد الفعل المنهي عنه وبه قال مالك وأبو حنيفة وداود وأهل الظاهر وكافة أهل العلم انتهى وكلامه في مواضع من الرسالة يدل عليه ومن تأمل استدلاله بالآيات والحديث علم ذلك كاحتجاجه في النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة وقال في موضوع منها وكل نكاح خلا عن الولي والشهود والرضى من المنكوحة الثيب كان فاسدا وذكر مثل ذلك في النهي عن بيع الغرر وقال ابن السمعاني إنه الظاهر من مذهب الشافعي وأن عليه أكثر الأصحاب وقال ابن فورك والقاضي أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق إنه قول أكثر

أصحابنا وأكثر الحنفية وقال القاضي عبد الوهاب إنه مذهب مالك قيل ولهذا إنما يفيد العقود عند الشافعي ومالك إذا وقعت على وفق الشرع أي إذا استجمعت الشروط الشرعية وقال أبو زيد الدبوسي في التقويم إنه قول علمائهم لأن القبيح لعينه لا يشرع لعينه وقال سواء قبح لعينه وضعا أو شرعا كالنهي عن بيع الملاقيح والصلاة بغير طهارة فالبيع في نفسه مما يتعلق به المصالح ولكن الشرع لما قصر محله على مال متقوم حال العقد والماء قبل أن يخلق منه الحيوان ليس بمال صار بيعه عبثا بحلوله في غير محله والثاني لا يدل عليه أصلا ويحتاج الفساد إلى دليل غير النهي وهو قول الأشعري والقاضيين أبي بكر وعبد الجبار وحكاه في المعتمد عن أبي الحسن الكرخي وأبي عبد الله البصري وعبد الجبار قال وذكر أنه ظاهر مذهب شيوخنا المتكلمين انتهى زاد ابن برهان أبا علي وأبا هاشم الجبائيين واختاره من أصحابنا القفال الشاشي وأبو جعفر السمناني والغزالي وحكاه القاضي عن جمهور المتكلمين وإلكيا الطبري عن أكثر الأصوليين وصاحب المحصول عن أكثر الفقهاء والآمدي عن المحققين قال الشيخ أبو إسحاق وللشافعي كلام يدل عليه ولهذا قال المازري أصحاب الشافعي يحكون عنه القولين ونص الغزالي على أن الاعتماد على فساده إنما هو اعتماد الشرع على فوات شرط ويعرف الشرط بدليل يدل عليه وعلى ارتباط الصحة به وقد أطلق جماعة آخرهم الصفي الهندي هذا المذهب عن الحنفية والصواب أن خلافهم إنما هو في المنهي عنه لغيره أما المنهي عنه لعينه فلا يختلفون في فساده وبذلك صرح أبو زيد الدبوسي في تقويم الأدلة وشمس الأئمة السرخسي في أصوله وقرره ابن السمعاني وهو الأثبت لأنه كان أولا حنفيا والثالث أنه يدل على الفساد في العبادات دون العقود وهو مذهب أبي الحسين البصري وحكاه ابن الصباغ في العدة عن متأخري أصحابنا وحكاه الصفي الهندي عن اختيار الغزالي والإمام الرازي وهو كذلك في المستصفى لكن كلامه في ذيل

المسألة يقتضي تفصيلا آخر سنذكره وقد خالف ذلك أيضا في كتبه الفقهية فقال في الوسيط عندنا أن مطلق النهي عن العقد يدل على فساده فإن العقد الصحيح هو المشروع والمنهي عنه في عينه غير مشروع فلم يكن صحيحا إلا إذا ظهر تعلق النهي بأمر عن العقد اتفق مجاوزته العقد كالنهي عن البيع وقت النداء وقسم المناهي إلى ما لا يدل على الفساد كالنجش والبيع على بيع أخيه وبيع الحاضر للبادي وإلى ما لا يدل على الفساد إما لتطرق خلل إلى الأركان والشرائط أو لأنه لم يبق للنهي تعلق سوى العقد فحمل على الفساد كبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وبيوع الغرر وأشباهها ويجوز أن يؤول كلام المستصفى على القسم الأول فلا يكون تناقضا وقد اتفق الأصحاب على اقتضائه الفساد في القسم الثاني فلا يستقيم من شافعي إطلاق القول بأن النهي في العقود لا يقتضي الفساد من غير تفصيل وكذلك إطلاقه الفساد في العبادات ومراده إذا كان النهي عنها لعينها فإنه صرح بصحة الصلاة في الدار المغصوبة واعلم أن هذا التقسيم الذي ذكرناه هو أقرب الطرق في المسألة ومنهم من جمع بين القسمين أعني المنهي عنه لعينه ولغيره وحكوا مذاهب ثالثها إن كان النهي مختصا بالمنهي عنه كالصلاة في الثوب النجس دل على فساده وإلا فلا يدل كالصلاة في الدار المغصوبة والثوب الحرير والبيع وقت النداء حكاه الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع عن بعض أصحابنا رابعها أنه يدل على فساده في العبادات سواء نهى عنها لعينها أم لأمر قارنها لأن الشيء الواحد يمتنع أن يكون مأمورا به منهيا عنه وأما المعاملات فالنهي إما أن يرجع إلى نفس الفعل كبيع الحصاة أو إلى أمر داخل فيه كبيع الملاقيح أو خارج عنه لازم له كالربا فهذه الأقسام الثلاثة تبطل وإن رجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم كالبيع وقت النداء فلا يدل على الفساد وهذا القول نقله ابن برهان في الوجيز عن الشافعي واختاره الإمام فخر الدين في المعالم في أثناء الاستدلال وجرى عليه البيضاوي ونقله الآمدي بالمعنى المذكور عن أكثر أصحاب الشافعي واختاره فتأمله قيل ونص عليه الشافعي في الرسالة والبويطي إلا أن الصحة في المقارن ذكرها في موضع آخر ويتحصل في المسألة مذاهب أحدها أن النهي يقتضي الفساد مطلقا سواء كان النهي لعينه أو لوصفه أو

لغيره من العبادات والمعاملات وبه قال أحمد في المشهور والثاني لا يقتضيه مطلقا سواء كان لعينه أو لوصفه أو لغيره أو لاختلال ركن من أركانه من عبادة وعقد صرح به ابن برهان والثالث يقتضي شبه الفساد حكاه القرافي عن المالكية وظاهره تخصيصه بالعقد والرابع يقتضي الصحة إذا كان النهي لوصفه ولم يكن من الأفعال الحسية وأما النهي عن الشيء لعينه فيقتضي الفساد وهو مذهب الحنفية والخامس يقتضي الفساد في العبادات دون العقود وهو اختيار الغزالي والآمدي والسادس إن كان لعينه أو لوصفه اللازم له فهو الفساد بخلاف ما لو كان لغيره سواء كان عبادة وعقدا وهذا الذي ينبغي أن يكون مذهب الشافعي وتصرفه في الأدلة يقتضيه والسابع الفرق بين ما يختص بالمنهي عنه كالصلاة في البقعة النجسة فيقتضي الفساد دون ما لا يختص به كالصلاة في الدار المغصوبة حكاه الشيخ أبو إسحاق وابن السمعاني وغيرهما والثامن الفرق بين ما يخل بركن أو شرط فإنه يقتضي الفساد دون ما لا يخل بواحد منهما ذكره ابن برهان وابن السمعاني وكلام المستصفى في آخر المسألة مصرح به وقال الصفي الهندي لا ينبغي أن يكون في هذا القسم خلاف والتاسع ذكره المازري في شرح البرهان عن شيخه وأظنه أبا الحسن اللخمي التفصيل بين ما النهي عنه لحق الخلق فلا يدل على الفساد وإلا دل ما اتصل بهذا إلى صحة الصلاة في الدار المغصوبة لأن النهي عنه لحق الخلق وتزول المعصية بإسقاط المالك حقه بخلاف ما هو حق لله فلا يسقط بإذن أحد ولا إسقاطه واحتج بأن التصرية تدليس حرام بالإجماع والنهي عنه عائد للمخلوق ولم يبطل الشارع البيع المقترن به بل أثبت الخيار للمشتري ولم يقتض النهي فساد العقد لما فيه من حق الخلق وهذا القول غريب جدا ومقتضاه أن النهي في العبادات يقتضي الفساد مطلقا لأن جميع مناهيها لحق الله تعالى والتفصيل إنما هو في غيرها ويرد عليه صور كثيرة مما قيل فيها بالفساد والنهي فيها لحق الخلق كالبيع المقترن بالشرط الفاسد والأجل المجهول خصوصا عند المالكية في البيع على بيع أخيه ولا يجيء ما

ذكره إلا في صور قليلة والبيع وقت النداء فإنه فاسد على المشهور عندهم والنهي فيه لحق الله إذا علمت هذا فهاهنا أمور

إطلاق
النهي هل يقتضي الفساد
أحدها إذا اختصرت ما سبق قلت المنهي عنه إما تمام الماهية أو جزؤها أو لازم لها أو خارج مقارن فهذه أربعة أقسام فالأولان يفيدان الفساد عندنا وعند أبي حنيفة لتمكن المفسدة من جوهر الماهية ثم الشافعي ومالك يقولان إطلاق النهي يقتضي الفساد بظاهره فيما أضيف إليه ولا ينصرف عنه إلا بدليل منفصل يصرف النهي إلى خارج مقارن وأبو حنيفة يقول يحمل على المفارق ولا ينصرف إلى ما أضيف إليه إلا بدليل والحاصل أن الأصل عندنا انسحاب الفساد على المنهيات ما لم يصرف صارف وعنده بالعكس قال صاحب التقويم قال علماؤنا مطلق النهي عن الأفعال التي تتحقق حسا ينصرف إلى ما قبح لعينه وعن التصرفات والأفعال التي تتحقق شرعا كالعقود والعبادات لا ينصرف إلى ما قبح لغيره إلا بدليل وقال الشافعي في الموضعين يدل على قبحه في عينه وقال بعض محققيهم النهي بلا قرينة يقتضي القبح لعينه عند الشافعي وفائدته بطلان التصرف وعندنا يقتضي القبح لغيره والصحة لأصله قال وينبني على الخلاف أنه إذا وجدت القرينة على أن النهي سبب القبح لغيره وكان ذلك وصفا فإنه باطل عند الشافعي وعندنا يكون صحيحا بأصله لا بوصفه وقد اعتاصت هذه المسألة على قوم من المحققين منهم الغزالي فذهبوا إلى آراء معضلة تداني مذهب أبي حنيفة والثالث اللازم كالنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة وعن بيع وشرط وعن التفرقة بين الأم وولدها فعندنا يدل على الفساد خلافا لأبي حنيفة حتى إنه قال من نذر صوما فصام يوم العيد يجزئه وينعقد مع وصف الفساد والرابع الخارج المقارن فلا يمنع الصحة عند الأكثرين وللفرق بين هذه المقامات تأثير وقد ضرب له المازري مثلا حسنا وهو أن الرجل إذا غص بلقمة أو

عطش فأمر غلامه أن يأتيه بماء حلو في كوز وأن يرفق في مجيئه ولا يكون منه عجلة ولا لعب فله أحوال أحدها أن يقعد فلا يأتيه بشيء فالمخالفة فيه ظاهرة والثاني أن يأتيه بالكوز ليس فيه ماء فهذا ارتكاب المنهي عنه لعينه لأن وجود هذا الكوز كالعدم والثالث أن يأتيه بالكوز وفيه ماء مالح زعاق فهو كالذي قبله في المخالفة وارتكابه المنهي عنه اللازم له الرابع أن يأتيه بكوز ماء عذب بارد ولكنه جرى في مجيئه وخالف ما نهي عنه من ذلك فلا ريب في أن امتثال المقصود قد حصل وإن كان قد خالف في أمر خارج عن ذلك فهذا هو المنهي عنه لغيره وحاصله أنه لم يتوارد فيه النفي والإثبات بالنسبة إلى معنى واحد وأقوى ما يرد من قال بأن النهي عن الشيء لغيره يقتضي الفساد أن من تعين عليه قضاء دين وهو متمكن من أدائه فاشتغل عنه بالتحرم بصلاة مفروضة أو إنشاء عقد بيع أو نكاح فإن صلاته لا تصح وكذلك بيعه ونكاحه ولا قائل به النَّهْيُ في الْمُعَامَلَاتِ يَدُلُّ على الْفَسَادِ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا أَنَّ النَّهْيَ في الْمُعَامَلَاتِ يَدُلُّ على الْفَسَادِ إنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فيها أو لَازِمٍ لها فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ لم يَقْتَضِهِ فَصَرَّحُوا بِالرَّاجِعِ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ أو خَارِجٍ أو لَازِمٍ وَسَكَتُوا عَمَّا شَكَكْنَا فيه هل هو رَاجِعٌ إلَى الدَّاخِلِ أو الْخَارِجِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ نَبَّهَ عليها الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ في قَوَاعِدِهِ قال كُلُّ تَصَرُّفٍ مَنْهِيٍّ عنه لِأَمْرٍ يُجَاوِزُهُ أو يُقَارِنُهُ مع تَوَفُّرِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ مَنْهِيٍّ عنه ولم يُعْلَمْ لِمَا نُهِيَ عنه فَهُوَ بَاطِلٌ حَمْلًا لِلَفْظِ النَّهْيِ على الْحَقِيقَةِ انْتَهَى ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عنه لِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي لم يُعْلَمْ لِمَاذَا نهى عنه لِأَمْرٍ دَاخِلٍ أو خَارِجٍ هو الْمُحْتَمِلُ لَأَنْ يَرْجِعَ إلَى دَاخِلٍ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ على الْفَسَادِ اخْتَلَفُوا هل يَدُلُّ عليه من جِهَةِ اللَّفْظِ أو الْمَعْنَى أو خَارِجٍ عن اللَّفْظِ وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَالثَّالِثُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فإنه قال في الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ قال قَائِلٌ النَّهْيُ يَدُلُّ على الْفَسَادِ إنْ رَجَعَ إلَى عَيْنِ الشَّيْءِ دُونَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى غَيْرِهِ

قُلْنَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين الطَّلَاقِ في حَالِ الْحَيْضِ وَالصَّلَاةِ في الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فإنه إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ ليس مَنْهِيًّا عن الطَّلَاقِ لِعَيْنِهِ وَلَا عن الصَّلَاةِ لِعَيْنِهَا بَلْ لِوُقُوعِهِ في حَالِ الْحَيْضِ وَلِوُقُوعِهَا في الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مِثْلِهِ في الصَّلَاةِ في حَالِ الْحَيْضِ فَلَا اعْتِمَادَ إلَّا على فَوَاتِ الشَّرْطِ وَيُعْرَفُ الشَّرْطُ بِدَلِيلٍ دَلَّ عليه وَعَلَى ارْتِبَاطِ الصِّحَّةِ بِهِ وَلَا يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ فإنه لَا يَدُلُّ عليه لَا وَضْعًا وَلَا شَرْعًا قال وَكُلُّ نَهْيٍ تَضَمَّنَ ارْتِكَابُهُ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ دَلَّ على الْفَسَادِ من حَيْثُ الْإِخْلَالُ بِالشَّرْطِ لَا من حَيْثُ النَّهْيُ انْتَهَى وإذا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَهَلْ دَلَّ عليه شَرْعًا لَا لُغَةً أو إنَّمَا دَلَّ عليه بِاللُّغَةِ فَقَطْ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عنه وَصَحَّحَهُ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَجَرَى عليه الْبَيْضَاوِيُّ وَهَذَا نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ في الْأَمْرِ هل اقْتَضَى الْوُجُوبَ بِصِيغَتِهِ أو بِالشَّرْعِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ ثَمَّ تَأْتِي هُنَا مثله وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ على الْفَسَادِ فَاخْتَلَفُوا هل يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَالْإِجْزَاءَ فَالْجُمْهُورُ على أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عليها وَإِلَّا يَلْزَمُ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ الشَّرْعِيَّةِ في جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ وَنَقَلَ ابن الْقُشَيْرِيّ فيه الْإِجْمَاعَ وَقِيلَ يَدُلُّ عليها لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ يَقْتَضِي انْصِرَافَهُ إلَى الصَّحِيحِ إذْ يَسْتَحِيلُ النَّهْيُ عن الْمُسْتَحِيلِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ في مَوَاضِعَ من الْمُسْتَصْفَى مع تَصْرِيحِهِ هُنَا بِبُطْلَانِهِ وَأَطْلَقَ وَتَابَعَهُ الْآمِدِيُّ عن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ على الصِّحَّةِ وَلَيْسَ ذلك في كل مَنْهِيٍّ فَقَدْ قالوا في النَّهْيِ عن صَوْمِ الْعِيدِ إنَّهُ يَدُلُّ على صِحَّتِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ عنه لِوَصْفٍ لَا لِعَيْنِهِ فإذا نَذَرَهُ انْعَقَدَ فَإِنْ صَامَهُ صَحَّ وَإِنْ كان مُحَرَّمًا اتَّفَقُوا على أَنَّ صَلَاةَ الْحَائِضِ بَاطِلَةٌ مع أَنَّ النَّهْيَ عنها لِوَصْفِهَا بَلْ قالوا ذلك في مُخَالَفَةِ الْأَوَامِرِ بِنَاءً على أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ فَأَبْطَلُوا صَلَاةَ من يُحَاذِي الْمَرْأَةَ في إتْمَامِهَا جميعا فَأَقَامَ وَاحِدٌ لِمَا ذَكَرُوا من قَوْلِهِ أَخِّرُوهُنَّ من حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ

وَاتَّفَقُوا على بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ مع أَنَّ النَّهْيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِوَصْفِهِمَا وَنَقَلَ الدَّبُوسِيُّ عن أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ أَنَّهُ يَدُلُّ على الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالنَّهْيِ عن صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ على انْعِقَادِهِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ النَّهْيَ عن غَيْرِ الْمَقْدُورِ عليه عَبَثٌ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ وَلِلْأَبْكَمِ لَا تَتَكَلَّمْ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذلك في الْمُمْتَنِعِ حِسًّا لَا شَرْعًا وَإِلَّا لَانْتَقَضَ بِجَمِيعِ الْمَنَاهِي الْفَاسِدَةِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ ابن السَّمْعَانِيِّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا إنَّمَا قَالَا ذلك في الْمَنْهِيِّ عنه لِوَصْفِهِ كما سَبَقَ وقد صَرَّحَ أبو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا من الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عنه لِعَيْنِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَالْقَائِلُ بهذا الْمَذْهَبِ لَا يُمْكِنُهُ دَعْوَى أَنَّهُ يَدُلُّ على الصِّحَّةِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ فلم يَبْقَ إلَّا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَشَرْطُهَا اللُّزُومُ وهو مَفْقُودٌ هَاهُنَا وَقِيلَ إنْ أَرَادُوا بِالصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةَ وَهِيَ الْإِمْكَانُ أَيْ كَوْنُ الْمَنْهِيِّ عنه مُمْكِنُ الْوُجُودِ لَا مُمْتَنِعٌ فَصَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادُوا الصِّحَّةَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْمُسْتَفَادَةِ من الشَّرْعِ وَهِيَ تَرَتُّبُ آثَارِ الشَّيْءِ شَرْعًا عليه فَذَلِكَ تَنَاقُضٌ إذْ يَصِيرُ مَعْنَاهُ النَّهْيَ شَرْعًا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عنه شَرْعًا وهو مُحَالٌ إذْ يَلْزَمُ منه صِحَّةُ كل ما نهى الشَّرْعُ عنه وقد أَبْطَلُوا هُمْ منه أَشْيَاءَ كَبَيْعِ الْحَمْلِ في الْبَطْنِ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لُغَةً وَشَرْعًا يَقْتَضِي إعْدَامَ الْمَنْهِيِّ عنه فَكَيْفَ تُرَتَّبُ آثَارُهُ مع إعْدَامِهِ وَكَذَلِكَ إنَّ الصِّحَّةَ إمَّا عَقْلِيَّةٌ وَهِيَ إمْكَانُ الشَّيْءِ وَقَبُولُهُ لِلْعَدَمِ وَالْوُجُودِ في نَظَرِ الْعَقْلِ كَإِمْكَانِ الْعَالَمِ وَالْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ أو عَادِيَّةٌ كَالْمَشْيِ في الْجِهَاتِ أَمَامًا وَيَمِينًا وَشِمَالًا أو شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ الْإِذْنُ في الشَّيْءِ فَيَتَنَاوَلُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إلَّا التَّحْرِيمَ إذْ لَا إذْنَ فيه وَحِينَئِذٍ دَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَدُلُّ على اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الصِّحَّةَ الْعَقْلِيَّةَ أو الْعَادِيَّةَ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عليه أَمَّا الشَّرْعِيَّةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ ليس فيها مَنْهِيٌّ عنه وَحِينَئِذٍ دَلِيلُهُمْ لَا يَمَسُّ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَيَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا النَّهْيُ الذي لِلتَّنْزِيهِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أو لَا إنَّمَا هو النَّهْيُ الذي لِلتَّحْرِيمِ لِمَا بين الصِّحَّةِ وَالتَّحْرِيمِ من التَّضَادِّ أَمَّا النَّهْيُ الذي لِلتَّنْزِيهِ فقال الْهِنْدِيُّ في النِّهَايَةِ لَا خِلَافَ على ما يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُمْ وقد صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ انْتَهَى

أَيْ لَا خِلَافَ في عَدَمِ اقْتِضَائِهِ الْفَسَادَ إذْ لَا تَضَادَّ بين الِاعْتِدَادِ بِالشَّيْءِ مع كَوْنِهِ مَكْرُوهًا وَعَلَى ذلك بَنَى أَصْحَابُنَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ في الْحَمَّامِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهِ مع الْقَوْلِ بِكَرَاهَتِهَا لَكِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى بِجَرَيَانِهِ في نَهْيِ الْكَرَاهَةِ قال كما يَتَضَادُّ الْحَرَامُ وَالْوَاجِبُ يَتَضَادُّ الْمَكْرُوهُ وَالْوَاجِبُ حتى لَا يَكُونَ الشَّيْءُ وَاجِبًا مَكْرُوهًا وَهَذَا هو الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَطْلُوبُ التَّرْكِ وَالصِّحَّةُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ صَحِيحًا لِأَنَّ طَلَبَ تَرْكِهِ يُوجِبُ عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهِ إذَا وَقَعَ وَذَلِكَ هو الْفَسَادُ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ في الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وقد قال ابن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ إنَّ الْكَرَاهَةَ مَانِعَةٌ من الصِّحَّةِ سَوَاءٌ كانت تَحْرِيمًا أو تَنْزِيهًا لِأَنَّهَا تُضَادُّ الْأَمْرَ كَيْفَ كانت لِأَنَّهَا لِلتَّرْكِ وَالْأَمْرُ طَلَبُ الْفِعْلِ وقد اُسْتُشْكِلَ ذلك عَلَيْهِمَا وَلَا إشْكَالَ لِمَا قَرَّرْنَاهُ قَالَا وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ هل يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ أَمْ إلَى خَارِجٍ عنها وَمِنْ هُنَا حَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلَيْنِ في أَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا كان لِعَيْنِ الشَّيْءِ هل يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا وقد يُتَوَقَّفُ في نَهْيِ التَّنْزِيهِ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَجِيءُ إذَا كان النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وابن الصَّلَاحِ فَذَلِكَ التَّضَادُّ إنَّمَا يَجِيءُ فِيمَا هو وَاجِبٌ خَاصَّةً لِمَا بين الْوُجُوبِ وَالْكَرَاهَةِ من التَّبَايُنِ فَأَمَّا الصِّحَّةُ مع الْإِبَاحَةِ كما في الْعُقُودِ الْمَنْهِيِّ عنها تَنْزِيهًا فَلَا تَضَادَّ حِينَئِذٍ وَالْفَسَادُ مُخْتَصٌّ بِمَا كان النَّهْيُ فيه لِلتَّحْرِيمِ الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ الْخِلَافَ في أَنَّهُ هل يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا إنَّمَا هو في الْفَسَادِ بِمَعْنَى الْبُطْلَانِ على رَأْيِنَا أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ لَا بِالْمَعْنَى الذي ذَهَبَ إلَيْهِ أبو حَنِيفَةَ نَبَّهَ عليه الْهِنْدِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابن فُورَكٍ السَّادِسُ قد تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَسَادَ إذَا أُطْلِقَ في الْعِبَادَاتِ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وإذا أُطْلِقَ في الْمُعَامَلَاتِ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْمَعْقُودِ عليها من اللُّزُومِ وَانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَغَيْرِ ذلك من الْأَحْكَامِ وَعَلَى هذا فإذا قِيلَ النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَيَدُلُّ عليه مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عنه إذَا قُدِّرَ وُقُوعُهُ لَا يُجْزِئُ في نَفْسِهِ إنْ كان عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبُ عليه حُكْمُهُ إنْ كان مُعَامَلَةً وإذا قِيلَ لَا يَدُلُّ على الْفَسَادِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عنه وَتَرَتَّبَ عليه أَحْكَامُهُ كَالْمَنْقُولِ عن الْحَنَفِيَّةِ فَفَاسِدٌ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَنْصَرِفُ لِشَيْءٍ من ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ وهو الظَّاهِرُ كان أَقْرَبَ فإن الْفَسَادَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ من الْقَرَائِنِ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ الصِّيغَةَ لو دَلَّتْ عليه

فَأَمَّا من جِهَةِ اللُّغَةِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يُتَلَقَّى من اللُّغَةِ وَأَمَّا من جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ من دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عليه السَّابِعُ قد سَبَقَ الْخِلَافُ في تَفْسِيرِ الْفَسَادِ في الْعِبَادَاتِ قال الْهِنْدِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ من ذَهَبَ من الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ في الْعِبَادَاتِ أو لَا يَقْتَضِيهِ فَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عليه عِنْدَهُ لَا بِالْمَعْنَى الْآخَرِ وَإِنْ كان الْأَمْرُ في الْأَمْرِ على خِلَافِ هذا الثَّامِنُ أَطْلَقَ الْمُفَصِّلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ في الْعِبَادَاتِ دُونَ الْعُقُودِ ولم يَتَعَرَّضُوا لِغَيْرِهِمَا وزاد ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ الْإِيقَاعَاتِ وَأَلْحَقَهَا بِالْعُقُودِ وَمُرَادُهُ بها الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ كَطَلَاقِ الْحَائِضِ وَكَإِرْسَالِ الثَّلَاثِ جميعا على قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ في أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمَنْهِيُّ عنه إذَا قُلْنَا بِنُفُوذِهِ وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ كَالْوَطْءِ في الْحَيْضِ فإنه يَحْصُلُ بِهِ الدُّخُولُ وَيَكْمُلُ بِهِ الْمَهْرُ وَلِهَذَا أَشَارَ ابن الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ في الْإِجْزَاءِ دُونَ السَّبَبِيَّةِ فَأَتَى بِالسَّبَبِيَّةِ لِيَشْمَلَ الْعُقُودَ وَالْإِيقَاعَاتِ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ لَكِنْ يَرِدُ عليها أَنَّهُ جَعَلَ هذا قَوْلًا ثَالِثًا مُفَصَّلًا بين طَرَفَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الذي اخْتَارَهُ شَمِلَ هذه الصُّوَرَ وَيَكُونُ النَّهْيُ عنهما يَدُلُّ على فَسَادِهَا وَأَنَّهُ اخْتَارَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ على وُقُوعِ الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ وَإِرْسَالُ الثَّلَاثِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ وَالشِّيعَةِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ التَّاسِعُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في مُطْلَقِ النَّهْيِ لِيَخْرُجَ الْمُقْتَرِنُ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ على الْفَسَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَالًّا على الْمَنْعِ لِخَلَلٍ في أَرْكَانِهِ أو شَرَائِطِهِ أو يَقْتَرِنَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ على أَنَّهُ ليس لِلْفَسَادِ نحو النَّهْيِ عن الشَّيْءِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عنه كما في الْمَنْهِيَّيْنِ وَلَا خِلَافَ فيه وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ بِجَرَيَانِ خِلَافٍ فيه فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ له دَلَالَةٌ على الْفَسَادِ مع دَلَالَتِهِ على اخْتِلَالِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ قُلْت كَلَامُ ابْنِ بَرْهَانٍ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فيه وَمِثَالُ ما فيه قَرِينَةُ الْفَسَادِ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فإن الزَّانِيَةَ هِيَ التي تُنْكِحُ نَفْسَهَا رَوَاهُ ابن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ من عِدَّةِ طُرُقٍ فإن الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ منه تَقْتَضِي أَنَّ ذلك إذَا وَقَعَ يَكُونُ فَاسِدًا فَلَا يَتَوَجَّهُ فيه خِلَافٌ أَلْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عن بَيْعِ

الْكَلْبِ وقال فيه إنْ جاء وَطَلَبَ ثَمَنَهُ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا رَوَاهُ أبو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عن الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ أو الرَّوْثِ وقال إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عن نِكَاحِ الشِّغَارِ فإنه لِلْفَسَادِ وقد نُقِلَ النَّهْيُ عن الشَّافِعِيِّ تَوْجِيهُهُ أَنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ من نِكَاحٍ أو مِلْكِ يَمِينٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُحَرَّمُ من النِّسَاءِ بِالْمُحَرَّمِ من النِّكَاحِ وَمِثَالُ ما فيه قَرِينَةُ الصِّحَّةِ حَدِيثُ لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا فإن إثْبَاتَ الْخِيَارِ فيه قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ قد انْعَقَدَ ولم يَقْتَضِ فَسَادًا وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عن بَيْعِ الرُّكْبَانِ وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لِصَاحِبِهِ إذَا وَرَدَ السُّوقَ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عن الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ لِمَا فيه أَمْرٌ بِالْمُرَاجَعَةِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ وَاقِعٌ الْعَاشِرُ لم يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ الْفَرْقِ بين الْمَنْهِيِّ عنه لِنَفْسِهِ أو غَيْرِهِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الِاصْطِلَامِ في مَسْأَلَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ إذَا كان لِطَلَبِ ضِدِّهِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عن نَفْسِ الشَّيْءِ وإذا لم يَكُنْ لِطَلَبٍ فَلَا يَكُونُ في نَفْسِهِ مَنْهِيًّا عنه قال وَعَلَى هذا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ بِالنَّهْيِ عن الصَّلَاةِ في الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ليس لِطَلَبِ ضِدِّهَا وهو تَرْكُ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ في وَقْتِ النِّدَاءِ حتى لو اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ كان مَنْهِيًّا عنه وَلَوْ بَاعَ وهو يَسْعَى لم يَكُنْ مَنْهِيًّا عنه وَكَذَا النَّهْيُ عن الطَّلَاقِ في الْحَيْضِ لم يَكُنْ لِطَلَبِ ضِدِّهِ وهو بَقَاءُ النِّكَاحِ حَالَةَ الْحَيْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو طَلَّقَ وَهِيَ طَاهِرٌ ثُمَّ حَاضَتْ فَلَا نِكَاحَ وَالْحَيْضُ مَوْجُودٌ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عن الْإِحْرَامِ مُجَامِعًا وَغَيْرُ ذلك بِخِلَافِ النَّهْيِ عن صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ قُلْت وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في بَابِ النَّذْرِ من تَعْلِيقِهِ فقال

كُلُّ نَهْيٍ يُطْلَبُ لِضِدِّ الْمَنْهِيِّ عنه فَهُوَ لِعَيْنِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَكُلُّ نَهْيٍ لم يَكُنْ لِطَلَبِ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عنه لم يَكُنْ لِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ في الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ في النَّهْيِ رُجُوعُهُ لِمَعْنًى في نَفْسِهِ وَلَا يُحْكَمُ فيه بِتَعَدُّدِ الْجِهَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فيه لِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِ الشَّارِعِ حُرْمَةُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ يَحْرُمُ إمْسَاكُهُ مع النِّيَّةِ لَا يُفْهَمُ منه عِنْدَ إطْلَاقِهِ سِوَاهُ فَمَنْ أَرَادَ صَرْفَ التَّحْرِيمِ عن الْحَقِيقَةِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ احْتَاجَ إلَى الدَّلِيلِ وَلِهَذَا قَطَعَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ إذْ لم يَظْهَرْ صَرْفُ التَّحْرِيمِ إلَى أَمْرٍ خَاصٍّ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَقَطَعَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ في زَمَنِ الْحَيْضِ لِانْصِرَافِ التَّحْرِيمِ عن الْحَقِيقَةِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ وهو تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ أو لُحُوقِ النَّدَمِ عن الشَّكِّ في وُجُودِ الْوَلَدِ لِدَلِيلٍ دَلَّ عليه وَكَذَا قَطَعَ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ ولم يَلْحَظْ الْمَعْنَى الْخَارِجَ من كَوْنِهِ مُقَدِّمَةَ الْإِفْسَادِ الْحَادِيَ عَشَرَ ضَايَقَ ابن السَّمْعَانِيِّ في بَعْضِ خِلَافِيَّاتِهِ في قَوْلِهِمْ نهى عنه لِعَيْنِهِ وقال النَّهْيُ أَبَدًا إنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قد عُرِفَ من أَصْلِنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَيْسَتْ بِأَوْصَافٍ ذَاتِيَّةٍ لِلْأَفْعَالِ بَلْ عِبَارَةٌ عن تَعْلِيقِ خِطَابِ الشَّرْعِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْمَنْعِ تَارَةً وَبِالْبَحْثِ أُخْرَى قال وَهَكَذَا نَقُولُ في بَيْعِ الْحُرِّ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عنه لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُنْهَى عنه لِغَيْرِهِ وَالصَّلَاةِ في الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَنَحْوِهِ وَالنَّهْيُ فيه لم يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَدَلَّ على أَنَّ الْبَيْعَ مَنْهِيٌّ عنه وَالنَّهْيُ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عنه إذَا صَادَفَ عَيْنَ الشَّيْءِ بِالِاتِّفَاقِ الثَّانِيَ عَشَرَ إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هو في نَهْيِ التَّحْرِيمِ فَقَطْ فَإِنَّمَا هو في صِيغَةِ لَا تَفْعَلْ فإنه الْحَقِيقِيُّ في التَّحْرِيمِ كَعَكْسِهِ في الْأَمْرِ أَمَّا لَفْظُ نهى فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بين الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ كما سَبَقَ فَلَا يَنْتَهِضُ الِاسْتِدْلَال بِهِ على التَّحْرِيمِ كَاسْتِدْلَالِ أَصْحَابِنَا على بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ بِحَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ فَيُقَالُ هذه الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بين التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّهْيُ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ إنَّمَا هو في نَهْيِ التَّحْرِيمِ وهو قَوْلُهُ لَا تَفْعَلْ

الثَّالِثَ عَشَرَ إذَا قام الدَّلِيلُ على أَنَّ النَّهْيَ ليس لِلْفَسَادِ فقال ابن عَقِيلٍ في الْوَاضِحِ لَا يَكُونُ مَجَازًا لِأَنَّهُ لم يَنْتَقِلْ عن مُوجِبِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عن بَعْضِهِ فَصَارَ كَالْعُمُومِ الذي خَرَجَ بَعْضُهُ يَبْقَى حَقِيقَةً فِيمَا بَقِيَ وَهَذَا منه بِنَاءً على أَنَّ دَلَالَتَهُ على الْفَسَادِ من جِهَةِ اللَّفْظِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ أَنَّهُ من جِهَةِ الشَّرْعِ لم يَكُنْ انْتِفَاؤُهُ مَجَازًا قال وَكَذَا قَامَتْ الدَّلَالَةُ على نَقْلِهِ عن التَّحْرِيمِ فإنه يَبْقَى نَهْيًا حَقِيقَةً على التَّنْزِيهِ كما إذَا قَامَتْ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْأَمْرَ ليس لِلْوُجُوبِ وَهَذَا منه بِنَاءً على قَوْلِ الِاشْتِرَاكِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ خَاتِمَةٌ ما يَمْتَازُ بِهِ الْأَمْرُ عن النَّهْيِ فِيمَا يَمْتَازُ بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ هو أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي فِعْلَ مَرَّةٍ على الْأَصَحِّ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ على الدَّوَامِ وَالنَّهْيُ لَا يَتَّصِفُ بِالْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي مع الْإِطْلَاقِ وَالْأَمْرُ يَتَّصِفُ بِذَلِكَ على الْأَصَحِّ وَالنَّهْيُ لَا يُقْضَى إذَا فَاتَ وَقْتُهُ الْمُعَيَّنُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ ابْتِدَاءً قَطْعًا على الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ وفي الْأَمْرِ خِلَافٌ وفي تَكْرَارِ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ لِلْأَمْرِ على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّهْيُ يَدُلُّ على فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عنه على أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالنَّهْيُ الْمُعَلَّقُ على شَرْطٍ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ على شَرْطٍ على شَرْطٍ على الْأَصَحِّ قال ابن فُورَكٍ وَيَفْتَرِقَانِ في أَنَّ النَّهْيَ عن الشَّيْءِ ليس أَمْرًا بِضِدِّهِ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عن ضِدِّهِ إذَا كان على طَرِيقِ الْإِيجَابِ وفي أَنَّهُ إذَا نهى عن أَشْيَاءَ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لم يَجُزْ له فِعْلُ وَاحِدٍ منها كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُطِعْ منهم آثِمًا أو كَفُورًا سُورَةُ الْإِنْسَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

مباحث العام
تَعْرِيفُ الْعَامِّ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ رضي اللَّهُ عنه لم نَكُنْ نَعْرِفُ الْخُصُوصَ وَالْعُمُومَ حتى وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه وهو في اللُّغَةِ شُمُولُ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ سَوَاءٌ كان الْأَمْرُ لَفْظًا أو غَيْرَهُ وَمِنْهُ عَمَّهُمْ الْخَبَرُ إذَا شَمِلَهُمْ وَأَحَاطَ بِهِمْ وَلِذَلِكَ يقول الْمَنْطِقِيُّونَ الْعَامُّ ما لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الشَّرِكَةِ فيه كَالْإِنْسَانِ وَيَجْعَلُونَ الْمُطْلَقَ عَامًّا وَاصْطِلَاحًا اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِجَمِيعِ ما يَصْلُحُ له من غَيْرِ حَصْرٍ أَيْ يَصْلُحُ له اللَّفْظُ الْعَامُّ كَ من في الْعُقَلَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وكل بِحَسَبِ ما يَدْخُلُ عليه لَا أَنَّ عُمُومَهُ في جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مُطْلَقًا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْتِغْرَاقِ النَّكِرَةُ وَبِقَوْلِهِ من غَيْرِ حَصْرٍ أَسْمَاءُ الْعَدَدِ فَإِنَّهَا مُتَنَاوِلَةٌ لِكُلِّ ما يَصْلُحُ له لَكِنْ مع حَصْرٍ وَمِنْهُمْ من زَادَ عليه بِوَضْعِ وَاحِدٍ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ بِوَضْعَيْنِ فَصَاعِدًا كَالْمُشْتَرَكِ وَذَكَرَ ابن الْحَاجِبِ أَنَّ الْعَامَّ يُطْلَقُ أَيْضًا على اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ مُسَمَّيَاتِهِ مِثْلَ الْعَشَرَةِ وَالْمُسْلِمِينَ لِمَعْهُودٍ وَضَمَائِرِ الْجَمْعِ كما يُطْلَقُ التَّخْصِيصُ على قَصْرِ اللَّفْظِ على بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ عَامًّا وقال أبو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مُسَاوَاةُ بَعْضِ ما تَنَاوَلَهُ لِبَعْضٍ وَنُوقِضَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فإن أَحَدَهُمَا مُسَاوٍ لِلْآخَرِ وَلَيْسَ بِعَامٍّ وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَقَلُّ الْعُمُومِ شَيْئَانِ كما أَنَّ أَقَلَّ الْخُصُوصِ وَاحِدٌ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وهو الشُّمُولُ وَالشُّمُولُ حَاصِلٌ في التَّثْنِيَةِ وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لَا تُسَمَّى عُمُومًا لَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ فإذا سَلَبَ عنها اسْمَ الْجَمْعِ فَالْمَعْلُومُ أَوْلَى ثُمَّ إنَّ الْقَفَّالَ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ لَفْظِ الْعُمُومِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وفي الْجَمْعِ بين الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ وقال الْمَازِرِيُّ الْعُمُومُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ هو الْقَوْلُ الْمُشْتَمِلُ على شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَالتَّثْنِيَةُ عِنْدَهُمْ عُمُومٌ لِمَا يُتَصَوَّرُ فيها من مَعْنَى الْجَمْعِ وَالشُّمُولُ الذي لَا يُتَصَوَّرُ لِلْوَاحِدِ وَحَصَلَ من هذا خِلَافٌ في التَّثْنِيَةِ هل لها عُمُومٌ وهو غَرِيبٌ وقال الْغَزَالِيُّ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الدَّالُّ من جِهَةٍ وَاحِدَةٍ على شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَصَاعِدًا عن لَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَأَرَادَ بِالْوَاحِدِ مُقَابِلَ الْمُرَكَّبِ حتى يَشْمَلَ الِاثْنَيْنِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ في الْمُسْتَصْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدٌ وَمِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَصْلٌ وَاحِدٌ وَاحْتِرَازٌ بِهِ عن قَوْلِهِمْ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا فإنه دَلَّ على شَيْئَيْنِ وَلَكِنْ بِلَفْظَيْنِ لَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمِنْ جِهَتَيْنِ لَا من جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِالْجِهَتَيْنِ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ اُعْتُرِضَ عليه بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ دَلَالَةَ ضَرَبَ عَلَيْهِمَا فَبَاطِلٌ لِأَنَّهَا الْتِزَامِيَّةٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ على مَعْنَاهُ بِالْمُطَابَقَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ دَلَالَتَهَا على ذَاتِهِمَا فَكَذَلِكَ لِخُرُوجِهِ عنه بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ وقال ابن الْحَاجِبِ يَدْخُلُ فيه كُلُّ مَعْهُودٍ وَنَكِرَةٍ وقد نَلْتَزِمُهُ فَنَقُولُ إنَّهُمَا عَامَّانِ لِدَلَالَتِهِمَا على شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ كما قال أَمَّا أَوَّلًا فَلَا نُسَلِّمُ دُخُولَهُ لِأَنَّهُ ليس بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ اخْتَارَ في الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ ليس بِعَامٍّ وقال ابن فُورَكٍ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيّ اشْتَهَرَ من كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعُمُومَ هو اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ عُمُومٌ وما دُونَهُ عُمُومٌ وَأَقَلُّ الْعُمُومِ اثْنَانِ وَلَمَّا لم يَصِحَّ أَنْ يَعُمَّ الشَّيْءُ نَفْسَهُ كان ما زَادَ عليه يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ الْعُمُومِ قَلَّ أَمْ كَثُرَ وَكَذَلِكَ قال الْمُتَكَلِّمُونَ من الْوَاقِفِيَّةِ إنَّا نَقُولُ بِالْعُمُومِ لَا نَقُولُ بِالِاسْتِيعَابِ وهو الْخُصُوصُ في عِبَارَةِ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ يَحْمِلُ الْخِطَابَ على ثَلَاثَةٍ إنَّهُمْ أَهْلُ الْخُصُوصِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ عُمُومًا أو خُصُوصًا من جِهَتَيْنِ وقد أَخَذَ جَمَاعَةٌ من الْأُصُولِيِّينَ في حَدِّ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقَ ولم يَأْخُذْهُ آخَرُونَ وقد تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذلك في الْعَامِّ الذي خَصَّ بِهِ الْبَعْضَ فَمَنْ اشْتَرَطَ في الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقَ لَا يُجَوِّزُ التَّمَسُّكَ بِهِ أو يُضَعِّفَهُ لِأَنَّهُ لم يَبْقَ عَامًّا وَمَنْ لم يَشْتَرِطْهُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الدَّلَالَةَ على جَمْعٍ جَوَّزَهُ الْفَرْقُ بين الْعُمُومِ وَالْعَامِّ وَهُنَا أُمُورٌ أَحَدُهُمَا في الْفَرْقِ بين الْعُمُومِ وَالْعَامِّ فَالْعَامُّ هو اللَّفْظُ الْمُتَنَاوِلُ وَالْعُمُومُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لِمَا صَلُحَ له فَالْعُمُومُ مَصْدَرٌ وَالْعَامُّ اسْمُ الْفَاعِلِ مُشْتَقٌّ من هذا

الْمَصْدَرِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْفِعْلُ وَالْفِعْلُ غَيْرُ الْفَاعِلِ وَمِنْ هذا يَظْهَرُ الْإِنْكَارُ على عبد الْجَبَّارِ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَغَيْرِهِمَا في قَوْلِهِمْ الْعُمُومُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ فَإِنْ قِيلَ أَرَادُوا بِالْمَصْدَرِ اسْمَ الْفَاعِلِ قُلْنَا اسْتِعْمَالُهُ فيه مَجَازٌ وَلَا ضَرُورَةَ لِارْتِكَابِهِ مع إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بين الْأَعَمِّ وَالْعَامِّ بِأَنَّ الْأَعَمَّ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في الْمَعْنَى وَالْعَامُّ في اللَّفْظِ فإذا قِيلَ هذا أَعَمُّ تَبَادَرَ الذِّهْنُ لِلْمَعْنَى وإذا قِيلَ هذا عَامٌّ تَبَادَرَ الذِّهْنُ لِلَّفْظِ الْفَرْقُ بين عُمُومِ الشُّمُولِ وَعُمُومِ الصَّلَاحِيَةِ الثَّانِي الْعُمُومُ يَقَعُ على مُسَمَّى عُمُومِ الشُّمُولِ وهو الْمَقْصُودُ هُنَا وَعُمُومِ الصَّلَاحِيَةِ وهو الْمُطْلَقُ وَتَسْمِيَتُهُ عَامًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَوَارِدَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ لَا أَنَّهُ في نَفْسِهِ عَامٌّ وَيُقَالُ له عُمُومُ الْبَدَلِ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عُمُومَ الشُّمُولِ كُلِّيٌّ وَيُحْكَمُ فيه على كل فَرْدٍ وَعُمُومُ الصَّلَاحِيَةِ كُلِّيٌّ أَيْ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ من وُقُوعِ الشَّرِكَةِ تَفَاوُتُ صِيَغِ الْأَعَمِّ الثَّالِثُ صِيَغُ الْأَعَمِّ تَتَفَاوَتُ قال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ أَعَمُّ الْأَسْمَاءِ قَوْلُنَا مَعْلُومٌ وَمَذْكُورٌ لِتَنَاوُلِهِ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ ثُمَّ شَيْءٌ وَمَوْجُودٌ لِتَنَاوُلِهِ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ ثُمَّ مُحْدَثٌ لِتَنَاوُلِ الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ ثُمَّ جِسْمٌ ثُمَّ حَيَوَانٌ ثُمَّ إنْسَانٌ ثُمَّ رَجُلٌ ثُمَّ أنا وَأَنْتَ ما يَدْخُلُهُ الْعُمُومُ وما لَا يَدْخُلُهُ وَالْكَلَامُ في الْعُمُومِ في مَوَاضِعَ أَحَدِهِمَا هل يُتَصَوَّرُ في الْقَوْلِ النَّفْسِيِّ الْمَشْهُورُ من مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ تَصَوُّرُهُ كما قالوا في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قال الْقَاضِي أبو بَكْرٍ اعْلَمْ أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ يَرْجِعَانِ إلَى الْكَلَامِ ثُمَّ الْكَلَامُ الْحَقِيقِيُّ هو الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وهو الذي يَعُمُّ وَيَخُصُّ وَالصِّيَغُ وَالْعِبَارَاتُ دَالَّةٌ عليه وَلَا تُسَمَّى بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ إلَّا تَجَوُّزًا كما أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ يَرْجِعَانِ إلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ دُونَ الصِّيَغِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ وَصْفَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْعِبَارَاتِ وَالصِّيَغِ كَقَوْلِهِمْ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ انْتَهَى

وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظُهُورَهُ في ذلك وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِجَمَاعَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيمَا قَالُوهُ وَصَرَفَ عُمُومَ النَّفْسِيِّ إلَى عُمُومٍ فيها تَكُونُ الْمَعْلُومَاتُ على جِهَاتٍ دُونَ جِهَاتٍ قال الْمَازِرِيُّ وَيُقَالُ له إنْ أَنْكَرْت وُجُودَ قَوْلٍ في النَّفْسِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاسْتِيعَابِ بِنَفْسِهِ وَحَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا إثْبَاتُ قَوْلٍ في النَّفْسِ هو خَبَرٌ عن مَعْنَى الْعُمُومِ فَلَيْسَ هو الْمُرَادُ وَالنِّزَاعُ فيه الثَّانِي هل الْعُمُومُ في الْعُمُومِ قال الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفُوا في نَحْوِ قَوْلِهِمْ هذا عَطَاءٌ عَامٌّ هل ذِكْرُ الْعُمُومِ هُنَا حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ قال الْأَكْثَرُونَ من أَئِمَّةِ الْكَلَامِ إنَّهُ مَجَازٌ لِكَوْنِ ما تَنَاوَلَهُ كُلُّ إنْسَانٍ من الْعَطَاءِ مُخْتَصًّا بِهِ وهو غَيْرُ ما يَتَنَاوَلُهُ صَاحِبُهُ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ فإن هذه اللَّفْظَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مُشْرِكٍ تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَقِيلَ حَقِيقَةً وَالْخِلَافُ في هذا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ الثَّالِثِ هل يُتَصَوَّرُ في الْأَحْكَامِ حتى يُقَالَ حُكْمُ قَطْعِ السَّارِقِ عَامٌّ أَنْكَرَهُ الْقَاضِي فإذا قِيلَ حُكْمُ اللَّهِ عَامٌّ في قَطْع السَّارِقِ فَكُلُّ سَارِقٍ يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فيه من الْحُكْمِ وَأَثْبَتَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَهَذَا الذي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْقَطْعَ الذي يَخْتَصُّ بِهِ هذا السَّارِقُ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ تَخَرَّجَ على الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْأَحْكَامِ إلَى صِفَاتِ النَّفْسِ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْأَحْكَامُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الشَّارِعِ وقال الْمَازِرِيُّ الْحَقُّ ابْتِنَاءُ هذه الْمَسْأَلَةِ على أَنَّ الْحُكْمَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ أو إلَى وَصْفٍ يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لم يُتَصَوَّرْ الْعُمُومُ لِمَا تَقَدَّمَ في الْأَفْعَالِ وَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَالسَّارِقُ يَشْمَلُ كُلَّ السَّارِقِ فَنَفْسُ الْقَطْعِ فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا عُمُومَ لها حَقِيقَةً الرَّابِعِ هل يُتَصَوَّرُ في الْأَفْعَالِ قال الْقَاضِي أبو عبد اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ في كِتَابِهِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ في أُصُولِ الْفِقْهِ دَعْوَى الْعُمُومِ في الْأَفْعَالِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وقال بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْعُمُومَ ما اشْتَمَلَ على أَشْيَاءَ مُتَغَايِرَةٍ وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ إلَّا على دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِقَوْلِهِ حُكْمِي على الْوَاحِدِ حُكْمِي على الْجَمَاعَةِ دَلَّ على أَنَّ فِعْلَهُ في عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يَقْتَضِي تَعَدِّيهِ في كل عَيْنٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ هذا لم يَعْرِفْ مَوْضِعَ النِّزَاعِ منه انْتَهَى وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ لَا يَصِحُّ الْعُمُومُ إلَّا في الْأَلْفَاظِ وَأَمَّا في الْأَفْعَالِ فَلَا

يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَقَعُ على صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ عُرِفَتْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ وَإِلَّا صَارَ مُجْمَلًا فَهَذَا عُرِفَتْ صِفَتُهُ قَوْلُ الرَّاوِي جَمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ في السَّفَرِ فَهَذَا مَقْصُورٌ على السَّفَرِ وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ في السَّفَرِ فَلَا يَدْرِي إنْ كان طَوِيلًا أو قَصِيرًا فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فيه وَلَا نَدَّعِي فيه الْعُمُومَ وقال ابن الْقُشَيْرِيّ أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا في الْأَقْوَالِ وَلَا يَدْخُلُ في الْأَفْعَالِ أَعْنِي في ذَوَاتِهَا فَأَمَّا في أَسْمَائِهَا فَقَدْ يَتَحَقَّقُ وَلِهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ادِّعَاءُ الْعُمُومِ في أَفْعَالِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عِنْدَ من اسْتَدَلَّ على أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ يَدْخُلُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَالْعُمُومُ في الْأَقْوَالِ دُونَ الْمَعَانِي وَالْأَفْعَالِ وقال أَصْحَابُ مَالِكٍ يَكُونُ الْعُمُومُ في الْأَفْعَالِ كَالْأَقْوَالِ وَلِذَلِكَ اسْتَدَلُّوا على أَنَّ كُلَّ فِطْرٍ بِمَعْصِيَةٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فَأَمَرَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْكَفَّارَةِ وقال أَصْحَابُنَا إطْلَاقُ مَعْنَى الْعُمُومِ يَصِحُّ في الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي وَدَلَائِلِ الْأَلْفَاظِ من مَفْهُومٍ أو دَلِيلِ خِطَابٍ وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ الْفِعْلِ الْمَقْضِيِّ فيه بِحُكْمٍ من الْأَحْكَامِ إذَا تَرَكَ فيه التَّفْصِيلَ كَتَخْيِيرِ من أَسْلَمَ على أُخْتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَمَنْ أَسْلَمَ على عَشْرٍ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ ولم نَسْأَلْهُ عن حَقِيقَةِ عُقُودِهِنَّ وَقَعْنَ مَعًا أو مُرَتَّبًا وَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فيه كما رُوِيَ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم سَهَا فَسَجَدَ

لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال على أَنَّ كُلَّ سَهْوٍ يُوجِبُ السُّجُودَ الْخَامِسِ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعُمُومَ من عَوَارِضِ صِيَغِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُصُولِيَّ إذَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْعَامِّ لم يُفْهَمْ منه إلَّا اللَّفْظُ قال في الْبَدِيعِ بِمَعْنَى وُقُوعِ الشَّرِكَةِ في الْمَفْهُومِ لَا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ في اللَّفْظِ يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَامًّا حَقِيقَةً أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ في مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ في مَعْنَاهُ وَلَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَامًّا كَوْنَهُ مُشْتَرَكًا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ كَالْقُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً في الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بَلْ الِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ وقال الْإِبْيَارِيُّ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا يُظَنُّ بِهِ إنْكَارُ كَلَامِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا الظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصِّيَغَ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ فيها انْتَهَى وَأَمَّا في الْمَعَانِي فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَالْأَكْثَرُونَ على أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَامًّا حَقِيقَةً وإذا أُضِيفَ الْعُمُومُ إلَى مَعْنًى كَقَوْلِنَا هذا حُكْمٌ عَامٌّ أو قَضِيَّةٌ أو حَدِيثٌ عَامٌّ فَهُوَ من قَبِيلِ الْإِطْلَاقِ الْمَجَازِيِّ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْنَى بِحَقِّ الْأَصْلِ أَنْ يُوصَفَ بِالْعُمُومِ وَإِنَّمَا هو بِحَسَبِ الِاسْتِعَارَةِ إمَّا من اللَّفْظِ أو نَظَرٍ إلَى شُمُولِ مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِمَجْمُوعِ مَحَالِّهِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْعُمُومِ في الْعِلَّةِ وَالْمَفْهُومِ وَنَحْوِهِمَا فَمَنْ أَطْلَقَ عليها الْعُمُومَ لَا يُنَاقِضُ اخْتِيَارَهُ هُنَا أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُسَمَّى عَامًّا لِأَنَّ ذلك إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ وقال ابن بَرْهَانٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ من صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا مُسْلِمُونَ أو الْمُسْلِمُونَ عَادَ الِاسْتِغْرَاقُ إلَى الصِّيغَةِ فإن الصِّيغَةَ الْمُتَّحِدَةَ هِيَ الْمُتَنَاوِلَةُ لِلْكُلِّ وقال قَوْمٌ يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ في الْمَعَانِي تَقُولُ الْعَرَبُ عَمَّهُمْ الْخَصْبُ وَالرَّجَاءُ وَغَيْرُ ذلك وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فإن الْمَعَانِيَ في هذه الصُّورَةِ مُتَعَدِّدَةٌ فإن ما خَصَّ هذه الْبُقْعَةَ غَيْرُ ما خَصَّ الْأُخْرَى وقال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ في تَعْلِيقِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَقِيقَةً إلَّا على الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ لَا يَشْمَلُ الْكُلَّ فإن اللَّذَّةَ التي حَصَلَتْ لِزَيْدٍ غَيْرُ التي حَصَلَتْ لِعَمْرٍو وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ الْجُمْهُورُ على أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ إلَّا الْقَوْلُ فَقَطْ وَذَهَبَ قَوْمٌ من أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ادِّعَاؤُهُ في الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ حَمْلُ الْكَلَامِ على عُمُومِ الْخِطَابِ وَإِنْ لم تَكُنْ هُنَاكَ صِيغَةٌ تَعُمُّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ أَيْ نَفْسُ الْمَيْتَةِ وَعَيْنُهَا لَمَّا لم يَصِحَّ تَنَاوُلُ التَّحْرِيمِ لها عَمَّ التَّحْرِيمُ جَمِيعَ التَّصَرُّفِ من الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاللَّمْسِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ وَإِنْ لم يَكُنْ لِلْأَحْكَامِ ذِكْرٌ في التَّحْرِيمِ بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ عَامٌّ في الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ وَاَلَّذِي يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَوْلِ وَإِنَّ وَصْفَهُمْ الْجَوْرَ وَالْعَدْلَ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَجَازٌ وقال أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ في التَّقْوِيمِ الْعُمُومُ لَا يَدْخُل في الْمَعَانِي على

الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِظَامُهَا تَحْتَ لَفْظٍ وَاحِدٍ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ في أَنْفُسِهَا وإذا اخْتَلَفَتْ تَدَافَعَتْ وَهَذَا كَالْمُشْتَرَكِ فَلَا عُمُومَ له بَلْ هو بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلِّ وقال وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْعُمُومَ ما يَنْتَظِمُ جَمْعًا من الْأَسَامِي وَالْمَعَانِي وَكَأَنَّهُ غَلَطٌ منه في الْعِبَارَةِ دُونَ الْمَذْهَبِ فإنه ذَكَرَ من بَعْدُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ له وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْمَعَانِي مَعْنًى وَاحِدًا عَامًّا كَقَوْلِنَا خِصْبٌ عَامٌّ وَمَطَرٌ عَامٌّ وقال شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ذَكَرَ أبو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ في الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ كما هو في الْأَسْمَاءِ وَالْأَلْفَاظِ وهو غَلَطٌ فإن الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَعَانِيَ حَقِيقَةً وَإِنْ كانت تُوصَفُ بِهِ مَجَازًا وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ أبي بَكْرٍ الرَّازِيَّ فإنه حُكِيَ عن مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ في الْمَعَانِي أَيْضًا وَاخْتَارَهُ ابن الْحَاجِبِ وَعَمَّمَ الْحَقِيقَةَ في الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ بِعُمُومِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ ثُمَّ قال وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْحَقُّ هو التَّفْصِيلُ بين الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ في الْخَارِجِ وَبَيْنَ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ الْمَوْجُودَةِ في الْأَذْهَانِ فَإِنْ عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ الْمَعَانِيَ غير مَوْصُوفَةٍ بِالْعُمُومِ الْمَعَانِيَ الْمَوْجُودَةَ خَارِجَ فَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ كُلَّ ما له مَوْجُودٌ في الْخَارِجِ فإنه لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَخَصِّصًا بِمَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ وَحَالٍ مَخْصُوصٍ وَمُتَخَصِّصًا بِعَوَارِضَ لَا تُوجَدُ في غَيْرِهِ وَعِنْدَ ذلك يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ وَإِنْ عَنَوْا بِهِ مُطْلَقَ الْمَعَانِي سَوَاءٌ كانت ذِهْنِيَّةً أو خَارِجِيَّةً فَهُوَ بَاطِلٌ فإن الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ الذِّهْنِيَّةَ عَامَّةٌ بِمَعْنَى أنها مَعْنًى وَاحِدٌ مُتَنَاوِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ قال وَلَا يَجْرِي هذا التَّفْصِيلُ في اللَّفْظِ إذْ لَا وُجُودَ له في الْخَارِجِ وَأَمَّا تَخْصِيصُ وُجُودِهِ بِاللِّسَانِيِّ فَلَا يَمْنَعُ من حَمْلِهِ وَدَلَالَتِهِ على مُسَمَّيَاتِهِ انْتَهَى وقال الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ إنْ كان الْخِلَافُ في الْإِطْلَاقِ اللُّغَوِيِّ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ

أَيْ وَيَصِيرُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَإِنْ كان في وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ فَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ في الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ في الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ وَالْأُصُولِيُّونَ يُنْكِرُونَ وُجُودَهَا قُلْت وَصَرَّحَ الْهِنْدِيُّ في الرِّسَالَةِ السَّيْفِيَّةِ بِأَنَّ الْخِلَافَ في اللُّغَةِ فقال الْعُمُومُ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ إجْمَاعًا وَكَذَا اللُّغَةُ على الْمُخْتَارِ وَقِيلَ من عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا انْتَهَى وَفَصَّلَ ابن بَرْهَانٍ بين الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ مِثْلَ حِكْمَةِ الرَّدْعِ في نَصْبِ الْقَتْلِ سَبَبًا فَهِيَ مِثْلُ الْحُكْمِ يَجْرِي فيها الْعُمُومُ وَبَيْنَ الْجُزْئِيَّةِ فَلَا يَجْرِي فيها الْعُمُومُ وقال الْآمِدِيُّ في غَايَةِ الْأَمَلِ لَعَلَّ من مَنَعَ عُرُوضَ الْعُمُومِ لِلْمَعَانِي لم يَكُنْ إلَّا لِنَظَرِهِ إلَى ما لَا يَنْحَصِرُ منها وَغَفْلَتِهِ عن تَحْقِيقِ مَعْنَى كُلِّيَّتِهَا فَتَحَصَّلْنَا على ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ أَحَدِهَا أَنَّهُ لَا يَعْرِضُهُمَا مُطْلَقًا وَالثَّانِي وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَالثَّالِثِ أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا حَقِيقَةً بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ الرَّابِعِ أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا حَقِيقَةً بِالتَّوَاطُؤِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بين اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يُخَرَّجَانِ من كَلَامِ الْقَرَافِيِّ في كِتَابِهِ الْعِقْدِ الْمَنْظُومِ وَالْخَامِسِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ في الْمَعَانِي مَجَازٌ في الْأَلْفَاظِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ نَقَلَهُ ابن الْحَاجِبِ وهو غَرِيبٌ السَّادِسِ التَّفْصِيلُ بين الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ السَّابِعِ التَّفْصِيلُ بين الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ وَالثَّامِنِ الْوَقْفُ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ فإنه أَبْطَلَ أَدِلَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْحَقِيقَةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْمَجَازِ ولم يَخْتَرْ منها شيئا فَدَلَّ على أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ وَيُخَرَّجُ على هذا الْأَصْلِ مَسَائِلُ منها أَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ له على رَأْيِ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّهُ ليس بِلَفْظٍ وَمِنْهَا دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ هل هِيَ عَامَّةٌ أَمْ لَا وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي تَأَمُّلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ في أَنَّ الْعُمُومَ من عَوَارِضِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً وَأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ له وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقْلَ هل يَخْتَصُّ وَمِنْهَا سُكُوتُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم هل يَكُونُ دَلِيلًا عَامًّا

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَانِي هُنَا الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ وَلِهَذَا مَثَّلُوهُ بِالْمَفْهُومِ وَالْمُقْتَضَى لَا الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لِلْأَلْفَاظِ فَتِلْكَ لَا خِلَافَ في عُمُومِهَا لِأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ وقال الْقَرَافِيُّ اعْلَمْ أَنَّا كما نَقُولُ لَفْظٌ عَامٌّ أَيْ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَذَلِكَ نَقُولُ لِلْمَعْنَى إنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا فَنَقُولُ الْحَيَوَانُ عَامٌّ في النَّاطِقِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْعَدَدُ عَامٌّ في الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَاللَّوْنُ عَامٌّ في السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَطَرُ عَامٌّ وَهَذِهِ كُلُّهَا عُمُومَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ لَا لَفْظِيَّةٌ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْعُمُومِ في هذه الصُّوَرِ على هذه الْمَعَانِي عِنْدَ تَصَوُّرِنَا لها وَإِنْ جَهِلْنَا اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ بِإِزَائِهَا هل هو عَرَبِيٌّ أو عَجَمِيٌّ شَامِلٌ أو غَيْرُ شَامِلٍ وَأَمَّا عُمُومُ اللَّفْظِ فَلَا نَقُولُ هذا اللَّفْظُ عَامٌّ حتى نَتَصَوَّرَ اللَّفْظَ نَفْسَهُ وَنَعْلَمَ من أَيِّ لُغَةٍ هو وَهَلْ وَضَعَهُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ عَامًّا شَامِلًا أو غير شَامِلٍ فَلَوْ وَجَدْنَاهُ شَامِلًا سَمَّيْنَاهُ عَامًّا وَإِنْ لم نَجِدْهُ شَامِلًا لم نُسَمِّهِ عَامًّا عُمُومَ الشُّمُولِ وقد نُسَمِّيهِ عَامًّا عُمُومَ الصَّلَاحِيَةِ فَقَدْ ظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ يَصْلُحُ لِلْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَهَلْ ذلك بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أو بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ فيه ما سَبَقَ الثَّانِي أَنَّ هذا الْخِلَافَ فَرَضُوهُ في الْعَامِّ ولم يُجْرُوهُ في الْخُصُوصِ هل هو حَقِيقَةٌ في الْمَعَانِي أَمْ لَا وَلَا شَكَّ في طَرْدِهِ قال الْمُقْتَرِحُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ اخْتَلَفُوا على مَذْهَبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْعَامَّ رَاجِعٌ إلَى وَصْفِ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ كَالْخَبَرِ فإنه مُتَعَلِّقٌ بِمُخْبِرِينَ وَالْعِلْمِ بِمَعْلُومِينَ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا صِفَتَانِ زَائِدَتَانِ على الْمَعَانِي وَهُمَا من أَقْسَامِ الْكَلَامِ الثَّالِثُ قال الْقَرَافِيُّ اصْطَلَحُوا على أَنَّ الْمَعْنَى يُقَالُ له أَعَمُّ وَأَخَصُّ وَاللَّفْظُ يُقَالُ له عَامٌّ وَخَاصٌّ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ أَعَمَّ صِيغَةُ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ وَالْمَعَانِي أَفْضَلُ من الْأَلْفَاظِ فَخُصَّتْ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ وَإِطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ يُخَالِفُ هذا الِاصْطِلَاحَ الرَّابِعُ الْمَعْرُوفُ من إطْلَاقَاتِهِمْ أَنَّ الْأَخَصَّ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأَعَمِّ وَوَقَعَ في عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُقْتَرَحِ الْأَعَمُّ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَخَصِّ قال بَعْضُ شَارِحِيهِ وَجْهُ الْجَمْعِ

أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ إنْ كَانَا في الْأَلْفَاظِ فَالْأَخَصُّ مِنْهُمَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَعَمِّ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ مَثَلًا يَتَنَاوَلُ زَيْدًا الْمُشْرِكَ بِخُصُوصِهِ وَإِنْ كَانَا في الْمَعَانِي فَالْأَعَمُّ منها مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَخَصِّ لِأَنَّ زَيْدًا إذَا وُجِدَ بِخُصُوصِهِ انْدَرَجَ فيه عُمُومُ الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّة وَالنَّاطِقِيَّةِ مَسْأَلَةٌ في عُمُومِ الْمَجَازِ وَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْعُمُومُ بِالْمَجَازِ فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا ابن السَّمْعَانِيِّ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ فَلَا يَدْخُلُ الْعُمُومُ إلَّا في الْحَقَائِقِ وَالثَّانِي يَدْخُلُ فيه الْمَجَازُ كَالْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُخَاطِبُ بِهِ كما تُخَاطِبُ بِالْحَقِيقَةِ قُلْت وَالْأَوَّلُ صَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قال فإنه على خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْصَرُ على الضَّرُورَةِ كما قال أَصْحَابُنَا إنَّ ما ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ عُمُومِ الْمُقْتَضِي وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَيْسَ الْمَجَازُ مُخْتَصًّا بِمَحَالِّ الضَّرُورَاتِ بَلْ هو عِنْدَ قَوْمٍ غَالِبٌ على اللُّغَاتِ وَعَزَى صَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْمَجَازِ لِلشَّافِعِيِّ وقال بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ الْمَجَازُ الْمُقْتَرِنُ بِشَيْءٍ من أَدِلَّةِ الْعُمُومِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَنَحْوِهِ لَا خِلَافَ في أَنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ ما يَصْلُحُ له اللَّفْظُ من أَنْوَاعِ الْمَجَازِ كَالْحُلُولِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ كَلَفْظِ الصَّاعِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا يَحِلُّهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ أَفْرَادِ ذلك الْمَعْنَى لِأَنَّ هذه الصِّيَغَ لِلْعُمُومِ من غَيْرِ فَرْقٍ بين كَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً في الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ أو الْمَجَازِيَّةِ وَنُقِلَ عن بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ حتى إذَا أُرِيدَ الْمَطْعُومُ اتِّفَاقًا لَا يَثْبُتُ غَيْرُهُ من الْمَكِيلَاتِ لِأَنَّ الْمَجَازَ ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِإِيرَادِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا يَثْبُتُ الْكُلُّ كَالْمُقْتَضَى وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالضَّرُورَةِ من جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ في الِاسْتِعْمَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لم يَجِدْ طَرِيقًا لِتَأْدِيَةِ الْمَعْنَى سِوَاهُ فَمَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَعْدِلَ إلَى الْمَجَازِ لِأَغْرَاضٍ مع الْقُدْرَةِ على الْحَقِيقَةِ وَإِنْ أُرِيدَ من جِهَةِ الْكَلَامِ وَالسَّامِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَجَبَ الْحَمْلُ على الْمَجَازِ ضَرُورَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْكَلَامِ فَلَا نُسَلِّمُ

قال وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ مِمَّا لم نَجِدْهُ مَنْقُولًا في كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ في قَوْلِنَا جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا وَتَخْصِيصُهُمْ الصَّاعَ بِالْمَطْعُومِ مَبْنِيٌّ على قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ لَا على عَدَمِ عُمُومِ الْمَجَازِ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الْمَجَازِ في الِاسْمِ الْعَامِّ كَقَوْلِنَا مَعْلُومٌ وَمَذْكُورٌ وَمُخْبَرٌ عنه

مسألة
القائلون ليس للعموم صيغة تخصه
اختلفوا في أصل صيغته على مذاهب أحدها وهم الملقبون بأرباب الخصوص أنه ليس للعموم صيغة تخصه وأن ما ذكروه من الصيغ موضوع للخصوص وهو أقل الجمع إما اثنان أو ثلاثة ولا يقتضي العموم إلا بقرينة وبه قال ابن المنتاب من المالكية ومحمد بن شجاع البلخي من الحنفية وغيرهما وقال القاضي في التقريب والإمام في البرهان يزعمون أن الصيغ الموضوعة للجمع نصوص في الجمع محتملات فيما عداه إذا لم تثبت قرينة تقتضي تعديها عن أقل المراتب وقال أبو الحسين في المعتمد يشبه أن يكونوا جعلوا لفظة من حقيقة في الواحد مجازا في الكل وجعلوا بقية ألفاظ العموم حقيقة في جمع غير مستغرق لأنه يبعد أن يجعلوا ألفاظ الجمع المعرف باللام كالمسلمين حقيقة في الواحد مجازا في الجمع ولفظ كل وجميع أبعد
الذين قالوا للعموم صيغة حقيقية تخصه
والثاني أن له صيغة مخصوصة بالوضع حقيقة وتستعمل مجازا في الخصوص لأن الحاجة ماسة إلى الألفاظ العامة لتعذر جميع الآحاد على المتكلم فوجب أن يكون لها ألفاظ موضوعة كألفاظ الآحاد والخصوص لأن الغرض من وضع اللغة الإعلام والإفهام كما عكسوا في الترادف فوضعوا للشيء الواحد أسماء مختلفة للتوسع وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور أصحابهم قال القاضي عبد الوهاب مذهب مالك وكافة أصحابه أن للعموم صيغة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24