كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

كَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ وهو أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ في الْمَوْضِعَيْنِ أَمَّا إذَا لم يَتَعَيَّنْ كما لو قال ضَرَبْت زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمًا في الدَّارِ فإن الْمَعْطُوفَ هُنَا خَاصٌّ وهو أَنَّ ضَرَبْت في حَالِ قِيَامِهِ وَحَالَ كَوْنِهِ في الدَّارِ وَالْمَعْطُوفُ عليه عَامٌّ فَلَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْمَعْطُوفِ عليه وَالضَّابِطُ أَنَّ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ أَحْوَالًا أَحَدُهَا أَنْ يَتَّضِحُ كَوْنُ الثَّانِيَةِ مُسْتَقِيمَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه بين الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهُ فَرِيقٌ لم يُتَرْجِمْ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ على الْعَامِّ هل يَقْتَضِي الْعُمُومَ فإذا عَطَفْت جُمْلَةً على أُخْرَى وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا وَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ في أَصْلِ الْحُكْمِ لَا في جَمِيعِ صِفَاتِهِ وقد لَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةً أَصْلًا وَهِيَ التي تُسَمَّى وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ على قَلْبِك وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ فإن قَوْلَهُ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا تَعَلُّقَ لها بِمَا قَبْلَهَا وَلَا هِيَ دَاخِلَةٌ في جَوَابِ الشَّرْطِ الثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَّضِحَ اسْتِقَامَتُهَا إلَّا بِتَقْدِيرٍ وَإِضْمَارٍ وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَالْحَنَفِيَّةُ يُقَدِّرُونَ الْأَوَّلَ ثُمَّ له حَالَتَانِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا فَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَامًّا أَيْضًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا فَيَكُونُ خَاصًّا وَهَذِهِ الْحَالَةُ عِنْدَهُمْ تُشَارِكُ الثَّانِيَةُ الْأُولَى في جَمِيعِ ما هِيَ عليه وَلِهَذَا لو قال هذه طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ثَلَاثًا بِخِلَافِ ما إذَا قال هذه طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ طَالِقٌ فَلَا يُطَلِّقُ إلَّا وَاحِدَةً لِاسْتِقْلَالِهَا وَوَافَقَهُمْ ابن الْحَاجِبِ وَالْتَزَمَ في أَثْنَاءِ كَلَامٍ له في مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ ضَرَبْت زَيْدًا يوم الْجُمُعَةِ وَعَمْرًا يَتَقَيَّدُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عِنْدَهُ على الْكَامِلَةِ يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهُمَا في أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ عُصْفُورٍ من النَّحْوِيِّينَ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا في ذلك فَقَالُوا إذَا قال إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فإن الثَّانِيَةَ تَتَقَيَّدُ أَيْضًا بِالشَّرْطِ وَكَذَا لو قَدَّمَ الْجَزَاءَ على الشَّرْطِ وهو ظَاهِرٌ وَقَالُوا فِيمَا إذَا قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ وَنَحْوَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مُفَسِّرًا لِلْأَلْفِ بَلْ له تَفْسِيرُهَا بِمَا شَاءَ وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ وقال الْحَنَفِيَّةُ إنْ كان الْمَعْطُوفُ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا أو مَعْدُودًا فُسِّرَتْ الْأَلْفُ بِهِ وَإِنْ كان مُتَقَوِّمًا كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ بَقِيَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ على إبْهَامِهِ

وَلَوْ قال كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَأَنْتِ يا أُمَّ أَوْلَادِي قال الْعَبَّادِيُّ لَا يَقَعُ عليه الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ قبل النِّكَاحِ لَغْوٌ وقد رَتَّبَ طَلَاقَهَا عليه فَيَلْغُو حَكَاهُ عنه الرَّافِعِيُّ ولم يُنْكِرْهُ ثُمَّ قال وَيَقْرَبُ من هذا ما ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لو قال لِزَوْجَتِهِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يا فَاطِمَةُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ طَلَاقَهَا على طَلَاقِ نِسْوَةٍ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُنَّ وَقَضِيَّةُ هذه الْعِلَّةِ أَنَّهُ إذَا عَطَفَ الطَّلَاقَ على طَلَاقٍ نَافِذٍ يَقَعُ الثَّالِثَةَ أَنْ يَشْكُلَ الْحَالُ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أنها مُحْتَاجَةٌ إلَى الْإِضْمَارِ وَآخَرُونَ إلَى أنها غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ كَهَذَا الحديث فإنه عِنْدَنَا تَامٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ وَهُمْ يُقَدِّرُونَهُ قالوا وَلَوْ لم نُقَدِّرْهُ لَكَانَ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ امْتِنَاعُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ مُطْلَقًا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَهُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ كما يَجُوزُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ بِكَافِرٍ على تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هو مُقَدَّرًا وقد ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ في الحديث تَقْدِيرَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا حَذْفَ فيه وَلَكِنَّهُ على التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْأَصْلُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ بِكَافِرٍ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَعْطُوفَ عن الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ وإذا ثَبَتَ ذلك فَالْكَافِرُ الذي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُعَاهَدُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ من لَا عَهْدَ له وهو الْحَرْبِيُّ فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ الذي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فَرَّ من ضَرُورَةِ تَقْدِيرِ الْحَرْبِيِّ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وهو خِلَافُ الْأَصْلِ أَيْضًا وَبِأَنَّ فيه ما سَبَقَ الثَّانِي أَنَّ ذُو عَهْدٍ مُبْتَدَأٌ وفي عَهْدِهِ خَبَرُهُ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ ليس ذَا عَهْدٍ في عَهْدِهِ وَنَحْنُ لو فَرَضْنَا خُلُوَّ الْوَقْتِ عن عَهْدٍ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ لم يُقْتَلْ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ قال وَمِثْلُهُ في الْمَعْنَى ما أَنْشَدَ أبو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ بِأَيْدِي رِجَالٍ لم يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ ولم تَكْثُرْ الْقَتْلَى بها حَيْثُ سُلَّتْ وَهَذَا فيه بُعْدٌ لِأَنَّ فيه إخْرَاجَ الْوَاوِ عن أَصْلِهَا وهو الْعَطْفُ وَمُخَالَفَةٌ لِرِوَايَةِ من رَوَى وَلَا ذِي عَهْدٍ بِالْخَفْضِ إمَّا عَطْفًا على كَافِرٍ كما يقول الْجُمْهُورُ وَإِمَّا على مُسْلِمٍ كما تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ وَلَكِنَّهُ خُفِضَ لِمُجَاوَرَتِهِ لِلْمَخْفُوضِ وَأَيْضًا فإن مَفْهُومَهُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا في حَالَةِ كَوْنِ ذِي الْعَهْدِ في عَهْدِهِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ فإنه لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ اتِّفَاقًا

مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفُوا في لَفْظِ الْعَامِّ إذَا كان مَعْطُوفًا على عُمُومٍ قَبْلَهُ وَأَمْكَنَ اسْتِعْمَالُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في نَفْسِهِ إذَا أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ من غَيْرِ تَعَلُّقِ الثَّانِي بِمَا قَبْلَهُ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ فَكُلُّ من اعْتَبَرَ خُصُوصَ السَّبَبِ زَعَمَ أَنَّ الثَّانِيَ مَحْمُولٌ على حُكْمِ الْعُمُومِ الذي يَلِيه وَمَنْ اعْتَبَرَ عُمُومَ اللَّفْظِ أَوْجَبَ اعْتِبَارَ الْعُمُومِ الثَّانِي بِظَاهِرِهِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ على تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْطُوفِ وَمِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا إلَى قَوْلِهِ فَمَنْ تَابَ من بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فإن اللَّهَ يَتُوبُ عليه فَمَنْ تَابَ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ مُفْرَدٌ فَلَا يَصِحُّ تَضْمِينُهُ بِمَا قَبْلَهُ من السَّرِقَةِ من سُقُوطِ الْقَطْعِ بِالتَّوْبَةِ بَلْ هو عَامٌّ في السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ منه وَلَيْسَ هذا كَقَوْلِهِ في آيَةِ الْمُحَارَبَةِ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا الْآيَةُ اسْتَثْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ قال الْأُسْتَاذُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ هذا الْمَذْهَبُ الذي أَخَتَرَتَاهُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ على الْمُطَلَّقَةِ وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا ولم يَحْمِلُوهَا على الْمَعْطُوفِ عليه في قَوْلِهِ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ

المسألة الخامسة
إذا ورد اللفظ العام ثم ورد عقيبه تقييد بشرط أو استثناء أو صفة أو حكم وكان ذلك لا يتأتى إلا في بعض ما يتناوله العموم فهل يجب أن يكون المراد بذلك العموم ذلك البعض أو لا فيه قولان والمذهب كما قاله ابن السمعاني أنه لا يجب أن يكون المراد بالعموم تلك الأشياء فقط وبه جزم الشيخ أبو حامد الإسفراييني فقال بل يحمل الأول على عمومه والآخر على أنه بيان لبعض حكم الأول قال وأبو حنيفة يوافقنا على هذه القاعدة وإن خالفنا في مثل لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده انتهى وجزم به أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل والأعلام والقفال الشاشي في كتابه وابن القشيري وإلكيا الطبري والشيخ أبو إسحاق وسليم في التقريب وابن

الصباغ في العدة وبه جزم أبو بكر الرازي من الحنفية ونقله عن عيسى بن أبان وغيره وقالت الحنفية إن ذلك يقتضي تخصيصه وبه قال القاضي من الحنابلة وقال إنه ظاهر كلام أحمد قال سليم وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وإنما خالفه في اعتبار مسائل خص عموم أولها بخصوص آخر كقوله لا يقتل مسلم بكافر الحديث فحمل أول الحديث على الكافر الحربي والمستأمن لأجل آخره لنا أن العام إنما يخص بما ينافيه قلت ونقل الرافعي في أول باب قاطع الطريق عن أكثر العلماء من أصحابنا وغيرهم أن الآية في المسلمين دون الكفار وأنهم احتجوا على ذلك بقوله إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم الآية فدل هذا الاستثناء على أنها في المسلمين انتهى وذهب بعض الأصوليين إلى الوقف واختاره أبو الحسين البصري في المعتمد كذا رأيته فيه وكذا حكاه ابن برهان في الأوسط وابن السمعاني في القواطع ونقل ابن الحاجب عنه أنه يخصص وهو وهم قلت ونص عليه الشافعي في الأم ونقله عن ابن عباس واعلم أن للشافعي في المسألة نصا صريحا لكن وقع في كلامه ما يقتضي الأمرين فأما ما يدل على أنه تخصيص فمواضع أحدها أنه قال في الأم في قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده إن الضمير عائد على بعض ما تقدم وهو الزرع لا النخل والزيتون لأن الحصاد لا يكون إلا في الزرع فلم يوجب الزكاة إلا في الزرع وحمل الإتاء العام عليه لأجل الضمير المخصص الثاني أنه قال في قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا إن هذا وإن كان لفظه عاما للحر والعبد إلا أنه خاص بالحر لقوله بعده وجاهدوا بأموالكم والعبد لا يملك الثالث قوله في الاحتجاج على أن العبد لا يملك الطلاق الثلاث بقوله سبحانه الطلاق مرتان لأنه وإن كان عاما لكنه خاص بالحر لأجل قوله ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن والعبد لا يعطي شيئا

الرابع أنه استدل على أن العبد لا تحل له أربع زوجات بقوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وقال هذا خاص بالحر لقوله أو ما ملكت أيمانكم فإن العبد لا يملك الخامس آية المحاربة السابقة وأما المواضع التي تدل على أنه ليس بتخصيص فمنها أن ظهار الذمي عنده صحيح مع أن قوله تعالى عقب قوله والذين يظاهرون وإن الله لعفو غفور وهو لا يكون إلا للمؤمنين فلم يجعل هذا مخصصا لعموم الذين يظاهرون ومنها أن إيلاء الذمي عنده صحيح مع أن قوله تعالى عقبه للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم فلم يجعله مخصصا فخرج من هذا أن للشافعي في المسألة قولين أصحهما أنه تخصيص كما دل عليه الأكثر من كلامه إلا أن يدل دليل على عدم المخصص فيعمل به كإيلاء الذمي وظهاره وقد مثلوا الاستثناء بقوله تعالى إلا أن يعفون بعد قوله لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ومعلوم أن العفو لا يكون إلا من البالغة الرشيدة فهل يتخصص النساء بهن قال صاحب المصادر وهذا ليس بوزان المسألة لأنه إنما يصح لو لم يذكر بعده أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فقد ذكر حكم البلغ وحكم غيرهن ومثال الصفة قوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا بعد قوله إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ويعني بالأمر الرغبة في رجعتهن ومعلوم أن ذلك لا يتأتى في البائنة فكان الأول عاما في المطلقات قال القفال ولهذا جعل أصحابنا قوله إذا طلقتم النساء فطلقوهن فيما يملك الزوج من عدد الطلاق وإن كان قوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يقتضي تخصيصه بالرجعي ومثال رجوع الضمير قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فهذا عام في الرجعية والبائن المدخول بها ثم قوله وبعولتهن أحق بردهن وهذا لا يتأتى في البائن وقوله تعالى ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وهذا عام في المسلمين والمشركين ثم

قال لقد تقطع بينكم وهي خاصة بالمشركين وجعل بعض المتأخرين مدرك الخلاف أن التخصيص هل يدخل على الأسماء المضمرة كما يدخل على الأسماء المظهرة كما يدل عليه التخصيص المتصل في مثل قوله تعالى ما فعلوه إلا قليل منهم فشربوا منه إلا قليلا منهم فمنهم من قال أكثر الناس على الدخول وتوهم بعض المتأخرين أنه لا يدخل في الضمائر لأن المضمر لا يدل بنفسه على جنس من الأجناس وإنما يعود إلى المذكور أو المعلوم فيقل بقلته ويكثر بكثرته فلا حاجة إلى دخول التخصيص عليه وهذا ليس بشيء لأن موضوعه في اللغة أن يعود إلى ما قبله فإذا عاد إلى بعض ما قبله فقد خص ببعض معناه انتهى وجعل الصيرفي من هذا القسم قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن إلى قوله إلا أن يعفون فأطلق تعالى الاسم على من طلقت بهذه الصفة وأوجب لها نصف المهر من كل مطلق ثم قال إلا أن يعفون فلو كان الضمير راجعا إلى الكل لجاز أن تعفو غير البالغة لأنه لو كان نصف الصداق لا يكون إلا على الزوج الذي له العفو لامرآته أو لامرآته عليه لكان من لا يكون له العفو لا نصف له من الصداق وإذا بطل هذا علم أن الخطاب بالعفو في بعض المذكورين في الابتداء ثم قال وكل ما يجوز أن يكون في الابتداء على الإطلاق فالضمير راجع إلى هذا الوصف والحكم ثابت على ما ثبت وكل ما لا يصح إلا على الترتيب فالحكم له وما جاز أن يقع على الجميع فالضمير عن جميعه ومثل أيضا بقوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ثم قال وإن جاهداك لتشرك بي فهذا إنما يكون في الكافر والأول على عمومه وكذا قوله يوصيكم الله في أولادكم الآية ثم قال من بعد وصية يوصي بها أو دين وقال أبو الحسين بن القطان الكناية إنما تكون على مذكور متقدم فإن لم يكن لم يجز أن يحمل عليه وقد خاطبنا الله بخطاب مواجهة لم يكن على ما تقدم كقوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وإنما أراد بكم ولو خلينا والظاهر لقلنا فيه إن ذلك ليس بعطف لكن لما تقدم ذكر المواجهة علمنا عوده إليهم نظيره قوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح

خرجه الشافعي على قولين أحدهما أن المراد به الولي لأنه لو أراد الزوج لواجهه فلما عدل إلى الكناية علمنا أنه لم يرده والثاني أنه رد الكناية إلى المواجهة وهو الزوج لأنه ذكر عفوها وعفو زوجها فكنى كما كنى في جرين بهم قال وهذا يجري في كل موضع إن قام الدليل صرنا إليه وإلا حمل على الظاهر قال وجعل بعض أصحابنا من هذا أن يعطف شيء فيكون حكم الثاني حكم الأول كقوله لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ثم قال ومن قتله منكم متعمدا فكان الصيد اسما للفعل فلما قال لا تقتلوا استحال أن يكون إشارة إلى الفعل فعلم أن الإشارة وقعت إلى عين المصيد ثم عطف بقوله وحرم عليكم صيد البر فكان المعطوف الثاني على العطف الأول وذلك أن أهل اللغة قالوا إن العطف على حكم المتقدم قال ولذلك قال أحل لكم صيد البحر ومن أصحابنا من قال هذا إذا جرين كان للفعل الثاني لأن الأول لم يعهد أن يكون للفعل لقيام الدلالة عليه وإذا لم نقدر على هذا رجعنا في ذلك إلى الحقيقة في الثاني فكان للفعل والأجود أن يقال في هذه الآية إنه للفعل والمصيد نفسه فقد حرم الأمرين جميعا لأنه قد يقع على المصيد وإذا كان يقع عليه حمل على الأمرين ومما يبين هذا أن الآية واردة في القسم الأول أنه للفعل قوله وحرم عليكم صيد البر فلا يجوز أن يقال فعل البر وإنما أراد عين المصيد ومثل ذلك قوله فطلقوهن لعدتهن ثم قال لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فكان الأول محمولا على البائن والرجعية والثاني محمول على الرجعية مَسْأَلَةٌ وَأَمَّا إذَا كان أَوَّلُ الْكَلَامِ خَاصًّا وَآخِرُهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ فَلَا يَكُونُ خُصُوصُ أَوَّلِهِ مَانِعًا من عُمُومِ آخِرِهِ كَالْعَكْسِ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وَقَوْلُهُ فَمَنْ تَابَ من بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فإن الْأَوَّلَ في صِنْفٍ من الظَّالِمِينَ وَهُمْ السُّرَّاقُ وَالتَّوْبَةُ بَعْدَ الظُّلْمِ وَالْإِصْلَاحِ لِجَمِيعِ

الظَّالِمِينَ وَقَوْلُهُ وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لم يَحِضْنَ فَكَانَ هذا لِلْمُطَلَّقَاتِ ثُمَّ قال وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وهو عَامٌّ في الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ النَّحْوِيُّ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ يُوصِيكُمْ اللَّهُ في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كان أَوَّلُهُ خَاصًّا بِالْأَوْلَادِ وَآخِرُهُ يَشْمَلُ الْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ إذَا وَرِثُوا فإن لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَوْ قِيلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كان مَقْصُورًا على الْأَوْلَادِ فلما لم يَقُلْ منهم دَلَّ على إرَادَةِ الْعُمُومِ قلت وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فيها الْخِلَافُ في الْعَكْسِ وقد سَبَقَ في قَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ تَنْبِيهٌ إذَا تَقَدَّمَ الْمَعْنَى الْمُخَصَّصُ وَتَأَخَّرَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا التَّخْصِيصُ وَلِهَذَا خَصُّوا قَوْلَهُ عليه السَّلَامُ إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ بِالْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَقَالُوا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ يَصِحُّ فلم يَعْتَبِرُوا الْعُمُومَ لِأَجْلِ سَبْقِ الْعِلَّةِ الْمُخَصِّصَةِ مَسْأَلَةٌ وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ الْعَامُّ ثُمَّ ذُكِرَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ بِقَيْدٍ أو شَرْطٍ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ مُرَادٌ بِمَا عَدَا الشَّرْطَ وَيَكُونُ مُخَصِّصًا له قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ قال فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لم يُرِدْ مَجْمُوعَ الرَّقَبَتَيْنِ على الْقَاتِلِ إنْ كان الْقَتْلُ من عَدُوٍّ لنا لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُؤْمِنَ ذِكْرًا عَامًّا فَكَانَ الِاسْمُ يَنْظِمُ من هو عَدُوٌّ لنا وَمَنْ هو من دَارِنَا فلما قال في الثَّانِيَةِ فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ دَلَّ على مُخَالَفَةِ الْمَوْضِعَيْنِ وَأَنَّ ذِكْرَ الْأَوَّلِ في بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الذي في غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ وَبِقَوْلِهِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ثُمَّ قال وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ

فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّانِيَ مُعَلَّقٌ بِمَعْنًى ليس في أَوَّلِ ما اُبْتُدِئَ بِذِكْرِهِ ا هـ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ إذَا وَرَدَ الْعُمُومُ مُجَرَّدًا من صِفَةٍ ثُمَّ أُعِيدَ بِصِفَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عنه كَقَوْلِهِ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ مع قَوْلِهِ قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ اُقْتُلُوا أَهْلَ الْأَوْثَانِ من الْمُشْرِكِينَ كان ذلك مُوجِبًا لِلتَّخْصِيصِ بِالِاتِّفَاقِ وَيُوجِبُ الْمَنْعَ من أَهْلِ الْكِتَابِ وَيُخَصِّصُ ما بَعْدَ الْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

مَبَاحِثُ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ وَالتَّخْصِيصِ تَعْرِيفُ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا الْخَاصُّ اللَّفْظُ الدَّالُ على مُسَمًّى وَاحِدٍ وما دَلَّ على كَثْرَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ على الْبَحْثِ في الْعَامِّ تَقْدِيمًا لِلْمُفْرَدِ على الْمُرَكَّبِ وَالْخُصُوصُ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِبَعْضِ ما يَصْلُحُ له لَا لِجَمِيعِهِ وقد يُقَالُ خُصُوصٌ في كَوْنِ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِلْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ الذي لَا يَصْلُحُ إلَّا له كَتَنَاوُلِ كل اسْمٍ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ له تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذَكَرَ الْقِسْمَ الثَّانِيَ الزَّجَّاجُ في كِتَابٍ له في أُصُولِ الْفِقْهِ نَقَلَهُ عنه ابن الصَّلَاحِ في فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي اللَّهُ عنه عَبَّرَ عن الْمُخْرَجِ مَرَّةً بِالْخَاصِّ وَعَنْ الْمُبْقَى مَرَّةً بِالْخَاصِّ وَالْخُصُوصُ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً وفي الْمَعَانِي الْخِلَافُ السَّابِقُ في الْعُمُومِ ولم يَتَعَرَّضُوا لِذَلِكَ وَفَرَّقَ الْعَسْكَرِيُّ بين الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ فقال الْخَاصُّ يَكُونُ فِيمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُ ما يَنْطَوِي عليه لَفْظُهُ بِالْوَضْعِ وَالْخُصُوصُ ما اخْتَصَّ بِالْوَضْعِ لَا بِإِرَادَةٍ وَقِيلَ الْخَاصُّ ما يَتَنَاوَلُ أَمْرًا وَاحِدًا بِنَفْسِ الْوَضْعِ وَالْخُصُوصُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شيئا دُونَ غَيْرِهِ وكان يَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ ذلك الْغَيْرُ تَعْرِيفُ الْمُخَصَّصِ وَأَمَّا الْمُخَصَّصُ فَيُطْلَقُ على مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يُوصَفُ الْمُتَكَلِّمُ بِكَوْنِهِ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ ما يَتَنَاوَلُهُ وَيُوصَفُ النَّاصِبُ لِدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ يُوصَفُ الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ يُقَالُ السُّنَّةُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ وَيُوصَفُ الْمُعْتَقِدُ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ كما قال الشَّافِعِيُّ يُخَصُّ الْكِتَابُ بِالْخَبَرِ وَغَيْرُهُ لَا يُخَصُّ تَعْرِيفُ التَّخْصِيصِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ وهو الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ فَهُوَ لُغَةً الْإِفْرَادُ وَمِنْهُ الْخَاصَّةُ وَاصْطِلَاحًا قال ابن السَّمْعَانِيِّ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ بِالْحُكْمِ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ بَيَانُ ما لم يُرِدْ بِلَفْظِ الْعَامِّ

وقال ابن الْحَاجِبِ قَصْرُ الْعَامِّ على بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَرَدَ بِأَنَّ لَفْظَ الْقَصْرِ يَحْتَمِلُ الْقَصْرَ في التَّنَاوُلِ أو الدَّلَالَةِ أو الْحَمْلِ أو الِاسْتِعْمَالِ وَذَكَر ابن الْحَاجِبِ أَنَّ التَّخْصِيصَ يُطْلَقُ على قَصْرِ اللَّفْظِ على بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ عَامًّا كما يُطْلَقُ الْعَامُّ على اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ تَعَدُّدِ مُسَمَّيَاتِهِ كَالْعَشَرَةِ وَالْمُسْلِمِينَ لِمَعْهُودَيْنِ وَضَمَائِرِ الْجَمْعِ وَقِيلَ إخْرَاجُ ما يَتَنَاوَلُ الْخِطَابَ وهو أَحْسَنُ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْعَامَّةَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ مع قَطْعِ النَّظَرِ عن الْمُعَارِضِ مُقْتَضَى الْإِرَادَةِ شُمُولُ الْحُكْمِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ فَيُخَصَّصُ بَعْضُ الْأَفْرَادِ بِالْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ فَهِيَ دَاخِلَةٌ في جُمْلَةِ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ ظَاهِرًا مُخْرَجَةٌ عنه بِالتَّخْصِيصِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِخْرَاجُ عن الدَّلَالَةِ أو التَّنَاوُلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالْمُمْكِنُ إخْرَاجُ بَعْضِ الْمُتَنَاوَلِ وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ إذَا ثَبَتَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِبَعْضِ ما اشْتَمَلَ عليه عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْخِطَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ ما عَدَاهُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ كان دَاخِلًا في الْخِطَابِ فَخَرَجَ عنه بِدَلِيلٍ وَإِلَّا لَكَانَ نَسْخًا ولم يَكُنْ تَخْصِيصًا فإن الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالتَّخْصِيصَ بَيَانُ ما قُصِدَ له بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَكَذَا قال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ قد أَرَادَ بَعْضَ ما وُضِعَ له دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْخُصُوصِ الذي يُوضَعُ في الْأَصْلِ لِلْخُصُوصِ وَإِرَادَةُ الْبَعْضِ لَا تُصَيِّرُهُ مَوْضُوعًا في الْأَصْلِ لِذَلِكَ وَلَوْ كان حَقِيقَةً لَكَانَ الْعَامُّ خَاصًّا وهو مُتَنَافٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ خَاصًّا بِالْقَصْدِ كَالْأَمْرِ يَصِيرُ أَمْرًا بِالطَّلَبِ وَالِاسْتِدْعَاءِ انْتَهَى وَكَذَا قال الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هذا عَامٌّ مَخْصُوصٌ أو قد خُصَّ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ يَقُولُونَ هو لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ أُرِيدَ الْبَعْضُ فَقَدْ تَجَوَّزَ بِهِ عن حَقِيقَتِهِ وَوَضْعِهِ فلم يَتَصَرَّفْ في الْوَضْعِ ولم يُغَيِّرْ حتى يُقَالَ ذلك وَإِلَّا فَإِذَنْ هذا اللَّفْظُ مُؤَوَّلٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ وَضْعَهُ لِلْعُمُومِ وَاسْتُعْمِلَ في غَيْرِ وَضْعِهِ مَجَازًا فَهُوَ عَامٌّ من جِهَةِ اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ وَخَاصٌّ بِالْإِرَادَةِ أو التَّجَوُّزِ إذْ قُصِدَ بِهِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ وَإِلَّا فَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ بِالْوَضْعِ لَا يَنْقَلِبُ عن وَضْعِهِ بِالْإِرَادَةِ قَالَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ مُحَالٌ بَلْ هو عَلَامَةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْعَامُّ بِالْوَضْعِ أو الصَّالِحُ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ الْخُصُوصَ فَيُقَالُ على سَبِيلِ التَّوَسُّعِ لِمَنْ عَرَفَ ذلك إنَّهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ أَيْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ

قال الْقَاضِي وَأَمَّا عِنْدَنَا يَعْنِي الْوَاقِفِيَّةَ الْمُنْكِرِينَ لِلصِّيَغِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْعَامِّ وَلَكِنَّهُ بَيَانٌ مُشْتَرَكٌ وَيَحْتَمِلُ من اللَّفْظِ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ لَمَّا كان التَّخْصِيصُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ عن الْإِرَادَةِ منه وَجَبَ قَطْعًا أَنْ يَكُونَ شَرْطُهُ قَصْدَ الْإِخْرَاجِ عن الْإِرَادَةِ وَأَمَّا الْعَامُّ فَيَتَنَاوَلُ الْأَفْرَادَ بِوَضْعِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ من الْأَفْرَادِ وَلَيْسَ من شَرْطِهِ إرَادَةُ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ إذَا لم يَخْرُجْ منه بَعْضُ الْأَفْرَادِ كَفَتْ الْإِرَادَةُ الْعَامَّةُ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ لِجُمْلَةِ أَفْرَادِهِ حُصُولُ الْحُكْمِ في الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ وَإِنْ لم يَخْطُرْ بِالْبَالِ ذلك الْفَرْدُ بِخُصُوصِهِ قال وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فيه أَعْنِي أَنَّهُ ليس من شَرْطِ الْعَامِّ إرَادَةُ كل فَرْدٍ من أَفْرَادِهِ بِخُصُوصِهِ انْتَهَى وقال الْعَبَّادِيُّ في زِيَادَاتِهِ الْعِبَارَاتُ أَمَارَاتُ الْإِرَادَاتِ فإذا خُصَّتْ الْعِبَارَةُ خُصَّتْ الْإِرَادَةُ وإذا عَمَّتْ عَمَّتْ وهو جَارٍ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَهَلْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ الْمُخَصِّصِ الْخِصِّيصَ أَمْ لَا قَوْلَانِ قالت الْأَشْعَرِيَّةُ بِالثَّانِي وَالْمُعْتَزِلَةُ بِالْأَوَّلِ وَهُمَا الْقَوْلَانِ في تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وقال أبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في التَّخْصِيصِ مُقَارَنَةُ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَالْعَقْلِيُّ مَحَلُّ وِفَاقٍ في اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي في بَابِ الْحَجِّ حِكَايَةُ خِلَافٍ في أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالتَّكْلِيفِ ما يَدُلُّ على النَّسْخِ ولم يَذْكُرُوهُ هُنَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ الْفَرْقُ بين التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّخْصِيصَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالنَّسْخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِنَقْضِ ما يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وقد فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا من وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ التَّخْصِيصَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَعْيَانِ وَالنَّسْخَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَزْمَانِ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الثَّانِي أَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمَانَ وَالْأَعْيَانَ وَالْأَحْوَالَ بِخِلَافِ النَّسْخِ فإنه لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَزْمَانَ قال الْغَزَالِيُّ وَهَذَا ليس بِصَحِيحٍ فإن الْأَعْيَانَ وَالْأَزْمَانَ لَيْسَا من أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالنَّسْخُ يَرِدُ على الْفِعْلِ في بَعْضِ الْأَزْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ على الْفِعْلِ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ

الثَّالِثُ التَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ النَّسْخِ فإنه يَكُونُ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ وَعَلَى هذا فَالنَّسْخُ أَعَمُّ قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ لَكِنْ اخْتَارَ إمَامُهُ خِلَافَهُ فإنه قال النَّسْخُ لَا مَعْنَى بِهِ إلَّا تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ فَيَكُونُ الْفَرْقُ بين التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ فَرْقَ ما بين الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وقد سَبَقَهُ إلَى ذلك الْأُسْتَاذُ فِيمَا نَقَلَهُ عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ في كِتَابِ النَّسْخِ فقال صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ بِأَنَّ النَّسْخَ تَخْصِيصٌ في الزَّمَانِ وَاعْتَرَضَ عليه الرَّابِعُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ تَقْلِيلٌ وَالنَّسْخَ تَبْدِيلٌ وقال هذا لَفْظٌ جَمِيلٌ وَلَكِنْ رِيعُهُ قَلِيلٌ وَمَعْنَاهُ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَبْدِيلٌ وَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ قال تَعَالَى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمُهُ على الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ الْخَامِسُ أَنَّ النَّسْخَ يَتَطَرَّقُ إلَى كل حُكْمٍ سَوَاءٌ كان ثَابِتًا في حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ أو أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ وَالتَّخْصِيصُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ من عَبَّرَ عنه بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ في الْأَمْرِ بِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ وَالنَّسْخَ يَدْخُلُ فيه السَّادِسُ أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبْقِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ على ما بَقِيَ تَحْتَهُ حَقِيقَةً كان أو مَجَازًا على الْخِلَافِ وَالنَّسْخُ يُبْطِلُ دَلَالَةَ حَقِيقَةِ الْمَنْسُوخِ في مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ السَّابِعُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ عن وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عن وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَخْصُوصِ وِفَاقًا الثَّامِنُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ قال الْقَرَافِيُّ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَقَعَ في كُتُبِ الْعُلَمَاءِ كَثِيرًا وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ قد تَنْسَخُ بَعْضَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَّا كُلَّهَا فَلَا لِأَنَّ قَوَاعِدَ الْعَقَائِدِ لم تُنْسَخْ وَكَذَلِكَ حِفْظُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ فَحِينَئِذٍ النَّسْخُ إنَّمَا يَقَعُ في بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ وَإِنْ جَازَ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى عَقْلًا التَّاسِعُ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فإنه بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ في زِيَادَاتِهِ وَهَذَا على رَأْيِ الْقَاضِي وَأَمَّا على رَأْيِ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ انْتِهَاءُ حُكْمٍ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ

الْعَاشِرُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ ما أُرِيدَ بِالْعُمُومِ وَالنَّسْخَ بَيَانُ ما لم يُرَدْ بِالْمَنْسُوخِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ التَّخْصِيصَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِالْعَامِّ وَمُقَدَّمًا عليه وَمُتَأَخِّرًا عنه وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُتَقَدِّمًا على الْمَنْسُوخِ وَلَا مُقْتَرِنًا بِهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عنه الثَّانِي عَشَرَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلٍ وَخِطَابٍ وَالتَّخْصِيصَ قد يَكُونُ بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ وَالْقَرَائِنِ وَسَائِرِ أَدِلَّةِ السَّمْعِ وَيَقَعُ التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّسْخُ لَا يَقَعُ بِهِ الثَّالِثَ عَشَرَ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ في الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ وَالنَّسْخُ يَخْتَصُّ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ الرَّابِعَ عَشَرَ التَّخْصِيصُ على الْفَوْرِ وَالنَّسْخُ على التَّرَاخِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وفي هذا نَظَرٌ الْخَامِسَ عَشَرَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ وَاقِعٌ وَنَسْخُهُ لَا يَقَعُ بِهِ السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ في غَيْرِ الْعَامِّ بِخِلَافِ النَّسْخِ فإنه يَرْفَعُ حُكْمَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْأَمْرِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ على خِلَافٍ فيه الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّ التَّخْصِيصَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ عِنْدَ الْخِطَابِ ما عَدَاهُ وَالنَّسْخُ يُحَقِّقُ أَنَّ كُلَّ ما يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مُرَادٌ في حَالِ الْحَالِ وَإِنْ كان غير مُرَادٍ فِيمَا بَعْدَهُ وكان اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يَدُلُّ على الزَّمَانِ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَدُلُّ على الْفِعْلِ ثُمَّ الزَّمَانُ ظَرْفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ هذه الْفُرُوقَ أَكْثَرُهَا أَحْكَامٌ أو لَوَازِمُ ثَابِتَةٌ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مَسْأَلَةٌ الْحُكْمُ إذَا عُلِّقَ بَعْدَهُ هل يَكُونُ تَعْلِيقُهُ بِمَا دُونَهُ نَسْخًا أو تَخْصِيصًا فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ من الْبَحْرِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِمَا ما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى بِقَلْبِهِ إلَّا وَاحِدَةً قال في الْإِفْصَاحِ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ في الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ

وَالثَّانِي يَصِحُّ في الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَإِنْ قُلْنَا تَخْصِيصٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ في الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بهذا إلَى الْفَرْقِ الْحَادِيَ عَشَرَ مَسْأَلَةٌ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْخِطَابُ في الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ على أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا خِطَابٌ عَامُّ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْءٍ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الرِّسَالَةِ فَهَذَا عَامٌّ لَا خَاصٌّ وَاعْتَرَضَ ابن دَاوُد عليه فقال كَيْفَ عَدَّ هذه الْآيَةِ في الْعُمُومَاتِ التي لم يَدْخُلْهَا التَّخْصِيصُ وَاَللَّهُ تَعَالَى شَيْءٌ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ وَرَدَّ ابن سُرَيْجٍ عليه وقال أَمَّا عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاطِبَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ وقال في كِتَابِ الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ لِابْنِ دَاوُد وَأَمَّا ما عَرَّضَ بِهِ من قَوْلِهِ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً وَأَيُّ ضَرُورَةٍ دَعَتْهُ إلَى هذا وَكَيْفَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومُ ما أَوْمَأَ إلَيْهِ وقد بَدَأَ اللَّهُ بِنَفْسِهِ فَأَخْبَرَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْءٍ وَهَلْ تَحْتَمِلُ الْأَوْهَامُ في الْمُخَاطَبَةِ ما أَوْمَأَ إلَيْهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تُطِيقُ الْكَلَامَ لَكَانَ عليه فيه كَلَامٌ كَثِيرٌ وَيَقُولُ إنَّ الْآيَةَ تَخْرُجُ عَامَّةً في مَذَاهِبِ جَمِيعِ الناس لِأَنَّهُ لَمَّا كان ما عَرَّضَ بِهِ في اللَّهِ مُحَالًا خَارِجًا عن الْوَهْمِ عُلِمَ أَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يُخَرَّجُ على ما يُعْقَلُ وَيُتَوَهَّمُ دُونَ ما لَا يُعْقَلُ وَلَا يُتَوَهَّمُ فإذا لم يُخَرَّجْ على ما لَا يُتَوَهَّمُ لم يَدْخُلْ في ذلك عُمُومٌ وَلَا خُصُوصٌ ثُمَّ قال بَعْدَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ في دَفْعِ ما أَوْرَدَهُ ابن دَاوُد مِمَّا يَسْتَحِيلُ انْدِرَاجُهُ في الصِّفَاتِ قد أَوْمَأْنَا إلَى جُمَلٍ وَكَرِهْنَا التَّفْسِيرَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ بَعْدَهُ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ في هذا انْتَهَى وقال الصَّيْرَفِيُّ في شَرْحِ الرِّسَالَةِ اعْتَرَضَ ابن دَاوُد وَيَحْيَى بن أَكْثَمَ على الشَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْءٍ إنَّهُ عَامٌّ وَجَهِلُوا الصَّوَابَ وَذَهَبُوا عن اللُّغَةِ وَذَلِكَ لو أَنَّ رَجُلًا من كِبَارِ أَهْلِ بَغْدَادَ قال أَطْعَمْت أَهْلَ بَغْدَادَ جميعا لم يَكُنْ دَاخِلًا فِيهِمْ ولم تَقُلْ له خَرَجْت أنت بِخُصُوصٍ وَإِنَّمَا الْعُمُومُ

في الْمُطْعَمِينَ سِوَاهُ لِأَنَّهُ هو الْمُطْعِمُ لهم قال وفي الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا خَالِقَ سِوَاهُ وَثَانِيهمَا أَنَّ ما سِوَاهُ مَخْلُوقٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فِيمَا سِوَاهُ قال وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَةَ شَيْءٍ لَا تُطْلَقُ على اللَّهِ وَإِنْ شَمِلَتْ الْمَوْجُودَاتِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا وَسَنَدُ الْمَنْعِ كَوْنُ الْأَسْمَاءِ تَوْقِيفِيَّةً وَلِأَنَّ لَفْظَةَ شَيْءٍ مَأْخُوذَةٌ من شَاءَ وَالشَّاءُ من الْمُحْدَثِ الذي ليس بِقَدِيمٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ فَلَا يَصْدُقُ فيه ذلك الثَّانِي خِطَابٌ خَاصُّ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَقَوْلِهِ يا أَيُّهَا النبي قُلْ لِأَزْوَاجِك الْآيَةُ فَهَذَا مُخْتَصٌّ بِهِ عليه السَّلَامُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ على أَحَدٍ التَّخْيِيرُ الثَّالِثُ خِطَابٌ خَاصُّ اللَّفْظِ عَامُّ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى وإذا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ الْآيَةُ الْخِطَابُ معه وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وقد نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الْكِتَابِ ولم يُنَزِّلْ في الْكِتَابِ إلَّا هذه الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك وَقَوْلِهِ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا قال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَلَا يُصَارُ إلَى ذلك إلَّا بِدَلِيلِ غَيْرِ الْخِطَابِ وَأَنْكَرَ ابن حَزْمٍ في الْإِحْكَامِ وُجُودَ هذا الْقِسْمِ وقال ليس مَوْجُودًا في اللُّغَةِ وهو مَحْجُوبٌ بِمَا ذَكَرْنَا الرَّابِعُ خِطَابٌ عَامُّ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَهَذَا اُخْتُلِفَ فيه وَالْأَكْثَرُونَ على جَوَازِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ قال لهم الناس إنَّ الناس قد جَمَعُوا لَكُمْ فإن الْمُرَادَ بِالنَّاسِ الْأَوَّلُ نُعَيْمُ بن مَسْعُودٍ أو أَرْبَعَةُ نَفَرٍ كما قال الشَّافِعِيُّ في الرِّسَالَةِ قال الْكَرْخِيُّ وهو مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ وإذا خَاطَبَ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّنَا على مُرَادِهِ بِهِ وَهَلْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ الدَّلِيلِ الْخِطَابَ أو يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عنه فيه الْقَوْلَانِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى إنْكَارِ هذا الْقِسْمِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْخُصُوصِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالْجُمْلَةِ وَلَا يَجُوزُ في قَوْله تَعَالَى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا أَنَّ هذه الصِّيغَةَ مُرَادٌ بها أَلْفُ سَنَةٍ كَامِلَةٍ

وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً أَطْلَقُوا الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ منهم صَاحِبُ الْمَحْصُولِ وَخَصَّهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَصَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ في الْأَحْكَامِ وَغَيْرُهُمْ بِالْخَبَرِ ولم يَنْقُلُوا الْخِلَافَ في الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بَلْ جَعَلُوهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ كَالنَّسْخِ وهو الظَّاهِرُ فإن الْمَانِعَ هُنَا في الْخَبَرِ قِيَاسُ التَّخْصِيصِ على النَّسْخِ كما قَالَهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُخَالِفَ يَمْنَعُ تَسْمِيَتَهُ عَامًّا مَخْصُوصًا وَيَقُولُ إنَّهُ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْتَهِضُ الِاسْتِدْلَال عليه بِمَا ذَكَرُوهُ من الْآيَاتِ الْمُخَصِّصَةِ وهو قَوِيٌّ وَمِنْ هُنَا قال بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ في التَّخْصِيصِ وُرُودُهُ في الْإِنْشَاءَاتِ لَا في الْأَخْبَارِ فإنه لَا يَكُونُ فيها عَامٌّ مَخْصُوصٌ بَلْ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَائِدَةٌ عُمُومَاتُ الْقُرْآنِ مَخْصُوصَةٌ في الْأَكْثَرِ حتى قال الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ ليس في الْقُرْآنِ عَامٌّ غَيْرُ مَخْصُوصٍ إلَّا أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا قَوْلُهُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَكُلُّ من سُمِّيَتْ أُمًّا من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أو أُمِّ أُمٍّ وَإِنْ عَلَتْ فَهِيَ حَرَامٌ ثَانِيهَا قَوْلُهُ كُلُّ من عليها فَانٍ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثَالِثُهَا قَوْلُهُ وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ رَابِعُهَا وَأَنَّهُ على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ خَامِسُهَا وما من دَابَّةٍ في الْأَرْضِ إلَّا على اللَّهِ رِزْقُهَا وَغَلِطَ من جَعَلَ منه قَوْله تَعَالَى وَاَللَّهُ على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ إذْ الْقُدْرَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَحِيلَاتِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَعْدُومَ لَا يُطْلَقُ عليه شَيْءٌ عِنْدَنَا حَقِيقَةً فما بِالْمُسْتَحِيلِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي في الْخَصَائِصِ في قَوْله تَعَالَى له ما في السَّمَوَاتِ وما في الْأَرْضِ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ من مَخْلُوقَاتِهِ لَيْسَتْ له فَبَنَاهُ على مَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ في الِاعْتِزَالِ

فَصْلٌ في الْفَرْقِ بَيْنِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ اعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ لم يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ فيه مِمَّا أَثَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ من أَصْحَابِنَا فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ في قَوْله تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ هل هو عَامٌّ مَخْصُوصٌ أو عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ في تَعْلِيقِهِ في كِتَابِ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ ما كان الْمُرَادُ بِهِ أَقَلَّ وما ليس بِمُرَادٍ هو الْأَكْثَرُ قال أبو عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هو الْأَكْثَرُ وما ليس بِمُرَادٍ هو الْأَقَلُّ قال وَيَفْتَرِقَانِ في الْحُكْمِ من جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ وَهَذَا يُمْكِنُ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِهِ اعْتِبَارًا بِالْأَكْثَرِ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي بَيْنَهُمَا من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَامَ الْمَخْصُوصَ ما يَكُونُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ أَكْثَرَ وما ليس بِمُرَادٍ بِاللَّفْظِ أَقَلَّ وَالْعَامُّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ ما يَكُونُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ أَقَلَّ وما ليس بِمُرَادٍ بِاللَّفْظِ أَكْثَرَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مُتَقَدِّمٌ على اللَّفْظِ وَفِيمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ مُتَأَخِّرٌ عن اللَّفْظِ أو يَقْتَرِنُ بِهِ وَمِمَّنْ تَعَرَّضَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا من الْمُتَأَخِّرِينَ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فقال في شَرْحِ الْإِمَامِ يَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بين قَوْلِنَا هذا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَبَيْنَ قَوْلِنَا هذا عَامٌّ مَخْصُوصٌ فإن الثَّانِيَ أَعَمُّ من الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَرَادَ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا ما دَلَّ عليه ظَاهِرُ الْعُمُومِ ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذلك بَعْضَ ما دَلَّ عليه اللَّفْظُ كان عَامًّا مَخْصُوصًا ولم يَكُنْ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ ثُمَّ يُقَالُ إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الذي أُخْرِجَ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ إذَا قَصَدَ الْعُمُومَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقْصِدَ الْخُصُوصَ

بِخِلَافِ ما إذَا نَطَقَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ مُرِيدًا بِهِ بَعْضَ ما يَتَنَاوَلُهُ في هذا وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ من الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَعْضًا مُعَيَّنًا فَهُوَ الْعَامُّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَإِنْ أَرَادَ سَلْبَ الْحُكْمِ عن بَعْضٍ منه فَهُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مِثَالُهُ قَوْلُهُ قام الناس فإذا أَرَدْت إثْبَاتَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ مَثَلًا لَا غَيْرُ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَإِنْ أَرَدْت سَلْبَ الْقِيَامِ عن زَيْدٍ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَامَّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إنَّمَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ مَعْنَوِيٍّ يَمْنَعُ إرَادَةَ الْجَمِيعِ فَيَتَعَيَّنُ له الْبَعْضُ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ اللَّفْظِ غَالِبًا كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةُ وَالْمُتَّصِلُ نَحْوُ قام الْقَوْمُ ثُمَّ يقول ما قام زَيْدٌ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْعَامَّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ هو أَنْ يُطْلَقَ الْعَامُّ وَيُرَادَ بِهِ بَعْضُ ما يَتَنَاوَلُهُ هو مَجَازٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ في بَعْضِ مَدْلُولِهِ وَبَعْضُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ قال وَشَرْطُ الْإِرَادَةِ في هذا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ اللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي طُرُوءُهَا في أَثْنَائِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منها نَقْلُ اللَّفْظِ عن مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ وَلَيْسَتْ الْإِرَادَةُ فيه إخْرَاجًا لِبَعْضِ الْمَدْلُولِ بَلْ إرَادَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ في شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ مَوْضُوعِهِ كما يُرَاد بِاللَّفْظِ مَجَازُهُ وَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَهُوَ الْعَامُّ الذي أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ مُخَرَّجًا منه بَعْضُ أَفْرَادِهِ بِالْإِرَادَةِ إرَادَةً لِلْإِخْرَاجِ لَا إرَادَةً لِلِاسْتِعْمَالِ فَهِيَ تُشْبِهُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِأَوَّلِ اللَّفْظِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عنه بَلْ يَكْفِي كَوْنُهَا في أَثْنَائِهِ كَالْمَشِيئَةِ في الطَّلَاقِ وَهَذَا هو مَوْضُوعُ خِلَافِهِمْ في أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ مَجَازٌ أو حَقِيقَةٌ وَمَنْشَأُ التَّرَدُّدِ أَنَّ إرَادَةَ إخْرَاجِ بَعْضِ الْمَدْلُولِ هل تُصَيِّرُ اللَّفْظَ مُرَادًا بِهِ الْبَاقِي أو لَا وهو يُقَوِّي كَوْنَهُ حَقِيقَةً لَكِنَّ الْجُمْهُورَ على الْمَجَازِ وَالنِّيَّةُ فيه مُؤَثِّرَةٌ في نَقْلِ اللَّفْظِ عن مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِهِ وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ عَدَّ ابْنِ الْحَاجِبِ الْبَدَلَ في الْمُخَصَّصَاتِ ليس بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْأَوْلَى في قَوْلِنَا أَكَلَتْ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ أَنَّهُ من الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ لَا الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ قال عَلِيُّ بن عِيسَى النَّحْوِيُّ في كِتَابِ الْعَرَضُ وَالْآلَةُ إذَا أتى بِصُورَةِ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فَهُوَ مَجَازٌ إلَّا في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إذَا صَارَ الْأَظْهَرُ الْخُصُوصَ كَقَوْلِهِمْ غَسَلْت ثِيَابِي وَصَرَمْت نَخْلِي وَجَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ وَجَاءَتْ الْأَزْدُ انْتَهَى

فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ من حَقِّ التَّخْصِيصِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ فَاللَّفْظُ الذي لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِمَعْنَى إخْرَاجِ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ منه لِأَنَّهُ إخْرَاجُ الْبَعْضِ مع بَقَاءِ الْبَعْضِ وَالْوَاحِدُ لَا بَعْضَ له فَاسْتَحَالَ تَخْصِيصُهُ وَلِهَذَا قال ابن الْحَاجِبِ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصٌ إلَّا في ذِي أَجْزَاءٍ يَصِحُّ افْتِرَاقُهَا لِيُمْكِنَ صَرْفُهُ إلَى بَعْضٍ يَصِحُّ الْقَصْرُ عليه وَاعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْوَاحِدَ يَنْدَرِجُ فيه الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ وهو يَصِحُّ إخْرَاجُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ لِصِحَّةِ قَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا وَتُرِيدُ بَعْضَهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَأَمَّا الذي يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ من وَاحِدٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمُومُهُ من جِهَةِ اللَّفْظِ أو الْمَعْنَى أَيْ الِاسْتِنْبَاطِ فَالْأَوَّلُ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ أَمْرًا أو خَبَرًا نحو فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ خُصَّ الذِّمِّيُّ وَمَنْ في مَعْنَاهُ وَالثَّانِي على ثَلَاثَةٍ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا الْعِلَّةُ وقد اُخْتُلِفَ في تَخْصِيصِهَا على مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ وَالْمَنْقُولُ عن الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمَنْعُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في بَابِ الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُسَمَّاةُ هُنَاكَ بِالنَّقْصِ كَالنَّهْيِ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَجْلِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ وَوَجَدْنَا هذه الْعِلَّةَ في الْعَرَايَا مع أَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَهُ فيها الثَّانِي مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ كَدَلَالَةِ التَّأْفِيفِ على حُرْمَةِ الضَّرْبِ فَالتَّخْصِيصُ فيه جَائِزٌ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَلْفُوظِ وهو التَّأْفِيفُ في مِثَالِنَا هذا وَمَنَعَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَسُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ من جَوَازِ تَخْصِيصِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ في الْعُمُومِ وَلَا عُمُومَ إلَّا في الْأَلْفَاظِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا قال فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وكان الْمَنْعُ من أَجْلِ الْأَذَى لم يَجُزْ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ على إجَازَةِ الضَّرْبِ مع أَنَّ فيه أَذًى لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ الْأَوَّلَ قالوا وَهَكَذَا الْقِيَاسُ لَا يَدْخُلُهُ تَخْصِيصٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ تَنْبَنِيَانِ على الْوَجْهَيْنِ في الْمَعْلُومِ من جِهَةِ الْفَحْوَى هل هو من جِهَةِ اللُّغَةِ أو من جِهَةِ الْقِيَاسِ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَشَرَطَ الْهِنْدِيُّ في الْجَوَازِ أَنْ لَا

يَعُودَ نَقْصًا على الْمَلْفُوظِ كَإِبَاحَةِ ضَرْبِ الْأُمِّ إذَا فَجَرَتْ أَمَّا إذَا عَادَ نَقَضَا على الْمَلْفُوظِ كما إذَا قال فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ لَكِنْ أَبَاحَ له نَوْعًا من أَنْوَاعِ الْأَذَى مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ هذا كُلُّهُ مع بَقَاءِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ أَمَّا لو وَرَدَ دَلِيلٌ يَدُلُّ على إخْرَاجِ الْمَلْفُوظِ وهو التَّأْفِيفُ مَثَلًا فإنه لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا بَلْ نَسْخًا له وَلِلْمَفْهُومِ أَيْضًا لِأَنَّ رَفْعَ الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْفَرْعِ الثَّالِثُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ كَسَائِمَةِ الْغَنَمِ فإن مَفْهُومَهُ نَفْيُ الْإِيجَابِ عن مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ على ثُبُوتِ مِثْلِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ لِبَعْضِ الْمَسْكُوتِ عنه الذي ثَبَتَ فيه الْمَفْهُومُ خِلَافَ ما ثَبَتَ لِلْمَنْطُوقِ وَيُعْمَلُ بِذَلِكَ جَمْعًا بين الدَّلِيلِينَ فَتُخَصُّ الْمَعْلُوفَةُ الْمُعَدَّةُ لِلتِّجَارَةِ من هذا الْعُمُومِ وَشَرَطَ الْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ لِلْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُخَصَّصُ رَاجِحًا ولم يَذْكُرْهُ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ في الْمُخَصَّصِ الرُّجْحَانُ وَمِنْهُمْ من مَنَعَ من تَخْصِيصِهِ كما حَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ وهو احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَحَكَى ابن بَرْهَانٍ عن الْقَاضِي أبي بَكْرٍ أَنَّهُ مَنَعَ تَخْصِيصَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ اللَّفْظَ وَاخْتَارَ تَخْصِيصَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ وَاَلَّذِي رَأَيْته في كِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي الْمَنْعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا نعم هذا اخْتِيَارُ سُلَيْمٍ الرَّازِيَّ في كِتَابِ التَّقْرِيبِ فإنه مَنَعَ دُخُولَ التَّخْصِيصِ لِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ثُمَّ قال وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللَّفْظِ إنْ تَنَاوَلَ وَاحِدًا لم يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ أَشْيَاءَ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ قال شَارِحُ اللُّمَعِ تَخْصِيصُ دَلِيلِ الْخِطَابِ قبل اسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ يَنْبَنِي على الْوَجْهَيْنِ فيه هل هو كَالنُّطْقِ أو كَالْقِيَاسِ فَإِنْ قُلْنَا كَالْقِيَاسِ لم يَجُزْ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ قُلْنَا كَالنُّطْقِ فَفِي تَخْصِيصِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ مَبْنِيَّانِ على الْمَعْنَى في فَحْوَى الْخِطَابِ قال فَأَمَّا إذَا اسْتَقَرَّ كان ما يَرِدُ مُنَاقِضًا له من بَابِ النَّسْخِ مَسْأَلَةٌ الْعُمُومُ الْمُؤَكَّدُ بِكُلٍّ وَنَحْوِهَا هل يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ فيه قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في بَابِ الْقَضَاءِ أَحَدُهُمَا لَا

وَنَقَلَهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ عن بَعْضِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَلِهَذَا قالوا إنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفِي التَّجَوُّزَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْبَعْضَ وَيَشْهَدُ له قَوْله تَعَالَى يَقُولُونَ هل لنا من الْأَمْرِ من شَيْءٍ قُلْ إنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ في قِرَاءَةِ النَّصْبِ لِأَنَّهُ لو لم يُعَيِّنْهُ لِلْعُمُومِ لَمَا قال هل لنا من الْأَمْرِ من شَيْءٍ وَهَذَا يَدْخُلُ في الْمَجَازِ لَا في التَّخْصِيصِ وَأَصَحُّهُمَا نعم بِدَلِيلِ ما جاء في الحديث فَأَحْرَمُوا كلهم إلَّا أَبَا قَتَادَةَ لم يُحْرِمْ فَدَخَلَهُ التَّخْصِيصُ مع تَأْكِيدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيسَ إنْ جَعَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا فَإِنْ قِيلَ التَّأْكِيدُ هُنَا مُقَدَّرٌ حُصُولُهُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَالْمُؤَكَّدُ هُنَا إنَّمَا هو غَيْرُ الْمُخْرَجِ قُلْنَا كَيْفَ يَفْعَلُ بِقَوْلِهِ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا وَالِاسْتِغْرَاقُ فيه مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ آيَاتِ اللَّهِ لَا تَتَنَاهَى قال الْإِمَامُ في الْبُرْهَانِ وَمِمَّا زَلَّ فيه النَّاقِلُونَ عن الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَّبِعِيهِ أَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ مع الْقَرَائِنِ تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً وَهَذَا إنْ صَحَّ يُحْمَلُ على مَوَانِعِ الْعُمُومِ كَالصِّيَغِ الْمُؤَكَّدَةِ انْتَهَى وقد صَرَّحَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَيْضًا فقال في كِتَابِهِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ الْمُؤَكِّدُ وَمَثَّلَهُ بِالْآيَةِ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ قال وَالتَّأْكِيدُ لَا يُزِيلُ احْتِمَالَ اللَّفْظِ وَإِلَّا لم يَدْخُلْهُ اسْتِثْنَاءٌ وَبِالْجَوَازِ أَيْضًا صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في بَابِ الْقَضَاءِ من كِتَابِهِمَا ثُمَّ قال وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْمُؤَكَّدِ وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُودِ الِاحْتِمَالِ بَعْدَ التَّأْكِيدِ كَوُجُودِهِ من قَبْلُ ا هـ وَهَذَا نَظِيرُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَيْضًا في جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ بِالْأَبَدِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْهِنْدِيِّ في بَابِ النَّسْخِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَنْبِيهٌ إذَا عُطِفَ الْخَاصُّ على الْعَامِّ الْمُتَنَاوِلِ له وَقُلْنَا إنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعُمُومِ وَكَأَنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْخُصُوصِ وَمَرَّةً بِالْعُمُومِ يَجِيءُ في تَخْصِيصِهِ هذا الْخِلَافُ

مسألة
في الغاية التي ينتهي إليها التخصيص
اختلف في المقدار الذي لا بد من بقائه بعد التخصيص على مذاهب أحدها أنه لا بد من بقاء جمع كثير ونقله الرازي والآمدي عن أبي الحسين البصري وصححه الرازي وقال في الآمدي وبه قال أكثر أصحابنا وإليه مال إمام الحرمين ونقله ابن برهان عن المعتزلة قلت وعبارة أبي الحسين في المعتمد الأولى المنع من ذلك في جميع أفراد العموم وإيجاب أن يراد بها كثرة وإن لم يعلم قدرها إلا أن يستعمل في الواحد على سبيل التعظيم والإبانة فإن ذلك يجري مجرى الكثير وأما غير ذلك فلا انتهى وقال الأصفهاني ما نسبه الآمدي إلى الجمهور ليس بجيد نعم اختاره الغزالي والرازي واختلف في ذلك الكثير فقال أكثرهم لا بد أن يعرف من مدلول اللفظ العام قبل التخصيص وقال البيضاوي لا بد أن يكون غير محصور وقال ابن برهان في الأوسط لم يحدوا الكثرة هنا بل قالوا تعرف بالقرائن وأغرب بعضهم فادعى أنه ليس المراد بالكثير هنا الكثير عددا بل الكثير وقوعا والغالب وجودا بحيث يقرب أنه مما خطر بالبال عند ذكر اعتبار لفظ العام وقال آخرون شرطه أن يكون الباقي معظم الأمر إما في الكثير وإما في الاعتبار أما في الكثرة فكما إذا قلت كل إنسان مصاب وكل محسن مشكور فإنه وإن كان في الناس من لم يصب بمصيبة إلا أنه يحدث قائل ذلك ويحسن أن لا يقدح في كلامه وأما في الاعتبار فكما إذا قلت خرج الناس كلهم للقاء الملك فإن المراد من له اعتبار وإن كان أكثر الناس لم يخرجوا والثاني أن العام إن كان ظاهرا مفردا كمن والألف واللام نحو اقتل من في الدار واقفع السارق جاز التخصيص إلى أهل المراتب وهو واحد لأن الاسم يصلح لهما جميعا وإن كان بلفظ الجمع كالمسلمين جاز إلى أقل الجمع وذلك إما ثلاثة أو اثنان على الخلاف قاله القفال الشاشي كذا رأيته في كتابه في نسخة قديمة

واعتمد ابن الصباغ في العدة أيضا فاضبط ذلك فقد زال الناقلون عنه في هذه المسألة فنقل ابن برهان في الأوسط عنه جواز الرد إلى الواحد مطلقا ونقل القاضي أبو الطيب في شرح الكفاية وابن السمعاني في القواطع عنه جواز الرد إلى ثلاثة ولا يجوز إلى ما دونها إلا بما يجوز به النسخ لكن ظاهر كلام القاضي أن من وما محل وفاق فإنه قال لنا إن كل ما جاز تخصيصه إلى ثلاثة جاز تخصيصه إلى ما دونها كمن وما انتهى وبذلك صرح الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني فقال لا خلاف في جواز التخصيص إلى واحد فيما إذا لم تكن الصيغة جمعا كمن وما والمفرد المحلى بالألف واللام وحكى القاضي عبد الوهاب عنه أنه ألحق أسماء الأجناس كالسارق والسارقة بالجمع المعروف في امتناع رده إلى الواحد كذلك والفرق بين الصيغتين أن ألفاظ الجموع موضوعة للجميع ففي التخصيص إلى الواحد إخراج عن الموضع ولا كذلك من وما والمفرد المحلى بالألف واللام لتناول الواحد والاثنين قال الأصفهاني وينبغي أن يلحق أي بمن وما قلت وهو كذلك لوجود العلة وبه صرح إلكيا الطبري وقال بعض المتأخرين ما أظن القفال يقول به في كل تخصيص فإنه لا يخالف في صحة استثناء الأكثر إلى الواحد بل الظاهر قصر قوله على ما عدا الاستثناء من المخصصات بدليل احتجاج بعض أصحابنا عليه بقول القائل علي عشرة إلا تسعة ويحتمل أن يعم الخلاف إلا لأن الظاهر خلاف من المنقول عنه ثم قلت وحكى أبو الحسين بن القطان الخلاف في الاستثناء فقال ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يجوز أن يستثنى إلا أن يبقى أقل الجمع وهو ثلاثة وأنه يمتنع إذا بقي منه واحد أو اثنان وذهب بعضهم إلى جوازه وأنه يحل التخصيص محل الاستثناء وقد اتفقنا على جواز استثناء الأقل من الأكثر وعكسه انتهى قال صاحب المصادر والذي ذهب إليه القفال عجيب لأنه إن كان البلوغ في لفظ من إلى الواحد أو الاثنين يجعله مجازا عنده فهلا جاز مثل ذلك في ألفاظ الجمع والثالث التفصيل بين أن يكون التخصيص بالاستثناء والبدل فيجوز إلى الواحد وإلا فلا حكاه ابن المطهر والرابع أنه لا يجوز رده إلى أقل الجمع مطلقا على حسب اختلافهم في أقل الجمع حكاه ابن برهان وغيره والخامس أنه يجوز في جميع ألفاظ العموم ما بقي في قضية اللفظ واحد

وحكاه إمام الحرمين في التلخيص عن معظم أصحاب الشافعي قال وهو الذي اختاره الشافعي ونقله ابن السمعاني في القواطع عن سائر أصحابنا ما عدا القفال وحكاه الأستاذ أبو إسحاق في أصوله عن إجماع أئمتنا وحكاه ابن الصباغ في العدة عن أكثر أصحابنا وصححه القاضي أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق وقال ابن برهان في الأوسط إنه ظاهر المذهب ونسبه القاضي عبد الوهاب في الإفادة إلى الجمهور وقال صاحب المصادر إنه الصحيح قال إلا أن ألفاظ الجمع كالرجال والناس متى بلغ التخصيص منها إلى أقل من ثلاث صار اللفظ مجازا بخلاف لفظ من ما فإنه لا يصير مجازا وما أظن أصحابنا يوافقون على صحة ذلك وقد قالوا في كتاب الطلاق لو قال نسائي طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة يقبل وقال القاضي الحسين يجب أن لا يقبل لأن النساء لفظ الجمع فينبغي أن يبقى من عدد النساء ما يكون اللفظ مطابقا له لأن أقل الجمع ثلاثة انتهى وكلام القاضي موافق لمذهب القفال والسادس الذي اختاره ابن الحاجب قال الأصفهاني في شرح المحصول ولا نعرفه لغيره أن التخصيص إن كان متصلا فإن كان بالاستثناء أو البدل جاز إلى الواحد نحو أكرم الناس إلا الجهال وأكرم الناس تميم فيجوز وإن لم يكن العالم إلا واحدا إن كان بالصفة والشرط فيجوز إلى اثنين نحو أكرم القوم الفضلاء أو إذا كانوا فضلاء وإن كان التخصيص بمنفصل وكان في العام المحصور القليل كقولك قتلت كل زنديق وكانوا ثلاثة ولم يبق سوى اثنين جاز إلى اثنين إن كان غير محصور أو محصورا جاز بشرط كون الباقي قريبا من مدلول العام وحاصل مذهبنا على ما ذكره الشيخ أبو حامد وسليم في التقريب أن العام إن كان واحدا معرفا باللام كالسارق ونحوه جاز تخصيصه إلى أن يبقى واحد بلا خلاف وكذلك الألفاظ المبهمة كمن وما لا خلاف فيه وفي معناه الطائفة وإن كان كذلك جمعا كالمسلمين أو ما في معناه كالرهط والقوم جاز تخصيصه إلى أن يبقى أقل الجمع وفي جواز تخصيصه إلى أن يبقى أقل من ذلك وجهان أحدهما يجوز وهو قول العراقيين والمعتزلة كما قاله سليم الثاني لا يجوز وهو قول القفال انتهى

وقال الشيخ أبو حامد والصحيح عندي أنه يجوز التخصيص إلى أقل من ثلاثة وإن كان اللفظ موضوعا للثلاثة في اللغة حقيقة إلا أنه يجوز أن يعدل به إلى المجاز واحتج له بقوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال إلكيا الهراسي هذه المسألة تستدعي تقديم أصل وهو القول في أقل الجمع قلت وعلى ما اختاره الجمهور من الجواز إلى الواحد لا يبقى للبناء على ذلك وجه وقد سبق في

مسألة
أقل الجمع كلام يتعلق بهذا مسألة
اختلفوا في العام إذا خص هل يكون حقيقة في الباقي على مذاهب
أحدها أنه مجاز مطلقا على أي وجه خص سواء كان التخصيص متصلا أو منفصلا أو غيره ونقله الإمام الرازي عن جمهور أصحابنا والمعتزلة كأبي علي وابنه واختاره البيضاوي وابن الحاجب والهندي قال ابن برهان في الأوسط وهو المذهب الصحيح ونسبه إلكيا الطبري إلى المحققين ونقله في المنخول عن القاضي أبي بكر وحكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني في تعليقه في الأصول وسليم في التقريب عن المعتزلة بأسرها وأكثر الحنفية منهم عيسى بن أبان وغيره قلت وبه جزم الدبوسي والسرخسي والبزدوي وحكوه عن اختيار العراقيين من الحنفية وقال الشيخ أبو حامد وحكاه بعض أصحابنا عن الأشعري أيضا ووجهه أنه وضع للمجموع فإذا أريد به غير ما وضع له بالقرينة صار مجازا ولأنه حقيقة في الاستغراق فلو كان حقيقة في البعض لزم الاشتراك والمجاز خير منه والثاني أنه حقيقة فيما بقي مطلقا سواء خص بدليل متصل كالاستثناء أو منفصل كدليل العقل والقياس وغير ذلك قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني وهذا مذهب الشافعي وأصحابه وهو قول مالك وجماعة من أصحاب أبي حنيفة انتهى وقد وافق أبا حامد على ذلك أئمة أصحابنا كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق في اللمع وابن الصباغ في كتاب العدة وسليم في التقريب فجزموا على أنه حقيقة وحكوا الخلاف فيه بالمجاز عن المعتزلة

ونقله ابن برهان في الوجيز عن أكثر علمائنا وقال إمام الحرمين في التلخيص وابن القشيري هو مذهب جماهير الفقهاء ونقله الغزالي في المنخول عن الشافعي وقال القاضي عبد الوهاب في الملخص هو قول الكل والأكثر من أصحاب الشافعي وبعض الحنفية والمالكية إذا كان الباقي أقل الجمع فصاعدا وقال صاحب المصادر إنه قول أكثر أصحاب الشافعي والثالث إنه إن خص بمتصل لفظي كالاستثناء فحقيقة أو بمنفصل فمجاز وحكاه الشيخ أبو حامد وسليم وابن برهان وعبد الوهاب عن الكرخي وغيره من الحنفية زاد عبد الوهاب إنه قول أكثرهم قاله ابن برهان وإليه مال القاضي ونقله عن الشيخ أبي إسحاق في اللمع أيضا قلت هو الذي صرح في التقريب فقال ما نصه ولو قررنا القول بالعموم فالصحيح عندنا من هذه المذاهب أن نقول إذا قدر التخصيص باستثناء متصل فاللفظ حقيقة في بقية المسميات وإن قدر بدليل منفصل فاللفظ مجاز لا يستدل به في بقية المسميات وقال كنا قد نصرنا القول بأنه مجاز مطلقا انتهى قال المقترح ذهب القاضي في أحد مصنفاته إلى أنه مجاز مطلقا ثم رجع عنه إلى الفرق بين التخصيص المقارن والمنفصل فقال إن التخصيص المقارن لا يصير اللفظ مجازا بل هو باق حقيقة ونرى أنه كلام واحد والتخصيص المتأخر نقول فيه إنه يبقى مجازا في البقية ويحتمل أن القاضي ما أراد بأنه مجاز إلا في الاقتصار وفيما عدا المبقى أما في دلالة اللفظ وضعا فهو حقيقة والقاضي إنما قال هذا تفريعا على رأي المعممين لأن مذهبه في صيغ العموم الوقف والرابع عكسه كذا حكاه ابن برهان في الأوسط عن عبد الجبار والخامس إن خص بدليل لفظي لم يصر مجازا متصلا كان الدليل أو منفصلا وإن خص بدليل غير لفظي كان مجازا كذا حكاه الآمدي والسادس إن خص بالشرط والتقيد بالصفة فهو حقيقة وإلا فهو مجاز معنى في الاستثناء حكاه أبو الحسين في المعتمد عن عبد الجبار والسابع إن كان المخصص مستقلا فهو مجاز سواء كان عقليا أو لفظيا كقول المتكلم بالعام أردت به البعض المعين إن لم يكن مستقلا فهو حقيقة كالاستثناء والشرط والصفة قاله أبو الحسين البصري واختاره الإمام فخر الدين الرازي ولم يذكروا التقييد بالغاية على هذا المذهب قال الهندي وحكمه حكم أخواته من المتصلات ظاهرا إذ لا

يظهر فرق بينهما والثامن أنه مجاز فيما أخرج عنه فأما استعماله في بقية المسميات فحقيقة لأنه إذا قال تجب الصلاة على المسلمين ثم أخرجنا من الوجوب المجانين والحيض وأصحاب الأعذار فإطلاق لفظ المسلمين على البقية حقيقة وهو اختيار إمام الحرمين وذكر المقترح في تعليقه على البرهان أنه معنى كلام القاضي قلت وكذا ذكره أبو نصر بن القشيري وهذا الذي قاله الإمام قد أورد القاضي سؤالا على نفسه فقال إن قال قائل إذا خص بعض المسميات فاستعمال اللفظ في الباقي ليس بمجاز بل التجوز في نفي الشمول فلا مجاز إذن في بقية المسميات فالجواب أن هذا ساقط لأن معنى المجاز أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له لغة فترك الاستعمال في المخصص عن المسميات لا يحقق التجوز فيه فإنه عند من استعمل اللفظ الذي وضع فيه فيجب أن يكون في استعمال مجازا إلا فيما ترك استعماله فيه ولفظ الحمار إذا أطلق على البليد لم يكن مجازا لعدم استعماله في الهيئة المخصوصة وإن كان مجازا لاستعماله في غير ما وضع له وكذا ما نحن فيه وإذا بطل طرف وجه التجوز إلى العدم وجب أن يكون مجازا في بقية الأسماء ثم أوضح القاضي هذا فقال لو لم يبق من المسميات إلا واحد فلفظ الجمع مجاز فيه وفاقا ولم يقدر خلافا وإن كان يتناوله اللفظ مع غيره إن قدر عاما فصرف الجمع إلى الواحد كصرف الجمع إلى غير الشمول قال ابن القشيري وهذا الذي ذكره القاضي حق من وجه وكذا الذي ذكره إمام الحرمين حق من وجه وذلك أن انطلاق لفظ المسلمين على جميعهم حقيقة في وضع اللفظ فإذا أخرج الحيض والمجانين تناول لفظ المسلمين البقية بعد هذا الإخراج والتخصيص كتناوله لهم قبل التخصيص لم يتغير منه شيء فمن حيث إن اللفظ يتناولهم فاللفظ حقيقة فيهم ومن حيث إن اللفظ لم يجر على التعميم وإنما وضع التعميم للفظ مجازا ولا بعد أن يكون اللفظ حقيقة من وجه ومجازا من وجه وإنما المحال كونه حقيقة ومجازا من وجه واحد فتأمله انتهى وحاصله أن كونه مجازا من حيث إنه لم يرد به المتكلم بعض مقتضاه لا ينافي أن استعماله في الباقي بجهة الحقيقة وقال الصفي الهندي إنه أجود المذاهب بعد الأول وجزم به في المنخول وفيه نظر إذ ليس للفظ بقضية الوضع جهتان وقال في المستصفى هذا ضعيف فإنه لو رد

إلى الواحد كان مجازا مطلقا لأنه تغيير عن موضوعه في الدلالة والتاسع إن بقي بعد التخصيص جمع فهو حقيقة فيه وإلا فهو مجاز وحكاه الآمدي عن أبي بكر الرازي واختاره الباجي من المالكية وجعل القاضي والغزالي محل الخلاف فيما إذا كان الباقي أقل الجمع فأما إذا بقي واحد أو اثنان كما لو قال لا تكلم الناس ثم قال أردت زيدا خاصة فإنه يصير مجازا بلا خلاف وإن كان حاصلا فيه لأنه اسم جمع والواحد والاثنان ليسا بجمع قلت لكن القاضي حكى في أواخر كلامه عن بعض أصحابنا أنه حقيقة فيما بقي وإن وكان أقل الجمع ثم استبعده فكأنه لم يعبأ بهذا الخلاف لكن الخلاف فيه ثابت استدركه ابن القشيري في أصوله علي القاضي فقال وذكر القاضي أبو الطيب في أصوله عن بعض أصحابنا أن اللفظ حقيقة فما بقي وإن كان أقل الجمع ا هـ وحكاه الماوردي عن أبي حامد الإسفراييني فقال إذا لم يبق إلا واحد فالمشهور أن اللفظ يتناوله على المجاز فإن العام بصيغة الجمع في أصل اللغة لا يعبر به عن الواحد قال وحكى القاضي أبو بكر فيه الاتفاق لكن أبا حامد الإسفراييني خالف وذهب إلى أنه يبقى في تناوله للواحد على الحقيقة احتجاجا منه بقوله تعالى فقدرنا فنعم القادرون فأخبر سبحانه عن نفسه بلفظ الجمع وهو سبحانه واحد فإذا ثبت حمل الجمع على الواحد فلا يستنكر حمل العموم المخصوص على الواحد حقيقة قال المازري والمشهور أن موضع الخلاف إنما هو فيما إذا بقي أقل الجمع قلت وحكى الباجي عن أبي تمام من شيوخهم أنه يبقى حقيقة وإن انتهى التخصيص إلى الواحد تنبيهات الأول حكى الشيخ أبو حامد عن بعض أصحابنا أنه حكى عن الأشعري القول بأنه مجاز ثم قال وهذا لا يجيء على قوله من وجهين أحدهما أن اللفظ المشترك عنده بين العموم والخصوص إذا دل الدليل على

العموم كان حقيقة فكيف يصح على قوله إنه حقيقة فيما بقي بعد التخصيص والثاني أن نقول إن اللفظ المستعمل فيما بقي يحتج به مجردا من غير دلالة وهذا معنى قولنا إنه حقيقة في الباقي فإذا سلم هذا لم يبق تحت قولنا إنه مجاز فيما بقي معنى وقال بعض المتأخرين هذا القول أعني كونه مجازا ضعيف أما على قاعدة أصحابنا في إثبات كلام النفس فإن المتكلم بقوله من دخل داري من العلماء فله درهم لم يبين أول كلامه على قصد غير العلماء أصلا فكلام النفس لم يتناول غير العلماء لا حقيقة ولا مجازا لا قبل التخصيص ولا بعده وهي في كلامه سبحانه بمعنى الأول لعلمه بمراده قطعا بل تعبيره بصيغة العموم إنما كان توطئة للإتيان بالخصوص كالجنس مثلا في عموم معناه عندما تورده في تحديد النوع فإنك تأتي به عاما ثم تخصصه باقتران الفصل به فلا يكون العموم من أول القصد أصلا مرادا فكذلك في تخصيص اللفظ العام إذ العموم حقيقة واحدة معقولة في عموم اللفظي كالمعنوي وهذا الذي قاله هذا القائل خارج عن المذاهب السابقة قال وأما على قاعدة المعتزلة في إنكارهم النفسي فهو الحد إذا تصور اللفظ في الذهن للتلفظ به فيكون الخصوص إذن من أول اللفظ وأما علم السامع بالعموم فلا يعتبر إذ ليس له أمر في كلام غيره الثاني أن هذا الخلاف إنما هو في العام المخصوص وهو الذي أريد به معناه مخرجا منه بعض أفراده فإرادة إخراج بعض المدلول هل تعين اللفظ مرادا به الباقي أم لا فإن قلنا بالمنع كان حقيقة وإلا فلا أما العام الذي أريد به الخصوص فالظاهر أنه مجاز قطعا ولا يطرقه هذا الخلاف لأنه مستعمل في بعض مدلوله إلا إذا قلنا إن دلالة العام على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة فيحتمل أن يكون حقيقة في كل فرد فيطرقه الخلاف وهو بعيد وقال ابن دقيق العيد في شرح العنوان القول بأنه مجاز صحيح في العموم الذي أريد به بعض ما تناوله عند الإطلاق أما ما وقع التخصيص فيه بعد إرادة العموم به إن صح أنه تخصيص لا نسخ يقوى هذا فيه الثالث إطلاقهم الكلام في هذه المسألة يشمل ما لو كان التخصيص بدليل العقل ونقل بعض الحنفية عن القائلين بأن من المخصصات العقل أنه لا يصير العام ظنيا مثل هذا التخصيص وإنما يصير ذلك فيما يقبل التعليل والتفسير دون ما لا يقبله ألا

ترى أن الاستثناء وهو من أدلة التخصيص عندهم كدليل العقل لا يخرج العام من القطع إلى الظن لأنه لا يقبل التعليل فكذا هنا الرابع قد يدعى في القولين الأولين أعني أنه حقيقة أو مجاز أنه لم يتوارد الخلاف فيهما على محل واحد فإن القائل مجاز أراد بالنسبة إلى اللغة والقائل بأنه حقيقة أراد أنها حقيقة شرعية فإن الإجماع على العمل به بعد التخصيص بين أن وضع الشرع في العام إذا خص يكون متناولا للباقي فهو إذن حقيقة شرعية أنبأ عن وضعها الإجماع فصار حقيقة شرعية مجازا لغويا الخامس ذكر الشيخ أبو حامد الإسفراييني في تعليقه الأصولي وسليم في كتاب التقريب أن فائدة الخلاف في هذه المسألة أن من يقول إن ذلك حقيقة في الباقي يحتج بلفظ العموم فيما لم يخص منه مجردا من غير دليل يدل عليه ومن يقول إنه يكون مجازا لا يمكنه الاحتجاج بالعموم المخصوص فيما بقي إلا بدليل يدل عليه أي على أن حكمه ثابت في الباقي وظهر بهذا أن الخلاف في كون العام المخصوص حجة فرع الكلام في هذا فلهذا أخرنا ذكرها وبه يتضح تقرير مذهبنا في كونه حقيقة لكن إلكيا الطبري عكس ذلك فقرر كونه حجة ثم قال وإذا تقرر أنه ليس بمجمل فاختلفوا هل هو مجاز أم حقيقة والطريقة الأولى أقعد وأحسن السادس قال الشيخ أبو حامد القائلون بأنه مجاز احتجوا بنكتة واحدة وهي أن لفظ العموم موضوع للاستغراق فإذا دل الدليل على تخصيصه فإنه يعدل به عن موضوعه بالقرينة فيكون مجازا قال ودليلنا أن لفظ العموم إذا ورد مطلقا فإنه يقتضي استغراق الجنس فإذا ورد التخصيص فإن ذلك يبين ما ليس بمراد باللفظ فيخرجه عنه فلم يؤثر فيما بقي بل يكون ما بقي ثابتا فيه باللفظ فحسب والذي يدل على هذا أن دليل التخصيص مناف لحكم ما بقي من اللفظ ومضاد له فلا يجوز أن يؤثر فيه ويثبت الحكم مع مضادته ومنافاته قال ويصير لأهل الحرب عندنا اسمان كل منهما حقيقة أحدهما حقيقة فيهم بمجرده وهو أن يقول اقتلوا أهل الحرب والآخر حقيقة فيهم بعد وجود قرينة وهو أن يقول اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة ولا يمتنع قبل هذا ألا ترى أنه إذا قال أعطوا فلانا ثوبا أبيض أو أصفر كان ذلك حقيقة في الثوب الأصفر بهذا اللفظ وإذا قال أعطوا ثوبا ولا تعطوه غير الأصفر كان حقيقة فيه عند وجود القرينة فكذلك هذا

ويخالف هذا استعمال اسم الحمار في الرجل البليد واسم الأسد في الشجاع لأن ذلك اللفظ يحمل عليه بالقرينة الدالة عليه لا بمجرد اللفظ فإن القرينة تدل على المراد باللفظ وهي مماثلة له في الحكم فهي دالة على ما أريد به فكان اللفظ مستعملا فيه بالقرينة فكان مجازا وليس كذلك استعمال لفظ العموم في الخصوص فإن القرينة ما بينت المراد باللفظ وإنما بينت ما ليس بمراد فكان استعمال اللفظ في المراد بنفسه لا بالقرينة فإنه لا يجوز أن يكون مستعملا بالقرينة والقرينة مضادة له فكان ذلك حقيقة فيما استعمل فيه لا مجازا قال ودلالة ثانية على من سوى بين القرينة المتصلة والمنفصلة يعني يجعل الجميع مجازا لأنه لا فرق عند أهل اللغة بين أن يقول القائل لفلان علي خمسة دراهم وبين قوله عشر إلا خمسة في أن كلا منهما إقرار بخمسة وأما من فرق بين الدليل المنفصل والمتصل فإنه فصل بينهما بأن الكلام إذا اتصل بعضه ببعض بني بعضه على بعض فكان ذلك حقيقة فيما بقي وإذا انفصل بعضه عن بعض لم يبين فكان مجازا فيه وهذا غلط لأنه لا فرق بين القرينة المتصلة والمنفصلة في أن اللفظ بني عليها ودالة على ما ليس بمراد منه وما بقي يكون ثابتا فيها باللفظ لا بالقرينة فيختار أن لا يفترق حالهما بوجه انتهى مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ إذَا خُصَّ فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّ بِمُبْهَمٍ أو مُعَيَّنٍ فَإِنْ خُصَّ بِمُبْهَمٍ كما لو قال اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا بَعْضَهُمْ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ على شَيْءٍ من الْأَفْرَادِ إذْ ما من فَرْدٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هو الْمُخْرَجُ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَجْهُولِ من الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا وَلِهَذَا لو قال بِعْتُك هذه الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا منها لَا يَصِحُّ وَمِثْلُهُ في الْمَنْخُولِ بِمَا لو تَمَسَّكَ في مَسْأَلَةِ الْوِتْرِ بِقَوْلِهِ افْعَلُوا الْخَيْرَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى من عُمُومِ هذا الْأَمْرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ مُجْمَلًا وَهَذَا قد ادَّعَى فيه جَمَاعَةٌ الِاتِّفَاقَ منهم الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَالْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وقال لم يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا كان الْمُخَصَّصُ مُجْمَلًا قال الْقَاضِي وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا في أَمْرٍ وَاجِبٍ على التَّرَاخِي عِنْدَ من أَجَازَ تَأْخِيرَ بَيَانِ الْعَامِّ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ من مَنَعَ ذلك في أَمْرٍ على الْفَوْرِ قُلْت وما ذَكَرُوهُ من الِاتِّفَاقِ ليس بِصَحِيحٍ فَقَدْ حَكَى ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ

الْخِلَافَ في هذه الْحَالَةِ وَبَالَغَ في تَصْحِيحِ الْعَمَلِ بِهِ مع الْإِبْهَامِ وَاعْتَلَّ بِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى فَرْدٍ شَكَكْنَا فيه هل هو من الْمُخَرَّجِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَبْقَى على الْأَصْلِ وَيُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ يُعْلَمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُخَصِّصَ مُعَارِضٌ لِلَّفْظِ الْعَامِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُعَارِضًا عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ انْتَهَى وهو صَرِيحٌ في الْإِضْرَابِ عن الْمُخَصِّصِ وَالْعَمَلُ بِالْعَامِّ في جَمِيعِ أَفْرَادِهِ وهو بَعِيدٌ وقد رَدَّ الْهِنْدِيُّ هذا الْبَحْثَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ في الِاحْتِجَاجِ بِهِ في الْكُلِّ الْمَخْصُوصِ وَغَيْرِهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ انْتَهَى وَلَيْسَ كما قال فَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ فيه صَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ وَعِبَارَتُهُ وَقِيلَ إنْ كان الْمَخْصُوصُ مَجْهُولًا لم يَثْبُتْ بِهِ الْخُصُوصُ أَصْلًا بَلْ يَبْقَى النَّصُّ عَامًّا كما كان كَذَا حَكَاهُ أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ فقال في كِتَابِهِ الْخِطَابُ إذَا عُلِمَ خُصُوصُهُ ولم يُعْلَمْ مِمَّا يَخُصُّهُ كَيْفَ يُعْمَلُ بِهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى إحَالَةِ هذا وقال إنَّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخَّرُ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِهِ إنْ أَجَزْنَاهُ وقال بَعْضُهُمْ يَجُوزُ ذلك وَيُعْتَقَدُ فيه الْعُمُومُ إلَّا مَوْضِعًا خُصَّ منه غير أَنَّهُ إذَا جاء ما يَشْتَمِلُ عليه الْعُمُومُ أَمْضَاهُ لِأَنَّهُ لو كان فيه خُصُوصٌ لَخَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَهُ لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخَّرُ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ من قال أَقِفُ في هذا لِأَنِّي قد عَلِمْت أَنَّهُ مَخْصُوصٌ وَلَعَلَّ الْحُكْمَ الذي حُكِمَ من حَيِّزِ الْخُصُوصِ كما لو عَلِمَ في الْآيَةِ نَسْخًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْرِيَهُ على الْأَصْلِ لِجَوَازِ النَّسْخِ فَكَذَلِكَ التَّخْصِيصُ انْتَهَى وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ في كُتُبِهِمْ منهم أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا إذَا خُصَّ وَجَبَ الْوَقْفُ فيه إلَى الْبَيَانِ سَوَاءٌ خُصَّ بِمَجْهُولٍ أو مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّخْصِيصِ يَصِيرُ مَجَازًا في الْبَعْضِ وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ فلم يَبْقَ حُجَّةً وَنُقِلَ عن بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إنْ خُصَّ بِمَجْهُولٍ لم يَثْبُتْ التَّخْصِيصُ ثُمَّ قال وَاَلَّذِي ثَبَتَ عِنْدِي من مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ بَاقٍ على عُمُومِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ سَوَاءٌ خُصَّ بِمَجْهُولٍ أو مَعْلُومٍ لَكِنَّ دَلَالَتَهُ على أَفْرَادِهِ تَبْقَى ظَنِّيَّةً وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقال صَاحِبُ اللُّبَابِ ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنْ يَبْقَى

عَامًّا فِيمَا وَرَاءَ التَّخْصِيصِ وَيَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ سَوَاءٌ كان الْمُخَصَّصُ مَعْلُومًا أو مَجْهُولًا وَلَكِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ لَا لِلْعِلْمِ بِخِلَافِ ما قبل التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا فإنه قَطْعِيٌّ وَقِيلَ إنْ كان الْمُخَصَّصُ مَعْلُومًا صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وقال الْكَرْخِيُّ وأبو عبد اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ لَا يَبْقَى لِلْبَاقِي عُمُومٌ وَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ وَلَكِنْ إذَا كان مَعْلُومًا يَبْقَى مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ أو مَجْهُولًا لَا يُوجِبُهُمَا بَلْ يُوقَفُ على دَلِيلٍ آخَرَ وَقِيلَ إنْ كان الْمُخَصَّصُ مَجْهُولًا لم يَثْبُتْ بِهِ الْخُصُوصُ أَصْلًا بَلْ يَبْقَى النَّصُّ عَامًا كما كان انْتَهَى وَإِنْ خُصَّ بِمُعَيَّنٍ كما لو قِيلَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ أو الْمُسْتَأْمَنَ فَهَلْ يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ اخْتَلَفُوا فيه على مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ حُجَّةٌ في الْبَاقِي مُطْلَقًا وهو قَوْلُ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيَّ وابن الْحَاجِبِ وقال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وقال ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ إنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وقال الْقَفَّالُ لَا فَرْقَ بين الِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِهِ وَلَا بين الْمُتَّصِلِ بِالْخِطَابِ وَالْمُنْفَصِلِ عنه قال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَلَكِنَّهُ دُونَهُ ما لم يَتَطَرَّقْ التَّخْصِيصُ إلَيْهِ فَيُكْسِبُهُ ضَرْبًا من التَّجَوُّزِ وَلَوْ رَجَحَ نَهْيُهُ عليه السَّلَامُ عن أَكْلِ كل ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ من الطَّيْرِ على عُمُومِ قَوْلِهِ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا لَكَانَ الْخَمْرُ وَالْقَاذُورَاتُ الْمُحَرَّمَةُ خَارِجَةً عنها وقال أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ إنَّهُ الذي صَحَّ عِنْدَهُ من مَذْهَبِ السَّلَفِ قال لَكِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ قَطْعًا بِخِلَافِ ما قبل التَّخْصِيصِ وَكَذَا قال السَّرَخْسِيُّ قال أبو حَنِيفَةَ خُصَّ هذا الْعَامُّ بِالْقِيَاسِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لِلْعَمَلِ وَإِنْ لم يُوجِبْ الْعِلْمَ وَنَقَلَهُ عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ عن أَصْحَابِهِمْ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ وَنُقِلَ عن عِيسَى بن أَبَانَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ عن أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْغَزَالِيُّ عن الْقَدَرِيَّةِ قال ثُمَّ منهم من يقول يَبْقَى أَقَلُّ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قال وَكَلَامُ الْوَاقِفِيَّةِ في الْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ أَظْهَرُ لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُهُمْ

أَنَّهُ يَصِيرُ مُجْمَلًا وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ما إذَا كان الْمُخَصَّصُ مَجْهُولًا هَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَإِلْكِيَا قال وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضِعٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عنه بِقَرِينَةٍ وَمِقْدَارُ التَّأْثِيرِ لِلْقَرِينَةِ في اللَّفْظِ مَجْهُولٌ فَلَا يَدُلُّ عليه فَيَصِيرُ مَجْهُولًا قال وهو مُتَّجِهٌ جِدًّا وَغَايَةُ ما يَرُدُّ عليه بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ عَلِمُوا بِمَا تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ من الْعُمُومِ وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُمْ نَقَلُوهُ من الْقَرَائِنِ التي شَاهَدُوهَا وَأَلِفُوهَا وَكَانُوا بِمَرْأَى من الرَّسُولِ وَمَسْمَعٍ من الْوَحْي الثَّانِي أَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ لَيْسَتْ نَصًّا في الِاسْتِغْرَاقِ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْخُصُوصِ وَإِجْرَاءِ اللَّفْظِ على غَالِبِ الْمُسَمَّيَاتِ من غَيْرِ قَرِينَةٍ تَخْطُرُ بِالْبَالِ نعم إنْ كان مَضْمُونُ التَّخْصِيصِ اسْتِثْنَاءَ ما لَا يَشِذُّ عن الذِّهْنِ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَيَتَّجِهُ ما قَالَهُ عِيسَى بن أَبَانَ ثُمَّ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ بِأَنَّهُ إسْقَاطُ أَمْرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَالْمُمْكِنِ في الْجَوَابِ عنه أَنَّ الْقَدْرَ الذي ظَهَرَ من الْقَرِينَةِ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ وَلَا يُقَدَّرُ وَرَاءَهُ قَرِينَةٌ هِيَ غَائِبَةٌ عَنَّا فإن ذلك يَلْزَمُ مِثْلُهُ في الْعُمُومِ الذي لم يَتَنَاوَلْهُ تَخْصِيصٌ إجْمَاعًا لِإِمْكَانِ أَنَّهُ بَنَاهُ على سُؤَالٍ وَقَرِينَةِ حَالٍ ا هـ وقال الصَّيْرَفِيُّ الْقَائِلُ بهذا إنْ كان مِمَّنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ فَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ وَإِنْ كان مِمَّنْ يُثْبِتُهُ فَمِنْ نَفْسِ قَوْلِهِ يَسْقُطُ قَوْلُهُ هذا لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَمَّا بَقِيَ لِأَنَّ الْبَعْضَ خَصَّ وما لم يُخَصَّ دَاخِلٌ ولم يَمْتَنِعْ فِيمَا جاء عَامًّا لِإِمْكَانِ خُصُوصِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ حتى يُعْلَمَ أَنَّهُ لم يُخَصَّ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ ذَهَبَ كَثِيرٌ من الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْجُبَّائِيُّ وَابْنُهُ إلَى أَنَّ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ إذَا خُصَّتْ صَارَتْ مُجْمَلَةً وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بها في بَقِيَّةِ الْمُسَمَّيَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ عِيسَى بن أَبَانَ وقال الْمُقْتَرِحُ هذا الْمَذْهَبُ يُعْتَبَرُ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ بِمَا هو كُلٌّ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ فإذا تَبَيَّنَ بِالتَّخْصِيصِ أَنَّ الْكُلَّ ليس مُرَادًا بَقِيَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا لَا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ بَعْضُهُ أَوْلَى من بَعْضٍ فَكَانَ مُجْمَلًا

وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِصِفَةِ الظُّهُورِ فإذا وَرَدَ التَّخْصِيصُ تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّمُولَ ليس مُرَادًا فَيَبْقَى اللَّفْظُ مُجْمَلًا فَيَكْتَسِبُ الْإِجْمَالَ وَالثَّالِثُ إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ فَلَا بَلْ يَصِيرُ مُجْمَلًا وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الْكَرْخِيِّ وَمُحَمَّدِ بن شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ عن الْكَرْخِيِّ وقال أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ في أُصُولِهِ كان شَيْخُنَا أبو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يقول في الْعَامِّ إذَا ثَبَتَ خُصُوصُهُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِاللَّفْظِ وَصَارَ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا على دَلَالَةٍ أُخْرَى من غَيْرِهِ فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ وكان يُفَرِّقُ بين الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِاللَّفْظِ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ من غَيْرِ اللَّفْظِ فيقول إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ غَيْرُ مَانِعٍ من بَقَاءِ اللَّفْظِ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجْعَلُ اللَّفْظَ مَجَازًا فَكَانَ يقول هذا بَدِيهِيٌّ وَلَا أَقْدِرُ أَعْزِيهِ إلَى أَصْحَابِنَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ محمد بن شُجَاعٍ وَالرَّابِعُ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنْ لم يَمْنَعْ اسْتِفَادَةَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ وَتَعْلِيقِهِ بِظَاهِرِهِ جَازَ التَّعْلِيقُ بِهِ كما في قَوْلِهِ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّلَالَةِ على الْمَنْعِ من قَتْلِ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَمْنَعُ من تَعَلُّقِ الْحُكْمِ وهو الْقَتْلُ بِاسْمِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كان يَمْنَعُ من تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ الْعَامِّ وَيُوجِبُ تَعَلُّقَهُ بِشَرْطِ لَا يُنْبِئُ عنه الظَّاهِرُ لم يَجُزْ التَّعَلُّقُ بِهِ كما في قَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا لِأَنَّ قِيَامَ الدَّلَالَةِ على اعْتِبَارِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ وَكَوْنِ الْمَسْرُوقِ لَا شُبْهَةَ فيه لِلسَّارِقِ يَمْنَعُ من تَعَلُّقِ الْحُكْمِ وهو الْقَطْعُ بِعُمُومِ اسْمِ السَّارِقِ وَيُوجِبُ تَعَلُّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُنْبِئُ عنه ظَاهِرُ اللَّفْظِ وهو قَوْلُ أبي عبد اللَّهِ تِلْمِيذِ الْكَرْخِيِّ وَالْخَامِسُ إنْ كان لَا يَتَوَقَّفُ على الْبَيَانِ كَالْمُشْرِكِينَ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَلَا كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ فَيَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ على بَيَانِ التَّخْصِيصِ وهو إخْرَاجُ الْحَائِضِ وَهَذَا قَوْلُ عبد الْجَبَّارِ وَالسَّادِسُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ في أَقَلِّ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عليه حَكَاهُ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وابن الْقُشَيْرِيّ وقال إنَّهُ تَحَكُّمٌ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَعَلَّهُ قَوْلُ من لَا يُجَوِّزُ التَّخْصِيصَ إلَيْهِ وَحُكِيَ في الْمَنْخُولِ عن أبي هَاشِمٍ أَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِهِ في وَاحِدٍ وَلَا يَتَمَسَّكُ بِهِ جَمْعًا وَالسَّابِعُ الْوَقْفُ فَلَا نَقُولُ خَاصٌّ أو عَامٌّ إلَّا بِدَلِيلٍ حَكَاهُ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَجَعَلَهُ مُغَايِرًا لِقَوْلِ عِيسَى بن أَبَانَ وَنُقِلَ عنه أَنَّ الْبَاقِيَ على الْخُصُوصِ

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ مَحَلُّ قَوْلِنَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ إنَّمَا هو في الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَمَّا الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِ الْبَيْعِ من تَعْلِيقِهِ وَفِيهِ ما يَدُلُّ على أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ قَالَهُ أَيْضًا الثَّانِي حَيْثُ قُلْنَا إنَّهُ مُجْمَلٌ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هل هو مُجْمَلٌ من حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ الْمُرَادَ من ظَاهِرِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ أو مُجْمَلٌ من حَيْثُ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَجْهَانِ قال وَالْأَكْثَرُونَ على الثَّانِي لِأَنَّ افْتِقَارَ الْمُجْمَلِ إلَى الْقَرِينَةِ من جِهَةِ التَّعْرِيفِ بِمَا هو مُرَادٌ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يوم حَصَادِهِ وَافْتِقَارُ الْعَامِّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إلَى الْقَرِينَةِ من جِهَةِ أَنْ يُعْرَفَ بها ما ليس بِمُرَادٍ بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ على التي قَبْلَهَا فَمَنْ قال إنَّهُ مَجَازٌ لَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهِ وَمَنْ قال إنَّهُ حَقِيقَةٌ جَوَّزَهُ وَأَمَّا من قال إنَّهُ مَجَازٌ ثُمَّ أَجَازَ التَّعَلُّقَ بِهِ يَعْنِي كَالْقَاضِي صَارَ الْخِلَافُ معه لَفْظِيًّا كَذَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ على أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ أو ظَنِّيَّةٌ فَمَنْ قال قَطْعِيَّةٌ جَعَلَ الذي خُصَّ كَاَلَّذِي لم يُخَصَّ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ وقال غَيْرُهُ يَنْبَنِي على أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ هل يَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ أو لَا وَتَنْدَرِجُ الْآحَادُ تَحْتَهُ ضَرُورَةَ اشْتِمَالِهِ عليه أو يَتَنَاوَلُ الْآحَادَ وَاحِدًا وَاحِدًا حتى يَسْتَغْرِقَ الْجِنْسَ فَالْمُعْتَزِلَةُ قالوا بِالْأَوَّلِ وهو عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَظْهَرُ عُمُومَهُ فإذا تَخَصَّصَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لم يُرِدْ الْعُمُومَ وَعِنْدَ إرَادَةِ عَدَمِ الْعُمُومِ ليس بَعْضٌ أَوْلَى من بَعْضٍ فَيَكُونُ مُجْمَلًا

فَصْلٌ في الْمُخَصِّصِ تَعْرِيفُهُ قد اُخْتُلِفَ فيه على قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ وابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ تَعْرِيفَ بَعْضِ ما يَتَنَاوَلُهُ الْخِطَابُ وَالدَّلِيلُ حَظُّهُ أَنْ يَكْشِفَ عن أَنَّ الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَقَعَ بِهِ وَهَذَا ما صَحَّحَهُ ابن بَرْهَانٍ وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ الدَّلِيلُ على الْإِرَادَةِ وقال في الْمَحْصُولِ الْمُخَصِّصُ في الْحَقِيقَةِ هو إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهَا الْمُؤَثِّرَةُ وَتُطْلَقُ على الدَّالِ على الْإِرَادَةِ مَجَازًا وقال أبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ الْعَامُّ يَصِيرُ عِنْدَنَا خَاصًّا بِالْأَدِلَّةِ وَيَصِيرُ خَاصًّا في نَفْسِ الْأَمْرِ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُخَصِّصَ حَقِيقَةٌ هو الْمُتَكَلِّمُ لَكِنْ لَمَّا كان الْمُتَكَلِّمُ يُخَصِّصُ بِالْإِرَادَةِ أُسْنِدَ التَّخْصِيصُ إلَى إرَادَتِهِ فَجُعِلَتْ الْإِرَادَةُ مُخَصِّصَةٌ ثُمَّ جُعِلَ ما دَلَّ على إرَادَتِهِ وهو الدَّلِيلُ اللَّفْظِيُّ أو غَيْرُهُ مُخَصِّصًا في الِاصْطِلَاحِ وَالْمُرَادُ هُنَا إنَّمَا هو الدَّلِيلُ فَنَقُولُ الْمُخَصِّصُ لِلْعَامِّ إمَّا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَهُوَ الْمُنْفَصِلُ وَإِمَّا أَلَا يَسْتَقِلُّ بَلْ يَتَعَلَّقُ مَعْنَاهُ بِاللَّفْظِ الذي قَبْلَهُ فَالْمُتَّصِلُ أَقْسَامُهُ وَقَسَّمَهُ الْجُمْهُورُ إلَى أَرْبَعَةٍ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ وَالصِّفَةُ وَالْغَايَةُ وزاد ابن الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيُّ بَدَلَ الْبَعْضِ من الْكُلِّ وَنَازَعَ الْأَصْفَهَانِيُّ فيه لِأَنَّهُ في نِيَّةِ طَرْحِ ما قَبْلَهُ وقال الْقَرَافِيُّ وقد وَجَدْته بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ هذه الْخَمْسَةُ وَسَبْعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْحَالُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْمَفْعُولُ معه وَالْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ ليس فيها وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَتَى اتَّصَلَ بِمَا يَسْتَقِلُّ

بِنَفْسِهِ عُمُومًا كان أو غَيْرَهُ صَارَ غير مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا قال في الْحَالِ حِكَايَةُ سِيبَوَيْهِ عن الْخَلِيلِ أَنَّك إذَا قُلْت مَرَرْت بِالْقَوْمِ خَمْسَتَهُمْ بِالنَّصْبِ كان الْمَعْنَى حَصْرَ الْمَمْرُورِ في خَمْسَةٍ منهم فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَمْرُورُ بِهِ سِتَّةً وإذا رَفَعْت الْخَمْسَةَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْرُورُ بِهِ أَكْثَرَ الْأَوَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ وهو لُغَةً بِمَعْنَى الْعَطْفِ وَالْعَوْدِ كَقَوْلِهِمْ ثَنَيْت الْحَبْلَ إذَا عَطَفْت بَعْضَهُ على بَعْضٍ وَقِيلَ بِمَعْنَى الصَّرْفِ وَالصَّدِّ من قَوْلِهِمْ ثَنَيْت فُلَانًا عن رَأْيِهِ وقال ابن فَارِسٍ لِأَنَّهُ قد ثَنَّى ذِكْرَهُ مَرَّةً في الْجُمْلَةِ وَمَرَّةً في التَّفْصِيلِ وَاصْطِلَاحًا الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أو إحْدَى أَخَوَاتِهَا من مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ لِيَخْرُجَ ما لو قال اللَّهُ سُبْحَانَهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فقال عليه السَّلَامُ إلَّا زَيْدًا فإنه لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً كما قَالَهُ الْقَاضِي وَسَيَأْتِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ الثَّانِي من الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِذَلِكَ فَقَوْلُنَا الْحُكْمُ جِنْسٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حُكْمٌ من أَحْكَامِ اللَّفْظِ فَيَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَخَرَجَ بِالْوَسَائِطِ الْمَوْضُوعَةِ له نَحْوُ قام الْقَوْمُ وَأَسْتَثْنِي زَيْدًا وَخَرَجُوا ولم يَخْرُجْ زَيْدٌ تَنْبِيهٌ الْإِخْرَاجُ إنَّمَا يَأْتِي على قَوْلِ من يَجْعَلُهُ عَامِلًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ إذْ الْإِخْرَاجُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَمَّا على قَوْلِ من يَجْعَلُهُ مَبْنِيًّا فَلَا إخْرَاجَ عنه كما سَنُبَيِّنُهُ وَحَدَّهُ ابن عَمْرُونٍ من النُّحَاةِ بِأَنْ يَنْفِيَ عن الثَّانِي ما يُثْبِتُ لِغَيْرِهِ بِإِلَّا أو كَلِمَةٍ تَقُومُ مَقَامَهَا فَيَشْمَلُ أَنْوَاعَ الِاسْتِثْنَاءِ من مُتَّصِلٍ وَمُنْقَطِعٍ وَمُفْرَدٍ وَجُمْلَةٍ وَتَامٍّ وَمُفَرَّغٍ وَخَرَجَ الْوَصْفُ بِإِلَّا أو غَيْرِهَا وَذَكَرَ ابن الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ على الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ لِتَغَايُرِ حَقِيقَتِهِمَا إذْ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ وَجَمَعَهُمَا ابن مَالِكٍ في حَدٍّ وَاحِدٍ فقال تَحْقِيقًا أو تَقْدِيرًا وقد يُقَالُ هو في قُوَّةِ حَدَّيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في بَابِ الْإِقْرَارِ من النِّهَايَةِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ تَعْلِيقَ الْأَلْفَاظِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءً في مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ

وفي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ يُسَمَّى الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا اسْتِثْنَاءَ التَّحْصِيلِ وَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءَ التَّعْطِيلِ قال الْخَفَّافُ الِاسْتِثْنَاءُ ضِدُّ التَّوْكِيدِ يُثْبِتُ الْمَجَازَ وَيُحَقِّقُهُ وَصَرَّحَ النُّحَاةُ بِأَنَّ اللَّفْظَ قبل الِاسْتِثْنَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ فإذا جاء الِاسْتِثْنَاءُ رُفِعَ الْمَجَازُ وَقَرَّرَهُ فَاللَّفْظُ قبل الِاسْتِثْنَاءِ ظَنِّيٌّ وَبَعْدَهُ قَطْعِيٌّ وَهَذَا مُعَاكِسٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا الِاسْتِثْنَاءَ من الْمُخَصِّصَاتِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَامَّ قبل التَّخْصِيصِ قَطْعِيٌّ وَبَعْدَهُ ظَنِّيٌّ قِيلَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّجَوُّزِ قبل التَّخْصِيصِ ثَابِتٌ وَبَعْدَ التَّخْصِيصِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُقَرِّرُ الْمَجَازَ في إخْرَاجِ شَيْءٍ وَيُحَقَّقُ أَنَّ الْمُرَادَ ما بَقِيَ تَحْقِيقًا ظَاهِرًا لَا يُخَالِفُ ما لم تَأْتِ قَرِينَةٌ كما قبل الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا أَنَّ الْقَرِينَةَ قَبْلَهُ يُشْتَرَطُ فيها الْقُوَّةُ وَهَلْ الْإِخْرَاجُ من الِاسْمِ أو الْحُكْمِ أو مِنْهُمَا أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا الثَّالِثُ وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهَلْ هو إخْرَاجٌ من اللَّفْظِ ما لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ أو لَجَازَ فيه قَوْلَانِ رَجَّحَ سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ الْأَوَّلَ قال وَإِلَّا لم يَفْتَرِقْ الْحَالُ بين الِاسْتِثْنَاءِ من الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ فلما فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ من الْجِنْسِ حَقِيقَةً وَمِنْ غَيْرِهِ مَجَازًا ثَبَتَ ما قُلْنَاهُ مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ إلَّا من مُسْتَثْنًى منه عَامٍّ أو من عَدَدٍ شَائِعٍ فَالْأَوَّلُ نَحْوُ قام الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا قَوْله تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيسَ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا وَلِهَذَا صَحَّ على عَشَرَةٍ إلَّا دِرْهَمًا لِشُيُوعِ الْخَمْسِينَ في مُطْلَقِ الْأَلْفِ وَالْأَلْفُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ وَشُيُوعُ الْعَشَرَةِ في مُطْلَقِ الْعَدَدِ وَمِثْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً فإن ثَلَاثًا نَكِرَةٌ شَائِعَةٌ تَقَعُ على الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ حَمْزَةُ الْحَمَوِيُّ وَسَنُعِيدُ الْخِلَافَ في الْعَدَدِ مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ من الْجِنْسِ بِلَا خِلَافٍ كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وهو الْمُتَّصِلُ وَمِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ على الْأَصَحِّ وهو الْمُنْقَطِعُ وَيُعَبَّرُ عنه بِالْمُنْفَصِلِ نَحْوُ إلَّا حِمَارًا وَأَفْسَدَ

تَعْرِيفَ الْمُتَّصِلِ بِقَوْلِنَا ما جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا لم يَدْخُلْ تَحْتَ أَحَدٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَإِنْ كان من جِنْسِ الْأَوَّلِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَّصِلُ ما كان اللَّفْظُ الْأَوَّلُ منه يَتَنَاوَلُ الثَّانِيَ نَحْوُ جاء الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَالْمُنْقَطِعُ ما لَا يَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ فيه الثَّانِيَ أو نَقُولُ الْمُتَّصِلُ ما كان الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا من الْمُسْتَثْنَى منه وَالْمُنْقَطِعُ ما لَا يَكُونُ قال ابن سِرَاجٍ وَلَا بُدَّ في الْمُنْقَطِعِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الذي قبل إلَّا قد دَلَّ على ما يُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَأَوْضَحَهُ ابن مَالِكٍ فقال لَا بُدَّ فيه من تَقْدِيرِ الدُّخُولِ في الْأَوَّلِ كَقَوْلِك قام الْقَوْمُ إلَّا حِمَارًا فإنه بِذِكْرِ الْقَوْمِ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ لِأَتْبَاعِهِمْ الْمَأْلُوفَاتِ فذكر إلَّا حِمَارًا لِذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَثْنًى تَقْدِيرًا وَكَذَا قال أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ وَلَكِنْ بِشَرْطٍ وهو أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُهُ في الْمُسْتَثْنَى منه بِوَجْهٍ ما وَإِلَّا لم يَجُزْ كَقَوْلِهِ وَبَلْدَةٌ ليس بها أَنِيسُ إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ فَالْيَعَافِيرُ قد تُؤَانِسُ فَكَأَنَّهُ قال ليس بها من يُؤْنَسُ بِهِ إلَّا هذا النَّوْعُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ يَكُونُ مُسْتَثْنًى من مِقْدَارٍ أو من مَفْهُومِ لَفْظٍ لَا من مَنْطُوقِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ غَالِبًا إذَا تَشَارَكَ الْجِنْسَانِ في مَعْنًى أَعَمَّ كما في السَّلَامِ وَاللَّغْوِ الْمُتَشَارِكَيْنِ في أَصْلِ الْقَوْلِ في قَوْله تَعَالَى لَا يَسْمَعُونَ فيها لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إلَّا قِيلًا سَلَامًا وَقَوْلِهِ ما لهم بِهِ من عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ لِاشْتِرَاكِهِمَا في الرُّجْحَانِ ثُمَّ الْكَلَامُ فيه في مَوَاطِنَ الْأَوَّلُ في أَنَّهُ هل وَقَعَ في اللُّغَةِ فَمِنْهُمْ من أَنْكَرَهُ وَتَأَوَّلَهُ تَأَوُّلًا رَدَّهُ بِهِ إلَى الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ في الْمَعْنَى الثَّانِي أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَهُ في الْقُرْآنِ وَالصَّوَابُ وُقُوعُهُ قال ابن عَطِيَّةَ لَا يُنْكِرُ وُقُوعَهُ في الْقُرْآنِ إلَّا أَعْجَمِيٌّ الثَّالِثُ اخْتَلَفَ في صِحَّتِهِ في الْمُخَاطَبَاتِ في الْعَادَاتِ وقد اخْتَلَفَتْ طُرُقُ أَصْحَابِنَا فيه فقال الْقَاضِي أبو الْقَاسِمِ بن كَجٍّ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى جَوَازِهِ وَأَبَى ذلك عَامَّةُ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا من جَوَّزَهُ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قال لو قال له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا عَبْدًا قُبِلَ منه وَأَيْضًا فإنه وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيسَ وَدَلِيلُنَا أَنَّ

الِاسْتِثْنَاءَ شَرْطُهُ أَنْ يُخْرِجَ من دخل تَحْتَ الِاسْمِ غير الْجِنْسِ لم يَدْخُلْ فيه وَالْجَوَابُ عن الْآيَةِ بِأَنَّ إبْلِيسَ دخل تَحْتَ الْأَمْرِ فَرَجَعَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قد كان أُضْمِرَ فيه وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّمَا قُبِلَ ثَمَّةَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِهِ لِأَنَّهُ اقْتَضَى الْإِطْلَاقَ وَالْمَعْنَى إلَّا من ثَمَنِ عَبْدٍ انْتَهَى وَكَذَا قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في كِتَابِهِ قال وَتَمَسَّكَ الْمُجَوِّزُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ لو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا فَقَدْ اسْتَثْنَى الْعَبْدَ من الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ الْعَبْدُ من جِنْسِهَا قال وَهَذَا ليس بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ وهو كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَدَلَّ على أَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ من الْجِنْسِ قال وَأَمَّا قَوْلُهُ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيس مع أَنَّهُ ليس من الْمَلَائِكَةِ فَالْمُرَادُ في قَوْله تَعَالَى وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا أَيْ الْمَلَائِكَةُ وَإِبْلِيسُ فَحُذِفَ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمُضْمَرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ في الْأَمْرِ من لم يُذْكَرْ فيه قال وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا على جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ الْجِنْسِ بِدَلِيلٍ فَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا وَمِمَّنْ اخْتَارَ الْمَنْعَ من أَصْحَابِنَا إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وابن الْقُشَيْرِيّ عن الْحَنَفِيَّة وَالْأُسْتَاذِ ابْنِ دَاوُد وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عن ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ في الْإِقْرَارِ وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَاهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ قال لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا في صِحَّتِهِ في الْإِقْرَارِ وَاخْتَلَفُوا في غَيْرِ الْإِقْرَارِ على وَجْهَيْنِ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ على صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ الْجِنْسِ قال وَيُعْتَبَرُ فيه الْقِيمَةُ دُونَ الْعَدَدِ في الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فإذا قال له عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَلْفًا جَوَّزَهُ نَظَرًا إلَى قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى فَإِنْ كانت عَشَرَةً فما زَادَ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كانت دُونَهَا صَحَّ وَأَلْزَمَ ما بَقِيَ وَلِهَذَا أَنْكَرَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ الْخِلَافَ فيه وقال لم يَسْتَعْمِلْ اللُّغَوِيُّونَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في كَوْنِهِ حَقِيقَةً أو مَجَازًا وَكَذَا قال ابن الْقُشَيْرِيّ قال وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا انْطَوَى على التَّعَرُّضِ بِمَا يُنْبِئُ عنه الْمُسْتَثْنَى منه جِنْسًا فَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْحَقِيقِيُّ كَقَوْلِك رَأَيْت الناس إلَّا زَيْدًا قال وقد تَرِدُ صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مع اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِلَا خِلَافٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كلهم أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيسَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لم يَكُنْ من

الْمَلَائِكَةِ وقد قال تَعَالَى فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ وما كان لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَالْخَطَأُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ قال وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في أَنَّهُ هل يُسَمَّى هذا الْجِنْسُ اسْتِثْنَاءً على الْحَقِيقَةِ أو لَا وَالْأَظْهَرُ الْمَنْعُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا فَهُوَ على التَّحْقِيقِ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ من جِنْسِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ وأبو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَنْكَرَ هذا فَقَدْ جَوَّزَ اسْتِثْنَاءَ الْمَكِيلِ من الْمَكِيلِ مع اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاسْتِثْنَاءَ الْمَوْزُونِ من الْهَيْكَلِ ا هـ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في أَنَّهُ هل يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً أو مَجَازًا وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ في الْجَوَازِ وَمِنْهُمْ الْآمِدِيُّ في الْإِحْكَامِ فقال ذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ الْجِنْسِ وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَ التَّوَقُّفَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَانِعَ لَا يُسَمَّى ما وَرَدَ من ذلك اسْتِثْنَاءً بَلْ يَجْعَلُ إلَّا بِمَعْنَى لَكِنْ وَسَيَأْتِي في كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ ما يَقْتَضِيه وَحَكَى الْمَازِرِيُّ في التَّعْلِيقَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا صِحَّتُهُ وَالِاعْتِدَادُ بِهِ مُطْلَقًا وَعَزَاهُ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ وَالثَّانِي عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ وَالثَّالِثُ إنْ قَدَّرَ بِفَرْدٍ نَحْوُ قَوْلِهِ له عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً مُعَيَّنَةً اعْتَدَّ بِهِ وَيَسْقُطُ مِقْدَارُهُ من الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ إذَا قُدِّرَ بِوَزْنٍ أو كَيْلٍ فإن من لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ من ذلك لم يُعْتَدَّ بِهِ وَلَزِمَتْ الْجُمْلَةُ الْأُولَى قال وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ حَكَاهُ عنه ابن الْحَكَمِ انْتَهَى وقال ابن الْحَاجِّ في تَعْلِيقِهِ على الْمُسْتَصْفَى الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ مَنَعَهُ قَوْمٌ من جِهَةِ الْغَرَضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَأَجَازَهُ الْأَكْثَرُونَ من جِهَةِ وُجُودِهِ في كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمُجَوِّزُونَ لم يَقْدِرُوا أَنْ يَدْفَعُوا وُجُودَهُ في كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمَانِعُونَ لم يَقْطَعُوا الْجِهَةَ التي يَصِحُّ بها الْمُنْقَطِعُ على وَضْعِ الِاسْتِثْنَاءِ قال وقد حَلَّ هذا الشَّكَّ الْقَاضِي أبو الْوَلِيدِ بن رُشْدٍ فقال إنَّ من عَادَةِ الْعَرَبِ إبْدَالَ الْجُزْئِيِّ مَكَانَ الْكُلِّيِّ كما يُبْدَلُ الْكُلِّيُّ مَكَانَ الْجُزْئِيِّ اتِّكَالًا على الْقَرَائِنِ وَالْعُرْفِ مَثَلًا إذَا قال ما في الدَّارِ رَجُلٌ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُفْهِمُ ما سِوَاهُ

فَلِذَلِكَ يُسْتَثْنَى وَيَقُولُ إلَّا امْرَأَةً وَعَلَى هذا الْوَجْهِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ مُتَّصِلًا إلَّا أَنَّ الِاتِّصَالَ منه في اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَمِنْهُ في الْمَعْنَى خَاصَّةٌ قال وإذا تَصَفَّحَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ وُجِدَ على ما قَالَهُ وقد انْفَرَدَ بِحَلِّ هذا الشَّكِّ قال ابن الْخَشَّابِ النَّحْوِيُّ في كِتَابِ الْعَوْنِيِّ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِثْنَاءَ من غَيْرِ الْجِنْسِ وَتَأَوَّلُوا تَأَوُّلًا بِهِ إلَى الذي من الْجِنْسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ قال لَكِنَّ النُّحَاةَ قَدَّرُوهُ بِلَكِنَّ وهو غَيْرُ مُشَابِهٍ لِمَا اخْتَلَفَ فيه الْفُقَهَاءُ بَلْ الذي أَجَازَهُ الْفُقَهَاءُ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِامْتِنَاعِهِ فَإِنَّهُمْ مَثَّلُوهُ بِنَحْوِ له عَشَرَةٌ إلَّا ثَوْبًا وَهَذَا فَاسِدٌ من جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَمَّا اللَّفْظُ فإن اللُّغَةَ لَا تَسْتَعْمِلُ هذا الضَّرْبَ من الِاسْتِثْنَاءِ في الْمُثْبَتِ إنَّمَا تَسْتَعْمِلُهُ في الْمَنْفِيِّ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْأَصْلِ إنَّمَا جِيءَ بِهِ مُقَابِلًا لِلتَّأْكِيدِ فَإِنَّمَا قُلْت جاء الْقَوْمُ كلهم إلَّا زَيْدًا حَقَّقْت بِالِاسْتِثْنَاءِ الْإِشْكَالَ في عُمُومِ الْمَجِيءِ لهم وَأَنَّهُ لم يَتَخَلَّفْ منهم من لم يَجِئْ فإذا قُلْت جاء الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا حَقَّقْت بِالِاسْتِثْنَاءِ الْبَعْضَ لهم وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَصَوُّرُهُ في له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَوْبًا فَإِنْ قال الْمَعْنَى إلَّا ثَوْبًا وَأَكْثَرَ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ فَأَيْنَ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ قُلْت وَقَوْلُهُ في الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ في الْإِثْبَاتِ مَمْنُوعٌ بَلْ جُمْهُورُ النَّحْوِيِّينَ سَوَّغُوهُ فيه الرَّابِعُ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا في تَسْمِيَتِهِ اسْتِثْنَاءً على مَذَاهِبَ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَنَقَلَهُ ابن الْخَبَّازِ عن ابْنِ جِنِّي وقال الْإِمَامُ هو ظَاهِرٌ من كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ وَعَلَى هذا فَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ على الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ هل هو بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أو الْمَعْنَوِيِّ قَوْلَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَجَازٌ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ منهم الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ وابن الْأَنْبَارِيِّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَسُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وابن الْقُشَيْرِيّ لِأَنَّهُ ليس فيه مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلَيْسَ في اللُّغَةِ ما يَدُلُّ على تَسْمِيَتِهِ وَاخْتَارَهُ الرُّمَّانِيُّ من النَّحْوِيِّينَ في شَرْحِ الْمُوجَزِ وقال ابن أبي الرَّبِيعِ في شَرْحِ الْإِيضَاحِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الناس إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ هو الْأَصْلُ وَالْمُنْقَطِعَ اتِّسَاعٌ وَمِنْهُمْ من قال كِلَاهُمَا أَصْلٌ انْتَهَى وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وَالْمَازِرِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَلَامٍ مُبْدَأٍ مُسْتَأْنَفٍ وقال قَوْلُ من قال مُنْقَطِعٌ حَقِيقَةً وَمَنْ قال كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَاحِدٌ في الْمَعْنَى

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَةُ ثُمَّ قال الْقَاضِي وَالْمَازِرِيُّ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ قُلْت بَلْ هو مَعْنَوِيٌّ فإن من جَعَلَهُ حَقِيقَةً جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَأَيْضًا هو مَبْنِيٌّ على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ما لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ أو لَجَازَ دُخُولُهُ وَاحْتَجَّ في الْمَحْصُولِ على أَنَّهُ ليس بِحَقِيقَةٍ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ من اللَّفْظِ إذْ لم يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى صَارِفٍ عنه وَلَا من الْمَعْنَى وَإِلَّا صَحَّ اسْتِثْنَاءُ كل شَيْءٍ من كل شَيْءٍ لِوُجُوبِ اشْتَرَاكِ كل شَيْئَيْنِ في مَعْنًى لو حُمِلَ اللَّفْظُ عليه جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ منه وَحَكَى ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ الْخِلَافَ على نَمَطٍ آخَرَ فقال اخْتَلَفُوا في الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ الْجِنْسِ على ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ وَأَحَدُهَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ من طَرِيقِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وهو قَوْلُ كَثِيرٍ من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلُوهُ لَغْوًا وَالثَّانِي يَجُوزُ لَفْظًا وَمَعْنًى الثَّالِثُ يَصِحُّ من طَرِيقِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ قال وهو الْأَوْلَى بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وهو قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ من الْأَصْحَابِ وَلِهَذَا لو قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أو مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا ثَوْبًا يَكُونُ مُثْبِتًا لِلدِّينَارِ وَالثَّوْبِ بِالتَّقْدِيرِ قال وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى من زَيْدٍ وَجْهَهُ أو من الدَّارِ بَابَهَا فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ في أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ من جِنْسِهِ أو من غَيْرِ جِنْسِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ من جِنْسِهِ لِأَنَّ وَجْهَ زَيْدٍ جُزْءٌ منه انْتَهَى قِيلَ وَهَذَا الْخِلَافُ غَرِيبٌ وقد جَزَمَ الْأَصْحَابُ بِدُخُولِ بَابِ الدَّارِ في بَيْعِهَا ولم يَحْكُوا خِلَافًا قُلْت يُؤْخَذُ من الْمُسْتَصْفَى الْخِلَافُ فإنه جَزَمَ بِأَنَّهُ من غَيْرِ الْجِنْسِ وَشَرَطَ هو قبل ذلك كَوْنَهُ من الْجِنْسِ قال لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَنْطَلِقُ على الْبَابِ وَلَا اسْمُ زَيْدٍ على وَجْهِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِائَةُ ثَوْبٍ إلَّا ثَوْبًا قال وَعَلَى هذا قال قَوْمٌ ليس من شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ من الْجِنْسِ وَشَرَطَ هو قبل ذلك كَوْنَهُ من الْجِنْسِ فَجَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ وَيَجِيءُ على الثَّانِي قَوْلُهُ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا فَمِنْهُمْ من أَلْحَقَهُ بِقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا إلَّا يَدَهُ وَمِنْهُمْ من أَلْحَقَهُ بِاسْمِ الْجُمْلَةِ وهو قَوْلُهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ أو إلَّا زَيْدًا وهو الْأَشْبَهُ فيه وَأَمَّا الْخِلَافُ الْأَوَّلُ فَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي إذْ قال فَإِنْ عَادَ إلَى غَيْرِ

جِنْسِهِ صَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَأَجَازَهُ قَوْمٌ في اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَأَبْطَلَهُ قَوْمٌ فِيهِمَا وقال الطَّبَرِيُّ في الْعُدَّةِ في بَابِ الْإِقْرَارِ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هل هو اسْتِثْنَاءٌ من الْمَعْنَى أو من اللَّفْظِ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا من الْمَعْنَى فإذا قال له عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى من قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالثَّانِي من اللَّفْظِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَشْهَدُ لِهَذَا انْتَهَى تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قال ابن فُورَكٍ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ ليس الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ هُنَا ما اصْطَلَحَ عليه الْمُتَكَلِّمُونَ فإن الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا عِنْدَهُمْ مُتَجَانِسَةٌ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِجِنْسٍ يُسْتَثْنَى منه بِلَفْظٍ لم يُوضَعْ لِذَلِكَ الْجِنْسِ نَحْوُ مَالِي ابْنٌ إلَّا بِنْتٌ فإن لَفْظَ الِابْنِ غَيْرُ جِنْسِ لَفْظِ الْبِنْتِ وقال السُّهْرَوَرْدِيّ لَا نَعْنِي بِالْجِنْسِ هُنَا الْمَنْطِقِيَّ فإن الثَّوْرَ مُجَانِسٌ لِلْإِنْسَانِ وَمُشَارِكٌ له في الْجِنْسِ الْأَقْرَبِ بَلْ نَعْنِي بِهِ غير الْمُشَارِكِ في الدُّخُولِ تَحْتَ الْمَحْكُومِ عليه قال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَصْلُ كَوْنُهُ من جِنْسِهِ وَمَعْنَى الْمُجَانِسَةِ أَنْ لَا يُقْصَرَ الْمُسْتَثْنَى منه في الْمُسْتَثْنَى في الْفِعْلِ الذي وَرَدَ عليه الِاسْتِثْنَاءُ سَوَاءٌ كان رَاجِحًا عليه أو لَا وَكَذَلِكَ قال مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لو قال إنْ كان في الدَّارِ إلَّا رَجُلٌ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَ في الدَّارِ شَاةٌ لَا يَحْنَثُ لِقُصُورِ الشَّاةِ على الْآدَمِيِّ في الْكَيْنُونَةِ في الدَّارِ لِأَنَّ كَيْنُونَةَ الْآدَمِيِّ في الدَّارِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَكَيْنُونَةَ الشَّاةِ بِطَرِيقِ الْقَصْرِ وَالتَّبَعِيَّةِ وَلَوْ قال إنْ كان في الدَّارِ إلَّا شَاةً فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَكَانَ فيها آدَمِيٌّ حَنِثَ لِقُصُورِ الشَّاةِ عن الْآدَمِيِّ في الْكَيْنُونَةِ الثَّانِي ما ذَكَرْنَاهُ من كَوْنِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مُخَصِّصًا يَشْمَلُ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ وقال بَعْضُهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ الْجِنْسِ لَا تَخْصِيصَ فيه وَلَا بَيَانَ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ من الْمُسْتَثْنَى شيئا وَإِنَّمَا هو جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فَإِنْ زَعَمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ يُخَصَّصُ بِهِ وَأَنَّهُ مع الْمُسْتَثْنَى جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَذَلِكَ اعْتِرَافٌ منه بِأَنَّهُ من الْجِنْسِ لَا من غَيْرِهِ وهو الْمَطْلُوبُ

وقال ابن عَطِيَّةَ في تَفْسِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ يُخَصَّصُ تَخْصِيصًا ما وَلَيْسَ كَالْمُتَّصِلِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ يُخَصِّصُ من الْجِنْسِ أو الْجُمْلَةِ وَالْمُنْقَطِعَ يُخَصِّصُ أَجْنَبِيًّا من ذلك قُلْت وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُتَّصِلَ يُخَصِّصُ الْمَنْطُوقَ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى منه وَأَمَّا الْمُنْقَطِعُ فَيُخَصِّصُ الْمَفْهُومَ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى منه فإذا قِيلَ قام الْقَوْمُ إلَّا حِمَارًا فَقِيلَ وُرُودُ الِاسْتِثْنَاءِ كان يُفْهَمُ أَنَّهُ لم يَقُمْ غَيْرُهُمْ فَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ من الْمَفْهُومِ الْمُقَدَّرِ وَحِينَئِذٍ فَإِنَّمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مُخَصَّصًا إذَا جَعَلْنَا لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا مَسْأَلَةٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ شُرُوطٌ أَحَدُهَا الِاتِّصَالُ بِالْمُسْتَثْنَى منه لَفْظًا بِأَنْ يُعَدَّ الْكَلَامُ وَاحِدًا غير مُنْقَطِعٍ نَحْوُ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا أو حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ انْفِصَالُهُ وَتَأَخُّرُهُ على وَجْهٍ لَا يَدُلُّ على أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قد اسْتَوْفَى غَرَضَهُ من الْكَلَامِ كَالسُّكُوتِ لِانْقِطَاعِ نَفْسٍ أو بَلْعِ رِيقٍ فَإِنْ انْفَصَلَ لَا على هذا الْوَجْهِ لَغَا وَنُقِلَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَوَّزَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ على نَحْوِ ما جَوَّزَهُ من تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ عن الْعُمُومِ وَالْبَيَانِ عن الْمُجْمَلِ ثُمَّ اخْتَلَفَ عنه فَقِيلَ إلَى شَهْرٍ وَقِيلَ إلَى سَنَةٍ وَقِيلَ أَبَدًا ثُمَّ منهم من رَدَّهُ وقال لم يَصِحَّ عنه كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ بِمَا يَلْزَمُ منه من ارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ لِإِمْكَانِ تَرَاخِي الِاسْتِثْنَاءِ وَيَلْزَمُ منه أَنْ لَا يَصِحَّ يَمِينٌ قَطُّ وَمِنْهُمْ من أَوَّلَهُ كَالْقَاضِي أبي بَكْرٍ بِمَا إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ فإنه يُدَيَّنُ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ ما يُدَيَّنُ فيه الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَقِيلَ يَجُوزُ بِشَرْطٍ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا زَيْدًا أُرِيدَ الِاسْتِثْنَاءُ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ اسْتِثْنَاءَاتِ الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ في كَلَامِ اللَّهِ خَاصَّةً وقد قال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّ التَّأْخِيرَ فيه غَيْرُ قَادِحٍ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ خَيَالٌ تَخَيَّلُوهُ من قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ الصَّائِرِينَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْأَزَلِيَّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا

التَّرْكِيبُ في جِهَاتِ الْوُصُولِ لِلْمُخَاطَبِينَ لَا في كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وقال الْمُقْتَرِحُ هو بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ فَلَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَكَذَلِكَ الْمُثْبَتُ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَالْعَرَبُ لَا تُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ وقال الْقَرَافِيُّ الْمَنْقُولُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا هو في التَّعْلِيقِ على مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً كَمَنْ حَلَفَ وقال إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَيْسَ هو في الْإِخْرَاجِ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا قال وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مُدْرِكَهُ في ذلك وَلَا تَقَوَّلْنَ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ قالوا الْمَعْنَى إذَا نَسِيتَ قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُلْ بَعْدَ ذلك ولم يُخَصِّصْ قُلْت وفي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ على يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَى سَنَةٍ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ قال إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى وقال صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ قال الْحَافِظُ أبو مُوسَى الْمَدِينِيُّ لو صَحَّ هذا عِنْدَهُ لَاحْتَمَلَ رُجُوعَهُ إذْ عُلِمَ أَنَّ ذلك خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ أَسْنَدَ ذلك من جِهَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقد ذُكِرَتْ طُرُقُهُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ في الْمُعْتَبَرِ في تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمِنْهَاجِ وَالْمُخْتَصَرِ وَحَكَى ابن النَّجَّارِ في تَارِيخِ بَغْدَادَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مَرَّةً من بَغْدَادَ فَاجْتَازَ في بَعْضِ الطُّرُقِ وإذا بِرَجُلٍ على رَأْسِ سَلَّةٍ فيها بَقْلٌ وهو يُحْمَلُ على ثِيَابِهِ وهو يقول لِآخَرَ معه مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ في الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لو كان صَحِيحًا لَمَا قال تَعَالَى لِأَيُّوبَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ بَلْ كان يقول له اسْتَثْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هذا التَّحَيُّلِ في الْبِرِّ قال فقال أبو إِسْحَاقَ بَلْدَةٌ فيها رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ وهو يَرُدُّ على ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تَخْرُجَ منها وَمِثْلُهُ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ من غَيْرِ شَرْطِ الِاتِّصَالِ لم يَكُنْ لِشَرْعِ الْكَفَّارَةِ وَإِيجَابِهَا مَعْنًى لِأَنَّهُ كان يُسْتَثْنَى وقد حُكِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ اسْتَدْعَى أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ وقال له كَيْفَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ في الِاسْتِثْنَاءِ فقال له أبو يُوسُفَ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَلْحَقُ بِالْخِطَابِ وَيُغَيِّرُ حُكْمَهُ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ فقال عَزَمَتْ عَلَيْك أَنْ تُفْتِيَ بِهِ وَلَا تُخَالِفَهُ وكان أبو يُوسُفَ

لَطِيفًا فِيمَا يُورِدُهُ مُتَأَنِّيًا فِيمَا يُرِيدُهُ فقال له رَأْيُ ابن عَبَّاسٍ يُفْسِدُ عَلَيْك بَيْعَتَك لِأَنَّ من حَلَفَ لَك وَبَايَعَك رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتَثْنَى فَانْتَبَهَ الرَّشِيدُ وقال إيَّاكَ أَنْ تُعَرِّفَ الناس مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاكْتُمْهُ وقال ابن ظَفَرَ في الْيَنْبُوعِ إذَا حَقَّقْت هذه الْمَسْأَلَةَ ضَعُفَ أَمْرُ الْخِلَافِ فيها وَتَحْقِيقُهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْحَالِفُ التَّارِكُ لِلِاسْتِثْنَاءِ من أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْجَزْمَ وَتَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ فما أَظُنُّ الْخِلَافَ يَقَعُ في مِثْلِ هذا أو يَكُونُ نَوَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ ولم يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ فَتَلَفَّظَ بِهِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُعَدَّ اسْتِثْنَاؤُهُ لَغْوًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَاهِلًا عن الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَهَذِهِ الصُّورَةُ صَالِحَةٌ لِلِاخْتِلَافِ وَلَا يَظْهَرُ فيها قَوْلُ من صَحَّحَ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَشْهَدُ له من حَيْثُ إنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لم يَحْلِفْ وَلَا تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ ذِكْرَ يَمِينٍ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هل هو حَالٌ لِلْيَمِينِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا أو مَانِعٌ من الِانْعِقَادِ لَا حَالٌ فَمَنْ قال مَانِعٌ شَرَطَ الِاتِّصَالَ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ حَالٌ فَقِيلَ بِالْقُرْبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا من غَيْرِ تَأْقِيتٍ بِالْقُرْبِ وفي الْبَابِ قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ إلَّا الْإِذْخِرَ وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ لَمَّا قال لَأَطُوفَنَّ الحديث وَقَوْلُهُ عليه السَّلَامُ في صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ إلَّا سَهْلَ بن بَيْضَاءَ

الشَّرْطُ الثَّانِي عَدَمُ الِاسْتِغْرَاقِ وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ وَيَبْقَى أَصْلُ الْكَلَامِ على حَالِهِ حَكَوْا فيه الْإِجْمَاعَ وفي هذا الْإِطْلَاقِ وَالنَّقْلِ نِزَاعٌ في الْمَذَاهِبِ أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ رَأَيْت في كِتَابِ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ من الْمَالِكِيَّةِ حِكَايَةَ قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ في أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وقد حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا عنه وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ من الْمَالِكِيَّةِ عن بَعْضِهِمْ في أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ النَّدَمَ مُنْتَفٍ بِإِمْكَانِ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لِظُهُورِ النَّدَمِ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَيَّدُوا الْبُطْلَانَ بِمَا إذَا كان الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذلك اللَّفْظِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي أو أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي فَإِنْ كان بِغَيْرِهِ صَحَّ وَإِنْ كان مُسْتَغْرَقًا في الْوَاقِعِ نَحْوُ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إلَيْهِنَّ وَأَوْصَيْت له بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ وهو ثُلُثُ مَالِهِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ في الْبَابِ الْأَوَّلِ من الزِّيَادَاتِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ على صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا على صِحَّةِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرَ طَلَقَاتٍ إلَّا ثَمَانِيَ طَلْقَاتٍ تَقَعُ طَلْقَتَانِ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كانت الْعَشَرَةُ لَا صِحَّةَ لها من حَيْثُ الْحُكْمِ وَمَعَ هذا لَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُلْغَى ما بَعْدَهُ من الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ تَتْبَعُ صِحَّةَ اللَّفْظِ دُونَ الْحُكْمِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ ما تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ وَمُتَصَوَّرٌ أَنْ يَدْخُلَ في مِلْكِهِ أَكْثَرُ من هذه النِّسْوَةِ بِخِلَافِ ما إذَا وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِ ذلك اللَّفْظِ فإنه لَا يَصْلُحُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ ما تَنَاوَلَهُ فلم يَصِحَّ اللَّفْظُ فلم يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَمَّا عِنْدَنَا أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فَهَذَا ما لم يُعَقِّبْهُ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ فَلَوْ عَقَّبَهُ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ نَحْوُ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا ثَلَاثَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لم يَصِحَّ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ منه وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ سَبْعَةٌ وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ وَسَقَطَ من الْبَيْنِ وَأَمَّا إذَا كان زَائِدًا على الْمُسْتَثْنَى منه فَالْمَنْعُ منه أَوْلَى وَعَنْ الْفَرَّاءِ جَوَازُهُ في الْمُنْقَطِعِ نَحْوُ له عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى من الْمَفْهُومِ وفي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ من الْكُلِّ لَفْظًا كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَمَّا حَالًا وَحُكْمًا فَيَصِحُّ كَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَلَيْسَ له امْرَأَةٌ سِوَاهُنَّ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعًا إلَّا ثَلَاثَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ

ثُمَّ إمَّا أَنْ يُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ أو الْأَكْثَرُ أو الْمُسَاوِي أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ من الْكَثِيرِ فَجَائِزٌ وَحَكَى بَعْضُهُمْ فيه الْإِجْمَاعَ وقال الْمَازِرِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ إنْ كان ليس بِوَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ في جَوَازِهِ نَحْوُ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا حَبَّةً أو إلَّا سُدُسًا وَإِنْ كان جُزْءًا صَحِيحًا كَالْوَاحِدِ وَالثُّلُثِ فَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَمِنْهُمْ من اسْتَهْجَنَهُ وقال الْأَحْسَنُ في الْخِطَابِ أَنْ يَقُولَ له عِنْدِي تِسْعَةٌ وَلَا يقول عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا وقال في شَرْحِ التَّلْقِينِ عن قَوْمٍ إنَّهُمْ شَذُّوا فَقَالُوا لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ إلَيْهِ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ كَقَوْلِهِ له عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا رُبْعَ دِرْهَمٍ أو إلَّا نِصْفَ دِرْهَمٍ وَقَالُوا قَوْلُك مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً يَعْنِي له عِنْدِي تِسْعُونَ فَنُقِضَ عليهم بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا وفي هذا اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ من الْأَكْثَرِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ كَسْرًا في الْعَدَدِ فَأَجَابُوا بِأَنَّهُ في مَعْنَى الْكَسْرِ لِأَنَّ التَّجْزِئَةَ الْمُقْتَرَحَةَ من النِّصْفِ إلَى الْعُشْرِ وَهَذَا كَالْكَسْرِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ من الْأَلْفِ كَنِصْفِ الْعُشْرِ فَصَارَ في مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ الْكَسْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَتَكَلُّفٌ فيه لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلنُّحَاةِ أَحَدُهُمَا يَمْتَنِعُ وَعَلَيْهِ الزَّجَّاجُ وقال ولم تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا نَقَصَ يَسِيرًا لم يَزُلْ عنه اسْمُ ذلك الشَّيْءِ فَلَوْ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ لَزَالَ الِاسْمُ وقال ابن جِنِّي لو قال له عِنْدِي مِائَةٌ إلَّا سَبْعَةً وَتِسْعِينَ ما كان مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ وكان عَبَثًا من الْقَوْلِ وقال ابن قُتَيْبَةَ في كِتَاب الْمَسَائِلِ لَا يَجْرِي في اللُّغَةِ لِأَنَّ تَأْسِيسَ الِاسْتِثْنَاءِ على تَدَارُكِ قَلِيلٍ من كَثِيرٍ أَغْفَلْتَهُ أو نَسِيتَهُ لِقِلَّتِهِ ثُمَّ تَدَارَكْته بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ قد يَنْقُصُ نُقْصَانًا يَسِيرًا فَلَا يَزُولُ عنه اسْمُ الشَّيْءِ وَأَمَّا مع الْكَثْرَةِ فَيَزُولُ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ من النُّحَاةِ وَأَجَازَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ منهم وَأَجَازَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ نَحْوُ له عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وهو قَوْلُ السِّيرَافِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ من النُّحَاةِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ عِبَادِي ليس لَك عليهم سُلْطَانٌ إلَّا من اتَّبَعَك من الْغَاوِينَ وَالْمُتَّبِعُونَ له هُمْ الْأَكْثَرُ بِدَلِيلِ وَقَلِيلٌ من عِبَادِي الشَّكُورُ

وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ وَالْعِبَادَ الْمُضَافِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هُمْ الْمُؤْمِنُونَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِتَشْرِيفِ الْمُضَافِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ الْغَاوُونَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى منه لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقَوْلُهُ إلَّا من اتَّبَعَكَ من الْغَاوِينَ أَقَلُّ من الْمُسْتَثْنَى منه لِأَنَّ قَوْلَهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلَكَ وَالْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَكُلُّ الْغَاوِينَ أَقَلُّ من الْمَلَائِكَةِ وفي الحديث الْمَلَائِكَةُ يَطُوفُونَ بِالْمَحْشَرِ سَبْعَةَ أَدْوَارٍ وَذَلِكَ أَعْظَمُ من في الْمَحْشَرِ وقال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ الْقَاطِعُ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْغَاوِينَ من الْمُخْلَصِينَ في هذه الْآيَةِ وَاسْتَثْنَى الْمُخْلَصِينَ من الْغَاوِينَ في قَوْلِهِ حِكَايَةً عن إبْلِيسَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا عِبَادَك منهم الْمُخْلَصِينَ فَلَوْ كان الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ من الْمُسْتَثْنَى منه لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ من الْغَاوِينَ وَالْمُخْلَصِينَ أَقَلَّ من الْآخَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ منهم عَائِدٌ لِبَنِي آدَمَ وَالْمُخْلَصُ منهم قَلِيلٌ وَانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ عنه فقال الْمُخْلَصُونَ هُنَا هُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَسُكَّانُ السَّمَوَاتِ وَهُمْ أَكْثَرُ من الْغَاوِينَ فَيَكُونُ من بَابِ اسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ من الْأَكْثَرِ وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ وَجْهًا آخَرَ وهو أَنَّهُ إذَا لم يَعْلَمْ السَّامِعُ الْأَقَلَّ من الْأَكْثَرِ جَازَ ذلك وَإِنَّمَا يَقْبُحُ إذَا اسْتَثْنَى ما يَعْلَمُ السَّامِعَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَبْقَاهُ وَنَقَلَ ابن السَّمْعَانِيِّ عن بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْعَ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قال وَاخْتَارَهُ الْأَشْعَرِيَّةُ وهو قَوْلُ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ في شَرْحِ التَّلْقِينِ عن ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قال وَذُكِرَ أَنَّهُ نَاظَرَ في ذلك أَبَا عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلَيْنِ وَكَذَا قال عبد الْوَهَّابِ في الْإِفَادَةِ وهو غَرِيبٌ وَمِنْ شُبَهِ الْمُجَوِّزِينَ الْقِيَاسُ على الْمُخَصَّصِ فإنه يَجُوزُ وَإِنْ كان ما خُصِّصَ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ في الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا قُلْنَا إنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لم يَتِمَّ وَكَثِيرًا ما يَتَّحِدُ الْمَعْنَى وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُ إعْرَابِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ يَحْسُنُ إخْرَاجُ أَكْثَرِ الْعُمُومِ بِغَيْرِ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَيَصِحُّ بِهِ ثُمَّ الْمَانِعُونَ لِلْأَكْثَرِ اخْتَلَفُوا في حَدِّ الْقَلِيلِ الذي يُسْتَثْنَى فقال ابن مُغِيثٍ من الْمَالِكِيَّةِ هو الثُّلُثُ فما دُونَهُ هذا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَمَنْ جَوَّزَ الْأَكْثَرَ فَهُوَ هُنَا أَجْوَزُ وَمَنْ مَنَعَهُ اخْتَلَفُوا على قَوْلَيْنِ وَطَرَدَ ابن دُرُسْتَوَيْهِ فَأَلْحَقَهُ بِأَكْثَرَ في الْمَنْعِ وَالْجُمْهُورُ على الْجَوَازِ وَاحْتَجَّ على اسْتِثْنَاءِ

النِّصْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ فَالضَّمِيرُ في نِصْفَهُ عَائِدٌ على اللَّيْلِ قَطْعًا وَنِصْفَهُ بَدَلٌ فَإِمَّا من اللَّيْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَيَكُونُ إلَّا قَلِيلًا نِصْفًا وَإِمَّا من قَلِيلٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِاللَّيْلِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْأَكْثَرِ من جِهَةِ قَوْلِهِ أو زِدْ عليه وَأُجِيبَ بِأَنَّ نِصْفَهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ قُمْ نِصْفَهُ لَا بَدَلَ لِأَنَّ النِّصْفَ لَا يُقَالُ فيه قَلِيلٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ على هذا أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ أَوَّلًا بِقِيَامِ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا فَيَكُونُ أَمْرًا بِقِيَامِ الْأَكْثَرِ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ نِصْفَهُ مُخَالِفٌ له فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَشَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَرَاخِيًا وقال ابن عُصْفُورٍ بَلْ ضَمِيرُ نِصْفُهُ يَعُودُ على الْقَلِيلِ وهو بَدَلٌ منه بَدَلُ الْبَعْضِ من الْكُلِّ وَجَازَ وَإِنْ كان الْقَلِيلُ مُبْهَمًا لِأَنَّهُ قد تَعَيَّنَ بِالْعَادَةِ أَيْ ما يُسَمَّى قَلِيلًا في الْعَادَةِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ في الْمَحْصُولِ مَنْعَ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ قال وَلَهُ في الْمُسَاوِي وَجْهَانِ وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ عن الْقَاضِي قَوْلَيْنِ في أَكْثَرَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَالْمَازِرِيُّ وَالْآمِدِيَّ عن الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْأَكْثَرُ وَالْمُسَاوِي وَشَرَطُوا أَنْ يَنْقُصَ عن النِّصْفِ وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ في شَرْحِ الْجُزُولِيَّةِ عن الْبَصْرِيِّينَ وَاَلَّذِي في التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي يَمْتَنِعُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ في الْأَشْبَهِ عِنْدَنَا وَإِنْ كنا قد نَصَرْنَا في غَيْرِ هذا الْمَوْضِعِ جَوَازَهُ وَلِهَذَا قال الْمَازِرِيُّ آخِرُ قَوْلَيْ الْقَاضِي الْمَنْعُ ولم يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي لِلْمُسَاوِي وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ كان الْقَاضِي أَوَّلًا يُجَوِّزُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ ثُمَّ رَجَعَ عنه آخِرًا في التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ وقال لَا يَجُوزُ ذلك وهو مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ قالوا لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ صَحَّ وَاَلَّذِي في كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ تَخْصِيصُ ذلك بِالْعُقُودِ قالوا وَلَا خِلَافَ في جَوَازِهِ إذَا كانت الْكَثْرَةُ من دَلِيلٍ خَارِجٍ لَا من اللَّفْظِ وَعَلَى هذا فَلَا يَحْسُنُ الِاحْتِجَاجُ عليهم بِالْآيَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ ليس فيها عَدَدٌ مَحْصُورٌ وَفَرَّقُوا بِوُرُودِ اللُّغَةِ في هذا دُونَ ذلك وَلِأَنَّ حَمْلَ الْجِنْسِ على الْعُمُومِ إنَّمَا هو من طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ لَا من جِهَةِ الْقَطْعِ على جَمِيعِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْأَعْدَادِ فإن جَمِيعَهَا مَنْطُوقٌ بها فَصَارَ صَرِيحًا قد صَرَّحُوا بِحِكَايَةِ هذا مَذْهَبًا آخَرَ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ صَرِيحًا فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ نَحْوُ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ نَحْوُ خُذْ الدَّرَاهِمَ إلَّا ما في الْكِيسِ الْفُلَانِيِّ وكان ما في الْكِيسِ أَكْثَرَ من الْبَاقِي

وَحَكَى ابن الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ في كِتَابِ النُّكَتِ له قَوْلًا رَابِعًا عن بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ من أَهْلِ عَصْرِهِ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُمْلَةً فَيَمْتَنِعُ نَحْوُ جاء إخْوَتُك الْعَشَرَةُ إلَّا تِسْعَةً وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفَصَّلًا وَمُعَدَّدًا فَيَجُوزُ نَحْوُ إلَّا زَيْدًا وَبَكْرًا وَخَالِدًا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى التِّسْعَةِ وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْمَازِرِيِّ السَّابِقِ خَامِسٌ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَعْلَمَ السَّامِعُ الْأَكْثَرَ من الْأَقَلِّ فَيَمْتَنِعُ وَإِلَّا جَازَ وَيَخْرُجُ أَيْضًا من كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ هو جَوَازُهُ في الْمُنْقَطِعِ دُونَ الْمُتَّصِلِ فَحَصَلَ سِتَّةُ مَذَاهِبَ ثُمَّ يُضَافُ إلَيْهَا الْقَوْلُ الْآتِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَكِنْ لم تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ وقال ابن قُتَيْبَةَ الْقَلِيلُ الذي يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ الثُّلُثُ فما دُونَهُ وَهَاهُنَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا أَشَارَ الْمَازِرِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ اعْتَذَرَ عن الْمَانِعِ في الْأَكْثَرِ بِأَنَّهُ لم يُخَالِفْ في الْحُكْمِ وَإِنَّمَا خَالَفَ في اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ في ذلك فَرَأَى أنها لم تَسْتَعْمِلْ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ من الْأَقَلِّ وما تَمَسَّكَ بِهِ الْخُصُومُ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ لُغَةِ الْعَرَبِ لَكِنَّ الْعَرَبَ وَإِنْ لم تَسْتَعْمِلْهُ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ في الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فقال يَصِحُّ ذلك وَلَكِنْ لم يَقَعْ في اللُّغَةِ وَكَذَا قال ابن الْخَشَّابِ من أَئِمَّةِ النُّحَاةِ أَجَازَ قَوْمٌ اسْتِثْنَاءَ أَكْثَرِ الْجُمْلَةِ وَمَنَعَ آخَرُونَ فلم يُجِيزُوا أَنْ يُسْتَثْنَى إلَّا ما كان دُونَ النِّصْفِ منها وَلِهَذَا الْقَوْلِ يَشْهَدُ قِيَاسُ الْعَرَبِيَّةِ وَبِهِ جاء السَّمَاعُ وقد وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عليه وَالْأَوَّلُ ليس بِمُسْتَحِيلٍ في الْمَعْقُولِ وَلَكِنَّ الْآخَرَ يَمْنَعُهُ وَمَنْ ادَّعَى فيه سَمَاعًا أو اسْتَنْبَطَ منه فَقَدْ أَخْطَأَ وَادَّعَى ما لَا أَصْلَ له الثَّانِيَةُ قال ابن فَارِسٍ في كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّحِيحُ في الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ يُسْتَثْنَى الْقَلِيلُ من الْكَثِيرِ وَيُسْتَثْنَى الْكَثِيرُ مِمَّا هو أَكْثَرُ منه فَأَمَّا قَوْلُ من قال يُسْتَثْنَى الْكَثِيرُ من الْقَلِيلِ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فَيُقَالُ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً حتى يَبْلُغَ تِسْعَةً الثَّالِثَةُ أَنَّ الْكَلَامَ في الِاسْتِثْنَاءِ من الْعَدَدِ مَبْنِيٌّ على صِحَّتِهِ وَلِلنُّحَاةِ فيه مَذَاهِبُ أَحَدُهَا وهو الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَعَلَيْهِ بَنَى الْفُقَهَاءُ مَذَاهِبَهُمْ في الْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَاخْتَارَهُ ابن عُصْفُورٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا نُصُوصٌ فَالْإِخْرَاجُ منها يُخْرِجُهَا

عن النَّصِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت ثَلَاثَةٌ بِهِ إلَّا وَاحِدًا كُنْت قد أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَةَ على الِاثْنَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِك جاء الْقَوْمُ إلَّا عَشَرَةً وَأَجَابَ عن قَوْله تَعَالَى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ بِأَنَّ الْأَلْفَ لَمَّا كان يُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْثِيرِ كَقَوْلِك اُقْعُدْ أَلْفَ سَنَةٍ تُرِيدُ بها زَمَنًا طَوِيلًا دخل الِاحْتِمَالُ فَجَازَ أَنْ يُبَيِّنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لم يُسْتَعْمَلْ لِلتَّكْثِيرِ قال أبو حَيَّانَ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِثْنَاءُ الْعَقْدِ نَحْوُ قُصِدَ عِشْرُونَ إلَّا عَشَرَةً وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ ما دُونَهُ نَحْوُ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْتَرِنَ قَصْدُهُ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَلَوْ بَدَا له عَقِبَ الْفَرَاغِ فَالْأَصَحُّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَادَّعَى أبو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ الْإِجْمَاعَ عليه الْمَنْعُ لِإِنْشَائِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَإِنْ بَدَا له في الْأَثْنَاءِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وهو نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ صِحَّتُهُ الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَلِيَ الْكَلَامَ بِلَا عَاطِفٍ فَلَوْ وَلِيَ الْجُمْلَةَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ كان لَغْوًا بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَمَثَّلَهُ بِنَحْوِ له عِنْدِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَإِلَّا دِرْهَمًا أو فَإِلَّا دِرْهَمًا وَشَرَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في النِّهَايَةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَرْسِلًا فَإِنْ كان في مُعَيَّنٍ لم يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ كما لو أَشَارَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فقال هذه الدَّرَاهِمُ لِفُلَانٍ إلَّا هذا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى مُعَيَّنٍ اقْتَضَى الْإِقْرَارُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فيها فإذا أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ في الْبَعْضِ كان رَاجِحًا لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ كَوْنَ الِاسْتِثْنَاءِ من جِنْسِ الْأَصْلِ لِيَصِحَّ خُرُوجُ بَعْضِهِ فَإِنْ عَادَ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ صَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ في الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وقد سَبَقَ الْخِلَافُ فيه وَشَرَطَ أَيْضًا أَنْ يُعَلِّقَ على الِاسْتِثْنَاءِ ضِدَّ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنْ كان الْأَصْلُ إثْبَاتًا جاء الِاسْتِثْنَاءُ نَفْيًا وَإِنْ كان الْأَصْلُ نَفْيًا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ إثْبَاتًا وَسَيَأْتِي مَسْأَلَةٌ وُجُودُ الِاسْتِثْنَاءِ في لُغَةِ الْعَرَبِ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ في لُغَةِ الْعَرَبِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ قام الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا في الْعُمُومِ أو غير دَاخِلٍ وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا نُسِبَ إلَيْهِ مع الْقَوْمِ امْتَنَعَ إخْرَاجُهُ من النِّسْبَةِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُدُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ على مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ وهو مُحَالٌ وَلِهَذَا قال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الطَّلَاقِ لَا

يَصِحُّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إذَا وَقَعَ لَا يَرْتَفِعُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ما لَا يَدْخُلُ لَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ تَوَارُدُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ على مَحَلٍّ وَاحِدٍ لو لم يَكُنْ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وهو مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ قام الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فُهِمَ منه الْقِيَامُ بِمُفْرَدِهِ وَالْقَوْمُ بِمُفْرَدِهِ وَأَنَّ منهم زَيْدًا وَفُهِمَ إخْرَاجُ زَيْدٍ من الْقَوْمِ بِقَوْلِهِ إلَّا زَيْدًا ثُمَّ حُكِمَ بِنِسْبَةِ الْقِيَامِ بَعْدَ إخْرَاجِ زَيْدٍ وَعَلَى هذا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الذي يُورَدُ على قَوْله تَعَالَى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا لِأَنَّ الْعَالِمَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَحْكُمُ على كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْإِسْنَادِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ الْمَذَاهِبُ في تَقْدِيرِ دَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِقُوَّةِ هذا الْإِشْكَالِ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ في تَقْدِيرِ الدَّلَالَةِ في الِاسْتِثْنَاءِ وَهَلْ هو إخْرَاجٌ قبل الْحُكْمِ على ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا وَنَسَبَهُ ابن الْحَاجِبِ لِلْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَشَرَةٌ في قَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً سَبْعَةٌ وَقَوْلُهُ إلَّا ثَلَاثَةً قَرِينَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَنَّ الْكُلَّ اُسْتُعْمِلَ وَأُرِيدَ بِهِ الْجُزْءُ مَجَازًا كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ وَرَدَّهُ ابن الْحَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ إخْرَاجٌ وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ نَصٌّ في مَدْلُولِهَا وَالنَّصُّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصٌ وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ في الظَّاهِرِ وما قَالَهُ من الْإِجْمَاعِ مَرْدُودٌ فإن الْكُوفِيِّينَ على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُخْرِجُ شيئا فإذا قُلْت قام الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَإِنَّك أَخْبَرْت بِالْقِيَامِ عن الْقَوْمِ الَّذِينَ ليس فِيهِمْ زَيْدٌ وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عنه لم يُحْكَمْ عليه بِقِيَامٍ وَلَا بِنَفْيِهِ وما قَالَهُ من أَنَّ الْعَشَرَةَ نَصٌّ فَسَيَأْتِي في كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْخِلَافُ فيه وقد قال بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لَا يَسْتَقِيمُ غَيْرُ هذا الْمَذْهَبِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَلَوْ أَرَادَ الْأَلْفَ من لَفْظِ الْأَلْفِ لَمَا تَخَلَّفَ مُرَادُهُ عن إرَادَتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ ما أَرَادَ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ من الْأَلْفِ كما أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْعَشَرَةِ مع اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ لم يُرِدْ منها إلَّا التِّسْعَةَ وَالثَّانِي وهو قَوْلُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ أَنَّ عَشَرَةً إلَّا ثَلَاثَةً بِمَنْزِلَةِ سَبْعَةٍ من غَيْرِ إخْرَاجٍ كَاسْمَيْنِ وُضِعَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا مُفْرَدٌ وَالْآخَرُ مُرَكَّبٌ وَجَرَى عليه في

الْمَحْصُولِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاسْتَنْكَرَ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ وقال إنَّهُ مُحَالٌ لَا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ قال ابن الْحَاجِبِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ خَارِجٌ من قَانُونِ اللُّغَةِ إذْ لم يُعْهَدْ فيها لَفْظٌ مُرَكَّبٌ من ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلِأَنَّا نَقْطَعُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْإِخْرَاجِ وقال في شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ أَيْضًا لِأَنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْعَشَرَةِ يُعَبِّرُ بها عن مَدْلُولِهَا وهو خَمْسَتَانِ وَبِإِلَّا عن مَعْنَى الْإِخْرَاجِ وَبِالْوَاحِدِ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ وَلَوْ كان كما قالوا لم يَسْتَقِمْ فَهْمُ هذه الْمَعَانِي منها كما لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُفْهَمَ من بَعْضِ حُرُوفِ التِّسْعَةِ عِنْدَ إطْلَاقِهَا على مَدْلُولِهَا مَعْنًى آخَرُ وَهَذَا الذي قَالَهُ مُصَادَرَةٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُفْهَمُ من الْعَشَرَةِ خَمْسَتَانِ مع اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ منها بَلْ الْمَفْهُومُ من ذلك تِسْعَةٌ لَا غَيْرُ وَلَا بِإِلَّا مَعْنَى الْإِخْرَاجِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لُغَةً الصَّرْفُ وَالرَّدُّ وَقَوْلُهُ كما لَا يَسْتَقِيمُ ليس بِنَظِيرِ ما نَحْنُ فيه إذْ عَدَمُ فَهْمِ ما ذُكِرَ لِعَدَمِ الْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ في غَيْرِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا ذُكِرَ لُغَةً وَعُرْفًا وَاعْلَمْ أَنَّ قَصْدَ الْبَاجِيِّ بهذا الْقَوْلِ أَنْ يُفَرَّقَ بين التَّخْصِيصِ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ أو مُنْفَصِلٍ فَإِنْ كان بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ فَمِنْ الْبَاقِي حَقِيقَةً أو مُنْفَصِلٍ فإن الْبَاقِيَ مَجَازٌ وَلِذَلِكَ قال في الِاسْتِثْنَاءِ إنَّ الْكَلَامَ بِجُمْلَتِهِ يَصِيرُ عِبَارَةً عن أَمْرٍ آخَرَ وَالثَّالِثُ وهو الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى منه مُرَادٌ بِتَمَامِهِ ثُمَّ أُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى ثُمَّ حُكِمَ بِالْإِسْنَادِ بَعْدَهُ تَقْدِيرًا وَإِنْ كان قَبْلَهُ ذِكْرًا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِك عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً عَشَرَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي تَقْدِيرًا فَالْمُرَادُ بِالْإِسْنَادِ ما يَبْقَى بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَرَجَّحَهُ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِذَلِكَ لَا يَحْكُمُ عَالِمٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ بِالْإِسْنَادِ قبل تَمَامِهِ لِتَوَقُّعِ التَّغْيِيرِ قَبْلَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أو غَيْرِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ ما أُورِدَ على حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ من كَوْنِهِ إنْكَارًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَتَنَاقَضَا وَالْفَرْقُ بين هذا الْمَذْهَبِ وَالْأَوَّلِ أَنَّ الْأَفْرَادَ بِكَمَالِهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ في الْمُسْتَثْنَى منه في الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عليه وفي الثَّالِثِ مُرَادَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا هو لِتَغَيُّرِ النِّسْبَةِ لَا لِلدَّلَالَةِ على عَدَمِ الْمُرَادِ وَيَتَفَرَّعُ على الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ هو تَخْصِيصٌ أَمْ لَا فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي ليس تَخْصِيصًا وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْصِيصٌ قَطْعًا وَعَلَى الثَّالِثِ يُحْتَمَلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ

خَاصٌّ لِعَدِّهِمْ إيَّاهُ من التَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ وَتَطَرُّقِهِ إلَى النُّصُوصِ قِيلَ ليس بِتَخْصِيصٍ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ شَرْطُهُ الْإِرَادَةُ وَالْمُقَارَنَةُ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ إلَّا في قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ وقال الْهِنْدِيُّ في الرِّسَالَةِ السَّيْفِيَّةِ الْجَمْعُ بين احْتِمَالِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ تَخْصِيصًا على هذا الرَّأْيِ مع أَنَّ الْأَفْرَادَ مُرَادَةٌ بِكَمَالِهَا فيه مُشْكِلٌ فَإِنَّهُمْ أَطْبَقُوا على أَنَّ الْمَخْصُوصَ غَيْرُ مُرَادٍ من الذي خَصَّ عنه وُجُودَ التَّنَاوُلِ فَإِنْ قُلْت يُخَصُّ قَوْلُهُمْ ذلك بِالِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ النُّصُوصِ قُلْت الذي قال بِالْمَذْهَبِ الثَّالِثِ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ من أَلْفَاظِ الْعَدَدِ أو غَيْرِهَا فإن الْكَلَامَ في تَقْدِيرِ دَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقٌ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هذا الْمَذْهَبُ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ على أَنَّ الْفَرْدَ الْمَخْصُوصَ من الْعَامِّ ليس مُرَادًا منه وقال الْمَازِرِيُّ أَصْلُ هذا الْخِلَافِ في الِاسْتِثْنَاءِ من الْعَدَدِ هل يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ كَقَرِينَةٍ غَيَّرَتْ وَضْعَ الصِّيغَةِ أو لم تُغَيِّرْهُ وَإِنَّمَا كَشَفَتْ عن الْمُرَادِ بها فَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ كَالنُّصُوصِ التي لَا تَحْتَمِلُ سِوَى ما يُفْهَمُ منها قال بِالْأَوَّلِ وَيُنَزَّلُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى منه كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الدَّالَّةِ على عَدَدٍ ما وَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى كَجُزْءٍ من أَجْزَاءِ هذه الْكَلِمَةِ لِمَجْمُوعِ الدَّالِّ على الْعَدَدِ الْمُبْقَى وَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ لَيْسَتْ نَصًّا فإن الْعَشَرَةَ رُبَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ في عَشَرَةٍ نَاقِصَةٍ رَأَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ دَلَّتْ على الْمُرَادِ بِالْمُسْتَثْنَى منه كما دَلَّ قَوْلُهُ لَا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ على الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ قال وَهَذَا ظَاهِرٌ على الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ قُلْنَا نَصٌّ فَلَا يَسْتَقِيمُ ثُمَّ ذَكَرَ من الْفَرْقِ بين التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ على النُّصُوصِ وَالتَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ عليها وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّك إذَا اسْتَعْمَلْت الْعَشَرَةَ في سَبْعَةٍ مَجَازًا دَلَّ عليه قَوْلُك إلَّا ثَلَاثَةً وَالْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمَجْمُوعَ يُسْتَعْمَلُ في السَّبْعَةِ وابن الْحَاجِبِ عِنْدَهُ أَنَّك تَصَوَّرْت مَاهِيَّةَ الْعَشَرَةِ ثُمَّ حَذَفْت منها ثَلَاثَةً ثُمَّ حَكَمْت بِالسَّبْعَةِ فَكَأَنَّهُ قال له عَلَيَّ الْبَاقِي من عَشَرَةٍ أَخْرَجَ منها ثَلَاثَةً أو عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً له عِنْدِي وَكُلُّ من أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ على شَيْءٍ بَدَأَ بِاسْتِحْضَارِهِ في ذِهْنِهِ فَهَذَا الْقَائِلُ بَدَأَ بِاسْتِحْضَارِ الْعَشَرَةِ في ذِهْنِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ حَكَمَ كما أَنَّك تُخْرِجُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ من الْكِيسِ ثُمَّ تَرُدُّ منها إلَيْهِ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَهَبُ الْبَاقِي وهو السَّبْعَةُ هذا تَقْرِيرُ مَذْهَبِ ابْنِ الْحَاجِبِ لَكِنَّ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ الْإِسْنَادَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنَّ إلَّا أَدَاةٌ أُخْرِجَتْ من الِاسْمِ وَالْحُكْمِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي على الْقَوْلِ

الْمَرْجُوحِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ من الِاسْمِ فَقَطْ وَيُرَدُّ عليه أَيْضًا أَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يُسْتَثْنَى منه وَلَوْ اُسْتُثْنِيَ منه لم يَنْتَظِمْ أَنْ يُقَالَ الْعَامِلُ في الْمُسْتَثْنَى هو الْعَامِلُ في الْمُسْتَثْنَى منه كما هو مَذْهَبُ كَثِيرٍ من النُّحَاةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْنَادِ ما يَبْقَى بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ لِلْجُمْلَةِ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَاهُ بِآخِرِ الْكَلَامِ فَإِنْ عُطِفَ عليها بِأَوْ كان ثَابِتًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ عُطِفَ عليها بِالْوَاوِ كان ثَابِتًا لِلْمَجْمُوعِ وَإِنْ اُسْتُثْنِيَ منه كان ثَابِتًا لِبَعْضِ مَدْلُولِهَا وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ بِالْأَوَّلِ بَلْ يَحْصُلُ الْإِخْرَاجُ وَالْحَاصِلُ قَبْلَهُ قُصِدَ أَنْ يُسْتَثْنَى لَا بِقَصْدِ الْمَعْنَى حتى لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ مَوْتِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كان مُبَيِّنًا لَزِمَهُ وَعَلَى هذا لَا يُسَمَّى تَخْصِيصًا مَسْأَلَةٌ هل يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أو الْبَيَانِ تَتَفَرَّعُ على ما سَبَقَ وَتَتَأَصَّلُ على الْخِلَافِ الْآتِي في الِاسْتِثْنَاءِ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أو بِطَرِيقِ الْبَيَانِ فقال بِالثَّانِي وهو عِنْدَهُمْ بَيَانٌ مَعْنَوِيٌّ أَيْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لم يَكُنْ مُرَادًا لِلْمُتَكَلِّمِ من الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مَنَعَ دُخُولَهُ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى منه وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ اسْتِخْرَاجٌ صُورِيٌّ وَنَسَبُوا لِأَصْحَابِنَا الْأَوَّلَ وهو أَنَّهُ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ مِثْلُ دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَالْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَةِ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ فإن صَدْرَ الْكَلَامِ يَدُلُّ على إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ وَآخِرَهُ يَدُلُّ على إرَادَةِ إخْرَاجِ الْبَعْضِ عن الْإِرَادَةِ فَتَعَارَضَا في ذلك الْبَعْضِ فَتَعَيَّنَ خُرُوجُهُ عن الْمُرَادِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ وَعَلَى مَذْهَبِ الْآخَرِينَ هو مُتَكَلِّمٌ بِالْبَاقِي في صَدْرِ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى قُلْت هو نَظِيرُ الْخِلَافِ في أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ أو بَيَانٌ وقال صَاحِبُ الْمُحِيطِ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا أَيْ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى منه بَعْدَ صَرْفِ الْكَلَامِ عن الْمُسْتَثْنَى وقال شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لو قال عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا أو غَانِمًا لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ كان الْمُسْتَثْنَى أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ فيه فَثَبَتَ حُكْمُ الشَّكِّ فِيهِمَا وَيَصِيرُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى بِطَرِيقِ أَنَّهُ لَا بَعْضَ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كان الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا

لِأَنَّ الْكَلَامَ لم يَتَنَاوَلْ الْمُسْتَثْنَى أَصْلًا فَلَا أَثَرَ لِلْجَهَالَةِ فيه وفي الْمُغْنِي ابن قُدَامَةَ الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا هو مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مُرَادٍ بِالْكَلَامِ وهو أَنْ يَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ فيه ما لَوْلَاهُ لَدَخَلَ وقَوْله تَعَالَى إلَّا خَمْسِينَ عَامًا عِبَارَةٌ عن تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَخَرَجَ بِالْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَى وقَوْله تَعَالَى إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إلَّا الذي فَطَرَنِي فَقَدْ تَبَرَّأَ من غَيْرِ اللَّهِ لَا أَنَّهُ تَبَرَّأَ منه أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عنه وَفَصَّلَ جَمَاعَةٌ من الْحَنَفِيَّةِ بين الِاسْتِثْنَاءِ الْعَدَدِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا في غَيْرِ الْعَدَدِيِّ إنَّهُ إخْرَاجٌ قبل الْحُكْمِ ثُمَّ حُكْمُهُ على الْبَاقِي وَقَالُوا في الْعَدَدِيِّ لَا إخْرَاجَ حتى قالوا في إنْ كان لي إلَّا مِائَةٌ وَكَذَا ولم يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ لَا يَحْنَثُ قُلْت وما نَسَبُوهُ لِأَصْحَابِنَا مَمْنُوعٌ وقد قال النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ ما لم يَرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ لَا أَنَّهُ إبْطَالُ ما ثَبَتَ وَلِهَذَا لو قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أو سِتَّةً يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فيه فَصَارَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ خَمْسَةٌ أو سِتَّةٌ فإنه يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَاحْتَمَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَشَرَةَ وَالشَّكُّ في الْمَنْفِيِّ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَنْوِيَهُ من أَوَّلِ الْكَلَامِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُرَادًا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وهو يُرِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ وَكَذَا قال صَاحِبُ الْمِيزَانِ من الْحَنَفِيَّةِ لو لم يَكُنْ الِاسْتِثْنَاءُ بَيَانًا لَأَدَّى إلَى النَّسْخِ في كَلَامٍ وَاحِدٍ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ في كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى قال وَمَسَائِلُ الشَّافِعِيِّ كُلُّهَا تُخَرَّجُ على الْبَيَانِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ على التَّعَارُضِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ إنَّمَا يَكُونُ بين الْمِثْلَيْنِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بين الْمُسْتَثْنَى منه وَالْمُسْتَثْنَى لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى منه مُسْتَقِلٌّ وَالْمُسْتَثْنَى نَاقِصٌ وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ بِهِ وَيَدُلُّ على بُطْلَانِ دَعْوَى الْإِخْرَاجِ قَوْله تَعَالَى في حَقِّ نُوحٍ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ يُخَرِّجُ الْخَمْسِينَ من الْأَلْفِ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِلُبْثِهِ الْأَلْفَ بِكَمَالِهِ فلم يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ صَالِحًا لِدُخُولِ الْخَمْسِينَ تَحْتَ الْأَلْفِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ من صَلَاحِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُرِيدٌ لِلْأَلْفِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ ما لَبِثَ الْخَمْسِينَ فَكَيْفَ يُرِيدُهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَضْعُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يُخَرِّجَ ما لَوْلَاهُ لَانْتَظَمَهُ وَذَكَرَ الْإِخْرَاجَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاحِيَّةِ في اللَّفْظِ وَبِهَذَا كُلِّهِ تَبْطُلُ دَعْوَى الْقَرَافِيِّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا إخْرَاجَ فيه أَصْلًا لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالدُّخُولِ وَلَا يُقَالُ خَرَجَ زَيْدٌ

من الدَّارِ إذَا لم يَكُنْ دَخَلَهَا إلَّا مَجَازًا وقد بَيَّنَّا الْمُرَادَ بِالْإِخْرَاجِ من الصَّلَاحِيَّةِ لِلدُّخُولِ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ وهو كَالتَّخْصِيصِ بِالْمُقَارِنِ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا وَرَاءَ الْخُصُوصِ من الْأَصْلِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَخْصُوصَ وَصَارَ كما لو قال اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الْمُحَارِبِينَ فلم يَكُنْ غَيْرُ الْمُحَارِبِينَ مُرَادًا من الْمُشْرِكِينَ من الِابْتِدَاءِ وَنَظِيرُ هذا الْخِلَافِ في الِاسْتِثْنَاءِ خِلَافُ أَصْحَابِنَا فِيمَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هل يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْفَرَاغِ من قَوْلِهِ ثَلَاثَةً أو نَقُولُ إذَا فَرَغَ من قَوْلِهِ ثَلَاثًا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفَائِدَتُهُ إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَتْ ثُمَّ قال ثَلَاثًا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ تَنْبِيهٌ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ من الْمُخَصَّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ وَاضِحٌ في الْكَلَامِ الْوَاحِدِ أَمَّا لو قال اللَّهُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فقال عليه السَّلَامُ على الِاتِّصَالِ لَا الْحَرْبِيِّينَ فَاخْتَلَفُوا فيه فقال قَوْمٌ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ في كَلَامِ اللَّهِ وقال الْقَاضِي الذي أَرْتَضِيهِ أَنَّهُ إنْ أَبْدَى من تِلْقَاءِ نَفْسِهِ كَلَامًا ولم يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْتَحَقَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمُنْفَصِلِ ولم يُجْعَلْ اسْتِثْنَاءً حَقِيقِيًّا بَلْ هو تَخْصِيصٌ سَوَاءٌ قُدِّرَ مُتَّصِلًا أو مُنْفَصِلًا كَذَا حَكَاهُ عنه ابن الْقُشَيْرِيّ في أُصُولِهِ وَأَطْلَقَ الْهِنْدِيُّ تَرْجِيحَ كَوْنِهِ مُنْفَصِلًا وَمِنْ فُرُوعِهِ لو قال لي عَلَيْك أَلْفٌ فقال الْمُدَّعَى عليه إلَّا عَشَرَةً فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِبَاقِي الْأَلْفِ قال في التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ منه إلَّا نَفْيُ ما قَالَهُ خَصْمُهُ وَنَفْيُ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ على ثُبُوتِ غَيْرِهِ مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ من الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ على الْأَصَحِّ وقال الْحَنَفِيَّةُ لَا يَقْتَضِي ذلك وَجَعَلُوا بين الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ بِالنَّفْيِ وَاسِطَةً وَهِيَ عَدَمُ الْحُكْمِ وَنُقِلَ في الْمَعَالِمِ الِاتِّفَاقُ على الْأَوَّلِ وَالْخِلَافُ في الثَّانِي وَاخْتَارَ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَعَالِمُ وفي تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ في سُورَةِ النِّسَاءِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ في الْمَحْصُولِ وَلَيْسَ كما ادَّعَى من الْوِفَاقِ فإن الْخِلَافَ عِنْدَهُمْ مَوْجُودٌ كما ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ قال الْهِنْدِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ وهو الْحَقُّ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ الذي ذَكَرُوهُ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وهو أَنَّ

بين الْحُكْمِ بِالنَّفْيِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةً وهو عَدَمُ الْحُكْمِ وَتَرْكُهُ على ما كان عليه قبل الِاسْتِثْنَاءِ بِلَا فَرْقٍ بين الِاسْتِثْنَاءِ من النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إذْ الْوَاسِطَةُ حَاصِلَةٌ نعم يَلْزَمُ النَّفْيُ الْمُسْتَثْنَى من الْإِثْبَاتِ عِنْدَهُ بِنَاءً على أَنَّهُ الْأَصْلُ قبل الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اقْتَضَى ذلك فَإِنْ قِيلَ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا كان مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّ الدِّرْهَمَ غَيْرُ مَحْكُومٍ عليه بِاللُّزُومِ لَا أَنَّهُ مَحْكُومٌ عليه بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ اللُّزُومِ لَازِمٌ له بِنَاءً على الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ لِهَذَا السَّبَبِ خَصَّصَ الْخِلَافَ بِالِاسْتِثْنَاءِ من النَّفْيِ إذْ لَا يَظْهَرُ لِلْخِلَافِ في الْإِثْبَاتِ فَائِدَةٌ فإن النَّفْيَ ثَابِتٌ فيه بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّ الْمَأْخَذَ مُخْتَلِفٌ فَعِنْدَنَا بِسَبَبِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعِنْدَهُ بِسَبَبِ الْبَقَاءِ على الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فَمِنْ هُنَا ظَنَّ عَدَمَ خِلَافِهِ فيها وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُفَرِّقُ بين النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ من جِهَةِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا من جِهَةِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ أَنَّ السُّكُوتَ عن إثْبَاتِ الْحُكْمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِخِلَافِ السُّكُوتِ عن النَّفْيِ إذْ لَا مُقْتَضَى معه لِلْإِثْبَاتِ فَهُوَ يَحْمِلُ كَلَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ على نَفْيِ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ وَكَلِمَةَ التَّوْحِيدِ على عُرْفِ الشَّارِعِ قُلْت وَالْحَنَفِيَّةُ مُوَافِقُونَ لِنُحَاةِ الْكُوفَةِ إذْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ قَوْلَك قام الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِالْقِيَامِ عن الْقَوْمِ الَّذِينَ فِيهِمْ زَيْدٌ وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عنه لم يُحْكَمْ عليه بِقِيَامٍ وَلَا بِنَفْيٍ وأبو حَنِيفَةَ كُوفِيٌّ فَلِهَذَا كان مَذْهَبُهُ كَذَلِكَ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَدَاةَ أَخْرَجَتْ الِاسْمَ الثَّانِيَ من الْأَوَّلِ وَحُكْمَهُ من حُكْمِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ في الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ في الْمُتَّصِلِ لَا في الْأَعَمِّ من الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ بَلْ حَكَى الْقَرَافِيُّ في الْعِقْدِ الْمَنْظُومِ عن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ أَجْرَوْا ذلك في التَّامِّ وَالْمُفَرَّغِ نَحْوُ ما قام إلَّا زَيْدٌ قالوا زَيْدٌ غَيْرُ مَحْكُومٍ عليه بِالْإِثْبَاتِ وَالْمَعْنَى ما قام أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ قال وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُعْرِبُوهُ بَدَلًا لَا فَاعِلًا وَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا وَتَقْدِيرُهُ ما قام أَحَدٌ فَلَا يَكُونُ زَيْدٌ فَاعِلًا وَالنُّحَاةُ لَا يُجِيزُونَ حَذْفَ الْفَاعِلِ نَحْنُ نَقُولُ زَيْدٌ فَاعِلٌ بِالْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ السَّابِقِ قبل إلَّا وهو الذي نُسِبَ إلَيْهِ عَدَمُ الْقِيَامِ فَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْإِجْمَاعِ على الِاكْتِفَاءِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ في كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ كما قال صلى اللَّهُ عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ

وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ على أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من النَّفْيِ إثْبَاتٌ قَوْله تَعَالَى فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلَّا عَذَابًا وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَأْخُوذٌ من قَوْلِك ثَنَيْت الشَّيْءَ عن جِهَتِهِ إذَا صَرَفْته عنها فإذا قُلْت لَا عَالِمَ إلَّا زَيْدٌ فَهُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا هذا الْحُكْمُ وَالثَّانِي نَفْسُ الْعَدَمِ فَقَوْلُك إلَّا زَيْدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ تَحَقُّقُ الثُّبُوتِ إذْ الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْحُكْمَ بِالْعَدَمِ فَيَبْقَى الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتًا عنه غير مَحْكُومٍ عليه نَفْيٌ وَلَا إثْبَاتٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الثَّانِي وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَحَقُّقُ الثُّبُوتِ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْعَدَمِ يُحَصِّلُ الْوُجُودَ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى إذْ الْأَلْفَاظُ وُضِعَتْ دَالَّةً على الْأَحْكَامِ الذِّهْنِيَّةِ لَا على الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى الثَّانِي ما جاء من وَضْعِ هذا الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَالْمُرَادُ في الْكُلِّ مُجَرَّدُ الِاشْتِرَاطِ قال وَالصُّوَرُ التي دَلَّ فيها على الْإِثْبَاتِ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَفَادًا من اللَّفْظِ بَلْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَأَجَابَ عن الدَّلِيلِ السَّابِقِ بِأَنَّ هذه الْكَلِمَةَ وَإِنْ كانت لَا تُفِيدُ الْإِثْبَاتَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنَّهَا تُفِيدُهُ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فإن الْمَقْصُودَ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ فَمُتَّفَقٌ عليه قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ وَكُلُّ هذا عِنْدِي تَشْغِيبٌ وَمُرَاوَغَاتٌ جَدَلِيَّةٌ وَالشَّرْعُ خَاطَبَ الناس بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَأَمَرَهُمْ بها لِإِثْبَاتِ مَقْصُودِ التَّوْحِيدِ وَحَصَلَ الْفَهْمُ لِذَلِكَ منهم وَالْقَبُولُ له منهم من غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا احْتِيَاجٍ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَلَوْ كان وَضْعُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ لَكَانَ أَهَمُّ الْمُهِمَّاتِ تَعْلِيمَ اللَّفْظِ الذي يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَالِاكْتِفَاءُ الذي ذَكَرْنَاهُ عِنْدَنَا في مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالظَّنِّ لَكِنْ هل هو لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ أو لِقَرَائِنَ اخْتَصَّتْ بِهِ لَا تَبْلُغُ إلَى الْقَطْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ ما يَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ رَاجِعٌ إلَى الشَّرْطِ وقد اسْتَعْظَمَ الْقَرَافِيُّ شُبْهَتَهُمْ من لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَلَيْسَ

كما زَعَمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ في غَيْرِ الشَّرْطِ فإن الِاسْتِثْنَاءَ يَقَعُ في الْأَحْكَامِ وَالْمَوَانِعِ وَالشُّرُوطِ مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ من التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ ولم يَتَعَرَّضْ لها الْأُصُولِيُّونَ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الذَّخَائِرِ من الْفُقَهَاءِ في بَابِ الْعَدَدِ في قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ على مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَاسْتُشْكِلَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ على وُجُوبِ الْإِحْدَادِ على الْمُتَوَفَّى عنها زَوْجُهَا وقال الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في تَعْلِيقِهِ هذا الِاسْتِثْنَاءُ لِلْوَاجِبِ من الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ على غَيْرِ الزَّوْجِ فَوْقَ الثَّلَاثِ حَرَامٌ وَعَلَى الزَّوْجِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى الْوَاجِبُ من الْجَائِزِ وَالْحَرَامُ من الْمُبَاحِ وَيُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِالْحَدِيثِ على جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ من غَيْرِ الْجِنْسِ مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ من الِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ من الِاسْتِثْنَاءِ وَحَكَى ابن الْعَرَبِيِّ في الْمَحْصُولِ عن بَعْضِهِمْ مَنْعَهُ وقال صَاحِبُ الذَّخَائِرِ في بَابِ الْإِقْرَارِ حَكَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْعَهُ لِأَنَّ الْعَامِلَ في الِاسْتِثْنَاءِ الْفِعْلُ الْأَوَّلُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يَعْمَلُ عَامِلٌ في أَحَدِ الْمَعْمُولَيْنِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى إلَّا آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا امْرَأَتَهُ قال أبو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ اسْتَثْنَى الْآلُ من الْقَوْمِ ثُمَّ اسْتَثْنَى امْرَأَتَهُ قال الْقَاضِي مُجَلِّي في الذَّخَائِرِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ولم يَحْكِ الزَّجَّاجِيُّ سِوَاهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ أَيْ لِإِهْلَاكِهِمْ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ آلِ لُوطٍ منهم لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا من الْمُجْرِمِينَ بَلْ هو كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَعْنَاهُ لَكِنَّ آلَ لُوطٍ فَإِنَّهُمْ مُنَجَّوْنَ ثُمَّ قال إلَّا امْرَأَتَهُ اسْتَثْنَاهَا من الْمُنَجِّينَ وَجُعِلَتْ من الْهَالِكِينَ فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً قال وَهَذَا

قَدْحٌ في الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ لَكِنَّ الدَّلِيلَ على الْجَوَابِ لِسَانُ الْعَرَبِ وقد تَرْجَمَ عليه سِيبَوَيْهِ بَابَ تَثْنِيَةِ الْمُسْتَثْنَى إذَا ثَبَتَ ذلك فَتَقُولُ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ إنْ كان الْبَعْضُ مَعْطُوفًا على الْبَعْضِ كان الْكُلُّ عَائِدًا إلَى الْأَوَّلِ الْمُسْتَثْنَى منه وَأُسْقِطَ الْمَجْمُوعُ من الْعَدَدِ وَيَلْزَمُ الْبَاقِي نَحْوُ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً وَإِلَّا ثَلَاثَةً وَإِلَّا اثْنَيْنِ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وأبو مَنْصُورٍ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في تَعْلِيقِهِ هذا إذَا كان الْمَجْمُوعُ نَاقِصًا عن الْمُسْتَثْنَى منه فَإِنْ كان مُسَاوِيًا أو أَزْيَدَ بَعْضَهَا أو مَجْمُوعَهَا فَإِنْ حَصَلَتْ الْمُسَاوَاةُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فَلَا شَكَّ في فَسَادِهِ وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَثَلًا وكان الثَّانِي مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ وقد تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ مع الْأَوَّلِ الْمُسْتَثْنَى منه وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ إلَى الثَّانِي بِالْعَطْفِ وَالْمُسَاوَاةِ فَيَفْسُدُ لَا مَحَالَةَ وَهَلْ يَفْسُدُ معه الْأَوَّلُ أَيْضًا حتى لَا يَسْقُطَ من الْمُسْتَثْنَى منه شَيْءٌ أَمْ يُخَصُّ الثَّانِي بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ نَشَأَ منه فيه احْتِمَالَاتٌ قال الْهِنْدِيُّ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَإِنْ كان الثَّانِي أَنْقَصَ من الْأَوَّلِ تَعَارَضَا أَمَّا إذَا لم يَكُنْ الْبَعْضُ مَعْطُوفًا على الْبَعْضِ فَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وأبو مَنْصُورٍ إجْمَاعَ أَصْحَابِنَا على رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ وَيُوجِبُ ذلك الزِّيَادَةَ في الْأَصْلِ كَقَوْلِهِ له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا فَأَسْقَطَ من الدِّرْهَمَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَثْنَاهُمَا من الْعَشَرَةِ دِرْهَمًا فَيَبْقَى دِرْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَكَذَا قال سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الذي يَلِيهِ فإذا قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ وَكَذَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في تَعْلِيقِهِ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ منها إلَى الذي يَلِيهِ فَإِنْ كان الْأَوَّلُ إثْبَاتًا كان هو نَفْيًا وَإِنْ كان نَفْيًا كان هو إثْبَاتًا فإذا قال أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا إلَّا أَرْبَعًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَمْسًا إثْبَاتٌ وإذا قال إلَّا أَرْبَعًا كان نَفْيًا تَبْقَى وَاحِدَةٌ فإذا قال إلَّا اثْنَيْنِ فَيَقَعُ عليها ثَلَاثٌ فإذا قال إلَّا وَاحِدَةً كان نَفْيًا فَيَبْقَى طَلْقَتَانِ ا هـ قُلْت لَكِنْ لَا إجْمَاعَ فَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عن الْحَنَّاطِيِّ احْتِمَالًا فِيمَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فإنه يُحْتَمَلُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي إلَى أَوَّلِ اللَّفْظِ أَعْنِي الْمُسْتَثْنَى منه قُلْت وهو قَوِيٌّ فإن الْأَوَّلَ ليس له مَأْخَذٌ غَيْرُ الْقُرْبِ وهو لَا يُوجِبُ ذلك إنَّمَا يَقْتَضِي الرُّجْحَانَ قال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ هذا إذَا كان أَقَلَّ من الْأَوَّلِ يَعْنِي كما دَلَّ عليه أَمْثِلَتُهُمْ

فَإِنْ كان الثَّانِي أَكْثَرَ من الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ أو مُسَاوِيًا له عَادَ الْكُلُّ إلَى الْمُتَقَدِّمِ وهو الْمُسْتَثْنَى منه نَحْوُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً وَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ وَتَبِعَهُ في الْمِنْهَاجِ وقال صَاحِبُ الذَّخَائِرِ هذا إذَا كان الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مِمَّا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ من الْأَوَّلِ فَإِنْ لم يُمْكِنْ فإن الثَّانِي لَغْوٌ وَيَعْمَلُ الْأَوَّلُ فإذا قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً لَغَا الثَّانِي وَصَارَ كَقَوْلِهِ ثَلَاثٌ إلَّا طَلْقَةً فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا كان الثَّانِي أَكْثَرَ من الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ ثَلَاثًا إلَّا طَلْقَةً إلَّا طَلْقَتَيْنِ يُلْغَى قَوْلُهُ طَلْقَتَيْنِ قال هذا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وقد حَكَى السِّيرَافِيُّ عن أَهْلِ اللِّسَانِ في هذا الْمَحَلِّ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا إعْمَالُ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ لِجَعْلِهِمَا بِمَثَابَةِ اسْتِثْنَاءٍ وَاحِدٍ حتى لو قال عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا إلَّا دِرْهَمًا يَسْقُطَانِ من الْعَشَرَةِ وَيَصِيرُ مُقِرًّا بِثَمَانِيَةٍ وَحُكِيَ عن سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ إذَا قال ما أَتَانِي إلَّا زَيْدٌ إلَّا عَمْرٌو يَكُونَانِ جميعا أَتَيَاهُ فَعَلَى هذا إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً تَطْلُقُ طَلْقَةً وإذا قال ثَلَاثَةً إلَّا طَلْقَةً إلَّا طَلْقَتَيْنِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا كَقَوْلِهِ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَحُكِيَ عن الْفَرَّاءِ أَنَّهُ إذَا كان الثَّانِي أَكْثَرَ من الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً أَنَّ الثَّانِيَ يَكُونُ مَنْفِيًّا كَأَنَّهُ قال عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً بَقِيَتْ سَبْعَةٌ ثُمَّ قال إلَّا أَرْبَعَةً فَيُضَافُ إلَى السَّبْعَةِ فَيَصِيرُ أَحَدَ عَشَرَ فَعَلَى هذا وَمِثْلُهُ الطَّلَاقُ مع الثَّلَاثِ لِأَنَّا إذَا أَضَفْنَا الِاثْنَيْنِ في الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي إلَى ما بَقِيَ من الثَّلَاثِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ صَارَ أَرْبَعًا ثُمَّ بَقِيَتْ الثَّلَاثُ انْتَهَى وما نَقَلَهُ عن الْفَرَّاءِ حَكَاهُ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ إذَا قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً تَكُونُ الثَّلَاثَةُ مُسْتَثْنَاةً من الْعَشَرَةِ فَيَبْقَى سَبْعَةٌ وَيُزَالُ منها أَرْبَعَةٌ فَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ ثَلَاثَةً وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا خَمْسَةً لُزُومُ عَشَرَةٍ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُسْتَغْرِقٌ لِلْأَوَّلِ فَيُلْغِيهِ وَذُكِرَ فيه أَيْضًا فِيمَا إذَا قال له عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا ثَلَاثَةً أَنَّ الثَّانِيَ يَكُونُ تَوْكِيدًا وَحَكَى فيه في كِتَابِ الطَّلَاقِ وَجْهَيْنِ من غَيْرِ تَرْجِيحٍ أَحَدُهُمَا هذا وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ من النَّفْيِ إثْبَاتٌ أَمَّا إذَا كان الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مُسْتَغْرِقًا لِلْمُسْتَثْنَى منه دُونَ الثَّانِي لِأَنَّهُ من بَاطِلٍ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءَانِ لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ قال ابن الصَّبَّاغِ وَهَذَا أَقْيَسُ وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ قُلْت وَالثَّانِي هو نَظِيرُ ما صَحَّحُوهُ من الطَّلَاقِ في أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ أَنَّهُ يَقَعُ اثْنَتَانِ

مسألة الاستثناء الوارد بعد جمل متعاطفة يمكن عوده لجمعها ولبعضها ومثله ابن كج في كتابه بقوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله إلا من تاب فيه مذاهب أحدها وهو قول الشافعي كما قاله الماوردي والروياني أنه يعود إلى جميعها ما لم يخصه دليل كقوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية ونقله البيهقي في سننه في باب شهادة القاذف عن نص الشافعي فقال قال الشافعي والثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل اللغة لا يفرق بين ذلك أحد انتهى وقال في الأم في باب الخلافة في إجازة شهادة القاذف قال الشافعي لمن يناظره أرأيت رجلا لو قال لا أكلمك أبدا ولا أدخل لك بيتا ولا آكل لك طعاما ولا أخرج معك سفرا وإنك لغير حميد عندي ولا أكسوك إن شاء الله أيكون الاستثناء واقعا على ما بعد غير حميد عندي أم على الكلام كله قال بل على الكلام كله انتهى وقال القفال الشاشي إنه الذي جرى عليه الشافعي وقال القاضي أبو الطيب إنه المحكي عن الشافعي وأصحابه قال وما وجدت من كلامه ما يدل عليه إلا أنه قال في كتاب الشاهد واليمين إذا تاب قبلت شهادتهم ذلك بين في كتاب الله تعالى وهذا يدل على أن الاستثناء رده إلى الفسق ورد الشهادة وقد استدل أبو إسحاق المروزي وغيره من أصحابنا على قبول شهادته بعموم الاستثناء وأنه راجع إلى الجميع انتهى وقال المازري نسبه ابن القصار لمالك وهو الظاهر من مذاهب أصحابه وحكاه صاحب المصادر عن القاضي عبد الجبار وقال ابن القشيري قال القاضي لو قلنا بالعموم فأوضح المذاهب صرفه إلى الجميع وهذا الراجح عند الحنابلة ونقلوه عن نص أحمد فإنه قال في قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه قال أرجو أن يكون الاستثناء على كله

والثاني أنه يعود إلى الأخيرة خاصة إلا أن يقوم الدليل على التعميم وهو قول أبي حنيفة وأكثر أصحابه واختاره الإمام فخر الدين في المعالم وقال الأصفهاني في القواعد إنه الأشبه ونقله صاحب المعتمد عن الظاهرية وحكاه صاحب عن أبي عبد الله البصري وأبي الحسن الكرخي وإليه ذهب أبو علي الفارسي وحكاه إلكيا الطبري وابن برهان عن الفارسي واختاره المهاباذي من النحويين في شرح اللمع وقد يظن أن ذلك مذهب الشافعي فإن الشيخ أبا إسحاق قال وإن قال أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة ففيه وجهان أحدهما تطلق طلقة والثاني وهو المنصوص أنها تطلق طلقتين لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو الطلقة واستثناء طلقة من طلقة باطل فيسقط وتبقى الطلقات انتهى وقال ابن الصباغ في كتاب الطلاق قال في البويطي إذا قال أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا وقعت ثلاثا وهذا إنما هو لأنه أوقع جملتين واستثنى إحداهما بجملتها فلم يقع لأن الاستثناء يرجع إلى الأخير من الجملتين أي ولو عاد إلى الجميع لوقع طلقتان وكأنه قال ستا إلا أربعا ا هـ والجواب أنه ليس المأخذ ما ظنوه وإنما قاله الشافعي مفرعا على أن المفرق لا يجمع وهو الأصح فإن قلنا يجمع وقع طلقتان وكأنه قال ستا إلا أربعا تفريعا على أن الاستثناء يرجع إلى الملفوظ فإن عاد إلى المنوي وقع الثلاث ثم إن هذا لبس ويدل لهذا قول القاضي أبي الطيب في باب الإقرار من تعليقه لو قال علي درهم ودرهم إلا درهما فالذي نص عليه الشافعي أنه يلزمه درهمان لأنه ذكر جملتين ثم عقبهما بالاستثناء والاستثناء يرجع لما يليه وهو يستغرقه فلا يبقى شيء فيبطل كما لو قال علي درهم إلا درهما لا يصح الاستثناء فكذلك هنا وكذلك لو قال أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة يقع طلقتان ونص الشافعي على هذه المسألة في كتاب إباحة الطلاق قال القاضي ومن أصحابنا من خرج فيها وجها أنه يصح الاستثناء ويلزمه درهم واحد وطلقة واحدة واحتج بأن الجملتين إذا كان بينهما حرف العطف كانتا بمنزلة الجملة الواحدة فهو بمنزلة أن يقول علي درهمان إلا درهما وأنت طالق طلقتين إلا طلقة وهذا خلاف النص وإن كان له وجه انتهى وتمسك القائلون بهذا بأن الموجب لتعليق الاستثناء بالمتقدم كونه لا يفيد بنفسه فإذا تعلق بالأخيرة صار مفيدا فلا حاجة إلى صرفه إلى غيره ولنا أن الجمل إذا تعاطفت

صارت كالجملة الواحدة بدليل الشرط والاستثناء بالمشيئة فإنهما يرجعان إلى ما تقدم إجماعا فإن فرق بأن الشرط قد يتقدم كما يتأخر فيجوز أن يوقف ما قبل الآخر على الاتصال بالشرط ولا كذلك الاستثناء قلنا هذا لا يؤثر في الجمع إذ تعليقه على ما يليه لا يمنع من تعليقه على ما تقدم والذي يليه والمتقدم والمتأخر في هذا الفرق سواء قال القرطبي وقد خالف أبو حنيفة أصله فإنه يلزمه أن لا يقبل التوبة قبل الحد ولا بعده كما ذهب إليه شريح لكنه قال بقبولها قبله لا بعده فخالف أصله تنبيه قياس مذهب الحنفية أن الاستثناء إذا تقدم اختص بالجملة الأولى لأنها التي تليه ويحتمل خلافه والثالث والوقف بين الأمرين فيجوز أن يصرف إلى الأول وإلى المتوسط وإلى الأخير ولكن في الحال توقف والمتبع الدليل فإن قام دليل على انصرافه لأحدها صرنا إليه قال أبو الحسين بن فارس في كتاب فقه العربية فإن دل الدليل على عوده إلى الجميع عاد كآية المحاربة وإن دل على منعه امتنع كآية القذف قال سليم في التقريب وهو مذهب الأشعرية وحكاه ابن برهان عن القاضي واختاره الغزالي والإمام فخر الدين في المنتخب وصرح به في المحصول في الكلام على التخصيص وحكاه إلكيا الطبري عن اختيار إمام الحرمين قال فقيل له فقد قال الشافعي إذا قال الواقف وقفت داري على بني فلان وحبست أرضي على بني فلان وذكر نوعا آخر ثم قال إلا الفساق فيصرف الاستثناء إلى الكل فأجاب بأن ذلك ليس لظهور الاستثناء في الأنواع ولكن للتعارض بين الأمرين وهما احتمال عوده إلى الجميع أو إلى ما يليه والتوقف فيه ولا صرف مع التوقف قال إلكيا وهذا المأخذ غير مرضي فإن التوقف في المستثنى يوجب التوقف في المستثنى منه حتى لا ينصرف إلى العدول أيضا ونحن نصرف كل المال إلى العدول والتوقف يقتضي التوقف في حق الكل فإنا لا ندري أنهم يستحقون أم لا وهو كالتوقف في الميراث للحمل ونقل ابن القشيري والمازري عن إمام الحرمين مسلك التفصيل في التوقف فرأى

أن الجمل إن كانت متناسبة والغرض منها متحد فاللفظ متردد ولا قرينة وإن كانت مختلفة الجهات متباينة المأخذ فالظاهر الاختصاص بالجملة الأخيرة لانقطاع ما بين الجمل في المعنى والغرض وإن أمكن انعطافه على جميعها وهذا ما اختاره إلكيا الطبري فقال نعم لو تباينت الجمل في الأحكام بأن يذكر حكما ثم يأخذ في حكم آخر فالأول منقطع والاستثناء لا يعمل فيه وإن صرح به والواو هنا لا تعد مشركة ناسفة للنظم كقولك ضرب الأمير زيدا وخرج إلى السفر وخلع على فلان قال وهذا حسن جدا وبه تهذب مذهب الشافعي ويغني عما عداه واعلم أنهم حكوا قول الوقف عن الشريف المرتضى وأنه يغاير مذهب القاضي من جهة أن القاضي توقف لعدم العلم بمدلوله لغة والمرتضى توقف لكونه عنده مشتركا بين عوده إلى الكل وعوده إلى الأخير فقط وهو من باب الاشتراك في المركبات لا في المفردات قلت والذي حكاه صاحب المصادر عن الشريف المرتضى أنه يقطع بعوده إلى الجملة الأخيرة وتوقف في رجوعه إلى غيرها لما تقدم فجوز صرفه إلى الجميع وقصره على الأخيرة كمذهبه في الأمر هذا لفظه وهو أثبت منقول عنه لأنه على مذهبه الشيعي والرابع إن كانت الجمل كلها سيقت لمقصود واحد انصرف إلى الجميع وإن سيقت لأغراض مختلفة اختص بالأخيرة حكاه ابن برهان في الأوسط عن عبد الجبار والخامس إن ظهر أن الواو للابتداء كقوله أكرم بني تميم والنحاة البصريين إلا البغاددة اختص بالأخيرة وإن ترددت بين العطف والابتداء فالواقف والسادس إن كانت الجملة الثانية إعراضا وإضرابا عن الأولى اختص بالأخيرة وإلا انصرف إلى الجميع حكاه ابن برهان عن أبي الحسين البصري والذي وجدته في المعتمد حكاية هذا عن عبد الجبار وسكت عليه أبو الحسين وقرر دليله وحكي في المحصول عن أبي الحسين أنه إن كان بينهما تعلق عاد إلى الجميع وإلا اختص بالأخير وقال إنه دخل التحقيق وإنه حق ثم قال ابن برهان والحق في ذلك قول أبي الحسين البصري وهو المعتمد وهو مذهب الشافعي قال ولم

ينقل عن الشافعي نص في هذه المسألة بخصوصها وإنما أخذ من مذهبه في مسألة المحدود بالقذف ونحن نبين أن الشافعي إنما صار إلى ذلك لأن ذكر الجمل هناك لم يكن إضرابا عن الجملة المتقدمة لأن الآيات سيقت لغرض واحد هو الجزاء على تلك الجريمة انتهى وقد اختاره ابن السمعاني في القواطع أيضا فقال إذا لم يكن خروجا من قضية إلى قضية أخرى لا يليق بها عاد إلى الكل وإلا اختص بالأخيرة ونظيره اضرب بني تميم والأشراف هم قريش إلا أهل البلد الفلاني وهذا لأنه لما عدل الأول إلى مثل هذا وأحدهما لا يليق بالآخر أو أحدهما قضية والأخرى قضية أخرى دل على أنه استوفى غرضه من الأول لأنه لا شيء أدل على استيفاء الغرض بالكلام من العدول عنه إلى نوع آخر من الكلام وعلى هذا إذا قال من استقامت طريقته فأكرمه ومن عصاك فاضربه إلا أن يتوب فالاستثناء ينصرف إلى ما يليه أيضا انتهى وحاصله أنه إن صلح العود إلى الكل عاد إليه وإلا فلا وهذا تحرير لمذهب الشافعي في الحقيقة كما سيأتي فلا ينبغي أن يعد مذهبا آخر وقال في المقترح لا خلاف في صلاحية اللفظ لعوده إلى الجميع أو البعض وإنما النزاع في أنه هل هو ظاهر في الجميع ولا يحمل على الأخيرة إلا بدليل أو بالعكس فأبو حنيفة يقول بالثاني والشافعي بالأول وقال صاحب المصادر الخلاف في هذه المسألة إنما نشأ من اختلافهم في الفروع من المحدود في القذف هل تقبل شهادته بعد التوبة أم لا على معنى أنهم اختلفوا في هذه المسألة التي هي فرع حداهم هذا الاختلاف الذي هو أصل لذلك الفرع لا أنهم ذهبوا فيما هو فرع هذا الأصل إلى مذاهب ثم رتبوا عليه هذا الأصل لأن هذا عكس الواجب من حيث إن الفرع يترتب على أصله ويستوي عليه لا أن يترتب الأصل على فرعه ويستوي عليه على مقدار المبتاع في أنه غير صحيح ولا يستقيم إذا الصحيح المستقيم أن يستوي مقدار المبتاع الموزون على الصنجة المعتدلة انتهى واعلم أن للقول بعوده إلى الجميع عندنا شروطا الأول أن تكون الجمل متعاطفة فإن لم يكن عطف فلا يعود إلى الجميع قطعا بل يختص بالأخيرة إذ لا ارتباط بين الجملتين وممن صرح بهذا الشرط القاضيان أبو بكر في التقريب وأبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحاق وابن السمعاني وابن القشيري والآمدي وابن الساعاتي والهندي وغيرهم وأما من أطلق فأمره

محمول على أنه سكت عن ذلك لوضوحه وأمثلتهم وكلامهم يرشد إلى أن المسألة مصورة بحالة العطف ويدل لذلك قول أصحابنا في كتاب الطلاق لو قال يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أن الاستثناء منصرف إلى الثلاثة ووقعت واحدة بقوله يا طالق ولو كان العطف يشترط لكان الاستثناء عائدا إلى الجميع وأما ما فهمه القرافي من جريان الخلاف وإن لم يعطف فغره إطلاق الرازي وغيره فإنه إذا لم يكن عطف فلا ارتباط بينهما نعم ذكر البيانيون أن ترك العطف قد يكون لكمال الارتباط بين الجملتين كقوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه فإذا كان مثل ذلك فلا يبعد مجيء الخلاف ويحتمل أن يقال إنهما كالجملة الواحدة لأن الثانية كالمؤكدة للأولى فيعود للجميع قطعا وقد حكى الرافعي باب الاستثناء في الطلاق به لو قال أنت طالق أنت طالق إن شاء الله وقصد التأكيد أنه يعود للجميع ولم يحك فيه خلافا وكذا لو قال أنت طالق واحدة ثلاثا إن شاء الله من غير واحد فلا يقع شيء لأن الواحدة المتقدمة عائدة إلى الثلاث والاستثناء راجع إلى جميع الكلام نعم قال القرافي في كتاب الأيمان فيما لو قال إن شاء الله أنت طالق عبدي حر أنها لا تطلق ولا يعتق قال وليكن هذا فيما إذا نوى صرف الاستثناء إليهما جميعا فإن أطلق فيشبه أن يجيء فيه خلاف في أنه يختص بالجملة الأولى أم يعمهما قال في الروضة قلت الصحيح التعميم واستفدنا من هذا فائدتين إحداهما أن الخلاف جار مع عدم العطف والثانية أن المسألة لا تخص بما إذا تأخر الاستثناء بل تكون في حالة تأخره وحالة تقدمه وهو خلاف قول الأصوليين في الاستثناء إذا تعقب جملا وهي مسألة حسنة الشرط الثاني أن يكون العطف بالواو فإن كان بثم اختص بالجملة الأخيرة ذكره إمام الحرمين في تدريسه حكاه عنه الرافعي في باب الوقف بعد أن صرح أن أصحابنا أطلقوا العطف وعليه جرى الآمدي وابن الحاجب وابن الساعاتي والعجب أن الأصفهاني في شرح المحصول حكاه عن الآمدي وقال لم أر من تقدمه به لكن ذكر الإمام في النهاية من صور الخلاف التمثيل بثم وصرح بأن مذهبنا عوده إلى الجميع والظاهر أن ثم والفاء وحتى مثل الواو في ذلك وقد صرح القاضي أبو بكر في التقريب بالفاء وغيرها فقال وهذه سبيل

جمل عطف بعضها على بعض بأي حروف العطف عطفت من فاء وواو وغيرها انتهى وأطلق ابن القشيري والشيخ أبو إسحاق أن صورة المسألة أن يجمع بين الجمل بحرف من حروف العطف جامع في مقتضى الوضع ويوافقه ما ذكره ابن الصباغ في كتاب العدة فإنه قال ومن أصحابنا من احتج بأن واو العطف تشترك بين الجملتين فتجعلان كالجملة الواحدة وهذا يخالف ما نص عليه الشافعي فإنه قال إذا قال أنت طالق وطالق فطالق إلا واحدة لم يصح الاستثناء ولو كان الإيقاع جملة واحدة صح الاستثناء هذا لفظه وهو صريح في أنه لا فرق بين الواو والفاء وإن كانت للترتيب وأما بقية حروف العطف فلا يتأتى فيها ذلك لأن بل ولا ولكن لأحد الشيئين بعينه فلا يصح عوده إليهما وكذلك أو وأم وأما لأحد الشيئين لا بعينه لكن الماوردي وغيره مثلوا المسألة بآية المحاربة مع أن العطف فيها ب أو وحكى الرافعي الخلاف في بل قبيل الطلاق بالحساب فقال لو قال أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار فوجهان أصحهما وبه قال ابن الحداد تقع واحدة بقوله أنت طالق وثنتان بدخول الدار ردا للشرط إلى ما يليه خاصة والثاني يرجع الشرط إليهما جميعا إلا أن يقول أردت تخصيص الشرط بقولي بل ثلاثا الثالث أن لا يتخلل الجملتين كلام طويل فإن تخلل اختص بالأخيرة كما لو قال وقفت على أولادي فمن مات منهم وأعقب كان نصيبه لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين وإلا فنصيبه لمن في درجته فإذا انقرضوا صرف إلى إخواني فلان وفلان الفقراء إلا أن يفسقوا حكاه الرافعي عن إمام الحرمين والمعنى أن طول الفصل يشعر بقطع الأولى عن الثانية الرابع أن تكون الجمل منقطعة بأن تنبئ كل واحدة عما لا تنبئ عنه أخواتها ذكره أبو نصر بن القشيري قال فإن توالت عبارات كلها تنبئ عن معنى واحد ثم عقبها باستثناء كقولك اضرب العصاة والجناة والطغاة والبغاة إلا من تاب رجع الاستثناء إلى الجميع قطعا ويوافقه ما لو قال أنت طالق أربع مرات بنية التكرار وقال في الرابعة إن شاء الله ففي فتاوى الغزالي أنه راجع إلى الجميع قال لأن الكلام ما دام متصلا برابطة التأكيد كان كالجملة الواحدة الخامس أن يكون بين الجمل تناسب فإن لم يكن بينها تناسب لا يصح العطف فضلا عن إرادة البعض أو الكل وهذا الشرط اعتبره البيانيون في صحة عطف

الجمل فمنعوا عطف الإنشاء على الخبر وعكسه ووافقهم ابن مالك لكن أكثر النحويين على الجواز مطلقا وعلى الأول فلا يحسن التمثيل بآية القذف لأن قوله وأولئك هم الفاسقون جملة خبرية عطفت على إنشائية لكن يقال وإن كانت خبرية لفظا لكنها إنشائية معنى نعم من اشترط في عطف الجمل اتفاقهما في الاسمية أو الفعلية حتى لو اختلفتا امتنع لم يحسن أن تكون الآية منه فإن قوله وأولئك هم جملة اسمية وقوله ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا جملة فعلية بل الواو هنا للاستئناف أو الابتداء وإذا كان كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله لم ينصرف الاستثناء إليه السادس أن يمكن عوده إلى كل واحدة على انفرادها فإن تعذر عاد إلى ما أمكن أو اختص بالأخيرة قاله القفال الشاشي وابن فورك والقاضي أبو الطيب في شرح الكفاية وإلكيا الطبري في التلويح قال القفال وهذا كآية الجلد فلا يمكن عود الاستثناء فيها إلى الأول لأنه تعلق به حق آدمي ولهذا لا يسقط عنه الجلد بالتوبة وإن قبلت شهادته وزالت عنه سمة الفسق لأنه من حقوق الآدميين فالتوبة لا ترفعه إنما ترفع حق الله تعالى وحكى الرافعي في باب قاطع الطريق عن ابن كج أنه حكى قولا عن الشافعي في القديم بسقوط الجلد بالتوبة وبه قال الزهري وحكاه النحاس في معاني القرآن عن الشافعي أيضا فعلى هذا يخرج له في هذه المسألة الأصولية قولان ثم أكثرهم يمثلون الآية بهذا الأصل ومنهم من قال على تقدير نظم الاختصاص بالأخيرة إن الأخيرة هي عدم قبول الشهادة فإنه المحكوم به وأما سمة الفسق فهي علة هذا الحكم فالاستثناء إذا تعقب حكما وتعليلا فإما أن يرجع إلى الكل أو إلى الحكم دون التعليل لأنه المقصود ولا سبيل إلى رجوعه إلى التعليل فقط قال الفقهاء وكذا قوله تعالى فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فالاستثناء يرجع إلى الأخيرة لأن الدية حق آدمي فيسقط بالعفو والرقبة حق الله فلا يسقط بالعفو من الآدمي وكذا قال الماوردي وغيره قال ابن أبي هريرة في تعليقه إن الاستثناء في قوله تعالى إلا عابري سبيل

يعود على الذي يليه وهو الجنب لا السكران فإن السكران ممنوع من دخول المسجد لما لا يؤمن من تلويثه إياه وخرج من هذا الشرط ما لو قال أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة فإن المنصوص للشافعي كما حكاه القاضي أبو الطيب والشيخ في المهذب وابن الصباغ وعليه جمهور الأصحاب لأنها تطلق طلقتين لأنه يمكن عود الاستثناء إلى ما يليه للاستغراق فيسقط ويبقى الطلقتان ولا يظن أن هذا مخالف للقاعدة الأصولية لأن شرط الرجوع إلى الكل ما ذكرناه هو مفقود هاهنا ولو قال له درهمان ودرهم إلا درهما لزم ثلاثة على الأصح المنصوص لأنه استثنى درهما من درهم قاله الرافعي باب الإقرار وقد استشكل ذلك صاحب الوافي في شرح المهذب فقال هذا مذهب الشافعي في الفروع ومذهبه في الأصول أن الاستثناء يعود إلى الجميع ولا أعلم الفرق إلا أن يقال إنه هاهنا احتاط في وقوع الطلاق وليس بشيء انتهى وقد علمت جوابه السابع أن يكون المعمول واحدا كقوله تعالى والذين يرمون المحصنات الآية فإن كان العامل واحدا والمعمول متعددا فلا خلاف في عوده إلى الجميع كقوله اهجر بني فلان وبني فلان إلا من صلح فالاستثناء من الجميع إذا لا موجب للاختصاص ولو ثبت موجب فعل بمقتضاه نحو لا تحدث النساء ولا الرجال إلا زيدا وقد تضمنت الأمرين آية المائدة حرمت عليكم الميتة فاشتملت على ما فيه مانع وهو ما أهل به لغير الله وما قبله وهو وما أكل السبع وإلا ما ذكيتم فهو مستثنى من الخمسة إذ كانت تذكيته سبب موته قال ابن مالك اتفق العلماء على تعلق الشرط بالجميع في نحو لا تصحب زيدا ولا تزن ولا تكلم إلا تائبا من الظلم ومذهب أبي حنيفة والشافعي تساوي الاستثناء والشرط في التعلق بالجميع وهو صحيح للإجماع على سد كل واحد مسد الآخر نحو اقتل الكافر إن لم يسلم واقتله إلا أن يسلم انتهى الثامن أن يتحد العامل فإن اختلف خص بالأخيرة ذكره ابن مالك ونحو اكسوا الفقراء وأطعموا أبناء السبيل إلا من كان مبتدعا وصرح إلكيا الطبري

بأن الشرط اتحاد العامل والمعمول قال فإن اختلفا اختص بما يليه ونحو ضرب الأمير زيدا وخرج إلى السفر وخلع علي فلان قال وهو حسن جدا وبه يتهذب مذهب الشافعي ا هـ والظاهر أن المراد اتحاده لفظا أو معنى فإن إمام الحرمين جعل من الأمثلة وقفت وحبست وتصدقت ومن أمثلته في الصفة إذ لا فرق بينهما وبين الاستثناء قوله تعالى وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن الشافعي يجعل هذا الوصف وهو قوله اللاتي دخلتم بهن مختصا بالأخيرة وهي قوله وربائبكم لأن الربيبة عنده لا تحرم إلا بالدخول وأم الزوجة تحرم بالعقد وإن لم يدخل قال المبرد والزجاجي وإنما كان كذلك لاختلاف العامل إذ العامل في قوله وأمهات نسائكم الإضافة وفي ربائبكم حرف الجر الذي هو قوله من نسائكم فلما اختلف العامل أشعر بانقطاع الأولى عن الثانية ولك أن تقول إذا جعلنا العامل في الإضافة حرف الجر المقدر اتحد العامل على كل تقدير وهذا الشرط أيضا مخرج مما نقله ابن الحاجب عن أبي الحسين البصري التاسع أن يكون في الجمل فإن كان في المفردات عاد للجميع اتفاقا ونقله ابن القشيري عن اختيار إمام الحرمين ومثله بقولك أكرم زيدا وعمرا وبكرا إلا من فسق منهم ويؤخذ من كلام إمام الحرمين في البرهان وابن الحاجب في جواب شبهة الخصم أن ذلك محل وفاق وحينئذ فتعبير أصحابنا بالجمل ليس للتقيد وإنما جرى الغالب نعم نص الشافعي على أنه إذا قال أنت طالق طلقة وطالقة إلا طلقة أنها تطلق ثنتين فجعل الاستثناء لما يليه في المفردات ومن المهم معرفة المراد بالجملة في هذا الموضوع فالمشهور أنها المركبة من الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر وخالف في ذلك ابن تيمية وقال إنما المراد بها اللفظ الذي فيه شمول ويصح إخراج بعضه ولهذا ذكروا من صورها الأعداد واحتج بآية المحاربة إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله إلا الذين تابوا قال وإنما هي من الجملة بالمعنى الذي فسرناه وبما روى الصحابة أن قوله إلا الذين تابوا في آية القذف عائد إلى الجملتين وقوله عليه السلام لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه

العاشر أن يكون الاستثناء متأخرا على ظاهر عباراتهم بالتعقيب لكن الصواب أن ذلك ليس بشرط والخلاف جار في الجميع كما صرح به الرافعي في كتاب الأيمان وقد سبق التنبيه عليه في الشرط الأول وقد صرح القفال في فتاويه بعود الصفة السابقة إلى الجميع فقال فيما إذا وقف على محاويج حتى يستحقوا لأنه معطوف على محاويج أقاربه والمحاويج هم الذين يكون لهم حاجة بحيث يجوز لهم أخذ الصدقة انتهى الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَوَسِّطُ أَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَإِنْ تَخَلَّلَ بين جُمْلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْطُوفَةٌ على الْأُخْرَى فَقَلَّ من تَعَرَّضَ له وقد ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذَانِ أبو إِسْحَاقَ وأبو مَنْصُورٍ نَحْوُ أَعْطِ بَنِي زَيْدٍ إلَّا من عَصَاك وَأَعْطِ بَنِي عَمْرٍو قَالَا فَاخْتَلَفَ فيه أَصْحَابُنَا على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى ما قَبْلَهُ دُونَ ما بَعْدَهُ قَالَا وَسَوَاءٌ كان في الْأَمْرِ أو الْخَبَرِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ فَإِنْ لم يَكُنْ لَفْظُ الْأَمْرِ أو الْخَبَرِ مَذْكُورًا في الثَّانِيَةِ رَجَعَ إلَيْهِمَا جميعا كَقَوْلِهِ أَعْطِ بَنِي زَيْدٍ إلَّا من عَصَاك وَبَنِي عَمْرٍو الثَّمَنَ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ فَإِنْ كان مَعْطُوفًا عليه يَصِيرُ الْأَمْرُ وَالْخَبَرُ كَالْمُتَقَدِّمِ عليه نَحْوُ أَعْطِ أو أَعْطَيْت بَنِي زَيْدٍ إلَّا من أَطَاعَنِي منهم وَبَنِي عَمْرٍو فَإِنَّهَا صَارَتْ في حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى بِالْعَطْفِ على مَوْضِعِ الْفَائِدَةِ وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَنَا يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ هل مَعْنَاهُ الْعَوْدُ إلَى كل وَاحِدٍ منها بِمُفْرَدِهَا أو الْعَوْدُ إلَى الْمَجْمُوعِ وَيَتَوَزَّعُ عليها فيه خِلَافٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ في كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا لو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَّا خَمْسِينَ وَأَرَادَ بِالْخَمْسِينَ الْمُسْتَثْنَاةِ جِنْسًا غير الدَّرَاهِمِ أو الدَّنَانِيرِ قُبِلَ منه وَكَذَا إنْ أَرَادَ عَوْدَهُ إلَى الْجِنْسَيْنِ مَعًا أو إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَعُودُ إلَى ما يَلِيهِ وَعِنْدَنَا يَعُودُ إلَى الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ من الدَّرَاهِمِ أو الدَّنَانِيرِ ثُمَّ هو على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يَعُودُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جَمِيعُ

الِاسْتِثْنَاءِ فَيُسْتَثْنَى من أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ وَمِنْ مِائَةِ دِينَارٍ خَمْسُونَ وَالثَّانِي يَعُودُ إلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَيُسْتَثْنَى من الدَّرَاهِمِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الدَّنَانِيرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ولم يُصَحِّحْ الْمَاوَرْدِيُّ شيئا وَذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ وقال في بَابِ الْعِتْقِ قال الْقَاضِي أبو حَامِدٍ إذَا قال سَالِمٌ وَغَانِمٌ وَزِيَادٌ أَحْرَارٌ يَعْنِي وَلَيْسَ له مَالٌ سِوَاهُمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ قال أَرَدْت من حُرِّيَّةِ الْأَخِيرِ وَحْدَهُ قُبِلَ منه وَأُعْتِقَ من غَيْرِ إقْرَاعٍ وَإِنْ قال أَرَدْتُ حُرِّيَّةَ الْأَوَّلِ أو الثَّانِي لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الناس في الْكِنَايَةِ عن الِاسْتِثْنَاءِ على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ من يَرُدُّهُ إلَى الْجَمِيعِ وَمِنْهُمْ من يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى وَهَذَا يُخَرَّجُ منه خِلَافٌ آخَرُ وهو أَنَّ الْعَوْدَ إلَى وَاحِدٍ إنَّمَا هو الْأَخِيرُ قلت وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الذي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَا إذْ قُلْت أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي بَكْرٍ أو أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أو بَنِي بَكْرٍ إلَّا ثَلَاثَةً هل مَعْنَاهُ إلَّا ثَلَاثَةً من كل طَائِفَةٍ أو مَجْمُوعَهُمَا يَنْبَنِي على الْخِلَافِ وَيُشْبِهُ أَيْضًا تَخْرِيجَهُ على الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَطَفَ بَعْضَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ أو الْمُسْتَثْنَى منه على بَعْضٍ هل يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حتى يَكُونَا كَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَالْقِيَاسُ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ عَائِدًا إلَى الْمَجْمُوعِ وَيَقَعُ فِيمَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ ما سَبَقَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُجْمَعُ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ بِجُمْلَتِهِ إلَى كل وَاحِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ من وَاحِدَةٍ وهو بَاطِلٌ لِاسْتِغْرَاقِهِ فَوَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ الْمَعْطُوفَةُ وَيَكُونُ من ثِنْتَيْنِ وهو صَحِيحٌ فَيَقَعُ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ على التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا الثَّانِي أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَجَمَاعَةً من الْأَصْحَابِ مَثَّلُوا الْمَسْأَلَةَ في كِتَابِ الْوَقْفِ بِمَا لو قال وَقَفْتُ على أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ إلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ وهو من عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ لَا الْجُمَلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَامِلُ في الْمَعْطُوفِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمُطَابِقُ تَمْثِيلُ الْإِمَامِ في الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُ على بَنِي فُلَانٍ دَارِي وَحَبَسْت على أَقَارِبِي ضَيْعَتِي وَسَبَّلْتُ على خَدَمَتِي بَيْتِي إلَّا أَنْ يَفْسُقَ منهم فَاسِقٌ الثَّالِثُ أَنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ قَلَّ من تَعَرَّضَ لها من النَّحْوِيِّينَ وقد سَبَقَ أَنَّ ابْنَ فَارِسٍ ذَكَرَهَا في كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ وَاخْتَارَ تَوَقُّفَ الْأَمْرِ على الدَّلِيلِ من خَارِجٍ وَذَكَرَهَا الْمَهَابَاذِيُّ في شَرْحِ اللُّمَعِ وَاخْتَارَ رُجُوعَهُ إلَى ما يَلِيهِ كَالْحَنَفِيَّةِ قال وَحَمْلُهُ على أَنْ يُسْتَثْنَى من جَمِيعِ الْكَلَامِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَيَسْتَحِيلُ ذلك انْتَهَى

وَكَذَلِكَ قال ابن عَمْرُونٍ في شَرْحِ الْمُفَصَّلِ في قَوْلِنَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الِاسْتِثْنَاءُ من الثَّانِيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من الْجُمْلَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِعَامِلَيْنِ وَحَسَّنَهُ هُنَا أَنَّ مَعْنَى الثَّانِيَةِ قَرِيبٌ من مَعْنَى الْأُولَى فإذا اُسْتُثْنِيَ من أَحَدِهَا فَكَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ من الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ سَادًّا مَسَدَّ الِاسْتِثْنَاءِ من جُمْلَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَانِيهَا وَإِنْ ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ في قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْآيَةَ وَقَاسُوهَا على الشَّرْطِ لِأَنَّهُ مَتَى تَعَقَّبَ عَادَ إلَى الْكُلِّ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ اجْتِمَاعَ عَامِلَيْنِ على مَعْمُولٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى من لهم وهو في مَوْضِعِ جَرٍّ على الْبَدَلِ من الْهَاءِ وَالْمِيمِ في لهم أو يُنْصَبُ على أَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ وهو أَوْلَى من جَعْلِهِ مُسْتَثْنًى من أُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَلِهَذَا قال عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه لِلْمَحْدُودِ في الْقَذْفِ تُبْ أَقْبَلْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ من قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَدَمُ الْفِسْقِ بِخِلَافِ ما إذَا اُسْتُثْنِيَ من الْفَاسِقِينَ فَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِ الْفِسْقِ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُضْمَرُ الْفَصْلُ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى من فَاجْلِدُوهُمْ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهَذَا منهم بِنَاءً على أَنَّ الْعَامِلَ في الْمُسْتَثْنَى ما قَبْلُ إلَّا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعَامِلَ إلَّا كما صَحَّحَهُ ابن مَالِكٍ وَغَيْرُهُ لم يَكُنْ مُسْتَحِيلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ إنْ قالوا بِأَنَّ الْعَامِلَ إلَّا فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قالوا ما قَبْلَهَا فَعَلَيْهِ هذا الْإِشْكَالُ وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ قد نُقِلَ عن أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ مُقَدِّمِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ وَمَتْبُوعُهُمْ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأَخِيرَةِ كَمَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ وَهَذَا بَنَاهُ أبو عَلِيٍّ على مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعَامِلَ في الِاسْتِثْنَاءِ الْفِعْلُ الذي قبل إلَّا وقد قام الدَّلِيلُ اللُّغَوِيُّ وَالْقِيَاسُ النَّحْوِيُّ على أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَعْمَلَ عَامِلَانِ في مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ في الْمَعْمُولِ أَيْضًا قال شَيْخُنَا أبو الْحَسَنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ سَوَادَانِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا لو اجْتَمَعَا لَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِضِدِّهِ وإذا جَازَ ذلك عَقْلًا فَلَوْ قَدَّرْنَا رَفْعَ أَحَدِ السَّوَادَيْنِ بِبَيَاضٍ لَأَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ عَامِلَانِ في مَعْمُولٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ الْعَامِلَيْنِ بِضِدِّهِ

فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَثَلًا يُوجِبُ الرَّفْعَ وَالْآخَرُ يُوجِبُ النَّصْبَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ الرَّابِعُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ في الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَقِيبَ الْجُمَلِ مُخْتَلِفٌ فَمِنْهُ ما يَعُودُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى في آلِ عِمْرَانَ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ إلَى قَوْلِهِ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وفي الْمَائِدَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا ما ذَكَّيْتُمْ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَقِيلَ مُنْقَطِعٌ يَعُودُ على الْمُنْخَنِقَةِ وما بَعْدَهَا أَيْ ما أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ من الْمَذْكُورَاتِ وَقَوْلُهُ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ فإن الْإِجْمَاعَ قَائِمٌ كما حَكَاهُ ابن السَّمْعَانِيِّ على أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ وَمِنْهُ ما يَعُودُ على جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ من اللَّيْلِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا امْرَأَتَك قُرِئَ بِالنَّصْبِ على الِاسْتِثْنَاءِ من الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ وَبِالرَّفْعِ على الِاسْتِثْنَاءِ من الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ وقد تَكُونُ خَرَجَتْ مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَتْ فَهَلَكَتْ قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَمِنْهُ ما يَتَضَمَّنُ عَوْدَهُ إلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كان من قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وهو مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كان من قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وهو الدِّيَةُ لَا الْكَفَّارَةُ وَجَعَلَ منه بَعْضُهُمْ آيَةَ الْقَذْفِ فإن اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ ثَلَاثَ جُمَلٍ وَعَقَّبَهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى الْأُولَى بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ فَلِبُعْدِهِ عن آخِرِ مَذْكُورٍ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِخُرُوجِهِ بِدَلِيلٍ وهو أَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا إلَى الثَّانِيَةِ لِتَقَيُّدِهَا بِالتَّأْبِيدِ وَبِهِ يَقُومُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ على اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ وقال الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ بَلْ رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّفْسِيقَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ هو الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِهِ أَوْلَى وَمِنْهُ ما يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ إلَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَتَّقُوا منهم تُقَاةً فَهُوَ عَائِدٌ إلَى النَّهْيِ الْأَوَّلِ دُونَ الْخَبَرِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ فَمَنْ شَرِبَ منه فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لم يَطْعَمْهُ فإنه مِنِّي

إلَّا من اغْتَرَفَ غُرْفَةً بيده فَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْأَخِيرِ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ من اغْتَرَفَ غُرْفَةً ليس منه وَلَيْسَ الْمَعْنَى عليه فإن الْمَقْصُودَ من لم يَطْعَمْ مُطْلَقًا وَمَنْ اغْتَرَفَ منه غُرْفَةً على حَدٍّ سَوَاءٍ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ من بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ من أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ إلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُك فإنه عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قد اسْتَثْنَى الْإِمَاءَ من أَزْوَاجٍ وَكَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فإنه عَائِدٌ إلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ وقال الْمُفَسِّرُونَ في قَوْله تَعَالَى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إلَّا قَلِيلًا أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ من قَوْلِهِ وإذا جَاءَهُمْ أَمْرٌ من الْأَمْنِ أو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ منهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ منهم فَهَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا قَلِيلًا وَكَقَوْلِهِ إلَّا من خَطِفَ الْخَطْفَةَ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ وهو الْأَوَّلُ وَجَعَلَ ابن جِنِّي في الْخَاطِرِيَّاتِ منه قَوْله تَعَالَى وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كل وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً من الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ في يَفْعَلُونَ وَلَوْ كان ما يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا لَكَانَ مَدْحًا لهم وَثَنَاءً عليهم وَهَذَا ضِدُّ الْمَعْنَى هُنَا فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كان الْكَلَامُ مَحْمُولًا على الْمَعْنَى أَيْ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا قِيلَ فيه شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ ذَمُّ الشُّعَرَاءِ على الْإِطْلَاقِ صَدَقُوا أَمْ كَذَبُوا فَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّعَرَاءَ هذه حَالَتُهُمْ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا قال وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِثْنَاءِ من الْأَوَّلِ الْأَبْعَدِ دُونَ الْآخَرِ الْأَقْرَبِ وهو حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وهو في الظَّاهِرِ إلَى الْآنِ على أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَمِنْهُ ما يَلْتَبِسُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ إلَى قَوْلِهِ إلَّا من تَابَ وَآمَنَ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ من الْجُمَلِ وَإِنَّمَا هو من لَفْظِ من وهو مُفْرَدٌ

الْخَامِسُ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا النَّقْلَ عن الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَوْجُودُ في كُتُبِهِمْ تَخْصِيصُ هذا الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ في عَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ ذَكَرَ ذلك أبو عَلِيٍّ الْبُخَارِيُّ في كِتَابِ مَعَانِي الْأَدَوَاتِ فقال الِاسْتِثْنَاءُ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ يُسَمَّى التَّعْطِيلَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا يُسَمَّى التَّحْصِيلَ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ وَكَذَا وَقَعَ في كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْآمِدِيَّ وَأَتْبَاعِهِمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وفي الْبُرْهَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَادَّعَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أبي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا قال نِسْوَتِي طَوَالِقُ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَدُورِي مُحْبَسَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ رَاجِعٌ إلَى ما تَقَدَّمَ وما أَرَاهُمْ يُسَلِّمُونَ ذلك إنْ عَقَلُوا فَإِنْ سَلَّمُوهُ فَطَالِبُ الْقَطْعِ لَا يُغْنِي فيها التَّعَلُّقُ بِهَفَوَاتِ الْخُصُومِ وَمُنَاقَضَاتِهِمْ فَلْيَبْعُدْ طَالِبُ التَّحْقِيقِ عن مِثْلِ هذا انْتَهَى فَائِدَةٌ اُخْتُلِفَ في إنْ شَاءَ اللَّهُ هل هو اسْتِثْنَاءٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ دُخُولُهُ في الِاسْتِثْنَاءِ وَمِنْهُمْ من مَنَعَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لم يَقَعْ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ فَدَلَّ على أَنَّهُ ليس بِاسْتِثْنَاءٍ وقال الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ هل هو اسْتِثْنَاءٌ يَمْنَعُ من انْعِقَادِ الْيَمِينِ أو يَكُونُ شَرْطًا يُعَلَّقُ بِهِ فلم يَثْبُتْ حُكْمُهُ لِعَدَمِهِ على وَجْهَيْنِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ قُلْت وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ ثُمَّ قال وقال الْإِمَامُ لَا يَبْعُدُ عن اللُّغَةِ تَسْمِيَةُ كل تَعْلِيقٍ اسْتِثْنَاءً وإذا قُلْنَا بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ فَهَلْ هو حَقِيقَةٌ أو مَجَازٌ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالثَّانِي فقال سَمَّاهُ أَئِمَّتُنَا اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا لِأَنَّهُ ثَنَّى بِمُوجِبِ اللَّفْظِ عن الْوُقُوعِ كَقَوْلِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فإنه ثَنَّى اللَّفْظَ عن إيقَاعِ الثَّلَاثِ لَكِنْ سَمَّاهُ النبي عليه السَّلَامُ اسْتِثْنَاءً في قَوْلِهِ من أَعْتَقَ أو طَلَّقَ ثُمَّ اسْتَثْنَى

فَلَهُ ثُنْيَاهُ وهو عَامٌّ في قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَغَيْرِهِ مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمَلُ وَجَاءَ بَعْدَهَا ضَمِيرُ جَمْعٍ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِهَا كما قُلْنَا في الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ اُدْخُلْ على بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ سَائِرِ قُرَيْشٍ وَجَالِسْهُمْ وَالْزَمْهُمْ قال بَعْضُهُمْ وَلَا يَجِيءُ فيه خِلَافُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ مَأْخَذَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ ما دخل في اللَّفْظِ وقال من قَصَرَهُ على الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ إنَّ الْمُقْتَضِي لِلدُّخُولِ في الْجُمَلِ السَّابِقَةِ قَائِمٌ وَالْمُخَرَّجُ مَشْكُوكٌ فيه فَلَا يَزَالُ الْمَقْضِيُّ بِالشَّكِّ وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ في الضَّمِيرِ فإن الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وهو صَالِحٌ لِلْعُمُومِ على سَبِيلِ الْجَمْعِ وَلَا مُقْتَضِي لِلتَّخْصِيصِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ على الْعُمُومِ وَهَذَا إذَا كان الضَّمِيرُ جَمْعًا فَإِنْ كان مُفْرَدًا اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ فَلَوْ قُلْت أَتَانِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ فَقَتَلْته لَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى خَالِدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى ما قَبْلَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإنه رِجْسٌ فإن الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى اللَّحْمِ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عنه خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ أَعَادَاهُ إلَى الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ اللَّحْمَ دخل في عُمُومِ الْمَيْتَةِ هُرُوبًا من التَّكْرَارِ وَعَمَلًا بِرُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْأَقْرَبِ وهو مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا قال ابن حَزْمٍ في الْإِحْكَامِ وَالْإِشَارَةُ تُخَالِفُ الضَّمِيرَ في عَوْدِهَا إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ هذا حُكْمُهَا في اللُّغَةِ إذَا كانت الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ أو تِلْكَ أو أُولَئِكَ أو هو أو هُمْ أو هُنَّ أو هُمَا فَإِنْ كانت بهذا أو هذه فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى حَاضِرٍ قَرِيبٍ ضَرُورَةً قال وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه بين اللُّغَوِيِّينَ وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ من حُكْمِ الْعِدَّةِ وهو الطُّهْرُ خَاصَّةً دُونَ الْحَيْضِ وَإِنْ كان الْقُرْءُ في اللُّغَةِ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا سَوَاءً وَلَكِنْ لَمَّا قال مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حتى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ

يُطَلَّقَ لها النِّسَاءُ كَأَنَّ قَوْلَهُ تِلْكَ إشَارَةٌ تَقْتَضِي بَعِيدًا وَأَبْعَدُ مَذْكُورٍ في الحديث قَوْلُهُ تَطْهُرَ فلما تَصِحُّ بهذا الحديث أَنَّ الطُّهْرَ هو الْعِدَّةُ الْمَأْمُورُ أَنْ يُطَلَّقَ لها النِّسَاءُ صَحَّ أَنَّهُ هو الْعِدَّةُ الْمَأْمُورُ بِحِفْظِهَا لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ مَسْأَلَةٌ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى منه وَالْمُسْتَثْنَى جُمْلَةٌ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا رُجُوعُهَا إلَى الْمُسْتَثْنَى منه وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ إلَى الْمُسْتَثْنَى وَيَتَخَرَّجُ على هذا ما لو قال له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا مِائَةً قَضَيْته إيَّاهُ قال الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً صَحِيحًا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْضِيِّ دُونَ الْقَضَاءِ وَيَصِيرُ مُقِرًّا بِتِسْعِمِائَةٍ قد ادَّعَى قَضَاءَهَا وقال أبو حَنِيفَةَ يَكُونُ مُقِرًّا بِأَلْفٍ مُدَّعِيًا لِقَضَاءِ مِائَةٍ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ وَلَا يُقْبَلُ منه دَعْوَى الْقَضَاءِ فَجُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقَضَاءِ دُونَ الْمَقْضِيِّ الْمُخَصِّصُ الثَّانِي الشَّرْطُ قالوا وهو لُغَةً الْعَلَامَةُ وَاَلَّذِي في الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ من كُتُبِ اللُّغَةِ ذلك في الشَّرَطِ بِالتَّحْرِيكِ وَجَمْعُهُ أَشْرَاطٍ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَأَمَّا الشَّرْطُ بِالتَّسْكِينِ فَجَمْعُهُ شُرُوطٌ في الْكَثِيرَةِ وَأَشْرُطٌ في الْقِلَّةِ كَفُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ وَأَمَّا في الِاصْطِلَاحِ فَذُكِرَ فيه حُدُودٌ أَوْلَاهَا ما ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وهو أَنَّ الشَّرْطَ ما يَلْزَمُ من عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ من الْمَانِعِ فإنه لَا يَلْزَمُ من عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِالثَّانِي من السَّبَبِ فإنه يَلْزَمُ من وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِالثَّالِثِ مُقَارَنَةُ الشَّرْطِ وُجُودَ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ أو وُجُودَ الْمَانِعِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ لَكِنْ ليس ذلك لِذَاتِهِ بَلْ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَالشَّرْطُ لَا يَتَخَصَّصُ بِالْوُجُودِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا لِأَنَّا كما نَشْتَرِطُ في قِيَامِ السَّوَادِ بِمَحَلِّهِ وُجُودَ مَحَلِّهِ

يُشْتَرَطُ عَدَمُ ضِدِّهِ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الْقَدْرِ على اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ في صِحَّةِ التَّيَمُّمِ هل لِلشَّرْطِ دَلَالَةٌ في جَانِبِ الْإِثْبَاتِ وَقَعَ في بَابِ الْقِيَاسِ من الْبُرْهَانِ أَنَّ لِلشَّرْطِ دَلَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُصَرَّحٌ بها وَهِيَ إثْبَاتُ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ وَالْأُخْرَى ضِمْنِيَّةٌ وَهِيَ الِانْتِفَاءُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ من الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا دَلَالَةَ له في جَانِبِ الْإِثْبَاتِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ في جَانِبِ الِانْتِفَاءِ خَاصَّةً وَلَوْ صَحَّ ما قَالَهُ لم يَظْهَرْ فَرْقٌ بين الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ وَأَمَّا تَمَسُّكُ الْإِمَامِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ إذَا جاء اسْتَحَقَّ الْإِكْرَامَ لَكِنْ هل ذلك لِوُجُودِ الشَّرْطِ أو لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ الْمَوْقُوفِ على الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ لو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ تَطْلُقُ لَا لِاقْتِضَاءِ الشَّرْطِ ذلك بَلْ لِلِالْتِزَامِ وَالْإِيقَاعِ من جِهَةِ الْمُطَلِّقِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى وَضْعِ اللُّغَةِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْفِقْهِ فَدُخُولُ الدَّارِ ليس هو سَبَبُ الطَّلَاقِ إذْ لَا يُنَاسِبُ ذلك وَإِنَّمَا السَّبَبُ تَطْلِيقُ الزَّوْجِ الْمَوْقُوفُ على الدُّخُولِ وقد طَوَّلَ الْإِبْيَارِيُّ معه الْكَلَامَ في ذلك وَرَدَّ عليه أبو الْعَبَّاسِ بن الْمُنَيِّرِ وقال قال الْإِمَامُ إنَّ الشَّرْطَ يَدُلُّ في جَانِبِ الْإِثْبَاتِ صَرِيحًا وفي جَانِبِ النَّفْيِ ضِمْنًا وما حَمَلَهُ على ذلك إلَّا رُؤْيَتُهُ الْعِلَلَ تُسْتَعْمَلُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ كَثِيرًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ عِلَّةٌ قال وهو عِنْدِي أَعْذَرُ مِمَّنْ رَدَّ عليه فإن الذي رَدَّ عليه زَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ شَرْطٌ حَقِيقَةً قال وَالْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَالدُّخُولُ ليس عِلَّةً لِلطَّلَاقِ شَرْعًا وَهَذَا الرَّدُّ وَهْمٌ من جِهَةِ أَنَّ الدُّخُولَ وَإِنْ كان ليس عِلَّةً لِلطَّلَاقِ شَرْعًا ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً له بِوَضْعِ الْمُطَلِّقِ وَغَرَضِهِ لِأَنَّهُ قد فَوَّضَ الشَّرْعُ إلَيْهِ في إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَا سَبَبٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ في وَضْعِ الْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا وَلِهَذَا لَا يُعَلَّقُ الطَّلَاقُ غَالِبًا إلَّا على وَصْفٍ مُشْتَمِلٍ على حِكْمَةٍ عِنْدَهُ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الدَّارُ عَوْرَةً أو فيها ما يُنَافِي غَرَضَهُ فإذا ارْتَكَبَتْ الزَّوْجَةُ ذلك نَاسَبَ الْفِرَاقَ في غَرَضِهِ وَقَصْدِهِ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ شَرْعًا بِدُخُولِ الدَّارِ وقد صَارَ عِنْدَ هذا الْقَائِلِ مَشْرُوطًا بِوَضْعِ الْمُعَلَّقِ فَلَا مَانِعَ من أَنْ يَكُونَ غير مُعَلَّلٍ شَرْعًا وَيَصِيرُ مُعَلَّلًا بِوَضْعِ الْمُطْلَقِ فِعْلًا يَقْتَضِيهِ وَلِهَذَا لو قال

أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَصَدَ ذلك وكان فَصِيحًا طَلُقَتْ في الْحَالِ وكان الدُّخُولُ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ لَا شَرْطًا وَفِيهِ مَسَائِلُ الْأُولَى أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ شَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَيَلْزَمُ من وُجُودِ الصَّلَاةِ وُجُودُ الطَّهَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِ الطَّهَارَةِ وُجُودُ الصَّلَاةِ وَعَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ فَيَلْزَمُ من وُجُودِ الْعِلْمِ وُجُودُ الْحَيَاةِ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِ الْحَيَاةِ وُجُودُ الْعِلْمِ وَعَادِيٌّ كَالسُّلَّمِ مع صُعُودِ السَّطْحِ فَيَلْزَمُ من صُعُودِ السَّطْحِ وُجُودُ نَصْبِ السُّلَّمِ وَلَا يَلْزَمُ من نَصْبِ السُّلَّمِ صُعُودُ السَّطْحِ وَلُغَوِيٌّ مِثْلُ التَّعْلِيقَاتِ نَحْوُ إنْ قُمْت وَنَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَالْمُخْتَصُّ الْمُتَّصِلُ الذي الْكَلَامُ فيه إنَّمَا هو اللُّغَوِيُّ وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ وِفَاقًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا من الشُّرُوطِ وَلِهَذَا تَقُولُ النُّحَاةُ في الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِسَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبِّبِيَّةِ الثَّانِي وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا بِتَبَيُّنِ حَقِيقَةِ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْمَانِعِ الْفَرْقُ بين الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ فَالسَّبَبُ هو الذي يَلْزَمُ من وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ وَالْمَانِعُ هو الذي يَلْزَمُ من وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ من عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَبَرُ في الْمَانِعِ وُجُودُهُ وفي الشَّرْطِ عَدَمُهُ وفي السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَمِثَالُهُ الزَّكَاةُ فَالسَّبَبُ النِّصَابُ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ وَالدَّيْنُ مَانِعٌ عِنْدَ من يَرَاهُ مَانِعًا وَإِذْ وَضَحَتْ الْحَقِيقَةُ ظَهَرَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا من الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ فإنه يَلْزَمُ من عَدَمِهَا الْعَدَمُ في الْمَشْرُوطِ وَلَا يَلْزَمُ من وُجُودِهَا وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَقَدْ تُوجَدُ الشُّرُوطُ عِنْدَ وُجُودِهَا كَمُوجِبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَوْلِ الذي هو شَرْطٌ وقد يُقَارِنُ الدَّيْنَ فَيَمْتَنِعُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ التي هِيَ التَّعَالِيقُ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُ من الدُّخُولِ الطَّلَاقُ وَمِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّرْطِ على الْجَمِيعِ إمَّا بِالِاشْتِرَاكِ أو الْحَقِيقَةِ في وَاحِدٍ وَالْمَجَازِ في الْبَوَاقِي أو بِالتَّوَاطُؤِ إذْ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وهو مُجَرَّدُ تَوَقُّفِ الْوُجُودِ على الْوُجُودِ وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا عَدَا ذلك ثُمَّ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ يَمْتَازُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمْكَانُ التَّعْوِيضِ عنه وَالْإِخْلَافُ

وَالْبَدَلُ كما إذَا قال لها إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ يقول لها أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِنْشَاءِ بَدَلًا عن الْمُعَلَّقَةِ وَكَمَا إذَا قال إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ هذا الدِّرْهَمُ ثُمَّ يُعْطِيهِ إيَّاهُ قبل رَدِّ الْعَبْدِ هِبَةً فَتَخْلُفُ الْهِبَةُ اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ بِالرَّدِّ وَيُمْكِنُ إبْطَالُ شَرْطِيَّتِهِ كما إذَا نَجَّزَ الطَّلَاقَ أو اتَّفَقَا على فَسْخِ الْجَعَالَةِ وَالشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ لَا يَقْتَضِي وُجُودُهَا وُجُودًا وَلَا تَقْبَلُ الْبَدَلَ وَلَا الْإِخْلَافَ وَيُمْكِنُ قَبُولُهَا الْإِبْطَالَ فإن الشَّرْعَ قد يُبْطِلُ شَرْطِيَّةَ الطَّهَارَةِ لِلْعُذْرِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ في صِيغَتِهِ وَهِيَ إنْ وَهِيَ أُمُّ الْأَدَوَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عن الشَّرْطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَهِيَ لِلتَّوَقُّعِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وإذا وَهِيَ لِلْمُحَقَّقِ كَقَوْلِهِ أنت حُرٌّ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ وقد يُسْتَعْمَلُ في التَّوَقُّعِ كَإِنْ مَجَازًا يَجِيءُ شَرْطًا من الْأَسْمَاءِ من وما وَأَيُّ وَمَهْمَا وَمِنْ الظُّرُوفِ أَيْنَ وَأَنَّى وَمَتَى وَحَيْثُمَا وَأَيْنَمَا وَمَتَى وما وَكَيْفَ يُجَازِي بها مَعْنًى لَا عَمَلًا خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ من حَقِّ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ إلَّا على الْمُنْتَظَرِ لِأَنَّ ما انْقَضَى لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ فيه وَلِهَذَا كانت الْأَفْعَالُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلَةً أَبَدًا سَوَاءٌ كان لَفْظُهَا مَاضِيًا مُضَارِعًا إلَّا أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ فإن الْفِعْلَ يَكُونُ على حَسَبِ لَفْظِهَا ما هو نَحْوُ إنْ يَقُمْ زَيْدٌ فَقَدْ أَكْرَمْته فَإِنْ لم يَكُنْ فَاءٌ فَالْأَمْرُ على ما قُلْنَاهُ إلَّا في كان وَحْدَهَا فإن الْمُبَرِّدَ نُقِلَ عنه أنها تَبْقَى على مُضِيِّهَا فَتَقُولُ إنْ كان زَيْدٌ قَائِمًا قُمْتُ وكان مَاضِيَةٌ وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنْ كنت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِذْ قال اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ قد كان وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أنها مُسْتَغْرِقَةٌ لِلزَّمَانِ أَلَا تَرَى أنها لَا تَخُصُّ زَمَانًا دُونَ غَيْرِهِ وَزَعَمَ ابن السَّرَّاجِ أَنَّ الْمُبَرِّدَ احْتَجَّ بِالْآيَةِ قال وَفِيهَا نَظَرٌ فلم يَجْزِمْ ولم يَجْعَلْ الْآيَةَ قَطْعِيَّةً في الْمَقْصُودِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ خُرُوجِهَا عن سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَنَزَّلَ الْآيَةَ على أَنَّ إنْ دَخَلَتْ على فِعْلٍ مَحْذُوفٍ مُسْتَقْبَلٍ إمَّا على إضْمَارِ يَكُنْ أَيْ إنْ يَكُنْ قُلْته وَإِمَّا على إضْمَارِ الْقَوْلِ أَيْ إنْ أَكُنْ فِيمَا اسْتَقْبَلَ كُنْت قُلْتُهُ أَيْ مَوْصُوفًا بهذا أو إنْ أَقُلْ كنت قُلْتُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ غير مُسْتَقْبَلِ الْمَعْنَى

بِلَفْظِ كان وَغَيْرِهَا إلَّا مُؤَوَّلًا لَكِنْ ما قَالَهُ مُسْتَدْرَكٌ بِلَوْ وَلَمَّا الشَّرْطِيَّتَيْنِ فإن الْفِعْلَ بَعْدَهَا لَا يَكُونُ إلَّا مَاضِيًا وقال أبو نَصْرِ بن الْقُشَيْرِيّ الْمَشْرُوطُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا في الِاسْتِقْبَالِ نَقُولُ لَا أَضْرِبُ زَيْدًا حتى يَقُومَ عَمْرٌو وَلَا يَحْسُنُ لَا أَضْرِبُ زَيْدًا بِالْأَمْسِ حتى يَقُومَ عَمْرٌو فَأَمَّا الشَّرْطُ فَقَالُوا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْقُوبًا في الِاسْتِقْبَالِ قال الْقَاضِي وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ قد يَقَعُ الشَّرْطُ كَائِنًا في الْحَالِ غير مُسْتَقْبَلٍ فَيَحْسُنُ أَنْ تَقُولَ إنْ كان زَيْدٌ الْيَوْمَ رَاكِبًا يَرْكَبُ غَدًا فَيُوَافِقُ وُجُودَ الشَّرْطِ لِفِعْلِك وَيَتَقَدَّمُ على الْمَشْرُوطِ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ هذا الْقَوْلَ لَا يَحْسُنُ إذْ مُخَاطِبُك يَعْرِفُ أَنَّ زَيْدًا الْيَوْمَ رَاكِبٌ وَكَذَلِكَ إنْ لم يَعْرِفْ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ عِنْدَ الْجَهْلِ فَكَأَنَّك قُلْت إنْ كان أَوْضَحَ لنا أَنَّ زَيْدًا رَاكِبٌ قُمْتَ غَدًا فَهَذَا الشَّرْطُ إذَنْ على الْحَقِيقَةِ مَرْقُوبٌ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ من أَحْكَامِهِ إخْرَاجُ ما لَوْلَاهُ عُلِمَ إخْرَاجُهُ كَأَكْرِمْ زَيْدًا إنْ اسْتَطَعْت أَوَّلًا كَأَكْرِمْهُ إنْ قام ثُمَّ قد يُوجَدُ دَفْعَةً كَالتَّعْلِيقِ على وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَالْحُكْمُ عِنْدَ أَوَّلِ وُجُودِهِ وقد يُوجَدُ على التَّعَاقُبِ كَالْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ فَعِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ إذْ الْعُرْفُ بِوُجُودِهِ حِينَئِذٍ وقد يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ على الْوَجْهَيْنِ كَالطَّهَارَةِ لِمَنْ نَوَى وهو مُنْغَمِسٌ في الْمَاءِ وَلِمَنْ تَوَضَّأَ نَاوِيًا وَقُلْنَا بِتَفْرِيقِ الِارْتِفَاعِ فَالْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِ دَفْعَةٍ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ وُجُودُهُ حَقِيقَةً وَلَا تَحَقُّقَ لِوُجُودِهِ إلَّا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ قد يَتَّحِدَانِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وقد يَتَعَدَّدُ الشَّرْطُ وَيَتَّحِدُ الْمَشْرُوطُ بِأَنْ يَكُونَ لِلْمَشْرُوطِ الْوَاحِدِ شَرْطَانِ فَإِنْ كَانَا على الْجَمْعِ لم يَحْصُلْ الْمَشْرُوطُ إلَّا بِحُصُولِهِمَا مَعًا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كان على الْبَدَلِ حَصَلَ الْمَشْرُوطُ بِحُصُولِ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَمَتَى زِيدَ في شَرْطِهِ زِيدَ في تَخْصِيصِهِ لَا مَحَالَةَ فإنه يَحُطُّهُ في كل دَفْعَةٍ عن رُتْبَةِ الْإِطْلَاقِ قال وَيَنْشَأُ من جَوَازِ مَشْرُوطٍ لِمَشْرُوطٍ أَنْ لَا يُشْعِرَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ

بِانْعِكَاسِ حُكْمِ الْمَشْرُوطِ إلَّا في الْعُمُومِ وقد يَتَعَدَّدُ الْمَشْرُوطُ وَيَتَّحِدُ الشَّرْطُ بِأَنْ يَكُونَ لِلشَّرْطِ الْوَاحِدِ مَشْرُوطَاتٌ فَإِمَّا على الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ إنْ زَنَيْت جَلَدْتُك وَعَزَّرْتُك فإذا حَصَلَ الزِّنَى حَصَلَ اسْتِحْقَاقُ الْأَمْرَيْنِ وَإِمَّا على الْبَدَلِ كَقَوْلِهِ جَلَدْتُك أو عَزَّرْتُك وَالْمُحَقَّقُ أَحَدُهُمَا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ لَا يُشْتَرَطُ في الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عن الْمَشْرُوطِ في اللَّفْظِ حتى يَكُونَ كَالِاسْتِثْنَاءِ بَلْ الْأَصْلُ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ في الْوُجُودِ وَلِأَنَّهُ قِسْمٌ من الْكَلَامِ فَكَانَ له الصَّدْرُ كَالِاسْتِفْهَامِ وَالتَّمَنِّي وَيَجُوزُ تَأَخُّرُهُ لَفْظًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قال في الْمَحْصُولِ وَلَا نِزَاعَ في جَوَازِ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ في الْأَوْلَى وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَحْرَى هو التَّقْدِيمُ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ قُلْت قَوْلُهُ لَا نِزَاعَ في تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ مَرْدُودٌ فَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الشَّرْطَ له صَدْرُ الْكَلَامِ كَالِاسْتِفْهَامِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عليه الْجَوَابُ فَإِنْ تَقَدَّمَ عليه شُبِّهَ بِالْجَوَابِ وَلَيْسَ بِجَوَابٍ وَجَوَّزَهُ الْكُوفِيُّونَ فَنَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا تَقْدِيرَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بَلْ هو جَوَابٌ مُقَدَّمٌ من تَأْخِيرٍ وَرَدٍّ بِأَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَمَا افْتَرَقَ الْمَعْنَيَانِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ فَفِي التَّقْدِيمِ مَبْنَى الْكَلَامِ على الْجَزْمِ ثُمَّ طَرَأَ التَّوَقُّفُ وفي التَّأْخِيرِ مَبْنَى الْكَلَامِ من أَوَّلِهِ على الشَّرْطِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْإِمَامِ إنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الشَّرْطِ وما حَكَاهُ عن الْفَرَّاءِ غَرِيبٌ وقال الصَّفِيُّ في صِحَّةِ النَّقْلِ نَظَرٌ وَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَضَعْفُهُ بَيِّنٌ وقال شَارِحُ اللُّمَعِ يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الشَّرْطُ في اللَّفْظِ كما يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ قِيَاسًا على الِاسْتِثْنَاءِ على الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قال وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقْصِدَ إلَى الشَّرْطِ فَإِنْ جاء بِهِ على جِهَةِ الْعَادَةِ لم يَصِحَّ على الْمَشْهُورِ وفي الْوَقْتِ الذي يُعْتَبَرُ فيه الْقَصْدُ وَجْهَانِ كَالِاسْتِثْنَاءِ قُلْت لو قال لِزَوْجَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً يَقَعُ وَلَوْ قال إنْ شِئْت طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً قال ابن الْقَاصِّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَوَافَقَهُ الْأَصْحَابُ وكان يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ وَاحِدَةٌ لِجَوَازِ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِهِ

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قد يَرِدُ الْكَلَامُ عَرِيًّا عن الشَّرْطِ مع كَوْنِهِ مُرَادًا فيه وَيُبَيَّنُ في مَوْضِعٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فإنه مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ الشَّرْطُ مُخَصِّصٌ لِلْأَحْوَالِ لَا لِلْأَعْيَانِ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ نَقَلَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى مَنْعَ كَوْنِ الشَّرْطِ يَدُلُّ على التَّخْصِيصِ وقال الشَّرْطُ لَا يُؤَثِّرُ في زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ فقال لَا يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ في التَّخْصِيصِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَقْلِيلٌ في الْعَدَدِ قَطْعًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ لِأَنَّ قَوْلَك أَعْطِ الْقَوْمَ إنْ دَخَلُوا الدَّارَ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ خَارِجٌ من الْعَطِيَّةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْكُلُّ فَيَسْتَحِقُّوا الْعَطِيَّةَ فَإِذَنْ الشَّرْطُ غَيْرُ مُخَصِّصٍ لِلْأَشْخَاصِ وَالْأَعْيَانِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَإِنَّمَا هو مُخَصِّصٌ لِأَحْوَالٍ من حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَطِيَّةِ لو كان مُطْلَقًا لَا يَسْتَحِقُّونَهَا على كل حَالٍ فإذا شُرِطَ بِدُخُولِ الدَّارِ يُخَصَّصُ بِتِلْكَ الْحَالِ التي هِيَ دُخُولُ الدَّارِ قال وَذَكَرَ الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ أَنَّ الشَّرْطَ بِ إنْ يُخَصِّصُ ما دَخَلَهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلتَّأْكِيدِ فَلَا كَقَوْلِهِ إنْ تَطَهَّرْت فَصَلِّ لِأَنَّهُ ليس بِشَرْطٍ في التَّحْقِيقِ انْتَهَى وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الشَّرْطَ من الْمُخَصِّصَاتِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَالشَّرْطَ جُمْلَتَانِ صَيَّرَهُمَا حَرْفُ الشَّرْطِ كَلَامًا وَاحِدًا فَيَتَقَيَّدُ إحْدَاهُمَا بِقَيْدِ الْأُخْرَى وَتَخْصِيصُهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَذَلِكَ وَبِذَلِكَ أَشْبَهَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ فإذا قُلْت أَكْرِمْ بَنِي فُلَانٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ صَارَ كَقَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا جُهَّالًا وَكَذَا إذَا قال من جَاءَك من الناس فَأَكْرِمْهُ وَمَنْ دخل الْكَعْبَةَ فَهُوَ آمِنٌ غير أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا بُدَّ فيه من إخْرَاجٍ كما تَقَدَّمَ وَالشَّرْطُ يُقَيَّدُ فَلَا يُشْتَرَطُ فيه الْإِخْرَاجُ إلَّا على ما سَبَقَ ذِكْرُهُ وقال ابن الْفَارِضِ في النُّكَتِ الِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ الْأَعْيَانَ وَالشَّرْطُ يُخْرِجُ الْأَحْوَالَ وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ من حَقِّ الشَّرْطِ أَنْ يَخُصَّ الْمَشْرُوطَ وَلَيْسَ من حَقِّهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنَّمَا يَكُونُ الشَّرْطُ لِلتَّخْصِيصِ إذَا لم يَقُمْ دَلِيلٌ على خِلَافِهِ وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَيُصْرَفُ بِالدَّلِيلِ عَمَّا وُضِعَ له من الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ من الْمَحِيضِ من نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ وَحُكْمُهَا

في الْعِدَّةِ مع وُجُودِ الرِّيبَةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ يَكُونُ تَخْصِيصًا إلَّا أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ التَّأْكِيدِ أو غَالِبُ الْحَالِ يُصْرَفُ بِالدَّلِيلِ عن حُكْمِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ خِفْتُمْ فإن الْخَوْفَ تَأْكِيدٌ لَا شَرْطٌ وَقَوْلُهُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ لَا خِلَافَ في وُجُوبِ اتِّصَالِ الشَّرْطِ في الْكَلَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَ في الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ يَجُوزُ تَقَيُّدُ الْكَلَامِ بِشَرْطٍ يَكُونُ الْخَارِجُ بِهِ أَكْثَرَ من الْبَاقِي وَلَا يَأْتِي فيه الْخِلَافُ في الِاسْتِثْنَاءِ قَالَهُ الْإِمَامُ قال الْهِنْدِيُّ وَهَذَا يَجِبُ تَنْزِيلُهُ على ما عُلِمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا ما يُجْهَلُ فيه الْحَالُ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ وَلَوْ بِشَرْطٍ لَا يَبْقَى من مَدْلُولَاتِهِ شَيْءٌ كَقَوْلِك أَكْرِمْ من يَدْخُلُ الدَّارَ إنْ أَكْرَمَك وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ أَحَدًا منهم لم يُكْرِمْهُ الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ اخْتَلَفُوا في الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ إذَا تَعَقَّبَهَا شَرْطٌ هل يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ أو يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ على طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا على قَوْلَيْنِ وَمِمَّنْ حَكَاهَا الصَّيْرَفِيُّ في كِتَابِهِ الدَّلَائِلِ فقال اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ في ذلك فقال قَوْمٌ يَرْجِعُ إلَى ما يَلِيهِ حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على إرَادَةِ الْكُلِّ وقال قَوْمٌ بَلْ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ حتى يَقُومَ دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ ثُمَّ اخْتَارَ الصَّيْرَفِيُّ رُجُوعَهُ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَقَعَ في آخِرِ الْكَلَامِ فلم يَكُنْ آخِرَ الْمَعْطُوفَاتِ أو بِهِ من غَيْرِهِ فَأُمْضِيَ على عُمُومِهِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ عن الْأَشْعَرِيَّةِ عَدَمَ عَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ قال ابن الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ في النُّكَتِ الذي في كُتُبِ عُلَمَائِنَا كَثِيرًا رُجُوعُهُ إلَى الْجَمِيعِ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَمِنْهُمْ من سَوَّى بَيْنَهُمَا في رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ قال وَوَجَدْت بَعْضَ الْأُدَبَاءِ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا في الرُّجُوعِ إلَى ما يَلِيهِمَا وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ مَنْزِلَتُهُ التَّقَدُّمُ على الْمَشْرُوطِ فإذا أُخِّرَ لَفْظًا كان كَالْمَصْدَرِ في الْكَلَامِ وَلَوْ صَدَرَ لَتَعَلَّقَ بِالْجَمِيعِ فَكَذَا الْمُتَأَخِّرُ وَعَلَى هذا جَرَى ابن مَالِكٍ في بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ من شَرْح التَّسْهِيلِ فقال وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ على تَعَلُّقِ الشَّرْطِ بِالْجَمِيعِ في نَحْوِ لَا تَصْحَبْ زَيْدًا وَلَا تَزُرْهُ وَلَا تُكَلِّمْهُ إنْ ظَلَمَنِي وَاخْتَلَفُوا في الِاسْتِثْنَاءِ انْتَهَى وهو ما أَوْرَدَهُ الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَا إلَّا أَنْ

يَخُصَّهُ دَلِيلٌ وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ فيه اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا لَكِنْ في كُتُبِ الْفُرُوعِ عن ابْنِ الْحَدَّادِ إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنَّ الشَّرْطَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخِيرَةِ وَنَقَلَ أَصْحَابُ الْمُعْتَمَدِ وَالْمَصَادِرِ والمحصول وِفَاقَ أبي حَنِيفَةَ لنا على ذلك لَكِنَّ الْقَاضِيَ ابْنَ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيَّ حَكَيَا عن أبي حَنِيفَةَ اخْتِصَاصَهُ بِالْأَخِيرَةِ على قَاعِدَتِهِ في الِاسْتِثْنَاءِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وهو غَلَطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إلَى قَوْلِهِ فَمَنْ لم يَجِدْ فَهُوَ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ لَا إلَى الرَّقَبَةِ وَمَثَّلَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْرَفِيُّ لِتَخْصِيصِهِ بِبَعْضِ الْمَعْطُوفَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لم تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فإن الشَّافِعِيَّ قَصَرَ الشَّرْطَ على الرَّبَائِبِ دُونَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ لِدَلِيلٍ قام عِنْدَهُ في ذلك لَا يَصْلُحُ رَدُّهُ إلَى الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لو اقْتَرَنَ بِهِ لم يَسْتَقِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قِيلَ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ لم يَكُنْ لِلْكَلَامِ مَعْنًى لِأَنَّ أُمَّهَاتِ نِسَائِنَا أُمَّهَاتُ أَزْوَاجِنَا وَهِيَ نِسَاؤُكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ من أَزْوَاجِكُمْ فَكَيْفَ تَرَوْنَ أُمَّهَاتِ أَزْوَاجِنَا من أَزْوَاجِنَا اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وفي هذا بَيَانُ أَنَّ قَوْلَهُ من نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَصْفٌ لِلرَّبِيبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ هذه رَبِيبَةٌ لِامْرَأَةٍ لي قد دَخَلْتُ بها وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ هذه أُمُّ امْرَأَتِي من امْرَأَةٍ لم أَدْخُلْ بها وَلِهَذَا بَطَلَ رُجُوعُهُ إلَى الْأُولَى وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ إلَى جَمِيعِ ما سَبَقَ إذَا صَلُحَ أَنْ يُذْكَرَ مَقْرُونًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كما سَبَقَ انْتَهَى كَلَامُ الْقَفَّالِ وَشَرَطَ ابن الْقُشَيْرِيّ لِلْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ ما سَبَقَ في الِاسْتِثْنَاءِ فقال إذَا كان الْخِطَابُ على جُمَلٍ منها مُسْتَقِلٍّ وَلَوْ نِيطَتْ وَاحِدَةٌ منها بِشَرْطٍ لم يَقْتَضِ تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ وَكَذَا إذَا تَوَالَتْ أَلْفَاظٌ عَامَّةٌ يَثْبُتُ الْمُخَصِّصُ في بَعْضِهَا لم يُوجِبْ التَّخْصِيصَ فِيمَا عَدَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ الْآيَةَ وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ التَّوَقُّفَ هُنَا وَلَا بُعْدَ في تَوَقُّفِ الْقَاضِي فيه على ما تَقَدَّمَ في الِاسْتِثْنَاءِ وَتَكَلُّفُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا ضَعِيفٌ

تَنْبِيهَاتٌ حُكْمُ الشَّرْطِ إذَا تَقَدَّمَ على الْمَعْطُوفِ الْأَوَّلُ هذا إذَا تَأَخَّرَ الشَّرْطُ فَإِنْ تَقَدَّمَ قال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ اخْتَصَّ بِمَا يَلِيهِ عِنْدَ من خَصَّهُ بِجُمْلَةٍ قُلْت وَصَرَّحَ الصَّيْرَفِيُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ في تَقَدُّمِ الشَّرْطِ على الْمَعْطُوفَاتِ كَحُكْمِهِ إذَا تَأَخَّرَ في الْعَدَدِ إلَى الْكُلِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ فِيمَا لو قال إنْ شَاءَ اللَّهُ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ وَمَالِي صَدَقَةٌ وَقَصْدُ الشَّرْطِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ وَصَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ بِأَنَّهُ إذَا قُدِّرَ لِلْعُمُومِ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ أو مُتَأَخِّرٌ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الْمَشْرُوطِ وقال أبو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ من أَصْحَابِنَا في كِتَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ من أَهْلِ اللُّغَةِ عَوْدُ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الشَّرْطُ الْجُمَلَ أو تَأَخَّرَ عنها وقال أبو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَكَثِيرٌ من أَهْلِ اللُّغَةِ إنْ كان في أَوَّلِ كَلَامِهِ رَجَعَ إلَى جَمِيعِ ما يُذْكَرُ عَقِبَهُ وَإِنْ كان في آخِرِهِ رَجَعَ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ على رُجُوعِهِ إلَى الْجَمِيعِ أو إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ انْتَهَى وَهَذَا التَّفْصِيلُ غَرِيبٌ وَجَعَلَ شَارِحُ اللُّمَعِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لم يَقُمْ دَلِيلٌ على رُجُوعِهِ إلَى الْجَمِيعِ أو الْبَعْضِ فَإِنْ قام دَلِيلٌ على الْجَمِيعِ تَعَيَّنَ قَطْعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ الْآيَةَ فإن هذا الشَّرْطَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قام دَلِيلٌ على رُجُوعِهِ إلَى جُمْلَةٍ منها رَجَعَ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الطَّلَاقِ لَا إلَى الزِّنَا لِأَنَّهُ صِفَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إذَا لم يَكُنْ الشَّرْطُ مَنْطُوقًا بِهِ فَهَلْ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الثَّانِي هذا إذَا كان الشَّرْطُ مَنْطُوقًا بِهِ فَلَوْ لم يَنْطِقْ بِهِ وَلَكِنْ دَلَّ عليه دَلِيلٌ من خَارِجٍ في بَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ فَهَلْ يَكُونُ كَالْمَنْطُوقِ حتى يَرْجِعَ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ فيه وَجْهَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَرِيبَةٌ لم أَرَهَا إلَّا في تَعْلِيقِ ابْنِ أبي هُرَيْرَةَ قال في بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ إنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَهُ مع الْغِنَى بِخِلَافِ الْيَتَامَى فإنه شَرَطَ فِيهِمْ الْحَاجَةَ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الشَّرْطَ عِنْدَكُمْ إذَا نِيطَ بِآخِرِ الْكَلَامِ نَصًّا أو دَلَالَةً رَجَعَ إلَى أَوَّلِهِ وقد قام الدَّلِيلُ عِنْدَكُمْ في الْيَتَامَى أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مع الْحَاجَةِ فَوَجَبَ عَوْدُ هذا الشَّرْطِ إلَى ذَوِي الْقُرْبَى قِيلَ له هذا قَوْلٌ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وهو خَطَأٌ وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بين الْمَنْطُوقِ بِهِ

وَالْمَدْلُولِ عليه هذا لَفْظُهُ الْفَرْقُ بين الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ فما يُفَارِقُ فيه الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الشَّرْطُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتٌ وَنَفْيٌ فَيَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ من جِهَةِ إثْبَاتِهِمَا حُكْمًا وَنَفْيِهِمَا آخَرَ وَيَفْتَرِقَانِ من وُجُوهٍ منها أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ الْأَعْيَانَ وَالشَّرْطُ يُخْرِجُ الْأَحْوَالَ قَالَهُ ابن الْفَارِضِ في النُّكَتِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ يُثْبِتُ الْحُكْمَ في حَالِ وُجُودِهِ وَيَنْفِيهِ في حَالِ عَدَمِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ يَجْمَعُ بين النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَرُبَّمَا يَتَقَدَّمُ الْحُكْمَ شَرْطٌ يَقُومُ الدَّلِيلُ على ثُبُوتِ الْحُكْمِ مع وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إثْبَاتٌ وَلَا نَفْيٌ وَيُصْرَفُ بِالدَّلِيلِ عَمَّا وُضِعَ له من الْحَقِيقَةِ كَآيَةِ الْعِدَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِهِ في الزَّمَانِ عن الْمَشْرُوطِ قَطْعًا وَيَجُوزُ ذلك في الِاسْتِثْنَاءِ على قَوْلٍ وَمِنْهَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلَ حُكْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطَ كَلَامٌ يُبْطِلُ جَمِيعَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَيَبْطُلُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ في الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بِهِ أَكْثَرَ من الْبَاقِي بِلَا نِزَاعٍ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ على قَوْلٍ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ يَصِحُّ دُخُولُ الشَّرْطِ على الشَّرْطِ فَيَكُونُ الثَّانِي شَرْطًا في الْأَوَّلِ وَيُسَمِّيهِ النَّحْوِيُّونَ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ على الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إنْ كان اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ وَمَعْنَاهُ إنْ كان اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وَشَرَطَ ابن مَالِكٍ في تَوَالِي الشَّرْطَيْنِ عَدَمَ الْعَطْفِ قال فَلَوْ عُطِفَا فَالْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وقد يُقَالُ هذا من تَوَالِي فِعْلَيْ شَرْطٍ لَا من تَوَالِي شَرْطَيْنِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ في النِّهَايَةِ أَنَّ حُكْمَهُ بِالْعَطْفِ كَحُكْمِهِ مع عَدَمِهِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ الْمَشْرُوطُ هل يَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ آخِرَ جُزْءٍ من الشَّرْطِ أو عَقِبَهُ قال صَاحِبُ النُّكَتِ ذَكَرَ أبو هَاشِمٍ في الْبَغْدَادِيَّاتِ أَنَّهُ يَقَعُ مع آخِرِ جُزْءٍ منه قال وَالْمَحْكِيُّ عن فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الشَّرْطِ قال وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ في الْإِيقَاعِ وَمِنْهُمْ من فَرَّقَ بين الشَّرْطِ وَالْإِيقَاعِ قال وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ في قَوْلِهِمْ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فإنه يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَ أبي هَاشِمٍ وَيُلْغَى الشَّرْطُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ مع حُصُولِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ هو الْعَقْدُ وَالْمَشْرُوطُ حَلُّهُ وَالْعَقْدُ وَحَلُّهُ لَا يَجْتَمِعَانِ في وَقْتٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ يَلْغُوَ الشَّرْطُ وَيَصِحَّ الْعَقْدُ وَعَلَى قَوْلِ مُخَالِفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ يَقَعُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ في الْأَوَّلِ وَيَنْحَلُّ في الثَّانِي وقال الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ الْمَحْصُولِ الْعِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ تَتَقَدَّمُ على مَعْلُولِهَا بِالذَّاتِ لَا بِالزَّمَانِ على ما تَقَرَّرَ في عِلْمِ الْمَعْقُولِ وَالشَّرْطُ مع الْمَشْرُوطِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ ما يَتَوَقَّفُ عليه تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فإذا وُجِدَ وُجِدَ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ وَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يُقَارِنُهُ وُجُودُ الْأَثَرِ من غَيْرِ تَرْتِيبٍ فإن الْمُؤَثِّرَ الشَّرْعِيَّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُؤَثِّرِ الْعَقْلِيِّ وَذَلِكَ لِمُطَابَقَةِ الشَّرِيعَةِ الْحَقِيقَةَ وَمِنْهُمْ من نَقَلَ الْخِلَافَ في أَنَّهُمَا مَعًا وَلَا بُدَّ من تَرَتُّبِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ في بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَقِبَهُ وَلِهَذَا لو قال لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بها إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا لم يَقَعْ الْمُعَلَّقُ على الْأَصَحِّ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَا يَلْزَمُ في الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا ضَرُورِيًّا بِالْعَقْلِ بَلْ تَكْفِي الْمُلَازَمَةُ بِالْوَضْعِ فإذا قُلْت إنْ جاء زَيْدٌ أَكْرَمْته فَهَذَا لَازِمٌ بِالْوَضْعِ أَيْ وَضْعِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ الْإِكْرَامُ لَازِمًا لِلْمَجِيءِ وَكَلَامُ ابْنِ خَرُوفٍ من النَّحْوِيِّينَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ الْعَقْلِيَّ فإنه قُدِّرَ في قَوْله تَعَالَى وَأَدْخِلْ يَدَك في جَيْبِك تَخْرُجْ بَيْضَاءَ أَنَّ الْمَعْنَى وَأَخْرِجْهَا تَخْرُجُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من إدْخَالِهَا خُرُوجُهَا وتخرج مَجْزُومٌ على الْجَوَابِ فَاحْتَاجَ أَنْ يُقَدِّرَ جَوَابًا لَازِمًا وَشَرْطًا مَلْزُومًا حَذْفًا لِأَنَّهُمَا

نَظِيرَا ما أَثْبَتَ لَكِنْ وَقَعَ في تَقْدِيرِ ما لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَهَا تَدْخُلُ وَالصَّوَابُ وَبِهِ قال ابن الصَّائِغِ من النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذلك فإن الْإِدْخَالَ سَبَبٌ في خُرُوجِهَا بَيْضَاءَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَيْضًا من إخْرَاجِهَا أَنْ تَخْرُجَ بَيْضَاءَ لُزُومًا ضَرُورِيًّا إلَّا بِضَرُورَةِ صِدْقِ الْوَعْدِ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْحُكْمَ هو الْجَزَاءُ وَحْدَهُ وَالشَّرْطُ قَيْدٌ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ حتى إنَّ الْجَزَاءَ إنْ كان خَبَرًا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ وَإِنْ كان إنْشَاءً فَإِنْشَائِيَّةٌ وَعِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّ مَجْمُوعَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ دَلَّ على رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَثُبُوتُهُ له على تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ من غَيْرِ دَلَالَةٍ على الِانْتِقَاءِ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ وَكُلٌّ من الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَفَرَّعُ مَذْهَبُنَا في مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَعَلَى الثَّانِي يَتَفَرَّعُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ في إنْكَارِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّالِثُ التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ وَالْمُرَادُ بها الْمَعْنَوِيَّةُ لَا النَّعْتُ بِخُصُوصِهِ نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ الزُّهَّادَ فإن التَّقْيِيدَ بِالزُّهَّادِ يُخْرِجُ غَيْرَهُمْ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في بَابِ الْقَضَاءِ من النِّهَايَةِ الْوَصْفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَعْنَاهُ التَّخْصِيصُ فإذا قُلْت رَجُلٌ شَاعَ هذا في ذِكْرِ الرِّجَالِ فإذا قُلْتَ طَوِيلٌ اقْتَضَى ذَاكَ تَخْصِيصًا فَلَا تَزَالُ تَزِيدُ وَصْفًا فَيَزْدَادُ الْمَوْصُوفُ اخْتِصَاصًا وَكُلَّمَا كَثُرَ الْوَصْفُ قَلَّ الْمَوْصُوفُ ا هـ وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ في وُجُوبِ الِاتِّصَالِ وَعَوْدِهَا إلَى الْجُمَلِ قال الْمَازِرِيُّ وَلَا خِلَافَ في اتِّصَالِ التَّوَابِعِ وَهِيَ النَّعْتُ وَالتَّوْكِيدُ وَالْعَطْفُ وَالْبَدَلُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الِاسْتِثْنَاءِ وقال بَعْضُهُمْ الْخِلَافُ في الصِّفَةِ النَّحْوِيَّةِ وَهِيَ التَّابِعُ لِمَا قَبْلَهُ في إعْرَابِهِ أَمَّا الصِّفَةُ الشَّرْطِيَّةُ فَلَا خِلَافَ فيها وقال أبو الْبَرَكَاتِ بن تَيْمِيَّةَ فَأَمَّا الصِّفَاتُ وَعَطْفُ الْبَيَانِ وَالتَّوْكِيدُ وَالْبَدَلُ وَنَحْوُهَا من الْمُخَصِّصَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وقال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إذَا

تَعَقَّبَتْ الصِّفَةُ شَيْئَيْنِ فَإِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى نَحْوُ أَكْرِمْ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ الْمُؤْمِنِينَ عَادَتْ إلَيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ وَجَالِسْ الْفُقَهَاءَ الزُّهَّادَ فَهَاهُنَا الصِّفَةُ عَائِدَةٌ إلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْبَحْثِ فيه مَجَالٌ كما في الِاسْتِثْنَاءِ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ إنْ كانت الصِّفَاتُ كَثِيرَةً وَذُكِرَتْ على الْجَمْعِ عَقِبَ جُمْلَةٍ تَقَيَّدَتْ بها أو على الْبَدَلِ فَلِوَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ منها وَإِنْ ذُكِرَتْ عَقِبَ جُمَلٍ فَفِي الْعَوْدِ إلَى كُلِّهَا أو إلَى الْأَخِيرَةِ الْخِلَافُ مَسْأَلَةٌ تَوَسُّطُ الْوَصْفِ بين الْجُمَلِ فَأَمَّا إذَا تَوَسَّطَ الْوَصْفُ بين الْجُمَلِ فَفِي عَوْدِهِ إلَى الْأَخِيرَةِ خِلَافٌ حَكَاهُ ابن دَاوُد من أَصْحَابِنَا في شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ قال وَبُنِيَ عَلَيْهِمَا الْقَوْلَانِ في إيجَابِ الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ اسْتِنْبَاطًا من لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ قال وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هو رَفْعُ الْجُنَاحِ عن الْمُطَلِّقِينَ قبل الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ ثُمَّ إنَّهُ عُطِفَ عليه بِقَوْلِهِ وَمَتِّعُوهُنَّ فَإِنْ أَعَدْنَا الصِّفَةَ إلَيْهِ أَيْضًا لم تَجِبْ الْمُتْعَةُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ وَمَتِّعُوا الْمَذْكُورَاتِ فَإِنْ لم نَعُدَّهُ وَجَبَتْ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَتِّعُوا النِّسَاءَ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَرْجِيحِ عَوْدِهِ إلَيْهِمَا مَسْأَلَةٌ فَائِدَةُ الصِّفَةِ الْوَصْفُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَعْرِفَةٍ أو نَكِرَةٍ فَإِنْ كان لِنَكِرَةٍ فَفَائِدَتُهُ التَّخْصِيصُ نَحْوُ مَرَرْت بِرَجُلٍ فَاضِلٍ وَمِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ وَإِنْ كان لِمَعْرِفَةٍ فَفَائِدَتُهُ التَّوْضِيحُ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ عن غَيْرِهِ نَحْوُ زَيْدٌ الْعَالِمُ وَمِنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَيُسَمِّيهِ الْبَيَانِيُّونَ الْمُفَارَقَةَ وَخَالَفَهُمْ ابن الزَّمْلَكَانِيِّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْحَاجِبِ في كِتَابِ الْبُرْهَانِ فقال إذَا دَخَلَتْ الصِّفَةُ على اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كانت لِلتَّخْصِيصِ لَا لِلتَّوْضِيحِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ لو أُرِيدَتْ بِاسْمِ الْجِنْسِ من حَيْثُ هِيَ هِيَ كان الْوَصْفُ لها نَسْخًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بها الْخَاصُّ ثُمَّ الصِّفَةُ تَأْتِي مُبَيِّنَةً لِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ

وَيَتَفَرَّعُ على هذا ما لو قال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ فَشَرِبَ الْحَارَّ لم يَحْنَثْ بِخِلَافِ ما لو قال وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا الرَّاكِبَ فَكَلَّمَهُ وهو جَالِسٌ فإنه يَحْنَثُ إذْ لم تُفِدْ الصِّفَةُ فيه تَقْيِيدًا وهو حَسَنٌ وقد يُقَالُ إنَّهُ لَا يُخَالِفُ كَلَامَهُمْ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ عِنْدَهُمْ في الْمَعْنَى وَظَاهِرُ تَصَرُّفِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصِّفَةَ إذَا وَقَعَتْ لِلنَّكِرَةِ فَهِيَ لِلتَّوْضِيحِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهَا لِلتَّخْصِيصِ وَلِهَذَا كانت الْعَارِيَّةُ عِنْدَنَا على الضَّمَانِ وَعِنْدَهُ على الْأَمَانَةِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السَّلَامُ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ هل مَضْمُونَةٌ لِلتَّخْصِيصِ أو لِلتَّوْضِيحِ فَعِنْدَنَا لِلتَّوْضِيحِ وَعِنْدَهُ لِلتَّخْصِيصِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَمْلِكُ وَمُدْرِكُهُ قَوْله تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ هل هذا الْوَصْفُ لِلتَّوْضِيحِ أو لِلتَّخْصِيصِ فَعِنْدَنَا لِلتَّوْضِيحِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَخْرُجُ حَالُهُ عن هذا وَعِنْدَهُ لِلتَّخْصِيصِ على سَبِيلِ الشَّرْطِ تَنْبِيهٌ اتَّفَقُوا على الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالصِّفَةِ وَاخْتَلَفُوا في مَفْهُومِ الصِّفَةِ نَحْوُ في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ فَلِمَ اخْتَلَفُوا فيه وَاتَّفَقُوا هُنَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الصِّفَةَ تَأْتِي لِرَفْعِ احْتِمَالٍ في أَحَدِ مُحْتَمَلَيْنِ على السَّوَاءِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ تَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَةَ وَالْكَافِرَةَ فإذا قُيِّدَتْ زَالَ الِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ وَهِيَ نِهَايَةُ الشَّيْءِ وَمُنْقَطَعُهُ وَهِيَ حَدٌّ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَهَا وَانْتِفَائِهِ بَعْدَهَا وَلَهَا لَفْظَانِ حتى وَإِلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ وَقَوْلِهِ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَنَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ حتى يَدْخُلُوا أو إلَى أَنْ يَدْخُلُوا فَيَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِمَا قبل الدُّخُولِ

وَالْمَقْصُودُ بِالْغَايَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِمَا قَبْلَهَا وَالْمَعْنَى يَرْتَفِعُ بِهَذِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّهُ لو بَقِيَ فِيمَا وَرَاءَ الْغَايَةِ لم تَكُنْ الْغَايَةُ مُنْقَطِعًا فلم تَكُنْ الْغَايَةُ غَايَةً لَكِنْ هل يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ من غَيْرِ ثُبُوتِ ضِدِّ الْمَحْكُومِ عليه أَمْ تَدُلُّ على ثُبُوتِ الْمَحْكُومِ عليه فَقَطْ هو مَوْضُوعُ الْخِلَافِ كما في الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا ما جُعِلَ غَايَةً في نَفْسِهِ فَهَلْ يَنْدَرِجُ في حُكْمِ الْمَعْنَى أَمْ لَا فيه الْخِلَافُ الْآتِي في الْمَفْهُومِ فإذا قُلْت اشْتَرَيْت من كَذَا إلَى كَذَا أو من كَذَا حتى كَذَا فَلَا خِلَافَ فِيمَا قبل الْغَايَةِ أَنَّهُ دَاخِلٌ وَأَنَّ ما بين مُبْتَدَأِ الْغَايَةِ وَمُنْتَهَاهَا دَاخِلٌ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ منهم من فَرَّقَ بين حتى فَتَدْخُلَ وإلى فَلَا تَدْخُلْ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيَتَعَلَّقُ بِالْغَايَةِ إثْبَاتٌ وَنَفْيٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ إذْ الشَّرْطُ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بَعْدَهُ وَلَا يَبْقَى بِهِ قَبْلَهُ وَالْغَايَةُ مُوجِبَةٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْغَايَةِ شَرْطُ الْإِثْبَاتِ بِهِمَا وَالنَّفْيُ بِأَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ وَهَذَا غَايَةٌ ثُمَّ قال فإذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ وَهَذَا شَرْطٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ وَطْؤُهَا إلَّا بِالْغُسْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَتَنْتَفِي الِاسْتِبَاحَةُ بِعَدَمِهِمَا أو عَدَمِ أَحَدِهِمَا من غَايَةٍ أو شَرْطٍ وَكَذَا جَعَلَ ابن السَّمْعَانِيِّ الْآيَةَ من تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِغَايَةٍ وَشَرْطٍ وَالْغُسْلُ شَرْطٌ فَكَانَا مُعْتَبَرَيْنِ في إبَاحَةِ الْإِصَابَةِ وقال الْأُصُولِيُّونَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ لِلْحُكْمِ غَايَتَانِ كَهَذِهِ الْآيَةِ وقال في الْمَحْصُولِ الْغَايَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهَا الذي يَتَرَتَّبُ عليها الْحُكْمُ وَسُمِّيَتْ الْأُولَى غَايَةً مَجَازًا لِقُرْبِهَا من الْغَايَةِ وَاتِّصَالِهَا بها وَنُوزِعَ بِأَنَّ هَاتَيْنِ غَايَتَانِ لِشَيْئَيْنِ فما اجْتَمَعَ غَايَتَانِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ النَّاشِئَ عن دَمِ الْحَيْضِ غَايَتُهُ انْقِطَاعُ الدَّمِ فإذا انْقَطَعَ حَدَثَ تَحْرِيمٌ آخَرُ نَاشِئٌ عن عَدَمِ الْغَسْلِ فَالْغَايَةُ الثَّانِيَةُ غَايَةُ هذا التَّحْرِيمِ الثَّانِي وقال غَيْرُهُ ليس هُنَا غَايَتَانِ لِأَنَّهُمْ قالوا لها حَرْفَانِ حتى وَإِلَى وَلَيْسَ هُنَا غَيْرُ حتى فَلَوْ كان الْحَرْفَانِ هُنَا لَأَمْكَنَ ما قالوا وَإِنَّمَا هو نَظِيرُ قَوْلِك لَا تُكْرِمْ زَيْدًا حتى يَدْخُلَ الدَّارَ فإذا دخل فَأَكْرِمْهُ وَأَيْضًا فَإِنْ كان على قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ في يَطَّهَّرْنَ فَالْغَايَةُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ تَأْكِيدٌ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ على قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ أَيْ يَنْقَطِعُ حَيْضُهُنَّ فَبَعْدَهُ فإذا تَطَهَّرْنَ أَيْ اغْتَسَلْنَ وهو شَرْطٌ فَيَتَعَارَضُ مَفْهُومُ الْغَايَةِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ الظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَحَمْلُ الْقُرْآنِ على تَكْثِيرِ الْفَوَائِدِ من حَمْلِهِ على التَّأْكِيدِ وَحَكَى التَّبْرِيزِيُّ في اخْتِصَارِ الْمَحْصُولِ فِيمَا إذَا كانت الْغَايَةُ لها جُزْءَانِ أو أَجْزَاءٌ

خِلَافًا في أَنَّ الْغَايَةَ هِيَ الْأُولَى أَمْ الْأَخِيرَةُ قال الْقَرَافِيُّ ولم أَرَهُ إلَّا فيه وَغَيْرُهُ يَحْكِي الِانْدِرَاجَ مُطْلَقًا ولم يَتَعَرَّضْ لِلْأَجْزَاءِ قُلْت وهو قَرِيبٌ من الْخِلَافِ الْفِقْهِيِّ في أَنَّ الْحَدَثَ هل يَرْتَفِعُ عن كل عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ أَمْ يَتَوَقَّفُ على تَمَامِ الْأَعْضَاءِ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حتى يَتَوَضَّأَ فَالْحَدَثُ مُغَيًّا بِالْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ ذُو أَجْزَاءٍ فَهَلْ يَرْتَفِعُ عن الْعُضْوِ بِمُجَرَّدِهِ أَمْ لَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ منه حتى تُوجَدَ الْغَايَةُ بِتَمَامِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ هل الْمُرَادُ تَطَهَّرَ طُهْرًا كَامِلًا أو طُهْرًا ما حتى غَسَلَ رِجْلًا وَأَدْخَلَهَا ثُمَّ أُخْرَى وَأَدْخَلَهَا جَازَ وَفِيهِ خِلَافٌ هذا مَأْخَذُهُ وَحَكَى غَيْرُهُ مَذْهَبًا ثَالِثًا بِالتَّفْصِيلِ فقال إنْ كانت مُنْفَصِلَةً عن ذِي الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَالْغَايَةُ أَوَّلُ جُزْءٍ منه وَإِنْ لم تَكُنْ مُنْفَصِلَةً كَقَوْلِهِ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ فَالْغَايَةُ آخِرُ جُزْءٍ من أَجْزَائِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ أَطْلَقُوا كَوْنَ الْغَايَةِ من الْمُخَصِّصَاتِ قال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا الْكَلَامُ مُقَيَّدٌ بِغَايَةٍ تَقَدَّمَهَا لَفْظٌ يَشْمَلُهَا لو لم يُؤْتَ بها كَقَوْلِهِ تَعَالَى حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فإن هذه الْغَايَةَ لو لم يُؤْتَ بها لَقَاتَلْنَا الْمُشْرِكِينَ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أو لم يُعْطُوهَا وَوَرَاءَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا غَايَةٌ لم يَشْمَلْهَا الْعُمُومُ وَلَا صَدَقَ عليها اسْمُهُ فَلَا يُؤْتَى بها إلَّا لِعَكْسِ ما يُؤْتَى بِالْغَايَةِ في الْقِسْمِ قَبْلَهُ فإن تِلْكَ يُؤْتَى بها لِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ أو تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَهَذِهِ يُؤْتَى بها لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ وَتَأَكُّدِهِ وَإِعْلَامِ أَنَّهُ لَا خُصُوصَ فيه وَأَنَّ الْغَايَةَ فيه ذَاكِرَةٌ بِحَالِ قَصْدٍ منه أَنْ يَتَعَقَّبَ الْحَالَ الْأُولَى بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُهَا شَيْءٌ وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثَلَاثٍ عن الصَّبِيِّ حتى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حتى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يُفِيقَ فَحَالَةُ الْبُلُوغِ وَالِاسْتِيقَاظِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24