كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُنَازِعَهُ قال وإذا الْتَفَتَ إلَى هذا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وقال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ نَظَرُ أبي حَنِيفَةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ دَقِيقٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ لو صَحَّتْ لَصَحَّتْ إمَّا في الْمَلْفُوظِ أو غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ هو الْأَكْلُ وهو مَاهِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّعَدُّدَ فَلَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَإِنْ أُخِذَتْ مع قُيُودٍ زَائِدَةٍ عليها تَعَدَّدَتْ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ مُحْتَمِلَةً لِلتَّخْصِيصِ لَكِنْ تِلْكَ الزَّوَائِدُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بها فَالْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ من الْمَاهِيَّةِ غَيْرُ مَلْفُوظٍ فَيَكُونُ الْقَابِلُ لِنِيَّةِ التَّخْصِيصِ شيئا غير مَلْفُوظٍ وَهَذَا هو الْقِسْمُ الثَّانِي وهو إنْ جَازَ عَقْلًا لَكِنَّهُ بَاطِلٌ شَرْعًا لِأَنَّ إضَافَةَ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ إلَى الْخُبْزِ تَارَةً وَإِلَى غَيْرِهِ أُخْرَى إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لها بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ فيه وَإِضَافَتُهَا إلَى هذا الْيَوْمِ وَذَاكَ وَهَذَا الْمَوْضِعِ وَذَاكَ إضَافَاتٌ عَارِضَةٌ لها بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ فيه ثُمَّ أَجْمَعْنَا على أَنَّهُ لو نَوَى التَّخْصِيصَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لم يَصِحَّ فَكَذَا التَّخْصِيصُ بِالْمَفْعُولِ بِهِ وَالْجَامِعُ رِعَايَةُ الِاحْتِيَاطِ في تَعْظِيمِ التَّمْيِيزِ هذا كَلَامُهُ وَالنَّظَرُ الدَّقِيقُ إنَّمَا هو لِأَصْحَابِنَا وما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مَدْخُولٌ وَقَوْلُهُ الْأَكْلُ مَاهِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّعَدُّدَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ مع قَرِينَةِ دُخُولِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ له على التَّعَدُّدِ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَلْفُوظَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَغَيْرُ الْمَلْفُوظِ يَقْبَلُهُ وَأُجِيبَ عَمَّا ذَكَرَهُ من الْقِيَاسِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْمَنْعِ فإنه يَجُوزُ تَخْصِيصُ النِّيَّةِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ كما يَجُوزُ بِالْمَأْكُولِ الْمُعَيَّنِ بِلَا خِلَافٍ وقد نَصَّ الشَّافِعِيُّ على أَنَّهُ إذَا قال إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قال أَرَدْت شَهْرًا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُقْبَلُ منه بِلَا فَرْقٍ وَثَانِيهَا أَنَّ قِيَاسَ الْمَفْعُولِ بِهِ على الْمَفْعُولِ فيه ظَاهِرُ التَّعَسُّفِ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ من مُقَوِّمَاتِ الْفِعْلِ في الْوُجُودِ لِأَنَّ أَكْلًا بِلَا مَأْكُولٍ مُحَالٌ وَكَذَا في الذِّهْنِ فَهْمُ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ دُونَ الْمَأْكُولِ مُسْتَحِيلٌ فَإِلْزَامُ الْأَكْلِ لِلْمَأْكُولِ وَاضِحٌ وَأَمَّا الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَلَيْسَا من لَوَازِمِ مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ وَلَا من مُقَوِّمَاتِهِ بَلْ هُمَا من لَوَازِمِ الْفَاعِلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَلَالَةَ الْفِعْلِ على الْمَفْعُولِ بِهِ أَقْوَى من دَلَالَتِهِ على الْمَفْعُولِ فيه وقال محمد بن يحيى في تَعْلِيقِهِ الْخِلَافُ الْمَفْهُومُ من اللَّفْظِ مُنْحَصِرٌ في ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ما وُضِعَ له اللَّفْظُ كَاسْمِ الْبَيْتِ لِلْبَيْتِ وما دَلَّ عليه اللَّفْظُ وما تَضَمَّنَهُ كَدَلَالَةِ اسْمِ الْبَيْتِ على السَّقْفِ وَالْحَائِطِ وما لَزِمَهُ لِضَرُورَةِ الْوُجُودِ كَكَوْنِهِ ذَا ظِلٍّ وَاقِعٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

فَمِثَالُ الْأَوَّلِ دَلَالَةُ لَفْظِ الْأَيْمَانِ على مَعْنَاهُ وَمِثَالُ الثَّانِي دَلَالَةُ الطَّلَاقِ على الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلِّقَةِ وَمِثَالُ الثَّالِثِ دَلَالَتُهُ على زَمَانِ الطَّلَاقِ وَمَكَانِ الْمُطَلِّقِ أَمَّا الْمَوْضُوعُ فَيَحْتَمِلُ النِّيَّةَ بِالْإِجْمَاعِ كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ إذَا نَوَى بِهِ مُسَمَّيَاتِهِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَلَا يَحْتَمِلُهَا كما إذَا نَوَى زَمَانَ الطَّلَاقِ وَمَكَانَهُ وَأَمَّا الْمَدْلُولُ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ في أَنَّ من قال وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَنَوَى بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ هل يُخَصُّ بِهِ يَمِينُهُ فإن الْمَأْكُولَاتِ التي يَتَعَلَّقُ بها الْأَكْلُ كَثِيرَةٌ وَغَيْرُ مَلْفُوظَةٍ وَضْعًا وَهَلْ يَقُومُ عُمُومُ الْمَدْلُولِ مَقَامَ عُمُومِ اللَّفْظِ حتى يَحْتَمِلَ التَّخْصِيصَ بِنِيَّتِهِ اخْتَلَفُوا فيه مع اتِّفَاقِهِمْ على أَنَّ تَعْيِينَ زَمَانِ الْأَكْلِ لَغْوٌ في نِيَّتِهِ وَالصَّحِيحُ إلْحَاقُ الْمَدْلُولِ بِالْمَوْضُوعِ فإنه مُرَادُ اللَّافِظِ بِلَفْظِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه بِنِيَّتِهِ بِخِلَافِ ما ذَكَرُوهُ من الْمُقْتَضَى فَإِنَّمَا يُضْمَرُ لِضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْكَلَامِ أو صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ وَلَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ عليه تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ ما حَكَيْنَاهُ عن أبي حَنِيفَةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ هو الْمَشْهُورُ وَلِهَذَا قالوا لو قال إنْ تَزَوَّجْت أو أَكَلْت أو شَرِبْت أو سَكَنْت أو لَبِسْت أو اغْتَسَلْت وَنَوَى شيئا دُونَ شَيْءٍ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ في الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ لَا عُمُومَ له قال السُّرُوجِيُّ قد قال أَصْحَابُنَا في تَخْصِيصِ الْفِعْلِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا قال لها طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وإذا قال إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ صُدِّقَ وإذا قال إنْ سَاكَنْتُك في هذه الدَّارِ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ في بَيْتٍ منها غير مُعَيِّنٍ صُدِّقَ وإذا قال إنْ اشْتَرَيْت وَنَوَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ صُدِّقَ قال وَوَجْهُ خُرُوجِ هذه الْمَسَائِلِ عن هذا الْأَصْلِ أَنَّ في قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك الْمَصْدَرُ فيه مَحْذُوفٌ أَيْ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ وَالْمَحْذُوفُ له عُمُومٌ لِأَنَّهُ من بَابِ اللُّغَةِ لَا من بَابِ الضَّرُورَةِ وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ إدْخَالِ الْمَصْدَرِ في الْوُجُودِ لِأَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ الْفِعْلِ من الْفَاعِلِ الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وهو فِعْلٌ فيه طَلَبُ الْمَصْدَرِ وَإِدْخَالُهُ في الْوُجُودِ فَكَانَ أَدَلَّ على الْمَصْدَرِ من مُجَرَّدِ الْفِعْلِ كَالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ قال وَبِالتَّخْرِيجِ الثَّانِي أَجَبْت قَاضِيَ الْقُضَاةِ تَقِيَّ الدِّينِ بن رَزِينٍ الشَّافِعِيَّ لَمَّا سَأَلَنِي عن الْفَرْقِ بين طَلَّقْتُك وَطَلِّقِي نَفْسَك وَأَمَّا الْجَوَابُ عن قَوْلِهِ إنْ خَرَجْتُ أَنَّ بهذا الْفِعْلِ شُيُوعًا يُقَالُ خَرَجَ فُلَانٌ إلَى السَّفَرِ وَخَرَجَ من بَيْتِهِ وَدَارِهِ من غَيْرِ سَفَرٍ فَكَانَ السَّفَرُ يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ في الْمَسْجِدِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُسَاكَنَةِ فَالْمُفَاعَلَةُ تَقَعُ من اثْنَيْنِ في

الدَّارِ وَهِيَ في بَيْتٍ منها أَكْمَلُ فَقَدْ نَوَى النَّوْعَ الْكَامِلَ فَيُصَدَّقُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ فَالشِّرَاءُ أَصَالَةً هو الْأَصْلُ فَكَانَ أَقْوَى فَجَازَ تَخْصِيصُهُ من اشْتَرَيْت وَنَظِيرُهُ عن مُحَمَّدٍ لَا يَتَزَوَّجُ وَنَوَى عَرَبِيَّةً أو حَبَشِيَّةً دِينَ في الْجِنْسِ وَلَوْ نَوَى كُوفِيَّةً أو بَصْرِيَّةً لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْمَكَانِ قَلَّمَا يُعْتَبَرُ الثَّانِي أَنَّ الْغَزَالِيَّ حَكَى عن الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ رَدُّوا هذه الْمَسْأَلَةَ إلَى أنها من قَبِيلِ الْمُقْتَضَى وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ له في تَقْدِيرِ ما يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ فَكَذَلِكَ هذه كما أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ يَسْتَدْعِي مُقَدَّرًا لِيَصِحَّ بِهِ الْكَلَامُ ثُمَّ رَدَّ الْغَزَالِيُّ هذا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا من جِهَةِ أَنَّ الْمَصْدَرَ في الْمُقْتَضَى إنَّمَا هو لِيَتِمَّ الْكَلَامُ بِهِ وَيَكُونَ مُفِيدًا وَلَا كَذَلِكَ الْمَفْعُولُ فإن الْفِعْلَ يَدُلُّ عليه بِصِيغَتِهِ وَوَضْعِهِ فَالْأَكْلُ يَدُلُّ على الْمَأْكُولِ وَهَذَا صَحِيحٌ أَعْنِي دَلَالَةَ الْمَصْدَرِ على الْمَأْكُولِ مُطْلَقًا لَكِنْ من جِهَةِ مُقْتَضَاهُ لَا من جِهَةِ صِيغَتِهِ وَقَوْلُهُ إنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ يَدُلُّ على الْمَفْعُولِ بِصِيغَتِهِ وَوَضْعِهِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ قال النَّحْوِيُّونَ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا الْمُتَعَدِّيَةُ وَغَيْرُهَا تَدُلُّ على الْمَصْدَرِ وَالْفَاعِلِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَالِ وَالْمَفْعُولِ من أَجْلِهِ وَغَيْرِ ذلك وَتَدُلُّ الْمُتَعَدِّيَةُ على الْمَفْعُولِ بِهِ لَكِنَّ دَلَالَتَهَا على الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ فَدَلَالَتُهَا على الْمَصْدَرِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ دَلَالَةٌ بِالْوَضْعِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ على الْمَصْدَرِ بِلَفْظِهَا وَعَلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ بِصِيغَتِهَا وَدَلَالَتُهَا على الْبَاقِي بِالْمُقْتَضَى لَا بِالْوَضْعِ ثُمَّ إنْ دَلَّتْ على الْمَصْدَرِ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عليه مُطْلَقًا كَدَلَالَةِ أَكَلَ وَيَأْكُلُ على الْأَكْلِ وَلَا تَدُلُّ على أَنْوَاعِ الْأَكْلِ كَالْخَضْمِ وَالْقَضْمِ وَلَا يَدُلُّ على أَشْخَاصِ أَنْوَاعِهِ كَخَضْمِ زَيْدٍ وَقَضْمِ عَمْرٍو فَدَلَالَتُهَا على الْمَصْدَرِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى تَفَاصِيلِهِ مُجْمَلٌ وَلِذَلِكَ تَدُلُّ بِصِيغَتِهَا على الزَّمَانِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُطْلَقًا كَدَلَالَةِ أَكَلَ على الْمَاضِي وَلَا يَدُلُّ على أَمْسِ الْمُعَيَّنِ وَعَامِ أَوَّلٍ وَدَلَالَةُ يَأْكُلُ على الْمُضَارِعِ وَلَا يَدُلُّ على الْيَوْمِ وَغَدًا فَدَلَالَتُهَا على الْمَاضِي الْمُطْلَقِ أو الْمُضَارِعِ الْمُطْلَقِ نَصٌّ وَدَلَالَتُهَا على أَجْزَاءِ كُلٍّ منها مُجْمَلٌ وقد أُورِدَ على الْحَنَفِيَّةِ مَوَاقِفَهُمْ على نِيَّةِ التَّخْصِيصِ فِيمَا لو صَرَّحَ بِالْمَصْدَرِ فقال لَا آكُلُ أَكْلًا فَالْفِعْلُ دَالٌّ عليه فَلَا فَرْقَ بين التَّصْرِيحِ بِهِ وَعَدَمِهِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمَصْدَرَ الثَّابِتَ لُغَةٌ في قَوْلِهِ لَا آكُلُ هو الدَّالُّ على الْمَاهِيَّةِ لَا على الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ لَا آكُلُ أَكْلًا فإنه نَكِرَةٌ في مَوْضِعِ الْعُمُومِ فَيَجُوزُ

تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ وَيُرَدُّ عليه بِأَنَّهُمْ حَنَّثُوهُ بِكُلِّ أَكْلٍ فِيمَا إذَا لم يُصَرِّحْ بِالْمَصْدَرِ وَلَوْ لم يَكُنْ عَامًّا لَمَا تَوَجَّهَ ذلك وَغَايَةُ ما قالوا في تَوْجِيهِهِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا آكُلُ مَعْنَاهُ لَا أُوجِدُ مَاهِيَّةَ الْآكِلِ وهو يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ فَرْدٍ من أَفْرَادِهِ وقد اعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ على فَرْقِ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ مَنْعَ عُمُومِ الْمُقْتَضَى لِأَجْلِ أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ يَتِمُّ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ فَيَقْتَصِرُ عليه وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا عُمُومَ وَهَكَذَا يُقَالُ في هذه الْمَفَاعِيلِ وَهَذَا لَا يَجِيءُ على طَرِيقَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ من دَلَالَتِهِ على مَفْعُولٍ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ هو بِنَاءٌ على أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ له وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فَوَائِدُ الْكَلَامُ الْمُطْلَقُ إذَا نُوِيَ بِهِ مُقَيَّدٌ كَالْكَلَامِ في الْعَامِّ إذَا نُوِيَ بِهِ الْخَاصُّ وقد رَدَّهُ الْقَرَافِيُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ إلَى الْمُطْلَقِ بِنَاءً على قَاعِدَتِهِ أَنَّ الْعَامَّ في الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ في الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمْكِنَةِ قال فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مع الْحَنَفِيَّةِ في أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ هل يَجُوزُ في غَيْرِ الْمَلْفُوظِ أَيْ فِيمَا دَلَّ عليه الْتِزَامًا أَمْ لَا وقد سَبَقَ رَدُّ هذه الْقَاعِدَةِ مَسْأَلَةٌ إفَادَةُ الْمَصْدَرِ الْعُمُومَ قِيلَ إنَّ مُجَرَّدَ الْمَصْدَرِ يَدُلُّ على اسْتِيعَابِ الْأَفْرَادِ وَحَكَاهُ في الْمَحْصُولِ في الْكَلَامِ على أَنَّ الْمَجَازَ غَالِبٌ في اللُّغَاتِ عن ابْنِ جِنِّي وهو بَعِيدٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاحِيَّةِ كما سَيَأْتِي نَظِيرُهُ في الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْعِرُ بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ قال من قال إنَّهُ مُشْتَرِكٌ بين الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَقَدْ زَلَّ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ من الْفِعْلِ على رَأْيٍ أو الْفِعْلُ منه على آخَرَ وَيَسْتَحِيلُ تَخَيُّلُ الْعُمُومِ في الْفِعْلِ وَلَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةُ عُمُومٍ فَالْعُمُومُ منها لَا منه كما لو اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ وَأَوْرَدَ أَنَّ وَصْفَهُ بِالْكَثْرَةِ نَحْوُ ضَرْبًا كَثِيرًا يَقْتَضِي أنها أَحَدُ مَحْمَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أنها أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَوْصُوفُ لَا يُشْعِرُ بِالصِّفَةِ وقال الْمَازِرِيُّ أَمَّا كَوْنُهُ غير مُشْعِرٍ بِالْجَمْعِ فَمُتَّفَقٌ عليه وَأَمَّا كَوْنُهُ صَالِحًا لِلْإِشْعَارِ فَمُخْتَلَفٌ فيه وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْعِرٍ بِوَاحِدٍ أو جَمْعٍ وَتَمَسَّكَ بِاعْتِذَارِ سِيبَوَيْهِ عن قَوْلِهِمْ ضَرَبْته ضَرْبًا كَثِيرًا نَعْتٌ لِلضَّرْبِ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ في الضَّرْبِ التَّعَدُّدُ وَالْمَنْعُوتُ لَا

يُشْعِرُ بِنَعْتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ رَأَيْت رَجُلًا عَالِمًا فإن لَفْظَةَ رَجُلٍ لَا تُشْعِرُ بِعَالَمٍ وَأَنْكَرَ عليه ابن خَرُوفٍ ذلك وقال هذا لم يَقُلْهُ سِيبَوَيْهِ وَلَا هو مَذْهَبُهُ قُلْت وقال صَاحِبُ الْبَيَانِ من أَصْحَابِنَا إذَا قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أو أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ فإنه لَا يَقَعُ عليها إلَّا طَلْقَةٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَزِيدُ بِهِ الْكَلَامُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ ضَرَبْت زَيْدًا ضَرْبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ ما زَادَ على وَاحِدَةٍ فَيَقَعُ ما نَوَاهُ كما لو لم يَأْتِ بِالْمَصْدَرِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ إفَادَةُ الْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ صِلَةً لِمَوْصُولٍ حَرْفِيٍّ الْعُمُومَ ما أَطْلَقُوهُ من أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ على اسْتِغْرَاقِهِ في حَيِّزِ الْإِثْبَاتِ مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ نَكِرَةٌ وقد نَقَلَ الزَّجَّاجِيُّ في الْإِيضَاحِ إجْمَاعَ النَّحْوِيِّينَ على أَنَّ الْأَفْعَالَ نَكِرَاتٌ وَلِهَذَا امْتَنَعَ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِضَافَةِ وَلْيُتَفَطَّنَ لِفَائِدَةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ إنَّمَا هذا في غَيْرِ الْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ جُمْلَةً لِمَوْصُولٍ حَرْفِيٍّ أَمَّا الْمَذْكُورَاتُ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَعْجَبَنِي أَنْ قام زَيْدٌ فَمَعْنَاهُ قِيَامُهُ فَهُوَ اسْمٌ في الْمَعْنَى فَيَجْرِي على حُكْمِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُضَافِ وَهَذَا يَخْرُجُ من كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ وَالْبَيَانِيِّينَ

فَصْلٌ في ذِكْرِ مَرَاتِبِ الصِّيَغِ زَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ أَنَّ أَعْلَاهَا أَسْمَاءُ الشَّرْطِ وَالنَّكِرَةُ في النَّفْيِ وَادَّعَى الْقَطْعَ بِوَضْعِ ذلك الْعُمُومِ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ تَسْمِيَةٌ خَارِجَةٌ مَخْصُوصَةٌ رَأْسًا قال وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ ظَاهِرٌ فيه لَا نَصُّ وَكَلَامُ الْمَحْصُولِ وَأَتْبَاعِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ أَعْلَاهَا أَسْمَاءُ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ لِدَلَاتِهَا بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ وَعَكَسَ الْهِنْدِيُّ في بَابِ التَّرَاجِيحِ فَقَدَّمَ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ على الْكُلِّ فَحَصَّلَ ثَلَاثَةَ آرَاءٍ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ أَلْفَاظُ الْجُمُوعِ أَبْيَنُ وُجُوهِ الْعُمُومِ ثُمَّ يَلِيهَا اسْمُ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِضَافَةَ دُونَ ذلك في الرُّتْبَةِ وَعَكَسَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ هذه الْمَقَالَةَ في تَفْسِيرِهِ فَزَعَمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَدَلُّ على الْعُمُومِ من الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالنَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ أَدَلُّ على الْعُمُومِ منها في سِيَاقِ النَّفْيِ وَاَلَّتِي بِمِنْ أَدَلُّ من الْمُجَرَّدَةِ منها وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ أبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ إنَّ مَجِيءَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مُعَرَّفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَكْثَرُ من مَجِيئِهَا مُضَافَةً وقال إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ في التَّلْوِيحِ أَلْفَاظُ الْعُمُومِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا عَامٌّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ كَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالثَّانِي عَامٌّ بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ كَالرَّهْطِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِهَا من أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وَالثَّالِثُ أَلْفَاظٌ مُبْهَمَةٌ نَحْوُ ما وَمَنْ وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ وَاحِدٍ وَالرَّابِعُ النَّكِرَةُ في سِيَاقِ النَّفْيِ نَحْوُ لم أَرَ رَجُلًا وَذَلِكَ يَعُمُّ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَتَحْقِيقِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ من الْإِفْهَامِ لَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بِصِيغَتِهِ فَالْعُمُومُ فيه من الْقَرِينَةِ فَلِهَذَا لم يَخْتَلِفُوا فيه انْتَهَى وقال إلْكِيَا في مَوْضِعٍ آخَرَ الْعَامُّ الذي لم يَرِدْ على سَبَبٍ أَقْوَى من الْوَارِدِ وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا في التَّمَسُّكِ بِعُمُومِهِ دُونَ الْأَوَّلِ وقال الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْبَاحِثِينَ لَا الْمُصَنِّفِينَ في مَنْعِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْعُمُومِ نَظَرًا إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ وَضْعِيَّةٌ وَلَا تَفَاوُتَ في الْوَضْعِ وَتَنَاوُلَهُ لِلْأَفْرَادِ

وقد صَرَّحَ في الْمُسْتَصْفَى بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْعُمُومِ في تَنَاوُلِهَا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ لَكِنْ هذا التَّفَاوُتُ ليس من جِهَةِ الْوَضْعِ وَإِنَّمَا هو لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عنه وَالْعُمُومُ يَضْعُفُ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ فيه قَصْدُ التَّعْمِيمِ وَسِرُّ ذلك بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَخْرَجُ منه وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَثَّلَهُ بِأَصْلِ دَلَالَةِ الْبَيْعِ فإن دَلَالَةَ قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ على تَحْرِيمِ الْأَرُزِّ أَظْهَرُ من دَلَالَةِ هذا الْعُمُومِ على تَحْلِيلِهِ وَلِهَذَا جَوَّزَ عِيسَى بن أَبَانَ دُونَ ما بَقِيَ على الْعُمُومِ قال وَلَا يَبْعُدُ ذلك عِنْدَنَا فِيمَا بَقِيَ عَامًّا لِأَنَّا لَا نَشُكُّ في أَنَّ الْعُمُومَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ تَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ لِاخْتِلَافِ ظُهُورِ إرَادَةِ قَصْدِ ذلك الْمُسَمَّى بها فإذا تَقَابَلَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَقْوَى الْعُمُومَيْنِ وَكَذَا الْقِيَاسَانِ إذَا تَقَابَلَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَجْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قال الشَّيْخُ أَمَّا ظُهُورُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ فَلَا شَكَّ في اقْتِضَائِهِ الْقُوَّةَ لَكِنْ قد يُقَالُ هل الْمُعْتَبَرُ في الضَّعْفِ عَدَمُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ أو قَصْدُ عَدَمِ التَّعْمِيمِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُسْتَصْفَى الْأَوَّلُ ثُمَّ ذلك إنَّمَا يَكُونُ بِقَرَائِنَ خَارِجَةٍ عن مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَسَّمُوا الْمَرَاتِبَ على ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الرَّسُولَ عليه السَّلَامُ لم يَقْصِدْ التَّعْمِيمَ وَإِنْ كان اللَّفْظُ عَامًّا لُغَةً كَقَوْلِهِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فإن سِيَاقَهُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ فَهَذَا لَا عُمُومَ له في قَصْدِهِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى وَثِيَابَك فَطَهِّرْ لَا عُمُومَ له في الْآلَةِ الْمُطَهِّرَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَمْرُ بِأَصْلِ التَّطْهِيرِ الثَّانِي لَفْظٌ عَامٌّ ظَهَرَ منه قَصْدُ التَّعْمِيمِ بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ على اللَّفْظِ فَحَكَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَوَّلُ بِقِيَاسٍ قال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كانت الْقَرِينَةُ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالتَّعْمِيمِ صَارَ نَصًّا وَإِنْ لم يُفِدْهُ إلَّا قُوَّةَ الظَّنِّ فما الْمَانِعُ من تَأْوِيلِهِ بِقِيَاسٍ أَجْلَى منه في النَّظَرِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْإِطْلَاقِ الثَّالِثُ لَفْظٌ عَامٌّ لُغَةً وَلَا قَرِينَةَ معه في تَعْمِيمٍ وَلَا تَقْتَضِيهِ فَالْوَاجِبُ إذَا أُوِّلَ وَعُضِّدَ بِقِيَاسٍ اتِّبَاعُ الْأَرْجَحِ في الظَّنِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا وَقَفَ عِنْدَ الْقَاضِي وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدَّمَ الْإِمَامُ الْخَبَرَ لِنَصِّيَّتِهِ وهو كَقَوْلِهِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ انْتَهَى

وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يقول إنَّهُ لو قُدِّمَ ظَنِّيُّ الْقِيَاسِ على ظَنِّيِّ اللَّفْظِ لَكَانَ تَقْدِيمًا لِمَرْتَبَةِ الْقِيَاسِ على مَرْتَبَةِ الْخَبَرِ وإذا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَقْدِيمِ الْأَرْجَحِ في الظَّنِّ فَقِيَاسُ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ بِهِ فَيُقَدَّمُ عليه الْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَى رُتْبَتِهِ وَرُتْبَتُهُ الْعُمُومُ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْجُزْئِيَّاتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْقِيَاسُ الشَّبَهِيُّ إلَّا عِنْدَ ضَعْفِ الْعُمُومِ ضَعْفًا شَدِيدًا بِحَيْثُ يَكُونُ قِيَاسُ الشَّبَهِ أَغْلَبَ على الظَّنِّ منه فَإِنَّا رَأَيْنَاهُمْ يَسْتَدِلُّونَ بِعُمُومَاتٍ وَنُصُوصٍ بَعِيدَةِ التَّنَاوُلِ في الْقَصْدِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ بِظُهُورِ الْقَصْدِ وَأَمَّا قِيَاسُ الْعِلَّةِ فَهُوَ أَرْفَعُ من الشَّبَهِ وَأَمَّا ما ليس فيه إلَّا مُجَرَّدُ مُنَاسَبَةٍ يُبْدِيهَا النَّظَرُ لَا تَقْوَى بِالتَّعْلِيلِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْعُمُومِ وَالظَّاهِرُ عليها لَا سِيَّمَا إذَا قَرُبَ أَنْ يُزَاحِمَ وكان تَرْجِيحُهَا على ما يُعَامَلُ بِهِ ليس بِقَوِيٍّ مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَرِجَالٍ فيه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في اللُّمَعِ وَسُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَامٌّ وَنَصَرَهُ ابن حَزْمٍ في كِتَابِ الْإِحْكَامِ وَحَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ عن الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ منه قال صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ حَكَاهُ الْقَاضِي عبد الْجَبَّارِ عن أبي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَحُكِيَ عن أبي هَاشِمٍ مُخَالَفَتُهُ وهو قَوْلُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْبَزْدَوِيُّ وابن السَّاعَاتِيِّ وَأَصَحُّهُمَا كما قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ ليس بِعَامٍّ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ سَمَّوْهُ نَكِرَةً وَلَوْ تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْجِنْسِ لم يَكُنْ نَكِرَةً قال وَعَلَى هذا فِيمَا يُحْمَلُ عليه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا على أَقَلِّ الْجَمْعِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ عن أبي هَاشِمٍ وَالثَّانِي يُحْمَلُ على الْجَمْعِ وَلَا يُقْتَصَرُ على أَقَلِّهِ قال سُلَيْمٌ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ قال صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّكِرَةَ في سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ على طَرِيقِ الْبَدَلِ كما قالوا في خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمِنْهُمْ من حَكَى في الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا ليس بِعَامٍّ وَالثَّانِي عَامٌّ وهو رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قالوا الْعَامُّ ما انْتَظَمَ جَمْعًا من الْمُسَمَّيَاتِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا وهو قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ من الْحَنَفِيَّةِ وهو غَرِيبٌ

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا أَطْلَقُوا الْخِلَافَ قال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ الْخِلَافَ في غَيْرِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فيه بَعِيدٌ جِدًّا إذْ هو مُخَالِفٌ لِنَصِّهِمْ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا على أَنَّهُ لِلْعَشَرَةِ فما دُونَهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ انْتَهَى لَكِنْ حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عن الْجُبَّائِيُّ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ في مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَرَّفِ وَقَضِيَّةُ ذلك عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بين جُمُوعِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَزْدَوِيُّ أَعْنِي أَنَّ جُمُوعَ الْقِلَّةِ لِلْعُمُومِ وَإِنْ كانت مُنَكَّرَةً وَعَلَى هذا فَيُحْمَلُ على أَقَلِّ الْجَمْعِ الصَّالِحِ له لَكِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَهُمَا فقال في جَمْعِ الْقِلَّةِ الْمُنَكَّرِ يُحْمَلُ على الْمُتَيَقَّنِ وهو أَقَلُّ الْجَمْعِ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ يُحْمَلُ على الْعُمُومِ وَإِنْ كان نَكِرَةً وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ حَكَوْا عن الْجُبَّائِيُّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ من الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بين النَّحْوِيِّينَ فَمِنْهُمْ من جَوَّزَهُ لِأَنَّ النَّكِرَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بين مَحَالَّ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ على الْبَدَلِ فَحَسُنَ الِاسْتِثْنَاءُ من أَجْلِ عُمُومِ الْمَحَالِّ وَعَلَى هذا فَنَقُولُ جَاءَنِي رِجَالٌ إلَّا زَيْدٌ وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وهو الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ لَا تَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ من فَرْدٍ بِلَفْظِهَا فَيَكُونُ الْإِخْرَاجُ منها مُحَالًا وَلِهَذَا كانت في قَوْله تَعَالَى لو كان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا لِلْوَصْفِ لَا الِاسْتِثْنَاءِ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّهُمْ نَصُّوا على أَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ في الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ الثَّانِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ عَامٌّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِاعْتِبَارِ صَلَاحِيَّتِهِ لِأَفْرَادِ الْجُمُوعِ لَا اسْتِغْرَاقِ الْأَفْرَادِ مسألة ضمير الجمع كقوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقوله أنتم للمخاطبين وهم للغائبين فإنه ضمير يرجع إلى المذكورين أولا إن سبق ذكرهم وإلا رجع إلى المدلول الذي يجوز صرف الضمير إليه وإن كان في موضع الخطاب انصرف للمخاطبين

فالحاصل أن عمومه وخصوصه يتقدر بقدر ما يرجع إليه وفيه دقيقة لا تخفى وهي أن لا يدخله التخصيص لأنه موضوع للكناية عن المراد فإن كان المراد عاما كان حقيقة وإن كان خاصا كان حقيقة فلا يثبت التخصيص لأنه عبارة عن خروج بعض ما يتناوله اللفظ وهو لا يتناول إلا المراد لأنه موضوع للكناية عن المراد فلا يقبل التخصيص وممن ذكر أن الكناية تابعة للمكنى في العموم والخصوص الإمام في المحصول والهندي في النهاية وقال صاحب الكبريت الأحمر أما إذا قال افعلوا فذكر القاضي عبد الجبار في الدرس عن الشيخ أبي عبد الله البصري أنه يحمل على الاستغراق وقال أبو الحسين البصري الأولى أن يصرف إلى المخاطبين سواء كانوا ثلاثة أو أكثر وأطلق سليم في التقريب أن المطلقات لا عموم فيها لقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ولم يبين فيه ما هم أولى به وإنما يضمر فيه فلا يدعى فيه العموم ولا الخصوص وإنما يدعى في الألفاظ الظاهرة وكذلك الأعلام كزيد وعمرو لا عموم فيها انتهى مَسْأَلَةٌ قد ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ على أَقَلِّ الْجَمْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفِهِ وَالْخِلَافُ في أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ مَاذَا لَا بُدَّ من تَحْرِيرِهِ فَنَقُولُ ليس الْخِلَافُ في مَعْنَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُرَكَّبِ من الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَالْعَيْنِ كما قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ وَسُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ فإن ج م ع مَوْضُوعُهَا يَقْتَضِي ضَمَّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَذَلِكَ حَاصِلٌ في الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وما زَادَ بِلَا خِلَافٍ قال سُلَيْمٌ بَلْ قد يَقَعُ على الْوَاحِدِ كما يُقَالُ جَمَعْت الثَّوْبَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ في كِتَابِ التَّرْتِيبِ وَأَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ مَحَلُّ وِفَاقٍ فإنه قال لَفْظُ الْجَمْعِ في اللُّغَةِ له مَعْنَيَانِ الْجَمْعُ من حَيْثُ الْفِعْلُ الْمُشْتَقُّ منه الذي هو مَصْدَرُ جَمَعَ يَجْمَعُ جَمْعًا وَالْجَمْعُ الذي هو لَقَبٌ وهو اسْمٌ لِعَدَدٍ وُضِعَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَهَذَا اللَّقَبُ لِهَذَا الْعَدَدِ كَسَائِرِ الْأَلْقَابِ كَزَيْدٍ وَحِمَارٍ وَنَارٍ وقال وَبَعْضُ من لم يَهْتَدِ إلَى هذا الْفَرْقِ خَلَطَ الْبَابَ فَظَنَّ أَنَّ الْجَمْعَ الذي هو بِمَعْنَى اللَّقَبِ من جُمْلَةِ الْجَمْعِ الذي بِمَعْنَى الْفِعْلِ فقال إذَا كان الْجَمْعُ من الضَّمِّ

فَالْوَاحِدُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْوَاحِدِ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَثَبَتَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَخَالَفَ بهذا الْقَوْلِ جَمِيعَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَسَائِرَ من كان مثله من أَهْلِ الْعِلْمِ وقال إنَّ هذا الْمُخَالِفَ هو أبو بَكْرٍ الْقَفَّالُ وَفِيهِ نَظَرٌ فإن الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ حَكَى عن الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ قال في أُصُولِهِ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ اثْنَانِ وَلَيْسَ من مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا تَعْبِيرُ الِاثْنَيْنِ عن أَنْفُسِهِمَا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ نَحْوُ نَحْنُ فَعَلْنَا لِأَنَّ الْعَرَبَ لم تَضَعْ لِلْمُتَكَلِّمِ ضَمِيرَ التَّثْنِيَةِ كما وَضَعَتْ لِلْمُخَاطَبِ وَالْغَائِبِ وَلَيْسَ لِلِاثْنَيْنِ إذَا عَبَّرَا عن أَنْفُسِهِمَا بِمُضْمَرٍ إلَّا الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ ليس في مَدْلُولِ مِثْلِ قَوْلِهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَقَوْلِ الْقَائِلِ ضَرَبْت رُءُوسَ الرَّجُلَيْنِ وَقَطَعْت بُطُونَهُمَا بَلْ الْخِلَافُ في الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمْعِ سَوَاءٌ كانت لِلسَّلَامَةِ أو التَّكْسِيرِ كما قال إلْكِيَا نَحْوُ مُسْلِمِينَ وَرِجَالٍ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْخِلَافُ في أَقَلِّ الْجَمْعِ الذي تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ بِنَفْسِهَا أو بِعَلَامَةِ الْجَمْعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا فإنه جَعَلَ من صُوَرِ الْخِلَافِ لَفْظَ الناس وَفِيهِ مَذَاهِبُ الْمَذَاهِبُ في أَقَلِّ الْجَمْعِ الْأَوَّلُ أَنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ وهو الْمَرْوِيُّ عن عُمَرَ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَحَكَاهُ عبد الْوَهَّابِ عن الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قال الْبَاجِيُّ وهو قَوْلُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَحَكَاهُ هو وابن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عن مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ كان الْأَشْعَرِيُّ يَخْتَارُهُ وَيَنْصُرُهُ في الْمَجَالِسِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن الْقَاضِي أبي يُوسُفَ قال وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى انْعِقَادِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ فَجَعَلَ قَوْلَهُ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ مُتَنَاوِلًا اثْنَيْنِ وَأَنْكَرَ ذلك السَّرَخْسِيُّ كما سَيَأْتِي وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن أَهْلِ الظَّاهِرِ وَسُلَيْمٌ عن الْأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ وقال ابن حَزْمٍ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الظَّاهِرِ ثُمَّ أَجَازَ خِلَافَهُ وَحَكَاهُ ابن الدَّهَّانِ النَّحْوِيُّ في الْغُرَّةِ عن مُحَمَّدِ بن دَاوُد وَأَبِي يُوسُفَ وَالْخَلِيلِ وَنِفْطَوَيْهِ قال وَسَأَلَ سِيبَوَيْهِ الْخَلِيلَ عن ما أَحْسَنُ فقال الِاثْنَانِ جَمْعٌ وَعَنْ ثَعْلَبٍ

أَنَّ التَّثْنِيَةَ جَمْعٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وقد يُحْتَجُّ لِهَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قالوا يا مُوسَى اجْعَلْ لنا إلَهًا كما لهم آلِهَةٌ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا إلَهًا مع اللَّهِ ثُمَّ قالوا كما لهم آلِهَةٌ فَدَلَّ على أَنَّهُمْ إذَا صَارَ لهم إلَهَانِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ آلِهَةٍ الثَّانِي أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ قال عُثْمَانُ وابن عَبَّاسٍ وهو ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ في كِتَابِ الْعَدَدِ عن نَصِّ الشَّافِعِيِّ قال وهو مَشْهُورُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وقال إلْكِيَا هو مُخْتَارُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ ابن حَزْمٍ عن الشَّافِعِيِّ وَبِهِ يَأْخُذُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَرَأَيْت من حَكَى عنه اخْتِيَارَ الْأَوَّلِ وهو سَهْوٌ وَنَقَلَهُ عبد الْوَهَّابِ عن مَالِكٍ قال وَبِهِ أَجَابَ فِيمَنْ قال عَلَيَّ عُهُودُ اللَّهِ أنها ثَلَاثَةٌ وَلَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَنَحْوُهُ وَنَقَلَهُ أبو الْخَطَّابِ من الْحَنَابِلَةِ عن نَصِّ أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ عن أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَحَكَاهُ ابن الدَّهَّانِ عن جُمْهُورِ النُّحَاةِ وقال ابن خَرُوفٍ في شَرْحِ الْكِتَابِ إنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ قال وإذا كَانُوا لَا يُوقِعُونَ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ مَوْضِعَ الْقَلِيلِ وَلَا الْقَلِيلَ مَوْضِعَ الْكَثِيرِ إذَا كان لِلِاسْمِ جَمْعُ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُوقِعُوا على الِاثْنَيْنِ لَفْظَ الْجَمْعِ وقال الْأُسْتَاذُ أبو بَكْرِ بن طَاهِرٍ الِاثْنَانِ وَإِنْ كان جَمْعًا لَا يُعَبَّرُ عنهما بِذَلِكَ لِلَّبْسِ انْتَهَى وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَنِسْبَتُهُ على أَنَّ الْمُرَادَ أَقَلُّ الْجَمْعِ لِلْعَدَدِ قال فَأَمَّا الِاثْنَانِ فَجَمْعُهُمَا جَمْعُ اجْتِمَاعٍ لَا جَمْعُ عَدَدٍ وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في أُصُولِهِ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَلِهَذَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ أَقَلَّ ما يُعْطَى من الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ثَلَاثَةً وقال في الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ إنَّ أَقَلَّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَلِأَنَّ الْأَسْمَاءَ دَلَائِلُ على الْمُسَمَّيَاتِ وقد جَعَلُوا لِلْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى صِيغَةً فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلْجَمْعِ صِيغَةٌ خِلَافُهُمَا وقال الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ أَيْ أَقَلُّ جَمْعٍ وَمَنْ جَعَلَ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَيْنِ جَعَلَهُمَا أَقَلَّ الْعُمُومِ قال شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَنَصَّ عليه مُحَمَّدٌ في السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يقول إنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ على قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

فإن عِنْدَهُ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ ثَلَاثَةٌ وإذا قُلْنَا بهذا الْقَوْلِ فَهَلْ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ على اثْنَيْنِ على جِهَةِ الْمَجَازِ أَمْ لَا يَصِحُّ أَصْلًا فيه كَلَامٌ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَحَكَى ابن الْحَاجِبِ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ على اثْنَيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وفي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا ولم يَصِحَّ مَجَازًا من مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْكُلِّ عن الْبَعْضِ الثَّالِثُ الْوَقْفُ حَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ عن الْآمِدِيَّ وفي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْآمِدِيَّ فإنه قال في آخِرِ الْمَسْأَلَةِ وإذا عُرِفَ مَأْخَذُ الْجَمْعِ من الْجَانِبَيْنِ فَعَلَى النَّاظِرِ الِاجْتِهَادُ في التَّرْجِيحِ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ لَازِمٌ هذا كَلَامُهُ وَمُجَرَّدُ هذا لَا يَكْفِي في حِكَايَتِهِ مَذْهَبًا الرَّابِعُ أَنَّ أَقَلَّهُ وَاحِدٌ هَكَذَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَهُ من قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الرَّدَّ إلَى وَاحِدٍ ليس بِدَعًا وَلَكِنَّهُ أَبْعَدُ من الرَّدِّ إلَى اثْنَيْنِ كَأَنْ تَرَى امْرَأَةً تَبَرَّجَتْ لِرَجُلٍ فَتَقُولَ أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كان مُرَادُ الْإِمَامِ حَمْلُ ذلك بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كما نَقَلَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عنه فَهَذَا لَا نِزَاعَ فيه وَلَيْسَ الْكَلَامُ فيه وقد صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَيْضًا في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ فقال بَعْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ وقد يَسْتَوِي حُكْمُ التَّثْنِيَةِ وما دُونَهَا بِدَلِيلٍ كَالْمُخَاطِبِ لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ في قَوْله تَعَالَى رَبِّ ارْجِعُونِ وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ وقد تَقُولُ الْعَرَبُ لِلْوَاحِدِ افْعَلَا افْعَلُوا هذا كَلَامُهُ وهو ظَاهِرٌ في أَنَّهُ مَجَازٌ لِاشْتِرَاطِهِ الْقَرِينَةَ فيه وَكَذَلِكَ قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ وَذَكَرَ ابن فَارِسٍ في كِتَابِ فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْجَمْعِ وَإِرَادَةِ الْوَاحِدِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ وهو وَاحِدٌ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فلما جاء سُلَيْمَانَ وقال الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْله تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ الْمُرَادُ بِالْمُرْسَلِينَ نُوحٌ نَحْوُ قَوْلِك فُلَانٌ يَرْكَبُ الدَّوَابَّ وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ ذلك مَجَازٌ بِالِاتِّفَاقِ قال وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ أَتُكَلِّمِينَ الرِّجَالَ وَيُرِيدُ رَجُلًا وَاحِدًا فَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْجَمْعِ بَدَلًا عن لَفْظِ الْوَاحِدِ لِتَعَلُّقِ غَرَضِ الزَّوْجِ بِجِنْسِ الرِّجَالِ لَا أَنَّهُ عَنَى بِلَفْظِ الرَّجُلِ رَجُلًا وَاحِدًا قُلْت هذا صَحِيحٌ لِأَنَّ الرَّجُلَ لم يُطْلِقْ الرِّجَالَ على وَاحِدٍ بَلْ على جَمْعٍ لِظَنِّهِ أنها ما تَبَرَّجَتْ لِوَاحِدٍ إلَّا وقد تَبَرَّجَتْ لِغَيْرِهِ فَتَبَرُّجُهَا لِوَاحِدٍ سَبَبٌ لِلْإِطْلَاقِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِرِجَالٍ وَاحِدٌ

وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ حَكَى الِاتِّفَاقَ على أَنَّهُ مَجَازٌ قال لَكِنْ الْإِمَامُ أبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ خَالَفَ فيه وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَبْقَى في تَنَاوُلِهِ لِلْوَاحِدِ على الْحَقِيقَةِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ وهو سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ مُنَزِّلُ الذِّكْرَ فإذا ثَبَتَتْ الْعِبَارَةُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عن الْوَاحِدِ لم يُسْتَنْكَرْ حَمْلُ الْعُمُومِ الْمُخَصَّصِ على الْوَاحِدِ حَقِيقَةً قال الْمَازِرِيُّ وَهَذَا يُجَابُ عنه بِأَنَّ هذا نَوْعٌ آخَرُ من أَلْفَاظِ الْجُمُوعِ وَالْوَاحِدُ الْعَظِيمُ يُخْبِرُ عن نَفْسِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهَذَا مَنْصُوصٌ لِأَهْلِ اللِّسَانِ في مَقَامِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَجْرِي هذا في جَانِبِ الْعُمُومِ انْتَهَى وقال الْإِبْيَارِيُّ شَارِحُ الْبُرْهَانِ الذي عليه الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَى وَاحِدٍ لِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ وَلِهَذَا صَارَ الْمُعْظَمُ إلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ نُصُوصٌ في أَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ وما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ من أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فيه وقد قال هو إنَّهُ ليس من مُقْتَضَى الْجَمْعِ وَإِنَّمَا صَارَتْ رُؤْيَةُ الْوَاحِدِ سَبَبًا لِلتَّوْبِيخِ على التَّبَرُّجِ لِلْجِنْسِ وَلِهَذَا كانت صِيغَةُ الْجَمْعِ هُنَا أَحْسَنَ من الْإِفْرَادِ وَفَرَّقَ بين إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَمْعِ على الْوَاحِدِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْوَاحِدِ سَبَبًا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْجَمْعِ على الْحَقِيقَةِ وَأَقُولُ في تَحْرِيرِ مَقَالَةِ الْإِمَامِ إنَّ هَاهُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَمْلِ كَنَظِيرِهِ في مَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يُطْلِقَ الْمُتَكَلِّمُ لَفْظَ الْجَمْعِ وَيُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدَ وَهَذَا لَا مَنْعَ منه بِالِاتِّفَاقِ لَا سِيَّمَا إذَا كان مُعَظِّمًا نَفْسَهُ وَالثَّانِي أَنْ يُورِدَ لَفْظَ الْجَمْعِ هل يَصِحُّ من السَّامِعِ رَدُّهُ إلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا مَوْضِعُ كَلَامِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ كما قال الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ وَلِذَلِكَ صَارَ الْمُعْظَمُ إلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ نَصٌّ في أَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا في أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أو ثَلَاثَةٌ وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُسَلَّمَةِ الرَّدِّ وَأَنَّهُ إنْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ صَحَّ الرَّدُّ إلَيْهَا وِفَاقًا وَإِنْ وُجِدَ اثْنَانِ انْبَنَى على الْخِلَافِ في أَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ وَإِنْ رُدَّ إلَى الْوَاحِدِ بَطَلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ بِانْتِهَاءِ اللَّفْظِ إلَى أَنْ بَطَلَ الْمُخَصَّصُ فِيمَا وَرَاءَ ذلك لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ في أَقَلِّ الْجَمْعِ فَحَمْلُهُ على ما دُونَ ذلك خُرُوجٌ عن حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَعَلَى هذا فَلَا يَحْسُنُ حِكَايَةُ قَوْلٍ في هذه الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ أَقَلَّهُ وَاحِدٌ لَكِنْ تَابَعْتُ ابْنَ الْحَاجِبِ على ما فيه

وقد جَعَلَ الْإِمَامُ الْمَرَاتِبَ في الرَّدِّ ثَلَاثَةً فإنه يَرَى أَنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ في الزِّيَادَةِ على الْوَاحِدِ لَا يَتَغَيَّرُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وهو نَصٌّ في الزِّيَادَةِ على الِاثْنَيْنِ لَا يَنْقُصُ عن ذلك إلَّا بِقَرِينَةٍ وَيَرَى أَنَّهُ ليس بِنَصٍّ في الزِّيَادَةِ على الثَّلَاثَةِ بِحَالٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ ظَاهِرًا في الزِّيَادَةِ فإذا دَلَّ الدَّلِيلُ على إرَادَةِ الظَّاهِرِ تُرِكَ ولم يَقْتَصِرْ على نَوْعٍ مَخْصُوصٍ كَسَائِرِ الظَّوَاهِرِ وقال إنَّ النَّاظِرَ في هذه الْمَسْأَلَةِ في أَوَّلِ مَرَّةٍ لَا يَظْهَرُ له مَقْصُودُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذلك سَبَبًا لِمَنْعِهِ من التَّكْمِيلِ فإن الْمَقْصُودَ منها يَظْهَرُ على التَّدْرِيجِ انْتَهَى وَتَحْرِيرُ هذا من النَّفَائِسِ التي لم يُسْبَقْ إلَيْهَا وقد حَكَى أَصْحَابُنَا فِيمَا لو وَصَّى لِأَقَارِبِهِ وَلَيْسَ له إلَّا قَرِيبٌ وَاحِدٌ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الْقَصْدَ جِهَةُ الْقَرَابَةِ وَالثَّانِي اعْتِبَارُ الْجَمْعِ من ثَلَاثَةٍ أو اثْنَيْنِ الْخَامِسُ التَّفْرِيقُ بين جَمْعِ الْكَثْرَةِ وَجَمْعِ الْقِلَّةِ وَالْخَامِسُ ما حَكَاهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ من التَّفْصِيلِ بين جَمْعِ الْكَثْرَةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ في الِاسْتِغْرَاقِ وَبَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ رُجُوعُهُ إلَى الِاثْنَيْنِ بِقَرِينَةٍ وَكَذَلِكَ إلَى الْوَاحِدِ وهو مَجَازٌ هذا كَلَامُهُ وَعَنْ ابْنِ عَرَبِي أَنَّهُ ذَكَرَ في الْفُتُوحَاتِ الْمَلَكِيَّةِ أَنَّهُ رَأَى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عن أَقَلِّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَمْ ثَلَاثَةٌ فقال عليه السَّلَامُ إنْ أَرَدْت أَقَلَّ جَمْعِ الْأَزْوَاجِ فَاثْنَانِ وَإِنْ أَرَدْت أَقَلَّ جَمْعِ الْإِفْرَادِ فَثَلَاثَةٌ تَنْبِيهَاتٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ في مَسْأَلَةِ أَقَلِّ الْجَمْعِ الْأَوَّلُ اسْتَشْكَلَ ابن الصَّائِغِ النَّحْوِيُّ وَالْقَرَافِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فقال ابن الصَّائِغِ في شَرْحِ الْجُمَلِ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ إنْ كان الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرَ الْمَعْنَوِيَّ فَلَا شَكَّ في أَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ لِأَنَّهُ ضَمُّ أَمْرٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ كان الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ لَفْظُ الْجَمْعِ فَهَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ فيه وَالْأَكْثَرُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَمْعِ على الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا وهو قَوْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَيَكْفِي فيه قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُثْمَانَ ليس الْإِخْوَةُ أَخَوَيْنِ بِلُغَةِ قَوْمِك وَمُوَافَقَةُ عُثْمَانَ له حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِغَيْرِ اللُّغَةِ

وَنَصَّ سِيبَوَيْهِ على أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عن الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ مع أَنَّ لِلتَّثْنِيَةِ لَفْظًا وَحَمَلَهُ عليه قَوْله تَعَالَى لَا تَخَفْ خَصْمَانِ لِأَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ لِدَاوُدَ عليه السَّلَامُ من اثْنَيْنِ وقَوْله تَعَالَى فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ وقال ابن خَرُوفٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ مَعَكُمْ لَهُمَا وَلِفِرْعَوْنَ وَبِهِ جَزَمَ ابن الْحَاجِبِ وقال السِّيرَافِيُّ في قَوْلِهِ في الْآيَةِ الْأُخْرَى إنَّنِي مَعَكُمَا يَدُلُّ على ما قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَأَيْضًا فَالْمَعْنَى وأنا مَعَكُمْ في النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُشْرِكَهُمَا فِرْعَوْنُ في ذلك وَأَمَّا الْقَرَافِيُّ فَأَطْنَبَ في إشْكَالِ هذه الْمَسْأَلَةِ وقال إنَّ له نَحْوًا من عِشْرِينَ سَنَةً يُورِدُهُ ولم يَتَحَصَّلْ عنه جَوَابٌ وهو أَنَّ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ لِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ الْخِلَافُ في صِيغَةِ الْجَمْعِ الذي هو ج م ع امْتَنَعَ إتْيَانُهُ في غَيْرِهَا بَلْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ مَجِيئِهِ فيه بَلْ الْخِلَافُ في مَدْلُولِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَدْلُولُهَا ما يُسَمَّى جَمْعًا وَصِيَغُ الْجُمُوعِ شَيْئَانِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَجَمْعُ كَثْرَةٍ وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ على أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مَوْضُوعٌ لِلْعَشَرَةِ فما دُونَهَا إلَى الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ على الْخِلَافِ وَجَمْعَ الْكَثْرَةِ مَوْضُوعٌ لِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ قال الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ وقد يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِالِاسْتِعَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنَى الْآخَرِ مَجَازًا فإن جَمْعَ الْكَثْرَةِ مَوْضُوعٌ لِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ فإذا اُسْتُعْمِلَ فِيمَا دُونَهَا كان مَجَازًا وَإِنْ كان الْخِلَافُ في جَمْعِ الْكَثْرَةِ لم يَسْتَقِمْ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ على هذا التَّقْدِيرِ أَحَدَ عَشَرَ وَإِطْلَاقُهُ على الثَّلَاثَةِ حِينَئِذٍ مَجَازٌ وَالْبَحْثُ في هذه الْمَسْأَلَةِ ليس في الْمَجَازِ فإن إطْلَاقَ لَفْظِ الْجَمْعِ على الِاثْنَيْنِ لَا خِلَافَ فيه إنَّمَا الْخِلَافُ في كَوْنِهِ حَقِيقَةً بَلْ لَا خِلَافَ في جَوَازِ إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَمْعِ وَإِرَادَةِ الْوَاحِدِ مَجَازًا فَكَيْفَ الِاثْنَانِ وَإِنْ كان الْخِلَافُ في جَمْعِ الْقِلَّةِ وهو الْمُتَّجَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْعَشَرَةِ فما دُونَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَقَلُّهُ اثْنَانِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هذا مُرَادَهُمْ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا تَمْثِيلَهُمْ في جُمُوعِ الْكَثْرَةِ فَدَلَّ على أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَعَمُّ من جَمْعِ الْقِلَّةِ وَغَيْرِهِ وقد حَكَى الْأَصْفَهَانِيُّ عنه هذا الْإِشْكَالَ ثُمَّ قال وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كان جَمْعَ قِلَّةٍ أو كَثْرَةٍ وَنَقُولُ جَمْعُ الْكَثْرَةِ يَصْدُقُ على ما دُونَ الْعَشَرَةِ حَقِيقَةً وَأَمَّا جَمْعُ الْقِلَّةِ فإنه لَا يَصْدُقُ على ما فَوْقَ الْعَشَرَةِ قال وَإِنْ سَاعَدَ على ذلك مَنْقُولُ الْأُدَبَاءِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَمَتَى خَالَفَ فَهُوَ

مَحْجُوجٌ بِالْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ الدَّالَّةِ على عُمُومِ الْجَمْعِ على الْإِطْلَاقِ وَلَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ إجْمَاعِهِمْ على خِلَافِ ذلك ا هـ وَيَقْدَحُ في ذلك نَقْلُ الْقَرَافِيِّ عن ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ جَمْعَ الْكَثْرَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إلَّا مُسْتَعَارًا وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ من تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ ما نَقَلَهُ إلْكِيَا عن إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وقد سَبَقَ لَكِنْ كَلَامُ إلْكِيَا يُخَالِفُهُ وَأَيْضًا فَقَدْ قال أَصْحَابُنَا لو قال له عَلَيَّ دَرَاهِمُ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِثَلَاثَةٍ مع أَنَّهُ جَمْعُ كَثْرَةٍ الثَّانِي أَنَّ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هو حَيْثُ قَامَتْ قَرِينَةٌ على أَنَّهُ لم يُرِدْ بِالْجَمْعِ الِاسْتِغْرَاقَ أَمَّا مُطْلَقُ الْكَلَامِ عِنْدَ الْمُعَمِّمِينَ فَحَقِيقَةٌ في الِاسْتِغْرَاقِ قَالَهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَهَذَا أَخَذَهُ من شَيْخِهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فإنه قال هذه الْمَسْأَلَةُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا إلَّا إذَا قَامَتْ الْمُخَصِّصَاتُ وَإِلَّا فَالْأَلْفَاظُ لِلْعُمُومِ عِنْدَ فُقْدَانِ أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ وَنَازَعَهُ الْإِبْيَارِيُّ وقال إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا على أَصْلِهِ وَلَا على أَصْلِ غَيْرِهِ أَمَّا أَصْلُهُ فإنه يَرَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ عِنْدَ التَّنْكِيرِ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ فإذا لم يُعْرَفْ أَقَلُّ الْجَمْعِ كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مُقْتَصِرَةٌ عليه وَكَذَلِكَ نَقُولُ في جَمْعِ الْقِلَّةِ وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ فَلَا بُدَّ إذَنْ من بَيَانِ أَقَلِّ الْجَمْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَإِلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ وَإِنْ عُرِفَ وَأَمَّا على رَأْيِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ مُفْتَقِرُونَ إلَى ذلك فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهَا وَذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ اللُّمَعِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في جَوَازِ الْكِنَايَةِ عن الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ هل هو حَقِيقَةٌ في الِاثْنَيْنِ أو مَجَازٌ على الْوَجْهَيْنِ الثَّالِثُ اسْتَثْنَى النَّحْوِيُّونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلثَّلَاثَةِ التَّعْبِيرَ عن عُضْوَيْنِ من جَسَدَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ نَحْوُ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ فإنه لو قِيلَ قَلْبَاكُمَا لَثَقُلَ اجْتِمَاعُ ما يَدُلُّ على التَّثْنِيَةِ فِيمَا هو كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مَرَّتَيْنِ وَشَرَطُوا أَنْ يَكُونَ ذلك الشَّيْءُ مُتَّصِلًا كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وقد سَبَقَ أَصْلُ هذا الِاسْتِثْنَاءِ في كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الرَّابِعُ قال الْقَاضِي الْمَسْأَلَةُ عِنْدِي من مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا من مَسَائِلِ الْقَطْعِ فَيَكْفِي فيها الظَّنِّيَّاتُ الْخَامِسُ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيمَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْفُقَرَاءِ أو لِجِيرَانِهِ وَكَانُوا غير مَحْصُورِينَ فَهَلْ يُفَرَّقُ على ثَلَاثَةٍ أو اثْنَيْنِ على هذا الْخِلَافِ

الثَّانِي أَنَّ من قال إنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ أَجَازَ تَخْصِيصَ الْجَمْعِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْبَاقِي منه بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَإِنْ كان الْبَاقِي منه بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَقَلَّ من ثَلَاثَةٍ كان ذلك نَسْخًا ولم يَكُنْ تَخْصِيصًا وَمَنْ قال أَقَلُّهُ اثْنَانِ أَجَازَ التَّخْصِيصَ فيه إلَى أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي اثْنَيْنِ وَلَا يَكُونُ ذلك نَسْخًا عِنْدَهُ فَإِنْ بَقِيَ منه وَاحِدٌ فَقَدْ صَارَ مَنْسُوخًا يَعْنِي على الْقَوْلَيْنِ وقد ذَكَرَ هَاتَيْنِ الْفَائِدَتَيْنِ أَيْضًا الْإِمَامُ في التَّلْخِيصِ والبرهان فقال في التَّلْخِيصِ فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمَالِهِ لِأَقَلِّ من يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمَسَاكِينِ هل يُصْرَفُ لِاثْنَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ وقال في الْبُرْهَانِ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ من آثَارِ هذا الْخِلَافِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قال لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أو أَوْصَى بِدَرَاهِمَ فَلَفْظُ الْمُقِرِّ وَالْمُوصِي مَحْمُولٌ على الْأَقَلِّ فَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ حُمِلَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ لم يُقْبَلْ التَّفْسِيرُ بِالِاثْنَيْنِ قال وَلَا أَرَى الْفُقَهَاءَ يَسْمَحُونَ بهذا وَلَا أَرَى لِلنِّزَاعِ في أَقَلِّ الْجَمْعِ مَعْنًى إلَّا ما ذَكَرْته انْتَهَى وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ في أُصُولِهِ الْفَائِدَةَ الثَّانِيَةَ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قال وَهَذِهِ فَائِدَةٌ مُزَيَّفَةٌ لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا مُجْمِعُونَ على جَوَازِ تَخْصِيصِ الْجَمْعِ وَالْعُمُومِ بِمَا هو دَلِيلٌ إلَى أَنْ يَبْقَى تَحْتَهُ وَاحِدٌ انْتَهَى وَلَعَلَّ هذه طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ تَنْفِي الْخِلَافَ وَإِلَّا فَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ مُصَرِّحٌ بِالْخِلَافِ وَإِنْكَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْفَائِدَةَ الْأُولَى لَا وَجْهَ له ثُمَّ اخْتَارَ في الْمَسْأَلَةِ بِنَاءَهَا على الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَرَأَى أَنَّ إفَادَةَ الْجُمُوعِ لِلتَّعْمِيمِ ثَابِتَةٌ على حَسَبِ اخْتِلَافِ طَبَقَاتِ الْعُمُومِ في قُوَّةِ الِاسْتِيعَابِ وَالْخُرُوجُ عن الْعُمُومِ إلَى قَصْرِهِ على الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ في حُكْمِ الْخِطَابِ وَدَلَالَتِهِ من قَصْرِهِ على الْمُحْتَمَلَاتِ فَاقْتَضَى هذا عِنْدَهُ طَلَبَ قُوَّةٍ في الْمُخْرِجِ له عن بَابِهِ وَتَقْدِيمَ ما هو الْأَرْجَحُ من غَيْرِ مَنْعٍ من الرَّدِّ إلَى الِاثْنَيْنِ السَّادِسُ وَقَعَ في عِبَارَةِ الشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا من كُتُبِ الْفِقْهِ أَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ ثَلَاثَةٌ وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْمُطْلَقِ نحو دَرَاهِمَ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ الْمُقَيَّدِ نَحْوُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أو تِسْعَةٍ أو ثَلَاثَةٍ فإنه جَمْعٌ وَلَيْسَ بِمُطْلَقٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُقَيِّدَهُ فَوَائِدُ ذَكَرَهَا الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ في أُصُولِهِ الْأُولَى اتَّفَقُوا على أَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يُحْمَلُ على ما هو أَكْثَرُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنْ كانت ظَوَاهِرُ وَرَدَتْ عليه في مَعْنَاهُ

الثَّانِيَةُ اخْتَلَفُوا في مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَقِيلَ إنَّ آحَادَهُ تُقَابِلُ آحَادَهُ وَقِيلَ بَلْ الْجَمْعُ الْجَمْعَ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الظَّاهِرُ مُوجِبًا تَحْرِيمَ كل من يَقَعُ عليه اسْمُ الْأُمُومَةِ على كل وَاحِدٍ وَالثَّانِي يُوجِبُ تَحْرِيمَ كل أُمٍّ على ابْنِهَا وَيُطْلَبُ في تَحْرِيمِهِ على غَيْرِهِ دَلِيلٌ يَخْتَصُّ بِهِ قال وَالظَّاهِرُ منه مُقَابَلَةُ الْوَاحِدِ بِالْوَاحِدِ كَقَوْلِهِمْ وَصَلَ الناس دُورَهُمْ وَحَصَدُوا زُرُوعَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ جَمْعُهُ في الْوَاحِدِ بِمَا عَدَاهُ من الْأَدِلَّةِ الثَّالِثَةُ اخْتَلَفُوا في الطَّائِفَةِ فَقِيلَ كَالْجَمْعِ مُطْلَقُهُ لِثَلَاثَةٍ وَقِيلَ لِلْجُزْءِ وَأَقَلُّهُ وَاحِدٌ ولم يُرَجِّحْ شيئا وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ نعم جَعَلَهَا الْأَصْحَابُ في بَابِ اللِّعَانِ أَرْبَعَةً فَقَالُوا يُغَلِّظُ الْحَاكِمُ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ من الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ذلك إنْ كان من مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ طَائِفَةً تُطْلَقُ على الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ وَإِنْ كان لِأَجْلِ أَنَّهُ زِنًا فَالْإِقْرَارُ بِهِ يَكْفِي فيه رَجُلَانِ على الصَّحِيحِ الرَّابِعَةُ الضَّمَائِرُ الرَّاجِعَةُ إلَى الظَّاهِرِ تُحْمَلُ على ما وُضِعَتْ له في الْأَصْلِ وَإِنْ كان الْمُتَقَدِّمُ عليها مُخَالِفًا ثُمَّ تَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ منها بِدَلِيلٍ على مُوَافَقَةِ صَاحِبِهِ كَقَوْلِهِمْ رَجُلَانِ قالوا وَرِجَالٌ قَالَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ قالوا على الْجَمْعِ وَرَجُلَانِ على التَّثْنِيَةِ في ظَاهِرِ الْكَلَامِ ثُمَّ يُطْلَبُ الدَّلِيلُ الذي يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُمَا فَإِنْ قام على أَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ على الْخَبَرِ حُمِلَ عليه وَإِنْ قام على أَنَّ الْخَبَرَ يُحْمَلُ على الْمُبْتَدَأِ صُيِّرَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ ضَمَائِرُ الْإِنَاثِ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ كَقَوْلِهِ رَجُلَانِ قَتَلَهُمْ أو رِجَالٌ قَتَلَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ أَصْلًا وَالْخَبَرُ مُرَكَّبًا عليه وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُرَادًا وَالِابْتِدَاءُ مَحْمُولٌ على ما يُوَافِقُهُ وَلَا يُغَيَّرُ أَحَدُهُمَا عَمَّا وُضِعَ له لِمُوَافَقَةِ صَاحِبِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ

فَصْلٌ في الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ وَيَشْتَمِلُ على مَسَائِلَ الْأُولَى الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا جَعَلْنَاهُ لِلْعُمُومِ فَالْعُمُومُ فيه من حَيْثُ الْمَعْنَى على أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا بُدَّ أَنْ تُفِيدَ التَّعْرِيفَ وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ إلَّا تَعْرِيفَ الْجِنْسِ وإذا قُلْنَا إنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ وَاحِدًا خَرَجَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عن كَوْنِهِمَا لِلْجِنْسِ ولم يَبْقَ لَهُمَا فَائِدَةٌ وإذا ثَبَتَ أَنَّهُمَا لِلْجِنْسِ ثَبَتَ الِاسْتِغْرَاقُ لِأَنَّهُ إذَا قال الْإِنْسَانُ أَفَادَ دُخُولَ كل من كان من جِنْسِ الْإِنْسَانِ في اللَّفْظِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا عَلَّقَ الشَّارِعُ حُكْمًا في وَاقِعَةٍ على عِلَّةٍ تَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِثْلُ حَرَّمْت السُّكَّرَ لِكَوْنِهِ حُلْوًا فَإِنْ قَطَعَ بِاسْتِقْلَالِهَا فَالْجُمْهُورُ على التَّعَدِّي قِيَاسًا وَشَذَّ من قال فيه يَتَعَدَّى بِاللَّفْظِ فَإِنْ لم يَقْطَعْ بَلْ كان ظَاهِرًا فيه كما في الْمُحْرِمِ الذي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَقَوْلُهُ عليه السَّلَامُ لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فإنه يُبْعَثُ يوم الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا فإن الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ فَاخْتَلَفُوا في أَنَّهُ يَعُمُّ أَمْ لَا فقال أبو حَنِيفَةَ لَا يَعُمُّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَ ذلك بِهَذِهِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ لَا لِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ أو لِأَنَّهُ عُلِمَ من نِيَّتِهِ إخْلَاصُهُ وَغَيْرُهُ لَا يُعْلَمُ منه ذلك وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَاهُ عن الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ هل عَمَّ بِالصِّيغَةِ أو بِالْقِيَاسِ على قَوْلَيْنِ مَحْكِيَّيْنِ عن

الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ بِالْقِيَاسِ قُلْت وَاَلَّذِي رَأَيْته في كِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي خِلَافَ ما نَقَلَ ابن الْحَاجِبِ عنه إذَا طُرِدَتْ الْعِلَّةُ ولم يُمْكِنْ احْتِمَالُ اخْتِصَاصِ الْعِلَّةِ بِصَاحِبِ الْوَاقِعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ خَاصَّةً بِهِ لم يَعُمَّ كَقَوْلِهِ لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فإنه يُبْعَثُ يوم الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا قال يُعَمَّمُ بِتَعْمِيمِ ذلك في كل مُحْرِمٍ وفي الحديث ما يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ فإنه عَلَّلَ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ في حَقِّ كل مُحْرِمٍ وَكَذَا حَكَاهُ عنه في الْمُسْتَصْفَى وقال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ يَعُمُّ لِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ حُكْمِي على الْوَاحِدِ حُكْمِي على الْجَمَاعَةِ وهو يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الصِّيغَةِ وَنُقِلَ ذلك عن الصَّيْرَفِيِّ أَيْضًا وَاَلَّذِي وَجَدْته في كِتَابِ الْأَعْلَامِ إطْلَاقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ في كل من وُجِدَتْ فيه تِلْكَ الْعِلَّةُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أبي حُبَيْشٍ وقد سَأَلَتْهُ عن الِاسْتِحَاضَةِ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ التي كُنْت تَحِيضِينَ فيها ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي قال فَلَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ بِذَلِكَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وهو الِاسْتِحَاضَةُ حَيْثُ وُجِدَتْ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّخْصِيصِ وَذَهَبَ حُذَّاقُ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ يَعُمُّ بِاللَّفْظِ لَا بِالْقِيَاسِ حتى إنَّهُمْ حَكَمُوا بِكَوْنِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ يُنْسَخُ بها كما يُنْسَخُ بِالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ مع مَنْعِهِمْ من النَّسْخِ بِالْقِيَاسِ ذَكَرَ هذا غَيْرُ وَاحِدٍ منهم الْقَاضِي أبو يَعْلَى وابن عَقِيلٍ وأبو الْخَطَّابِ وابن الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ تَنْبِيهٌ إذَا عَلَّقَ غَيْرُ الشَّارِعِ حُكْمًا في وَاقِعَةٍ على عِلَّةٍ هذا بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا غَيْرُهُ لو قال وَلَهُ عَبِيدٌ أَعْتَقْتُ هذا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ أَبْيَضُ فَلَا يُعْتَقُ الْبَاقُونَ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في تَعْلِيقِهِ في الْكَلَامِ على وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَفَرَّقَ بين وُقُوعِ الْعِلَّةِ في كَلَامِ الشَّارِعِ حَيْثُ تَعُمُّ وَبَيْنَ وُقُوعِهَا في كَلَامِ غَيْرِهِ فَلَا تَعُمُّ قال وَلِذَلِكَ إذَا قال الشَّارِعُ لَا تَأْكُلْ الرُّءُوسَ وَجَبَ أَنْ لَا يَأْكُلَ ما وَقَعَ عليه اسْمُ الرَّأْسِ وَلَوْ قال غَيْرُهُ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتَ الرُّءُوسَ

انْصَرَفَ ذلك إلَى الْمَعْهُودِ انْتَهَى وَهَكَذَا رَأَيْت الْجَزْمَ بِهِ في كِتَابِ الدَّلَائِلِ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَكَذَا الْغَزَالِيُّ في الْمُسْتَصْفَى في بَابِ الْقِيَاسِ فقال الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا غَانِمًا لِقَوْلِهِ أَعْتَقْتُ غَانِمًا لِسَوَادِهِ وَإِنْ نَوَى عِتْقَ السُّودَانِ لِأَنَّهُ بَقِيَ في حَقِّ غَيْرِ غَانِمٍ مُجَرَّدُ السَّوَادِ وَالْإِرَادَةُ فَلَا تُؤْثَرُ انْتَهَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ له مَاءً من عَطَشٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ طَعَامِهِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِ وَشُرْبِ الْمَاءِ من غَيْرِ عَطَشٍ وَإِنْ كان دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ تَقْتَضِيهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في الْعُمُومِ وَإِلَيْهِ صَارَ جَمَاعَةٌ من الْحَنَابِلَةِ فقال أبو الْخَطَّابِ لو قال لِوَكِيلِهِ أَعْتِقْ عَبْدِي لِأَنَّهُ أَسْوَدُ سَاغَ له أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ له أَسْوَدَ وقال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ بَدِيهَتِي تَقْتَضِي تَعْدِيَةَ الْعِتْقِ إلَى كل أَسْوَدَ من عَبِيدِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في بَابِ الْقِيَاسِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قال الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ في وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مع قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ في الْمَقَالِ وَعَلَيْهِ اُعْتُمِدَ في صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وفي الْإِسْلَامِ على أَكْثَرَ من أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذلك لِقَضِيَّةِ غَيْلَانَ حَيْثُ لم يَسْأَلْهُ عن كَيْفِيَّةِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ في الْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ فَكَانَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ دَالًّا على أَنَّهُ لَا فَرْقَ بين أَنْ تَقَعَ تِلْكَ الْعُقُودُ مَعًا أو على التَّرْتِيبِ وَاسْتَحْسَنَهُ منه محمد بن الْحَسَنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فيها أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ اللَّفْظَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ في جَمِيعِ مَحَامِلِ الْوَاقِعَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُجْمَلٌ فَيَبْقَى على الْوَقْفِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ ليس من أَقْسَامِ الْعُمُومِ بَلْ إنَّمَا يَكْفِي الْحُكْمُ فيه من حَالِهِ عليه السَّلَامُ لَا من دَلَالَةِ الْكَلَامِ وهو قَوْلُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ وَالرَّابِعُ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ أَنَّهُ يَعُمُّ إذَا لم يَعْلَمْ عليه السَّلَامُ تَفَاصِيلَ الْوَاقِعَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا يَعُمُّ وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ وَاعْتُرِضَ على ما قال بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عليه السَّلَامُ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْحَالِ في تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَلِأَجْلِ هذا حَكَى الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ في هذه الْقَاعِدَةِ فقال

حُكْمُ الشَّارِعِ الْمُطْلَقِ في وَاقِعَةٍ سُئِلَ عنها ولم تَقَعْ بَعْدُ عَامٌ في أَحْوَالِهَا وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَتْ ولم يَعْلَمْ الرَّسُولُ كَيْفَ وَقَعَتْ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا عُمُومَ وَإِنْ الْتَبَسَ هل عَلِمَ أَمْ لَا فَالْوَقْفُ وَأَجَابَ الشَّيْخُ عن الِاعْتِرَاضِ الْمُوجِبِ لِلْوَقْفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِالْحَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَيَعُودُ إلَى الْحَالَةِ التي لم تُعْلَمُ حَقِيقَةُ وُقُوعُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْقَطْعَ وَهَذَا الذي قُلْنَا لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَيَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ وَتَأَوَّلَ أبو حَنِيفَةَ الحديث على وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا فإن الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهُ وَأَجَابَ الْإِمَامُ أبو الْمُظَفَّرِ بن السَّمْعَانِيِّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَعْرِفَةِ بِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الْعَقْدِ من غَيْلَانَ وهو رَجُلٌ من ثَقِيفٍ وَفَدَ على النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَزَوْجَاتِهِ في نِهَايَةِ الْبَعْدُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي الْعُمُومَ في كل ما يَظْهَرُ فيه اسْتِفْهَامُ الْحَالِ وَيَظْهَرُ من الشَّارِعِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مُسْتَرْسِلًا على الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قُلْت وَلَا سِيَّمَا وَالْحَالُ حَالُ بَيَانٍ بِحُدُوثِ عَهْدِ غَيْلَانَ بِالْإِسْلَامِ على أَنَّهُ قد وَرَدَ ما يَدْفَعُ هذا التَّأْوِيلَ وهو ما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ عن عَمْرِو بن الْحَارِثِ عن نَوْفَلِ بن مُعَاوِيَةَ قال أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فقال فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا قال فَعُدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَقَعَ مُرَتَّبًا وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ وَأَجَابَ الْهِنْدِيُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ ليس مُرَادُ الشَّافِعِيِّ احْتِمَالَ لَفْظِ الْحِكَايَةِ لِتِلْكَ الْحَالَةِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَالِمٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِلسَّائِلِ إمَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْقَضِيَّةَ لم تَقَعْ على تِلْكَ الْحَالَةِ أو لِقَرِينَةٍ تَدُلُّ على أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ له بَلْ الْمُرَادُ منه احْتِمَالُ وُقُوعِ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ في تِلْكَ الْحَالَةِ عِنْدَ الْمَسْئُولِ مع احْتِمَالِ اللَّفْظِ إيَّاهَا وَعِنْدَ ذلك لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَسْقُطُ ما ذَكَرُوهُ من الِاحْتِمَالِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وقد وَافَقَنَا أَهْلُ الرَّأْيِ على هذا في غُرَّةِ جَنِينِ الْحُرَّةِ

لِأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَوْجَبَ فيه غُرَّةً عَبْدًا أو أَمَةً ولم يَسْأَلْ عنه هل كان ذَكَرًا أو أُنْثَى فلما تَرَكَ التَّفْصِيلَ فيه دَلَّ على التَّسْوِيَةِ فِيهِمَا انْتَهَى وَلِذَلِكَ اسْتَدَلُّوا لِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ في أَيَّامِ الْحَيْضِ لِلِاسْتِحَاضَةِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ التي كانت تَحِيضُهُنَّ من الشَّهْرِ فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ بِقَدْرِهَا قالوا فَأُطْلِقَ الْجَوَابُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ من غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ عن أَحْوَالِ الدَّمِ من سَوَادٍ وَحُمْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَدَلَّ هذا على اعْتِبَارِ الْعَادَةِ مُطْلَقًا وَتَقْدِيمِهِ على التَّمْيِيزِ وَأَصْحَابُنَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أبي حُبَيْشٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لها إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فإذا كان كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عن الصَّلَاةِ فَأُطْلِقَ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ من غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ لها هل هِيَ ذَاكِرَةٌ لِعَادَتِهَا أَمْ لَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وقد قَسَّمَ الْإِبْيَارِيُّ هذه إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا إنْ تَبَيَّنَ اطِّلَاعُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم على خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ فَلَا رَيْبَ في أنها لَا يَثْبُتُ فيها مُقْتَضَى الْعُمُومِ ثَانِيهَا أَنْ لَا يَثْبُتَ بِطَرِيقٍ ما اسْتِفْهَامُ كَيْفِيَّةِ الْقَضِيَّةِ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ وَالْحُكْمُ قد يَخْتَلِفُ بِحَسَبِهَا فَيُنَزَّلُ إطْلَاقُهُ الْجَوَابَ فيها مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ الذي يَعُمُّ تِلْكَ الْأَقْسَامَ لِأَنَّهُ لو كان الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ حتى يَثْبُتَ تَارَةً وَلَا يَثْبُتَ أُخْرَى لَمَا صَحَّ لِمَنْ الْتَبَسَ عليه الْحَالُ أَنْ يُطْلِقَ الْحُكْمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْحَالَةُ وَاقِعَةً على وَجْهٍ لَا يَسْتَقِرُّ مَعَهَا الْحُكْمُ فَلَا بُدَّ من التَّعْمِيمِ على هذا التَّقْدِيرِ بِالْإِضَافَةِ إلَى جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وفي كَلَامِهِ ما يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ على هذه الصُّورَةِ ثَالِثُهَا أَنْ يَسْأَلَ عن الْوَاقِعَةِ بِاعْتِبَارِ دُخُولِهَا الْوُجُودَ لَا بِاعْتِبَارِ وُقُوعِهَا كما إذَا سُئِلَ عَمَّنْ جَامَعَ في نَهَارِ رَمَضَانَ فيقول فيه كَذَا فَهَذَا يَقْتَضِي اسْتِرْسَالَ الْحُكْمِ على جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عنها على الْإِبْهَامِ ولم يُفَصِّلْ الْجَوَابَ كان عُمُومُهُ مُسْتَرْسِلًا على كل أَحْوَالِهِ رَابِعُهَا أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ الْمَسْئُولُ عنها حَاصِلَةً في الْوُجُودِ وَيُطْلَقُ السُّؤَالُ عنها فَيُجِيبُ أَيْضًا كَذَلِكَ فإن الِالْتِفَاتَ إلَى الْقَيْدِ الْوُجُودِيِّ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ على الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَالِالْتِفَاتُ إلَى الْإِطْلَاقِ في السُّؤَالِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ الْأَحْوَالِ في غَرَضِ الْمُجِيبِ فَالْتَفَتَ الشَّافِعِيُّ إلَى هذا الْوَجْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْإِرْشَادِ وَإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ

وَحُصُولِ تَمَامِ الْبَيَانِ وأبو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ لِأَنَّهَا لم تَقَعْ في الْوُجُودِ إلَّا خَاصَّةً فقال احْتِمَالُ عِلْمِ الشَّارِعِ بها يَمْنَعُ التَّعْمِيمَ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ إنَّ هذه الْقَاعِدَةَ مَقْصُورَةٌ بِمَا إذْ وُجِدَ اللَّفْظُ جَوَابًا عن السُّؤَالِ فَأَمَّا التَّقْرِيرُ عِنْدَ السُّؤَالِ فَهَلْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ حتى يَعُمَّ أَحْوَالَ السُّؤَالِ في الْجَوَابِ وَغَيْرِهِ لم يَتَعَرَّضُوا له وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَقْرَبُ تَنْزِيلُهُ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ وَلِإِقَامَةِ الْإِقْرَارِ مَقَامَ الْحُكْمِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ إذْ لَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ لِغَيْرِهِ على أَمْرٍ بَاطِلٍ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْقَوْلِ الْمُبِينِ لِلْحُكْمِ فَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ في الْعُمُومِ فَإِنْ قِيلَ التَّقْرِيرُ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ لَفْظِيَّةً وَالْعُمُومُ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَلِهَذَا قال الْغَزَالِيُّ لَا عُمُومَ لِلْمَفْهُومِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ لَيْسَتْ لَفْظِيَّةً فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ بِمَعْنَى شُمُولِ الْحُكْمِ لِلْأَحْوَالِ فَلَا يَجْعَلُهُ حَقِيقَةً في الْعُمُومِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ حَدِيثُ هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ فإن السَّائِلَ قال لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ من الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا الحديث فَاسْتَدَلَّ بِهِ على أَنَّ إعْدَادَ الْمَاءِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مع الْقُدْرَةِ عليه غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ الْقَلِيلَ من الْمَاءِ وهو كَالْعَامِّ في حَالَاتِ حَمْلِهِمْ بِالنِّسْبَةِ على الْقُدْرَةِ عليه وَالْعَجْزِ عنه لِضِيقِ مَرَاكِبِهِمْ وَغَيْرِ ذلك بِالنِّسْبَةِ إلَى ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ أَيْضًا وقد أَقَرَّهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ولم يُنْكِرْ عليه فَيَكُونُ ذلك دَالًّا على جَوَازِهِ في هذه الْأَحْوَالِ كما يَدُلُّ عليه اللَّفْظُ الْوَارِدُ في الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مع تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ مع قِيَامِ الِاحْتِمَالِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالِاحْتِمَالِ كَيْفَ كان مَرْجُوحًا وَغَيْرَهُ فَيَحْصُلُ التَّعْمِيمُ فيه وفي غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ لَا يَدْخُلُ وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ التَّصْوِيرُ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ وَالْمُتَسَاوِيَةِ في الْإِطْلَاقِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وقال جَدُّهُ الْمُقْتَرِحُ لم يُرِدْ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ مُطْلَقَ الِاحْتِمَالِ حتى يَنْدَرِجَ فيه التَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ وَإِنَّمَا يُرِيدُ احْتِمَالًا يُضَافُ إلَى أَمْرٍ وَاقِعٍ لِأَنَّهُ لو اُعْتُبِرَ التَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ

لَأَدَّى إلَى رَدِّ مُعْظَمِ الْوَقَائِعِ التي حَكَمَ فيها الشَّارِعُ إذْ ما من وَاقِعَةٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فيها تَجْوِيزٌ عَقْلِيٌّ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ في الْأُمِّ في مُنَاظَرَةٍ له قَلَّ شَيْءٌ إلَّا وَيَطْرُقُهُ الِاحْتِمَالُ وَلَكِنْ الْكَلَامُ على ظَاهِرِهِ حتى تَقُومَ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَأَبَانَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالٍ يُخَالِفُ ظَاهِرَةَ الْكَلَامِ وإذا ثَبَتَ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فَالْعُمُومُ يُتَمَسَّكُ بِهِ من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَإِمْكَانِ إرَادَتِهِ كَسَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ بَقِيَ أَنَّ احْتِمَالَ عِلْمِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في صُورَةِ الْحَالِ ما يَقْتَضِي خُرُوجَ الْجَوَابِ على ذلك هل يَكُونُ قَادِحًا في التَّعْمِيمِ قال الْإِمَامُ في الْمَحْصُولِ نعم وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ وهو الصَّوَابُ لِمَا ذَكَرْنَا من أَنَّ التَّمَسُّكَ بِلَفْظِهِ وَلَفْظُهُ مع تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ على الْعُمُومِ فَلَا يُعْدَلُ عنه بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ الثَّالِثُ أَنَّهُ قد اسْتَشْكَلَ هذه الْقَاعِدَةَ بِمَا نُقِلَ عن الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّ قَضَايَا الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بها الِاسْتِدْلَال قال الْقَرَافِيُّ سَأَلْتُ بَعْضَ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عن ذلك فقال يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ في الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ جَمَعَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ من الِاسْتِدْلَالِ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أو الْقَرِيبُ منه وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِمَالِ الذي لَا يَقْدَحُ الِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ فإنه لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا يَقْدَحُ في صِحَّةِ الدَّلَالَةِ فَلَا يَصِيرُ اللَّفْظُ بِهِ مُجْمَلًا إجْمَاعًا لِأَنَّ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا كَذَلِكَ لَا تَخْلُو عن احْتِمَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا كان مَرْجُوحًا لم يَقْدَحْ في دَلَالَتِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الِاحْتِمَالَ تَارَةً يَكُونُ في دَلِيلِ الْحُكْمِ وَتَارَةً في مَحَلِّ الْحُكْمِ فَالْأَوَّلُ هو الذي يَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال دُونَ الثَّانِي وَمَثَّلَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سِيقَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ في كل شَيْءٍ حتى الْخَضْرَاوَاتِ كما يقول بِهِ أبو حَنِيفَةَ وَيَكُونُ الْعُمُومُ مَقْصُودًا له لِأَنَّهُ أتى بِلَفْظٍ دَالٍّ عليه وهو ما يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لم يَقْصِدْهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اللَّفْظُ لِبَيَانِ مَعْنًى لَا يُحْتَجُّ بِهِ في غَيْرِهِ وَهَذَا إنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ دُونَ الْوَاجِبِ فيه فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ على الْعُمُومِ في الْوَاجِبِ فيه وإذا

تَعَارَضَتْ الِاحْتِمَالَاتُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ على وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْخَضْرَاوَاتِ قال وَمِثْلُهُ الْمُحْرِمُ الذي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ فَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ في غَيْرِهِ وَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال على التَّعْمِيمِ في حَقِّ كل مُحْرِمٍ هذا كَلَامُهُ وَهَذَا الْجَمْعُ يُخَالِفُ طَرِيقَةَ الشَّافِعِيِّ يقول الشَّافِعِيُّ يقول بِالْعُمُومِ في مِثْلِ هذه الْحَالَةِ بِالْقِيَاسِ كما سَبَقَ وَلَيْسَ في هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ ما يَبِينُ بِهِ الْفَرْقُ بين الْمَقَامَيْنِ لِأَنَّ غَالِبَ وَقَائِعِ الْأَعْيَانِ الشَّكُّ وَاقِعٌ فيها في مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالصَّوَابُ في الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ما ذَكَرَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى في تَرْكِ اسْتِفْصَالِ الشَّارِعِ الِاسْتِدْلَال فيها بِقَوْلِ الشَّارِعِ وَعُمُومٌ في الْخِطَابِ الْوَارِدِ على السُّؤَالِ عن الْوَاقِعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَحْوَالِ وَالْعِبَارَاتُ الثَّانِيَةُ في الْفِعْلِ الْمُحْتَمَلِ وُقُوعُهُ على وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهِيَ في كَوْنِ الْوَاقِعَةِ نَفْسِهَا لم يُفَصَّلْ وَهِيَ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِهَا فَلَا عُمُومَ له كَقَوْلِهِ صلى في الْكَعْبَةِ أو فَعَلَ فِعْلًا لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْأَفْعَالِ وَالْوَاقِعَةُ نَفْسُهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ وَكَلَامُ الشَّارِعِ حُجَّةٌ لَا احْتِمَالَ فيه الرَّابِعُ أَنَّ الْمُرَادَ بِسُقُوطِ الِاسْتِدْلَالِ في وَقَائِعِ الْأَعْيَانِ إنَّمَا هو بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ إلَى أَفْرَادِ الْوَاقِعَةِ لَا سُقُوطُهُ مُطْلَقًا فإن التَّمَسُّكَ بها في صُورَةٍ ما مِمَّا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا عليه غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ عليه السَّلَامُ جَمَعَ بين الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ من غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ فإن هذا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كان في مَطَرٍ وَأَنَّهُ كان في مَرَضٍ وَلَا عُمُومَ له في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَلِهَذَا حَمَلُوهُ على الْبَعْضِ وهو الْمَطَرُ لِمُرَجِّحِ لِلتَّعْيِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ في هذه الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ من اخْتِلَافِ قَوْلِهِ إنَّ الْمُعْتَادَةَ الْمُمَيَّزَةَ هل يُحْكَمُ لها بِالتَّمَيُّزِ أو تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ كَغَيْرِهَا وَسَبَبُهُ قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أبي حُبَيْشٍ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ التي كُنْتِ تَحِيضِينَ فيها ثُمَّ اغْتَسِلِي

وَصَلِّي فَرَدَّهَا إلَى الْعَادَةِ ولم يَسْأَلْهَا هل هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ لَا فَدَلَّ ذلك على أَنَّ الْحُكْمَ لِلْعَادَةِ مُطْلَقًا كما هو أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَكِنْ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ وقد تَعَاكَسَ الشَّافِعِيُّ وأبو حَنِيفَةَ في هذه الْمَسْأَلَةِ مع مَسْأَلَةِ غَيْلَانَ فإن أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ حَدِيثَ غَيْلَانَ على التَّعَاقُبِ وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَهُ على الْعُمُومِ وأبو حَنِيفَةَ حَمَلَ هذا الحديث على الْعُمُومِ وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَهُ على أنها كانت مُمَيِّزَةً بِحَدِيثٍ وَرَدَ فيه سَبْقُ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ في أَنَّ الْمُقْتَضَى هل هو عَامٌّ أَمْ لَا وَلَا بُدَّ من تَحْرِيرِ تَصْوِيرِهِ قبل نَصْبِ الْخِلَافِ فَنَقُولُ الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ الضَّادِ هو اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلْإِضْمَارِ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِإِضْمَارِ شَيْءٍ وَهُنَاكَ مُضْمَرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَهَلْ له عُمُومٌ في جَمِيعِهَا أو لَا يَعُمُّ بَلْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ منها وَأَمَّا الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ فَهُوَ ذلك الْمُضْمَرِ نَفْسُهُ هل نُقَدِّرُهُ عَامًّا أَمْ نَكْتَفِي بِخَاصٍّ منه إذَا عَرَفْتَ هذا فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ في اللُّمَعِ وَشَرْحِهَا وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هو في الْقِسْمِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَا الْخِطَابُ الذي يَفْتَقِرُ إلَى الْإِضْمَارِ لَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ في إضْمَارِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فإنه يَفْتَقِرُ إلَى إضْمَارٍ فَبَعْضُهُمْ يُضْمِرُ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَبَعْضُهُمْ يُضْمِرُ وَقْتُ إفْعَالِ الْحَجِّ وَالْحَمْلُ على الْعُمُومِ لَا يَجُوزُ بَلْ يُحْمَلُ على ما يَدُلُّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ لِأَنَّ الْعُمُومَ من صِفَاتِ النُّطْقِ فَلَا يَجُوزُ دَعْوَاهُ في الْمَعَانِي قَالَا وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ في لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا في الْمَسْجِدِ ولا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ في نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ من يَحْمِلُهُ على الْعُمُومِ في كل ما يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَائِدَةً وَمِنْهُمْ من يَحْمِلُهُ على الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فيه لِأَنَّ ما سِوَاهُ مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ على الْجَمِيعِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ هُنَاكَ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَلَا يُحْمَلُ على مَوْضِعِ الْخِلَافِ

لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَوْضِعَ النِّزَاعِ إنَّمَا هو في الْمُضْمَرِ لَا في الْمُضْمَرِ له فإن الْمُضْمَرَ له مَنْطُوقٌ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وأبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ في التَّقْوِيمِ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ من الْحَنَفِيَّةِ فَقَالُوا الْمُقْتَضَى ما اقْتَضَاهُ النَّصُّ وَأَوْجَبَهُ شَرْطًا لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَالنَّصُّ مُقْتَضٍ له كَقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ ولم يَزِدْ غير ذلك لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ رَافِعٌ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ الْحُكْمُ أو الْإِثْمُ أو هُمَا جميعا فَالشَّافِعِيُّ أَثْبَتَ لِلْمُقْتَضِي عُمُومًا وَعِنْدَنَا لَا عُمُومَ له لِأَنَّ دَلَالَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ لِلْحَاجَةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ ما يَصِحُّ الْمَذْكُورُ بِهِ عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ الْمُقْتَضَى كَالْمَنْصُوصِ في احْتِمَالِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُقْتَضَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّصِّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَكَانَ مَعْدُومًا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُجْعَلُ مَوْجُودًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وما ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وقد أُرِيدَ بِهِ رَفْعُ الْإِثْمِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يُزَادُ عليه ثُمَّ فَرَّعَ السَّرَخْسِيُّ على الْخِلَافِ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ وَهِيَ ما لو قال إنْ أَكَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى طَعَامًا قال فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّ الْأَكْلَ يَقْتَضِي مَأْكُولًا وَذَلِكَ كَالْمَنْصُوصِ عليه فَكَأَنَّهُ قال إنْ أَكَلْتُ طَعَامًا فلما كان لِلْمُقْتَضَى عُمُومٌ عِنْدَهُ عُمِلَ بِنِيَّةِ التَّخْصِيصِ وَعِنْدَنَا لَا يُعْمَلُ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضَى وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيمَا لَا عُمُومَ له لَاغِيَةٌ انْتَهَى وَجَعَلَ غَيْرُهُ الحديث من بَابِ الْحَذْفِ لَا من بَابِ الِاقْتِضَاءِ فَكَانَ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ وَالْإِثْمِ من بَابِ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ له وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ في الْحَذْفِ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ من الْمَنْطُوقِ إلَى الْمَحْذُوفِ وفي الْمُقْتَضَى لَا يَنْتَقِلُ من الْمُقْتَضَى شَيْءٌ بَلْ يُقَدَّرُ قَبْلَهُ ما يُصَحِّحُهُ قالوا وَنَظِيرُهُ الْمَيْتَةُ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ فَيَقْتَصِرُ على سَدِّ الرَّمَقِ وَلَا يَتَنَاوَلُ ما وَرَاءَهُ من الشِّبَعِ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ فإنه عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُذَكَّى يَعُمُّ سَائِرَ جِهَاتِ الِانْتِفَاعِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُخَرَّجُ من كَلَامِ الشَّافِعِيِّ في هذه الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فإنه قال في الْأُمِّ في قَوْله تَعَالَى فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ الْآيَةَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا فَتَطَيَّبَ أو لَبِسَ أو أَخَذَ ظُفْرَهُ لِأَجْلِ مَرَضِهِ أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَحَلَقَهُ فَفِدْيَةٌ فَقُدِّرَ جَمِيعُ الْمُضْمَرَاتِ وقال في الْإِمْلَاءِ ليس هذا

مُضْمَرًا في الْآيَةِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ فَقَطْ وَالْبَاقِي مَقِيسٌ عليه فَقَدَّرَهُ خَاصًّا وقد حَكَى الْبَصِيرُ الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي والحاصل أَنَّ في الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا وَحَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ عن شَرْحِ اللُّمَعِ لِلشَّيْخِ أبي إِسْحَاقَ أَنَّهُ عَامٌّ وَبِهِ قال جَمَاعَةٌ من الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ عن أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَصَحَّحَهُ وَالنَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ فقال الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ النَّاسِي لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ عَامَّةٌ يَعْنِي من قَوْلِهِ رُفِعَ عن أُمَّتِي فإنه يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ حُكْمُ الْخَطَأِ أو إثْمُهُ أو كُلٌّ مِنْهُمَا جميعا وَقَاعِدَةُ الشَّافِعِيِّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ وَلِهَذَا كان كَلَامُ النَّاسِي عِنْدَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وأبو حَنِيفَةَ أَبْطَلَهَا بِهِ لِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ عُمُومِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ له في كل ما يَصِحُّ التَّقْدِيرُ بِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيُّ وابن السَّمْعَانِيِّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْآمِدِيَّ وابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وقال الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ هِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِضْمَارِ وَهِيَ الْمُنْدَفِعَةُ بِإِضْمَارٍ وَاحِدٍ وَتَكْثِيرُ الْإِضْمَارِ تَكْثِيرٌ لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ ثُمَّ قال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ ليس إضْمَارُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ أَوْلَى من الْآخَرِ فَإِمَّا أَنْ لَا يُضْمَرَ حُكْمٌ أَصْلًا وهو غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ تَعْطِيلُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ أو يُضْمَرُ الْكُلُّ وهو الْمَطْلُوبُ وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ هذا وَأَجَابَ عنه بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ليس إضْمَارُ الْبَعْضِ أَوْلَى من الْبَعْضِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لو قُلْنَا بِإِضْمَارِ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إضْمَارُ حُكْمٍ ما وَالتَّعْيِينُ إلَى الشَّارِعِ ثُمَّ أَوْرَدَ عليه أَنَّهُ يَلْزَمُ منه الْإِجْمَالُ فَأَجَابَ بِأَنَّ إضْمَارَ الْكُلِّ يَلْزَمُ منه تَكْثِيرُ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْنِي من الْإِجْمَالِ وَإِضْمَارِ الْكُلِّ خِلَافُ الْأَصْلِ وإذا قُلْنَا بِأَنَّهُ ليس بِعَامٍّ فَهَلْ هو مُجْمَلٌ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَإِذْ قُلْنَا ليس بِمُجْمَلٍ فَقِيلَ يُصْرَفُ إطْلَاقُهُ في كل عَيْنٍ إلَى الْمَقْصُودِ اللَّائِقِ بِهِ حَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ وَقِيلَ يُضْمَرُ الْمَوْضِعُ الْمُخْتَلَفُ فيه لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عليه مُسْتَغْنٍ عن الدَّلِيلِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ إنْ قُلْنَا الْمُقْتَضَى له عُمُومٌ أُضْمِرَ الْكُلُّ وَإِنْ قُلْنَا لَا عُمُومَ له فَهَلْ يُضْمَرُ ما يُفْهَمُ من اللَّفْظِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ قبل الشَّرْعِ أو يُضْمَرُ حُكْمًا من غَيْرِ تَعَيُّنٍ وَتَعْيِينُهُ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْآمِدِيَّ وَالثَّالِثُ التَّوَقُّفُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ آخِرًا لِتَعَارُضِ الْمَحْذُورَيْنِ كَثْرَةُ

الْإِضْمَارِ وَالْإِجْمَالُ إذَا قِيلَ بِإِضْمَارِ حُكْمٍ وَأَمَّا ابن الْحَاجِبِ فإنه قال الْتِزَامُ الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ من مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِتَكْثِيرِ الْإِضْمَارِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هو اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ في مِثْلِ قَوْلِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ أَنْ تَكُونَ مُجْمَلَةً وقد صَرَّحَ ابن الْحَاجِبِ هُنَاكَ بِمُخَالَفَتِهِ وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ في بَابِ الْمُجْمَلِ بِأَنَّ الْتِزَامَ مَحْذُورِ الْإِضْمَارِ الْكَثِيرِ أَوْلَى من الْتِزَامِ مَحْذُورِ الْإِجْمَالِ في اللَّفْظِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْإِضْمَارَ في اللُّغَةِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا من اللَّفْظِ الْمُجْمَلِ وَلَوْلَا أَنَّ الْمَحْظُورَ في الْإِضْمَارِ أَقَلُّ ما كان اسْتِعْمَالُهُ أَكْثَرَ الثَّانِي أَنَّهُ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على وُجُودِ الْإِضْمَارِ في اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَاخْتَلَفُوا في جَوَازِ الْإِجْمَالِ فِيهِمَا الثَّالِثُ أَنَّهُ عليه السَّلَامُ قال لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عليهم الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ على إضْمَارِ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّحُومِ في التَّحْرِيمِ وَإِلَّا لَمَا أَلْزَمَهُمْ الذَّمُّ بِبَيْعِهَا هذا كُلُّهُ إذَا كانت الْمُقَدَّرَاتُ على حَدٍّ وَاحِدٍ في الدَّلَالَةِ أَمَّا إذَا كان بَعْضُهَا أَعَمَّ من غَيْرِهِ فَاخْتَارَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إضْمَارُ الْأَعَمِّ لِمَا فيه من زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَتَكْثِيرِهَا مع انْدِفَاعِ الْمَحْذُورِ الذي هو تَكْثِيرُ الْإِضْمَارِ وَقَرَّرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ فقال وَهُنَا وَجْهٌ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ مَقْصُودُ من أَرَادَ التَّعْمِيمَ وهو أَنْ يُضْمِرَ شيئا وَاحِدًا مَدْلُولُ ذلك مُقْتَضٍ لِلْعُمُومِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ من الْعُمُومِ مع عَدَمِ تَعَدُّدِ الْمُضْمَرِ مِثْلُ أَنْ يُضْمِرَ في قَوْلِهِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْحُكْمُ فَيَعُمُّ الْأَحْكَامَ مع غَيْرِ تَعَدُّدٍ في الْمُضْمَرِ انْتَهَى وَقَدَّرَ فَخْرُ الدِّينِ في تَفْسِيرِهِ في قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ التَّصَرُّفَ في الْمَيْتَةِ لِيَعُمَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَالْمُلَابَسَةِ وَغَيْرِ ذلك

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الصُّوَرَ في الْمُقَدَّرَاتِ ثَلَاثٌ أَحَدُهَا أَنْ تَتَسَاوَى وَلَا يَظْهَرُ في وَاحِدٍ منها أَنَّهُ أَرْجَحُ فَهَلْ هو عَامٌّ أو مُجْمَلٌ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي ثَانِيهِمَا أَنْ يَتَرَجَّحَ بَعْضُهَا لَا بِدَلِيلٍ من خَارِجٍ بَلْ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ مِثْلُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لم يُبَيِّتْ الصِّيَامَ وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَأَصْحَابُنَا يُقَدِّرُونَ وَاحِدًا ثُمَّ يُرَجِّحُونَ تَقْدِيرَ ما كان أَقْرَبَ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ وهو الْجَوَازُ مَثَلًا سَوَاءٌ كان أَعَمَّ من غَيْرِهِ أَمْ لَا وَالْخَصْمُ يُقَدِّرُ الْكُلَّ ثُمَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يقول هُنَا إنَّ الْخَصْمَ لَا يَنْبَغِي له أَنْ يُقَدِّرَ الْكُلَّ إلَّا إذَا لم يُنَافِ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنْ تَنَافَيَا وَارْتَكَبَ تَقْدِيرَ الْكُلِّ فَقَدْ أَسَاءَ مِثْلُ لَا صِيَامَ فإن تَقْدِيرَ الْكَمَالِ يُنَافِي تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ إذْ نَفْيُ الْكَمَالِ منهم إثْبَاتُ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ مع تَقْدِيرِ نَفْيِ الصِّحَّةِ معه وَوَافَقَهُ على ذلك ابن السَّمْعَانِيِّ فقال لَا يَجُوزُ انْتِفَاءُ الْفَضِيلَةِ مع انْتِفَاءِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ من وُجُودِ الْجَوَازِ فَيُتَصَوَّرُ انْتِفَاءُ الْفَضِيلَةِ وَجَرَى على ذلك ابن دَقِيقِ الْعِيدِ فإنه قال وَالْخِلَافُ في هذا إنَّمَا يُمْكِنُ فِيمَا لَا تَنَافِيَ بين مَضْمُونِهِ وَثَالِثُهَا أَنْ يَظْهَرَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَفَادٍ من خَارِجٍ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ هُنَا كما قَالَهُ ابن الْحَاجِبِ بَلْ يُقَدَّرُ ما ظَهَرَ فَإِنْ كان عَامًّا فَهُوَ عَامٌّ وَإِلَّا فَلَا فَالْعَامُّ كَقَوْلِهِ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ وَالْخَاصُّ كَقَوْلِهِ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ

أَيْ لَا تَجِبُ فإن الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ على جَوَازِهَا وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَامٌّ كما يقول الشَّافِعِيُّ في الْجَمْعِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مع أَنَّ الْحَقِيقَةَ قد تَعَيَّنَتْ الثَّانِي أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ قالوا إذَا تَعَيَّنَ لِلْمُقْتَضَى أَحَدُ الْمُضْمَرَاتِ كان كَظُهُورِهِ في اللَّفْظِ وَرَدُّوا ادِّعَاءَ الْكَرْخِيِّ الْإِجْمَالَ فإن الذي يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ من تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا وَمِنْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ تَحْرِيمُ وَطْئِهِنَّ وإذا كان كَذَلِكَ كان كَالْمَلْفُوظِ بِهِ فَلَا إجْمَالَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ على قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فإن تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ عِنْدَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَكْلِ بَلْ يَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا في الصَّلَاةِ وَبَيْعُهَا وَغَيْرُ ذلك إلَّا ما خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ ولم يُعَدَّهُ لِلشَّعْرِ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فيه فَنَجَاسَتُهُ ثَابِتَةٌ عِنْدَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ في قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ الحديث إلَّا أَنْ يُقَرِّرَ ذلك بِطَرِيقٍ أُخْرَى وهو أَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ ظَاهِرٌ في نَجَاسَتِهَا وإذا تَنَجَّسَتْ بِالْمَوْتِ لَزِمَ من النَّجَاسَةِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ في شَيْءٍ منها إلَّا ما طَهُرَ بِالدِّبَاغِ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ نَاشِئَةٌ عن النَّجَاسَةِ الْمَأْخُوذَةِ من تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَلَيْسَ في اللَّفْظِ إجْمَالٌ وَلَا تَكْثِيرُ إضْمَارٍ وَهَذَا تَقْرِيرٌ حَسَنٌ ولم يَسْلُكْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ في تَفْسِيرِهِ هذه الطَّرِيقَةَ بَلْ قَدَّرَ إنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ التَّصَرُّفَ في الْمَيْتَةِ لِيُفِيدَ عُمُومَ التَّصَرُّفِ كَالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَالْمُلَابَسَاتِ كما هو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وقال إنَّهُ الْمُتَعَارَفُ من تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَا تَحْرِيمِ أَكْلِهَا وفي هذا الْكَلَامِ ضَعْفٌ لَا يَخْفَى وهو خِلَافُ ما قَرَّرَهُ في الْمَحْصُولِ كما مَرَّ وَقَوْلُهُ عليه السَّلَامُ إنَّمَا حُرِّمَ من الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا دَلِيلُ انْصِرَافِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ إلَى أَكْلِهَا وَلَا يَلْزَمُ منه عَدَمُ تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ ظَاهِرٌ في النَّجَاسَةِ وهو مَعْنًى مُنَاسِبٌ يَصْلُحُ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَالنَّجَاسَةِ عليه لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَهُ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ في هذه الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لم يَقُمْ على تَعْيِينِ أَحَدِ الْمُقَدَّرَيْنِ دَلِيلٌ أَمَّا إذَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُهُ فإنه يَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ كما في قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فإن الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ من تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا وَمِنْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ تَحْرِيمُ وَطْئِهِنَّ بِخِلَافِ نَحْوِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فإنه لم يَقُمْ دَلِيلٌ يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْفُوعِ الْحُكْمُ أو غَيْرُهُ الْفَرْقُ بين دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ وَدَلَالَةِ الْإِضْمَارِ الثَّالِثُ الْكَلَامُ في هذه يَسْتَدْعِي فَهْمَ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ وَهَلْ هِيَ مُغَايَرَةٌ لِلْإِضْمَارِ وقد اُخْتُلِفَ في ذلك فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ من الْحَنَفِيَّةِ منهم أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ إلَى عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عن إسْقَاطِ شَيْءٍ من الْكَلَامِ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أو الشَّرْعِ أو إلَيْهِمَا لَا إلَى اللَّفْظِ إذْ اللَّفْظُ صَحِيحٌ مِنْهُمَا وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْفَرْقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا في وَجْهِ التَّغَايُرِ على أَقْوَالٍ أَحَدُهَا وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ أَنَّ الِاقْتِضَاءَ إثْبَاتُ شَرْطٍ يَتَوَقَّفُ عليه وُجُودُ الْمَذْكُورِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عليه صِحَّةُ اللَّفْظِ نَحْوُ اصْعَدْ السَّطْحَ فإنه يَقْتَضِي نَصْبَ السُّلَّمِ وهو أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عليه وُجُودُ الصُّعُودِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عليه صِحَّةُ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الْإِضْمَارِ فإنه إثْبَاتُ أَمْرٍ تَتَوَقَّفُ عليه صِحَّةُ اللَّفْظِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ من بَابِ الْإِضْمَارِ وَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ على إضْمَارِ الْأَهْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُ السُّؤَالَ من الْقَرْيَةِ وَثَانِيهَا ذَكَرَهُ عبد الْعَزِيزِ في الْكَشْفِ شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ في صُورَةِ الْإِضْمَارِ تَغْيِيرُ إسْنَادِ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُضْمَرِ كَالْأَهْلِ في وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ بِخِلَافِ الِاقْتِضَاءِ فإنه يَبْقَى الْإِسْنَادُ على حَالِهِ وَرُدَّ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْأُصُولِيِّينَ على أَنَّ قَوْلَهُ عليه السَّلَامُ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ من بَابِ الِاقْتِضَاءِ مع أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ الْإِسْنَادُ بِالْمُضْمَرِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُضْمَرَ كَالْمَذْكُورِ لَفْظًا وَلِهَذَا له عُمُومٌ وَلِهَذَا لو قال لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ إذْ الْمَصْدَرُ مُضْمَرٌ فيه فَكَأَنَّهُ قال طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَلَيْسَ هو كَالْمَذْكُورِ لَفْظًا وَكَذَا لَا يَعُمُّ وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إضْمَارَ

الْمَصْدَرِ في الْأُولَى لِأَنَّهُ على خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ فيه قال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا من حَيْثُ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ أَمَّا من حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْمُقْتَضِي أَعَمُّ من الْمُضْمَرِ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ قد يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ وقد لَا يَكُونُ بِخِلَافِ الْمُضْمَرِ فإنه لَا يَكُونُ إلَّا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ لِأَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ من أَضْمَرَهُ الْمُتَكَلِّمُ فَعَلَى هذا كُلُّ مُضْمَرٍ مُقْتَضًى وَلَا عَكْسُ وَأَمَّا من حَيْثُ اللَّفْظُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عن إسْقَاطِ شَيْءٍ يَدُلُّ عليه الْبَاقِي بِخِلَافِ الِاقْتِضَاءِ فإنه قد يُحْتَاجُ فيه إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ وَثَانِيهِمَا أَنَّ في صُورَةِ الْإِضْمَارِ تَغْيِيرُ إسْنَادِ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُضْمَرِ وفي الِاقْتِضَاءِ قد يَكُونُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وقد لَا يَكُونُ كما في اصْعَدْ السَّطْحَ وَكَذَلِكَ في اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ من جِهَةِ الْغَفْلَةِ عن الشَّيْءِ وَتَغَيُّرِ الْإِسْنَادِ وَهُمَا مُتَّحِدَانِ في أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَلَامِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا وقال عبد الْعَزِيزِ في شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ وَجَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ مِنَّا وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ما يُضْمَرُ في الْكَلَامِ لِتَصْحِيحِهِ على أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما أُضْمِرَ لِضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلِهِ رُفِعَ عن أُمَّتِي وَالثَّانِي ما أُضْمِرَ لِصِحَّتِهِ عَقْلًا كَقَوْلِهِ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَالثَّالِثُ ما أُضْمِرَ لِصِحَّتِهِ شَرْعًا كَقَوْلِهِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَشُمُولُ مُقْتَضًى وَلِذَلِكَ قالوا في حَدِّهِ هو جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْعُمُومِ في الثَّلَاثَةِ وَبَعْضُهُمْ إلَى الْمَنْعِ فيها وهو أبو زَيْدٍ وَذَهَبَ الْبَزْدَوِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ اسْمَ الْمُقْتَضِي يُطْلَقُ على الثَّالِثِ فَقَطْ وَسَمَّوْا الْبَاقِيَ مَحْذُوفًا وَمُضْمَرًا وَقَالُوا بِالْعُمُومِ في الْمُضْمَرِ دُون الْمُقْتَضِي

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَذْفُ الْمَعْمُولِ نَحْوُ زَيْدٌ يُعْطِي وَيَمْنَعُ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ وَقَوْلُهُ وَاَللَّهُ يَدْعُو إلَى دَارِ السَّلَامِ أَيْ كُلَّ أَحَدٍ وَهَذَا لم يَتَعَرَّضْ له الْأُصُولِيُّونَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْبَيَانِ وَفِيهِ بَحْثٌ فإن ذلك إنَّمَا أُخِذَ من الْقَرَائِنِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ على أَنَّ الْمُقَدَّرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فَالتَّعْمِيمُ من عُمُومِ الْمُقَدَّرِ سَوَاءٌ ذُكِرَ أو حُذِفَ وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ على التَّعْمِيمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعُمُومَ فِيمَا ذُكِرَ إنَّمَا هو دَلَالَةُ الْقَرِينَةِ على أَنَّ الْمُقَدَّرَ عَامٌّ وَالْحَذْفُ إنَّمَا هو لِمُجَرَّدِ الِاقْتِضَاءِ لَا التَّعْمِيمِ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ في أَنَّ الْمَفْهُومَ هل له عُمُومٌ أَمْ لَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ أَنَّهُ عَامٌّ فقال قال أَصْحَابُنَا الْعُمُومُ يَكُونُ في الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي وَدَلَائِلِ الْأَلْفَاظِ من مَفْهُومٍ أو دَلِيلِ خِطَابٍ ا هـ وَظَاهِرُ إيرَادِ الْأَكْثَرِينَ منهم الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ليس بِعَامٍّ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعُمُومَ من صِفَاتِ النُّطْقِ وهو اخْتِيَارُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَالْغَزَالِيِّ وَلِهَذَا مَنَعَا تَخْصِيصَهُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَامِّ وَهَذَا بِنَاءٌ منهم أَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ قِيَاسِيَّةٌ لَا لَفْظِيَّةٌ وهو الصَّحِيحُ كما سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا لَفْظِيَّةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ في عُمُومِهِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ من الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا لَفْظِيَّةٌ وَهُنَا نَفَى الْعُمُومَ وَأَشَارَ إلَى بِنَاءِ هذه الْمَسْأَلَةِ على أَنَّ الْعُمُومَ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ أو الْمَعَانِي فقال من يقول بِالْمَفْهُومِ قد يَظُنُّ أَنَّ له عُمُومًا وَيَتَمَسَّكُ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ الْعُمُومَ من عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَفْهُومُ لَيْسَتْ دَلَالَتُهُ لَفْظِيَّةً فإذا قال في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ فَنَفْيُ الزَّكَاةِ عن الْمَعْلُوفَةِ ليس بِلَفْظٍ حتى يَعُمَّ أو يَخُصَّ وَرَدَّ ذلك صَاحِبُ الْمَحْصُولِ وقال إنْ كُنْت لَا تُطْلِقُ عليه لَفْظَ الْعَامِّ فَلَكَ ذلك وَإِنْ عَنَيْتَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْحُكْمِ في جُمْلَةِ صُوَرِ انْتِفَاءِ الصِّفَةِ فَذَلِكَ من تَقَارِيعِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً وَمَتَى جَعَلْتَهُ حُجَّةً لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ في جُمْلَةِ صُورَةِ انْتِفَاءِ الصِّفَةِ وَإِلَّا لم يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ قال الْقَرَافِيُّ وَالظَّاهِرُ من حَالِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَ في التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ لَفْظَ

الْعُمُومِ إنَّمَا وُضِعَ لِلَّفْظِ لَا لِلْمَعْنَى وَأَمَّا عُمُومُ النَّفْيِ في الْمَنْطُوقِ فَهُوَ من الْقَائِلِينَ بِهِ لِأَنَّهُ من الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ وقال ابن الْحَاجِبِ إنَّمَا أَرَادَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْعُمُومَ لم يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ فَقَطْ بَلْ بِوَاسِطَتِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فيه وقال الْخِلَافُ لَا يَتَحَقَّقُ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْحَالَ مُخْتَلِفٌ فَإِنْ كان مَحَلُّ النُّطْقِ إثْبَاتٌ فَالْحُكْمُ مُنْتَفٍ في جُمْلَةِ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ كان نَفْيًا لم يَلْزَمْ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ إذَا تَخَلَّفَ النُّطْقُ إثْبَاتًا لَزِمَ نَفْيُ الْحُكْمِ إذَا انْتَفَى عن كل أَفْرَادِ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ على تَنَاوُلِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ من أَفْرَادِ الْمُخَالَفَةِ أو لَا فَإِنْ دَلَّ فَهُوَ لِلْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَهُوَ دَالٌّ حِينَئِذٍ على نَفْيِ الْحُكْمِ عن مُسَمَّى الْمُخَالِفِ وَلَزِمَ انْتِفَاؤُهُ عن كل فَرْدٍ ضَرُورَةً وَأَنَّ ما سُلِبَ عن الِاسْمِ مَسْلُوبٌ عن جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ وَهَذَا كَتَعْلِيقِ الْوُجُوبِ بِسَائِمَةِ الْغَنَمِ فَإِنْ كان مَحَلُّ النُّطْقِ إثْبَاتًا فَيَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عن الْمَعْلُوفَةِ وَإِنْ كان بِصِفَةٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ سَلْبٌ عن مُسَمَّى الْمَعْلُوفِ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْوُجُوبِ عن كل أَفْرَادِ الْمَعْلُوفَةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ من أَنَّ الْمَسْلُوبَ عن الْأَعَمِّ مَسْلُوبٌ عن كل أَفْرَادِهِ وَأَمَّا إنْ كان مَحَلُّ النُّطْقِ نَفْيًا كَقَوْلِهِ لَا يَبُولَنَّ أحدكم في الْمَاءِ الدَّائِمِ فإنه يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عن الْمُخَالِفِ وهو النَّفْيُ فَيَكُونُ الثَّابِتُ لِلْمُخَالِفِ إثْبَاتًا فإن مُطْلَقَ الْحُكْمِ في السَّوْمِ لَا يَلْزَمُ منه الْعُمُومُ كما أَنَّ الْعُمُومَ له صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ لَا كُلُّ صِيغَةٍ فإذا كان بَعْضُ الْأَلْفَاظِ الْمَنْطُوقِ بها لَا يَدُلُّ على الْعُمُومِ إذَا كانت في جَانِبِ الْإِضَافَةِ فما ظَنُّك بِمَا لَا لَفْظَ فيه أَصْلًا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ أَنْ يَدُلَّ على الْعُمُومِ في مِثْلِ هذا احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَمَتَى جَعَلْتَهُ حُجَّةً لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عن جُمْلَةِ صُوَرِ انْتِفَاءِ الصِّفَةِ وَإِلَّا لم يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّا إذَا عَلَّقْنَا الْحُكْمَ بِالْمُسَمَّى الْمُطْلَقِ كانت فَائِدَةُ الْمَفْهُومِ حَاصِلَةً في بَعْضِ الصُّوَرِ ضَرُورَةً فَلَا يَخْلُو الْمَفْهُومُ من فَائِدَةٍ وفي مِثْلِ هذا يَتَوَجَّهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ قال فَهَذِهِ مَبَاحِثُهُ يُنْظَرُ فيها ثُمَّ بَعْدَ ذلك تَقُولُ فَقَدْ نَأْخُذُ عُمُومَ الْأَحْكَامِ في أَفْرَادِ الْمُخَالِفِ من أَمْرٍ خَارِجٍ عن دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ

الْإِجْمَاعُ قَائِمًا على عَدَمِ اقْتِرَانِ الْأَحْكَامِ أو يَكُونَ الْحُكْمُ في الْمُخَالِفِ ثَابِتًا لِمَعْنًى مَفْهُومٍ لَا يَخْتَصُّ ذلك الْمَعْنَى بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ دُونَ بَعْضٍ وقال الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْقَائِلُ بِأَنَّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ إذَا قال في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ فَقَدْ تَضَمَّنَ ذلك قَوْلًا آخَرَ وهو لَا زَكَاةَ في الْمَعْلُوفَةِ وهو لو صَرَّحَ بِذَلِكَ لَكَانَ عَامًّا وَالْمَقْصُودُ أَنَّا إذَا وَجَدْنَا صُورَةً من صُوَرِ الْمَفْهُومِ مُوَافَقَةً لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فَهَلْ نَقُولُ بَطَلَ الْمَفْهُومُ بِالْكُلِّيَّةِ حتى لَا يَتَمَسَّكَ بِهِ في غَيْرِ تِلْكَ الصُّورَةِ أو نَقُولُ نَتَمَسَّكُ بِهِ فِيمَا وَرَاءَ ذلك هذا مَوْضِعُ نَظَرٍ قال وَالْأَشْبَهُ بِنَاءُ ذلك على أَنَّ مُسْتَنَدَ الْمَفْهُومِ مَاذَا هل هو الْبَحْثُ عن فَوَائِدِ التَّخْصِيصِ كما هو اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ له عُمُومٌ وَإِنْ قُلْنَا اسْتِنَادُهُ إلَى عُرْفٍ لُغَوِيٍّ فَصَحِيحٌ وَخَرَجَ لنا من كَلَامِهِ وَكَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَلَيْسَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا كما زَعَمُوا وَفَائِدَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّيْخُ وَهِيَ أَنَّ خِلَافَ أَصْحَابِنَا في الْمَاءِ النَّجِسِ إذَا كُوثِرَ بِمَاءٍ ولم يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ هل يَطْهُرْ يَنْبَنِي على ذلك فَإِنْ قُلْنَا له عُمُومٌ لم يَطْهُرْ وهو الصَّحِيحُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ عليه السَّلَامُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَنْجُسْ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ على أَنَّ ما دُونَهُمَا يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا كُوثِرَ ولم يَبْلُغْهُمَا أَمْ لم يُكَاثَرْ وَإِنْ قُلْنَا لَا عُمُومَ لِلْمَفْهُومِ لم يَقْتَضِ الْحَدِيثُ النَّجَاسَةَ في هذه الصُّورَةِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فيه نَجَاسَةٌ ولم يَتَغَيَّرْ وَالْجَدِيدُ يُنَجِّسُ وَالْقَدِيمُ لَا فَيُبْنَى على ما ذَكَرْنَا تَنْبِيهٌ الْمَفْهُومُ يَكُونُ عَامًّا إذَا كان الْمَنْطُوقُ جُزْئِيًّا ما ذَكَرُوهُ من عُمُومِ الْمَفْهُومِ حتى يُعْمَلَ بِهِ فِيمَا عَدَا الْمَنْطُوقِ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عليه على أَنَّ الْمُرَادَ ما إذَا كان الْمَنْطُوقُ جُزْئِيًّا وَبَيَانُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ على أَنَّ الثَّابِتَ بِالْمَفْهُومِ إنَّمَا هو نَقِيضُ الْمَنْطُوقِ وَالْإِجْمَاعُ على أَنَّ نَقِيضَ الْكُلِّيِّ الْمُثْبَتِ جُزْئِيٌّ سَالِبٌ وَنَقِيضُ الْجُزْئِيِّ الْمُثْبَتِ كُلِّيٌّ سَالِبٌ وَمِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّ ما كان مَنْطُوقُهُ كُلِّيًّا سَالِبًا كان مَفْهُومُهُ

جُزْئِيًّا سَالِبًا فَيَجِبُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمَفْهُومَ عَامٌّ على ما إذَا كان الْمَنْطُوقُ بِهِ خَاصًّا لِيَجْتَمِعَ أَطْرَافُ الْكَلَامِ وَانْظُرْ إلَى عِبَارَةِ الْإِمَامِ في الْمَحْصُولِ في أَوَّلِ بَابِ الْعُمُومِ وَقَوْلُهُ في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا زَكَاةَ في كل ما ليس بِسَائِمَةٍ فإن قَوْلَهُ لَا زَكَاةَ في كل ما ليس بِسَائِمَةٍ من بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ الْمُقْتَضِي لِسَلْبِ الْحُكْمِ عن الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ من بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ الْمُقْتَضِي لِسَلْبِ الْحُكْمِ عن كل فَرْدٍ فَرْدٍ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْمُشْتَرَكُ إذَا تَجَرَّدَ عن الْقَرَائِنِ صَارَ صَائِرُونَ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ إذَا لم يَقُمْ دَلِيلٌ على التَّخْصِيصِ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِيمَا أَمْكَنَ وَنُقِلَ ذلك عن الشَّافِعِيِّ قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وهو عِنْدَهُ في حُكْمِ الْعَامِّ لَا نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعَامَّ يُحْمَلُ على جَمِيعِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ هذا وَإِنَّمَا شَابَهُ الْعَامَّ من حَيْثُ شُمُولُهُ مُتَعَدِّدًا وَأَنَّهُ يُحْمَلُ على النَّوْعَيْنِ وقد بَالَغَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ في رَدِّ هذا الْقَوْلِ وقال هذا غَلَطٌ فإنه لم يُوضَعْ وَضْعَ عُمُومٍ وَلَكِنْ وُضِعَ لِآحَادِ الْمَحَامِلِ على الْبَدَلِ فَالتَّعْمِيمُ فيه إخْرَاجُهُ عن مَوْضُوعِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِقَبِيلٍ آخَرَ قال وَهَذَا قَاطِعٌ ا هـ وَيَشْهَدُ له أَنَّهُمْ نَقَلُوا عن الْقَاضِي مُوَافَقَةَ الشَّافِعِيِّ مع أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يقول بِصِيَغِ الْعُمُومِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا أَنْكَرَ وَضْعَ صِيَغِ الْعُمُومِ وَهُنَا جُوِّزَ الِاسْتِعْمَالُ وقد سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةً في مَبَاحِثِ الْمُشْتَرَكِ وَمِمَّا يَفْتَرِقُ فيه حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ على مَعْنَيَيْهِ وَحَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ على أَفْرَادِهِ أَنَّ الْعَامَّ يَسْتَرْسِلُ على آحَادِهِ من غَيْرِ تَوَقُّفٍ على الْوُجُودِ حَالَ اللَّفْظِ وَلِهَذَا لو وَقَفَ على أَوْلَادِهِ صُرِفَ إلَى الْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِ وَلِمَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُمْ لِأَنَّ الصِّيغَةَ عَامَّةٌ وَلَوْ وَقَفَ على مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ من أَعْلَى وَأَسْفَلَ صُرِفَ إلَيْهِمَا لَا من يَحْدُثُ من الْمَوَالِي من الْأَسْفَلِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ في عُمُومِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ إذَا كان له جِهَاتٌ الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ إذَا كان له جِهَاتٌ ليس بِعَامٍّ في أَقْسَامِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ على صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ عُرِفَ تَعَيَّنَ إلَّا إذَا كان مُجْمَلًا يُتَوَقَّفُ فيه حتى يُعْرَفَ نَحْوُ قَوْلِ الرَّاوِي صلى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فَلَا يُحْمَلُ على الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَكَذَلِكَ صلى في الْكَعْبَةِ لَا يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَكَذَلِكَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَنَحْوِهِ لِجَوَازِ قَضَائِهِ لِجَارٍ كان بِصِفَةٍ يَخْتَصُّ بها هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَالْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في اللُّمَعِ وسليم الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قال الْقَفَّالُ قَوْلُ الرَّاوِي فَعَلَ النبي عليه السَّلَامُ كَذَا وَقَضَى بِكَذَا وَغَيْرِهِ لَا يَجْرِي على عُمُومِ ما يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ إلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عن فِعْلٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاعِلَ لم يَشْتَمِلْ كُلُّ ما اشْتَمَلَ عليه قِسْمَةُ ذلك الْفِعْلِ وَلَعَلَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ فِعْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِلْعُمُومِ في ذلك بَلْ يُطْلَبُ على ما وَقَعَ فيه أو بِهِ ذلك الْفِعْلُ جَمِيعُ ما اشْتَمَلَ عليه الْمُسَمَّى فَيَمْضِي على عُمُومِ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ من ذلك دَلِيلٌ قال فَأَمَّا إذَا رُوِيَ عنه عليه السَّلَامُ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مع الشَّاهِدِ وَأَنَّ رَجُلًا

أَفْطَرَ فَأَمَرَهُ بِكَذَا فَنَقُولُ إنَّ الْقَضِيَّةَ وَقَعَتْ في شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّ الْإِفْطَارَ وَقَعَ لِشَيْءٍ منه يُوجِبُ طَلَبَ الدَّلِيلِ على ما وَقَعَ الْقَضَاءُ فيه وكان الْإِفْطَارُ بِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ في إلْحَاقِ غَيْرِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ انْتَهَى قال الْغَزَالِيُّ وَكَمَا لَا عُمُومَ له بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحْوَالِ الْفِعْلِ فَلَا عُمُومَ له بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْخَاصِ بَلْ يَكُونُ خَاصًّا في حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ من خَارِجٍ كَقَوْلِهِ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقِيلَ ما ثَبَتَ في حَقِّهِ فَهُوَ ثَابِتٌ في حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا ما دَلَّ عليه دَلِيلٌ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ وهو فَاسِدٌ قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَالْحَاصِلُ أَنَّا لو تَحَقَّقْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلٌ فَلَيْسَ بِعَامٍّ وَإِنْ كان لَفْظًا فَإِنْ اخْتَصَّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ في خُصُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ على الْعُمُومِ فَإِنْ كان لَفْظًا عَامًّا في وَضْعِ اللُّغَةِ تَمَسَّكْنَا بِعُمُومِهِ وَكَذَا الذي يَقْتَضِيهِ تَصَرُّفُ أَصْحَابِنَا وقد قال الْمَاوَرْدِيُّ وابن أبي هُرَيْرَةَ في تَعْلِيقِهِ وَغَيْرُهُمَا وقد ذَكَرُوا أَنَّ الْجَدَّةَ لَا تَرِثُ مع ابْنِهَا وَأَوْرَدَ الْخَصْمُ عليهم أَنَّ النبي عليه السَّلَامُ وَرَّثَ جَدَّةً وَابْنُهَا حَيٌّ فَأَجَابُوا بِحَمْلِهِ على صُورَةٍ خَاصَّةٍ أو كَكَوْنِهِ قَاتِلًا أو مَمْلُوكًا أو كَافِرًا أو كان ابْنُهَا خَالًا قال ابن أبي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ وَرَّثَ عُمُومًا لِأَنَّ ذلك قَضِيَّةٌ وَالْقَضِيَّةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ في نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنَّمَا يُقَالُ عُمُومٌ في الْأَلْفَاظِ انْتَهَى هذا ما وَجَدْته لِقُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فيه فإنه يَقْتَضِي تَخْرِيجَ قَوْلَيْنِ له في هذه الْمَسْأَلَةِ قال في الْأُمِّ مُجِيبًا عن قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ له فقال وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ الذي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَعَنَهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ضَرْبٌ من نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ ا هـ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ له انْتَهَى وَذَكَرَ في مَوْضِعٍ آخَرَ ما يَقْتَضِي أَنَّهُ عَامٌّ فإنه احْتَجَّ على تَأْجِيلِ الدِّيَةِ على الْعَاقِلَةِ ثَلَاثَةَ سِنِينَ في الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِحَدِيثِ ضَرْبُ الْعَقْلِ على الْعَاقِلَةِ في ثَلَاثِ

سِنِينَ قال الْإِمَامُ في النِّهَايَةِ قال الشَّافِعِيُّ في بَعْضِ مَجَارِي كَلَامِهِ لم يَنْقُلْ النَّقَلَةُ وَاقِعَةً قَضَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِضَرْبِ الْعَقْلِ فيها على الْعَاقِلَةِ إلَّا الْمَرْأَتَيْنِ فَأَمْكَنَ من ذلك أَنْ يَضْرِبَ عَقْلَ الْمَرْأَةِ على الْعَاقِلَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ ثُمَّ إذَا قُلْت ذلك اطَّرَدَ فيه أَنَّ بَدَلَ كل نَفْسٍ مَضْرُوبٌ في ثَلَاثِ سِنِينَ يَعْنِي سَوَاءٌ كان الْوَاجِبُ فيه الدِّيَةَ كَامِلَةً كَالرَّجُلِ أو نِصْفُهَا كَالْمَرْأَةِ قال الْإِمَامُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُ الرَّاوِي قَضَى تَأْسِيسُ شَرْعٍ منه وَلَيْسَ تَمْهِيدًا في قَضِيَّةٍ ولم يَنْقُلْ على التَّخْصِيصِ وَالتَّفْصِيلِ في قَضِيَّةِ الْجَارِيَتَيْنِ فَيَضْرِبُ الْعَقْلَ على الْمَرْأَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ انْتَهَى وَأَطْلَقَ ابن الْحَاجِبِ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُثْبَتَ ليس بِعَامٍّ في أَقْسَامِهِ ثُمَّ اخْتَارَ في نَحْوِ قَوْلِهِ نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ أَنَّهُ يَعُمُّ الْغَرَرُ وَالْجَارُ مُطْلَقًا وقد سَبَقَهُ إلَى هذا شَيْخُهُ الْإِبْيَارِيُّ فإنه ذَكَرَهُ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ سُؤَالًا وَالْآمِدِيَّ بَحْثًا فَارْتَضَاهُ ابن الْحَاجِبِ وَأَقَامَهُ مَذْهَبًا وَتَبِعَهُ ابن السَّاعَاتِيِّ في الْبَدِيعِ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْعُنْوَانِ اخْتَارَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ ابْنَ الْحَاجِبِ عُمُومَ نَحْوِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بِنَاءً على عَدَالَةِ الصَّحَابِيِّ وَمَعْرِفَتِهِ بِاللُّغَةِ وَمَوَاقِعِ اللَّفْظِ مع وُجُوبِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ على وَفْقِ السَّمَاعِ من غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَمِنْهُمْ من قال لَا يَعُمُّ لِأَنَّ الْحُجَّةَ في الْمَحْكِيِّ وَلَا عُمُومَ في الْمَحْكِيِّ قُلْت وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عن الْأَكْثَرِينَ وَسَبَقَ ما يُؤَيِّدُهُ وَصَحَّحَهُ في الْمَحْصُولِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا لَا بُدَّ فيه من تَفْصِيلٍ وهو أَنَّ الْمَحْكِيَّ فِعْلًا لو شُوهِدَ لم يَجُزْ حَمْلُهُ على الْعُمُومِ فَلِذَلِكَ وَجْهٌ وَإِنْ كان فِعْلًا لو حُكِيَ لَكَانَ دَالًّا على الْعُمُومِ فَعِبَارَةُ الصَّحَابِيِّ عنه يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً لِلْمَقُولِ لِمَا تَقَدَّمَ من مَعْرِفَتِهِ وَعَدَالَتِهِ وَوُجُوبِ مُطَابَقَةِ الرِّوَايَةِ الْمَعْنَى الْمَسْمُوعَ ا هـ وقد اخْتَارَ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ قَرِيبًا من هذا فقال وَالْأَقْرَبُ في هذا عِنْدَنَا أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْعَالِمَ بِاللِّسَانِ إذَا قال إنَّ النبي عليه السَّلَامُ عَبَّرَ عن إثْبَاتِ مَعْنًى وَحُكْمٍ ليس له في اللِّسَانِ أَلْفَاظٌ مُحْتَمَلَةٌ قبل ذلك بِمَثَابَةِ رِوَايَتِهِ اللَّفْظَ وَإِنْ ذُكِرَ عنه مَعْنًى

وهو مِمَّا له عِبَارَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَجَبَ مُطَالَبَتُهُ بِحِكَايَةِ اللَّفْظِ ا هـ وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ الْقَرَافِيَّ جَعَلَ هذه الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةً على جَوَازِ رِوَايَةِ الحديث بِالْمَعْنَى فَإِنْ مَنَعْنَاهُ امْتَنَعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ قَضَى ليس هو لَفْظُ الشَّارِعِ وَإِنْ جَوَّزْنَا وهو الصَّحِيحُ فَشَرْطُهُ الْمُسَاوَاةُ فإذا رَوَى الْعَدْلُ اللَّفْظَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَالْغَرَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكِيُّ عَامًّا وَإِلَّا كان ذلك قَدْحًا في عَدَالَتِهِ حَيْثُ رَوَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ ما ليس عَامًّا فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُنَا الْحُجَّةُ في الْمَحْكِيِّ لَا في الْحِكَايَةِ بَلْ الْحُجَّةُ في الْحِكَايَةِ لِأَجْلِ قَاعِدَةِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وفي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ رَابِعٌ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْبَاءُ فَلَا عُمُومَ له كَقَوْلِهِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ فَلَا يَدُلُّ على ثُبُوتِهَا لِكُلِّ جَارٍ بَلْ يَدُلُّ على أَنَّ الْحُكْمَ في الْقَضِيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ أَنَّ فَيَكُونُ لِلْعُمُومِ كَقَوْلِهِ قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ من ذلك حِكَايَةُ لَفْظِهِ عليه السَّلَامُ فَلِذَلِكَ صَحَّ دَعْوَى الْعُمُومِ فيها حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في شَرْحِ اللُّمَعِ وَالْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ وَصَحَّحَهُ وَحَكَاهُ عن أبي بَكْرٍ الْقَفَّالِ وَأَصْحَابِنَا وفي نِسْبَةِ ذلك لِلْقَفَّالِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ من كَلَامِهِ وَجَعَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّزَاعَ لَفْظِيًّا من جِهَةِ أَنَّ الْمَانِعَ لِلْعُمُومِ يَنْفِي عُمُومَ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ نَحْوُ أَمَرَ وَقَضَى وَالْمُثْبِتُ لِلْعُمُومِ يُثْبِتُهُ فيها من دَلِيلٍ خَارِجٍ وهو إجْمَاعُ السَّلَفِ على التَّمَسُّكِ بها بِقَوْلِهِ حُكْمِي على الْوَاحِدِ حُكْمِي على الْجَمَاعَةِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ التَّعْمِيمَ فيها حَاصِلٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ كما قَالَهُ أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فَإِنَّا رَأَيْنَا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حَكَمَ بِقَضَاءٍ في وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ حَدَثَتْ لنا أُخْرَى مِثْلُهَا وَجَبَ إلْحَاقُهَا بها لِأَنَّ حُكْمَ الْمِثْلَيْنِ وَاحِدٌ وَيَتَحَصَّلُ حِينَئِذٍ في الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ

صِيَغُ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ الذي له أَكْثَرُ من احْتِمَالٍ ثُمَّ الْكَلَامُ على الصِّيَغِ إحْدَاهَا إذَا قال الرَّاوِي سَمِعْته يقول قَضَيْت بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ فقال الْقَاضِي يُحْمَلُ على الْعُمُومِ في كل جَارٍ وَيَحْتَمِلُ الْعَهْدَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ فقال لَا يَعُمُّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ أَلْ لِلْعَهْدِ وَهَذَا بِنَاءٌ منه على اخْتِيَارِهِ أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُحَلَّى بِأَلْ لَا يَعُمُّ فَأَمَّا إذَا كان مُنَوَّنًا كَقَوْلِهِ قَضَيْت بِالشُّفْعَةِ لِجَارٍ فَجَانِبُ الْعُمُومِ أَرْجَحُ قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاصِلِ وقال الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعُمُومَ الثَّانِيَةُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ نهى عن بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وأمر بِقَتْلِ الْكِلَابِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ ليس بِعَامٍّ أَيْضًا وَأَنَّهُ مِثْلُ قَضَى وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا ليس بِصَحِيحٍ كما قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ لِأَنَّ أَمَرَ وَنَهَى عِبَارَةٌ عن أَنَّهُ وَقَعَ منه عليه السَّلَامُ خِطَابَا التَّكْلِيفِ اللَّذَانِ هُمَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فلما لم يذكر الصَّحَابَةُ مَأْمُورًا وَلَا مَنْهِيًّا مَخْصُوصًا عُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ كُلُّ الْمُكَلَّفِينَ كَسَائِرِ خِطَابَاتِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ إنْ صَدَّرَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ يَتَوَجَّهُ لِلْجَمْعِ قُلْت وقد احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ على بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ بِمُطْلَقٍ من جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ نهى عن بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وقد احْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِالنَّهْيِ عن بَيْعِ الْغَرَرِ على كَثِيرٍ من الْمَسَائِلِ وَكَذَلِكَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ

وقال الْقَاضِي اسْتِدْلَالُ الْفُقَهَاءِ بِمِثْلِ هذه الصِّيَغِ إنْ اقْتَرَنَ بِهِ ما يَدُلُّ على الْعُمُومِ حُمِلَ عليه وَإِلَّا امْتَنَعَ التَّعَلُّقُ بِهِ وما رُوِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ بِقَضِيَّةِ عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ في ذلك وَأَنَّ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ قال لِعُمَرَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى في مِثْلِ هذا أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَإِنَّهُمَا إنَّمَا احْتَجَّا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّ حُكْمَهُ على الْوَاحِدِ حُكْمُهُ على الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ عَلَّقَ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّعْمِيمَ على أَنَّهُ قد رُوِيَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِدُونِ قَضَى فَيَجِبُ التَّعَلُّقُ بِهِ حِينَئِذٍ وفي الْمُسْتَصْفَى في بَابِ السُّنَّةِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ أَمَرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِكَذَا أو نهى عن كَذَا قِيلَ إنَّهُ أَمْرٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ من يقول بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ في هذا إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ما سَمِعَهُ أَمْرًا لِلْأُمَّةِ أو لِطَائِفَةٍ أو لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَيَتَوَقَّفُ فيه على الدَّلِيلِ لَكِنْ يَدُلُّ عليه أَنَّ أَمْرَهُ لِلْوَاحِدِ أَمْرٌ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا إذَا كان لِوَصْفٍ يَخُصُّهُ من سَفَرٍ أو حَيْضٍ كَقَوْلِنَا أُمِرْنَا إذَا كنا مُسَافِرِينَ نعم إنْ عُلِمَ من عَادَةِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُهُ إلَّا في أَمْرِ الْأُمَّةِ حُمِلَ عليه وَإِلَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا له وَلِلْأُمَّةِ وَلِطَائِفَةٍ وقال شَارِحُهُ الْعَبْدَرِيُّ من قال إنَّهُ عَامٌّ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ على الْمَفْعُولِ بِصِيغَتِهِ بَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ له الثَّالِثَةُ أَنْ يُورَدَ الْفِعْلُ بِصِيغَةِ كان فَهَلْ هو عَامٌّ أَمْ لَا على وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن بَرْهَانٍ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اقْتَضَى التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّكْرَارُ على صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُشَارِكُهَا فيها سَائِرُ الصِّفَاتِ فَأَمَّا إذْ قِيلَ كان يَفْعَلُ كَقَوْلِهِ كان يَجْمَعُ بين الصَّلَاتَيْنِ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ لِخُرُوجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ تَكْرَارِ الْأَفْعَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَفْعَلُ ما يَلْزَمُهُ اسْمُ الْجَمْعِ في حَالَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ قال وما هو بِالْبَيِّنِ أَيْضًا وَفَصَلَ ابن بَرْهَانٍ بين أَنْ يَكُونَ ذلك في الْأُمُورِ التي تَشِيعُ وَلَا تَبْقَى في طَيِّ الْكِتْمَانِ كَقَوْلِ عَائِشَةَ كانت الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ في زَمَنِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم في الشَّيْءِ التَّافِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا على السَّتْرِ وَالْكِتْمَانِ كَالْوَطْءِ فَلَا يَجُوزُ دَعْوَى

الْعُمُومِ فيه قَطْعًا وَلَا يَكُونُ حُجَّةً كما نُقِلَ في قَضِيَّةِ الِاغْتِسَالِ وَالْأَقْوَالِ كَقَوْلِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ كانت عُمُومَتِي يَفْعَلُونَهُ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى خِلَافٍ آخَرَ وهو أَنَّهُ هل يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا وَفِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا يَعُمُّ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ فقال قَوْلُ الرَّاوِي كان يَفْعَلُ كَذَا يُفِيدُ في عُرْفِ اللُّغَةِ تَكْثِيرَ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرَهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ كان فُلَانٌ يُطْعِمُ الطَّعَامَ وَيَحْمِي الذِّمَارَ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ بَلْ يَخُصُّونَ بِهِ الْمُدَاوِمَ على ذلك وقد قال تَعَالَى وكان يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ يُرِيدُ الْمُدَاوَمَةَ على ذلك وَكَذَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ هِيَ تَقْتَضِي تَكْرِيرَ الْفِعْلِ من طَرِيقِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ في اللُّغَةِ كان يَفْعَلُ كَذَا إلَّا إذَا تَكَرَّرَ منه وَتَبِعَهُ ابن الْحَاجِبِ في مُخْتَصَرَيْهِ وَالثَّانِي أنها لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً وَاخْتَارَهُ في الْمَحْصُولِ وقال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الذي عليه أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ من الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ دَلَّ على وُقُوعِهِ مَرَّةً وَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على التَّكْرَارِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَقْتَضِيهَا بِوَضْعِهَا وقال بَعْضُ النُّحَاةِ كان عِبَارَةٌ عن وُجُودِ الشَّيْءِ في زَمَنٍ مَاضٍ على سَبِيلِ الْإِبْهَامِ وَلَيْسَ فيه دَلِيلٌ على عَدَمٍ سَابِقٍ وَلَا انْقِطَاعٍ طَارِئٍ وَالثَّالِثُ أنها لَا تُفِيدُهُ لُغَةً وَتُقَيِّدُهُ عُرْفًا إذْ لَا يُقَالُ كان يَتَهَجَّدُ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَنَقَلَهُ أبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ عن عبد الْجَبَّارِ بَعْدَ أَنْ عَدَّهَا من صِيَغِ الْعُمُومِ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَالتَّحْقِيقُ ما قَالَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّهُ يُقَالُ كان يَفْعَلُ كَذَا بِمَعْنَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ منه فِعْلُهُ وكان عَادَتُهُ كما يُقَالُ كان فُلَانٌ يُقْرِي الضَّيْفَ وكان رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجْوَدَ الناس بِالْخَيْرِ وقد تُسْتَعْمَلُ لِإِفَادَةِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَوُقُوعِهِ دُونَ الدَّلَالَةِ على التَّكْرَارِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ في الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي حَمْلُ الحديث

مَسْأَلَةٌ في عُمُومِ مِثْلِ قَوْلِهِ خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الْجُمْهُورُ أَنَّ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً قد يَقْتَضِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ من كل نَوْعٍ من أَنْوَاعِ الْمَالِ فَكَانَ مَخْرَجُ الْآيَةِ عَامًّا على الْأَمْوَالِ وكان يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضَ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ على أَنَّ الزَّكَاةَ في بَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ وهو الذي نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في كِتَابِ الرِّسَالَةِ فقال عَقِبَ ذِكْرِ هذه الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِدَلَالَةٍ من السُّنَّةِ وَلَوْلَا دَلَالَةُ السُّنَّةِ لَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا سَوَاءٌ وَأَنَّ الزَّكَاةَ في جَمِيعِهَا لَا في بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَنُقِلَ عن نَصِّهِ أَيْضًا في الْبُوَيْطِيِّ نَحْوُهُ وَلِهَذَا احْتَجَّ بها أَصْحَابُنَا على وُجُوبِ الزَّكَاةِ في مَالِ التِّجَارَةِ وَعَلَى أَخْذِ الشَّاةِ الصَّغِيرَةِ من الصِّغَارِ وَاللَّئِيمَةِ من اللِّئَامِ وَنَحْوِهِ لَكِنَّهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ جَعَلَهَا من الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ بِالسُّنَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا الزَّكَاةَ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي أَخْذَ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَوْعٍ وَاحِدٍ وَرَجَّحَهُ ابن الْحَاجِبِ لِأَنَّ من لِلْبَعْضِ الْمُطْلَقِ وَالْوَاحِدَةُ من الْجَمِيعِ يَصْدُقُ عليها وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ فقال في آخِرِ الْمَسْأَلَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَمَأْخَذُ الْكَرْخِيِّ دَقِيقٌ كَذَا نَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ عن الْكَرْخِيِّ وَاَلَّذِي رَأَيْته في كِتَابِ أبي بَكْرٍ الرَّازِيَّ عن شَيْخِهِ أبي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي عُمُومَ وُجُوبِ الْحَقِّ في سَائِرِ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ أَيْضًا وهو الصَّوَابُ في النَّقْلِ عنه وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْوَالَ جَمْعٌ مُضَافٌ وهو من صِيَغِ الْعُمُومِ وَالْمَعْنَى خُذْ من كل نَوْعٍ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَاعْتَرَضَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ مِثْلَ هذه الصِّيغَةِ لَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ لِأَجْلِ من وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ من تَعَلُّقِهَا بِمَحْذُوفٍ صِفَةِ الصَّدَقَةِ وَالتَّقْدِيرُ كَائِنَةً أو مَأْخُوذَةً من أَمْوَالِهِمْ بَلْ من بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ وهو خُصُوصٌ مع أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ لِأَنَّ مَعْنَى كَائِنَةٍ من أَمْوَالِهِمْ أَنْ لَا يَبْقَى نَوْعٌ من الْمَالِ إلَّا وَيُؤْخَذُ منه وَهَذَا هو بَيَانُ الْعُمُومِ هذا هو الذي لَحَظَهُ الشَّافِعِيُّ

وقال بَعْضُهُمْ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ الذي هو من أَمْوَالِهِمْ إنْ كان مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ خُذْ فَالْمُتَّجَهُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ مُطْلَقٌ وَالصَّدَقَةَ نَكِرَةٌ في سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِصَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ من نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كان مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ صَدَقَةً فَيَقْوَى قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَكُونُ من أَمْوَالِهِمْ إذَا كانت من كل نَوْعٍ من أَمْوَالِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كان الْمُعْتَبَرُ دَلَالَةَ الْعُمُومِ في أَمْوَالِهِمْ وَأَنَّهَا كُلِّيَّةٌ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ من كل نَوْعٍ من أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَلَا نَظَرَ إلَى تَنْكِيرِ صَدَقَةٍ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْأَمْوَالِ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِخُذْ أو بِصَدَقَةٍ وَإِنْ اُعْتُبِرَ لَفْظُ صَدَقَةً وَأَنَّهُ نَكِرَةٌ في سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ له على الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا يَتَرَتَّبُ على هذا الْخِلَافِ أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ اُخْتُلِفَ في وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيه فَلِلْقَائِلِ بِالْعُمُومِ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وهو نَظِيرُ الْخِلَافِ في قَوْلِهِ وَآتُوا الزَّكَاةَ في أنها عَامَّةٌ أو مُجْمَلَةٌ الثَّانِي هل الزَّكَاةُ اسْمٌ لِلْعَيْنِ أو الْفِعْلِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْجَاجَرْمِيُّ في رِسَالَتِهِ في الْأُصُولِ فَقِيلَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً وَقَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ وَالْمُرَادُ الزَّكَاةُ وَمَحَلُّ الْأَخْذِ هو الْعَيْنُ لَا الْفِعْلُ غير أَنَّ اسْمَ الزَّكَاةِ على الْفِعْلِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ على الْحَالِ وَقِيلَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالْإِنْسَانُ إنَّمَا يَصِيرُ فَاعِلَ الْفِعْلِ لَا لِمَحَلِّ الْفِعْلِ وَلِأَنَّهُ عليه السَّلَامُ جَعَلَ الزَّكَاةَ عِبَادَةً

فصل في اشتمال العموم على بعض من يشكل تناوله بالنسبة إلى النساء والعبيد والمخاطب وغيره وفيه مسائل
الأولى الألفاظ الدالة على الجمع بالنسبة إلى دلالتها على المذكر والمؤنث على أقسام
أحدها ما يختص به أحدهما ولا يطلق على الآخر بحال كرجال للمذكر والنساء للمؤنث فلا يدخل أحدهما في الآخر بالاتفاق إلا بدليل من خارج من قياس أو غيره قاله الأستاذان أبو إسحاق وأبو منصور وغيرهما قيل ومما يختص به الذكور الهاء والميم والواو والنون ومما يختص به الإناث الألف والتاء ومنه الوقف على البنين لا تدخل البنات أو البنات لا تدخل البنون لكن سيأتي في الجموع بالواو والنون ومنه القوم فإنه خاص بالذكور قال تعالى لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولهذا لا يدخلن في الوصية لهم على الأصح الثاني ما يعم الفريقين بوضعه وليس لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخل كالناس والإنس والجن والأناس والبشر فيدخل فيه كل منهما بالاتفاق أيضا وفي كلام الغزالي في المنخول إثبات خلاف وهو بعيد الثالث لفظ يشملها من غير قرينة ظاهرة في أحدهما كمن وهذا من موضع الخلاف فقيل لا يدخل فيه النساء إلا بدليل والصحيح أنه يتناولهما بدليل قوله تعالى ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى فلولا اشتماله عليه لم يحسن التقسيم بعد ذلك وممن حكى الخلاف في هذه المسألة من الأصوليين أبو الحسين في المعتمد وإلكيا الهراسي في التلويح وحكاه غيرهما عن بعض الحنفية وإنهم لذلك قالوا إن المرتدة لا تقتل لعدم دخولها في قوله من بدل دينه فاقتلوه لكن الموجود في

كتبهم أنها تعم الجميع كقول الجمهور وصرح به البزدوي وشراح كتابه وابن الساعاتي وغيرهما ونقل في المحصول الإجماع على أنه لو قال من دخل داري من أرقائي فهو حر دخل فيه الإماء وكذلك لو علق بهذا اللفظ وصية أو توكيلا أو إذنا في أمر لم يختص بالذكور وكان بعض مشايخنا لهذا ينكر حكاية الخلاف على ابن الحاجب وقد علمت مستنده ثم إن إمام الحرمين خص الخلاف بما إذا كانت شرطية قال الهندي والظاهر أنه لا فرق بينهما وبين من الموصولة والاستفهامية والخلاف جار في الجميع وهو كما قال بناء على عمومهن والإمام إنما فرض الخلاف في الشرطية لأنه لم يذكر عموم غيرها ثم ذكر إمام الحرمين أن مستند القائلين بأنها لا تتناول المؤنث قولهم في باب الحكاية من ومنه يدل على أن اللفظ لا يتناول المؤنث إلا بعلامة تأنيث وأجاب وتبعه ابن القشيري بأنها لغة شاذة وليست من الفصيح وليس كذلك بل هي الفصيحة في باب الحكاية وظن الإمام أنها شرطية وهو وهم بل هي استفهامية ووهم أيضا في قوله إنه قد يعود الضمير مفردا على اللفظ وجمعا على المعنى كقوله تعالى ومنهم من يستمعون إليك ومنهم من ينظر إليك وهذه ليست شرطية بل موصولة وتبعه إلكيا في الموضعين وإنما الجواب ما ذكره ثانيا أن ذلك على وجه الحكاية بأن العرب لم تقصد حينئذ بها معناها الأصلي وإنما تأتي به في حكاية النكرات خاصة فيحصل الشبه بين كلام الحاكي والمخبر فإذا قال جاءتني امرأة قال له المستفهم منه للمحاكاة لا لأن اللفظ لا يتناول المؤنث إلا بعلامة التأنيث وذكر بعضهم أن من وإن لم يكن لها علامة تأنيث يفصل بها بالأصالة لكن يعرف ذلك من تأنيث الفعل الواقع بعدها وتذكيره نحو من فعل كذا ومن فعلت وهذا ضعيف لأنه يصح تذكير الفعل وتأنيثه مراعاة للفظها تارة ولمعناها أخرى قال تعالى ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا فذكر الفعل أولا ثم أنثه والخطاب فيهما للإناث

فروع ينبغي بناؤها على هذا الأصل منها أن المرتدة هل تقتل بناء على أنها دخلت في قوله من بدل دينه أو لا تعم ومنها إذا قتلت هل لها السلب فيه وجهان والأصح تعم لعموم قوله من قتل فله سلبه ومنها إذا نظرت في بيت بغير إذن صاحبه فالأصح أنها تهدر كالرجل لعموم قوله من اطلع على قوم بغير إذنهم الحديث عُمُومُ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ الذُّكُورَ وَالْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْإِنَاثَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ في الْمُؤَنَّثِ وَبِحَذْفِهَا في الْمُذَكَّرِ كَجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ نَحْوُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ نَحْوُ قالوا كما قَالَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ وَهَذَا هو مَحَلُّ الْخِلَافِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النِّسَاءُ فيه إلَّا بِدَلِيلٍ كما لَا يَدْخُلُ الرِّجَالُ في لَفْظِ الْمُؤَنَّثِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَمِمَّنْ نَسَبَهُ لِلشَّافِعِيِّ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وأبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وأبو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي في الْأَقْضِيَةِ وَالرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ في كِتَابِ السِّيَرِ وابن الْقُشَيْرِيّ وَأَخَذُوا ذلك من قَوْلِهِ لَا جِهَادَ على النِّسَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قال جَاهِدُوا وقال حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ دَلَّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ الْمُؤْمِنَاتِ قال الْقَفَّالُ وَأَصْلُ هذا أَنَّ الْأَسْمَاءَ وُضِعَتْ لِلدَّلَالَةِ على الْمُسَمَّى فَخُصَّ كُلُّ نَوْعٍ بِمَا يُمَيِّزُهُ فَالْأَلِفُ وَالتَّاءُ جُعِلَتْ عَلَمًا لِجَمْعِ الْإِنَاثِ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ لِجَمْعِ الذُّكُورِ فَالْمُؤْمِنَاتُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَاتِلُوا خِلَافُ قَاتِلْنَ ثُمَّ قد تَقُومُ قَرَائِنُ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ دُخُولُ الْإِنَاثِ في الذُّكُورِ وقد لَا تَقُومُ فَيَلْحَقْنَ بِالذُّكُورِ بِالِاعْتِبَارِ

وَالدَّلَائِلِ كما يَلْحَقُ الْمَسْكُوتُ عنه بِالْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ وَمِمَّا يَدُلُّ على هذا إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ على أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ غُلِّبَ الْمُذَكَّرُ فَلَوْلَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ لِلْمُذَكَّرِ لم يَكُنْ هو الْغَالِبَ ولم يَكُنْ حَظُّهُ منها كَحَظِّ الْمُؤَنَّثِ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا إذَا اجْتَمَعَا اسْتَقَلَّ أَفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوَصْفٍ فَغُلِّبَ الْمُذَكَّرُ وَجُعِلَ الْحُكْمُ له فَدَلَّ على أَنَّ الْمَقْصُودَ هُمْ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ تَوَابِعُ انْتَهَى وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في الْكِفَايَةِ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ وَنَصَرَهُ ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ وَالشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في التَّبْصِرَةِ وَنَقَلَهُ في الْأَوْسَطِ عن مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ وَنَقَلَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ عن مُعْظَمِ أَهْلِ اللُّغَةِ وقال الْقَاضِي إنَّهُ الصَّحِيحُ قال وَلَسْت أَحْفَظُ عن مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا شيئا غير أَنَّ ظَاهِرَ مَذَاهِبِهِمْ الدُّخُولُ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ كما قَالَهُ سُلَيْمٌ وابن السَّمْعَانِيِّ وابن السَّاعَاتِيِّ قُلْت منهم شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ اللُّبَابِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ عن أبي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عن ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَنُسِبَ لِلْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ عليه السَّلَامُ سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ هُمْ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ فَلَوْلَا دُخُولُهَا فيه لم يَحْسُنْ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ رَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ انْدِرَاجَ النِّسَاءِ تَحْتَ لَفْظِ الْمُسْلِمِينَ بِقَضِيَّةِ التَّغْلِيبِ لَا بِأَصْلِ الْوَضْعِ إذْ اللَّفْظُ لم يُوضَعْ لَهُنَّ وَهَذَا ما حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عن أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وقال الْإِبْيَارِيُّ لَا خِلَافَ بين الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ أَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ بِحَالٍ وَإِنَّمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى تَنَاوُلِهِ الْجِنْسَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ في الْأَحْكَامِ لم تَقْصُرْ الْأَحْكَامُ على الذُّكُورِ قال وإذا حَكَمْنَا بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمَا فَهَلْ تَقُولُ اجْتَمَعَ في اللَّفْظِ مُوجِبُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أو يَكُونُ جميعا مَجَازًا صِرْفًا فيه خِلَافٌ وَقِيَاسُ مَذْهَبِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مَجَازًا صِرْفًا وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فيه مُوجِبُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ انْتَهَى

وَحَاصِلَةُ الْإِجْمَاعِ على عَدَمِ الدُّخُولِ لُغَةً حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ في ظُهُورِهِ لِاشْتِهَارِهِ عُرْفًا وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَجَعَلَ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ مَحَلَّهُ ما إذَا وَرَدَ الْجَمْعُ مُجَرَّدًا أَمَّا لو ذُكِرْنَ مع الرِّجَالِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ يا أَيُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ من شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فَلَا خِلَافَ في دُخُولِهِنَّ في الْخِطَابِ وهو قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فإنه وَافَقَ على الدُّخُولِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ قال أَوْصَيْت لَكُمْ بِكَذَا فإنه يَدْخُلُ النِّسَاءُ اتِّفَاقًا بِقَرِينَةِ الْإِيصَاءِ الْأَوَّلِ قال الْهِنْدِيُّ وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُشْعِرُ بِتَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ من الشَّرْعِ لِقَرِينَةٍ عليه وَهِيَ الْمُشَارَكَاتُ في الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قال وَاتَّفَقَ الْكُلُّ على أَنَّ الْمُذَكَّرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ إنْ وَرَدَ مُقْتَرِنًا بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ وَمِنْ أَقْوَى ما احْتَجَّ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ على أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ غُلِّبَ الْمُذَكَّرُ وَعَلَى هذا وَرَدَ قَوْله تَعَالَى اهْبِطُوا منها جميعا في خِطَابِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ قال الْمَاوَرْدِيُّ هذا مَنْشَأُ الْخِلَافِ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ من صِحَّةِ إرَادَةِ الشَّيْءِ من الشَّيْءِ إرَادَتُهُ منه إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا من غَيْرِ قَرِينَةٍ كَيْفَ وَالْوَاقِعُ من أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ إنَّمَا هو تَغْلِيبُ الْخِطَابِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إذَا اجْتَمَعُوا وَأَنَّهُ يُغَلَّبُ جَانِبُ التَّذْكِيرِ ولم يَذْكُرُوا أَنَّ اللَّفْظَةَ عِنْدَ إطْلَاقِهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَنَاوُلِ الْجَمِيعِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ في الْخِلَافِ غَيْرِ الشِّفَاهِيِّ وَقِيَامِ الْقَرِينَةِ على الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أَمَّا الْخِطَابُ الشِّفَاهِيُّ كَقَوْلِهِ أَعْطُوا هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ وَهُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ دَخَلْنَ قَطْعًا ولم يَخْتَلِفْ الْمُفَسِّرُونَ في قَوْله تَعَالَى اهْبِطُوا منها جميعا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ حَوَّاءَ وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمُخْرِجَةُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ خَصَّهُ عليه السَّلَامُ بِغَيْرِ النِّسَاءِ لِنَهْيِهِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْمُدْخِلَةُ فَكَقَوْلِهِ أَقِيمُوا الْحُدُودَ على ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فإن الْمَعْنَى في اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ الْمِلْكُ وهو شَامِلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلِهَذَا أَقَامَتْ عَائِشَةُ الْحَدَّ على أَمَةٍ لها وَيَخْرُجُ من هذا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ ما يَدْخُلْنَ قَطْعًا وما لَا يَدْخُلْنَ قَطْعًا وما يَدْخُلْنَ على الْأَصَحِّ وما لَا يَدْخُلْنَ على الْأَصَحِّ

الثَّانِي سَكَتُوا عن الْخَنَاثَى هل يَدْخُلُونَ في خِطَابِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالظَّاهِرُ من تَصَرُّفِ الْفُقَهَاءِ دُخُولُهُمْ في خِطَابِ النِّسَاءِ فِيمَا فيه تَغْلِيظٌ وَخِطَابُ الرِّجَالِ فِيمَا فيه تَخْفِيفٌ وقد يَجْعَلُونَهُ في مَوَاضِعَ خَارِجًا عن الْقِسْمَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ في دُخُولِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَحْتَ الْخِطَابِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ نَحْوُ يا أَيُّهَا الناس وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي أَحَدُهَا يَدْخُلُونَ فيه لِتَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ إلَيْهِمْ الثَّانِي لَا يَدْخُلُونَ إلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعُ الْأَحْرَارِ وَالثَّالِثُ إنْ تَضَمَّنَ الْخِطَابُ تَعَبُّدًا تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ وَإِنْ تَضَمَّنَ مِلْكًا أو عَقْدًا أو وِلَايَةً لم يَدْخُلُوا فيه قِيلَ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْغَزْوِ وَالْخَرَاجِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ له وَإِنْ مَلَكَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي عليه أَتْبَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وهو الصَّحِيحُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ إتْبَاعًا لِمُوجِبِ الصِّيغَةِ وَلَا يَخْرُجُونَ إلَّا بِدَلِيلٍ كما قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ عن مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ عن مُعْظَمِ أَصْحَابِهِمْ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قد جَعَلَ الشَّافِعِيُّ بَعْضَ الظَّوَاهِرِ بِالتَّرْجِيحِ لِلْأَحْرَارِ إذْ كان أَكْثَرُ الْخِطَابِ في الشَّرْعِ مَخْصُوصًا بِهِمْ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فيه قَوْلَيْنِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا جُعِلَ في الْأَحْرَارِ بِالتَّرْجِيحِ على حَمَلَةِ الشَّرْعِ وَفَصَّلَ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ من الْحَنَفِيَّةِ بين أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِحَقِّ اللَّهِ فَيَشْمَلُهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ فَلَا وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ شَهَادَةُ الْعَبِيدِ وَلِأَنَّ اسْتِغْرَاقَهُمْ بِحُقُوقِ السَّادَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على امْتِيَازِهِمْ عن حُكْمِ الْعُمُومِ وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ عن ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ منهم وفي دُخُولِ الْمُبَعَّضِ كَلَامٌ سَبَقَ في بَحْثِ التَّكْلِيفِ

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَكْثَرُ كما قَالَهُ الْأُسْتَاذُ دُخُولُ الْكَافِرِ في الْخِطَابِ الصَّالِحِ له وَلِلْمُؤْمِنِينَ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا كَيَا أَيُّهَا الناس يا أُولِي الْأَلْبَابِ فَيَعُمُّ وَلَا يَخْرُجُ منها أَحَدٌ إلَّا بِدَلِيلٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ يَدْخُلُونَ في حُقُوقِ اللَّهِ دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وقد سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ في بَابِ التَّكْلِيفِ قال الْهِنْدِيُّ وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إنْ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا من حَيْثُ اللُّغَةُ فَهُوَ مُكَابَرَةٌ وَإِنْ زَعَمُوا التَّنَاوُلَ لَكِنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ في الشَّرْعِ خَصَّصَهُمْ فَهُوَ بَاطِلٌ لِلْإِجْمَاعِ على أَنَّهُمَا مُكَلَّفَانِ في الْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْخِطَابُ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَاصِرٌ عليهم قال أبو الْبَرَكَاتِ بن تَيْمِيَّةَ في مُسَوَّدَتِهِ الْأُصُولِيَّةِ هو على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا خِطَابٌ على لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَقَوْلِهِ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا في دِينِكُمْ يا بَنِي إسْرَائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِي فَهَذَا حُكْمُ سَائِرِ الناس فيه حُكْمُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ إنْ شَارَكُوهُمْ في الْمَعْنَى دَخَلُوا وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ صِنْفٌ من الْمَأْمُورِينَ بِالْقُرْآنِ نَظِيرُ خِطَابِهِ لِوَاحِدٍ من الْأُمَّةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ في حَقِّ مِثْلِهِ ثُمَّ هل عَمَّ عُرْفًا أو عَقْلًا فيه الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي خِطَابُهُ لهم على لِسَانِ مُوسَى وَغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ شَرْعِ من قَبْلَنَا وَالْحُكْمُ هُنَا لَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الْخَطَّابِيِّ قَطْعًا لَكِنْ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كما دَلَّ عليه قَوْله تَعَالَى لقد كان في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَقَوْلُهُ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصَارِ وَنَحْوُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ يَكُونُ تَارَةً لِلْأَشْخَاصِ وَتَارَةً لِلْأَفْعَالِ وفي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ يَعُمُّ وَهَلْ هو بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أو بِالْعِبَارَةِ الْعُرْفِيَّةِ أو بِالْعِبْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْخِطَابُ بِ يا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ حَكَى ابن السَّمْعَانِيِّ في الِاصْطِلَاحِ عن بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَهُمْ من الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ ثُمَّ اخْتَارَ التَّعْمِيمَ لهم وَلِغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ التَّكْلِيفِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا خُصُّوا بِالذِّكْرِ من بَابِ خِطَابِ التَّشْرِيفِ لَا خِطَابِ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبَا وقد ثَبَتَ تَحْرِيمُ الرِّبَا في حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ في التَّنَاوُلِ بِالصِّيغَةِ لَا بِأَمْرٍ خَارِجٍ وقال بَعْضُهُمْ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أو من عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَإِلَّا كَيْفَ بِعُمُومِ الشَّرِيعَةِ لهم وَلِغَيْرِهِمْ وَأَمَّا حَيْثُ يَظْهَرُ الْفَرْقُ أو يُمْكِنُ مَعْنًى غَيْرُ شَامِلٍ لهم فَلَا يُقَالُ بِثُبُوتِ ذلك الْحُكْمِ لهم لِأَنَّهُ يَكُونُ إثْبَاتَ حُكْمٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَالتَّعَلُّقُ قَدْرٌ زَائِدٌ على الْوُجُوبِ فَلَا يَثْبُتُ في حَقِّهِمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا مَعْنًى مَسْأَلَةٌ وقد يَجِيءُ الْخِطَابُ بِيَا أَيُّهَا الناس لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً في قَوْلِهِ يا أَيُّهَا الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ الْآيَةَ نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ في الرِّسَالَةِ وقال إنَّهُ من الْعُمُومِ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ هل يَشْمَلُ الْمَعْدُومِينَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ شِفَاهًا في عَصْرِ النبي عليه السَّلَامُ مِثْلُ يا أَيُّهَا الناس وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَيُسَمَّى خِطَابَ الْمُوَاجَهَةِ لَا خِلَافَ في شُمُولِهِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ من الْمَعْدُومِينَ حَالَ صُدُورِهِ لَكِنْ هل هو بِاللَّفْظِ أو بِدَلِيلٍ آخَرَ من إجْمَاعٍ أو قِيَاسٍ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ من الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ من اللَّفْظِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى

الثَّانِي وَأَنَّ شُمُولَ الْحُكْمِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ أو الْقِيَاسِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِمَّا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ من دِينِهِ عليه السَّلَامُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ هُمْ مُكَلَّفُونَ لَا من الْخِطَابِ وَلَكِنْ لَمَّا كانت الرِّسَالَةُ رَاجِعَةً إلَى سَائِرِ الْقُرُونِ كَانُوا سَوَاءً قال تَعَالَى لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وَقَوْلُهُ بُعِثْت إلَى الناس كَافَّةً قُلْت وَأَصْرَحُ مِنْهُمَا قَوْله تَعَالَى هو الذي بَعَثَ في الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا إلَى قَوْلِهِ وَآخَرِينَ منهم لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ من قال بِخُصُوصِهِ بِالْمُخَاطَبِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ فيه أَحْوَالَ الْمُخَاطَبِينَ وَلَا يُدْخِلُ في خِطَابِهِمْ من ليس بِصِفَتِهِمْ إلَّا بِدَلِيلٍ من خَارِجٍ وَهَذَا غَيْرُ الِاخْتِصَاصِ بِأَعْيَانِهِمْ وهو أَعْلَى مَرْتَبَةً منه لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَعْيَانِ في الْأَحْكَامِ مَحْمُولٌ غَالِبًا غَلَبَةً كَثِيرَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا تُعْتَبَرُ أَحْوَالُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ إلَّا أَنْ يُحْتَمَلَ اعْتِبَارُهَا لِمُنَاسَبَةٍ أو غَيْرِهَا وَالْأَلْيَقُ بِالتَّخْصِيصِ الْأَوَّلُ وقال في شَرْحِ الْعُنْوَانِ الْخِلَافُ في أَنَّ خِطَابَ الْمُشَافَهَةِ هل يَشْمَلُ غير الْمُخَاطَبِينَ قَلِيلُ الْفَائِدَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فيه خِلَافٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ لُغَةً وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ غير الْمُخَاطَبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ يَقْتَصِرُ على غَيْرِ الْمُخَاطَبِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ على الْعُمُومِ في تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا عُلِمَ قَطْعًا من الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ عَامَّةٌ إلَّا حَيْثُ يَرِدُ التَّخْصِيصُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَبَّرَ جَمَاعَةٌ عن هذه الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخِطَابَ مع الْمَوْجُودِينَ في زَمَنِهِ عليه السَّلَامُ لَا يَتَنَاوَلُ من بَعْدَهُمْ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ أَخَصَّ من هذا وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ في يا أَيُّهَا الناس وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كما ذَكَرْنَا وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَلْفَاظُ لها حَالَتَانِ تَارَةً تَكُونُ مَحْكُومًا بها نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ أو مُخَاطَبَةً بِخِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ نَحْوُ يا زَيْدُ وَتَارَةً تَكُونُ مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ نَحْوُ اصْحَبْ

الْعُلَمَاءَ فَالْمُسَمَّيَاتُ في الْحَالَةِ الْأُولَى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً حَالَ الْحُكْمِ أو الْخِطَابِ فإن الْقَضَاءَ بِالْحَقِيقَةِ في الْخَارِجِ فَرْعُ وُجُودِهَا وَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ مَعَهَا وَمَدَارُهَا في الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً في الْخَارِجِ بَلْ اللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيمَا وُجِدَ وَسَيُوجَدُ منها كَقَوْلِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ اصْحَبْ الْعُلَمَاءَ لَا فَرْقَ فيه بين من يَكُونُ عَالِمًا حَالَ الْخِطَابِ وَبَيْنَ من سَيَصِيرُ عَالِمًا بَعْدَ ذلك وَكَذَلِكَ اقْطَعُوا السَّارِقَ وَحُدُّوا الزُّنَاةَ وَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ على نَحْوِ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَقَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي يَتَنَاوَلُ مُشْرِكِي زَمَانِنَا وَسُرَّاقَهُمْ وَزُنَ لَا على وَجْهِ الْمَجَازِ لَكِنْ اتَّفَقُوا أَيْضًا على أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالصِّفَةِ الْمُشْتَقَّةِ لِمَنْ لم تَعُمَّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيَامِهَا في الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ كما في قَوْله تَعَالَى إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَلَا طَرِيقَ إلَى الْجَمْعِ بين هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ إلَّا ما ذَكَرْنَاهُ من كَوْنِ الصِّفَةِ مَحْكُومًا بها وَكَوْنِهَا مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ وقد اعْتَرَضَ النَّقْشَوَانِيُّ في تَلْخِيصِ الْمَحْصُولِ على هذه الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ الْمَعْدُومَ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالْخِطَابِ السَّابِقِ ولم يُفَرِّقُوا بين خِطَابِ الْمُشَافَهَةِ وَغَيْرِهِ وهو غَفْلَةٌ منهم لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ في الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ له تَعَلُّقٌ بِمَنْ سَيُوجَدُ على تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَتَعَلُّقُ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ ليس من بَابِ أَوْضَاعِ اللُّغَةِ في شَيْءٍ بَلْ هو أَمْرٌ عَقْلِيٌّ وَلِذَلِكَ مَثَّلُوهُ بِأَنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ في نَفْسِهِ طَلَبَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَاَلَّذِي من وَلَدٍ سَيُوجَدُ له على تَقْدِيرِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ هذه الْمَسْأَلَةِ فإن مُعْتَمَدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَ الْمُشَابَهَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ أَنَّ الْعَرَبَ لم تَضَعْ مِثْلَ قُومُوا وَلَا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ خِطَابًا لِلْمَعْدُومِ بَلْ وَلَا لِلْمَوْجُودِ الْغَائِبِ بَلْ الْحَاضِرُ الْقَرِيبُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَحْثَ في هذه الْمَسْأَلَةِ لُغَوِيٌّ وَتِلْكَ عَقْلِيٌّ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا وَمِمَّنْ أَوْرَدَ هذا السُّؤَالَ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَأَجَابَ عنه بِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ في تَسْمِيَتِهِ أَمْرًا وَهُنَا في تَسْمِيَتِهِ خِطَابًا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فإن مَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْدُومِ التَّعَلُّقُ الْعِلْمِيُّ لَا التَّنْجِيزِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى خِطَابًا لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا قُصِدَ بِهِ إفْهَامُ من هو مُتَهَيِّئٌ لِلْفَهْمِ وهو غَيْرُ مُمْكِنٍ في الْمَعْدُومِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قُلْنَا إنَّ كَلَامَ اللَّهِ في الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا فَإِنْ قُلْنَا يُسَمَّى فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذي قال بِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ لِلْمَعْدُومِ زَمَنَ النبي عليه السَّلَامُ أَرَادَ بِهِ التَّنَاوُلَ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ أَهْلًا لِلْخِطَابِ كما في الْأَمْرِ لَا أَنَّهُ حَالَ عَدَمِهِ مُخَاطَبٌ بِمَعْنًى يَفْهَمُهُ في ذلك الْوَقْتِ

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ هل خِطَابُ اللَّهِ رَسُولَهُ بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ يَشْمَلُ أُمَّتَهُ الْخِطَابُ الْمُخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ عليه السَّلَامُ بِوَضْعِ اللِّسَانِ مِثْلُ يا أَيُّهَا النبي وَيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْأُمَّةُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ من قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُهُمْ الْحُكْمُ لَا بِاللَّفْظِ وَقِيلَ يَدْخُلُ في اللَّفْظِ فَهُوَ عَامٌّ إلَّا بِدَلِيلٍ يُخْرِجُهُ وَنُقِلَ عن أبي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ من أَصْحَابِنَا وهو بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ على التَّعْبِيرِ بِالْكَبِيرِ عن أَتْبَاعِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وقال ابن الْقُشَيْرِيّ قالت الْحَنَفِيَّةُ الْأُمَّةُ معه بِشَرْعٍ في الْخِطَابِ الْمُخْتَصِّ وَلِهَذَا قالوا يَصِحُّ لنا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ قال وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ أَمَّا اللَّفْظُ في وَضْعِهِ فَمُخْتَصٌّ بِهِ وَأَمَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ هل كَانُوا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ مِثْلًا له في الْخِطَابِ فَلَسْنَا على ثَبْتٍ في ذلك وَالْغَالِبُ على الظَّنِّ أَنَّهُمْ ما كَانُوا يَطْلُبُونَ مُشَارَكَتَهُ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ فَأَمَّا ما لم تَظْهَرْ خَاصَّتُهُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فقال الصِّيغَةُ إمَّا أَنْ تَرِدَ في مَحَلِّ التَّخْصِيصِ أو لَا فَإِنْ وَرَدَتْ فَهُوَ خَاصٌّ وَإِلَّا عَامٌّ لِأَنَّا لم نَجِدْ دَلِيلًا نَاطِقًا على التَّخْصِيصِ وَلَا على التَّعْمِيمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَإِنْ ظَهَرَ اخْتَصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ فَكَأَنَّ الْإِمَامَ يقول بِالْعُمُومِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فَلِهَذَا نَقَلْنَاهُ عنه أَوَّلًا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هو الْمَقْصُودُ بِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَمَّا ما قَامَتْ قَرِينَةٌ على أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحُكْمِ غَيْرُهُ وَأَتَى بِلَفْظِهِ لِجَلَالَةِ وُقُوعِ الْمُشَافَهَةِ معه كما في قَوْله تَعَالَى لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك فَهَذَا لَا مَدْخَلَ له فيه صلى اللَّهُ عليه وسلم بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هذا فَذِكْرُ ابْنِ الْحَاجِبِ هذه الْآيَةَ في صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ ليس بِجَيِّدٍ وَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمُخَاطَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ وَهُمْ مَعْصُومُونَ بَلْ ذلك على سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالْمُحَالُ يَصِحُّ فَرْضُهُ لِغَرَضٍ وَحَكَى ابن عَطِيَّةَ عن مَكِّيِّ وَالْمَهْدَوِيِّ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ فَلَا تَكُونَنَّ من الْجَاهِلِينَ لِلنَّبِيِّ عليه السَّلَامُ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ

قال وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَارْتَكَبَ شَطَطًا في التَّأْوِيلِ قال وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمَ قَوْلَ اللَّهِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هذا وَنَحْوَهُ من بَابِ الْخِطَابِ الْعَامِّ من غَيْرِ قَصْدِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْمَعْنَى اتِّفَاقُ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ على ذلك وَيُسْتَرَاحُ حِينَئِذٍ من إيرَادِ هذا السُّؤَالِ من أَصْلِهِ أَمَّا فِيمَا لم يَظْهَرْ أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ بِهِ فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ على دُخُولِهِمْ فَلَا خِلَافَ في عُمُومِهِ وَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مُبَيِّنَةً أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِهِ عنه وَعَنْ غَيْرِهِ مَجَازًا هذا كما في قَوْله تَعَالَى يا أَيُّهَا النبي إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ الْآيَةَ فإن ضَمِيرَ الْجَمْعِ في قَوْلِهِ طَلَّقْتُمْ وَطَلِّقُوهُنَّ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ على أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ معه بِالْحُكْمِ وَأَنَّهُ خُصَّ بِالْخِطَابِ لِكَوْنِهِ مَتْبُوعَهُمْ وَلَوْلَا فَهْمُ عُمُومِهَا لِلْأُمَّةِ لَمَا افْتَتَحَ بها وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هذا الْخِطَابِ نَوْعَانِ نَوْعٌ مُخْتَصٌّ لَفْظُهُ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلَكِنْ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَقَوْلِهِ يا أَيُّهَا النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَك تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِك ثُمَّ قال قد فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَقَوْلُهُ يا أَيُّهَا النبي إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ وَنَوْعٌ يَكُونُ الْخِطَابُ له وَلِلْأُمَّةِ وَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ لِكَوْنِهِ هو الْمُوَاجَهُ بِالْوَحْيِ وهو الْأَصْلُ فيه وَالْمُبَلِّغُ لِلْأُمَّةِ وَالسَّفِيرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ الْخِطَابُ له وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ ولم يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ لم يُخَاطَبْ بِذَلِكَ أَصْلًا كما يقول السُّلْطَانُ لِمُقَدِّمِ الْعَسَاكِرِ اُخْرُجْ غَدًا أو انْزِلْ بِمَكَانِ كَذَا وَاحْمِلْ على الْعَدُوِّ في وَقْتِ كَذَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ما أَصَابَك من حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وما أَصَابَك من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِك بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ إنْ اخْتَصَّ بِهِمْ نَحْوُ يا أَيُّهَا الْأُمَّةُ فَلَا يَدْخُلُ الرَّسُولُ تَحْتَهُ بِلَا خِلَافٍ كما قال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في كِتَابِ الْإِفَادَةِ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ فَالْأَوَّلُ عَامٌّ وَالثَّانِي خَاصٌّ فِينَا دُونَهُ لِأَنَّهُ هو الذي أَمَرَنَا بِالِاسْتِجَابَةِ له وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ

قد أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا تَقْدِيرُهُ اُطْلُبُوا رَسُولًا على الْإِغْرَاءِ وَهَذَا أَيْضًا فِينَا دُونَهُ ا هـ وَإِنْ أَمْكَنَ تَنَاوُلُهُ نَحْوُ يا أَيُّهَا الناس وَيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَيَا عِبَادِي فَاخْتَلَفُوا فيه فَالْأَكْثَرُ على أَنَّهُ يَشْمَلُهُ وَقِيلَ لَا لِأَجْلِ الْخَصَائِصِ الثَّابِتَةِ له وَالثَّالِثُ نُقِلَ عن أبي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَالْحَلِيمِيِّ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَسْبِقَهُ تَبْلِيغٌ نَحْوُ قُلْ وَنَحْوِهِ فَلَا يَشْمَلُهُ فإن الْأَمْرَ بِالتَّبْلِيغِ يُؤَثِّرُ في عُمُومِ الْخِطَابِ وَإِنْ وَرَدَ مُسْتَرْسِلًا فَالرَّسُولُ فيه بِمَثَابَةِ غَيْرِهِ وَاسْتَنْكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ الْقَوْلَ فيها جميعا مُسْتَنِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ خِطَابَهُ إلَيْنَا فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِقَةِ وقال الْمُقْتَرَحُ في تَعْلِيقِهِ الْخِطَابُ إمَّا أَنْ يَكُونَ من الْكِتَابِ أو من السُّنَّةِ فَإِنْ كان من الْكِتَابِ فَهُوَ مُبَلِّغٌ عن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُبَلِّغُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ الْخِطَابِ وَإِنْ كان من السُّنَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهَدًا أو لَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فَيَرْجِعُ إلَى أَنْ الْمُخَاطَبَ هل يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ أَمْ لَا وَإِنْ لم يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَهُوَ مُبَلِّغٌ وَالْمُبَلِّغُ إذَنْ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخِطَابِ ثُمَّ قِيلَ لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَقِيلَ بَلْ تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِيمَا إذَا وَرَدَ الْعُمُومُ وَجَاءَ فِعْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِخِلَافِهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ دَاخِلٌ في خِطَابِهِ كان فِعْلُهُ نَسْخًا وَإِنْ قُلْنَا ليس بِدَاخِلٍ لم يَخُصَّ فِعْلُهُ الْعُمُومَ وَبَقِيَ على شُمُولِهِ في ذلك الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الْخِطَابُ الْخَاصُّ لُغَةً بِوَاحِدٍ من الْأُمَّةِ هل يَشْمَلُ غَيْرَهُ من الْأُمَّةِ الْخِطَابُ الْخَاصُّ لُغَةً بِوَاحِدٍ من الْأُمَّةِ إنْ خُصَّ فيه بِالتَّخْصِيصِ فَلَا شَكَّ فيه لِقَوْلِهِ وَلَنْ تَجْزِيَ عن أَحَدٍ بَعْدَك وَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ من الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ على وُجُوبِ تَعْمِيمِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ قال الْإِمَامُ في بَابِ الرَّضَاعِ من النِّهَايَةِ في الْكَلَامِ على إرْضَاعِ الْكَبِيرِ وقد

أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَصَرُّفٍ في حَدِيثٍ سَالِمٍ رَمَزَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ وهو أَنَّ خِطَابَ رسول اللَّهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا اخْتَصَّ بِشَخْصٍ في حِكَايَةِ حَالٍ فَحُكْمُ الصِّيغَةِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالْمُخَاطَبِ وإذا قَضَيْنَا بِأَنَّ الناس في الشَّرْعِ وَاحِدٌ فَهُوَ يُتَلَقَّى من إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِمَا يُشَاهِدُونَهُ من قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الدَّالَّةِ على الِاخْتِصَاصِ قُلْنَا اضْطَرَبَ رَأْيُهُمْ في قَضِيَّةِ سَالِمٍ في التَّخْصِيصِ وَاللَّفْظُ في نَفْسِهِ مُخْتَصٌّ بِالْمُخَاطَبِ فلم يَجُزْ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ سِيَّمَا إذَا اعْتَقَدَ خِلَافَهُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ دَلِيلًا انْتَهَى وقال الْقَاضِي من الْحَنَابِلَة وَغَيْرُهُ عَامٌّ بِنَفْسِهِ قال أبو الْخَطَّابِ منهم هذا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْت فقال اعْتِقْ فَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَلَا يَدْخُلُ فيه كُلُّ الصَّحَابَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ قُمْ فَبَارِزْ فَلَا يَجُوزُ على غَيْرِهِ الْمُبَارَزَةُ قال وَكَذَلِكَ إذَا حُكِمَ صلى اللَّهُ عليه وسلم في حَادِثَةٍ بين نَفْسَيْنِ كان وَاجِبًا على كل أَحَدٍ أَنْ يُحْكَمَ عليه بِمِثْلِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ فيه خِلَافًا انْتَهَى وَاقْتَضَى كَلَامُ الْقَاضِي منهم أَنَّهُ عَامٌّ بِعُرْفِ الشَّرْعِ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِلْقَطْعِ بِاخْتِصَاصِهِ بِهِ لُغَةً وَمِنْ ثَمَّ قال بَعْضُهُمْ ليس النِّزَاعُ لَفْظِيًّا وَحَكَى أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا في الْمَسْأَلَةِ وقال الْأَكْثَرُونَ على الْأَوَّلِ قال وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ بِدَلِيلِ حُكْمِي على الْوَاحِدِ وَعَلَى هذا فقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ في غَيْرِ السَّائِلِ هل هو بِالْقِيَاسِ أو بِقَوْلِهِ خِطَابِي لِلْوَاحِدِ خِطَابِي لِلْجَمَاعَةِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ انْتَهَى

وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْإِمَامِ السَّابِقِ رَأْيٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ صَوَّرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا الْمَسْأَلَةَ بِخِطَابِهِ عليه السَّلَامُ وَصَوَّرَهَا الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ في أَعَمَّ من ذلك وَهِيَ مُخَاطَبَةُ الشَّارِعِ وَاحِدًا بِلَفْظٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سَوَاءٌ كان الْمُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم نَحْوُ يا أَيُّهَا النبي حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ على الْقِتَالِ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ أو الْمُخَاطِبُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَاحِدًا من أُمَّتِهِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ في الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فقال لَا شَكَّ أَنَّ الْخِطَابَ خُصَّ لُغَةً بِذَلِكَ الْوَاحِدِ وَلَا يَنْبَغِي فيه خِلَافٌ وَأَنَّهُ عَامٌّ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَنْبَغِي فيه خِلَافٌ فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ في الْمَسْأَلَةِ قال الْمُقْتَرِحُ بَلْ هو مَعْنَوِيٌّ وهو أَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ ما هو هل هو مَوْرِدُ الشَّرْعِ أو مُقْتَضَى الْعُرْفِ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ في الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بَلْ الذي نُسَلِّمُهُ عُمُومُ مُقْتَضَى الْخِطَابِ غير عُمُومٍ قَطْعًا وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هو في الثَّانِي لَا في الْأَوَّلِ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّعْمِيمَ مُنْتَفٍ لُغَةً ثَابِتٌ شَرْعًا وَالْخِلَافُ في أَنَّ الْعَادَةَ هل تَقْضِي بِالِاشْتِرَاكِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهَا أو لَا فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا قَضَاءَ لِلْعَادَةِ في ذلك كما لَا قَضَاءَ لِلُّغَةِ وَالْخَصْمُ يقول إنَّهَا تَقْضِي بِذَلِكَ وَهَذَا نَقْلُ ابن السَّمْعَانِيِّ عَنْهُمْ الِاحْتِجَاجَ بِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ اللِّسَانِ مُخَاطَبَةُ الْوَاحِدِ وَإِرَادَةُ الْجَمَاعَةِ تَنْبِيهٌ تَطْبِيبُهُ عليه السَّلَامُ هل يُفِيدُ التَّعْمِيمَ هذا في الْأَحْكَامِ وَأَمَّا تَطْبِيبُهُ عليه السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ أَرْضِهِ فقال الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ في مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ هو خَاصٌّ بِطِبَاعِهِمْ وَأَرْضِهِمْ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ على التَّعْمِيمِ لِأَنَّ تَطْبِيبَهُ من بَابِ الْمُبَاحِ بِخِلَافِ أَوَامِرِهِ الشَّرْعِيَّةِ ذَكَرَهُ في حَدِيثٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم بِصَبِيٍّ لها فقالت أَتْقَأُ منه الْعَذِرَةَ فقال تَحَرَّقُوا حُلُوقَ أَوْلَادِكُمْ خُذِي قُسْطًا هِنْدِيًّا وَوَرْسًا فَأَسْعِطِيهِ إيَّاهُ وقال إسْنَادُهُ

صَحِيحٌ انْتَهَى وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَظَاهِرُ تَصَرُّفِ الْعُلَمَاءِ سِيَّمَا من صَنَّفَ في الطِّبِّ النَّبَوِيِّ إنَّمَا يَفْهَمُ التَّعْمِيمَ كَالْأَوَامِرِ وَلِهَذَا تَكَلَّفُوا الْجَوَابَ عن حديث أَبْرِدُوا الْحُمَّى بِالْمَاءِ مع أَنَّ كَثِيرًا من الْحُمَّيَاتِ لَا يَقْتَضِي الطِّبُّ تَسْوِيغَ ذلك وَحَمَلُوهُ على ما يَقْتَضِي الْحَالَ اللَّائِقَ بِذَلِكَ من أَنْوَاعِ الْحُمَّيَات وَقَوْلُهُ إنَّ التَّطْبِيبَ من بَابِ الْمُبَاحِ مَمْنُوعٌ الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ دُخُولُ الْمُخَاطِبِ في عُمُومِ خِطَابِهِ اخْتَلَفُوا في دُخُولِ الْمُخَاطِبِ بِكَسْرِ الطَّاءِ في عُمُومِ خِطَابِهِ على وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ أَحَدُهُمَا قال وَبِهِ قال أَكْثَرُ الْمُخَالِفِينَ إنَّهُ يُتَنَاوَلُ وَلَا يَخْرُجُ من عُمُومِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ وَالثَّانِي قال وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِدَلِيلٍ وهو الصَّحِيحُ من مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قال وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا وَرَدَ منه عليه السَّلَامُ لَفْظٌ عَامٌّ في إيجَابِ حُكْمٍ أو حَظْرِهِ أو إبَاحَتِهِ هل يَدُلُّ ذلك على دُخُولِهِ فيه أَمْ لَا وَكَذَا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ إذَا أَمَرَ النبي عليه السَّلَامُ أُمَّتَهُ بِأَمْرٍ لم يَدْخُلْ هو في الْأَوَامِرِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا كَذَا قال سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ إذَا أَمَرَ عليه السَّلَامُ بِأَمْرٍ لم يَدْخُلْ في حُكْمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ في اللَّفْظِ ما يَقْتَضِيهِ كَقَوْلِهِ افْعَلُوا كَذَا فَإِنَّكُمْ مُكَلَّفُونَ وَقِيلَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا وَكَذَا قال ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ ذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْآمِرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ وَنَقَلَ عبد الْجَبَّارِ وَغَيْرُهُ من الْمُعْتَزِلَةِ دُخُولَهُ وَكَذَا قال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فيه عليه السَّلَامُ إذَا كان آمِرًا وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ على أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَأَمَّا الْأَمْرُ الْوَارِدُ من اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الناس فَقَدْ اتَّفَقُوا على أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَدْخُلُ في ذلك هَكَذَا قال وقد سَبَقَ الْخِلَافُ فيه وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَنَا عَدَمُ الدُّخُولِ وَلِهَذَا قال النَّوَوِيُّ في الرَّوْضَةِ في كِتَابِ الطَّلَاقِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وقد رَأَيْت من أَنْكَرَ عليه ذلك بِنَقْلِ الْمَحْصُولِ عن

الْأَكْثَرِينَ الدُّخُولَ وقد عَجِبْت من نَقْلِ هَؤُلَاءِ الْفُحُولِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْأَمْرِ لَا لِلْخَبَرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وقد سَوَّى صَاحِبُ الْمَحْصُولِ بَيْنَهُمَا في النَّقْلِ عن الْأَكْثَرِينَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ في الْمَنْخُولِ حَيْثُ قال بِهِمَا ثُمَّ قال وَالْمُخْتَارُ الِانْدِرَاجُ وَكَذَا قال ابن الْقُشَيْرِيّ في أُصُولِهِ قال صَاحِبُ الْمَحْصُولِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَوْنُهُ أَمْرًا قَرِينَةً مُخَصَّصَةً فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَدْخَلَهُ في الْخَبَرِ لَا الْأَمْرِ قال صَاحِبُ الْحَاصِلِ وهو الظَّاهِرُ وَعَلَى هذا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْلِ الْجُمْهُورِ وَفَصَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فقال اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُ نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ خَارِجٌ عنه عَادَةً وقال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ الْقَوْلُ الْمُوجَزُ فيه أَنَّ مُوجِبَ الْخِلَافِ الِانْدِرَاجُ وَلَكِنْ اُشْتُهِرَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَأْثِيرًا في مُوجِبِ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ رَاجِعًا إلَى غَيْرِ اللَّفْظِ لَا إلَى حَالِ الْمُخَاطِبِ قال وَهَذَا دَقِيقٌ قَاطِعٌ خَيَالَ الْمُخَالِفِ وقال الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ هذه الْمَسْأَلَةُ قد تَعْرِضُ في الْأَمْرِ وقد سَبَقَتْ في مَبَاحِثِهِ وَمِثْلُهُ النَّهِيُّ وَمَرَّتْ في الْخَبَرِ وَالْجُمْهُورُ على دُخُولِهِ وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كان الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ما وُضِعَ لِلْمُخَاطَبِ يَشْمَلُ الْمُتَكَلِّمَ وَضْعًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ كان الْمُرَادُ حُكْمًا فَمُسَلَّمٌ إذَا دَلَّ عليه دَلِيلٌ أو كان الْوَضْعُ شَامِلًا له كَأَلْفَاظِ الْعُمُومِ تَنْبِيهٌ دُخُولُ جِبْرِيلَ في التَّكَالِيفِ التي يَنْزِلُ بها وَقَعَ الْبَحْثُ في أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ هل يَدْخُلُ في التَّكْلِيفِ بِمَا يَأْتِي بِهِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلَّ تَبْلِيغٍ يَتَوَقَّفُ على فِعْلٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ كما في إمَامَتِهِ بِالنَّبِيِّ عليه السَّلَامُ في الْيَوْمَيْنِ وَأَمَّا ما لَا يَتَوَقَّفُ على فِعْلٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ ما أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَقَطْ

مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْمُخَاطَبِ في عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ له أَمَّا الْمُخَاطَبُ بِالْفَتْحِ فقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في تَعْلِيقِهِ لَا يَدْخُلُ في عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ له على الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لو قال وَكَّلْتُك في إبْرَاءِ غُرَمَائِي وكان هو منهم لم يَدْخُلْ قلت وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ أَوَامِرِ اللَّهِ الْعَامَّةِ هل يَدْخُلُ فيها النبي عليه السَّلَامُ وقد سَبَقَتْ لَكِنْ الصَّحِيحُ هُنَاكَ الدُّخُولُ

فَصْلٌ في الْقَرَائِنِ التي يُظَنُّ أنها صَارِفَةٌ لِلَّفْظِ عن الْعُمُومِ وَفِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْخَارِجُ على جِهَةِ الْمَدْحِ أو الذَّمِّ نَحْوُ إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ وَالْمُرَادُ مَدْحُ قَوْمٍ وَذَمُّ آخَرِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ ذِكْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذِكْرُ النِّسَاءِ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَنَحْوُ ذلك فَفِي التَّعَلُّقِ بِعُمُومِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَنُسِبَ لِلشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا مُنِعَ التَّمَسُّكُ بِآيَةِ الزَّكَاةِ في وُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ لم يَقَعْ مَقْصُودًا له وَرُبَّمَا نَقَلُوا عنه أَنَّهُ قال الْكَلَامُ مُفَصَّلٌ في مَقْصُودِهِ وَمُجَمِّلٌ في غَيْرِ مَقْصُودِهِ وَنَقَلَهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ عن الْقَاشَانِيِّ وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ عن الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ وقال إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ فقال لَا يُحْكَمُ الْعُمُومُ بِمُجَرَّدِ الْخِطَابِ الْعَامِّ وَلَكِنْ يَكُونُ الْمَخْصُوصُ بِالذِّكْرِ على ما حُكِمَ فيه ثُمَّ يُنْظَرُ فِيمَا عَدَاهُ مِمَّا هو دَاخِلٌ تَحْتَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَا لِلْعُمُومِ وَأَطَالَ في الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ قال فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ على وُجُوبِ الزَّكَاةِ في قَلِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَثِيرِهِمَا بَلْ مَقْصُودُ الْآيَةِ الْوَعِيدُ لِتَارِكِ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ في بَيَانِ ما يَحِلُّ منها وما لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ فيها بَيَانُ أَنَّ الْفَرْجَ لَا يَجِبُ حِفْظُهُ عنهما ثُمَّ إذَا اُحْتِيجَ إلَى تَفْصِيلِ ما لَا يَحِلُّ بِالنِّكَاحِ أو بِمِلْكِ الْيَمِينِ صُيِّرَ فيه إلَى ما قُصِدَ تَفْصِيلُهُ مِثْلُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَنَحْوُهُ قال وَمَنْ ضَبَطَ هذا الْبَابَ أَفَادَهُ عِلْمًا كَثِيرًا وَاسْتَرَاحَ من لَا يُرَتِّبُ الْخِطَابَ على وَجْهِهِ وَلَا يَضَعُهُ مَوْضِعَهُ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في تَعْلِيقِهِ في بَابِ ما يَحْرُمُ من النِّكَاحِ وَعِبَارَتُهُ

قُلْنَا الْآيَةُ إذَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَقْصُودٍ فَإِنَّمَا يُوجَبُ التَّعْمِيمُ في مَحَلِّ الْمَقْصُودِ فَأَمَّا في مَحَلِّ غَيْرِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ بِالْخِطَابِ فَلَا يُقْصَدُ بِالْخِطَابِ بَلْ يُعْرَضُ عنه صَفْحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ الْآيَةَ ا هـ وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَامٌّ وَلَا تَنَافِيَ بين قَصْدِ الْعُمُومِ وَالذَّمِّ قال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إنَّهُ الظَّاهِرُ من الْمَذْهَبِ وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَذَا قال ابن بَرْهَانٍ في الْأَوْسَطِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ قال وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ من أَئِمَّتِنَا وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَذْهَبَ الشَّافِعِيَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ صِحَّةُ ادِّعَاءِ الْعُمُومِ فيه حتى لَا يُعَارِضَهُ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ في كِتَابِ التَّحْصِيلِ عليه أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ وَنَقَلَهُ ابن الْقَطَّانِ عن أَهْلِ الظَّاهِرِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في شَرْحِ اللُّمَعِ وَخَطَّأَ مُخَالِفَهُ وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وقد جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ جَعَلَهُ وَجْهَ الْمَنْعِ من الِاسْتِدْلَالِ بِالظَّاهِرِ قلت وَلِلشَّافِعِيِّ في الْقَدِيمِ ما يَدُلُّ عليه فإنه ذَهَبَ فيه إلَى أَنَّ النَّوْمَ في الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا قال فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْمَدْحِ وما خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ يُنْفَى عنه إبْطَالُ الْعِبَادَةِ وَاحْتَجَّ في الْجَدِيدِ على أَصْحَابِ مَالِكٍ في أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَبْقَى إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ من حديث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ صلى الْمَغْرِبَ في الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وفي الثَّانِي عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ ثُمَّ قال ما بين هَذَيْنِ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَهَذَا نَصٌّ في مُسَاوَاتِهَا في الْوَقْتِ بِغَيْرِهَا فقال الْمُعْتَرِضُ يُحْمَلُ على أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَقِيلَ له لم يَقْصِدْ ذلك وَإِنَّمَا قَصَدَ تَعْلِيمَ أَوَائِلِ أَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِ وَآخِرِهَا لَكِنْ نَصَّ في مَوْضِعٍ آخَرَ على مُوَافَقَةِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فإن الْحَنَفِيَّةَ احْتَجُّوا على

أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ أَطْوَلُ من وَقْتِ الْعَصْرِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَحْنُ أَكْثَرُ أَعْمَالًا وَأَقَلُّ أَجْرًا قالوا وَهَذَا يَدُلُّ على سَعَةِ الْوَقْتِ فقال لهم لم يُقْصَدْ بِالْخَبَرِ ذلك لِأَنَّ كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّتَهُ لَا تَدُلُّ على ما ذَكَرْتُمْ فَمُنِعَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ في غَيْرِ مَقْصُودِهِ وَكَذَا يُمْنَعُ تَمَسُّكُ الْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ على وُجُوبِ الزَّكَاةِ في الْخَضْرَاوَاتِ وقال إنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ لَا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ فيه لَكِنْ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا لم يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ هُنَا لِمُعَارِضٍ آخَرَ لَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَسُوقًا لِغَيْرِهِ هذا كُلُّهُ إذَا لم يُعَارِضْهُ عُمُومٌ آخَرُ لم يُقْصَدْ بِهِ الْمَدْحُ أو الذَّمُّ فَإِنْ عَارَضَهُ فَلَا خِلَافَ على الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ الذي لم يَسْبِقْ لِذَلِكَ فَيَجْرِي على عُمُومِهِ وَيُقْصَرُ ما سِيقَ لِلْمَدْحِ أو الذَّمِّ عَلَيْهِمَا هَكَذَا قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ في كِتَابِ التَّحْصِيلِ وأبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ في كِتَابِهِ وَالشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ لَكِنْ حَكَى أبو عبد اللَّهِ السُّهَيْلِيُّ من أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّهُ يُوقَفُ هَذَانِ الْعَامَّانِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ كَالْمُتَعَارَضِينَ وهو الْقِيَاسُ وَمِثَالُ الْمَسْأَلَةِ قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ فَإِنَّهَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَعْيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ دُونَ الْعَدَدِ مع قَوْله تَعَالَى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ من النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فإنه سِيقَ لِلْعَدَدِ وهو يَعُمُّ الْأُخْتَ وَغَيْرَهَا فَيُقْضَى بِتِلْكَ لِأَنَّهَا مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ الْمُحَرَّمِ وَكَذَا يُقْضَى بها على أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَنْ تَجْمَعُوا بين الْأُخْتَيْنِ مع قَوْلِهِ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَالْأُولَى سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ فَقُدِّمَ على ما سِيَاقُهَا لِلْمَدْحِ وَكَذَا قَوْلُهُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ إذَا قَدَّرْنَا دُخُولَ الشَّعْرِ فيها قُدِّمَ على قَوْلِهِ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِمَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أو الذَّمِّ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ في كل ما سِيقَ لِغَرَضٍ كما سَبَقَ من نَحْوِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَغَيْرِهِ

المسألة الثانية وروده على سبب خاص
فتقول لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما جاء من الشارع ابتداء كقوله مفتاح الصلاة الطهور فأما ما ذكره جوابا لسؤال فأطلق جماعة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بلا خلاف ولا بد في ذلك من تفصيل وهو أن الخطاب إما أن يكون جوابا لسؤال سائل أم لا فإن كان جوابا فإما أن يستقل بنفسه أو لا فإن لم يستقل بحيث لا يصح الابتداء به فلا خلاف في أنه تابع للسؤال في عمومه وخصوصه حتى كأن السؤال معاد فيه فإن كان السؤال عاما فعام أو خاصا فخاص مثال خصوص السؤال قوله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم وقوله في الحديث أينقص الرطب إذا جف قالوا نعم قال فلا إذن وكقول القائل وطئت في نهار رمضان عامدا فيقول عليك الكفارة فيجب قصر الحكم على السائل ولا يعم غيره إلا بدليل من خارج على أنه عام في المكلفين أو في كل من كان بصفته ومثال عمومه ما لو سئل عمن جامع امرأته في نهار رمضان فقال يعتق

رقبة فهذا عام في كل واطئ في رمضان وقوله يعتق وإن كان خاصا بالواحد لكنه لما كان جوابا عمن جامع امرأته بلفظ يعم كل من جامع كان الجواب كذلك وصار السؤال معادا في الجواب واختلف أصحابنا في المعنى الذي لأجله حمل هذا الحكم على العموم فقيل لأنه لما لم يستفصل بأي شيء أفطرت دل على أن الحكم باختلاف ما يقع به الفطر وضعف باحتمال علمه بالحال فأجاب على ما علم وقيل لما نقل السبب وهو الفطر فحكم فيه بالعتق صار كأنه علل وجوب العتق بوجود الفطر لأن السبب في الحكم تعليل وهذا موجود في غير السائل وهذا أصح وقيل من قوله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة قال الغزالي وهذا يشترط فيه أن يكون حال غير المحكوم عليه كحاله وكل وصف مؤثر للحكم وجعل القاضي في التقريب من هذا الضرب قوله أنتوضأ بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه فقال لأن الضمير لا بد له من تعلق بمذكور قبله ولا يحسن أن يبتدأ به وفيه نظر لأن هذا ضمير الشأن ومن شأنه صدر الكلام وإن لم يتعلق بما قبله وقد رجع القاضي في موضع آخر فجعله من القسم الثاني وهو الصواب وبه صرح ابن برهان وغيره وإن استقل الجواب بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان كلاما تاما مفيدا للعموم فهو على ثلاثة أقسام لأنه إما أن يكون أخص أو مساويا أو أعم الأول أن يكون مساويا له لا يزيد عليه ولا ينقص كما لو سئل عن ماء بضاعة وماء البحر فقال لا ينجسه شيء فيجب حمله على ظاهره بلا خلاف كما قاله ابن فورك والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وابن القشيري وغيرهم وكذا قال أبو الحسين في المعتمد لا شك في كونه مقصودا فيه ولا يجوز خروج شيء من السؤال عن الجواب إلا بدليل ومثل القاضي أبو الطيب في شرح الكفاية هذا القسم بحديث المجامع في نهار رمضان قال والظاهر تعلق الحكم الذي هو الإعتاق بالوقوع المذكور تعلق الحكم بالعلة لأن السبب هو الذي اقتضى الحكم وآثاره فيعم كل من وجد فيه ذلك قال ولهذا قلنا فيما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي عليه السلام وعليه جبة

مضمخ بالخلوق فقال وعلى هذه الجبة فقال أحرمت انزع الجبة واغسل الصفرة ولم يأمره بالفدية فدل على أن الفدية غير واجبة والسبب علق الحكم بمثله وظاهر كلام الأستاذ أبي منصور جريان الخلاف إلا في هذا القسم أيضا وقال ابن الصباغ في العدة ذكر القاضي أبو الطيب في شرح الكفاية أن المخاطب بذلك يكون أصلا وكل من فعل فعلا مثله يكون فرعا له بعلة تعدت إليه كما كان الأرز فرعا للبر في إثبات الربا فيه قال وهذا فيه نظر لأن خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجماعة بالإجماع ولو كان غيره فرعا له لكان هو أيضا فرعا لنفسه وهو محال الثاني أن يكون الجواب أخص من السؤال مثل أن يسأل عن أحكام المياه فيقول ماء البحر طهور فيخص الجواب بالبعض ولا يعم بعموم السؤال بلا خلاف قاله الأستاذ أبو منصور وابن القشيري وغيرهما لكن كلام الأستاذ أبي إسحاق يقتضي جريان الخلاف فيه قال ابن القشيري ولا يجوز أن يصدر مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا علم أن الحاجة إنما تمس إلى بيان ما خصصه بالذكر أما إذا علم أن الحاجة عامة في بيان جملة المياه فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولهذا قال المازري إن قيل هل يجوز أن لا يطابق النبي صلى الله عليه وسلم السؤال بزيادة أو نقص قلنا أما الزيادة فنعم كقوله الحل ميتته وقد سئل عن الماء وأما النقصان فإن مست الحاجة إلى بيان جميعه ولم يكن في المذكور تنبيه على المسكوت عنه لم يجز وإن كان فيه تنبيه يعلم به السامع حكم المسكوت عنه قبل فوت الحادثة فإن ذلك لا يسوغ فإن لم تمس الحاجة إليه فعلى الخلاف في تأخير البيان وقال القاضي أبو بكر وابن فورك وصاحب المعتمد وغيرهم هذا لا يجوز إلا بثلاثة شروط أن ينبه في الجواب على حكم غيره وأن يكون السائل مجتهدا وإلا لم

يفد التنبيه ولعلهم أرادوا بالمجتهد من له قوة التنبه وإن لم يبلغ رتبة الاجتهاد وأن يبقى من زمن العمل وقت متسع للاجتهاد فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض ما سأله وينبهه بذلك على جواز البعض الآخر بطريق من طرق العلة كقوله لعمر حين سأله عن القبلة للصائم أرأيت لو تمضمضت وقوله للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أينفعه ذلك قالت نعم قال فدين الله أحق أن يقضى قال وحكمه حينئذ كحكم السؤال لكن لا يسمى عاما لدلالة التنبيه ومتى انتفى شرط من الثلاثة لا يجوز أن يجيب المسئول فيها عن البعض للإخلال بما يجب بيانه ومثل القاضي في شرح الكفاية هذا القسم بما لو سئل عن قتل النساء الكوافر فقال اقتلوا المرتدات قال فيختص القتل بهن ولا تقتل الحربيات لأجل دليل الخطاب ولأن عدوله عن الجواب العام إلى الخاص دليل على قصد المخالفة قال ولهذا قال أصحابنا في حديث جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا علق على اسم الأرض كونها مسجدا وعلق على تربتها كونه طهورا فدل على قصد المخالفة بين المسجد والطهورية خلاف قول الحنفية إن الأرض كلها مسجد وطهور ومنه احتجاج أصحابنا بقوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم إلى قوله حتى يضعن حملهن فأوجب السكنى مطلقا والنفقة بشرط الحمل فدل على قصد المخالفة بينهما وأن المبتوتة الحائل لا نفقة لها ومثل الأستاذ أبو إسحاق هذا القسم بقول السائل هلكت وأهلكت فقال اعتق رقبة فأجاب بما يلزمه ولم يتعرض لحكم الموطوءة قال فمن أسقط السبب واعتبر اللفظ جعله ظاهرا فيها وطلب دلالة في حكمها الثالث أن يكون الجواب أعم من السؤال فيتناول ما سئل عنه وعن

غيره فهو قسمان أحدهما أن يكون أعم منه في حكم آخر غير ما سئل عنه كسؤالهم عن التوضؤ بماء البحر وجوابه بقوله هو الطهور ماؤه الحل ميتته فلا خلاف أنه عام لا يختص بالسائل ولا بمحل السؤال من ضرورتهم إلى الماء وعطشهم بل يعم حال الضرورة والاختيار قاله أبو بكر بن فورك وصاحب المعتمد والمحصول لكن صرح القاضي أبو الطيب وابن برهان بجريان الخلاف الآتي في هذا القسم وجعل الأستاذ أبو إسحاق هذا الحديث من قسم المساوي وفيه نظر الثاني أن يكون أعم منه في ذلك الحكم الذي سأل عنه كقوله وقد سئل عن بئر بضاعة الماء طهور لا ينجسه شيء وعمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيبا الخراج بالضمان وفيه مذاهب أحدها وبه قال بعض أصحابنا ونسبه المتأخرون للشافعي أنه يجب قصره على ما أخرج عليه السؤال ونسبه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وسليم الرازي وابن برهان وابن السمعاني إلى المزني وأبي ثور والقفال والدقاق وفي نسبة ذلك للقفال نظر وهو ظاهر كلام الخفاف في الخصال فإنه جعل من المخصصات خروج الكلام على معهود متقدم ونسبه الأستاذ أبو منصور إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري قال وعليه يدور كلامه في كثير من الآيات يقتصر بها على أسبابها التي ترتب فيها ويجعلها تفسيرا لها ودلالة على المراد باللفظ ونسبه القاضي عبد الوهاب والباجي لأبي الفرج من أصحابهم ونسبه الإمام في البرهان لأبي حنيفة وقال إنه الذي صح عندنا من مذهب الشافعي وكذا قال الغزالي في المنخول وتبعه في المحصول والذي في كتب الحنفية وصح عن الشافعي خلافه كما سيأتي نقله القاضي أبو الطيب والماوردي وابن برهان وابن السمعاني عن مالك قال الماوردي ولهذا لو قذف زوجته ثم وطئها لم يلاعن عنده ويجعل الوطء تكذيبا له لأن آية اللعان وردت في العجلاني على سبب خاص وهو قوله رأيت بعيني وسمعت بأذني وما قربتها منذ سمعت وقصد بذلك أنه ترك إصابتها مدة طويلة واقتضى أن يكون ترك إصابتها شرطا في جواز لعانها

والثاني أنه يجب حمله على العموم لأن عدول المجيب عن الخاص المسئول عنه إلى العام دليل على إرادة العموم ولأن الحجة في اللفظ وهو مقتضى العموم ووروده على السبب لا يصلح معارضا لجواز أن يكون المقصود عند ورود السبب بيان القاعدة العامة لهذه الصورة وغيرها وهذا مذهب الشافعي كما قاله الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن برهان في الأوسط وذكر ابن السمعاني في القواطع أن عامة الأصحاب يسنده إلى الشافعي واختاره أبو بكر الصيرفي وابن القطان وقال الأستاذ أبو إسحاق وابن القشيري وإلكيا الطبري والغزالي إنه الصحيح وبه جزم القفال الشاشي في كتابه فقال والأصل أن العموم له حكم إلا أن يخصه دليل والدليل قد يختلف فإن كان في الحال دلالة يعقل بها المخاطب أن جوابه العام يقتصر به على ما أجيب عنه أو على جنسه فذاك وإلا فهو عام في جميع ما يقع عليه عمومه ثم قال والأصل في ذلك أن الأحكام لا يخلو أكثرها عن سبب وأمر يحدث ولا ينظر إلى ذلك وإنما النظر إلى الحكم كيف مورده فإن ورد عاما لم يخص إلا بدليل وإن ورد مطلقا لم يقيد إلا بدليل لأن الأسباب متقدمة والأحكام بعدها فقد ينظمها مع تقدمها كما أن الأحكام لا يخلو أكثرها من أن يقضى به على غير أولها أو فمها وليس في ذلك ما يوجب الاقتصار بالخطاب على العين هذا كلامه وقال القاضي ابن كج في كتابه في الأصول ذهب عامة أصحابنا إلى أن الحكم للفظ وبه قال أبو حنيفة وهو مذهب الشافعي قال نصا والأسباب لا تصنع شيئا وإنما الحكم للألفاظ وقال قوم من أصحابنا إن الحكم للسبب وادعوا أن ذلك مذهب الشافعي لأنه قال في قوله إنما الربا في النسيئة إنه خرج عن سؤال السائل لأنه سأل عن الربا في الجنس انتهى وحكاه الأستاذ أبو منصور عن أكثر أصحابنا والحنفية وحكاه القاضي عبد الوهاب عن الحنفية وأكثر الشافعية والمالكية وحكاه الباجي عن أكثر المالكية والعراقيين إسماعيل القاضي والقاضي أبي بكر وابن خويز منداد وغيرهم وقال

إنه الصحيح عندي انتهى وقال القاضي في التقريب إنه الصحيح لأن الحكم يتعلق بلفظ الرسول دون ما وقع عليه السؤال ولو قال ابتداء لوجب حمله على العموم فكذلك إذا صدر جوابا وقال الباجي روي عن مالك المذهبان وقال القاضي أبو بكر روي عن الشافعي المذهبان لأنه جعل الخراج بالضمان عاما وحمله على جميع المبيعات ولم يخصه بمال وهو العبد وقال في موضع آخر إن قوله إنما الربا في النسيئة يحتمل أن يكون خارجا عن سؤال سائل فيجب قصره عليه انتهى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ في جَوَابٍ يَكُونُ أَعَمَّ من السُّؤَالِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ وَفُرُوعُ مَذْهَبِهِ تَدُلُّ عليه وقد نَصَّ في الْأُمِّ في كِتَابِ الطَّلَاقِ على أَنَّ الْعَمَلَ لِلْأَلْفَاظِ وَلَا تَعْمَلُ الْأَسْبَابُ شيئا لِأَنَّ السَّبَبَ قد يَكُونُ وَيَحْدُثُ الْكَلَامُ على غَيْرِ السَّبَبِ وَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأُ الْكَلَامِ الذي حَكَمَ وَخَدَشَ بَعْضُهُمْ في هذا فإن الشَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذلك في مَعْرِضِ أَنَّ الْغَضَبَ وَغَيْرَهُ من الْأَسْبَابِ التي يَرِدُ عليها الطَّلَاقُ لَا يَدْفَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَنَحْنُ نَقُولُ بَلْ الْعِبْرَةُ في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَقَوْلُهُ لَا عَمَلَ لِلْأَسْبَابِ على عُمُومِهِ وَلَا يَخُصُّهُ سِيَاقُهُ وقال في الْأُمِّ في بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا لِلْأَغْنِيَاءِ ما نَصُّهُ وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم حين أَحَلَّهَا لم يذكر أنها تَحِلُّ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ كما قال تَحِلُّ لَك وَلِمَنْ كان مِثْلَك كما قال في التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعَةِ تَجْزِيكَ وَلَا تَجْزِي عن أَحَدٍ بَعْدَك وَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فلم يُرَخِّصْ فيها إلَّا لِلْمُضْطَرِّ وَكَثِيرٌ من الْفَرَائِضِ نَزَلَ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ وكان لهم وَلِلنَّاسِ عَامَّةً إلَّا ما بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ ضَرُورَةً أو حَاجَةً انْتَهَى وقد نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عنه عِنْدَ الْكَلَامِ في أَنَّ قَرِينَةَ الْغَضَبِ لَا تَجْعَلَ الْكِنَايَةَ صَرِيحًا أَنَّهُ إذَا كان لَفْظُهُ عَامًّا لم أَعْتَبِرْ خُصُوصَ السَّبَبِ وَإِنْ كان خَاصًّا لم أَعْتَبِرْ عُمُومَ السَّبَبِ وقال الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ لو مَنَّ عليه بِمَالٍ فقال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً من عَطَشٍ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ على الْمَاءِ وَحْدَهُ وقال مَالِكٌ بِكُلِّ ما

يَنْتَفِعُ بِهِ من مَالِهِ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَنَا بِاللَّفْظِ وَبِهِ أَعْتُبِرَ عُمُومُهُ وَإِنْ كان السَّبَبُ خَاصًّا وَخُصُوصُهُ وَإِنْ كان السَّبَبُ عَامًّا وَعِنْدَهُ الِاعْتِبَارُ بِالسَّبَبِ دُونَ اللَّفْظِ وقد أَنْكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ في مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ على من نَقَلَ عنه الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وقال مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هذا النَّقْلُ عنه كَيْفَ وَكَثِيرٌ من الْآيَاتِ نَزَلَ في أَسْبَابِ خَاصَّةٍ ثُمَّ لم يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ على تِلْكَ الْأَسْبَابِ وَالسَّبَبُ في وُقُوعِ هذا النَّقْلِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يقول بِأَنَّ دَلَالَتَهُ على سَبَبِهِ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ السُّؤَالُ عن تِلْكَ الصُّورَةِ لم يَجُزْ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ جَوَابًا عنه وَلَا تَأَخَّرَ الْبَيَانُ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وأبو حَنِيفَةَ عَكَسَ ذلك وقال دَلَالَتُهُ على سَبَبٍ على النُّزُولِ أَضْعَفُ وَحُكِمَ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا ما لم يُقِرَّ بِالْوَلَدِ مع أَنَّ قَوْلَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ إنَّمَا وَرَدَ في أَمَةٍ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ في عبد ابْنِ زَمْعَةَ فَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ في الرَّدِّ على من يُجَوِّزُ إخْرَاجَ السَّبَبِ وَأَطْنَبَ في أَنَّ الدَّلَالَةَ عليه قَطْعِيَّةٌ كَدَلَالَةِ الْعَامِّ عليه بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَكَوْنُهُ وَارِدًا لِبَيَانِ حُكْمِهِ فَتَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ يقول إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ قلت وَأَمَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَاسْتَدَلَّ على أَنَّ الشَّافِعِيَّ يقول بِخُصُوصِ السَّبَبِ بِأَنَّهُ لم يَجْعَلْ قَوْله تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَسْفُوحًا الْآيَةَ قَاصِرًا لِلْمُحَرَّمَاتِ في هذه الْأَشْيَاءِ قال لِوُرُودِ الْآيَةِ في الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَيَتَحَرَّجُونَ عن كَثِيرٍ من مُبَاحَاتِ الشَّرْعِ فَكَانَتْ سَجِيَّتُهُمْ تُخَالِفُ وَضْعَ الشَّرْعِ وَتُضَادُّهُ وكان الْغَرَضُ منه إبَانَةَ كَوْنِهِمْ على مُضَادَّةِ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قال لَا حَرَامَ إلَّا ما حَلَّلْتُمُوهُ وَالْقَصْدُ الرَّدُّ عليهم فَقَطْ قال وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إلَى ذلك ما كان يَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ تِلْكَ في مَصِيرِهِ إلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى في هذه الْآيَاتِ انْتَهَى وَتَبِعَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ

وَذَكَرَ غَيْرُهُ مَوَاضِعَ في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يُؤْخَذُ منها ذلك منها أَنَّهُ قال في قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ خَرَجَ على سَبَبٍ وهو بِئْرُ بُضَاعَةَ فَقَصَرَهُ على سَبَبِهِ وقال في اخْتِلَافِ الحديث أَمَّا حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ فإن بِئْرَ بُضَاعَةَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَاسِعَةٌ كان يُطْرَحُ فيها من الْأَنْجَاسِ ما لَا يُغَيِّرُ لها لَوْنًا وَلَا طَعْمًا وَلَا رِيحًا فَقِيلَ أَنَتَوَضَّأُ منها وَيُطْرَحُ فيها كَذَا فقال عليه السَّلَامُ مُجِيبًا الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وكان جَوَابُهُ مُحْتَمِلًا كُلَّ مَاءٍ وَإِنْ قَلَّ وَبَيَّنَّا أَنَّ في الْمَاءِ مِثْلَهَا إذَا كان مُجِيبًا عليها فَلِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبي عليه السَّلَامُ أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ من وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا دَلَّ على أَنَّ جَوَابَهُ في بِئْرِ بُضَاعَةَ عليها وكان الْعِلْمُ أَنَّهُ على مِثْلِهَا أو أَكْثَرِ منها وَلَا يَدُلُّ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحْدَهُ على أَنَّ ما دُونَهَا من الْمَاءِ لَا يُنَجَّسُ وَكَانَتْ آنِيَةُ الناس صِغَارًا وكان في حديث الْوُلُوغِ دَلِيلٌ على أَنَّ قَدْرَ مَاءِ الْإِنَاءِ يُنَجَّسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ له وَإِنْ لم يُغَيَّرْ انْتَهَى وقال في قَوْلِهِ إنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَةِ إنَّهُ خَرَجَ على سُؤَالِ سَائِلٍ فَقَصَرَهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ إنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَجُعِلَ قَوْلُهُ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ خَاصًّا بِالْمَأْكُولِ فَقَدْ قَصَرَهُ على سَبَبِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ خَصَّصَ النَّهْيَ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِالْحَرْبِيَّاتِ لِخُرُوجِهِ على سَبَبٍ وهو أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ في بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فقال لِمَ قُتِلَتْ وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ وَنَهَى عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَرْبِيَّاتِ وَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ عن اسْتِدْلَالِ أبي حَنِيفَةَ بِهِ على مَنْعِ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ فَقَدْ أَلْغَى الشَّافِعِيُّ التَّعْمِيمَ وَقَصَرَهُ على السَّبَبِ وَمِنْهَا قال الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الصَّوْمَ في السَّفَرِ أَفْضَلُ من الْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ليس من

الْبِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ فَهَذَا وُرُودٌ على سَبَبٍ وهو أَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّ بِرَجُلٍ وقد أَحْدَقَ بِهِ الناس فَسَأَلَ عنه فَقِيلَ مُسَافِرٌ قد أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فقال ليس من الْبِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ وَعِنْدَنَا أَنَّ من أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَفِطْرُهُ أَوْلَى ا هـ قُلْت وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَنْبَغِي السَّبَقُ بِهِ إلَى نِسْبَةِ الشَّافِعِيِّ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ أَمَّا ما ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَيْسَ ذلك مُصَيِّرًا إلَى اعْتِبَارِ السَّبَبِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لم يَأْخُذْ التَّخْصِيصَ هُنَا من السَّبَبِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ من التَّأْوِيلِ في اللَّفْظِ وَلَهُ مَحَامِلُ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ تَطَرُّقُ التَّأْوِيلِ إلَى الْآيَةِ التي تَمَسَّكَ بها مَالِكٌ وَلَوْلَا فَتْحُ هذا الْبَابِ لَكَانَتْ الْآيَةُ نَصًّا في الْحَصْرِ وَهِيَ من أَوَاخِرِ ما نَزَلَ من الْقُرْآنِ وَلَا نَسْخَ فيها وَيَدُلُّ على ذلك إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ على تَحْرِيمِ الْحَشَرَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْعُذُرَاتِ ولم تَنْطَوِ الْآيَةُ عليها وَكَيْفَ تَجْرِي الْآيَةُ مع هذا على الْعُمُومِ وَالثَّانِي أَنَّ النِّزَاعَ في هذه الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُصْرَفُ إلَى السَّبَبِ وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَصَرَ الْآيَةَ على سَبَبِهَا لَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمُحَرَّمَاتٍ كَثِيرَةٍ كَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ وَذَكَرَ الْآيَةَ الْأُخْرَى على جَمْعِ الْخَبَائِثِ فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ بين الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا بِأَنْ قَصَرَ آيَةَ الْإِبْهَامِ على سَبَبِهَا وقد أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ذلك في الرِّسَالَةِ وهو أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وإنما الرِّبَا في النَّسِيئَةِ فَإِنَّمَا فَعَلَ ذلك كما قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ رَأَى الْأَخْبَارَ تَعَارَضَتْ فلم يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهَا على ظَاهِرِهَا فَحَمَلَهَا على السَّبَبِ لِلتَّعَارُضِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدِّبَاغِ فلم يَقْصُرْ الْحُكْمَ على السَّبَبِ وَإِلَّا لَقَصَرَهُ على خُصُوصِ الشَّاةِ بَلْ سَائِرُ جِلْدِ الْمَأْكُولِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أُخْرِجَ جِلْدُ الْكَلْبِ عن الْعَامِّ بِدَلِيلٍ وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْقَطْعِ وَأَمَّا ما قَالَهُ في النَّهْيِ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فإنه إنَّمَا قَصَرَهُ على سَبَبِهِ لَمَّا

عَارَضَهُ قَوْلُهُ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ولم يَكُنْ بِهِ من تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَوَجَبَ تَخْصِيصُ الْوَارِدِ على سَبَبِهِ وَحُمِلَ الْآخَرُ على عُمُومِهِ لِأَنَّ السَّبَبَ من أَمَارَاتِ التَّخْصِيصِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوِي وَأَمَّا ما قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَدِيثُ ليس من الْبِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ فَإِنَّمَا اعْتَبَرَ السَّبَبَ لِقَصْدِ الْجَمْعِ بين الْأَحَادِيثِ كَنَظِيرِ ما سَبَقَ في بِئْرِ بُضَاعَةَ كَيْفَ وقد نَصَّ في كِتَابِ اللِّعَانِ على أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ في إقَامَةِ الدَّلِيلِ عليه وَأَمَّا حَدِيثُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ فقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في أُصُولِهِ قَصَرَهُ أَصْحَابُنَا على سَبَبِهِ وهو فيه عَبْدٌ بِيعَ فَظَهَرَ فيه عَيْبٌ فَجَهِلَ لِمُشْتَرِيهِ خَرَاجُهُ لِضَمَانِهِ إيَّاهُ لو تَلِفَ قال فَجَعَلَ أَصْحَابُنَا ذلك حُكْمًا في الْبُيُوعِ دُونَ الْغُصُوبِ وَإِنْ كانت الْغُصُوبُ مَضْمُونَةً وقد خَالَفَهُمْ في ذلك غَيْرُهُمْ ا هـ وقال الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في تَعْلِيقِهِ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ اسْتَوْفَاهَا أَمْ لَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ في خَرَاجِ الْمِلْكِ فإنه وَرَدَ في الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَعْمَلَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ على عَيْبٍ فَأَرَادَ الرَّدَّ ا هـ هذا من الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي اعْتِبَارًا لِلسَّبَبِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى هذا الحديث بِلَفْظِ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فيه إذْ لَا عُمُومَ لِمِثْلِ هذه الصِّيغَةِ على الْأَصَحِّ كما فِيمَنْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ قُلْت لَكِنْ رَوَاهُ أبو دَاوُد عن عَائِشَةَ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَهَذِهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ قال في الْبُوَيْطِيِّ وَالْحُجَّةُ في أَنَّ على الْغَاصِبِ غَلَّةُ ما اغْتَصَبَهُ وَإِنْ لم يَسْكُنْ الدَّارَ ولم يَرْكَبْ الدَّابَّةَ حَدِيثُ مُجَالِدِ بن خَلَّافٍ حين قال له النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَإِنَّمَا ذلك في عَبْدٍ وَلَيْسَ بِعَيْبِهِ فَقَضَى النبي عليه السَّلَامُ بِالْغَلَّةِ لِمَالِك الرَّقَبَةِ فَذَلِكَ يَقْضِي بِالْغَلَّةِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وهو الْمَغْصُوبُ منه لِأَنَّهُ مَالِكُ الشَّيْءِ ا هـ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وقد قال ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ قِيلَ إنَّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ في بِئْرِ بُضَاعَةَ وقال في قَوْلِهِ الْمَاءُ لَا

يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَقْصُودٌ على سَبَبِهِ وقال في قَوْلِهِ لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ أَنَّهُ خَرَجَ على عَادَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ في ثِمَارِهِمْ وَأَنَّهَا لم تَكُنْ في مَوَاضِعَ مُحَوَّطَةٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قالوا إنَّمَا قال الشَّافِعِيُّ هذا لِأَدِلَّةٍ دَلَّتْ عليه فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ على التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُهُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ على عُمُومِهِ ا هـ وقال أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ في أُصُولِهِ وأبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ أَيْضًا كُلُّ خِطَابٍ حَصَلَ عِنْدَ حُدُوثِ مَعْنًى فَإِنْ كان في الْخِطَابِ أو غَيْرِهِ دَلَالَةٌ على أَنَّهُ أَرَادَ الْحُكْمَ في الْمَعْنَى فَالنَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى ابْتِدَاءً سَوَاءٌ كان أَعَمَّ من الِاسْمِ أو أَخَصَّ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ على اعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَإِنْ لم تَقُمْ دَلَالَةٌ فَالْحُكْمُ لِلِاسْمِ حتى يَقُومَ الدَّلِيلُ على خِلَافِهِ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي الْقَصْرَ على السَّبَبِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ كما فَعَلَ في الْآيَةِ وفي حديث الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَبِئْرِ بُضَاعَةَ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وأبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ عن أَصْحَابِنَا وَلَا يَلْزَمُ من الْقَصْرِ على السَّبَبِ لِدَلِيلِ الْعَمَلِ بِهِ مُطْلَقًا فَمِنْ هَاهُنَا مَثَارُ الْغَلَطِ على الشَّافِعِيِّ فَقَدْ عَمِلُوا بِحَدِيثِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ مُطْلَقًا في الْإِمَاءِ وَالْحَرَائِرِ وَالْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ مع أَنَّهُ وَرَدَ في التَّدَاعِي في وَلَدِ الْمَمْلُوكَةِ وَعَمِلُوا بِحَدِيثِ الْعَرَايَا مُطْلَقًا لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ مع أَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ في الْفُقَرَاءِ وَكَذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الرَّمَلِ ثَبَتَتْ مُطْلَقًا وَإِنْ وَرَدَ على سَبَبٍ خَاصٍّ وقد زَالَ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ على أَنَّ الْمُحْرِمَ يَحْصُرُهُ عَدُوٌّ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ سَوَاءٌ كان الْمَانِعُ مُسْلِمًا أو كَافِرًا لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنْ كانت قد وَرَدَتْ على سَبَبٍ خَاصٍّ وهو صَدُّ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الْبَيْتِ أو يُقَالُ إنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ على سَبَبٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ مَقْصُودًا بِهِ حَقِيقَةُ السَّبَبِ وَمُؤَثِّرًا في دَفْعِهِ وَإِمَّا أَنْ يَرِدَ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ وَالْأَوَّلُ هو مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَمْلِ على الْخُصُوصِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فيه خِلَافٌ وَالثَّانِي هو الْمُرَادُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيَّ لَمَّا جَزَمَ الْقَوْلَ بِالْحُكْمِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ قال

يَعُمُّ الْعَامُّ الذي لم يَرِدْ على سَبَبٍ أَقْوَى وَهَذَا دُونَهُ قال وَلَا جُرْمَ قال الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْله تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ لَا نَرَى دَلَالَتَهُ على حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا رَآهُ مَالِكٌ فإنه نَزَلَ على سَبَبٍ وهو عَادَةُ الْعَرَبِ في تَنَاوُلِ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَا مُحَرَّمَ مِمَّا يَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وَكَذَا يَعُمُّ قد بَانَ الشَّرْعُ بِصِيغَةٍ في تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ ثُمَّ يُجْعَلُ مَحَلُّ السُّؤَالِ كَالْفَرْعِ له أو كَالْمِثَالِ فَذَلِكَ لَا يُوهِنُ التَّعَلُّقَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ثُمَّ قال فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ الحديث وَمَحَلُّ السُّؤَالِ الْهِجْرَةُ وَلَكِنْ اللَّفْظُ لَا يَتَأَثَّرُ وَلَا يَنْحَطُّ عن غَيْرِهِ على ما قَالَهُ الْإِمَامُ وَفِيهِ بَحْثٌ ا هـ وَيَجْتَمِعُ مِمَّا سَبَقَ في الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ في هذه الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ له وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أبي بَكْرٍ وَالثَّانِيَةُ تَنْزِيلُهُمَا على حَالَيْنِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ التي ذَكَرْتُهَا أَخِيرًا وَالثَّالِثَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّابِعَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَهِيَ الْمَشْهُورُ الْخَامِسَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِهِ فِيمَا لم يَقُمْ دَلِيلٌ على الْقَصْرِ على السَّبَبِ وَهِيَ في الْحَقِيقَةِ مُنَقِّحَةٌ لِلرَّابِعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا إذَا كان الْجَوَابُ أَعَمُّ من السُّؤَالِ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ الْوَقْفُ فإنه يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ الرَّابِعُ التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالَ سَائِلٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ فَلَا حَكَاهُ عبد الْعَزِيزِ في شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ وَالْخَامِسُ إنْ عَارَضَهُ عُمُومٌ خَرَجَ ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ قَصَرَ ذلك على سَبَبِهِ وَإِنْ لم يُعَارِضْهُ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِهِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ هذا هو الصَّحِيحُ قال وَلِذَلِكَ قَصَرْنَا نَهْيَهُ عليه السَّلَامُ عن قَتْلِ النِّسَاءِ على الْحَرْبِيَّاتِ دُونَ الْمُرْتَدَّاتِ لِمُعَارَضَتِهِ قَوْلَهُ من بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وقد يُقَالُ هذا عَيْنُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي لِأَنَّ الْمُعَمِّمِينَ شَرَطُوا عَدَمَ الْمُعَارِضِ الْخِطَابُ الْوَارِدُ على سَبَبٍ لِوَاقِعَةٍ وَقَعَتْ هذا كُلُّهُ في الْخِطَابِ الْخَارِجِ جَوَابًا لِسُؤَالٍ فَأَمَّا إذَا لم يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ وَرَدَ على سَبَبٍ لِوَاقِعَةٍ وَقَعَتْ فقال الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ يَجْرِي فيه الْخِلَافُ كَقَوْلِهِ أَيُّمَا

إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَرِدَ في اللَّفْظِ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ كَقَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وَالسَّبَبُ رَجُلٌ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ فَالْإِتْيَانُ بِالسَّارِقَةِ معه قَرِينَةٌ تَدُلُّ على عَدَمِ الِاقْتِصَارِ على الْمَعْهُودِ وَكَذَلِكَ عن الْإِفْرَادِ إلَى الْجَمْعِ كما في قَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ في عُثْمَانَ بن طَلْحَةَ أَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَتَغَيَّبَ بِهِ وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم وَقِيلَ إنَّ عَلِيًّا أَخَذَهُ منه وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ فَأَعْطَاهُ النبي إيَّاهُ وقال خُذُوهَا يا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً مُخَلَّدَةً فِيكُمْ أَبَدًا لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ فَقَوْلُهُ الْأَمَانَاتِ قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالتَّعْمِيمِ وَإِنْ لم يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أو لَا فَإِنْ كان فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الْحَمْلُ على الْمَعْهُودِ إلَّا أَنْ يُفْهَمَ من نَفْسِ الشَّارِعِ قَصْدُ تَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ فَيَكُونُ دَلِيلًا على الْعُمُومِ وَإِنْ كان الْعُمُومُ لَفْظًا آخَرَ غير الْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ هو مَحَلُّ الْخِلَافِ فَتَجْرِي فيه الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ وَيَزِيدُ هُنَا قَوْلٌ آخَرُ وهو التَّفْصِيلُ بين أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ ذَكَرَ السَّبَبَ في كَلَامِهِ فَيَقْتَصِرُ عليه وَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ إلَّا إذَا وُجِدَ فيه ذلك الْمَعْنَى أو يَلْحَقُ بِبَيَانِ حُكْمِي على الْوَاحِدِ حُكْمِي على الْجَمَاعَةِ كَنَهْيِهِ عن ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مع قَوْلِهِ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أَجْلِ الدَّافَّةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ من غَيْرِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا السَّبَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ فإنه على سَبَبِ الِاخْتِيَانِ ثُمَّ يَدْخُلُ فيه من اخْتَانَ وَمَنْ لم يَخْتَنْ حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وابن فُورَكٍ وَنَسَبَهُ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ لِأَبِي عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ من أَصْحَابِنَا قال وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ سُقُوطَ قِيَامِ اللَّيْلِ مَخْصُوصٌ بِالْمَرَضِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال عِنْدَ تَخْفِيفِهِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى

قال أبو الْحُسَيْنِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ من الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْأَسْبَابَ على ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْبَابٌ تَقْتَضِي لِأَجْلِهَا الْحُكْمَ في الِابْتِدَاءِ فَيَدْخُلُ الْمُتَعَقِّبُ وَالِابْتِدَاءُ وَالثَّانِي لِأَجْلِهَا كان الْحُكْمُ وما يَرْتَفِعُ السَّبَبُ إلَّا يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُتَأَمَّلَ الْخِطَابُ فَإِنْ كان سَبَبُ الرُّخْصَةِ عَامًّا عَمَّمْنَاهُ ولم يُرَاعَ السَّبَبُ وَإِنْ كانت الرُّخْصَةُ مَنُوطَةً بِالسَّبَبِ عَلَّقْنَاهُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى السَّبَبُ إلَى غَيْرِهِ وَعَلَى هذا تُحْمَلُ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ لَا تَظْهَرَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَصْرَهُ على السَّبَبِ من الْعَادَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ ظَهَرَتْ وَجَبَ قَصْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وأبو الْحُسَيْنِ في الْمُعْتَمَدِ وَنَقَلَهُ عن أبي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ كَقَوْلِهِ في جَوَابِ تَغَدَّ عِنْدِي وَاَللَّهِ لَا تَغَدَّيْت فَالْعَادَةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْغَدَاءِ عِنْدَهُ وَإِنْ كان مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ يَعْنِي فَلَا يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَمَا لو قِيلَ له كَلِّمْ زَيْدًا أو كُلْ هذا الطَّعَامَ فقال وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت وَلَا كَلَّمْت فإنه يُعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَخْصِيصُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ قال الْقَاضِي وَعِنْدَ هذه الْقَرِينَةِ لَا خِلَافَ في قَصْرِهِ على السَّبَبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لم يُعْلَمْ قال وَالطَّرِيقُ إلَى هذه الْقَرِينَةِ في كَلَامِ اللَّهِ مُتَعَذِّرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا من جِهَةِ الرَّسُولِ أَنَّهُ مَقْصُورٌ على ما خَرَجَ عليه وَكَذَا قال ابن الْقُشَيْرِيّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ عُمُومَ اللَّفْظِ هذا في الْمُطْلَقِ الذي لَا يَتَقَدَّمُ خُصُوصُهُ بِدَلِيلٍ فَإِنْ عُلِمَ بِقَرِينَةِ حَالٍ إرَادَةُ الْخُصُوصِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَلِّمْ زَيْدًا فَيُقَالُ وَاَللَّهِ لَا تَكَلَّمْت فَيُفْهَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ لَا تَكَلَّمْت معه فَلَا يُحْمَلُ في مِثْلِ هذا على التَّعْمِيمِ انْتَهَى وفي قَوْلِ الْقَاضِي لَا خِلَافَ في قَصْرِهِ على السَّبَبِ نَظَرٌ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ في لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً من عَطَشٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ طَعَامِهِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الِاقْتِصَارُ على مَوْرِدِ الْيَمِينِ وهو الْمَاءُ خَاصَّةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْأَيْمَانِ عن الْمُبْتَدِئِ لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لو قِيلَ كَلِّمْ زَيْدًا فقال وَاَللَّهُ لَا كَلَّمْته انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ على الْأَبَدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ فَإِنْ كان ذلك في طَلَاقٍ وقال أَرَدْت الْيَوْمَ لم يُقْبَلْ في الْحُكْمِ

وقال الْأَصْحَابُ فِيمَنْ دخل عليه صَدِيقُهُ فقال تَغَدَّ مَعِي فَامْتَنَعَ فقال إنْ لم تَتَغَذَّ مَعِي فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فلم يَفْعَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لو تَغَدَّى بَعْدَ ذلك معه وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَإِنْ نَوَى الْحَالَ فلم يَفْعَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وهو يُخَالِفُ قَوْلَ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ الْجَوَابَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ في حُكْمِهِ الذي لَا يَسْتَقِلُّ بِوَضْعِهِ فَيَكُونُ على حَسَبِ السُّؤَالِ وَرَأَى الْبَغَوِيّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ على الْحَالِ لِلْعَادَةِ وهو يُوَافِقُ قَوْلَ الْأُصُولِيِّينَ وَلَوْ دُعِيَ إلَى مَوْضِعٍ فيه مُنْكَرٌ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُ في ذلك الْمَوْضِعِ فإن الْيَمِينَ تَسْتَمِرُّ وَإِنْ رُفِعَ الْمُنْكَرُ كما قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وقال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ وَالْعُنْوَانِ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لم يَقْتَضِ السِّيَاقُ التَّخْصِيصَ بِهِ فَإِنْ كان السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مُنْشَؤُهُمَا يَقْتَضِي ذلك فَهُوَ مُقْتَضٍ لِلتَّخْصِيصِ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّ السِّيَاقَ مُبَيِّنٌ لِلْمُجْمَلَاتِ مُرَجِّحٌ لِبَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ وَمُؤَكِّدٌ لِلْوَاضِحَاتِ قال فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا وَلَا يُغْلَطْ فيه وَيَجِبُ اعْتِبَارُ ما دَلَّ عليه السِّيَاقُ وَالْقَرَائِنُ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ مَقْصُودُ الْكَلَامِ وَصَرَّحَ في شَرْحِ الْعُنْوَانِ بِأَنَّ ذلك بَحْثٌ وَكَلَامُ الْقَاضِي السَّابِقُ يَشْهَدُ له الثَّانِي قال الْمَازِرِيُّ لو خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ على الْخِلَافِ في الْأَلِفِ وَاللَّامِ هل تَقْتَضِي الصِّيَغُ التي دَخَلَتْ عليها الْعُمُومَ أو تُحْمَلُ على الْعَهْدِ لَكَانَ لَائِقًا فَمَنْ يَقْصِرُ اللَّفْظَ على سَبَبِهِ يَجْعَلُهَا لِلْعَهْدِ وَمَنْ يُعَمِّمُهُ لَا يَفْعَلُ ذلك وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذلك الْخِلَافَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ إلَى الْعَهْدِ وَالْقَائِلُونَ بِالتَّعْمِيمِ في هذه الْحَالَةِ هُمْ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ مع أَنَّ كَثِيرًا منهم يَقْصِرُونَهُ على السَّبَبِ وَعَلَى مُقْتَضَى ما قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَوْرَدَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ سُؤَالًا وهو أَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بين قَوْلِ النُّحَاةِ إنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهَا على الْعَهْدِ لَا تُحْمَلُ على الْعُمُومِ وَقَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْعُمُومَ لَا يَنْحَصِرُ في الْأَلِفِ وَاللَّامِ بَلْ له صِيَغٌ كَثِيرَةٌ فَإِنْ أَوْرَدَ ما إذَا كانت الصِّيغَةُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ قُلْنَا إرَادَةُ الْعُمُومِ قَرِينَةٌ دَلَّتْ على ذلك وقال بَعْضُهُمْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِلَفْظِهِ فَيَعُمُّ إلَّا إذَا كان في اللَّفْظِ ما يَمْنَعُ الْعُمُومَ كَالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدِيَّةِ وَهَذَا بِنَاءً على أَنَّ الْعَهْدَ هو الْأَصْلُ فيها وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْعُمُومِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ

وَالْحَقُّ أَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ لم يَجْمَعُوا بين الْمَقَالَتَيْنِ ولم يُخَالِفُوا أَصْلَهُمْ بَلْ الْأَصْلُ عِنْدَهُمْ في الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومُ حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على خِلَافِهِ فَلِهَذَا لم يُقْصِرُوهُ على سَبَبِهِ وَعِنْدَ النُّحَاةِ الْأَصْلُ الْعَهْدُ حتى يَقُومَ دَلِيلٌ على خِلَافِهِ وقد سَبَقَ في الْكَلَامِ على الصِّيَغِ أَنَّ مُعْظَمَ الْأُصُولِيِّينَ على أنها لِلْعُمُومِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهَا إلَى الْعَهْدِ وَأَنَّ الْمُخَالِفَ فيه ابن مَالِكٍ وَأَنَّ إلْكِيَا الطَّبَرِيَّ نَقَلَهُ عن سِيبَوَيْهِ لَكِنْ في نِسْبَتِهِ لِجَمِيعِ النَّجَاةِ نَظَرٌ فَقَدْ سَبَقَ عن أبي بَكْرِ بن السَّرَّاجِ النَّحْوِيِّ مُوَافَقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ السُّؤَالَ لَا على جِهَةِ الْجَمْعِ فقال إذَا كانت الْقَرِينَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَهْدِ وَتَمْنَعُ من الْحَمْلِ على الْعُمُومِ فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الْعَامَّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مَصْرُوفًا إلَى الْعَهْدِ بِقَرِينَةِ السَّبَبِ الْخَاصِّ وَقُلْتُمْ وَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَأَجَابَ بِأَنَّ تَقَدُّمَ السَّبَبِ الْخَاصِّ قَرِينَةٌ في أَنَّهُ مُرَادٌ لَا أَنَّ غَيْرَهُ ليس بِمُرَادٍ فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَنَقُولُ دَلَالَةُ هذا الْعَامِّ على مَحَلِّ السَّبَبِ قَطْعِيَّةٌ وَدَلَالَتُهُ على غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ إذْ ليس في السَّبَبِ ما يُثْبِتُهَا وَلَا ما يَنْفِيهَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعُدُولَ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السَّبَبُ من الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ على إرَادَةِ الْعُمُومِ وقد أَشَارَ إلَى هذا الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قال فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ قِيلَ مَسَاجِدُ اللَّهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ وَالتَّخْرِيبُ على مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وهو بَيْتُ الْمَقْدِسِ أو الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْت لَا بَأْسَ أَنْ يَجِيءَ الْحُكْمُ عَامًّا وَإِنْ كان السَّبَبُ خَاصًّا كما تَقُولُ لِمَنْ آذَى صَالِحًا وَاحِدًا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ آذَى الصَّالِحِينَ وَكَمَا قال اللَّهُ تَعَالَى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ وَالْمَنْزُولُ فيه الْأَخْنَسُ بن شُرَيْقٍ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِ مِمَّنْ مَنَعَ الْعُمُومُ كما أُرِيدَ بِمَسَاجِدِ اللَّهِ وَلَا يُرَادُ الَّذِينَ مَنَعُوا بِأَعْيَانِهِمْ إذَا كان سَبَبُ الْوَاقِعَةِ شَرْطًا فَهَلْ يَعُمُّ الْخِطَابُ الْوَارِدُ على تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الثَّالِثُ حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ من ذلك ما إذَا كان السَّبَبُ شَرْطًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فإنه كان لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا فَالْأَوَّابُونَ عَامٌّ في كل أَوَّابٍ مَاضِيًا كان أو حَاضِرًا أو مُسْتَقْبَلًا قال فَيَجِبُ في هذا الْعُمُومِ أَنْ يُخَصَّصَ بِنَا وَالْعِدَّةُ بِالْغُفْرَانِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ من الْمُخَاطَبِينَ في قَوْله تَعَالَى إنْ تَكُونُوا وَلَا

يَعُمُّ هذا جَمِيعَ الْخَلَائِقِ وَلَا جَمِيعَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ في ذلك لِأَنَّ التَّعَالِيقَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَالْجَزَاءُ الْمُرَتَّبُ عليها أَسْبَابُ تِلْكَ التَّعَالِيقِ وَصَلَاحُ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ غَيْرِهِمْ من الْأُمَمِ لِأَنَّ عَمَلَ كل وَاحِدٍ تَخْتَصُّ فَائِدَتُهُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ ليس لِلْإِنْسَانِ إلَّا ما سَعَى وإذا لم يَكُنْ شَرْطًا فَالْحَقُّ الْعُمُومُ حَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ في شَرْحِ الْمَحْصُولِ عن بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ قال وهو تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ قُلْت وَارْتَضَاهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْقَرَافِيُّ تَحْقِيقُ مُرَادِهِمْ بِالسَّبَبِ الرَّابِعُ ليس الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ هُنَا السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ كَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ بَلْ السَّبَبُ في الْجَوَابِ قَالَهُ ابن السَّمْعَانِيِّ وَسَبَقَ مَنْقُولُ أبي الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ عن الْفُقَهَاءِ في ذلك وقال صَاحِبُ الْمَصَادِرِ ليس الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ هُنَا ما يُوَلِّدُ الْفِعْلَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الدَّاعِي إلَى الْخِطَابِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَالْبَاعِثِ عليه فَعَلَى هذا لَا بُدَّ في خِطَابِ الْحُكْمِ من أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا على سَبَبِهِ أَيْ دَاعِيَتُهُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ في اخْتِلَافِ الحديث كما سَبَقَ في بِئْرِ بُضَاعَةَ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ ليس الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ عَيْنَ ما وَقَعَ الْحُكْمُ بِسَبَبِهِ بَلْ هو أو مِثْلُهُ أو ما هو أَوْلَى بِالْحُكْمِ منه حَيْثُ قال وكان الْعِلْمُ أَنَّهُ على مِثْلِهَا أو أَكْثَرَ منها وَمِنْ هُنَا قال بَعْضُهُمْ لَا مُتَمَسِّكَ لِلْمُسْتَدِلِّينَ بِآيَةِ السَّرِقَةِ وَاللِّعَانِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِهَا على التَّعْمِيمِ وَعَدَمِ الْقَصْرِ على السَّبَبِ فإن الْقَطْعَ وَأَحْكَامَ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ ثَبَتَتْ فِيمَنْ كان مِثْلَ من نَزَلَتْ فيه وَذَلِكَ ليس من الْعُمُومِ وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ إلْحَاقُ مِثْلِهِ أو ما هو أَوْلَى منه إنْ كان بِالْقِيَاسِ فَخُرُوجٌ عن مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كان من اللَّفْظِ لَزِمَ اتِّحَادُ الْقَوْلِ بِالْقَصْرِ على السَّبَبِ وَالْقَوْلُ بِالْعُمُومِ ثُمَّ من أَيِّ الدَّلَالَاتِ هو فَلْيُتَأَمَّلْ ذلك الْخَامِسُ قال الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ تُتَرْجَمَ هذه الْمَسْأَلَةُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا وَرَدَ على سَبَبٍ خَاصٍّ أو في سَبَبٍ خَاصٍّ وَلَا يُقَالُ عِنْدَ سَبَبٍ خَاصٍّ قال وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّك إذَا قُلْت عِنْدَ سَبَبٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ لِلسَّبَبِ تَعَلُّقٌ بِهِ أَصْلًا وَفَرْقٌ بين قَوْلِك ضَرَبْت الْعَبْدَ على قِيَامِهِ وَضَرَبْته عِنْدَ قِيَامِهِ فَفِي الْأَوَّلِ جَعَلْت الْقِيَامَ سَبَبًا لِلضَّرْبِ بِخِلَافِ الثَّانِي قال ابن الْقُشَيْرِيّ وَهِيَ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ السَّادِسُ هذا الْعَامُّ وَإِنْ كان حُجَّةً في مَوْضِعِ السَّبَبِ أو السُّؤَالِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ

دَلَالَتُهُ على صُورَةِ السَّبَبِ أَقْوَى فَلِهَذَا قال الْأَكْثَرُونَ إنَّهَا قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ فَهُوَ نَصٌّ في سَبَبِهِ ظَاهِرٌ فِيمَا زَادَ عليه وَإِنَّمَا جَعَلُوهَا قَطْعِيَّةً في السَّبَبِ لِاسْتِحَالَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عن وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يَصِحُّ منه عليه السَّلَامُ أَنْ يُسْأَلَ عن بَيَانِ ما يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ فَيَضْرِبُ عن بَيَانِهِ وَيُبَيِّنُ غَيْرَهُ مِمَّا لم يُسْأَلْ عنه وَعَلَى هذا فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ هذا الْعَامِّ بِدَلِيلٍ كَغَيْرِهِ من الْعُمُومَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ صُورَةِ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ الْعَامَّ يَدُلُّ عليه بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَكَوْنُهُ وَارِدًا لِبَيَانِ حُكْمِهِ وَحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ إخْرَاجَ صُورَةِ السَّبَبِ عن عُمُومِ اللَّفْظِ إجْرَاءً له مَجْرَى الْعَامِّ الْمُبْتَدَأِ فإنه يَجُوزُ تَخْصِيصُ بَعْضِ آحَادِهِ مُطْلَقًا وَاسْتُنْبِطَ ذلك من مُصَيِّرِهِ إلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تُلَاعَنُ مع أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ في امْرَأَةِ الْعَجْلَانِيُّ وَكَانَتْ حَامِلًا وَمِنْ مُصَيِّرِهِ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمَشْرِقِيَّةِ يَلْحَقُ بِفِرَاشِ الْمَغْرِبِيِّ مع عَدَمِ الِاحْتِمَالِ تَلَقِّيًا من قَوْلِهِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وقد وَرَدَ في عبد بن زَمْعَةَ إذْ تَدَاعَى وَلَدَ وَلِيدَةِ أبيه وَكَانَتْ رَقِيقَةً وَلَدَتْهُ على فِرَاشِ أبيه وَعِنْدَهُ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُ السَّيِّدَ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِهِ فقال بِالْخَبَرِ فِيمَا لم يَرِدْ فيه وهو الْحُرَّةُ فَأَلْحَقَهُ بِصَاحِبِ فِرَاشِهَا ولم يَقُلْ بِهِ فِيمَا وَرَدَ فيه وهو الْأَمَةُ فلم يَلْحَقْ وَلَدُهَا بِصَاحِبِ فِرَاشِهَا فَاسْتُعْمِلَ عُمُومُ اللَّفْظِ في غَيْرِ ما وَرَدَ فيه وَأُخْرِجَ ما وَرَدَ فيه عن حُكْمِهِ وَأَعْجَبُ من هذا أَنَّهُ عُمِلَ بِعُمُومِ الحديث مُطْلَقًا حَيْثُ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْفِرَاشِ في الْحُرَّةِ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَفْيُهُ كَالْمَغْرِبِيَّةِ مع الْمَشْرِقِيِّ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَكَذَا خِلَافُهُمْ في تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ فِيهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَسْقَطَهَا أبو حَنِيفَةَ في عِيدِ الْفِطْرِ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على ما هَدَاكُمْ وقال الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ في الْأَوَّلَيْنِ الظَّنُّ أَنَّ ذلك لَا يَصِحُّ عن أبي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْمُقْتَرِحُ وقال لَعَلَّهُ لم يَبْلُغْهُ الْحَدِيثَانِ قُلْت وَلَوْ صَحَّ نِسْبَةُ ذلك إلَى أبي حَنِيفَةَ من هذا لَلَزِمَ نِسْبَتُهُ إلَى مَالِكٍ أَيْضًا فإن مَالِكًا قال بِالْقِيَافَةِ في وَلَدِ الْأَمَةِ لَا الْحُرَّةِ مع أَنَّ حَدِيثَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ إنَّمَا وَرَدَ في الْحُرَّةِ وَنُقِلَ عنه أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ لَا يُبَاحُ له التَّحْلِيلُ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ بِخِلَافِ الْحَجِّ مع أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ إنَّمَا نَزَلَتْ وَالنَّبِيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ وَتَحَلَّلَ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ

وقال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُهُمْ إنَّ دُخُولَ السَّبَبِ قَطْعِيٌّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ أو مَقَالِيَّةٌ على ذلك أو على أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ يَشْمَلُهُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا فَقَدْ يُنَازِعُ الْخَصْمُ في دُخُولِهِ وَضْعًا بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَصَدَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ إخْرَاجَ السَّبَبِ وَبَيَانَ أَنَّهُ ليس دَاخِلًا في الْحُكْمِ فإن لِلْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا في عبد بن زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَإِنْ كان وَارِدًا في أَمَةٍ فَهُوَ وَارِدٌ لِبَيَانِ حُكْمِ ذلك الْوَلَدِ وَبَيَانُ حُكْمِهِ إمَّا بِالثُّبُوتِ أو الِانْتِفَاءِ فإذا ثَبَتَ أَنَّ الْفِرَاشَ هِيَ الزَّوْجَةُ لِأَنَّهَا هِيَ التي يُتَّخَذُ لها الْفِرَاشُ غَالِبًا وقال الْوَالِدُ لِلْفِرَاشِ كان فيه حَصْرُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْحُرَّةِ وَمُقْتَضَى ذلك لَا يَكُونُ لِلْأَمَةِ فَكَانَ فيه بَيَانُ الْحُكْمَيْنِ جميعا نَفْيُ السَّبَبِ عن الْمُسَبِّبِ وَإِثْبَاتُهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَلِيقُ دَعْوَى الْقَطْعِ هُنَا وَذَلِكَ من جِهَةِ اللَّفْظِ وَهَذَا في الْحَقِيقَةِ نِزَاعٌ في أَنَّ اسْمَ الْفِرَاشِ هل هو مَوْضُوعٌ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ أو الْحُرَّةِ فَقَطْ الْحَنَفِيَّةُ يَدَّعُونَ الثَّانِيَ فَلَا عُمُومَ عِنْدَهُمْ له في الْأَمَةِ فَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عن هذا الْبَحْثِ نعم قَالَهُ هو لَك يا عبد بن زَمْعَةَ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ على حُكْمِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ من قَوْلِهِ الْفِرَاشَ قُلْت وَمِنْ الْمَسَائِلِ التي يُعَاكِسُ فيها أبو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَصْلَهُمَا ذَهَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ إلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ في الْحَجِّ مَخْصُوصٌ بِحَصْرِ الْعَدُوِّ وَمَنَعَاهُ في الْمَرَضِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ نَزَلَ في الْحُدَيْبِيَةِ وكان الْحُصْرُ بِعَدُوٍّ فَاعْتَبَرَ خُصُوصَ السَّبَبِ وَخَالَفَهُمَا أبو حَنِيفَةَ في ذلك فَاعْتَبَرَ عُمُومَ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ على جَوَازِ خُرُوجِهِ من الْحَجِّ بِالْأَعْذَارِ فإن الْإِحْصَارَ عِنْدَ الْمُعْتَبِرِينَ من أَهْلِ اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِإِحْصَارِ الْأَعْذَارِ وَالْحَصْرُ مَوْضُوعٌ لِحَصْرِ الْعَدُوِّ قال الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَحَلَّ السَّبَبِ يَقْتَضِي حَصْرَ الْعَدُوِّ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَلَّ على حَصْرِ الْعَدُوِّ كانت دَلَالَتُهُ على حَصْرِ الْأَعْذَارِ من طَرِيقٍ أَوْلَى فَنَزَلَتْ لِتَدُلَّ على إحْصَارِ الْعَدُوِّ بِمَنْطُوقِهَا وَعَلَى إحْصَارِ الْعُذْرِ بِمَفْهُومِهَا فَتَنَاوَلَتْ الْأَمْرَيْنِ جميعا فَإِنْ قِيلَ قد قُرِّرَ بها ما يَدُلُّ على أنها نَزَلَتْ في حَصْرِ الْعَدُوِّ وهو قَوْله تَعَالَى فإذا أَمِنْتُمْ وَالْأَمْنُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في زَوَالِ الْخَوْفِ من الْأَعْدَاءِ دُونَ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْأَعْذَارِ وَأَجَابَ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا دَلَّتْ على التَّحَلُّلِ بِالْحَصْرِ رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى ما دَلَّتْ عليه بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا بِطَرِيقِ اللَّفْظِ وَإِنْ جَعَلْنَا حَصَرَ وَأُحْصِرَ

لُغَتَيْنِ دَلَّ أُحْصِرَ على الْأَمْرَيْنِ وَرَجَعَ لَفْظُ الْأَمْنِ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قال وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا نَظِيرَ له في الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ فإن من انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ وَتَعَذَّرَ عليه الْعَوْدُ إلَى الْحَجِّ أو الْعُمْرَةِ يَبْقَى في بَقِيَّةِ عُمُرِهِ حَاسِرَ الرَّأْسِ مُجَرَّدًا عن اللِّبَاسِ مُحَرَّمًا عليه كُلُّ ما يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ بَعِيدٌ شَرْعًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْكَلَامَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا وَرَدَّ عليه إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحَدِيثِ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ قال وَلَوْ جَازَ الْكَلَامُ في مَصْلَحَتِهَا لَمَا أُمِرَ الْمَأْمُورُ في ذلك إذَا نَابَ الْإِمَامَ شَيْءٌ وَيَلْزَمُ مَالِكًا إخْرَاجُ مَحَلِّ السَّبَبِ من الْعُمُومِ فإن الحديث وَرَدَ على شَيْءٍ نَابَ أَبَا بَكْرٍ في صَلَاتِهِ لَمَّا صلى بِهِمْ وَصَفَّقُوا فلما فَرَغَ من الصَّلَاةِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّمَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ السَّبَبِ وَيُعْتَبَرُ اللَّفْظُ حتى لو اسْتَأْذَنَ عليه شَخْصٌ وهو في الصَّلَاةِ أو رَأَى أَعْمَى يَقَعُ في بِئْرٍ فإنه يُفَهِّمُهُ بِالتَّسْبِيحِ السَّابِعُ أَوْرَدَ على قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبَبَ دَاخِلٌ قَطْعًا أَنَّهُ قبل نُزُولِ الْآيَةِ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَثْبُتُ من حِينِ نُزُولِهَا فَكَيْفَ يَنْعَطِفُ على ما مَضَى وقد أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على أَنَّ أَوْسَ بن الصَّامِتِ شَمِلَهُ الظِّهَارُ وَأَمْثَالُهُ من الْأَسْبَابِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ على سَبَبٍ وَيَخُصُّ آيَةَ الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ إشْكَالٌ آخَرُ وهو أَنَّ الَّذِينَ في قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نِسَائِهِمْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فَتَحْرِيرُ أَيْ فَكَفَّارَتُهُمْ تَحْرِيرُ وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عليه وَجَازَ دُخُولُ الْفَاءِ في الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَتَضَمُّنِ الْخَبَرِ مَعْنَى الْجَزَاءِ فإذا أُرِيدَ التَّنْصِيصُ على أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَحَقٌّ بِالصِّلَةِ دَخَلَتْ الْفَاءُ حَتْمًا لِلدَّلَالَةِ على ذلك وإذا لم تَدْخُلْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا بِهِ أو بِغَيْرِهِ كما لو قِيلَ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ عليهم تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَإِنْ كنا نَقُولُ إنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ على الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ وَلَكِنْ ليس بِنَصٍّ وَدُخُولُ الْفَاءِ نَصٌّ إذَا عَرَفْت هذا فَالْآيَةُ لَا تَشْمَلُ إلَّا من وُجِدَ منه الظِّهَارُ بَعْدَ نُزُولِهَا لِأَنَّ نَفْيَ الشَّرْطِ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا يَدْخُلُ فيه الْمَاضِي وقد أَوْجَبَ النبي عليه السَّلَامُ الْكَفَّارَةَ على أَوْسِ بن الصَّامِتِ وَذَلِكَ لَا شَكَّ فيه من جِهَةِ أَنَّهُ السَّبَبُ وَأُجِيبَ عنه بِأَنَّ إثْبَاتَ أَحْكَامِ هذه الْآيَاتِ لِمَنْ وُجِدَ منه السَّبَبُ قبل نُزُولِهَا

لِأَنَّ هذه الْأَفْعَالَ كانت مَعْلُومَةَ التَّحْرِيمِ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى وَوُجُوبُ الْحَدِّ فِيهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ على الْعِلْمِ وَالْفَاعِلُ لها قبل نُزُولِ الْآيَةِ إذَا كان هو السَّبَبُ في نُزُولِهَا من حُكْمِ الْمُقَارِنِ لها لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مُبَيِّنَةً لِحُكْمِهِ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ حُكْمُهَا فيه دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ وَسَبَبُ النُّزُولِ حَاضِرٌ أو في الْحُكْمِ الْحَاضِرِ وَأَمَّا دَلَالَةُ الْفَاءِ على الِاخْتِصَاصِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ يُمْنَعُ الثَّامِنُ أَنَّ الْعُمُومَ الْخَارِجَ مَخْرَجَ التَّشْرِيعِ أَوْلَى من الْخَارِجِ على سَبَبٍ كَقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ إنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَةِ مع قَوْلِهِ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّشْرِيعِ وَالْأَوَّلُ أَمْكَنَ خُرُوجُهُ على سُؤَالِ سَائِلٍ تَرَكَ الرَّاوِي ذِكْرَ سَبَبِهِ قَالَهُ أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وقال الْغَزَالِيُّ يَصِيرُ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ لِلْخَارِجِ على سَبَبٍ أَقْرَبَ مِمَّا لم يَخْرُجْ على سَبَبٍ وَيَقْنَعُ فيه بِدَلِيلٍ أَخَفَّ وَأَضْعَفَ وقد يُصْرَفُ بِقَرِينَةِ اخْتِصَاصٍ بِالْوَاقِعَةِ وَيَأْتِي فيها ما ذُكِرَ في بَابِ التَّرَاجِيحِ التَّاسِعُ لَك أَنْ تَسْأَلَ عن الْفَرْقِ بين هذه الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُكْمَ إذَا شُرِعَ لِحِكْمَةٍ أو سَبَبٍ ثُمَّ زَالَ ذلك السَّبَبُ هل يَبْقَى الْحُكْمُ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ أو لَا يَبْقَى نَظَرًا لِلْعِلَّةِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ في اسْتِحْبَابِ الذَّهَابِ إلَى الْعِيدِ من طَرِيقٍ الرُّجُوعِ من أُخْرَى وَتَرْجِيحِهِمْ الْمَيْلَ إلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ كما في الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ في الطَّوَافِ وَجَعَلَ الرَّافِعِيُّ منه أَنَّ الْعَرَايَا لَا تَخْتَصُّ بِالْمَحَاوِيجِ على الصَّحِيحِ وَإِنْ كان سَبَبٌ على الرُّخْصَةِ وَرَدَ في الْمَحَاوِيجِ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْعَاشِرُ إذَا اعْتَبَرْنَا السَّبَبَ فَلَا يَنْبَغِي جَعْلُهُ من الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بَلْ من الْعَامِّ الذي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا

فَائِدَةٌ نُزُولُ الْآيَةِ لِمَحَلٍّ لَا يَقْتَضِي تَعَلُّقَهَا بِهِ وقد يَخْرُجُ فيها قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فإنه ذَهَبَ في الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ له صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عن تَمَتُّعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ قال الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا خِلَافَ بين أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هذه الْآيَةَ نَزَلَتْ في يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وهو الثَّامِنُ من ذِي الْحِجَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بها أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمُوَافِقِ له في الْحُكْمِ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بَلْ الْأَوَّلُ بَاقٍ على عُمُومِهِ قال الْقَفَّالُ فَصَارَ الْخَاصُّ كَأَنَّهُ وَرَدَ فيه خَبَرَانِ خَبَرٌ يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ غَيْرَهُ وَخَبَرٌ يَخُصُّهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ فإنه خَصَّصَ الدِّبَاغَ بِالْمَأْكُولِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ مع إفْرَادِهِ ذِكْرَ الشَّاةِ في حديث مَيْمُونَةَ وَقَوْلُهُ في قِصَّةِ الْمُجَامِعِ في رَمَضَانَ مع قَوْلِهِ من أَفْطَرَ في رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ ما على الْمُظَاهِرِ إنْ صَحَّ الْخَبَرُ وَنَقَلَهُ عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ عن الْأَكْثَرِينَ من فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ فَأَمَّا مَذْهَبُنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ فيه الْخِلَافُ إلَّا أَنَّ أَجْوِبَتَهُمْ تَطَّرِدُ على الْأَوَّلِ قال وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ لِخَوْلَةِ في دَمِ الْحَيْضِ اغْسِلِيهِ وفي حديث عَمَّارٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ من الْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ فَذُكِرَ الْمَاءُ وهو بَعْضُ ما دخل في اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ جُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وقال في خَبَرٍ آخَرَ وَتُرَابُهَا طَهُورًا وَالتُّرَابُ بَعْضُ

الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وقال في خَبَرٍ آخَرَ الْبُرُّ بِالْبُرِّ فَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ أَصْحَابِنَا في هذه الْأَمْثِلَةِ على الْمَذْهَبِ جميعا انْتَهَى وقال صَاحِبُ الْمَصْدَرِ إنَّمَا قال أبو ثَوْرٍ في قَوْله تَعَالَى وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ وَقَوْلُهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ما لم تَمَسُّوهُنَّ أو تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ فَأَثْبَتَ الْمُتْعَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ التي هذه سَبِيلُهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هذا هو الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ لِغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ التي لم تُمَسَّ ولم يُفْرَضْ لها وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ حَيْثُ التَّنَافِي انْتَهَى وقد حَكَى أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ في هذه الْآيَةِ وَسَيَأْتِي في التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ وَقَضِيَّتُهُ جَرَيَانُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ أبي ثَوْرٍ وقد احْتَجَّ الْجُمْهُورُ في عَدَمِ التَّخْصِيصِ بِأَنَّ الْمُخَصَّصَ مُنَافٍ ذِكْرَ الْحُكْمِ في بَعْضِ الْأَفْرَادِ ليس بِمُنَافٍ فَذِكْرُ الْحُكْمِ ليس بِمُخَصَّصٍ وَاعْتُرِضَ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ ذِكْرَ الْحُكْمِ في بَعْضِ الْأَفْرَادِ ليس بِمُنَافٍ بِنَاءً على قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ وَفُرِّقَ بين مُنَافَاةِ الْحُكْمِ وَبَيْنَ مُنَافَاةِ الذِّكْرِ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ في بَعْضِ الْأَفْرَادِ ليس بِمُنَافٍ لِثُبُوتِهِ في غَيْرِهَا وَأَمَّا الذِّكْرُ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُنَافَاتِهِ لِأَصْلِ الْمَفْهُومِ الدَّالِّ على نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يَتَأَتَّى في ذِكْرِ الْحُكْمِ في بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَتَخْصِيصُهُ بِمَا له مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ كَالصِّفَّةِ مَثَلًا وَلَا يَجِيءُ في ذِكْرِ الْحُكْمِ في بَعْضِ الْأَفْرَادِ بِذِكْرِ ما لَا مَفْهُومَ له كَاللَّقَبِ وَاَلَّذِينَ أَوْرَدُوا هذه الْمَسْأَلَةَ أَوْرَدُوهَا عَامَّةً وَمِنْ الناس من أَنْكَرَ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال لَمَّا كان أبو ثَوْرٍ مِمَّنْ يقول بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ظُنَّ أَنَّهُ يقول بِالتَّخْصِيصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّ أَبَا ثَوْرٍ يقول إنَّ هذه الصُّورَةَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا من الْعَامِّ وَتَصِيرُ قَطْعِيَّةً لِمَحَلِّ السَّبَبِ على ما سَبَقَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فيه خِلَافٌ فَإِنْ قُلْت فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ما فَائِدَةُ هذا الْخَاصِّ مع دُخُولِهِ في الْعَامِّ قُلْت يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ عَدَمَ التَّخْصِيصِ أو التَّفْخِيمِ وَالْمَزِيَّةِ على بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ أو اخْتِصَاصِهِ بِضَرْبٍ من التَّأْكِيدِ إنْ جَدَّتْ وَاقِعَةٌ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ وقد يَرْجِعُ مَذْهَبُ

أبي ثَوْرٍ من جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذلك الْعَامُّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَالْقَرِينَةُ فيه الْإِفْرَادُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى في تَقْرِيرِ هذه الْفَائِدَةِ وَنِسْبَةُ هذا الْمَذْهَبِ لِأَبِي ثَوْرٍ بهذا الْحَالِ لِأَنَّ اسْتِنْتَاجَ الْكُلِّيَّاتِ من الْجُزْئِيَّاتِ يُعْتَمَدُ كَوْنُهَا الْخُصُوصِيَّاتِ وَيُوجَدُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَأَمَّا الْفَرْدُ الْمُعَيَّنُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فيه لِأَمْرٍ يَخْتَصُّهُ بَيَانُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أبو ثَوْرٍ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ طَهَارَةِ الْجِلْدِ بِالدِّبَاغِ وَيُعْتَقَدُ أَنَّ الْمَأْكُولَ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى يُنَاسِبُ التَّطْهِيرَ أو التَّخْفِيفَ فَيُجْعَلُ ذلك قَرِينَةً في تَخْصِيصِ الْعُمُومِ كما جَعَلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ اعْتِبَارِ دِبَاغِ جِلْدِ الْكَلْبِ قَرِينَةً تَخُصُّ هذا الْعُمُومَ أو يُمْنَعُ تَطْهِيرُ جِلْدِ ما لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِنَهْيِ النبي عليه السَّلَامُ عن افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ كما اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْمَذْهَبِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إنْ كان أبو ثَوْرٍ نَصَّ على الْقَاعِدَةِ فَذَاكَ وَإِنْ كان أَخَذَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ من مَذْهَبِهِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَدُلُّ على ذلك قُلْت وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أبو ثَوْرٍ في كِتَابِهِ فَقَدْ حَكَى عنه أبو عُمَرَ بن عبد الْبَرِّ في التَّمْهِيدِ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَى تَخْصِيصِ الدِّبَاغِ بِالْمَأْكُولِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ عليه السَّلَامُ في جِلْدِ الشَّاةِ هَلَّا دَبَغْتُمُوهُ وقال في حَدِيثٍ آخَرَ نهى عن جُلُودِ السِّبَاعِ قال أبو ثَوْرٍ فلما رُوِيَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِهِمَا جميعا لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهِمَا انْتَهَى وَيُقَالُ له هَذَانِ الْخَبَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامٌّ من وَجْهٍ خَاصٌّ من وَجْهٍ فإن خَبَرَ السِّبَاعِ عَامٌّ في جُلُودِ السِّبَاعِ قبل الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ وَخَاصٌّ بِالسِّبَاعِ وَحَدِيثُ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ عَامٌّ في كِلَيْهِمَا وَخَاصٌّ بِالدِّبَاغِ وَيَتَأَكَّدُ في مِثْلِهِ التَّرْجِيحُ بِأَمْرِهِ

خَارِجٌ الثَّانِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مَفْهُومُهُ مُوَافِقًا فَإِنْ كان مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ مِثْلُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ وَسَائِمَةِ الْغَنَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَقَوْلِهِ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَنَحْوِهِ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ وَسَتَأْتِي وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فقال فَأَمَّا إذَا كان لِلْخَاصِّ دَلِيلُ خِطَابٍ فإنه يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ فَيَخْرُجُ منه ما تَنَاوَلَهُ دَلِيلُهُ كَقَوْلِهِ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ مع قَوْلِهِ في سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَتَخْرُجُ الْمَعْلُوفَةُ من قَوْلِهِ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَالْمَفْهُومُ كَالْمَنْطُوقِ في وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَاللَّفْظُ الْخَاصُّ يُقْضَى بِهِ على الْعَامِّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مع قَوْلِهِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا ما غَيَّرَهُ وقال الشَّيْخُ في شَرْحِ الْإِلْمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالتَّخْصِيصِ بِمَا ليس له مَفْهُومٌ كَاللَّقَبِ فَأَمَّا ما له مَفْهُومٌ كَالصِّفَاتِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ أَجَازُوا تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِهِ قُلْت وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ فقال بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ ذلك لَا يُخَصَّصُ أَمَّا إذَا كان إفْرَادُ الْمَخْصُوصِ بِالذِّكْرِ على مَعْنَى نَفْيِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ كما رُوِيَ في سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ وَرُوِيَ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَذِكْرُ السَّوْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَدُلُّ على نَفْيِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا زَكَاةَ إلَّا في السَّائِمَةِ فَإِنْ لم يَقُمْ دَلِيلٌ على أَنَّ إفْرَادَهُ بِالذِّكْرِ على مَعْنَى مُخَالَفَةِ الْمَسْكُوتِ عنه له في حُكْمِهِ فإنه لَا يُجْعَلُ مُخَصَّصًا لِلْعُمُومِ لِأَنَّ ذلك الْعُمُومَ يَشْتَمِلُ عليه وَعَلَى غَيْرِهِ قال وَلَوْلَا قِيَامُ الدَّلِيلِ على أَنَّ قَوْلَهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لم يَحْمِلْ خَبَثًا على أَنَّهُ تَحْدِيدٌ لَدَخَلَ في جُمْلَةِ قَوْلِهِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ انْتَهَى وَكَذَا قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا عُرِّيَ اللَّفْظُ الْخَاصُّ من وُجُودِ الْأَدِلَّةِ التي تَقْتَضِي الْمُنَافَاةَ سِوَى خُصُوصِهِ في ذلك

الْمُسَمَّى فَإِنْ كان معه ما يَقْتَضِي ذلك فَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ يَخُصُّ الْعُمُومَ إلَّا في الْمَوَاضِعِ التي يُخْتَلَفُ فيها مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فيها مُتَعَلِّقًا بِصِفَةٍ فَيَدُلُّ على ما عَدَاهُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أو أَنْ يَكُونَ فيه تَعْلِيلٌ يُوجَدُ في بَعْضِ ما دخل تَحْتَ الْعُمُومِ فإذا عُرِّيَ من ذلك فَفِيهِ الْخِلَافُ ذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ هل يُخَصِّصُ الْعَامَّ الثَّالِثُ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَقْصُرُ على وُرُودِ الْخَاصِّ بِالنَّصِّ بَلْ إذَا وَرَدَ الْعَامُّ ثُمَّ وَرَدَ من النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَاءٌ أو فِعْلٌ بِمَا يُوَافِقُ الْعُمُومَ ولم يَقُمْ دَلِيلٌ على أَنَّ فِعْلَهُ بَيَانٌ لِلْعُمُومِ وَمُفَسِّرٌ له فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَمَثَّلَهُ بِقَطْعِهِ عليه السَّلَامُ فِيمَا قِيمَتُهُ ثَلَاثُ دَرَاهِمَ أو عَشَرَةٌ وَلَيْسَ فيه أَنَّ ذلك تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ قال وَكَذَلِكَ لم يَجْعَلْ أَصْحَابُنَا ثَلَاثَةَ الدَّرَاهِمِ حَدًّا كما ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَلَا عَشَرَةً كما ذَهَبَ إلَيْهِ أَهْلُ الرَّأْيِ لِأَنَّ الْعُمُومَ قد ثَبَتَ بِقَطْعِ السُّرَّاقِ أَمْرًا وَالتَّقْيِيدُ إنَّمَا يَقَعُ على ما سُرِقَ من قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ لِهَذَا لم يَجْعَلْ الْخَبَرَيْنِ في قِيمَةِ الْمِجَنَّيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ لِأَنَّ قِيمَتَهُمَا قد تَخْتَلِفُ الرَّابِعُ قَيَّدَ ابن الرِّفْعَةِ في بَابِ الْأَوَانِي من الْمَطْلَبِ هذه الْمَسْأَلَةَ فقال مَحَلُّ قَوْلِنَا إنَّ ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصَّصُ ما إذَا لم يُعَارِضْ الْعُمُومَ عُمُومٌ آخَرُ فَإِنْ عَارَضَهُ قُدِّمَ وَمَثَّلَهُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَانِ حَرَامٌ على ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ وَرِوَايَةِ أبي مُوسَى حُرِّمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ على ذُكُورِ أُمَّتِي فَاقْتَضَى الثَّانِي تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِاللُّبْسِ وقد عَارَضَ عُمُومَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الذي يَأْكُلُ أو يَشْرَبُ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ في جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ فإنه يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْأَوَانِي على الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَوَانِي غَيْرُ حديث الِاسْتِعْمَالِ

فَائِدَةٌ لَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّا نَقْصُرُ الْحُكْمَ على تِلْكَ الْوَاقِعَةِ أو نَقِيسُ على تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ما هو في مَعْنَاهَا من كل مَأْكُولِ اللَّحْمِ كما في شَاةِ مَيْمُونَةَ قال الْإِمَامُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ تَخْصِيصُ الْمَعْنَى الثَّانِي مَسْأَلَةٌ إذَا ذُكِرَ الْعَامُّ وَعُطِفَ عليه بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِمَّا حَقُّ الْعُمُومَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَهَلْ يَدُلُّ فيه التَّخْصِيصُ على أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ حَكَى الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ عن وَالِدِهِ في كِتَابِ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ حَكَى خِلَافَ الْعُلَمَاءِ في هذه الْمَسْأَلَةِ فقال بَعْضُهُمْ هذا الْمَخْصُوصُ بِالذِّكْرِ لم يَدْخُلْ تَحْتَ الْعَامِّ لِأَنَّا لو جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا تَحْتَهُ لم يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ قُلْت وَعَلَى هذا جَرَى أبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَتِلْمِيذُهُ ابن جِنِّي وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عليه فإنه قال في حديث عَائِشَةَ في الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ إنَّهُ يَدُلُّ على أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى لَيْسَتْ الْعَصْرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ ثُمَّ قال الرُّويَانِيُّ وقال بَعْضُهُمْ هذا الْمَخْصُوصُ بِالذِّكْرِ هو دَاخِلٌ تَحْتَ الْعُمُومِ وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ أَيْ فَكَأَنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْعُمُومِ وَمَرَّةً بِالْخُصُوصِ وَفَرَّعَ الرُّويَانِيُّ على هذا الْخِلَافِ ما لو أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَزَيْدٌ فَقِيرٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى غير الدِّينَارِ لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيرِ قَطَعَ اجْتِهَادَ الْقَاضِي جَزَمَ بِهِ في الْحَاوِي وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هذا وهو الْأَظْهَرُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُجْمَعُ بين ما أَوْصَى له بِهِ وَبِشَيْءٍ آخَرَ من الثُّلُثِ على ما أَرَادَ الْمُوصِي الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ إذَا كان خَاصًّا لَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ الْمَذْكُورَ في الْمَعْطُوفِ عليه عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَيُوجِبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ لنا أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ في هذه الْأَحْكَامِ وَمِثَالُ الْمَسْأَلَةِ احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا على أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وهو عَامٌّ في الْحَرْبِ وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ في سِيَاقِ النَّفْيِ

وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ بَلْ هو خَاصٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرْبِيُّ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْخَاصِّ عليه وهو قَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ لِأَنَّهُ عليه السَّلَامُ عَطْفٌ عليه قَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ بِكَافِرٍ على حَدِّ قَوْله تَعَالَى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ من رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ إنَّ الْكَافِرَ الذي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو الْعَهْدِ هو الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الذي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ أَيْضًا هو الْحَرْبِيُّ تَسْوِيَةً بين الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عليه وَهَذَا التَّقْدِيرُ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بين الْمُتَعَاطِفَيْنِ من كل وَجْهٍ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ كَلَامٌ تَامٌّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ قَوْلِهِ بِكَافِرٍ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَهْدَ عَاصِمٌ من الْقَتْلِ وقد ذَهَبَ أبو عُبَيْدٍ في غَرِيبِ الحديث إلَى ذلك فقال إنَّ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ في عَهْدِهِ لِأَنَّهُ لو اقْتَصَرَ على قَوْلِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ لَتُوُهِّمَ أَنَّ من وُجِدَ منه عَهْدٌ ثُمَّ خَرَجَ منه لَا يُقْتَلُ فلما قال في عَهْدِهِ عَلِمْنَا اخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِحَالَةِ الْعَهْدِ فَإِنْ قِيلَ ما وَجْهُ الِارْتِبَاطِ بين هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ على رَأْيِكُمْ إذْ لَا يَظْهَرُ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِنَا وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ مُطْلَقًا مع قَوْلِنَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ أَجَابَ أبو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ بِأَنَّ عَدَاوَةَ الصَّحَابَةِ لِلْكُفَّارِ كانت شَدِيدَةً جِدًّا فلما قال عليه السَّلَامُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ خَشِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَ هذا الْكَلَامُ فَتَحْمِلُهُمْ الْعَدَاوَةُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَهُمْ على قَتْلِ كل كَافِرٍ من مُعَاهَدٍ وَغَيْرِهِ فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ما مَعْنَاهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ في زَمَنِ عَهْدِهِ الثَّالِثُ أَنَّ حَمْلَ الْكَافِرِ الْمَذْكُورِ على الْحَرْبِيِّ لَا يَحْسُنُ لِأَنَّ هَدْرَ دَمِهِ من الْمَعْلُومِ من الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ وَيُبْعِدُ هذا الْجَوَابَ قَلِيلًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَدْلُولَ الحديث مُسْتَغْنًى عنه بِمَا دَلَّ عليه قَوْله تَعَالَى فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ فَالْحَمْلُ على فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى وَثَانِيهَا أَنَّ صَدْرَ الحديث نَفَى فيه الْقَتْلَ قِصَاصًا لَا مُطْلَقَ الْقَتْلِ فَقِيَاسُ آخِرِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ

الرَّابِعُ سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّقْدِيرِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَسَاوِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ عليه لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ لو لُفِظَ بِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِإِحْدَاهُمَا غَيْرُ ما أُرِيدَ بِهِ بِالْأُخْرَى فَكَذَلِكَ مُنِعَ ذِكْرُ إحْدَاهُمَا وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى وَيُؤَيِّدُهُ عُمُومُ وَالْمُطَلَّقَاتُ وَخُصُوصُ وَبُعُولَتُهُنَّ مع عَوْدِ الضَّمِيرِ عليه إذَا عَلِمْت هذا فَاعْلَمْ أَنَّهُ قد اخْتَلَفَ طُرُقُ الْأُصُولِيِّينَ في تَرْجَمَةِ هذه الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ من تَرْجَمَهَا كما ذَكَرْنَا وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ كما سَيَأْتِي وَمِنْهُمْ من تَرْجَمَهَا كَالْآمِدِيِّ في الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْعَطْفَ على الْعَامِّ هل يَقْتَضِي الْعُمُومَ في الْمَعْطُوفِ وَهَذِهِ تَشْمَلُ ما لَا خِلَافَ فيه وَهِيَ ما لو قال لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ فَلَا يقول أَحَدٌ بِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ على الْعَامِّ الْعُمُومَ حتى لَا يُقْتَلُ الْمُعَاهَدُ بِكَافِرٍ حَرْبِيًّا كان أو ذِمِّيًّا وَمِنْهُمْ من تَرْجَمَهَا كَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ وَنَاقَشَهُمْ النَّقْشَوَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هذه الْعِبَارَةَ تَشْمَلُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَامٌّ مَعْطُوفٌ على عَامٍّ قام الدَّلِيلُ على أَنَّهُ مَخْصُوصٌ كَقَوْلِك لَا تَضْرِبُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ لنا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْأَةِ غَيْرُ الْقَاذِفَةِ أو شَارِبَةِ الْخَمْرِ وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ثُمَّ يُخَصَّصُ الْكَافِرُ في الْمَعْطُوفِ عليه بِدَلِيلٍ وَالثَّانِيَةُ عَطْفُ خَاصٍّ بِلَفْظِهِ على عَامٍّ بِلَفْظِهِ فَهَلْ يَقْتَضِي ذلك تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ كَقَوْلِنَا لَا تَضْرِبْ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً كَهْلَةً فَهَلْ يَخُصُّ الرَّجُلَ بِالْكَهْلِ أَيْضًا وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِحَرْبِيٍّ قالوا وَمِثَالُهُمْ إنَّمَا هو من الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ولم يَتَعَرَّضُوا لِلثَّانِيَةِ وَالْإِمَامُ تَرْجَمَ لِلثَّانِيَةِ وَمِثَالُهُ إنَّمَا يُطَابِقُ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ فَكَانَ من حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ عِلَّتِهِ وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ الْمَحْصُولِ وقال بَلْ كَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخَاصَّ وَمُرَادُهُمْ سَوَاءٌ كان خَاصًّا لَفْظًا أو دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُ مَخْصُوصٌ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ من الْمُتَأَخِّرِينَ في مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ في هذه الْمَسْأَلَةِ قال وَالْحَقُّ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْإِمَامِ تَعُمُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فإن الْخَاصَّ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ خُصُوصُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أو غَيْرِهِ

لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ كانت عَامَّةً تَقَعُ على ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مَذْكُورًا في الْمَعْطُوفِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا لَكِنْ لَا يَكُونُ تَقْدِيرُهُ مُسْتَفَادًا من الْمَعْطُوفِ عليه وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرًا من حَيْثُ الْعُمُومُ مُسْتَفَادًا من الْمَعْطُوفِ عليه وَمِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ مُسْتَفَادًا من تَخْصِيصٍ بِمُنْفَصِلٍ وَالْحَدِيثُ من الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالْبَيَانُ في الْجَمِيعِ لَا يَتَفَاوَتُ انْتَهَى وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هو أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا عُطِفَتْ على الْأُخْرَى وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي إضْمَارًا كَقَوْلِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ على ما تَدَّعِيه الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَقِيمُ عِنْدَهُمْ بِدُونِ إضْمَارٍ وَإِلَّا يَلْزَمُ قَتْلُ الْمُعَاهَدِ مُطْلَقًا فَهَلْ يُضْمَرُ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ إنْ كان عَامًّا اقْتَضَى الْعَطْفُ عليه تَقْدِيرَ الْعَامِّ فَكَانَ الْعَطْفُ على الْعَامِّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِذَلِكَ أو يُضْمَرُ مِقْدَارُ ما يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ لِأَنَّ ما وَرَاءَهُ تَقْدِيرٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قالت الْحَنَفِيَّةُ بِالْأَوَّلِ وَأَصْحَابُنَا بِالثَّانِي وقد أَجَادَ ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ حَيْثُ افْتَتَحَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ الْمَعْطُوفُ لَا يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ فيه جَمِيعُ ما يُمْكِنُ إضْمَارُهُ مِمَّا في الْمَعْطُوفِ عليه بَلْ بِقَدْرِ ما يُفِيدُ وَيَسْتَقِلُّ بِهِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَمِيعُ ما سَبَقَ مِمَّا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ انْتَهَى وَكَذَا ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ حَيْثُ قال هل يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ في الْمَعْطُوفِ جَمِيعُ ما يُمْكِنُ إضْمَارُهُ مِمَّا في الْمَعْطُوفِ عليه وإذا وَجَبَ ذلك وكان الْمُضْمَرُ في الْمَعْطُوفِ عليه مَخْصُوصًا فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُضْمَرُ في الْمَعْطُوفِ عليه مَخْصُوصًا أَمْ لَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ في أَنَّهُ هل يَجِبُ تَقْدِيرُ ما ذُكِرَ في الْأُولَى أو ما يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ فَنَحْنُ لَا نُقَدِّرُ إلَّا ما يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ وَالْحَنَفِيَّةُ يَجْعَلُونَ الْمُضْمَرَ في الثَّانِيَةِ هو الْمُضْمَرَ في الْأُولَى وَقَالُوا حَرْفُ الْعَطْفِ يَجْعَلُ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عليه كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا في أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ وَسَاعَدَهُمْ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا حتى قال ابن السَّمْعَانِيِّ كَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ جِدًّا وقال ابن الْحَاجِبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَفَصَّلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بين أَنْ يُقَيَّدَ الْمَعْطُوفُ بِقَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْمَعْطُوفِ عليه فَلَا يُضْمَرُ فيه وَأَنْ يُطْلَقَ فَيُضْمَرُ فيه وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ من أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عليه بِخُصُوصِ الْخَاصِّ الْمَعْطُوفِ فِيمَا هو مَخْصُوصُ الْمَادَّةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24