كتاب : البحر المحيط في أصول الفقه
المؤلف : بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي

فَلَا يُعَدُّ قَوْلًا ثَالِثًا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ في ثُبُوتِ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ في الِاسْتِنَادِ إلَى ما لَا يَقَعُ فيه الْخَطَأُ وهو الْإِجْمَاعُ لِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي على الْخَطَأِ ولم يُعَيِّنْ الدِّينِيَّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ الْإِجْمَاعَ في أُمُورِ الدُّنْيَا مُتَعَذِّرٌ لِمُخَالَفَةِ الزُّهَّادِ لِأَهْلِهَا فما يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مع مُخَالَفَتِهِمْ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ عبد الْجَبَّارِ في الدِّينِيَّةِ الْخَامِسَةُ إذَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على أَمْرٍ لُغَوِيٍّ فَإِنْ كان له تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ كان إجْمَاعًا مُعْتَدًّا بِهِ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الْأَمْرَ الْمُجْمَعَ عليه السَّادِسَةُ هل يَصِحُّ أَنْ يُجْمِعُوا على أَنَّهُ لَا دَلِيلَ على كَذَا إلَّا ما اسْتَدَلُّوا بِهِ قال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ يُنْظَرُ فَإِنْ كان الدَّلِيلُ الثَّانِي مِمَّا يَتَغَيَّرُ دَلَالَتُهُ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ على مَنْعِ كَوْنِهِ دَلِيلًا مِثْلُ أَنْ يَتَعَرَّفَ لِلْخُصُوصِ أو يَنْقُلَهُ إلَى الْمَجَازِ أو النَّسْخِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ لم يَتَغَيَّرْ فَلَا يَصِحُّ إجْمَاعُهُمْ على ثَانِي دَلِيلٍ سِوَى ما اسْتَدَلُّوا بِهِ كما لَا يَصِحُّ منهم الْإِجْمَاعُ على أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا

الْفَصْلُ السَّادِسُ في أَحْكَامِ الْإِجْمَاعِ حُكْمُ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ وَفِيهِ بَحْثَانِ الْأَوَّلُ في تَحْرِيمِ مُخَالَفَتِهِ وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ من أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ هل يُكَفَّرُ وهو قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا إنْكَارُ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً فَيُنْظَرُ إنْ أَنْكَرَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أو الْإِجْمَاعِ الذي لم يَنْقَرِضْ أَهْلُ عَصْرِهِ وَنَحْوَ ذلك من الْإِجْمَاعَاتِ التي اعْتَبَرَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ في انْتِهَاضِهَا حُجَّةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُبَدَّعُ وَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَالْقَوْلُ في تَكْفِيرِهِ كَالْقَوْلِ في تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ فيقول مَثَلًا لَيْسَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً وَلَيْسَ لِبِنْتِ الِابْنِ مع الْأُمِّ السُّدُسُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا بِأَنْ يَكُونَ قد بَلَغَهُ الْإِجْمَاعُ في ذلك وَأَنْكَرَهُ وَلَجَّ فيه فَإِنْ كانت مَعْرِفَتُهُ ظَاهِرَةً كَالصَّلَاةِ كَفَرَ أو خَفِيَّةً كَمَسْأَلَةِ الْبِنْتِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ ثَانِيهَا أَنْ يُنْكِرَ وُقُوعَ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَهُ فيقول لم يَقَعْ وَلَوْ وَقَعَ لَقُلْتُ بِهِ فَإِنْ كان الْمُخْبِرُ عن وُقُوعِهِ الْخَاصَّةَ دُونَ الْعَامَّةِ كَمَسْأَلَةِ الْبِنْتِ فَلَا يَكْفُرُ على الْأَظْهَرِ وَإِنْ كان الْمُخْبِرُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ وَثَالِثُهَا أَنْ لَا يَبْلُغَهُ فَيُعْذَرُ في الْخَفِيِّ دُونَ الْجَلِيِّ إنْ لم يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا منهم الْبَغَوِيّ في أَوَائِلِ التَّهْذِيبِ وَإِلْكِيَا وابن بَرْهَانٍ وابن السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ تَقْسِيمَ الْإِجْمَاعِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ ما يَشْتَرِكُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ فيه كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَرَكَعَاتِهَا وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَزَمَانِهِمَا وَتَحْرِيمِ الزِّنَى وَالْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ فَمَنْ اعْتَقَدَ في شَيْءٍ من ذلك خِلَافَ ما انْعَقَدَ عليه الْإِجْمَاعُ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ صَارَ بِخِلَافِهِ جَاحِدًا لِمَا قَطَعَ من دِينِ الرَّسُولِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِهِ قال إلْكِيَا وَيَكْفُرُ مَخَالِفُهُ من حَيْثُ إنَّهُ مَنْقُولٌ عن الشَّرْعِ قَطْعًا فَإِنْكَارُهُ كَإِنْكَارِ أُصُولِ الدِّينِ وَالثَّانِي إجْمَاعُ الْخَاصَّةِ فَقَطْ وهو ما يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ كَتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ على عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَإِفْسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قبل الْوُقُوفِ وَتَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ وَمَنْعِ

تَوْرِيثِ الْقَاتِلِ وَمَنْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فإذا اعْتَقَدَ في شَيْءٍ من ذلك خِلَافَ ما عليه الْإِجْمَاعُ يُحْكَمُ بِضَلَالِهِ وَخَطَئِهِ وَمَعْصِيَتِهِ بِإِنْكَارِ ما خَالَفَ قال الْبَغَوِيّ وَمِنْهُ أَنَّهُ يُجْمِعُ عُلَمَاءُ كل عَصْرٍ على حُكْمِ حَادِثَةٍ إمَّا قَوْلًا أو فِعْلًا فَهُوَ حُجَّةٌ لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ بَلْ يُخَطَّأُ وَيُدْعَى إلَى الْحَقِّ وَلَا مَسَاغَ له فيه لِاجْتِهَادٍ ا هـ وهو ظَاهِرٌ لِأَنَّ هذا إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ لَا قَطْعِيٌّ لَكِنْ حَكَى الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ خِلَافًا فِيمَنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عليه غير مَعْلُومٍ بِالضَّرُورَةِ هل يَكْفُرُ فقال فيه وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على أَنَّ ما أَجْمَعَ عليه الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ هل الْعَامَّةُ مَقْصُودَةٌ وَجْهَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ لم يُخَالِفْ جَمِيعَ الْمَعْصُومِينَ في الْإِجْمَاعِ وَعَلَى الثَّانِي يَكْفُرُ وهو اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أبي إِسْحَاقَ وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ بِجُحُودِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عليه وَاسْتَدْرَكَ عليه النَّوَوِيُّ وَفَصَّلَ بين أَنْ يَكُونَ فيه نَصٌّ وهو من الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ التي يَشْتَرِكُ في مَعْرِفَتِهَا الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ فَكَافِرٌ وَإِنْ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ فَلَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لَا نَصَّ فيه فَفِي الْحُكْمِ بِتَكْفِيرِهِ خِلَافٌ وَصَحَّحَ في بَابِ الرِّدَّةِ فيه الْقَوْلَ بِالتَّكْفِيرِ وما جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ من التَّكْفِيرِ في الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فيه خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ في بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ فقال من اسْتَحَلَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَفَرَ لِلْإِجْمَاعِ على تَحْرِيمِهِ ولم يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْمُسْتَحِلِّ فقال كَيْفَ يَكْفُرُ من خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ من رَدَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَنُضَلِّلُهُ وَأَوَّلُ ما ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ على ما إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ على أَنَّ التَّحْرِيمَ ثَابِتٌ في الشَّرْعِ ثُمَّ حَلَّلَهُ فإنه يَكُونُ رَادًّا لِلشَّرْعِ قال الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَوْضَحُ فَلْيُحَرَّرْ مِثْلُهُ في سَائِرِ ما حَصَلَ بِالْإِجْمَاعِ على افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أو تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ ا هـ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ في الْبُرْهَانِ أَنَّ من اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ في النَّقْلِ ثُمَّ أَنْكَرَ ما أَجْمَعُوا عليه كان هذا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى تَكْذِيبِ الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فيه أَنَّ من أَنْكَرَ طَرِيقًا في ثُبُوتِ الشَّرْعِ لم يَكْفُرْ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ من الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ كان مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ وَإِنْكَارُ بَعْضِهِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ وقال الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ في دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ الْمُحِيطِ في إنْكَارِ إجْمَاعِ الْخَاصَّةِ

إنْ كان من الْعُلَمَاءِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عليه وَإِنْ كان من الْعَوَامّ فَفِي الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ وَجْهَانِ وَعَلَيْهِمَا نَقْتُلُهُ لَكِنْ على الثَّانِي نَقْتُلُهُ حَدًّا وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلرِّدَّةِ وقال الْإِمَامُ أبو الْفَضْلِ الْفَزَارِيّ فَقِيهُ الْحَرَمِ من جَحَدَ أَصْلًا مُجْمَعًا عليه كَفَرَ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يُكَفَّرُ إلَّا بِمَا اشْتَرَطْنَا في الْإِسْلَامِ إذَا أَنْكَرَهُ وقال أبو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ في أَدَبِ الْجَدَلِ الْأَقْرَبُ أَنْ يُنْظَرَ في الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنْ كان لَا يَعْتَقِدُ كَوْنَهُ حُجَّةً فإنه يُخَطَّأُ وَيُفَسَّقُ وَلَا يُكَفَّرُ وَإِنْ كان يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَإِنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِالتَّوَاتُرِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ على نَفْسِهِ بِالْمُعَانَدَةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فإنه مُخْطِئٌ أو فَاسِقٌ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْآمِدِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ في هذه الْمَسْأَلَةِ في غَايَةِ الْقَلِقِ فَإِنَّهُمَا حَكَيَا مَذَاهِبَ في مُنْكِرِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ أَنَّ نحو الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ يَكْفُرُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ له قَوْلًا بِالتَّكْفِيرِ في الْأَمْرِ الْخَفِيِّ وَقَوْلًا بِعَدَمِهِ في نَحْوِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْهِنْدِيِّ في النِّهَايَةِ هُنَا في غَايَةِ الْحُسْنِ فإنه قال جَاحِدُ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عليه من حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا من حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عليه لِأَنَّ من أَنْكَرَ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوَهَا يَكْفُرُ وهو مُجْمَعٌ عليه لَكِنْ لَا لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عليه بَلْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ من دِينِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يُكَفَّرُ وِفَاقًا انْتَهَى وقال أبو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَقُّ في هذه الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَدِلَّةَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا شَكَّ في نَفْيِ التَّكْفِيرِ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الظَّنِّيَّةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَلَا نُكَفِّرُ فيها بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قُلْنَا قَطْعِيَّةٌ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُخْتَلِفُونَ في تَكْفِيرِهِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَكْفُرَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ قَطْعِيَّةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لِأَنَّ هذا لَا تَعُمُّ مَعْرِفَتُهُ كُلَّ أَحَدٍ بِخِلَافِ من جَحَدَ سَائِرَ الْمُتَوَاتِرَاتِ وَالتَّوَقُّفُ عن التَّكْفِيرِ أَوْلَى من الْهُجُومِ عليه فَقَدْ قال عليه السَّلَامُ من قال لِأَخِيهِ يا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كان كما قال وَإِلَّا جَاءَتْ عليه ا هـ وقد قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ أَمَّا من قال إنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيٌّ فَلَا سَبِيلَ

إلَى تَكْفِيرِ مُخَالِفِهِ كَسَائِرِ الظَّنِّيَّاتِ وَأَمَّا من قال إنَّ دَلِيلَهُ قَطْعِيٌّ فَالْحُكْمُ الْمُخَالِفُ فيه إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا أو ظَنِّيًّا فَإِنْ كان ظَنِّيًّا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّكْفِيرِ وَإِنْ كان قَطْعِيًّا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فيه وَلَا يُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِيمَا تَوَاتَرَ من ذلك عن صَاحِبِ الشَّرْعِ بِالنَّقْلِ فإنه يَكُونُ تَكْذِيبًا مُوجِبًا لِلْكُفْرِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِيمَا حَصَلَ فيه الْإِجْمَاعُ بِطَرِيقٍ قَطْعِيٍّ أَعْنِي أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ بِهِ إذَا لم يَنْقُلْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ الْحُكْمَ بِالتَّوَاتُرِ عن صَاحِبِ الشَّرْعِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ تَارَةً يَصْحَبُهُ التَّوَاتُرُ بِالنَّقْلِ عن صَاحِبِ الشَّرْعِ وَتَارَةً لَا فَالْأَوَّلُ لَا يُخْتَلَفُ في تَكْفِيرِهِ وَالثَّانِي قد يُخْتَلَفُ فيه فَلَا يُشْتَرَطُ في النَّقْلِ عن صَاحِبِ الشَّرْعِ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ بَلْ قد يَكُونُ ذلك مَعْلُومًا بِالْقَطْعِ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عن الْحَصْرِ كَوُجُوبِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَقَدْ غَلَطَ فيه من يَعْتَقِدُ في نَفْسِهِ وَيَعْتَقِدُ من الْمَائِلِينَ إلَى الْفَلْسَفَةِ حَيْثُ حَكَمَ بِكُفْرِ الْفَلَاسِفَةِ لِإِنْكَارِهِمْ عِلْمَ الْبَارِئِ عز وجل بِالْجُزْئِيَّاتِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ فَتَوَهَّمَ هذا الْإِنْسَانُ أَنْ يَخْرُجَ على الْخِلَافِ في مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ وهو خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ هذا من الْقِسْمِ الذي صَحِبَ التَّوَاتُرُ فيه الْإِجْمَاعَ تَوَاتُرًا قَطْعِيًّا مَعْلُومًا بِأُمُورٍ غَيْرِ مُنْحَصِرَةٍ ا هـ وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ ابْنَ رُشْدٍ فإن له كِتَابَ فَصْلِ الْمَقَالِ فِيمَا بين الشَّرِيعَةِ وَالْحِكْمَةِ من اتِّصَالِ وَرَدَّ على الْغَزَالِيِّ في تَكْفِيرِ الْفَلَاسِفَةِ في ذلك

الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِيمَا يُعَدُّ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وما لَا يُعَدُّ وَفِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى هل يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ على شَيْءٍ سَبَقَ خِلَافُهُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إحْدَاهَا في انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ على شَيْءٍ سَبَقَ خِلَافُهُ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ من الْمُجْمِعِينَ كما لو أَجْمَعَ أَهْلُ عَصْرٍ على حُكْمٍ ثُمَّ ظَهَرَ لهم ما يُوجِبُ الرُّجُوعَ وَأَجْمَعُوا عليه فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ على اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ في الْإِجْمَاعِ فَمَنْ اعْتَبَرَهُ جَوَّزَ ذلك وَمَنْ لم يَعْتَبِرْهُ وهو الرَّاجِحُ لم يُجَوِّزْهُ وكان إجْمَاعُهُمْ الْأَوَّلُ حُجَّةً عليهم وَعَلَى غَيْرِهِمْ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ من غَيْرِهِمْ فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا وَإِلَّا لَتَصَادَمَ الْإِجْمَاعَانِ وَجَوَّزَهُ أبو عبد اللَّهِ الْبَصْرِيُّ قال الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وهو الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ في إجْمَاعِ الْأُمَّةِ على قَوْلٍ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطْرَأَ عليه إجْمَاعٌ آخَرُ وَلَكِنْ لَمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ على أَنَّ كُلَّ ما أَجْمَعُوا عليه فإنه يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ في كل الْأَعْصَارِ أَمْنًا من وُقُوعِ هذا الْجَائِزِ فَعَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَهُ مُسْتَفَادٌ من الْإِجْمَاعِ الثَّانِي لَا من الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ الْجَمَاهِيرِ هو مُسْتَفَادٌ من الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ من غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِجْمَاعِ الثَّانِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْسَ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ حُصُولِ إجْمَاعٍ آخَرَ مُخَالِفٍ بَعْدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّ لَا يَقْتَضِي ذلك لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ حُجَّةً إلَى غَايَةِ إمْكَانِ حُصُولِ إجْمَاعٍ آخَرَ قال الْهِنْدِيُّ وَعِنْدَ هذا ظَهَرَ أَنَّ مَأْخَذَ أبي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ قَوِيٌّ قِيلَ اتَّفَقُوا على أَنَّهُ لم يَقَعْ وما ذُكِرَ من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَجْمَعُوا على رَدِّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وما رُوِيَ عن أَنَسٍ أَجْمَعُوا على قَبُولِهَا فَاَلَّذِي نُقِلَ عن أَنَسٍ لم يَصِحَّ عنه وَكَذَا قَوْلُنَا أَجْمَعُوا على الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ أَجْمَعُوا على بُطْلَانِ الْقِيَاسِ مَرْدُودٌ

وَحَكَى أبو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ في كِتَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ له في هذه الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا غَرِيبًا فقال إذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ على قَوْلٍ ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ على قَوْلٍ آخَرَ فَعَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا وهو الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُقُوعُ مِثْلِهِ لِأَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَجْتَمِعُ على الضَّلَالَةِ وَالثَّانِي لو صَحَّ وُقُوعُهُ فإنه يَجِبُ على التَّابِعِينَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّا لَمَّا وَجَدْنَاهُمْ مُجْمِعِينَ على قَوْلٍ وَاحِدٍ عَلِمْنَا كَوْنَهُمْ مُجْمِعِينَ فيه فلم يَجُزْ تَرْكُهُ بِمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَقًّا وَقِيلَ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ وَصَوَابٌ على قَوْلِ من يقول إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ في حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ بِأَنْ يَخْتَلِفَ أَهْلُ الْعَصْرِ على قَوْلَيْنِ في مَسْأَلَةٍ لم يَقَعْ الْإِجْمَاعُ منهم على أَحَدِهِمَا وَالتَّفْرِيعُ على جَوَازِ صُدُورِهِ عن الِاجْتِهَادِ كما قَالَهُ إلْكِيَا فَلِلْخِلَافِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ بِأَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُونَ في مُهْلَةِ النَّظَرِ ولم يَسْتَقِرَّ لهم قَوْلٌ كَخِلَافِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه في قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِجْمَاعِهِمْ بَعْدَ ذلك قال الشَّيْخُ في اللُّمَعِ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً بِلَا خِلَافٍ وَحَكَى الْهِنْدِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ خَالَفَ في ذلك ولم أَرَهُ في كِتَابِهِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِالْوِفَاقِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ وَيَمْضِي أَصْحَابُ الْخِلَافِ عليه مُدَّةً وَفِيهِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ على قَوْلَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ ذلك الْعَصْرِ بِعَيْنِهِمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ الِاتِّفَاقُ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْمَنْعُ من الْمَصِيرِ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فيه خِلَافٌ وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ هل يَصِيرُ إجْمَاعًا مُتَّبَعًا أَمْ لَا اخْتَلَفُوا فيه بِنَاءً على مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ في الْإِجْمَاعِ فَإِنْ اشْتَرَطْنَاهُ جَازَ وُقُوعُهُ قَطْعًا وكان حُجَّةً إذْ ليس فيه ما يُوهِمُ تَعَارُضَ الْإِجْمَاعَيْنِ على هذا الرَّأْيِ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ على قَوْلَيْنِ ليس بِأَكْثَرَ من إجْمَاعِهِمْ على قَوْلٍ وَاحِدٍ فإذا جَازَ الرُّجُوعُ في الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقِ عليه فَفِي الْمُخْتَلَفِ فيه أَوْلَى وَالشَّرْطُ كما قَالَهُ ابن كَجٍّ أَنْ يَرْجِعَ الْجَمِيعُ من قَبْلِ أَنْ يَنْقَرِضَ منهم وَاحِدٌ وَإِنْ لم يُشْتَرَطْ فَفِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا كما لو اتَّفَقُوا على قَوْلٍ ثُمَّ رَجَعُوا بِأَسْرِهِمْ وَلِتَنَاقُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَبِهِ قال الْقَاضِي أبو بَكْرٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ في الْوَجِيزِ عن

الشَّافِعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ في اللُّمَعِ وَالثَّانِي عَكْسُهُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عن أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيَّ وَالثَّالِثُ الْجَوَازُ فِيمَا دَلِيلُ خِلَافِهِ الْإِمَارَةُ وَالِاجْتِهَادُ دُونَ ما دَلِيلُ خِلَافِهِ الْقَاطِعُ عَقْلِيًّا كان أو نَقْلِيًّا وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ إنْ كان الْخِلَافُ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّأْثِيمُ وَالتَّضْلِيلُ جَازَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذلك وَإِنْ كان في مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ في الْفُرُوعِ جَازَ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْزِمُوا معه بِتَحْرِيمِ الذَّهَابِ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى كَوْنِ أَحَدِ الْإِجْمَاعَيْنِ خَطَأً وَمِنْهُمْ من أَحَالَهُ قَطْعًا وَالرَّابِعُ يَخْرُجُ من كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ في مَسْأَلَةِ الِانْقِرَاضِ إنْ قَرُبَ عَهْدُ الْمُخْتَلِفِينَ ثُمَّ اتَّفَقُوا على قَوْلٍ فَهُوَ إجْمَاعٌ وَإِنْ تَمَادَى الْخِلَافُ في زَمَنٍ طَوِيلٍ ثُمَّ اتَّفَقُوا فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ وَأَنَّهُ حُجَّةٌ وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ إجْمَاعَ أَصْحَابِنَا على أَنَّهُ حُجَّةٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ وَيَخْرُجُ من كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِهِ فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِالْجَوَازِ وَقَالَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ثُمَّ قَالَا وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ آكَدُ من إجْمَاعٍ لم يَتَقَدَّمْهُ خِلَافٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ على ظُهُورِ الْحَقِّ بَعْدَ الْتِبَاسِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْحَقَّ مُقْتَرِنٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَمِنْهُمْ من نَقَلَ هَاهُنَا عن الصَّيْرَفِيِّ أَنَّا إذَا لم نَشْتَرِطْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا لِتَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ منهم على تَسْوِيغِ الْخِلَافِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ فِيمَا نُقِلَ عنه أَيْضًا وقد اسْتَشْكَلَهَا الْغَزَالِيُّ من حَيْثُ إنَّ الْإِجْمَاعَ الْأَوَّلَ قد تَمَّ على تَسْوِيغِ الْخِلَافِ ثُمَّ الِاتِّفَاقُ الثَّانِي قد مَنَعَ الْخِلَافَ فَقَدْ تَنَاقَصَ الْإِجْمَاعَانِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ما إذَا كان الِاتِّفَاقُ من أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي فإن الْمُخَالِفِينَ في هذه الْمَسْأَلَةِ الْمُتَّفِقُونَ عليها بِخِلَافِ تِلْكَ وقد رَأَى أَنَّ الْمُخَلِّصَ في ذلك الْحُكْمُ بِإِحَالَةِ وُقُوعِ هذه الْمَسْأَلَةِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَذْكُورِ وقد أَوْرَدَ عليه أَنَّ ذلك ليس بِمُحَالٍ فَقَدْ وَقَعَ في قَضِيَّةِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فقال الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ثُمَّ أَجْمَعُوا عليها فَكَانَ إجْمَاعًا صَحِيحًا وَيُجَابُ بِأَنَّ ذلك لم يَكُنْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ بَلْ لم يَتِمَّ النَّظَرُ ثُمَّ لَمَّا تَمَّ وَتَبَيَّنَ أَجْمَعُوا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ وَعَلَى هذا فَالظَّاهِرُ بَحْثًا ما قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إذَا عُرِفَ هذا فَلَوْ اخْتَلَفُوا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أو ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَبَقِيَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى على قَوْلِهَا فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا وَحُجَّةً

فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ وَالْهِنْدِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجْمَعًا عليه لَا بِالْمَوْتِ وَالْكُفْرِ بَلْ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ قَوْلَ كل الْأُمَّةِ وَذَكَرَ ابن الْحَاجِبِ في الْكَلَامِ على اتِّفَاقِ الْعَصْرِ الثَّانِي على أَحَدِ قَوْلَيْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَحَكَى عن الْآخَرِينَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ نَحْوَهُ قُلْت وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ قال لِأَنَّ الْمَيِّتَ في حُكْمِ الْبَاقِي الْمَوْجُودِ وَالْبَاقُونَ من مُخَالِفِيهِ هُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا وقال في الْمُسْتَصْفَى إنَّهُ الرَّاجِحُ وَجَزَمَ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ في كِتَابِ عِيَارِ الْجَدَلِ وَكَذَا الْخُوَارِزْمِيُّ في الْكَافِي قال لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ لَا يَخْرُجُ عن كَوْنِهِ من الْأُمَّةِ وَنَقَلَ أبو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ في أَدَبِ الْجَدَلِ الْخِلَافَ في هذه الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قال وقال بَعْضُهُمْ وهو أَقْوَى الطُّرُقِ إنَّ هذه الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ على أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا على قَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ على أَحَدِهِمَا فَقِيلَ يَصِيرُ إجْمَاعًا وَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا يَصِيرُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ ثَمَّ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّ خِلَافَ من مَاتَ لَا يَنْقَطِعُ وفي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ إنْ لم يُسَوِّغُوا فيه الِاخْتِلَافَ صَارَ حُجَّةً لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُتَمَسِّكَةَ بِالْحَقِّ لَا يَخْلُو منها زَمَانٌ وقد شَهِدَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُنْقَرِضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا حَقًّا وَإِنْ سَوَّغُوا فيه الِاجْتِهَادَ لم يَصِرْ إجْمَاعًا لِإِجْمَاعِ الطَّائِفَتَيْنِ على تَسْوِيغِ الْخِلَافِ قال وَهَذَا منه بِنَاءً على أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كان طَرِيقُهُ اجْتِهَادَ الرَّأْيِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَمُوتَ بَعْضُهُمْ وَيَرْجِعَ من بَقِيَ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قال ابن كَجٍّ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَبِهِ قال أَهْلُ الْعِرَاقِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعَصْرِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه جَلَدَ في حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم على ثَمَانِينَ في زَمَنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فلم يَجْعَلُوا الْمَسْأَلَةَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخِلَافَ كان قد تَقَدَّمَ وقد مَاتَ من قال بِذَلِكَ وَإِنْ كان فِيهِمْ من رَجَعَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه الثَّالِثَةُ أَنْ يَنْقَرِضُوا على خِلَافِهِمْ فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ منهم على أَنَّ الْحَقَّ لم يَخْرُجْ عن الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ في طَلَبِ الْحَقِّ بين الْقَوْلَيْنِ بَلْ جَوَازُ تَقْلِيدِ كل وَاحِدٍ من الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ قال بَعْضُ أَصْحَابِنَا هو إجْمَاعٌ مُبِينٌ وقال بَعْضُهُمْ

بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظْهَرَ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَهَلْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ الْإِجْمَاعُ على أَحَدِ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ فيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كما قَالَهُ أبو الْحُسَيْنِ السُّهَيْلِيُّ في أَدَبِ الْجَدَلِ وَأَصَحُّهُمَا امْتِنَاعُهُ وَكَأَنَّهُ حَاضِرٌ وَلَيْسَ مَوْتُهُ مَسْقَطًا لِقَوْلِهِ فَيَبْقَى الِاجْتِهَادُ وَلَا يَخْرُجُ الْخِلَافُ وهو أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَنَصَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ في الدَّلَائِلِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ عنه عن ابْنِ أبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ عن الصَّيْرَفِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُ الشَّيْخِ أبي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ عن جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ قال وَبِهِ نَقُولُ وقال سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَكَذَا قال ابن السَّمْعَانِيِّ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ قال وَمِنْ عِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ الْمَذَاهِبُ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا أَيْ فَكَانَ الْخِلَافُ بَاقِيًا وَإِنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ وقال إلْكِيَا وابن بَرْهَانٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْخِلَافِ لَا يَرْتَفِعُ قُلْت وهو يُبَايِنُ ما سَبَقَ عن الشَّافِعِيِّ من امْتِنَاعِهِ في الْعَصْرِ الْوَاحِدِ فَهَاهُنَا وقال الشَّيْخُ أبو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ في شَرْحِ التَّلْخِيصِ إنَّهُ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وهو الذي نَصَرَهُ ابن الْقَطَّانِ وَنَقَلَ أَنَّهُمْ قالوا إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال حَدُّ الْخَمْرِ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه وقد أَجْمَعُوا بَعْدَ هذا على أَنَّ حَدَّهُ ثَمَانُونَ لِأَنَّهُمْ قالوا نَرَى أَنَّهُ إذَا سَكِرَ هَذَى وإذا هَذَى افْتَرَى وقد أَجْمَعُوا على هذا ولم نَعُدَّهُ إجْمَاعًا لِسِبْقِ خِلَافِ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه قُلْت وَلَا يُشْكِلُ على ذلك أَنَّهُ نَقَضَ في الْجَدِيدِ قَضَاءَ من حَكَمَ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَجْلِ اتِّفَاقِ التَّابِعِينَ بَعْدَ خِلَافِ الصَّحَابَةِ فَعُدَّ إجْمَاعًا فإنه إنَّمَا اعْتَبَرَ في ذلك إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَجْمَعُوا على الْمَنْعِ وكان عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه فِيهِمْ وَانْقِرَاضُ الْعَصْرِ ليس بِشَرْطٍ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَائِزٌ وَبِهِ قال أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ منهم محمد بن الْحَسَنِ وأبو يُوسُفَ وَالْكَرْخِيُّ قال محمد بن الْحَسَنِ في قَاضٍ حَكَمَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا إنِّي أُبْطِلُ قَضَاءَهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ كانت اخْتَلَفَتْ فيها ثُمَّ أَجْمَعَ بَعْدَ ذلك

قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَفُقَهَاؤُهُمْ على أنها لَا تُبَاعُ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وهو قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْحَارِثِ بن أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ بن خَيْرَانَ وَكَذَا حَكَاهُ عنهما الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ وقال إنَّهُ الْأَصْوَبُ وَاخْتَارَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وابن الصَّبَّاغِ وَالرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ وَنَقَلَهُ إلْكِيَا عن الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ وَأَبِي عبد اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وفي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ إنْ كان خِلَافًا يُؤَثِّمُ فيه بَعْضُهُمْ بَعْضًا كان إجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا التَّفْرِيعُ إنْ قُلْنَا بِالِامْتِنَاعِ فقال الصَّيْرَفِيُّ يَكُونُ مَنْزِلَةُ الْمُجْمِعِينَ من التَّابِعِينَ مَنْزِلَةَ من وَافَقَ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوا أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ أَصْوَبَ وَلَا يَسْقُطُ النَّظَرُ أَبَدًا مع وُجُودِ الْمُخَالِفِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فقال أَكْثَرُهُمْ هو حُجَّةٌ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةً وَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوهُمْ وَقِيلَ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَنَقَلَ ابن الْقَطَّانِ عن قَوْمٍ أَنَّهُ ليس بِإِجْمَاعٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِهَؤُلَاءِ مَزِيَّةٌ على أُولَئِكَ ثُمَّ قَرَّرَهُ بِأَنَّ هذا الْقَائِلَ هل يَرَى أَنَّ هذا الْقَوْلَ أَصَحُّ لِانْفِرَادِهِ في الْعَصْرِ وإذا كان مُنْفَرِدًا في الْعَصْرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ له قال أبو الْحُسَيْنِ بن الْقَطَّانِ وَلَيْسَ هذا بِشَيْءٍ إلَّا على طَرِيقَةٍ له في الْقَدِيمِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ على قَوْلَيْنِ أُخِذَ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ فَأَمَّا الْمَشْهُورُ من مَذْهَبِهِ فإنه لَا فَرْقَ بين الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَنَحْوُهُ ما حَكَاهُ الصَّيْرَفِيُّ عن قَوْمٍ أَنَّ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ دَلَّ على الصَّوَابِ من أَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ وَلَكِنَّهُ إجْمَاعٌ مَظْنُونٌ فإن مَرَاتِبَ الْإِجْمَاعِ مُتَفَاوِتَةٌ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وقد صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ مُرَادٌ في مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ حَكَاهُ أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ ما إذَا لم يُصَرِّحْ الْمَانِعُونَ بِتَحْرِيمِ الْقَوْلِ الْآخَرِ فَإِنْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ تَرَدَّدَ أَعْنِي الْغَزَالِيَّ هل يَمْنَعُ ذلك أو لَا وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فيه هذا في الْجَوَازِ وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَظَاهِرُ ما سَبَقَ عن الشَّافِعِيِّ في حَدِّ الْخَمْرِ وُقُوعُهُ وقال ابن الْحَاجِبِ الْحَقُّ في مِثْلِ هذا الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ بَعِيدٌ وُقُوعُهُ لِأَنَّهُ غَالِبًا لَا يَكُونُ إلَّا عن جَلِيٍّ وَتَبِعَهُ غَفْلَةُ الْمُخَاطَبِ عنه لَكِنْ وَقَعَ قَلِيلًا وَالْوُقُوعُ قَلِيلًا لَا يُنَافِي الْبُعْدَ كما

لَا خِلَافَ في بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فإنه وَقَعَ بين الصَّحَابَةِ ثُمَّ زَالَ وَنَقَلَ عبد الْوَهَّابِ في الْمُلَخَّصِ عن الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ أَحَالَ ذلك وقال لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ لِلتَّابِعَيْنِ الْإِجْمَاعُ على أَحَدِ قَوْلَيْ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا خَطَأً لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ على قَوْلَيْنِ إجْمَاعٌ على تَسْوِيغِ الذَّهَابِ وَرَأْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا قُلْت وَكَذَا رَأَيْته في كِتَابِهِ فقال بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّهُ ليس بِإِجْمَاعٍ على أَنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا وَقَعَ في الصَّحَابَةِ مُنْتَشِرًا فِيهِمْ ثُمَّ وَقَعَ من التَّابِعِينَ الْإِجْمَاعُ على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاقِلُهُ من جِهَةِ الْآحَادِ فَهَذَا لَا يُتْرَكُ له ما قَامَتْ عليه الدَّلَالَةُ من قَوْلِ من سَلَفَ ا هـ وقال إلْكِيَا ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ هذا النَّوْعَ لَا يُتَصَوَّرُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِينَ أَحَالُوا تَصَوُّرَهُ اخْتَلَفُوا فيه على ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ فَقِيلَ لِأَنَّ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وقد تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَإِنْ لم يَكُنْ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ حُجَّةً لم يَكُنْ لِهَذَا الْخِلَافِ مَعْنًى وَقِيلَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصْدُرُ إلَّا عن اجْتِهَادٍ وَالِاخْتِلَافُ على قَوْلَيْنِ يَقْتَضِي صُدُورَ الْأَقْوَالِ عن اجْتِهَادٍ وقد تَقَدَّمَ ما فيه وقال الْإِمَامُ وَاسْتِحَالَةُ تَصَوُّرِهِ من حَيْثُ إنَّهُ إذَا تَمَادَى الْخِلَافُ في زَمَانٍ مُتَطَاوِلٍ بِحَيْثُ يَقْتَضِي الْعُرْفُ بِأَنَّهُ لو كان يَنْقَدِحُ وَجْهٌ في سُقُوطِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مع طُولِ الْمُبَاحَثَةِ لَظَهَرَ ذلك لِلْبَاحِثَيْنِ فإذا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى هذا انْتَهَى وَرَسَخَ الْخِلَافُ وَتَنَاهَى الْبَاحِثُونَ ثُمَّ لم يَتَجَدَّدْ بُلُوغُ خَبَرٍ أو أَثَرٍ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهِ فَلَا يَقَعُ في الْعُرْفِ دُرُوسُ مَذْهَبٍ طَالَ الذَّبُّ عنه فَإِنْ فَرَضَ فَارِضٌ ذلك فَالْإِجْمَاعُ مَحْمُولٌ على بُلُوغِ خَبَرٍ يَجِبُ بمثله سِوَى ما كَانُوا خَائِضِينَ فيه من مَجَالِ الظُّنُونِ قال إلْكِيَا وما ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُخَيَّلٌ لَكِنَّ جَوَابَهُ سَهْلٌ فَإِنَّا نَرَى أَهْلَ كل عَصْرٍ يُظْهِرُونَ مَذْهَبًا غير الذي عَهِدَهُ من تَقَدَّمَهُمْ في الْعُصُورِ الْخَالِيَةِ مع أَنَّ النَّظْمَ يَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ انْبَنَى عليه أَنَّ الْإِجْمَاعَ هل يُزِيلُ الْحُكْمَ السَّابِقَ أَمْ لَا قال إلْكِيَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُلَاحَظُ في مَجَارِيهَا أَصْلُ تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ قُلْت وَطَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ لهم في الْإِحَالَةِ وَهِيَ عليهم فَقَوْلُهُ هُنَا إذَا وُجِدَ إجْمَاعٌ

بَعْدَ اخْتِلَافٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ وَإِنْ لم يَبْلُغْنَا وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ ذَكَرَهُ عبد الْوَهَّابِ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ في حُدُوثِ الْخِلَافِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ قال الرُّويَانِيُّ في الْبَحْرِ فَإِنْ كان في عَصْرٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ يَحْدُثُ من أَحَدِهِمْ خِلَافٌ فَهَذَا الْخِلَافُ الْحَادِثُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ يَعْنِي إنْ شَرَطْنَا انْعِقَادَ الْعَصْرِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كان في عَصْرَيْنِ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَخِلَافِ التَّابِعِينَ لهم فَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخَالِفُوهُمْ مع اتِّفَاقِ الْأُصُولِ في الْمُجْمَعِ عليها فَهَذَا الْخِلَافُ الْحَادِثُ مَطْرُوحٌ وَالْإِجْمَاعُ الْأَوَّلُ مُنْعَقِدٌ ثَانِيهِمَا أَنْ يَحْدُثَ في الْمُجْمَعِ عليه صِفَةٌ زَائِدَةٌ أو نَاقِصَةٌ فَيَحْدُثُ الْخِلَافُ فيها لِحُدُوثِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ في الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مُنْعَقِدًا وَحُدُوثُ الِاخْتِلَافِ في الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ سَائِغٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وقال دَاوُد وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ وَاخْتِلَافُ الصِّفَةِ الْحَادِثَةِ لَا يُنْتِجُ الْحُكْمُ فيها إلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَجَعَلُوا اسْتِصْحَابَ الْحَالِ حُجَّةً في الْأَحْكَامِ مِثَالُهُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ على إبْطَالِ التَّيَمُّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قبل الصَّلَاةِ فإذا رَأَى الْمَاءَ في الصَّلَاةِ أَبْطَلُوا تَيَمُّمَهُ اسْتِصْحَابًا لِبُطْلَانِهِ قبل الصَّلَاةِ من غَيْرِ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا بِقِيَاسٍ وَهَذَا فَاسِدٌ وَلِكُلِّ حَادِثٍ حُكْمٌ يَتَجَدَّدُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً في الْحَالِ التي وَرَدَ فيها لَا في غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ مُوجَبًا لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِهِ فإن الْإِجْمَاعَ أَصْلُ تَجْوِيزِ الْقِيَاسِ عليه فَيَكُونُ الْقِيَاسُ هو الذي أَوْجَبَ اسْتِصْحَابَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ لَا الْإِجْمَاعُ ا هـ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ في كِتَابِهِ قَرِيبًا من هذا التَّفْصِيلِ وقال في الْقَوَاطِعِ إذَا حَدَثَ الْخِلَافُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ في عَصْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ لم يُوَافِقْ قَبْلُ على خِلَافِهِ فَيَصِحُّ خِلَافُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ مع خِلَافِهِ الْإِجْمَاعُ كما خَالَفَ ابن عَبَّاسٍ في الْعَوْلِ مع إجْمَاعِ غَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَافَقَهُمْ ثُمَّ خَالَفَهُمْ كَخِلَافِ عَلِيٍّ في بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِ مع عُمَرَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ في تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ فَمَنْ جَعَلَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ شَرْطًا في انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَبْطَلَ الْإِجْمَاعَ بِخِلَافِهِ لِحُدُوثِهِ قبل اسْتِقْرَارِهِ وَمَنْ لم يَجْعَلْهُ شَرْطًا أَبْطَلَ خِلَافَهُ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ ثُمَّ قال الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ إنْ كان في عَصْرٍ انْبَنَى على أَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ هل هو شَرْطٌ في انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أو لَا فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ جَازَ الِاخْتِلَافُ

لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لم يَنْعَقِدْ وَإِنْ قُلْنَا ليس بِشَرْطٍ فَلَا يَجُوزُ فَأَمَّا في الْعَصْرَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْمِعَ الصَّحَابَةُ على شَيْءٍ ثُمَّ يَخْتَلِفُ التَّابِعُونَ فَلَا يَجُوزُ ذلك وَيَكُونُ خِلَافُهُ مُعَانَدَةً وَمُكَابَرَةً الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَجْمَعُوا على شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ من كَفَّرْنَاهُمْ بِالتَّأْوِيلِ فلم يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ لِذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا إلَى الْحَقِّ وَأَقَامُوا على الْخِلَافِ الذي كان بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّامَ كُفْرِهِمْ قال الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ يَنْبَنِي على مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لم يَكُنْ إجْمَاعًا لِأَنَّ عَصْرَ الْمُؤْمِنِينَ لم يَنْقَرِضْ على الْقَوْلِ حتى يَرْجِعَ الْكَافِرُونَ إلَى الْحَقِّ كما لِلْمُؤْمِنِينَ إنْ رَجَعُوا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ وهو الْأَصَحُّ قال الْقَاضِي فَالْوَاجِبُ كَوْنُهُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ قبل إيمَانِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَعَلَى هذا فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ من أَسْلَمَ من سَائِرِ الْكُفَّارِ وَبَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ إذَا خَالَفَ من قَبْلَهُ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ على إجْمَاعٍ سَبَقَ خِلَافُهُ وَكَذَلِكَ قال الصَّيْرَفِيُّ في الدَّلَائِلِ إذَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَبَلَغَ صَبِيٌّ لم يَكُنْ له مُنَازَعَةٌ مَعَهُمْ وَإِنَّمَا عليه الِاتِّبَاعُ وهو وَاضِحٌ إنْ لم يَشْتَرِطْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ وَالْحَقُّ أَنْ تُبْنَى الْمَسْأَلَةُ على انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فَإِنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهِ اُعْتُدَّ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا

المسألة الثالثة
قد مر أن الإجماع إذا انعقد على شيء لم يجز مخالفته وأما إذا استدلوا بدليل على حكم أو تأويل لفظ ولم يمنعوا من غيره جاز لمن بعدهم إحداث دليل آخر من غير إلغاء الأول ولا إبطاله ولا يكون ذلك خرقا لإجماعهم لأنه قد يكون على الشيء أدلة فيجوز أن يستدلوا بدليل ثم آخر يدل على الحكم أيضا قاله الصيرفي وسليم وابن السمعاني وغيرهم وحكاه ابن القطان عن أكثر أصحابنا وإنما الإجماع والاختلاف في الفتوى فأما في الدلالة فلا يقال له إجماع لأن الأدلة لا يضر اختلافها قال وذهب بعض أصحابنا إلى أنه ليس لنا أن نخرج عن دلالتهم ويكون إجماعا على الدليل لا على الحكم والأصح هو الأول لأن المطلوب من الأدلة

أحكامها لا أعيانها ومنعه يسد على المجتهد باب استخراج الأدلة ويستلزم منع كل قول لم يتعرض له الأولون نعم إن أجمعوا على إنكار الدليل الثاني لم يجز إحداثه لمخالفته الإجماع وحكى صاحب الكبريت الأحمر مذهبا ثالثا بالوقف وذهب ابن حزم وغيره إلى التفصيل بين النص فيجوز الاستدلال به وبين غيره فلا يجوز وذهب ابن برهان إلى خامس وهو التفصيل بين الدليل الظاهر فلا يجوز إحداثه وبين الخفي فيجوز لجواز اشتباهه على الأولين ومثل الظاهر بقول ابن أبي طاهر الزيادي من أصحابنا في مسألة المطاوعة سبق فطرها جماعها فلا يجب عليها الكفارة قياسا على ما إذا شرب أو أكل قال لأن أول الحشفة دخل إلى جوفها قبل دخول تمام الحشفة والجماع لا يتحقق إلا إذا تغيب الحشفة قلنا ومثل هذا لا يجوز أن يكون مستندا قبل وصول تمام الحشفة لأن الناس اختلفوا في هذه المسألة فإحداث مثل هذا الدليل لا يجوز لأن مثله لا يجوز أن يشتبه على الأولين هذا كله إذا لم يتعرضوا لذلك الدليل فإن نصوا على صحته فلا شك فيه أو على فساده لم تجز مخالفتهم وإنما الخلاف حيث لم ينصوا على ذلك والصحيح الجواز قال أبو الحسين البصري إلا أن يكون في صحتها إبطال حكم ما أجمعوا وقال سليم إلا أن يقولوا ليس فيها دليل إلا الذي ذكرناه فيمتنع قلت وهذا منهم بناء على صحة ذلك منهم وقد سبق في الفصل السادس فيه تفصيل عن القاضي عبد الوهاب أما إذا اعتلوا بعلة وقلنا يجوز تعليل الحكم بعلتين فهل يجري مجرى الدليل في الجواز والمنع قال الأستاذ أبو منصور وسليم في التقريب نعم هي كالدليل في جواز إحداثها إلا إذا قالوا لا علة لهذه أو لكون العلة الثانية تخالف العلة الأولى في بعض الفروع فتكون الثانية حينئذ فاسدة وقال القاضي عبد الوهاب ينظر فإن كان بحكم عقلي علمنا أن ما عداه ليس بعلة لذلك الحكم لأن الحكم العقلي لا يجب بعلتين فمن جوزه جعلها كالدليل لا يمنع التعدد إلا أن ذلك مشروط بأن لا تنافي العلة الثانية علتهم وأن لا يؤدي إلى خلافهم فرع من فروع علتهم لأنهما إذا تباينا امتنع لذلك لا لتعليل بهما ومن منع التعليل بعلتين فيجب على أصله منع

التعليل بعلة غير علتهم لأن علتهم مقطوع بصحتها وفي ذلك دليل على فساد غيرها قال وأما تأويلهم الآتي وتخريجهم الأخبار فهو كالمذهب لا كالدليل لأن الآية إذا احتملت معاني واختلفوا في تأويلها أو أجمعوا على تأويل واحد صارت كالحادثة فلا يعدل عما أفتوا به وقال الشريف المرتضى أجمع الأصوليون على التحاق ذلك بالمذاهب لا بالأدلة وعندي أنه بالأدلة أشبه حتى يجوز قطعا ثم مثله بمثال يصح على طريق المعتزلة الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ في مَسْأَلَةٍ على قَوْلَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فيه مَذَاهِبُ الْأَوَّلُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وهو كَاتِّفَاقِهِمْ على أَنْ لَا قَوْلَ سِوَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وهو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وقال إلْكِيَا إنَّهُ الصَّحِيحُ وَبِهِ الْفَتْوَى وقال ابن بَرْهَانٍ إنَّهُ مَذْهَبُنَا وَجَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ في كِتَابِهِ وَالْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَكَذَا الرُّويَانِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ ولم يَحْكِيَا مُقَابِلَهُ إلَّا عن بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ قال الصَّيْرَفِيُّ وقد رَأَيْته مَوْجُودًا في فُتْيَا بَعْضِ الْفُقَهَاءِ من الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ قال هذا مُنَاقَضَةً أو غَلَطًا أو كان يَذْهَبُ إلَى هذا الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ ابن الْقَطَّانِ لم يَحْكِ مُقَابِلَهُ إلَّا عن دَاوُد فقال إذَا اخْتَلَفَ الناس في حَدِّ السُّكْرِ فَقِيلَ ثَمَانُونَ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ فَهُوَ إجْمَاعٌ على نَفْيِ ما عَدَاهُمَا وقال دَاوُد لَا يَكُونُ هذا إجْمَاعًا لِأَنَّهَا قد وَقَعَتْ مُخَالَفَةٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ اللَّهِ فيها الِاخْتِلَافَ قال وَهَذَا ليس بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الذي اخْتَلَفُوا فيه غَيْرُ الذي اتَّفَقُوا عليه وقال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ هو مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَنَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في رِسَالَتِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ محمد بن الْحَسَنِ في نَوَادِرِ هِشَامٍ لِأَنَّهُ عَدَّ الْأُصُولَ وَعَدَّ في جُمْلَتِهَا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِ أبي حَنِيفَةَ يَخْتَارُهُ وَيَنْصُرُهُ وَنَقَلَهُ ابن بَرْهَانٍ وابن السَّمْعَانِيِّ عن بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَنَسَبَهُ جَمَاعَةٌ منهم الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى دَاوُد قال ثُمَّ نَاقَضَ فَشَرَطَ الْوَلِيَّ في صِحَّةِ

عَقْدِ الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ مع أَنَّ الْخِلَافَ هل يَلْزَمُ فِيهِمَا أو لَا يَلْزَمُ فِيهِمَا وَأَنْكَرَ ابن حَزْمٍ على من نَسَبَهُ لِدَاوُدَ وَإِنَّمَا قال كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إذَا رُوِيَا ولم يَصِحَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِمَا ولم يَرِدْ عن جَمَاعَةٍ منهم أو وَاحِدٍ إنْكَارٌ وَلَا تَصْوِيبٌ أَنَّ لِمَنْ جاء بَعْدَهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ يَدُلُّ عليه النَّصُّ أو الْإِجْمَاعُ فَهَذَا ما قَالَهُ أبو سُلَيْمَانَ فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُنْسَبَ هذا إلَيْهِ وهو يقول إنَّ الْأُمَّةَ إذَا تَفَرَّقَتْ على قَوْلَيْنِ وَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ منهم قد قَرَنَتْ بِقَوْلِهَا في تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةً أُخْرَى فإنه يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَحَّتْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالْأُخْرَى صَحِيحَةٌ وَلِذَلِكَ حُكِمَ بِالتَّحْلِيفِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْمُقَامِ لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ على التَّحْلِيفِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَيَصِحُّ وُجُوبُهُ عِنْدَ الزِّحَامِ بِمَكَّةَ قال ابن حَزْمٍ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كنا لَا نَقُولُ بِهِ فَقَدْ قَالَهُ أبو سُلَيْمَانَ وَأَرَدْنَا تَحْرِيرَ النَّقْلِ عنه وَإِنَّمَا قال إنَّ الْخِلَافَ إذَا صَحَّ فَالْإِجْمَاعُ على بَعْضِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلَفِ فيها لَا يَصِحُّ أَبَدًا وَصَدَقَ في ذلك وَهَذَا كَالْخِلَافِ في حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ قِيلَ لَا حَدَّ عليه وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانُونَ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ عليه إجْمَاعٌ أَبَدًا وَالثَّالِثُ وهو الْحَقُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الثَّالِثَ إنْ لَزِمَ منه رَفْعُ ما أَجْمَعُوا عليه لم يَجُزْ إحْدَاثُهُ وَإِلَّا جَازَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ في الرِّسَالَةِ يَقْتَضِيهِ حَيْثُ قال في أَوَاخِرِهَا الْقِيَاسُ تَقَدُّمُ الْأَخِ على الْجَدِّ لَكِنْ صَدَّنَا عن الْقَوْلِ بِهِ أَنِّي وَجَدْت الْمُخْتَلِفِينَ مُجْتَمَعِينَ على أَنَّ الْجَدَّ مع الْأَخِ مِثْلُهُ أو أَكْثَرُ حَظًّا منه فلم يَكُنْ لي عِنْدِي خِلَافُهُمْ وَلَا الذَّهَابُ إلَى الْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ مُخْرِجٌ من جَمِيعِ أَقَاوِيلِهِمْ ا هـ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ لِأَنَّ في إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ رَفْعًا لِلْإِجْمَاعِ وَأَمَّا حَيْثُ لَا رَفْعَ فَتَصَرُّفُهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْهَرَوِيِّ في الْإِشْرَافِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فإنه قال وَمَنْ لَفَّقَ من الْقَوْلَيْنِ قَوْلًا على هذا الْوَجْهِ لَا يُعَدُّ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ كما ذَكَرْنَا في وَطْءِ الثَّيِّبِ هل يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ تَحَزَّبَتْ الصَّحَابَةُ حِزْبَيْنِ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيُرَدُّ مَعَهَا عُقْرَهَا وَذَهَبَ حِزْبٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ في إسْقَاطِ الْعُقْرِ بِقَوْلِ حِزْبٍ وفي تَجْوِيزِ الرَّدِّ بِقَوْلِ حِزْبٍ ولم يُعَدَّ ذلك خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ ا هـ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حُدُوثُ إجْمَاعٍ بَعْدَ إجْمَاعٍ سَابِقٍ على خِلَافِهِ فَإِنْ

قُلْنَا بِالْجَوَازِ كما ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَصْرِيُّ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ وقد اعْتَرَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ على اخْتِيَارِ الثَّالِثِ وقال لَا مَعْنَى له لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ في أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ ما أَجْمَعُوا عليه كان مَرْدُودًا وَالْخَصْمُ يَسْتَلْزِمُ هذا لَكِنْ يَدَّعِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ ما أَجْمَعُوا عليه في جَمِيعِ الصُّوَرِ إمَّا في صُورَةٍ وَاحِدَةٍ كما في مَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ وَحِرْمَانِ الْجَدِّ وَإِمَّا في مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ في مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ مع الْأَبَوَيْنِ أَحَدُ الشَّمُولَيْنِ ثَابِتٌ وهو ثُلُثُ الْكُلِّ في كِلَيْهِمَا أو ثُلُثُ الْبَاقِي في كِلَيْهِمَا فَثُلُثٌ في أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قال فَالشَّأْنُ في تَمْيِيزِ صُورَةٍ يَلْزَمُ منها بُطْلَانُ الْإِجْمَاعِ عن صُورَةٍ لَا يَلْزَمُ ذلك فَلَا بُدَّ من ضَابِطٍ وهو أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنْ اشْتَرَكَا في أَمْرٍ هو في الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ وهو من الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّالِثُ مُسْتَلْزِمًا لِإِبْطَالِ الْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ ذلك فَالْمُخْتَلَفُ فيه إمَّا حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَسْأَلَةِ الْجَدِّ مع الْإِخْوَةِ وَالْعِدَّةِ أو مُتَعَدِّدٍ فَإِنْ كان الثَّابِتُ عن الْبَعْضِ الْوُجُودَ في صُورَةٍ مع الْعَدَمِ في الْأُخْرَى وَعِنْدَ الْبَعْضِ عَكْسَ ذلك كَمَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالْمَسِّ فإن الْقَوْلَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَاقِضٌ أو ليس بِنَاقِضٍ لَا يَكُونُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ مِثَالٌ فَالثَّلَاثَةُ وَأَكْثَرُ كَذَلِكَ كما قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَمَثَّلَهُ بِأَقْوَالِهِمْ في الْجَدِّ قال فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ سِوَى ما تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ كَاتِّفَاقِهِمْ على أَنَّهُ لَا قَوْلَ سِوَى هذه الْأَقْوَالِ الثَّانِي أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ أَيْضًا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ في اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ تَوَهَّمَ التَّفْصِيلَ بين ما أُجْمِعَ على أَنَّهُ حُجَّةٌ فَيَمْتَنِعُ فيه الْإِحْدَاثُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ الثَّالِثُ أَنَّهُ نَبَّهَ أَيْضًا على تَصَوُّرِهَا بِالِاخْتِلَافِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمْ قال فَأَمَّا ما حَكَى من فَتْوَى وَاحِدٍ ولم يَسْتَفِضْ قَوْلُهُ فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ عنه إلَى ما أَيَّدَهُ دَلِيلٌ وَيَخْرُجُ منه مَذْهَبٌ آخَرُ مُفَصَّلٌ بين الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَغَيْرِهِ الرَّابِعُ قال الْعَبْدَرِيّ إنَّمَا يَصِحُّ فَرْضُ هذه الْمَسْأَلَةِ على مَذْهَبِ من يُجَوِّزُ الْإِجْمَاعَ عن اجْتِهَادٍ وَقِيَاسٍ وَعَلَى أَنْ تَكُونَ اجْتِهَادِيَّةً يَتَجَاذَبُهَا أَصْلَانِ فَيُجْمِعُ الصَّحَابَةُ على أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بهذا الْأَصْلِ فَيَكُونُ حَلَالًا وَيَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بهذا الْأَصْلِ فَيَكُونُ حَرَامًا فإذا لم يَنْقَرِضْ إلَّا على هذا الْوَجْهِ فَإِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَرَابِعٍ وَأَكْثَرَ جَائِزٌ لِأَنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ وَلَا حَصْرَ في الْمُجْتَهَدَاتِ

وَأَمَّا إذَا كان مَعْنَى قَوْلِهِمْ إذَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ على قَوْلَيْنِ أَجْمَعَ هَؤُلَاءِ على قَوْلٍ وَخَطَّئُوا من خَالَفَهُ وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ على قَوْلٍ آخَرَ وَخَطَّئُوا من خَالَفَهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَكِنَّهُ خِلَافٌ صَحِيحٌ وإذا لم يَكُنْ إجْمَاعًا فَإِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ أو رَابِعٍ وَأَكْثَرَ فَجَائِزٌ أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ فلم يَأْخُذُوا في هذه الْمَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعَ الشَّرْعِيَّ بَلْ اللُّغَوِيَّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ الْخَامِسُ لم يَتَعَرَّضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَصْرٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَخْتَلِفَ الصَّحَابَةُ على قَوْلَيْنِ ثُمَّ يُحْدِثُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ثَالِثًا وَالْقِيَاسُ التَّفْصِيلُ بين أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ الْخِلَافُ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ فَيَنْبَنِي على الْخِلَافِ في انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَدْرَكَ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَصْرَ الصَّحَابَةِ فَأَحْدَثَ ثَالِثًا فَالْقِيَاسُ بِنَاؤُهُ على الْوَجْهَيْنِ في الِانْقِرَاضِ أو على الْوَجْهَيْنِ في قَوْلِ التَّابِعِيِّ مع الصَّحَابَةِ وَهَلْ يُعْتَدُّ بِهِ وَمِثَالُهُ ما لو وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَهَلْ يَقْتَصِرُ على التَّيَمُّمِ أو يَسْتَعْمِلُهُ وَيَتَيَمَّمُ قَوْلَانِ لِلصَّحَابَةِ فَأَحْدَثَ الْحَسَنُ قَوْلًا ثَالِثًا فقال يَسْتَعْمِلُ ما معه ثُمَّ يَجْمَعُ ما يَتَسَاقَطُ من الْمَاءِ فَيَعْمَلُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ إذَا تَعَدَّدَ مَحَلُّ الْحُكْمِ بِأَنْ لم يَفْصِلْ أَهْلُ الْعَصْرِ بين مَسْأَلَتَيْنِ بَلْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وقال الْأَصَحُّ امْتِنَاعُهُ وَحَكَاهُ أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ عن أَصْحَابِهِمْ قال في الْمَحْصُولِ وَهَذَا الْإِجْمَاعُ مُتَأَخِّرٌ عن سَائِرِ الْإِجْمَاعَاتِ في الْقُوَّةِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ ا هـ وَمِنْهُمْ من فَصَّلَ فقال إنْ كان طَرِيقُ الْحُكْمِ وَاحِدًا لم يَجُزْ الْفَصْلُ وَإِلَّا جَازَ قال الْهِنْدِيُّ وهو الْمُخْتَارُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمْ إنْ نَصُّوا على عَدَمِ الْفَرْقِ بِأَنْ قالوا لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا في كل الْأَحْكَامِ أو في الْحُكْمِ الْفُلَانِيِّ امْتَنَعَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا على الصَّحِيحِ وَحَكَى الْهِنْدِيُّ فيه الِاتِّفَاقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وَحَكَاهُ في اللُّمَعِ احْتِمَالًا عن الْقَاضِي أبي الطَّيِّبِ وَإِنْ لم يَنُصُّوا كَمَنْ وَرَّثَ الْعَمَّةَ وَرَّثَ الْخَالَةَ وَمَنْ مَنَعَ إحْدَاهُمَا مَنَعَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْمَأْخَذَ وَاحِدٌ وهو الْمَحْرَمِيَّةُ وَإِنْ لم يَكُنْ

كَذَلِكَ فَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْفَرْقُ وَالْحَقُّ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ إذَا لم يَتَّحِدْ الْمَأْخَذُ لم يَمْتَنِعْ الْخِلَافُ وقال الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ إنْ عَيَّنُوا الْحُكْمَ وَقَالُوا لَا تَفْصِيلَ حُرِّمَ الْفَصْلُ وَإِنْ لم يُعَيِّنُوا وَلَكِنْ أَجْمَعُوا عليه مُجَمَّلًا فَلَا يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ غَيْرِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ على أَنَّهُمْ أَرَادُوا مُعَيَّنًا تَعَيَّنَ أو أَرَادُوا الْعُمُومَ تَعَيَّنَ الْعُمُومُ وَمَتَى كان مَدْرُك أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مُجْمَلًا أو كَادَ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا جَازَ التَّفْصِيلُ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَكَلَامُ التَّبْرِيزِيِّ في التَّنْقِيحِ يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ في الْمَأْخَذِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا لم يَشْتَرِكَا فيه فَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ ليس بِحُجَّةٍ وهو خِلَافُ كَلَامِ الرَّازِيَّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هل إحْدَاثُ الْفَصْلِ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ كَإِحْدَاثِ قَوْلٍ فِيهِمَا فَيَكُونُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ أو ليس كَإِحْدَاثِهِ لِأَنَّ الْمُفَصِّلَ قال في كل مَسْأَلَةٍ بِقَوْلٍ بَيْنَهُمَا ولم يَلْزَمْ من هذه الْمَسْأَلَةِ نِسْبَةُ الْأُمَّةِ إلَى جَمِيعِ الْحَقِّ كما يَلْزَمُ من تِلْكَ فَلَا يَكُونُ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وهو الصَّحِيحُ وقال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ إنْ نَصُّوا على التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا في حُكْمٍ وَاحِدٍ حُرِّمَ على من بَعْدَهُمْ التَّفْرِيقُ قَطْعًا وَإِنْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا في حُكْمَيْنِ على الْبَدَلِ فَاخْتَلَفُوا على قَوْلَيْنِ وَبِالْجَوَازِ قال محمد بن سِيرِينَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا في زَوْجٍ أو زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ وَالْأَكْلُ نَاسِيًا وقال سُلَيْمٌ إنْ أَجْمَعُوا على التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا في حُكْمٍ كَقَوْلِهِمْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ من الْجَدَّتَيْنِ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ إذَا انْفَرَدَتْ السُّدُسُ لم يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَيَجْعَلُ لِأُمِّ الْأُمِّ الثُّلُثَ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُمْ في التي تَزِيدُ على فَرْضِهَا وَهَكَذَا إذَا أَجْمَعُوا على التَّفْرِقَةِ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ في الْحُكْمِ كَقَوْلِهِمْ لِلْأُمِّ مع الْأَبِ الثُّلُثُ وَلِلْجَدَّةِ معه السُّدُسُ لم يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا وَهَذَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وقال ابن الْقَطَّانِ إذَا أَجْمَعُوا على أَنَّ الْكَرْمَ وَالنَّخْلَ في الْمُسَاقَاةِ سَوَاءٌ من يُجِيزُهُمَا وَمَنْ يَأْبَاهُمَا يَرُدُّهَا فقال دَاوُد هذا إجْمَاعٌ وَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ قد أَجْمَعُوا على التَّسْوِيَةِ قال وَهَذَا فَاسِدٌ وَعِنْدَنَا أَنَّ ذلك لَا يَكُونُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْعِلَّةِ غَيْرُ الِاعْتِبَارِ بهذا لِأَنَّا نَجِدُ من يقول هذه الْعَيْنُ حَلَالٌ وَهَذِهِ حَرَامٌ وَإِنْ كان من قَائِلِينَ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ وَالْعَجَبُ من دَاوُد في هذا فَيُقَالُ له خَبَرُنَا عن الْمُسَاقَاةِ

على الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ من أَيِّ طَرِيقٍ أَخَذْتهَا فقال من طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ وهو أَنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فَرَّقُوا في الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ قُلْنَا لهم إنَّمَا أَخَذُوا ذلك عن طَرِيقِ الْقِيَاسِ من الْإِجَازَةِ ثُمَّ هو لَا يُجِيزُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُجْمِعُونَ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فَقَالُوا الْكَرْمُ لَا يَجُوزُ كما لَا يَجُوزُ النَّخْلُ وَمَنْ أَجَازَ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَلِمَ فَرَّقْت مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفُوا في مَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ فقالت طَائِفَةٌ في كُلٍّ من الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلًا وَقَالَتْ الْأُخْرَى في كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا قَوْلًا ثُمَّ قام دَلِيلٌ عن نَصٍّ على صِحَّةِ قَوْلِ أَحَدَيْهِمَا في إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَهَلْ يَدُلُّ على صِحَّةِ قَوْلِهَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى أَمْ لَا اخْتَلَفَ في هذه الْمَسْأَلَةِ دَاوُد وَابْنُهُ فَصَارَ دَاوُد إلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ على ذلك وَمَنَعَهُ ابْنُهُ هَكَذَا قال ابن حَزْمٍ في الْإِحْكَامِ ثُمَّ قال وَيَقُولُ ابْنُهُ لِأَنَّهُ لو صَحَّ ما قَالَهُ دَاوُد لَكَانَتْ الطَّائِفَةُ التي قام النَّصُّ على صِحَّةِ قَوْلِهَا في مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصِيبَةً في جَمِيعِ مَذَاهِبِهَا وَلَا يقول بِهِ أَحَدٌ نعم إنْ صَحَّ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ يَقِينًا على أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ ثُمَّ قام نَصٌّ على صِحَّةِ حُكْمِ ما في إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ صَحَّ بِلَا شَكٍّ أَنَّ حُكْمَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لم يُحْفَظْ عَنْهُمْ فِيهِمَا تَسْوِيَةٌ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَافِ الثَّانِي ثُمَّ مَثَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُسَاقَاةِ فَمِنْهُمْ من مَنَعَهَا جُمْلَةً وَمِنْهُمْ من أَبَاحَهَا جُمْلَةً وَمِنْ مُبِيحٍ لها في النَّخْلِ وَالْعِنَبِ خَاصَّةً وَمَانِعٍ لها في سِوَاهُمَا فلما صَحَّ الْقَوْلُ بِإِبَاحَتِهَا وَبَطَلَ إبْطَالُهَا نَظَرْنَا في الْمُسَاقَاةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَوَجَدْنَا الْأُمَّةَ مُجْمِعَةً على أَنَّ حُكْمَ الْمُسَاقَاةِ على النِّصْفِ كَحُكْمِهَا على جُزْءٍ مُسَمًّى أَيِّ جُزْءٍ كان وَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ الناس فيها على قَوْلَيْنِ الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ فلما قام الدَّلِيلُ على صِحَّتِهَا نَظَرْنَا في الْمُزَارَعَةِ على النِّصْفِ سَوَاءٌ وَكُلُّ من تَكَلَّمَ في هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فَقَدْ أَجْمَلَ فلما جاء النَّصُّ بِإِبَاحَةِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ على النِّصْفِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ على أَنَّ حُكْمَ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ على جُزْءٍ مُسَمًّى كَحُكْمِهَا على النِّصْفِ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ على كل جُزْءٍ مُسَمًّى فَائِدَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِمْ هذا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ إذَا قُلْنَا هذا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِجْمَاعُ على نَفْيِ الصِّحَّةِ وَالثَّانِي نَفْيُ الْإِجْمَاعِ على الصِّحَّةِ وَالثَّانِي أَعَمُّ من الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُ من نَفْيِ الْإِجْمَاعِ على الصِّحَّةِ نَفْيُ الصِّحَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُخْتَلَفًا فيه فَهُوَ صَحِيحٌ على

رَأْيٍ فَالْإِجْمَاعُ على الصِّحَّةِ مُنْتَفٍ لَكِنْ هِيَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ مُطْلَقًا بَلْ ثَابِتَةٌ على ذلك الرَّأْيِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ على نَفْيِ الصِّحَّةِ فإنه يَقْتَضِي نَفْيَهَا مُطْلَقًا فإذا قُلْنَا الْوُضُوءُ بِدُونِ مَسْحِ الرَّأْسِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ كان هذا إجْمَاعًا على نَفْيِ الصِّحَّةِ وإذا قُلْنَا الْوُضُوءُ بِدُونِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ كان هذا نَفْيًا لِلْإِجْمَاعِ على الصِّحَّةِ لَا لِحَقِيقَةِ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذلك يَصِحُّ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْمُثِيرُ لِهَذِهِ الْمُبَاحَثَةِ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ رَأَى شَافِعِيًّا قد تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ فَمَازَحَهُ وقال له وُضُوءُك هذا لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَغَضِبَ من ذلك وقال تَزْعُمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ليس بِمُعْتَبَرِ الْقَوْلِ قال لَا وقال كَلَامُك يَقْتَضِي ذلك فَبَيَّنَ له هذه النُّكْتَةَ فَزَالَ غَضَبُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ هَاهُنَا هو الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ أو الْمُقَيَّدَةُ بِكَوْنِهَا مُجْمَعًا عليها فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَهُوَ إجْمَاعٌ على النَّفْيِ وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَهُوَ نَفْيُ الْإِجْمَاعِ وَحَاصِلُهُ من جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ نُصِبَ لَكِنْ هو على التَّمْيِيزِ أو الْحَالِ إنْ قُلْنَا على التَّمْيِيزِ فَهُوَ إجْمَاعٌ على نَفْيِ الصِّحَّةِ إذْ تَقْدِيرُهُ لَا يَصِحُّ إجْمَاعًا إذْ التَّمْيِيزُ رَفْعُ الْإِبْهَامِ عن الذَّاتِ وَنَفْيُ الصِّحَّةِ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إجْمَاعِيٌّ أو خِلَافِيٌّ فَبِقَوْلِنَا إجْمَاعٌ رَفَعْنَا ذلك الْإِبْهَامَ وَقُلْنَا إنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ إجْمَاعِيَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا على الْحَالِ فَهُوَ نَفْيُ الْإِجْمَاعِ على الصِّحَّةِ لَا لِنَفْيِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْحَالَ نَعْتٌ لِلْفَاعِلِ فَتَقْدِيرُهُ هذا لَا يَصِحُّ مُجْمَعًا عليه وَنَفْيُ الصِّفَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَوْصُوفِ خَاتِمَةٌ قد يَكُونُ الْخِلَافُ حُجَّةً قد يَكُونُ الْخِلَافُ حُجَّةً كَالْإِجْمَاعِ في مَوَاضِعَ منها مَنْعُ الْخُرُوجِ منه إذَا انْحَصَرَ على قَوْلَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ وَمِنْهَا تَسْوِيغُ الذَّهَابِ إلَى كل وَاحِدٍ من الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلَفِ فيها وَمِنْهَا كَوْنُ الْجَمِيعِ صَوَابًا إنْ قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَغَيْرُ ذلك ذَكَرَهُ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ في مَسْأَلَةِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ الِاخْتِلَافُ مَذْمُومٌ وَالِاجْتِمَاعُ مَحْمُودٌ وقال الْمُزَنِيّ في كِتَابِ ذَمِّ التَّقْلِيدِ قد ذَمَّ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ في غَيْرِ ما آيَةٍ وَلَوْ كان من دِينِهِ ما ذَمَّهُ وَلَوْ كان التَّنَازُعُ من حُكْمِهِ ما رَدَّهُ إلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَلَا أَمَرَ بِإِمْضَاءِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ على ما هُمَا بِهِ وما حَذَّرَ رسول اللَّهِ أُمَّتَهُ من الْفُرْقَةِ وَأَمَرَهَا بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ قال وَلَوْ كان الِاخْتِلَافُ رَحْمَةً لَكَانَ الِاجْتِمَاعُ عَذَابًا لِأَنَّ الْعَذَابَ خِلَافُ الرَّحْمَةِ ثُمَّ قال قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاخْتِلَافُ وَجْهَانِ فما كان مَنْصُوصًا لم يَحِلَّ فيه الِاخْتِلَافُ وما كان يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أو يُدْرَكُ قِيَاسًا فَذَهَبَ الْمُتَأَوِّلُ أو الْمُقَايِسُ إلَى مَعْنًى يَحْتَمِلُ ذلك وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ لم أَقُلْ إنَّهُ يُضَيِّقُ عليه ضِيقَ الِاخْتِلَافِ في الْمَنْصُوصِ قال الْمُزَنِيّ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ ضَيَّقَ الْخِلَافَ كَتَضْيِيقِهِ في الْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

كِتَابُ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرُ فيه أَوْسَعُ من غَيْرِهِ من أَبْوَابِ الْأُصُولِ فَلِهَذَا خَصُّوهُ بِمَزِيدِ اعْتِنَاءٍ وقد قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُبَيِّنًا لِشَرَفِهِ الْقِيَاسُ مَنَاطُ الِاجْتِهَادِ وَأَصْلُ الرَّأْيِ وَمِنْهُ يَتَشَعَّبُ الْفِقْهُ وَأَسَالِيبُ الشَّرِيعَةِ وهو الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِقْلَالِ بِتَفَاصِيل أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ مع انْتِفَاءِ الْغَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فإن نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَحْصُورَةٌ مَقْصُورَةٌ وَمَوَاضِعُ الْإِجْمَاعِ مَعْدُودَةٌ مَأْثُورَةٌ فما يُنْقَلُ منها تَوَاتُرًا فَهُوَ الْمُسْتَنِدُ إلَى الْقَطْعِ وهو مُعْوِزٌ قَلِيلٌ وما يَنْقُلُهُ الْآحَادُ من عُلَمَاءِ الْأَعْصَارِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَهِيَ على الْجُمْلَةِ مُتَنَاهِيَةٌ وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْوَقَائِعَ التي يَتَوَقَّعُ وُقُوعَهَا لَا نِهَايَةٌ لها وَالرَّأْيُ الْمَبْتُوتُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عن حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَلَقًّى من قَاعِدَةِ الشَّرْعِ وَالْأَصْلُ الذي يَسْتَرْسِلُ على جَمِيعِ الْوَقَائِعِ الْقِيَاسُ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ من وُجُوهِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ إذًا أَحَقُّ الْأُصُولِ بِاعْتِنَاءِ الطَّالِبِ وَفِيهِ أَبْوَابٌ

الْبَابُ الْأَوَّلُ في حَقِيقَتِهِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا أَمَّا لُغَةً فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ تَقْدِيرُ شَيْءٍ على مِثَالِ شَيْءٍ آخَرَ وَتَسْوِيَتُهُ بِهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمِكْيَالُ مِقْيَاسًا وما يُقَدَّرُ بِهِ النِّعَالُ مِقْيَاسًا وَفُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ أَيْ لَا يُسَاوِيهِ وَقِيلَ هو مَصْدَرُ قِسْت الشَّيْءَ إذَا اعْتَبَرْته أَقِيسُهُ قَيْسًا وَقِيَاسًا وَمِنْهُ قِيسَ الرَّأْيُ وَامْرُؤُ الْقَيْسِ لِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ وَقُسْته بِضَمِّ الْقَافِ أُقَوِّسُهُ قَوْسًا ذَكَرَ هذه اللُّغَةَ ابن أبي الْبَقَاءِ في نِهَايَتِهِ وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ فَهُوَ من ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وقال ابن مُقْلَةَ في كِتَابِ الْبُرْهَانِ الْقِيَاسُ في اللُّغَةِ التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّشْبِيهُ في الْوَصْفِ أو الْحَدِّ لَا الِاسْمِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ في كِتَابِ الْقَضَاءِ الْقِيَاسُ في اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ من الْمُمَاثَلَةِ يُقَالُ هذا قِيَاسُ هذا أَيْ مِثْلُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْجَمْعُ بين الْمُتَمَاثِلَيْنِ في الْحُكْمِ وَقِيلَ إنَّهُ مَأْخُوذٌ من الْإِصَابَةِ يُقَالُ قِسْت الشَّيْءَ إذَا أَصَبْته لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُصِيبُ بِهِ الْحُكْمَ وَحَكَاهَا ابن السَّمْعَانِيِّ في الْقَوَاطِعِ وقال الصَّيْرَفِيُّ الْقِيَاسُ فِعْلُ الْقَائِسِ وهو مَصْدَرُ قِسْت الشَّيْءَ قِيَاسًا وهو الْجَمْعُ بين الشَّيْئَيْنِ إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ فِيهِمَا جميعا أو أَحَدِهِمَا وَالْآخَرِ بِالْفِكْرِ أو جَمِيعِهِمَا بِالْفِكْرِ يُعْلَمُ تَسَاوِيهِمَا في الشَّيْءِ الذي جُمِعَا من أَجْلِهِ بِخِلَافِهِمَا هذه فَائِدَةُ الْقِيَاسِ وَنَتِيجَتُهُ فإذا أَثْمَرَتْ الْمُقَابَلَةُ مُسَاوَاةَ الشَّيْئَيْنِ من حَيْثُ كان جَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا في الشَّيْءِ الذي اجْتَمَعَا فيه وَخُولِفَ بَيْنَهُمَا في شَيْءٍ اخْتَلَفَا فيه وَهَذَا ثَابِتٌ في قَضِيَّةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اشْتَبَهَا في شَيْءٍ ما فَحُكْمُهُمَا من حَيْثُ اشْتَبَهَا وَاحِدٌ وَلَوْلَا ذلك لَمَا كان بين الْمُخْتَلِفِ وَالْمُتَّفِقِ فَرْقٌ وَأَمَّا في الِاصْطِلَاحِ فَاخْتَلَفُوا أَوَّلًا في إمْكَانِ حَدِّهِ فقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَتَعَذَّرُ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ في الْقِيَاسِ لِاشْتِمَالِهِ على حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ كَالْحُكْمِ فإنه قَدِيمٌ وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ فَإِنَّهُمَا حَادِثَانِ وَالْجَامِعُ فإنه عِلَّةٌ وَوَافَقَهُ ابن الْمُنِيرِ شَارِحُهُ على تَعَذُّرِ الْحَدِّ لَكِنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ في ذلك كَوْنُهُ نِسْبَةً وَإِضَافَةً

وَهِيَ عَدَمِيَّةٌ وَالْعَدَمُ لَا يَتَرَكَّبُ من الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ الْحَقِيقِيَّيْنِ الْوُجُودِيَّيْنِ قال الْإِبْيَارِيُّ الْحَقِيقِيُّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَمَّا تَرَكَّبَ من الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذلك في الْقِيَاسِ وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي إمْكَانَهُ وَاخْتَلَفُوا فَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ مُسَاوَاةُ فَرْعٍ لِأَصْلٍ في عِلَّةِ الْحُكْمِ أو زِيَادَتُهُ عليه في الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ في الْحُكْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ فَلَا بُدَّ من حُكْمٍ مَطْلُوبٍ بِهِ وَلَا بُدَّ له من مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ وهو الْفَرْعُ وَذَلِكَ لِثُبُوتِهِ في مَحَلٍّ آخَرَ وهو الْأَصْلُ وَلَا يُمْكِنُ ذلك بين كل شَيْئَيْنِ بَلْ إذَا كان بَيْنَهُمَا أَمْرٌ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ في الْحُكْمِ وهو الْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ في نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَخْتَصُّ الْحَدُّ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ هذا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ في نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ سَوَاءٌ ثَبَتَ في نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا كَذَا قَالَهُ ابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ شَامِلٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ على الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَذْكُورَةَ أَعَمُّ من أَنْ تَكُونَ في نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ أَمْ لَا وَقِيلَ إدْرَاجُ خُصُوصٍ في عُمُومٍ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ وَقِيلَ إنَّهُ إلْحَاقُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَنْطُوقِ وَقِيلَ إلْحَاقُ الْمُخْتَلَفِ فيه بِالْمُتَّفَقِ عليه وَقِيلَ اسْتِنْبَاطُ الْخَفِيِّ من الْجَلِيِّ وَقِيلَ حَمْلُ الْفَرْعِ على الْأَصْلِ بِبَعْضِ أَوْصَافِ الْأَصْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ولم يَرْتَضِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وقال ابن كَجٍّ رَدُّ فَرْعٍ مَسْكُوتٍ عنه وَعَنْ حُكْمِهِ إلَى أَصْلٍ مَنْطُوقٍ بِحُكْمِهِ وَقِيلَ الْجَمْعُ بين النَّظَرَيْنِ وَإِجْرَاءُ حُكْمِ أَحَدِهِمَا على الْآخَرِ وَقِيلَ إنَّهُ بَذْلُ الْجُهْدَ في طَلَبِ الْحَقِّ وهو بَاطِلٌ بِاسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ بِالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ وقال أبو هَاشِمٍ حَمْلُ الشَّيْءِ على حُكْمِهِ وَإِجْرَاءُ حُكْمِهِ عليه وهو بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لم يذكر الْجَامِعَ وقال عبد الْجَبَّارِ حَمْلُ الشَّيْءِ على الشَّيْءِ في بَعْضِ أَحْكَامِهِ بِضَرْبٍ من الشَّبَهِ وقال الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى إثْبَاتُ حُكْمِ الْمَقِيسِ عليه لِلْمَقِيسِ وهو رَكِيكٌ فإن الْمَقِيسَ وَالْمَقِيسَ عليه مُشْتَقَّانِ من الْقِيَاسِ فَتَعْرِيفُ الْقِيَاسِ بِهِمَا دَوْرٌ وقال صَاحِبُ الْإِحْكَامِ اسْتِوَاءٌ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ في الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ من حُكْمِ

الْأَصْلِ وَيَخْرُجُ عنه الْقِيَاسُ إذَا كانت الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَإِنْ مُنِعَ كَوْنُهُ قِيَاسًا فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ أَقْوَى أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وقال الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَّا كما قَالَهُ في الْمَحْصُولِ هو حَمْلُ مَعْلُومٍ على مَعْلُومٍ في إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أو نَفْيِهِ عنهما بِجَامِعِ حُكْمٍ أو صِفَةٍ أو نَفْيِهِمَا فَالْحَمْلُ اعْتِبَارُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ وَرَدُّهُ إلَيْهِ وَالْمَعْلُومُ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ وَالْفَرْعِ يُوهِمُ الْمَوْجُودَ ثُمَّ بَيَّنَ فَبِمَاذَا يَكُونُ الْحَمْلُ بِقَوْلِهِ في إثْبَاتِ حُكْمٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ وَنَفْيِهَا وَالْمَعْلُومُ الثَّانِي لَا بُدَّ منه إذْ الْقِيَاسُ يَسْتَدْعِي مُنْتَسِبِينَ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِدُونِ الْأَصْلِ ليس بِحُكْمٍ ثُمَّ قَسَّمَ الْجَامِعَ إلَى حُكْمٍ وَصِفَةٍ قال إلْكِيَا وهو أَسَدُّ ما قِيلَ على صِنَاعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وقد اعْتَرَضَ عليه بِأُمُورٍ منها إنْ أَرَدْت بِالْحَمْلِ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فَقَوْلُك في إثْبَاتِ حُكْمٍ ضَائِعٌ لِلتَّكْرَارِ وَإِنْ أَرَدْت غَيْرَهُ فَبَيِّنْهُ وَذَلِكَ الْغَيْرُ يَكُونُ خَارِجًا عن الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِإِثْبَاتِ مِثْلٍ مَعْلُومٍ لِآخَرَ بِجَامِعٍ وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ في إثْبَاتِ حُكْمٍ لها يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْقِيَاسِ وهو بَاطِلٌ فإن الْقِيَاسَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ في الْأَصْلِ فَلَوْ كان ثُبُوتُ الْحُكْمِ فَرْعًا عن الْقِيَاسِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَعَلَّهُ يَرَى أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ في الْأَصْلِ بِالْعِلَّةِ لَا بِالنَّصِّ وَكَذَلِكَ في الْفَرْعِ وَالْقِيَاسُ كَاشِفٌ عَمَّا ثَبَتَ فِيهِمَا وقال ابن الْمُنِيرِ هذا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ من أَصْلِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِهِمَا يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفِ صِلَةٍ لِلْحُكْمِ الْمُنَكَّرِ كَأَنَّهُ قال في إثْبَاتِ حُكْمٍ وَذَلِكَ الْحُكْمُ في نَفْسِ الْأَمْرِ ثَابِتٌ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْمُثْبِتُ له في الْأَصْلِ النَّصُّ وفي الْفَرْعِ الْقِيَاسُ فَلَا تَنَاقُضَ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتٍ وَمِنْهَا أَنَّ الصِّفَةَ ثَبَتَتْ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ كَقَوْلِهِ إنَّهُ عَالِمٌ فَلَهُ عِلْمٌ كما في الشَّاهِدِ فَإِنْ انْدَرَجَتْ الصِّفَةُ في الْحُكْمِ يَكُونُ قَوْلُهُ بِجَامِعِ حُكْمٍ أو صِفَةٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا كانت أَحَدَ أَقْسَامِ الْحُكْمِ كان ذِكْرُ الصِّفَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ تَكْرَارًا وَإِنْ لم تَنْدَرِجْ كان التَّعْرِيفُ نَاقِصًا فَهُوَ إمَّا زَائِدٌ وَإِمَّا نَاقِصٌ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ في الْقِيَاسِ الْجَامِعُ دُونَ أَقْسَامِهِ وَلَوْ وَجَبَ ذِكْرُ أَقْسَامِهِ

لَوَجَبَ ذِكْرُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ وَمِنْهَا الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ خَارِجٌ عنه لِأَنَّ الْجَامِعَ مَتَى حَصَلَ صَحَّ الْقِيَاسُ وقال إلْكِيَا هو شَامِلٌ لِلصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا يَرْجِعُ إلَى شُرُوطٍ لَا مَدْخَلَ لها في التَّحْدِيدِ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِشُمُولِهِ لها وما ذَكَرْنَاهُ من اخْتِصَاصِهِ بِالصَّحِيحِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا قال الْآمِدِيُّ الْحُكْمُ في الْفَرْعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَتَفَرَّعُ على الْقِيَاسِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِرُكْنٍ في الْقِيَاسِ فإن نَتِيجَةَ الدَّلِيلِ لَا تَكُونُ رُكْنًا في الدَّلِيلِ لِمَا فيه من الدَّوْرِ فَيَلْزَمُ من أَخْذِ الْحُكْمِ في الْفَرْعِ رُكْنًا في الْقِيَاسِ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ تَعْرِيفَ الدَّلِيلِ بِنَتِيجَتِهِ تَعْرِيفًا رَسْمِيًّا تَعْرِيفٌ جَائِزٌ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِلَازِمِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ تَعْرِيفِهِ الْحَدِّيِّ وَرَدَّهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِاللَّازِمِ شَرْطُهُ اللُّزُومُ الْبَيِّنُ من حَيْثُ هو لَازِمٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ الدَّوْرُ وَأَجَابَ ابن الْحَاجِبِ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ الْقِيَاسُ الذِّهْنِيُّ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ أو الْخَارِجِيِّ ليس فَرْعًا له وَرَدَّهُ الْأَصْفَهَانِيُّ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِ الْفَرْعِ الذِّهْنِيِّ فَرْعُ الْقِيَاسِ الذِّهْنِيِّ لِأَنَّ نَتِيجَتَهُ ذِهْنًا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْقِيَاسِ الْخَارِجِيِّ الذي هو دَلِيلٌ على حُكْمِ اللَّهِ وَأَجَابَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لم يَأْخُذْ في تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ إلَّا الْإِثْبَاتَ لَا الثُّبُوتَ وَالْمُتَفَرِّعُ عن الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ لَا الْإِثْبَاتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الثُّبُوتَ ثَابِتٌ قبل الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا النَّاشِئُ بِالْقِيَاسِ اعْتِقَادُ الْمُسَاوَاةِ أو الثُّبُوتِ مُسْتَنِدًا إلَى الْعِلَّةِ لَا مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِنْصَافُ أَنَّ ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي ليس بِحَدٍّ وَلَا مَطْمَعٍ في الْحَدِّ بِمَا يَتَرَكَّبُ من نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ كما ذَكَرَهُ في الْحُكْمِ وَالْجَامِعِ مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ في نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ حَاصِلُ الْقِيَاسِ في نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِحُكْمِ شَيْءٍ على آخَرَ من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ من الْآخَرِ وَيُسَمِّيهِ قَوْمٌ التَّمْثِيلَ وَأَمَّا في اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ

فَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِحُكْمِ الْعَامِّ على حُكْمِ الْخَاصِّ وَيَرْجِعُ إلَى الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ قال الْإِبْيَارِيُّ وهو أَبْعَدُ عن الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ كُلُّ نَبِيذٍ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ يُنْتَجُ كُلُّ نَبِيذٍ حَرَامٌ ليس فيه اعْتِبَارٌ بِحَالٍ وَإِنَّمَا النَّبِيذُ أَحَدُ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْعُمُومِ قُلْت بَلْ هو قَرِيبٌ من الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ لِأَنَّهُ تَسْوِيَةُ حُكْمِ الْخَاصِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ لَفْظَ الْقِيَاسِ قد يُتَجَوَّزُ بِإِطْلَاقِهِ في النَّظَرِ الْمَحْضِ من غَيْرِ تَقْدِيرِ فَرْعٍ وَأَصْلٍ فيقول الْمُفَكِّرُ قِسْت الشَّيْءَ إذَا تَفَكَّرَ فيه وَنَازَعَهُ الْإِبْيَارِيُّ وَلَا مَعْنَى لِنِزَاعِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فيه وهو الِاعْتِبَارُ وقال الْغَزَالِيُّ في أَسَاسِ الْقِيَاسِ وَأَمَّا نَحْوُ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ أُنْتِجَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ هذا لَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ قِيَاسًا وَإِنَّمَا يُسَمِّيهِ ذلك الْمَنْطِقِيُّونَ وهو ظُلْمٌ منهم على الِاسْمِ وَخَطَأٌ على الْوَضْعِ فإن الْقِيَاسَ في وَضْعِ اللِّسَانِ يَسْتَدْعِي مَقِيسًا وَمَقِيسًا عليه لِأَنَّهُ حَمْلُ فَرْعٍ على أَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ وَإِطْلَاقُهُ على غَيْرِ هذا خَطَأٌ مَسْأَلَةٌ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ وقال الْغَزَالِيُّ أَيْضًا لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ تَارَةً على الرَّأْيِ الْمَحْضِ الْمُقَابِلِ لِلتَّوْقِيفِ حتى يُقَالَ الشَّرْعُ إمَّا تَوْقِيفٌ أو قِيَاسٌ وَهَذَا الذي نُنْكِرُهُ وهو الذي يَتَعَرَّضُ لِتَشْنِيعِ الظَّاهِرِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَيُطْلَقُ تَارَةً بِمُقَابِلِ التَّعَبُّدِ حتى يُقَالَ الشَّرْعُ يَنْقَسِمُ إلَى ما يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَإِلَى تَعَبُّدٍ كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَكِلَاهُمَا تَوْقِيفٌ لَكِنْ يُسَمَّى ما عُقِلَ مَعْنَاهُ قِيَاسًا لِمَا انْقَدَحَ فيه من الْمَعْقُولِ وَهَذَا هو الذي نَقُولُ بِهِ وهو بهذا الْمَعْنَى أَحَدُ نَوْعَيْ التَّوْقِيفِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا له

مسألة يسمى القياس استدلالا
في المعتمد لأبي الحسين البصري كان الشافعي رضي الله عنه يسمي القياس استدلالا لأنه فحص ونظر ويسمي الاستدلال قياسا لوجود التعليل فيه وحكى صاحب الكبريت الأحمر عن بعضهم أن القياس والاجتهاد واحد لحديث معاذ أجتهد رأيي والمراد القياس بالإجماع وقال إلكيا يمتاز القياس عن الاجتهاد بأنه في الأصل بذل المجهود في طلب الحق سواء طلب من النص أو القياس وقد قال الشافعي في الرسالة إن القياس الاجتهاد وظاهر ذلك لا يستقيم فإن الاجتهاد أعم من القياس والقياس أخص إلا أنه لما كان الاجتهاد في عرف الفقهاء مستعملا في تعريف ما لا نص فيه من الحكم وعنده أن طريق تعرف ذلك لا يكون إلا بأن يحمل الفرع على الأصل فقط وذلك قياس عنده والاجتهاد عند المتكلمين ما اقتضى غلبة الظن في الأحكام التي لا يتعين فيها خطأ المجتهد ويقال فيها كل مجتهد مصيب والقياس ما ذكرناه والأمر فيه قريب وقال ابن السمعاني هل القياس والاجتهاد متحدان أو مختلفان اختلفوا فيه فقال أبو علي بن أبي هريرة إنهما متحدان ونسب للشافعي وقد أشار إليه في كتاب الرسالة والذي عليه جمهور الفقهاء أن الاجتهاد غير القياس وهو أعم منه لأن القياس يفتقر إلى الاجتهاد وهو من مقدماته وليس الاجتهاد يفتقر إلى القياس ولأن الاجتهاد يكون بالنظر في العمومات وسائر طرق الأدلة وليس ذلك بقياس مَسْأَلَةٌ ما وُضِعَ له الْقِيَاسُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا كما قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ فِيمَا وُضِعَ له اسْمُ الْقِيَاسِ على

قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْتِدْلَالُ الْمُجْتَهِدِ وَفِكْرُهُ الْمُسْتَنْبَطُ وَالثَّانِي أَنَّهُ الْمَعْنَى الذي يَدُلُّ على الْحُكْمِ في أَصْلِ الشَّيْءِ وَفَرْعِهِ قال وَهَذَا هو الصَّحِيحُ وَمَنْ فَرَّ منه فَإِنَّمَا فَرَّ لِشُبْهَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ قبل الْقِيَاسِ لَا بُدَّ من أَنْ يَكُونَ له أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَإِنْ كان أَصْلًا فَقَدْ وَجَبَ وُجُودُهُ في كل ما يُسَمَّى بِهِ وَاسْتَغْنَى عن الْإِلْحَاقِ وَإِنْ كان فَرْعًا لم يَجُزْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا على غَيْرِهِ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ له أَصْلٌ يُسْتَنْبَطُ بِهِ ثُمَّ الْكَلَامُ في أَصْلِهِ كَالْكَلَامِ فيه لِنَفْسِهِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَسْتَشْكِلُ على الْقَائِلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ الْمُجْتَهِدُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالنَّظَرِ وَالْإِلْحَاقِ فَإِنْ لم يَكُنْ لم يَتَوَجَّهْ عليه الطَّلَبُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَادِثَةِ وَإِنْ كان مَأْمُورًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أو فَرْعًا ثُمَّ يَعُودُ ما سَبَقَ وَمَهْمَا كان جَوَابُهُ فَهُوَ جَوَابُنَا مَسْأَلَةٌ الذي يُثْبِتُهُ الْقِيَاسُ وَاخْتَلَفُوا كما قَالَهُ الْمُقْتَرِحُ في الذي أَثْبَتَهُ الْقِيَاسُ هل هو حُكْمٌ وَاحِدٌ يَشْمَلُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ أو حُكْمَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُتَمَاثِلَانِ وَقَرَّرَهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَازُ نَسْخِ الْأَصْلِ مع إبْقَاءِ الْفَرْعِ فَدَلَّ على أَنَّهُمَا حُكْمَانِ وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلَّقِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْأَصْلِ غَيْرُ الْفَرْعِ فَكَانَا مُخْتَلِفَيْنِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ لَهُمَا لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى الْقَضِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْأَمْرِ الْعَامِّ فَإِنْ أَوْرَدَ جَوَازَ النَّسْخِ قُلْنَا لَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ الْأَصْلِ مع بَقَاءِ الْفَرْعِ مَسْأَلَةٌ اشْتِمَالُ النُّصُوصِ على الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ رَوَى الرَّبِيعُ في اخْتِلَافِ الحديث عن الشَّافِعِيِّ ما يَقْتَضِي اشْتِمَالَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ على جَمِيعِ الْفُرُوعِ الْمُلْحَقَةِ بِالْقِيَاسِ أَيْ ابْتِدَاءً أو بِالْوَاسِطَةِ فقال الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ تَنَاهَتْ فَرَائِضُهُ فَلَا يُزَادُ فيه وَلَا يَنْقُصُ وَنَصَّ في الرِّسَالَةِ على أَنَّ الْقِيَاسَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَرَوَى أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال الْقِيَاسُ ضَرُورَاتٌ

حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ في طَبَقَاتِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِمَالِهِ عليه فَلْيُؤَوَّلْ وقال ابن كَجٍّ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ على مَرَاتِبِهَا مَعْلُومَةٌ بِالنَّصِّ لَكِنَّ بَعْضَهَا يُعْلَمُ بِظَاهِرٍ وَبَعْضُهَا يُعْلَمُ بِاسْتِنْبَاطٍ وهو الْقِيَاسُ وَلَوْ لَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ إلَّا بِنَصٍّ لَبَطَلَ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَدَلِّ عليها بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَدَلِيلِهِ وَزَعَمَ ابن حَزْمٍ أَنَّ النُّصُوصَ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَحْمَدَ ما تَصْنَعُ بِالرَّأْيِ وفي الحديث ما يُغْنِيك عنه وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّ أَكْثَرَ الْحَوَادِثِ لَا نَصَّ فيها بِحَالٍ وَلِذَا قال غَيْرُهُ من الْأَئِمَّةِ إنَّهُ لو لم يُسْتَعْمَلْ الْقِيَاسُ أَفْضَى إلَى خُلُوِّ كَثِيرٍ من الْحَوَادِثِ عن الْأَحْكَامِ لِقِلَّةِ النُّصُوصِ وَكَوْنِ الصُّوَرِ لَا نِهَايَةَ لها وقال بَعْضُهُمْ من اتَّسَعَ عِلْمُهُ بِالنُّصُوصِ قَلَّتْ حَاجَتُهُ إلَى الْقِيَاسِ كَالْوَاجِدِ مَاءً لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ في الْقَلِيلِ وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ وقال بِالتَّفْصِيلِ بين أَعْمَالِ الْخَلْقِ الْوَاقِعَةِ وَبَيْنَ الْمَسَائِلِ الْمُوَلَّدَةِ لِأَعْمَالِهِمْ الْمُقَدَّرَةِ فَالْأُولَى عَامَّتُهَا نُصُوصٌ وَأَمَّا الْمُوَلَّدَاتُ فَيَكْثُرُ فيها ما لَا نَصَّ فيه

مسألة القياس مظهر لا مثبت
الحق أنه مظهر لحكم الله تعالى لا مثبت له ابتداء لأن مثبت الحكم هو الله ومنع الشافعي في الرسالة أن يقال إنه حكم الله على الإطلاق وقال الصيرفي لأن هذا اللفظ إنما ينصرف في الظاهر للمنصوص عليه فيمتنع إطلاقه على القياس وإن كان فيه حكم الله من الاجتهاد إشفاقا أن يقطع على الله بذلك فإن أطلق عليه حكم الله بمعنى أنه أوجبه كان على التقييد وقال الروياني في البحر القياس عندنا دين الله وحجته وشرعه وقال ابن السمعاني إنه دين الله ودين رسوله بمعنى أنه عليه ولا يجوز أن يقال إنه قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم قال أبو الحسين في المعتمد هو مأمور

به بمعنى أن الله بعثنا على فعله بالأدلة وأما كونه بمعنى صيغة أفعل فصحيح أيضا عند من يحتج بقوله تعالى فاعتبروا وأما كونه من دين الله فلا ريب فيه إذا عنى أنه ليس ببدعة وإن أريد غير ذلك فعند الشيخ أبي الهذيل لا يطلق عليه لأن اسم الدين يقع على ما هو ثابت مستمر وأبو علي الجبائي يصف ما كان واجبا منه بذلك وبأنه إيمان دون ما كان منه ندبا والقاضي عبد الجبار يصف بذلك واجبه ومندوبه وقال الآمدي إن أريد بالدين ما تعبدنا به وهو أصلي فليس القياس من الدين وإن أريد به ما تعبدنا به مطلقا فهو من الدين ويتحصل في كون القياس من الدين أقوال ثالثها حيث يتعين

الْبَابُ الثَّانِي في مَوْضُوعِهِ قال الرُّويَانِيُّ وَمَوْضُوعُهُ طَلَبُ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ الْمَسْكُوتِ عنها من الْأُصُولِ الْمَنْصُوصَةِ بِالْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ من مَعَانِيهَا لِيَلْحَقَ كُلُّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ

الباب الثالث في وجوب العمل به
وهو حجة في الأمور الدنيوية بالاتفاق قال الإمام الرازي كما في الأدوية والأغذية والأسعار وكذلك القياس الصادر منه صلى الله عليه وسلم بالاتفاق قال صاحب التلخيص لأن مقدماته قطعية لوجوب علم وقوعه قال وإنما النزاع منا ويجب العمل به إذا عدم النص والإجماع وقال صاحب القواطع ذهب كافة الأئمة من الصحابة والتابعين وجمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن القياس الشرعي أصل من أصول الشرع يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع قال الإمام أحمد لا يستغني أحد عن القياس وقال الأستاذ أبو منصور والمثبتون للقياس اختلفوا فيه على أربعة مذاهب أحدها ثبوته في العقليات والشرعيات وهو قول أصحابنا من الفقهاء والمتكلمين وأكثر المعتزلة والثاني ثبوته في العقليات دون الشرعيات وبه قال النظام وجماعة من أهل الظاهر والثالث نفيه في العلوم العقلية وثبوته في الأحكام الشرعية التي ليس فيها نص ولا إجماع وبه قال طائفة من القائلين بأن المعارف ضرورية والرابع نفيه في العقليات والشرعيات وبه قال أبو بكر بن داود الأصفهاني قال والمثبتون له في العقليات والشرعيات أوجبوه في الحوادث التي ليس فيها نص ولا إجماع وأجازوه فيما فيه أحد هذه الأصول إذا لم يرد إلى خلافها انتهى ثم المثبتون له اختلفوا في مواضع أحدها في طريق إثباته فقال الأكثرون هو دليل بالشرع ونص عليه في الرسالة فقال وأما القياس فإنما أخذناه استدلالا بالكتاب والسنة والآثار وقال القفال وأبو الحسين البصري هو دليل بالعقل والأدلة السمعية وردت مؤكدة له ولو قدرنا عدم وجودها لتوصلنا بمجرد العقل إلى انتصاب الأقيسة عللا في الأحكام وقال الدقاق يجب العمل به بالعقل والشرع حكاه في اللمع وجزم به ابن قدامة في الروضة وجعله مذهب أحمد لقوله لا يستغني أحد عن القياس قال وذهب أهل

الظاهر والنظام إلى امتناعه عقلا وشرعا وإليه مال أحمد في قوله يجتنب المتكلم في الفقه المجمل والقياس وقد تأوله القاضي أبو يعلى على ما إذا كان القياس مع وجود النص مخالفا له لأنه حينئذ يكون فاسد الاعتبار وثانيها هل دلالة السمع عليه قطعية أو ظنية وبالأول قال الأكثرون وبالثاني قال أبو الحسين والآمدي وثالثها قيل إنما يعمل به إذا كانت العلة منصوصة أو بطريق الأولى والجمهور على وجوب العمل به مطلقا وأما المنكرون للقياس فأول من باح بإنكاره النظام وتابعه قوم من المعتزلة كجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ومحمد بن عبد الله الإسكافي وتابعهم من أهل السنة على نفيه في الأحكام داود الظاهري قال أبو القاسم عبد الله بن عمر بن أحمد الشافعي البغدادي في كتاب في القياس مما حكاه عنه ابن عبد البر في كتاب جامع العلم ما علمت أحدا سبق النظام إلى القول بنفي القياس والاجتهاد ولم يلتفت إليه الجمهور وخالف أبو الهذيل فيه ورده عليه انتهى وقرر الناقلون بحث الظاهرية فقال ابن عبد البر في كتاب العلم لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام إلا داود فإنه نفاه فيهما جميعا قال ومنهم من أثبته في التوحيد ونفاه في الأحكام وأطلق القاضي أبو الطيب عن داود والنهرواني والمغربي والقاشاني أن القياس محرم بالشرع وقال الأستاذ أبو منصور فأما داود فإنه زعم أن لا حادثة إلا وفيها حكم منصوص عليه في القرآن أو السنة أو مدلول عليه بفحوى النص ودليله وذلك مغن عن القياس فمنها ما ذكره الله مفصلا ومنها ما أجمل ذكره في القرآن وأمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالتفصيل والبيان ومنها ما اتفقت عليه الأمة وما ليس فيه نص ولا إجماع فحكمه الإباحة بعفو الله سبحانه عن ذكره وتركه النص على تحريمه أو بإخبار عن فاعل فعله من غير ذم له على فعله أو تورد الرواية عما فعل بحضرته عليه السلام فلم ينكره وقال ابن القطان ذهب داود وأتباعه إلى أن القياس في دين الله تعالى باطل

ولا يجوز القول به وقال القاضي عبد الوهاب ذهب داود الأصفهاني وغيره إلى أن التعبد بالقياس جائز ولكنه لم يرد وأن القول به والمصير إليه غير جائز لعدم الدليل القاطع أن الله تعالى تعبدنا به وكذا نقل الشيخ في اللمع أنه يجوز العمل به عقلا إلا أن الشرع منع وقال ابن حزم في الإحكام ذهب أهل الظاهر إلى إبطال القول بالقياس جملة وهو قولنا الذي ندين الله تعالى به والقول بالعلل باطل قال وذهب بعض منكري القياس إلى أن الشارع إذا جعل شيئا ما علة لحكم فحيثما وجد ذلك وجب ذلك الحكم كنهيه عن الذبح بالسن قال وإنما السن عظم فهو يدل على أن كل عظم لا يذبح به قال وهذا لا يقول به داود ولا أحد من أصحابنا وإنما هو قول قوم لا يعتد بهم من جملتنا كالقاشاني وضربائه وقالوا أما ما لا نص فيه فلا يجوز أن يقال إن هذا لسبب كذا وقال داود وجميع أصحابه لا يفعل الله شيئا من الأحكام وغيرها لعلة أصلا وإذا نص الشارع على أنه لكذا أو بسبب كذا أو لأنه فهو دال على أنه جعله سببا لتلك الأحكام في تلك المواضع التي جاء النص فيها ولا توجب تلك الأشياء شيئا من تلك الأحكام وغير تلك المواضع المبينة ثم قال ولسنا ننكر وجود بعض أسباب الأحكام الشرعية بل نثبتها ونقول بها لكن نقول إنها لا تكون أسبابا إلا حيث جعلها الله أسبابا ولا يتعدى بها الموضع المنصوص على أنها أسباب له انتهى كلامه وقد عرف به مذهب الظاهرية على الحقيقة وأن داود وأصحابه لا يقولون بالقياس ولو كانت العلة منصوصة وإنما القائل به القاشاني وضرباؤه ونقل القاضي والغزالي عن القاشاني والنهرواني القول به فيما إذا كانت العلة منصوصة أومئ إليها في الأحكام المتعلقة بالأسباب كرجم ماعز لزناه والمعلق باسم مشتق كالسارق وكأنهما يعنيان بهذا القسم تنقيح المناط وقال القاضي واختلف هل هما بهذا من القائلين بالقياس أم لا ونقل الآمدي عنهما القول به في العلة المنصوصة دون ما إذا كان الحكم في الفرع أولى به من الأصل ونقل الأستاذ أبو منصور عن القاشاني أنه قال كل حكم وقع في شخص

لسبب من الأسباب استدل به على حكم كل ما وجد فيه مثل ذلك السبب إن لم يمنع منه دليل شرعي ونقل عن النهرواني أنه قال استدل على الفأرة تقع في السمن على السنور إذا وقع قال وهذا منهما اعتراف بالقياس وقال أبو بكر الصيرفي في أصوله المنكرون للقياس كأنهم أنكروا التسمية وإلا فهم يعترفون به وهو المغربي وأبو سعيد النهرواني والقاشاني أما القاشاني فإنه يزعم أنه يستدل بأن الكلام إذا شرع على سبب في شخص فالحكم للسبب فيما عدا ذلك الشخص وأنه يساويه فإن جرى علم صحته وإن لم يجر علم بطلانه ويدعي أنه يبطل القياس فهل قال أصحاب القياس شيئا غير هذا وأما النهرواني فإنه يزعم أنه يستدل بالفأرة تقع في السمن على السنور وزعم أن المراد النجاسة ثم سلكا في النفقات والأشياء الظاهرة الجلية أنها معقولة عن الخطاب ومعلومة بالعادة فهؤلاء ما اهتدوا قط لنفي القياس ولم ينف القياس قط في الأحكام غير إبراهيم يعني النظام من المتكلمين وأتباعه ومن الفقهاء داود ومن بعده وكل هؤلاء يزعم أنه لو قيل لنا حرمت الخمر لأنها حلوة لم يحرم غيرها من كل حلو وسواء عليه قال لأنه حلو أو لم يقل انتهى وقال في موضع آخر وقد نقل عن النظام إنكار القياس على أنه قد قال إن الشيء إذا تقدمت إباحته في الجملة واحتاج إلى العبرة اعتبر بعضه ببعض ونص على إيجاب النفقات للأزواج وأنه اعتبر بنظائرها وهذا هو الذي قاله القياسيون إن القياس لا يوجب ابتداء الحكم ووضعها فإذا وضعت الأصول واحتيج إلى تمييزها والتنفيذ للحكم استدل ببعضها على بعض كما ذكر هذا الرجل في النفقات انتهى وقال ابن كج النافي للقياس قائل به في كثير من المسائل فمنه رجم الزاني قياسا على ماعز وإراقة الزبد المتنجس قياسا على السمن وجواز الخرص والمساقاة قياسا على الكرم ومنع التضحية بالعمياء قياسا على العوراء وأن حكم الحاكم وهو يدافع الأخبثين مكروه قياسا على الغضب وقال ابن عبد البر في كتاب جامع العلم وداود وإن أنكر القياس فقد قال بفحوى الخطاب وقد جعله قوم من أنواع القياس وقال أبو الحسن السهيلي في أدب الجدل له كل من منع كون القياس حجة فإنه يستدل به ثم يسميه باسم الاستدلال والاستنباط أو الاجتهاد أو دليل الشرع أو غيره واعلم أن النظام إنما أنكر القياس في شريعتنا خاصة ولم ينكر القياس العقلي

ولا الشرعي السالف ثم المنكرون للقياس اختلفوا في طريق نفيه فقيل ينفى بالعقل وحده ثم اختلفوا فقيل إن الخوض فيه قبيح لعينه وقيل يجب أن يصطلح لعباده فينص على الأحكام كلها حكاهما إمام الحرمين وقيل لأن الأحكام الشرعية طريقها المصالح ولا يعرف المصالح إلا صاحب الشرع فلا يجوز إثباتها إلا من جهة التوقيف وقيل لأنها جعلت على وجوه لا يمكن العلم بها قياسا كتحمل العاقلة الدية وإيجابه القسامة باللوث والحكم بالشفعة والفرق بين المخابرة والمساقاة وجمعت الشريعة بين أشياء مختلفة وفرقت بين أشياء متفقة فلذلك امتنع القياس ولا وجه إلا امتناع النص وقيل لأن المعارف ضرورية وهو لا يوجب العلم الضروري حكاهما الأستاذ أبو منصور وقيل لأن التعبد بالشرعيات حصل على وجه لا يصح معه القياس فلو وقع على خلافه صح ومنهم من قال لا يجوز ذلك لأن الحكم لا يقتصر على أدنى طرق البيان مع القدرة على أعلاها ولا يعلق عبادته بالظن الذي يخطئ دون العلم لأنه يؤدي إلى التضاد في الأحكام وحكاهما ابن فورك وقيل لضعف البيان الحاصل به حكاه ابن السمعاني وقيل بل ينفى بالشرع والعقل يقتضي جوازه لكن الشرع منع ونقله القاضي وغيره عن داود وقال الأستاذ أبو منصور إنه مذهب أكثر الظاهرية كداود والقاشاني والمغربي وأبي سعيد النهرواني ثم إن القاشاني والنهرواني ناقضا فقال القاشاني كل حكم وقع ونقل إلى آخر ما تقدم عنه وعن صاحبه المذكور ثم قال وأما داود الأصفهاني والنظام فأسرفا فقال داود لو قيل لنا حرم السكر لأنه حلو لم يدل على تحريم كل حلو وقال الغزالي والفرق المبطلة ثلاثة المحيلة له عقلا والموجبة له عقلا والحاظرة له شرعا قلت والمانعون له سمعا افترقوا فرقتين

فرقة قالت نصوص الكتاب والسنة قد وفت وأثبتت فلا حاجة إلى القياس وهو رأي ابن حزم وفرقة قالت بل حرم القول بالقياس ولو صح ما قاله الظاهري من أن النصوص وافية بحكم الحوادث لما افتقر في كثير من الحوادث إلى استصحاب الحال وأدلة العقل وقال الدبوسي نفاة القياس أربعة منهم من لا يرى دليل العقل حجة والقياس منه ومنهم من لا يراه حجة إلا في موجبات العقول والقياس ليس منها ومنهم من لا يراه حجة لأحكام الشرع ومنهم من لا يراه حجة فيها إلا عند الضرورة ولا ضرورة لأنا نحكم فيما لا نص فيه باستصحاب البراءة الأصلية والصحيح أنه حجة أصلية لا حجة ضرورية وذهب ابن حزم إلى قول غريب لم يذهب إليه غيره فيما أظن وهو أن التعبد بالقياس كان جائزا قبل نزول قوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأما بعدهما فلا يجوز ألبتة لأن وعد الله حق فحاصله أنه منسوخ وهو بدع من القول وهذه المذاهب كلها مهجورة وهو خلاف حادث بعد أن تقدم الإجماع بإثبات القياس من الصحابة والتابعين قولا وعملا قال الغزالي ومن ذهب إلى رد القياس فهو مقطوع بخطئه من جهة النظر محكوم بكونه مأثوما قال القاضي ولست أعد من ذهب إلى هذا المذهب من علماء الشرع ولا أبالي بخلافه قال الغزالي وهو كما قال وقال ابن المنير في شرحه ذكر القاضي بكر بن العلاء من أصحابنا أن القاضي إسماعيل أمر بداود منكر القياس فصفع في مجلسه بالنعال وحمله إلى الموفق بالبصرة ليضرب عنقه لأنه رأى أنه جحد أمرا ضروريا من الشريعة في رعاية مصالح الخلق والجلاد في هؤلاء أنفع من الجدال انتهى وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ فَلَنَا مَسَالِكُ الْأَوَّلُ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ وَمِنْ أَشْهَرِهَا قَوْله تَعَالَى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصَارِ وقد سُئِلَ أبو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بن يحيى ثَعْلَبٌ وهو من أَئِمَّةِ اللِّسَانِ عن الِاعْتِبَارِ فقال أَنْ يَعْقِلَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ فَيَعْقِلُ مثله فَقِيلَ أَخْبِرْنَا عَمَّنْ رَدَّ حُكْمَ حَادِثَةٍ إلَى نَظِيرِهَا أَيَكُونُ مُعْتَبَرًا قال نعم هو مَشْهُورٌ في كَلَامِ الْعَرَبِ حَكَاهُ الْبَلْعَمِيُّ في كِتَابِ الْغَرَرِ في الْأُصُولِ وقال بَعْضُهُمْ رَأَيْت الْقَاشَانِيُّ وَابْنَ سُرَيْجٍ

قد صَنَّفَا في الْقِيَاسِ نحو أَلْفِ وَرَقَةٍ هذا في نَفْيِهِ وَهَذَا في إثْبَاتِهِ اعْتَمَدَ الْقَاشَانِيُّ فيه على قَوْلِهِ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَابَ يُتْلَى عليهم وَاعْتَمَدَ ابن سُرَيْجٍ في إثْبَاتِهِ على قَوْلِهِ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصَارِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أبو بَكْرٍ في التَّقْرِيبِ اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ على أَنَّ الِاعْتِبَارَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ تَمْثِيلَ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ وَاعْتِبَارَهُ بِهِ وَإِجْرَاءَ حُكْمِهِ عليه وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا في ذلك وَإِنَّمَا سُمِّيَ الِاتِّعَاظُ وَالْفِكْرُ اعْتِبَارًا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ التَّسْوِيَةُ بين الْأَمْرِ وَمِثْلِهِ وَالْحُكْمُ فيه بِحُكْمِ نَظِيرِهِ وَلَوْلَا ذلك لم يَحْصُلْ الِاتِّعَاظُ وَالِازْدِجَارُ عن الذَّنْبِ بِنُزُولِ الْعَذَابِ وَالِانْتِقَامِ بِأَهْلِ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ ثُمَّ حُكِيَ ما سَبَقَ عن ثَعْلَبٍ وَزَعَمَ ابن حَزْمٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِبَارِ التَّعَجُّبُ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَافَقَهُ ابن عبد السَّلَامِ فقال في الْقَوَاعِدِ من الْعَجِيبِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ على جَوَازِ الْقِيَاسِ مع أَنَّ الِاعْتِبَارَ في الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ الِاتِّعَاظُ وَالِازْدِجَارُ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ في صُورَةٍ خَرَجَ عن أَنْ يَكُونَ حُجَّةً في غَيْرِهَا بِالِاتِّفَاقِ قال وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ عز وجل عن مُرَادِهِ إلَى غَيْرِ مُرَادِهِ ثُمَّ كَيْفَ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ مع كَوْنِهِ وَاعِظًا بِمَا أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ من الْجَلَاءِ أَنْ يَقْرِنَ ذلك الْأَمْرَ بِقِيَاسِ الدُّخْنِ على الْبُرِّ وَالْحِمَّصِ على الشَّعِيرِ فإنه لو صَرَّحَ بهذا لَكَانَ من رَكِيكِ الْكَلَامِ وَإِدْرَاجًا له في غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَقِرَانًا بين الْمُنَافَرَاتِ انْتَهَى وَالْعَجَبُ من الشَّيْخِ فإن الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَإِنْ مُنِعَ قُلْنَا هذا يَرْجِعُ إلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ من دِيَارِهِمْ وَتَعْذِيبَهُمْ قد رُتِّبَ على الْمَعْصِيَةِ فَالْمَعْصِيَةُ عِلَّةٌ لِوُقُوعِ الْعَذَابِ فَكَأَنَّهُ قال تَقَعُوا في الْمَعْصِيَةِ فَيَقَعُ بِكُمْ الْعَذَابُ قِيَاسًا على أُولَئِكَ فَهُوَ قِيَاسُ نَهْيٍ على نَهْيٍ بِعِلَّةِ الْعَذَابِ الْمُتَرَتِّبَةِ على الْمُخَالَفَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ وفي الِاعْتِبَارِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ من الْعُبُورِ وهو يُجَاوِزُ الْمَذْكُورَ إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا هو الْقِيَاسُ وَالثَّانِي من الْعِبْرَةِ وهو اعْتِبَارُ الشَّيْءِ بمثله وَمِنْهُ عَبْرُ الْخَرَاجِ أَيْ قِيَاسُ خَرَاجِ عَامٍ بِخَرَاجِ غَيْرِهِ في الْمُمَاثَلَةِ وفي كِلَا الْوَجْهَيْنِ دَلِيلُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالشَّيْءِ على نَظِيرِهِ وَبِالشَّاهِدِ على الْغَائِبِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما

قَتَلَ من النَّعَمِ وقال فَهَذَا تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِعَدْلِهِ وقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَوْجَبَ الْمِثْلَ ولم يَقُلْ أَيَّ مِثْلٍ فَوَكَلَ ذلك إلَى اجْتِهَادِنَا وَأَمَرَنَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ فقال وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَاحْتَجَّ ابن سُرَيْجٍ في الْوَدَائِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ منهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ منهم فَأُولُو الْأَمْرِ هُمْ الْعُلَمَاءُ وَالِاسْتِنْبَاطُ هو الْقِيَاسُ فَصَارَتْ هذه الْآيَةُ كَالنَّصِّ في إثْبَاتِهِ وقَوْله تَعَالَى إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فما فَوْقَهَا الْآيَةَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ فإذا جَازَ من فِعْلِ من لَا تَخْفَى عليه خَافِيَةٌ لِيُرِيَكُمْ وَجْهَ ما تَعْلَمُونَ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْلُو من الْجَهَالَةِ وَالنَّقْصِ أَجْوَزُ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قال من يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَهَذَا صَرِيحٌ في إثْبَاتِ الْإِعَادَةِ قِيَاسًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ منهم قال وَالِاسْتِنْبَاطُ مُخْتَصٌّ بِإِخْرَاجِ الْمَعَانِي من أَلْفَاظِ النُّصُوصِ مَأْخُوذٌ من اسْتِنْبَاطِ الْمَاءِ إذَا اُسْتُخْرِجَ من مَعْدِنِهِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْأَحْكَامِ أَعْلَامًا من الْأَسْمَاءِ وَالْمَعَانِي بِالْأَلْفَاظِ ظَاهِرَةٌ وَالْمَعَانِي عِلَلٌ بَاطِنَةٌ فَيَكُونُ بِالِاسْمِ مَقْصُورًا عليه وَبِالْمَعْنَى مُتَعَدِّيًا فَصَارَ مَعْنَى الِاسْمِ أَخَصَّ بِالْحُكْمِ من الِاسْمِ فَعُمُومُ الْمَعْنَى بِالتَّعَدِّي وَخُصُوصُ الِاسْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَإِنْ كانت تَابِعَةً لِلْأَسْمَاءِ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فيها فَالْأَسْمَاءُ تَابِعَةٌ لِمَعَانِيهَا لِتَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِهَا وَاحْتَجَّ ابن تَيْمِيَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَدْلَ هو التَّسْوِيَةُ بين مِثْلَيْنِ في الْحُكْمِ فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ الْآيَةِ الثَّانِي دَلَالَةُ السُّنَّةِ كَحَدِيثِ مُعَاذٍ أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَلَا آلُو وقال النبي في خَبَرِ الْمَرْأَةِ أَرَأَيْت لو كان على أَبِيك دَيْنٌ وقال لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَيَقْضِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ عليه قال

أَرَأَيْت لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ كان عليه وِزْرٌ قال نعم قال فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا في حَلَالٍ كان له أَجْرٌ وقال لِرَجُلٍ من فَزَارَةَ أَنْكَرَ وَلَدَهُ لَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ هل لَك من إبِلٍ قال نعم قال ما أَلْوَانُهَا قال حُمْرٌ قال فيها من أَوْرَقَ قال نعم قال فَمِنْ أَيْنَ قال لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قال وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قال الْمُزَنِيّ فَأَبَانَ له بِمَا يَعْرِفُ أَنَّ الْحُمْرَ من الْإِبِلِ تُنْتِجُ الْأَوْرَقَ فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْبَيْضَاءُ تَلِدُ الْأَسْوَدَ فَقَاسَ أَحَدَ نَوْعَيْ الْحَيَوَانِ على الْآخَرِ وهو قِيَاسٌ في الطَّبِيعِيَّاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ ليس فيه نَسَبٌ حتى نَقُولَ قِيَاسٌ في إثْبَاتِ النَّسَبِ وقال لِعُمَرَ وقد قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وهو صَائِمٌ فقال أَرَأَيْت لو تَمَضْمَضْت وَمَجَجْته فقال لَا بَأْسَ فقال فَفِيمَ قال الْمُزَنِيّ فَبَيَّنَ له بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عليه كما لَا شَيْءَ في الْمَضْمَضَةِ وَأَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال مُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَمُحَلِّلِ الْحَرَامَ وهو كَثِيرٌ وَصَنَّفَ النَّاصِحُ الْحَنْبَلِيُّ جُزْءًا في أَقْيِسَةِ النبي وَثَبَتَ ذلك عن الصَّحَابَةِ كَقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى وَاعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَك وقد تَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ في زَمَنِ النبي في الْعِلَلِ فَفِي الْبُخَارِيِّ عن عبد اللَّهِ بن أبي أَوْفَى لَمَّا نهى عن تَحْرِيمِ الْحُمُرِ يوم خَيْبَرَ قال فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إنَّمَا نهى عنها لِأَنَّهَا لم تُخَمَّسْ وقال بَعْضُهُمْ نهى عنها أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهَا كانت تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ الثَّالِثُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا على الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَنُقِلَ ذلك عَنْهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا قال ابن عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ وقد بَلَغَ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ عن الصَّحَابَةِ بِاسْتِعْمَالِهِ وهو قَطْعِيٌّ وقال الْهِنْدِيُّ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ هو الْمُعَوِّلُ عليه جَمَاهِيرُ الْمُحَقِّقِينَ من الْأُصُولِيِّينَ وقال ابن دَقِيقِ

الْعِيدِ عِنْدِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اشْتِهَارُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ في أَقْطَارِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ إلَّا عِنْدَ شُذُوذِ مُتَأَخِّرِينَ قال وَهَذَا من أَقْوَى الْأَدِلَّةِ وقال ابن بَرْهَانٍ أَوْجَزَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعِبَادَةَ فقال انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على أَنَّ التَّعَبُّدَ بِالدَّلِيلِ الْمَقْطُوعِ بِدَلِيلِهِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ دَلِيلُهُ الرَّابِعُ طَرِيقُ الْعَقْلِ وهو أَنَّ النُّصُوصَ لَا تَفِي بِالْأَحْكَامِ لِأَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ وَالْحَوَادِثُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَلَا بُدَّ من طَرِيقٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ يُضَافُ إلَيْهِ لَكِنَّ لهم أَنْ يَمْنَعُوا تَنَاهِي النُّصُوصِ فإن الْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ تَنَاوَلَ ذلك الْفَرْعَ على سَبِيلِ الْعُمُومِ في جَمِيعِ الْأَذْهَانِ فإن أَفْرَادَ الْعُمُومِ لَا تَتَنَاهَى فإذا تُصُوِّرَ عَدَمُ التَّنَاهِي في الْأَلْفَاظِ فَفِي الْمَعَانِي أَوْلَى قال الْقَفَّالُ وَلِأَنَّهُ لَا حَادِثَةَ إلَّا وَلِلَّهِ فيها حُكْمٌ اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ على بَيَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ما فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ من شَيْءٍ وَرَأَيْنَا الْمَنْصُوصَ لم يُحِطْ بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ فَدَلَّ على أَنَّا مَأْمُورُونَ بِالِاعْتِبَارِ وَالْقِيَاسِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمُزَنِيّ في كِتَابِ إثْبَاتِ الْقِيَاسِ لو لم يَكُنْ لِلنَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ في الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَبَطَلَ الْقِيَاسُ وَلَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إلَّا بِنَصِّ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ وكان ما اُخْتُلِفَ فيه مُهْمَلًا لَا حُكْمَ له وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ قال الْمُزَنِيّ في كِتَابِ إثْبَاتِ الْقِيَاسِ تَعَلَّقَ الْمَانِعُونَ بِآثَارٍ وَرَدَتْ في ذَمِّ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَمَا رَأَى أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا في الدِّينِ رَأْيًا وَسَمَّوْا فُرُوعَهُ قِيَاسًا وَأَغْفَلُوا كَشْفَ الْقَوْلِ في الرَّأْيِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّمْثِيلِ عَلَيْهِمَا غير أَنَّهُ كان لَطِيفًا دَقِيقًا يَحْتَاجُ إلَى حِدَّةِ الْعُقُولِ وَمَعْرِفَةِ مَعَانِي الْأُصُولِ كَتَقْرِيرِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم مُعَاذًا على الِاجْتِهَادِ على أَصْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه في قَضِيَّةِ الطَّاعُونِ أَرَأَيْت لو كانت لَك إبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا وَعَلَى الْمَذْمُومِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم اتَّخَذَ الناس رُءُوسًا جُهَّالًا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَالْجَمْعُ بين الْأَدِلَّةِ أَوْلَى من تَعْطِيلِ بَعْضِهَا قال ابن الْقَفَّالِ وقد قِيلَ إنَّ دَاوُد سَأَلَ الْمُزَنِيّ عن الْقِيَاسِ أَهُوَ أَصْلٌ أَمْ الْفَرْعُ فَأَجَابَهُ الْمُزَنِيّ إنْ قُلْت الْقِيَاسُ أَصْلٌ أو فَرْعٌ أو أَصْلٌ وَفَرْعٌ أو لَا أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ لم تَقْدِرْ على شَيْءٍ وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ أَنَّهُ أَصْلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ

قال ابن الْقَطَّانِ هو فَرْعٌ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عليه بِغَيْرِهِ وهو أَصْلٌ وَفَرْعٌ بِاعْتِبَارَيْنِ لَمَّا عَرَفْت أَنَّهُ فَرْعٌ لِغَيْرِهِ الذي عُرِفَ منه وهو الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ أَنَّهُ فِعْلُ الْقَائِسِ وقال أبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ سَأَلَ دَاوُد الْقَائِسِينَ سُؤَالًا دَلَّ على جَهْلِهِ بِمَعْنَى الْقِيَاسِ فقال خَبِّرُونِي عن الْقِيَاسِ أَصْلٌ هو أَمْ فَرْعٌ فَإِنْ كان أَصْلًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فيه خِلَافٌ وَإِنْ كان فَرْعًا فَفَرْعٌ على أَيِّ أَصْلٍ قال الرَّازِيَّ وَالْقِيَاسُ إنَّمَا هو فِعْلُ الْقَائِسِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِفِعْلِ الْقَائِسِ إنَّهُ أَصْلٌ أو فَرْعٌ وَإِنَّمَا وَجْهُ تَصْحِيحِ السُّؤَالِ أَنْ يَقُولَ خَبِّرُونِي عن وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ أو الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْقِيَاسِ أَهُوَ أَصْلٌ أَمْ فَرْعٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عنه أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ بِمَا بُنِيَ عليه وَفَرْعٌ على ما بُنِيَ عليه فَأَصْلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَفَرْعُهُ سَائِرُ الْحَوَادِثِ الْقِيَاسِيَّةِ التي لَا تَوْقِيفَ فيها وَلَا إجْمَاعَ وقال ابن سُرَيْجٍ في كِتَابِ إثْبَاتِ الْقِيَاسِ قال بَعْضُهُمْ خَبِّرُونَا عن الْقِيَاسِ فَرْضٌ هو أو نَدْبٌ فَإِنْ قُلْتُمْ نَدْبٌ فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ التَّشْرِيعَ في الدِّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ فَرْضٌ فما وَجَدْنَا ذلك قُلْنَا بَلْ فَرْضٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ على الزَّوْجَةِ وَبِالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ على قَاتِلِ الصَّيْدِ وَبِقَبُولِ الْجِزْيَةِ ولم يُبَيِّنْ ذلك فَوَجَبَ النَّظَرُ فيه قال وَحَقِيقَةُ الْقِيَاسِ فِعْلُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِهِ في وَقْتٍ كما أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ في وَقْتٍ فَلَا يُسَمَّى الْقِيَاسُ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا لِذَلِكَ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ حَرَّرَ الْهِنْدِيُّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فقال إذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ في مَحَلِّ الْوِفَاقِ مُعَلَّلٌ بِكَذَا أو عَلِمْنَا حُصُولَ الْوَصْفِ مع جَمِيعِ ما يُعْتَبَرُ في إفْضَائِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ في صُورَةِ النِّزَاعِ عَلِمْنَا حُصُولَ مِثْلِ ذلك الْحُكْمِ في صُورَةِ النِّزَاعِ فَهَذَا النَّوْعُ من الْقِيَاسِ مِمَّا لَا نِزَاعَ فيه بين الْعُقَلَاءِ بَلْ الْكُلُّ أَطْبَقُوا على حُجِّيَّتِهِ فَأَمَّا إذَا كانت هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ ظَنِّيَّتَيْنِ أو إحْدَاهُمَا ظَنِّيَّةً كان حُصُولُ ذلك الْحُكْمِ في صُورَةِ النِّزَاعِ ظَنًّا لَا مَحَالَةَ وَهَذَا لَا نِزَاعَ في أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْخَبَرَ بِالنَّتِيجَةِ بَلْ إنْ كان في الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَقَدْ اتَّفَقُوا على وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَأَمَّا في الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ أَنَّ هذا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بين ما إذَا كَانَتَا ظَنِّيَّتَيْنِ فَكَذَلِكَ أو إحْدَاهُمَا ظَنِّيَّةً وَالْأُخْرَى قَطْعِيَّةً فَلَيْسَ من مَحَلِّ الْخِلَافِ أَيْضًا على مَعْنَى ما إذَا كانت الْأُولَى قَطْعِيَّةً أَعْنِي كَوْنَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِكَذَا وَالثَّانِيَةُ أَعْنِي تَحْقِيقَهَا في صُورَةِ النِّزَاعِ ظَنِّيَّةٌ فَهَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ أَمَّا

إذَا كانت هِيَ ظَنِّيَّةً سَوَاءٌ كانت الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ قَطْعِيَّةً أو ظَنِّيَّةً فإنه من مَحَلِّ الْخِلَافِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكُلَّ من مَحَلِّ الْخِلَافِ الثَّانِي أَفْرَطَ في الْقِيَاسِ فِرْقَتَانِ الْمُنْكِرُ له وَالْمُسْتَرْسِلُ فيه كَغُلَاةِ أَهْلِ الرَّأْيِ قال ابن الْمُنِيرِ وما شَبَّهْتُ تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ بِالْعُقُولِ في الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا بِتَصَرُّفِهِمْ في الْأَفْعَالِ الْوُجُودِيَّةِ أَمْرٌ بين أَمْرَيْنِ لَا جَبْرٌ وَلَا تَفْوِيضٌ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا تَعَبُّدِيَّةٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فيها أَلْحَقَهُ بِجُحُودِ الْجَبْرِيَّةِ وَمَنْ زَعَمَ أنها قِيَاسِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَأَطْلَقَ لِسَانَهُ في التَّصَرُّفِ أَلْحَقَهُ بِتَهَوُّرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْحَقُّ في التَّوَسُّطِ وكان بين ذلك قَوَامًا قُلْت وَمِنْ الْبَلِيَّةِ اقْتِصَارُ كَثِيرٍ من الْفُقَهَاءِ على الِاسْتِدْلَالِ على الْقِيَاسِ وَعَدَمُ بَحْثِهِمْ عن النَّصِّ فيها وهو مَوْجُودٌ لو تَطْلُبُوهُ مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ من أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْ أَدِلَّتِهِ خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَإِلْكِيَا وَاخْتَلَفَتْ مَآخِذُهُمْ فقال الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ هِيَ الْمُثْمِرَةُ وَالْأَحْكَامُ وَالْقِيَاسُ من طُرُقِ الِاسْتِثْمَارِ فإنه لَا دَلَالَةَ من حَيْثُ مَعْقُولُ اللَّفْظِ وَأَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ دَلَالَةٌ من حَيْثُ صِيغَتُهُ وقال الْإِمَامُ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ على الْمَقْطُوعِ بِهِ وَالْقِيَاسُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ ثُمَّ اعْتَذَرَ عن إدْخَالِهِ في الْأُصُولِ بِقِيَامِ الْقَاطِعِ على الْعَمَلِ بِهِ وَهَذَا فَرْعٌ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا كما سَيَأْتِي لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ عِبَارَةٌ عن أَدِلَّةٍ فَقَطْ سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَقَعُ إلَّا على الْمَقْطُوعِ بِهِ

مَسْأَلَةٌ وَالْقِيَاسُ ظَنِّيٌّ نَصَّ عليه في الرِّسَالَةِ فقال إنَّهُ حَقٌّ في الظَّاهِرِ عِنْدَ قَائِسِهِ لَا عِنْدَ الْعَامَّةِ من الْعُلَمَاءِ قال الصَّيْرَفِيُّ أَرَادَ أَنَّهُ ليس حَقًّا في الظَّاهِرِ حتى يَلْزَمَ بِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ وَيَجُوزُ الْخِلَافُ فيه وَلَوْ كان قَطْعِيًّا لم يَقَعْ فيه خِلَافٌ انْتَهَى وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ في الْفَحْوَى إنَّهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ مع أَنَّهُ قَطْعِيٌّ على أَنَّهُ قد كَثُرَ الْقَوْلُ فيه كما قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَنَّ دَلَالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ على قَوْلٍ فَعَلَى هذا لَا تَظْفَرُ بِقِيَاسٍ قَطْعِيٍّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عليها على أَنَّ بَعْضَهُمْ لم يَجْعَلْهُ قِيَاسًا قُلْت دَلَالَةُ اللَّفْظِ بِهِ وَلِهَذَا قال بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ وَمِمَّنْ أَطْلَقَ ظَنِّيَّةَ الْقِيَاسِ الْإِمَامَانِ الْجُوَيْنِيُّ وَالرَّازِيَّ وَغَيْرُهُمَا وَحِينَئِذٍ فَيَنْتَهِضُ بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ قال في الْبُرْهَانِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ الْعِلْمُ عِنْدَهَا وَالْعِلْمُ بِوُجُوبِهِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ وَأَمَّا قَوْلُ من قال الظَّاهِرُ الدَّالُّ على كَوْنِ الْقِيَاسِ حُجَّةً فَإِنْ كان بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَلَكِنْ اقْتَرَنَتْ بها أُمُورٌ مَجْمُوعُهَا يُفِيدُ الْقَطْعَ قُلْنَا هذا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْقَطْعِ في مَوَاضِعِ الظُّنُونِ وَمُطَالَبَتُهُ بِالدَّلِيلِ على وُجُودِ تِلْكَ الْأُمُورِ الْمَقْرُونَةِ بِالظَّاهِرِ وَلَا نَجِدُ إلَى بَيَانِهَا سَبِيلًا أَصْلًا وَلَوْ أَفَادَ ما ذَكَرَهُ الْقَطْعَ لَمَا عَجَزَ أَحَدٌ عن دَعْوَى الْقَطْعِ في مَوَاضِعِ الظُّنُونِ وَحَكَى سُلَيْمٌ في التَّقْرِيبِ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقِيَاسَ قَطْعِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا غَلَبَ على ظَنِّ الْحَاكِمِ صِدْقُهُمَا مَسْأَلَةٌ لَا يُحْكَمُ بِفِسْقِ الْمُخَالِفِ وَإِنْ قُلْنَا دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ لِأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ وقال بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهُ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ حَكَاهُ الْحَلْوَانِيُّ

مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ قَطْعًا عِنْدَنَا في نَصِّ الشَّارِعِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَصِّ الْمُجْتَهِدِ كما لو نَصَّ على حُكْمٍ فَهَلْ تُسْتَنْبَطُ الْعِلَّةُ وَيُعَدَّى الْحُكْمُ قال الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ في كِتَابِ الْقَضَاءِ حَكَى وَالِدِي عن الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بن يحيى الْمَنْعَ في ذلك وَإِنَّمَا جَازَ في نُصُوصِ الشَّارِعِ لِأَنَّا تُعُبِّدْنَا وَأُمِرْنَا بِالْقِيَاسِ وَالْأَشْبَهُ بِصَنِيعِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ أَلَا تَرَاهُمْ يَنْقُلُونَ الْحُكْمَ ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ في أَنَّ الْعِلَّةَ كَذَا وَكَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُطَّرِدُ الْحُكْمِ في فُرُوعِ عِلَّتِهِ وَهَذَا كما قال وهو الْمُعَبَّرُ عنه بِالتَّخْرِيجِ مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ يُعْمَلُ بِهِ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ ابْتِدَاءً فَأَمَّا النَّسْخُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَلَا يَقَعُ وقد سَبَقَتْ في النَّسْخِ قُلْت وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ في أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِالظَّنِّيِّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَهُ ابن الْقُشَيْرِيّ في الْمُرْشِدِ مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مَسْأَلَةٌ هل يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهَ بِالْقِيَاسِ من عَاصَرَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم مَذْهَبُ الْمُعْظَمِ جَوَازُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يُفْصَلُ بين الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ هَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ هُنَا ابن بَرْهَانٍ وَتَابَعَ فيه الْغَزَالِيُّ فإنه سَوَّى بين التَّعَبُّدِ بِالِاجْتِهَادِ في زَمَانِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَبِالْقِيَاسِ في جَرَيَانِ الْخِلَافِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ

مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ في الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَنُقِلَ عَمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ خِلَافُهُ قال الْغَزَالِيُّ وابن بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُمَا وقال ابن السَّمْعَانِيِّ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ في جَمِيعِ الشَّرْعِيَّاتِ بِالنُّصُوصِ قال وَمِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَنُصَّ اللَّهُ على صِفَاتِ الْمَسَائِلِ في الْجُمْلَةِ فَيَدْخُلُ تَفْصِيلُهَا فيها فَأَمَّا التَّعَبُّدُ في جَمِيعِهَا بِالْقِيَاسِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حَمْلُ فَرْعٍ على أَصْلٍ فإذا لم يَكُنْ أَصْلٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْقِيَاسُ وإذا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ جَمِيعِهَا بِالْقِيَاسِ فَتَقُولُ ليس بِالْقِيَاسِ تَخْصِيصٌ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ من الْأَحْكَامِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ جَمِيعُهَا ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ قال فَعَلَى هذا قال الْأَصْحَابُ ثَبَتَتْ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْقِيَاسِ على مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ بَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ في كل حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَيَتَفَرَّعُ على هذه الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مع الْحَنَفِيَّةِ في اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ في الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ

مسألة نص الشارع على الحكم والعلة
إذا نص صاحب الشرع على حكم ونص على علته كما لو قال حرمت الخمر لكونها مسكرا أو أعتقت غانما لسواده هل هو إذن منه في القياس أينما وجدت العلة أم لا بد من دليل على القياس فذهب جمهور الفقهاء والأصوليين والمتكلمين والمعتزلة والنظام وبعض الظاهرية من منكري القياس إلى أنه إذن في إلحاق غيره به وإلا لم يكن للعلة فائدة وسواء ورد ذلك قبل ثبوت التعبد بالقياس أو بعد ثبوته قال أبو سفيان من الحنفية وإليه كان يشير شيخنا يعني أبا بكر الرازي في احتجاجه بقوله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك دم عرق فتوضئي لكل صلاة في إيجاب الوضوء من الرعاف ونحوه وصار بمثابة قوله الوضوء من كل

دم عرق قال أبو الحسين وأوجب أبو هاشم القياس بها وإنما لم يرد التعبد بالقياس وصار بعض الظاهرية إلى أنه ليس بإذن بل لا بد معه من دليل ونقله الآمدي عن الأستاذ أبي إسحاق وأكثر الشافعية واختاره تبعا للإمام والغزالي وقال سليم الرازي إنه قول أكثر أصحابنا وعليه الفقهاء والمتكلمون لجواز أن يكون ذكر العلة لتعريف الباعث على الحكم ليكون أقرب إلى الاعتبار لا لأجل الإلحاق ويقوى القول بهذا إذا قلنا إن الدليل الدال على وجوب التعبد بالقياس يجب أن يكون قطعيا فإن غاية هذا الظن فإن قيل النص على العلة في نحو حرمت الخمر لشدتها لو لم يعتبر التعميم لم يكن له فائدة قلنا له فوائد منها معرفة الباعث كما سبق ومنها زوال الحكم عند زوال العلة كزوال التحريم عند زوال الشدة ومنها ما سيأتي في فائدة العلة القاصرة من انقياد المكلف إلى الامتثال لظهور المناسب ومرادهم بالدليل تقدم الإذن بالقياس ولهذا فصل جعفر بن حرب وابن مبشر شيخا المعتزلة بين أن يرد قبل ورود التعبد بالقياس ولا يجوز تعد به وإلا جاز واختاره أبو سفيان من الحنفية وفصل أبو عبد الله البصري بين إن كان الحكم المنصوص عليه من قبيل المحرمات فهو إذن وإن كان من قبيل المباح أو الواجب فلا قال الهندي والمختار أن ذلك لا يفيد ثبوت الحكم في غير الصورة التي نص عليها لا بطريق اللفظ ولا بطريق أنه يفيد الأمر بالقياس وهنا تنبيهان الأول أن القائلين بالاكتفاء مطلقا هم أكثر نفاة القياس ولا يستنكر ذلك منهم لأنهم يرون أن التنصيص على علة الحكم تنزل منزلة اللفظ العام في وجوب تعميم الحكم ولا فرق عندهم بين أن يقول حرمت الخمر لإسكارها أو حرمت على كل مسكر كما صرح به الصيرفي في كتابه هذا تحرير مذهب النظام وغيره ومنكري القياس فكأنه أنكر تسمية هذا قياسا وإن كان قائلا به في المعنى وكذا نقله القاضي عبد الوهاب في الملخص وسليم في التقريب وغيرهما وقد سبق في باب العموم المعنوي أن تعميم مثل هذا هل هو بالقياس أو الصيغة قولان للشافعي والصحيح أنه عمم بالقياس وقال الهندي

نقل الأكثرون عن النظام أن التعميم فيه بالقياس ونقل الغزالي عنه أنه يجري تعميم الحكم في جميع موارده بطريق اللفظ والعموم ولا شك أنه مخالف لنقل الأكثر ومناف له فإن التعميم بطريق القياس لا يجامع التعميم بالقياس فحينئذ لا يكون ذلك أمرا بالقياس عنده وإن كان الحكم ثابتا عنده في غير الصورة التي نص عليها قلت وما حكاه الغزالي أظهر لما سبق عن النظام من إنكار القول بالقياس ولهذا قال الغزالي ظن النظام أنه منكر للقياس وقد زاد علينا إذ قاس حيث لا يقيس لكنه أنكر اسم القياس انتهى وهو لم يدع أنه بالقياس بل باللفظ فكان من حقه أن يبطل هذه الجهة من القياس وقد يجمع بين إنكاره القياس وما نقله عنه الأكثرون بأنه إذا وقع التنصيص على العلة فمدلول اللفظ الأمر بالقياس لغة ولم يتعرض لوقوعه من الشارع أو غيره وهناك أحال وروده من الشارع لكن يلزم على هذا أن يقول إن الشارع لا يقع منه التنصيص على العلة من حيث هو فمدلوله ما ذكرناه الثاني سبق عن الأستاذ أبي إسحاق نقل التعميم فإنه قال في كتابه إذا نص الشارع على العلة على وجه لا يقبل تأويلها فلا بد أن يعم الحكم إذ لو اختص الحكم لوجب أن تختص العلة ووضع التعليل يناقضه الاختصاص وهذا وإن كان فيه موافقة للنظام لكن مأخذه خلاف مأخذه وهو القول بامتناع تخصيص العلة وليس يرى أن النص على التعليل نص على التعميم ولكن هذا عنده من ضرورة فهم التعليل وهو يمنع النص على التعليل مع النص على التخصيص وينبغي تنزيل إطلاق غيره من أصحابنا الموافقين للنظام على ذلك

مسألة إنما يستعمل القياس إذا عدم النص
وقد قال الشافعي في آخر الرسالة القياس موضع ضرورة لأنه لا يحل القياس والخبر موجود كما يكون التيمم طهارة عند الإعواز من الماء ولا يكون طهارة إذا وجد الماء انتهى وأطلق الأستاذ أبو إسحاق أن المسألة إذا لم يكن فيها نص ولا إجماع

وجب القياس فيها وإلا جاز وهل يعمل به قبل البحث عن المنصوص وجميع دلالتها للمسألة أحوال أحدها أن يريد العمل به قبل طلب الحكم من النصوص المعروفة فيمتنع قطعا الثانية قبل طلب نصوص لا يعرفها مع رجاء الوجود أو طلبها فطريقه يقتضي جوازه ومذهب الشافعي ومذهب أحمد وفقهاء الحديث لا يجوز ولهذا جعلوا القياس ضرورات بمنزلة التيمم لا يعدل إليه إلا إذا غلب على ظنه عدم الماء وهو معنى قول أحمد وما تصنع بالقياس وفي الحديث ما يغنيك عنه ولها شبه بجواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة النص يحتمل الجواز إذا خاف الفوت على حكم الحادثة الثالثة أنه ييأس من النص ويغلب على ظنه عدمه فهاهنا يجوز قطعا وقد سبق قبل هذه المسألة في العمل بالعام قبل البحث عن المخصص والناسخ وأنه إذا اجتهد ولم يجد المعارض عمل به ويزيد هنا أنه هل له أن يقيس عليه قال القاضي عبد الجبار لا لأنه لا يقطع بثبوته وخالف أبو الحسين في المعتمد وهو الأظهر كما يجب أن يقضي بظاهره وهو فرع غريب مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ وَالضَّعِيفُ أَوْلَى من الْقِيَاسِ حَكَى ابن حَزْمٍ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ أَوْلَى من الْقِيَاسِ وَلَا يَحِلُّ الْقِيَاسُ مع وُجُودِهِ قال وَالرِّوَايَةُ عن الصَّاحِبِ الذي لَا يُعْرَفُ له مُخَالِفٌ منهم أَوْلَى من الْقِيَاسِ وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ مع نَصِّ الْقُرْآنِ أو خَبَرٍ مُسْنَدٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا فإن الْقِيَاسَ وَاجِبٌ في كل حُكْمٍ وقال أبو الْفَرَجِ الْقَاضِي وأبو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيَّانِ الْقِيَاسُ أَوْلَى من خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ قال ابن حَزْمٍ وما نَعْلَمُ هذا الْقَوْلَ عن مُسْلِمٍ يَرَى قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ قَبْلَهُمَا وَحَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أبو شَامَةَ في كِتَابِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ عن الْقَاضِي ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ سمع أَبَا الْوَفَاءِ بن عَقِيلٍ في رِحْلَتِهِ إلَى الْعِرَاقِ يقول مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ

خَيْرٌ من قَوِيِّ النَّظَرِ قال ابن الْعَرَبِيِّ وَهَذِهِ وَهْلَةٌ من أَحْمَدَ لَا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ فإن ضَعِيفَ الْأَثَرِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا وقال بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ هذا ما حَكَاهُ عن أَحْمَدَ ابْنُهُ عبد اللَّهِ ذَكَرَهُ في مَسَائِلِهِ وَمُرَادُهُ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ ما اصْطَلَحَ عليه الْمُتَأَخِّرُونَ من قِسْمِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ بَلْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ قِسْمَانِ صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ وَالضَّعِيفُ ما انْحَطَّ على دَرَجَةِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كان حَسَنًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ قد يُعْمَلُ بِهِ مع وُجُودِ النَّصِّ في صُوَرٍ منها أَنْ يَكُونَ النَّصُّ عَامًّا وَالْقِيَاسُ خَاصًّا وَقُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْقِيَاسِ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَقْوَى من ذلك النَّصِّ الْمُعَارِضِ وَقَطَعَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ في الْفَرْعِ فإنه يُقَدَّمُ على النَّصِّ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ النَّصُّ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ من كل وَجْهٍ على رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ على خَبَرِ الْوَاحِدِ وَحَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ عن مَالِكٍ أَيْضًا

الْبَابُ الرَّابِعُ في أَنْوَاعِهِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وقد قَسَّمَهُ ابن سُرَيْجٍ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا من زَادَ على ذلك انْتَهَى النَّوْعُ الْأَوَّلُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ وهو أَنْ يَحْمِلَ الْفَرْعَ على الْأَصْلِ بِالْعِلَّةِ التي عَلَّقَ الْحُكْمَ عليها في الشَّرْعِ وَيُسَمَّى قِيَاسُ الْمَعْنَى وَيَنْقَسِمُ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ فَأَمَّا الْجَلِيُّ فما عُلِمَ من غَيْرِ مُعَانَاةٍ وَفِكْرٍ وَالْخَفِيُّ ما لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِإِعْمَالِ فِكْرٍ وَالْجَلِيُّ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا ما تَنَاهَى في الْجَلَاءِ حتى لَا يَجُوزَ وُرُودُ الشَّرِيعَةِ في الْفَرْعِ على خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَنَحْوِهِ وَثَانِيهِمَا دُونَهُ كَقَوْلِهِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وهو غَضْبَانُ هذا كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَقَسَّمَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ قِيَاسَ الْعِلَّةِ إلَى جَلِيٍّ وَوَاضِحٍ وَخَفِيٍّ قال فَالْجَلِيُّ ما عُرِفَتْ عِلَّتُهُ قَطْعًا إمَّا نَصٌّ أو إجْمَاعٌ والواضح ما ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ بِضَرْبٍ من الظَّاهِرِ والخفي ما عُرِفَتْ عِلَّتُهُ بِالِاسْتِنْبَاطِ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الْجَلِيُّ ما يَكُونُ مَعْنَاهُ في الْفَرْعِ زَائِدًا على مَعْنَى الْأَصْلِ وَالْخَفِيُّ ما يَكُونُ في الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْأَصْلِ أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ثُمَّ قَسَمَا الْجَلِيَّ تَبَعًا لِلْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما عُرِفَ مَعْنَاهُ من ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ قَالَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ

يَرِدَ التَّعَبُّدُ فيه بِخِلَافِ أَصْلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ فإنه يَدُلُّ على تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ بِالْبَدِيهَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ قِيَاسًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ التَّأْفِيفَ وَيُبِيحَ الضَّرْبَ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَازِيَ على قَلِيلِ الطَّاعَةِ وَلَا يُجَازِيَ على كَبِيرِهَا وَيُعَاقِبَ على قَلِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُعَاقِبَ على كَبِيرِهَا قال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ حُكْمُ ذَرَّةٍ وَنِصْفٍ بِمَنْزِلَةِ ذَرَّةٍ وَإِنَّمَا قال هذا حتى لَا يَقُولَ مَبْهُوتٌ إنَّ الْكَثِيرَ ذَرَّاتٌ فَالِاسْمُ مُتَنَاوِلٌ لها يُشِيرُ إلَى ما حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ لِابْنِ سُرَيْجٍ مع مُحَمَّدِ بن دَاوُد إذْ قال له ابن سُرَيْجٍ أنت تَلْزَمُ الظَّاهِرَ وقد قال تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ فما تَقُولُ فِيمَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّتَيْنِ فقال مُجِيبًا الذَّرَّتَانِ ذَرَّةٌ وَذَرَّةٌ فقال ابن سُرَيْجٍ لو عَمِلَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَنِصْفٍ فَتَبَلَّدَ وَظَهَرَ انْقِطَاعُهُ وقال بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُسَمَّى هذا قِيَاسًا قُلْت لِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ هذه اللَّفْظَةَ لِلتَّنْبِيهِ على ما زَادَ عليه فَيَكُونُ النَّهْيُ عن الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ بِاللَّفْظِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَفْهُومُ الْخِطَابِ وَقِيلَ فَحْوَى الْخِطَابِ قالوا وَالْقِيَاسُ ما خَفِيَ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ عنه حتى عُرِفَ بِالِاسْتِدْلَالِ من الْمَنْصُوصِ عليه وما خَرَجَ عن الْخَفَاءِ ولم يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِدْلَالِ فَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وقال نُفَاةُ الْقِيَاسِ ليس بِقِيَاسٍ بَلْ نَصٌّ وَقِيلَ تَنْبِيهٌ وَضَعْفٌ لِأَنَّ النَّصَّ ما عُرِفَ حُكْمُ مَرَاتِبِهِ وَالْقِيَاسُ ما عُرِفَ حُكْمُهُ من اسْمِ غَيْرِهِ وهو مَوْجُودٌ لِأَنَّ اسْمَ التَّأْفِيفِ لَا يَنْطَلِقُ على الضَّرْبِ كما لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الضَّرْبِ على التَّأْفِيفِ فَتَحْرِيمُ الضَّرْبِ مَأْخُوذٌ من مَعْنَى التَّأْفِيفِ لَا من اسْمِهِ فَإِنْ امْتَنَعُوا من تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا فَقَدْ خَالَفُوا في الِاسْمِ فَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ في الْوُضُوحِ وَالْغُمُوضِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهَا نُصُوصًا فَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي في الْخَفَاءِ وَالْجَلَاءُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ قِيَاسًا وَاعْلَمْ أَنَّ هذا الْوَجْهَ من الْقِيَاسِ أَقْرَبُ وُجُوهِهِ إلَى النُّصُوصِ لِدُخُولِ فَرْعِهَا في النَّصِّ الثَّانِي ما عُرِفَ مَعْنَاهُ من ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ كَالنَّهْيِ عن التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَمْيَاءِ وَالْعَرْجَاءِ فَالْعَمْيَاءُ أَوْلَى قِيَاسًا على الْعَوْرَاءِ وَالْقَطْعَاءُ على الْعَرْجَاءِ لِأَنَّ نَقْصَهَا أَكْثَرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ التَّعَبُّدَ بِخِلَافِ أَصْلِهِ وَإِنْ جَازَ التَّعَبُّدُ بِإِبَاحَةِ الْعَمْيَاءِ وَالْقَطْعَاءِ مع تَحْرِيمِ الْعَرْجَاءِ وَالْعَوْرَاءِ وَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فيه نُفَاةُ الْقِيَاسِ فَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ على تَحْرِيمِ النَّصِّ وَأَبَاحَ ما عَدَاهُ فَأَبَاحَ التَّضْحِيَةَ بِالْعَمْيَاءِ وَالْقَطْعَاءِ

وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بِالتَّنْبِيهِ دُونَ النَّصِّ وَالثَّالِثُ ما عُرِفَ مَعْنَاهُ من ظَاهِرِ النَّصِّ بِاسْتِدْلَالٍ ظَاهِرٍ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ على الْعَبْدِ في السِّرَايَةِ وَقِيَاسِ الْعَبْدِ عليها في تَنْصِيفِ حَدِّ الْقَذْفِ وَقِيَاسِ النِّكَاحِ على الْبَيْعِ في تَحْرِيمِهِ عِنْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وفي جَوَازِ التَّخْصِيصِ بِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَهَذِهِ الضُّرُوبُ الثَّلَاثَةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بها الْإِجْمَاعُ وَيُنْقَضُ بها حُكْمُ من خَالَفَهَا من الْحُكَّامِ انْتَهَى وقال الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ نحو ما سَبَقَ قد عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ في تَسْمِيَةِ هذه الْوُجُوهِ قِيَاسًا وَحَكَى في الرِّسَالَةِ الْجَدِيدَةِ أَنَّ من أَهْلِ الْعِلْمِ من يَمْنَعُ أَنْ يُسَمَّى هذا قِيَاسًا لِأَنَّ الْقِيَاسَ ما اُحْتُمِلَ فيه شَبَهٌ بين مَعْنَيَيْنِ فَنَقِيسُهُ على أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَيَقُولُ غَيْرُهُ من أَهْلِ الْعِلْمِ ما عَدَا النَّصَّ من الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وكان مَعْنَاهُ فَهُوَ قِيَاسٌ وَلَيْسَ في شَيْءٍ مِمَّا حَكَاهُ فيها أَنَّ ما فُهِمَ من الْمَعْنَى فَهُوَ نَصٌّ وَلَا أَنَّهُ مَفْهُومُ مَعْنَى الِاسْمِ انْتَهَى فَإِنْ قِيلَ فما فَائِدَةُ الْخِلَافِ في هذا الْقَسْمِ مع الِاتِّفَاقِ على الْحُكْمِ قُلْنَا سَبَقَ في بَحْثِ الْمَفْهُومِ له فَوَائِدُ منها أَنَّا لو قَدَّرْنَا في فَرْعٍ من الْفُرُوعِ وُجُودَ نَصٍّ يُشْعِرُ بِنَقِيضِ الْحُكْمِ فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ أو يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ فَمَنْ قال إنَّهُ مَأْخُوذٌ من اللَّفْظِ قال فَيَتَعَارَضَانِ أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْخَفِيِّ فَقَسَّمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَيْضًا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا ما خَفِيَ مَعْنَاهُ فلم يُعْرَفْ إلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَائِحًا وَتَارَةً يَكُونُ الِاسْتِدْلَال مُتَّفَقًا عليه كَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ الْآيَةَ فَكَانَتْ عَمَّاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ في التَّحْرِيمِ قِيَاسًا على الْأُمَّهَاتِ لِاشْتِرَاكِهِنَّ في الرَّحِمِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى في نَفَقَةِ الْوَلَدِ في صِغَرِهِ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَكَانَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ عَجْزِهِمَا في كِبَرِهِمَا قِيَاسًا على نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِصِغَرِهِ وَالْمَعْنَى في هذا الضَّرْبِ لَائِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بين الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ وهو من ضُرُوبِ الْخَفِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ من ضُرُوبِ الْجَلِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ بمثله وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ في جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَجْهَانِ

الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ غَامِضًا لِلِاسْتِدْلَالِ الْمُخْتَلَفِ فيه كَتَعْلِيلِ الرِّبَا في الْبُرِّ الْمَنْصُوصِ عليه بِالْقُوتِ لِيُقَاسَ عليه كُلُّ مَأْكُولٍ فَهَذَا لَا يُنْتَقَضُ فيه الْحُكْمُ وَلَا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ الثَّالِثُ ما يَكُونُ شَبَهًا وهو ما احْتَاجَ في نَصِّهِ وَمَعْنَاهُ إلَى اسْتِدْلَالٍ كَاَلَّذِي قَضَى بِهِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ يُعْرَفُ بِالِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْخَرَاجَ هو النَّفَقَةُ وَأَنَّ الضَّمَانَ هو ضَمَانُ النَّفَقَةِ ثُمَّ عُرِفَ مَعْنَى النَّفَقَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ فَتَقَابَلَتْ الْمَعَانِي بِالِاخْتِلَافِ فيها فَمَنْ مُعَلِّلٌ لها بِأَنَّهَا آثَارٌ فلم يَجْعَلْ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ بِالْعَيْبِ مَالِكًا لِلْأَعْيَانِ من الثِّمَارِ وَالنِّتَاجِ وَمَنْ مُعَلِّلٌ بِأَنَّهَا ما خَالَفَتْ أَجْنَاسَ أُصُولِهَا فَجَعَلَ مَالِكًا لِلثِّمَارِ دُونَ النِّتَاجِ وَعَلَّلَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا ما يَجْعَلُ مَالِكًا لِكُلِّ ثِمَارٍ من ثِمَارٍ وَنِتَاجٍ فَمِثْلُ هذا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ في حُكْمِ أَصْلِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ في مَعْنَاهُ وَلَا يُقْضَى بِقِيَاسِ حُكْمِهِ وَلَا يُخَصُّ بِهِ عُمُومٌ وهو أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ في الْمُشَابَهَةِ بِالِاسْتِدْلَالِ في الْقِيَاسِ تَمَامُ الْمُشَابَهَةِ وَلَا يُكْتَفَى بِأَدْنَاهَا بَلْ يُعْتَبَرُ ما يُشِيرُ إلَى الْمَأْخَذِ النَّوْعُ الثَّانِي قِيَاسُ الشَّبَهِ قَالَا وهو ما أُخِذَ حُكْمُ فَرْعِهِ من شَبَهِ أَصْلِهِ وَقَالَا في مَوْضِعٍ آخَرَ هو ما تَجَاذَبَهُ الْأُصُولُ فَأَخَذَ من كل أَصْلٍ شَبَهًا وَسَمَّاهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يُحْمَلَ الْفَرْعُ على الْأَصْلِ بِضَرْبٍ من الشَّبَهِ على الْعِلَّةِ التي عُلِّقَ الْحُكْمُ عليها في الشَّرْعِ قال وَهَذَا الضَّرْبُ لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ إلَّا بِاسْتِدْلَالِ الْأُصُولِ وهو على ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِثُبُوتِ حُكْمٍ من أَحْكَامِ الْفُرُوعِ على ثُبُوتِ الْفَرْعِ ثُمَّ رُدَّ إلَى أَصْلٍ كَاسْتِدْلَالِنَا على سُجُودِ التِّلَاوَةِ ليس بِوَاجِبٍ بِأَنَّ سُجُودَهَا يَجُوزُ فِعْلُهُ على الرَّاحِلَةِ من غَيْرِ عُذْرٍ على أَنَّهُ ليس بِوَاجِبٍ وَالثَّانِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِحُكْمٍ يُشَاكِلُ حُكْمَ الْفَرْعِ وَيَجْرِي مَجْرَاهُ على حُكْمِ الْفَرْعِ ثُمَّ

يُقَاسُ على أَصْلٍ كَقَوْلِنَا في ظِهَارِ الذِّمِّيِّ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَيَصِحُّ ظِهَارُهُ فَصِحَّةُ قِيَاسِ الطَّلَاقِ على صِحَّةِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْقَوْلِ وَيَخْتَصَّانِ بِالزَّوْجَةِ فإذا صَحَّ ذلك دَلَّ على صِحَّةِ الْآخَرِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُحْمَلَ الْفَرْعُ على الْأَصْلِ بِضَرْبٍ من الشَّبَهِ كَقِيَاسِ من قال إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ مُثَابٌ مُعَاقَبٌ فَمُلِّكَ كَالْحُرِّ قال فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يُسَمَّى قِيَاسُ الشَّبَهِ وفي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَبَا مُوسَى بِاعْتِبَارِهِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لو جَازَ رَدُّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ بِالشَّبَهِ لَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كُلُّ قِيَاسٍ لِأَنَّهُ ما من فَرْعٍ إلَّا وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى أَصْلٍ بِضَرْبٍ من الشَّبَهِ انْتَهَى وقال الشَّيْخُ في اللُّمَعِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في قِيَاسِ الشَّبَهِ وهو تَرَدُّدُ الْفَرْعِ بين أَصْلَيْنِ لِشَبَهِ أَحَدِهِمَا في ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ وَالْآخَرِ من وَصْفَيْنِ فَقِيلَ صَحِيحٌ وَلِلشَّافِعِيِّ ما يَدُلُّ عليه في أَوَائِلِ الرِّسَالَةِ وَأَوَاخِرِهَا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَتَأَوَّلَ ما قَالَهُ الشَّافِعِيُّ على أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ قِيَاسٌ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ في أَنَّهُ هل يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً على قَوْلَيْنِ قال وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ لَا يَصِحُّ وقال ابن الْقَطَّانِ قِيَاسُ الشَّبَهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه على ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الشَّبَهَ يُعْتَبَرُ في الصُّورَةِ أَخْذًا من قَوْلِ الشَّافِعِيِّ في الْجِنَايَاتِ إنَّ الْعَبْدَ إذَا جُنِيَ عليه اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ بِالْحُرِّ لِوُقُوعِهِ بين أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ سِلْعَةٌ فَيَتَصَرَّفُ فيها وَالثَّانِي الْحُرُّ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُتَعَبَّدٌ وَقِيلَ هذا خَطَأٌ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ حتى تُسْتَخْرَجَ الْعِلَّةُ من الْمَنْصُوصِ عليه فَيُؤْخَذُ في الْفَرْعِ أَكْثَرُ الْأَوْصَافِ فَيُلْحَقُ حُكْمُهُ بِحُكْمِ ذَاكَ الْأَصْلِ وَهَذَا لَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ وَإِنْ كان هُنَاكَ عِلَّةٌ أُخْرَى تُوجِبُ التَّحْلِيلَ بها خَمْسَةُ أَوْصَافٍ وَعِلَّةٌ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ بها خَمْسَةُ أَوْصَافٍ فَيُوجَدُ فيها من أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُبِيحَةِ أَكْثَرُ من الْمُحَرِّمَةِ فَيُلْحَقُ ذلك بِحُكْمِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ شَبَهًا فإنه لو قِيلَ فما تَقُولُونَ لو تَسَاوَى الْجَرَيَانُ في الْأَصْلَيْنِ وَتَسَاوَتْ الْأَوْصَافُ قُلْنَا عنه جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا يَتَوَقَّفُ فيه لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ على الْآخَرِ وَهَذَا أَشْبَهُ من الْأَوَّلِ

وَالثَّالِثُ أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةً فَتَتَّحِدُ بها فَتَقُومُ الدَّلَالَةُ على إلْحَاقِهَا بِأَحَدِ الْأُصُولِ هو الْأَشْبَاهُ انْتَهَى وقد وَقَعَ في كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذِكْرُ قِيَاسُ عِلَّةِ الْأَشْبَاهِ فَقِيلَ هو قَسِيمُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ وَقِيلَ هو قِيَاسُ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ كَثْرَةَ الْأَشْبَاهِ تَرْجِيحًا لِلْعِلَّةِ وقال الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ على الْأَوَّلِ قال وَحَكَى أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بن سُرَيْجٍ كان يقول إنَّ غَلَبَةَ الْأَشْبَاهِ هِيَ الْعِلَّةُ وَإِنَّ الْأَشْبَاهَ ثَلَاثَةٌ ما حُكِمَ فيه بِالتَّحْرِيمِ وَلَهُ وَصْفَانِ وما حُكِمَ فيه بِالتَّحْلِيلِ وَلَهُ وَصْفٌ وَاحِدٌ وَوَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا لم يُحْكَمْ فيه بِشَيْءٍ قال فإذا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا كان رَدُّهُ إلَى أَشْبَهِهِمَا أَوْلَى من رَدِّهِ إلَى أَبْعَدِهِمَا منه في الشَّبَهِ قال الْقَاضِي وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ من غَيْرِ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ عِلَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ رَدَّهَا إلَى ما هو عِلَّةُ الْحُكْمِ أَوْلَى من رَدِّهِ إلَى ما بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وقد قِيلَ إنَّ هذا الذي كان يَذْهَبُ إلَيْهِ أبو الْعَبَّاسِ وَأَنْكَرَ الْقِيَاسَ على شَبَهٍ لم يَعْتَبِرْ كَوْنَهُ عِلَّةً وقال الْخَفَّافُ في الْخِصَالِ عِلَّةُ غَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ صَحِيحَةٌ وَالْحُكْمُ بها جَائِزٌ إذَا كانت عِلَّةَ ما وَصَفْنَا غير أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فيها مع وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَأَمَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَفَسَّرَا قِيَاسَ الشَّبَهِ بِمَا تَقَدَّمَ وَقَسَمَاهُ إلَى نَوْعَيْنِ قِيَاسُ تَحْقِيقٍ يَكُونُ الشَّبَهُ في أَحْكَامِهِ وَقِيَاسُ تَقْرِيبٍ يَكُونُ الشَّبَهُ في أَوْصَافِهِ وَقِيَاسُ التَّحْقِيقِ مُقَابِلٌ لِقِيَاسِ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ وَإِنْ ضَعُفَ عنه الْأَوَّلُ قِيَاسُ التَّحْقِيقِ وهو ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَتَرَدَّدَ حُكْمُ فَرْعٍ بين أَصْلَيْنِ فَيَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَا يَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إلَى الْآخَرِ فَيَرُدُّهُ إلَى الْأَصْلِ الذي لَا يَنْتَقِضُ بِرَدِّهِ إلَيْهِ وَإِنْ كان أَقَلَّ شَبَهًا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ شَبَهًا كَالْعَبْدِ يُمَلَّكُ يَتَرَدَّدُ بين الْبَهِيمَةِ وَالْحُرِّ فلما انْتَقَضَ رَدُّهُ إلَى الْمِيرَاثِ حَيْثُ لم يُمَلَّكْ بِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْبَهِيمَةِ لِسَلَامَتِهِ من النَّقْضِ وَإِنْ كان شَبَهُهُ بِالْأَحْرَارِ أَكْثَرَ وَالثَّانِي أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بين أَصْلَيْنِ فَيَسْلَمُ من النَّقْضِ رَدَّهُ إلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وهو بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ أَكْثَرُ شَبَهًا مِثْلُ أَنْ يُشْبِهَ أَحَدَهُمَا من وَجْهٍ وَالْآخَرَ من وَجْهَيْنِ أو أَحَدَهُمَا من وَجْهَيْنِ وَالْآخَرَ من ثَلَاثَةٍ فَيُرَدُّ إلَى الْأَكْثَرِ مِثَالُهُ في الْجِنَايَةِ على طَرَفِ الْعَبْدِ فَيُرَدِّدُهُ بين رَدِّهِ إلَى الْحُرِّ وَإِلَى الْبَهِيمَةِ وهو يُشْبِهُ الْبَهِيمَةَ في أَنَّهُ مَمْلُوكٌ

وَيُوَرَّثُ عَيْنُهُ وَيُشْبِهُ الْحُرَّ في أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ يَجِبُ في قَتْلِهِ الْقَوَدُ وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْحُرِّ في تَقْدِيرِ أَرْشِ طَرَفِهِ دُونَ الْبَهِيمَةِ لِكَثْرَةِ شَبَهِهِ بِالْحُرِّ الثَّالِثُ أَنْ يَتَرَدَّدَ حُكْمُ الْفَرْعِ بين أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الصِّفَتَيْنِ وَيُوجَدُ في الْفَرْعِ بَعْضُ كل وَاحِدٍ من الصِّفَتَيْنِ وَالْأَقَلُّ من الْأُخْرَى فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْأَصْلِ الذي فيه أَكْثَرُ صِفَاتِهِ مِثَالُهُ ثُبُوتُ الرِّبَا في السَّقَمُونْيَا لِمَا تَرَدَّدَ بين الْخَشَبِ في الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ ليس بِغِذَاءٍ وَبَيْنَ الطَّعَامِ في التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فَكَانَ رَدُّهُ إلَى الْغِذَاءِ في التَّحْرِيمِ وَإِنْ لم يَكُنْ غِذَاءً أَوْلَى من رَدِّهِ إلَى الْخَشَبِ في الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ غِذَاءً لِأَنَّ الْأَكْلَ أَغْلَبُ صِفَاتِهِ الثَّانِي قِيَاسُ التَّقْرِيبِ وهو ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا تَرَدُّدُ الْفَرْعِ بين أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ صِفَةً وقد جَمَعَ الْفَرْعُ مَعْنَى الْأَصْلِ فَيَرْجِعُ في الْفَرْعِ إلَى أَغْلِبْ الصِّفَتَيْنِ مِثَالُهُ في الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مَعْلُولًا بِالْبَيَاضِ وَالْآخَرُ مَعْلُولًا بِالسَّوَادِ وَيَكُونَ الْفَرْعُ جَامِعًا بين السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَيُعْتَبَرُ بِحَالِهِ فَإِنْ كان بَيَاضُهُ أَكْثَرَ من سَوَادِهِ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ بِالْبَيَاضِ ولم يَكُنْ لِلسَّوَادِ فيه تَأْثِيرٌ وَإِنْ كان سَوَادُهُ أَكْثَرَ من بَيَاضِهِ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ بِالسَّوَادِ ولم يَكُنْ لِلْبَيَاضِ فيه تَأْثِيرٌ وَمِثَالُهُ في الشَّرْعِ الشَّهَادَاتُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فيها بِقَبُولِ الْعَدْلِ وَرَدِّ الْفَاسِقِ وقد عُلِمَ أَنَّ أَحَدًا غير الْأَنْبِيَاءِ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُمْحِضُ الطَّاعَةَ حتى لَا يَشُوبَهَا شَيْءٌ وَيَخْرِمَهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْأَغْلَبِ في حَالَتَيْهِ فَإِنْ كانت الطَّاعَاتُ أَغْلَبَ حُكِمَ بِعَدَالَتِهِ أو الْمَعَاصِي أَغْلَبَ حُكِمَ بِفِسْقِهِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا الضَّرْبُ لَا يُسَمَّى قِيَاسًا لِأَنَّ الْقِيَاسَ ما اُسْتُخْرِجَ عِلَّةُ فَرْعِهِ من أَصْلِهِ وَهَذَا قد اُسْتُخْرِجَ عِلَّةُ أَصْلِهِ من فَرْعِهِ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كان مَعْنَى الْأَصْلِ مَوْجُودًا بِكَمَالِهِ من الْفَرْعِ فإذا وَجَدَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ صِفَةَ الْعِلَّةِ مُسْتَخْرَجَةٌ من الْفَرْعِ وَحُكْمُ الْعِلَّةِ مُسْتَخْرَجٌ من الْأَصْلِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَوْضُوعٌ بِحُكْمِ الْعِلَّةِ دُونَ صِفَتِهَا وَهَذَا كما تَقُولُ في الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ كَمَاءِ الْوَرْدِ ولم يُغَيِّرْهُ نُظِرَ إنْ كان الْمَاءُ أَكْثَرَ حَكَمْنَا له بِالتَّطْهِيرِ وَإِنْ كان فيه ما ليس بِمُطَهِّرٍ وَإِنْ كان مَاءُ الْوَرْدِ أَكْثَرَ حَكَمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهَّرٍ وَإِنْ كان فيه مَاءٌ طَهُورٌ وَأَنَّ الْحَادِثَةَ أَشْبَهَتْ كُلَّ وَاحِدٍ من الْأَصْلَيْنِ في بَعْضِ الْأَوْصَافِ فَلَا بُدَّ من تَعْرِيفِ حُكْمِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْحَاقُهَا بِمَا لَا يُشْبِهُهَا

وَتَرْكُهُ ما يُشْبِهُهَا وَلَا إلْحَاقُهُ بِهِمَا لِتَضَادِّهِمَا فَكَانَ أَكْثَرُهَا شَبَهًا أَوْلَى وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ هذا النَّوْعُ في الْقِيَاسِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُقَاسُ على ما يَلْحَقُ بِهِ من غَيْرِ عِلَّةٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَخْلُو الْوَصْفُ الذي أَشْبَهَ الْأَصْلَ فيه من أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْأَصْلِ أو ليس بِعِلَّةٍ فَإِنْ كان عِلَّةً فَهُوَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ لَا قِيَاسُ الشَّبَهِ وَإِنْ لم يَكُنْ عِلَّةً فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ بِغَيْرِ عِلَّةٍ قال وَمَعْنَى هذا عِنْدَك إذَا تَرَدَّدَ فَرْعٌ بين أَصْلَيْنِ وَقَاسَهُ في كل وَاحِدٍ من الْأَصْلَيْنِ على أَصْلِهِ بِعِلَّةٍ ظَاهِرُهَا الصِّحَّةُ يَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ لِتَغْلِيبِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ لِكَثْرَةِ الشَّبَهِ فَيَكُونُ ذلك على سَبِيلِ التَّرْجِيحِ الثَّانِي أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بين أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الصِّفَتَيْنِ وَالصِّفَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ في الْفَرْعِ وَصِفَةُ الْفَرْعِ تُقَارِبُ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ خَالَفَتْهَا مِثَالُهُ في الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ أَصْلَيْنِ مَعْلُولًا بِالْبَيَاضِ وَالْآخَرُ بِالسَّوَادِ وَالْفَرْعُ أَخْضَرُ لَا أَبْيَضُ وَلَا أَسْوَدُ فَرُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَصْلَيْنِ شَبَهًا بِصِفَتَيْهِ وَالْخُضْرَةُ أَقْرَبُ إلَى السَّوَادِ وَمِثَالُهُ في الشَّرْعِ قَوْله تَعَالَى فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ من النَّعَمِ وَلَيْسَ الْمِثْلُ من النَّعَمِ شَبِيهًا بِالصَّيْدِ في جَمِيعِ أَوْصَافِهِ وَلَا مُنَافِيًا له في جَمِيعِهَا فَاعْتُبِرَ في الْجَزَاءِ أَقْرَبُ الشَّبَهِ بِالصَّيْدِ وقال أبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلُ هذا لَا يَكُونُ قِيَاسًا لِأَنَّ الْقِيَاسَ ما وُجِدَتْ أَوْصَافُ أَصْلِهِ في فُرُوعِهِ وَأَوْصَافُ الْأَصْلِ في هذا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ في الْفَرْعِ فَصَارَ قِيَاسًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَا بُدَّ لها من حُكْمٍ وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ له من دَلِيلٍ فإذا لم يَكُنْ في الْكِتَابِ وَلَا في السُّنَّةِ وَلَا في الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عليها لم يَبْقَ لها أَصْلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ كما في أَقْرَبِهِمَا شَبَهًا بِأَصْلٍ هو عِلَّةُ الْقِيَاسِ وقد جَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اجْتِهَادًا مَحْضًا ولم يَجْعَلْهُ قِيَاسًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بين أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْفَرْعُ جَامِعٌ لِصِفَتَيْ الْأَصْلَيْنِ وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ من جِنْسِ الْفَرْعِ دُونَ الْآخَرِ وَمِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ من الطَّهَارَةِ وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ من الصَّلَاةِ وَالثَّانِي من الطَّهَارَةِ فَيَكُونُ رَدُّهُ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ لِمُجَانَسَتِهِ أَوْلَى من رَدِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَا وَهَاهُنَا قِسْمٌ رَابِعٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في وُرُودِهِ وهو أَنْ يَتَرَدَّدَ الْفَرْعُ بين أَصْلَيْنِ فيه شَبَهُ كل وَاحِدٍ من الْأَصْلَيْنِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا على الْآخَرِ بِشَيْءٍ فَمَنَعَ كَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا من وُجُودِهِ وَأَحَالَ تَكَافُؤَ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِمَا لم يُوصِلْهُمْ إلَى عِلْمِهِ وَلَكِنْ رُبَّمَا خَفِيَ على الْمُسْتَدِلِّ لِقُصُورِهِ في الِاجْتِهَادِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ التَّرْجِيحُ بين أَصْلَيْنِ عَدَلَ إلَى الْتِمَاسِ حُكْمِهِ من غَيْرِ الْقِيَاسِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى جَوَازِ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ من الْأَدِلَّةِ غَامِضَةٌ

لِمَا عُلِمَ فيها من الْمَصْلَحَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ فيها مُتَكَافِئَةٌ لِمَا رَآهُ من الْمَصْلَحَةِ أَنْ يَكُونَ لها حُكْمٌ مع التَّكَافُؤِ فَعَلَى هذا اخْتَلَفُوا في حُكْمِ ما تَكَافَأَتْ عليه الْأَدِلَّةُ وَتَرَدَّدَ بين أَصْلَيْنِ حَاظِرٍ وَمُبِيحٍ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُجْتَهِدُ بِالْخِيَارِ في رَدِّهِ إلَى أَيِّ الْأَصْلَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لو لم يُرِدْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَنَصَبَ على مُرَادِهِ مِنْهُمَا دَلِيلًا وَالثَّانِي يَرُدُّهُ إلَى أَغْلَظِ الْأَصْلَيْنِ حُكْمًا وهو الْحَظْرُ دُونَ الْإِبَاحَةِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ أَصْلَ التَّكْلِيفِ مَوْضُوعٌ لِلتَّغْلِيظِ قَالَا فَصَارَ أَقْسَامُ الْقِيَاسِ على ما شَرَحْنَا اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا سِتَّةٌ منها مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى منها ثَلَاثَةٌ في الْخَفِيِّ وَسِتَّةٌ مُخْتَصَّةٌ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ منها ثَلَاثَةٌ في قِيَاسِ التَّحْقِيقِ وَثَلَاثَةٌ في قِيَاسِ التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قِيَاسَ التَّقْرِيبِ بِمَا حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ من غَيْرِ بِنَاءِ فَرْعٍ على أَصْلٍ وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ قال قد ثَبَتَ أُصُولٌ مُعَلَّلَةٌ اتَّفَقَ الْقَائِسُونَ على عِلَلِهَا فقال الشَّافِعِيُّ الْحَدُّ في تِلْكَ الْأُصُولِ مَعْنَوِيٌّ وَجَعَلَ الِاسْتِدْلَالَ قَرِيبَةً منها وَإِنْ لم يَكُنْ بِأَعْيَانِهَا حتى كَأَنَّهَا أُصُولٌ مُعْتَمَدَةٌ مَثَلًا وَالِاسْتِدْلَالُ مُعْتَبَرٌ بها وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى تَقْرِيبًا أَوْلَى من اعْتِبَارِ صُورَةٍ بِصُورَةٍ لِمَعْنًى جَامِعٍ ثُمَّ مَثَّلَ الْإِمَامُ ذلك بِتَحْرِيمِ وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهَا مُتَرَبِّصَةٌ في تَبْرِئَةِ الرَّحِمِ وَتَسْلِيطُ الزَّوْجِ على رَحِمِهَا في الزَّمَانِ الذي تُؤْمَرُ فيه بِالتَّرَبُّصِ لِلتَّبْرِئَةِ تَنَاقُضُ وَهَذَا مَعْنًى مَعْقُولٌ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لو تَرَبَّصَتْ قبل الطَّلَاقِ وَاعْتَزَلَهَا الزَّوْجُ لم يُعْتَدَّ بِذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَوْ طَلَبَ الشَّافِعِيُّ لِهَذَا أَصْلًا لم يَجِدْهُ وَلَكِنَّهُ قَرِيبٌ من الْقَوَاعِدِ وَمَنْ قَاسَ الرَّجْعِيَّةَ على الْبَائِنِ لم يَتِمَّ له ذلك لِأَنَّ الْمُخَالِفَ يقول الْبَيْنُونَةُ هِيَ الْمُسْتَقِلَّةُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالرَّجْعِيَّةُ لَيْسَتْ مِثْلَهَا النَّوْعُ الثَّالِثُ قِيَاسُ الْعَكْسِ وهو إثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ في غَيْرِهِ لِافْتِرَاقِهِمَا في عِلَّةِ الْحُكْمِ كَذَا عَرَّفَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِهِمَا وقال الْأَصْفَهَانِيُّ إنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ أَنْوَاعِ

الْعَكْسِ الْمُلَازِمَةِ الثَّابِتَةِ بين الشَّيْئَيْنِ الْمَلْزُومُ نَقِيضُ الْمَطْلُوبِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ وَالدَّلِيلُ على الْمُلَازَمَةِ الْقِيَاسُ كَقَوْلِنَا لو لم تَجِبْ أَوَّلًا على الصَّبِيِّ لَمَا وَجَبَتْ على الْبَالِغِ قِيَاسًا على الْوُجُوبِ على الصَّبِيِّ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ إجْمَاعًا فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ انْتَهَى وقد وَقَعَ في الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اسْتِعْمَالُ هذا النَّوْعِ قال اللَّهُ تَعَالَى لو كان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ قال أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ يَعْنِي أَكَانَ يُعَاقَبُ قالوا نعم قال فَمَهْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَضَعَهَا في حَرَامٍ يَأْثَمُ كَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا في حَلَالٍ فَقَدْ جَعَلَ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم نَقِيضَ حُكْمِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ وهو الْإِثْمُ في غَيْرِهِ وهو الْوَطْءُ الْحَرَامُ لِافْتِرَاقِهِمَا في عِلَّةِ الْحُكْمِ وهو كَوْنُ هذا مُبَاحًا وَهَذَا حَرَامًا وقد اُخْتُلِفَ في تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا فَقِيلَ إنَّهُ قِيَاسٌ حَقِيقَةً وقال صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ هو قِيَاسٌ مَجَازًا وَقِيلَ لَا يُسَمَّى قِيَاسًا وَبِهِ صَرَّحَ ابن الصَّبَّاغِ في الْعُدَّةِ لِأَنَّ غَايَتَهُ تُمْسِكُ بِنَظْمِ التَّلَازُمِ وَإِثْبَاتٌ لِإِحْدَى مُقَدِّمَتِهِ بِالْقِيَاسِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ في الْمُلَخَّصِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى احْتَجَّ بِهِ على أبي حَنِيفَةَ في إبْطَالِ عِلَّتِهِ في الرِّبَا في الْأَثْمَانِ فقال لو كان الْفِضَّةُ وَالْحَدِيدُ يَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ في الرِّبَا لم يَجُزْ اسْتِلَامُ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لو جَمَعَهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لم يَجُزْ اسْتِلَامُ أَحَدِهِمَا في الْآخَرِ فلما جَازَ بِالْإِجْمَاعِ اسْتِلَامُ الْفِضَّةِ في الْحَدِيدِ دَلَّ على أَنَّهُ لم يَجْمَعْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قال وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في الِاسْتِدْلَالِ بِهِ على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَأَصَحُّهُمَا وهو الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصِحُّ وقد اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ في عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْعَكْسِ اسْتِدْلَالٌ بِقِيَاسِ مَدْلُولٍ على صِحَّتِهِ بِالْعَكْسِ وإذا صَحَّ الْقِيَاسُ في الطَّرْدِ وهو غَيْرُ مَدْلُولٍ على صِحَّتِهِ فَلَأَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِالْعَكْسِ وهو قِيَاسُ مَدْلُولٍ على صِحَّتِهِ أَوْلَى وَيَدُلُّ عليه أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى دَلَّ على التَّوْحِيدِ بِالْعَكْسِ فقال تَعَالَى لو كان فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَدَلَّ على أَنَّ الْقُرْآنَ من عِنْدِهِ بِالْعَكْسِ قال تَعَالَى وَلَوْ كان من عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فيه اخْتِلَافًا كَثِيرًا قُلْت وقد احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ في الْمُخْتَصَرِ فقال في زَكَاةِ الْخُلْطَةِ وَلَمَّا لم أَعْلَمْ

مُخَالِفًا إذَا كان ثَلَاثَةٌ خُلَطَاءَ لو كان لهم مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أُخِذَتْ منهم وَاحِدَةٌ فَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ من مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لو تَفَرَّقَ ما لهم كان فِيهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ لم يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لو كانت أَرْبَعُونَ بين ثَلَاثَةٍ كانت عليهم شَاةٌ لِأَنَّهُمْ صَدَّقُوا الْخُلَطَاءَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ انْتَهَى فَقَاسَ وُجُوبَ وَاحِدَةٍ من أَرْبَعِينَ لِثَلَاثَةٍ خُلَطَاءَ على سُقُوطِ اثْنَتَيْنِ في مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِثَلَاثَةٍ خُلَطَاءَ وَحَكَى الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ في تَعْلِيقِهِ مُنَاظَرَةً جَرَتْ بين الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ فقال الشَّافِعِيُّ لِمُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ لَا قَوَدَ على من شَارَكَ الصَّبِيَّ فقال لِأَنَّهُ شَارَكَ من لَا يَجْرِي عليه الْقَلَمُ فقال له الشَّافِعِيُّ فَأَوْجِبْ الْقَوَدَ على من شَارَكَ الْأَبَ لِأَنَّهُ شَارَكَ من جَرَى عليه الْقَلَمُ وإذا لم تُوجِبْ على شَرِيكِ الْأَبِ فَهُوَ تَرْكٌ لِأَصْلِك قال أَصْحَابُ أبي حَنِيفَةَ هذا السُّؤَالُ لَا يَلْزَمُ مُحَمَّدًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّلَ بِأَنَّهُ شَارَكَ من لَا يَجْرِي عليه الْقَلَمُ فَنَقِيضُهُ أَنَّهُ يُوجَدُ من شَارَكَ من لَا يَجْرِي عليه الْقَلَمُ وَمَعَ هذا يَجِبُ عليه الْقَوَدُ فَأَمَّا من شَارَكَ الْأَبَ فَهُوَ عَكْسُ عِلَّتِهِ لِأَنَّهُ شَارَكَ من يَجْرِي عليه الْقَلَمُ أَجَابَ أَصْحَابُنَا عن هذا فقال الشَّيْخُ أبو عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ هذا يَلْزَمُ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ على ضَرْبَيْنِ عِلَّةٌ لِلْأَعْيَانِ وَعِلَّةٌ لِلْجِنْسِ فإذا كانت الْعِلَّةُ لِلْأَعْيَانِ انْقَضَتْ من وَجْهٍ وَاحِدٍ وهو أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَلَا حُكْمَ كَقَوْلِك لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ فَالنَّقْضُ أَنْ يُوجَدَ مُرْتَدٌّ مع أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالثَّانِيَةُ عِلَّةُ الْجِنْسِ فَهَذِهِ تُنْقَضُ من وَجْهَيْنِ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ وَلَا حُكْمَ وَأَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ وَلَا عِلَّةَ كَقَوْلِك عِلَّةُ الْقَتْلِ الْقَتْلُ فَكَأَنَّهُ قال لَا قَتْلَ إلَّا بِقَتْلٍ فَهَذِهِ تُنْقَضُ بِمَا قُلْنَاهُ إنْ قَتَلَ بِغَيْرِ قَتْلٍ انْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ وَإِنْ لم يَقْتُلْ مع وُجُودِ الْقَتْلِ انْتَقَضَتْ الْعِلَّةُ وإذا ثَبَتَ هذا فَعِلَّةُ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ لِلْجِنْسِ لِأَنَّهُ عَلَّلَ سُقُوطَ الْقَوَدِ عن الشَّرِيكِ دُونَ شَرِيكِ من لَا يَجْرِي عليه الْقَلَمُ فَهَذِهِ لِلْجِنْسِ فَيَنْتَقِضُ من وَجْهَيْنِ أَنْ يُوجَدَ الْعِلَّةُ وَلَا حُكْمَ وَأَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ وَلَا عِلَّةَ فَقَدْ أَوْجَدَ الْحُكْمَ وَلَا عِلَّةَ فَبَطَلَ قَوْلُهُ قال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ وَكُنْت أَجَبْت بِجَوَابٍ آخَرَ وهو أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَلْزَمَهُمْ الْعَكْسَ بِنَاءً على أَصْلِهِمْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْعَكْسِ عِنْدَهُمْ دَلِيلُ تَنَاقُضِهِمْ في الْعَكْسِ وَجَوَابٌ آخَرُ جَدِيدٌ وهو أَنَّ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ فَرَّقَ بين مَسْأَلَتَيْنِ فَطَالَبَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْفَرْقِ بين شَرِيكِ الصَّبِيِّ حَيْثُ قُلْت لَا قَوَدَ عليه وقد قُلْت إذَا عَفَا الْوَلِيُّ عن أَحَدِ الْقَاتِلِينَ كان على شَرِيكِهِ الْقَوَدُ فقال مُحَمَّدٌ لِأَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ قد شَارَكَ من رُفِعَ عنه

الْقَلَمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ما إذَا عَفَا الْوَلِيُّ عن أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ شَارَكَ من الْقَلَمُ جَارٍ عليه فقال الشَّافِعِيُّ هذا بَاطِلٌ بِمَا إذَا شَارَكَ الْأَبَ في قَتْلِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ شَارَكَ من الْقَلَمُ جَارٍ عليه وَمَعَ هذا لَا قَوَدَ عليه عِنْدَك فَأَمَّا الْمُزَنِيّ فإنه تَكَلَّمَ على مَسَائِلِ الشَّافِعِيِّ فإنه قال قد شَرِكَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ فِيمَا أَنْكَرَ عليه فإنه أَسْقَطَ الْقَوَدَ عن شَرِيكِ الْخَاطِئِ وَأَوْجَبَهُ على شَرِيكِ الصَّبِيِّ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قُلْنَا له هذا على الْقَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا في حُكْمِ الْخَطَأِ فَلَا قَوَدَ على شَرِيكِهِ كَمَنْ شَارَكَ الْخَاطِئَ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فَإِنْ قُلْنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ فَعَلَى شَرِيكِهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُزَنِيِّ قد كَسَرَ الشَّافِعِيُّ فَرْقَ مُحَمَّدِ بن الْحَسَنِ فَأَنْتَ أَوْرَدْت كَلَامًا يَنْقُضُ الْكَسْرَ وَإِنَّمَا تُنَاقَضُ الْعِلَلُ فَأَمَّا الْكَسْرُ فَلَا يُنَاقَضُ فَسَقَطَ هذا وقال الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ في تَعْلِيقِهِ في بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ في تَعْلِيلِ جَوَازِ الِاخْتِصَارِ على الْأَسْفَلِ لَمَّا كان أَسْفَلُ الْخُفِّ كَظَاهِرِهِ في أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عليه إذَا كان مُتَمَزِّقًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلُهُ كَأَعْلَاهُ في الِاقْتِصَارِ عليه بِالْمَسْحِ إذَا كان صَحِيحًا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ رَدَّ هذا التَّعْلِيلَ بِأَنَّهُ قِيَاسُ عَكْسٍ فَكَأَنَّهُ رَدَّ قِيَاسَ الْعَكْسِ النَّوْعُ الرَّابِعُ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ وهو أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ وَصْفًا لَازِمًا من لَوَازِمِ الْعِلَّةَ أو أَثَرًا من آثَارِهَا أو حُكْمًا من أَحْكَامِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ في الْجَمِيعِ دَلِيلَ الْعِلَّةِ لَا نَفْسَ الْعِلَّةِ فَالْأَوَّلُ كَقِيَاسِ النَّبِيذِ على الْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُلَازِمَةِ وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا في الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ قَتْلٌ أَثِمَ بِهِ صَاحِبُهُ من حَيْثُ كَوْنُهُ قَتْلًا فَوَجَبَ فيه الْقِصَاصُ كَالْجَارِحِ فَكَوْنُهُ إثْمًا ليس هو بِعِلَّةٍ بَلْ أَثَرٌ من آثَارِهَا وَالثَّالِثُ كَقَوْلِنَا في مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ إنَّهُ قَطْعٌ مُوجِبٌ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ عليهم فَيَكُونُ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عليهم كما لو قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا فَوُجُوبُ الدِّيَةِ على الْجَمَاعَةِ ليس نَفْسَ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بَلْ حُكْمٌ من أَحْكَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ بِدَلِيلِ اطِّرَادِهَا وَانْعِكَاسِهَا كما في الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ وَالْخَطَأُ وَشِبْهِ الْعَمْدُ وَاخْتُلِفَ فيه هل هو قِسْمٌ بِرَأْسِهِ أو هو دَائِرٌ بين الْمَعْنَى وَالشَّبَهِ وقال الْإِمَامُ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ هو ما اشْتَمَلَ على ما لَا يُنَاسِبُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ على مَعْنًى جَامِعٍ ثُمَّ قال وَلَا مَعْنَى لِعَدِّهِ قِسْمًا على حِيَالِهِ فإنه يَقَعُ تَارَةً مُنْبِئًا عن مَعْنًى وَتَارَةً عن

شَبَهٍ وهو في طَوْرَيْهِ لَا يَخْرُجُ عن قِيَاسِ الْمَعْنَى أو الشَّبَهِ وقال الْغَزَالِيُّ في مِعْيَارِهِ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ إذَا كان عِلَّةً لِلْأَكْبَرِ سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ وَسَمَّاهُ الْمَنْطِقِيُّونَ بُرْهَانُ اللِّمَ أَيْ ذِكْرُ ما يُجَابُ بِهِ عن لِمَ وَإِنْ لم يَكُنْ عِلَّةً سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ وَسَمَّاهُ الْمَنْطِقِيُّونَ قِيَاسُ الْبُرْهَانِ أَيْ هو دَلِيلٌ على أَنَّ الْحَدَّ الْأَكْبَرَ مَوْجُودٌ في الْأَصْغَرِ من غَيْرِ بَيَانِ عِلَّةٍ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِك هذا الْإِنْسَانُ شَبْعَانُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْآنَ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ عَكْسُهُ وهو أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالنَّتِيجَةِ على الْمُنْتِجِ فيقول شَبْعَانُ فَإِذًا هو قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْأَكْلِ وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ هذه عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا وفي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ هذه عَيْنٌ لَيْسَتْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا فَإِذًا هِيَ نَجِسَةٌ النَّوْعُ الْخَامِسُ في الْفَارِقِ وقد اُخْتُلِفَ في تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا أو اسْتِدْلَالًا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالثَّانِي قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُقْصَدُ بِهِ التَّسْوِيَةُ وَإِنَّمَا قَصَدَ نَفْيَ الْفَارِقِ بين الْمَحَلَّيْنِ وقد جاء في ضِمْنِ ذلك الِاسْتِوَاءُ في الْعِلَّةِ وَالْقِيَاسُ هو الذي يُبْنَى على الْعِلَّةِ ابْتِدَاءً وَهَذَا لم يُبْنَ على الْعِلَّةِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فيه ضِمْنًا وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَنَازَعَهُ ابن الْمُنِيرِ فإن الْقَائِلَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ يقول اللَّفْظُ مُنْقَطِعُ الدَّلَالَةِ لُغَةً عن الْفَرْعِ سَاكِتٌ عنه وَالْحُكْمُ فيه إنَّمَا يُتَلَقَّى من الْقِيَاسِ الْمَأْذُونِ فيه بِالْإِجْمَاعِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ يقول لَفْظُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْعَ من جِهَةٍ ما لَكِنَّهُمَا اتَّفَقَا على أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْعَ بِالْمُطَابَقَةِ على حَدِّ تَنَاوُلِ الْأَصْلِ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ في مَوْضِعٍ آخَرَ فقال الْوَجْهُ عِنْدَنَا إنْ كان في اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِهِ فَلَا نُسَمِّيهِ قِيَاسًا كَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من أَعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ قُوِّمَ عليه فَهَذَا وَإِنْ كان في ذَكَرٍ فَالْعُبُودِيَّةُ مُسْتَعْمَلَةٌ في الْأَمَةِ وقد قِيلَ لِلْأَمَةِ عَبْدَةٌ وَأَمَّا إذَا كان لم يَكُنْ لَفْظُ الشَّارِعِ مُشْعِرًا بِهِ فَهُوَ قِيَاسٌ قَطْعِيٌّ كَإِلْحَاقِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَرَقَ الْكَلْبِ بِلُعَابِهِ في الْعَدَدِ وَالتَّعْفِيرِ وفي دَعْوَى الْقَطْعِ في الثَّانِي نَظَرٌ

النَّوْعُ السَّادِسُ ما هو أَوْلَى من الْمَنْصُوصِ كَالضَّرْبِ على التَّأْفِيفِ وَسَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ تَنْبِيهٌ أَعْلَى هذه الْأَقْسَامِ ما كان في مَعْنَى الْمَنْصُوصِ حتى اُخْتُلِفَ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ أو قِيَاسٌ وهو الْقَطْعِيُّ ثُمَّ يَلِيهِ قِيَاسُ الْمَعْنَى ثُمَّ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ ثُمَّ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَهِيَ الْمَظْنُونَاتُ وَالْإِلْحَاقُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ تَارَةً يَكُونُ قَطْعِيًّا وَتَارَةً يَكُونُ ظَنِّيًّا لِأَنَّ الْإِلْحَاقَ يَجِيءُ هَكَذَا تَارَةً وَتَارَةً وَيَأْتِي في التَّرْجِيحَاتِ

الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَجْرِي فيه الْقِيَاسُ وَفِيهِ مَسَائِلُ مَسْأَلَةٌ قال ابن عَبْدَانِ في شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ شَرْطُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ حُدُوثُ حَادِثَةٍ تُؤَدِّي الضَّرُورَةُ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِمَا لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى من الْقِيَاسِ قال ابن الصَّلَاحِ وَالْأَوَّلُ يَأْبَاهُ وَضْعُ الْأَئِمَّةِ الْكُتُبَ الطَّافِحَةَ بِالْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ من غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْحَادِثَةِ وَالثَّانِي غَرِيبٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذلك بين الْمُنَاظِرِينَ في مَقَامِ الْجَدَلِ قُلْت وَكَأَنَّهُ جَرَى على ظَاهِرِ حديث مُعَاذٍ فإنه يُفْهِمُ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ وِجْدَانِ النَّصِّ وهو ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْأَصْلُ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ فَإِنْ لم يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ هذا في الْعَمَلِ بِهِ لَا في صِحَّتِهِ في نَفْسِهِ وقد قال أبو زَيْدٍ في التَّقْوِيمِ قال الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ حَادِثَةً فيها نَصٌّ فَيَزْدَادُ بِالْقِيَاسِ ما كان النَّصُّ سَاكِتًا عنه وَلَا يَجُوزُ إذَا كان مُخَالِفًا لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ ظَهَرَ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ الْبَيَانَ الزَّائِدَ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ فَيَبْطُلُ الْقِيَاسُ إذَا جاء مُخَالِفًا وقال إلْكِيَا لَا يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ مع وُجُودِ النَّصِّ وَفَائِدَتُهُ تَشْحِيذُ الْخَاطِرِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ في شُرُوطِ الْفَرْعِ مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْمُقَدَّرَاتِ التي لَا نَصَّ فيها وَلَا إجْمَاعَ بِالْقِيَاسِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ وابن السَّمْعَانِيِّ وَالْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ قال فَأَمَّا الِاسْتِدْلَال على الْمَنْصُوصِ عليها بِالْقِيَاسِ فَجَائِزٌ وِفَاقًا وَحَكَى الْبَاجِيُّ عن أَصْحَابِهِمْ كَقَوْلِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ عن الْجُمْهُورِ من أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وقال إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وقد قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْأُمِّ وَلَا يَقْطَعُ من قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إلَّا من أَخَذَ منهم رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا على السُّنَّةِ في

السَّارِقِ وَيَتَّجِهُ أَنْ يُخَرَّجَ له في هذه قَوْلَانِ من اخْتِلَافِ قَوْلِهِ في تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ الْأَطْرَافَ وَأُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ وَالْحُكُومَاتِ فإنه قال في الْقَدِيمِ لَا يُضْرَبُ على الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الضَّرْبَ على خِلَافِ الْقِيَاسِ لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ في النَّفْسِ فَيَقْتَصِرُ عليها وَلِهَذَا لَا قَسَامَةَ وَلَا كَفَّارَةَ في الْأَطْرَافِ وَالْمَشْهُورُ أنها تُضْرَبُ عليهم كَدِيَةِ النَّفْسِ قِيَاسًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ وقال الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الذي يَثْبُتُ بِهِ الْقِيَاسُ في الشَّرْعِ هو الْأَحْكَامُ الْمُسْتَنْبَطَةُ من النُّصُوصِ فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ وَالْحُدُودُ في الْمَقَادِيرِ فَفِي جَوَازِ اسْتِخْرَاجِهَا بِالْقِيَاسِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ إذَا تَعَلَّقَ بِأَسْمَاءِ الْأَحْكَامِ كَتَسْمِيَةِ النَّبِيذِ خَمْرًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَمْرِ فيه وَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ الْمَقَادِيرَ قِيَاسًا كما قَدَّرْنَا أَقَلَّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ أبي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ جَمِيعَهَا أَحْكَامٌ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ مَأْخُوذَةٌ من اللُّغَةِ دُونَ الشَّرْعِ وَمَعَانِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَالْمَقَادِيرُ مَشْرُوعَةٌ انْتَهَى وفي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ الْأَوَّلَ هو الصَّحِيحُ لَكِنْ نُقِلَ في كِتَابِ الصِّيَامِ عن عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً فَوْقَ كَفَّارَةِ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَدُونَ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ قال وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى خَبَرٍ وَلَا إلَى أَثَرٍ وَلَا قِيَاسٍ حَكَاهُ عنه الرَّافِعِيُّ قال صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وقد حَكَى أَنَّهُ لَا وَقَصَ في النَّقْدَيْنِ فَيَجِبُ فِيمَا زَادَ على النِّصَابِ بِحِسَابِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْمَاشِيَةِ قال وهو فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ في غَيْرِ مَحَلِّهِ سِيَّمَا على رَأْيِهِمْ فإن الْقِيَاسَ في الْمُقَدَّرَاتِ مَمْنُوعٌ انْتَهَى وقال الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا قُلْنَا يَمْسَحُ على الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ هل يَتَقَدَّرُ مُدَّةُ الْمَسْحِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةٍ لِلْمُسَافِرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِنَقْلٍ وَتَوْقِيفٍ ولم يَرِدْ وَنَقَلَ الْقَاضِي في التَّقْرِيبِ وَالشَّيْخُ في اللُّمَعِ عن الْجُبَّائِيُّ مِثْلَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَا وَقِيلَ يَجُوزُ إثْبَاتُ ذلك بِالِاسْتِدْلَالِ دُونَ الْقِيَاسِ وقال آخَرُونَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وقال الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مَنَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ في الزَّكَاةِ وَالْحُدُودِ وَالْمَقَادِيرِ وَرُبَّمَا أَلْحَقَ بها الْكَفَّارَاتِ قال وما من بَابٍ إلَّا وَلَهُمْ فيه ضَرْبٌ من الْقِيَاسِ وَلَا تَعَلُّقَ لهم بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوهُ في الْوَصْفِ إذَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْأَصْلِ وَمَنَعُوهُ في الْإِيجَابِ وَجَوَّزُوهُ في التَّرْكِ انْتَهَى وَذَكَرَ أبو عبد اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ من الْحَنَفِيَّةِ في كِتَابِهِ في الْأُصُولِ أَنَّهُ رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قال فَيَجُوزُ على قَوْلِهِ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ على الْقِيَاسِ وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ في اللُّمَعِ بِأَنَّ هذه الْأَحْكَامَ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَجَازَ إثْبَاتُهَا

بِالْقِيَاسِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَبْطُلُ بِالنَّسْخِ وقد صَارَ الْمُزَنِيّ إلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِثْلُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلْيَكُنْ أَقَلُّهُ مع أَقَلِّهِ كَذَلِكَ وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَقَدْ خَالَفُوا الْأَصْلَ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ مَنَعَ أَصْحَابُ أبي حَنِيفَةَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وقال أبو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَلِهَذَا مَنَعَ من قَطْعِ النَّبَّاشِ بِالْقِيَاسِ وَمَنَعَ من إيجَابِ الْحَدِّ على اللِّوَاطِ بِالْقِيَاسِ وَمَنَعَ من الصَّلَاةِ بِإِيمَاءِ الْحَاجِبِ بِالْقِيَاسِ وَمَنَعَ من إيجَابِ الْكَفَّارَةِ في قَتْلِ الْعَمْدِ بِالْقِيَاسِ قال وَلَا فَرْقَ في الْكَفَّارَاتِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ وَبَيْنَ ما لَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُقُوبَاتِ وَمَنَعَ أَيْضًا من إثْبَاتِ النُّصُبِ بِالْقِيَاسِ قال وَلِهَذَا الْأَصْلِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْفُصْلَانِ وَصِغَارِ الْغَنَمِ وَالْأَصَحُّ على مَذْهَبِنَا جَوَازُ الْقِيَاسِ في الْمَقَادِيرِ وَمَنَعَ الْكَرْخِيّ أَيْضًا أَنْ يُعَلَّلَ ما رُخِّصَ فيه لِنَوْعِ مُسَاهَلَةٍ كَأُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَقَطْعِ السَّارِقِ وَالِاسْتِصْنَاعِ على أُصُولِهِمْ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فيه مِثْلُ الْخِفَافِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرِ ذلك وقد تَتَبَّعَ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُمْ وَأَبَانَ أَنَّهُمْ لم يَفُوا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ فقال الشَّافِعِيُّ أَمَّا الْحُدُودُ فَقَدْ كَثُرَتْ أَقْيِسَتُكُمْ فيها تَعَدَّيْتُمُوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ وهو في مَسْأَلَةِ شُهُودِ الزِّنَى فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحَدَّ في تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَنَصُّوا أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَدْ قَاسُوا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ على الْإِفْطَارِ بِالْوِقَاعِ وَقَاسُوا قَتْلَ الصَّيْدِ نَاسِيًا على قَتْلِهِ عَامِدًا مع تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ في قَوْله تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَاسُوا فيها وَمِمَّا أَفْحَشُوا في ذلك تَقْدِيرُ عَدَدِ الدِّلَاءِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلُوا تَقْدِيرًا على تَقْدِيرٍ فَقَدَّرُوا لِلْحَمَامِ غير تَقْدِيرِ الْعُصْفُورِ وَالْفَأْرَةِ وَقَدَّرُوا الدَّجَاجَةَ على تَقْدِيرِ الْحَمَامَةِ وَقَدَّرُوا الْخِرْصَ بِالْقُلَّتَيْنِ في الْعُشْرِ وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَدْ قَاسُوا فيها وَتَنَاهَوْا في الْقَصْدِ فإن الِاقْتِصَارَ على الْأَحْجَارِ في الِاسْتِجْمَارِ من أَظْهَرِ الرُّخَصِ ثُمَّ اعْتَقَدُوا أَنَّ كُلَّ نَجَاسَةٍ نَادِرَةٍ أو مُعْتَادَةٍ مَقِيسَةٌ على الْأَثَرِ اللَّاصِقِ بِمَحَلِّ النَّجْوِ وَانْتَهَوْا في ذلك إلَى نَحْوِ نَفْيِ إيجَابِ اسْتِكْمَالِ الْأَحْجَارِ مع قَطْعِ كل مُنْصِفٍ بِأَنَّ الَّذِينَ عَاصَرُوا النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم فَهِمُوا هذا التَّخْفِيفَ منه في هذا الْمَوْضِعِ لِشِدَّةِ الْبَلْوَى ثُمَّ قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ شَنِيعِ ما قالوا في الرُّخَصِ إثْبَاتُهُمْ لها على خِلَافِ وَضْعِ الشَّرْعِ فيها فَإِنَّهَا شُرِعَتْ تَخْفِيفًا وَإِعَانَةً على ما يُعَانِيهِ الْمَرْءُ في سَفَرِهِ من كَثْرَةِ أَشْغَالٍ قَاسُوهَا في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَهَذَا الذي ذَكَرُوهُ يَزِيدُ على الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ تَقْدِيرُ الْمَنْصُوصِ عليه قَرَارُهُ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ وَهَذَا قَلْبُ الْمَوْضُوعِ الْمَنْصُوصِ في

الرُّخَصِ الْكُلِّيَّةِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَلَيْسَ كُلٌّ من هذه الْمَذْكُورَاتِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ فيها بَلْ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ جَازَ أَنْ يُسْتَنْبَطَ منه مَعْنًى مُخَيَّلٌ من كِتَابٍ أو سُنَّةٍ فإنه مُعَلَّلٌ وما لَا يَصِحُّ منه مِثْلُ هذا لَا يُعَلَّلُ سَوَاءٌ كان من الْحُدُودِ أو الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ قد تَنْقَسِمُ الْعِلَلُ أَقْسَامًا فَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ لَا تَفْصِيلُهُ وهو كُلُّ ما يُمْكِنُ إبْدَاءُ مَعْنًى من أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَقِسْمٌ يُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ وَتَفْصِيلُهُ لِعَدَمِ اطِّرَادِ التَّعْلِيلِ في التَّفَاصِيلِ وَقِسْمٌ آخَرُ لَا تُعَلَّلُ جُمْلَتُهُ لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ جُمْلَتِهِ تُعَلَّلُ تَفَاصِيلُهُ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَازَةِ وَفُرُوعِ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ وقد يُوجَدُ قِسْمٌ لَا يَجْرِي التَّعْلِيلُ في جُمْلَتِهِ وَتَفَاصِيلِهِ كَالصَّلَاةِ وما تَشْتَمِلُ عليه من الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا يَدْخُلُ فيه الزَّكَاةُ وَمَقَادِيرُ الْأَنْصِبَةِ وَالْأَوْقَاصُ انْتَهَى وقال إلْكِيَا نُقِلَ عن زُعَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ في التَّقْدِيرَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ وَلِذَلِكَ مَنَعُوا إثْبَاتَ حَدِّ السَّارِقِ في الْمُخْتَلِسِ وَحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ ما يَدُلُّ على ذلك فإنه لم يُثْبِتْ لِهَذَا الْمُحْصَرِ بَدَلًا عن الصَّوْمِ وقال إنَّهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ عِبَادَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وكان يقول إنَّ النُّصُبَ لَا يَصِحُّ أَنْ تُبْتَدَأَ بِقِيَاسٍ وَلَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ اعْتَدَّ في إسْقَاطِ الزَّكَاةِ في الْفَصِيلِ وكان يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ في نُصُبِ ما قد يَثْبُتُ الزَّكَاةُ فيها كما يُجَوِّزُ أَنْ يَعْمَلَ الْقِيَاسُ في صِفَةِ الْعِبَادَةِ من وُجُوبٍ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ في إثْبَاتِ النِّصَابِ فِيمَنْ زَادَ على الْمِائَتَيْنِ وفي وُجُوبِ الْوَتْرِ فَقِيلَ لهم تَكَلَّمَ الناس في الْحُدُودِ وَالْأَيْمَانِ بِالْقِيَاسِ فَأَجَابُوا أَنَّهُ ليس لِأَجْلِ إثْبَاتِ حَدٍّ بِهِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا لِبَيَانِ الشُّبَهِ الْمُسْقِطَةِ له مع تَحَقُّقِ إثْبَاتِهَا وَسُقُوطُ الْحَدِّ ليس بِحَدٍّ فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ وَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ على الْقَتْلِ قِيَاسًا على الْمُجَامِعِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ وَعَلَى الْمُجَامِعِ نَاسِيًا في الْإِحْرَامِ كما لو قَتَلَ الصَّيْدَ خَطَأً وَلَيْسَ في ذلك شَيْءٌ من نَصٍّ وَلَا عُمُومٍ وَلَا إجْمَاعٍ فَأَجَابُوا بِأَنَّ هذا لم نَعْلَمْهُ قِيَاسًا بَلْ اسْتِدْلَالًا بِالْأُصُولِ على الْأَحْكَامِ مُغَايِرٌ لِلْقِيَاسِ لِنَحْوِ السِّرِّ وَهَذَا كُلُّهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فيها غَيْرُ الْقِيَاسِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلك وَأَطَالَ وقال الذي يَسْتَقِيمُ مَذْهَبًا لِلْمُحَصِّلِ على ما يَرَاهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قال ذلك في إجْرَاءِ الْقِيَاسِ في أُصُولِ الْكَفَّارَاتِ وَأُصُولِ الْحُدُودِ كَإِلْحَاقِ الرِّدَّةِ وَالْقَذْفِ بِالْقَتْلِ في الْكَفَّارَةِ وَكَإِلْحَاقِ من يُكَاتِبُ وَيُطْلِعُهُمْ على عَوْرَاتِنَا بِالسَّارِقِ من حَيْثُ إنَّ ذلك يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ في عَلَائِقِ غَيْبٍ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ فَانْعَدَمَ طَرِيقُ الْقِيَاسِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ من حَيْثُ إنَّ الذي يُكَاتِبُ الْكُفَّارَ وَإِنْ زَادَ ضَرَرُ فِعْلِهِ على ضَرَرِ السَّارِقِ الْوَاحِدِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ إلَى سَارِقٍ وَاحِدٍ أَمَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجِنْسِ فَلَا من حَيْثُ إنَّ السَّرِقَةَ

مِمَّا يَتَشَوَّفُ إلَيْهَا الرَّعَاعُ بِخِلَافِ مُكَاتَبَةِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُوجَدُ أو لَا يَظْهَرُ اسْتِوَاءُ السَّبَبِ فَكُلُّ ما كان من هذا الْجِنْسِ فَلَا يَجْرِي فيه الْقِيَاسُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَشَارَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى أَنَّ الْجَارِيَ في الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ ليس قِيَاسًا بَلْ هو تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ وَكَذَلِكَ في الْأَسْبَابِ وَنَازَعَهُ الْعَبْدَرِيّ في الْأَسْبَابِ وقال هِيَ تَخْرِيجٌ لَا تَنْقِيحٌ الثَّانِي قال بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِجَرَيَانِهِ في الْحُدُودِ زِيَادَةُ عُقُوبَةٍ في الْحَدِّ لِوُجُودِ عِلَّةٍ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ كَزِيَادَةِ التَّعْزِيرِ في حَقِّ الشُّرْبِ وَتَبْلِيغِهِ إلَى ثَمَانِينَ قِيَاسًا على حَدِّ الْقَذْفِ أَمَّا إنْشَاءُ حَدٍّ بِالْقِيَاسِ على حَدٍّ فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ الثَّالِثُ ذَكَرَ في الْمَحْصُولِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ في اللُّمَعِ أَنَّ الْعَادَاتِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فيها وَمَثَّلَهُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِتَمْثِيلِ الْمَاوَرْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ السَّابِقِ لِأَنَّهُ مَثَّلَ بِهِ لِلْمَقَادِيرِ وقد خَطَّأَ من قَاسَ في الْعِبَادَاتِ بِأَنَّ هذه أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ لِإِثْبَاتِ ذلك الْمَوْجُودِ في مَحَلٍّ آخَرَ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوُجُودِيَّةَ لَا تَطَّرِدُ على نِظَامٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ ليس حُكْمًا شَرْعِيًّا حِينَئِذٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فَإِنْ كانت الْعَادَةُ مَوْجُودَةً في هذا الْفَرْعِ أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فيها فَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْفَرْعِ حِينَئِذٍ في سَبَبِ الْحُكْمِ وَإِنْ لم يُبَيَّنْ وُجُودُهُ فَالْحُكْمُ مُثْبِتٌ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ الرَّابِعُ أَنَّ سَبَبَ وَضْعِ هذه الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ ابن الْمُنِيرِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قد اُشْتُهِرَ عنه الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ وَالْإِقْبَالُ على الرَّأْي وَالتَّقْلِيلُ من التَّوْقِيفِ وَالْأَحَادِيثِ فَتَبَرَّأَ أَصْحَابُهُ من ذلك فَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا من الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ في كَثِيرٍ من الْقَوَاعِدِ التي قَاسَ فيها أَصْحَابُ الحديث قُلْت وَكَذَلِكَ مَنَعَهُمْ من التَّعْلِيلِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّا أَقْوَلُ بِالْقِيَاسِ منهم الْخَامِسُ سَبَقَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَ الْقِيَاسَ في الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ على الْمُفْطِرِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَالشَّافِعِيُّ مع أَنَّهُ حُكِيَ عنه جَوَازُ الْقِيَاسِ فيها فإنه لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ في غَيْرِ الْوِقَاعِ وَلِهَذَا قال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ما أَجْدَرَ كُلًّا من الْإِمَامَيْنِ أَنْ يَنْتَحِلَ في هذه الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ يَعْنِي أَنَّ قِيَاسَ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ في الْكَفَّارَاتِ عَدَمُ

تَخْصِيصِهَا بِالْوِقَاعِ دُونَ سَائِرِ الْمُفْطِرَاتِ وَقِيَاسُ عَدَمِ الْقِيَاسِ عَدَمُ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ في غَيْرِ الْوِقَاعِ وَهَذَا الْقَوْلُ جَهْلٌ بِمَدَارِكِ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَثْبَتُوا بِالْحَدِيثِ الْمَأْمُورَ بِهِ بِالْكَفَّارَةِ بِمُطْلَقِ الْإِفْطَارِ فَهَذَا الْمُطْلَقُ هو الْمُقَيَّدُ بِالْجِمَاعِ وقد يُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى الْخِلَافُ في الْقِيَاسِ في الْكَفَّارَاتِ على أَنَّهُ هل يَجِبُ على الْمُجْتَهِدِ الْبَحْثُ عن كل مَسْأَلَةٍ هل يَجْرِي الْقِيَاسُ فيها أَمْ لَا وَهَلْ قام الدَّلِيلُ على أَنَّ أَدِلَّةَ الْقِيَاسِ عَامَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِ الْمَسَائِلِ وَأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ في صُورَةِ الْخِلَافِ الْخَاصَّةِ صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ في نَظَرِ الشَّرْعِ وَخَلِيَّةٌ عن الِاعْتِبَارِ وقد أَشَارَ ابن السَّمْعَانِيِّ إلَى هذا الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ مَسْأَلَةٌ قال في الْمَحْصُولِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقِيَاسِ في الرُّخَصِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ فِيمَا سَبَقَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْبُوَيْطِيِّ على امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فقال في أَوَائِلِهِ لَا يُتَعَدَّى بِالرُّخْصَةِ مَوَاضِعُهَا وقال في الْأُمِّ لَا يُقَاسُ عليه وَكَذَلِكَ إنْ حَرَّمَ جُمْلَةً وَأَحَلَّ بَعْضَهَا وَكَذَلِكَ إنْ فَرَضَ شيئا رَخَّصَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم التَّخْفِيفَ في بَعْضِهِ ثُمَّ قال وما كان له حُكْمٌ مَنْصُوصٌ ثُمَّ كانت لِرَسُولِهِ سُنَّةٌ بِتَخْفِيفٍ في بَعْضِ الْفَرْضِ دُونَ بَعْضٍ عُمِلَ بِالرُّخْصَةِ فِيمَا رَخَّصَ فيه دُونَ ما سِوَاهَا ولم نَقِسْ ما سِوَاهَا عليها وَهَكَذَا ما كان لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم من حُكْمٍ عَامٍّ لِشَيْءٍ ثُمَّ سَنَّ فيه سُنَّةً تُفَارِقُ حُكْمَ الْعَامِّ كَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَالْعَرَايَا هذا لَفْظُهُ وَذَكَرَ في الرِّسَالَةِ مثله وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ من الْأُمِّ وَلَا يُقَاسُ إلَّا ما عَقَلْنَا مَعْنَاهُ وَلِهَذَا قُلْنَا في الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا عِمَامَةٌ وَلَا بُرْقُعٌ وَلَا قُفَّازَانِ وَكَذَلِكَ الْقَسَامَةُ وفي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَالتَّحَلُّلُ رُخْصَةٌ فَلَا يُتَعَدَّى بها مَوَاضِعُهَا كما أَنَّ الْمَسْحَ على الْخُفِّ رُخْصَةٌ فلم يُقَسْ عليه مَسْحُ الْعِمَامَةِ انْتَهَى وَجَرَى على ذلك جَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا منهم الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فقال لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا على الرُّخَصِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَكُونُ مَعْدُولًا بها عن الْأَصْلِ وما عَدَا مَحَلِّ الرُّخْصَةِ يَبْقَى على الْأَصْلِ وقال الْقَاضِي الْحُسَيْنُ في تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ في الرُّخَصِ وَلِهَذَا لَمَّا كان الْأَصْلُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ رُخِّصَ في مَحَلِّ الْخُفِّ الْمَسْحُ لِلضَّرُورَةِ

فَلَا يُقَاسُ عليه مَسْحُ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ من تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ لَا يَنْقَضِي عنه إلَّا بِالْإِتْمَامِ وَرُخِّصَ لِلْمُحْصَرِ بِالْعَدْوِ في التَّحَلُّلِ ثُمَّ لَا يُقَاسُ عليه الْمَصْدُودُ بِالْمَرَضِ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمَيِّتُ فَأَوْجَبَ الْغُرَّةَ في الْجَنِينِ لَا على الْقِيَاسِ ثُمَّ لَا يُقَاسُ عليه سَائِرُ الرُّخَصِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ تُوجِبُ على الْجَانِي فَاسْتَثْنَى منه جِنَايَةَ الْخَطَأِ ثُمَّ لَا يُقَاسُ عليها غَيْرُهَا وقال إلْكِيَا إنَّمَا نَمْنَعُ الْقِيَاسَ على الرُّخَصِ إذَا كانت مَبْنِيَّةً على حَاجَاتٍ خَاصَّةٍ لَا تُوجَدُ في غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ يُعْتَبَرُ بِالْمُسَافِرِ في رُخَصِ السَّفَرِ إذْ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ تَخْصِيصِ الشَّرْعِ وقد يَمْتَنِعُ أَيْضًا مع شُمُولِ الْحَاجَةِ إذَا لم يَبِنْ عِنْدَنَا اسْتِوَاءُ السَّبَبَيْنِ في الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى شَرْعِ الْقَصْرِ مع أَنَّ الْمَرِيضَ خُفِّفَ عنه في بَعْضِ الْجِهَاتِ ذلك في الرُّخْصَةِ سَدًّا لِحَاجَتِهِ كَالْقُعُودِ في الصَّلَاةِ وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ في الْأَرْكَانِ مُقَابِلٌ لِلتَّخْفِيفِ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ انْتَهَى وَأَلْحَقَ الْقَاضِي عبد الْوَهَّابِ الْقِيَاسَ على الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ على الْمَخْصُوصِ وَسَيَأْتِي فيه التَّفْصِيلُ الْآتِي قال وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ عنه لِأَنَّ عِلَّتَهُ قَاصِرَةٌ عليه لَا من حَيْثُ كَوْنُهُ رُخْصَةً وقال الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بين أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلرُّخْصَةِ مَعْنًى فَلَا يُقَاسُ عليها وَبَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فَيُقَاسُ وَيَنْزِلُ الْخِلَافُ على هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَرَأَيْت في كَلَامِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْصِيلَ بين أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عليه مَنْصُوصًا فَيَجُوزُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا فَلَا فَحَصَلَ مَذَاهِبُ أَمْثِلَةٌ لِلْقِيَاسِ في الرُّخَصِ وقد اسْتَعْمَلَ أَصْحَابُنَا الْقِيَاسَ في الرُّخَصِ فِيمَا سَبَقَ فَلْنُشِرْ إلَى ذلك أَدْنَى إشَارَةٍ فإنه يَعِزُّ اسْتِحْضَارُهُ وَمِنْهَا أَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِالْأَجَلِ وَجَوَّزَهُ أَصْحَابُنَا حَالًّا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مع الْغَرَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ حَالًّا أَوْلَى لِقِلَّةِ الْغَرَرِ وقد يُنَازَعُ في كَوْنِهِ هذا قِيَاسًا وَإِنَّمَا هو من بَابِ دَلَالَةِ الْفَحْوَى أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وفي كَوْنِهَا قِيَاسًا خِلَافٌ على أَنَّ الْغَزَالِيَّ في الْمُسْتَصْفَى أَبْدَى في كَوْنِ السَّلَمِ رُخْصَةً احْتِمَالَيْنِ له وَمِنْهَا ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عن الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ على النَّخْلِ بِالتَّمْرِ ثُمَّ وَرَدَ التَّرْخِيصُ في الْعَرَايَا وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ على النَّخْلِ بِتَمْرٍ في الْأَرْضِ كَذَلِكَ مُفَسَّرًا من طَرِيقِ زَيْدِ بن ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ وَأَلْحَقَ أَصْحَابُنَا بِهِ الْعِنَبَ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ

خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ بِالسَّنَةِ فَكَانَ كَالرُّطَبِ وَإِنْ لم يَشْمَلْهُ الِاسْمُ قال ابن الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ في الْأُمِّ يَدُلُّ على أَنَّ الْأَصْلَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ مَقِيسٌ عليه وَلَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ في الْحَاوِي حَكَى خِلَافًا فقال اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هل جَازَتْ الرُّخْصَةُ في الْكَرْمِ نَصًّا أو قِيَاسًا على وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وهو قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهَا نَصٌّ فَرَوَوْا عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ أَنَّ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أَرْخَصَ في الْعَرَايَا وَالْعَرَايَا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالثَّانِي وهو قَوْلُ أبي عَلِيِّ بن أبي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ من الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّهَا جَازَتْ قِيَاسًا على النَّخْلِ لِبُرُوزِ ثَمَرَتِهَا وَإِمْكَانِ الْخَرْصِ فِيهِمَا وَتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِمَا قُلْت وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الثَّانِي وهو الذي يَدُلُّ عليه كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وما ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ غَيْرُ ثَابِتٍ بَلْ الْمَعْرُوفُ عنه خِلَافُهُ وقد رَوَى الْبُخَارِيُّ عنه في صَحِيحِهِ أَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ بَعْدَ ذلك في بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أو بِالتَّمْرِ ولم يُرَخَّصْ في غَيْرِهِ وَمِنْ تَوَابِعِ ذلك أَنَّهُ هل يَلْتَحِقُ بِهِمَا ما سِوَاهُمَا من الْأَشْجَارِ قَوْلَانِ مَدْرَكُهُمَا جَوَازُ الْقِيَاسِ في الرُّخَصِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَاسْتُثْنِيَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ فيه يُسْتَثْنَى بَاقِي الْأَوْقَاتِ في يَوْمِ الْجُمُعَةِ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نعم كَوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ تَخْصِيصًا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَفْضِيلًا له وَأَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قد وَرَدَتْ في وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ خَاصَّةً فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ لِقُوَّةِ عُمُومِ النَّهْيِ وَمِنْهَا الرُّخْصَةُ في مَسْحِ الْخُفِّ وَرَدَتْ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ على الضَّرُورَةِ فَلَا يُلْحَقُ بها الْجُرْمُوقُ على الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِهِ وَاسْتَشْكَلَ هذا بِتَجْوِيزِ الْمَسْحِ على الْخُفِّ الزُّجَاجِ وَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ وَمِنْهَا لو مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ كَفَى وهو الْأَكْمَلُ لِوُرُودِهِ في مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ من حديث جَابِرٍ وفي الِاقْتِصَارِ على الْأَسْفَلِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَيَقْتَصِرُ على الْوَارِدِ وَمِنْهَا التَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ رُخْصَةً لِلضَّرُورَةِ وفي جَوَازِهِ لِلنَّافِلَةِ

خِلَافٌ وَمِنْهَا النِّيَابَةُ في حَجِّ الْفَرْضِ عن الْمَعْضُوبِ رُخْصَةٌ كما صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اسْتَنَابَ في حَجِّ التَّطَوُّعِ جَازَ في الْأَصَحِّ وَمِنْهَا أَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِيمَنْ أَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَجُوزُ له التَّرَخُّصُ بِغَيْرِ ذلك لَكِنْ هل يَتَعَدَّى هذا الْحُكْمُ لِبَاقِي الرُّخْصِ من الْجَمْعِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ وَغَيْرِهَا لم يَتَعَرَّضْ له الْجُمْهُورُ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِنَاءً على جَوَازِ الْقِيَاسِ في الرُّخْصَةِ وقد نَصَّ عليه الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ من جِهَةِ أَنَّا مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ على هذه الْمُدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَصْرِ مع وُرُودِ أَصْلِهِ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ رُخَصُ ما لم يَرِدْ أَصْلُهُ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بين الصَّلَاتَيْنِ بِالْمَطَرِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ وَقِيلَ لَا يُرَخَّصَانِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْمَطَرِ وَمِنْهَا قال الرُّويَانِيُّ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بين الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ تَأْخِيرًا وَكَذَا تَقْدِيمًا في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ رُخْصَةٌ في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يُقَاسُ عليه وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَا تَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ بَلْ لو رَكِبَ الْإِنْسَانُ سَيْلًا يَخَافُ الْغَرَقَ وَغَيْرَهُ من أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فإنه يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ قِيَاسًا على الصَّلَاةِ في الْقِتَالِ وَأَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في النِّهَايَةِ إذْ قال من أَصْلِكُمْ أَنَّ الرُّخَصَ لَا تُتَعَدَّى مَوَاضِعُهَا وَلِذَلِكَ لم يُثْبِتُوا رُخَصًا في حَقِّ الْمَرِيضِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هذا بِالنَّصِّ وهو عُمُومٌ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ وَالثَّانِي أَنَّا نُجَوِّزُ الْقِيَاسَ في الرُّخَصِ إذَا لم يَمْنَعْ مَانِعٌ وَالْإِجْمَاعُ يَمْنَعُ من إجْرَاءِ رُخَصِ السَّفَرِ في الْمَرَضِ وَمِنْهَا أَنَّ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَجُوزُ في الْجَدِيدِ وَيَجُوزُ في الْقَدِيمِ لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا

عُدِمَ الْهَدْيُ وفي جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ وَالرُّخْصَةُ في حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَمِنْهَا قال الرَّافِعِيُّ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْمُسَاقَاةِ على النَّخْلِ وَالْكَرْمِ في مَعْنَاهُ وفي الْكِفَايَةِ قِيلَ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَاسَ على النَّخْلِ وَقِيلَ أَخَذَهُ من النَّصِّ وَمِنْهَا الْمَبِيتُ بِمِنًى لِلْحَاجِّ وَاجِبٌ وقد رُخِّصَ في تَرْكِهِ لِلرُّعَاةِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِمْ الْمَعْذُورُ كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَرِيضٌ مَنْزُولٌ بِهِ مُحْتَاجٌ لِتَعَهُّدِهِ أو كان بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ عليه الْمَبِيتُ أو له بِمَكَّةَ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ فيه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نعم قِيَاسًا على الْعُذْرِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ لهم خَاصَّةً قال في الْبَحْرِ فَلَوْ عَمِلَ أَهْلُ الْعَبَّاسِ أو غَيْرُهُمْ في غَيْرِ سِقَايَتِهِ هل يَجُوزُ لهم تَرْكُ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا وَالثَّانِي نعم قِيَاسًا عليهم وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أبو حَامِدٍ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ في الْأَوْسَطِ على أَنَّهُ لَا يُشْرِكُهُ بَاقِي السِّقَايَاتِ وَبِهَذَا يَعْتَرِضُ على تَصْحِيحِهِ في الرَّوْضَةِ الْجَوَازَ الْقِيَاسُ في الْمُقَدَّرَاتِ مِيقَاتُ الْمُحْرِمِ من الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَاخْتَلَفُوا هل هو بِالنَّصِّ عليه كَبَاقِي الْمَوَاقِيتِ أو بِاجْتِهَادِ عُمَرَ فيه وَجْهَانِ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ الثَّانِيَ وهو نَصُّ الْإِمَامِ في الْأُمِّ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ الْأَوَّلَ كما قَالَهُ في شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَوْ جاء الْغَرِيبُ من نَاحِيَةٍ لَا يُحَاذِي في طَرِيقِهِ مِيقَاتًا لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا لم يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إلَّا مَرْحَلَتَانِ قِيَاسًا على قَضَاءِ عُمَرَ في تَأْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الشَّرْقِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَفَقُّهًا وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الْقِيَاسُ في الْكَفَّارَاتِ منها الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْعُدْوَانِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوهَا قِيَاسًا وَمِنْهَا لو رَأَى مُشْرِفًا على الْهَلَاكِ يَغْرَقُ أو غَيْرُهُ وكان في تَخْلِيصِهِ الْإِفْطَارُ لَزِمَهُ وَيَقْضِي وفي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ قِيَاسًا على الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ

وَمِنْهَا وهو مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ من أَفْطَرَ عَمْدًا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ في رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لم يَرِدْ فيه تَوْقِيفٌ الْقِيَاسُ في الْجَوَابِرِ على الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَيَجِبُ على الْقَارِنِ بِالْقِيَاسِ فإن أَفْعَالَ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ من أَفْعَالِ الْقَارِنِ وإذا وَجَبَ عليه الدَّمُ فَلَأَنْ يَجِبَ على الْقَارِنِ أَوْلَى وهو دَمُ حُرْمَةٍ على الْأَصَحِّ لَا نُسُكٍ وَدَمُ فَوَاتِ الْحَجِّ كَدَمِ التَّمَتُّعِ في التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ على الْمَذْهَبِ لِأَنَّ دَمَ الْمُتَمَتِّعِ إنَّمَا وَجَبَ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ من الْمِيقَاتِ وَالنُّسُكُ الْمَتْرُوكُ في صُورَةِ الْفَوَاتِ أَعْظَمُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ في الْمَفْهُومِ الْأَوْلَى أَنَّهُ من بَابِ الْقِيَاسِ الْقِيَاسُ في الْأَحْدَاثِ قال في الْبُرْهَانِ لَا يَجْرِي في الطَّهَارَاتِ وَالْأَحْدَاثِ لِعَدَمِ اطِّلَاعِنَا على ضَبْطِ أَهْلِهَا قال الْقَاضِي وَكَمَا لَا تَثْبُتُ الْأَحْدَاثُ بِالْقِيَاسِ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ أَيْضًا في الْأَحْدَاثِ فإن الْقِيَاسَ كما لَا يَهْتَدِي لِتَأْقِيتِ الطَّهَارَةِ لَا يَهْتَدِي لِنَفْيِ إثْبَاتِهَا وقال في الْقَوَاطِعِ قِيلَ إنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ في الْأَحْدَاثِ وَتَفَاصِيلِهَا وَالْوُضُوءِ وَتَفَاصِيلِهِ بَلْ يَتْبَعُ مَحْضَ النَّصِّ وَقِيلَ إنَّ الْوُضُوءَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فإنه مُشْعِرٌ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّنْقِيَةِ وَقِيلَ الصَّلَاةُ يُعْقَلُ فيها الْخُشُوعُ وَالِاسْتِكَانَةُ قُلْت وَمِنْ فُرُوعِهِ لو مَسَّ ذَكَرَهُ بِدُبُرِ غَيْرِهِ قال الْإِمَامُ في النِّهَايَةِ لَا يَنْتَقِضُ وفي الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ لِأَنَّهُ مَسَّهُ بِالْآلَةِ التي تَمَسُّ بها هذا الْمَحَلَّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تُثْبِتُ قِيَاسًا ولم يَرِدْ إلَّا في الْيَدِ كما أَنَّا لم نُعَدِّهِ إلَّا في الْأَمْرَدِ وَإِنْ وُجِدَ الْمَعْنَى قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَقَالُوا أَصْلُهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى وهو الثِّقَةُ وَحُصُولُ الظَّنِّ وَالْغَفْلَةُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِنَّ من الذُّهُولِ وَالْغَفْلَةِ وَأَمَّا أَصْلُ عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ فَمَعْقُولُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ فيها أَنْوَاعًا من التَّعَبُّدَاتِ فَلَزِمَ اتِّبَاعُهَا وَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا وَتَعَدِّيهَا انْتَهَى مَسْأَلَةٌ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ في الْعَقْلِيَّاتِ الْأَكْثَرُونَ مِنَّا وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كما قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ على جَرَيَانِ

الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ في الْعَقْلِيَّاتِ أَيْ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ كَقَوْلِنَا في مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ اللَّهُ مَوْجُودٌ وَكُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ فَيَكُونُ مَرْئِيًّا وَحَكَى ابن سُرَيْجٍ في كِتَابِهِ الْإِجْمَاعَ على اسْتِعْمَالِهِ قال وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا في الشَّرْعِيِّ ثُمَّ قِيلَ قَطْعِيٌّ وَالْمُحَقِّقُونَ منهم الْإِمَامُ الرَّازِيَّ على أَنَّهُ ظَنِّيٌّ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وقال ابن بَرْهَانٍ الْقِيَاسُ الْقَطْعِيُّ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ في إثْبَاتِ الْقَطْعِيَّاتِ بِخِلَافِ الظَّنِّيِّ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فيها الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ لَا يُسْتَفَادُ من الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْغَزَالِيُّ إلَى الْمَنْعِ وَحَكَاهُ في الْبُرْهَانِ عن أَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ قال وَلَيْسُوا مُنْكِرِينَ أَيْضًا نَظَرَ الْعَقْلِ إلَى الْعِلْمِ وَلَكِنْ يَنْهَوْنَ عن مُلَابَسَتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ قال الصَّيْرَفِيُّ الْعَقْلُ وُضِعَ لِإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ على ما هِيَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ انْتِقَالُهُ عن هذا أَبَدًا قال وَإِنَّمَا أَخْطَأَ الناس في نَفْيِ الْقِيَاسِ في الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُمْ رَامُوا جَعْلَ الْعَقْلِيَّاتِ كَالْمُوجَبِ في الشَّرْعِ فلما لم يَجُزْ أَحَالُوهُ وَلَوْ سَلَكُوا بِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقَهُ لَأَصَابُوا وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَطْلَقَ النَّقَلَةُ الْقِيَاسَ وأنا أَقُولُ إنْ عَنَوْا النَّظَرَ الْفِعْلِيَّ فَهُوَ في نَوْعِهِ مُفْضٍ إلَى الْعِلْمِ إذَا اسْتَجْمَعَ شَرَائِطَهُ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وَإِنْ عَنَوْا بِهِ اعْتِبَارَ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَاسْتِثَارَةَ مَعْنًى في قِيَاسٍ غَائِبٍ على شَاهِدٍ فَذَاكَ بَاطِلٌ عِنْدِي قُلْت وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْنُوا بِهِ الْأَوَّلَ فإن الْقِيَاسَ لَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً على النَّظَرِ الْمَحْضِ قال الْأَصْفَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قال بِجَرَيَانِ الْقِيَاسِ في الْعَقْلِيَّاتِ جَمَعَ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا الْعِلَّةُ كَقَوْلِنَا الْعَالَمِيَّةُ في الشَّاهِدِ حَاصِلَةٌ اتِّفَاقًا فَكَذَا في الْغَائِبِ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْلِيمِ بِالشَّاهِدِ إنَّمَا كان لِلْعَالَمِيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِهِ لِلْعِلْمِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ في الْغَائِبِ فَيَكُونُ له الْعِلْمُ وَهَذَا جَمْعٌ بِالْعِلَّةِ ثَانِيهَا الْجَمْعُ بِالدَّلِيلِ قالوا الْإِتْقَانُ في الشَّاهِدِ دَلِيلُ الْعِلْمِ وَأَفْعَالُ اللَّهِ مُتْقَنَةٌ فَيَكُونُ عَالِمًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْعِلْمِ ثَالِثُهَا الْجَمْعُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِنَا الْعِلْمُ من الشَّاهِدِ شَرْطُهُ الْحَيَاةُ وَاَللَّهُ عَالِمٌ فَيَكُونُ حَيًّا رَابِعُهَا الْجَمْعُ بِالْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَقَوْلِنَا الْمُرِيدُ من قَامَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ وَهَذِهِ

طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ من الْمُتَكَلِّمِينَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ تُفِيدُ الْعِلْمَ وَالْمَطْلُوبُ في هذه الْمَسَائِلِ إنَّمَا هو الْعِلْمُ

مسألة جريان القياس في اللغات
في جريان القياس في اللغات وجهان وقد سبقت في مباحث اللغات بتحريرها ونقولها والذي نذكره هاهنا أنه ليست هذه المسألة مسألة التعليل بالاسم بل تلك في أنه هل يناط حكم شرعي باسم وهذه في أنه هل يسمى شيء باسم شيء آخر لغة لجامع والقياس الشرعي إلحاق فرع بأصل في حكمه وقال أبو الحسين في المعتمد اختلفوا في العلة هل هي دليل على اسم الفرع ثم تعلق به حكم شرعي أو يدل ابتداء على حكم شرعي فحكى عن ابن سريج أنه قال إنما ثبت بالقياس الأسماء في الشرع ثم تعلق عليها الأحكام فكان يتوصل إلى أن الشفعة تركة ثم يجعلها موروثة وأن وطء البهيمة زنى ثم تعلق به الحد وبعض الشافعية كان يقيس النبيذ على الخمر في تسميته خمرا لاشتراكهما في الشدة ثم يحرمه بالآية وأكثر الفقهاء متفقون على أن العلل تثبت بها الأحكام فإن كان ابن سريج يمنع من تعليل الأحكام في الشرع بالعلل فهو باطل لأن أكثر المسائل إنما تعلل فيها أحكامها دون أسمائها وإن أراد أن العلل قد يتوصل بها إلى الأسماء في بعض المواضع فإن أراد بالعلل العلل الشرعية فباطل لأن اللغة أقدم من الشرع فلا يجوز إثباتها بأمور طارئة قال إلكيا كان ابن سريج يقول إنما ثبتت الأسامي بالقياس ثم تعلق الأحكام بها نحو ما كان يقول إن القياس يوصل إلى أن وطء البهيمة زنى ثم ثبت الحد فيه بظاهر الآية ووجه كونه زنى أنه إيلاج فرج في فرج تمحض تحريما فكان زنى والنبيذ خمر للشدة والخمر محرمة قال إلكيا وهذا النوع باطل من كل وجه لأن القياس في الأسامي يتلقى من فهم مقاصد اللغة ومعرفته موضع اشتقاق الاسم ثم يجري على ما فيه ذلك المعنى ذلك الاسم فيكون نهاية نصهم على فائدة التسمية ذلك وليس لهذا القول تعلق بالشرع لأنه قد يصح سواء كان هناك شرع أم لا وأما القياس الذي يختص الشرع به فإنما تثبت به الأحكام فقط بأن يعلل الأصول التي يثبت الحكم فيها لتعدية الحكم بالتعليل إلى ما شاركها في العلة

وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى في الخمر على خلاف ما ذكره والقول في بطلانه ظاهر في الشرع أولا وفي اللغة لأن فهم موضع الاشتقاق لا يمنع إمكان تخصيص الاسم مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ في الْأَسْبَابِ إذَا أُضِيفَ حُكْمٌ إلَى سَبَبٍ وَعُلِمَتْ فيه عِلَّةُ السَّبَبِ فإذا وُجِدَتْ في وَصْفٍ آخَرَ هل يَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ سَبَبًا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقِيَاسِ في الْأَسْبَابِ فَنُقِلَ عن أبي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ وَقَالُوا الْحُكْمُ يَتْبَعُ الْعِلَّةَ دُونَ حِكْمَةِ الْعِلَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ اللِّوَاطُ سَبَبًا لِلْحَدِّ بِالْقِيَاسِ على الزِّنَى وَلَا النَّبْشُ سَبَبًا لِلْقَطْعِ قِيَاسًا على السَّرِقَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وقال الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ الْمَحْصُولِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عن أَصْحَابِنَا جَوَازُهُ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَإِلْكِيَا وَعِبَارَتُهُ مُعْتَقَدُنَا جَوَازُ اعْتِبَارِ السَّبَبِ بِالسَّبَبِ بِشَرْطِ ظُهُورِ عَدَمِ تَفَاوُتِ السَّبَبَيْنِ في الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ ثُمَّ في وَضْعِ الْأَسْبَابِ ثُمَّ صُورَةِ الْأَسْبَابِ لَا يُرَاعَى عِنْدَ ظُهُورِ التَّفَاوُتِ في مَضْمُونِ السَّبَبَيْنِ وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ الْقِيَاسَ في الْأَسْبَابِ وَعِنْدَنَا يُسَوَّغُ كما إذَا ثَبَتَ لنا أَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ لِزَجْرِ الْقَاتِلِ وَثَبَتَ أَنَّ الْقَتْلَ صَارَ سَبَبًا لِمَكَانِ الْحِكْمَةِ لَا لِصُورَتِهِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارُ الْمُشْتَرِكِينَ في الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ وَإِنْ ثَبَتَ لنا أَنَّهُ غَيْرُ قَاتِلٍ قال وقد اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُسَاقَاةَ بِالْقِرَاضِ لِاسْتِوَائِهِمَا في مَقْصُودِ التُّجَّارِ وَمَصْلَحَةِ الْمُتَعَامِلِينَ وَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ لَكِنَّ جَوَابَهُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كانت أَعَمَّ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُمْ قَوْمُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمِنْهُ اعْتِبَارُ الشَّافِعِيِّ الشَّهَادَةَ بِالْإِكْرَاهِ من جِهَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ يَظْهَرُ إفْضَاؤُهَا إلَى الْقَتْلِ كَالْإِكْرَاهِ وَإِنْ كان لِلْإِكْرَاهِ مَزِيَّةٌ من وَجْهٍ فَلِلشَّهَادَةِ مَزِيَّةٌ من وَجْهٍ وَمِنْهُ ما قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْحَجُّ إذَا وَجَدَتْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ يَقَعُ الْأَمْنُ بِمِثْلِهِنَّ إلْحَاقًا لَهُنَّ بِالْمُحْرِمِ وَالزَّوْجِ فَقَاسَ أَحَدَ سَبَبَيْ الْأَمْنِ على الثَّانِي قال وَكَذَلِكَ يَجْرِي في مِثْلِهِنَّ في الشُّرُوطِ وقد نَفَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ في الْإِحْصَانِ إلْحَاقًا له بِالْجَلْدِ فقال الْجَلْدُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ ثُمَّ اسْتَوَى فيه إنْكَارُ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَالرَّجْمُ كَذَلِكَ وهو حَسَنٌ

ثُمَّ قال وَالضَّابِطُ أَنَّ ما لم يُوجَدْ له نَظِيرٌ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ فَلِهَذَا لم يَلْحَقْ الْمَرَضُ بِالسَّفَرِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ نَظِيرًا له في الْحَاجَةِ وَهَذَا وَاضِحٌ وقد قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّقَابُضُ شَرْطٌ في بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ قِيَاسًا على النَّقْدَيْنِ وَصَحَّ هذا الْقِيَاسُ لِلشَّافِعِيِّ بِلَا مُدَافِعٍ انْتَهَى وَأَمَّا صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ فَنَقَلَ الْمَنْعَ في أَصْلِ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ عن أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ قال وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ كُلَّ ما يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فيه بِشُرُوطِهِ وَجَبَ ما لم يَمْنَعْ مَانِعٌ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قال في اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ في الْوُضُوءِ قِيَاسًا على التَّيَمُّمِ طَهَارَتَانِ فَأَنَّى يَفْتَرِقَانِ انْتَهَى وَمِنْهُمْ من قال إنْ قُلْنَا إنَّ الْأَسْبَابَ وَالْمَوَانِعَ وَالشُّرُوطَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ جَرَى فيها الْقِيَاسُ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَفِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فيها نَظَرٌ قال الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوْلَى جَرَيَانُهُ لِأَنَّا عَقَلْنَا أَنَّ الزِّنَى إنَّمَا نُسِبَ سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِعِلَّةِ كَذَا وَوَجَدْنَاهَا في اللِّوَاطِ مَثَلًا فَيَلْزَمُ نَصْبُ سَبَبِهَا وَكَذَلِكَ هو في السَّرِقَةِ حتى يَلْحَقَ بها نَبْشُ الْقَبْرِ وَأَخْذُ الْأَكْفَانِ فَهَذَا إذَا تَمَّ على شُرُوطِهِ قِيَاسٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وقد أَلْزَمُوا الْمَانِعَ مَنْعَ حَمْلِ النَّبِيذِ على الْخَمْرِ من حَيْثُ إنَّ خُصُوصَ وَصْفِ الْمَحَلِّ لو اعْتَبَرَ في مَحَلِّ الْحُكْمِ لَاقْتَضَى مَنْعَ تَوْسِيعِ الْحُكْمِ وفي مَنْعِ تَوْسِيعِهِ رَفْعُ الْقِيَاسِ أَصْلًا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُ حُكْمٍ قِيَاسًا على سَبَبٍ آخَرَ فإذا حَكَمَ اللَّهُ بِرَجْمِ الزَّانِي جَازَ أَنْ يَطْلُبَ سَبَبَ ذلك حتى يَقِفَ على سَبَبِهِ وهو الزِّنَى فإذا ثَبَتَ أَنَّ الزِّنَى عِلَّةُ الرَّجْمِ صَحَّ أَنْ يُعَلِّلَهُ بِعِلَّةِ تَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِ الزِّنَى كما يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّلَ الْحُكْمَ الثَّابِتَ على زَيْدٍ وَيُعَدَّى إلَى عَمْرٍو عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّعْدِيَةِ فإنه جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا ما قَبْلَهُ وقد أَنْكَرَ أبو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ هذا النَّوْعَ من التَّعْلِيلِ وقال الْحُكْمُ يَتْبَعُ السَّبَبَ دُونَ حِكْمَةِ السَّبَبِ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ ثَمَرَةٌ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ جُعِلَ الْقِيَاسُ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ لِلزَّجْرِ وَالرَّدْعِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ على شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ وَإِنْ لم يَتَحَقَّقْ الْقَتْلُ إلَى غَيْرِ ذلك من الْأَسْبَابِ قال الْإِبْيَارِيُّ في شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَهَذَا الذي قَالُوهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَزَّلَ على ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَقُولُوا ذلك بِنَاءً على تَوْقِيفٍ ثَابِتٍ يَمْنَعُ من الْقِيَاسِ في هذه الْحَالَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَتْبَعُ وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا لم يَثْبُتْ عِنْدَنَا عُمُومُ شَرْعِيَّةِ الْقِيَاسِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعَانِي فَهَذَا يَجُرُّ أَنْوَاعًا من الْخَيَالِ وَيَقْتَضِي مَنْعَ الْقِيَاسِ إلَّا في مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ وَقَلَّ أَنْ يُصَادَفَ ذلك بِحَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا إنَّ تَعْلِيلَ الْأَسْبَابِ يَفُوتُ بِهِ حَقِيقَةُ الْقِيَاسِ لِأَنَّ من شَرْعِ

الْقِيَاسِ على الْأُصُولِ تَقْرِيرَهَا أُصُولًا وفي تَقْرِيرِ الْأَسْبَابِ ما يُخْرِجُهَا عن كَوْنِهَا أَسْبَابًا قال وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُعْتَمَدُ الْقَوْمِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا الزِّنَى عِلَّةُ الرَّجْمِ وَاسْتَنْبَطْنَا منه إيلَاجَ الْفَرْجِ في الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ قَطْعًا إلَى تَمَامِ الْقِيَاسِ وَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَقَدْ أَبَانَ آخِرًا أَنَّ الزِّنَى لم يَكُنْ عِلَّةً وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ أَمْرٌ أَعَمُّ من الزِّنَى فَقَدْ عَلَّلَ الزِّنَى في كَوْنِهِ سَبَبًا بِعِلَّةٍ أَخْرَجَتْ الزِّنَى عن كَوْنِهِ سَبَبًا وَيُمْنَعُ تَعْلِيلُ الْأُصُولِ بِمَا يُخْرِجُهَا عن كَوْنِهَا أُصُولًا هذا أَعْظَمُ ما تَمَسَّكُوا بِهِ في مَنْعِ تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ وقد تَحَيَّرَ الْأَصْحَابُ في الْجَوَابِ وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّ ذلك يَرْجِعُ إلَى تَنْقِيحِ مَنَاطِ الْحُكْمِ دُونَ تَخْرِيجِهِ وقال بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِنْصَافُ يَقْتَضِي مُسَاعَدَتَهُمْ على ذلك وَزَعَمَ أَنَّ الْجَارِيَ في تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ دُونَ تَخْرِيجِهِ وَهَذَا هو اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وقال لَا وَجْهَ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَحَاصِلُ ما قَالَهُ الِاعْتِرَافُ بِامْتِنَاعِ إجْرَاءِ الْقِيَاسِ في الْأَسْبَابِ لَا لِخُصُوصٍ في التَّعَبُّدِ وَلَا لِتَعَذُّرِ فَهْمِ الْمَعْنَى وَلَكِنْ لِاسْتِحَالَةِ وِجْدَانِ الْأَصْلِ عِنْدَ التَّعْلِيلِ إذْ يَفُوتُ الْقِيَاسُ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَلَا يَبْقَى لِلْقِيَاسِ حَقِيقَةٌ وَنَحْنُ نَقُولُ الصَّحِيحُ إجْرَاءُ الْقِيَاسِ على حَقِيقَتِهِ في الْأَسْبَابِ وَلَا فَرْقَ في تَصَوُّرِ الْقِيَاسِ بين تَعْلِيلِ الْأَسْبَابِ وَتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ وَبَيَانُهُ هو أَنَّهُ إذَا حَرُمَتْ الْخَمْرَةُ فَهَلْ حَرُمَتْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ وَصْفِهَا وهو الْخَمْرِيَّةُ حتى لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى النَّبِيذِ بِحَالٍ أو حَرُمَتْ الْخَمْرُ من جِهَةِ كَوْنِهَا مُزِيلَةً لِلْعَقْلِ وهو الْوَصْفُ الْأَعَمُّ فَإِنَّهَا إذَا كانت أَصْلًا بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فيها وقد بَانَ لنا أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ فيها من جِهَةِ اشْتِدَادِهَا وَإِسْكَارِهَا فَكَذَلِكَ إذَا جَعَلْنَا الزِّنَى عِلَّةَ الرَّجْمِ فَيُقَالُ هل هو عِلَّةٌ من جِهَةِ كَوْنِهِ زِنًى أو من جِهَةِ عِلَّةٍ أُخْرَى أَعَمَّ من هذا أو لَا عِلَّةَ وهو بَاطِلٌ فَهَذَا هو الْمُنَاقِضُ أَمَّا إذَا جُعِلَ عِلَّةً من بَعْضِ الْجِهَاتِ لم يَخْرُجْ عن كَوْنِهِ عِلَّةً مُطْلَقًا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ تَعْلِيلُ الْأَسْبَابِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ في الْأُصُولِ السَّابِقَةِ قال وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ من أَعْظَمِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَقَدْ زَلَّ فيها الْجَمَاهِيرُ وَأَثْبَتُوا الْقِيَاسَ في الْأَسْبَابِ على وَجْهٍ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْقِيَاسِ وقال ابن الْمُنِيرِ صُورَةُ الْقِيَاسِ في الْأَسْبَابِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قام على أَنَّ الزِّنَى سَبَبٌ في الرَّجْمِ وَالنَّصُّ أَوْمَأَ إلَى ذلك أَيْضًا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ نَقِيسَ عليه اللِّوَاطَ في إثْبَاتِ حُكْمِ السَّبَبِيَّةِ له فَيَكُونُ سَبَبًا لِلرَّجْمِ أو لَا هذا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَمِنْهُ قِيَاسُ النَّبْشِ على

السَّرِقَةِ وَلِلْمَانِعِينَ مَسْلَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ بين السَّبَبَيْنِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحِكْمَةِ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بين الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فإنه يَقَعُ بِالْأَوْصَافِ قالوا وَالْحِكَمُ خَفِيَّةٌ لَا تَنْضَبِطُ وَالْأَوْصَافُ ظَاهِرَةٌ مُنْضَبِطَةٌ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمَا لَا يَنْضَبِطُ فَلَوْ فَرَضْنَا انْضِبَاطَ الْحِكَمِ فَفِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بها خِلَافٌ فَإِنْ أَجَزْنَاهُ فَلَا يُقَاسُ في الْأَسْبَابِ بَلْ نَقِيسُ الْفَرْعَ بِالْحِكْمَةِ الْمُنْضَبِطَةِ وَيُسْتَغْنَى عن تَوْسِيطِ السَّبَبِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ بَطَلَ الْقِيَاسُ في السَّبَبِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَ في الْأَسْبَابِ يُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى أَصَالَتِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ في الْأَحْكَامِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ في الْأَحْكَامِ يُقَرِّرُ الْأَصْلَ أَصْلًا وَيَلْحَقُ بِهِ فَرْعًا وَالْقِيَاسُ في الْأَسْبَابِ يُبْطِلُ كَوْنَ السَّبَبِ الْمَقِيسِ عليه سَبَبًا وَيُحَقِّقُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ أَمْرٌ أَعَمُّ منه وهو الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بين السَّبَبَيْنِ وَيُؤَوَّلُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ فَلَا قِيَاسَ فَقِيَاسُ النَّبِيذِ على الْخَمْرِ لم يُغَيِّرْ حُكْمَ الْأَصْلِ وَلَا إضَافَةَ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا وَقِيَاسُ اللِّوَاطِ على الزِّنَى غَيَّرَ كَوْنَ الزِّنَى سَبَبًا وَصَيَّرَ السَّبَبَ الْإِيلَاجَ الْمُشْتَرَكَ بين الْمَحَلَّيْنِ فَيَصْدُقُ على الزِّنَى أَنَّهُ ليس بِسَبَبٍ إنْ فَرَضْنَاهُ سَبَبًا وَأَمَّا الْمُجَوِّزُونَ فَاحْتَجُّوا بِأَمْرٍ جَلِيٍّ وهو انْسِحَابُ الْإِجْمَاعِ عليه لِأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ اسْتَرْسَلُوا في الْأَقْيِسَةِ وَلَوْ ذَهَبْنَا نَشْتَرِطُ في كل صُورَةٍ إجْمَاعًا خَاصًّا بها لَاسْتَحَالَ فَالْقِيَاسُ في السَّبَبِ كَالْقِيَاسِ في الْإِجَارَةِ مَثَلًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجْمَاعٍ خَاصٍّ قال وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلَافُ في هذه الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَنْتَصِبُ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَإِنَّمَا تَنْتَصِبُ بِإِيمَاءِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وإذا فَرَضْنَا الْقِيَاسَ في الْأَسْبَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْرِضَ فيها جِهَةً عَامَّةً كَالْإِيلَاجِ وَجِهَةً خَاصَّةً لِكَوْنِهِ فَرْجًا لِآدَمِيَّةٍ وهو الذي يُسَمَّى زِنًى بِلَفْظِ السَّبَبِ وَيَتَنَاوَلُ أَمْرَيْنِ أَعَمَّ وَأَخَصَّ وَلَا يَنْتَظِمُ الْقِيَاسُ إلَّا بِحَذْفِ الْأَخَصِّ عن دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ لِيَتَغَيَّرَ الْأَعَمُّ إذْ لو كان الْأَخَصُّ بَاقِيًا على تَقْيِيدِهِ لَاسْتَحَالَ الْقِيَاسُ وإذا حُذِفَ الْأَخَصُّ عن كَوْنِهِ مُرَادَ اللَّفْظِ بَقِيَ الْأَعَمُّ وهو مُرَادُ النَّصِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقِيَاسُ في الْأَسْبَابِ تَنْقِيحَ مَنَاطٍ وَتَنْقِيحُ الْمَنَاطِ حَاصِلُهُ تَأْوِيلٌ ظَاهِرٌ وهو يَتَوَقَّفُ على دَلِيلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ على قَبُولِ الْمَسْلَكِ الذي سَمَّاهُ من سَمَّاهُ قِيَاسًا في الْأَسْبَابِ لِاتِّفَاقِنَا على قَبُولِ تَأْوِيلِ الظَّاهِرِ بِالدَّلِيلِ فَلَا حَجْرَ في التَّسْمِيَةِ وَلَا مَنْعَ من تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا لِأَنَّ فيه صُورَةَ النُّطْقِ في مَوْضِعٍ وَالسُّكُوتَ في مَوْضِعٍ وَوُجُودُ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بين الْمَوْضِعَيْنِ وهو سَبَبُ الِاشْتِرَاكِ في الْحُكْمِ غير أَنَّ امْتِيَازَ الْمَحَلَّيْنِ نُطْقًا وَسُكُوتًا إنَّمَا كان مَبْنِيًّا على الظَّاهِرِ الذي قام أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَلِهَذَا تَكَدَّرَتْ التَّسْمِيَةُ وَالْخَطْبُ

يَسِيرٌ مَسْأَلَةٌ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَمْكَنَ تَعْلِيلُهُ يَجْرِي الْقِيَاسُ فيه وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُ جَمِيعِ الشَّرْعِيَّاتِ بِالْقِيَاسِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ وقد سَبَقَتْ مَسْأَلَةٌ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إلَّا عن أَمَارَةٍ وَلَا يَجُوزُ عن دَلَالَةٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بها حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ في الْمِيزَانِ وهو غَرِيبٌ وقد نَقَلَ جَمَاعَةٌ الِاتِّفَاقَ على جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عن دَلَالَةٍ مَسْأَلَةٌ ذَهَبَ أبو هَاشِمٍ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَجُوزُ في تَعْيِينِ ما وَرَدَ النَّصُّ بِهِ على الْجُمْلَةِ فَيُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ تَفْصِيلُهُ كَوُرُودِ النَّصِّ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَبِجَزَاءِ الصَّيْدِ وَبِتَحْرِيمِ الرِّبَا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ بِالْقِيَاسِ من جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَصِفَةِ الْمِثْلِ في الْجَزَاءِ وَتَفْصِيلِ ما يَجْرِي فيه الرِّبَا وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عنه على الْمَنْصُوصِ عليه إذَا لم يَدْخُلْ في الِاسْمِ الذي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَأَمَّا إثْبَاتُ مَسْأَلَةٍ لم يَرِدْ فيها النَّصُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ إلْحَاقُهَا بِالْقِيَاسِ وَلِهَذَا لَمَّا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مِيرَاثُ الْأَخِ جَازَ إثْبَاتُ إرْثِهِ مع الْجَدِّ بِالْقِيَاسِ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَاَلَّذِي عليه الْجُمْهُورُ جَوَازُ الْقِيَاسِ في الْمَوْضِعَيْنِ جميعا كَقِيَاسِ الصَّلَاةِ على الزَّكَاةِ وَالْعَكْسِ وَالْكَفَّارَةِ على الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ على الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ في أَنْوَاعِ الْأَحْكَامِ وقال إلْكِيَا ما قَالَهُ أبو هَاشِمٍ هو عَيْنُ ما حَكَيْنَاهُ عن أبي زَيْدٍ وَأَبْطَلْنَاهُ وَمِمَّا يَدُلُّ على بُطْلَانِهِ أَنَّ الْأَوَّلِينَ أَثْبَتُوا قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِالْقِيَاسِ ولم يَكُنْ عليه نَصٌّ على وَجْهِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أَمَارَةٌ في الْمَنْعِ من تَحْرِيمِ ذلك وَلَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلِمُوا أَصْلًا غَابَ عَنَّا فَيُقَالُ رَأَيْنَاهُمْ يَتَشَرَّفُونَ لِلْقِيَاسِ بِاتِّبَاعِ الْأَوْصَافِ الْمُخَيِّلَةِ الْمُؤَثِّرَةِ من غَيْرِ قَصْدٍ إلَى جُمَلٍ

مَسْأَلَةٌ حَكَى سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ عن بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعُمُومَ إذَا خُصَّ لم يَجُزْ أَنْ يُسْتَنْبَطَ منه مَعْنًى يُقَاسُ عليه غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا خُصَّ صَارَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِقَرِينَةٍ فإذا اُسْتُنْبِطَ الْمَعْنَى منه لم يَصِحَّ اجْتِمَاعُ الْمَعْنَى مع تِلْكَ الْقَرِينَةِ فإن الْمَعْنَى يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْقَرِينَةَ تَقْتَضِي الْخُصُوصَ فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا قال وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا خُصَّ خَرَجَ منه ما ليس بِمُرَادٍ فَبَقِيَ الْبَاقِي ثَابِتًا بِاللَّفْظِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْبَاقِي وَرَدَ ابْتِدَاءً فَجَازَ اسْتِنْبَاطُ الْمَعْنَى منه مَسْأَلَةٌ الْقِيَاسُ الْجُزْئِيُّ إذَا لم يَرِدْ نَصٌّ على وَفْقِهِ مع عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ خَرَّجَ فيه بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَيْنِ كان الْخِلَافُ في ضَمَانِ الدَّرْكِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْجُزْئِيَّ يَقْتَضِي مَنْعَهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ ما لم يَجِبْ وَلَكِنَّ عُمُومَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ يَقْتَضِي جَوَازَهُ ولم يُنَبِّهْ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم عليه فَمَنَعَهُ ابن سُرَيْجٍ على مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْحَاجَةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ جَوَازَهُ مُطْلَقًا لِأَصْلِ الْحَاجَةِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ على أَقْسَامِ الْمُنَاسَبَةِ إنَّ ما ابْتَنَى على الْحَاجَةِ كَالْإِجَارَةِ لَا خِلَافَ في جَرَيَانِ قِيَاسِ الْجُزْءِ منه على الْجُزْءِ فَأَمَّا اعْتِبَارُ غَيْرِ ذلك الْأَصْلِ مع جَامِعِ الْحَاجَةِ فَهَذَا امْتَنَعَ منه مُعْظَمُ الْقِيَاسِيِّينَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى جَوَازِهِ وقال فَإِذَنْ الْقِيَاسُ على الْإِجَارَةِ إذَا اسْتَجْمَعَ الشَّرَائِطَ لَا يَضُرُّ وَالِاسْتِصْلَاحُ الْجُزْئِيُّ في مُقَابَلَةِ الْوُجُودِ بِالْمَوْجُودِ وَهَذَا كَقِيَاسِ النِّكَاحِ مَثَلًا في وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ على الْإِجَارَةِ مَسْأَلَةٌ التَّمَسُّكُ بِقِيَاسٍ جُزْئِيٍّ في مُصَادَمَةِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ مَرْدُودٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قِيَاسُ الْأَقَارِيرِ السَّابِقَةِ في إثْبَاتِ الْحَقِّ الْآنَ على الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ في أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْآنَ فَهَذَا قِيَاسٌ جُزْئِيٌّ في مُقَابَلَةِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لو عَمِلَ بِذَلِكَ فما كان في الشَّهَادَةِ على الْأَقَارِيرِ فَائِدَةٌ وَالْحُجَّةُ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ سَاعَةٍ قَالَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ في كِتَابِ اقْتِنَاصِ السَّوَانِحِ

مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ ما طَرِيقُهُ الْقَطْعُ في الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ بِالْقِيَاسِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهِ عليه دُونَ ما لَا يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ مِثَالُهُ في الْفُرُوعِ قَوْلُنَا إنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ في كل سُورَةٍ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بِلَا تَغْيِيرٍ مَتْلُوٌّ بِلَا نَكِيرٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ فَهَذَا قِيَاسٌ مَدْلُولٌ على صِحَّتِهِ بِالْإِجْمَاعِ على كِتَابَتِهِ في الْمُصْحَفِ وَتِلَاوَتِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ وَمِثَالُهُ في أُصُولِ الْفِقْهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُشْتَرَطُ فيه انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وُجِدَ إجْمَاعٌ من أَهْلِ الْعَصْرِ على حُكْمِ الْحَادِثَةِ فَكَانَ حُجَّةً دَلِيلُهُ إذَا انْقَرَضَ الْعَصْرُ عليه

الْبَابُ السَّادِسُ في أَرْكَانِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ وَالْعِلَّةُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ وَلَا بُدَّ من ذِكْرِ هذه الْأَرْبَعَةِ في الْقِيَاسِ كَقَوْلِنَا في اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ في الْوُضُوءِ طَهَارَةٌ عن حَدَثٍ فَوَجَبَ أَنْ تَحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ كَالتَّيَمُّمِ فَالْوُضُوءُ هو الْفَرْعُ وَالتَّيَمُّمُ هو الْأَصْلُ وَالطَّهَارَةُ عن حَدَثٍ هِيَ الْوَصْفُ وَقَوْلُنَا وَجَبَ هو الْحُكْمُ وَلَا بُدَّ من ذِكْرِ هذه الْأَرْبَعَةِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ من يَتْرُكُ التَّصْرِيحَ بِالْحُكْمِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ طَهَارَةٌ عن حَدَثٍ كَالتَّيَمُّمِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيه كما قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ في بَابِ أَدَبِ الْجَدَلِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ إلَّا بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالْحُكْمِ وَقِيلَ يَصِحُّ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُحَالًا إلَى السُّؤَالِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ في اشْتِرَاطِ أَمْرٍ خَامِسٍ أَنَّهُ هل يُشْتَرَطُ في إطْلَاقِ اسْمِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ مُسْتَنْبَطًا بِالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ على قَوْلَيْنِ وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا في أَنَّ إلْحَاقَ الْعَبْدِ بِالْأَمَةِ وَالضَّرْبِ بِالتَّأْفِيفِ هل يُسَمَّى قِيَاسًا الْأَوَّلُ الْأَصْلُ وَحَكَى ابن السَّمْعَانِيِّ خِلَافًا في رُكْنِيَّتِهِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ بِغَيْرِ أَصْلٍ قال وهو قَوْلُ من خَلَطَ الِاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّهُ لَا بُدَّ له من أَصْلٍ لِأَنَّ الْفُرُوعَ لَا تَتَفَرَّعُ إلَّا عن أُصُولٍ وهو يُطْلَقُ شَرْعًا على أُمُورٍ سَبَقَتْ في أَوَّلِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَذَكَرَ هُنَا إلْكِيَا منها أَرْبَعَةً أَحَدُهَا ما يَقْتَضِي الْعِلْمُ بِهِ عِلْمًا بِغَيْرِهِ أو يُوَصِّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ كما يُقَالُ إنَّ الْخَبَرَ أَصْلٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ وَالْكِتَابَ أَصْلُ السُّنَّةِ لَمَّا عُلِمَ صِحَّتُهَا بِهِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ الْعِلْمُ بِالْمَعْنَى إلَّا بِهِ الثَّالِثُ في الْحُكْمِ الذي يَعْتَرِيهِ ما سِوَاهُ فَيُقَالُ هذا الْحُكْمُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا

يُقَاسُ عليه الرَّابِعُ الذي يَقَعُ بِهِ الْقِيَاسُ وهو مُرَادُنَا وقد اُخْتُلِفَ فيه فقال الْمُتَكَلِّمُونَ هو النَّصُّ الدَّالُّ على ثُبُوتِ الْحُكْمِ في مَحَلِّ الْوِفَاقِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ في تَحْرِيمِ الرِّبَا مَثَلًا وَحَكَاهُ في الْمُلَخَّصِ عن الْقَاضِي وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْوَاضِحِ عن الْمُعْتَزِلَةِ وقال الْفُقَهَاءُ هو مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ سَوَاءٌ الْمُجْمَعُ عليه وَالْمَنْصُوصُ كَالْبُرِّ الْمَحْكُومِ بِهِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَهَذَا هو الصَّحِيحُ قال وَتَمَامُهُ أَنَّ الْخَبَرَ أَصْلٌ لِلْبُرِّ وَالْبُرُّ أَصْلٌ لِكُلِّ ما يُقَاسُ عليه قال وَهَذَا ظَاهِرٌ حَسَنٌ فَلْيُعْتَمَدْ عليه وقال الْمُحَقِّقُونَ منهم إنَّهُ نَقِيضُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخَبَرِ قال إلْكِيَا وَهَذَا هو الْأَوْجَهُ عِنْدَنَا ولم نَرَ في كَلَامِ الْمُخَالِفِ ما يُضَعِّفُهُ وقال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ما ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ وَقِيلَ ما ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَاصِرَةً وَرَجَّحَ الْعَبْدَرِيّ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَحْكُومٌ فيه حتى يُفْهَمَ الْحُكْمُ وَبِالْعَكْسِ فَإِنْ سَمَّى مُسَمَّى الْخَمْرِ وَحْدَهَا أَصْلًا بِمَعْنَى أنها هِيَ الْمَحَلُّ الذي نَصَّ الشَّارِعُ على الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ فيه دُونَ غَيْرِهِ من الْمَحَالِّ فَيَجُوزُ وقال الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْأَصْلُ هو الْحُكْمُ الثَّابِتُ في مَحَلِّ الْوِفَاقِ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِ الْعِلَّةِ عليه وهو فَرْعٌ في مَحَلِّ الْخِلَافِ بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِهِ عليه وَالْعِلَّةُ بِالْعَكْسِ فَرْعٌ في مَحَلِّ الْوِفَاقِ لِأَنَّا إنَّمَا نُعَلِّلُ الْحُكْمَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَصْلٍ في مَحَلٍّ لِأَنَّا نَعْرِفُ الْعِلَّةَ فيه ثُمَّ نُفَرِّعُ الْحُكْمَ عليها قال التَّبْرِيزِيُّ وَقَوْلُهُ الْحُكْمُ أَصْلٌ في مَحَلِّ الْخِلَافِ ذَهَابٌ عَظِيمٌ عن مَقْصُودِ الْبَحْثِ إذْ ليس الْمَقْصُودُ تَعْرِيفَ ما سُمِّيَ أَصْلًا بِاعْتِبَارٍ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بَيَانُ الْأَصْلِ الذي يُقَابِلُ الْفَرْعَ في الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بهذا الِاعْتِبَارِ مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عليه كما قَالَهُ الْفُقَهَاءُ قال الْأَصْفَهَانِيُّ وَهَذَا تَهْوِيلٌ لَا تَعْوِيلَ عليه ثُمَّ قال جَمَاعَةٌ منهم ابن بَرْهَانٍ إنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ فَلَا مُشَاحَّةَ فيه أو إلَى اللُّغَةِ فَهُوَ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ على ما ذُكِرَ وَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْخِلَافِ إلَّا الصُّورَةُ وَقِيلَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى تَحْقِيقِ الْمُرَادِ بِالْأَصْلِ وهو يُطْلَقُ تَارَةً على الْغَالِبِ وَتَارَةً على الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لِقَوْلِهِمْ الْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى إرَادَةِ الْبَعِيدِ الذي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِمْ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ من مَحَلٍّ وَإِيجَابُ الطَّهَارَةِ في مَحَلٍّ آخَرَ على خِلَافِ الْأَصْلِ وقد يُطْلِقُونَهُ على إرَادَةِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ من تَوْجِيهِ الِاسْتِشْعَارِ على

الْأَصْلِ حتى يَصِحَّ الْكَلَامُ وَالِاعْتِرَاضُ عليه قال الْآمِدِيُّ يُطْلَقُ الْأَصْلُ على ما يَتَفَرَّعُ عليه غَيْرُهُ وَعَلَى ما يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ لم يُبْنَ عليه غَيْرُهُ كَقَوْلِنَا تَحْرِيمُ الرِّبَا في النَّقْدَيْنِ أَصْلٌ وَهَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ في أَنَّهُ هل الْأَصْلُ في تَحْرِيمِ النَّبِيذِ الْخَمْرُ أو النَّصُّ أو الْحُكْمُ قال وَاتَّفَقُوا على أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ أَصْلًا وقال الرَّازِيَّ تَسْمِيَةُ الْعِلَّةِ في مَحَلِّ النِّزَاعِ أَصْلًا أَوْلَى من تَسْمِيَتِهِ مَحَلَّ الْحُكْمِ في مَحَلِّ الْوِفَاقِ أَصْلًا لِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْأَوَّلَ أَقْوَى من الثَّانِي قال وَتَسْمِيَةُ مَحَلِّ الْوِفَاقِ بِالْأَصْلِ أَوْلَى من تَسْمِيَتِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِالْفَرْعِ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْأَصْلِ وَهَذَا أَصْلُ الْفَرْعِ قال لَكِنَّا نُسَاعِدُ الْفُقَهَاءَ على مُصْطَلَحِهِمْ في تَسْمِيَةِ مَحَلِّ الْوِفَاقِ بِالْأَصْلِ وَمَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْفَرْعِ مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الدَّلِيلِ على جَوَازِ الْقِيَاسِ على الْقِيَاسِ بِنَوْعِهِ أو شَخْصِهِ بَلْ كُلُّ مَعْنًى قَدَحَ فيه مَعْنًى مُخَيَّلٌ غَلَبَ على الظَّنِّ اتِّبَاعُهُ قِيسَ عليه خِلَافًا لِعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وقال قَوْمٌ لَا بُدَّ من قِيَامِ الدَّلِيلِ على تَعْلِيلِهِ ولم يَكْتَفُوا بِقِيَامِ الدَّلِيلِ على أَصْلِ الْقِيَاسِ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ في ذلك فقال أَمَّا قِيَاسُ الشَّبَهِ فَشَرَطَ قَوْمٌ في جَوَازِ الِاعْتِمَادِ على الْجَامِعِ الشَّبَهِيِّ دُعَاءَهُ إلَى التَّعْلِيلِ فَلَوْ لم يَقُمْ دَلِيلُ وُجُوبِ التَّعْدِيَةِ في الْبُرِّ في مَسْأَلَةِ الرِّبَا لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ قال وَهَذَا لَا يَتَعَدَّى عِنْدِي في أَكْثَرِ الْأَشْبَاهِ فإنه إذَا أَمْكَنَ تَعَرُّفُ الْحُكْمِ بِاسْمِ الْمَحَلِّ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى طَلَبِ مَنَاطٍ لَا مُنَاسَبَةَ فيه وَفَرَّقَ الْإِمَامُ في الْأَشْبَاهِ فقال في بَعْضِهَا يَكْفِي في الْإِلْحَاقِ الِاطِّلَاعُ على الْوَصْفِ الشَّبَهِيِّ وفي بَعْضِهَا لَا بُدَّ من دُعَاءِ ضَرُورَةٍ إلَى التَّعْلِيلِ وَبَسَطَ ذلك مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ في الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على أَنَّ حُكْمَهُ مُعَلَّلٌ أو أَنْ تُثْبِتَ عِلَّتَهُ عَيْنًا بِالنَّصِّ بَلْ لو ثَبَتَ ذلك بِالطُّرُقِ الْعَقْلِيَّةِ أو الظَّنِّيَّةِ جَازَ الْقِيَاسُ عليه وَخَالَفَ فيه بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَالشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فَزَعَمَا أَنَّهُ لَا يُقَاسُ على أَصْلٍ حتى يَدُلَّ نَصٌّ على عَيْنِ عِلَّةِ ذلك الْحُكْمِ أو انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على كَوْنِ حُكْمِهِ مُعَلَّلًا وقال الْغَزَالِيُّ في شِفَاءِ الْعَلِيلِ نُقِلَ عن بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ على أَصْلٍ بِمُجَرَّدِ قِيَامِ

الدَّلِيلِ على أَصْلِ تَجْوِيزِ الْقِيَاسِ بَلْ لَا بُدَّ من دَلِيلٍ خَاصٍّ على أَنَّ الْأَصْلَ الذي يُقَاسُ عليه مَعْلُولٌ بِعِلَّةٍ لِأَنَّهُ على تَقْدِيرِ عَدَمِ الدَّلِيلِ الْخَاصِّ بِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ من جُمْلَتِهَا أَصْلٌ لَا يُعَلَّلُ بَلْ يُخَصَّصُ مَوْرِدُهُ فَلَا بُدَّ من دَلِيلٍ على كَوْنِهِ الْأَصْلَ مُعَلَّلًا قال وَلَسْت أَعْرِفُ لِهَذَا الْمَذْهَبِ وَجْهًا إلَّا ما ذَكَرْته فإن الْوَصْفَ الْمُخَصِّصَ إذَا عَادَلَ الْوَصْفَ الْمُتَعَدِّيَ في الِانْفِكَاكِ عن الْمُنَاسَبَةِ تَعَادُلًا فَلَا بُدَّ من دَلِيلٍ على التَّعْدِيَةِ فَإِنْ خَصَّصَ صَاحِبُ هذا الْمَذْهَبِ مَذْهَبَهُ بهذا الْجِنْسِ من التَّعْلِيلِ الْخَالِي عن الْمُنَاسَبَةِ فَلَهُ وَجْهٌ كما ذَكَرْنَا وَإِنْ طَرَدَهُ فِيمَا ظَهَرَتْ فيه الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةُ وقال يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ الشَّرْعُ الْمُنَاسِبَ في مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَلَا بُدَّ من دَلِيلِ التَّعْدِيَةِ أو قال يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ وُقُوعُ هذا الْمُنَاسِبِ اتِّفَاقًا فَهُوَ في هذا الطَّرَفِ أَضْعَفُ وَاسْتِمْدَادُهُ من الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْقِيَاسِ انْتَهَى مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ في الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ غير مَحْصُورٍ بِالْعَدَدِ بَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عليه سَوَاءٌ كان مَحْصُورًا أو لم يَكُنْ وقال قَوْمٌ الْمَحْصُورُ بِالْعَدَدِ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عليه وَلِهَذَا قالوا لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ على جَوَازِ قَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ لِأَنَّهُنَّ مَحْصُورَاتٌ بِاسْمِ الْعَدَدِ وهو مَمْنُوعٌ بَلْ هُنَّ مَحْصُورَاتٌ في الذِّكْرِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فيه وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا كان الْأَصْلُ مَحْصُورًا في اللَّفْظِ في عَدَدٍ مُعَيَّنٍ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ لَكِنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى من الْمَفْهُومِ مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ على وُجُودِ الْعِلَّةِ في الْأَصْلِ بَلْ يَكْفِي انْتِهَاضُ الدَّلِيلِ عليه خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ حَيْثُ اشْتَرَطَهُ قال الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ إنْ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الذي اشْتَرَطَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ نُفَاةَ الْقِيَاسِ من جُمْلَتِهِمْ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْأُصُولَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَإِنْ أَرَادَ إجْمَاعَ الْقِيَاسِيِّينَ فَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ بِدَلِيلٍ

مَسْأَلَةٌ تَأْثِيرُ الْأَصْلِ في كل مَوْضِعٍ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْثِيرٌ في كل مَوْضِعٍ قال الْقَاضِي أبو الطَّيِّبِ في الِاسْتِدْلَالِ على إبْطَالِ بَيْعِ الْغَائِبِ بَاعَ عَيْنًا لم يَرَ منها شيئا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَصْلُهُ إذَا بَاعَ النَّوَى في التَّمْرِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُكُمْ لم يَرَ منها شيئا لَا تَأْثِيرَ له في الْأَصْلِ لِأَنَّ بَعْضَ النَّوَى إذَا كان ظَاهِرًا يَرَاهُ وَبَعْضُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَا يَصِحُّ أَيْضًا قُلْنَا ليس من شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا في كل مَوْضِعٍ وَإِنَّمَا يَكْفِي التَّأْثِيرُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَتَأْثِيرُهُ في بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فإنه يَرَى بَعْضَهَا وهو ظَاهِرُهَا دُونَ بَاطِنِهَا وَيَكُونُ بَيْعُهَا صَحِيحًا مَسْأَلَةٌ قال الْأُسْتَاذُ أبو مَنْصُورٍ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ صَحِيحًا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا وَشَهَادَتُهُ صَحِيحَةٌ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ في مَقَامِ الْإِلْزَامِ وَالْإِفْحَامِ كَإِلْزَامِنَا من اعْتَبَرَ الْأَصْلَ جَوَازَ اجْتِمَاعِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كان الْأَصْلُ الذي قَاسَ عليه فَاسِدًا عِنْدَنَا

الرُّكْنُ الثَّانِي حُكْمُ الْأَصْلِ الرُّكْنُ الثَّانِي حُكْمُ الْأَصْلِ وقد مَرَّ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ في أَوَّلِ الْكِتَابِ وقال ابن السَّمْعَانِيِّ تَبَعًا لِلشَّيْخِ في اللُّمَعِ الْحُكْمُ ما تَعَلَّقَ بِالْعِلَّةِ في التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِسْقَاطِ وهو إمَّا مُصَرَّحٌ بِهِ كَقَوْلِهِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ كَذَا أو فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ كَذَا أو مُبْهَمٌ وهو على ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ فَأَشْبَهَ كَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ شَرَابٌ فيه شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ وَاخْتَلَفُوا فيه فَقِيلَ بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْهَمٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجَدَلِيِّينَ الصِّحَّةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَأَشْبَهَ كَذَا في الْحُكْمِ الذي وَقَعَ السُّؤَالُ عنه وَذَلِكَ شَيْءٌ مَعْلُومٌ بين السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ فَيَجِبُ أَنْ يُمْسِكَ عن بَيَانِهِ اكْتِفَاءً بِالْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ بَيْنَهُمَا الثَّانِي أَنْ تُذْكَرَ الْعِلَّةُ وَلَا يُصَرَّحُ بِالْحُكْمِ الذي سَأَلَ عنه بَلْ يُعَلَّقُ على الْعِلَّةِ التَّسْوِيَةُ بين حُكْمَيْنِ كَقَوْلِنَا في إيجَابِ النِّيَّةِ في الْوُضُوءِ طَهَارَةٌ فَيَسْتَوِي جَامِدُهَا وَمَائِعُهَا في النِّيَّةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا في الْأَصْلِ في إسْقَاطِ النِّيَّةِ وفي الْفُرُوعِ في إيجَابِهَا وَهُمَا حُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْبِهَ حُكْمُ الشَّيْءِ من نَظِيرِهِ لَا من ضِدِّهِ وَمِنْهُمْ من قال إنَّهُ صَحِيحٌ وهو الْأَصَحُّ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ هو التَّسْوِيَةُ بين الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ في النِّيَّةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا في النِّيَّةِ مَوْجُودٌ في الْأَصْلِ فَصَحَّ الْقِيَاسُ عليه وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذلك الِاخْتِلَافُ في التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ ذلك بِحُكْمٍ عليه حتى يَصِيرَ فيه الِاخْتِلَافُ وَحَكَى شَارِحُ اللُّمَعِ عن بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا الْوَجْهَيْنِ هُنَا على الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وقال أبو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ في أَدَبِ الْجَدَلِ اخْتَلَفُوا في الْقِيَاسِ إذَا كان حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بين حُكْمٍ وَحُكْمٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ في إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ إنَّهُ مَائِعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فيه الطَّهَارَةُ عن الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ قِيَاسًا على الْمَاءِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَوْلِ وَالْمَرَقَةِ وَغَيْرِ ذلك فَقِيلَ إنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَجْهُولٌ لَا يُوقَفُ عليه وَقِيلَ إنْ

كانت التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا في الْإِثْبَاتِ أو النَّفْيِ سَوَاءٌ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كانت التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا في الْأَصْلِ أو الْفَرْعِ في الْإِثْبَاتِ أو في الْفَرْعِ في النَّفْيِ وفي الْأَصْلِ في الْإِثْبَاتِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّنَا في الْأُولَى نَقِيسُ الشَّيْءَ على نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ وفي الثَّانِيَةِ نَقِيسُهُ على ضِدِّهِ وَنَقِيضِهِ فَامْتَنَعَ وَقِيلَ إنْ ابْتَدَأَ الْمَسْئُولُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ جَازَ وَإِنْ قَلَبَهَا على خَصْمِهِ بِمِثْلِهَا لم يَجُزْ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وهو الْأَصَحُّ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ في أَنَّهُ إذَا قَابَلَ قِيَاسًا لم يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بين حُكْمٍ وَحُكْمٍ فَقِيلَ الْقِيَاسُ الذي لم يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِالْحُكْمِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ من غَيْرِ دَرَجَةٍ أُخْرَى فَيُخَالِفُ قِيَاسَ التَّسْوِيَةِ وَقِيلَ قِيَاسُ التَّسْوِيَةِ أَوْلَى لِأَنَّ فيه التَّشْبِيهَ أَكْثَرَ قال وقد ذَكَرَ هذه الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَهْلٌ الصُّعْلُوكِيُّ في بَعْضِ الْمُنَاظَرَاتِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى الثَّالِثُ من الْأَضْرُبِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعِلَّةِ إثْبَاتَ التَّأْثِيرِ بِمَعْنًى كَقَوْلِنَا في كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَمِ من غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلصَّوْمِ فيه تَأْثِيرٌ كَالْمَضْمَضَةِ فإن هذا حُكْمٌ صَحِيحٌ وَالْقَصْدُ بِالْعِلَّةِ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّأْثِيرِ على الْجُمْلَةِ الْكَلَامُ في شُرُوطِهِ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الذي أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إلَى الْفَرْعِ ثَابِتًا في الْأَصْلِ فإنه لو لم يَكُنْ ثَابِتًا فيه بِأَنْ لم يُشْرَعْ فيه ابْتِدَاءً أو شُرِعَ لَكِنْ نُسِخَ لم يُمْكِنْ بِنَاءُ حُكْمِ الْفَرْعِ عليه وَمِنْ فُرُوعِ هذا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ على حُكْمٍ مَنْسُوخٍ في ذلك الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الْقِيَاسِ إثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْقِيَاسِ في الْفَرْعِ فإذا كان الْحُكْمُ غير ثَابِتٍ بِالشَّرْعِ اسْتَحَالَ أَنْ يَثْبُتَ له مِثْلٌ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ نَسْخَ الْحُكْمِ يُبَيِّنُ عَدَمَ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لِلْوَصْفِ الْجَامِعِ حِينَئِذٍ وَتَعْدِيَةُ الْحُكْمِ فَرْعٌ على اعْتِبَارِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قد مَرَّ في بَابِ النَّسْخِ عن الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ إذَا نُسِخَ حُكْمُ الْأَصْلِ يَبْقَى حُكْمُ الْفَرْعِ لَكِنْ حَيْثُ كان الْأَصْلُ مَعْمُولًا بِهِ ثُمَّ رَأَيْت هذا الْجَمْعَ لِشَارِحِ اللُّمَعِ فقال الْمَذْكُورُ في النَّسْخِ هو فِيمَا إذَا وَقَعَ نَسْخُ الْأَصْلِ بَعْدَ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ عليه وَالْمَذْكُورُ في الْقِيَاسِ أَنْ نَقِيسَ على أَصْلٍ بَعْدَ النَّسْخِ في مَحَلِّ النَّسْخِ كما نَقِيسُ على وُجُوبِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ بَعْدَ نَسْخِهِ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمٍ بِخِلَافِ قِيَاسِ صَوْمِ رَمَضَانَ على عَاشُورَاءَ في عَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ فإن من سَلَّمَ وُجُوبَهُ ابْتِدَاءً وسلم عَدَمَ افْتِقَارِهِ إلَى التَّبْيِيتِ لم يَبْعُدْ أَنْ يَسْتَشْهِدَ بِهِ على رَمَضَانَ فإن الْمَنْسُوخَ

الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْقِيَاسُ في الْوُجُوبِ وَلَكِنَّهُ في عَدَمِ دَلَالَةِ الْوُجُوبِ إلَى الِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ نعم هُنَا إشْكَالٌ في شَيْءٍ وهو أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا وَيَلْزَمُهُ من اللَّوَازِمِ التي لَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُهَا بِارْتِفَاعِ خُصُوصِ ذلك الْحُكْمِ فَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ على ذلك اللَّازِمِ أَمْ لَا مِثَالُهُ صِحَّةُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ إذَا كان وَاجِبًا على تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذلك بِنِيَّةٍ نَهَارِيَّةٍ فإذا نُسِخَ عَاشُورَاءُ بِخُصُوصِهِ لم يَلْزَمْ منه نَسْخُ اللَّازِمِ وهو صِحَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ نَهَارِيَّةٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عليه صَوْمُ رَمَضَانَ الْوَاجِبُ فَيَصِحُّ بِنِيَّةٍ نَهَارِيَّةٍ فيه نَظَرٌ انْتَهَى ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ شَرْعِيًّا لِيَخْرُجَ الْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ وَاللُّغَوِيُّ فَإِنَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَجْرِيَ الْقِيَاسُ التَّمْثِيلِيُّ فِيهِمَا قِيَاسًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَلُغَوِيًّا وَكَلَامُنَا في الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ تَنْبِيهٌ وَيَنْشَأُ من هذه الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ في النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ وهو الْبِنَاءُ على ما كان قبل الشَّرْعِ هل يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَهَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ليس حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمَّا من ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَا إشْكَالَ عِنْدَهُ في صِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِالْقِيَاسِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ ليس بِحُكْمٍ فَقِيلَ يَصِحُّ أَنْ يَتَلَقَّى من الْقِيَاسِ وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَفَرَّقَ آخَرُونَ بين النَّفْيِ الْمَسْبُوقِ بِالْإِثْبَاتِ فإنه يَصِحُّ ثُبُوتُهُ بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ وَالنَّفْيُ الْأَصْلِيُّ لَا يَثْبُتُ بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ وَيَجُوزُ بِقِيَاسِ الدَّلَالَةِ قال الْأَنْبَارِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَسْبُوقَ بِإِثْبَاتٍ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدِلَّةَ الْإِثْبَاتِ تَتَأَخَّرُ عن الدَّلَالَةِ في حَالَةِ من يُبْقِي تِلْكَ الْحَالَةَ على ما قبل وُرُودِ الشَّرْعِ وَمِثَالُهُ أَنَّ الْخَمْرَ كان تَحْرِيمُهَا مُنْتَفِيًا قبل وُرُودِ الشَّرْعِ فلما جاء الشَّرْعُ بِالتَّحْرِيمِ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَبَقِيَ ثُبُوتُهَا في حَالَةِ الِاضْطِرَارِ على ما كان عليه قبل الشَّرْعِ وَهَذَا نَفْيٌ مَسْبُوقٌ بِإِثْبَاتٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَفْيًا أَصْلِيًّا ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَتِهِ سَمْعِيًّا لِأَنَّ ما ليس طَرِيقُهُ بِسَمْعِيٍّ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَالْمَقْصُودُ من هذا الْعِلْمِ بَيَانُ طُرُقِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا الشَّرْطُ على رَأْيِنَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا من يقول بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ فَاحْتَرَزُوا بِهِ عن الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الذي طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الْعَقْلُ وفي الْمَحْصُولِ هذا الشَّرْطُ على رَأْيِنَا وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْمُجَوِّزُونَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعَقْلِ فَفِيهِ على مَذْهَبِهِمْ احْتِمَالٌ

رَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ وهو الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيُعْرَفُ حُكْمُهُ بِالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ فَأَمَّا ما عُرِفَ الْحُكْمُ منه بِالْمَفْهُومِ وَالْفَحْوَى فَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عليه لم يَتَعَرَّضُوا له وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا إنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ النُّطْقِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ كَالْقِيَاسِ فَيَلْحَقُ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا ما ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ فَهَلْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عليه فيه وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كما قَالَهُ الشَّيْخُ أبو إِسْحَاقَ وابن السَّمْعَانِيِّ الْجَوَازُ وَحَكَاهُ ابن بَرْهَانٍ عن جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عليه ما لم يُعْرَفْ النَّصُّ الذي أَجْمَعُوا لِأَجْلِهِ قال ابن السَّمْعَانِيِّ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ أَصْلٌ في إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ كَالنَّصِّ فإذا جَازَ الْقِيَاسُ على الثَّابِتِ بِالنَّصِّ جَازَ على الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ قال ابن بَرْهَانٍ وَشُبْهَةُ الْمَانِعِ احْتِمَالُ كَوْنِ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عليه قَاصِرَةً لَا تَتَعَدَّى وَجَوَابُهَا إنَّمَا نُعَلِّلُ بِعِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى الْفَرْعِ وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ وَمُتَعَدِّيَةٍ جَائِزٌ وَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى أَصْلٍ وهو أَنَّ الْحُكْمَ إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عليه وَعَلَى عِلَّتِهِ هل يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ على الْحُكْمِ لَا على الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا من قَبِيلِ الْعَقْلِيَّاتِ وهو لَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى وَأَمَّا ما يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ على غَيْرِهِ فَأَطْلَقَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلَ الدَّالَّ على حُكْمِ الْأَصْلِ قِيَاسًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ من أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمِنْهُمْ من عَبَّرَ عنه بِأَنْ لَا يَكُونَ ذلك الْأَصْلُ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ فَاحْتَجُّوا على الْمَنْعِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بين الْقِيَاسَيْنِ إنْ اتَّحَدَتْ كان ذِكْرُ الْأَصْلِ الثَّانِي تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِقِيَاسِ الْفَرْعِ الثَّانِي على الْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِقِيَاسِ الذُّرَةِ على الْأُرْزِ بِقِيَاسِ الْأُرْزِ على الْبُرِّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لم يَنْعَقِدْ الْقِيَاسُ الثَّانِي لِعَدَمِ اشْتِرَاكِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فيه في عِلَّةِ الْحُكْمِ لَكِنْ نَقَلَ ابن بَرْهَانٍ عن الْحَنَفِيَّةِ مَنْعَ الْقِيَاسِ على الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ قال وَيُسَاعِدُهُمْ من أَصْحَابِنَا أبو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا على الْجَوَازِ قال وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ جَوَازُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْأُمِّ الْمَنْعُ فإنه قال في كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ من اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّ

الْمُسَاقَاةَ على النَّخْلِ جَائِزَةٌ وَالْمُزَارَعَةَ على الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مُمْتَنِعَةٌ وَإِنَّ من أَجَازَهَا قَاسَهَا على الْمُضَارَبَةِ فقال ما نَصُّهُ وَهَذَا غَلَطٌ في الْقِيَاسِ إنَّمَا أَجَزْنَا بِخَبَرِ الْمُضَارَبَةِ وقد جاء عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أنها كانت قِيَاسًا على الْمُعَامَلَةِ في النَّخْلِ فَكَانَتْ تَبَعًا قِيَاسًا لَا مَتْبُوعًا مَقِيسًا عليها انْتَهَى وَأَمَّا الشَّيْخُ في اللُّمَعِ فإنه قَسَمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَنْبِطَ من الثَّابِتِ بِالْقِيَاسِ نَفْسَ الْمَعْنَى الذي يَثْبُتُ بِهِ وَيُقَاسُ عليه غَيْرُهُ قال وَهَذَا لَا خِلَافَ في جَوَازِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَنْبِطَ منه مَعْنَى الذي يَقِيسُ بِهِ على غَيْرِهِ وَيُقَاسُ غَيْرُهُ قال وَهَذَا فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قال أبو عبد اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْجَوَازُ وَنَصَرَهُ الشَّيْخُ في التَّبْصِرَةِ وَالثَّانِي وَبِهِ قال الْكَرْخِيّ الْمَنْعُ قال الشَّيْخُ وهو يَصِحُّ عِنْدِي الْآنَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ في الْفَرْعِ بِغَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَكَذَا صَحَّحَهُ في الْقَوَاطِعِ ولم يذكر الْغَزَالِيُّ غَيْرَهُ وَمِثَالُهُ قِيَاسُ الْأُرْزِ على الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطُّعْمِ من يُسْتَخْرَجُ من الْأُرْزِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ في الْبُرِّ وَيُقَاسُ عليه غَيْرُهُ في الرِّبَا كما لو اسْتَنْبَطَ منه أَنَّهُ نَبْتٌ لَا يَنْقَطِعُ عنه الْمَاءُ ثُمَّ يُقَاسُ عليه النَّيْلُوفَرُ فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ وقد صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْقِسْمَيْنِ في بَابِ الرِّبَا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في جَوَازِ الْأَوَّلِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ في الثَّانِي من غَيْرِ تَرْجِيحٍ وقال وَأَصْلُهُمَا الْقَوْلُ بِالتَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فَمَنْ قال بِالْمَنْعِ مَنَعَ هُنَا وَمَنْ أَجَازَهُمَا أَجَازَ هَاهُنَا لَكِنَّ قَوْلَهُ وَقَوْلَ الشَّيْخِ لَا خِلَافَ في جَوَازِ إلْحَاقِهِ رَدَّهُ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَعَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ قد صَرَّحَ في هذه الصُّورَةِ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ تَطْوِيلَ الطَّرِيقِ في ذلك عَيْبٌ فلم يَجُزْ وَهَذَا هو الْمُتَّجِهُ ثُمَّ قال الشَّيْخُ في شَرْحِهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا الْوَجْهَانِ في قِيَاسِ الشَّبَهِ لِأَنَّهُ يُرَجَّحُ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ من غَيْرِ عِلَّةٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ هذا الشَّرْطِ ما إذَا لم يَظْهَرْ لِلْوَسَطِ فَائِدَةٌ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ الْفَرْعِ على الْفَرْعِ وَكِتَابُ السِّلْسِلَةِ لِلشَّيْخِ أبي مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ على ذلك وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاظِرِ أَمَّا الْمُنَاظِرُ فَبِحَسَبِ ما يَصْطَلِحُونَ عليه وَأَمَّا

أَرْبَابُ الْمَذَاهِبِ فَأَقْوَالُ مُقَلِّدِيهِمْ وَإِنْ كانت فُرُوعًا تُنَزَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقَلِّدِينَ مَنْزِلَةَ أَقْوَالِ الشَّارِعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ فإذا حَفِظَ من إمَامِهِ فُتْيَا وَفَهِمَ مَعْنَاهَا جَازَ له أَنْ يُلْحِقَ بها ما يُشَابِهُهَا على الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بن يحيى وهو الْمُعَبَّرُ عنه بِالتَّخْرِيجِ وَجَعَلَ إلْكِيَا مَحَلَّ الْخِلَافِ في هذا فِيمَا لم يَكُنْ الْحُكْمُ في الْفَرْعِ بِنَصٍّ أو دَلِيلِ نَصٍّ يُسْتَدَلُّ بِهِ على مِثْلِهِ وَيَكُونُ الْفَرْعُ الثَّانِي مِثْلًا فَإِنْ كان كَذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ منه قَطْعًا كما أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَمَعَ ذلك يَمْتَنِعُ حَمْلُ الْفَرْعِ عليه بِعِلَّةٍ فَرَجَعَ حَاصِلُ الْخِلَافِ إلَى أَنَّ الذي ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا وما لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ من الْمُخْتَلَفِ فيه يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا إذَا كان ثُبُوتُهُ بِعُمُومٍ أو نَصٍّ أو غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عن كَوْنِهِ فَرْعًا ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ قال وَهَذَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ وهو يَسْتَدْعِي الْبِنَاءَ على أَصْلٍ وهو أَنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ هل يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ نَشَأَ منه أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلًا لِفَرْعٍ آخَرَ تَنْبِيهٌ إذَا مَنَعْنَا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ قِيَاسًا يُسْتَثْنَى منه صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا الْقِيَاسُ الذي قَاسَهُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إذَا جَوَّزْنَا له الِاجْتِهَادَ وَالثَّانِيَةُ التي أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ على إلْحَاقِهِ بِالْأَصْلِ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ في مَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِ وَسَتَأْتِي خَامِسُهَا أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِهِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّهُ لو عَمَّهُ لَخَرَجَ عن كَوْنِهِ فَرْعًا وَضَاعَ الْقِيَاسُ لِخُلُوِّهِ عن الْفَائِدَةِ بِالِاسْتِغْنَاءِ بِدَلِيلِ الْأَصْلِ عنه وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَالْآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى من الْعَكْسِ وقد يُنَازَعُ فيه وَمِثَالُهُ السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ فَيَجْرِي فيه الرِّبَا قِيَاسًا على الْبُرِّ ثُمَّ يُسْتَدَلُّ على عِلِّيَّةِ الطُّعْمِ بِقَوْلِهِ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ وَجَوَّزَ آخَرُونَ ذلك نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا ذَكَرَ دَلِيلًا له مَدْلُولَانِ وَتَمَسَّكَ بِأَحَدِ مَدْلُولَيْهِ على مَرَامِهِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمُ تَكْلِيفَهُ التَّمَسُّكَ بِمَدْلُولِهِ الْآخَرِ كما لو كان مَدْلُولُهُ الْآخَرُ غير مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّلَالَةَ على الْعِلَّةِ إنَّمَا تُرَادُ لِإِثْبَاتِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَالدَّلَالَةُ على ثُبُوتِهَا بِمَا يُغْنِي عن ثُبُوتِهَا لَا فَائِدَةَ فيه بِخِلَافِ ما إذَا كان الْمَدْلُولُ الْآخَرُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وقد وَجَّهَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ في اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ في زَكَاةِ الْمَعْدِنِ بِالْقِيَاسِ

على النَّقْدَيْنِ من غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيُقَالُ عليه لَا فَرْقَ بين الْمَعْدِنِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا زَكَاةَ في مَالٍ حتى يَحُولَ عليه الْحَوْلُ فإنه يَشْمَلُ كُلَّ مَالٍ فَلِمَ جَعَلْتُمْ مَالَ الْمَعْدِنِ فَرْعًا سَادِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَّفَقًا عليه لِأَنَّهُ لو كان مَمْنُوعًا منه لَاحْتَاجَ الْقِيَاسُ إلَى ثُبُوتِهِ فَيَنْتَقِلُ من مَسْأَلَةٍ إلَى أُخْرَى وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُغْنِي عن قَوْلِهِمْ فِيمَا سَبَقَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ على أَصْلٍ آخَرَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مع وُقُوعِ الْخِلَافِ فيه وَجَوَّزَ آخَرُونَ الْقِيَاسَ على الْأَصْلِ الْمَمْنُوعِ الْحُكْمِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْقِيَاسَ في نَفْسِهِ لَا يَشْتَرِطُ الِاتِّفَاقَ عليه في جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِهِ فَسُقُوطُ ذلك في كل رُكْنٍ من أَرْكَانِهِ أَوْلَى وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ كان الْمَنْعُ خَفِيًّا وَقِيلَ يَجُوزُ إنْ أَمْكَنَ الدَّلَالَةُ عليه بِنَصٍّ أو إجْمَاعٍ يُثْبِتَانِ حُكْمَ الْأَصْلِ وَلَا يَتَنَاوَلَانِ مَحَلَّ النِّزَاعِ فإذا ثَبَتَ الْأَصْلُ اسْتَنْبَطَ منه عِلَّةً عَدَّى بها الْحُكْمَ إلَى الْفَرْعِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا بِمَا ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ الْمَمْنُوعِ فَيُقَالُ كان اسْتِعْمَالُ الْأَصْلِ حَشْوًا وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ الْمَمْنُوعِ مُخْتَصًّا في ثُبُوتِهِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ وَقِيلَ يُبْنَى الْأَمْرُ على اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَصْرِ من غَيْرِ جُحُودٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ وإذا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَاخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ الِاتِّفَاقِ عليه فَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَتَّفِقَ عليه الْخَصْمَانِ فَقَطْ لِتَنْضَبِطَ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ وَمِنْهُمْ من شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عليه بين الْأُمَّةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَ في الْمُنْتَهَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إنْ كان مُقَلِّدًا لم يُشْتَرَطْ الْإِجْمَاعُ إذْ ليس مَنْعُ ما ثَبَتَ مَذْهَبًا له وَإِنْ كان مُجْتَهِدًا اُشْتُرِطَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ ليس مُرْتَبِطًا بِإِمَامٍ فإذا لم يَكُنْ الْحُكْمُ مُجْمَعًا عليه وَلَا مَنْصُوصًا عليه جَازَ له أَنْ يَمْنَعَهُ في الْأَصْلِ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أو يُعَيِّنَ عِلَّةً لَا تَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لَكِنَّ وُقُوعَهُ بَعِيدٌ ثُمَّ إذَا اتَّفَقَا على إثْبَاتِ الْحُكْمِ في الْأَصْلِ نُظِرَ فَإِنْ كان بِعِلَّتَيْنِ فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْخَصْمِ غَيْرُ الْعِلَّةِ عِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ فَهُوَ مُرَكَّبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَيْ ما جُعِلَ

جَامِعًا وَصْفَانِ يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً كما في قِيَاسِ حُلِيِّ الْبَالِغَةِ على حُلِيِّ الصَّبِيَّةِ فإن عَدَمَ الْوُجُوبِ في حُلِيِّ الصَّبِيَّةِ مُتَّفَقٌ عليه بين الْخَصْمَيْنِ لَكِنْ لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فإنه عِنْدَنَا لِعِلَّةِ كَوْنِهِ حُلِيًّا وَعِنْدَهُمْ لِعِلَّةِ كَوْنِهِ مَالًا لِلصَّبِيَّةِ وَالْمُعْتَرِضُ على أَحَدِ الْحُسْنَيَيْنِ لِأَنَّ عِلَّتَهُ إنْ كانت هِيَ الصَّحِيحَةُ في نَفْسِ الْأَمْرِ انْقَطَعَ قِيَاسُ خَصْمِهِ وَإِنْ كانت عِلَّةُ الْمُعْتَرِضِ هِيَ الْبَاطِلَةُ مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ الْقِيَاسُ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لم يُسَمَّ مُرَكَّبًا لِاخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ في عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَقَطْ كما صَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ قِيَاسٍ اخْتَلَفَ في عِلَّةِ أَصْلِهِ مُرَكَّبًا وهو بَاطِلٌ بَلْ لِاخْتِلَافِ الْخَصْمِ في تَرْكِيبِ الْحُكْمِ على الْعِلَّةِ في الْأَصْلِ فإن الْمُسْتَدِلَّ يَزْعُمُ أَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ من حُكْمِ الْأَصْلِ وَهِيَ فَرْعٌ له وَالْمُعْتَرِضُ يَزْعُمُ أَنَّ الْحُكْمَ في الْأَصْلِ فَرْعٌ على الْعِلَّةِ وَلَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِهِ سِوَاهَا وَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا وَبُطْلَانِهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَ تَرْكِيبَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ نَظَرٌ في حُكْمِ الْأَصْلِ وَإِنْ كان لِعِلَّةٍ وَلَكِنْ مَنَعَ الْخَصْمُ وُجُودَهَا في الْفَرْعِ فَيُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ لِأَجْلِ اخْتِلَافِهِمْ في نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ هل له وُجُودٌ في الْأَصْلِ أَمْ لَا وَسُمِّيَ تَرْكِيبًا في الْوَصْفِ لِأَنَّ الْحُكْمَ الذي وَقَعَ التَّرْكِيبُ في عِلَّتِهِ وَقَعَ جَامِعًا في الْقِيَاسِ فَأُطْلِقَ عليه وَصْفًا لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمْعِ بِالْأَوْصَافِ وَمِثَالُهُ اخْتِلَافُ أبي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ رضي اللَّهُ عنهما في قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ مع اتِّفَاقِهِمَا على أَنَّ الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِالْوَلَدِ فإذا قَاسَ الشَّافِعِيُّ الْفَرْعَ بِالْأَصْلِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمٍ مُتَّفَقٍ عليه مُخْتَلَفٍ في عِلَّتِهِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ كَوْنُ الْمُسْلِمِ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ يَلْزَمُ من ذلك أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ إذَا قَتَلَهُ بِالْمُحَدَّدِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِابْنِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا مُحَدَّدًا أو مُثَقَّلًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُخِذَ من اجْتِمَاعِ الْحُكْمَيْنِ في الْأَبِ وَاسْتِوَائِهِمَا في حَقِّهِ اسْتِوَاؤُهُمَا في حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لَكِنَّ الْعِلَّةَ مُخْتَلِفَةٌ في قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بِالْمُثَقَّلِ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لِكَوْنِهِ مُثَقَّلًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ وَكَلَامُ الْهِنْدِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ بِالْأَوَّلِ فلم يُذْكَرْ هذا الثَّانِي وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لِلْقِسْمَيْنِ جميعا وَعَلَيْهِ جَرَى الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وقد اخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَقَبِلَهُمَا جَمَاعَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُمَا لَا يُقْبَلَانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُنْقَلُ عن عَدَمِ الْعِلَّةِ في الْفَرْعِ أو مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالثَّانِي لَا يُنْقَلُ عن عَدَمِ الْعِلَّةِ في الْأَصْلِ أو مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وقال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ في الْبُرْهَانِ أَمَّا مُرَكَّبُ الْأَصْلِ فَمِنْهُ الشَّيْءُ الْمُتَفَاحِشُ وَمِنْهُ ما لَا يَتَفَاحَشُ كَقَوْلِهِ أُنْثَى فَلَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا كَبِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ من الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهُ

صَحِيحٌ وَحَاصِلُ خِلَافِهِمْ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُتَّفَقٌ عليه وَالْمُعَلِّلُ يَلْتَزِمُ إثْبَاتَ الْأُنُوثَةِ عِلَّةً فَإِنْ أَثْبَتَهَا ثَبَتَ بِهِ أنها الْعِلَّةُ وَتَشَعُّبُ الْمَذَاهِبِ بَعْدَ ذلك لَا أَصْلَ له وَإِنْ لم يَتَمَكَّنْ الْمُعَلِّلُ من إثْبَاتِ ما ذَكَرَهُ في الْفَرْعِ عِلَّةً في الْأَصْلِ فَاَلَّذِي جاء بِهِ بَاطِلٌ وَإِنْ لم يَكُنْ مُرَكَّبًا فَإِذَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلتَّرْكِيبِ كان أو لم يَكُنْ وَإِنَّمَا الْمُتَّبَعُ إثْبَاتُ عِلَلِ الْأُصُولِ قال وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فإن الْمُخَالِفَ يقول ظَنَنْت الْخَمْسَ عَشْرَةَ صَغِيرَةً وَلَوْ كانت كَذَلِكَ لَكَانَ الْقِيَاسُ على الصَّغِيرَةِ بَاطِلًا كما تَقَدَّمَ إلْحَاقًا بِالْقِيَاسِ على مَأْلُوفٍ قال وَأَمَّا التَّرْكِيبُ في الْوَصْفِ فَيَنْقَسِمُ كَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ كَقَتْلِ الْمُثَقَّلِ لَا يُوجِبُ قَتْلَ السَّيْفِ كَالْأَبِ في ابْنِهِ وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ وهو في غَايَةِ الْفَسَادِ عِنْدَنَا وقال إلْكِيَا في تَعْلِيقِهِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ في الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ لو صَحَّ لَتَرَكَّبَ عليه مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ وَلَوْ أَنَّ الْأَوَّلِينَ من الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ يَتَعَرَّضُونَ له ولم يُنْقَلْ عَنْهُمْ وَنُقِلَ عن الدَّارَكِيِّ أَنَّهُ قال التَّرْكِيبُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ يُمْكِنُ انْتِقَاضُهُ بِأَنْ يُعَارَضَ بِالتَّعْدِيَةِ قال أَصْحَابُنَا هذا غَفْلَةٌ منه وَلَعَلَّهُ قَالَهُ في ضِيقِ النَّظَرِ فَاعْتُرِضَ عليه بِأَنَّهُ سَلَّمَ لِخَصْمِهِ وُجُودَ عِلَّتِهِ وَهِيَ الْأُنُوثَةُ وهو لم يُسَلِّمْ وُجُودَ عِلَّتِهِ وَهِيَ الصِّغَرُ وَأَيْضًا فإنه عَلَّلَ وَعَدَّى إلَى فَرْعٍ لم يَسْأَلْ عنه وَالْمُسْتَدِلُّ عَلَّلَ وَعَدَّى فَتَكَاسَلَ عنه قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا من الْأَصْحَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالرَّجُلُ ما قال ذلك إلَّا عن نَظَرٍ وَتَحْقِيقٍ أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ لم يُسَلِّمْ له خَصْمُهُ وُجُودَ الصِّغَرِ في الْأَصْلِ وهو قد سَلَّمَ له وُجُودَ الْأُنُوثَةِ فَلِهَذَا يُبْنَى على أَصْلٍ وهو أَنَّ السَّائِلَ إذَا عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ مُعَارَضَتَهُ فَهَلْ له أَنْ يَدُلَّ اخْتَلَفُوا فيه وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمَكَّنُ من إقَامَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَارَضَ فَقَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُسْتَدِلًّا فَلَهُ إقَامَةُ الدَّلِيلِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ على أَنَّهُ إذَا مُونِعَ وُجُودُ الصِّغَرِ ذَكَرَ عِلَّتَهُ وَيَكْفِيهِ ذلك وقال ابن بَرْهَانٍ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ من أَصْحَابِنَا وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الطَّرْدِيِّينَ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فيه نَتِيجَةَ الْعِلَّةِ وَتَكُونَ عِلَّةُ الْأَصْلِ مُخْتَلَفًا فيها بِحَيْثُ لو قَدَّرْنَا فَسَادَ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَتَضَمَّنَ ذلك بُطْلَانَ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ ما من أَصْلٍ يُبْنَى عليه فَرْعٌ إلَّا وَيَكُونُ عِلَّةُ ذلك الْأَصْلِ مُخْتَلَفًا فيها فَبِمَ يَقَعُ الْفَرْقُ بين الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ من الْأَقْيِسَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24