كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

النَّحْوِيِّينَ مِنْهُمْ الزَّمَخْشَرِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُفَصَّلِ ( وَأَعَمُّ ) مِنْهَا مُطْلَقًا ( عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَاللُّغَوِيِّينَ ) أَيْ كَمَا عِنْدَهُمْ لِنَقْلِ الْآمِدِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عَنْ أَكْثَرَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْمُرَكَّبَةَ مِنْ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا كَلَامٌ قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ فَهُوَ إذَنْ مَا انْتَظَمَ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُتَوَاضِعِ عَلَيْهَا الصَّادِرَةِ عَنْ مُخْتَارٍ وَاحِدٍ فَمَا انْتَظَمَ أَيْ تَأَلَّفَ وَالتَّأْلِيفُ ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْأَجْسَامِ لَكِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَأَلِّفِ مِنْ الْحُرُوفِ تَشْبِيهًا بِهَا كَالْجِنْسِ وَالْبَاقِي كَالْفَصْلِ فَخَرَجَ بِمِنْ الْحُرُوفُ ، وَالْمُرَادُ حَرْفَانِ فَصَاعِدًا الْمُتَأَلِّفُ مِنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَحَرَكَتِهِ وَبِالْمَسْمُوعَةِ الْمَكْتُوبَةُ وَالْمَعْقُولَةُ ، وَبِالْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهَا الْمُهْمَلُ وَبِالصَّادِرَةِ عَنْ مُخْتَارٍ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الْجَمَادَاتِ وَبِوَاحِدٍ الصَّادِرَةُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ مُخْتَارٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ صَدَرَتْ بَعْضُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَعْضُ مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا قَالَ : وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْكَلَامِ عَلَى كَلِمَاتٍ مُجْتَمَعَةٍ غَيْرِ مُنْتَظِمَةِ الْمَعَانِي كَزَيْدٍ بَلْ فِي فَقِيلَ يُسَمَّى كَلَامًا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ كَلِمَاتِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى وَيُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَهُمْ فَالْمَجْمُوعُ أَوْلَى ، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا ذَكَرَهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّجَهُ .
وَفِي الصِّحَاحِ الْكَلَامُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ إطْلَاقَ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ عَلَى الْكَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِذَنْ الْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا ، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنْ لَا يُطْلَقُ

الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلَ ق و ع إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَمًا ، وَفِيهِ بُعْدٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لَكِنْ لَا مَعَ قَصْرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ بَلْ مَعَ مُلَاحَظَةِ كَلِمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ فِيهِ ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُعْطَى لِلْمُقَدَّرِ حُكْمُ الْمَلْفُوظِ ثُمَّ لَا يَضُرُّ فِي أَعَمِّيَّتِهِ إطْلَاقُ الْجُمْلَةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَيْضًا ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْكَلَامَ بِاصْطِلَاحِ اللُّغَوِيِّينَ أَعَمُّ مِنْهُ بِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ ، وَقَوْلُ الْبَدِيعِ ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَكَّبُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ مُرَادُهُ بِهِمْ النَّحْوِيُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ نَعَمْ إنْ سَلِمَ قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ الْجَمَلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُفِيدَةً أَوْ غَيْرَ مُفِيدَةٍ عَكَّرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْكَلَامَ وَالْجُمْلَةَ مُتَسَاوِيَانِ لَكِنْ لَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ أَثْبَتُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَأَخَصُّ ) مِنْهَا مُطْلَقًا ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا ( عِنْدَ آخَرِينَ ) مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ ، وَمَشَى عَلَيْهِ الإستراباذي وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ الْمَشْهُورُ فَقَالُوا الْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادَ الْأَصْلِيَّ وَكَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ ، وَالْجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَ الْإِسْنَادُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ أَوْ لَا فَالْمَصْدَرُ وَالصِّفَاتُ الْمُسْنَدَةُ إلَى فَاعِلِهَا لَيْسَتْ كَلَامًا وَلَا جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ أَصْلِيًّا ، وَالْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ خَبَرًا أَوْ وَصْفًا أَوْ حَالًا أَوْ شَرْطًا أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَيْسَتْ بِكَلَامٍ ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهُ إذْ شَرْطُهُ الْإِفَادَةُ

بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ جُمْلَةُ الشَّرْطِ جُمْلَةُ الصِّلَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفِيدًا فَلَيْسَ كَلَامًا ا هـ .
وَهَذَا كَمَا تَرَى يُفِيدُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِخُصُوصِ الْكَلَامِ اشْتِرَاطُ الْإِفَادَةِ فِيهِ دُونَ الْجُمْلَةِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فِيهِ دُونَهَا ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ ، وَقَدْ صَرَّحَ سِيبَوَيْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى الْجُمَلِ الْمُفِيدَةِ ا هـ .
فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِي الْكَلَامِ اشْتِرَاطُهَا فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَالَةَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْإِفَادَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْجُمْلَةِ أَصْلًا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُقَالُ : حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَّا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمُفِيدِ ، وَقَوْلُهُمْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِفَادَةِ فِيهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ .
وَنَظِيرُهُ تَسْمِيَتُهُمْ الْمُضَارَعَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ لَمْ الْمُقْتَضِيَةُ قَلْبَهُ مَاضِيًا مُضَارَعًا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ اصْطِلَاحًا هُوَ الصَّوَابُ لَاحْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ .

وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي بَيَانِ انْقِسَامَاتِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْسَامِهِ خَاصًّا بِهِ كَمَا عَسَى أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ فَنَقُولُ : ( وَلِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَدَلَالَتِهِ ، وَمُقَايَسَتِهِ لِمُفْرَدٍ آخَرَ وَمَدْلُولِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ وَإِطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ انْقِسَامَاتٌ ) خَمْسَةٌ بِعِدَّةِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا اعْتِبَارُ الذَّاتِ ، وَآخِرُهَا اعْتِبَارُ الِاسْتِعْمَالِ ( فِي فُصُولٍ ) خَمْسَةٍ بِعِدَّتِهَا أَيْضًا ، وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ بَعْضِ أَقْسَامِ انْقِسَامِهِ بِالِاعْتِبَارِ الرَّابِعِ كَمَا سَتَرَى فَالْوَجْهُ إسْقَاطُهُمَا هُنَا .
( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ غَيْرِهِ أَوَّلًا وَجَمِيعُ مَا تَضْمَنَّهُ هَذَا الْفَصْلُ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَأَمَّا هُمْ فَاكْتَفَوْا بِالْإِشَارَةِ إلَى مَا يَهُمُّهُمْ مِنْهُ فِيمَا يَكُونُونَ بِصَدَدِهِ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْمُشْتَقُّ لَا يُعْلَمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَقٌّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّرَ هَذَا الْفَصْلِ بِبَيَانِهِ ثُمَّ نَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ .
فَنَقُولُ الِاشْتِقَاقُ اصْطِلَاحًا يُقَالُ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وِفَاقًا لَلْبَصْرِيِّينَ مُوَافَقَةُ غَيْرِ مَصْدَرٍ لَهُ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً ، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ كَضَرْبٍ وَضَارِبٍ فَالْمَصْدَرُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ وَالْآخَرُ مُشْتَقٌّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مِنْ الْوَاضِحِ اُحْتِيجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لَا إلَى عَمَلِهِ فَعُرِفَ بِحَسَبِ الْعِلْمِ فَيُقَالُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ بَيْنَ مَصْدَرٍ وَغَيْرِهِ مُوَافَقَةٌ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً ، وَفِي الْمَعْنَى مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَى الْمَصْدَرِ فَيُعْرَفُ ارْتِدَادُ غَيْرِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَصْدَرِ ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ

الِاحْتِيَاجُ إلَى عَمَلِهِ عُرِفَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فَيُقَالُ هُوَ أَخْذُ لَفْظٍ مِنْ مَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ مُرَتَّبَةً ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ عَلَيْهِ .
ثَانِيهَا مُوَافَقَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مَعَ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُنَاسَبَةٍ فِي الْمَعْنَى كَجَذْبٍ وَالْجَبْذِ ثَالِثُهَا مُنَاسَبَةُ لَفْظَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالْمَعْنَى كَالثَّلْبِ وَالثَّلْمِ وَالنَّعِيقِ وَالنَّهِيقِ وَتُسَمَّى هَذِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَأَكْبَرُ ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرُ ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرُ ، وَأَوْسَطُ وَأَكْبَرُ وَلَا مُشَاحَّةَ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِاشْتِقَاقٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ حَظُّ الْأُصُولِيِّ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَسَّمَ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ بِاعْتِبَارِهِ فَقَالَ ( هُوَ مُشْتَقٌّ مَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ ) فَمَا وَافَقَ مَصْدَرًا شَامِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَبِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ ، وَمَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْخَاصُّ مُخْرِجٌ لِمَا وَافَقَ مَصْدَرًا بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ لَا بِمَعْنَاهُ كَضَرَبَ بِمَعْنَى بَيْنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرْبِ بِمَعْنَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ كَنَصَرَ بِمَعْنَى أَعَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِعَانَةِ ، وَالْمُرَادُ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِهَا مَعَ تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمُشْتَقُّ عَلَى مِثْلِ جَمِيعِهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَصْلِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ نَحْوُ خَفْ مِنْ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْوَاوَ مُقَدَّرَةٌ ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ بَعْدَ انْقِلَابِهَا أَلِفًا لِعَارِضِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ لِلْعِلْمِ بِهِ بِقَرِينَةٍ .
وَمَعْنَاهُ وَقَيَّدَ الْحُرُوفَ بِالْأُصُولِ ، وَهِيَ مَا تُقَابَلُ بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْهُ نَحْوُ الِاسْتِبَاقِ مِنْ السَّبْقِ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلزَّوَائِدِ فِي السَّبْقِ فَضْلًا عَنْ الْمُوَافَقَةِ فِيهَا

وَنَحْوَ دَخَلَ مِنْ الدُّخُولِ ، وَمَعَ زِيَادَةٍ يَعْنِي فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ فِي اللَّفْظِ زِيَادَةٌ أَمْ لَا كَفَرِحٍ مِنْ فَرِحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا حَاشِيَةً وَنَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ ( هِيَ فَائِدَةُ الِاشْتِقَاقِ ) فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ ( فَالْمَقْتَلُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَصْدَرًا ) مِيمِيًّا ( مَعَ الْقَتْلِ أَصْلَانِ مَزِيدٌ ) ، وَهُوَ الْمَقْتَلُ ( وَغَيْرُ مَزِيدٍ ) ، وَهُوَ الْقَتْلُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمَقْتَلِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ ( وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِهِ ) أَيْ بِالْمَقْتَلِ ( زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ ) فِي مَعْنَاهُ الثَّابِتِ لِلْقَتْلِ ( فَمُشْتَقٌّ مِنْهُ ) أَيْ فَالْمَقْتَلُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَتْلِ حِينَئِذٍ لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ فِي حُرُوفِهِ الْأُصُولِ بِتَرْتِيبِهَا ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ الْمَقْتَلِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الْقَتْلِ بِالتَّقْوِيَةِ فِيهِ ، وَفِي اللَّفْظِ أَيْضًا ، وَهِيَ الْمِيمُ وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الِاشْتِقَاقُ الْوَاقِعُ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ مِنْ الْقَتْلِ .
ثُمَّ بَقِيَ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أُمُورٍ .
أَحَدُهَا لَمْ يَقُلْ مَا وَافَقَ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْفِعْلَ أَصْلٌ فِيهِ وَرَأْيُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْمَصْدَرَ أَصْلٌ فِيهِ بَلْ قَالَ مَصْدَرًا فَيَكُونُ تَعْرِيفًا لَهُ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ ، وَقَدْ بَيْنَ وَجْهَهُ فِي مَوْضِعِهِ .
ثَانِيهَا الْمُرَادُ بِالْمَصْدَرِ أَعَمُّ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُقَدَّرِ فَتَدْخُلُ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهَا مَصَادِرُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ وَتَبَارَكَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي لَا مَصَادِرَ لَهَا وَلَا أَفْعَالَ كَرِبْعَةٍ وَحَزَوَّرَ وَكَفَاخِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فَتُقَدَّرُ الْمَصَادِرُ لَهَا تَقْدِيرًا ، وَالتَّعَقُّبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُشْتَقَّةٍ مِنْ مَصَادِرَ

أُهْمِلَتْ فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِهَا ، وَإِنَّمَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْمُشْتَقِّ لَوْ تَمَّ لَا يَنْفِي الْوُجُودَ مُطْلَقًا .
ثَالِثُهَا ثُمَّ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَفْعَالِ ، الْمُشْتَقَّةُ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي التَّكْمِلَةِ ، وَعَبْدُ الْقَاهِرِ فِي شَرْحِهَا وَالسِّيرَافِيُّ لِكَوْنِهَا جَارِيَةً عَلَى سُنَنِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْمَصَادِرِ نَفْسِهَا كَمَا هَذَا التَّعْرِيفُ مَاشٍ عَلَيْهِ ، وَمَا وَقَعَ مِنْ إطْلَاقِ اشْتِقَاقِهَا مِنْ الْفِعْلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ ؛ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ يُسَمِّي الْمَصْدَرَ فِعْلًا وَحَدَثًا كَمَا ذَكَرَهُ الإستراباذي أَوْ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهًا عَلَى الْحُرُوفِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَصَادِرِ كَالْقَبُولِ يَشْتَمِلُ عَلَى حَرْفٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ ، وَعَكَسَ هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَنَا أَنْ نَشْتَقَّهَا مِنْ الْفِعْلِ لِأَصَالَتِهِ الْقَرِيبَةِ ، وَمِنْ الْمَصْدَرِ لِأَصَالَتِهِ الْبَعِيدَةِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعِيدِ مَعَ وُجُودِ الْقَرِيبِ مَجَازٌ ، وَإِلَى الْقَرِيبِ حَقِيقَةٌ كَمَا فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ .
رَابِعُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَصْدَرِ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ فَيُشْتَقُّ مِنْ النُّطْقِ مُرَادًا بِهِ لِدَلَالَةِ النَّاطِقِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْحَالُ نَاطِقَةٌ بِكَذَا .
خَامِسُهَا كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُشْتَقِّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ حَرَكَةً وَلَوْ اعْتِبَارًا بِإِبْدَالٍ أَوْ سُكُونٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرْفًا بِحَذْفٍ أَوْ إبْدَالٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ حَرَكَةً وَحَرْفًا مَعًا .
وَقَدْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ تِسْعَةَ أَقْسَامٍ وَكَمَّلَهَا الْبَيْضَاوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرُهَا مَعَ أَمْثِلَتِهَا

الصَّحِيحَةِ لَهَا إسْعَافًا مُقَدِّمِينَ أَمَامَهَا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَرَكَةِ وَاحِدَةً بِالشَّخْصِ بَلْ جِنْسُهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ ، وَكَذَا الْحَرْفُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا ، وَأَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ ، وَهَمْزَةَ الْوَصْلِ لَا اعْتِدَادَ بِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ الْإِعْرَابِيَّةَ طَارِئَةٌ عَلَى الصِّيغَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا مُتَبَدِّلَةٌ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْعَامِلِ ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ تَسْقُطُ فِي الدَّرَجِ فَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ عَلِمَ مِنْ الْعِلْمِ وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ كَاذِبٍ مِنْ الْكَذِبِ بِكَسْرِ الذَّالِ ، وَمَا زِيدَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ ضَارِبٍ مِنْ الضَّرْبِ ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ سَفْرٍ بِسُكُونِ الْفَاءِ مِنْ السَّفَرِ بِفَتْحِهَا وَحَرْفٌ لَا غَيْرُ نَحْوُ صَهِلٍ بِكَسْرِ الْهَاءِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ ، وَمَا نَقَصَا مَعًا فِيهِ نَحْوُ صَبَّ مِنْ الصَّبَابَةِ ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ حَذِرٍ بِكَسْرِ الذَّالِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْحَذَرِ ، وَمَا زِيدَ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ صَاهِلٍ مِنْ الصَّهِيلِ ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ أَكْرَمَ مِنْ الْكَرَمِ ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ رَجَعَ مِنْ الرَّجْعِيِّ ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ نَحْوُ مَنْصُورٍ مِنْ النَّصْرِ ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَ مِنْهُ حَرْفٌ نَحْوُ مُكَلِّمٍ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ مِنْ التَّكْلِيمِ ، وَمَا نَقَصَ مِنْهُ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ نَحْوُ عِدْ أَمْرٌ مِنْ الْوَعْدِ ، وَمَا نَقَصَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَزِيدَ فِيهِ حَرْفٌ نَحْوُ كَالٍّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْكَلَالِ ، وَمَا زِيدَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ وَنَقَصَا مِنْهُ نَحْوُ مَقَامٍ مِنْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَا تَحْتَهُ أَقْسَامٌ فَإِنَّ الْحَرَكَةَ تَحْتَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَلَوْ اُعْتُبِرَ نَقْصُهَا وَزِيَادَتُهَا مُنْفَرِدَيْنِ ، وَمُجْتَمَعَيْنِ مُتَنَوِّعَاتٌ حَسَبِ تَنَوُّعِهَا

لَكَثُرَتْ الْأَقْسَامُ جِدًّا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَلْحَظُوا هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي التَّقْسِيمِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الِانْتِشَارِ مَعَ قِلَّةِ الْجَدْوَى .
( وَجَامِدٌ خِلَافُهُ ) أَيْ مَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ فَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُوَافِقٍ لِمَصْدَرٍ بِحُرُوفِهِ الْأُصُولِ ، وَمَعْنَاهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ كَرَجُلٍ ، وَأَسَدٍ ( وَالِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ لَيْسَ مِنْ حَاجَةِ الْأُصُولِيِّ ) ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الِاشْتِقَاقِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ أَنَّ مَبْدَأَ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ الْمُشْتَقِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِمَعْرِفَةِ الِاشْتِقَاقِ الْمُسَمَّى بِالْأَصْغَرِ أَوْ الصَّغِيرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْكَبِيرِ وَالْأَكْبَرِ أَيْضًا فِي هَذَا الْعِلْمِ ( وَالْمُشْتَقُّ ) قِسْمَانِ ( صِفَةٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعِينٍ ) أَيْ مَا فُهِمَ مِنْهُ ذَاتٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَصِفَةُ مُعَيَّنَةٌ كَضَارِبٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَهُ الضَّرْبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا بَلْ جِسْمًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّيْئِيَّةِ لَمْ يُقَدَّرُ مَوْصُوفُهُ شَيْءٌ ( فَخَرَجَ ) بِقَيْدِ الْإِبْهَامِ فِي الذَّاتِ ( اسْمُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ) كَالْمَقْتَلِ لِزَمَانِ الْقَتْلِ ، وَمَكَانِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِفَةً ( لِأَنَّ الْمَقْتَلَ مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ فِيهِ الْقَتْلُ ) لَا شَيْءَ مَا فِيهِ الْقَتْلُ فَلَا إبْهَامَ فِي الذَّاتِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتَلٍ كَمَا يَصِحُّ مَكَانُ أَوْ زَمَانُ مَقْتُولٍ فِيهِ ( قِيلَ تَتَحَقَّقُ الْفَائِدَةُ فِي نَحْوِ الضَّارِبِ جِسْمٌ فَلَمْ يَكُنْ جُزْءًا ، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ كَالْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا دَلِيلٌ ذُكِرَ عَلَى لُزُومِ إبْهَامِ الذَّاتِ فِي الْمُشْتَقِّ الصِّفَةِ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الضَّارِبُ جِسْمٌ مُفِيدٌ فَلَوْ كَانَ الْجِسْمُ مُعْتَبَرًا جُزْءًا مِنْ الضَّارِبِ لَمْ يُفِدْ لِاسْتِفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ

ضَارِبٍ كَمَا لَمْ يُفِدْ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ لِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ ، وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَلِقَائِلٍ مَنْعَ الْفَرْقِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْهُ ) أَيْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَدِلَّ بِتَبَادُرِ الْجَوْهَرِ مِنْ ضَارِبٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ بِاسْتِقْلَالِهِ كَمَا يُفْهَمُ الْحَيَوَانُ مِنْ إنْسَانٍ اسْتِقْلَالًا ثُمَّ إنْ لَمْ يُفِدْ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ كَذَلِكَ الضَّارِبُ جِسْمٌ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ إبْهَامُ الذَّاتِ ثُمَّ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَلِيلٍ اقْتَرَحَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالْأَوْجَهُ صِحَّةُ الْحَمْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى ) أَيْ وَالدَّلِيلُ الْأَوْجَهُ لِإِبْهَامِ الذَّاتِ فِي مَفْهُومِ الْوَصْفِ أَنَّ الْوَصْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ حَقِيقَةً عَلَى الْجِسْمِ كَزَيْدٍ مَلِيحٌ ، وَعَلَى الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ فَلَوْ أَفَادَتْ الصُّورَةُ مَادَّةً خَاصَّةً بِالْجَوْهَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى أَوْ مَادَّةٍ خَاصَّةٍ بِالْعَرْضِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْعَيْنِ .
وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ لِكُلِّ وَصْفٍ جُزْئِيٍّ وَضْعٌ بَلْ الْوَضْعُ كُلِّيٌّ وَاحِدٌ لِكُلِّ وَصْفٍ فَظَهَرَ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَعْتَمِدُ ذَاتًا أَيْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّرْكِيبِ ( وَغَيْرِ صِفَةِ خِلَافِهِ ) أَيْ مَعْنَى الصِّفَةِ ، وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْهُ أَسْمَاءَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
( تَتْمِيمٌ ) ثُمَّ الْمُشْتَقُّ قَدْ يَطَّرِدُ كَأَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ ، وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ ، وَأَسْمَاءِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ ، وَقَدْ لَا يَطَّرِدُ كَالْقَارُورَةِ الدُّبْرَانِ وَالْعَيُّوقِ وَالسِّمَاكِ ، وَالْمَنَاطُ فِيهِمَا أَنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي مَحَلِّ التَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ إنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَجُزْءٌ

مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَا بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ لِمَعْنَى الْأَصْلِ إلَيْهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ ذَاتٍ كَذَلِكَ أَيْ لِمَعْنَى الْأَصْلِ مَعَهَا تِلْكَ النِّسْبَةُ ، اللَّهُمَّ إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا فِي الْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
وَإِنْ اُعْتُبِرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلتَّسْمِيَةِ بِالْمُشْتَقِّ مُرَجِّحٌ لَهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الْمَعْنَى فِي التَّسْمِيَةِ وَكَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ الْمُسَمَّى حَتَّى كَانَ الْمُرَادُ ذَاتًا مَخْصُوصَةً فِيهَا الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِي تِلْكَ الذَّاتِ بَلْ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهَا فَهَذَا الْمُشْتَقُّ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الذَّوَاتِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُسَمَّاهُ تِلْكَ الذَّاتِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ السَّكَّاكِيُّ حَيْثُ قَالَ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَ تَسْمِيَةِ إنْسَانٍ لَهُ حُمْرَةٌ بِأَحْمَرَ وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِأَحْمَرَ فَتَزِلَّ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْمَعْنَى فِي التَّمْسِيَةِ لِتَرْجِيحِ الِاسْمِ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ تَخْصِيصِهِ بِالْمُسَمَّى وَاعْتِبَارِهِ فِي الْوَصْفِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لِهَذَا نَفْعٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى بَصِيرَةٍ

( مَسْأَلَةٌ وَلَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ ) وَصْفٌ مِنْ مَصْدَرٍ ( وَالْمَعْنَى ) الَّذِي لِلْمَصْدَرِ ( قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ ( وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ : مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا خَلْقُهُ ) الْكَلَامَ اللَّفْظِيَّ ( فِي الْجِسْمِ ) كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالشَّجَرَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهَا مُوسَى ( وَأَلْزَمُوا ) عَلَى هَذَا ( جَوَازَ ) إطْلَاقِ ( الْمُتَحَرِّكِ وَالْأَبْيَضِ ) مَثَلًا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لِخَلْقِهِ هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي مَحَالِّهَا لَكِنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ إطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَعَالَى قَطْعًا ( وَدُفِعَ عَنْهُمْ ) هَذَا الْإِلْزَامُ ( بِالْفَرْقِ ) بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ وَمَا أَلْزَمُوا بِهِ ( بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْمُتَكَلَّمُ لَهُ ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ صِفَةً لَهُ - تَعَالَى - قَطْعًا ( وَامْتَنَعَ قِيَامُهُ ) أَيْ الْكَلَامِ ( بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ الْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ ، وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا تَكُونُ قَائِمَةً بِهِ ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ( فَلَزِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ ( فِي حَقِّهِ خَالِقُهُ ) أَيْ الْكَلَامِ فِي الْجِسْمِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُتَحَرِّكُ وَالْأَبْيَضُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَهَذَا الدَّفْعُ مَذْكُورٌ لِلْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الدَّفْعُ ( بِشَيْءٍ ) يُعْتَدُّ بِهِ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ ( لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَفْصِيلٌ ( بَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ الْقِيَامُ بِهِ ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا ( فَيَجُوزُ ) أَنْ يُطْلَقَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَمَعْنَاهُ قَائِمٌ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ بَيْنَ مَنْ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْوَصْفِ بِهِ ( فَلَا ) يَجُوزُ إطْلَاقُ الْوَصْفِ عَلَيْهِ

، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ( بَلْ لَوْ امْتَنَعَ ) قِيَامُ مَعْنَى الْوَصْفِ بِشَيْءٍ ( لَمْ يُصَغْ لَهُ ) أَيْ امْتَنَعَ صَوْغُ الْوَصْفِ لَهُ لُغَةً ( أَصْلًا ) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يُجْرَى عَلَى شَيْءٍ وَصْفٌ ، وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِأَمْرٍ مِنْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُمْتَنَعِ اتِّصَافُهُ بِهَا ( فَحَيْثُ صِيغَ ) لَهُ - تَعَالَى - وَصْفٌ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ مَوْضُوعٌ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ مَعْنَى هَذَا الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ ( لَزِمَ قِيَامُهُ ) أَيْ قِيَامُ مَعْنَى الْكَلَامِ ( بِهِ تَعَالَى ) لَا أَنَّهُ - تَعَالَى - يُوصَفُ بِهَا وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَتُجَابُ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّهُ لَا مُلْجِئَ إلَى هَذَا الْمُحْتَمَلِ الْمُمْتَنِعِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي حَقِّهِ - سُبْحَانَهُ - عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ - تَعَالَى - مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ ثُمَّ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ اسْتِبْعَادًا أَنْ يُنَازِعَ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءُ فِي هَذَا الْأَصْلِ اللُّغَوِيِّ بِحَذَافِيرِهِ ، وَإِشَارَةً إلَى تَجْوِيزِ أَخْذِ خِلَافِهِمْ فِيهِ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَلَامِيَّةِ ، وَفِي كَلَامِ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ مَا يُعَضِّدُ كِلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( فَلَوْ ادَّعَوْهُ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ إطْلَاقَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَيْهِ - تَعَالَى ، وَالْمَعْنَى غَيْرُ قَائِمٍ بِهِ ( مَجَازًا ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خَالِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِاسْمِ الْمُتَعَلَّقِ لِامْتِنَاعِ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ ( ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ ) لِمُوَافَقَتِهِمْ حِينَئِذٍ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَقُّ لِذَاتٍ وَصْفٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِادِّعَاءُ ( أَقْرَبُ ) مِنْ إثْبَاتِ خِلَافِهِمْ لِبُعْدِهِ

مِنْ الْعُقَلَاءِ الْعَارِفِينَ بِالْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ ( غَيْرَ أَنَّهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( نَقَلُوا اسْتِدْلَالَهُمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يُشْتَقَّ لِشَيْءٍ وَصْفٌ وَالْمَعْنَى بِغَيْرِهِ ( بِإِطْلَاقِ ضَارِبٍ حَقِيقَةً ) عَلَى مُسَمًّى ( وَهُوَ ) أَيْ الضَّرْبُ قَائِمٌ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى ، فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ ( وَأُجِيبَ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الضَّرْبُ ( التَّأْثِيرُ ، وَهُوَ ) أَيْ التَّأْثِيرُ قَائِمٌ ( بِهِ ) أَيْ بِالضَّارِبِ لَا التَّأْثِيرُ الْقَائِمُ بِالْمَضْرُوبِ وَهُوَ أَثَرُ الضَّرْبِ وَأَوْرَدَ لَوْ كَانَ التَّأْثِيرُ غَيْرَ الْأَثَرِ لَكَانَ أَثَرًا أَيْضًا لِصُدُورِهِ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَفْتَقِرُ إلَى تَأْثِيرٍ آخَرَ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَيْهِ وَيَتَسَلْسَلُ ، وَدُفِعَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَثَرِ فَهُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ نِسْبَةً فَلَا يَسْتَدْعِي تَأْثِيرًا آخَرَ فَلَا يَتَسَلْسَلُ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَلْسُلِ فَهُوَ فِي الِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَهُوَ فِيهَا لَيْسَ بِمُحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الِاعْتِبَارِ ، فَإِنْ قِيلَ : التَّأْثِيرُ لَيْسَ بِأَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ لِتَحَقُّقِهِ ، فَرَضَهُ فَارِضٌ أَوْ لَا ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَمَا وُجِدَ الْأَثَرُ ، وَلَيْسَ غَيْرُ التَّأْثِيرِ لِمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ فِي غَيْرِ التَّأْثِيرِ مُغَايِرٌ لِلْأَثَرِ الَّذِي هُوَ تَأْثِيرٌ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْثِيرُ فِي التَّأْثِيرِ فَهُوَ نَفْسُهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْثِيرٍ مُغَايِرٍ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَنَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ اسْتِدْلَالَ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَبِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنَ ( ثَبَتَ الْخَالِقُ لَهُ ) أَيْ اللَّهُ - تَعَالَى ( بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ ) أَيْ الْخَلْقُ ( الْمَخْلُوقُ ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ } وَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ قَائِمًا

بِذَاتِهِ ( لَا ) أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ ( التَّأْثِيرُ وَإِلَّا قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ قَدُمَ ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْخَلْقُ هُوَ التَّأْثِيرَ قَدُمَ الْعَالَمُ إنْ كَانَ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا إمَّا ؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ .
وَالتَّأْثِيرُ فُرِضَ قَدِيمًا فَالْأَثَرُ وَهُوَ الْعَالَمُ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْأَثَرِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِمَا فِي الْأَزَلِ وُجُودُ الْعَالَمِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ التَّأْثِيرَ نِسْبَةٌ ، وَالنِّسْبَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْمُنْتَسِبِينَ وَهُمَا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَلَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً مَعَ أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَخْلُوقِ لَكَانَ الْمَخْلُوقُ قَدِيمًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَإِلَّا تَسَلْسَلَ ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّأْثِيرُ قَدِيمًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حَادِثٌ مُحْتَاجٌ إلَى خَلْقٍ آخَرَ أَيْ تَأْثِيرٍ آخَرَ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وَيَتَسَلْسَلُ وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ فَيَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَال ( مُثْبِتٌ لِجُزْءِ الدَّعْوَى ) لَا لَهَا كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ كَمَالَهَا - كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةُ صَوْغِ الْوَصْفِ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى قَائِمًا بِهَا بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا وَإِذَا كَانَ الْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ ، وَبَعْضُهُ جَوَاهِرُ صَدَقَ جُزْءُ الدَّعْوَى ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ قَائِمًا بِالذَّاتِ ، وَلَا يَصْدُقُ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الدَّعْوَى ، وَهُوَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَخْلُوقِ جَوَاهِرَ تَقُومُ بِنَفْسِهَا لَا بِغَيْرِهَا فَلَمْ يُشْتَقُّ الْوَصْفُ لِذَاتٍ .
وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِغَيْرِهَا بَلْ وَالْمَعْنَى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَيَتَضَمَّنُ لَيْسَ قَائِمًا بِهَا ، وَهُوَ جُزْءُ الدَّعْوَى فَأَثْبَتَ الدَّلِيلُ عَدَمَ قِيَامِهِ بِالذَّاتِ وَلَمْ يَثْبُتْ قِيَامُهُ بِغَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الْمَطْلُوبُ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ ( أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى

خَلْقِهِ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِالْإِيجَادِ وَهُوَ ) أَيْ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ بِالْإِيجَادِ لِلْمَخْلُوقَاتِ ( إضَافَةُ اعْتِبَارٍ يَقُومُ بِهِ ) أَيْ بِالْخَالِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَمَا اشْتَقَّ لَهُ الْخَالِقُ إلَّا بِاعْتِبَارٍ قِيَامِ الْخَلْقِ بِهِ ، وَقَوْلُهُ ( لَا صِفَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ ) دَفْعٌ لِمَا يُرَادُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى خَلْقِهِ تَعَلُّقَ قُدْرَتِهِ ، وَتَعَلُّقُهَا حَادِثٌ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ لَزِمَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ أَوْ قِدَمَ الْعَالَمِ فَقَالَ : إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ تَعَلُّقُهَا يُوجِبُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا يَقُومُ بِهِ - تَعَالَى - لَكِنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ إضَافَةً مِنْ الْإِضَافَاتِ ، وَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ ( وَأَوْرَدَ - إنْ قَامَتْ بِهِ النِّسْبَةُ - الِاعْتِبَارَ فَهُوَ مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ ( وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ ثَبَتَ مَطْلُوبُهُمْ وَهُوَ الِاشْتِقَاقُ لِذَاتٍ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِهِ ) أَيْ قَائِمًا بِالْمُشْتَقِّ ( مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ أَمْ لَا يَقُومُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارِيَّ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يَقُومُ بِهِ حَقِيقَةً ) .
وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( لَكِنْ كَلَامُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاشْتِقَاقِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ ) الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْإِيجَادِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ ( فَلِيَكُنْ ) هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الِانْتِسَابِ ( هُوَ الْمُرَادَ بِقِيَامِ الْمَعْنَى فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ ) النَّاطِقُ بِأَنَّ مَعْنَى خَلْقِهِ كَوْنُهُ - تَعَالَى - تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِإِيجَادِهِ ( يَنْبُو عَنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ يَبْعُدُ عَنْ كَلَامِ مُتَأَخِّرَيْهِمْ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ ( فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ) لِلَّهِ - تَعَالَى - قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَا أَفَادَتْ تَكْوِينًا كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالْمُحْيِي وَالْمُمِيتِ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهَا

صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ ( غَيْرَ أَنَّا بَيَّنَّا فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسَايِرَةِ ) فِي الْعَقَائِدِ الْمُنَجِّيَةِ فِي الْآخِرَةِ ( أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفِيدُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ وَأَنَّهُ ) أَيْ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ( قَوْلٌ مُسْتَحْدَثٌ ) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ - تَعَالَى - خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِمُتَعَلَّقٍ خَاصٍّ فَالْخَلْقُ : الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَعْنَاهَا لَا يَنْفِي هَذَا وَيُوجِبُ كَوْنَهَا صِفَاتٍ أُخْرَى لَا تَرْجِعُ إلَى الْقُدْرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَالْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَلِيلٍ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا نِسْبَتُهُمْ ذَلِكَ إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا لَا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ وَلَا بِأَحْدَاثِ الْبَرِّيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ الْبَارِي لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إحْيَائِهِمْ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إنْشَائِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ا هـ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَعْلِيلٌ وَبَيَانٌ لِاسْتِحْقَاقِ اسْمِ الْخَالِقِ قَبْلَ الْمَخْلُوقِ فَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَى الْخَالِقِ قَبْلَ الْخَلْقِ وَاسْتِحْقَاقَ اسْمِهِ بِسَبَبِ قِيَامِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَاسْمُ الْخَالِقِ ، وَلَا

مَخْلُوقَ فِي الْأَزَلِ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ فِي الْأَزَلِ وَهَذَا مَا تَقُولُهُ الْأَشَاعِرَةُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ هُنَا ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ( خَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إلَخْ ) أَيْ وَرَازِقٌ قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ ( بِالضَّرُورَةِ يُرَادُ بِهِ ) أَيْ بِالْخَالِقِ لَهُ ( قُدْرَةُ الْخَلْقِ ) الَّتِي هِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ( وَإِلَّا قِدَمُ الْعَالَمُ ) أَيْ وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا أَنَّهُ لَهُ قُدْرَةُ الْخَلْقِ لَزِمَ قِدَمُ الْعَالَمِ وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ ظَاهِرٌ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا ( وَبِالْفِعْلِ تَعَلُّقُهَا ) أَيْ وَيُرَادُ بِصِفَةِ الْخَلْقِ بِالْفِعْلِ الصِّفَةُ الِاعْتِبَارِيَّةُ ، وَهِيَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَادِ بِالْمَقْدُورِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالتَّعَلُّقُ الْمَذْكُورُ ( عُرُوضُ الْإِضَافَةِ ) وَهِيَ النِّسْبَةُ الْإِيجَادِيَّةُ ( لِلْقُدْرَةِ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْدُورٍ مَخْصُوصٍ ( وَيَلْزَمُ ) مِنْ كَوْنِ التَّعَلُّقِ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا ( حُدُوثُهُ ) أَيْ التَّعَلُّقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ كَكَوْنِ الْبَارِي - تَعَالَى - وَتَقَدَّسَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ وَمَذْكُورًا بِأَلْسِنَتِنَا وَمَعْبُودًا لَنَا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَتِمُّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ تَمَامِ الْجَوَابِ السَّالِفِ ( وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ ) أَيْ وَلَوْ فُرِضَ تَصْرِيحُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِصِفَةِ الْخَلْقِ الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْخَلْقِ ( فَقَدْ نَفَاهُ الدَّلِيلُ ) وَهُوَ لُزُومُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَالْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ

( مَسْأَلَةٌ الْوَصْفُ حَالَ الِاتِّصَافِ ) أَيْ إطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ وُصِفَ بِهِ فِي حَالَةِ قِيَامِ مَعْنَى الْوَصْفِ بِهِ ( حَقِيقَةٌ ) اتِّفَاقًا كَضَارِبٍ لِمُبَاشِرِ الضَّرْبِ ( وَقَبْلَهُ ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ سَيُوصَفُ بِهِ قَبْلَ قِيَامِ مَعْنَاهُ بِهِ ( مَجَازٌ ) اتِّفَاقًا كَالضَّارِبِ لِمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ ( وَبَعْدَ انْقِضَائِهِ ) أَيْ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِهِ ثُمَّ زَالَ مَعْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَجَازٌ مُطْلَقًا حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا ( ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ ) أَيْ مَعْنَى الْوَصْفِ بَعْدَ تَمَامِ وُجُودِهِ ( مُمْكِنًا ) بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ دَفْعِيًّا كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ ( فَمَجَازٌ وَإِلَّا حَقِيقَةٌ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ مُمْكِنًا بِأَنْ كَانَ حُصُولُهُ تَدْرِيجِيًّا كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ الَّتِي لَا ثَبَاتَ لِأَجْزَائِهَا كَالتَّكَلُّمِ وَالتَّحَرُّكِ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ .
( كَذَا شُرِحَ بِهِ ) أَيْ بِمَعْنَى هَذَا التَّقْرِيرِ ( وَضْعُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ ( هَلْ يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُمْكِنًا اُشْتُرِطَ ) وَالْوَاضِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّارِحُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الشَّارِحُ ( قَاصِرٌ ) عَنْ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُنَاقِضٌ لِبَعْضِ مَا تَضَمَّنَهُ ( إذْ يُفِيدُ إطْلَاقُ الِاشْتِرَاطِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي الْمَشْرُوحِ ( الْمَجَازِيَّةَ حَالَ قِيَامِ جُزْءٍ فِيمَا يُمْكِنُ ) أَيْ مَجَازِيَّةُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ ؛ إذْ بَقَاءُ جُزْئِهِ لَيْسَ بَقَاءَهُ ( وَالشَّرْحُ ) يُفِيدُ ( الْحَقِيقِيَّةَ ) أَيْ حَقِيقِيَّةَ إطْلَاقِ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ لِاعْتِبَارِهِ الِانْقِضَاءَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِانْقِضَاءُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ الْمُنْقَضِي وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ .
هَذَا وَيَجِبُ أَنْ

يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَاضِي وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِدُخُولِهَا فِي كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْتَقَّاتِ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَاضِي بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ حَقَائِقُ بِلَا نِزَاعٍ ، وَيُسْتَثْنَى الْمُضَارِعُ ؛ إذْ قِيلَ : إنَّهُ مُشْتَرَكٌ أَوْ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ مَشْهُورِي شَارِحِي كَلَامِهِ ( الْمَجَازُ ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاق الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ مَعْنَاهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ مَجَازٌ وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ ( يَصِحُّ فِي الْحَالِ نَفْيُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُنْقَضِي ( مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ ثُمَّ انْقَضَى ( وَهُوَ دَلِيلُهُ ) أَيْ وَصِحَّةُ النَّفْيِ مُطْلَقًا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ ( لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ الْمُنْقَضِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَنْفِي مُقْتَضَاهُ ) أَيْ مُقْتَضَى نَفْسِهِ ( مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْإِطْلَاقِ ( حَقِيقَةً ) وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ دَفَعَ بِهِ الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُنَافِيًا لِلثُّبُوتِ الْمُنْقَضِي لَكِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ .
وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْمُنْقَضِيَ لَا يَنْفِي مُقْتَضَى نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَجَازِيَّةِ ( نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ) مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ فِي : زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا إذَا كَانَ قَدْ ضَرَبَ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى ( نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ ) بِأَنْ أُرِيدَ لَيْسَ ضَارِبًا فِي الْحَالِ ( وَهُوَ ) أَيْ نَفْيُ ثُبُوتِ الضَّرْبِ فِي الْحَالِ ( نَفْيُ الْمُقَيَّدِ ) أَيْ الضَّرْبِ الْمُقَيَّدِ بِالْحَالِ كَمَا رَأَيْت لَمْ يَتَمَشَّ لِأَهْلِ الْمَجَازِ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّحَّةَ

عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ وَكَيْفَ لَا وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ إلَّا هَذَا فَحَذْفُ جَوَابِ لَوْ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ ( لَكِنْ ) لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا مِنْ النَّفْيِ الْمُطْلَقِ بَلْ ( الْمُرَادُ صِدْقُ : زَيْدٌ لَيْسَ ضَارِبًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّقْيِيدِ ) بِشَيْءٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَكِنْ هَذَا أَيْضًا مِمَّا لَحِقَهُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَأُجِيبَ بِمَنْعِ صِدْقِ ) النَّفْيِ ( الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ ) فَلَا يُجْدِي الِاسْتِرْوَاحُ إلَيْهِ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( لَوْ كَانَ ) الْإِطْلَاقُ ( حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لَكَانَ ) حَقِيقَةً أَيْضًا ( بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ ) أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ فَهُوَ تَحَكُّمٌ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ .
( بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ صِحَّتَهُ ) أَيْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً بِسَبَبِ الِاتِّصَافِ بِهِ ( فِي الْحَالِ إنْ تَقَيَّدَ ) الْقَوْلُ بِهَا ( بِهِ ) أَيْ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاتِّصَافِ فِي الْحَالِ ( فَمَجَازٌ فِيهِمَا ) لِانْتِقَاءِ الثُّبُوتِ فِيهِمَا ( وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ الْقَوْلُ بِهَا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ فَإِطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ كَإِطْلَاقِهِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ ( تَحَكُّمٌ ) لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنْ لَيْسَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ ( الْجَوَابُ ) نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ نَمْنَعُ لُزُومَ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ ( لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِهِ ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ ( عَدَمُ التَّقَيُّدِ ) بِغَيْرِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( لِجَوَازِ تَقَيُّدِهِ بِالثُّبُوتِ ) أَيْ بِثُبُوتِ مَعْنَى ذَلِكَ الْوَصْفِ

( قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا ) فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ لِوُجُودِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَهُ مُنْقَضِيًا كَمَا يَكُونُ حَقِيقَةً لِوُجُودِهِ قَائِمًا وَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهُ قَائِمًا أَوْ مُنْقَضِيًا ( الْحَقِيقَةَ ) أَيْ قَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْوَصْفِ عَلَى مَنْ زَالَ عَنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ بِهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ سِينَا وَالْجِبَائِيَّيْنِ ( أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى ) صِحَّةِ إطْلَاقِ ( ضَارِبٌ أَمْسِ ) عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ الضَّرْبُ بِالْأَمْسِ وَانْقَضَى .
( وَالْأَصْلُ ) فِي الْإِطْلَاقِ ( الْحَقِيقَةُ ، عُورِضَ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( بِإِجْمَاعِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ اللُّغَةِ ( عَلَى صِحَّتِهِ ) أَيْ إطْلَاقُ ضَارِبٌ ( غَدًا وَلَا حَقِيقَةَ ) بَلْ هُوَ مَجَازٌ بِالْإِجْمَاعِ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ الْوَاقِعِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أَنَّهُ ( خَصَّ الْأَصْلَ ) فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيَّةَ فِي : ضَارِبٌ أَمْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْرَى هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ ( لِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ ) عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي : ضَارِبٌ غَدًا لِلْإِجْمَاعِ ( عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي ) يَعْنِي : ضَارِبٌ غَدًا فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَجَازِيَّةِ الْأَوَّلِ أَعْنِي : ضَارِبٌ أَمْسِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُ ( وَلَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْآخَرِ ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَيْسَ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ دَلِيلُ تَخْصِيصِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا : الْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ بَعْدَهُ حَقِيقَةٌ ا هـ .
وَإِنَّمَا اُتُّفِقَ هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي النُّسَخِ مَكَانَ وَحَاصِلُهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ وَقَدْ يُقَالُ : قَدْ يُخَصُّ الْأَصْلُ لِدَلِيلٍ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَجَازِيَّةِ الثَّانِي دَلِيلُهُ ا هـ وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَمَّا وَقَعَ التَّغْيِيرُ إلَى هَذَا وَقَعَ الذُّهُولُ عَنْ حَذْفِهِ ثُمَّ هُوَ مِمَّا يَصْلُحُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ

أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ حَقِيقَةً كَوْنُهُ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ حَقِيقَةً فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( لَوْ لَمْ يَصِحَّ ) كَوْنُ إطْلَاقِ الْوَصْفِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مَعْنَاهُ ( حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ الْمُؤْمِنُ لِغَافِلٍ وَنَائِمٍ ) حَقِيقَةً لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُبَاشِرَيْنِ لِلْإِيمَانِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِالتَّصْدِيقِ أَوْ بِغَيْرِهِ ( وَالْإِجْمَاعُ أَنَّهُ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ ( لَا يَخْرُجُ بِهِمَا ) أَيْ بِالْغَفْلَةِ وَالنَّوْمِ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا ( أُجِيبَ أَنَّهُ ) أَيْ بِإِطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( مَجَازٌ ) بِدَلِيلِ عَدَمِ اطِّرَادِهِ ( لِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ لِكُفْرٍ تَقَدَّمَ ) أَيْ لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ ( وَإِلَّا كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كُفَّارًا حَقِيقَةً ) كَمَا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً ( وَكَذَا النَّائِمُ لِلْيَقْظَانِ ) يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ الْيَقْظَانَ كَذَلِكَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَإِلَّا لَزِمَ الِاتِّصَافُ بِالْمُتَقَابَلِينَ حَقِيقَةً وَهُوَ بَاطِلٌ .
( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مَا مَعْنَاهُ ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ مِنْ الْمُؤْمِنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ ( لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ ) أَيْ مَحَلُّهُ ( اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ لَا ) بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَلَا مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَمَا ( فِي مِثْلِ الْمُؤْمِنِ ) وَالْكَافِرِ وَالنَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ ( وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ طَرَيَانٌ ) وَالْأَوْلَى مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ مَعَ عَدَمِ طَرَيَانِ الْمُنَافِي وَفِي بَعْضِهِ الِاتِّصَافُ بِهِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ هَذَا الْقَائِلِ ، وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ ( وَقَدْ يُقَالُ لَوْ سَلِمَ ) أَيْ هَذَا الْوَصْفُ مِنْ مُؤْمِنٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ( فَالْجَوَابُ ) مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْمَجَازِ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ ( الْحَقُّ

أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُؤْمِنَ ( إذَا لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا ) أَيْ بِالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ ( عَنْ الْإِيمَانِ ) إذَا لُوحِظَ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ ( أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا ) إذَا لُوحِظَتْ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِالْإِيمَانِ ( بِاعْتِرَافِكُمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِ يَخْرُجُ ( بَلْ حُكْمُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ أَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنَ ( مَادَامَ الْمَعْنَى ) كَالْإِيمَانِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ ( مُودَعًا حَافِظَةَ الْمُدْرِكَ ) الَّذِي هُوَ الْمُؤْمِنُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ( كَانَ ) ذَلِكَ الْمَعْنَى ( قَائِمًا بِهِ ) أَيْ بِالْمُدْرِكِ ( مَا لَمْ يَطْرَأْ حُكْمٌ يُنَاقِضُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ( بِلَا شَرْطِ دَوَامِ الْمُشَاهَدَةِ ) وَالْمُلَاحَظَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى .
( فَالْإِطْلَاقُ ) لِلْمُؤْمِنِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ نَوْمِهِ وَغَفْلَتِهِ إطْلَاقٌ لَهُ ( حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى وَهُوَ ) أَيْ ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْمَعْنَى بِهِ إطْلَاقٌ ( حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلَمْ يُفِدْ ) الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ( فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ) وَهُوَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى ( شَيْئًا ) مِنْ مَطْلُوبِكُمْ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِهَذَا ( يَبْطُلُ الْجَوَابُ ) الْمُتَقَدِّمُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْغَافِلِ وَالنَّائِمِ ( مَجَازٌ ) وَإِنْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُونَ وَأَرْدَفَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ عَلَى إطْلَاقِ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَلَا ، وَإِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّائِمِ مَثَلًا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً ، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ ( وَإِثْبَاتُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ مَجَازًا ( بِامْتِنَاعِ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ ) أَيْ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا ( بَاطِلٌ ) فَإِنَّ هَذَا الِامْتِنَاعَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( بَلْ صِحَّتُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ كَافِرٍ عَلَى مَنْ

آمَنَ بَعْدَ كُفْرِهِ ( لُغَةً : اتِّفَاقُ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ ) أَيْ : الْإِطْلَاقَ لُغَةً ( حَقِيقَةٌ ) أَوْ مَجَازٌ .
( وَالْمَانِعُ ) مِنْ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالًا حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَمْرٌ ( شَرْعِيٌّ ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ حُرْمَةُ نَبْزِ الْمُؤْمِنِ وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيَّ بِهَذَا الذَّمِّ الَّذِي طَهَّرَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ بَلْ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ ( وَإِذَا لَهُمْ ) أَيْ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ خِلَافَ اللُّغَةِ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ فَلِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ ( ادِّعَاءُ كَوْنِهِ ) أَيْ إطْلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مَنْ آمَنَ بَعْدَ كُفْرٍ ( حَقِيقَةً ) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا ( مَعَ صِحَّةِ إطْلَاقِ الضِّدِّ ) وَهُوَ مُؤْمِنٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَيْهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ إطْلَاقًا حَقِيقِيًّا لُغَوِيًّا أَيْضًا ( وَلَا يَمْتَنِعُ ) هَذَا ( إلَّا لَوْ قَامَ مَعْنَاهُمَا ) أَيْ الضِّدَّيْنِ ( فِي وَقْتِ الصِّحَّتَيْنِ ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِ كَافِرٍ حَقِيقَةً وَصِحَّةِ إطْلَاقِ مُؤْمِنٍ حَقِيقَةً عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِهِ ( وَلَيْسَ الْمُدَّعَى ) فِي هَذَا ( سِوَى كَوْنِ اللَّفْظِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى حَقِيقَةً وَأَيْنَ هُوَ ) أَيْ إطْلَاقُ لَفْظِ الضِّدِّ ( مِنْ قِيَامِهِ ) أَيْ مَعْنَى الضِّدِّ ( فِي الْحَالِ لِيَجْتَمِعَ الْمُتَنَافِيَانِ أَوْ يَلْزَمَ قِيَامُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ إلْزَامُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ كَوْنَهُ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا حَقِيقَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ لَا يُقَارِنُهَا وُجُودُ مَعْنًى بَلْ يَثْبُتُ حَالَ انْتِفَائِهِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِ كَافِرًا حَقِيقَةً مُؤْمِنًا

حَقِيقَةً سِوَى صِحَّةِ الْإِطْلَاقَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ إلَّا لَوْ اسْتَلْزَمَ اجْتِمَاعَ مَعْنَاهُمَا وَهُوَ مُنْتَفٍ قُلْت وَعَلَى ذَا لَا يُسْتَبْعَدُ جَرَيَانُ هَذَا فِي النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ وَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْتَفِي مَا نُظِرَ فِي تَعْلِيلِ مَنْعِ إطْلَاقِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّيْءِ مَتَى دَارَ إسْنَادُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي ، وَوُجُودِ الْمَانِعِ كَانَ إسْنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ لَكَانَ الْمُقْتَضِي وُجِدَ وَتَخَلَّفَ أَثَرُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ دَعْوَى امْتِنَاعِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي ، وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الْوَصْفِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى امْتِنَاعِهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِيقَةِ بِصَدَدِ مَنْعِ عَدَمِ الْمُقْتَضِي ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ .
نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : تَمَامُ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وُجُودُهُ حَيْثُ قَالَ : لَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْقَائِمِ قَاعِدًا وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِلْقُعُودِ وَالْقِيَامِ السَّابِقِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لُغَةً لَكِنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَوْهُ فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ ( قَالُوا ) ثَالِثًا ( لَوْ اُشْتُرِطَ لِكَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرِ الْمُشْتَقَّاتِ حَقِيقَةٌ كَضَارِبٍ وَمُخَيَّرٍ ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ ضَارِبٍ فَإِنَّ

الْمَقْصُودَ أَنَّ بَقَاءَ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ شَرْطًا لِلْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا دَفْعَةً فِي زَمَانٍ ، وَلَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ ؛ لِأَنَّهَا تَدْرِيجِيَّةُ التَّحَقُّقِ لَا يَحْصُلُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَوَّلُ وَهَلُمَّ جَرًّا فَانْتَفَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى كَوْنِهَا قَارَّةً فِيهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِيمَا مَضَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَعَانِيهَا وَلَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِانْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ أَصْلًا .
وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ دَفْعِيُّ الْحُصُولِ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذِكْرُهُ نَظَرًا لِذِكْرِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إيَّاهُ مَعَ الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ وَالتَّكَلُّمِ تَمْثِيلًا لِلْمَصَادِرِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ ( بَلْ لِنَحْوِ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ ) أَيْ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ حَقِيقَةً لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الْآنِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَتَبْقَى كَعَالِمٍ وَقَائِمٍ وَنَاصِرٍ أَوْ تُوجَدُ دَفْعَةً كَضَارِبٍ بِأَنْ تُطْلَقَ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِهَا بِهِ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ بَقَاءَ الْمَعْنَى ( يُشْتَرَطُ ) فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً ( إنْ أَمْكَنَ ) بَقَاؤُهُ ( وَإِلَّا فَوُجُودُ جُزْءٍ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةُ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْنَى مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَقَّاتِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةٌ أَصْلًا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ هَذَا الْقَدْرِ فِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ أُورِدَ كَيْفُ يَصِحُّ هَذَا مِنْهُ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ إبْطَالُهُ ، وَبَيَانُ

عَدَمِ إفَادَتِهِ مَطْلُوبَ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ مَذْهَبَ الْمُجِيبِ ، وَهَذَا مَا يُقَالُ : الْمَانِعُ لَا مَذْهَبَ لَهُ .
وَقِيلَ : هَذَا تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِصُورَةِ الْإِمْكَانِ وَرُجُوعٌ إلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا ) التَّفْصِيلَ ( يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقِيًّا عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازٌ ( ضَرُورَةً ) وَإِلَّا لَزِمَ اللَّازِمُ الْبَاطِلُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ نَحْوُ مُخْبِرٍ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً أَصْلًا ( لَا ) أَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاطُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازًا ( مَذْهَبًا ثَالِثًا ) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْقِضَاءِ ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فَلَيْسَ هُنَا فِي التَّحْقِيقِ سِوَى مَذْهَبَيْنِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ الِاتِّصَافِ وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ ( فَهُوَ ) أَيْ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاطِ ( وَإِنْ قَالَ : يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَعْنَى ) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ لَا يُرِيدُ بِهِ بَقَاءَ كُلِّهِ بَلْ ( يُرِيدُ وُجُودَ شَيْءٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى ( فَلَفْظُ مُخْبِرٍ وَضَارِبٍ إذَا أُطْلِقَ فِي حَالِ الِاتِّصَافِ بِبَعْضِ الْإِخْبَارِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِمُبَاشَرَةِ الضَّرْبِ فِي الْجُمْلَةِ ( يَكُونُ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ ) أَيْ حَالَ الِاتِّصَافِ بِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْهُ ( يُقَالُ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ ( إنَّهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْحَالَ ( حَالُ اتِّصَافِهِ بِالْإِخْبَارِ وَالضَّرْبِ عُرْفًا وَإِذَا كَانَ ) ذَلِكَ الْحَالُ .
( كَذَلِكَ ) أَيْ يُقَالُ فِيهِ : إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ ( وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ ) أَيْ الْمُطْلَقُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمُرَادِ خُصُوصًا ( وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ

أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ : لَفْظُ ضَارِبٍ فِي حَالِ الضَّرْبِ مَجَازٌ ) لِعَدَمِ قِيَامِ جَمِيعِهِ بِهِ حِينَئِذٍ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ الضَّارِبَ ( لَمْ يُسْتَعْمَلْ قَطُّ حَقِيقَةً ) كَمَا هُوَ لَازِمُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا بَيَّنَّاهُ ( وَكَثِيرٌ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُولَعِينَ ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الْمُغْرَيْنَ ( بِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ وَنَقْلِ الْأَقْوَالِ لِمَنْ تَتَبَّعَ ) ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَصْرُوفٍ عَنْ ظَاهِرِهِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - : وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْمَذْهَبِ الْمُفَصَّلِ فَإِنَّ الْمُفَصَّلَ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ بَقَاءِ كُلِّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَجُزْءٌ مِنْهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يُقَالُ : لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُطْلِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ بَعْدَ إلْغَاءِ تَفْصِيلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي حَالِ وُجُودِ بَعْضِهِ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ عُرْفًا سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ أَوْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِينَ الْمَذْكُورِينَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَا تَفْصِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُسَامَحَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَصَادِرِ الزَّمَانِيَّةِ اعْتِبَارُهَا فِي الْآنِيَةِ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأُولَى عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ .
وَأَيْضًا مَذْهَبُ الْمُفَصِّلِ يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ حَقِيقِيٌّ وَمَذْهَبُ مُطْلِقِ الِاشْتِرَاطِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَجَازِيٌّ نَعَمْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَلَا غَيْرِهِ لِيَتَنَاوَلَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ وَكَمَا مَشَى

عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَمَنْ قَالَ : قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَكَلِّمٌ حَقِيقَةً عِنْدَ مُقَارَنَةِ الدَّالِ فَقَطْ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَإِنَّ هَذِهِ مُضَايَقَةٌ وَمُشَاحَّةٌ لَا تَوْسِعَةً وَمُسَامَحَةٌ ( ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّ ضَارِبًا لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ جُزْءُ مَعْنَاهُ كَمَا قِيلَ ( لِأَنَّ الْمَوْجُودَ تَمَامُ الْمَعْنَى وَإِنْ انْقَضَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَمْثَالِ ) أَيْ بَلْ الدَّاخِلُ فِي الْوُجُودِ تَمَامُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَاهُ هُوَ كَوْنُهُ مُتَّصِفًا بِالتَّأْثِيرِ فِي الْغَيْرِ بِالْإِيلَامِ ، وَتَمَامُ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ فَالْبَاقِي بَعْدَهَا ، وَلَوْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةِ ضَرْبَةٍ تَمَامُ مَعْنَاهُ أَيْضًا ، وَمَا انْقَضَى قَبْلَ الْأَخِيرَةِ وَبَعْدَ الْأُولَى تَكْرَارٌ لِتَمَامِ الْمَعْنَى ( لَا يُقَالُ فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ لَمْ يَسْلَمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ لِلْمَجَازِ ( الْحَقِيقَةُ تَقْدِيمًا لِلتَّوَاطُؤِ عَلَى الْمَجَازِ ) لِأَنَّهُ دَارَ اللَّفْظُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا أَوْ مُتَوَاطِئًا أَيْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ بِاعْتِبَارِ مَا قَامَ بِهَا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ أَعَمُّ مِنْ قِيَامِهِ حَالَ الْإِطْلَاقِ أَوْ انْقِضَائِهِ .
وَالتَّوَاطُؤُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا أَنَّ الْمَجَازَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ اللَّفْظِيِّ ( لَا ) أَنَّ الْوَجْهَ ( التَّوَقُّفُ ) عَنْ الْجَزْمِ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ( كَظَاهِرِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ) وَهُوَ الْآمِدِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْحَاجِبِ بِنَاءً عَلَى تَعَارُضِ أَدِلَّتِهِمَا ، وَزَعْمِ انْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ لِأَنَّا نَقُولُ : لَيْسَ كَذَلِكَ ( لِعَدَمِ لَازِمِهِ ) أَيْ التَّوَاطُؤِ ( وَهُوَ ) أَيْ لَازِمُهُ ( سَبَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ ) فِي الثُّبُوتِ الْقَائِمِ وَالْمُنْقَضِي إلَى الْفَهْمِ ( لِسَبْقِهِ ) أَيْ الْمَعْنَى إلَى الْفَهْمِ (

بِاعْتِبَارِ الْحَالِ مِنْ نَحْوِ : زَيْدٌ قَائِمٌ ) وَإِذَا كَانَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي نَحْوِ إطْلَاقِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَضَارِبٌ قِيَامَ قِيَامِهِ وَضَرْبَهُ فِي الْحَالِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ وَضْعُهُ لِلْمُحَالِ فَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ

( الْفَصْلُ الثَّانِي ) فِي انْقِسَامِ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ ( فِي الدَّلَالَةِ ) لِلْمُفْرَدِ ( وَظُهُورِهَا وَخَفَائِهَا تَقْسِيمَاتٍ ) ثَلَاثَةً ، وَالتَّقْسِيمُ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَادِّ فَيَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ تَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ، وَكَوْنُ الْمُقَسَّمُ أَعَمَّ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مُطْلَقًا ( التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ ) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ( اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ ) الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى ( إمَّا دَالٌّ ) عَلَيْهِ ( بِالْمُطَابَقَةِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ بِتَمَامِهِ ( أَوْ التَّضَمُّنِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا ( أَوْ الِالْتِزَامِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِمَلْزُومِهِ ( وَالْعَادَةُ ) الْعَمَلِيَّةُ لِلْمَنْطِقِيِّينَ ( التَّقْسِيمُ فِيهَا ) أَيْ فِي الدَّلَالَةِ ( وَيَسْتَتْبِعُهُ ) أَيْ ، وَيَكُونُ اللَّفْظُ تَبَعًا لِلدَّلَالَةِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِتَعَدِّيهِ مِنْهَا إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ نَحْنُ فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِكَوْنِهِ بِالذَّاتِ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ إخْوَتِهِ مِنْ الْفُصُولِ الْآتِيَةِ لَهُ بِالذَّاتِ بِاعْتِبَارَاتٍ أُخَرَ أَيْضًا ثُمَّ يَقَعُ التَّقْسِيمُ لَهُ أَوَّلًا ، وَبِالذَّاتِ فِيهَا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ ( وَالدَّلَالَةُ كَوْنُ الشَّيْءِ مَتَى فُهِمَ فُهِمَ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ التَّلَازُمُ ) بَيْنَهُمَا ( بِعِلَّةِ الْوَضْعِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ الشَّيْءِ لِلْغَيْرِ أَيْ جَعْلِهِ بِإِزَائِهِ بِحَيْثُ إذَا فُهِمَ الشَّيْءُ فُهِمَ الْغَيْرُ ( فَوَضْعِيَّةٌ ) أَيْ فَدَلَالَةُ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ وَضْعِيَّةٌ ( أَوْ بِالْعَقْلِ ) أَيْ أَوْ كَانَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ الْعَقْلِ الصِّرْفِ فِي ذَلِكَ ( فَعَقْلِيَّةٌ ) أَيْ فَدَلَالَةٌ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ عَقْلِيَّةٌ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمِنْهَا ) أَيْ الْعَقْلِيَّةِ ( الطَّبِيعِيَّةُ ) وَهِيَ مَا اقْتَضَى التَّلَفُّظُ بِمَلْزُومِهَا الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ طَبْعَ اللَّافِظِ عِنْدَ عُرُوضِ الْمَعْنَى

لَهُ كَدَلَالَةِ أَحْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَذَى الصَّدْرِ ( إذْ دَلَالَةُ أَحْ عَلَى الْأَذَى دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُبْدِئِهِ ) أَيْ مُؤَثِّرِهِ ( كَالصَّوْتِ وَالْكِتَابَةِ وَالدُّخَانِ ) أَيْ كَدَلَالَةِ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ عَلَى وُجُودِ مُصَوِّتِهِ ثَمَّةَ وَالْكِتَابَةِ عَلَى كَاتِبِهَا وَالدُّخَانِ عَلَى النَّارِ فَإِنَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ عَقْلِيَّةٌ لِأَنَّهَا دَلَالَةُ الْأَثَرِ عَلَى مُؤَثِّرِهِ فَكَذَا هَذِهِ ؛ لِأَنَّ أَحْ أَثَرُ عُرُوضِ وَجَعِ صَدْرِ اللَّافِظِ ، فَإِذَنْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَسِيمَةً لِلْعَقْلِيَّةِ كَمَا فَعَلُوهُ عَنْ آخِرِهِمْ ( وَالْوَضْعِيَّةُ ) قِسْمَانِ ( غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ كَالْعُقُودِ ) جَمْعُ عَقْدٍ وَهُوَ مَا يُعْقَدُ بِالْأَصَابِعِ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ خَاصَّةٍ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْعَدَدِ ( وَالنُّصُبِ ) جَمْعُ نَصْبَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَنْصُوبَةُ لِمَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ أَيْ كَدَلَالَتِهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ دَلَالَةٌ وَضْعِيَّةٌ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ ( وَلَفْظِيَّةٌ ) وَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالنَّظَرِ فِي الْعُلُومِ لِانْضِبَاطِهَا وَشُمُولِهَا لِمَا يُقْصَدُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي وَهِيَ ( كَوْنُ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا أُرْسِلَ فُهِمَ الْمَعْنَى لِلْعِلْمِ بِوَضْعِهِ ) أَيْ كَوْنِ اللَّفْظِ كُلَّمَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَاهُ لِلْعِلْمِ بِتَعْيِينِهِ بِنَفْسِهِ بِإِزَاءِ مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعَ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ .
وَمَا قِيلَ إنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِوَضْعِهِ لَهُ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ ، فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُقَالُ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ الَّذِي هُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ اللَّفْظِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَزِمَ

تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْ فَهْمِ الْمَعْنَى وَالْعِلْمِ بِالْوَضْعِ عَلَى الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّا نَقُولُ : فَهْمُ الْمَعْنَى فِي حَالِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ السَّابِقِ بِالْوَضْعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ السَّابِقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى فِي الْحَالِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ ، وَأَيْضًا فَهْمُ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ مَوْقُوفًا عَلَى فَهْمِهِ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ عَلَى فَهْمِهِ مُطْلَقًا فَظَهَرَ تَغَايُرُ الْفَهْمَيْنِ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ ، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي بِحَسَبِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلَا دَوْرَ ثَمَّ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ طَبِيعِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَبِيعِيَّةٍ ؛ إذْ لَا وَضْعَ فِيهَا وَلِاسْتِوَاءِ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فِي ذَلِكَ الْفَهْمِ إنْ كَانَ هُنَاكَ وَضْعٌ ( وَأُورِدَ سَمَاعُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ بِالْوَضْعِ ( حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : فَإِنَّ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ ثَابِتَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ إذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى فَبَطَلَ عَكْسُ التَّعْرِيفِ ا هـ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ ؛ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى مُرْتَسِمٌ عِنْدَهُ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ .
( وَأُجِيبَ بِقِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ ) أَيْ بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحَدِّ حَالَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُشَاهَدًا لِبَقَاءِ قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ بِاللَّفْظِ حِينَئِذٍ أَيْضًا ( وَهِيَ ) أَيْ الْحَيْثِيَّةُ هِيَ ( الدَّلَالَةُ ) قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ لِاتِّجَاهِ تَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى كَوْنِهَا حَقِيقَةَ الدَّلَالَةِ بَلْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّهَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَالْحَقُّ الِانْقِطَاعُ بِالسَّمَاعِ ثُمَّ التَّجَدُّدُ عَنْهُ ) أَيْ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يُفْهَمْ الْمَعْنَى ، قُلْنَا : مَمْنُوعٌ قَوْلُهُ : لِأَنَّ فَهْمَ الْمَفْهُومِ مُحَالٌ قُلْنَا

مُسَلَّمٌ ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ فَهْمُ الْمَعْنَى ، وَيَذْهَبُ انْتِقَاشُهُ مِنْ النَّفْسِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَضْعًا لَكِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَالَتَئِذٍ لِلذُّهُولِ عَنْهُ بِالِالْتِفَاتِ إلَى الْمَسْمُوعِ ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فَهْمُهُ ثَانِيًا عَنْ سَمَاعِ اللَّفْظِ فَيَكُونُ إدْرَاكًا ثَانِيًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ صِحَّةَ دَعْوَى قِيَامِ الْحَيْثِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَالْجَوَابُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِدَعْوَى قِيَامِهَا ، وَهَذَا بَيَانٌ لِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَلِلدَّلَالَاتِ ) الْوَضْعِيَّةِ اللَّفْظِيَّةِ ( إضَافَاتٌ ) ثَلَاثٌ : إضَافَةٌ ( إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ وَجُزْئِهِ ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ ( وَلَازِمِهِ ) أَيْ وَإِضَافَةٌ إلَى لَازِمِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ ( إنْ كَانَا ) أَيْ إنْ وُجِدَ الْجُزْءُ وَاللَّازِمُ ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُطَابَقَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ وَالِالْتِزَامَ دَائِمًا ، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا أَشَارَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بَسِيطًا كَالْوَحْدَةِ وَالنُّقْطَةِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَلَا تَضَمُّنَ لِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ الِالْتِزَامَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّضَمُّنَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْبَسِيطَ إذَا كَانَ لَهُ لَازِمٌ ذِهْنِيٌّ كَانَ ثَمَّةَ الْتِزَامٌ بِلَا تَضَمُّنٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى لَازِمٌ بَيِّنٌ يُلْزِمُ فَهْمُهُ فَهْمَهُ ، وَلِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْ جَمِيعِ الْأَغْيَارِ فَانْتَفَى زَعْمُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَسْتَلْزِمُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَيْضًا أَنَّ التَّضَمُّنَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُسَمَّى الْمُرَكَّبِ لَازِمٌ كَذَلِكَ وَلِلْعِلْمِ بِأَنَّا نَعْقِلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ نَعَمْ

التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ مُسْتَلْزِمَانِ لِلْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ إلَّا مَعَهَا بِالِاتِّفَاقِ ( وَلَهَا ) أَيْ وَلِلدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ ( مَعَ كُلٍّ ) مِنْ هَذِهِ الْإِضَافَاتِ ( اسْمٌ فَمَعَ الْأَوَّلِ ) أَيْ فَلَهَا مُضَافَةً إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَمَامُهُ اسْمٌ هُوَ ( دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ ) لِمُوَافَقَةِ الْمَعْنَى اللَّفْظَ ( وَمَعَ الثَّانِي ) أَيْ وَلَهَا مُضَافَةً إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ جُزْؤُهُ اسْمٌ هُوَ ( دَلَالَةُ التَّضَمُّنِ ) لِتَضَمُّنِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ إيَّاهُ ( وَكَذَا الِالْتِزَامُ ) أَيْ وَكَذَا لَهَا مُضَافَةً إلَى اللَّازِمِ الْخَارِجِ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَازِمُهُ اسْمٌ هُوَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهُ .
( وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهَا ) أَيْ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ ( انْتِقَالَيْنِ وَاحِدٌ ) مِنْ اللَّفْظِ ( إلَى الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ وَالتَّضَمُّنِيِّ ) مَعًا ( لِأَنَّ فَهْمَهُ ) أَيْ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ ( فِي ضِمْنِهِ ) أَيْ فِي ضِمْنِ فَهْمِ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُلَاحَظُ مُلَاحَظَةً وَاحِدَةً إجْمَالِيَّةً فَلَيْسَ ثَمَّةَ إلَّا فَهْمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْكُلِّ لَا تُغَايِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ مُغَايَرَةً بِالذَّاتِ بَلْ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ بِالْإِضَافَةِ وَالِاعْتِبَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْوَاحِدَ إنْ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ وَاعْتُبِرَ بِالْقِيَاسِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ الْكُلِّ ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ إنْ أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْأَجْزَاءِ وَاعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سُمِّيَ فَهْمَ ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَدَلَالَةَ التَّضَمُّنِ وَاسْتُوْضِحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ بَصَرُك عَلَى زَيْدٍ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدِمَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّك تَرَاهُ وَتَرَى أَجْزَاءً بِرُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ نَسَبْت هَذِهِ الرُّؤْيَةَ إلَى زَيْدٍ تُسَمَّى رُؤْيَتَهُ وَإِنْ أُضِيفَتْ

إلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ تُسَمَّى رُؤْيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ ( لَا كَظَنِّ شَارِحِ الْمَطَالِعِ ) قُطْبِ الدِّينِ الْفَاضِلِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ اللَّفْظِ إلَى جُزْءِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ ثُمَّ مِنْهُ إلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ هُوَ لَهُ وَأَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَابِعَةٌ لِلتَّضَمُّنِ فِي الْفَهْمِ لِسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ لِظُهُورِ مَنْعِ الْأَوَّلِ وَسَبْقِ الْجُزْءِ فِي الْوُجُودَيْنِ مُطْلَقَةً لَا دَائِمَةً ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي تَذَكُّرِ الْمَعْنَى عِنْدَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى فَهْمِهِ مِنْهُ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِعِلَّةِ سَمَاعِ اللَّفْظِ وَالْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لَهُ وَذَلِكَ عِلَّةُ الِانْتِقَالِ لِلْمَجْمُوعِ فَيَثْبُتُ كَذَلِكَ .
ثُمَّ مُقْتَضَاهُ فَهْمُ الْجُزْءِ مَرَّتَيْنِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَفِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَكِنْ الْوِجْدَانُ يَنْفِي الْأَوَّلَ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ تَعَقُّلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مُفِيدِهِ تَفْصِيلًا حَيْثُ يَلْزَمُ فِيهِ سَبْقُ الْجُزْءِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( يَلِيهِ ) أَيْ هَذَا الِانْتِقَالَ انْتِقَالٌ ( آخَرُ ) مِنْ الْمُطَابِقِيِّ أَوْ التَّضَمُّنِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَلْزُومَ ( إلَى الِالْتِزَامِيِّ ) فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّفْظِ وَاسِطَةٌ بِخِلَافِهِمَا ثُمَّ هَذَا الِانْتِقَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ يَلْزَمُ ( لُزُومًا ) ذِهْنِيًّا لَا انْفِكَاكَ لَهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ اللُّزُومَ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَبَيْنَهُ مَشْرُوطٌ أَنْ يَكُونَ ( بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ ) وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمُسَمَّى فِيهِ ( فَانْتَفَى لُزُومُ الِالْتِزَامِيِّ مُطْلَقًا لِلُزُومِ تَعَقُّلِ أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْأَعَمِّ ) أَيْ فَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمُطَابَقَةِ تَسْتَلْزِمُ الِالْتِزَامَ دَائِمًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْمُطَابَقَةُ يَلْزَمُهَا الِالْتِزَامُ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مَاهِيَّةٍ لَازِمًا بَيِّنًا ، وَأَقَلُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ

غَيْرَهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْمَلْزُومِ دَالٌّ عَلَى اللَّازِمِ الْبَيِّنِ بِالِالْتِزَامِ ، وَإِيضَاحُ الِانْتِفَاءِ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لِلُّزُومِ ، وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِهِ مِنْ اللُّزُومِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا سَوَاءٌ كَانَ حُصُولُ اللَّازِمِ فِي الذِّهْنِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حُصُولِ الْمَلْزُومِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي الْقَرَائِنِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا مِمَّا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ أَوْ عُرْفٌ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ بَيْنَهُمَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ اعْتِبَارَ اللُّزُومِ فِي اللَّازِمِ الْبَيِّنِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ .
وَأَمَّا الْخَارِجِيُّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِ الْمُسَمَّى فِي الْخَارِجِ تَحَقُّقُهُ أَيْضًا فِيهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ كَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى الْمَلَكَةِ كَالْبَصَرِ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْبَصَرِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مَعَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُعَانَدَةِ فِيهِ ( هَذَا ) كُلُّهُ ( عَلَى ) اصْطِلَاحِ ( الْمَنْطِقِيِّينَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْمَجَازَاتِ عَلَى الْمَجَازِيَّةِ ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ لِلْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ ( بَلْ يَنْتَقِلُ ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ ( إلَيْهَا ) أَيْ إلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ ( بِالْقَرِينَةِ ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِعَانَةِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ إلَيْهَا ( فَهِيَ ) أَيْ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ ( مُرَادَاتٌ ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ ( لَا مَدْلُولَاتٌ لَهَا ) أَيْ لِلْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ ( فَلَا تُورَدُ )

الْمَجَازَاتُ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ كَمَا أَوْرَدَهَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ مِنْ إيرَادِهَا حِينَئِذٍ ( إذْ يَلْتَزِمُونَهُ ) أَيْ عَدَمَ دَلَالَةِ الْمَجَازَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَعْرِيفِهِمْ الدَّلَالَةَ ( وَلَا ضَرَرَ ) عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ( إذْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ) نَفْيُ دَلَالَةِ الْمَجَازِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ ( نَفْيَ فَهْمِ الْمُرَادِ ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِيَمْتَنِعَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِحُصُولِ فَهْمِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( فَلَيْسَ لِلْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ .
وَلَفْظُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمُسَمَّى لَمْ يَكُنْ تَضَمُّنًا أَوْ الْتِزَامًا بَلْ مُطَابَقَةً لِكَوْنِهَا دَلَالَةً عَلَى تَمَامِ الْمَعْنَى أَيْ مَا عُنِيَ بِاللَّفْظِ وَقُصِدَ ( بَلْ ) إنَّمَا فِي الْمَجَازِ فِي الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ ( اسْتِعْمَالٌ ) لِلَّفْظِ فِي جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ لَازِمِهِ ( يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ ) أَيْ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقِيُّ ( إلَى كُلٍّ ) مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ( فَقَطْ الْقَرِينَةُ ) الْمُفِيدَةُ لِذَلِكَ ( وَدَلَالَةٌ تَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ ( تَبَعًا لِلْمُطَابِقِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ ) فِيهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ كُلَّ مَجَازٍ لَهُ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَقِيقَةٍ ، وَالدَّلَالَةُ تَتْبَعُ الْوَضْعَ لَا الْإِرَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ ا هـ وَمِنْ ثَمَّةَ تَنَزَّلَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَيْهِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا ( وَهَذَا لِأَنَّ بَعْدَ الْوَضْعِ لَا تَسْقُطُ الدَّلَالَةُ عَنْ الْوَضْعِيِّ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْ

لَازِمِهِ فَتَتَحَقَّقُ ) الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ ( لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَهُوَ ) أَيْ تَحَقُّقُ عِلَّتِهَا ( الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ ) لِذَلِكَ الْمَعْنَى ( وَالْمُرَادُ غَيْرُ مُتَعَلَّقِهَا ) أَيْ : وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازِيِّ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَحَاصِلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ إلَّا التَّضَمُّنِيَّ وَالِالْتِزَامِيَّ مُرَادَاتٌ بِاللَّفْظِ بِالْقَرِينَةِ لَا مَدْلُولَاتٌ لَهُ حَتَّى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ ذِي لَازِمٍ ذِهْنِيٍّ فِي مَجَازِيٍّ غَيْرِهِمَا مَعَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ مَدْلُولَاتِهِ كَانَ لِهَذَا اللَّفْظِ ثَلَاثُ دَلَالَاتٍ عَلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِ وَكَانَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ بَلْ مُرَادٍ بِهِ وَأَمَّا إذَا تَجَوَّزَ بِهِ فِي التَّضَمُّنِيِّ أَوْ الِالْتِزَامِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِيهِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَا هُمَا جُزْؤُهُ وَلَازِمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَادَاهُمَا مَدْلُولَانِ تَضَمُّنِيٌّ وَالْتِزَامِيٌّ فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجَازٌ فِيهِمَا بَلْ مِنْ حَيْثُ هُمَا جُزْءٌ وَلَازِمٌ لِمَوْضُوعِهِ أَمَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مُطَابَقَةً فَلَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ دَلَالَاتٌ بَعْضُهَا مُرَادٌ وَبَعْضُهَا لَا ا هـ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ تَقْيِيدِ قَوْلِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ بِاَلَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ لَوَازِمَ ذِهْنِيَّةً لِلْمُسَمَّيَاتِ لِيَخْرُجَ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَالْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ الذِّهْنِيِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْمُحَشُّونَ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَأَمَّا الْأُصُولِيُّونَ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي الِانْتِقَالِ ) أَيْ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ فَمَا لِلْوَضْعِ دَخْلٌ فِي

الِانْتِقَالِ فِيهَا مِنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ ( فَتَحَقَّقُ ) الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ عِنْدَهُمْ ( فِي الْمَجَازِ ) أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ دَخْلًا فِي فَهْمِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ ( وَالِالْتِزَامِيَّة بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ) أَيْ وَتَتَحَقَّقُ الدَّلَالَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ أَيْضًا ، وَاللُّزُومُ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ السَّالِفِ بَيَانُهُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ ؛ لِأَنَّ لِلْوَضْعِ دَخْلًا فِيهَا وَأَمَّا تَحَقُّقُهَا فِي التَّضَمُّنِيَّةِ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى وَلَا خِلَافَ فِي تَحَقُّقِهَا فِي الْمُطَابَقَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّةِ الْمَفَاهِيمِ الْمُخَالِفَةِ بِنَاءً عَلَى أَنْ لَا مُوجِبَ لِلِانْتِقَالِ لِعَدَمِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمُخَالِفِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْمَوْضُوعِ ( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ هَذِهِ الدَّلَالَاتُ تَتَأَتَّى فِي اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ وَضْعِيَّةٌ بِحَسَبِ النَّوْعِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ

( ثُمَّ اخْتَلَفَ الِاصْطِلَاحُ ) لِلْأُصُولِيِّينَ فِي أَصْنَافِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَأَسْمَائِهَا ( وَفِي ثُبُوتِ بَعْضِهَا أَيْضًا فَالْحَنَفِيَّةُ ، الدَّلَالَةُ ) الْوَضْعِيَّةُ قِسْمَانِ ( لَفْظِيَّةٌ وَغَيْرُ لَفْظِيَّةٍ وَهِيَ ) أَيْ غَيْرُ اللَّفْظِيَّةِ ( الضَّرُورِيَّةُ وَيُسَمُّونَهَا ) أَيْ الضَّرُورِيَّةَ ( بَيَانَ الضَّرُورَةِ ) أَيْ الْحَاصِلَ بِسَبَبِهَا فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَأُجْرَةِ الْخِيَاطَةِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْسَامِ الْبَيَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ( وَهُوَ ) أَيْ بَيَانُ الضَّرُورَةِ ( أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ كُلُّهَا دَلَالَةُ سُكُوتٍ مُلْحَقٌ بِاللَّفْظِيَّةِ ) فِي الِاعْتِبَارِ ، وَحَصْرُهُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قَالُوا : وَسُمِّيَ هَذَا الْقِسْمُ بِهَذَا الِاسْمُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْبَيَانِ فِي الْأَصْلِ هُوَ النُّطْقُ ، وَهَذَا يَقَعُ بِمَا هُوَ ضِدُّهُ ، وَهُوَ السُّكُوتُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الْآتِي تَفْصِيلُهَا الْقِسْمُ ( الْأَوَّلُ مَا يَلْزَمُ مَنْطُوقًا ) أَيْ لَازِمُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ لِمَلْزُومٍ مَذْكُورٍ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ } ( { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } ) فَإِنَّ هَذَا نَاصٌّ عَلَى انْحِصَارِ إرْثُهُ فِيهِمَا ، وَاخْتِصَاصُ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ مِنْهُ ، وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ لِأَبِيهِ الثُّلُثَانِ طَوَى ذِكْرَهُ إيجَازًا لِلْعِلْمِ وَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ فِيهِمَا وَبَقِيَ نَصِيبُ الْأَبِ مَجْهُولًا ، وَسِيَاقُ النَّصِّ يَأْبَاهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ ( دَلَّ سُكُوتُهُ ) أَيْ النَّصِّ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى ( أَنَّ لِلْأَبِ الْبَاقِيَ ) لَا أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ ، أَوْ تَخْصِيصَ الْأُمِّ بِالثُّلُثِ بَيَانٌ لِنَصِيبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ نَصِيبُ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَمْ يُعْرَفْ نَصِيبُ الْأَبِ بِالسُّكُوتِ بِوَجْهٍ ( وَدَفَعْته مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ ) أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُ رَبِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِغَيْرِهِ

دَفَعْت هَذَا النَّقْدَ إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ رِبْحِهِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِعَمَلِ الْمُضَارِبِ ، وَبَيَانُ مِقْدَارِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ " وَلِي " نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ آخَرَ مَعَ كَوْنِهِ نَمَا مِلْكُهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَقَضَى فِيهِ بِأَنَّهُ ( يُفِيدُ ) السُّكُوتَ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ نَصِيبِ الْمَالِكِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ( أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْمَالِكِ وَكَذَا فِي قَلْبِهِ اسْتِحْسَانًا ) أَيْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لِغَيْرِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَيَقْبَلُ الْغَيْرُ ذَلِكَ ، فَالْقِيَاسُ فَسَادُ هَذَا الْعَقْدِ لِعَدَمِ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُحْتَاجِ إلَى بَيَانِ نَصِيبِهِ ، وَهُوَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْبَاقِي لَهُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَالِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّةُ هَذَا الْعَقْدِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الرِّبْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَانَ نَصِيبِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَلْزُومٌ مَنْطُوقٌ بِهِ وَلَهُ لَازِمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَهُوَ وَلَك نِصْفُهُ طَوَى ذِكْرَهُ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيَانًا لِكَوْنِ الْبَاقِي لِلْآخَرِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ دَلَّ السُّكُوتُ عَنْ بَيَانِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ نَصِيبُهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَقَوْلِهِ دَفَعْته إلَيْك مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَيْهِ الْقِسْمُ ( الثَّانِي دَلَالَةُ حَالِ السَّاكِتِ ) الَّذِي

وَظِيفَتُهُ الْبَيَانُ مُطْلَقًا أَوْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِسَبَبِ سُكُوتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ ( كَسُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَمْرٍ يُشَاهِدُهُ ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَيْسَ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ ، وَلَا سَبَقَ تَحْرِيمُهُ كَالْمُعَامَلَاتِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا وَالْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا وَلَا نَكِيرٌ عَلَى فَاعِلِيهَا فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ حَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ لِلْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ ، وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَالَ { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ } ( وَسَيَأْتِي فِي السُّنَّةِ ) بَيَانٌ مُسْتَقْصًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَسُكُوتُ الصَّحَابَةِ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ ) وَهُوَ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ ثُمَّ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ أَمَةً لِلْغَيْرِ فَإِنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ تَقَوُّمِ مَنَافِعِ بَدَنِ الْوَلَدِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَغْرُورِ مَعَ حُكْمُهُمْ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ عَلَى مَوْلَاهَا وَبِوُجُوبِ الْعُقْرِ عَلَى الْمَغْرُورِ لِلْمَوْلَى وَبِكَوْنِ وَلَدِهِ مِنْهَا حُرًّا بِالْقِيمَةِ ( يُفِيدُ عَدَمَ تَقَوُّمِ الْمَنَافِعِ ) وَأَنَّهَا بِالْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ ، وَلَا شُبْهَتِهِ لَا تَضَمُّنٍ بِدَلَالَةِ حَالِهِمْ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ جَاءَ طَالِبًا لِحُكْمِ الْحَادِثَةِ غَيْرَ عَالَمٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بَيَانُهُ فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ النَّفْيِ ؛ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ السُّكُوتُ عَنْ وَاجِبٍ لِجَاهِلٍ بِهِ وَالْمُفِيدُ لِسُكُوتِهِمْ عَنْهُ عِدَّةُ آثَارٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْفَاظِ أَخْرَجَ بَعْضَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبَعْضَهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ طَوَيْنَا ذِكْرَهَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ وَلَدَ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ هُنَا حُكِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( سُكُوتُ الْبِكْرِ ) عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَسُولِهِ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَوَّلًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِهَا ذَلِكَ عَنْ الْوَلِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ فِي الْمَبْلَغِ بِعُرْفٍ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى فَإِنَّ سُكُوتَهَا فِي إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَيْنِ يُفِيدُ الْإِجَازَةَ بِدَلَالَةِ حَالِهَا ، وَهِيَ الْحَيَاءُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي الرِّجَالِ وَالْوَقَاحَةِ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ { عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ قَالَ نَعَمْ ، قُلْت : إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِيُ فَتَسْكُتُ قَالَ : سُكُوتُهَا إذْنُهَا } وَلَا تَمْتَنِعُ عَادَةً مِنْ التَّصْرِيحِ بِالرَّدِّ لَا سِيَّمَا وَغَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ .
وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ تَجْدِيدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زُوِّجَتْ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْهَا عَدَمُ الرَّدِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ مَنْ إذْنُهَا مُعْتَبَرٌ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَتَخْرُجُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَالْمَجْنُونَةُ كَمَا أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثَّيِّبَ الْمُعْتَبَرَ إذْنُهَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا إجَازَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ

نُطْقِهَا بِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ( وَفِي ادِّعَاءِ أَكْبَرِ وَلَدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ ) وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَسُكُوتُهُ عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةِ بُطُونِ أَمَتِهِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ الْأَكْبَرُ فَإِنَّهُ نَفْيٌ لَهُمَا أَيْ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا سُكُوتُ الْمَوْلَى عَنْ دَعْوَةِ وَلَدَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْهُ فِيمَا إذَا أَتَتْ أَمَتُهُ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ أَكْبَرَهُمْ فَإِنَّ سُكُوتَهُ عَنْ دَعْوَتِهِمَا نَفْيٌ لِنَسَبِهِمَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمَوْلَى ، وَهِيَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ فَرْضٌ كَمَا أَنَّ نَفْيَ نَسَبِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ أَيْضًا فَكَانَ سُكُوتُهُ عَنْ بَيَانِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْهُ دَلِيلَ النَّفْيِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالنَّفْيِ ( وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ ) أَيْ نَسَبِ غَيْرِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا وَلَدَا أُمِّ وَلَدِهِ بِدَعْوَةِ الْأَكْبَرِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِدَعْوَتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَةٍ لِكَوْنِهَا فِرَاشًا .
وَمِنْ هُنَا قَالَ زُفَرُ : يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا أَيْضًا ( لِمُقَارَنَةِ النَّفْيِ الِاعْتِرَافَ بِالْأُمُومَةِ ) أَيْ لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ غَيْرِ الْأَكْبَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ نَفْيَهُ ثُبُوتُ أُمُومَتِهَا لَكِنَّهُ مُقَارَنَةٌ بِسُكُوتِهِ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ ، وَدَعْوَتُهُ الْأَكْبَرَ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ وِلَادَتِهِمَا بَلْ بَعْدَهَا فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقْتَ وِلَادَتِهِمَا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِرَاشَ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الدَّعْوَةِ فَكَانَ انْفِصَالُهُمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْفِرَاشِ فِيهَا فَيَكُونَانِ وَلَدَيْ الْأَمَةِ فَيَحْتَاجُ ثُبُوتُ نَسَبِهِمَا إلَى الدَّعْوَةِ ثُمَّ لَا

فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ بِلَفْظِ الْأَكْبَرِ ابْنِي أَوْ بِلَفْظِ هَذَا ابْنِي فَانْتَفَى تَوَهُّمُ أَنَّ نَفْيَ مَا سِوَاهُ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ ثُمَّ إيرَادُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ ثُمَّ أَقُولُ : لَعَلَّ الْوَضْعَ إنَّمَا كَانَ فِي دَعْوَةِ الْأَكْبَرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَوَّلَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى الْأَوْسَطَ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَفْيًا لِلْأَكْبَرِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلِلْأَصْغَرِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ بُطُونٍ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُمْ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَاعْتِرَافُهُ بِأَحَدِهِمْ اعْتِرَافٌ بِالثَّانِي ضَرُورَةً كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ الْقِسْمُ ( الثَّالِثُ : اعْتِبَارُهُ ) أَيْ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ سُكُوتِ السَّاكِتِ دَلَالَةً كَالنُّطْقِ ( لِدَفْعِ التَّغْرِيرِ ) أَيْ لِضَرُورَةِ دَفْعِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْغُرُورِ ( كَدَلَالَةِ سُكُوتِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ يَشْتَرِي مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَاجَةُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ ( عَنْ النَّهْيِ ) عَنْ ذَلِكَ ( عَلَى الْإِذْنِ ) فِي التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِيهَا أَفْضَى إلَى ضَرَرِ النَّاسِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَى إذْنِهِ فَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَقَالَ الْمَوْلَى مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ عِتْقِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ ، وَقَدْ لَا يَقَعُ ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغُرُورِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا } حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ الْخَاصُّ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ نَعَمْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ إجَازَةً لِبَيْعِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ أَذِنَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ : لَا يَكُونُ إذْنًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَحْجُورٌ شَرْعًا ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً .
قُلْنَا تُرَجَّحُ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بِرَدِّ تَصَرُّفِهِ وَإِظْهَارِ نَهْيِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ ( وَسُكُوتُ الشَّفِيعِ ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ عَلَى إسْقَاطِهَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُ الشَّفِيعِ إسْقَاطًا لَهَا لِنَقْضِهِ لَوْ وَقَعَ ظَنًّا مِنْهُ أَنْ لَا غَرَضَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ جَعَلَ سُكُوتَهُ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى إسْقَاطِهَا هَذَا مَا قَالُوهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ فِي الشُّفْعَةِ ثَلَاثَةٌ : طَلَبُ مُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ أَوْ لَا وَطَلَبَ تَقْرِيرَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ وَطَلَبِ خُصُومَةٍ وَتَمَلُّكِ أَنْ يَرْفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي إلَى الْقَاضِي وَيَطْلُبَ قَضَاءَهُ لَهُ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الثَّالِثَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ إنَّمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَجْلِسٌ فَلَمْ يُخَاصِمْ حَتَّى مَضَى تَبْطُلُ وَالرِّوَايَةُ الظَّاهِرَةُ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي

حَنِيفَةَ ، وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ شَهْرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَخَرَجَ هَذَا الطَّلَبُ عَنْ كَوْنِ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ مُبْطِلًا لَهُ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الثَّانِي مُقَدَّرَةٌ بِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى الْفَوْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَطْلُبَهَا عَلَى فَوْرِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ أَنْ يَطْلُبَهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَاخْتِيَارُ الْكَرْخِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَكُونُ الْمُرَادُ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ الثَّانِي مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الطَّلَبِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مُرَادًا بِكَوْنِ السُّكُوتِ مُبْطِلَهُ ، هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ : وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُنْدَرِجٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي ثُبُوتَ الْبَيَانِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ ا هـ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى سُكُوتِ الشَّفِيعِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبَ التَّقْرِيرِ ثُمَّ هُنَا تَنْبِيهَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ وَالشَّفِيعِ نَصُّوا عَلَى مَضْمُونِهِمَا أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ بِسُكُوتِهِمَا السُّكُوتُ الِاخْتِيَارِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَ فَهْمًا لَا يَكُونُ إجَازَةً إذَا رَدَّتْ وَطَلَبَ فِي فَوْرٍ زَوَالَ ذَلِكَ .
ثَانِيهُمَا : لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ سُكُوتِهِمَا إجَازَةً فِي حَقِّهَا ، وَإِسْقَاطًا لِلشُّفْعَةِ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِكَوْنِهِ إجَازَةً وَإِسْقَاطًا أَوْ لَا وَيَظْهَرُ جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَ رُؤْيَةِ عَبْدِهِ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ ( الرَّابِعُ الثَّابِتُ ضَرُورَةُ الطُّولِ فِيمَا تُعُورِفَ ) أَيْ

دَلَالَةُ السُّكُوتِ عَلَى تَعْيِينِ مَعْدُودٍ تُعُورِفَ حَذْفُهُ ضَرُورَةَ طُولِ الْكَلَامِ بِذِكْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَعْطُوفٍ عَلَى عَدَدِهِ يُفِيدُهُ عُرْفًا وَهُوَ قِسْمَانِ مَا كَانَ مُبَيَّنًا بِنَفْسِهِ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَمَا كَانَ مِقْدَارًا شَرْعِيًّا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ أَوْ وَدِينَارٍ أَوْ وَقَفِيزٍ ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا فَالسُّكُوتُ عَنْ مُمَيِّزِ الْمِائَةِ فِي هَذِهِ يَدُلُّ عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، وَفِي الثَّانِي مِنْ الدَّنَانِيرِ وَفِي الثَّالِثِ مِنْ الْقُفْزَانِ ( بِخِلَافِ ) لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ ( وَعَبْدٌ ) وَمِائَةٌ ( وَثَوْبٌ ) فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ فِي هَذَيْنِ لَيْسَ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَلَا الْمُمَيِّزُ مِمَّا تُعُورِفَ حَذْفُهُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِمَا عُرْفًا عَلَى أَنَّهُ الْمِائَةُ مِنْ الْعَبِيدِ وَلَا مِنْ الثِّيَابِ فَيَلْزَمُهُ عَبْدٌ وَثَوْبٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ ، وَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ لِضَرُورَةِ طُولِ الْكَلَامِ كَمَا فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عَلَى الْكَامِلَةِ نَحْوِ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ حَتَّى قَالَ : يُطَلَّقَانِ كَقَوْلِنَا : خَالَفَ فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي جَمِيعِهَا يَلْزَمُهُ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَصْلُحُ مُبَيِّنًا لَهَا فَإِنَّ الْعَطْفَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لَهَا لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغَايُرِ وَمَبْنَى التَّفْسِيرِ عَلَى الِاتِّحَادِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ لَكَانَ بَيَانًا فِي مِائَةٍ وَعَبْدٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هُنَا بِخِلَافِ مِائَةٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا لِحَاجَةِ كُلٍّ إلَيْهِ قُلْنَا : حَذْفُ تَمْيِيزِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ فِي الْعَدَدِ إذَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُفَسِّرٌ لَهُ ضَرُورَةَ طُولِ

الْكَلَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ كَمَا فِي بِعْته بِمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ وَهَلُمَّ جَرًّا يُرَادُ بِالْجَمِيعِ الدَّرَاهِمُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِيهِمَا كَذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَلَا مِقْدَارٌ شَرْعِيٌّ لِانْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا كَثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي عَقْدٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ مُؤَجَّلًا قُلْت : وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِفُلَانٍ : عَلَيَّ أَلْفٌ وَعَبْدٌ فَعَلَيْهِ عَبْدٌ وَأَلْفٌ مِمَّا يَشَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : وَشَاةٌ أَوْ وَبَعِيرٌ ، أَوْ وَفَرَسٌ ، أَوْ وَثَوْبٌ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ مِنْ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالثِّيَابِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْعَبِيدَ ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ وَالْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالثِّيَابَ أُقَسِّمُهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، وَلَا أُقَسِّمُ الرَّقِيقَ ( تَنْبِيهٌ ) فَإِنْ قُلْت : ظَهَرَ أَنَّ الدَّلَالَةَ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ بَلْ مِنْهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلٍ فَمَا وَجْهُ نِسْبَتِهَا إلَى السُّكُوتِ حَتَّى كَانَتْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ ، قُلْت : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِتَنْزِيلِ مَا أَفَادَهَا مِنْ مَجْمُوعِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ السُّكُوتِ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ وَمِنْ شَأْنِ مَا كَانَ عِلَّتُهُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى آخِرِهَا وُجُودًا ، وَالسُّكُوتُ مَعَ غَيْرِهِ هُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ تَمْشِيَةَ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ جَمِيعَ أَقْسَامِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَسَيَأْتِي عَدُّهَا

مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَحِينَئِذٍ فَيَظْهَرُ كَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَفْظِيَّةً أَيْضًا ، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا فِيهِمَا غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ لَفْظِيَّةً مَحْضُ اصْطِلَاحٍ فَلْيُتَأَمَّلْ

( وَاللَّفْظِيَّةُ عِبَارَةٌ وَإِشَارَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاقْتِضَاءٌ ) وَلَهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْحَصْرِ فِيهَا وُجُوهٌ ، وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي عَلَى مَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا أَنَّ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةً بِنَفْسِ اللَّفْظِ أَوْ لَا .
وَالْأُولَى إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً مِنْهُ وَهِيَ الْعِبَارَةُ أَوْ لَا وَهِيَ الْإِشَارَةُ ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَسْكُوتٍ عَنْهُ يُفْهَمُ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ أَوْ صِدْقُهُ عَلَيْهِ وَهِيَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ لَا وَهِيَ التَّمَسُّكُ الْفَاسِدُ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِلدَّلَالَةِ حَقِيقَةً وَيَتَعَدَّى بِوَاسِطَتِهَا إلَى اللَّفْظِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَبِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الدَّلَالَةِ ( يَنْقَسِمُ اللَّفْظُ إلَى دَالٍّ بِالْعِبَارَةِ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَدَالٍّ بِالْإِشَارَةِ وَدَالٍّ بِالدَّلَالَةِ وَدَالٍّ بِالِاقْتِضَاءِ ( فَعِبَارَةُ النَّصِّ أَيْ اللَّفْظِ ) الْمَفْهُومُ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَعْنَى الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مُفَسَّرًا أَوْ مُحْكَمًا ، وَسَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ إطْلَاقًا شَائِعًا ثُمَّ الْعِبَارَةُ لُغَةً تَفْسِيرُ الرُّؤْيَا وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الدَّلَالَةِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ مَسْتُورٌ كَمَا أَنَّ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا تُفَسِّرُ عَاقِبَتَهَا الْمَسْتُورَةَ فَظَهَرَ أَنَّ إضَافَتَهَا إلَى النَّصِّ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ عَيْنِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بَلْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَأَنَّهَا مِنْ أَوْصَافِ الدَّلَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ( دَلَالَتُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( عَلَى الْمَعْنَى ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَقْصُودًا أَصْلِيًّا ) مِنْ ذِكْرِهِ ( وَلَوْ لَازِمًا ) أَيْ : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ ( وَهُوَ )

أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا أَصْلِيًّا مِنْ ذِكْرِ لَفْظِهِ هُوَ ( الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي النَّصِّ ) الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ ( أَوْ ) دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِ مَقْصُودًا ( غَيْرَ أَصْلِيٍّ ) مِنْ ذِكْرِهِ .
( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْمَعْنَى مَقْصُودًا غَيْرَ أَصْلِيٍّ هُوَ ( الْمُعْتَبَرُ ) عِنْدَهُمْ ( فِي الظَّاهِرِ ) الْمُقَابِلِ لِلنَّصِّ ( كَمَا سَيُذْكَرُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ( فَفُهِمَ إبَاحَةُ النِّكَاحِ وَالْقَصْرُ عَلَى الْعَدَدِ ) أَيْ الْأَرْبَعِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ ( مِنْ آيَةِ فَانْكِحُوا ) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَإِلَّا قَالَ مِنْ فَانْكِحُوا ( مِنْ الْعِبَارَةِ ) لِأَنَّ لَفْظَهَا دَالٌّ عَلَى طَلَبِ نِكَاحِ مَنْ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَى النِّكَاحِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِبَاحَةُ كَمَا عُرِفَ وَعَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعِ لِلْحُرِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضًا ( وَإِنْ كَانَتْ ) الْآيَةُ ( ظَاهِرًا فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ مَنْ ذَكَرْنَا وَنَصًّا فِي الثَّانِي وَهُوَ قَصْرُ إبَاحَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ مُجْتَمَعَاتٍ لِلْحُرِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا بَلْ الْحُكْمُ الثَّانِي وَذَكَرَ الْأَوَّلَ لِلثَّانِي وَسَتَقِفُ عَلَى تَوْجِيهِهِ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي .
( وَكَذَا حُرْمَةُ الرِّبَا وَحِلُّ الْبَيْعِ وَالتَّفْرِقَةُ مِنْ آيَةِ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ) أَيْ وَكَذَا فُهِمَ إبَاحَةُ الْبَيْعِ وَحُرْمَةُ الرِّبَا وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } مِنْ عِبَارَةِ النَّصِّ لِأَنَّ لَفْظَ هَذِهِ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي كُلٍّ مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ

مِنْهَا وَفِي التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ نَصًّا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهَا وَذِكْرُ لَا وَلِأَنَّ لَهَا ( وَالتَّفْرِقَةُ ) بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ ( لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ ) عَنْهُمَا بِخِلَافِ حِلِّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الرِّبَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَدْلُولٌ مُطَابِقِيٌّ لِلَّفْظِ الْمُفِيدِ لَهُ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمَعْنَى الْعِبَارِيِّ يَكُونُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلَّفْظِ ( لَمْ يُقَيَّدْ ) الْمَعْنَى ( بِالْوَضْعِيِّ ) فَيَخْرُجُ بَلْ قُلْنَا : وَلَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ نَصًّا فِي دُخُولِهِ .
( وَيُقَالُ ) فِي تَعْرِيفِهَا كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ ( مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ ) قَالَ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ ( وَالْمُرَادُ ) أَنْ يُسَاقَ لَهُ مُطْلَقًا أَيْ ( سَوْقًا أَصْلِيًّا أَوْ غَيْرَ أَصْلِيٍّ وَهُوَ ) أَيْ غَيْرُ أَصْلِيٍّ ( مُجَرَّدُ قَصْدِ التَّكَلُّمِ بِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ ) تَتْمِيمًا لِأَمْرٍ لَمْ يُسْقَ الْكَلَامُ لَهُ ، وَالْأَصْلِيُّ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ مَعَ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُرَادِ السَّوْقَ الْمُطْلَقَ ( عَمَّمْنَا الدَّلَالَةَ لِلْعِبَارَةِ فِي الْآيَتَيْنِ ) آيَةَ { فَانْكِحُوا } وَآيَةَ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } مُوَافَقَةً لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ جَعَلَ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّفْرِقَةِ عِبَارَةً ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالسَّوْقِ ، وَعَلَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إشَارَةً ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ بِهِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ فِي تَعْرِيفِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودَ لَهُ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ وَالنَّصُّ وَاحِدًا عِنْدَهُ وَالْعِبَارَةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ النَّصِّ عِنْدَ غَيْرِهِ ( وَدَلَالَتُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( عَلَى مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ) أَيْ بِاللَّفْظِ ( أَصْلًا إشَارَةٌ ) وَهِيَ لُغَةً الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ بِهَا لِأَنَّ

السَّامِعَ لِإِقْبَالِهِ عَلَى مَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ كَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا فِي ضِمْنِهِ فَهُوَ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ مِنْ الْمَحْسُوسِ أَنْ يَنْظُرَ إنْسَانٌ إلَى مُقْبِلٍ عَلَيْهِ فَيُدْرِكَهُ وَيُدْرِكَ غَيْرَهُ بِلَحْظِهِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً فَإِدْرَاكُهُ الْمُقْبِلَ كَالْعِبَارَةِ وَغَيْرُهُ كَالْإِشَارَةِ .
( وَقَدْ يُتَأَمَّلُ ) أَيْ وَيَحْتَاجُ فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى الْإِشَارِيِّ إلَى تَأَمُّلٍ فُقِدَ لِلتَّحْقِيقِ فَإِنَّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ حَتَّى قِيلَ الْإِشَارَةُ مِنْ الْعِبَارَةِ كَالْكِنَايَةِ مِنْ الصَّرِيحِ وَالظَّاهِرُ وَالْإِشَارَةُ وَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ لَمْ يُسَقْ لَهُمَا قَدْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ يَعْرِفُهُ السَّامِعُ أَوَّلَ الْوَهْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ ، وَالْإِشَارَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِنَوْعِ تَأَمُّلٍ وَاسْتِدْلَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ يُنْقَضَ مِنْهُ ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِغُمُوضٍ يَزُولُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ فَهِيَ إشَارَةٌ غَامِضَةٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَمَا أَنَّ إدْرَاكَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالنَّظَرِ مَعَ إدْرَاكِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الْإِبْصَارِ كَذَا فَهْمُ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْكَلَامِ فِي ضِمْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ كَمَالِ قُوَّةِ الذَّكَاءِ وَصَفَاءِ الْقَرِيحَةِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِ الْإِشَارَةِ الْخَوَاصُّ وَتُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَسَتَتَحَقَّقُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا الْتِزَامِيَّةً فَإِذَنْ هِيَ دَلَالَةٌ الْتِزَامِيَّةٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ ( كَالِاخْتِصَاصِ بِالْوَالِدِ نَسَبًا مِنْ آيَةِ { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } دُونَ الْأُمِّ ) أَيْ كَاخْتِصَاصِ الْأَبِ بِكَوْنِ الِانْتِسَابِ إلَيْهِ دُونَ الْأُمِّ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ

وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَجِبُ كَوْنُ الْوَالِدِ أَخَصَّ بِالْوَلَدِ مِمَّنْ سِوَاهُ ، وَذَلِكَ بِالِانْتِسَابِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ الْمَقْصُودَ مِنْ سَوْقِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِهَا إيجَابُ نَفَقَةِ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَى الْوَالِدِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ .
( فَثَبَتَتْ أَحْكَامٌ مِنْ انْفِرَادِهِ بِنَفَقَتِهِ وَالْإِمَامَةُ وَالْكَفَاءَةُ وَعَدَمُهُمَا ) أَيْ فَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فِي انْفِرَادِ الْوَالِدِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ لَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَوْلَى لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَتِهِ ، وَفِي تَعْدِيَةِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ لِلْأَبِ مَعَ ثَمَرَاتِهَا إلَيْهِ إذَا كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَكُفْءً لِلْقُرَشِيَّةِ لِاسْتِجْمَاعِهِ شَرَائِطَهُمَا الَّتِي مِنْهَا كَوْنُهُ قُرَشِيًّا تَعَدَّى إلَى الِابْنِ كَوْنُهُ كَذَلِكَ إذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ بَقِيَّةُ شَرَائِطِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ أَهْلٍ وَكُفْءٍ لَهُمَا لِكَوْنِهِ جَاهِلًا غَيْرَ قُرَشِيٍّ كَانَ الِابْنُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الِابْنُ جَاهِلًا وَهَذَا مُطَّرِدٌ ( مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الدَّلِيلُ ) أَيْ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى اخْتِصَاصِهِ بِالنَّسَبِ عَنْهَا كَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَإِنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيهِمَا وَإِنْ اتَّصَفَ الْأَبُ بِضِدِّ مَا الْأُمُّ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالِاسْتِقْرَاءِ ( وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ ) أَيْ وَكَزَوَالِ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَمَّا خَلَّفَهُ ثَمَّةَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا وَإِحْرَازِهِمْ إيَّاهَا مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْفَقِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ

أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } مَعَ وُجُودِهَا بِمَكَّةَ وَانْتِفَاءِ كُلِّ مُزِيلٍ لِمِلْكِهَا مَا عَدَا اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ أَوْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ لَا مَنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْغَنِيَّ - حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً - مَنْ هُوَ مَالِكٌ لِلْمَالِ لَا مَنْ قَرُبَتْ يَدُهُ مِنْهُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْوَالٌ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَابْنُ السَّبِيلِ الْمَالِكُ لِلْمَالِ فِي وَطَنِهِ غَنِيٌّ ، وَإِنْ بَعُدَتْ يَدُهُ عَنْهُ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ .
وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِنَظْمِهَا بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ } بَدَلٌ مِنْ { لِذِي الْقُرْبَى } وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ حُذِفَ عَاطِفُهُ وَهُوَ الْوَاوُ كَمَا حَكَاهُ فِي التَّيْسِيرِ وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ بَابُهُ الشِّعْرَ فَقَدْ خُرِّجَتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْهَا { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ } كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ عَلَى هَذَا أَيْضًا ، هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ( وَالْوَجْهُ أَنَّهُ ) أَيْ زَوَالَ مِلْكِ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْمُخَلَّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ ثَمَّةَ مِنْ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ فِي الْآيَةِ ( اقْتِضَاءٌ ) أَيْ مُقْتَضًى عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّلْوِيحِ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِهَذَا الْوَصْفِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اقْتَضَاهُ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمْ ( لِأَنَّ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ ) عَلَى الْإِنْسَانِ ( بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْأَمْوَالِ ) الَّتِي

يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِهَا الْغِنَى لَهُ فِي وَقْتٍ ( مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الزَّوَالِ ) أَيْ زَوَالِ مِلْكِهِ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ زَوَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ الْفَقِيرِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْفَقْرُ بِدُونِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْتِفَاءُ جَعْلِهِ إشَارَةً مِنْ قَبِيلِ جُزْءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ مِلْكِ مَا خَلَّفُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جُزْءٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُدَّعَى ثُبُوتُهُ إشَارَةً إنَّمَا هُوَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوهُ ، وَلَيْسَ هَذَا جُزْءًا مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِمْ لِشَيْءٍ أَصْلًا أَوْ لِأَدْنَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لِمَا خَلَّفُوهُ وَمَا دُفِعَ بِهِ هَذَا مِنْ أَنَّ زَوَالَ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا لَيْسَ إلَّا كَوْنُهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا .
وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُونَهَا جُزْءًا مِنْ كَوْنِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا أَصْلًا ، وَأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازِمٌ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ زَوَالُ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا عِلَّةً لِكَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غَيْرُهُمْ بَلْ كَوْنُهُمْ فُقَرَاءَ عِلَّةٌ لِزَوَالِ مِلْكِهِمْ عَمَّا كَانَ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ وَالتَّعَسُّفِ الظَّاهِرِ ( وَدَلَالَةُ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِ الْكَلْبِ ) أَيْ وَكَدَلَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ مِنْ السُّحْتِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ الْمَنْعَ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ ، وَتَصَوُّرُهُ بِانْعِقَادِ بَيْعِهِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِهِ .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ تَنَاوُلِ

الْعِوَضِ الْمَالِيِّ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ لَهُ وَعِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ إنْ ثَبَتَ بِهَذَا إنَّمَا يَثْبُتُ مُقْتَضًى لَا إشَارَةً لِأَنَّ تَحَقُّقَ الثَّمَنِ عَنْهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ تَحَقُّقِ بَيْعِهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَبِيعًا وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ عَنْهُ ثَمَنًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلثَّمَنِ مُتَقَدِّمٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ اسْتَدْعَى اعْتِبَارُهُ صِحَّةَ إطْلَاقِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ : إنْ قِيلَ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ بَيْعِهِ صَحِيحًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ شَرْعًا وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ شَرْعًا الْمُعْتَاضُ بِهِ عَمَّا هُوَ كَذَلِكَ بِإِذْنِ الشَّارِعِ ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ثُمَّ أَنَّى يَتِمُّ مَعَ قَوْلِهِ : سُحْتٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ خَبِيثٌ ، وَإِشْرَاكُهُ مَعَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ فِي هَذَا الْوَصْفِ ، وَإِنْ قِيلَ : يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ فَاسِدًا حَتَّى كَانَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ بِالْقَبْضِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تَجْرِيدِ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ النَّهْيِ كَمَا سَيُعْرَفُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَهُوَ خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ ، وَكَوْنُ أَدِلَّةٍ خَارِجِيَّةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تُفِيدُ كَوْنَ بَيْعِهِ جَائِزًا مِنْ غَيْرِ فَسَادٍ لَا يُوجِبُ كَوْنَ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ مُشِيرًا أَوْ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَآيَةُ { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ } عَلَى الْإِصْبَاحِ جُنُبًا ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } الْآيَةَ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصْبِحَ الْمُبَاشِرُ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ جُنُبًا صَائِمًا لِإِبَاحَةِ هَذَا النَّصِّ الْمُبَاشَرَةَ لَهُ

فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ طُلُوعَ الْفَجْرِ عَلَيْهِ جُنُبًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ قَبْلَهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِهِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ وَصْفَا الْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ ، وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا أَيْضًا عَدَمَ مُنَافَاتِهِمَا ، وَهَذَا لَيْسَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْعِبَارِيُّ ثُمَّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ مِنْ السُّنَّةِ مُؤَكِّدٌ لِهَذِهِ الْإِشَارَةِ الْقُرْآنِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ ( وَظَهَرَ ) مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِلْإِشَارَةِ السَّالِمَةِ مِنْ التَّعَقُّبِ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْإِشَارَةَ الدَّالَّةَ ( الِالْتِزَامِيَّةُ ) لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ بِسَوْقِهِ وَيَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا إلَى تَأَمُّلٍ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( وَإِنْ خَفِيَ ) اللُّزُومُ حَتَّى احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَجَرَى فِيهِ خِلَافٌ ؛ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَشْرِطُونَ فِي الِالْتِزَامِيَّةِ اللَّازِمَ الْبَيِّنَ فَضْلًا عَنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ بَلْ الثُّبُوتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ وَفِكْرٍ أَوْ لَا ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَازِمٌ مُتَأَخِّرٌ لِمَعْنَى اللَّفْظِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ يَحْتَاجُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ إلَى تَأَمُّلٍ فَحِينَئِذٍ لَا إشَارَةَ إلَّا مَعَ عِبَارَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ) بِاللَّفْظِ ( سِوَاهُ ) أَيْ اللَّازِمِ ( فَكَانَ ) اللَّفْظُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ ( مَجَازًا ) حِينَئِذٍ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ( لَزِمَ ) أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ ( عِبَارَةً لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالسَّوْقِ ) لَا إشَارَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى الْإِشَارِيَّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِالسَّوْقِ أَصْلًا ( وَكَذَا فِي الْجُزْءِ ) أَيْ وَكَذَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي جُزْءِ مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ سِوَاهُ حَتَّى كَانَ مَجَازًا

فِيهِ لَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا عِبَارَةً لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالسَّوْقِ ، وَالْمَعْنَى الْإِشَارِيُّ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا بِهِ أَصْلًا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَكَذَا كُلُّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ وَلَوْ كَانَ مَدْلُولَ الْإِشَارَةِ إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ صَارَ عِبَارَةً فِيهِ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ ا هـ فَتَنْفَرِدُ الْعِبَارَةُ عَنْ الْإِشَارَةِ ( وَإِنْ دَلَّ ) اللَّفْظُ ( عَلَى حُكْمٍ مَنْطُوقٍ ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ ( لِمَسْكُوتٍ لِفَهْمِ مَنَاطِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ( بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ فَدَلَالَةٌ ) أَيْ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ تُسَمَّى الدَّلَالَةَ ، وَدَلَالَةَ النَّصِّ وَدَلَالَةَ مَعْنَى النَّصِّ لِفَهْمِهَا مِنْهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : الدَّلَالَةُ مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ لُغَةً لَا اسْتِنْبَاطًا فَخَرَجَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْعِبَارَةُ وَالْإِشَارَةُ لِثُبُوتِهِمَا بِالنَّظْمِ ، وَالْمَحْذُوفُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَذْكُورِ وَبِلُغَةِ الْمُقْتَضَى لِثُبُوتِهِ بِمَعْنَاهُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَبِ " لَا اسْتِنْبَاطًا " : الْقِيَاسُ إلَّا أَنَّ عِنْدِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ .
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَغَايُرِ الدَّلَالَةِ وَالْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فَلِخُرُوجِهِ بِلُغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ فِي الْمَنَارِ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ قَوْلُ آخَرِينَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي رِسَالَتِهِ وَاخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَسَمَّوْهَا قِيَاسًا جَلِيًّا فَظَاهِرٌ ثُمَّ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْقَطْعِ بِتَوَارُثِ ثُبُوتِ دَلَالَةِ النَّصِّ قَبْلَ شَرْعِيَّةِ الْقِيَاسِ حَتَّى قِيلَ : يَجِبُ حَمْلُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ قِيَاسٌ شَرْعِيٌّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْيِسَةِ وَإِنْ كَانَ

الْمَقِيسُ مَعْلُومًا لُغَةً بِخِلَافِهِ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْيِسَةِ وَقِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ بِالْقِيَاسِ .
وَيَصِحُّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَحَقُّقِهَا بَيْنَ إنْ ( كَانَ ) الْمَسْكُوتُ ( أَوْلَى ) بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ أَوْلَى بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَنَاطِهِ بَلْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْأَوْلَوِيَّةَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَعَ رَدِّهِ ( كَدَلَالَةِ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ ) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعِبَارِيَّ لَهُ تَحْرِيمُ خِطَابِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدَيْنِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّبَرُّمِ وَالتَّضَجُّرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ، وَهُوَ الْأَذَى وَتَثْبُتُ بِدَلَالَتِهِ حُرْمَةُ ضَرْبِهِمَا أَوْ شَتْمِهِمَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ لَهُمَا نَظَرًا إلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِهِ الْمَفْهُومَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ فَإِنَّ الْإِيذَاءَ فِيهِمَا فَوْقَ الْإِيذَاءِ بِالتَّأْفِيفِ ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ : مَا ثَبَتَ بِمَعْنَى النَّصِّ الْمَعْنَى الَّذِي يُنْتَقَلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ مَنْ هُوَ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اجْتِهَادٍ ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ التَّلَفُّظِ بِأُفٍّ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْأَذَى لَا لِعَيْنِ أُفٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ قَوْمٌ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِنَوْعِ إكْرَامٍ أَوْ تَرَحُّمٍ لَا لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّضَجُّرِ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُ قَوْلِهِ ، وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ .
وَسَيَأْتِي مِثَالُ مَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ مُسَاوِيًا لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي حُكْمِهِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي مَنَاطِهِ ( وَأَمَّا ) أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ ( عَلَى مُجَرَّدِ لَازِمِ الْمَعْنَى كَدَلَالَةِ الضَّرْبِ عَلَى

الْإِيلَامِ ) مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ مَعْنَى النَّصِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ بِصُورَةٍ مَعْقُولَةٍ وَهُوَ قَرْعُ جِسْمٍ بِآخَرَ وَمَعْنًى مَقْصُودٍ ، وَهُوَ الْأَذَى ( فَغَيْرُ مَشْهُورٍ ) عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الضَّرْبِ قَدْ لَا يَكُونُ الْإِيلَامَ كَضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ تَصْفِيقًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِيلَامَ إذَا اُسْتُعْمِلَ بِآلَةِ التَّأْدِيبِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ لَهُ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ أَوْ التَّعْذِيبِ نَعَمْ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهِ عُرْفًا وَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ ( وَعَلَى مَسْكُوتٍ يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ صِحَّتُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ اقْتِضَاءً ) أَيْ وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ يَتَوَقَّفُ صِدْقُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْكُوتِ كَالْحَدِيثِ الْمُتَدَاوَلِ لِلْفُقَهَاءِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ } فَإِنَّ صِدْقَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ حُكْمُ أَيْ رُفِعَ عَنْهُمْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يُرْفَعَا عَنْهُمْ لِوُقُوعِهِمَا مِنْهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا الْأُخْرَوِيِّ ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْعُثُورِ بِرِوَايَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّهُ رُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنْبَأَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْوَلِيدِ فَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَدْخَلَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ ا هـ .
قُلْت وَلَا ضَيْرَ وَإِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ا هـ وَعَلَّمَ عَلَيْهِ لِأَبِي دَاوُد فَقَدْ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ عَلَيْهِ لِلسِّتَّةِ قُلْت إذَا قَالَ الْوَلِيدُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ ؛ لِأَنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ كَذَا بَيَّنَ ، فَإِذَا قَالَ : حَدَّثَنَا فَهُوَ حُجَّةٌ ا هـ فَإِنَّهُ هُنَا قَالَ : حَدَّثَنَا ثُمَّ عَلَى هَذَا لَمْ يَتِمَّ دَعْوَى تَفَرُّدِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ لَهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ شَرْعِيًّا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ : أَعْتِقْ عَبْدَك عَنَى بِأَلْفٍ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةٍ لِلْمُقْتَضَى وَأَحْكَامِهِ فَتِلْكَ الدَّلَالَةُ اقْتِضَاءٌ وَسُمِّيَتْ بِهِ لِطَلَبِ الْكَلَامِ لَهَا صِدْقًا أَوْ تَصْحِيحًا وَالِاقْتِضَاءُ الطَّلَبُ ( وَالشَّافِعِيَّةُ قَسَّمُوهَا ) أَيْ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ ( إلَى مَنْطُوقِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ عَلَى حُكْمٍ لِمَذْكُورٍ ) سَوَاءٌ ذُكِرَ الْحُكْمُ كَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ ، فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمٍ مَذْكُورٍ ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِمَذْكُورٍ وَهُوَ الْغَنَمُ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ ) كَانَ الْحُكْمُ ( غَيْرَ مَذْكُورٍ كَفِي السَّائِمَةِ مَعَ قَرِينَةِ الْحُكْمِ ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ سَائِلٌ : أَفِي الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ الزَّكَاةُ أَمْ فِي السَّائِمَةِ ؟ فَيَقُولُ الْمُجِيبُ : فِي السَّائِمَةِ فَإِنَّ سُؤَالَهُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الْجَوَابِ هُوَ الْحُكْمُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ ( وَمَفْهُومُ دَلَالَتِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لَا فِيهِ ) أَيْ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ ( عَلَى حُكْمِ الْمَذْكُورِ ) أَيْ عَلَى إثْبَاتِهِ ( لِمَسْكُوتٍ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ ) أَيْ أَوْ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ مَذْكُورٍ عَنْ مَسْكُوتٍ ثُمَّ الْمَنْطُوقُ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ

نُطْقًا خُصَّ بِاسْمِ الْمَنْطُوقِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ مُعَرَّفًا بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَوْنُهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الدَّلَالَةِ هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِسْمَانِ لِلْمَدْلُولِ ) أَيْ يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ أَنَّ الْمَنْطُوقَ وَالْمَفْهُومَ وَصْفَا الْمَدْلُولِ لَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَدْ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ ا هـ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لَهَا أَوْ مَجَازِيٌّ لَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هُنَا عِبَارَاتُهُمْ الْمُفِيدَةُ كَوْنُهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ كَقَوْلِ الْآمِدِيِّ الْمَنْطُوقُ مَا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ نُطْقًا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَالْمَفْهُومُ مَا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ .

( فَالدَّلَالَةُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَدْلُولِ ( دَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ وَدَلَالَةُ الْمَفْهُومِ لِأَنْفُسِهِمَا ) أَيْ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ ( وَالْمَنْطُوقُ ) قِسْمَانِ ( صَرِيحٌ دَلَالَتُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى دَلَالَةٌ نَاشِئَةٌ ( عَنْ الْوَضْعِ ) أَيْ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ ( وَلَوْ تَضَمُّنًا ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ وَغَيْرِ صَرِيحِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ ( عَلَى مَا يَلْزَمُ ) مَا وُضِعَ لَهُ ( وَيَنْقَسِمُ ) غَيْرُ الصَّرِيحِ ( إلَى مَقْصُودٍ ) لِلْمُتَكَلِّمِ ( مِنْ اللَّفْظِ فَيَنْحَصِرُ ) فِي قِسْمَيْنِ بِالِاسْتِقْرَاءِ ( فِي الِاقْتِضَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ) أَيْ السَّاعَةَ ( وَالْإِيمَاءُ قِرَانُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( بِمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ ) أَيْ اللَّفْظُ بِمَعْنَى مَضْمُونِهِ ( عِلَّةً لَهُ ) أَيْ لِلْمَقْرُونِ بِهِ ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَا ( كَانَ ) ذَلِكَ الْقِرَانُ ( بَعِيدًا ) مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَخُصُوصًا الشَّارِعَ ، وَحَاصِلُهُ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لَكَانَ قِرَانُهُ بِهِ بَعِيدًا فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ ( وَيُسَمَّى تَنْبِيهًا كَقِرَانِ ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَعْتِقْ بِوَاقَعْتُ ) وَالْمَعْرُوفُ وَقَعْت فِي قَوْلِ سَائِلِهِ هَلَكْت وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ الْوِقَاعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَكَانَ تَرْتِيبُ ذِكْرِهِ عَلَيْهِ بَعِيدًا ، وَوَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا الْقِسْمِ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ ظَاهِرٌ ثُمَّ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَأَبْحَاثٌ تَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْقِيَاسِ ( وَغَيْرُ مَقْصُودٍ ) لِلْمُتَكَلِّمِ مِنْ اللَّفْظِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ ( وَهُوَ الْإِشَارَةُ وَيُقَالُ دَلَالَةُ الْإِشَارَةِ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ ) وَهُوَ الْإِيمَاءُ يُقَالُ لَهُ دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ ( كَدَلَالَةِ مَجْمُوعِ ) قَوْله تَعَالَى ( { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } )

وقَوْله تَعَالَى ( { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } أَنَّ أَقَلَّ ) مُدَّةِ ( الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَآيَةِ لَيْلَةِ الصِّيَامِ ) أَيْ وَكَدَلَالَةِ مَجْمُوعِ قَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } الْآيَةَ ( عَلَى جَوَازِ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ كَوْنِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَجَوَازِ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا ( مَقْصُودًا بِاللَّفْظِ بَلْ لَزِمَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمِثَالَيْنِ أَمَّا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى لِبَيَانِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ تَعَبِ الْوَالِدَةِ بِالْوَلَدِ وَهِيَ مُدَّتَا أَكْثَرِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ الرَّضَاعِ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى حَقِّهَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفِصَالَ وَإِنْ كَانَ الْفِصَامَ فَقَدْ عَبَّرَ بِهِ هُنَا عَنْ الرَّضَاعِ التَّامِّ الْمُنْتَهِي بِهِ كَمَا يُعَبَّرُ بِالْأَمَدِ عَنْ الْمُدَّةِ ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ لِبَيَانِ أَنَّ فِطَامَهُ فِي انْقِضَاءِ عَامَيْنِ ثُمَّ لَزِمَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا كَوْنُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ كَوْنُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثُونَ شَهْرًا بَقِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَكُونُ هِيَ مُدَّةَ الْحَمْلِ ضَرُورَةً قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - : وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا تَوْقِيتًا لَهُمَا مَعًا عَلَى سَبِيلِ التَّبْغِيضِ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ " { ثَلَاثُونَ شَهْرًا } " مُدَّةٌ لَهُمَا مَعًا ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَأَمَّا إذَا قِيلَ : إنَّهَا تَوْقِيتٌ لِكُلٍّ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَفِيزُ بُرٍّ إلَى سَنَةٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّ السَّنَةَ تَكُونُ أَجَلًا لِكُلٍّ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ

الْمُنَقِّصُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ عَمُودِ الْمِغْزَلِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا : أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَالِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا ذُكِرَ هَذَا دَلِيلًا لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ وَنِصْفُ سَنَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَأَمَّا فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( وَكَدَلَالَةِ ) مَا يُعْزَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( تَمْكُثُ ) إحْدَاهُنَّ ( شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي ) جَوَابًا لِقَائِلٍ وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ لَمَّا قَالَ فِي وَصْفِ النِّسَاءِ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ ( عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّطْرِ النِّصْفُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ بَيَانُ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ ، وَأَمَّا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قُصِدَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي نُقْصَانِ دِينِهِنَّ ، وَالْمُبَالَغَةُ تَقْتَضِي ذِكْرَ أَكْثَرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ فَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَ زَمَانُ تَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَهُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ زَمَانُ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْمُبَالَغَةِ ثُمَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ ( لَوْ تَمَّ ) كَوْنُ الْمُرَادِ بِالشَّطْرِ هُنَا النِّصْفَ ( لَكِنْ الْقَطْعُ بِعَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَةِ النِّصْفِ بِهِ ) أَيْ بِالشَّطْرِ هُنَا ( لِأَنَّ أَيَّامَ الْإِيَاسِ وَالْحَبَلِ وَالصِّغَرِ مِنْ الْعُمُرِ ، وَمُعْتَادَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَكَادُ تُوجَدُ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعُمُومِ

بِوُجُودِهِ فِي فَرْدٍ نَادِرٍ ، وَاسْتِعْمَالُ الشَّطْرِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الشَّيْءِ ) أَيْ بَعْضٍ مِنْهُ ( شَائِعٌ { فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَمَكَثْت شَطْرًا مِنْ الدَّهْرِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ ) أَيْ بَعْضِ الْعُمْرِ هُوَ ( الْمُرَادَ بِهِ ) أَيْ بِشَطْرِ عُمْرِهَا هُنَا تَوَسُّعًا فِي الْكَلَامِ وَاسْتِكْثَارًا لِلْقَلِيلِ ، وَفِي تَقْرِيرِ وَجْهِ دَلَالَتِهِ مَا يُوَافِقُهُ ثُمَّ هَذَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَا يُعْرَفُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ثُمَّ النَّوَوِيُّ مَعَ زِيَادَةِ بَاطِلٍ بِخِلَافِ دَلِيلِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ جَعَلُوا مَا سَمَّاهُ مَشَايِخُنَا عِبَارَةً وَإِشَارَةً وَاقْتِضَاءً مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَجْعَلْ الْمَنْطُوقَ غَيْرَ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ ، وَلَا مِنْ الْمَفْهُومِ بَلْ قَسِيمًا لَهُمَا وَالْبَيْضَاوِيُّ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَفْهُومِ ، وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ مِنْ الْمَنْطُوقِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ جُنُوحٍ إلَيْهِ

( وَالْمَفْهُومُ ) يَنْقَسِمُ ( إلَى مَفْهُومِ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ ) أَيْ مَعْنَاهُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ ( وَلَحْنُهُ ) وَهُوَ مَعْنَاهُ أَيْضًا يُسَمَّى تَنْبِيهَ الْخِطَابِ أَيْضًا وَهُوَ ( مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَالَةِ ) أَيْ دَلَالَةِ النَّصِّ ( إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( مَنْ شَرَطَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ ) مِنْ الْمَنْطُوقِ فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ، قُلْت : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ عَلَى مَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَارِحُو كَلَامِهِ وَعَزَاهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا وَجْهَ لَهُ ) أَيْ لِهَذَا الشَّرْطِ ( إذْ بَعْدَ فَرْضِ فَهْمِ ثُبُوتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( لِلْمَسْكُوتِ كَذَلِكَ ) أَيْ كَفَهْمِ ثُبُوتِهِ لِلْمَنْطُوقِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ ( وَلَا وَجْهَ لِإِهْدَارِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ ) نَعَمْ إنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا مِنْهُمْ لِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا اصْطِلَاحًا بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ كَمَا اصْطَلَحَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَعَلَى مَا هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِيهِ بِلَحْنِ الْخِطَابِ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَكَالْأُولَى اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ( وَعِبَارَتُهُمْ ) أَيْ بَعْضِ الشَّارِطِينَ لِمَا سَيَظْهَرُ وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُنْتَهَى ( تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى ) مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } كَمَا تَقَدَّمَ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ وَبِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى ( مِثْلُ ) قَوْله تَعَالَى { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْك } كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ اسْتَوْدَعَهُ قُرَشِيٌّ أَلْفًا وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ ذَهَبًا فَأَدَّاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اُؤْتُمِنَ عَلَى دِينَارٍ مَثَلًا يُؤَدِّهِ إلَى الْمُؤْتَمِنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّ مُؤَدِّيَ الْكَثِيرِ

مُؤَدِّي الْقَلِيلِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَقَدْ يَكْتَفِي بِالْأَوَّلِ ) وَهُوَ تَنْبِيهٌ بِالْأَدْنَى كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ ( عَلَى أَنْ يُرَادَ ) بِالْأَدْنَى ( الْأَدْنَى مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ ) الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَبِالْأَعْلَى الْأَكْثَرُ مُنَاسَبَةً لَهُ فَالْحُكْمُ فِي مَنْعِ التَّأْفِيفِ الْإِكْرَامُ وَالتَّأْفِيفُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِهِ مِنْ الضَّرْبِ ، وَفِي أَدَاءِ الْقِنْطَارِ الْأَمَانَةُ .
وَفِي عَدَمِ أَدَاءِ الدِّينَارِ عَدَمُ الْأَمَانَةِ ( فَالْقِنْطَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِالتَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ ، وَالدِّينَارُ أَقَلُّ مُنَاسَبَةً بِعَدَمِهَا مِنْهُ ) أَيْ بِعَدَمِ التَّأْدِيَةِ مِنْ الدِّينَارِ فَشَمِلَ تَنْبِيهُهُ بِالْأَدْنَى جَمِيعَ الصُّوَرِ وَهَذَا تَدْقِيقٌ لَحَظَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْعَلَّامَةِ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّنْبِيهَ بِالْأَعْلَى اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ ( وَلِاعْتِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُسَاوِيَ ) أَيْ وَلِكَوْنِ الشَّرْطِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ مُسَاوَاةُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ ( أَثْبَتُوا الْكَفَّارَةَ ) كَمَا عَلَى الْمُظَاهِرِ عَلَى الصَّائِمِ ( بَعْدَ الْأَكْلِ ) أَوْ الشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ وَلَا شُبْهَةٍ مُلْحَقَةٍ بِهِ ( كَالْجِمَاعِ ) أَيْ كَمَا أَوْجَبَهَا النَّصُّ بِالْجِمَاعِ الْعَمْدِ كَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ ( لِتَبَادُرِ أَنَّهَا ) أَيْ الْكَفَّارَةَ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْجِمَاعِ الْعَمْدِ مِنْ غَيْرِ مُبِيحٍ شَرْعِيٍّ مُسْقِطٍ لَهَا ( لِتَفْوِيتِ الرُّكْنِ اعْتِدَاءً ) أَيْ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُنَاطَ بِهِ فِي النَّصِّ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ الَّتِي مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا أَكْثَرُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّوْمِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِالْإِخْلَالِ بِرُكْنِهِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ .
فَإِنَّ هَذَا كَمَا

يُوجَدُ بِالْجِمَاعِ يُوجَدُ بِهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا هُوَ مُتَبَادَرٌ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ عَرَفَ مَعْنَى الصَّوْمِ شَرْعًا ، وَسَمِعَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ لَا الْوِقَاعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ وَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّائِلُ فِي النَّصِّ وَمِنْ ثَمَّةَ أَثْبَتْنَا بَقَاءَ الصَّوْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ نَاسِيًا فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا ، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَنَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ قَاضٍ بِتَسَاوِي الْكَفِّ عَنْ الْجَمِيعِ فِي الرُّكْنِيَّةِ شِدَّةً وَأَشَدِّيَّةً لَا بِأَشَدِّيَّةِ رُكْنِيَّةِ الْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ هِيَ الشَّرْطُ وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا سَلَكَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَطْلُوبِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ يَقِفُ عَلَيْهِ مَعَ التَّأَمُّلِ وَالْإِنْصَافِ ( وَلَمَّا انْقَسَمَ ) مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ ( إلَى قَطْعِيٍّ ) وَهُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى ، وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ قَطْعِيَّيْنِ ( كَمَا سَبَقَ ) فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } لِفَهْمِ كُلِّ عَارِفٍ بِاللُّغَةِ قَطْعًا أَنَّ حُرْمَةَ التَّأْفِيفِ مُعَلَّلَةٌ بِإِكْرَامِ الْوَالِدَيْنِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْهُمَا ، وَأَنَّ حُرْمَةَ الضَّرْبِ أَنْسَبُ فِي ذَلِكَ مِنْ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ ( وَظَنِّيٍّ ) هُوَ مَا يَكُونُ فِيهِ التَّعْلِيلُ بِالْمَعْنَى وَكَوْنُهُ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ ظَنِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا ( كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ : إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ ) الَّتِي هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ( فِي ) الْقَتْلِ ( الْخَطَأِ ) لِلْمُسْلِمِ بِأَنْ رَمَى شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ ( وَغَيْرِ الْغَمُوسِ ) أَيْ

وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ الَّتِي هِيَ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ الشَّخْصُ أَهْلَهُ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْتَطِيعِ وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى الْحَانِثِ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ بِالنَّصِّ عَلَى ذَلِكَ .
( فَفِيهِمَا ) أَيْ فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَفَّارَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ حَالٍّ أَوْ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ ( أَوْلَى ) مِنْ وُجُوبِ الْأُولَى فِي الْخَطَأِ وَالثَّانِيَةِ فِي الْمُنْعَقِدَةِ ( لِفَهْمِ الْمُتَعَلَّقِ ) أَيْ تَعَلُّقِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِيهِمَا ( بِالزَّجْرِ ) عَنْ ارْتِكَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَاحْتِيَاجُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعِدْوَانِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ إلَى الزَّاجِرِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ الْخَطَأِ وَالْمُنْعَقِدَةِ إلَيْهِ ، وَهَذَا أَمْرٌ ظَنِّيٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُوَافِقْهُ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ بَلْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمَنَاطَ لَهَا فِيهِمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( لَا بِتَدَارُكِ مَا فُرِّطَ بِالثَّوَابِ ) أَيْ تَلَافِي مَا فُرِّطَ مِنْ التَّثْبِيتِ فِي الرَّمْيِ وَالتَّحَفُّظِ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ الْيَمِينِ أَوْ بِعَدَمِ ارْتِكَابِ مَا يَلْزَمُ الْحِنْثُ بِسَبَبِهِ بِجَبْرِهِ بِمَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَخْلُو عَنْهُ .
وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْعِبَادَةُ فِيهَا أَغْلَبُ أَمْ الْعُقُوبَةُ حَتَّى لَا يَكُونَ وُجُوبُهَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَالْغَمُوسِ مُسَاوِيًا لِوُجُوبِهَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالْمُنْعَقِدَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْبَلَا التَّدَارُكَ وَالتَّلَافِيَ بِهَذَا الْقَدْرِ لِعَظْمِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى فَلَا جَرَمَ ( جَازَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا

) أَيْ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ الَّتِي هِيَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ ( وَالْخَطَأِ ) فِيهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ ظَنِّيَّةً ( كَمَا ذَكَرْنَا ) الْآنَ فِي مَنَاطِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ؛ إذْ لَا بِدَعَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَظْنُونَاتِ وَخَطَأِ بَعْضِهَا وَلَا سِيَّمَا الْمُتَعَارِضَةِ مِنْهَا ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِجَوَازِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَظْنُونِ مِنْهَا ( فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وُجُوبَ الْحَدِّ بِاللِّوَاطَةِ عَلَى دَلَالَةِ نَصِّ وُجُوبِهِ بِالزِّنَا بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ ) أَيْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالزِّنَا ( بِسَفْحِ الْمَاءِ ) أَيْ إرَاقَةِ الْمَنِيِّ ( فِي مَحَلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى ) أَيْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ وَتَمِيلُ إلَيْهِ لِلِّينِ وَالْحَرَارَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي اللِّوَاطَةِ مَعَ أَنَّهَا أَبْلَغُ فِي تَضْيِيعِ الْمَاءِ لِانْتِفَاءِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ فِيهَا بِخِلَافِ الزِّنَا .
( وَالْحُرْمَةُ قَوِيَّةٌ ) أَيْ وَالْحَالُ أَيْضًا أَنَّ حُرْمَتَهَا أَقْوَى مِنْ حُرْمَتِهِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الزِّنَا فَإِنَّهَا قَدْ تَنْكَشِفُ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ بِالْعَقْدِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُ وُجُوبُ الْحَدِّ بِهَا بِوُجُوبِهِ بِالزِّنَا دَلَالَةً ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ( وَالْإِمَامُ ) أَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُ وُجُوبَ حَدِّهِ فِيهَا لِانْتِفَاءِ وُجُوبِهِ فِيهَا دَلَالَةً فَإِنَّهُ ( يَقُولُ السَّفْحُ ) فِي الزِّنَا ( أَشَدُّ ضَرَرًا ) مِنْ السَّفْحِ فِيهَا ( إذْ هُوَ ) أَيْ السَّفْحُ فِيهِ ( إهْلَاكُ نَفْسٍ مَعْنًى ) وَمِنْ ثَمَّةَ قَرَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ } لِأَنَّ إلْقَاءَ الْبَذْرِ فِي مَحَلٍّ صَالِحٍ مُفْضٍ إلَى النَّبَاتِ ظَاهِرًا ، وَالْوَلَدُ مِنْ جِنْسِ النَّبَاتِ فَيَنْبُتُ وَإِذَا نَبَتَ وَلَيْسَ لَهُ مُرَبٍّ وَلَا قَيِّمٌ لِكَوْنِ النِّسَاءِ عَاجِزَاتٍ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَالْإِنْفَاقِ غَالِبًا يَهْلِكُ وَيَضِيعُ فَيُفْضِي الزِّنَا إلَى الْإِتْلَافِ

بِالْآخِرَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بِنَاءً ( عَلَى اعْتِبَارِهِ ) أَيْ إهْلَاكِ نَفْسٍ مَعْنًى ( الْمُنَاطَ ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا ( لَا مُجَرَّدَهُ ) أَيْ لَا مُجَرَّدَ سَفْحِ الْمَاءِ الْمُنَاطِ فِيهِ لِحِلِّ سَفْحِ الْمَاءِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ بِالْعَزْلِ كَمَا أَفَادَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ فَلَا يُؤَثِّرُ هَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ .
وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي اللِّوَاطَةِ فَلَمْ يُسَاوِ تَضْيِيعُ الْمَاءِ فِيهَا تَضْيِيعَهُ فِي الزِّنَا فِي الْمُنَاسَبَةِ لِهَذَا الْحُكْمِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَبْلَغَ مِنْهُ ( وَالشَّهْوَةُ أَكْمَلُ ) فِي الزِّنَا مِنْهَا أَيْضًا ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الشَّهْوَةَ فِيهِ ( مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا لِمَيَلَانِ طَبْعِهِمَا إلَيْهِ بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ فَإِنَّ الشَّهْوَةَ فِيهَا مِنْ جَانِبِ الْفَاعِلِ فَقَطْ ؛ إذْ الْمَفْعُولُ بِهِ يَمْتَنِعُ عَنْهَا بِطَبْعِهِ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ فَيَكُونُ الزِّنَا أَغْلَبَ وُجُودًا ، وَأَسْرَعَ حُصُولًا فَيَكُونُ إلَى الزَّاجِرِ أَحْوَجَ فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهَا دَلَالَةً ( وَهَذَا ) الْقَوْلُ ( أَوْجَهُ ) مِنْ قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا ( وَالتَّرْجِيحُ ) الَّذِي ذَكَرَاهُ ( بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْحُرْمَةِ ) فِي اللِّوَاطَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الزِّنَا ( سَاقِطٌ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ أَلَا يُرَى أَنَّ حُرْمَةَ الدَّمِ وَالْبَوْلِ فَوْقَ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُرْمَتَهَا لَا تَزُولُ أَبَدًا أَوْ حُرْمَةُ الْخَمْرِ تَزُولُ بِالتَّخْلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِشُرْبِهِمَا كَمَا يَجِبُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ .
( وَكَذَا قَوْلُهُمَا بِإِيجَابِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ ) أَيْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِإِيجَابِ الْقَتْلِ بِالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ الَّذِي لَا تَحْتَمِلُهُ الْبِنْيَةُ كَالْحَجَرِ الْعَظِيمَةِ وَالْخَشَبَةِ الْجَسِيمَةِ عَمْدًا عُدْوَانًا بِدَلَالَةِ وُجُوبِهِ بِالْقَتْلِ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِنْ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِعَدَمِ إيجَابِهِ

بِالْمُثْقَلِ ( لِظُهُورِ تَعَلُّقِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ ( بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ) لَا بِمُجَرَّدِ إتْلَافِ الْبِنْيَةِ بِمَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهَا ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمُوجِبِيَّةِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قُلْنَا : تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَمُّدِ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ الْأَكْلَ أَوَالشُّرْبَ لِمَا يَصْلُحُ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً بِدَلَالَةِ نَصِّ الْوِقَاعِ ، وَلَمْ نَقِفْ عِنْدَ كَوْنِ آلَةِ الْإِفْسَادِ وَالْهَتْكِ فِي مُوجِبِيَّتِهَا فِي النَّصِّ الْوِقَاعَ ( وَيَتَحَقَّقُ ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ ( بِمَا لَا تَحْتَمِلُهُ الْبِنْيَةُ ) مِنْ الْمُثْقَلِ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا يُفَرِّقُ أَجْزَاءَهَا بَلْ رُبَّمَا كَانَ أَبْلَغَ بِالْمُثْقَلِ ؛ لِأَنَّهُ يُزْهِقُ الرُّوحَ بِنَفْسِهِ وَالْجَارِحَ بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ .
( فَادِّعَاءُ قُصُورِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ ( فِي الْعَمْدِيَّةِ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( مَرْجُوحٌ ) كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى اللَّبِيبِ الْمُنْصِفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْقَوْلُ بِأَنَّ مِنْ الدَّلَالَةِ قِسْمًا ظَنِّيًّا تَنَازَعَتْهُ آرَاءُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ الْمُبَرَّزِينَ مَعَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مُشْكِلٍ لِظُهُورِ عَدَمِ صِدْقِ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا يُوجِبُ تَوَارُدَ الْأَفْهَامِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ وَلَا اخْتِلَافٍ كَمَا فِي الْقِسْمِ الْقَطْعِيِّ فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ مَا حَصَرَهَا فِيهِ أَوْ ذُكِرَ شَيْءٌ فِي بَيَانِهَا يُصَحِّحُ صِدْقَهَا عَلَى هَذَا أَيْضًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

( دَلَالَةَ الِاسْتِثْنَاءِ ) فَقَالُوا : لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ثُبُوتِ ضِدِّ حُكْمِ الصَّدْرِ لِمَا بَعْدَ إلَّا ( وَالْحَصْرِ ) أَيْ وَدَلَالَةَ الْحَصْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي مِثْلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَالْعَالِمُ زَيْدٌ ) غَيْرُ مُرَادٍ بِتَعْرِيفِ الْعَالِمِ عَهْدٌ ، وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِالْأَوَّلِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ، وَبِالثَّانِي صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَأَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَعَدُوّهُمَا مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( عِنْدَنَا عِبَارَةٌ وَمَنْطُوقٌ إلَّا فِي حَصْرِ اللَّامِ وَالتَّقْدِيمِ ) كَالْعَالِمِ زَيْدٌ وَصَدِيقِي بَكْرٌ فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ لَيْسَ بِهَذَا الطَّرِيقِ ( فَمَا بِالْأَدَاتَيْنِ ) أَيْ فَأَمَّا إفَادَةُ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا وَبِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ وَإِلَّا ( ظَاهِرٌ ) غَايَتُهُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً ، وَقَدْ يَكُونُ ادِّعَاءً ( وَسَيُعْرَفُ ) هَذَا وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فِي مَوَاضِعِهِ ( وَقَدْ نَفَوْا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( الْيَمِينَ عَنْ الْمُدَّعِي بِحَدِيثِ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( بِوَاسِطَةِ الْعُمُومِ ) فِي قَوْلِهِ : { وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } فَإِنَّهُ يُفِيدُ حَصْرَ الْيَمِينِ فِي جِنْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي ضَرُورَةَ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْحَصْرَ يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَحَاصِلُ هَذَا تَضْعِيفُ نِسْبَةِ نَفْيِ دَلَالَةِ الْحَصْرِ عَلَى النَّفْيِ إلَى الْحَنَفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مَشْحُونٌ بِاعْتِبَارِهِ ( وَقِيلَ الْعَدَدُ اتِّفَاقٌ ) أَيْ اعْتِبَارُ مَفْهُومِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ

ظَاهِرٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ( لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْأَذَى فَدَخَلَتْ فِي الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَلَنَا أَنَّ السَّبُعَ صَيْدٌ لِتَوَحُّشِهِ وَكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْأَخْذِ لِجِلْدِهِ أَوْ لِيُصَادَ بِهِ أَوْ لِدَفْعِ أَذَاهُ ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ ( لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ ) الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ } فَإِنَّ جَوَازَ قَتْلِ غَيْرِهَا إلْحَاقًا بِهَا يَنْفِي فَائِدَةَ تَخْصِيصِ اسْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمُحِيطَةِ بِالْمُلْحَقِ وَغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَهُ بِاسْمٍ عَامٍّ مِثْلِ يُقْتَلُ كُلُّ عَادٍ مُنْتَهِبٍ .
( وَالْحَقُّ أَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ ) أَيْ نَفْيَ حِلِّ قَتْلِ مَا سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ مِمَّا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا إذَا قُلْنَا بِهِ إنَّمَا هُوَ ( بِالْأَصْلِ ) الَّذِي أَفَادَهُ السَّمْعُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ ذَلِكَ بِالتَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } لَا بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَرِدُ حِلُّ قَتْلِ الذِّئْبِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَلَا حِلُّ قَتْلِ الْحَيَّةِ وَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَالْحَشَرَاتِ ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ ، وَازْدَادَ حِلُّ قَتْلِ بَعْضِهَا تَأْكِيدًا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْحَيَّةُ ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ إلَّا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اسْتَثْنَى حِلَّ قَتْلِهِ مِمَّا عَرَضَ لَهُ التَّحْرِيمُ بِالْإِحْرَامِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورُ ( يَكْفِي إلْزَامًا ) لِلشَّافِعِيِّ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ يَعْنِي أَنَّك تَقُولُ بِحُجِّيَّةِ هَذَا

الْمَفْهُومِ فَإِلْحَاقُك غَيْرَ الْخَمْسَةِ بِهَا يَكُونُ إبْطَالًا لَهُ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ( عَلَى مَا ظُنَّ ) لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَنْفَصِلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِتَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَفْهُومِ ( لَكِنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( قَدْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ ) فَأَجَازُوا لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الذِّئْبِ فَأَبْطَلُوا الْعَدَدَ ، فَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْجَبَ نَفْيَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ .
قُلْنَا : وَكَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي السَّبُعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت إلَّا أَنَّ جَوَازَ قَتْلِ الذِّئْبِ ابْتِدَاءً قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَرَضِيِّ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَإِلَّا فَفِي شَرْحِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ لَا تُبِيحُونَ قَتْلَ الذِّئْبِ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ } فَذَكَرَ الْخَمْسَ مَا هُنَّ فَذِكْرُهُ الْخَمْسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْخَمْسِ حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِهِنَّ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْخَمْسِ مَعْنًى ا هـ ثُمَّ إنَّمَا يَتِمُّ التَّعَقُّبُ بِجَوَازِ قَتْلِهِ ابْتِدَاءً عَلَى قَوْلِهِ بِهِ إذَا كَانَ صَيْدًا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَكِلَاهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهَا وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَصِلْ لِأَنَّ عِلَّةَ إبَاحَةِ قَتْلِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ هِيَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَذَى وَالْعَدْوُ عَلَى النَّاسِ غَالِبًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ بَلْ أَشَدُّ فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ فِي تِلْكَ وُرُودًا فِي هَذِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِيهَا أَنَّهُ يَقْتُلُ سَائِرَ السِّبَاعِ إذَا صَالَتْ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ خِلَافًا لِزُفَرَ لَا إذَا لَمْ تَصِلْ حَتَّى لَوْ قَتَلَهَا حِينَئِذٍ كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اللَّهُمَّ إلَّا الْأَسَدَ عَلَى مَا هُوَ رِوَايَةٌ

عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ .
ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَى الْخَمْسِ مِنْ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ ، وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ الذِّئْبِ أَوْ وَالسَّبُعِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الصُّيُودِ الْبَرِّيَّةِ سِبَاعًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا فَلِمُشَارَكَتِهِمْ الشَّافِعِيَّ فِي اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ إبْطَالُ الْعَدَدِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْهُ فَهُوَ جَوَابُهُ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ قَتْلُ مَا سِوَاهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ الْمَذْكُورَةِ ابْتِدَاءً بِلَا جَزَاءٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَأَظْهَرُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ لِاتِّحَادِ الْمَذْهَبَيْنِ هَذَا ، وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : وَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِنَا يَقُولُونَ فِي الْمَخْصُوصِ بِعَدَدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ فَحُكْمُهُ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ } أَنَّهُ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مَا عَدَاهُنَّ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُحِلَّتْ لِي مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُبَاحٍ ، وَأَحْسَبُ مُحَمَّدَ بْنَ شُجَاعٍ قَدْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا وَلَسْت أَعْرِفُ جَوَابَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ ا هـ .
قُلْت : وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ظَاهِرٌ فِي هَذَا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَافَقَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخَ عَلَى هَذَا ، وَأَمَّا إلْحَاقُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَتْلَ الذِّئْبِ بِالْخَمْسِ ، وَمِنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ قَتْلَ السِّبَاعِ بِهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِظَنِّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ

الْعَدَدُ لِكَوْنِ الثَّابِتِ دَلَالَةً ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَيَعْزُبُ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي أَنَّهُ أَبْطَلَ خُصُوصَ الْخَمْسِ وَيَجِيءُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَذَكَرَ عَدَدًا يُحِيطُ بِهِ مَعَهَا أَوْ اسْمًا عَامًّا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ اتِّفَاقِ مَشَايِخِنَا عَلَى اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْعَدَدِ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْجُمْلَةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَيْضَاوِيِّ فَلَا تَتِمُّ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِهِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ .
( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ ( صَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ) بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِلَا هَاءٍ فِي آخِرِهِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُ ، أَوْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بِلَفْظِ الْمُصَغَّرِ بِهَاءٍ فِي آخِرِهِ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى كَمَا فِي بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ( فَهْمُهُ ) أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ ( مِنْ لَيِّ الْوَاجِدِ وَمَطْلِ الْغَنِيِّ ) أَيْ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرَانِيُّ { لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } وَلَيُّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَطْلُهُ وَهُوَ مُدَافَعَتُهُ وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَحِلُّ عِرْضِهِ أَنْ يَقُولَ مَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَذَكَرَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ عَنْهُ حِلَّ عِرْضِهِ أَنْ يَشْكُوَهُ ، فَقَالَ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ ، وَمِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } فَقَالَ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ ( وَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ ) فَهْمُ مَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهَا ( نَقَلَهُ عَنْهُ خَلْقٌ ) كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ ( وَهُمَا ) أَيْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ ( عَالِمَانِ بِاللُّغَةِ ) وَالظَّاهِرُ

أَنَّ فَهْمَهُمَا ذَلِكَ لُغَةً ؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَا يَفْهَمُونَ مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً لَا اجْتِهَادًا ، وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا جَائِزًا ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ أَئِمَّتِهَا مَعْنَاهُ كَذَا ، وَهَذَا التَّجْوِيزُ قَائِمٌ فِيهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي إفَادَتِهِ ظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ دَلِيلُ الْمَفْهُومِ اللُّغَةُ لَا الْعُرْفُ الْعَامُّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ .
( وَعُورِضَ ) قَوْلُهُمَا ( بِقَوْلِ الْأَخْفَشِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ) الْمُفِيدِ أَنَّ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ لَا يَدُلُّ التَّقْيِيدُ بِهَا عَلَى نَفْيِ حُكْمِهِ عَمَّا عَدَاهُ وَهُمَا إمَامَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، أَمَّا مُحَمَّدٌ فَنَاهِيك بِهِ ، وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ قَالَ : تَرَكَ أَبِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقْت خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى النَّحْوِ وَالشَّعْرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَجَدِيرٌ بِمَا قِيلَ وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ .
وَأَمَّا الْأَخْفَشُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَيَّ الْأَخَافِشِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُورِينَ هُوَ أَبُو الْخَطَّابِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ صَاحِبُ سِيبَوَيْهِ أَوْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ صَاحِبُ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ فَلَا ضَيْرَ لِأَنَّ كُلًّا إمَامٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلَا يَنْهَضُ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ذَيْنِك الْإِمَامَيْنِ مَعَ مُعَارَضَةِ قَوْلِ ذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ ( وَلَوْ ادَّعَى السَّلِيقَةَ فِي الشَّافِعِيِّ فَالشَّيْبَانِيُّ مَعَ تَقَدُّمِ زَمَانِهِ أَوْ الْعِلْمِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ لِلِاتِّبَاعِ فَكَذَا ) أَيْ فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِهِ ذُو طَبْعٍ سَلِيمٍ وَفَهْمٍ مُسْتَقِيمٍ أَوْ أَنَّهُ غَزِيرُ الْعِلْمِ

وَأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ أَيْضًا فِي الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَائِلِ بِنَفْيِهِ مَعَ عِلَاوَةٍ فِي جِهَةِ مُحَمَّدٍ لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَرَجُّحِ جَانِبِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ تَقَدُّمُ زَمَانِهِ عَلَى زَمَانِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجُمْلَةِ .
وَعَلَى أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ سَبْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ إذْ فِي مُتَقَدِّمِ الزَّمَانِ مِنْ إدْرَاكِ صِحَّةِ الْأَلْسِنَةِ مَا لَيْسَ فِي مُتَأَخِّرِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَغْنَى الصَّدْرُ الْأَوَّلُ عَنْ تَدْوِينِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَوُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِيمَا يَلِي زَمَانَهَا أَوْ فِي آخِرِهِ ثُمَّ مَازَالَ تَشْتَدُّ حَتَّى صَارَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ ، وَمَا اسْتَفَاضَ مِنْ السَّبَبِ فِي تَدْوِينِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ لِلنَّحْوِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ شَاهِدُ صِدْقٍ لِذَلِكَ ثُمَّ كِلَاهُمَا مِمَّنْ تُلْمِذَ لَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَخُصُوصًا الشَّافِعِيَّ حَتَّى ذَكَرَ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حَمَلْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقُرَى بَخْتِيٍّ كُتُبًا وَأَسْنَدَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْهُ قَالَ : مَا رَأَيْت سَمِينًا أَخَفَّ رُوحًا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَمَا رَأَيْت أَفْصَحَ مِنْهُ كُنْت إذْ رَأَيْته يَقْرَأُ كَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَاتِ وَرَوَى الرَّبِيعُ قَالَ : كَتَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى مُحَمَّدٍ وَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ كُتُبًا يَنْسَخُهَا فَأَخَّرَهَا عَنْهُ قُولُوا لِمَنْ لَمْ تَرَ عَيْ نُ مَنْ رَآهُ مِثْلَهُ وَمَنْ كَأَنَّ مَنْ رَآ هـ قَدْ رَأَى مَنْ قَبْلَهُ الْعِلْمُ يَنْهَى أَهْلَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ أَهْلَهُ لَعَلَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَهْلِهِ لَعَلَّهُ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَا

رَأَيْت أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ قَائِلِهِ ( فَإِنْ قِيلَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى ) بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ ؛ لِأَنَّ النَّافِيَ إنَّمَا يَنْفِي لِعَدَمِ الْوِجْدَانِ ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ إلَّا ظَنًّا وَالْمُثْبِتُ يُثْبِتُ لِلْوِجْدَانِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُودِ قَطْعًا فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ .
( قُلْنَا ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُ الْمُثْبِتِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ النَّافِي عِنْدَ التَّعَارُضِ إنَّمَا هُوَ ( فِي نَقْلِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّارِعِ وَنَفْيِهِ أَمَّا هُنَا ) أَيْ فِي نَقْلِ الْحُكْمِ اللُّغَوِيِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ( فَلَا أَوْلَوِيَّةَ ) لِلْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي ( وَسَيَظْهَرُ ) وَجْهُهُ قَرِيبًا وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُثْبِتُونَ لِلْمَفْهُومِ مُطْلَقًا ( لَوْ لَمْ يَدُلَّ ) تَخْصِيصُ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ غَايَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( خَلَا التَّخْصِيصُ ) بِذَلِكَ ( عَنْ فَائِدَةٍ ) لِأَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ فَائِدَةِ غَيْرِهِ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِفَرْضِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ ، وَخُصُوصًا إنْ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( أُجِيبَ بِمَنْعِ انْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِيهِ ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ تَقْوِيَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خُرُوجُهُ بِتَخْصِيصٍ ، وَمِنْ نَيْلِ ثَوَابِ الِاجْتِهَادِ بِالْقِيَاسِ فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَكِنْ فِي هَذَا كَلَامٌ سَيَتَعَرَّضُ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَذْكُرُ مَا يَظْهَرُ فِيهِ ( وَبِأَنَّهُ ) أَيْ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ ( إثْبَاتُ اللُّغَةِ أَيْ وَضْعُ التَّخْصِيصِ ) بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ ( لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ جُعِلَ

مَوْضُوعًا لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( مُفِيدٌ وَهُوَ ) أَيْ إثْبَاتُ اللُّغَةِ ( بَاطِلٌ ) لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ أَوْ بِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْهُ ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَوَضْعُ بِالرَّفْعِ تَفْسِيرُ : " إثْبَاتُ اللُّغَةِ " وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ .
( وَتَحْقِيقُ الِاسْتِدْلَالِ ) الْمَذْكُورِ ( يَدْفَعُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ ( وَهُوَ ) أَيْ تَحْقِيقُهُ ( أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ ) أَيْ التَّتَبُّعَ لِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ ( دَلَّ عَنْهُمْ أَنَّ مَا مِنْ التَّخْصِيصِ ) بِوَصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ ( ظَنُّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ سِوَى كَذَا ) مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةً لَهُ فِي كَلَامِ الْعُقَلَاءِ ( تَعَيَّنَ ) ذَلِكَ مُرَادًا مِنْهُ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ هَذَا التَّحْقِيقِ ( أَنَّ وَضْعَ التَّخْصِيصِ ) بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ ( لِفَائِدَةٍ ) مُعْتَبَرَةٍ لِلْعُقَلَاءِ ( فَإِنْ ظُنَّتْ ) الْفَائِدَةُ أَمْرًا ( غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَهِيَ ) أَيْ فَالْفَائِدَةُ الْمَظْنُونَةُ هِيَ الْمَوْضُوعُ لَهَا التَّخْصِيصُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُظَنَّ فِي التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( حُمِلَ ) التَّخْصِيصُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفِيدَهُ ) أَيْ مُفِيدَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلسَّامِعِ فَائِدَةٌ فَالْفَائِدَةُ الْمُرَادَةُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( نَقْلُ اللَّفْظِ ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْوَاضِعِ أَوْ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ وُضِعَ لِذَلِكَ ( وَلَا مَعْنَى لَهُ لِاخْتِلَافِ الْفَهْمِ ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ وُضِعَ التَّخْصِيصُ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ دَالًّا عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ وَعَدَمُ الظُّهُورِ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِفْهَامِ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ أُخْرَى لِشَخْصٍ وَتَظْهَرُ لِآخَرَ ( فَكَانَ ) التَّخْصِيصُ حِينَئِذٍ ( وَضْعًا لِلْإِفَادَةِ مُؤَدِّيًا لِلْجَهْلِ ) بِالْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ

بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ .
( وَالِاسْتِقْرَاءُ إنَّمَا يُفِيدُ وُجُودَ الِاسْتِعْمَالِ ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمُخَصَّصِ بِالْوَصْفِ أَوْ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ مَنْفِيًّا حُكْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْكُوتَاتِ ( ثُمَّ غَايَةُ مَا يُعْلَمُ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ ( انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ، الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ وَلَا كَلَامَ فِي وُجُودِ الِانْتِفَاءِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فِي الْجُمْلَةِ ، إنَّمَا النِّزَاعُ بَعْدَ وُجُودِهِ فِي تِلْكَ الْمَوَادِّ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( مَدْلُولُ اللَّفْظِ أَوْ الْأَصْلِ أَوْ عِلْمِ الْوَاقِعِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ( لَا يُفِيدُ ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُهُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ ( الِاسْتِقْرَاءَ وَلِهَذَا ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ كَوْنُهُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الِاسْتِقْرَاءَ ( نَفَاهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَالْمُرَادَاتِ لَمْ تَخْفَ عَنْهُمْ ) فَإِنَّ مَا كَانَ مُفِيدُهُ الِاسْتِقْرَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ مِنْ أَئِمَّةِ ذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِكُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ ( وَهَذَا ) أَيْ : إنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ الِاسْتِقْرَاءَ ( لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا انْتَفَى فِيهِ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ يُوَافِقُ الْأَصْلَ ) الْمُقَرَّرَ لَهُ قَبْلَ ظُهُورِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمُخَصِّصِ .
( وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُهُ ) أَيْ اسْتِقْرَاءُ الْمِثْلِ يُفِيدُ مُوَافَقَةَ الْأَصْلِ مِنْهَا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ : { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَلَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ } فَإِنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ ، وَحِلُّ الْعِرْضِ وَالْعُقُوبَةِ هُوَ الْأَصْلُ ، وَهُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ عَدَمِ الْغِنَى ( فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ ) أَيْ إثْبَاتِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( بِاللَّفْظِ ) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى الِانْتِفَاءِ يُقَالُ لَهُ : لِمَ لَمْ يَكُنْ لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ ( وَفِيهِ ) أَيْ وَفِي إثْبَاتِهِ

بِاللَّفْظِ ( النِّزَاعُ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ ) لِلِانْتِفَاءِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( الْفَهْمُ ) لَهُ ( وَفِي مُفِيدِهِ ) أَيْ الْفَهْمِ ( احْتِمَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ احْتِمَالِ كَوْنِهِ اللَّفْظَ أَوْ النَّظَرَ إلَى الْأَصْلِ أَوْ عِلْمَ الْوَاقِعِ ( اتَّحَدَ حَالُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ ) فَيَجِبُ أَنْ لَا يَثْبُتَ ذَلِكَ وَلَا يُنْفَى إلَّا بِنَقْلِ اللُّغَةِ بِطَرِيقِهَا فِيهِ .
( فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْمَنْعِ ) أَيْ عَنْ الْجَوَابِ الْقَائِلِ بِمَنْعِ انْحِصَارِ الْفَائِدَةِ فِي النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بِتَسْلِيمِ الْمَنْعِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ ( وَضْعُ التَّخْصِيصِ لِلْفَائِدَةِ وَضْعُ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ ) بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِإِفَادَةِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ لَغْوًا ( وَكُلُّ فَائِدَةِ فَرْدٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ ( تَتَعَيَّنُ ) أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُرَادَةَ ( بِالْقَرِينَةِ ) الْمُعَيِّنَةِ لَهَا ( فِي الْمَوْرُودِ وَهِيَ ) أَيْ الْقَرِينَةُ الْمُعَيِّنَةُ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ ) غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لُزُومُ عَدَمِ الْفَائِدَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ الْفَائِدَةَ حِينَئِذٍ مِنْ ذَلِكَ ( فَيَجِبُ ) النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ حِينَئِذٍ ( مَدْلُولًا لَفْظِيًّا ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَاطِئَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِاللَّفْظِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْدَ هُوَ الْمُرَادُ ( قُلْنَا : لَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ ) بِخُصُوصِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ ( فَلَيْسَ ) النَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ مَدْلُولًا ( لَفْظِيًّا بَلْ ) الدَّلَالَةُ ( لِلْقَرِينَةِ ) الْمُعَيِّنَةِ لَهُ قُلْت لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ : إنْ تَمَّ هَذَا فَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ لَا عَلَى الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ مَدْلُولُ اللَّفْظِ .
وَلَا يَنْزِلُ إرَادَةُ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَرِينَةٍ مُعَيِّنَةٍ لَهُ بِاللَّفْظِ الْمُؤَدِّي لَهُ عَلَى إرَادَةِ مَجَازِيٍّ

لِلَّفْظِ بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ مَدْلُولًا لَفْظِيًّا فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ عَلَى غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( وَالثَّابِتُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِقَرِينَةِ الْغَيْرِ ) أَيْ غَيْرِ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( لَا عَدَمُهَا ) أَيْ قَرِينَةِ غَيْرِ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْقَرِينَةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْقَرِينَةِ إذْ مِنْ الْجَائِزِ وُجُودُهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِهَا لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ ( فَيَكُونُ ) الْمُتَوَاطِئُ ( مُجْمَلًا فِي الْمَسْكُوتِ وَغَيْرِهِ ) لِخَفَاءِ الْمُرَادِ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمُعَيِّنِ لَهُ ( لَا مُوجِبًا فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَسْكُوتِ ( شَيْئًا كَرَجُلٍ بِلَا قَرِينَةٍ فِي زَيْدٍ ) فَإِنَّ رَجُلًا مُجْمَلٌ فِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ يَتَوَقَّفُ كَوْنُهُ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ عَلَى قَرِينَةٍ تُعَيِّنُهُ وَلَا يُوجِبُهُ بِخُصُوصِهِ مُجَرَّدُ إطْلَاقِهِ لِكَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ ( فَإِنْ قِيلَ ) لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الثَّابِتِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِقَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَا عَدَمَ الْقَرِينَةِ ( بَلْ ) عَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى قَرِينَةِ مَا سِوَاهُ ( ظَاهِرٌ فِي عَدَمِهَا ) أَيْ قَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( بَعْدَ فَحْصِ الْعَالِمِ ) عَنْ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ .
( قُلْنَا ) ظُهُورُ عَدَمِهَا ( مَمْنُوعٌ ، وَإِلَّا ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الظُّهُورُ مَمْنُوعًا ( لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي حُكْمٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الْأَئِمَّةِ ) أَيْ لَكِنْ ثَبَتَ التَّوَقُّفُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ ظُهُورِهَا قُلْت لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ : لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَدَمِ التَّوَقُّفِ فِي حُكْمٍ أَصْلًا لِظُهُورِ قَرِينَةِ مَا سِوَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِلظُّهُورِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ الْمُسَاوِي وَالرَّاجِحِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُدَّعَى ،

وَإِنَّمَا الْمُدَّعَى مُجَرَّدُ الظُّهُورِ ( فَإِنْ قِيلَ ) التَّوَقُّفُ ( نَادِرٌ ) فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الظُّهُورِ .
( قُلْنَا : فَمَوَاضِعُ الْخِلَافِ كَثِيرَةٌ تُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُودِ بِالْفَحْصِ لِلْعَالِمِ ) أَيْ تَفَحُّصُ الْمُخْطِئِ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ مُجْتَهِدٌ ، وَإِلَّا لَمْ يُخَالِفْ فَانْتَفَى الظُّهُورُ قُلْت : إلَّا أَنَّهُ يَطْرُقُ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ مِنْ الْمُخْطِئِ الْفَاحِصِ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ عَنْ عَدَمِ الْوُجُودِ بَعْدَ الْفَحْصِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ظَفِرَ بِالْقَرِينَةِ ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ لِعَارِضٍ هُوَ عِنْدَهُ أَرْجَحُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كَمَا عِنْدَهُ ، وَهَذَا كَثِيرٌ بَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقَاتِ الدَّلَائِلِ فَضْلًا عَنْ مَفَاهِيمِهَا الْمُحْتَمَلَةِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ فَحْصَ الْعَالِمِ مَعَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ ظَاهِرٌ فِي انْتِفَاءِ قَرِينَةِ غَيْرِ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ حَتَّى يُلْزِمُ النَّفْيُ عَنْهُ الْمَسْكُوتَ ( فِي غَيْرِ الشَّارِعِ اقْتَصَرَ ) أَيْ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ الظُّهُورِ عَلَى كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ ( فَقُلْنَا بِهِ ) أَيْ بِالِاقْتِصَارِ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الشَّارِعِ ( مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ لِلُزُومِ الِانْتِفَاءِ ) أَيْ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ ( لَوْلَاهُ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( أَمَّا الشَّارِعُ فَلِلْقَطْعِ بِقَصْدِهَا ) أَيْ الْفَائِدَةِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الشَّارِعِ فِي تَخْصِيصِهِ ( يَجِبُ تَقْدِيرُهَا ) أَيْ الْفَائِدَةِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهَا غَيْرَ النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا إيَّاهُ لِجَوَازِ كَوْنِهَا غَيْرَهُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ .
وَالْعِلْمُ وَاقِعٌ بِسَعَةِ اعْتِبَارَاتِ الشَّرْعِ بِمَا يَقْصُرُ عَنْ دَرْكِهِ الْعَقْلُ ( فَلَا يَلْزَمُ الِانْتِفَاءُ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْفَائِدَةِ ( لَوْلَا الِانْتِفَاءُ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( فَإِثْبَاتُهُ ) أَيْ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ الْفَائِدَةُ الْمُرَادَةُ حِينَئِذٍ ( إقْدَامٌ عَلَى

تَشْرِيعِ حُكْمٍ بِلَا مُلْجِئٍ ) أَيْ مُوجِبٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ كَانَ لُزُومَ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ مِنْ تَخْصِيصِهِ لَوْلَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ، وَهَذَا الْمُوجِبُ مُنْتَفٍ هُنَا ؛ لِأَنَّا نَحْكُمُ بِإِرَادَةِ فَائِدَةٍ غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَعْيِينِهَا دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( فَإِنْ قِيلَ ) : نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( ظَنِّيٌّ ) فَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ ظَنُّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَاهُ ( قُلْنَا ) : كَوْنُهُ ظَنِّيًّا مُسَلَّمٌ لَكِنْ ظَنُّهُ ( ظَنُّ ) الْفَرْدِ ( الْمُعَيَّنِ ) مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِهَا ، وَذَلِكَ ( عِنْدَ انْتِفَاءِ مُعَيِّنِهِ مَمْنُوعٌ ) ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ حِينَئِذٍ وَهَذَا الظَّنِّيُّ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعَيِّنَ لَهُ كَمَا قَالَ ( وَعَلِمْت أَنَّهُ ) أَيْ الْمُعَيِّنَ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( لُزُومُ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ ) عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَائِهِ ( وَانْتِفَاءَهُ ) أَيْ وَعَلِمْت انْتِفَاءَ لُزُومِ انْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ لِسَعَةِ اعْتِبَارَاتِ الشَّارِعِ بِمَا يَقْصُرُ الْعَقْلُ عَنْ دَرْكِهَا فَلَا يُجْدِي مُجَرَّدُ ظَنِّ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ سِوَى ثُبُوتِهِ ( وَانْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّ مُفِيدَ كَوْنِ الْفَائِدَةِ الْمُرَادَةِ مِنْ التَّخْصِيصِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ هُوَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْوَاضِعِ أَوْ أَهْلِ اللُّغَةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا وَمِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِقَصْدِ الْفَائِدَةِ فِي التَّخْصِيصِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَجِبُ تَقْدِيرُهَا لِاتِّسَاعِ دَائِرَةِ اعْتِبَارَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهَا فِي كَلَامِهِ لَوْلَا أَنْ يَكُونَ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ

( قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ لِلْمَفْهُومِ أَيْضًا ( تَثْبُتُ دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ ) كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ( فَالْمَفْهُومُ ) أَيْ فَلْتَثْبُتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ( لِدَفْعِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ الْفَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ ( أَوْلَى ) لِأَنَّ الْحَذَرَ مِنْ لُزُومِ غَيْرِ الْمُفِيدِ أَجْدَرُ مِنْ لُزُومِ الْبَعِيدِ وَفِي قَوْلِهِ : ( وَلَوْ جَعَلَ ) هَذَا ( إثْبَاتًا لِإِثْبَاتِ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ ) إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ افْتِرَاقِ حَالِ هَذَا فِي الِانْدِفَاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى الْمَطْلُوبِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبًا ثَانِيًا لِلْجَوَابِ الْقَائِلِ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إثْبَاتُ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ بَلْ بِالِاسْتِقْرَاءِ عَنْ اعْتِرَاضِ النَّافِينَ بِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَتَّى يَكُونَ تَقْرِيرُهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ إثْبَاتِ الْوَضْعِ بِالْفَائِدَةِ ، وَالسَّنَدُ أَنَّهُ جَازَ ذَلِكَ تَفَادِيًا عَنْ لُزُومِ الْمُسْتَبْعَدِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ تَفَادِيًا عَنْ لُزُومِ الْمُمْتَنِعِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى أَنْ لِلْقَوْمِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَيْنِ ، وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُقْتَرِنِ بِحُكْمِ الصَّالِحِ لِعَلِيَّتِهِ دَالًّا عَلَيْهَا دَفْعًا لِاسْتِبْعَادِ اقْتِرَانِهِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى تَعْيِينِهِ لَهُ مُعَيِّنٌ مَعَ إفْضَاءِ الْقَوْلِ بِهِ إلَى نِسْبَةِ الْوَاضِعِ الْحَكِيمِ إلَى إيقَاعِ السَّامِعِينَ فِي الْجَهْلِ ، وَأَيْضًا نَمْنَعُ انْتِفَاءَ الْفَائِدَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْمَفْهُومِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِدَلَالَةِ الْإِيمَاءِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ

الْمُخَالَفَةِ فِيهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ .
( وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ ) مِنْ النَّافِينَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْمُثْبِتِينَ لَوْ لَمْ يَدُلَّ التَّخْصِيصُ بِالْوَصْفِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ ( بِأَنَّ تَقْوِيَةَ دَلَالَتِهِ ) أَيْ الْمَوْصُوفِ ( عَلَى الثُّبُوتِ فِي الْمَوْصُوفِ ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهِ فِي أَفْرَادِهِ الْمُتَّصِفَةِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُهَا مِنْهُ بِالِاجْتِهَادِ ( فَائِدَةٌ ) ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا النَّفْيَ عَنْ الْمَسْكُوتِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : يُفِيدُ التَّقْوِيَةَ الْمَذْكُورَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْعَامِّ دُونَهَا أَمْكَنَ تَخْصِيصُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْلُوفَةَ تَخْصِيصًا فَإِذَا ذَكَرَ السَّائِمَةَ زَالَ هَذَا الْوَهْمُ ( وَكَذَا ثَوَابُ الْقِيَاسِ ) أَيْ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بِمَعْنًى جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَيْضًا فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَةُ ذِكْرِهَا النَّفْيَ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَإِذَنْ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ ( فَدُفِعَ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ أَنَّ تَقْوِيَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِهَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ جَوَازَ التَّخْصِيصِ فِي الْمَوْصُوفِ ( فَرْعُ عُمُومِ الْمَوْصُوفِ فِي نَحْوِ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ ) أَيْ بِعُمُومِ الْمَوْصُوفِ فِي مِثْلِ الْغَنَمِ الْمَوْصُوفَةِ بِالسَّائِمَةِ حَتَّى تَكُونَ الْغَنَمُ مُتَنَاوِلَةً لِلسَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ وَإِنْ كَانَ الْغَنَمُ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا عَامًّا مُتَنَاوِلًا لَهُمَا فَيَجِبُ رَدُّهُ .
( وَلَوْ ثَبَتَ ) الْعُمُومُ ( فِي

مَادَّةٍ ) كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا ( فَصَارَ الْمَعْنَى فِي الْغَنَمِ سِيَّمَا السَّائِمَةَ ) زَكَاةٌ ( خَرَجَ عَنْ النِّزَاعِ ) لِأَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا لَا شَيْءَ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيهِ سِوَى مُخَالَفَةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَذْكُورِ وَدَفَعَ التَّخْصِيصَ فَائِدَةٌ سِوَاهَا ( وَالثَّانِي ) أَيْ وَدُفِعَ أَنَّ ثَوَابَ الِاجْتِهَادِ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا فَائِدَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ ( بِأَنَّا شَرَطْنَا فِي دَلَالَتِهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنَاطِ وَالرُّجْحَانِ وَسَيَدْفَعُ هَذَا ) أَيْ عَدَمَ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَنْطُوقِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِحُكْمِهِ ، وَعَدَمَ كَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ حِينَئِذٍ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَظْهَرَ أَوْلَوِيَّةٌ فِي الْمَسْكُوتِ ، وَلَا مُسَاوَاةَ ، ( وَنَقْضُهُ ) أَيْ دَلِيلِ مُثْبِتِيهِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا ( بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ) أَيْ بِأَنَّهُ يَجِيءُ فِيهِ أَيْضًا مِثْلُهُ بِأَنْ يُقَالَ : لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُعْتَبَرَ ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ ) أَيْ ذِكْرَ اللَّقَبِ ( لِيَصِحَّ الْأَصْلُ ) فَإِنَّهُ يَخْتَلُّ بِإِسْقَاطِهِ ، وَعَدَمُ الِاخْتِلَالِ أَعْظَمُ فَائِدَةً فَلَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَفْهُومُ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ مُفِيدًا وَهُوَ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ الْمَفْهُومِ فَتَنْتَفِي دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ ، وَتَعَقَّبَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ إيَّاهُ بِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَ فِي السَّائِمَةِ مِنْ : فِي السَّائِمَةِ زَكَاةٌ لَاخْتَلَّ الْكَلَامُ فَلَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ قَائِمًا ا هـ غَيْرُ مُتَّجَهٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ بِحَذْفِهَا إذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ مَذْكُورًا ، وَهُوَ فِي هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا

قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت ثَمَّةَ أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ عِنْدَ السُّبْكِيّ

( وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ ( الْمُزَيَّفَةِ ) أَيْ الْمُضَعِّفَةِ لِمَفْهُومِ الصِّفَةِ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ ) ذِكْرُ الصِّفَةِ ( لِلْحَصْرِ ) أَيْ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيِهِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( لَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَسْكُوتِ وَالْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ اخْتِصَامِهِ بِالْمَذْكُورِ بَيْنَ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ لَكِنْ اللَّازِمُ الَّذِي هُوَ الِاشْتِرَاكُ ( مُنْتَفٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( لَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْمَسْكُوتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمَذْكُورِ ( بَلْ ) كَوْنُهُ لِلْمَسْكُوتِ أَيْضًا ( مُحْتَمَلٌ ) فَتَعَيَّنَ الْحَصْرُ ( وَدُفِعَ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَصْفِ لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ تَعَيَّنَ الِاشْتِرَاكُ ( بَلْ اللَّازِمُ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصٍ وَلَا اشْتِرَاكَ بَلْ ) الدَّلَالَةُ ( عَلَى مُجَرَّدِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ ) وَهَذَا وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالِاشْتِرَاكِ فَدَعْوَى عَدَمِهَا مَمْنُوعٌ ( وَلِلْإِمَامِ ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ اسْتِدْلَالٌ ( قَرِيبٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ ، وَهُوَ ذِكْرُ الْوَصْفِ ( لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ ) أَيْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيَهُ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( لَمْ يُفِدْ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ ) بِالْمَذْكُورِ ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ فِيهِ إلَّا اخْتِصَاصُهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ .
فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَحْصُلْ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ ( يُفِيدُهُ ) أَيْ الِاخْتِصَاصَ ( فِي الْمَذْكُورِ ) بِهِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَجَوَابُهُ مَنْعُ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ عَدَمِ إفَادَتِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ ( بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ ) هَذَا الْكَلَامُ ( الْحُكْمَ عَلَى الْمَذْكُورِ لَا اخْتِصَاصَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ ( مَعَ مَا فِي تَرْكِيبِهِ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ؛ ( إذْ هُوَ ) فِي الْمَعْنَى ( لَوْ لَمْ يُفِدْ

الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ ) غَايَتُهُ أَنَّ لَفْظَ الِاخْتِصَاصِ أَوْضَحُ دَلَالَةً مِنْ الْحَصْرِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ فِي تَالِي هَذِهِ الشَّرْطِيَّةِ تَفْصِيلٌ لَيْسَ فِي مُقَدَّمِهَا فَلَا يُعَدُّ مِنْ اسْتِلْزَامِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَفِي نَقِيضِ تَالِيهَا تَفْصِيلٌ لَيْسَ فِي نَقِيضِ مُقَدَّمِهَا فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ هُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى الْجُمْلَةِ ا هـ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ : وَلِلْإِمَامِ قَرِيبٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّ حَاصِلَهُمَا وَاحِدٌ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ .
( وَمَا رُوِيَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ { لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَرَفَةَ ابْنِ سَلُولَ قَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَهَاك رَبُّك أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ } وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ وَالطَّبَرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا بِلَفْظِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ خِلَافُ حُكْمِهَا ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ ذِكْرَ السَّبْعِينَ فِي الْآيَةِ ( لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ ذِكْرَهَا لِلْمُبَالَغَةِ ) فِي الْكَثْرَةِ عَلَى عَادَةِ ذِكْرِهِمْ إيَّاهَا فِي مَعْرِضِ التَّكْثِيرِ ( وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ ) أَيْ وَلِلْعِلْمِ بِاتِّحَادِ الْحُكْمِ ، وَهُوَ عَدَمُ الْمَغْفِرَةِ ( فِي الزَّائِدِ ) عَلَيْهَا ، وَفِيهَا ( فَكَيْفَ يَفْهَمُ ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الِاخْتِلَافَ ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ ( فَلَأَزِيدَنَّ تَأْلِيفٌ وَعُلِمَ أَنَّ

الِاخْتِلَافَ ) أَيْ اخْتِلَافَ السَّبْعِينَ وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ ( جَائِزٌ ) فِي جِنْسِ هَذَا الْمَقَامِ ( إنْ ثَبَتَ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَهُوَ قَبُولُ دُعَائِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فَعِلْمٌ مُبْتَدَأً وَيَجِبُ خَبَرُهُ .
وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السَّبْعِينَ كِنَايَةٌ عَنْ السَّبْعِينَ فَمَا زَادَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُ الزَّائِدِ مِثْلَ حُكْمِ السَّبْعِينَ ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ فَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ فَقَوْلُهُ لَأَزِيدَنَّ تَأْلِيفٌ لِقُلُوبِ أَقَارِبِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِإِظْهَارِ الْحَدَبِ عَلَيْهِمْ وَبُلُوغِ الْغَايَةِ فِي طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ ، وَلَا يُقَالُ فَهُوَ حِينَئِذٍ شُغْلٌ بِمَا لَا يُفِيدُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الِاسْتِغْفَارِ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْلِيفِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبْعِينَ خُصُوصُهَا فَيُعْلَمُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ جَائِزٌ حَتَّى زَادَ عَلَيْهَا جَازَ كَوْنُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْأَصْلِ مِنْ قَبُولِ دُعَائِهِ لَا اللَّفْظِ ا هـ هَذَا وَقَدْ ذَهِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَسَاطِينِ عَنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَأَنْكَرُوا صِحَّتَهُ بِالتَّصْمِيمِ فَلَا يُتَّبَعُونَ فِيهِ { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ( { وَقَوْلُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ مَا بَالُنَا نَقْصُرُ ، وَقَدْ أَمِنَّا فِي الشَّرْطِ فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ } ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ هَذَا الْمَرْوِيُّ فَإِنَّ

عُمَرَ وَيَعْلَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهِمَا تَقْيِيدَ قَصْرِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ قَصْرِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ ، وَأَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْلَا إفَادَتُهُ ذَلِكَ لُغَةً لَمَا كَانَا ثَمَّ هَذَا مُخْرِجُ لَفْظِ أَكْثَرِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ وَمُسْنَدَيْ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالْبَاقِي فِيهَا مَعْنًى وَفِي آخِرِهِ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ .
( وَالْجَوَابُ ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَازَمَ فَهْمَهُمَا عَدَمُ الْقَصْرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْخَوْفِ ؛ إذْ مِنْ الْجَائِزِ ( جَوَازُ بِنَائِهِمَا ) الْعَجَبَ مِنْ الْقَصْرِ ( عَلَى الْأَصْلِ ) فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّفَرِ الْوَاقِعِ فِيهِ الْخَوْفُ ( وَهُوَ الْإِتْمَامُ ، وَإِنَّمَا خُولِفَ ) الْأَصْلُ فِيهَا ( فِي الْخَوْفِ ) بِالْآيَةِ وَلِهَذَا ذَكَرَاهَا عِنْدَ التَّعَجُّبِ أَيْ الْقَصْرُ حَالَ الْخَوْفِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْآيَةِ فَمَا بَالُ حَالِ الْأَمْنِ لَمْ يَبْقَ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْإِتْمَامِ قُلْت إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا : الْأَصْلُ فِيهَا الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ بِعَارِضِ الْإِقَامَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ الرُّبَاعِيَّةَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَرْبَعًا إنْ أَتَى بِالْقَعْدَةِ الْأُولَى أَسَاءَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَيُشْكِلُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَهُوَ الْحَامِلُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْرِ فِيهَا قَصْرُ الْأَحْوَالِ لَا الذَّاتِ يَعْنِي إبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ مَعَ تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحَاتِ لَا أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ وَالْحَدِيثُ يَنْبُو عَنْهُ سِيَاقًا وَنَصًّا ، وَاَلَّذِي سَنَحَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يُقَالَ -

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - : لَمَّا تَقَرَّرَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْإِقَامَةِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يَكُونَ فِي السَّفَرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اخْتِلَافِ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فِي الْأَحْكَامِ فَأَبَانَتْ الْآيَةُ اخْتِلَافَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ وَسَمَّتْ تَقْرِيرَ الْحَالَةِ الْأُولَى قَصْرًا نَظَرًا إلَى مَا اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَيْهِ إقَامَةً وَخَرَجَ التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ نُزُولِهَا ، وَإِنَّمَا تَعَجَّبَا لِظَنِّهِمَا ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الْغَيْرِ الْخَائِفِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ عَدَمِ اخْتِلَافِ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَمِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ غَيْرَ خَارِجٍ مَخْرَجَ الْغَالِبِ ، وَكَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا - كَمَا وَقَعَتْ فِي الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا - صَدَقَةً مِنْ اللَّهِ ، وَصَدَقَةُ اللَّهِ لَا تُرَدُّ فَانْزَاحَ الْإِشْكَالُ

( وَإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِهِ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا هَذَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ ، وَمَا كَثُرَتْ فَائِدَتُهُ رَاجِحٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمُلَاءَمَتِهِ لِغَرَضِ الْعُقَلَاءِ ( وَنُقِضَ ) هَذَا الدَّلِيلُ نَقْضًا إجْمَالِيًّا ( بِلُزُومِ الدَّوْرِ ) وَالْمُعْتَرِضِ بِهِ الْآمِدِيُّ وَحَاصِلُهُ : لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ أَنْ تَتَوَقَّفَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَفْهُومِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ تَتَوَقَّفُ عَلَى وَضْعِهِ لَهُ ، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وَضْعَهُ لَهُ مُعَلَّلًا بِتَكْثِيرِهَا فَيَكُونُ عِلَّةً لِوَضْعِهِ لَهُ ، وَالْمَعْلُولُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى عِلَّتِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمَنْطُوقِ وَالنَّفْيِ عَمَّا عَدَاهُ فَمَتَى لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمَنْطُوقِ لَا غَيْرُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكْثِيرُهَا ، وَهَذَا دَوْرٌ ظَاهِرٌ .
( وَلَيْسَ ) هَذَا النَّقْضُ ( بِشَيْءٍ ) قَادِحٍ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ ( لِظُهُورِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ ) أَيْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( وَتَعَقُّلُهَا ) أَيْ تَعَقُّلُ الْوَاضِعِ كَثْرَةَ الْفَائِدَةِ ( وَاقِعَةٌ ) فِي وَضْعِ اللَّفْظِ لِلنَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ مَعَ الثُّبُوتِ لِلْمَذْكُورِ ثُمَّ وَضْعُهُ لِذَلِكَ لَا حُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ ( وَتَحَقُّقُهَا ) أَيْ : وَحُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ فِي الْخَارِجِ ( وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا دَوْرَ لِاخْتِلَافِ جِهَتَيْ التَّوَقُّفِ ( بَلْ الْجَوَابُ ) عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ ( مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ

إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْفَائِدَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ مُخَالِفًا لَزِمَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّبْعِ فِي طُهُورِ إنَاءِ أَحَدِكُمْ ) أَيْ وَمِنْ أَدِلَّةِ مُثْبِتِيهِ الْمُزَيَّفَةِ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ فِي حُكْمِهِ لَلَزِمَ حُصُولُ طَهَارَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا فِيمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ } ( وَالتَّحْرِيمُ ) أَيْ وَحُصُولُ تَحْرِيمِ نِكَاحِ الشَّخْصِ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الرَّضَاعِ فِي مُدَّتِهِ ( قَبْلَ الْخَمْسِ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ ) أَيْ قَبْلَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ فِيمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ .
وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ الْإِثْبَاتَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا ( وَيَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ ) حِينَئِذٍ فِي كِلَيْهِمَا لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، فَإِثْبَاتُ السَّبْعِ الطَّهَارَةَ وَالْخَمْسِ التَّحْرِيمَ كَذَلِكَ وَهُوَ يُنَاقِضُ النَّصَّ الْمُفِيدَ لِكُلٍّ مِنْ إثْبَاتِ السَّبْعِ الطَّهَارَةَ وَالْخَمْسِ التَّحْرِيمَ ( وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْمَسْكُوتِ لَزِمَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ فِيهِمَا ( بَلْ اللَّازِمُ ) فِيهِمَا عَلَى

هَذَا التَّقْدِيرِ ( عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ ) قَبْلَ وُجُودِ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ ( وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ ) مِنْ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْخَمْسِ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ ) فِيمَنْ قَامَ بِهِ هَذَا الْأَثَرُ ( عَدَمَ التَّحْرِيمِ ) لَكِنْ الْفَرْضُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ ( فَيَبْقَى ) هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ مُسْتَمِرًّا ( إلَى وُجُودِ مَا عُلِّقَ بِهِ ) وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ ( ضِدُّهُ ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ ( وَكَذَا صَارَتْ النَّجَاسَةُ مُتَقَرِّرَةً بِالدَّلِيلِ فَيَبْقَى كَذَلِكَ ) أَيْ إنَّمَا يَلْزَمُ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ قَبْلَ السَّبْعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ الْمُتَقَرِّرُ لَهُ بَعْدَ الْوُلُوغِ فِيهِ النَّجَاسَةَ بِدَلِيلِهَا ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْوُلُوغِ الطَّهَارَةَ لَكِنْ الْأَصْلُ الْمُتَقَرِّرُ لَهُ إنَّمَا هُوَ ذَلِكَ فَتَبْقَى النَّجَاسَةُ مُسْتَمِرَّةً إلَى وُجُودِ مَا عُلِّقَ بِهِ ، وَهُوَ الْغَسْلُ سَبْعًا ضِدُّهَا ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيَّةِ .
( وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ ) بِالرَّضَاعِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمْ عَلَى خَمْسٍ بَلْ يَثْبُتُ ( بِقَلِيلِهِ ، وَالطَّهَارَةُ قَبْلَهُ ) أَيْ طَهَارَةُ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى السَّبْعِ بَلْ تَثْبُتُ قَبْلَ السَّبْعِ ( بِالثَّلَاثِ ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي إشَارَتِهِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى نَقْلِ بَعْضِهِمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَهَا ، وَاسْتِحْبَابُ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهَا وَبِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا تَوْقِيتَ فِي غَسْلِهَا بَلْ الْعِبْرَةُ فِيهِ لِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَلَوْ مَرَّةً وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضُهُمْ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ ( وَهُمَا ) أَيْ تَوَقُّفُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ عَلَى خَمْسٍ ، وَطَهَارَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ الْكَلْبُ عَلَى سَبْعٍ عِنْدَهُمْ ( مَنْسُوخَانِ اجْتِهَادًا ) مِنْهُمْ ( بِالتَّرْجِيحِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ بِسَبَبِ تَرْجِيحِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ

الْمُعَارِضِ فَإِنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ فَرَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ ، وَإِلَّا كَانَ تَرْكًا لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّارِعِ فَتَأَمَّلْ ا هـ .
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ : وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِالثَّلَاثِ مَا رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } مَعَ مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرَاقَهُ ثُمَّ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ الْأَوَّلِ قَوْلَ ابْنِ عَدِيٍّ لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ الْكَرَابِيسِيِّ وَالْكَرَابِيسِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا غَيْرَ هَذَا فَقَدْ قَالَ أَيْضًا : لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي الْحَدِيثِ ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : صَدُوقٌ فَاضِلٌ ثُمَّ كَمَا مَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالضَّعْفِ وَالصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَجُوزُ صِحَّةُ مَا حُكِمَ بِضَعْفِهِ ظَاهِرًا ، وَثُبُوتُ كَوْنِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ قَرِينَةً تُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَجَادَهُ الرَّاوِي الْمُضَعَّفُ ، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارِضُ حَدِيثَ السَّبْعِ ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَعَ حَدِيثِ السَّبْعِ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ بِمَا كَانَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ أَوَّلَ الْأَمْرِ حَتَّى أَمَرَ بِقَتْلِهَا ، وَالتَّشْدِيدُ فِي سُؤْرِهَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ إذْ ذَاكَ ، وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ .
فَإِذَا عَارَضَ قَرِينَهُ مُعَارِضٌ كَانَ التَّقَدُّمَةُ لَهُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ : وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَبِغَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْغَسْلُ مِنْهَا تَعَبُّدِيًّا بَلْ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ الْمَنَاطُ ظَنَّ زَوَالِهَا كَمَا فِي

الطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّاتِ ، وَوُقُوعُ غَسْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثًا جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ لَا أَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ وَالْمُعَارِضُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ الرَّضَاعِ إطْلَاقُ الْكِتَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وَالسُّنَّةُ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } .
وَيُقَدَّمُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ لِقَطْعِيَّتِهِ ، وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ سَنَدًا وَمَتْنًا بِخِلَافِ حَدِيثِ الْخَمْسِ فَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مُنْكَرٌ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ ، وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ ؛ إذْ الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ ( أَوْ نَقْلًا ) أَيْ أَوْهَمَا مَنْسُوخَانِ نَقْلًا ، وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ طَهَارَةِ الْإِنَاءِ بِغَسْلِهِ سَبْعًا مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَمَلُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ظَنِّيَّةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ رَاوِيهِ فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى رَاوِيهِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْعِيٌّ حَتَّى يَنْسَخَ بِهِ الْكِتَابَ إذَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فِي مَعْنَاهُ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِقَطْعِهِ بِالنَّاسِخِ ؛ إذْ الْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِقَطْعِيٍّ فَبَطَلَ تَجْوِيزُهُمْ تَرْكَهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ نَاسِخٍ فِي اجْتِهَادِهِ الْمُحْتَمِلِ لِلْخَطَأِ ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ كَانَ تَرْكُهُ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ لِلنَّاسِخِ بِلَا شُبْهَةٍ فَيَكُونُ الْآخَرُ مَنْسُوخًا بِالضَّرُورَةِ غَيْرَ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ الثَّلَاثِ لَا يَكُونُ الِاقْتِصَارُ عَلَى

وُقُوعِ الثَّلَاثِ مِنْهُ جَارِيًا مَجْرَى الْغَالِبِ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبَةُ لَازِبٍ بِخِلَافِهِ عَلَى غَيْرِ تَقْدِيرِ لُزُومِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَالْمُفِيدُ لِلنَّسْخِ نَقْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قِيلَ لَهُ : إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ الرَّضْعَةَ لَا تُحَرِّمُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ آلَ أَمْرُ الرَّضَاعِ إلَى أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحَرِّمُ ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الْآثَارُ صَالِحَةً لِنَسْخِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ تُكَافِئْهُ فِي صِحَّةِ السَّنَدِ ظَاهِرًا لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ ثُبُوتِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ مَعْدُودٌ بُطْلَانُهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَتَقْوَى هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى نَسْخِهِ وَيَقَعُ الْقَطْعُ بِمَضْمُونِهَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ ( فَاللَّازِمُ حَقٌّ ) أَيْ جَوَابُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ أَنَّ حُصُولَ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّبْعِ بِالثَّلَاثِ أَوْ بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِهَا وَالتَّحْرِيمُ قَبْلَ وُجُودِ خَمْسِ رَضَعَاتٍ حَقٌّ ( فَيَسْقُطَانِ ) أَيْ الدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ ( تَنْبِيهٌ ) وَلَوْ حُوِّلَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ فِي السَّبْعِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا عِنْدَ مَشَايِخِنَا لِيَتِمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِثْلُ مَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي السَّبْعِ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ مِمَّا بَيَّنَّاهُ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ بَعْدَ مَا فِيهِمَا إنَّمَا يَتَمَشَّيَانِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ دَلِيلَ الْمَفْهُومِ الشَّرْعُ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ

ذِكْرَهُمَا وَلَاءَ قَوْلِهِ وَمَا رُوِيَ لَأَزِيدَنَّ عَلَى سَبْعِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى مَفْهُومِ الْعَدَدِ

( وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ ) مِنْ الْحُجَّةِ ( فِي نَفْيِ الْمَفْهُومِ ) أَيْ فِي عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( عَدَمُ مَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِهِ ( إذْ عُلِمَ أَنَّ الْأَوْجُهَ ) الْمَذْكُورَةَ لِإِثْبَاتِهِ ( لَمْ تُفِدْهُ ) أَيْ إثْبَاتَهُ ( وَأَيْضًا الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُصَيِّرَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِهِ إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَ عَدَمِ فَائِدَةٍ أُخْرَى ) سِوَاهُ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ ( وَهِيَ لَازِمَةٌ ) أَيْ لَكِنْ الْفَائِدَةُ الَّتِي لَيْسَتْ إيَّاهُ لَازِمَةٌ لَهُ أَبَدًا فِي كُلِّ صُورَةٍ ( إذْ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ لِلْإِلْحَاقِ ) أَيْ لِإِلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ فِي حُكْمِهِ بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ ( فَائِدَةٌ لَازِمَةٌ ) لَهُ كَمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ لَا تَحَقُّقَ لَهُ أَصْلًا كَمَا سَلَفَ ( وَالدَّفْعُ ) لِهَذَا ( بِأَنَّ شَرْطَهُ ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ ( عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ ) وَالرُّجْحَانُ فِي الْمَنَاطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ مَعَ ظُهُورِهِ ( فَعِنْدَهَا ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الرُّجْحَانِ ذَلِكَ الْمَحَلُّ ( غَيْرُ ) مَحَلِّ ( النِّزَاعِ ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ) يَقْوَى عَلَى دَفْعِهِ ( لِأَنَّ فَائِدَةَ الثَّوَابِ ) أَيْ الْفَائِدَةَ الَّتِي هِيَ الثَّوَابُ ( تَلْزَمُ الِاجْتِهَادَ ) السَّائِغَ مُطْلَقًا كَمَا عُرِفَ ( أَوْصَلَ ) الِاجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدَ ( إلَى ظَنِّ الْمُسَاوَاةِ ) أَيْ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْكُوتِ أَيْضًا ( أَوْ ) أَوْصَلَهُ ( إلَى عَدَمِهَا ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ الْمَذْكُورَةِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يُوصِلْهُ إلَى أَحَدِهِمَا ( ثُمَّ يَنْتَفِي الْحُكْمُ ) لِلْمَذْكُورِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ ( بِالْأَصْلِ ) وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْمُصِيبَ أَكْثَرُ أَجْرًا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ : كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاجْتِهَادُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمُ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ لِلْمَذْكُورِ فِي الْمَعْنَى

الْمُقْتَضِي لِحُكْمِهِ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ ؛ إذْ لَا قِيَاسَ مَعَ انْتِفَائِهَا ، قَدَّرَهُ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ : ( وَعَدَمُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا لِكُلِّ تَخْصِيصٍ لِيَمْتَنِعَ الِاجْتِهَادُ لِاسْتِكْشَافِ حَالِ الْمَسْكُوتِ ) لِظُهُورِ عَدَمِهَا لِسَامِعِهِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فَيَكُونُ حَالُ الْمَسْكُوتِ مَكْشُوفًا بِدُونِ الِاجْتِهَادِ حِينَئِذٍ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ : إنَّ فِي تَسْلِيمِ كَوْنِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ التَّخْصِيصِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ تَأَمُّلًا ثُمَّ هَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ بِقَوْلِهِ وَسَيُدْفَعُ ( وَلَهُمْ ) أَيْ وَلِلْحَنَفِيَّةِ كَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا بِذِكْرِ نَفْيِ الْمَفْهُومِ إذْ هُوَ يَسْتَلْزِمُ النَّافِيَ ( غَيْرُهُ ) أَيْ هَذَا الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ ( أَدِلَّةٌ مَنْظُورٌ فِيهَا ) غَالِبُهَا فِي الْحَقِيقَةِ اعْتِرَاضَاتٌ ( مِنْهَا انْتِفَاؤُهُ ) أَيْ الْمَفْهُومِ ( فِي الْخَبَرِ نَحْوِ فِي الشَّامِ غَنَمٌ سَائِمَةٌ ) فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمَعْلُوفَةِ فِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَطْعًا ( مَعَ عُمُومِ أَوْجُهِ الْإِثْبَاتِ ) لَهُ فِي الْخَبَرِ كَمَا فِي الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا مُتَوَاطِئَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُلْجِئَ لِلْقَوْلِ بِهِ لُزُومُ عَدَمِ الْفَائِدَةِ لِلتَّخْصِيصِ لَوْلَاهُ ، وَهَذَا قَائِمٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا فِي الْإِنْشَاءِ فَحَيْثُ انْتَفَى فِي الْخَبَرِ انْتَفَى فِي الْإِنْشَاءِ فَانْتَفَى أَصْلًا .
( وَأُجِيبَ ) بِوَجْهَيْنِ ( بِالْتِزَامِهِ ) أَيْ الْمَفْهُومِ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا ( إلَّا لِدَلِيلٍ ) خَارِجِيٍّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ فِيهِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ : وَمِنْ الْخَبَرِ الَّذِي دَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْمَفْهُومِ فِيهِ ( الْمِثَالُ ) الْمَذْكُورُ فَإِنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِوُجُودِ الْمَعْلُوفَةِ فِي الشَّامِ ( وَبِالْفَرْقِ ) بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ ( بِأَنَّ كَوْنَ الْمَسْكُوتِ فِي الْخَبَرِ غَيْرُ مُخْبَرٍ عَنْهُ ) كَمَا هُوَ الْحَالُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ

الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ فِيهِ ( لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ) لِلْمَسْكُوتِ ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ عَدَمُهُ فِي الْخَارِجِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ فِيهِ مَا لَمْ يُخْبَرْ عَنْهُ قَطُّ ( بِخِلَافِ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْإِنْشَاءِ ( فَإِنَّهُ لَا خَارِجَ لَهُ ) أَيْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ ، وَهُوَ النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ ( يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ غَيْرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْخَارِجِ ( فَإِذَا انْتَفَى تَعَرُّضُهُ ) أَيْ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ ( لِلْمَسْكُوتِ يَنْتَفِي الْحُكْمُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدُفِعَ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْتِزَامُ الْمَفْهُومِ فِي الْخَبَرِ ( بِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَالثَّانِي ) وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ( بِإِفَادَتِهِ السُّكُوتَ عَنْ الْمَسْكُوتِ وَهُوَ ) أَيْ السُّكُوتُ عَنْ الْمَسْكُوتِ ( قَوْلُ النَّافِينَ ) فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْحُكْمَ مُنْتَفٍ عَنْ الْمَسْكُوتِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُهُ فِيهِ فَعَدَمُ ثُبُوتِهِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّفْيَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ النَّافِينَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالدَّافِعُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ الْأَدِلَّةِ الْمَنْظُورِ فِيهَا ( لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ ) أَيْ اعْتِبَارُهُ ( ثَبَتَ التَّعَارُضُ ) فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ كَثِيرًا ( لِثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ كَثِيرًا ) لِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ بِثُبُوتِ مِثْلِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فِي الْمَسْكُوتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } فَإِنَّ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ حِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، وَغَيْرُهُ مِنْ السَّمْعِيَّاتِ كَالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ يَثْبُتُ حُرْمَتَهُ كَذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّعَارُضُ ( خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ ) فَلَا يَجُوزُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَمَا أَوْجَبَ كَثْرَةَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ إلَّا اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُبَالِيَ بِلُزُومِ كَثْرَةِ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ إذَا أَدَّى إلَى خِلَافِ الْأَصْلِ قُلْنَا ( فَإِنْ أُقِيمَ ) الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ ( فَبَعْدَ صِحَّتِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ ( كَانَ دَلِيلُنَا ) عَلَى بُعْدِهِ ( مُعَارِضًا ) لَهُ فَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ اعْتِبَارِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمُعَارَضَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ ؛ إذْ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ وُجُودِ مُعَارِضِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُرَجَّحْ عَلَيْهِ فَقَالَ ( وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَخْرُجُ عَنْ الْأَصْلِ بَعْدَ صِحَّتِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ وَيُعَارِضُهُ مَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ ( يُقَدَّمُ ) الْمُخَرَّجُ عَلَى الْمُوَافِقِ ( وَإِلَّا لَزِمَ مِثْلُهُ فِي حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ ) لِأَنَّ وَضْعَ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ التَّكَالِيفِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا ، وَالتَّكْلِيفُ مُطْلَقًا خِلَافُ الْأَصْلِ ( وَيُدْفَعُ ) مِنْ قِبَلِ الْحَنَفِيَّةِ ( بِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ التَّرْجِيحَ مُثْبِتٌ خِلَافَ الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا ) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ ( فِي اسْتِلْزَامِ الْمَطْلُوبِ وَأَدِلَّتُكُمْ ) عَلَى اعْتِبَارِهِ

( بَيِّنًا أَنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَهُ ) أَيْ الْمَفْهُومِ .

( وَمِثْلُهُ ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ مِنْ مَقْبُولِ الْأَدِلَّةِ كَعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ لَوْلَاهُ وَمُزَيَّفُهَا كَتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ مِنْ جَانِبِ الْمُثْبِتِ وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا مِنْ جَانِبِ النَّافِي يَكُونُ ( فِي الشَّرْطِ ) أَيْ فِي مَفْهُومِهِ ( مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) الْمُثْبِت وَالنَّافِي مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِحَدِيثِ يَعْلَى ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ ( مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِهِ ) أَيْ الْمُقَيِّدِ وَهُوَ الشَّرْطُ هُنَا ( مَخْرَجَ الْغَالِبِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ ( وَنَحْوُهُ ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ مَعَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ كَالْخَوْفِ ( وَيَخُصُّهُ ) أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ عَلَى قَوْلِ مُثْبِتِيهِ ( قَوْلُهُمْ : إنَّهُ ) أَيْ الشَّرْطَ ( سَبَبٌ ) لِلْجَزَاءِ ، وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَانْتِفَاءُ السَّبَبِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمُسَبَّبِ مُتَّحِدًا كَانَ السَّبَبُ أَوْ مُتَعَدِّدًا ( فَعَلَى اتِّحَادِهِ ظَاهِرٌ ) لِامْتِنَاعِ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ ( وَعَلَى جَوَازِ التَّعَدُّدِ ) أَيْ تَعَدُّدِ السَّبَبِ كَمَا فِي الْمُسَبَّبَاتِ النَّوْعِيَّةِ ( الْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ ( فَإِذَا انْتَفَى ) السَّبَبُ الْمَذْكُورُ ( انْتَفَى مُطْلَقًا ) أَيْ مُطْلَقُ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ حَتَّى يَثْبُتَ وُجُودُهُ وَهَذَا مَعْنَى ( مُلَاحَظَةً لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ الْوُجُودِ ) أَيْ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ لِلْجَزَاءِ .
وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ ( مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا اسْتَقْصَى الْبَحْثَ عَنْ آخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ ) آخَرُ ( فَإِنَّ احْتِمَالَ وُجُودِهِ ) أَيْ آخَرَ حِينَئِذٍ ( يَضْعُفُ فَيَتَرَجَّحُ الْعَدَمُ ) أَيْ عَدَمُ آخَرَ ( وَالْمَفْهُومُ ظَنِّيٌّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاحْتِمَالُ ) الْمَرْجُوحُ فَيَنْتَفِي الْمُسَبَّبُ ظَاهِرًا حِينَئِذٍ ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ قَطْعًا كَمَا

فِي الِاتِّحَادِ ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَتَعَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ أَنَّهُ ) أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ ( مَدْلُولُ اللَّفْظِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى انْتِفَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ هُوَ ( قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ( يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَقْرَبُ لَهُمْ ) أَيْ لِمُثْبِتِيهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ ( إضَافَتُهُ ) أَيْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ ( إلَى شَرْطِيَّةِ اللَّفْظِ الْمُفَادَةِ لِلْأَدَاةِ ) بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ فَيَكُونُ ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( مَدْلُولًا ) لَفْظِيًّا حِينَئِذٍ ( لِلْأَدَاةِ مَنَعَ كَوْنَ الشَّرْطِ سِوَى مَا جُعِلَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ ) أَيْ مَنَعَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا سَوَاءٌ كَانَ عِلَّةً لِلْجَزَاءِ كَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُودٌ ، أَوْ مَعْلُولًا كَإِنْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا فَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
( وَالِانْتِفَاءُ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ ( لِلِانْتِفَاءِ ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( بَلْ ) انْتِفَاءُ الْجَزَاءِ ( لَازِمٌ لِتَحَقُّقِهِ ) أَيْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ { وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَيَجِيءُ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ أَنَّ انْتِفَاءَ الْجَزَاءِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ ( وَيَتَّحِدُ ) قَوْلُ مُثْبِتِيهِ ( بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ) إنَّ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ

كَمَا فِيمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ هَذَا ، وَفِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مُشِيرًا إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَنَا بَلْ عَدَمُ الْحُكْمِ مُبْقًى عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حِينَئِذٍ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ غَيْرُ طَالِقٍ فَدَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ وَبِمِثْلِهِ لَا تَزُولُ حُقُوقُ الْعِبَادِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَالِكٌ لِنَوَاصِي الْعِبَادِ مُطَاعٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَجِبُ طَاعَتُهُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَجَازَ إثْبَاتُ حُقُوقِهِ بِمِثْلِهِ .
وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ : لَا تُعْتِقْ عَبْدِي الْأَسْوَدَ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ عَبِيدِهِ الْبِيضِ وَالشُّقْرِ وَنَحْوِهِمَا وَمَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَصْفِ عِنْدَهُ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ أَعْتِقْ عَبِيدِي الْبِيضَ ثُمَّ قَالَ أَعْتِقْ عَبِيدِي السُّودَ قَبْلَ إعْتَاقِهِ أَنْ يَنْعَزِلَ عَنْ وَكَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْعَزْلِ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ مُسَاوٍ لَهُ كَانَ عِلَّةً أَوْ لَمْ يَكُنْ كَزِنَا الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ أَوْ كَالرَّجْمِ مَعَ إحْصَانِ الزَّانِي أَوْ بِالْإِبْدَالِ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّ الْمُتَعَلِّقَاتِ فِيهَا دَائِرَةٌ مَعَ الْمُعَلَّقِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا بِالِاتِّفَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِذَنْ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ الْحُكْمُ مَتَى عُلِّقَ بِأَمْرٍ ابْتِدَاءً بِصِلَةِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُسَاوِيًا لَهُ وَلَا شَرْطًا عَقْلِيًّا

كَالْعِلْمِ لِلْإِرَادَةِ وَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْمُعَلَّقُ حَالَ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا عِلَّةً مُجَوِّزَةً لِلْحُكْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ نَفْيُهُ عَلَى نَفْيِهِ وَيَنْعَقِدُ عِلَّةً مُجَوِّزَةً .
( وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّفْيَ ) أَيْ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَشْرُوطِ ( حُكْمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ الْمَذْكُورِ ( وَعَدَمٌ أَصْلِيٌّ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ تَعَرُّضِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ ( فَلَا يَخُصُّ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } بِمَفْهُومِ { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ } الْآيَةَ ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّصَالُ كَقَوْلِهِ وَلَا يَنْسَخُ عَلَى قَوْلِنَا الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ خِلَافًا لَهُ ) أَيْ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَنَا عُمُومُ وقَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَإِنْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَنَّ اتِّصَالَ الْمُخَصَّصِ بِالْمُخَصِّصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَنْسُوخًا بِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْمُخَصَّصِ الْمُتَرَاخِي أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فِي مُقْتَضَاهُ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ وَحِلُّ نِكَاحِ مَنْ عَدَا الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّسَاءِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْأَمَةِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ حُكْمٌ ثُبُوتِيٌّ شَرْعِيٌّ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَمَ الْأَصْلِيَّ لَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَلَا نَاسِخًا فَيَجُوزُ عِنْدَنَا نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَمَلًا بِالْعُمُومِ الْمَذْكُورِ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عُمُومُ الْآيَةِ الْأُولَى مَخْصُوصًا بِمَفْهُومِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمُؤْمِنَاتِ لِلتَّشْرِيفِ لَا لِلشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } الْآيَةَ فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ ( وَمَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْخِلَافِ ) فِي أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ أَمْ لَا أَنَّهُ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ عَزْوًا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ ) مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا لَا مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ ( فَعَدَمُ الْحُكْمِ ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ثَابِتٌ ( بِالْأَصْلِ عِنْدَنَا ) وَهُوَ عَدَمُ سَبَبِهِ لَا بِعَدَمِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لَمَّا كَانَ مُتَحَقِّقًا قَبْلَ التَّعْلِيقِ .
وَكَانَ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِهِ اسْتَمَرَّ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِهِ ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ سَبَبِهِ لَا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ ( وَمِنْ الْحُكْمِ عِنْدَهُ ) أَيْ وَمَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ لَا مَانِعَ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لِلطَّلَاقِ ، وَلِهَذَا يَقَعُ بِهِ لَوْلَا التَّعْلِيقُ ، وَإِذَا كَانَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَهُ وَجَبَ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ

التَّعْلِيقِ ظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ تَعْلِيقِهِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ حِسًّا كَالتَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ إلَى حِينِ الْأَجَلِ لَا مَانِعٌ سَبَبَهُ عَنْ الِانْعِقَادِ .
وَهُوَ وُجُوبُ الدَّيْنِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ وَكَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي مَنْعِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَبَبًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْإِضَافَةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ نَحْوِ هِيَ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحُكْمِ دُونَ انْعِقَادِ السَّبَبِ أَيْضًا فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الشَّرْطِ لَا إلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ السَّبَبِ وَهُوَ نَظِيرُ التَّعْلِيقِ الْحِسِّيِّ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْقِنْدِيلِ بِحَبَلٍ مِنْ السَّقْفِ يُوجِبُ وُجُودَهُ فِي الْهَوَاءِ وَيَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ثِقَلِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ بِالْإِعْدَامِ ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حُكْمِهِ ، وَهُوَ السُّقُوطُ فَكَذَا التَّعْلِيقُ إذَا دَخَلَ عَلَى عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِهَا ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِهَا لَا غَيْرُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا كَالْقِنْدِيلِ إذَا انْقَطَعَ الْحَبْلُ انْجَذَبَ إلَى أَسْفَلَ وَعَمِلَ الثِّقَلُ عَمَلَهُ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ حِسًّا فَلَا يُعْقَلُ إعْدَامُهُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ ثُبُوتَهُ عُرِفَ بِالشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَانِعِ الْحُكْمِيِّ ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَسَيَجِيءُ وَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مُفَصَّلًا .
( وَانْبَنَى عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ فَانْبَنَى عَلَى أَصْلِنَا ( صِحَّةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ ) أَيْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فِي الطَّلَاقِ وَبِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الْعَتَاقِ (

عِنْدَنَا ) حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيَّةَ وَمَلَكَ الْأَمَةَ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ ( وَعَدَمُهُ عِنْدَهُ ) أَيْ وَانْبَنَى عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ اعْتِبَارُ هَذَا التَّعْلِيقِ فِيهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ بِمُجَرَّدِ تَزَوُّجِهِ بِهَا وَلَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ إيَّاهَا وَإِيضَاحُ الْوَجْهِ فِيهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَهُ انْعِقَادُ السَّبَبِ فِي الْحَالِ حَالَةَ التَّعْلِيقِ مَعَ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ مَحَلِّهِ ، وَالْمِلْكُ غَيْرُ قَائِمٍ حَالَتَئِذٍ فَلَا انْعِقَادَ لِلسَّبَبِ حِينَئِذٍ فَكَانَ هَذَا لَغْوًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلِأَمَةِ الْغَيْرِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ ، .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا عَدَمُ انْعِقَادِ السَّبَبِ بِالتَّعْلِيقِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ الْمَحَلُّ بَلْ كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ يَمِينًا ، وَمَحَلُّ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ الذِّمَّةُ ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ثُمَّ الْمِلْكُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ ، وَالْمِلْكُ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ هُنَا مُتَيَقَّنٌ ، فَإِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ حَالَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ ثَابِتٍ يَقِينًا حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ ظَاهِرٌ بِالِاسْتِصْحَابِ فَفِيمَا هُوَ ثَابِتٌ يَقِينًا حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْلَى ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( بَلْ الصِّحَّةُ ) أَيْ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِمَا بِالْمِلْكِ ( أَوْلَى مِنْهَا ) أَيْ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِمَا ( حَالَةَ قِيَامِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ( لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الشَّرْطِ ) فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ ( وَكَذَا ) انْبَنَى عَلَى هَذَا الْمَبْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ هَذَا

الْفَرْعِ ، وَهُوَ ( تَعْجِيلُ الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ ) بِشَرْطٍ قَبْلَ الشَّرْطِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَقُلْنَا ( يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا ) التَّعْجِيلُ بِهِ ( خِلَافًا لَهُ ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ عَنْ نَذْرِهِ قَبْلَ شِفَائِهِ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِنَا يَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ يَكُونُ أَدَاءً بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَهُوَ جَائِزٌ .
( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ هَكَذَا وَقَعَ ذِكْرُ هَذَا الْخِلَافِ فِي حُكْمِ هَذَا الْفَرْعِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ غَيْرُ مَا شَارِحٍ مِنْ جِهَتِهِ بِالنَّذْرِ الْمَالِيِّ كَمِثَالِنَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَدَنِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا وَقَعَ لَهُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَيُذْكَرُ وَجْهُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَهُوَ شَاهِدٌ بِصِحَّتِهِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لَهُ فِي الْمَالِيِّ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا قِيلَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيُّ سَبَبًا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ ) الَّتِي هِيَ هَلْ يَدُلُّ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ دَلَالَةً لَفْظِيَّةً أَمْ لَا قُلْنَا : لَا وَقَالَ : نَعَمْ إنَّمَا هُوَ ( مَعْنَى لَفْظِ الشَّرْطِ ) وَهُوَ مَا يَنْتَفِي الْجَزَاءُ بِانْتِفَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ لَهُمْ ( لَا الْجَزَاءُ وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ ) فِي أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ السَّبَبِ كَقَوْلِنَا أَوْ مِنْ الْحُكْمِ فَقَطْ كَقَوْلِهِ ( هُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يَثْبُتُ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءً لِشَرْطٍ ) أَيْ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَدَاةٌ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَوَّلِ وَمُسَبَّبِيَّةِ الثَّانِي ( هَلْ يَسْلُبُهُ

) أَيْ الْجَعْلَ الْمَذْكُورَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ ( سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ) .
فَقُلْنَا : نَعَمْ وَقَالَ : لَا فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا ( كَأَنْتِ طَالِقٌ وَحُرَّةٌ جُعِلَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْعًا ( سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالرَّقَبَةِ وَلَوْلَا السِّيَاقُ وَالسِّبَاقُ لَفَسَّرْنَاهُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَقَطْ جَاعِلِينَ أَنْتِ طَالِقٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الصَّرَاحَةِ ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ سَبَبَ زَوَالِهِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ ( فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ ) عَلَيْهِمَا كَإِنْ دَخَلْت ( مَنَعَ ) دُخُولَهُ عَلَيْهِمَا ( الْحُكْمَ ) وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا غَيْرُ مِنْ الْوُجُودِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ لَا انْعِقَادُ السَّبَبِ مِنْ السَّبَبِيَّةِ حَالَتَئِذٍ ( وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ ) أَيْ كَوْنَهُ سَبَبًا حِينَئِذٍ إلَى حِينِ وُجُودِ الشَّرْطِ قَصْدًا ، وَحُكْمُهُ إلَى وَقْتَئِذٍ أَيْضًا تَبَعًا ( فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ ) الْمَذْكُورَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَجْهَ تَفْرِيعِهَا عَلَيْهِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الْخَبَرِيِّ كَ { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا } { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } أَوْ غَيْرِهِ كَإِذَا جَاءَ فَأَكْرِمْهُ يُفِيدُ نَفْيَ إكْرَامِهِ إنْ لَمْ يَجِئْ فَكَيْفَ يُبْنَى مَا هُوَ أَوْسَعُ دَائِرَةً عَلَى مَا هُوَ بَعْضُ صُوَرِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُبْتَنَى عَلَى مَا ذَكَرَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ نَفْسَ الْحُكْمِ ا هـ .
وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ لَفْظًا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ مِمَّا اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعًا كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ

حُرَّةٌ أَمْ لَا ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ عَنْ هَذَا كَمَا أَفْصَحَ فِي مَحَلِّ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ اكْتِفَاءً بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ ، وَالْمَدْلُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الدَّلِيلِ ، وَأَيْضًا هَذَا أَمْرٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ اعْتِبَارُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى تَصَرُّفٍ لَفْظِيٍّ مِنْ حَيْثُ يُوجِبُ أَمْرًا شَرْعِيًّا هُوَ كَذَا أَمْ لَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا يُفِيدُ كَوْنَ أَحَدِهِمَا مَبْنَى الْآخَرِ فَلْيُرَاجَعْ ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْعَدَمَ عَنْ عَدَمِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الشُّرُوطَ بِدُونِ الشَّرْطِ ، وَالْمَشْرُوطُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ ، وَالتَّعْلِيقُ قَيَّدَهُ بِتَقْدِيرِ مُعَيَّنٍ ، أَوْ عَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْعَدَمِ .
وَأَصْحَابُنَا اعْتَبَرُوا الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ فَهُمَا كَلَامٌ وَاحِدٌ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى تَقْدِيرٍ وَسَاكِتٌ عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ انْعَقَدَ سَبَبًا عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ أَخَّرَ حُكْمَهُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا عِنْدَنَا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( وَإِنَّمَا يَتَفَرَّعَانِ ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ( مَعًا عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْجَزَاءِ مِنْ التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ مُفِيدًا حُكْمَهُ ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَزَاءِ مُفِيدًا حُكْمَ نَفْسِهِ ( عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ ) الْمُمْكِنَةِ لَهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَغَيْرِهِمَا ( خَصَّصَهُ ) أَيْ عُمُومَ التَّقَارِيرِ ( الشَّرْطُ بِإِخْرَاجِ مَا سِوَى مَا تَضَمَّنَهُ ) حُكْمُ الْجَزَاءِ مِنْ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الثَّابِتِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ ) الْكَائِنِ لَهُ حَالَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23