كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ ) ( الْقِيَاسُ قِيلَ هُوَ لُغَةً التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ وَالْمَجْمُوعُ ) مِنْهُمَا ( أَيْ يُقَالُ إذَا قَصَدَ الدَّلَالَةَ عَلَى مَجْمُوعِ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ عَقِيبَ التَّقْدِيرِ ؛ قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ ) أَيْ قَدَّرْتهَا بِهَا فَسَاوَتْهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ ( وَلَمْ يَزِدْ الْأَكْثَرُ ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَحَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ ( عَلَى ) أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً ( التَّقْدِيرُ وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ ) أَيْ طَلَبُ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ نَحْوُ ( قِسْت الثَّوْبَ بِالذِّرَاعِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي مِقْدَارٍ ) نَحْوُ ( قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ وَلَوْ ) كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَمْرًا ( مَعْنَوِيًّا ) نَحْوُ ( أَيْ فُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ ، لَا يَقْدِرُ أَيْ لَا يُسَاوِي ) وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ خِفْ يَا كَرِيمُ عَلَى عِرْضٍ يُدَنِّسُهُ مَقَالُ كُلِّ سَفِيهٍ لَا يُقَاسُ بِكَا وَاسْتِعْلَامُ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةُ : مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( فَرْدًا مَفْهُومُهُ ) أَيْ التَّقْدِيرِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْقِيَاسُ ( مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ ) يُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْلَامِ الْقَدْرِ وَالتَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ لَهُمَا وَصِدْقُهُ عَلَيْهِمَا ( لَا ) مُشْتَرَكٌ ( لَفْظِيٌّ ) فِيهِمَا فَقَطْ أَوْ وَفِي الْمَجْمُوعِ مِنْهُمَا ( وَلَا ) حَقِيقَةَ فِي التَّقْدِيرِ ( مَجَازٌ فِي الْمُسَاوَاةِ كَمَا قِيلَ ) فِي الْبَدِيعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّقْدِيرَ يَسْتَدْعِي شَيْئَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ شَائِعٌ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ .
( وَفِي الِاصْطِلَاحِ ) عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ الْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ( مُسَاوَاةُ مَحَلٍّ لِآخَرَ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ ( شَرْعِيٍّ لَا

تُدْرَكُ ) تِلْكَ الْعِلَّةُ ( مِنْ نَصِّهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ ( بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ ) فَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالشَّرْعِيِّ الْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ عَقْلِيٍّ صِرْفٍ وَالْمُسَاوَاةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُخَيَّلَةُ فِي عِلَّةِ حُكْمٍ لَهُ لُغَوِيٍّ ( فَلَا يُقَاسُ فِي اللُّغَةِ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( وَإِطْلَاقُ حُكْمِهِ ) بِأَنْ لَا يُوصَفَ بِشَرْعِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ ( يَدْخُلُهُ ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعَقْلِيِّ الصِّرْفِ فِي الْحَدِّ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ لَهُمَا كَمَا لِلشَّرْعِيِّ فَيَصِيرُ الْحَدُّ مَدْخُولًا ( وَالِاقْتِصَارُ ) فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَطِّئَةِ ( عَلَى مُسَاوَاةِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ ) أَيْ الْأَصْلِ ( يُفِيدُ طَرْدَهُ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ لِأَنَّهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ ( وَاسْمُ الْقِيَاسِ ) أَيْ إطْلَاقُهُ ( مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ( مَجَازٌ لِلُزُومِ التَّقْيِيدِ ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ ( بِالْجَلِيِّ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ( وَإِلَّا فَعَلَى ) إطْلَاقَ الْقِيَاسِ عَلَى الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَعَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى سَبِيلِ ( التَّوَاطُؤِ ) حَتَّى يَكُونَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ قِسْمًا مِنْ الْقِيَاسِ ( بَطَلَ اشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ كَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ ) فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ دَلِيلَ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَامِلٌ لِحُكْمِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُخْرِجًا لَهُ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ مِنْهُ ( وَ ) بَطَلَ ( إطْبَاقُهُمْ عَلَى تَقْسِيمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ ) لِأَنَّ الْقِيَاس لَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ ( وَلَوْ ) كَانَ لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكًا ( لَفْظِيًّا ) بَيْنَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَبَيْنَ مَفْهُومِهَا ( فَالتَّعْرِيفُ )

الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ ( لِخُصُوصِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ( وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ ( الدَّوْرَ فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْعُ تَعَقُّلِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَالْفَرْعَ هُوَ الْمَقِيسُ فَمَعْرِفَتُهُمَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا .
( وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ وَهُوَ ) أَيْ مَا صُدِّقَا عَلَيْهِ ( مَحَلٌّ ) مَنْصُوصٌ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَغَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الْفَرْعُ أَيْ الذَّاتَانِ اللَّتَانِ تَعْرِضُهُمَا الْفَرْعِيَّةُ وَالْأَصْلِيَّةُ لَا الذَّاتَانِ مَعَ الْوَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ ( خِلَافُ ) مُقْتَضَى ( اللَّفْظِ ) لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْوَصْفِ إرَادَةُ الذَّاتِ مَعَ مَا قَامَ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِرَادَةُ الذَّاتِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنَايَةً يَنْبُو عَنْهَا التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ ( وَقُلْنَا ) الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( رُكْنٌ وَيُسْتَغْنَى ) بِهَذَا الْمُرَادِ ( عَنْ الدَّفْعِ ) الْمَذْكُورِ ( الْمَنْظُورِ ) فِيهِ بِهَذَا ( ثُمَّ إنْ عُمِّمَ ) كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ وَتَعْرِيفِنَا ( فِي ) الْقِيَاسِ ( الْفَاسِدِ ) وَالصَّحِيحِ ( زِيدَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ لِتَبَادُرِ ) الْمُسَاوَاةِ ( الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ) إلَى الْفَهْمِ ( مِنْ الْمُسَاوَاةِ ) الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقَيُّدِ بَقِيَ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلَا الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ فَإِنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُطَابِقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا يُطَابِقَ ( وَعَنْهُ ) أَيْ وَعَنْ تَبَادُرِ الْمُسَاوَاةِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ ( لَزِمَ الْمُصَوِّبَةَ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يُصِيبُ ( زِيَادَتُهَا ) أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا (

لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ ( لَمَّا لَمْ تَكُنْ إلَّا ) الْمُسَاوَاةَ ( فِي نَظَرِهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( كَانَ الْإِطْلَاقُ ) لَهَا ( كَقَيْدٍ مُخْرِجٍ لِلْإِفْرَادِ يُفِيدُ ) الْإِطْلَاقُ ( التَّقْيِيدَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ وَافَقَ نَظَرَهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( أَوْ لَا ) حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ مُسَاوَاةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا بَلْ فِي نَظَرِهِ فَكَانَ قَيْدًا مُخْرِجًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا دَفْعُ مَا يَخْطُرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَإِطْلَاقُهَا مُنْصَرِفٌ إلَى إرَادَتِهَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِيضَاحِ دَفْعِهِ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ عِنْدَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ النَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الظَّفَرِ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا : كُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ صَوَابٌ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُهُ .
وَلَوْ اعْتَرَفُوا بِوُجُودِ مُسَاوَاةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَقَالُوا بِخَطَأِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ لَا أَنَّهُ صَوَابٌ مَنْسُوخٌ بِالثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي سُوِّغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ اسْتِنْبَاطُهُ الْحُكْمَ مِنْهُ فَهُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ نَظَرَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ أَوَّلًا كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ مَا يُفِيدُ مُنَاقَضَتَهُ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُونَ عَلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَمَنْ نَفَى كَوْنَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( فِعْلَ مُجْتَهِدٍ بِاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ ) فِي تَعْرِيفِهِ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ ( فَأَبْطَلَ التَّعْرِيفَ ) الْمَنْقُولَ

عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لِلْقِيَاسِ ( بِبَذْلِ الْجَهْدِ إلَخْ ) أَيْ فِي اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ بَذْلَ الْجَهْدِ ( حَالُ الْقَائِسِ مَعَ أَعَمِّيَّتِهِ ) فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ جِنْسِ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ ( ثُمَّ اخْتَارَ فِي قَصْدِ التَّعْمِيمِ ) أَيْ فِي تَعْرِيفِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ ( تَشْبِيهَ ) فَرْعٍ بِأَصْلٍ عَلَى الْمُخَطِّئَةِ وَبِزِيَادَةٍ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْمُصَوِّبَةِ ( نَاقَضَ ) نَفْسَهُ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ فِعْلَ الشَّارِعِ فَيَفْسُدُ تَعْرِيفُهُ بِمَا أَفْسَدَ بِهِ تَعْرِيفَ أُولَئِكَ ( وَدَفَعَهُ ) أَيْ هَذَا التَّنَاقُضَ ( بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِتَشْبِيهِ فَرْعٍ بِأَصْلٍ ( تَشْبِيهُ الشَّارِعِ ) وَهُوَ فِعْلُ الشَّارِعِ ( قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ شَرْعَهُ تَعَالَى ) الْحُكْمَ ( فِي كُلِّ الْمَحَالِّ ) إنَّمَا هُوَ ( ابْتِدَاءٌ ) أَيْ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ ( لَا بِنَاءٌ عَلَى التَّشْبِيهِ ) أَيْ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ فِي بَعْضِهَا ابْتِدَاءً ثُمَّ أَثْبَتَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ شِبْهِ هَذَا الْمَحَلِّ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحُكْمِ ( وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ ) التَّشْرِيعِ الدَّفْعِيِّ فِي الْجَمِيعِ ( الشَّبَهُ ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ لِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِجَمِيعِ الْحَالِ ( وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ تُفِيدُ ) كَوْنَ الْقِيَاسِ ( فِعْلُهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا ( فَمَا أَمْكَنَ رَدُّهُ ) مِنْهَا ( إلَى فِعْلِهِ ) تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَسُوغُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ ( فَهُوَ ) أَيْ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ ( مُخَلِّصٌ ) مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا لَا فَلَا ( وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ ( دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ نَظَرَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ أَوْ لَا كَالنَّصِّ ) .
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ فِعْلًا لِلْمُجْتَهِدِ وَكَوْنُ النَّصِّ كَذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ نَصَبَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّهُ

فِعْلُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ مَنَاطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ النَّاسِ لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إذَا عُرِفَ هَذَا ( فَمِنْ الثَّانِي ) أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى كَوْنِهِ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ ( تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَخْ ) أَيْ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ لَا تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ ( لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِكَوْنِهِ مُعَدِّيًا حُكْمَ أَصْلٍ إلَى فَرْعٍ بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ ( ثُمَّ فَسَّرَهَا ) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ التَّعْدِيَةَ ( بِإِثْبَاتِ حُكْمِ مِثْلِ الْأَصْلِ ) فِي الْفَرْعِ ( وَأَوْرَدَ ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ ( مَا سَنَذْكُرُهُ ) قَرِيبًا فِي حُكْمِ الْقِيَاسِ ( فَأَفَادَ أَنَّهَا ) أَيْ التَّعْدِيَةَ ( فِعْلُ مُجْتَهِدٍ وَلَيْسَتْ ) التَّعْدِيَةُ ( بِهِ ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُجْتَهِدِ ( إذْ لَا فِعْلَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ ( سِوَى النَّظَرِ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا ) فِي الْفَرْعِ ( ثُمَّ يَلْزَمُهُ ) أَيْ النَّظَرُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ إذَا أَدَّى نَظَرُهُ إلَى وُجُودِهَا فِيهِ ( ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى عَادَةً فَلَيْسَتْ التَّعْدِيَةُ سِوَاهُ ) أَيْ سِوَى ظَنِّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَظَنُّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ اصْطِلَاحًا فَإِنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ لَا الْفِعْلِ ( وَهُوَ ) أَيْ ظَنُّهُ فِي الْفَرْعِ ( ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ ) فِي نَفْسِهِ ( لَا نَفْسُ الْقِيَاسِ ) فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تُصَدَّقُ عَلَى مَا لَهُ الثَّمَرَةُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ تَعْرِيفِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ لَا الْقِيَاسُ ( قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ) وَاسْتَحْسَنَهُ

الْجُمْهُورُ ( حَمْلُ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا إلَخْ ) أَيْ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَفْيِهِمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ .
وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْقَاضِي فَهُوَ مَعْنَاهُ إذْ لَفْظُهُ فِي التَّعْرِيفِ حَمْلُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي إيجَابِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَهُمَا أَوْ إسْقَاطِهِ عَنْهُمَا بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَيْ أَمْرٍ كَانَ مِنْ إثْبَاتِ صِفَةٍ وَحُكْمٍ لَهُمَا أَوْ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُمَا انْتَهَى لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ ثَمَرَةُ الْقِيَاسِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ثَمَرَةِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ ( وَفِيهِ ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا ( زِيَادَةُ إشْعَارٍ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ) ثَابِتٌ ( بِالْقِيَاسِ ) كَحُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّ هَذَا يُنْبِئُ عَنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى كَانَ حُكْمَ الْأَصْلِ ) قَبْلَ الْقِيَاسِ هُوَ ( الظَّاهِرُ فَظَهَرَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( بِإِظْهَارٍ فِي الْقِيَاسِ الْفَرْعَ إيَّاهُ ) وَالظَّاهِرُ بِإِظْهَارِ الْقِيَاسِ فِي الْفَرْعِ إيَّاهُ أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا بَيَانُ أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَالْمَقِيسِ مَعًا إنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ لَا أَنَّ الْإِثْبَاتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ وَيُصَدَّقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا جَمِيعًا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إذْ ظَاهِرٌ أَنَّ افْتِقَارَ الْمَجْمُوعِ إلَى شَيْءٍ لَا يَقْتَضِي افْتِقَارُ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْهِ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ افْتِقَارُ أَحَدِ جُزْأَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ عِنَايَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ لَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ

لِإِفَادَةِ إخْرَاجِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَنْطُوقِ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَمْ تَظْهَرْ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ فِيهِ قَبْلَ مُلَاحَظَةِ الْقِيَاسِ بَلْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثَابِتَةً لِلْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْإِشْعَارَ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ جَامِعٍ مُتَعَلِّقًا بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ .
أَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فَلَا انْتَهَى قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الْإِشْعَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ التَّشْرِيكَ وَالتَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ قَصْدِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ وَالتَّسْوِيَةُ مِمَّا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْت لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مَجَازًا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَالْحَدُّ يُجْتَنَبُ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ لَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَمْلِ مَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ إلْحَاقُهُ بِهِ وَعَبَّرَ بِالْمَعْلُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْيَقِينِ وَالظَّنِّ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُسْتَحِيلٍ وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ لَاخْتَصَّ بِالْمَوْجُودِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْأَشَاعِرَةِ وَقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَيْ الْمَعْلُومَيْنِ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُمَا لِيَتَنَاوَلَ الْقِيَاسَ فِي الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمَحْدُودِ وَفِي الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ أَيْضًا

قَتْلٌ تَمَكَّنَ فِيهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ وَقَالَ بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ وَبِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْحَمْلِ بِلَا جَامِعٍ ثُمَّ السُّبْكِيُّ مَشَى عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا آخِرُ الْحَدِّ وَأَنَّ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ جَرَى مَجْرَى تَفْسِيرِ الْأَمْرِ الَّذِي يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَعَمُّ مِنْ الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا وَابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ الْحَدُّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ بِجَامِعٍ كَافٍ فِي التَّمْيِيزِ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ الْجَامِعِ فِي الْحَدِّ .
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَوْجَزَ أَوْلَى قُلْنَا الْأَوْلَوِيَّةُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ غَيْرُ التَّمْيِيزِ مَقْصُودٌ وَهَا هُنَا يُفِيدُ تَفْصِيلَ الْأَقْسَامِ أَيْضًا فَكَانَ أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّ الْجَامِعَ قَدْ يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِ الْقَتْلِ عُدْوَانًا أَوْ لَيْسَ بِعُدْوَانٍ وَقَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا كَكَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَإِيرَادُ الْحُكْمِ إنْ تَنَاوَلَ الصِّفَةَ كَأَنْ ذَكَرَهَا مُسْتَدْرِكًا أَوَّلًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ لَهُمَا أَوْ صِفَةٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ إلَّا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِخِلَافِ الْجَامِعِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا عَقْلِيًّا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ تَصَوُّرًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَحَقُّقَهُ فِي الْوَاقِعِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ تَعْرِيفُ

الْقِيَاسِ بِهِ دَوْرًا وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَصَوُّرَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِدُونِ تَصَوُّرِ مَاهِيَّةِ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ مُوجِبًا لِلدَّوْرِ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نَفْيَهُ حَشْوٌ وَقَوْلُهُ لِيَنْدَرِجَ الْإِلْحَاقُ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ ضَعِيفٌ ، فَإِنَّ الْإِلْحَاقَ فِي النَّفْيِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لَا فِي نَفْسِ الْعَدَمِ وَالْحُكْمُ بِالْعَدَمِ ثُبُوتِيٌّ لَا عَدَمِيٌّ كَالْحُكْمِ بِالْوُجُودِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحِلِّ وَالْعَدَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ فِي نَفْسِ الْعِبَارَةِ كَقَوْلِنَا لَا يَحْرُمُ وَمَعْنَاهُ يَحِلُّ فَإِنْ قُلْت عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَعَمُّ مِنْ الْحِلِّ .
قُلْت نَعَمْ وَلَكِنَّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الَّذِي لَا حِلَّ مَعَهُ هُوَ الْعَدَمُ الْعَقْلِيُّ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَعَدَمُ الْحُرْمَةِ الْمُسْتَنِدُ إلَى الشَّرْعِ هُوَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ انْتَهَى قَالَ الْكَرْمَانِيُّ أَوْ نَقُولُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا أَوْ سَلْبًا فَهَذَا مِمَّا لَا جَوَابَ لَهُ

( وَمِنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ مَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ تَعْرِيفُ الْمُنَازَلَةِ بِقَوْلِهِ ( تَقْدِيرُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ فَإِنَّك عَمِلْتَ أَنَّ التَّقْدِيرَ يُقَالُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فَرَجَعَ ) هَذَا ( إلَى تَسْوِيَتِهِ تَعَالَى مَحَلًّا بِآخَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ ) آنِفًا مِنْ ( أَنَّهُمَا ) أَيْ الْمَحَلَّيْنِ هُمَا ( الْمُرَادُ بِهِمَا ) أَيْ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ ( وَيَقْرَبُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى فِعْلِهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ ( قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ ) الْمَاتُرِيدِيِّ ( إبَانَةُ مِثْلِ حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ فَتَصْحِيحُهُ بِإِبَانَةِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ) أَيْ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ اخْتَارَ الْإِبَانَةَ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا ( أَنَّهُ ) أَيْ اخْتِيَارَهَا ( لِإِفَادَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتٌ بَلْ الْمُثْبِتُ هُوَ سُبْحَانَهُ ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ حَمْلُ الْإِبَانَةِ عَلَى إبَانَةِ الشَّارِعِ ثُمَّ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ تَامٍّ ( لِأَنَّ ) الْأَدِلَّةَ ( السَّمْعِيَّةَ ) مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرًا لِلْحُكْمِ لَا أَنَّهُ مُثْبِتٌ لَهُ ( كُلَّهَا كَذَلِكَ ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ مُظْهِرَةٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ لِأَنَّهَا ( إنَّمَا تُظْهِرُ الثَّابِتَ مِنْ حُكْمِهِ وَهُوَ ) الْمَعْنَى ( النَّفْسِيُّ ثُمَّ عَلَيْهِ ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنْ يُقَالَ ( إنَّ إبَانَتَهُ ) أَيْ الشَّارِعِ ( الْحُكْمَ لَيْسَ ) ذَلِكَ ( نَفْسَ الدَّلِيلِ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ ( بَلْ ) ذَلِكَ أَمْرٌ ( مُرَتَّبٌ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِيهِ ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ عَادَةً وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ نَفْسِ الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ ( وَيَجِبُ حَذْفُ " مِثْلِ " فِي مِثْلِ حُكْمٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( نُصَّ

عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ ) وَهُوَ الْأَصْلُ ( وَالْقِيَاسُ يُفِيدُ أَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْفَرْعُ ( أَيْضًا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدٌ لَهُ إضَافَتَانِ إلَى الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْأَصْلِ وَإِلَى الْفَرْعِ وَبِاعْتِبَارِهِ يُسَمَّى حُكْمَ الْفَرْعِ فَلَا يَتَعَدَّدُ فِي ذَاتِهِ بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ أَصْلًا بَلْ هُوَ وَاحِدٌ لَهُ تَعَلَّقَ بِكَثِيرِينَ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقْدُورَاتِ وَبِهِ لَا تَصِيرُ الْقُدْرَةُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً .
( وَكَذَا ) يَجِبُ حَذْفُ ( مِثْلٍ فِي بِمِثْلِ عِلَّتِهِ ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ كَمَا سَتَعْلَمُ ( وَمَبْنَى هَذَا الْوَهْمِ ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِثْلٍ فِي كِلَا هَذَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ ( حَتَّى قَالَ مُحَقِّقٌ ) وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِهِ ( لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتَ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا ) فِي الْفَرْعِ ( لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ وَبِذَلِكَ ) أَيْ وَبِالْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ ( يَحْصُلُ ظَنُّ مِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ) وَبَيَانُ وَهْمِهِمْ ( أَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخِطَابَ ( وَصْفٌ مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ قَائِمٌ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ وَاحِدٌ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا ذَكَرَ ) مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ ( إنَّمَا هُوَ فِي حَقِيقَةِ قِيَامِ الْعَرْضِ الشَّخْصِيِّ بِالْمَحَلِّ كَالْبَيَاضِ الشَّخْصِيِّ الْقَائِمِ بِالثَّوْبِ الشَّخْصِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِعَيْنِهِ بِغَيْرِهِ وَالْكَائِنُ هُنَا مُجَرَّدُ إضَافَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِوَاحِدٍ شَخْصِيٍّ وَكَذَلِكَ ) أَيْ تَعَدُّدُ الْإِضَافَاتِ لَهُ ( لَا

يَمْنَعُهُ الشَّخْصِيَّةُ فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْخَمْرِ ) هُوَ ( بِعَيْنِهِ لَهُ إضَافَةٌ أُخْرَى إلَى النَّبِيذِ وَمِثْلُهُ مِمَّا لَا يُحْصَى كَالْقُدْرَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورَاتِ لَيْسَتْ ) الْقُدْرَةُ ( قَائِمَةً بِهَا ) أَيْ بِالْمَقْدُورَاتِ ( بَلْ بِهِ تَعَالَى وَلَهَا ) أَيْ الْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ ( إلَى كُلِّ مَقْدُورٍ إضَافَةٌ يَعْتَبِرُهَا الْعَقْلُ ) وَكَمَا قَالَ الْأَشَاعِرَةُ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَجْعَلُوا نَحْوَ الْخَالِقِ صِفَةً حَقِيقِيَّةً لِأَنَّهَا إضَافَةٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْدُورِ .
( وَكَذَا الْوَصْفُ ) الْمُعَدَّى الصَّالِحُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قِيَامُ شَخْصٍ بِمَحَلَّيْنِ ( إذْ لَيْسَ ) الْوَصْفُ ( الْمَنُوطُ بِهِ ) الْحُكْمُ ( الْوَصْفَ الْجُزْئِيَّ بَلْ ) الْوَصْفُ الْمَنُوطُ بِهِ الْحُكْمُ هُوَ الْوَصْفُ ( الْكُلِّيُّ وَهُوَ ) أَيْ الْوَصْفُ الْكُلِّيُّ ( بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي ) كُلِّ ( الْمَحَالِّ ) أَصْلًا وَفَرْعًا ( فَمَنَاطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ ) مُطْلَقًا لَا إسْكَارُ الْخَمْرِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ إسْكَارَ الْخَمْرِ ( قَاصِرٌ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْخَمْرِ وَذِكْرُهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ أَوْ كَمَا هُوَ لُغَةً فِيهَا ( فَتَمْتَنِعُ التَّعْدِيَةُ ) لِامْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ الْمَنَاطِ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ لَا أَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ الْكُلِّيَّ ( الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْمَفَاسِدِ ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُ الْإِنْسَانِ مِنْهَا ( وَاشْتِمَالُهُ ) عَلَيْهِ ( لَيْسَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ إسْكَارٌ كَذَا بَلْ ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ( إسْكَارٌ ) مُطْلَقٌ ( وَهُوَ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْمَحَالِّ ) كُلِّهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ فِي الْخَارِجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ .
( وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ ) قَالَ رَحِمَهُ

اللَّهُ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ خِلَافُ كَلَامِ النَّاسِ ( وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمَيْنِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَالْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا فِي الْفَرْعِ ( ظَنٌّ ) لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ( لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا ) لِلْحُكْمِ فِيهِ ( وَ ) خُصُوصِ ( الْفَرْعِ مَانِعًا ) مِنْهُ ( وَأُورِدَ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قِيَاسُ الْعَكْسِ ) وَهُوَ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الشَّيْءِ فِي شَيْءٍ آخَرَ بِنَقِيضِ عِلَّتِهِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ ( فَإِنَّهُ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ ) لِإِثْبَاتِ مَطْلُوبَهُ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ الثَّابِتُ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَوْ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ لِيَشْتَمِل الْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكِيٍّ لِإِثْبَاتِهِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا ، بَلْ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا شَافِعِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ لِأَنَّ جَدِيدَ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ الِاعْتِكَافِ ( لَمَّا وَجَبَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ ) أَيْ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا نَذَرْت الِاعْتِكَافَ صَائِمًا ( وَجَبَ ) الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ ( بِلَا نَذْرٍ ) لِلصَّوْمِ مَعَهُ ( كَالصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ شَرْطًا لَهُ ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ ( بِالنَّذْرِ ) كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا ( لَمْ تَجِبْ ) فِي الِاعْتِكَافِ ( بِغَيْرِ نَذْرٍ وَمَضْمُونُ الشَّرْطِ فِي الْأَصْلِ الصَّلَاةُ ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ .
( وَ ) فِي ( الْفَرْعِ الصَّوْمُ ) وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ ( عِلَّةٌ لِمَضْمُونِ الْجَزَاءِ ) وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ نَذْرِهِ وَعَدَمُ

وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهَا ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَإِذَنْ أَثْبَتْنَا وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ بِعِلَّةِ وُجُوبِهِ فِيهِ بِنَذْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ قِيَاسًا عَلَى إثْبَاتِنَا عَدَمَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِهَا بِعِلَّةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ بِنَذْرِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُثْبِتٌ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِنَقِيضِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( أُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ ) أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْقِيَاسِ عَلَى هَذَا ( مَجَازٌ وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ مَجَازًا ( لَزِمَ تَقْيِيدُهُ ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ إذَا أُرِيدَ بِهِ ( أَوْ ) الِاسْمِ فِيهِ ( حَقِيقَةً ) وَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بَلْ نَقُولُ ( وَالْمُسَاوَاةُ ) فِيهِ ( حَاصِلَةٌ ضِمْنًا ) وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرِ الصَّوْمِ لَهُ ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ ( بِنَذْرِهِ ) أَيْ الصَّوْمِ لَهُ ( فِي حُكْمٍ هُوَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ بِمَعْنَى لَا فَارِقَ ) أَيْ إِمَّا بِطَرِيقِ إلْغَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ وَهُوَ النَّذْرُ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فَتَبْقَى الْعِلَّةُ الِاعْتِكَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ قَدْ اقْتَضَى وُجُوبَ الصَّوْمِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي فِيهَا نَذْرُهُ فَكَذَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَذْرُهُ وَهَذَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ بِالسَّبْرِ عِنْدَ قَائِلِهِ ) بِالْمُوَحَّدَةِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( أَيْ هِيَ ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ فِي صُورَةِ نَذْرِهِ مَعَهُ .
( أَمَّا الِاعْتِكَافُ أَوْ هُوَ ) أَيْ الِاعْتِكَافُ ( بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُجَرَّدِ عَنْ نَذْرِ الصَّوْمِ مَعَهُ وَالِاعْتِكَافُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ

( وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمُ غَيْرِهِمَا ( وَالنَّذْرُ مَلْغِيٌّ ) حَالَ كَوْنِهِ ( فَارِقًا ) بَيْنَ الِاعْتِكَافَيْنِ ( أَوْ وَصْفًا لِلسَّبْرِ ) أَيْ لِأَحَدِ أَقْسَامِهِ ( بِالصَّلَاةِ ) أَيْ بِنَذْرِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهِ ( فَهِيَ ) أَيْ عِلَّةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُقْتَرِنِ بِنَذْرِهِ إنَّمَا هِيَ ( الِاعْتِكَافُ ) فَقَطْ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ بِنَذْرِ الصَّوْمِ أَصْلٌ وَبِغَيْرِ نَذْرِهِ فَرْعٌ ، وَاشْتِرَاطَ الصَّوْمِ فِيهِمَا حُكْمٌ وَالِاعْتِكَافَ عِلَّةٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُذْكَرْ لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا بَلْ لِبَيَانِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْفَارِقِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ كَوْنُهَا مُقْتَرِنَةً بِالنَّذْرِ أَوْ أَحَدِ أَوْصَافِ السَّبْرِ فَلَا تَجِبُ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ لَهَا فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ إذْ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ نَذْرِ الصَّوْمِ مُسَاوٍ لِلِاعْتِكَافِ بِنَذْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِيهِمَا وَفِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الِاعْتِكَافُ الْمُطْلَقُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا ، ثَانِيهمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَوْ الصَّوْمِ ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الِاعْتِكَافِ أَيْ أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاةُ الصَّوْمِ ( مَعَ نَذْرِهِ ) فِي الِاعْتِكَافِ ( بِالصَّلَاةِ بِالنَّذْرِ ) أَيْ مَعَ نَذْرِهَا فِيهِ ( فِي حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ إيجَابِ النَّذْرِ ) لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ أَيْ كَمَا أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِهَا فِيهِ فَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِلنَّذْرِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِيهِ فَالْأَصْلُ الصَّلَاةُ بِالنَّذْرِ وَالْفَرْعُ الصِّيَامُ بِهِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا عِبَادَتَيْنِ وَالْحُكْمُ فِي التَّحْقِيقِ عَدَمُ تَأْثِيرِ النَّذْرِ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَقْصُودُ إضَافَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ إلَى نَفْسِ الِاعْتِكَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ قِيَاسُ الْعَكْسِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ( مَلْزُومُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ ) أَيْ الْمَطْلُوبُ ( أَنَّ وُجُوبَهُ ) أَيْ الصَّوْمِ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ

النَّذْرِ وَهُوَ الِاعْتِكَافُ ( وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ ) أَيْ قِيَاسِ الْعَكْسِ ( مُلَازَمَةً ) شَرْعِيَّةً ( وَقِيَاسًا ) لِبَيَانِهَا كَمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ فَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هَكَذَا ( وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الصَّوْمَ لِلِاعْتِكَافِ ) بِلَا نَذْرٍ ( لَمْ يُشْتَرَطْ ) الصَّوْمُ لَهُ ( بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ ) لِلِاعْتِكَافِ بِلَا نَذْرٍ ( فَلَمْ تُشْرَطْ ) لِلِاعْتِكَافِ ( بِهِ ) أَيْ بِالنَّذْرِ .
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْجَهَ ( لِعُمُومِهِ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ لِهَذَا وَلِغَيْرِهِ أَعْنِي ( قَوْلَ شَافِعِيٌّ فِي تَزْوِيجِهَا ) أَيْ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ ( نَفْسَهَا يَثْبُتُ الِاعْتِرَاضُ ) لِلْأَوْلِيَاءِ ( عَلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ ) تَزْوِيجُ نَفْسِهِ ( لَمْ يَثْبُتْ ) الِاعْتِرَاضُ لَهُمْ ( عَلَيْهِ فَمَضْمُونُ الْجَزَاءِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الرَّجُلُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ الْحُكْمِ حَالَ كَوْنِهِ مَضْمُونَ الشَّرْطِ ( قَلَبَ الْأَصْلِ ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الرَّجُلِ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَذْكُورًا فِي نُسَخِ شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَانَ غَيْرَ مُتَّجَهٍ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مُلَازَمَةٌ وَقِيَاسٌ لِبَيَانِهَا نَبَّهَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِهِ ( وَالْوَجْهُ قَلْبُهُ ) أَيْ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ ( وَالْمُسَاوَاةُ ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ حَاصِلَةُ ( فِي هَذَا ) الْقَلْبِ ( عَلَى تَقْدِيرِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ فِي الْمِثَالِ لَوْ صَحَّ ) مِنْهَا ( لَمَا ثَبَتَ الِاعْتِرَاضُ ) عَلَيْهَا كَالرَّجُلِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ صَحَّ مِنْهُ ( فَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ تَسَاوَى بِهِ الرَّجُلُ عَلَى التَّقْدِيرِ ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا ( وَالْمُسَاوَاةُ فِي التَّعْرِيفِ وَإِنْ تَبَادَرَ مِنْهُ ) أَيْ فِي إطْلَاقِهَا ( مَا فِي نَفْسِ

الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ) آنِفًا ( هِيَ أَعَمُّ مِمَّا ) أَنْ يَكُونَ ( عَلَى التَّقْدِيرِ ) أَوْ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْأَبْهَرِيَّ دَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ " لَمَّا " تَدُلُّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعَ وُقُوعِ الْمَلْزُومِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى كَوْنِ الْمَلْزُومِ عِلَّةً لِلَّازِمِ بَلْ الْمَلْزُومُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلَّازِمِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لَهُ وَأَنْ يَكُونَا مَعْلُولَيْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَضَايِفَيْنِ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْقِيَاسِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً يُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ وَيُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى حُكْمِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَلْزَمُ بِمَا صَحَّحَهُ ثُبُوتُ الْمُلَازَمَةِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهَا مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهَا عَلَامَاتٍ أَوْ بَوَاعِثَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ قُلْت فَمَا جَوَابُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ .
قُلْت هُوَ أَنْ يُقَالَ إنْ عَنَيْت أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسِهَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَهُوَ الْمُفِيدُ لَهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ عَلَيْهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ ذَاكَ لِحَقِّ الْوَلِيِّ فِي إلْزَامِهَا إيَّاهُ بِنِسْبَةِ غَيْرِ كُفْءٍ إلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ لَيْسَ لَهُ اعْتِرَاضٌ عَلَيْهَا ( الثَّانِي ) مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمُورَدَيْنِ عَلَى عَكْسِ التَّعْرِيفِ ( قِيَاسُ الدَّلَالَةِ ) وَهُوَ ( مَا ) أَيْ الْقِيَاسُ الَّذِي ( لَمْ تُذْكَرْ ) الْعِلَّةُ ( فِيهِ بَلْ ) ذُكِرَ فِيهِ ( مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ) مِنْ وَصْفٍ مُلَازِمٍ لَهَا ( كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي الْمَسْرُوقِ يَجِبُ ) عَلَى السَّارِقِ ( رَدُّهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( قَائِمًا ) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ ( فَيَجِبُ ضَمَانُهُ ) عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (

هَالِكًا ) وَإِنْ قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ أَيْضًا ( كَالْمَغْصُوبِ ) فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ وُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ عِلَّةَ الضَّمَانِ بَلْ هِيَ الْيَدُ الْعَادِيَةُ وَفِي الْحَقِيقَةِ قَصَدَ الشَّارِعُ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَهُمَا أَعْنِي وُجُوبَ الرَّدِّ فِي الْمَسْرُوقِ وَوُجُوبَهُ فِي الْمَغْصُوبِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّافِعِيَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ وَالْمَالِكِيَّ لَا يَقُولَانِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِ ( وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاسْمَ فِيهِ ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ ( مَجَازٌ لِاسْتِلْزَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ ) أَيْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ ( الْعِلَّةَ ) فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا وَالْقِيَاسُ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِيَاسُ حَقِيقَةً وَعَلَى هَذَا الْجَوَابُ عَوَّلَ أَبُو الْحُسَيْنِ ( وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ ( إلَى مُسَمَّاهُ ) أَيْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ ( يَتَضَمَّنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا ) لِاسْتِلْزَامِ الْجَامِعِ لَهَا ، فَإِذَنْ قِيَاسُ الدَّلَالَةِ دَاخِلٌ فِي قِيَاسِ الْعِلَّةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا فَلَا يَضُرُّ انْطِبَاقُ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ ( فَقِيَاسُ النَّبِيذِ ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ ( عَلَى الْخَمْرِ ) فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهَا ( بِرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ ) فِيهِمَا ( يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْإِسْكَارِ ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعِلَّةُ مُتَضَمِّنَةً ( غَيْرَ الْمَذْكُورِ ) .

( وَأَرْكَانُهُ ) أَيْ أَجْزَاءُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ حَقِيقَتُهُ إلَّا بِحُصُولِهَا ( لِلْجُمْهُورِ ) أَرْبَعَةٌ الْوَصْفُ ( الْجَامِعُ ) هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ ( وَالْأَصْلُ ) وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَهُوَ إمَّا ( مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ ) كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ ( أَوْ حُكْمُهُ ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ ( أَوْ دَلِيلُهُ ) أَيْ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ ( وَمَبْنَاهُ ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا اصْطِلَاحًا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ ( عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ ) وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَالْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ عَلَى دَلِيلِهِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَعَلَى مَحَلِّهِ فَالْكُلُّ مِمَّا يَبْتَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ إمَّا ابْتِدَاءً كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَابْتِنَائِهِ عَلَى الْمَأْخَذِ وَالْمَحَلِّ إذْ أَصْلُ الْأَصْلِ أَصْلٌ فَلَا بُعْدَ فِي تَسْمِيَةِ أَحَدِ هَذِهِ بِالْأَصْلِ .
أَمَّا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ لَا فَيَخْتَصُّ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ بِهِ بِكَوْنِهِ أَصْلًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحُكْمِ وَعَنْ دَلِيلِهِ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِهِ بِدُونِهِمَا وَافْتِقَارِهِمَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِدُونِ الْفِعْلِ الْمَوْصُوفِ بِهِ وَالْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُهُ بِدُونِ مَحَلِّهِ وَالدَّلِيلُ أَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُثْبِتَ الْحُكْمَ بِدُونِ الْمَحَلِّ وَمِنْ هُنَا قِيلَ كَوْنُ الْأَصْلِ الْمَحَلَّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَتَمَّ فِي مَعْنَى الْأَصَالَةِ مِنْهَا لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مَا مَعْنَاهُ ( الْجَامِعُ فَرْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَصْلُ حُكْمِ

الْفَرْعِ ) إذْ لَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ فَرْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ لِأَنَّ الْأَصَالَةَ وَالْفَرْعِيَّةَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ يُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ يُعْلَمُ بِثُبُوتِهِ فِيهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ اسْتِنْبَاطَ الْجَامِعِ مِنْ الْحُكْمِ ( يَخُصُّ ) الْعِلَلَ ( الْمُسْتَنْبَطَةَ ) لَا الْمَنْصُوصَةَ وَهِيَ قَدْ تَكُونُ مَنْصُوصَةً فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مُشِيرًا إلَى هَذَا وَهَذَا الصَّحِيحُ انْتَهَى لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقِيقَةَ الِابْتِنَاءِ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ وَمُلَاحَظَةِ وَاسِطَةٍ .
( وَحُكْمُ الْأَصْلِ ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ ( وَالْفَرْعُ ) وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ ( الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ( أَوْ حُكْمُهُ ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُشَبَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيِّ قِيلَ وَكَوْنُ الْفَرْعِ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ وَالْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ لَا مَحَلُّهُ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَمَّا سَمُّوا الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ سَمَّى الْمَحَلَّ الْمُشَبَّهَ فَرْعًا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ أَوْ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ دَلِيلُ الْفَرْعِ وَكَيْفَ وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ وَالْقِيَاسُ لَيْسَ فَرْعًا لِدَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ ( وَظَاهِرُ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنُهُ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ ( وَجُعِلَ الْفَرْعُ نَظِيرًا لَهُ فِي حُكْمِهِ بِوُجُودِهِ فِيهِ أَنَّهُ ) أَيْ

رُكْنَ الْقِيَاسِ ( الْعِلَّةُ الثَّابِتَةُ فِي الْمَحَلَّيْنِ ) الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا جُعِلَ عِلْمًا أَيْ عَلَامَةً عَلَيْهِ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَوَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ : رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ حُكْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ بَيْنِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا اسْمُ النَّصِّ وَيَكُونُ الْفَرْعُ بِهِ نَظِيرًا لِلْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِاعْتِبَارِهِ فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْوَصْفِ .
انْتَهَى وَأَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ أَيْضًا فَقَالَ رُكْنُ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ الصَّالِحُ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي النَّصِّ وَسَاقَهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا بِسَمَرْقَنْدَ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ الرُّكْنُ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ عَلَى أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ هُوَ الْوَصْفُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ الْأَوْلَى نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ عِلْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْعِلَلُ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ لَا مُوجِبَاتٌ ثُمَّ الْحُكْمُ إنْ كَانَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مُضَافًا إلَى النَّصِّ وَفِي الْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ كَمَا عَلَيْهِ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَأَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى وُجُودِ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ وَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ عِلْمًا عَلَى ثُبُوتِ النَّصِّ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ

يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنِيُّ الَّذِي جُعِلَ عِلْمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا النَّصُّ إمَّا بِصِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ أَوْ بِغَيْرِ صِيغَتِهِ كَاشْتِمَالِ نَصِّ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيَّ لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ النَّصِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِهِ صِيغَةً أَوْ ضَرُورَةً وَالضَّمِيرُ فِي " لَهُ " وَ " حُكْمُهُ " لِلنَّصِّ وَفِي بِوُجُودِهِ لِمَا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي فِيهِ لِلْفَرْعِ أَيْ جَعَلَ الْفَرْعَ مُمَاثِلًا لِلْمَنْصُوصِ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ بِسَبَبِ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنِيِّ فِي الْفَرْعِ .
وَقِيلَ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ ( وَالْمُرَادُ ) بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ ( ثُبُوتُهَا ) فِيهِمَا ( وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُهَا فِيهِمَا ( الْمُسَاوَاةُ الْجُزْئِيَّةُ ) بَيْنَهُمَا فِيهَا ( لَا ) الْمُسَاوَاةُ ( الْكُلِّيَّةُ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ الْكُلِّيَّةُ ( مَفْهُومُ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الْمَحْدُودِ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ ( وَالرُّكْنُ جُزْؤُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( فِي الْوُجُودِ وَقَدْ يُخَالُ ) أَيْ يُظَنُّ أَنَّ قَوْلَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَجْهُ ( لِظُهُورِ أَنَّ الطَّرَفَيْنِ شَرْطُ النِّسْبَةِ كَالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُنَا لَا أَرْكَانُهَا ) أَيْ النِّسْبَةِ ( فَهُمَا ) أَيْ الطَّرَفَانِ ( خَارِجَانِ عَنْ ذَاتِ النِّسْبَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ خَارِجًا وَالرُّكْنِيَّةُ ) إنَّمَا تَثْبُتُ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ ( بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ) أَيْ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُتَوَقِّفِ جُزْءَ الْمُتَوَقِّفِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا عَدَا الْوَصْفَ الْجَامِعَ ( ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَمْثِيلُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( مَحَلُّ الْحُكْمِ ) يَعْنِي ( الْأَصْلَ بِنَحْوِ الْبُرِّ وَالْخَمْرِ ) فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ وَالنَّبِيذِ عَلَيْهِمَا فِي حُكْمِهِمَا ( تَسَاهُلًا تُعُورِفَ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي التَّحْقِيقِ ) مَحَلُّ الْحُكْمِ الْأَصْلُ ( إلَّا فِعْلُ الْمُكَلَّفِ ) كَمَا

يُذْكَرُ ( لَا الْأَعْيَانُ ) الْمَذْكُورَةُ ( فَفِي نَحْوِ النَّبِيذِ الْخَاصِّ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( مُحَرَّمٌ كَالْخَمْرِ الْأَصْلُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَالْفَرْعُ شُرْبُ النَّبِيذِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ ) وَفِي الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا حَرَامٌ كَالْبُرِّ الْأَصْلُ بَيْعُ الْبُرِّ بِبُرٍّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَالْفَرْعُ بَيْعُ الذُّرَةِ بِذُرَةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ ( وَحُكْمُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ ( ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا ) لَا مِثْلُهُ كَمَا سَلَفَ تَحْقِيقُهُ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْعِلْمَيْنِ ظَنٌّ لِجَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَالْفَرْعِ مَانِعًا ( وَهُوَ ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ ( مَعْنَى التَّعْدِيَةِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْحَمْلِ ) الْمَذْكُورِ فِي تَعَارِيفِ الْقِيَاسِ ( فَتَسْمِيَتُهُ ) أَيْ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ ( تَعْدِيَةً اصْطِلَاحٌ فَلَا يُبَالَى بِإِشْعَارِهِ ) أَيْ لَفْظِ التَّعْدِيَةِ ( لُغَةً بِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الْحُكْمُ ( مِنْ الْأَصْلِ ) كَمَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ التَّعْدِيَةَ .
وَهَذَا مَا وَعَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ وَأَوْرَدَ مَا سَيُذْكَرُ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا أَجَابَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ مِنْ قَوْلِهِ ( بَلْ يُشْعِرُ ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ ( بِبَقَائِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْأَصْلِ ( كَقَوْلِنَا لِلْفِعْلِ مُتَعَدٍّ إلَى الْمَفْعُولِ مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( ثَابِتٌ فِي الْفَاعِلِ ) أَيْضًا ( إثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ ) وَهَذَا خَبَرُ مَا قِيلَ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ بَقَاءُ الْمُتَعَدِّي فِي الْمُتَعَدِّي مِنْهُ ( مِمَّا لَا يُشْعِرُ بِهِ ) لَفْظُ التَّعْدِيَةِ ( بَلْ ) إنَّمَا يُشْعِرُ ( بِانْتِقَالِهِ ) أَيْ الْمُتَعَدَّى مِنْهُ ( إذْ تَعَدِّي الشَّيْءِ إلَى آخَرَ انْتِقَالُهُ ) أَيْ الشَّيْءِ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( بِرُمَّتِهِ ) أَيْ جُمْلَتِهِ ( لَوْلَا الِاصْطِلَاحُ

) لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لُغَةً هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الشَّيْءِ بِمَعْنَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ مِنْ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ لَهُ ( وَتَقْسِيمُ الْمَحْصُولِ الْقِيَاسَ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ لَا يُخَالِفُهُ ) أَيْ قَوْلَنَا ، حُكْمُ الْقِيَاسِ ظَنُّ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ ( إذْ قَطْعِيَّتُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( بِقَطْعِيَّةِ الْعِلَّةِ وَ ) بِقَطْعِ ( وُجُودِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي الْفَرْعِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) كَوْنُ الْقِيَاسِ قَطْعِيًّا ( قَطْعِيَّةَ حُكْمِهِ ) أَيْ الْفَرْعِ ( لِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ جَوَازِ كَوْنِ خُصُوصِ الْأَصْلِ شَرْطًا وَخُصُوصِ الْفَرْعِ مَانِعًا بَلْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا وَحُكْمُهُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ظَنِّيًّا وَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّا قَطَعْنَا بِإِلْحَاقِ فَرْعٍ لِأَصْلٍ فِي حُكْمِهِ الْمَظْنُونِ ( غَيْرَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ ) أَيْ الْمَحْصُولَ لِهَذَا ( بِمَا هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ أَعْنِي الْفَحْوَى ) أَيْ فَحْوَى الْخِطَابِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ قَطْعِيٌّ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْأَذَى وَنَعْلَمُ وُجُودَهَا فِي الضَّرْبِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا ظَنِّيٌّ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ عِنْدَهُ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ ( مُنَاقَضَةً ) لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ هُوَ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ بِمَلْفُوظٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ فِي الشُّرُوطِ مِنْهَا لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( مَعْدُولًا ) بِهِ وَحَذَفَهُ مَعَ أَنَّ الْعُدُولَ وَهُوَ الْمَيْلُ عَنْ الطَّرِيقِ لَازِمٌ فَلَا يُبْنَى مِنْهُ الْمَجْهُولُ وَالْمَفْعُولُ إلَّا بِالْبَاءِ مُسَامَحَةً لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَائِلًا أَوْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْعَدْلِ وَهُوَ الضَّرْبُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَذْفِهِ أَيْ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ مَصْرُوفًا ( عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ ) أَيْ طَرِيقَةً لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَادِلًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ عِلَّةً لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَصْلِ وَمَتَى كَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَانَ الْقِيَاسُ رَدًّا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَدَفْعًا لَهُ فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشَّيْءِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهِ وَحُكْمُ الْأَصْلِ الْجَارِي عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ ( أَنْ يَعْقِلَ مَعْنَاهُ ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ ( وَيُوجَدُ ) مَعْنَاهُ ( فِي آخَرَ فَمَا لَمْ يُعْقَلْ ) مَعْنَاهُ ( كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ ) فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ ( وَالْأَطْوِفَةِ ) أَيْ وَكَأَعْدَادِ الْأَشْوَاطِ وَهِيَ سَبْعَةٌ فِي أَصْنَافِ الْأَطْوِفَةِ الْمَشْرُوعَاتِ ( وَمَقَادِيرُ الزَّكَاةِ ) مِنْ رُبْعِ الْعُشْرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّاتِ ( وَبَعْضُ مَا خُصَّ بِحُكْمِهِ ) أَيْ مَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِهِ ( كَالْأَعْرَابِيِّ بِإِطْعَامِ كَفَّارَتِهِ أَهْلَهُ ) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلَكْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَك قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ لَا

قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك } رَوَاهُ السِّتَّةُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد { كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ } .
لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْعُسْرَةِ الْمُقَارِنَةِ لِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَنَّ تَنَاوُلَهُ وَعِيَالِهِ مِنْ التَّمْرِ الْمَذْكُورِ كَانَ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ السِّيَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَطْعِمْ هَذَا عَنْك وَابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَزَّارِ { فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِك } وَالثَّانِي احْتِمَالٌ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلِ انْطَلِقْ فَكُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُك فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْك } لَوْلَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَسْنَدَ أَبُو دَاوُد الْجَزْمَ بِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ زَادَ الزُّهْرِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَالْأَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ

لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِهَذَا لَمْ يَقْبِضْهُ بَلْ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَذِنَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ مِنْهُ وَإِطْعَامِهِ أَهْلَهُ فَكَانَ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِهِ وَكَانَ أَخْذُهُ لَهُ أَخْذًا بِصِفَةِ الْفَقْرِ الْمَشْرُوحَةِ لَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مَشْرُوطًا بِصِفَةٍ هِيَ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ فَيَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطٍ وَلَا أَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ وَلَا أَكْلَ الْمَرْءِ وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ .
وَعَلَى هَذَا مَشَى الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ سَلْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَّاضِي وَاسْتَنَدَا فِي ذَلِكَ إلَى مَا نَاقَشَهُمَا فِيهِ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ ( أَوْ عَقَلَ ) مَعْنَاهُ ( وَلَمْ يَتَعَدَّ ) حُكْمَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى ( كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ نَصَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا ) فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى فَرَسًا مِنْ سَوَاءِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِي فَجَحَدَهُ فَشَهِدَهُ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَنَا فَقَالَ صَدَقْتُك بِمَا جِئْت بِهِ وَعَلِمْت أَنَّك لَا تَقُولُ إلَّا حَقًّا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَحَسْبُهُ } وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ وَجَدْتهمَا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ( وَلَيْسَ ) النَّصُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ

بِشَهَادَتِهِ ( مُفِيدَ الِاخْتِصَاصِ ) أَيْ اخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ ( بَلْ ) مُفِيدُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا ( الْمَجْمُوعُ مِنْهُ ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ ( وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ ) أَيْ النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ دَلِيلُ مَنْعِ تَعْلِيلِهِ ( تَكْرِيمُهُ ) أَيْ خُزَيْمَةَ ( لِاخْتِصَاصِهِ ) أَيْ خُزَيْمَةَ ( بِفَهْمِ حِلِّ الشَّهَادَةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) عَنْ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْحَاضِرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ فِي إفَادَةِ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَالشَّرْعُ قَدْ جَعَلَ التَّسَامُعَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ فَقَوْلُ الرَّسُولِ بِذَلِكَ أَوْلَى ( فَلَا يَبْطُلُ ) اخْتِصَاصُهُ ( بِالتَّعْلِيلِ ) أَيْ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُهُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ هَذَا فِي شَهَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُبْطِلُهُ ( فَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) إنَّ اللَّهَ شَرَطَ الْعَدَدَ فِي عَامَّةِ الشَّهَادَاتِ وَثَبَتَ بِالنَّصِّ قَبُولُ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ ( ثَبَتَ كَرَامَةً ) لَهُ ( فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ ) وَلَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ( فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ كَرَامَةً حَتَّى يَمْتَنِعَ بَلْ يُعَدِّيهَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ كَرَامَةً خُصَّ بِهَا فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ وَدَلِيلُ اخْتِصَاصِهِ بِهَا كَوْنُهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ .
( وَالنِّسْبَةُ ) أَيْ نِسْبَةُ الِاخْتِصَاصِ ( إلَى الْمَجْمُوعِ ) مِنْ دَلِيلِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَهُوَ النَّصُّ السَّابِقُ وَمِنْ دَلِيلِ مَنْعِ التَّعْلِيلِ فَلْيُلْحَقْ غَيْرُهُ بِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاخْتِصَاصَ ( بِالْإِثْبَاتِ ) أَيْ إثْبَاتُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَتِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ إثْبَاتُهُ وَالْمُرَادُ دَلِيلُ إثْبَاتِهِ ( نُصَّ الِاكْتِفَاءُ بِهِ )

شَاهِدًا ( وَالنَّفْيِ ) أَيْ وَبِنَفْيِ الِاكْتِفَاءِ ( عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ ) أَيْ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِ ( بِمَانِعِ الْإِلْحَاقِ ) لِغَيْرِهِ بِهِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَهْمِ الْمَذْكُورِ ( فَمُجَرَّدُ خُرُوجِهِ ) أَيْ هَذَا الْحُكْمِ الْمَخْصُوصِ بِهِ خُزَيْمَةُ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ ( عَنْ قَاعِدَةٍ ) عَامَّةٍ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي جَمِيعِ الشَّهَادَاتِ الْمُطْلَقَةِ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ اخْتِصَاصَهُ بِهِ ( كَمَا ظَنَّ ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَاهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يُوجِبُهُ ( لِجَوَازِ الْإِلْحَاقِ بِالْمُخَصَّصِ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ ( بِجَوَازِ تَعْلِيلِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ ) وَشُمُولِهِ لِغَيْرِ الْمُخَصَّصِ أَيْضًا .
( وَمِثْلُهُ ) أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ ( قَصْرُ الْمُسَافِرِ ) السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ الرَّبَاعِيَةَ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ ( امْتَنَعَ تَعْلِيلُهُ ) أَيْ قَصْرِهَا ( بِمَا يُعَدِّيه ) أَيْ قَصْرَهَا إلَى غَيْرِ الْمُسَافِرِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةُ لِلْقَصْرِ ( فِي الْحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةُ ) لِأَنَّهَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ لِلرُّخْصَةِ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِنْ الرُّخَصِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسَافِرِ ( وَامْتَنَعَ اعْتِبَارُهَا ) أَيْ الْمَشَقَّةِ نَفْسِهَا ( لِتَفَاوُتِهَا وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا ( تُعْتَبَرُ مَنَاطًا ) لِلْقَصْرِ ( فَتَعَيَّنَتْ ) الْعِلَّةُ لِذَلِكَ ( مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَجُعِلَتْ ) الْعِلَّةُ ( السَّفَرَ ) لِكَوْنِهِ مَظِنَّتَهَا ( فَامْتَنَعَ ) قَصْرُهَا ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ السَّفَرِ ( وَالسَّلَمِ ) أَيْ وَمِثْلُ الِاكْتِفَاءِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ فِي كَوْنِهِ عَقَلَ وَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ ( بِيعَ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ ) أَيْ بِيعَ آجِلٌ بِعَاجِلٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ شُرِعَ ( لِمَصْلَحَةِ الْمَفَالِيسِ ) وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ ( يَنْتَفِعُونَ بِالثَّمَنِ

عَاجِلًا وَيُحَصِّلُونَ الْبَدَلَ آجِلًا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ الْآثَارُ ) إذَا لِجَوَازِ مُخْتَصٍّ بِالسَّلَمِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ مَا لَيْسَ فِي الْمِلْكِ إذْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ ذَا وِلَايَةٍ لَهُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَالَ الْعَقْدِ حِسًّا وَشَرْعًا ، حَتَّى لَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ الْآبِقَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ الْخَمْرَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الثَّانِي حِسًّا وَشَرْعًا وَشَرْعًا فِي الْأَخِيرِ .
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ ثَابِتَةٌ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ جُمْلَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ وَمَالَهُ وِلَايَةٌ عَلَى بَيْعِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ يَجُوزُ { وَلِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ } كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِقَوْلِهِ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا } كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { وَإِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا } كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
لَكِنَّهُ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ كَمَا يُعْلَمُ قَرِيبًا ( غَيْرَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ حَالًا فَلَمَّا كَانَ حَاصِلُهُ ) أَيْ السَّلَمِ ( تَخْصِيصًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ) لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ

عِنْدَ الْإِنْسَانِ ( عَلَّلَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيُّ ( بِدَفْعِ الْحَرَجِ بِإِحْضَارِ السِّلْعَةِ مَحَلَّ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ) أَيْ نَحْوِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ يُعَلِّلُ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْحَالَ كَالْمُؤَجَّلِ فَيَجُوزُ الْحَالُ كَالْمُؤَجَّلِ ( وَوَقَعَ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَاقِعٌ ( فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الْقَائِلِ { مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } ) رَوَاهُ السِّتَّةُ فَقَدْ ( أَوْجَبَ فِيهِ ) أَيْ فِي السَّلَمِ ( الْأَجَلَ فَالتَّعْلِيلُ لِتَجْوِيزِهِ ) أَيْ الْحَالِ ( مُبْطِلٌ لَهُ ) أَيْ النَّصِّ الْمُوجِبِ لَهُ وَالتَّعْلِيلُ الْمُبْطِلُ لِلنَّصِّ بَاطِلٌ فَقَالُوا هُمْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ حَالًا ( وَمِنْهُ ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ( عَلَى ظَنِّ الشَّافِعِيَّةِ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَالِصَةٍ لَك فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( غَيْرُهُ ) فِي انْعِقَادِ نِكَاحِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْخُصُوصِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُ كَرَامَةً .
( وَالْحَنَفِيَّةُ ) عَلَى انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيَقُولُونَ قَوْله تَعَالَى { خَالِصَةً } ( يَرْجِعُ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ وَمَنْ تَأَمَّلَ { أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ } { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا } لَك حَتَّى فُهِمَ الطِّبَاقُ ) بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ ( فُهِمَ أَحْلَلْنَا لَك بِمَهْرٍ وَبِلَا مَهْرٍ ) فَكَانَ الْحَاصِلُ أَحْلَلْنَا لَك الْأَزْوَاجَ الْمُؤْتَى مُهُورُهُنَّ وَاَلَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَك فَلَمْ تَأْخُذْ مَهْرًا خَالِصَةً هَذِهِ الْخَصْلَةُ لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا هُمْ فَقَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ مِنْ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ ( وَتَعْلِيلُ الِاخْتِصَاصِ بِنَفْيِ الْحَرَجِ يُنَادِي بِهِ ) أَيْ بِرُجُوعِهِ إلَى نَفْيِ الْمَهْرِ أَيْضًا ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْحَرَجُ ( فِي لُزُومِ

الْمَالِ لَا فِي تَرْكِ لَفْظٍ إلَى آخَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَقْدَرِ الْخَلْقِ عَلَى التَّعْبِيرِ ) عَنْ مُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ .
( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِنْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ( مَا عَقَلَ ) مَعْنَاهُ ( عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَبَقَاءِ صَوْمِ ) الصَّائِمِ ( النَّاسِي ) أَوْ الْآكِلِ أَوْ الشَّارِبِ فِي النَّهَارِ نِسْيَانًا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ النَّصِّ ( مَعَ عَدَمِ الرُّكْنِ ) وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ أَوْ بَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ ( مَعْدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى عَدَمِ الرُّكْنِ ) لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ رُكْنِ الصَّوْمِ عَدَمُ بَقَاءِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ عَدَمِ رُكْنِهِ وَوُجُودِ مَا يُضَادُّهُ فِي مَحَلِّهِ سَوَاءً وُجِدَ الْمُضَادُّ نَاسِيًا أَوْ عَامِدً لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَعْدِمُ الْفِعْلَ الْمَوْجُودَ وَلَا يُوجِدُ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَامِدًا فَثَبَتَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي إعْدَامِ الْمَوْجُودِ .
( فَإِنْ قِيلَ لَمَّا عَلَّلَ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ ) فِي الْمَوَاقِعِ نَاسِيًا ( لَزِمَ مُجِيزِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلَهُ ) أَيْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ ( لِإِلْحَاقِ ) الصَّائِمِ ( الْمُخْطِئِ ) أَيْ الْمُفْطِرِ خَطَأً كَأَنْ تَمَضْمَضَ فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ ( وَالْمُكْرَهِ ) عَلَى الْإِفْطَارِ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ ( وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ ) مَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ ( بِعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ ) عَلَى صَوْمِهِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمْ ( كَالشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( اتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِإِلْحَاقِهِمْ بِالنَّاسِي ( فَالْجَوَابُ أَنَّ ظَنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ لِلنَّاسِي ثَابِتٌ ( بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ هِيَ قَطْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ )

الْمُفْطِرِ ( عَنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْمُذَكِّرِ ) لَهُ بِالصَّوْمِ إذْ لَا هَيْئَةَ لَهُ مُخَالِفَةً لِلْهَيْئَةِ الْعَادِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِ بِنِسْبَةِ ذَاكَ ( إلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ { تِمِّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك } ) هَذَا لَفْظُ الْهِدَايَةِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك } زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ { وَلَا قَضَاءَ عَلَيْك } ( لِأَنَّهُ ) أَيْ قَطْعَ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ ( فَائِدَتُهُ ) أَيْ قَوْلُهُ تِمَّ عَلَى صَوْمِك إلَخْ ( وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ الْمُطْعِمُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ طَعِمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا .
وَكَيْفَ لَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ } ( وَقَطْعُهُ ) أَيْ وَقَطْعُ الشَّارِعِ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ ( مَعَهُ ) أَيْ النِّسْيَانِ ( وَهُوَ ) أَيْ النِّسْيَانُ ( جِبِلِّيٌّ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِلَا مُذَكِّرٍ ) وَهُوَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ غَالِبُ الْوُجُودِ وَخَبَرُ قَطْعِهِ ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكَلَّفِ ( فِيمَا هُوَ دُونَهُ ) أَيْ النِّسْيَانِ ( مَعَ مُذَكِّرٍ كَالصَّلَاةِ ) فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الْعَادِيَةَ لِلْمُكَلَّفِ ( فَفَسَدَتْ بِفِعْلِ مُفْسِدٍ سَاهِيًا وَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ ) أَوَّلًا يَسْتَلْزِمُ قَطْعُهُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ ( كَالْخَطَأِ ) لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِيمَا كَثُرَ وُجُودُهُ مِثْلَهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ وَلِأَنَّ فِي الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ لِلصَّوْمِ فِيهِ لَيْسَ إلَّا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاحْتِرَاسِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ

إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُ الْخَطَأِ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ ( ثَبَتَ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ ) فِي الشَّرْعِ مُسْقِطًا لِلْمُجَازَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ ( فِي خَطَأِ الْقَتْلِ فَأَوْجَبَ ) الشَّارِعُ بِهِ ( الدِّيَةَ ) بَدَلَ الْمَحَلِّ ( حَقًّا لِلْعَبْدِ مَعَ تَحَقُّقِ مَا عَيَّنَهُ ) الشَّافِعِيُّ مِنْ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي النِّسْيَانِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَيْضًا .
( وَ ) أَوْجَبَ ( الْكَفَّارَةَ ) فِيهِ أَيْضًا ( لِتَقْصِيرِهِ ) فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ ثُمَّ يُجْبَرُ بِالْقَضَاءِ ( وَالْمُكْرَهُ أَمْكَنَهُ الِالْتِجَاءُ وَالْهَرَبُ وَلَوْ عَجَزَ ) عَنْهُمَا ( وَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ ) لِفِعْلِهِ عَنْهُ ( صَارَتْ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى أَعْنِي الْمُكْرَهَ كَفِعْلِ الصَّبِّ ) فِي حَلْقِ النَّائِمِ ( نُسِبَ إلَى الْعَبْدِ لَا إلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى أَثَّمَهُ ) أَيْ أَثَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّابَّ ( فَانْتَفَتْ الْعِلَّةُ ) الْمُعَلَّلُ بِهَا دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فِي الْمُكْرَهِ وَالْمَصْبُوبِ فِي حَلْقِهِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالنَّاسِي فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يُقَالُ الْوِقَاعُ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِلْعِلْمِ بِتَسَاوِي الْكُلِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ فِي أَنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَفِّ عَنْهَا وَإِنَّ تَسَاوِي الْمُتَسَاوِيَاتِ إذَا ثَبَتَ لِأَحَدِهَا حُكْمٌ يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِلْبَاقِي ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً مَعَ كَوْنِهَا مُتَسَاوِيَةً فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَارِدًا فِيهِ وَبَقَاءُ صَوْمِ النَّاسِي فِي الْأَكْلِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ عَلَى الصَّوْمِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْأَكْلِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ فِي الْوِقَاعِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ

مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالتَّعْلِيلِ ( تَقَوُّمُ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ ) فَإِنَّهُ ثَبَتَ لَهَا فِي الْإِجَارَةِ بِالنُّصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ أَنَّ تَقَوُّمَهَا ( يَمْنَعُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ هَكَذَا لَمْ تُحَرَّزْ ) الْمَنَافِعُ ( فَلَا مَالِيَّةَ فَلَا تَقَوُّمَ كَالصَّيْدِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّهَا لَمْ تُحَرَّزْ ( فَلِأَنَّهَا ) أَيْ الْمَنَافِعَ ( أَعْرَاضٌ مُتَصَرِّمَةٌ ) أَيْ مَتَى وُجِدَتْ تَلَاشَتْ وَاضْمَحَلَّتْ ( فَلَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَشْخَاصِ الْأَعْرَاضِ وَلَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ بَقَاءِ شَخْصِ الْعَرْضِ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( ثُمَّ الْمَالِيَّةُ بِالْإِحْرَازِ ، وَالتَّقَوُّمُ بِالْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ) أَيْ بِتَقْوِيمِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ ( غَصْبُهَا ) أَيْ إتْلَافُ الْمَنَافِعِ أَوْ تَعْطِيلُهَا فِي الْغَصْبِ ( إذْ لَا جَامِعَ مُعْتَبَرٌ ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ( لِتَفَاوُتِ الْحَاجَةِ ) الَّتِي كَانَتْ الْمَنَافِعُ بِسَبَبِهَا مُتَقَوِّمَةً ( وَعَدَمِ ضَبْطِ مَرْتَبَةٍ ) مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا يُنَاطُ التَّقْوِيمُ بِهَا ( كَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَنِيطَ ) أَيْ عُلِّقَ التَّقَوُّمُ ( بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ ) لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا كَالسَّفَرِ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ تَقَوُّمِهَا فِي الْغَصْبِ يَفْتَحُ بَابَ الْعُدْوَانِ لِعِلْمِ الْمُعْتَدِينَ حِينَئِذٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَالْجَوَابُ لَا مَانِعَ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْحَاجَةُ لِدَفْعِ الْعُدْوَانِ تَدْفَعُ بِالتَّعْزِيرِ ) وَلَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ إذْ هِيَ مُحْرَزَةٌ بِإِحْرَازِ الْمَحَلِّ الْقَائِمَةِ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِنَفْيِ إحْرَازِهَا نَفْيُ الْإِحْرَازِ الْقَصْدِيِّ ( وَإِحْرَازُهَا بِالْمَحَلِّ ضِمْنٌ غَيْرُ مُضَمَّنٍ كَالْحَشِيشِ النَّابِتِ فِي أَرْضِهِ ) فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ تَبَعًا لِأَرْضِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِهِ ( وَلَوْ سَلَّمَ ) أَنَّ الْإِحْرَازَ الضِّمْنِيَّ كَالْحَقِيقِيِّ

فِي تَضْمِينِ الْمَالِيَّةِ ( فَفُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَالِيَّةِ يَمْنَعُ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ الْمَبْنِيِّ عَلَى ) اشْتِرَاطِ ( الْمُمَاثَلَةِ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } لِانْتِفَائِهَا بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَضْمَنَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ فَاكِهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا بِالنَّقْدِ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْبَقَاءُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ قُلْنَا لَا فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي الْمُمَاثَلَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَالْمَضْمُونِ بِهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَقَدْ عَرَّفْت انْتِفَاءَهَا بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ ( بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ مَعَ النَّقْدِ ) فَإِنَّهَا مُتَحَقِّقَةٌ بَيْنَهُمَا ( لِاتِّصَافِهَا بِالِاسْتِقْلَالِ بِالْوُجُودِ وَالْبَقَاءِ ) وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَدْرِ الْبَقَاءِ ( وَالتَّفَاوُتُ فِي قَدْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ ) لِأَنَّ قَدْرَهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَبْقَى مَا لَا يَبْقَى غَيْرُهَا مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ الْبَقَاءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ .
( وَسَرَّهُ ) أَيْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَقَاءِ ( أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُسَاوَاةِ لِإِيجَابِ الْبَدَلِ إنَّمَا هُوَ حَالُ الْوُجُوبِ ) لِلْبَدَلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ حَالَ الْوُجُوبِ ( حَالُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَالتَّسَاوِي ) بَيْنَهُمَا ( فِيهِ ) أَيْ فِي حَالِ الْوُجُوبِ ( إذْ ذَاكَ ) أَيْ حَالُ الْوُجُوبِ ( ثَابِتٌ وَمِنْهُ ) أَيْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْصُوصًا بِحُكْمِهِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيلِ ( حِلُّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا ) فَإِنَّهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ يَكْفِيه اسْمُهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحَ فَلْيُسَمِّ وَلِيَذْكُرْ اللَّهَ ثُمَّ لِيَأْكُلْ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ شَرْطِ الصَّلَاةِ ) مِنْ طَهَارَةٍ

أَوْ غَيْرِهَا ( نَاسِيًا لَا تَصِحُّ ) الصَّلَاةُ مَعَهُ ( حَتَّى وَجَبَتْ ) إعَادَتُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ( إذَا ذَكَرَ ) مَا تَرَكَهُ مِنْ شَرْطِهِ نَاسِيًا وَالتَّسْمِيَةُ فِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ بِالْكِتَابِ ( فَلَا يَلْحَقُ بِهِ ) أَيْ بِنِسْيَانِ التَّسْمِيَةِ فِي الْحِلِّ ( الْعَمْدُ ) فِي الْحِلِّ أَيْضًا ( لِعَدَمِ الْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعَامِدُ جَانٍ مُعْرِضٌ عَنْهُ ( وَلِأَنَّهُ ) لَوْ أُلْحِقَ الْعَامِدُ بِهِ ( لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ شَيْءٌ ) مِنْ أَفْرَادِهِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى ( { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } فَيُنْسَخُ ) نَصُّ الْقُرْآنِ ( بِالْقِيَاسِ ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( وَفِيهِ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ ( نَظَرٌ يَأْتِي ) فِي الْكَلَامِ فِي فَسَادِ الِاعْتِبَارِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ ( أَنْ يَكُونَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( شَرْعِيًّا فَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ وَتَقَدَّمَ ) أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ ( وَلَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ ) فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوهُ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ جَامِعٌ عَقْلِيٌّ إمَّا بِالْعِلَّةِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الدَّلِيلِ وَفِي الْمَحْصُولِ وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى إلْحَاقَ الشَّاهِدِ بِالْغَائِبِ بِجَامِعٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَالْجَمْعُ بِالْعِلَّةِ وَهُوَ أَقْوَى الْوُجُوهِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْعَالَمِيَّةُ فِي الشَّاهِدِ أَيْ الْمَخْلُوقَاتُ مُعَلَّلَةٌ بِالْعِلْمِ فَكَذَا فِي الْغَائِبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْقِيَاسِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ( لِعَدَمِ إمْكَانِ إثْبَاتِ الْمَنَاطِ فَلَوْ أَثْبَتَ حَرَارَةَ حُلْوٍ قِيَاسًا عَلَى الْعَسَلِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ ) لِلْحَرَارَةِ ( إلَّا إنْ اُسْتُقْرِئَ ) أَيْ تُتُبِّعَ كُلُّ حُلْوٍ فَوُجِدَ حَارًّا ( فَتَثْبُتُ ) عَلَيْهِ الْحَلَاوَةُ لِلْحَرَارَةِ حِينَئِذٍ ( فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُلْوِ ( بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِقْرَاءِ ( لَا بِالْقِيَاسِ فَلَا أَصْلَ وَلَا فَرْعَ وَعَنْهُ ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ ( اشْتَرَطَ عَدَمَ شُمُولِ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْفَرْعَ ) خِلَافًا لِمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمُوَافِقِيهِمْ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ ( وَبِهَذَا ) أَيْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِلْفَرْعِ ( بَطَلَ قِيَاسُهُمْ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِينَ ( الْغَائِبَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي أَنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ ) خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ( مَعَ فُحْشِ الْعِبَارَةِ ) حَيْثُ أَطْلَقَ الْغَائِبَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّى لَهُمْ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا بَطَلَ قِيَاسُهُمْ ( لِأَنَّ ثُبُوتَهُ ) أَيْ الْعَالَمِ بِالْعِلْمِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ مَنْ سِوَاهُ ( بِاللَّفْظِ لُغَةً وَهُوَ أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ قَامَ بِهِ ) الْعِلْمُ ( وَثَمَرَتُهُ ) أَيْ كَوْنَ

حُكْمِ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا يَظْهَرُ ( فِي قِيَاسِ النَّفْيِ لَوْ كَانَ ) النَّفْيُ ( أَصْلِيًّا فِي الْأَصْلِ امْتَنَعَ ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ ( لِعَدَمِ مَنَاطِهِ ) أَيْ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ لَا يَكُونُ عِلَّةً ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ النَّفْيِ إذَا كَانَ ( شَرْعِيًّا يَصِحُّ ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ ( بِوُجُودِهِ ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِهِ فِيهِ فَهُوَ قَدْ يَكُونُ عِلَّةً قَالَ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَوْلُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَنَاطُ إذَا كَانَ عَدَمًا شَرْعِيًّا ( عَلَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعَدَمِ لَا تَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ عِلَلِ الْأَحْكَامِ لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا وَصْفٌ ظَاهِرٌ ضَابِطٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مُفْسِدَةٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ وَضَعَهَا الشَّارِعُ عَلَى النَّفْيِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُقَاسُ لِإِثْبَاتِ عَدَمٍ لِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( وَمِنْهَا ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( أَنْ لَا يَكُونَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( مَنْسُوخًا لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ) الْوَصْفِ ( الْجَامِعِ ) فِيهِ لِلشَّارِعِ لِزَوَالِ الْحُكْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ الِاسْتِلْزَامُ الَّذِي كَانَ دَلِيلًا لِلثُّبُوتِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( أَنْ لَا يَثْبُتَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( بِالْقِيَاسِ بَلْ ) يَثْبُتَ ( بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ) كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْكَرْخِيِّ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ فِي الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( وَهَذَا ) مَعْنَى ( مَا يُقَالُ أَنْ لَا يَكُونَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( فَرْعًا لِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَرْعًا ( قِيَاسَيْنِ ) الْأَوَّلُ الَّذِي أَصْلُهُ فَرْعٌ لِلْقِيَاسِ الثَّانِي ، وَالثَّانِي ( فَالْجَامِعُ إنْ اتَّحَدَ فِيهِمَا ) أَيْ الْقِيَاسَيْنِ ( كَالذُّرَةِ عَلَى السِّمْسِمِ بِعِلَّةِ الْكَيْلِ ثُمَّ هُوَ ) أَيْ السِّمْسِمُ ( عَلَى الْبُرِّ ) بِعِلَّةِ الْكَيْلِ ( فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَسَطِ ) الَّذِي هُوَ السِّمْسِمُ ( لِإِمْكَانِهِ ) أَيْ قِيَاسِ الذُّرَةِ ( عَلَى الْبُرِّ وَإِنَّمَا هِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ ( مُشَاحَحَةٌ ) وَالْوَجْهُ مُشَاحَّةٌ ( لَفْظِيَّةٌ أَوْ اخْتَلَفَ ) الْجَامِعُ فِيهِمَا ( كَقِيَاسِ الْجُذَامِ عَلَى الرَّتَقِ ) وَهُوَ الْتِحَامُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ بِاللَّحْمِ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الرَّتَقَ ( يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ ) بِأَنْ يُقَالَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْجُذَامِ كَمَا يُفْسَخُ بِالرَّتَقِ ( بِجَامِعٍ أَنَّهُ ) أَيْ الْجَامِعَ ( عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ ) فَكَذَا النِّكَاحُ كَالرَّتَقِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ ( فَيُمْنَعُ ) الْخَصْمُ ( فَسْخَ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ فَيُعَلِّلُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالرَّتَقِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الرَّتَقَ ( مُفَوِّتٌ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْجَبِّ ) أَيْ قَطْعِ الذَّكَرِ ( وَهَذِهِ ) الْعِلَّةُ وَهِيَ فَوَاتُ الِاسْتِمْتَاعِ ( لَيْسَتْ فِي الْفَرْعِ الْمَقْصُودِ بِالْإِثْبَاتِ ) وَهُوَ الْجُذَامُ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِيهِ غَيْرُ فَائِتٍ ( مَا نُقِلَ ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ وَغَيْرِهِمَا ( عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ مِنْ تَجْوِيزِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجَامِعِ ( لِتَجْوِيزِ أَنْ يَثْبُتَ ) الْحُكْمُ ( فِي الْفَرْعِ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَصْلِ ) بِهِ (

كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ وَهُوَ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ وَفِي الْفَرْعِ بِآخَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ وَفِي الْفَرْعِ بِأُخْرَى ( يَبْعُدُ صُدُورُهُ مِمَّنْ عَقَلَ الْقِيَاسَ فَإِنَّ ذَاكَ ) أَيْ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ بِدَلِيلٍ غَيْرِ الدَّلِيلِ الَّذِي بِهِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْفَرْعِ ( فِي أَصْلٍ لَيْسَ فَرْعَ قِيَاسٍ ) وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ هُوَ فَرْعُ قِيَاسٍ وَفِي تَجْوِيزِهِ فِيهِ انْتِفَاءُ الْقِيَاسِ لِامْتِنَاعِ التَّعْدِيَةِ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ لَهُ .
( هَذَا ) الْمَذْكُورُ ( إذَا كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُوَافِقُهُ الْمُسْتَدِلُّ لَا الْمُعْتَرِضُ فَلَوْ ) كَانَ ( قَلْبُهُ ) بِأَنْ كَانَ الْأَصْلُ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيُوَافِقُهُ الْمُعْتَرِضُ ( فَلَا يُعْلَمُ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ كَشَافِعِيٍّ ) أَيْ كَقَوْلِهِ ( فِي نَفْيِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ ) قِصَاصًا : قَتْلُ الْمُسْلِمِ لَهُ قَتْلٌ ( تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ ) وَهِيَ عَدَمُ التَّكَافُؤِ فِي الشَّرَفِ ( فَلَا يُقْتَلُ ) الْمُسْلِمُ ( بِهِ ) أَيْ بِالذِّمِّيِّ ( كَمَا ) لَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ ( بِالْمُثْقَلِ ) لِتَمَكُّنِ شُبْهَةِ الْعَمْدِيَّةِ وَالشُّبَهُ دَارِئَةٌ لِلْحُدُودِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ ( لِاعْتِرَافِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( بِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِبُطْلَانِ مُقَدِّمَتِهِ ) لِأَنَّ عِنْدَهُ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِالْمُثْقَلِ ( وَلَوْ ) كَانَ هَذَا ( فِي مُنَاظَرَةٍ فَأَرَادَ ) الْمُسْتَدِلُّ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ ( الْإِلْزَامَ ) بِهَذَا لِلْمُعْتَرِضِ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ إذْ لَوْ الْتَزَمَهُ لَزِمَ الْمَقْصُودُ وَإِلَّا لَكَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ لِعِلْمِهِ بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ ( لَمْ يَلْزَمْ ) الْمُعْتَرِضَ ( لِجَوَازِ قَوْلِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( هِيَ ) أَيْ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ ( عِنْدِي غَيْرُ مَا ذَكَرْت ) أَنْتَ وَلَا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا فِي عُرْفِ الْمُنَاظَرَةِ ( أَوْ أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي فِي الْأَصْلِ ) فِي

أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( ذَا قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ ) أَيْ ثَابِتًا بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ ( أَنْ يَسْتَغْنِيَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( عَنْ ) الدَّلِيلِ عَلَى ( إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ ) لِلْأَصْلِ ( بِمُوَافَقَةِ الْخَصْمِ ) لِلْمُسْتَدِلِّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا أَوْ مَجْمَعًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ قِسْمَانِ أَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ ( مَانِعًا عَلَيْهِ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا صَلَاحِيَةَ الْوَصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً مُثِيرَةً لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ لِتَثَبُّتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِوَاسِطَةِ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ كَذَلِكَ وَحَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ أَيْضًا ( مُعَيِّنًا ) عِلَّةً ( أُخْرَى ) كَذَلِكَ ( عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ الَّتِي عَيَّنَهَا ( إنْ لَمْ تَصِحَّ مَنَعَ ) الْخَصْمُ ( حُكْمَ الْأَصْلِ وَهَذَا ) أَيْ مَمْنُوعُ الْعِلَّةِ ( مُرَكَّبُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ قِيَاسَيْهِمَا ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْأَصْلِ لِإِثْبَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُكْمَ الَّذِي يُقَاسَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ بِقِيَاسٍ فَإِنْ وُجِدَ الْجَامِعُ فِي كِلَا الْقِيَاسَيْنِ كَانَ كِلَاهُمَا صَحِيحًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَا لَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ فِيهِ صَحِيحًا فَيَكُونُ مَعْنَى تَرْكِيبِ الْقِيَاسِ الِاجْتِمَاعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَكَانَ مُرَكَّبًا وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَمَنْ وَافَقَهُ ( بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ فَرْعِيَّةِ الْأَصْلِ وَلِذَا ) أَيْ لُزُومِ فَرْعِيَّتِهِ ( صَحَّ مَنْعُهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( حُكْمَ الْأَصْلِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّتِهَا ) أَيْ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( فَلَوْ ) كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتًا ( بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( انْتَفَى ) مَنْعُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ عَلَى

تَقْدِيرِ عَدَمِ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ وَصْفًا مَنُوطًا بِهِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَأَشَارَ إلَى ثَانِيهِمَا بِقَوْلِهِ ( أَوْ ) حَالَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَانِعًا ( وُجُودَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا فِي الْأَصْلِ مُعَيِّنًا عِلَّةً أُخْرَى ( وَهُوَ ) أَيْ وُجُودُهَا ( وَصْفُهَا فَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ ) لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ هَلْ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا ( أَوْ بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ ) أَيْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَمَنْعِ وُجُودِهَا فِي الثَّانِي وَمَنْعِ وُجُودِهَا هُوَ مَنْعُ وَصْفِهَا بِأَدْنَى تَمْيِيزٍ ( فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( إنْ لَمْ تَصِحَّ ) الْعِلَّةُ ( مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ وَظُهُورُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فَرْعُ الشُّرُوعِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ ) أَيْ الْإِثْبَاتِ ( فَيَعْجَزُ ) الْمُسْتَدِلُّ .
( وَفِيهِ ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا ( قَلْبُ الْوَضْعِ ) لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا ( قُلْت ) لَا ضَيْرَ ( لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ صُوَرِ الْمُعَارَضَةِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَفِيهِ ) أَيْ تَصْحِيحِ هَذَا ( ذَلِكَ ) الِانْقِلَابِ ( فَإِنَّ جَوَابَهَا ) أَيْ الْمُعَارَضَةِ ( مَنْعُ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا عَيَّنَهُ ) الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ ( فَلَزِمَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( الْإِثْبَاتُ ) لِعِلِّيَّةِ مَا عَيَّنَهُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ ( وَإِذَا صَارَ ) الْمُعْتَرِضُ ( مَانِعَهُ ) أَيْ مَا أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ ( لَزِمَ الْمُسْتَدِلَّ إثْبَاتُهَا ) أَيْ بَيَانُ اعْتِبَارِ عِلَّتِهِ ( وَوُجُودُهَا ) فِي الْأَصْلِ ( وَيَنْتَهِضُ ) دَلِيلُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إذَا أَثْبَتَهَا وَوُجُودُهَا فِيهِ ( إذْ لَيْسَ ثُبُوتُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( إلَّا بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ ( لِلْفَرْعِيَّةِ ) لِلْأَصْلِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( الْوُجُودَ فِي مُرَكَّبِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( مَعَهُ ) أَيْ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ الْوُجُودَ فِيهِ ( يَمْنَعُ حُكْمَ

الْأَصْلِ وَهُوَ ) أَيْ مَنْعُهُ حُكْمَ الْأَصْلِ ( دَلِيلٌ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( مَانِعٌ صِحَّةَ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِمَا ) أَيْ مُرَكَّبَيْ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ ( وَإِذَنْ فَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يُثْبِتَ وُجُودَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ ( بِدَلِيلِهِ ) أَيْ الثُّبُوتِ ( مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ أَوْ لُغَةٍ فَيَنْتَهِضُ ) الدَّلِيلُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ ) أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُوجِبَةً ( وَوُجُودِهِ ) أَيْ الْمُوجِبِ فِي الْأَصْلِ ( إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ ) فَلَزِمَهُ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْوَجْهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا أَوْ حَذْفِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِصِحَّةِ الْمُوجِبِ وَوُجُودِهِ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِتَسْلِيمِهِ وَاعْتِرَافِهِ وَالْفَرْضُ مَنَعَهُ حَتَّى احْتَاجَ الْمُسْتَدِلُّ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَخَبَرٍ فَقَوْلُهُمْ ( فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إذَا أَثَبَتَهُمَا ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْوُجُودَ وَالِاعْتِبَارَ انْتَهَضَ حِينَئِذٍ ( كَالْأَوَّلِ ) أَيْ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ مِثَالُ مُرَكَّبِ الْأَصْلِ ( قَوْلٌ شَافِعِيٌّ ) فِي كَوْنِ الْحُرِّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ قَتَلَهُ الْمَقْتُولُ ( عَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمُكَاتَبِ الْمَقْتُولِ عَمَّا بَقِيَ بِكِتَابَتِهِ وَوَارِثُ غَيْرِ سَيِّدِهِ ) لَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ الْحُرُّ بِهِ .
وَإِنْ اجْتَمَعَ السَّيِّدُ وَوَارِثُهُ عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ فَيُلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا بِجَامِعِ الرِّقِّ ( وَالْحَنَفِيُّ يُوَافِقُهُ ) أَيْ الشَّافِعِيَّ ( فِيهِ ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْعِلَّةِ ( فَيَقُولُ الْعِلَّةُ ) عِنْدِي ( جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ ) لِلْقِصَاصِ ( مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي عَبْدِيَّتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشُّعَبِيِّ كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا

يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا قُسِمَ مَا تَرَكَ عَلَى مَا أَدَّى وَعَلَى مَا بَقِيَ فَمَا أَصَابَ مَا أَدَّى فَلِلْوَرَثَةِ وَمَا أَصَابَ مَا بَقِيَ فَسَلِّمُوا إلَيْهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ يُؤَدِّي إلَى مَوَالِيه مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مَا بَقِيَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَاخْتِلَافُهُمْ يُوجِبُ اشْتِبَاهَ الْوَلِيِّ فَانْتَفَى الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ ( فَإِنْ صَحَّتْ ) عِلَّتِي ( بَطَلَ إلْحَاقُك ) الْعَبْدَ بِالْمُكَاتَبِ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلَّةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ عِلَّتِي بَلْ صَحَّتْ عِلَّتُك وَهِيَ الْعَبْدِيَّةُ ( مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَنْفَكَّ الْحَنَفِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا الْجَهَالَةَ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الرِّقُّ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ( وَلَا يَتَأَتَّى ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ ( إلَّا مِنْ مُجْتَهِدٍ ) لِجَوَازِ تَبَدُّلِهِ فِي نَظَرِهِ ( أَوْ مَنْ عُلِمَ عَنْهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( مُسَاوَاتِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي أَبَدَاهَا الْمُعْتَرِضُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهَا إمَّا مُقَلِّدٍ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا عَيَّنَهُ هُوَ الْمَأْخَذُ فِي نَظَرِ إمَامِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِ الْمُقَلِّدِ عَنْ تَقْرِيرِهِ عَجْزُ إمَامِهِ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ حَالًا مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْوِيبُ إمَامِهِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ لَزِمَ تَخْطِئَتُهُ فِي الْفَرْعِ لَا بِالْعَكْسِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ ثَبَتَ النَّقْلُ عَنْ إمَامِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْحُكْمِ إلَّا بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمُدْرَكِ كَانَ لِلْمُقَلِّدِ مَنْعُ الْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ

بُطْلَانِ الْمُدْرَكِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ بِحُكْمٍ بِلَا مُدْرَكٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْطِئَةً لِإِمَامِهِ بَلْ تَعْرِيضًا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا مُدْرَكَ لَهُ إلَّا هَذَا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ .
( وَالثَّانِي ) أَيْ وَمِثَالُ مُرَكَّبِ الْوَصْفِ قَوْلٌ شَافِعِيٌّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَا هُوَ سَبَبُ مِلْكِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ ( فِي إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَطَالِقٌ ) هَذَا ( تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْقَائِلِ ( فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ) حَيْثُ لَا تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ( فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( تَعْلِيقًا ) عَلَى سَبَبِ مِلْكِهِ ( مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا ( بَلْ ) الْأَصْلُ ( تَنْجِيزٌ ) لِلطَّلَاقِ ( فَإِنْ صَحَّ ) كَوْنُهُ تَنْجِيزًا ( بَطَلَ إلْحَاقُك ) هَذَا الْفَرْعَ بِهَذَا الْأَصْلِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ تَنْجِيزًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا ( مَنَعَتْ حُكْمَ الْأَصْلِ ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ ( فَتَطْلُقُ ) فُلَانَةُ فِي قَوْلِهِ فُلَانَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْهُ ( وَهَذَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَنْعِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( الْأَمْرَيْنِ ) وُجُودَ الْعِلَّةِ وَمَنْعَ عَلِيَّةِ الْأَصْلِ ( وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ ( ظَاهِرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( مَجْمَعًا ) عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ( فَحَاوَلَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( إثْبَاتَهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِنَصٍّ ( ثُمَّ ) إثْبَاتَ ( عَلِيَّتِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا ( قِيلَ لَا يُقْبَلُ ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ لِضَمِّ نَشْرِ الْجِدَالِ ( وَالْأَصَحُّ يُقْبَلُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ ) حِينَئِذٍ مُقَدِّمَةٌ ( مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ ) أَيْ الْقَائِسِ (

عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ ) لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِلْفَرْعِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ لِلْأَصْلِ ( فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ ) كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْإِثْبَاتَيْنِ بِطَرِيقِهِ ( لَمْ يُقْبَلْ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ ) وَإِنْ أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ بِالدَّلِيلِ بَعْدَ مَنْعِ الْخَصْمِ إيَّاهَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ بَعْدَ أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مَقْبُولٌ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّ إثْبَاتَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَطْلُوبِ .
وَكَيْفَ لَا وَلَازِمُهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ إلَّا الْبَدِيهِيَّاتِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( يُسْتَدْعَى ) مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالشَّرَائِطِ ( كَالْآخَرِ ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُ فِي كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيَطُولُ الْقَالُ وَيَنْتَشِرُ الْجِدَالُ بِخِلَافِ مُقَدِّمَاتِ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ فَإِنَّهَا قَدْ تَنْتَهِي سَرِيعًا إلَى الضَّرُورِيَّاتِ ( لَا أَثَرَ لَهُ ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا تَعْرِيضٌ يَرُدُّ مَا فِي شَرْحِ عَضُدِ الدِّينِ وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِثْلُ الْأَوَّلِ يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيه بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَاتِ الْأُخَرِ ( وَمَا قِيلَ هَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ لَا يُشَاحُّ فِيهَا غَيْرُ لَازِمٍ لِمَنْ لَمْ يَلْتَزِمُهُ ) وَلَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ الِانْقِطَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مُقْتَضَى مَنْصِبِهِ وَفِي هَذَا أَيْضًا تَعْرِيضٌ بِالْقَاضِي عَضُدِ الدِّين حَيْثُ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ وَلِكُلٍّ نَظَرٌ فِيمَا يَصْطَلِحُ لَا يُمْكِنُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ انْتَهَى قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَأَشَارَ هُنَا بِهَذَا إلَى أَنَّهُ يَصْطَلِحُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُعَدُّ الْبَحْثُ عَنْهُ انْتِقَالًا كَمَا أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَصْطَلِحَ عَلَى أَمْرٍ نَظَرًا إلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاعْتِبَارٌ لَهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا جَوَابًا جُمَلِيًّا يَصْلُحُ فِي كُلِّ

مَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا قَالَ نَظَرًا لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ بِدُونِ النَّظَرِ فِي الْمُنَاسَبَةِ الْمُخْتَصَّةِ فِي قُوَّةِ الْخَطَأِ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ ( وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا ) أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ شَرْطًا لَهُ ( لِبُطْلَانِ كَوْنِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ ( شَرْطًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ ) إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ ( لِلِانْتِهَاضِ ) لِلْمَنَاظِرِ ( عَلَى الْمَنَاظِرِ ) فِي الْمُنَاظَرَةِ ( بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الْجَدَلِ ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا أُصُولِيَّةٌ ( وَأَفَادُوهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ نَفْيَ الْقَوْلِ بِهِ ( بِاخْتِصَارٍ ) فَقَالُوا ( لَا يُعَلَّلُ بِوَصْفٍ مُخْتَلَفٍ ) فِيهِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا ( كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إبْطَالِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ ) كَكَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا لِلْكِتَابَةِ ( عَقْدُ يَصِحُّ مَعَهُ التَّكْفِيرُ بِهِ ) أَيْ بِالْمُكَاتَبِ ( فَكَانَ ) عَقْدُ الْحَالَّةِ ( بَاطِلًا كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْخَمْرِ ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالْوَلِيُّ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا .
( فَحُكْمُ الْأَصْلِ ) وَهُوَ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ فِي هَذَا ( مُتَّفَقٌ ) عَلَيْهِ ( لَكِنَّ عِلَّتَهُ ) أَيْ عِلَّةَ بُطْلَانِهِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَوْنُ الْمَالِ ) أَيْ الْخَمْرِ مَالًا فِي الْجُمْلَةِ ( غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ ) بَلْ هِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي شَرْعِنَا ( لَا ) أَنَّ عِلَّتَهُ ( مَا ذُكِرَ مِنْ صِحَّةِ التَّكْفِيرِ بِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ ( إثْبَاتُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ( عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) آنِفًا أَنَّهُ الْأَصَحُّ ( وَلِبَعْضِهِمْ ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هُنَا عِبَارَةٌ هِيَ ( لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ ) فِي ( الْأَصْلِ كَقَوْلٍ شَافِعِيٍّ فِي الْأَخِ شَخْصٌ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ أَرَادَ ) الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِإِعْتَاقِهِ (

عَتَقَهُ إذَا مَلَكَهُ ) أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ ( فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي ابْنِ الْعَمِّ ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا ( أَوْ ) أَرَادَ ( إعْتَاقَهُ بَعْدَهُ ) أَيْ يَصِيرُ مِلْكَهُ ثُمَّ يَقَعُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ بَعْدَ الْمِلْكِ ( فَمَمْنُوعٌ فِي الْأَخِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الْوَصْفِ فِيهِ إذْ هُوَ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ ( وَذَكَرَ ) صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( الصُّورَتَيْنِ ) أَيْ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهَا وَعَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ إلَى آخِرِهَا ( ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ إثْبَاتَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ لِحُكْمِهِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ هُنَا ( إثْبَاتُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( قَطْعِيًّا بَلْ يَكْفِي ظَنُّهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ ) وَقَيَّدَ بِهَذَا لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِقَادُ لَا يَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ ( وَكَوْنُ الظَّنِّ يَضْعُفُ بِكَثْرَةِ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاضْمِحْلَالَ ) أَيْ بُطْلَانَ الظَّنِّ فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِلْقِيَاسِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ كَثْرَةُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَظْنُونَةِ ( انْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ فِي الشَّرْعِ ) وَانْضِمَامُ مُوجِبٍ إلَى مُوجِبٍ يُوجِبُ قُوَّةً فِي الْمُوجِبِ .
( وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( ثَابِتًا بِالْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) وَالْحَنَفِيَّةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ ( وَبِالنَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) الْعِرَاقِيِّينَ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْبَزْدَوِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ ( لَفْظِيٌّ فَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( الْبَاعِثَةَ عَلَيْهِ ) أَيْ شَرْعِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ( وَ ) مُرَادُ ( الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ النَّصَّ ( الْمُعَرِّفَ ) لِلْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ( وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي ذَلِكَ ) أَيْ كِلَا

الْمُرَادَيْنِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُمَا ( وَكَيْفَ ) يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا الْمُثْبِتَةُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ ( وَقَدْ تَكُونُ ظَنِّيَّةً ) بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ إنَّمَا يُفِيدُ ظَنَّهَا ( وَحُكْمُ الْأَصْلِ قَطْعِيٌّ ) لِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُثْبِتَةُ لَهُ كَانَ الظَّنِّيُّ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ وَلَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نُفَسِّرُ الْعِلَّةَ بِالْبَاعِثِ أَبَدًا أَوْ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُفَسِّرُهَا وَإِنَّمَا يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ وَإِنْ ادَّعَى قَائِلٌ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَرْعًا لِلْأَصْلِ أَصْلًا لِلْمُفَرِّعِ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الدَّوْرِ فَإِنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ النَّصِّ فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ وَهِيَ إنَّمَا عُرِفَتْ بِهِ جَاءَ الدَّوْرُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا إلَّا أَنَّهَا تُنَصَّبُ أَمَارَةً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى وُجْدَانِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي حَقِّ الْعَارِفِ كَالْغَيْمِ الرَّطْبِ أَمَارَةً عَلَى الْمَطَرِ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ فَإِذَا عَرَفَ النَّاظِرُ مَثَلًا أَنَّ الْإِسْكَارَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَهُوَ حَيْثُ وَجَدَهُ قَضَى بِالتَّحْرِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْعَالِمَ يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْإِسْكَارِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِسْكَارُ مُعَرَّفًا بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ مُعَرَّفًا فَقَدْ يَعْرِفُ بَعْضُ الْعَوَامّ عِلِّيَّةَ الْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَلَا يَدْرِي هَلْ الْخَمْرُ هُوَ الْمَنْصُوصُ أَوْ النَّبِيذُ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَإِذَا وَجَدَ الْخَمْرَ قَضَى فِيهِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجْدَانِ الْعِلَّةِ مُسْتَفِيدًا ذَلِكَ مِنْهَا فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تَعْرِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا وَقَدْ تَجْتَمِعُ فِي التَّعْرِيفِ هِيَ وَالنَّصُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجَوِّزُ اجْتِمَاعَ مُعَرِّفَيْنِ وَإِذَا تَمَهَّدَ

ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا إلَى الْعِلَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَقَ لَهُمْ مَعْرِفَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَّةِ فَلَمْ تُعَرِّفْهُمْ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ الْمُعَرِّفُ يُعَرِّفُ كُلَّ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا يُعَرِّفُ مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَتَخَلُّفُ التَّعْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَارِفِ لَا يُخْرِجُ الْأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً .
وَكَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ يَعْرِفُ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْعِلَّةِ دُونَ بَعْضِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يَعْرِفُونَ حُكْمَ الْفَرْعِ مِنْ الْمُفْتِي وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَكَمْ مِنْ عَامِّيٍّ يَعْرِفُ مِنْ الْمُفْتِينَ أَنَّ الزَّبِيبَ رِبَوِيٌّ وَلَا يَدْرِي الْعِلَّةَ فَلَاحَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَيْسَ الدَّوْرُ بِلَازِمٍ ثُمَّ كَمَا أَنَّ النَّصَّ عَرَّفَنَا الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ عَرَّفَنَا أَنَّ الْعِلَّةَ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ أَيْضًا .
وَالْفَرْعُ وَالْأَصْلُ جَمِيعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَمَّى أَصْلًا وُرُودُهُ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ فَإِنْ قُلْت هَلْ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ قُلْت لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ أَدْنَاهَا التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ فَمَنَعُوهُ لِأَنَّ عِرْفَانَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَاقِعٌ فَلَا تُجْدِي هِيَ شَيْئًا وَنَحْنُ نُجَوِّزُهُ وَنَذْكُرُ مِنْ فَوَائِدِهَا تَعْرِيفَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِلَا مُثْبِتٍ لِأَنَّ مُثْبِتَهُ الْعِلَّةُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا ثُمَّ انْقَلَبَ الْمَعْنَى وَهَذَا لَا يُضِيرُ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ثَانِيًا فَقَدْ صَلَحَ أَوَّلًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يَفْعَلُ الشَّارِعُ

ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ قُلْت إذَا فَعَلَهُ كَانَ مَنْصُوصًا وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ إنْ لَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ انْتَهَى مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ وَغَالِبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْهُ أَنَّ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ وَعَدَمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَبَعْضُهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ .

( وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ ) كَابْنِ الْحَاجِبِ ( أَنْ يُسَاوِيَ ) الْفَرْعُ ( الْأَصْلَ فِيمَا عَلَّلَ بِهِ حُكْمَهُ ) أَيْ الْأَصْلِ ( مَنْ عَيَّنَ ) لِلْعِلَّةِ ( كَالنَّبِيذِ ) أَيْ كَمُسَاوَاةِ النَّبِيذِ ( لِلْخَمْرِ فِي الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ ) الَّتِي هِيَ عَيْنُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ ( وَهِيَ ) الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ ( بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةً فِي النَّبِيذِ أَوْ جِنْسٍ ) لِلْعِلَّةِ ( كَالْأَطْرَافِ ) أَيْ كَقِيَاسِهَا ( عَلَى الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ بِالْجِنَايَةِ ) أَيْ بِسَبَبِهَا ( عَلَى الذَّاتِ ) إذْ الْجِنَايَةُ جِنْسٌ لِإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ إذْ جِنَايَةُ النَّفْسِ الْقَتْلُ وَجِنَايَةُ الْأَطْرَافِ الْقَطْعُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ ( وَفِيمَا يَقْصِدُ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا تُقْصَدُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ ( مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ كَالْقَتْلِ ) أَيْ كَقِيَاسِهِ ( بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدِّدِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ حَقِيقَةِ الْقَتْلِ الْكَائِنَةِ فِي الْفَرْعِ بِعَيْنِهَا هِيَ الْكَائِنَةُ فِي الْأَصْلِ ( أَوْ جِنْسِهِ ) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحُكْمِ ( كَالْوِلَايَةِ ) أَيْ كَقِيَاسِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ ( عَلَى الصَّغِيرَةِ فِي إنْكَاحِهَا عَلَى ) ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا فِي ( مَالِهَا ) فَإِنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ مِنْ جِنْسِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِسَبَبِ نَفَادِ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ عَيْنُهَا لِاخْتِلَافِ التَّصَرُّفَيْنِ كَذَا قَالُوا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا مَعْنَى لِلتَّقْسِيمِ ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ ( أَمَّا فِي الْعِلَّةِ فَلَا نَعْنِي بِالْعَيْنِ إلَّا مَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَكَوْنُهُ ) أَيْ مَا عُلِّلَ بِهِ ( جِنْسًا لِشَيْءٍ لَا يُوجِبُ أَنَّ الْعِلَّةَ جِنْسُ الْوَصْفِ فَالْجِنَايَةُ عَلَى الذَّاتِ عَيْنُ مَا عُلِّلَ بِهِ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( لَا جِنْسُ مَا عُلِّلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ ) أَيْ الْجِنَايَةُ

عَلَى الذَّاتِ ( جِنْسَ جِنَايَةِ الْقَتْلِ .
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَيْسَ الْمُعْدَى قَطُّ جِنْسَ حُكْمِ الْأَصْلِ بَلْ عَيْنَهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( فَالْمَالُ الْأَصْلُ وَالنَّفْسُ الْفَرْعُ وَحُكْمُ الْأَصْلِ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فَيُعْدَى ) ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ بِعَيْنِهِ ( إلَى النَّفْسِ وَقَوْلُهُ ) أَيْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ لِعَضُدِ الدِّينِ ( وَهِيَ بِعَيْنِهَا إلَخْ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمِثْلِ ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ كَمَا سَلَف ذِكْرُهُ وَرَدُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ فَلَعَلَّهُ ( رَجَعَ إلَى الصَّوَابِ ) .

( وَإِنْ لَا بِتَغَيُّرٍ فِيهِ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْفَرْعِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ ( حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَظِهَارِ الذِّمِّيِّ ) أَيْ كَقِيَاسِهِ ( عَلَى ) ظِهَارِ ( الْمُسْلِمِ فِي الْحُرْمَةِ فَإِنَّ الْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ ) أَعْنِي ظِهَارَ الْمُسْلِمِ ( وَهِيَ ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُرْمَةِ وَهُوَ ( الْحُرْمَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ بِالْكَفَّارَةِ إذْ لَا عِبَادَةَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ مُطَهَّرَةٌ ( فَالْحُرْمَةُ فِي الْفَرْعِ ) وَهُوَ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ ( مُؤَبَّدَةٌ ) لِعَدَمِ انْتِهَائِهَا بِالْكَفَّارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّغْيِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ ظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَى ظِهَارِ الْحُرِّ فِي الصِّحَّةِ اللَّازِمَةِ الَّذِي هُوَ التَّعْبِيرُ لِحُكْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ كُلُّ مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ كَمَا يَتَأَتَّى مِنْ الْحُرِّ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لَهُ قُلْنَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ ظِهَارَ الذِّمِّيِّ إنَّمَا لَمْ يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى ظِهَارِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَّارَةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ الْعَبْدِ ) فَإِنَّهُ ( أَهْلٌ ) لِلْكَفَّارَةِ لَا أَنَّهُ ( عَاجِزٌ ) عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ ( كَالْفَقِيرِ ) أَيْ كَالْحُرِّ الْعَاجِزِ عَنْ ذَلِكَ فَكَمَا صَحَّ ظِهَارُ الْحُرِّ الْفَقِيرِ صَحَّ ظِهَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ وَأَصَابَ مَالًا كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا كَالْفَقِيرِ الْحُرِّ إذَا اسْتَغْنَى وَقَوْلُهُ ( أَوْ عَلَى غَيْرِهِ ) عَطْفٌ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ ( فَبَطَلَ قِيَاسُ تَمْلِيكِ الطَّعَامِ

عَلَى ) تَمْلِيكِ ( الْكِسْوَةِ ) فِي وُجُوبِهِ عَيْنًا ( فِي الْكَفَّارَةِ ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ ذَلِكَ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ التَّمْكِينَ مِنْ الطَّعَامِ ( فِي الْفَرْعِ ) وَهُوَ الطَّعَامُ ( أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ ) إذْ هُوَ جَعَلَ الْغَيْرَ طَاعِمًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ لَازَمَهُ طَعْمٌ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَجُعِلَ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ وَاجِبًا عَيْنًا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ نَصِّ الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ ( وَالسَّلَمُ الْحَالُ ) أَيْ وَبَطَلَ قِيَاسُهُ ( بِالْمُؤَجَّلِ ) فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ اشْتَمَلَ عَلَى جَعْلِ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ) لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ( وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنَ الْمَبِيعِ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُتَعَلِّقَ وِلَايَتِهِ لِبَيْعِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَمَّا رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي السَّلَمِ بِصِفَةِ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَقَامَ الْأَجَلَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَيْهِ مَقَامَهَا وَجَعَلَهُ خَلَفًا عَنْهَا وَفَوَاتُ الشَّيْءِ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ .
( وَإِنْ ) كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ( بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ( مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى ) فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لِلشُّرْبِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ ( وَالْإِقْدَامُ ) عَلَى الْإِسْلَامِ ( دَلِيلُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِحَاجَةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَبَاعَهُ فِي الْحَالِ بِأَوْفَرِ ثَمَنٍ وَلَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ مُتَوَفِّرَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِرْبَاح ، وَكَوْنُ الْإِقْدَامِ دَلِيلَهُ ثَابِتٌ ( بِدَلِيلِ النَّصِّ عَلَى الْأَجَلِ ) أَيْ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } ( وَهُوَ ) أَيْ

جَعْلُ الْأَجَلِ خَلَفًا عَنْ مِلْكِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ( مُنْتَفٍ مِنْ ) السَّلَمِ ( الْحَالِّ ) إذْ لَا أَجَلَ فِيهِ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّقْرِيرُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ تَغْيِيرُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ لَا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُورَدَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا تَغْيِيرُ حُكْمِ نَصٍّ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ { نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ } لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ السَّلَمُ الْمُؤَجَّلُ وَلَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ سِوَى السَّلَمِ الْحَالِّ فَلَوْ جَازَ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ لَبَطَلَ هَذَا النَّصُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَى تَحْتَهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يُقَالُ بَلْ تَحْتَهُ غَيْرُهُمَا كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَانِ وَأَمْثَالُهُمَا مِنْ صُوَرِ السَّلَمِ الْحَالِّ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى إذْ لَيْسَ الْمَعْنَى بِالسَّلَمِ إلَّا بَيْعُ غَائِبٍ بِثَمَنِ حَاضِرٍ وَالسَّلَمُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ نَظَرًا إلَى هَذَا التَّوْجِيهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُورَدُ فِي أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إعْلَامًا بِأَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرَ مَا اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ بَاطِلًا بِاعْتِبَارَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ قَدْ يُورَدُ فِي كُلٍّ مِنْ أَمْثِلَةٍ اعْتِبَارٌ مِنْ تِلْكَ الِاعْتِبَارَاتِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ نَصٍّ إلَخْ إنَّمَا هُوَ ( بِالذَّاتِ شَرْطُ التَّعْلِيلِ لَا ) شَرْطُ ( حُكْمِ الْفَرْعِ وَيَسْتَلْزِمُ ) انْتِفَاءُ هَذَا الشَّرْطِ لِلتَّعْلِيلِ ( التَّغَيُّرَ فِي الْفَرْعِ ) فَإِنْ قِيلَ جَوَّزْتُمْ دَفَعَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ وَصَرَفَ الزَّكَاةَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ

قِيَاسًا عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْكُلِّ بِعِلَّةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ وَفِي الصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحَاجَةُ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الدَّالِ عَلَى وُجُوبِ عَيْنِ الشَّاةِ وَالنَّصُّ الدَّالُ عَلَى كَوْنِ الزَّكَاةِ حَقًّا لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ قُلْنَا كَوْنُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ مُغَيِّرًا لِحُكْمَيْ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ بِدَفْعِ الْقِيَمِ ) .
وَكَذَا تَقَدَّمَ دَفْعُ النَّقْضِ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِصِنْفٍ فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ وَأَوْرَدَ ثَبْتَ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِتَطْهِيرِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ } وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ { اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ وَاغْسِلِيهِ وَصَلِّي فِيهِ } وَقَدْ جَوَّزْتُمْ إزَالَتَهَا عَنْ الثَّوْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ مُزِيلٍ سِوَى الْمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ قَالِعًا مُزِيلًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْأَصْلِ وَأُجِيبُ بِأَنْ لَيْسَ فِي تَجْوِيزِ إزَالَتِهَا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ تَغْيِيرُ حُكْمِ النَّصِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَاءِ بِهِ ) أَيْ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ ( لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ ) لِلشَّارِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الثَّوْبِ بِهِ ( الْإِزَالَةُ ) لِلنَّجَاسَةِ ( لَا الِاسْتِعْمَالُ ) لِلْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ( وَإِنْ نَصَّ ) الشَّارِعُ ( عَلَى الْمَاءِ فِي قَوْلِهِ وَاغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ ) وَإِنَّمَا قُلْنَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ ( لِلِاكْتِفَاءِ ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ

عَنْ اسْتِعْمَالِهِ ( بِقَطْعِ مَحِلِّهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ فِي إسْقَاطِ هَذَا الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا لَعَيَّنَهُ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ ( فَيَتَعَدَّى ) هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ النَّجَسِ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّاهِرِ ( إلَى كُلِّ مُزِيلٍ ) قَالِعٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْيُسْرِ لِسُهُولَتِهِ وَكَثْرَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إزَالَةُ الْحَدَثِ أَيْضًا بِالْمَائِعِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ نَصَّ عَلَى إزَالَتِهِ بِالْمَاءِ لَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فَالْجَوَابُ لَا لِكَوْنِ إزَالَتِهِ الْخَبَثَ بِالْمَاءِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى ( بِخِلَافِ ) إزَالَةِ ( الْحَدَثِ ) بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى إذْ ( لَيْسَ ) الْحَدَثُ ( أَمْرًا مُحَقَّقًا ) عَلَى الْأَعْضَاءِ ( يُزَالُ ) بِالْمَاءِ ( بَلْ ) هُوَ ( اعْتِبَارٌ ) شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ ثُمَّ ( وُضِعَ الْمَاءُ لِقَطْعِهِ ) بِأَنَّ تَعَبُّدَهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَسْحِ بِرَأْسِهِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَاءُ إنَّمَا يُزِيلُ الْأَجْرَامَ الْحِسِّيَّةَ لَا الْأُمُورَ الْمَعْنَوِيَّةَ ( فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا عُلِمَ قَطْعُ الشَّارِعِ اعْتِبَارَهُ ) أَيْ الْحَدَثِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا يُقَالُ لَا يُقَاسُ الْمَائِعُ الطَّاهِرُ الْقَالِعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذَا لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَتَخْلُفُ النَّجَاسَةُ الْبِلَّةَ النَّجِسَةَ .
وَكَذَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ هَذَا لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَإِذْ سَقَطَ التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَاءِ ( لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ سَقَطَ ) التَّنَجُّسُ بِالْمُلَاقَاةِ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ الْقَالِعَةِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ فَإِنَّ

الْحُكْمَ بِالتَّطْهِيرِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهَا وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ ( وَمَا يُقَالُ ) سَقَطَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ ( فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ إنْ أُرِيدَ ضَرُورَةُ الْإِزَالَةِ فَكَذَا ) سَقَطَ مُقْتَضَاهُ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَاءِ ضَرُورَةَ الْإِزَالَةِ ( أَوْ ) أُرِيدَ ( أَنَّهُ لَا يُزِيلُ سِوَاهُ ) أَيْ الْمَاءِ حِسًّا ( فَلَيْسَ ) هَذَا الْمُرَادُ ( وَاقِعًا ) كَمَا يَقْطَعُ بِهِ الْوِجْدَانُ ( أَوْ ) أُرِيدَ أَنَّهُ ( لَا يُزِيلُ ) غَيْرُ الْمَاءِ ( شَرْعًا فَمَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ ) حُكْمُ الْفَرْعِ بِالشَّرْعِيَّةِ ( عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا ( كَالْوُضُوءِ ) أَيْ كَقِيَاسِهِ ( فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ ) فِيهِ ( عَلَى التَّيَمُّمِ ) بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالشَّرْعِيَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى التَّيَمُّمِ إذْ شَرْعِيَّةُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَهَا فَلَمْ يَجُزْ قِيَاسُ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ ( لِثُبُوتِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ حِينَئِذٍ ( قَبْلَ عِلَّتِهِ ) أَيْ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ لِأَنَّهَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِلَّةِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْقِيَاسِ قَبْلَهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ثَابِتًا بِدُونِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ ثَابِتًا بِدُونِهِ وَهُوَ مُحَالٌ اللَّهُمَّ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ ( إلْزَامًا بِمَعْنَى لَا فَارِقَ ) بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَقَدْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ فَكَذَا فِي الْوُضُوءِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ قِيَاسُ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي انْتِفَاءِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا ( وَأَبْدَلَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ هَذَا ) الشَّرْطَ (

بِأَنْ يَكُونَ ) الْفَرْعُ ( نَظِيرَهُ ) أَيْ مِثْلَ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يُوجَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ لَا فِي كُلِّ وَصْفٍ .
وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَرْعُ مِثْلًا لَهُ فِي الْعِلَّةِ لَمَّا صَحَّ تَسْوِيَتُهُ مَعَ الْأَصْلِ فِيهِ ( وَلَيْسَ الْوُضُوءُ نَظِيرَهُ ) أَيْ التَّيَمُّمِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْوُضُوءَ ( مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ أَيْ مُنَظِّفٌ ) وَفَسَّرَهُ بِهِ لِيَتَّضِحَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ الْمَعْنَى الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّنْظِيفُ مِنْ الْأَخْبَاثِ وَالْأَوْسَاخِ ( وَالتَّيَمُّمُ مُلَوِّثٌ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ) أَيْ قَصْدُ أَدَائِهَا ( النِّيَّةُ ) الْوَاجِبَةُ فِيهِ ( فَلَا يَلْزَمُ فِيمَا هُوَ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ مُنَظِّفٌ قَصْرُ طَهَارَتِهِ شَرْعًا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ ) أَيْ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تُسْتَبَاحَ بِهِ إلَّا مَعَهَا ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ مَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ ( فَرْقٌ ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ ( مِنْ جِهَةِ الْآلَةِ الَّتِي يُقَامُ بِهَا الْفِعْلَانِ ) الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَهِيَ فِي الْوُضُوءِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الطَّهُورُ وَفِي التَّيَمُّمِ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ ( وَتَجُوزُ بِالْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ ) وَبِالتَّيَمُّمِ فِي الصَّعِيدِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ أَثَرِهِ ( كَمَا يُفِيدُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ قِيَاسًا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ ( التَّعْلِيلُ ) أَيْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ بِقَوْلِهِمْ الْمَاءُ مُطَهِّرٌ فِي نَفْسِهِ وَالتُّرَابُ مُغَبِّرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ التَّعْدِيَةَ ) هُنَا ( لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِثُبُوتِ التَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ ) ثُمَّ فَسَّرَ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ بِالتُّرَابِ إيضَاحًا لَهُ بِقَوْلِهِ ( أَيْ رَفْعُ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ) مِنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا

الْقَائِمَةِ بِالْأَعْضَاءِ ( لَا ) أَنَّ التَّعْدِيَةَ هُنَا ( لِوَصْفٍ طَبِيعِيٍّ ) لِلْمَقِيسِ عَلَيْهِ ( وَالْمَاءُ كَالتُّرَابِ فِي ذَلِكَ ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَقَدْ شَرَطَ الشَّرْعُ فِي ذَلِكَ ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ( النِّيَّةَ ) فِي التُّرَابِ ( فَكَذَا الْمَاءُ وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( لَهُ وَصْفٌ اُخْتُصَّ بِهِ طَبِيعِيٌّ هُوَ إزَالَةُ الْقَذِرِ وَالتَّنْظِيفُ لَا دَخْلَ لَهُ ) أَيْ لِهَذَا الْوَصْفِ ( فِي الْحُكْمِ ) أَيْ رَفْعِ الْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ( وَلَا الْجَامِعُ ) بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَ قَصْدِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ مُطَهِّرًا شَرْعًا عِنْدَهُمْ عِنْدَ قَصْدِ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرَبِ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا الَّتِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَقَالَ ( وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ قَصْدِ ) أَدَاءِ ( الصَّلَاةِ تَجَوُّزٌ ) بِالصَّلَاةِ ( عَنْ قُرْبَةِ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا ) أَيْ مَشْرُوعَةٍ ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ( لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ ) فَدَخَلَ التَّيَمُّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَالتَّيَمُّمُ لِلْإِسْلَامِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَالشَّأْنُ فِي الْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِهَذَا التَّجَوُّزِ ( وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ الْمُفْضِي إلَى الْمِثْلِيَّةِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ كُلًّا مِنْهُمَا رَافِعًا لِلْمَانِعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ( يَمْنَعُ الْمِثْلِيَّةَ فِيهِ ) أَيْ فِي رَفْعِهَا ( بَلْ جُعِلَ ) الْمَاءُ ( مُزِيلًا بِنَفْسِهِ ) أَيْ بِطَبْعِهِ ( شَرْعًا ) لِلْمَانِعِيَّةِ ( كَالْخَبَثِ ) أَيْ كَإِزَالَتِهِ الْحِسِّيَّةِ لِلْخَبَثِ عَمَلًا (

بِإِطْلَاقِ { لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ) بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رَافِعًا لِتِلْكَ الْمَانِعِيَّةِ شَرْعًا إلَّا بِالْقَصْدِ إذْ طَبْعُهُ مُلَوَّثُ وَمُغَبَّرُ فَلَا مِثْلِيَّةَ ( وَإِذَنْ يَبْطُلُ لَا فَارِقَ ) بَيْنَهُمَا هَذَا وَإِطْلَاقُ مَنْعُ كَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حُكْمِ الْفَرْعِ هُوَ الْمَذْكُورُ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحُكْمِ الْفَرْعِ دَلِيلٌ سِوَى الْقِيَاسِ لِمَا تَقَدَّمَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَلِيلٌ سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ حُكْمِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ قَبْلَ حُكْمِ الْأَصْلِ يَكُونُ ثَابِتًا بِذَلِكَ الدَّلِيلِ وَبَعْدَهُ يَكُونُ ثَابِتًا بِهِ وَبِالْقِيَاسِ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَوَارَدَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ الْمُعْجِزَةِ الْمُقَارِنَةِ لِابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَيْسَ الْفَرْعُ حِينَئِذٍ فَرْعًا لِلْأَصْلِ الَّذِي فِيهِ يَتَكَلَّمُ وَغَايَةُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفَرُّعُهُ عَنْ أَصْلٍ مُتَأَخِّرٍ وَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَلِيلٌ آخَرُ يُثْبِتُ حُكْمَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ ( وَأَنْ لَا يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ ) أَيْ الْفَرْعِ ( مُوَافِقًا ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ هَذَا أَيْضًا عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ وَأَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَبِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيّ ( إذْ لَا حَاجَةَ ) حِينَئِذٍ لِلْقِيَاسِ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ( وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ وُجُودَهُ ) أَيْ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ ( لَا يُنَافِي صِحَّتَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ .
( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ وُجُودِ النَّصِّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ ( لَمْ يَشْرِطْهُ ) أَيْ هَذَا الشَّرْطَ ( مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ ) بَلْ

شَرَطُوا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْقِيَاسُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ فِي الْفَرْعِ قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَأْكِيدَ النَّصِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَكَانَ حُكْمُ النَّصِّ ثَابِتًا بِالتَّعْلِيلِ وَلَا مَانِعَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَأَكُّدِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ الشَّرْعَ بِآيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ مَلَأ السَّلَفُ كُتُبَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٌ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ نَكِيرٌ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِهِ ( وَكَثِيرٌ ) بَلْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ جَوَازَهُ سَوَاءً لَمْ يُثْبِتْ زِيَادَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَثْبَتَ لِاحْتِمَالِ النَّصِّ زِيَادَةَ الْبَيَانِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَحْصِيلِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِيرُ بَعْضُهُ وَالنَّسْخُ بِالرَّأْيِ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَنُصُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلنَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ .

وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَالْمُسَاوِي فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ ( لِعِلَّةِ الْأَصْلِ ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَارِضُ بِزِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَاشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ مَا بِهِ الْمُعَارَضَةُ قَوْلُهُ ( بِثُبُوتِ وَصْفٍ فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ ( يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ ( إلْحَاقًا بِأَصْلٍ آخَرَ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ ( ثَبَتَ حُكْمُ الْمَرْجُوحِ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ ) فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْقِيَاسِ إلَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ( أَوْ ) ثَبَتَ ( التَّحَكُّمُ ) فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَارِضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مَرْجُوحٌ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَيُفِيدُ الْقِيَاسُ .
وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ ( وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ ( أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا عِلَّةً لِأَنَّ وُجُودَهُ ) أَيْ الْمُعَارِضِ ( لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ إذْ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَزُولُ بِالْمُعَارَضَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ مُقْتَضَاهَا كَالشَّهَادَةِ إذَا عُورِضَتْ بِشَهَادَةٍ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تُبْطِلُ الْأُخْرَى حَتَّى إذَا تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْأُخْرَى .

( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْفَرْعِ ( لِأَبِي هَاشِمٍ كَوْنُ حُكْمِهِ ) أَيْ الْفَرْعِ ( ثَابِتًا بِالنَّصِّ جُمْلَةً وَالْقِيَاسُ لِتَفْصِيلِهِ كَثُبُوتِ حَدِّ الْخَمْرِ ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُفِيدُهُ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( فَيَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ ) ثَمَانِينَ ( بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْأَلَةٍ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ ( وَرُدَّ ) اشْتِرَاطُ هَذَا ( بِأَنَّهُمْ قَاسُوا ) قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ ( أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ تَارَةً عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَتَارَةً عَلَى الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْيَمِينِ فَإِيلَاءٌ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ( وَلَا نَصَّ فِي الْفَرْعِ أَصْلًا ) لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِسِينَ الْأَئِمَّةُ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَالثَّانِي أَبْلَغُ لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْقِيَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْهُ نَعَمْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَفْظُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْحَرَامُ ثَلَاثٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ

الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ .
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفِي هَذَا مَا تَرَى مِنْ تَعَارُضٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَلَعَلَّ عَنْ كُلٍّ قَوْلَيْنِ وَسَاقَ فِيهِمَا أَقْوَالًا أُخَرَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ قُلْت وَابْنُ أَبِي شَيْبَةٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } قَالَ وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِيَ ظِهَارٌ فَجَاءَ عَنْ ابْنِ قِلَابَةَ أَحَدِ التَّابِعِينَ وَنَسَبَهُ ابْنُ حَزْمٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى إسْمَاعِيلِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ ثُمَّ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا ظِهَارًا نَظَرًا فَإِنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ سَلَّمْنَا لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَّقَ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ كَلَامًا مُخْتَلِفًا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ لَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ نِهَايَةُ التَّحْرِيمِ فَصَرَفَ مُطْلَقَهُ إلَيْهَا وَالثَّانِي ظَاهِرُ

قَوْله تَعَالَى { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك } إلَى قَوْله تَعَالَى { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهِ آنِفًا الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشَابِهٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي الْحُرْمَةِ وَفِي هَذَا الْقَدْرِ هُنَا كِفَايَةٌ ( وَلَيْسَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْفَرْعِ ( مَقْطُوعًا بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ ) بَلْ ظَنُّ وُجُودِهَا كَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَكَوْنُ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا مَظْنُونَةً مُوجِبٌ شَرْعًا ) الْعَمَلُ ( لَا مَانِعَ ) مِنْهُ شَرْعًا فَلَا يَلِيقُ جَعْلُ انْتِفَائِهِ شَرْطًا لَهُ شَرْعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ فِي الْعِلَّةِ ) هِيَ ( مَا ) أَيْ وَصْفٌ ( شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا بِهِ ( لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ جَلْبُ مَصْلَحَةٍ ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهَا ( أَوْ تَكْمِيلُهَا أَوْ دَفْعُ مَفْسَدَةٍ ) أَيْ مَا يَكُونُ أَلَمًا أَوْ وَسِيلَةً إلَيْهِ ( أَوْ تَقْلِيلُهَا ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ نَفْسِيًّا أَوْ بَدَنِيًّا دُنْيَوِيًّا أَوْ أُخْرَوِيًّا وَحَاصِلُهُ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ إذْ الْعَاقِلُ إذَا خُيِّرَ اخْتَارَ حُصُولَ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَصْلُحُ مَقْصُودًا قَطْعًا ( فَلَزِمَ تَعْرِيفُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي شُرِعَ الْحُكْمُ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِلْحُكْمِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُزُومًا عَقْلِيًّا بِوَاسِطَةِ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ ( فَلَزِمَ ) كَوْنُهُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ( ظُهُورُهُ وَانْضِبَاطُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ أَيْضًا ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُضْطَرِبًا ( لَا تَعْرِيفَ ) أَيْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ( وَ ) لَزِمَ ( كَوْنُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ ( مَظِنَّتَهَا ) أَيْ الْحِكْمَةِ ( أَوْ ) كَوْنُهُ ( مَظِنَّةَ مَظِنَّةِ أَمْرِ تَحْصِيلِ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْأَمْرِ ( أَوْ ) كَوْنُهُ ( مَظِنَّةَ أَمْرٍ لِذَلِكَ ) أَيْ لِأَنَّ تَحَصُّلَ الْحِكْمَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ مَعَهُ ( فَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ وَشَرْعُ الْقَصْرِ ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ مَعَ السَّفَرِ ( يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ دَفْعِهَا ) أَيْ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا مِثَالُ الْأَوَّلِ ( وَصِيَغُ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ مَظِنَّةُ الرِّضَا بِخُرُوجِ مَمْلُوكِيهِمَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( إلَى الْبَدَلِ ) بِأَنْ صَارَ الْمَمْلُوكُ لِكُلٍّ هُوَ الْبَدَلُ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ ( أَوْ ) بِخُرُوجِ مَمْلُوكِ ( أَحَدِهِمَا ) لَا إلَى بَدَلٍ ( وَتُحْمَلُ الْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ

فِي الْهِبَةِ وَهُوَ ) أَيْ الرِّضَا الْمَذْكُورُ ( مَظِنَّةُ حَاجَتِهِمَا ) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى كُلٍّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْمِنَّةُ مِنْ الْآخَرِ ( فَشُرِعَ الرِّضَا سَبَبًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ وَ ) شُرِعَ ( حِلُّهُ ) أَيْ الْبَدَلِ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الرِّضَا ( لِمَصْلَحَةِ دَفْعِهَا ) أَيْ الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ .
( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ مَا شُرِعَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ مَظِنَّةَ الْحِكْمَةِ إلَخْ ( مَعْنَى اشْتِمَالِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْوَصْفِ لَا يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى ذَلِكَ إذْ الْإِسْكَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا لَيْسَ بِمُشْتَمِلٍ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الْعُقُولِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ بَلْ عَلَى ذَهَابِ الْعَقْلِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ يُحَصِّلُ الْحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ مَعَهُ ( فَحَقِيقَةُ الْعِلَّةِ ) فِي الْعُقُودِ ( الرِّضَا ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَمْرٍ هُوَ الْحَاجَةُ وَتَحْصُلُ الْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهُ وَلَكِنَّهُ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ ( وَإِذْ خَفِيَ عَلِقَ الْحُكْمُ ) وَهُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ ( بِالصِّيغَةِ فَهِيَ ) أَيْ الصِّيغَةُ ( الْعِلَّةُ اصْطِلَاحًا ) لَا حَقِيقَةً ( وَهِيَ ) أَيْ الصِّيغَةُ ( دَلِيلُ مَظِنَّةِ مَا تَحْصُلُ الْحِكْمَةُ مَعَهُ بِالْحُكْمِ ) إذْ هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ الَّتِي شَرَعَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْبَدَلِ وَحِلُّهُ مَعَهَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْلَحَةُ ( فَظَهَرَ أَنَّ الرِّضَا لَيْسَ الْحِكْمَةَ ) فِي التِّجَارَةِ ( كَمَا قِيلَ ) قَالَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّالِثِ ( وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ مَظِنَّةُ انْتِشَارِهِ ) أَيْ الْعُدْوَانِ ( إنْ لَمْ يُشْرَعْ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ )

الْقِصَاصُ ( دَفْعًا لَهُ ) أَيْ لِانْتِشَارِ الْعُدْوَانِ وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِي فَاللَّفُّ وَالنَّشْرُ فِي الْمِثْلِ مُشَوَّشٌ ( وَكَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ ) أَيْ شُرِعَ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لِحُصُولِ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا إلَخْ ( مُنَاسَبَتُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَصْفُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ شَرْعُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ إلَخْ ( الْمُنَاسِبُ فَهُوَ ) أَيْ الْمُنَاسِبُ ( مَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ مَا ) أَيْ وَصْفٌ ( لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِحُكْمٍ ( تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ يُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ مُنَاسِبٌ لِكَذَا أَيْ مُلَائِمٌ لَهُ ( وَكَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( لِلْحِكْمَةِ اعْتِبَارُهُ ) أَيْ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ ( وَمَعْرِفَتُهُ ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ ( مَسَالِكُ الْعِلَّةِ ) أَيْ طُرُقُهَا ( وَشَرْطُهَا ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ شَرْطًا لِلْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( تَفَضُّلٌ ) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ ( لَا وُجُوبٌ ) عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ .
( وَهَذَا ) الْقَوْلُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ تَفَضُّلًا ( مَا يُقَالُ الْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ دُنْيَوِيَّةً كَمَا ذُكِرَ ) مِنْ التَّرْخِيصِ بِالرُّخَصِ لِلْمُسَافِرِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْفَسَادِ ( وَأُخْرَوِيَّةً لِلْعِبَادَاتِ ) وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ الْجَوَّادِ الْوَهَّابِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ ( وِفَاقٌ بَيْنَ النَّافِينَ لِلطَّرْدِ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً إلَّا بِالْمُنَاسَبَةِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ اسْمُهُ ) أَيْ التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا إذْ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّارِعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِح الْعِبَادِ أَوْ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ

وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ قِيلَ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ جَازَ ( وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ ) ذَلِكَ ( لِظَنِّهِمْ لُزُومَ اسْتِكْمَالِهِ فِي ذَاتِهِ كَمَالًا لَمْ يَكُنْ ) حَاصِلًا لَهُ قَبْلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ( ذُهُولٌ بَلْ ذَلِكَ ) أَيْ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ( لَوْ رَجَعَتْ ) الْمَصَالِحُ وَالْحُكْمُ الْمُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْأَغْرَاضِ ( إلَيْهِ ) تَعَالَى .
( أَمَّا ) إذَا رَجَعَتْ ( إلَى غَيْرِهِ فَمَمْنُوعٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهَا إلَى الْعِبَادِ أَيْضًا الْتَزَمُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إنْ رَاجَعَهَا إلَى الْعِبَادِ يَسْتَلْزِمُ كَمَالًا لَهُ فَأَجَابَ بِمَنْعِ ذَلِكَ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ رَجْعُ الْمَصَالِحِ إلَى الْفُقَرَاءِ ( أَثَرُ كَمَالِهِ الْقَدِيمِ ) أَيْ الْمُتَّصِفِ بِهِ أَزَلًا لَا كَمَالَ حَادِثٍ لَهُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْمُتَجَدِّدِ ) مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ ( بِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ ) أَيْ بِسَبَبِ تَعَلُّقِهَا بِهِمْ ( لَازِمٌ فِي فَوَاضِلِهِ ) وَإِنْعَامَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْحَاءِ ( الْمُتَجَدِّدَةِ ) الذَّوَاتِ وَالِاقْتِضَاءِ الْمُسْتَمِرَّةِ ( فِي مَمَرِّ الْأَيَّامِ عَلَى الْأَنَامِ ) إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ الْعِبَادِ فَقَدْ { أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ كَمَالٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْمَصَالِحِ الْوَاصِلَةِ إلَى الْعِبَادِ ابْتِدَاءً لَا بِوَاسِطَةِ شَرْعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إنْزَالَ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتِ الشَّجَرِ وَالْأَقْوَاتِ وَإِيصَالَاتِ الرَّاحَاتِ وَمَا لَا يُحْصَى إلَى مَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْعِبَادِ فَكَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُوجِدَهَا ( فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِيهِ ) أَيْ الْمَانِعِينَ عَنْ كَوْنِ إفَاضَةِ هَذَا الْجُودِ مِنْ الْجَوَادِ الْعَظِيمِ لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَهُوَ ( جَوَابُنَا ) عَنْ كَوْنِ الْأَحْكَامِ مَبْنِيَّةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ

أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَّا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَتَعْرِيفُهُمْ مَظَاهِرَ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ وَكَرْمِهِ الْعَمِيمِ وَبِهِ نَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ( وَلَقَدْ كَثُرَتْ لَوَازِمُ بَاطِلَةٌ لِكَلَامِهِمْ ) كَمَا يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْكَلَامِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ تَعْلِيلَ بَعْضِ الْأَفْعَالِ سِيَّمَا شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ بِالْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ ظَاهِرٌ كَإِيجَابِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالنُّصُوصُ أَيْضًا شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ } الْآيَةُ { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } الْآيَة وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً إلَّا عِنْدَ شِرْذِمَةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ .
وَأَمَّا تَعْمِيمُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَخْلُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ مِنْ غَرَضٍ فَمَحَلُّ بَحْثٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( الْأَقْرَبُ ) إلَى تَحْقِيقِ الْعُقَلَاءِ ( أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْخِلَافَ ( لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْنَى الْغَرَضِ ) فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْفَاعِلِ قَالَ لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ وَمَرِيدُ هَذَا بِالْغَرَضِ لَا يُخَالِفُهُ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ التَّكْلِيفِيَّةِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنْ نَحَارِيرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَبَحِّرِينَ وَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَنَّهُ الْفَائِدَةُ الْعَائِدَةُ إلَى الْعِبَادِ قَالَ إنَّ أَفْعَالَهُ وَأَحْكَامَهُ تُعَلَّلُ بِهَا وَمُرِيدُ هَذَا أَنْ لَا يَظُنّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُقَلَاءِ لَا يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ الْوَاقِعِ كَذَلِكَ وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ يَقُولُ الْمُنَاسَبَةُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ ( أَوْ ) أَنَّهُ ( غَلَطٌ مِنْ اشْتِبَاهِ الْحُكْمِ بِالْفِعْلِ فَاذْكُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ ) فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ( مِنْ أَنَّهُ ) عَزَّ وَجَلَّ ( غَيْرُ مُخْتَارٍ فِيهِ )

أَيْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَدِيمًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ كَيْفَ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا ( بِخِلَافِ الْفِعْلِ ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِيهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ بِالْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْفِعْلِ ( غَيْرَ أَنَّ اتِّصَافَهُ ) أَيْ الْبَارِئِ تَعَالَى ( بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ مِنْ الْكَمَالَاتِ مُوجِبٌ لِمُوَافَقَةِ حُكْمِهِ لِلْحِكْمَةِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوَافِقِ لِلْحِكْمَةِ فَعَلَى هَذَا الْكُلُّ وَاقِعٌ لِلْحِكْمَةِ فَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاشْتِبَاهِ فَإِذَنْ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَإِذْ لَزِمَ فِيهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( الْمُنَاسَبَةُ بَطَلَتْ الطَّرْدِيَّةُ ) أَيْ كَوْنُهَا غَيْرَ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ وَلَا شَبِيهٍ بِهِ بَلْ هِيَ مَحْضُ كَوْنِهَا مُعَرِّفَةً لِلْحُكْمِ ( لِأَنَّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ ) لِلْحُكْمِ ( حُكْمٌ ) خَبَرِيٌّ ( نَظَرِيٌّ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ ) تَعَالَى ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَصْفِ ( وَهِيَ ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا قَوْلٌ ( بِلَا دَلِيلٍ فَبَطَلَتْ وَمَا قِيلَ ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ ( لِلدُّورِ لِأَنَّهَا ) أَيْ الطَّرْدِيَّةَ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَوْنِهَا طَرْدِيَّةً ( أَمَارَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا تَعْرِيفُ الْحُكْمِ ) لِلْأَصْلِ ( فَتَوَقَّفَ ) الْحُكْمُ عَلَيْهَا ( وَكَوْنُهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( يُوجِبُ تَوَقُّفَهَا عَلَيْهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُعَرِّفَ لِحُكْمِ الْأَصْلِ النَّصُّ وَهِيَ ) أَيْ الطَّرْدِيَّةُ مُعَرِّفَةً ( أَفْرَادَ الْأَصْلِ فَيُعْرَفُ حُكْمُهَا ) أَيْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ ( بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ ) أَيْ عِرْفَانِ أَفْرَادِ الْأَصْلِ ( مَثَلًا مُعَرِّفُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ النَّصُّ وَالْإِسْكَارُ ) الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ حُرْمَتِهِ ( يُعْرَفُ ) الْجُزْئِيُّ ( الْمُشَاهَدُ أَنَّهُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ الْأَصْلِ (

فَيُعْرَفُ حُرْمَتُهُ ) أَيْ الْأَصْلِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُشَاهَدِ ( فَلَا دَوْرَ ثُمَّ لَيْسَ ) تَعْرِيفُهَا لِأَفْرَادِ الْأَصْلِ أَمْرًا ( كُلِّيًّا بَلْ ) إنَّمَا هُوَ ( فِيمَا ) أَيْ أَصْلٍ ( لَهُ لَازِمٌ ظَاهِرٌ خَاصٌّ كَرَائِحَةِ الْمُشْتَدِّ أَنْ لَمْ يُشْرِكْهَا ) أَيْ الْخَمْرَ ( فِيهَا ) أَيْ الرَّائِحَةِ ( غَيْرُهَا ) أَيْ غَيْرُ الْخَمْرِ ( وَإِلَّا فَتَعْرِيفُ الْإِسْكَارِ بِنَفْسِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِشُرْبِ الْمُشَاهَدِ ) لِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالشُّرْبُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ فَتَتَوَقَّفُ حُرْمَتُهُ عَلَى شُرْبِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَتَوَقُّفُهَا عَلَيْهِ ( بَاطِلٌ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَكَوْنُهُ الْإِسْكَارَ طَرْدًا ) إنَّمَا هُوَ ( عَلَى ) قَوْلِ ( الْحَنَفِيَّةِ ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ عِنْدَهُمْ لِعَيْنِهَا ( وَعَلَى ) قَوْلِهِ ( غَيْرُهُمْ هُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْإِسْكَارِ طَرْدًا ( مِثَالٌ ) لِذَلِكَ .

( وَالْكَلَامُ فِي تَقْسِيمِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( وَشُرُوطِهَا وَطُرُقِ مَعْرِفَتِهَا ) أَيْ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مُعْتَبَرٌ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ عِلَّةٌ ( فِي مَرَاصِدَ ) ثَلَاثَةٍ ( الْمَرْصَدُ الْأَوَّلُ ) فِي تَقْسِيمِهَا ( تَنْقَسِمُ ) الْعِلَّةُ ( بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ وَ ) بِحَسْبِ ( الْإِفْضَاءِ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى الْمَقَاصِدِ ( وَ ) بِحَسْبِ ( اعْتِبَارِ الشَّارِعِ ) لَهَا عِلَّةً ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامُ ( بِالذَّاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَيَسْتَتْبِعُهُ ) أَيْ هَذَا الِانْقِسَامَ لَهَا بِحَسْبِ الْمَقَاصِدِ انْقِسَامُهَا ( وَهِيَ ) أَيْ الْمَقَاصِدُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ ( ضَرُورِيَّةً ) وَهِيَ مَا انْتَهَتْ الْحَاجَةُ فِيهَا إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ ثُمَّ ( لَمْ تُهْدَرْ فِي مِلَّةٍ ) مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ رُوعِيَتْ فِيهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي نِظَامُ الْعَالَمِ مُرْتَبِطٌ بِهَا وَلَا يَبْقَى النَّوْعُ مُسْتَقِيمَ الْأَحْوَالِ بِدُونِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ ( حِفْظُ الدِّينِ بِوُجُوبِ الْجِهَادِ وَعُقُوبَةِ الدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ ) وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } الْآيَة ( وَقَدْ يُوَجَّهُ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ وُجُوبَ الْجِهَادِ ( لِكَوْنِهِمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ ( حَرْبًا عَلَيْنَا لَا لِكُفْرِهِمْ وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ كَوْنَهُمْ حَرْبًا عَلَيْنَا ( لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَالرُّهْبَانُ ) إذَا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْكُفْرِ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ رَأْيٍ فِيهِ أَوْ حَثٍّ عَلَيْهِ بِمَالٍ أَوْ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ الْحِرَابَةِ ( وَقُبِلَتْ الْجِزْيَةُ ) مِنْ بَاذِلِيهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا ( وَلَزِمَتْ الْمُهَادَنَةُ ) أَيْ الْمُصَالَحَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِانْتِفَاءِ حِرَابِهِمْ مَعَ وُجُودِ كُفْرِهِمْ ( وَلَا يُنَافِيه ) أَيْ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا عَلَيْنَا وُجُوبُهُ لِحِفْظِ الدِّينِ فَإِنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حِفْظِ الدِّينِ لَا يَتِمُّ مَعَ حِرَابَتِهِمْ فَإِنَّهَا مُفْضِيَةٌ

لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ أَوْ لِفِتْنَتِهِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فَكَوْنُهُ وَاجِبًا لِحِفْظِ الدِّينِ هُوَ مَعْنَى وُجُوبِهِ لِحِرَابَتِهِمْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا يُنَافِيه لَوْ كَانَ وُجُوبُهُ لِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ يَكُونُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ أَخَصُّ ثُمَّ أَوْجَهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَمَنْ لَا يُحَارِبُ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرِهِمَا ( وَ ) حِفْظُ ( النَّفْسِ بِالْقِصَاصِ ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } وَتَضَافَرَ عَلَيْهِ مَعَ الْكِتَابِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
( وَ ) حِفْظُ ( الْعَقْلِ بِكُلٍّ مِنْ حُرْمَةِ الْمُسْكِرِ ) الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ ( وَحِّدْهُ ) أَيْ الْمُسْكِرِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ( وَ ) حِفْظُ ( النَّسَبِ بِكُلٍّ مِنْ حُرْمَةِ الزِّنَا ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ( وَحْدَهُ ) الَّذِي هُوَ الْجَلْدُ بِهَذِهِ أَيْضًا وَاَلَّذِي هُوَ الرَّجْمُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الْأَبْضَاعِ تُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ التَّعَهُّدِ مِنْ الْآبَاءِ الْمُفْضِي إلَى انْقِطَاعِ النَّسْلِ وَارْتِفَاعِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ مِنْ الْوُجُودِ ( وَ ) حِفْظُ ( الْمَالِ بِعُقُوبَةِ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتُسَمَّى هَذِهِ بِالْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَكُلٌّ مِنْهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ وَحَصْرُ الْمَقَاصِدِ فِي هَذِهِ ثَابِتٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاقِعِ وَعَادَاتِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَزَادَ الطُّوفِيُّ وَالسُّبْكِيُّ حِفْظَ الْعِرْضِ بِحَدِّ الْقَذْفِ ( وَيَلْحَقُ بِهِ ) أَيْ بِالضَّرُورِيِّ ( مُكَمِّلُهُ مِنْ حُرْمَةِ قَلِيلِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ وَحَدِّهِ ) أَيْ حَدُّ قَلِيلِهَا إذْ قَلِيلُهَا لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَحِفْظُ الْعَقْلِ حَاصِلٌ بِتَحْرِيمِ السُّكْرِ وَالْحَدِّ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ حُرِّمَ لِلتَّتْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ ( إذْ كَانَ ) قَلِيلُهَا ( يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ ) أَيْ الْخَمْرِ بِمَا يُوَرِّثُ النَّفْسَ مِنْ الطَّرَبِ

الْمَطْلُوبِ زِيَادَتُهُ بِزِيَادَةِ سَبَبِهِ وَذِكْرُهَا أَمَّا كَمَا هُوَ لُغَةٌ فِيهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُسْكِرِ ( فَيُزِيلُ ) كَثِيرُهَا ( الْعَقْلَ فَتَحْرِيمُ كُلِّ دَاعِيَةٍ ) إلَى مُحَرَّمٍ ( مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ثَبَتَ الشَّرْعُ عَلَى وَفْقِهِ ) أَيْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ( فِي الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ ) فَحَرُمَتْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فِيهِمَا كَمَا حَرُمَ نَفْسُ الْجِمَاعِ ( وَعَلَى خِلَافِهِ ) أَيْ وَثَبَتَ الشَّرْعُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ( فِي الصَّوْمِ ) فَلَمْ تَحْرُمْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فِيهِ كَمَا حَرُمَ الْجِمَاعُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ ( وَلَمْ يُثْبِتْ ) الشَّرْعُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ( فِي الظِّهَارِ فَتَحْرِيمُ الْحَنَفِيَّةِ إيَّاهَا ) أَيْ الدَّوَاعِي ( فِيهِ ) أَيْ فِي الظِّهَارِ ( عَلَى وَفْقِهِ ) أَيْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ .
( وَهَذَا ) الْمَقْصُودُ الضَّرُورِيُّ وَالْمُلْحَقُ بِهِ الْمُكَمِّلُ لَهُ هُوَ ( الْمُنَاسِبُ الْحَقِيقِيُّ وَدُونَهَا ) أَيْ الضَّرُورِيَّةِ مَقَاصِدُ ( حَاجِيَةٌ ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَنْتَهِ الْحَاجَةُ إلَيْهَا إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ ( شُرِعَ ) الْحُكْمُ ( لَهَا ) أَيْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا ( نَحْوُ الْبَيْعِ ) لِمِلْكِ الْعَيْنِ بِعِوَضِ مَالٍ ( وَالْإِجَارَةِ ) لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضِ مَالٍ ( وَالْقِرَاضِ ) لِلشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ وَاحِدٍ وَعَمَلٍ فِيهِ مِنْ آخَرَ ( وَالْمُسَاقَاةِ ) لِدَفْعِ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ ( فَإِنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَشْرُوعَاتِ ( لَوْ لَمْ تُشْرَعْ لَمْ يَلْزَمْ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ) الْخَمْسِ ( إلَّا قَلِيلًا كَالِاسْتِئْجَارِ لِإِرْضَاعِ مَنْ لَا مُرْضِعَةَ لَهُ وَتَرْبِيَتِهِ وَشِرَاءِ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ لِلْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّسَبُّبِ فِي وُجُودِهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَاحْتِيجَ ( إلَى دَفْعِ حَاجَتِهِ ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا ( بِهَا ) أَيْ بِهَذِهِ الْعُقُودِ فَهَذِهِ

الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيِّ لِحِفْظِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ قَدْ يَحْصُلُ بِتَرْكِهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ عَدَّهَا الْآمِدِيُّ مِنْهُ ( فَالتَّسْمِيَةُ ) أَيْ إطْلَاقُ الْحَاجِيِّ عَلَى هَذِهِ الْمَشْرُوعَاتِ ( بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ ) فَإِنَّ غَالِبَ الشِّرَاءَاتِ وَالْإِجَازَاتِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَا ضَرُورِيٌّ فَدَعْوَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ ضَرُورِيٌّ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهَا ( وَمُكَمِّلُهَا ) أَيْ وَدُونَ الضَّرُورِيَّةِ أَيْضًا مَقْصُودٌ حَاجِيٌّ لَكِنْ لَا فِي نَفْسِهِ بَلْ مُكَمِّلُ الْحَاجِيِّ فِي نَفْسِهِ ( كَوُجُوبِ رِعَايَةِ الْكَفَّارَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْوَلِيِّ فِي ) تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ ( الصَّغِيرَةِ ) فَإِنَّ أَصْلَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ .
وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا بِدُونِهَا لَكِنَّهُمَا أَشَدُّ إفْضَاءً إلَى دَوَامِ النِّكَاحِ وَإِتْمَامِ الْأُلْفَةِ وَالِازْدِوَاجِ بَيْنَهُمَا وَدَوَامُهُ مِنْ مُكَمِّلَاتِ مَقْصُودِهِ فَوَجَبَ رِعَايَتُهُمَا ( إلَّا لِدَلَالَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَدَّهُ عَلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ دُونَهَا ) أَيْ رِعَايَتِهَا ( كَتَزْوِيجِ أَبِيهَا ) أَيْ الصَّغِيرَةِ أَوْ جَدِّهَا الصَّحِيحِ إيَّاهَا ( مِنْ عَبْدٍ وَبِأَقَلَّ ) مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بِالْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ قُرْبُ الْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ الدَّاعِيَةُ إلَى وُفُورِ الشُّفْعَةِ مَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرًا فَإِنَّ مَنْ قَامَ بِهِ هَذَا لَا يَتْرُكُ كُلًّا مِنْهُمَا ظَاهِرًا إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَرْبُو عَلَى كِلَيْهِمَا وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ لَهَا فِي ذَلِكَ بَاطِنًا وَهَذَا دَلِيلُهُ اُعْتُبِرَ دَلِيلُهُ وَعُلِّقَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ وَمِنْ الْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ ( وَهَذَا ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحَاجِيِّ وَتُكْمِلُهُ ( الْمُنَاسِبُ الْمَصْلَحِيُّ وَغَيْرُ الْحَاجِيِّ تَحْسِينِي ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ رِعَايَةِ أَحْسَنِ الْمَنَاهِجِ فِي مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ ( كَحُرْمَةِ

الْقَاذُورَاتِ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْتِزَامِ الْمُرُوءَةِ ) وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْصُوفٌ بِتَشْرِيعِ ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِ { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمِ ( وَكَسَلَبِ الْعَبْدِ ) وَإِنْ كَانَ ذَا دَيْنٍ يَغْلِبُ ظَنُّ صِدْقِهِ ( أَهْلِيَّةَ الْوِلَايَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِهِمَا ) كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْحُرِّ لِكَوْنِهِ مُسْتَسْخَرًا لِلْمَالِكِ مَشْغُولًا بِخِدْمَتِهِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْمَنَاصِبُ الشَّرِيفَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ضَرُورَةٌ وَلَا حَاجَةٌ وَلَا تَكْمِيلٌ لِإِحْدَاهُمَا بَلْ إجْرَاءٌ لِلنَّاسِ عَلَى مَا أَلِفُوهُ مِنْ الْعَادَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ ذُو فَضَائِلَ وَآخَرُ دُونَهُ فِيهَا اُسْتُحْسِنَ عُرْفًا أَنْ يُفَوِّضَ الْعَمَلَ إلَيْهِمَا بِحَسْبِ فَضِيلَتِهِمَا فَيُجْعَلُ الْأَفْضَلُ لِلْأَفْضَلِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا يَقُومُ بِهِ الْآخَرُ .

( الثَّانِي ) انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ الْإِفْضَاءِ وَأَقْسَامُهُ ( خَمْسَةٌ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ ) مِنْ شَرْعِ الشَّارِعِ الْحُكْمُ عِنْدَ الْوَصْفِ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ لِلْعَبْدِ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ أَوْ لِكِلَيْهِمَا تَحْصِيلًا لِأَصْلِ الْمَقْصُودِ أَوْ تَكْمِيلًا لَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ جَلْبًا لِلثَّوَابِ أَوْ دَفْعًا لِلْعِقَابِ فِي الْأُخْرَى ( أَمَّا ) أَنْ يَكُونَ ( يَقِينًا كَالْبَيْعِ ) الصَّحِيحِ ( لِلْحِلِّ ) أَيْ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ حَلَالًا لِلْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ يَقِينًا ( أَوْ ظَنًّا كَالْقِصَاصِ لِلِانْزِجَارِ ) عَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ صِيَانَةُ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْهَلَاكِ وَهَذَا يَحْصُلُ ظَنًّا مِنْهُ ( لَا لِأَكْثَرِيَّةِ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْدِمِينَ عَلَيْهِ ( وَالِاتِّفَاقُ ) ثَابِتٌ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ ( أَوْ شَكًّا أَوْ وَهْمًا ) وَهَذَانِ فِيهِمَا خِلَافٌ ( وَالْمُخْتَارُ فِيهِمَا الِاعْتِبَارُ ) ثُمَّ مَا يُسَاوِي فِيهِ حُصُولُهُ وَنَفْيُهُ لَا مِثَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى التَّقْرِيبِ ( كَحَدِّ الْخَمْرِ ) فَإِنَّهُ شُرِعَ ( لِلزَّجْرِ ) عَنْ شُرْبِهَا لِحِفْظِ الْعَقْلِ ( وَقَدْ ثَبَتَ ) حَدُّهَا ( مَعَ الشَّكِّ فِيهِ ) أَيْ فِي الِانْزِجَارِ عَنْ شُرْبِهَا بِهِ لِأَنَّ اسْتِدْعَاءَ الطِّبَاعِ شُرْبَهَا يُقَاوِمُ خَوْفَ عِقَابِ الْحَدِّ وَعَدَمُ الْمُمْتَنِعِ وَالْمُقْدِمِ مُتَقَارِبَانِ وَلَا قَطْعَ عَادَةً لِغَلَبَةِ أَحَدِهِمَا وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّسَامُحِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ .
وَأَمَّا مَعَ إقَامَتِهَا فَلَا وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَبِرُ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى الْمَقْصُودِ أَوَّلًا عَلَى تَقْدِيرِ رِعَايَةِ الْمَشْرُوعِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّشْرِيعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا رِعَايَةَ الْمَشْرُوعِ لَكَانَ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الْخَمْرِ أَقَلَّ مَنْعًا لِلشَّارِبِينَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْقَاتِلِينَ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ إزْهَاقِ

النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ( وَرُخْصَةُ السَّفَرِ ) شُرِعَتْ ( لِلْمَشَقَّةِ وَالنِّكَاحُ ) شُرِعَ ( لِلنَّسْلِ ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ } وَقَدْ ( جَازَا ) أَيْ التَّرَخُّصُ الْمَذْكُورُ وَالنِّكَاحُ ( مَعَ ظَنِّ الْعَدَمِ ) لِكُلٍّ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالنَّسْلِ ( فِي ) سَفَرِ ( مَلِكٍ مُرَفَّهٍ ) يُسَارُ بِهِ عَلَى الْمِحَفَّةِ فِي الْيَوْمِ مِقْدَارًا لَا يُصِيبُهُ فِيهِ نَصَبٌ وَلَا ظَمَأٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ بَلْ يَتَنَعَّمُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْإِقَامَةِ .
( وَ ) نِكَاحِ ( آيِسَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ) فِي كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً فِي إفْضَائِهِ لِلْحُكْمِ ( الْحُصُولُ فِي جِنْسِ الْوَصْفِ لَا فِي كُلِّ جُزْئِيٍّ وَلَا ) فِي ( أَكْثَرِهَا ) أَيْ الْجُزْئِيَّاتِ ( أَوْ ) يَكُونُ ( يَقِينُ الْعَدَمِ كَإِلْحَاقِ وَلَدِ مَغْرِبِيَّةٍ بِمَشْرِقِيٍّ ) تَزَوَّجَ بِهَا وَقَدْ ( عُلِمَ عَدَمُ تَلَاقِيهِمَا جَعْلًا لِلْعَقْدِ مَظِنَّةَ حُصُولِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ ) الْمَجْعُولِ مَظِنَّةً لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْوَلَدِ ( عَلَى مَنْ اشْتَرَاهَا ) أَيْ الْأَمَةَ ( فِي مَجْلِسِ بَيْعِهِ ) إيَّاهَا الْآخَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَغِيبَا عَنْهُ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا ( وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ ) أَيْ اعْتِبَارِ هَذَا الطَّرِيقِ ( لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمَظِنَّةِ ) أَيْ بِمَكَانِ ظَنِّ وُجُودِ الْحِكْمَةِ ( مَعَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْمِئِنَّةِ ) أَيْ نَفْسِ الْحِكْمَةِ ( وَنُسِبَ ) فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْبَدِيعِ ( إلَى الْحَنَفِيَّةِ اعْتِبَارُهُ ) أَيْ هَذَا الطَّرِيقِ ( وَلَا شَكَّ فِي الثَّانِي ) أَيْ فِي أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ) أَيْ وَلَدِ الْمَغْرِبِيَّةِ بِالْمَشْرِقِيِّ الْمَذْكُورِ ( لِتَعَذُّرِ

الْقَطْعِ بِعَدَمِ الْمُلَاقَاةِ ) بَيْنَهُمَا بَلْ ثُبُوتُهَا جَائِزٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيْرِ أَوْ صَاحِبَ جِنِّيٍّ ( وَمُجِيزُهُ ) أَيْ هَذَا إنَّمَا هُوَ ( أَبُو حَنِيفَةَ لَا هُمَا ) أَيْ صَاحِبَاهُ وَإِنَّمَا أَجَازَهُ ( نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْعِلَّةِ ) الَّتِي هِيَ الْعَقْدُ ( لَا إلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ ) الْعِلَّةُ ( مِنْ الْحِكْمَةِ ) الَّتِي هِيَ حُصُولُ النَّسْلِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ ( أَمَّا لَوْ لَمْ تَخْلُ مَصْلَحَةُ الْوَصْفِ ) أَيْ لَمْ تَثْبُتْ الْمَصْلَحَةُ مِنْهُ بَلْ ثَابِتَةٌ فِيهِ ( لَكِنْ اسْتَلْزَمَ شَرْعُ الْحُكْمِ لَهَا ) أَيْ لِلْمَصْلَحَةِ ( مُفْسِدَ تُسَاوِيهَا أَوْ تَرَجُّحِهَا فَقِيلَ لَا تَنْخَرِمُ الْمُنَاسَبَةُ الْمُوجِبَةُ لِلِاعْتِبَارِ ) نَعَمْ يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ .
وَهَذَا اخْتِبَارُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ( وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ الِانْخِرَامُ ) فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَى ( لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ مَعَ مُعَارَضَةٍ مَفْسَدَةِ مِثْلِهَا وَمَنْ قَالَ بِعْهُ بِرِبْحِ مِثْلِ مَا تَخْسَرُ ) أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ ( عُدَّ ) قَوْلُهُ هَذَا ( خَارِجًا عَنْ تَصَرُّفِ الْعُقَلَاءِ قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الِانْخِرَامِ ( لَا تُرَجِّحُ مَصْلَحَةٌ ) صِحَّةَ ( الصَّلَاةِ فِي ) الْأَرْضِ ( الْمَغْصُوبَةِ ) عَلَى حُرْمَةِ مَفْسَدَتِهَا فِيهَا بَلْ هِيَ إمَّا مُسَاوِيَةٌ لِلْمَفْسَدَةِ أَوْ دُونَهَا وَقَدْ جَازَتْ فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ رُجْحَانَ الْمَصْلَحَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ ( وَإِلَّا ) لَوْ رَجَحَتْ مَصْلَحَتُهَا عَلَى مَفْسَدَتِهَا ( أُجْمِعَ عَلَى الْحِلِّ ) لَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ ( أُجِيبُ لَمْ يَنْشَأْ ) أَيْ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ ( مِنْ ) شَيْءٍ ( وَاحِدٍ كَالصَّلَاةِ ) فَلَمْ تَنْشَأْ الْمَفْسَدَةُ مِنْهَا بَلْ مِنْ الْغَصْبِ وَلِذَا لَوْ شَغَلَهَا بِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً وَالْمَصْلَحَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْغَصْبِ بَلْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَشَآ مَعًا مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ

وَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ قَطْعًا ( وَإِذَا لَزِمَ ) فِي عَدَمِ انْخِرَامِ الْمُنَاسَبَةِ ( رُجْحَانُهَا ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ ( فَلَهُ ) أَيْ لِلْمُرَجِّحِ ( فِي تَرْجِيحِ إحْدَاهُمَا ) وَالْوَجْهُ فِي تَرْجِيحِهَا أَيْ الْمَصْلَحَةِ ( عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ أَوْ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ فَلَهُ أَيْ لِلتَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِهِمَا ( طُرُقٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ تَنْشَأُ ) تِلْكَ الطُّرُقُ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ ( وَ ) طَرِيقٌ ( إجْمَالِيٌّ شَامِلٌ ) لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ ( يُسْتَعْمَلُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ) وَهَذَا الطَّرِيقُ الْإِجْمَالِيُّ هُوَ ( لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُهَا ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ ( هُنَا ) أَيْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ( لَزِمَ التَّعَبُّدُ الْبَاطِلُ ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا لِمَصْلَحَةٍ وَهَذَا ( بِخِلَافِ مَا قَصُرَ ) الْفَهْمُ ( عَنْ دَرْكِهِ ) مِنْ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِإِنَاطَةِ الْأَحْكَامِ بِهَا إذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ فِي مَحَالِّهَا الْوَارِدَةِ فِيهِ فَإِنَّ ثُبُوتَهَا فِيهِ تَعَبُّدٌ صَحِيحٌ .
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ ( قِيلَ وَوُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الِاعْتِبَارِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ دُونَ الْإِلْغَاءِ لِرُجْحَانِ الْمَفْسَدَةِ ) أَيْ وَلَمْ يَقَعْ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ عِنْدَ رُجْحَانٍ لِمَفْسَدَةٍ ( لِشِدَّةِ اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَابْتِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا فَلَمْ تُهْمَلْ ) الْمَصْلَحَةُ ( مَرْجُوحَةً عَلَى الِاتِّفَاقِ ) أَيْ فَلَمْ يَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ إذْ كَانَتْ مَرْجُوحَةً بَلْ كَانَتْ عَلَى الْخِلَافِ .

( وَأَمَّا الثَّالِثُ ) أَيْ انْقِسَامُهَا بِحَسْبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً ( فَإِذَا كَانَ الْقَصْدُ اصْطِلَاحَ الْمَذْهَبَيْنِ ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( فَاخْتَلَفَ طُرُقُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ ) إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ( وَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيّ اقْتَصَرْنَا عَلَى ) الطُّرُقِ ( الشَّهِيرَةِ الْمُثْبِتَةِ وَالْمُنَاسِبُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ) أَيْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً أَرْبَعَةٌ ( مُؤَثِّرٌ وَمُلَائِمٌ وَغَرِيبٌ وَمُرْسَلٌ فَالْمُؤَثِّرُ مَا ) أَيْ وَصْفٌ ( اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ( كَالْحَدَثِ بِالْمَسِّ ) أَيْ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّ عَيْنَ الْمَسِّ مُعْتَبَرَةٌ فِي عَيْنِ الْحَدَثِ بِمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا عَمّ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ } ( وَعَلَى ) قَوْلِ ( الْحَنَفِيَّةِ سُقُوطُ نَجَاسَةِ الْهِرَّةِ بِالطَّوْفِ ) فَإِنَّ عَيْنَ الطَّوْفِ مُعْتَبَرَةٌ فِي عَيْنِ سُقُوطِ نَجَاسَةِ الْهِرَّةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ } رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( فَتَعَدَّى ) سُقُوطَ النَّجَاسَةِ ( إلَى الْفَأْرَةِ ) بِعَيْنِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الطَّوْفُ ( وَالْأَوْضَحُ ) فِي التَّمْثِيلِ ( السُّكْرُ فِي الْحُرْمَةِ ) فَإِنَّ عَيْنَ السُّكْرِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى نَصٍّ ( أَوْ إجْمَاعٍ كَوِلَايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ ) فَإِنَّ عَيْنَ الصِّغَرِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ .
( وَقَدْ يُقَالُ ) بَدَلُ مَا اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ مَا اُعْتُبِرَ ( نَوْعُهُ ) فِي نَوْعِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( نَفْيًا لِتَوَهُّمِ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ

الْوَصْفِ ( مُضَافًا لِمَحَلٍّ ) كَالسُّكْرِ الْمَخْصُوصِ بِالْخَمْرِ وَالْحُرْمَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَا فَيَكُونُ لِلْخُصُوصِيَّةِ مَدْخَلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا بِالْمُؤَثِّرِ لِظُهُورِ تَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِثُبُوتِهِ ثُبُوتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِذِكْرِ الْمُرْسَلِ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُخْتَلِفِ فِيهَا وَقَيَّدَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ أَمْرٌ شُرِعَ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ مُنْحَصِرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ غَيْرَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْأَسْبَابِ ( وَالْمُلَائِمُ مَا ) أَيْ وَصْفٌ ( ثَبَتَ ) عَيْنُهُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ عَيْنِ الْحُكْمِ ( فِي الْأَصْلِ ) بِمُجَرَّدِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ ( مَعَ ثُبُوتِهِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي جِنْسِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قَلْبِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَسُمِّيَ مُلَائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ ( أَوْ ) الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ ثُبُوتِ ( جِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ .
( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ الْوَصْفُ الثَّابِتُ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ مَعَ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي حُكْمِ الْجِنْسِ ( كَالصِّغَرِ فِي حَمْلِ إنْكَاحِهَا عَلَى مَالَهَا فِي وِلَايَةِ الْأَبِ ) أَيْ كَكَوْنِ الصِّغَرِ وَصْفًا مُلَائِمًا لِتَرْتِيبِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَبِ لِإِنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَتَرَتَّبُ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى مَا لَهَا عَلَيْهِ ( فَإِنَّ عَيْنَ الصِّغَرِ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الصِّغَرِ ( فِي وِلَايَةِ الْمَالِ ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ اعْتِبَارِهِ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ

تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ حَيْثُ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ لِلصِّغَرِ أَوْ لِلْبَكَارَةِ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ لَمَّا كَانَ فِي كَوْنِ هَذَا مِثَالًا لِلْمُلَائِمِ نُظِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ أَوَّلًا عَيْنُ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِابْتِدَاءِ جَعْلِ عَيْنِ الْوَصْفِ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَسَقَطَ الْأَصْلُ مِنْهُ فَلَا يَتِمُّ كَوْنُهُ مِثَالًا لَهُ بَلْ هُوَ مِثَالٌ لِلْمُؤَثِّرِ قَالَ ( وَصَوَابُ الْمِثَالِ لِلْحَنَفِيَّةِ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ عَلَى الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِالصِّغَرِ ) أَيْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ قِيَاسًا عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَةِ إنْكَاحِهِ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ بِجَامِعِ الصِّغَرِ ( وَعَيْنُهُ ) أَيْ الصِّغَرِ اُعْتُبِرَ ( فِي جِنْسِهَا ) أَيْ الْوِلَايَةِ ( لِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الصِّغَرِ ( إلَخْ ) أَيْ فِي جِنْسِ الْوِلَايَةِ بِاعْتِبَارِهِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ لِثُبُوتِهَا لَهُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ ( لِأَنَّ إثْبَاتَ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ عِلَّةٌ ( بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي الْجِنْسِ ) إنَّمَا هُوَ ( بِإِظْهَارِهِ ) أَيْ اعْتِبَارٍ ( فِي ) مَحَلٍّ ( آخَرَ لَا فِي عَيْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ اعْتِبَارَهُ فِي عَيْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ هُوَ ( الْمُؤَثِّرُ ) لَا الْمُلَائِمُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَعَدُّدَ بَيْنَهُمَا وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّقْسِيمُ فَإِنَّهُمَا قَسِيمَانِ وَالْقَسِيمُ مُخَالِفٌ لِلْقَسِيمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الصَّوَابُ فِي الْمِثَالِ فَإِنَّ فِيهِ ظَهَرَتْ ثَلَاثَةُ مَحَالِّ الْأَصْلِ وَهُوَ نِكَاحُ الْبِكْرُ وَالْفَرْعِ وَهُوَ نِكَاحُ الثَّيِّبِ وَمَحَلُّ الْجِنْسِ وَهُوَ الْمَالُ .
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْجِنْسِ الْجِنْسَ الْمُجَرَّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَلْ مَا ظَهَرَ فِي جُزْئِيٍّ غَيْرِ الْجُزْئِيِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَالثَّانِي ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ثَابِتٌ ( فِي حَمْلِ

الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ ) أَيْ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ حَالَةَ الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي حُكْمٍ هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَكْتُوبَتَيْنِ بِوَصْفِ عُذْرِ الْمَطَرِ ( وَجِنْسِهِ ) أَيْ عُذْرِ الْمَطَرِ ( الْحَرَجُ ) أَيْ الضِّيقُ يُؤَثِّرُ ( فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ ) فِي الْحَضَرِ ( بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحَرَجُ ( فِي عَيْنِ الْجَمْعِ ) فِي السَّفَرِ إذْ الْحَرَجُ جِنْسٌ يَجْمَعُ الْحَاصِلَ بِالسَّفَرِ وَهُوَ خَوْفُ الضَّلَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَبِالْمَطَرِ وَهُوَ التَّأَذِّي بِهِ ثُمَّ كَانَ مُرَادُهُمْ بِالنَّصِّ عَلَى اعْتِبَارِ جِنْسِهِ مَا تُعْطِيه قُوَّةً سِيَاقُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( أَمَّا حَرَجُ السَّفَرِ فَبِالثُّبُوتِ مَعَهُ فَقَطْ ) أَيْ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَيْنُ حَرَجِ السَّفَرِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بِمُجَرَّدِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ إذْ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى عِلَّةِ نَفْسِ حَرَجِ السَّفَرِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
قُلْت وَيَطْرُقُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُضَافَ هُوَ مَحَلُّ النَّصِّ ) أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ هُوَ الْمُضَافُ إلَى السَّفَرِ يَعْنِي حَرَجَ السَّفَرِ وَلِذَا نِيطَ بِعَيْنِ السَّفَرِ ( فَلَا يَتَعَدَّى ) حُكْمُ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحَلَّ جُزْءٌ مِنْ الْمُعْتَبَرِ فِي حُكْمِهِ ( لَا ) أَنَّ مَحَلَّ النَّصِّ هُوَ الْحَرَجُ ( الْمُطْلَقُ ) عَنْ الْإِضَافَةِ ( وَإِلَّا تَعَدَّى ) هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ ( إلَى ذِي الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ لِوُجُودِ الْحَرَجِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِنَاطَةِ بِالسَّفَرِ ) بَلْ كَانَ يُضَافُ إلَى

الْجُرْحِ مُطْلَقًا ( إذْ لَا خَفَاءَ فِي ) الْجُرْحِ ( الْمُطْلَقِ ) وَلَا فِي انْضِبَاطِهِ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَرَجٌ ( كَالْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ ) وَالْإِنَاطَةُ بِالسَّفَرِ لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إنَّمَا أُنِيطَ بِالْحَرَجِ الْمُضَافِ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْحَضَرِ فِي الْمَطَرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْمُلَائِمِ الَّذِي اُعْتُبِرَ صِحَّةُ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ( وَأَيْضًا فَذَلِكَ ) أَيْ دَلَالَةُ ثُبُوتِ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ عَلَى صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْعَيْنِ الْمَوْجُودَةِ إنَّمَا يَكُونُ ( بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلَّيْنِ ) الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَالصِّغَرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ ( وَلَيْسَ الْمَطَرُ ) الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ هُنَا ( فِي الْأَصْلِ ) الَّذِي هُوَ السَّفَرُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْعِ فَقَطْ وَهُوَ الْحَضَرُ فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ جِنْسِيَّةِ الْحَرَجِ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ عَلَيْهِ الْمَطَرُ لِجَوَازِ الْجَمْعِ .
قُلْت عَلَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ تَقْدِيرِيٌّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فِي الْحَضَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ عَادَةً وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا ابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ خِلَافًا لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي التَّمْثِيلِ الثَّانِي ( كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَضْمَضَةِ الْمُومَأِ إلَيْهَا فِي عَدَمِ إفْسَادِهَا الصَّوْمَ ) فِي حَدِيثِ { عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ هَشَشْتُ فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ

الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ مَضْمَضْت بِالْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ النَّوَوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .
.
وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحُ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ سَعِيدٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَأَشَارَ الْبَزَّارُ إلَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ شَيْخُنَا الْحَافِظِ وَمَعْنَى فَمَهْ أَيْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْمَضْمَضَةُ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ وَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ وَلَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ جِنْسُهُ ( عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ ) أَيْ مَا نَحْنُ فِيهِ ( الْعِلَّةُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ بَلْ الِانْتِفَاءُ ) لِلْإِفْسَادِ ( لِانْتِفَاءِ ضِدِّ الرُّكْنِ ) لِلصَّوْمِ وَهُوَ أَعْنِي ضِدَّهُ دُخُولُ شَيْءِ إلَى الْجَوْفِ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا ( مِنْ الْعَيْنِ ) أَيْ اعْتِبَارِ عَيْنِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَدَمُ دُخُولِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ ( فِي الْعَيْنِ ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ إفْسَادِ الصَّوْمِ فَهُوَ مِنْ مِثْلِ الْمُؤَثِّرِ ( وَالثَّالِثُ ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ مَعَ ثُبُوتِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ ( كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ ) أَيْ كَقِيَاسِهِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْقَتْلِ ( بِالْمُحَدَّدِ ) فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ ( بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ) أَيْ بِهَذَا الْجَامِعِ كَمَا عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ ( وَجِنْسِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ( الْجِنَايَةُ عَلَى الْبِنْيَةِ ) لِلْإِنْسَانِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ ( فِي جِنْسِ ) أَيْ جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ أَيْ ( الْقِصَاصِ ) كَذَا ذَكَرَ

غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَيْسَ ) مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ( فَإِنَّهُ مِنْ الْمُؤَثِّرِ ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ بِهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا وَجْهُ التَّفْتَازَانِيِّ كَوْنُهُ مِنْ الْمُلَائِمِ دُونَ الْمُؤَثِّرِ بِتَوْجِيهٍ غَيْرِ وَجِيهٍ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ ( فَقِيلَ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ ) فِي الْأَصْلِ ( الْقَتْلُ وَحْدَهُ أَوْ ) الْقَتْلُ ( مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ بِالْمُحَدَّدِ ) وَإِلَى دَفْعِهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ صَحَّ ) هَذَا الْكَلَامُ ( لَزِمَ انْتِفَاءُ الْمُؤَثِّرِ لِتَأَتِّيهِ ) أَيْ مِثْلِ هَذَا ( فِي كُلِّ وَصْفٍ مَنْصُوصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَيْدٍ بِفَرْضٍ ) وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ الَّذِي يُفْرَضُ ( فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا قُلْنَا ) ذَلِكَ أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْقَيْدِ الَّذِي يُبْدِيه النَّاظِرُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُعْتَبَرًا بِالنَّصِّ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( إذَا قَالَ بِالْقَيْدِ ) الَّذِي يُفْرَضُ ( مُجْتَهِدٌ وَلَيْسَ ) هَذَا بِمُتَأَتٍّ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فِي كُلِّ أَمْثِلَةِ الْمُؤَثِّرِ ( قُلْنَا إنْ سَلَّمَ ) أَنَّ إبْدَاءَ قَيْدٍ يُفْرَضُ إنَّمَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْوَصْفِ لَا مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنَاطُ إيَّاهُ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَالَ بِذَلِكَ الْقَيْدِ مُجْتَهِدٌ ( فَمُنْتَفٍ ) أَيْ فَهَذَا الشَّرْطُ مُنْتَفٍ ( فِي الْمِثَالِ ) الْمَذْكُورِ ( فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْعِلَّةِ ) أَيْ فِي كَوْنِ الْقَتْلِ عِلَّةً لِلْقِصَاصِ ( سِوَاهُ ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ ( يَقُولُ انْتَفَتْ الْعِلَّةُ ) فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ ( بِانْتِفَاءِ دَلِيلِ الْعَمْدِيَّةِ ) وَهُوَ الْقَتْلُ بِمَا لَا يَلْبَثُ مِمَّا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ لِأَنَّ الْعَمْدِيَّةَ أَمْرٌ

بَاطِنٌ وَاسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْمُفَرِّقَةِ لِلْأَجْزَاءِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَصْدِ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ بَلْ يُرْضِهَا فَالْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ عِلَّةٌ لِلْقِصَاصِ أَيْضًا كَالنَّصِّ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمْدِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي التَّمْثِيلِ لِلثَّالِثِ ( الطَّوْفُ فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ ) اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ ( وَجِنْسِهِ ) أَيْ الطَّوْفِ ( لِضَرُورَةٍ أَيْ الْحَرَجِ فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ أَيْ ( التَّخْفِيفِ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ ( عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَيْنِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الطَّوْفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ ( كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ) مِنْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُؤَثِّرِ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا ( وَالْغَرِيبُ مَا ) أَيْ وَصْفٌ ( لَمْ يَثْبُتْ ) فِيهِ ( سِوَى الْعَيْنُ ) أَيْ سِوَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ عَيْنَهُ ( مَعَ الْعَيْنِ ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ ( فِي الْمَحَلِّ كَالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي حِرْمَانِ الْقَاتِلِ ) الْإِرْثَ مِنْ مَقْتُولِهِ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ أَعْنِي الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ ( ثَبَتَ ) الْحُكْمُ وَهُوَ حِرْمَانُ الْقَاتِلِ ( مَعَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي الْأَصْلِ ) أَيْ قَتْلِ الْوَارِثِ مُورِثَهُ ( وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى اعْتِبَارِ عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَوْ ) عَلَى اعْتِبَارِ ( جِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ ( لِيَلْحَقَ بِهِ ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِعْلًا مُحَرَّمًا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ ( الْفَارُّ ) مِنْ تَوْرِيثِ زَوْجَتِهِ مِنْهُ بِطَلَاقِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَطْلُوبِهِ كَمَا هُنَاكَ ثُمَّ قَدْ كَانَ فِي النُّسْخَةِ مَكَانٌ

ثَبَتَ مَعَهُ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ هُنَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ( وَقَوْلُنَا فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الْمَحْرُومُ ( قَدْ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحِرْمَانُ ( فِيمَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَالَ ) أَيْ أَخْذِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ أَجْنَبِيًّا وَلَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ فَإِنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ فَرْعُ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرِثُ مِنْهُ ( وَبِالثُّبُوتِ ) أَيْ ثُبُوتِ الْوَصْفِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ ( بَعْدَ مَا قِيلَ ) أَيْ مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا ( إنَّمَا هُوَ مِثَالُ غَرِيبِ الْمُرْسَلِ ) الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ إلْغَاؤُهُ وَلَا اعْتِبَارُهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكِرًا وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ

( وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الْأَصْلِ اعْتِبَارَانِ الْقَتْلُ ) فِي الْوَصْفِ ( وَالْحِرْمَانُ ) فِي الْحُكْمِ ( فَيَكُونُ ) الْوَصْفُ مُنَاسِبًا ( مُؤَثِّرًا ) فِي الْحُكْمِ .
فَإِنْ عَيَّنَ الْوَصْفَ اُعْتُبِرَ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا ( أَوْ الْمُحَرَّمُ ) فِي الْوَصْفِ ( وَنَقِيضُ قَصْدِهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ فِي الْحُكْمِ ( وَيَتَعَيَّنُ ) هَذَا الِاعْتِبَارُ الثَّانِي ( فِي الْمِثَالِ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ( اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا ) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ ( فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْمِيرَاثِ وَالْفَرْعِ الْمِيرَاثُ ) فَلَا يَكُونُ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ) الْوَصْفُ مَعَ الْحُكْمِ ( أَصْلًا فَالْمُرْسَلُ وَيَنْقَسِمُ ) الْمُرْسَلُ ( إلَى مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ ( كَصَوْمِ الْمَلِكِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِمَشَقَّتِهِ ) أَيْ الصَّوْمِ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ إعْتَاقِهِ ) فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ إيجَابَ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَهَذَا الْقِسْمُ الْمُرْسَلُ الْمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ ( وَمَا لَمْ يُعْلَمْ ) إلْغَاؤُهُ ( وَلَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( أَوْ ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ ( عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( أَوْ ) لَمْ يُعْلَمْ اعْتِبَارُ ( قَلْبِهِ ) أَيْ جِنْسِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي ( الْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ وَهُمَا ) أَيْ هَذَانِ الْقِسْمَانِ ( مَرْدُودَانِ اتِّفَاقًا وَأُنْكِرَ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ) تِلْمِيذِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ( إفْتَاؤُهُ ) بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغْرِبِ فِي كَفَّارَةٍ ( بِالْأَوَّلِ ) أَيْ بِحُكْمِ مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَهُوَ الصَّوْمُ ( بِخِلَافِ الْحَنَفِيِّ ) أَيْ إفْتَاءِ مَنْ أَفْتَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَلِي

خُرَاسَانَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ بِالصَّوْمِ ( مُعَلِّلًا ) تَعَيُّنَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ ( بِفَقْرِهِ لِتَبِعَاتِهِ ) أَيْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ ( ثَانِي تَعْلِيلَيْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى حَكَاهُمَا بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ) الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ مُتَّجَهٌ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ فَلْيَكُنْ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ عِلَاوَةٌ فَلَا يَضُرُّ بُطْلَانُهُ ( وَمَا عُلِمَ اعْتِبَارُ أَحَدِهَا ) أَيْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ ( الْمُرْسَلُ الْمُلَائِمُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَبُولُهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ وَذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا وَالسُّبْكِيُّ أَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ مَالِكٍ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمَصَالِحِ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَهِي إلَى مَقَالَةِ مَالِكٍ وَلَا يَسْتَجِيزُ التَّنَائِيَ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْبُعْدِ وَإِنَّمَا يُسَوِّغُ تَعْلِيقَ الْأَحْكَامِ بِمَصَالِحَ يَرَاهَا شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وِفَاقًا وَبِالْمَصَالِحِ الْمُسْتَنَدَةِ إلَى أَحْكَامٍ ثَابِتَةِ الْأُصُولِ تَارَةً فِي الشَّرِيعَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَارُ نَحْوَ ذَلِكَ ( وَشَرَطَ الْغَزَالِيُّ ) فِي قَبُولِهِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ ( كَوْنَ مَصْلَحَتِهِ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنًّا يَقْرُبُ مِنْهُ ) وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ مَعَ أَنَّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ ( كُلِّيَّةً ) كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمْ وَعَلِمْنَا أَنَّا إنْ لَمْ نَرْمِ التُّرْسَ اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ الْمُتَتَرَّسِ بِهِمْ وَغَيْرِهِمْ بِالْقَتْلِ وَإِنْ رَمَيْنَا التُّرْسَ

سَلِمَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قَتْلُ مُسْلِمٍ بِلَا ذَنْبٍ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الشَّرْعَ يَقْصِدُ تَقْلِيلَ الْقَتْلِ كَمَا يَقْصِدُ حَسْمَ سَبِيلِهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَنَحْنُ إنْ لَمْ نَقْدِرْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْحَسْمِ فَقَدْ قَدَرْنَا عَلَى التَّقْلِيلِ فَكَانَ هَذَا الْتِفَاتًا إلَى مَصْلَحَةٍ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ كَوْنُهَا مَقْصُودَةً بِالشَّرْعِ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ وَلَكِنْ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ فَيَنْقَدِحُ اعْتِبَارُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا ضَرُورِيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِحِفْظِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ قَطْعِيَّةً أَيْ ظَنِّيَّةً ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لِجَوَازِ دَفْعِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ رَمْيِهِمْ كُلِّيَّةً لِتَعَلُّقِهَا بِبَيْضَةِ الْإِسْلَامِ لَا أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ قَبُولُهُ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ يَلْزَمُ الْإِخْلَالُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ ضَرُورِيٌّ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عُمُومًا .
وَمِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ وَأَنَّ حِفْظَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ أَنَّ التُّرْسَ الْمَذْكُورَ مِنْ الْمُلَائِمِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ لِهَذَا الْوَصْفِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ لِهَذَا الْحُكْمِ إذْ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ إبَاحَةُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِعِلَّةٍ مِنْ الْعِلَلِ لَكِنَّهُ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ وُجِدَ اعْتِبَارُ الضَّرُورَةِ فِي الرُّخْصَةِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ لِلْجِنْسِ الْأَبْعَدِ مِنْ الْوَصْفِ أَعْنِي الْأَعَمَّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَهُوَ مُطْلَقُ

الضَّرُورَةِ وَالْأَبْعَدُ غَيْرُ كَافٍ فِي الْمُلَاءَمَةِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَعِيدُ هُنَا الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَضْلًا عَنْ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْأَخَصُّ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ حُصُولَ الْمَنْعِ الْكَثِيرِ فِي تَحَمُّلِ الضَّرَرِ الْيَسِيرِ وَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ بَلْ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا إنَّمَا يَكُونُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَغِيبٌ عَنَّا لَا بِالْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُدَارُ عَلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ ( فَلَا يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ لِفَتْحِ حِصْنٍ ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا ( وَلَا ) يُرْمَى الْمُتَتَرِّسُونَ بِالْمُسْلِمِينَ ( لِظَنِّ اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ ) ظَنًّا بَعِيدًا مِنْ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ ( وَلَا يُرْمَى بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِنَجَاةِ بَعْضٍ ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّ الْأُمَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي بَقَاءِ مَنْ أَبْقَى ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ ( الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ) لِإِرْسَالِهَا أَيْ إطْلَاقِهَا عَمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهَا أَوْ إلْغَائِهَا شَرْعًا ( وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ( رَدُّهُ ) مُطْلَقًا ( إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الِاعْتِبَارِ ) أَيْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ إيَّاهُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ إذَا قِيلَ بِهِ ( دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَوَجَبَ رَدُّهُ ) فَانْتَفَى تَخْصِيصُ رَدِّهِ بِكَوْنِهِ فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهَا لِلْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَالْبَيْعِ وَالْحَدِّ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِهِ ( فَتَخْلُو وَقَائِعُ ) مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ

رَدِّهَا وَخُلُوُّهَا مِنْهُ بَاطِلٌ .
( قُلْنَا نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ وَالْأَقْيِسَةَ شَامِلَةٌ ) لِتِلْكَ الْوَقَائِعِ ( وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ شُمُولِهَا لَهَا ( فَنَفْيُ كُلِّ مُدْرَكٍ خَاصٍّ ) لِلدَّلِيلِ الْخَاصِّ ( حُكْمُهُ ) أَيْ ذَلِكَ النَّفْيِ ( الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَلَمْ تَخْلُ ) تِلْكَ الْوَقَائِعُ ( عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ ) أَيْ وَخُلُوُّهَا هُوَ ( الْمُبْطِلُ فَظَهَرَ ) مِمَّا تَقَدَّمَ ( اشْتِرَاطُ لَفْظِ الْغَرِيبِ وَالْمُلَائِمِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ لِلْمُنَاسِبِ وَالثَّوَانِي لِلْمُرْسَلِ وَسَنَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَبُولُ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ ) أَيْ الْمُلَائِمِ ( مِنْ الْمُرْسَلِ فَاتِّفَاقُهُمْ ) أَيْ الْعُلَمَاءِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ نَفْيَ الْمُرْسَلِ إنَّمَا هُوَ ( فِي نَفْيِ الْأَوَّلِينَ ) مَا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ وَالْغَرِيبُ الْمُرْسَلُ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيه سَوْقُ الْكَلَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِيهِ وَاَلَّذِي فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي تَقُولُ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا وَمَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ ثُمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْآمِدِيُّ إنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالثَّانِي أَنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَدْ نُقِلَ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ .
وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَصَالِحُ شَبِيهَةً بِالْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً

قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً اُعْتُبِرَتْ وَإِلَّا فَلَا ا هـ فَجَعَلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَعَدَمِهِ مَرْدُودٌ اتِّفَاقًا مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُرْسَلِ الْمُلَائِمِ نَعَمْ نِسْبَةُ الْإِسْنَوِيِّ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ قَالَ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي سَبِيلِ الْمُلَائِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَجَعَلَ الْآمِدِيُّ الْخَارِجِيَّ ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي الْخَارِجِ ( مِنْ الْمُلَائِمِ ) قِسْمًا ( وَاحِدًا ) وَهُوَ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ خُصُوصُ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ وَعُمُومِهِ فِي عُمُومِهِ

( قَالَ ) ( الْمُنَاسِبُ إنْ ) كَانَ ( مُعْتَبَرًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ) ( فَالْمُؤَثِّرُ وَإِلَّا فَإِنْ ) كَانَ مُعْتَبَرًا ( بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ فَتِسْعَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ خُصُوصُ الْوَصْفِ أَوْ عُمُومُهُ أَوْ خُصُوصُهُ وَعُمُومُهُ ) مَعًا ( فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ وَجِنْسِهِ ) جَمِيعًا ( ثُمَّ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ إلْغَاؤُهُ أَوْ لَا ) فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْأَقْسَامِ ( وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي الشَّرْعِ لَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةٍ مَا اُعْتُبِرَ خُصُوصُ الْوَصْفِ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ وَعُمُومُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي عُمُومِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ ( وَيُسَمَّى الْمُلَائِمَ كَقَتْلِ الْمُثْقَلِ إلَخْ ) أَيْ كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَقَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَدَّدِ وَتَأْثِيرُ جِنْسِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَعْصُومِ بِالْقَوَدِ فِي جِنْسِ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ الْقِصَاصُ فِي الْأَيْدِي فَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ .
قَالَ الْآمِدِيُّ وَهَذَا الْقِسْمُ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ بَيْنَ الْقَائِسِينَ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ( وَمَا اُعْتُبِرَ الْخُصُوصُ ) فِي الْخُصُوصِ ( فَقَطْ ) لَكِنْ ( لَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الْغَرِيبُ كَالْإِسْكَارِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَوْ لَمْ يَنُصَّ ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ النَّصِّ ( إنَّمَا عَلَى عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( إذْ لَمْ يَظْهَرْ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ ( وَلَا ) اعْتِبَارُ ( جِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَوْ عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ فَهَذَا هُوَ الثَّانِي ( وَمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فَقَطْ وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْمُنَاسِبِ الْغَرِيبِ إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمَ ( دُونَ مَا سَبَقَ وَذَلِكَ كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَائِضِ

وَالْمُسَافِرِ فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ الْمُتَنَاوِلِ لِإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ ) أَصْلًا ( وَ ) إسْقَاطِ ( الرَّكْعَتَيْنِ ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الثَّالِثُ ( وَمَا لَمْ يَثْبُتْ ) اعْتِبَارُهُ وَلَا إلْغَاؤُهُ ( كَالتَّتَرُّسِ ) أَيْ تَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ سَبَقَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ الْمُرْسَلُ فَهَذَا هُوَ الرَّابِعُ ( أَوْ ) الْمُنَاسِبُ الَّذِي ( ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ ) وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ كَمَا فِي إيجَابِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى الْمِلْكِ فِي كَفَّارَةٍ لِفِطْرٍ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا هُوَ الْخَامِسُ

( ثُمَّ جِنْسُ كُلٍّ ) مِنْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ ( قَرِيبٌ ) أَيْ سَافِلٌ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ ( وَبَعِيدٌ ) أَيْ عَالٍ وَهُوَ جِنْسٌ تَحْتَهُ جِنْسٌ لَيْسَ فَوْقَهُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ الْأَجْنَاسِ ( وَمُتَوَسِّطٌ ) بَيْنَهُمَا وَهُوَ جِنْسٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَمَّا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ ( فَالْعَالِي ) مِنْ الْحُكْمِ ( الْحُكْمُ ثُمَّ الْوُجُوبُ وَأَحَدُ مُقَابِلَاتِهِ ) مِنْ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ ( ثُمَّ الْعِبَادَةُ ) فِي الْعِبَادَاتِ ( أَوْ الْمُعَامَلَةُ ) فِي الْمُعَامَلَاتِ ( ثُمَّ الصَّلَاةُ ) فِي الْعِبَادَاتِ ( أَوْ الْبَيْعُ ) فِي الْمُعَامَلَاتِ ( ثُمَّ الْمَكْتُوبَةُ أَوْ النَّافِلَةُ ) فِي الْعِبَادَاتِ ( أَوْ الْبَيْعُ بِشَرْطِهِ ) فِي الْمُعَامَلَاتِ ( عَلَى تَسَاهُلٍ ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ ( لَا يَخْفَى لِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِبَادَةَ وَمَا بَعْدَهَا ( أَفْعَالٌ لَا أَحْكَامٌ وَالْوَصْفُ ) أَيْ وَالْجِنْسُ الْعَالِي مِنْهُ ( كَوْنُهُ وَصْفًا يُنَاطُ بِهِ الْأَحْكَامُ ثُمَّ الْمُنَاسِبُ ثُمَّ الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ ثُمَّ حِفْظُ النَّفْسِ أَوْ مُقَابِلَاتُهُ ) أَيْ حِفْظُ الدِّينِ وَحِفْظُ الْعَقْلِ وَحِفْظُ النَّسَبِ وَحِفْظُ الْمَالِ .
وَهَذَا جِنْسٌ سَافِلٌ لَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا أَجْنَاسٌ مُتَوَسِّطَةٌ ( وَمِثْلُ الْوَصْفِ أَيْضًا ) فِي تَرَتُّبِ أَجْنَاسِهِ ( بِعَجْزِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَعَجْزِ الْمَجْنُونِ نَوْعَانِ ) مِنْ الْعَجْزِ ( جِنْسُهُمَا الْعَجْزُ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَفَوْقَهُ ) أَيْ الْعَجْزِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ ( الْعَجْزُ لِضَعْفِ الْقُوَى أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَرِيضَ ) وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ عَلَى مَا يَشْتَمِلُ الْمَحْبُوسَ وَفَوْقَهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ عَلَى مَا يَشْتَمِلُ الْمُسَافِرَ أَيْضًا وَفَوْقَهُ مُطْلَقُ الْعَجْزِ الشَّامِلِ لِمَا يَنْشَأُ عَنْ الْفَاعِلِ وَعَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَعَنْ

الْخَارِجِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ فَهَذَا هُوَ الْجِنْسُ الْعَالِي بِالنِّسْبَةِ إلَى عَجْزِ الْإِنْسَانِ وَتَحْتَهُ أَجْنَاسٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَالْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْخَارِجِ وَتَحْتَ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسٌ مَثَلًا تَحْتَ الْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ مُطْلَقًا جِنْسٌ هُوَ الْعَجْزُ النَّاشِئُ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ وَتَحْتَهُ جِنْسٌ هُوَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْقُوَى وَتَحْتَهُ جِنْسٌ أَيْضًا هُوَ الْعَجْزُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ وَتَحْتَهُ نَوْعٌ هُوَ عَجْزُ الصَّبِيِّ وَعَجْزُ الْمَجْنُونِ وَيُقَابِلُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْعَقْلِ حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ بِسَبَبِ ضَعْفِ الْقُوَى حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ بِدُونِ اخْتِبَارِهِ حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَجْزِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَاعِلِ مُطْلَقًا حُكْمٌ هُوَ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالتَّرَخُّصُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ وَيَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْعَجْزِ حُكْمٌ فِيهِ تَخْفِيفٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْحَرَجِ وَالضَّرَرِ ( وَلَا يُشْكِلُ أَنَّ الظَّنَّ بِاعْتِبَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَقْوَى لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ ) فِي الْأَقْرَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبْعَدِ مَثَلًا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَسَّاسُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النَّامِي وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّامِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْجِسْمُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْجِسْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ فَمَا يُشَارِكُ الْإِنْسَانَ فِي الْحَيَوَانِيَّةِ يُشَارِكُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِخِلَافِ مُشَارِكِهِ فِي الْجِسْمِيَّةِ أَوْ النُّمُوِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَقْوَى الْأَوْصَافِ فِي الْعَلِيَّةِ السَّافِلُ وَأَضْعَفَهَا الْعَالِي وَالْمُتَوَسِّطَات

مُتَرَتِّبَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَسَبِ تَرَتُّبِهَا فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى السَّافِلِ فَهُوَ أَقْوَى مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعَالِي .
( وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُلَائِمِ ( شَهَادَةَ الْأُصُولِ ) مُرِيدِينَ بِهَا بَعْدَ أَنْ يُقَابِلَ الْوَصْفَ بِقَوَانِينَ الشَّرْعِ فَيُطَابِقَهَا ( سَلَامَتُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مِنْ إبْطَالِهِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ تَخَلُّفٍ ) لِلْحُكْمِ الْمَنُوطِ بِهِ ( عَنْهُ ) فِي بَعْضِ صُوَرِ وُجُودِهِ ( أَوْ وُجُودِ وَصْفٍ يَقْتَضِي ضِدَّ مُوجِبِهِ ) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْسِ الْوَصْفِ ( كَلَا زَكَاةَ فِي ذُكُورِ الْخَيْلِ فَلَا ) زَكَاةَ ( فِي إنَاثِهَا بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ بِالتَّسْوِيَةِ ) بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي سَائِرِ السَّوَائِمِ فِي الزَّكَاةِ وُجُوبًا وَسُقُوطًا لِأَنَّ الْأُصُولَ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلَى أَحْكَامِهِ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَكُونُ الْعَرْضُ عَلَيْهَا وَامْتِنَاعُهَا مِنْ رَدِّهِ دَلِيلُ عَدَالَتِهِ كَالْعَرْضِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَسُكُوتِهِ عَنْ الرَّدِّ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ لِأَنَّ احْتِمَالَ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ .
وَقِيلَ أَدْنَى مَا يَجِبُ الْعَرْضُ عَلَيْهِ أَصْلَانِ لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَصْلَيْنِ كَمَا فِي الِاقْتِصَارِ فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ عَلَى اثْنَيْنِ قُلْت وَرَدُّ الْأَوَّلِ لَا شَكَّ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الشَّارِعِ الْحَرَجَ فِي الْمُتَعَسِّرِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْمُتَعَذِّرِ عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَنْ شَرَطَ الْعَرْضَ عَلَى كُلِّ الْأُصُولِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَقْصَى فِي الْعَرْضِ فَالْخَصْمُ يَقُولُ وَرَاءَ هَذَا أَصْلٌ آخَرُ هُوَ مُعَارِضٌ أَوْ نَاقِضٌ لَا يَدَّعِيه فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلُ النَّقْضِ وَالْمُعَارَضَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصْلُحُ

حُجَّةً لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ كَانَ الْعَرْضُ تَزْكِيَةً أَوْ كَالتَّزْكِيَةِ فِي الشَّاهِدِ فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالْعَرْضِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ كَمَا يَكْتَفِي فِي تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِالْوَاحِدِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَعْرِضُ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَأَجَابَ مَشَايِخُنَا بِأَنَّ عَدَالَةَ الْوَصْفِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّأْثِيرِ وَالْفَرْضُ ظُهُورُهُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّعْدِيلُ وَالْأُصُولُ شُهُودٌ لِلْحُكْمِ كَمَا تُوصَفُ الْعِلَلُ بِالْحُكْمِ لَا مُزَكُّونَ فَهِيَ كَثْرَةُ نَظَائِرَ وَذِكْرُ النَّظَائِرِ لَهُ لَا يُحْدِثُ لَهُ قُوَّةً كَالشَّاهِدِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَفْعَالُهُ لَا تَظْهَرُ بِهِ عَدَالَتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ) قَائِلُونَ ( التَّعْلِيلُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ) أَيْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْعَيْنِ ( مَقْبُولٌ فَإِنْ ) كَانَ التَّعْلِيلُ ( بِمَا عَيْنُهُ أَوْ جِنْسُهُ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي عَيْنِ الْحُكْمِ فَقِيَاسٌ اتِّفَاقًا لِلُزُومِ أَصْلِ الْقِيَاسِ ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ وَيُقَالُ لِمَا تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ إنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي رُبَّمَا يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرٌ وَالْقِيَاسُ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ ( فَقَدْ ) يَكُونُ قِيَاسًا ( بِأَنْ يَكُونَ ) مَا عَيْنُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَكُونُ ( الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ أَيْضًا ) فَيُسْتَدْعَى أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ ( فَيَكُونُ مُرَكَّبًا ) .
وَكَذَا مَا جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ قَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ فِي عَيْنِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فَيَكُونُ قِيَاسًا وَقَدْ لَا

فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرْسَلِ الَّتِي يَجِبُ قَبُولُهَا لِلْحَنَفِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْ أَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَثِّرِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِ ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) السَّرَخْسِيُّ قَالَ الْأَصَحُّ عِنْدِي ( الْكُلُّ قِيَاسٌ دَائِمًا لِأَنَّ مِثْلَهُ ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ ( لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلِ قِيَاسٍ ) فِي الشَّرْعِ لَا مَحَالَةَ ( إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ لِظُهُورِهِ ) كَمَا قُلْنَا فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِهَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ مَقِيسًا عَلَى أَصْلٍ وَاضِحٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَبَاحَ الصَّبِيَّ طَعَامًا فَتَنَاوَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ بِالْإِبَاحَةِ سَلَّطَهُ عَلَى تَنَاوُلِهِ فَتَرَكْنَا ذِكْرَ هَذَا الْأَصْلِ لِوُضُوحِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَيُذْكَرُ كَمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي طَوْلِ الْحُرَّةِ إنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ : إنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْحُرِّ كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ وَهُوَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَصِّفُ الْحِلَّ الَّذِي يَبْتَنِي عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ شَرْعًا وَلَا يُبَدِّلُهُ بِحِلٍّ آخَرَ فَيَكُونُ الرَّقِيقُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ ذَلِكَ الْحِلُّ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْغُمُوضِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ ( وَعَلَى هَذَا ) الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ( لَا بُدَّ فِي التَّعْلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ فِيهِ ) أَيْ الْعَيْنِ ( فَإِنَّ أَصْلَ الْقِيَاسِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِذَلِكَ ) أَيْ بِتَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ ( فَلَا يُعَلَّلُ بِالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ تَعْلِيلًا بَسِيطًا أَصْلًا وَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِقْرَاءٍ يُفِيدُهُ ) أَيْ هَذَا الْمَطْلُوبَ ( ثُمَّ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( بِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ) الْمَذْكُورَةِ ( يَشْمَلُ الْعَيْنَ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ ) كَمَا يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ

الْأَقْسَامَ الْأُخَرَ : جِنْسَهُ فِي عَيْنِهِ فَقَطْ وَجِنْسَهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ وَعَيْنَهُ فِي جِنْسِهِ فَقَطْ .
( وَمُرَادُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( إذَا ثَبَتَ ) التَّأْثِيرُ الْمَذْكُورُ ( بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ ) أَيْ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ ( التَّرْكِيبُ ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَسِيطِ ( وَسَمَّى بَعْضُهُمْ ) أَيْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ الرَّازِيِّ ( مَا يُوجَدُ مِنْ أَصْلِ الْقِيَاسِ ) أَيْ مَا يَكُونُ لِحُكْمِهِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ ( شَهَادَةَ الْأَصْلِ فَشَهَادَةُ الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ ) أَيْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ ( مُطْلَقًا أَيْ بِصِدْقِ ) شَهَادَةِ الْأَصْلِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ مَا يُوجَدُ مِنْ أَصْلِ الْقِيَاسِ أَيْ لِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ اعْتِبَارَ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَقَدْ وُجِدَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعٍ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ فَقَدْ وُجِدَ اعْتِبَارُ نَوْعِ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ مَعَ وُجُودِهِ ( وَمِنْ الْآخَرِينَ ) أَيْ وَشَهَادَةُ الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَاعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ ( مِنْ وَجْهٍ ) فَتُوجَدُ شَهَادَةُ الْأَصْلِ بِدُونِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُوجَدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ .
وَقَدْ يُوجَدَانِ مَعًا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِأَنَّ التَّحَقُّقَ بِدُونِ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْأَوَّلِينَ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْآخَرِينَ وَبِالْعَكْسِ فَبِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ بِدُونِ التَّأْثِيرِ وَأُجِيبَ

بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْغَرِيبِ وَهُوَ الْمَرْدُودُ مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ أَمْ لَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي انْفِكَاكَهُ عَنْ التَّأْثِيرِ فِي الْجُمْلَةِ وَالِانْفِكَاكُ عَنْ التَّأْثِيرِ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ وَنَظَرُ الْمُتَعَقِّبِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إذَا لُوحِظَتْ النِّسْبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى الَّذِي اُعْتُبِرَ فِي الْغَرِيبِ الْمَرْدُودِ ( وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَعْنَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ مَا ذَكَرْنَا ) أَوَّلًا ( ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيَاسِ مِمَّا جِنْسُهُ ) أَيْ جِنْسُ عَيْنِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ( فِي الْعَيْنِ ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ ( لَيْسَ إلَّا بِجَعْلِ الْعَيْنِ ) أَيْ عَيْنِ الْوَصْفِ ( عِلَّةً ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا ) أَيْ عَيْنِ الْوَصْفِ ( الْعِلَّةَ ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ أَعْنِي بِهَا ( جِنْسَهُ ) أَيْ جِنْسَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ ( فَيَرْجِعُ إلَى اعْتِبَارِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ ) وَيَنْتَفِي هَذَا الْقِسْمُ فِي التَّحْقِيقِ مَثَلًا إذَا عُلِّلَ عِتْقُ الْأَخِ عِنْدَ شِرَاءِ أَخِيهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ .
وَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ بِتَأْثِيرِ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ إلَّا مِلْكَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ مَعَ مِلْكِ الْأَخِ لَيْسَ لِمِلْكِ الْأَخِ بَلْ لِمِلْكِ ذِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَلَيْسَ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا قِسْمَانِ مِنْ الدَّالِ عَلَى الِاعْتِبَارِ ثُبُوتُ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَالْبَسَائِطُ أَرْبَعٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ عَيْنٌ فِي عَيْنٍ جِنْسٌ فِي جِنْسٍ عَيْنٌ فِي جِنْسِ قَلْبِهِ ( هِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ هِيَ ( الْمُؤَثِّرُ وَثَلَاثَةٌ مُلَائِمُ

الْمُرْسَلِ ) الْمُتَقَدِّمَةِ ( أَمَّا الْمُلَائِمُ ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْأَوَّلِ الْمُقَابِلِ لِلْمُرْسَلِ ( فَيَلْزَمُهُ التَّرْكِيبُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ ثُبُوتِ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ ) ثُبُوتِ اعْتِبَارِ ( قَلْبِهِ ) أَيْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ ( أَوْ ) ثُبُوتِ اعْتِبَارِ ( جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُلَائِمِ تَرْكِيبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ ) وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا سَيُعْلَمُ ( وَالْمُرَكَّبُ إمَّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ قِيلَ ) أَيْ ذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ ( كَالسُّكْرِ ) فَإِنَّ عَيْنَ هَذَا الْوَصْفِ مُؤَثِّرٌ ( فِي الْحُرْمَةِ ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ الشُّرْبِ ( وَجِنْسِهِ ) أَيْ السُّكْرِ وَهُوَ ( إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِيهَا ) أَيْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ كَمَا يَكُونُ بِسَبَبِ السُّكْرِ يَكُونُ بِغَيْرِهِ ( ثُمَّ ) السُّكْرُ مُؤَثِّرٌ ( فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَوِيِّ كَالْحَرْقِ وَالدُّنْيَوِيِّ كَالْحَدِّ ) وَهَذَا جِنْسُ الْحُكْمِ ( وَجِنْسُهُ ) أَيْ السُّكْرِ ( الْإِيقَاعُ ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرٌ ( فِي الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ ) وَهُوَ جِنْسُ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّكْرَ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً لِلْقَذْفِ صَارَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ إيقَاعُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ مُؤَثِّرًا فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ الْحَرْقِ ) فِي النَّارِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ( بَعُدَ أَنَّهُ اعْتِزَالٌ ) لِجَوَازِ عَدَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ( غَيْرُ الْحُكْمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ) وَهُوَ التَّكْلِيفِيِّ ( وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ ) أَيْ السُّكْرِ ( فِي وُجُوبِ الزَّاجِرِ لَيْسَ ) تَأْثِيرًا ( فِي جِنْسِ حُرْمَةِ الشُّرْبِ ) لِيَكُونَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ ( وَإِنَّمَا يَصِحُّ ) أَنْ يَكُونَ

مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ ( لِتَأْثِيرِ السُّكْرِ فِي حُرْمَةِ الْإِيقَاعِ ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ فِي حُرْمَةِ الشُّرْبِ فَيَكُونُ الْعَيْنُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْجِنْسِ وَأَثَّرَ فِي الْعَيْنِ ( وَالْإِيقَاعُ ) فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَثَّرَ ( فِي حُرْمَةِ الْقَذْفِ كَمَا أَثَّرَ فِي ) حُرْمَةِ ( الشُّرْبِ ) أَيْضًا فَيَكُونُ جِنْسُ الْوَصْفِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ مِنْ حُرْمَةِ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ كَمَا أَثَّرَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ حُرْمَةُ الشُّرْبِ ( لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِجِنْسِهِمَا ) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ ( مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( فَيَلْزَمُ التَّصَادُقُ لَا يُقَالُ مَجِيءُ مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ ( فِي الْإِيقَاعِ مَعَ السُّكْرِ ) لِأَنَّا نَقُولُ لَا ( لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ) أَيْ بِالْإِيقَاعِ ( مَوْقِعُ الْعَدَاوَةِ وَهُوَ ) أَيْ مَوْقِعُهَا ( أَعَمُّ مِنْ السُّكْرِ وَالْقَذْفِ ) أَيْ زَمَنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ قَذْفٌ فَيُصَدَّقُ السُّكْرُ مَوْقِعَ الْعَدَاوَةِ وَالْكَلَامُ الَّذِي هُوَ قَذْفٌ مَوْقِعَ الْعَدَاوَةِ ( فَيُحَرِّمُهُمَا ) أَيْ مَوْقِعُ الْعَدَاوَةِ السُّكْرَ وَالْقَذْفَ ( وَأَمَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ فَأَرْبَعَةٍ فَمَا سِوَى الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ ) لِأَنَّ التَّرْكِيبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِإِسْقَاطِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي الْجِنْسِ وَفِي الْعَيْنِ .
فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْعَيْنَ فِي الْعَيْنِ كَانَ الْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَاهُ وَهُوَ الْعَيْنُ فِي الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْعَيْنَ فِي الْجِنْسَ فَالْمُرَكَّبُ الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسُ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ وَهُوَ ثَانٍ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْجِنْسَ فِي الْجِنْسِ فَالْمُرَكَّبُ حِينَئِذٍ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ ثَالِثٌ وَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ الْجِنْسَ فِي الْعَيْنِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ ، وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ

رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَنَقُولُ ( التَّيَمُّمُ ) أَيْ صِحَّتُهُ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ ( عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ ) وَهَذَا عَيْنُ الْوَصْفِ ( فَالْجِنْسُ ) لِلْوَصْفِ ( الْعَجْزُ بِحَسَبِ الْمَحَلِّ ) عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْوَصْفُ مُؤْثَرٌ ( فِي الْجِنْسِ ) أَيْ جِنْسِ التَّيَمُّمِ أَيْ ( سُقُوطُ مَا يُحْتَاجُ ) إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ( وَ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي الْعَيْنِ التَّيَمُّمُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } إقَامَةً لِأَحَدِ الْعَنَاصِرِ مَقَامَ الْآخَرِ فَإِنَّ التُّرَابَ مُطَهِّرٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِحَيْثُ يُنَشِّفُ النَّجَاسَاتِ ( وَالْعَيْنُ ) لِلْوَصْفِ ( الْعَجْزُ عَنْ الْمَاءِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي الْجِنْسِ ) لِلْحُكْمِ أَيْ ( سُقُوطُ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالَهُ ( أَعَمُّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ لَكِنَّ الْعَيْنَ ) لِلْوَصْفِ وَهُوَ ( خَوْفُ الْفَوْتِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَيْنِ ) لِلْحُكْمِ أَيْ ( التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَيَمُّمٌ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَقَدْ جُعِلَتْ ) الْعَيْنُ لِلْوَصْفِ ( مَرَّةً خَوْفَ الْفَوْتِ وَمَرَّةً الْعَجْزَ عَنْ الْمَاءِ لِأَنَّهُمَا ) أَيْ الْخَوْفَ وَالْعَجْزَ ( وَاحِدٌ ) مَعْنًى ( لِأَنَّ الْعَجْزَ مُخِيفٌ .
فَإِنْ قُلْت خَوْفُ الْفَوْتِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْفَرْعُ ) أَيْ صَلَاةُ الْعِيدِ ( وَالْمُرَادُ مِنْ الْوَصْفِ الْمَنْظُورُ فِي أَنَّ جِنْسَهُ أَثَّرَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مَا فِي الْأَصْلِ لِيَدُلَّ بِهِ ) أَيْ بِتَأْثِيرِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ عَيْنِهِ ( عَلَى اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْمَذْكُورِ ( عِلَّةً فِي نَظَرِ الشَّارِعِ قُلْت ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ ( فِي غَيْرِ الْمُرْسَلِ وَالتَّعْلِيلُ بِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ الْمُرْسَلِ ( قِيَاسٌ وَلَيْسَ هَذَا الْقِسْمُ ) أَيْ الْمُرَكَّبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَيْسَ مِنْهَا الْعَيْنُ مَعَ

الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ ( إلَّا مُرْسَلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قِيَاسٌ وَلَا اسْتَدْعَى أَصْلًا فَلَزِمَهُ ) حِينَئِذٍ ( الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُرْسَلُ مَأْخُوذٌ فِيهِ عَدَمُهُ ) أَيْ الْعَيْنِ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْأَصْلِ ( فَالتَّعْلِيلُ بِالْمُرْسَلِ ) تَعْلِيلٌ ( بِمَصَالِحَ خَاصَّةٍ ابْتِدَاءً اُعْتُبِرَتْ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُهُ أَوْ جِنْسُهَا ) أَيْ الْمَصَالِحِ ( فِي عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَوْ جِنْسِهِ لَكِنْ تُشْتَرَطُ الضَّرُورِيَّةُ وَالْكُلِّيَّةُ ) فِيهَا ( عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَائِلِهِ ) أَيْ الْمُرْسَلِ وَهُوَ الْغَزَالِيُّ ( فَإِنْ قُلْت الْمِثَالُ حَنَفِيٌّ وَهُوَ ) أَيْ الْحَنَفِيُّ ( يَمْنَعُ الْمُرْسَلَ ) فَكَيْفَ يَتِمُّ عَلَى قَوْلِهِ ( قُلْنَا سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوْلُ بِعَمَلِهِمْ بِبَعْضٍ مَا يُسَمَّى مُرْسَلًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَدْخُلُ ) ذَلِكَ ( فِي الْمُؤَثِّرِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( كَمَا سَيَظْهَرُ وَالْمُرَكَّبُ مِمَّا سِوَى الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِ مَاءِ الشُّرْبِ فِي التَّيَمُّمِ ) أَيْ جَوَازُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا هُوَ ( الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ ) أَيْ قَوْله تَعَالَى ( { فَلَمْ تَجِدُوا } ) الْآيَةَ ( وَجِنْسُهُ ) أَيْ عَيْنِ هَذَا الْوَصْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ( الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ ) عَنْ الْمَاءِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ حُكْمِيًّا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ عَجْزَهُ عَنْ غَيْرِ مَاءِ الشُّرْبِ فَقَطْ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ الشُّرْبُ كَانَ كَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ فَكَانَ عَجْزُهُ عَنْهُ حُكْمِيًّا لَا حَقِيقِيًّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُؤَثِّرٌ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ أَيْ ( سُقُوطُ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ مَاءِ الشُّرْبِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ ( وَعَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( عَدَمُ وِجْدَانِهِ ) أَيْ مَاءِ الشُّرْبِ مُؤَثِّرٌ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُ اسْتِعْمَالِهِ أَيْ ( السُّقُوطِ دَفْعًا لِلْهَلَاكِ وَالْجِنْسُ غَيْرُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ )

أَيْ الْعَيْنِ ( لِأَنَّ الْعَجْزَ الْمَذْكُورَ ) وَهُوَ الْعَجْزُ الْحُكْمِيُّ مُطْلَقًا ( غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي ) جَوَازِ أَوْ وُجُوبِ ( التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَيَمُّمٌ ) بَلْ إنَّمَا أَثَّرَ فِي سُقُوطِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مُطْلَقًا مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ كَمَا ذَكَرَ آنِفًا .
( وَ ) الْمُرَكَّبُ ( مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ كَالْحَيْضِ فِي حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ ) أَيْ وَهَذَا هُوَ ( الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَجِنْسُهُ ) أَيْ الْحَيْضِ ( الْأَذَى ) مُؤَثِّرٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ الْقُرْبَانِ ( أَيْضًا وَ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي الْجِنْسِ ) لِحُرْمَةِ الْقُرْبَانِ أَيْ ( حُرْمَةِ الْجِمَاعِ مُطْلَقًا ) فَتَدْخُلُ حُرْمَةُ اللِّوَاطِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ وُجُوبُ الِاعْتِزَالِ ( وَ ) الْمُرَكَّبُ ( مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَالْحَيْضِ عِلَّةً لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا هُوَ ( الْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ وَ ) عِلَّةُ ( جِنْسِهِ ) أَيْ عَيْنِ الْحُكْمِ ( حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ ) حَالَ كَوْنِهَا ( أَعَمَّ مِمَّا فِي الصَّلَاةِ ) وَخَارِجِهَا ( وَجِنْسُهُ ) أَيْ الْحَيْضِ ( الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا الْجِنْسِ ) أَيْ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ ( حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا وَالْمُرَكَّبُ مِنْ اثْنَيْنِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ مَعَ الْجِنْسِ فِيهِ ) أَيْ الْعَيْنِ ( الطَّوْفُ ) فَإِنَّهُ عِلَّةٌ ( فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ ( وَجِنْسِهِ ) أَيْ الطَّوْفِ وَهُوَ ( مُخَالَطَةُ نَجَاسَةٍ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا ) عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ كَآبَارِ الْفَلَوَاتِ ( وَ ) الْمُرَكَّبُ ( مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْجِنْسِ الْمَرَضِ ) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ ( فِي الْفِطْرِ وَ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْمَرَضِ ( التَّخْفِيفُ فِي الْعِبَادَةِ بِثُبُوتِ الْقُعُودِ ) فِي الْمَكْتُوبَةِ ( وَ ) الْمُرَكَّبُ ( مِنْ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ كَالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ ) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ ( فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ ) فَهَذَا مِنْ الْعَيْنِ فِي

الْعَيْنِ ( وَجِنْسُهُ ) أَيْ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ ( الْعَجْزُ بِعَدَمِ الْعَقْلِ لِشُمُولِهِ ) أَيْ الْعَجْزِ ( الصِّغَرَ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي جِنْسِهَا ) أَيْ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَهُوَ الْوِلَايَةُ مُطْلَقًا ( لِثُبُوتِهَا ) أَيْ الْوِلَايَةِ ( فِي الْمَالِ وَ ) الْمُرَكَّبُ ( مِنْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ كَجِنْسِ الصِّغَرِ الْعَجْزُ لِعَدَمِ الْعَقْلِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي وِلَايَةِ الْمَالِ ) لِلْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّفْسِ ( وَ ) فِي ( مُطْلَقِهَا ) أَيْ الْوِلَايَةِ ( فَتَثْبُتُ ) الْوِلَايَةُ ( فِي كُلٍّ مِنْهُ ) أَيْ الْمَالِ ( وَمِنْ النَّفْسِ وَ ) الْمُرَكَّبِ ( مِنْ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَقَلْبِهِ ) أَيْ وَمِنْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ ( خُرُوجُ النَّجَاسَةِ ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ مُؤَثِّرٌ ( فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ ثُمَّ خُرُوجُهَا مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا ) وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَعَمُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ فَكَانَ جِنْسَ الْوُضُوءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ إلَّا فِي الْحَدَثِ ثُمَّ بِوُجُوبِ مَا شُرِطَ لَهُ ) إزَالَتُهَا ( تَجِبُ ) إزَالَتُهَا .

( وَ ) الْمُرَكَّبِ ( مِنْ الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْجُنُونِ وَالصِّبَا ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَثِّرٌ ( فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ ) لِلِاحْتِيَاجِ إلَى النِّيَّةِ ( وَجِنْسُهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ بِعَدَمِ الْعَقْلِ ( الْعَجْزُ لِخَلَلِ الْقُوَى ) فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ ( وَظَهَرَ أَنَّ سِتَّةَ ) الْمُرَكَّبِ ( الثُّنَائِيِّ ثَلَاثَةٌ قِيَاسٌ ) وَهِيَ الْأُولَى ( وَثَلَاثَةٌ مُرْسَلٌ ) وَهِيَ الْأَخِيرَةُ ( وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ ) الْمُرَكَّبِ ( الثُّلَاثِيِّ قِيَاسٌ ) وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهَا ( وَوَاحِدٌ لَا ) أَيْ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْهَا ( هَذَا وَالْأَكْثَرُ تَرْكِيبًا يُقَدَّمُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا ) أَيْ الْمُرَكَّبَاتِ ( وَالْمُرَكَّبُ ) يُقَدَّمُ ( عَلَى الْبَسِيطِ ) عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّ قُوَّةَ الْوَصْفِ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ التَّأْثِيرِ وَالتَّأْثِيرُ اعْتِبَارُ الشَّرْعِ فَكُلَّمَا كَثُرَ الِاعْتِبَارُ قَوِيَ الْآثَارَ فَيَكُونُ الْمُرَكَّبُ أَقْوَى مِنْ الْبَسِيطِ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءٍ أَكْثَرَ أَقْوَى مِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ أَجْزَاءٍ أَقَلَّ لَكِنْ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا سِوَى اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ فَإِنَّهُ أَقْوَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى كَادَ يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدِّي الْمَحَلِّ فَالْمُرَكَّبُ فِي غَيْرِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ ( وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ ( لَا بُدَّ قَبْلَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ هَذَا الْأَصْلِ ) الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأُصُولَ مَعْلُولَةٌ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ فِي كُلِّ أَصْلٍ مِنْ دَلِيلٍ مُمَيِّزٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ قِيَامِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا فِي الْحَالِ

انْتَهَى إلَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِمُسَاعَدَةِ الْخَصْمِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ آخَرَ عَلَيْهِ .
( وَلَا يَكْفِي ) قَوْلُ الْمُعَلِّلِ ( الْأَصْلُ ) فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ كَمَا عَزَاهُ فِي الْمِيزَانِ إلَى عَامَّةِ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ وَالشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْأَصْلَ ( مُسْتَصْحَبٌ يَكْفِي لِلدَّفْعِ ) أَيْ لِدَفْعِ ثُبُوتِ مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ ( لَا الْإِثْبَاتِ ) عَلَى الْخَصْمِ ( كَمَا سَيُعْلَمُ ) فِي بَحْثِ الِاسْتِصْحَابِ آخِرَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَهَذَا ( بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ لِنَفْسِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ التَّعْلِيلِ لِنَفْسِهِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ ( كَنَقْضِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَعْلُولِيَّتِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْخَارِجِ النَّجِسِ الْمَذْكُورِ عِلَّةً لِلنَّقْضِ ( بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِهِ ) أَيْ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ ( فِي مَثْقُوبِ السُّرَّةِ ) إذَا خَرَجَ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ( فَعُلِمَ ) بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ ( تَعَدِّيهِ ) أَيْ النَّقْضِ ( عَنْ مَحَلِّ النَّصِّ ) الَّذِي هُوَ السَّيَلَانُ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْبَدَنِ إذْ لَوْ كَانَ خُصُوصُ الْمَحَلِّ مُعْتَبَرًا فِي النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ لَمَا جَازَ قِيَامُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنَصَّبَ بِالرَّأْيِ ( فَصَحَّ تَعْلِيلُهُ ) أَيْ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ( بِنَجَاسَةِ الْخَارِجِ ) وَإِنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَصِفَةُ النَّجَاسَةِ هِيَ الرَّافِعَةُ لِلطَّهَارَةِ وَالْعَيْنُ الْخَارِجَةُ مَعْرُوضُهَا الَّتِي هِيَ قَائِمَةٌ بِهَا ( لِيَثْبُتَ النَّقْضُ بِهِ ) أَيْ الْخَارِجِ النَّجِسِ ( مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ وَطَائِفَةٌ لَا ) تَشْتَرِطُ الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْلُولِيَّةِ الْأَصْلِ قَبْلَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُنَاظَرَةِ (

إذْ لَمْ يُعْرَفْ ) ذَلِكَ ( فِي مُنَاظَرَةٍ قَطُّ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ) وَكَفَى بِهِمْ قُدْرَةً ( وَلِأَنَّ إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ) فِي إلْحَاقِ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ بِوَاسِطَتِهِ ( يَتَضَمَّنُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْأَصْلِ مَعْلُولًا ( فَأَغْنَى ) بَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْأَصْلِ مَعْلُولًا .
( وَهَذَا ) الْقَوْلُ ( أَوْجَهُ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( ثُمَّ دَلِيلُ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ بِعَيْنِهِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ ( النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَسَيَأْتِيَانِ وَالتَّأْثِيرُ ) وَهُوَ ( ظُهُورُ أَثَرِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( شَرْعًا وَيُسَمُّونَهُ ) أَيْ التَّأْثِيرَ ( عَدَالَتَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( وَيَسْتَلْزِمُ ) التَّأْثِيرُ ( مُنَاسَبَتَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يَصِحَّ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ ( وَيُسَمُّونَهَا ) أَيْ مُنَاسَبَتَهُ ( مُلَاءَمَتَهُ ) بِالْهَمْزَةِ أَيْ مُوَافَقَتَهُ لِلْحُكْمِ ( وَتَسْتَلْزِمُ ) مُنَاسَبَتُهُ ( كَوْنَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( غَيْرَ نَابٍ ) أَيْ بَعِيدٍ ( عَنْ الْحُكْمِ ) وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِصَلَاحِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ ( كَتَعْلِيلِ ) وُقُوعِ ( الْفُرْقَةِ ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى ( بِالْإِبَاءِ ) فَإِنَّهُ يُنَاسِبُهُ ( بِخِلَافِهَا ) أَيْ الْفُرْقَةِ ( بِإِسْلَامِ الزَّوْجَةِ ) فَإِنَّهُ نَابٍ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عُرِفَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ وَالْأَمْلَاكِ قَاطِعًا لَهَا وَكَيْفَ لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى } وَالْمَحْظُورُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَانْقِطَاعُ النِّكَاحِ عُقُوبَةٌ وَإِبَاءُ الْإِسْلَامِ رَأْسُ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا

لَهُ ( كَمَا سَيَأْتِي ) ذِكْرُهُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ صَلَاحُ الْوَصْفِ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلْعِلَلِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّلُونَ مُنَاسَبَةَ الْأَحْكَامِ غَيْرَ نَابِيَةٍ عَنْهَا فَمَا كَانَ مُوَافِقًا لَهَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَمَا لَا فَلَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شُرِعَ بِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِمَا نُقِلَ عَمَّنْ عُرِفَتْ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِبَيَانِهِمْ ( وَفُسِّرَ ) التَّأْثِيرُ ( بِأَنْ يَكُونَ لِجِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( تَأْثِيرٌ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ كَإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ الْكَثِيرَةِ ) بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى خَمْسٍ ( بِالْإِغْمَاءِ ) إذْ ( لِجِنْسِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الَّذِي هُوَ الْإِغْمَاءُ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ تَأْثِيرٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الصَّلَاةِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ الْحَرَجُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ إذَا ذَهَبَ الْعَجْزُ فَهُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ ( أَوْ ) لِجِنْسِهِ تَأْثِيرٌ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( كَالْإِسْقَاطِ ) لِلصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ ( بِمَشَقَّتِهِ ) أَيْ فِعْلِهَا بِوَاسِطَةِ كَثْرَتِهَا .
( وَجِنْسُهُ ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ ( الْمَشَقَّةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي مَشَقَّةِ السَّفَرِ ) مُؤَثِّرٌ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( السُّقُوطُ الْكَائِنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ( وَعَنْ بَعْضِهِمْ نَفْيُهُ ) أَيْ كَوْنِ تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ ( وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَمَا عَزَاهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ هَذَا يُفِيدُ سُقُوطَ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَقَبْلَهُ وَالْعَيْنُ فِي الْعَيْنِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَبَعْضُهُ مُتَّجَهٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ دُونَ الْبَعْضِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْوَجْهُ سُقُوطُ

الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ ) مِنْ التَّأْثِيرِ ( بِمَا قَدَّمْنَا ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ قَوْلَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُزُومَ الْقِيَاسِ مِمَّا جِنْسُهُ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ إلَّا بِجَعْلِ الْعَيْنِ عِلَّةً بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا لِعِلَّةِ جِنْسِهِ فَيُرْجَعُ إلَى اعْتِبَارِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ ( دُونَ ) سُقُوطِ ( قَبْلِهِ ) أَيْ الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ ( بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ ) لِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ ( أَوْ ) يَكُونُ ( لِعَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ تَأْثِيرٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ ( كَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي التَّقَدُّمِ ) عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ ( فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ ) لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْحُكْمِ الْمُؤَثِّرِ فِيهِ عَيْنُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( التَّقْدِيمُ ) الصَّادِقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقَدُّمِ ( فِي الْمِيرَاثِ ) وَالْإِنْكَاحِ ( أَوْ ) يَكُونُ لِعَيْنِهِ تَأْثِيرٌ ( فِي عَيْنِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ الصَّغِيرِ ) ثُمَّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ هَذَا الْكَلَامَ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَالسُّكْرِ فِي الْحُرْمَةِ ) إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنٌ وَالسُّكْرُ عِلَّةٌ لِلْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ .
( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْحُكْمِ بِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا ( مُخْرِجٌ لَهُ ) أَيْ لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( عَنْ دَلَالَةِ التَّأْثِيرِ عَلَى الِاعْتِبَارِ ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ مُعْتَبَرًا بِالتَّأْثِيرِ فَتَكُونُ عِلَّتُهُ مُسْتَنْبَطَةً ( إلَى الْمَنْصُوصَةِ ) أَيْ إلَى أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً فَلَا تَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَثِّرِ بَلْ مِنْ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْكَلَامَ هَذَا ( إذْ لَمْ يَبْقَ مَعَ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ ) بَعْدَ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ ( إلَّا الْإِخَالَةُ ) فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ إذَا ظَهَرَتْ فَدَلِيلُ اعْتِبَارِ مَا قَامَتْ بِهِ أَمَّا النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ التَّأْثِيرُ وَهُوَ بِثُبُوتِ تَأْثِيرِ جِنْسِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ فِي جِنْسِ

الْحُكْمِ الَّذِي يُرَادُ إثْبَاتُهُ أَوْ الْإِخَالَةُ فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِنَصٍّ خَرَجَ عَنْ التَّأْثِيرِ .
( وَيَنْفُونَ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( إيجَابَهَا ) أَيْ الْإِخَالَةِ الْحُكْمَ ( مُجَوِّزِي الْعَمَلِ قَبْلَهُ ) أَيْ التَّأْثِيرِ ( بِهَا ) أَيْ الْإِخَالَةِ ( كَالْقَضَاءِ بِالْمَسْتُورِينَ يَنْفُذُ وَلَا يَجِبُ ) هَذَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي حُسْنِ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ لِعَيْنِهِ فِي جِنْسِهِ كَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِي جِنْسِهِ التَّقَدُّمُ فِي الْمِيرَاثِ أَوْ لِعَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ كَمَا فِي كَشْفِ الْمَنَارِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ عَنْ بَعْضِهِمْ نُفِيَ الْجِنْسُ فِي الْجِنْسِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ التَّأْثِيرَ وَهُوَ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْوَجْهُ سُقُوطُ الْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ دُونَ قَلْبِهِ بِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ ثُمَّ يَلْزَمُ الْكَشْفَ كَوْنُهُ إلَخْ ( وَظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( أَعَمُّ مِنْهُ ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ ( وَمِنْ الْمُلَائِمِ الْأَوَّلُ ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ بِمُجَرَّدِ ثُبُوتِهِ مَعَ الْحُكْمِ فِي الْمَحَلِّ مَعَ اعْتِبَارِ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ أَوْ فِي جِنْسِهِ ( وَمَا مِنْ الْمُرْسَلِ ) أَيْ وَثَلَاثَةِ أَقْسَامِ الْمُلَائِمِ الْمُرْسَلِ وَهِيَ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِهِ أَوْ جِنْسِهِ ( فَشَمِلَ ) الْمُؤَثِّرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ

جِنْسِهِ ( سَبْعَةُ أَقْسَامٍ فِي عُرْفِ الشَّافِعِيَّةِ إذْ لَمْ يُقَيِّدُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( الثَّلَاثَةَ ) الَّتِي هِيَ تَأْثِيرُ الْجِنْسِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ فِي جِنْسِهِ وَتَأْثِيرُ الْعَيْنِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ ( بِوُجُودِ الْعَيْنِ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ أَيْ الْأَصْلِ .
وَكَذَا تَصْرِيحُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا اُعْتُبِرَ جِنْسُهُ إلَخْ ) أَيْ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ ، وَمَا اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ ( مَقْبُولٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ ) التَّعْلِيلُ بِأَحَدِهِمَا ( قِيَاسًا بِأَنْ لَمْ يَتَرَكَّبْ مَعَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ) أَيْ الْعَيْنِ أَوْ الْجِنْسِ مَعَ الْعَيْنِ ( وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ ) أَيْ الْمَقْبُولِ ( لِغَيْرِ مَا جِنْسُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ ( أَبْعَدُ ) أَيْ مَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ الْأَبْعَدَ ( كَتَضَمُّنِ مُطْلَقِ مَصْلَحَةٍ ) أَيْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ ( بِخِلَافِ ) جِنْسِهِ ( الْبَعِيدِ ) الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْأَبْعَدِ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ( كَالرَّمْيِ ) أَيْ كَجَوَازِهِ ( إلَى التُّرْسِ الْمُسْلِمِ إذَا غَلَبَ ظَنُّ نَجَاتِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالرَّمْيِ إلَيْهِ ( إذْ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَطْعِ ) بِالنَّجَاةِ ( كَالْغَزَالِيِّ بِخِلَافِ بَعْضِهِمْ فِي السَّفِينَةِ ) أَيْ رَمْيِ بَعْضِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ إذَا عُلِمَتْ نَجَاةُ الْبَعْضِ الْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ غَيْرُ كُلِّيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَادَةً فِي تَوْضِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( إذْ دَلِيلُ الِاعْتِبَارِ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي مُطْلَقِهَا ) وَالْكَلَامُ فِيمَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ اعْتِبَارُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الْإِخَالَةُ لَيْسَ مُوجِبًا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23