كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

لِلْعَمَلِ وَلَا مُجَوِّزًا لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ ( وَالْإِخَالَةُ إبْدَاءُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ ) حُكْمِ ( الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ بِمُلَاحَظَتِهِمَا ) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَذْكُورَةَ يُخَالُ أَيْ يُظَنُّ أَنَّ الْوَصْفَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ ( فَيَنْتَهِضُ ) إبْدَاءُ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( عَلَى الْخَصْمِ الْمُنْكِرِ لِلْمُنَاسَبَةِ ) أَيْ لِمُنَاسَبَةِ الْحُكْمِ لَا الْمُنْكِرِ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُنَاسَبَةِ لَا تُوجِبُ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْإِخَالَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ ( مَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ ) وَلَفْظُهُ فِي التَّقْوِيمِ بِدُونِ ذِكْرِ الْأُمَّةِ كَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ فَصْلٍ فِي الْعِلَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا زَادَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَامَّةُ الْعُقُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الصِّيغَةِ فَيَتَّضِحُ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ ( فَإِنَّ الْمُنْكِرَ حِينَئِذٍ مُكَابِرٌ ) أَيْ مُعَانِدٌ فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ .
( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ الْحَاجِبِ ( أَرَادَ ) أَبُو زَيْدٍ بِكَوْنِ الْمُنَاسِبِ مَا ذَكَرَهُ ( حُجِّيَّتَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ ) أَيْ يَكْفِي هَذَا لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ عَقْلَهُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ لَا لِلْمُنَاظِرِ إذْ رُبَّمَا يَقُولُ الْخَصْمُ هَذَا مِمَّا لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِي بِالْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ مُنَاسِبًا بِالنِّسْبَةِ إلَيَّ وَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيَّ أَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ وَمِنْ ثَمَّةَ مَنَعَ أَبُو زَيْدٍ التَّمَسُّكَ بِالْمُنَاسَبَةِ فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ بَلْ شَرَطَ ضَمَّ الْعَدَالَةِ إلَيْهَا بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مُلَائِمًا مُؤَثِّرًا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْخَصْمِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي نَفْيِهِ )

أَيْ هَذَا الطَّرِيقِ الْمُسَمَّى بِالْإِخَالَةِ لِأَنَّهُ ( لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ إذْ يُقَالُ ) أَيْ يَقُولُ الْمُنَاظِرُ ( لَمْ يَقْبَلْهُ عَقْلِي ) عِنْدَ قَوْلِ الْمُنَاظِرِ هَذَا مُنَاسِبٌ لِأَنَّهُ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ ( يُفِيدُهُ ) أَيْ أَنَّ مُرَادَ أَبِي زَيْدٍ كَوْنُ الْمُنَاسِبِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانُوا قَائِلِينَ بِأَنَّ مُرَادَ أَبِي زَيْدٍ حُجِّيَّتُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا ( لَمْ يُسْمَعْ ) قَوْلُهُ لَمْ يَقْبَلْهُ عَقْلِي لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُمْ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ ( وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ تَفْصِيلُهَا لِلْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ الْإِسْكَارُ إزَالَةُ الْعَقْلِ وَهُوَ ) أَيْ إزَالَةُ الْعَقْلِ ( مَفْسَدَةٌ يُنَاسِبُ حُرْمَةَ مَا تَحْصُلُ بِهِ ) الْإِزَالَةُ ( وَ ) يُنَاسِبُ ( الزَّجْرَ عَنْهُ ) أَيْ عَمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْإِزَالَةُ وَهَذَا لَا تَتَأَتَّى فِيهِ الْمُعَارَضَةُ ( وَتِلْكَ الْمُعَارَضَةُ فِي الْإِجْمَالِيِّ ) أَيْ دَعْوَةِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَاعِ ( كَقَبِلَهُ عَقْلِيٌّ أَوْ نَاسَبَ عِنْدِي ) وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ فَانْتَفَى نَفْيُهُمْ صِحَّةَ اعْتِبَارِ الْإِخَالَةِ بِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمُعَارَضَةِ ( نَعَمْ يَنْتَهِضُ ) فِي دَفْعِ الْإِخَالَةِ وَكَوْنُ الْوَصْفِ بَعْدَ ظُهُورِ مُنَاسَبَتِهِ لِلْحُكْمِ لَا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ لِلْحُكْمِ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةَ ( لَيْسَتْ مَلْزُومَةً لِوَضْعِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ مَا قَامَتْ بِهِ ) الْمُنَاسَبَةُ أَيْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِشَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ ( لِلتَّخَلُّفِ ) لِلْحُكْمِ ( فِي مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ ) أَيْ فِي وَصْفِ الْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ ( مِنْ الْمُرْسَلِ وَغَيْرِهِ ) كَمَا تَقَدَّمَ .
( فَإِنْ قِيلَ الظَّنُّ حَاصِلٌ قُلْنَا إنْ عَنِيَ ظَنَّ الْمُنَاسَبَةِ لِلْحُكْمِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَسْتَلْزِمُ وَضْعَ الشَّارِعِ إيَّاهُ ) أَيْ الْوَصْفَ عِلَّةً

لِلْحُكْمِ ( لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ التَّخَلُّفِ فِي الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ ( وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا ) الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِبَيَانِ إبْطَالِ كَوْنِ الْإِخَالَةِ طَرِيقًا مُعْتَبَرًا لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ ( وَمَا زَادُوهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( مِنْ أَوْجُهِ الْإِبْطَالِ ) لِكَوْنِهَا طَرِيقًا مُعْتَبَرًا أَيْضًا ( عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُخَالِ ( قَبْلَ ظُهُورِ الْأَثَرِ ) بِأَحَدِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا لِأَنَّ الْأَوْجُهَ الْمَذْكُورَةَ اقْتَضَتْ إهْدَارَ اعْتِبَارِ الْإِخَالَةِ شَرْعًا فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ لَكَانَ تَأْثِيرًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَعْنِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ( وَلَيْسَ الْقِيَاسُ ) لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهَا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ ( عَلَى ) جَوَازِ ( الْقَضَاءِ بِمَسْتُورَيْنِ ) كَمَا قَالُوا ( صَحِيحًا لِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ فِيهِ ) أَيْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِمَا ( دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ) أَيْ الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُمَا ( فَهُوَ ) أَيْ الدَّلِيلُ الْمَفْرُوضُ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِمَا ( مُنْتَفٍ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ ) بِالْإِخَالَةِ فَيَبْقَى مَا يُنْسَبُ حُكْمًا إلَى الْإِخَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ فُرِضَ فِيهِ دَلِيلٌ لِانْتِقَائِهِ فِيمَا يَظْهَرُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَنْتَفِ بَلْ كَانَ دَلِيلُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْوَصْفِ ثَابِتًا ( وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ ) الْعَمَلُ بِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْوَصْفِ عَنْ وُجُوبِهِ بِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ ( يُفِيدُ اعْتِبَارَ الشَّارِعِ ) إيَّاهُ ( وَهُوَ ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ ( تَرْتِيبُ الْحُكْمِ ) عَلَيْهِ أَيْ وَاعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْوَصْفَ لَيْسَ إلَّا بِكَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ حَيْثُمَا وُجِدَ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهِ فِي مُحَالِ وُجُودِهِ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَأَنْ لَا

يَحْكُمَ بِهِ إذْ عَدَمُ الْحُكْمِ بِهِ بَعْدَ جَعْلِ الشَّرْعِ إيَّاهُ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ أَيْنَمَا كَانَ مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ .
( وَاعْلَمْ أَنَّ ) ( الْمُنَاسَبَةَ لَوْ ) كَانَتْ ( بِحِفْظِ أَحَدِ الضَّرُورِيَّاتِ ) الْخَمْسِ ( لَزِمَ ) الْعَمَلُ بِهَا ( عَلَى ) قَوْلِ ( الْكُلِّ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الطَّرِيقُ ( إخَالَةً بَلْ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى اعْتِبَارِهِ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا تَذْهَلْ عَنْهُ

( تَتِمَّةٌ قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعِلَّةِ بِالِاشْتِرَاكِ ) اللَّفْظِيِّ ( أَوْ الْمَجَازِ لَا حَقِيقَتِهَا إذْ لَيْسَتْ ) حَقِيقَتُهَا ( إلَّا الْخَارِجَ ) عَنْ الْمَعْلُولِ ( الْمُؤَثِّرِ ) فِيهِ فَقَسَّمُوا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُهَا بِأَحَدِ ذَيْنِك الِاعْتِبَارَيْنِ ( إلَى سَبْعَةٍ ) مِنْ الْأَقْسَامِ ( ثَلَاثَةٌ ) مِنْهَا ( بَسَائِطُ ) وَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُرَكَّبَةٌ فَالْبَسَائِطُ ( إلَى عِلَّةٍ اسْمًا وَهِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِمُوجَبِهَا أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهَا ) الْحُكْمُ ( بِلَا وَاسِطَةٍ ) وَإِنْ كَانَتْ الْوَاسِطَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ وَمَعْنَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا قَتَلَهُ بِالرَّمْيِ وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ وَهَلَكَ بِالْجَرْحِ وَتَفْسِيرُهَا اسْمًا بِمَا تَكُونُ مَوْضُوعَةً فِي الشَّرْعِ لِأَجْلِ الْحُكْمِ وَمَشْرُوعَةً لَهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَا فِي مِثْلِ الرَّمْيِ وَالْجَرْحِ ( وَ ) إلَى عِلَّةٍ ( مَعْنًى بِاعْتِبَارِ تَأْثِيرِهَا ) فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ ( وَ ) إلَى عِلَّةٍ ( حُكْمًا بِأَنْ يَتَّصِلَ بِهَا ) الْحُكْمُ ( بِلَا تَرَاخٍ وَهِيَ ) أَيْ الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا الْعِلَّةُ ( الْحَقِيقِيَّةُ وَمَا سِوَاهُ ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعِ ( مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( وَالْحَقُّ أَنَّ تِلْكَ ) أَيْ الْعِلَّةَ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا الْعِلَّةُ ( التَّامَّةُ تُلَازِمُهَا وَمَا سِوَاهَا ) أَيْ تِلْكَ ( قَدْ يَكُونُ ) عِلَّةً ( حَقِيقِيَّةً لِدَوَرَانِهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ ( مَعَ الْعِلَّةِ مَعْنًى فَتَثْبُتُ ) الْحَقِيقَةُ ( فِي أَرْبَعَةٍ ) التَّامَّةِ ( كَالْبَيْعِ ) الصَّحِيحِ ( الْمُطْلَقِ ) عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ ( لِلْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ ) الصَّحِيحِ ( لِلْحِلِّ وَالْقَتْلِ ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ( لِلْقِصَاصِ ) وَفِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ ( وَالْإِعْتَاقِ لِزَوَالِ الرِّقِّ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ عِلَّةٌ اسْمًا لِوَضْعِهِ لِمُوجِبِهِ الْمَذْكُورِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَحُكْمًا لِأَنَّ مُوجِبَهُ غَيْرُ

مُتَرَاخٍ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَيَجِبُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْإِعْتَاقِ لِزَوَالِ الرِّقِّ ( عَلَى قَوْلِهِمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا ( أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَلِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ) أَيْ فَالْإِعْتَاقُ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا فِي الْبَيِّنِ .
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْمُرَكَّبَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ السَّبْعَةِ فَنَقُولُ ( وَإِلَى الْعِلَّةِ اسْمًا فَقَطْ كَالْإِيجَابِ الْمُعَلَّقِ ) بِشَرْطٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَمَّا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا فَلِوَضْعِهِ لِحُكْمِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ يَثْبُتُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ بَعْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مَعْنًى فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا فَلِتَرَاخِي حُكْمِهِ عَنْهُ إلَى زَمَانِ وُجُوبِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( قِيلَ ) أَيْ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَارِ ( وَالْيَمِينُ قَبْلَ الْحِنْثِ لِلْإِضَافَةِ ) لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَيْهَا ( يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَكِنْ لَا يُؤَثِّرُ ) الْيَمِينُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ قَبْلَ الْحُكْمِ ( وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِلْحَالِ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْيَمِينِ عِلَّةً اسْمًا إنَّمَا هُوَ ( عَلَى ) التَّعْرِيفِ ( الثَّانِي ) لِلْعِلَّةِ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهَا الْحُكْمُ بِلَا وَاسِطَةٍ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْيَمِينَ ( لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ إلَّا لِلْبِرِّ وَإِلَى الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى فَقَطْ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) الشَّرْعِيِّ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا مَعًا ( وَ ) الْبَيْعُ ( الْمَوْقُوفُ ) كَبَيْعِ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْفُضُولِيِّ ( لِوَضْعِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ ( وَتَأْثِيرِهِ فِي ) إثْبَاتِ ( الْحُكْمِ ) عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ ( وَإِنَّمَا تَرَاخَى )

الْحُكْمُ عَنْهُ ( لِمَانِعٍ ) وَهُوَ اقْتِرَانُهُ بِالشَّرْعِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ وَعُدِمَ إذْنُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَزُولُ بِدُونِ رِضَا الْمَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ مَقَامَهُ ( حَتَّى يَثْبُتَ ) الْحُكْمُ ( عِنْدَ زَوَالِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يُجِيزَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ ( وَمِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ ) أَيْ الْعَقْدِ ( فَيَمْلِكُ ) الْمُشْتَرِي ( الْمَبِيعَ بِوَلَدِهِ الَّذِي حَدَثَ قَبْلَ زَوَالِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ .
وَكَذَا سَائِرُ زَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ ( بَعْدَ الْإِيجَابِ ) وَهَذِهِ آيَةُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً لَا سَبَبًا لِأَنَّ السَّبَبَ يَثْبُتُ مَقْصُودًا لَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ نَعَمْ فُرِّقَ بَيْنَ الْبَيْعَيْنِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِمَا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي الْمَوْقُوفِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ وَتَوَقُّفُ الشَّيْءِ لَا يُعْدِمُ أَصْلَهُ فَيَتَوَقَّفُ إعْتَاقُهُ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ فِي هَذَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ حُكْمًا فَعِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَصِيرُ مُؤَثِّرًا مِنْ الْأَصْلِ بِالْإِجَازَةِ أَوْ الْإِسْقَاطِ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مَعَهُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ تَأَخَّرَ صُورَةً لِمَا عُلِمَ مِنْ تَحْقِيقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ فَلَا تَأْخِيرَ لِلْحُكْمِ عَنْهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي السَّبَبِ فِي صُورَةِ الِاسْتِنَادِ مَمْنُوعٌ إذْ الْإِجَازَةُ وَغَيْرُهَا مُتَأَخِّرَةٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ فِي الزَّوَائِدِ وَالْعِتْقِ فِي الْمَوْقُوفِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ قَبْلَ الْإِجَازَةِ

وَلَكِنَّهُ إذَا ثَبَتَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَإِنَّمَا تَحَقُّقُ الْأَحْكَامِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّابِتِ بِهِ وَالثَّابِتِ بِالِاسْتِنَادِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالِاسْتِنَادِ مَا لَا يَكُونُ ثَابِتًا حَقِيقَةً وَشَرْعًا ثُمَّ يَثْبُتُ وَيَرْجِعُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعَهُ حَقِيقَةً بَلْ يُوجِبُ خِلَافَ ذَلِكَ وَالثَّابِتُ بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ ثَابِتٌ حَقِيقَةً مَعَ السَّبَبِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ فَيَنْظَهِرُ بَعْدَ زَمَانٍ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْفَائِتِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَمَاتَ الْوَلَدُ ثُمَّ سَقَطَ الْخِيَارُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الْهَالِكِ حَتَّى لَا يَنْقُصَ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ التَّبْيِينِ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الِاسْتِنَادِ مُتَأَخِّرٌ حَقِيقَةً وَصُورَةً وَلَكِنَّهُ يَثْبُتُ تَقْدِيرًا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّرَاخِي هَذَا وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُنْكِرِهِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيُجَابُ بِمَا فِي التَّلْوِيحِ الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْصَافِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي الْعِلَلِ الَّتِي هِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَوْ كَانَ فِي تَخْصِيصِهَا مُطْلَقًا لَكَانَ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَالْوَصْفُ مَعَ الْمَانِعِ جُزْءُ عِلَّةٍ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْعِلَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى وَإِنَّمَا تَرَاخَى لِمَانِعٍ أَيْ إنَّمَا تَأَخَّرَ لِعَدَمِ تَمَامِ عِلَّتِهِ لِفَوَاتِ جُزْئِهَا وَهُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ لِوُجُودِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَمَّتْ الْعِلَّةُ

وَالْمُجِيزُ يَقُولُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمَانِعِ لَيْسَ بِجُزْءِ عِلَّةٍ بَلْ الْوَصْفُ وَحْدَهُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالتَّخَلُّفُ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ مُمْكِنٌ وَلَا يَظْهَرُ بِالتَّخَلُّفِ كَوْنُ الْوَصْفِ غَيْرَ عِلَّةٍ بَلْ هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً مَعَ التَّخَلُّفِ وَلَا إشْكَالَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَالْإِيجَابُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا لِوَضْعِهِ شَرْعًا لِحُكْمِهِ وَإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ .
( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْمُضَافِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا ( أَسْقَطَ التَّصَدُّقَ الْيَوْمَ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ : عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِرْهَمٍ غَدًا ) لِأَنَّهُ إذْ بَعْدَ انْعِقَاد سَبَبِهِ وَ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) التَّصَدُّقُ ( فِي الْحَالِّ ) لِتَرَاخِيهِ عَنْهُ إلَى الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَنْهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْوَقْتِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى زَمَانِ الْإِيجَابِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( النِّصَابُ ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ عِلَّتُهُ اسْمًا لِوَضْعِهِ فِي الشَّرْعِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِتَأْثِيرِهِ فِيهِ لِأَنَّ النَّمَاءَ يُعْقَلُ تَأْثِيرُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي النِّصَابِ لَا حُكْمًا لِتَرَاخِيهِ إلَى تَحَقُّقِ زَمَانِ النَّمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنَّ لِهَذَا ) أَيْ النِّصَابِ ( شَبَهًا بِالسَّبَبِ لِتَرَاخِي حُكْمِهِ إلَى مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ ) مِنْ جِهَةِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ ( النَّمَاءُ الَّذِي أُقِيمَ الْحَوْلُ الْمُمْكِنُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ النَّمَاءِ ( مُقَامَهُ ) أَيْ النَّمَاءِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالنَّمَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلٌ عَلَى الْغَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْإِحْسَانِ كَأَصْلِ الْغَنِيِّ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْيُسْرُ فِي الْوَاجِبِ وَيَزْدَادُ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

فَكَانَ شَبِيهًا بِعِلَّةِ الْوُجُوبِ ( لَا ) إلَى ( الْعِلَّةِ وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ إلَى الْعِلَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ ( تَمَحَّضَ ) النِّصَابُ ( سَبَبًا ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَحِّضٍ سَبَبًا لَهُ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَصْفٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْوُجُودِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ أَنَّ النَّمَاءَ حَقِيقَةُ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَكَانَ لِلنِّصَابِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا إذَا دَلَّ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَسَرَقَهُ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ أَصْلًا فَإِذَا كَانَ لِلنَّمَاءِ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَانَ لِلنِّصَابِ شَبَهُ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ تَوَسُّطَ حَقِيقَةِ الْعِلِّيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ فَتَوَسُّطُ شَبَهِ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ شَبَهَ السَّبَبِيَّةِ ثُمَّ شَبَهُ النِّصَابِ غَالِبٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالسَّبَبِ لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِلِّيَّةِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إذْ النِّصَابُ أَصْلٌ لِوَصْفِهِ وَشَبَهُهُ بِالسَّبَبِ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ وَتَابِعٌ لَهُ .
وَالشَّبَهُ الْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لِأَصَالَتِهِ رَاجِحٌ عَلَى الشَّبَهِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَصْفِ التَّابِعِ لَهُ إذْ الْحَاصِلُ بِالذَّاتِ لِأَصَالَتِهَا وَاسْتِقْلَالِهَا رَاجِحٌ عَلَى الْحَاصِلِ بِوَاسِطَةِ الْوَصْفِ التَّابِعِ الْغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّصَابُ قَبْلَ الْحَوْلِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُ السَّبَبِ وَالْحَوْلُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ تَيْسِيرًا كَالسَّفَرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَلِهَذَا صَحَّ تَعْجِيلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ حَوْلِيًّا مِنْ الْعِلِّيَّةِ لَمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ قُلْنَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ عِلَّةً تَامَّةً لِوُجُوبِهَا قَبْلَ

الْحَوْلِ لَوَجَبَتْ بِاسْتِهْلَاكِهِ فِي الْحَوْلِ كَمَا فِيمَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا صَحَّ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شَبَهِ الرَّاجِعَةِ بِاعْتِبَارِ النَّمَاءِ وَكَانَ هَذَا الْوَصْفُ غَيْرَ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْمَوْصُوفِ اسْتَنَدَ عِنْدَ ثُبُوتِهِ إلَى أَصْلِ النِّصَابِ فَصَارَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَوْلِيٌّ وَاسْتَنَدَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إلَى أَوَّلِهِ أَيْضًا فَصَحَّ التَّعْجِيلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرًا وَبِهَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ وَصْفَ النَّمَاءِ كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ نَعَمْ هَذَا الْمُعَجَّلُ إنَّمَا يَصِيرُ زَكَاةً إذَا انْقَضَى الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ وَصْفِ الْعِلِّيَّةِ أَوَّلَ الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتِنَادِ وَصْفِهَا إلَى أَوَّلِهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُزَكِّي فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ سَقَطَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْمَدْيُونُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ وَالْمُزَكِّي لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ ) إذْ هُوَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْأُجْرَةِ اسْمًا لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِمَا ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى ( صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ ) قَبْلَ الْوُجُوبِ وَاشْتِرَاطُ تَعْجِيلِهَا كَمَا صَحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ ( وَلَيْسَ ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ ( عِلَّةً حُكْمًا ) لِلْمَنَافِعِ ( لِعَدَمِ الْمَنَافِعِ ) الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقْتَ عَقْدِهَا ( وَ ) عَدَمِ (

ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا ) أَيْ الْمَنَافِعِ ( فِي الْحَالِ ) لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ .
( وَكَذَا ) هُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا ( فِي الْأُجْرَةِ ) أَيْ لَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ فِي الْحَالِ فَكَذَا هِيَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ ( وُضِعَ لِمِلْكِهِمَا ) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ ( وَ ) هُوَ ( الْمُؤَثِّرُ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ مِلْكًا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَكَانَ التَّعَرُّضُ لِذِكْرِ هَذَا أَوَّلًا كَمَا ذَكَرْنَا أَوْلَى ( وَيُشْبِهُ ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ ( السَّبَبَ لِمَا فِيهِ ) أَيْ عَقْدِهَا ( مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ إلَى مُقَارَنَتِهِ ) أَيْ انْعِقَادِهَا ( الِاسْتِيفَاءَ ) لِلْمَنْفَعَةِ ( إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا ) أَيْ لِلْمَنْفَعَةِ يَعْنِي الْإِجَارَةَ .
فَإِنْ صَحَّتْ فِي الْحَالِ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مُقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهَا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ مُضَافَةٌ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهَا تَنْعَقِدُ حِينَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ( وَمِمَّا يُشْبِهُ السَّبَبَ ) أَيْ وَمِنْ الْعِلَلِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا الشَّبِيهَةُ بِالسَّبَبِ ( مَرَضُ الْمَوْتِ ) إذْ هُوَ ( عِلَّةُ ) اسْمًا وَمَعْنًى ( الْحَجْرِ عَنْ التَّبَرُّعِ ) بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا ( لِحَقِّ الْوَارِثِ ) أَيْ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَعْنِي ( مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ) لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِلتَّغْيِيرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَجْرِ ثُمَّ الْحَجْرُ عَنْ هَذَا مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِيهِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ حَدِيثُ { سَعِيدٍ حَيْثُ قَالَ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَالَ فَبِالنِّصْفِ قَالَ لَا

قَالَ فَبِالثُّلُثِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَيُشْبِهُ ) مَرَضُ الْمَوْتِ ( السَّبَبَ لِأَنَّ الْحُكْمَ ) الَّذِي هُوَ الْحَجْرُ ( يَثْبُتُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَرَضٌ مُمِيتٌ وَلَمَّا كَانَ ) الْمَوْتُ ( مُنْعَدِمًا فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ فَصَارَ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ مِلْكًا ) لِلْمُتَبَرَّعِ لَهُ ( لِلْحَالِ ) لِانْعِدَامِ الْمَانِعِ حِينَئِذٍ ( فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْلِيكٍ ) جَدِيدٍ ( لَوْ بَرِئَ ) لِاسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ عَلَى الْعَدَمِ .
( وَإِذَا مَاتَ صَارَ كَأَنَّهُ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْحَجْرِ ) لِاتِّصَافِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ مُمِيتًا مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْدُثُ بِآلَامٍ وَعَوَارِضَ مُزِيلَةٍ لِقُوَى الْحَيَاةِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ فَيُضَافُ إلَيْهِ كُلِّهِ وَإِذَا اسْتَنَدَ الْوَصْفُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ اسْتَنَدَ بِحُكْمِهِ ( فَتَوَقَّفَ ) نَفَاذُهُ ( عَلَى إجَازَتِهِمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ .
( وَكَذَا التَّزْكِيَةُ ) أَيْ تَعْدِيلُ شُهُودِ الزِّنَا ( عِلَّةُ وُجُوبِ الْحُكْمِ بِالرَّجْمِ ) لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّبَبَ وَسَيَظْهَرُ وَجْهُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَهُ اسْمًا وَمَعْنًى وَشَبَهِهِ بِالسَّبَبِ .
وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا فَلَا لِعَدَمِ تَرَاخِيهِ عَنْهُ ( لَكِنَّ ) كَوْنَ التَّزْكِيَةِ عِلَّةً ( بِمَعْنَى عِلَّةِ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ الرَّجْمَ دُونَهَا ) أَيْ التَّزْكِيَةِ بَلْ تُفِيدُ ظُهُورَهُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ كَمَا يُعْلَمُ قَرِيبًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى التَّزْكِيَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ( فَلَوْ رَجَعَ الْمُزَكُّونَ ) وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ ( ضَمِنُوا الدِّيَةَ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( غَيْرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ ) التَّزْكِيَةُ وَذِكْرُ الرَّاجِعِ

إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ التَّعْدِيلِ ( صِفَةً لِلشَّهَادَةِ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى الشَّهَادَةِ أَيْضًا فَأَيِّ الْفَرِيقَيْنِ رَجَعَ ضَمِنَ ( وَعِنْدَهُمَا لَا ) يَضْمَنُ الْمُزَكُّونَ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُحْصَنٌ وَالضَّمَانُ يُضَافُ إلَى سَبَبٍ هُوَ تَعَدٍّ لَا إلَى مَا هُوَ حَسَنٌ وَخَيْرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ رَجَعُوا مَعَ الْمُزَكِّينَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُزَكُّونَ شَيْئًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُزَكِّينَ لَيْسُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا إذْ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَانِ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ وَالشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَالْمُزَكُّونَ أَعْمَلُوا سَبَبَ التَّلَفِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا .
وَأَمَّا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ مَعَهُمْ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الشَّهَادَةُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا عَلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّهَا تَعَدٍّ لَمْ يَحْدُثْ بِالتَّزْكِيَةِ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَدَاءِ فَلَمْ يُضَفْ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ

( وَكُلُّ عِلَّةِ عِلَّةٍ ) هِيَ ( عِلَّةٌ شَبِيهَةٌ بِالسَّبَبِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَهُوَ ) أَيْ عِلَّةُ الْعِلَّةِ الشَّبِيهَةِ بِالسَّبَبِ ( السَّبَبُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَمَّا عِلَّةٌ فَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَمَّا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى ) هِيَ الْأُولَى ( كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهَا ) أَيْ الْأُولَى ( بِوَاسِطَةِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ ) أَيْ الْأُولَى ( كَعِلَّةٍ تُوجِبُ ) الْحُكْمَ ( يُوصَفُ لَهَا ) قَائِمٌ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ ( فَيُضَافُ ) الْحُكْمُ ( إلَيْهَا ) أَيْ الْأُولَى ( دُونَ ) الْمُتَخَلِّلَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ ( الصِّفَةِ ) كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ الْوَصْفِ ( وَأَمَّا الشَّبَهُ ) بِالسَّبَبِ ( فَلِأَنَّهَا ) أَيْ الْأُولَى ( لَا تُوجِبُ ) الْحُكْمَ ( إلَّا بِوَاسِطَةٍ ) بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَهِيَ الثَّانِيَةُ كَمَا أَنَّ السَّبَبَ كَذَلِكَ ( وَحَقِيقَةُ هَذَا نَفْيُ الْعِلَّةِ ) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وَاسِطَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْلُولِ ( مِثَالُ ذَلِكَ ) أَيْ عِلَّةِ الْعِلَّةِ الشَّبِيهَةِ بِالسَّبَبِ ( شِرَاءُ الْقَرِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْعِلَّةِ لِلْعِتْقِ فَهُوَ ) أَيْ شِرَاؤُهُ ( عِلَّةُ الْعِلَّةِ ) لِلْعِتْقِ ( فَبَيْنَ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَالْعِلَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا فِيمَا قَبْلَهُ ) أَيْ قِسْمِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ مِنْ النِّصَابِ وَمَا بَعْدَهُ ( وَانْفِرَادِ ) قِسْمِ الْعِلَّةِ ( الْمُشَبَّهَةِ ) بِالسَّبَبِ ( فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ ) فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّرَاخِي لِيَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا أَيْضًا ( وَ ) انْفِرَادُ ( الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ ) الْخِيَارِ الشَّرْعِيِّ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ( وَالْمَوْقُوفُ وَإِلَى عِلَّةٍ مَعْنًى وَحُكْمًا كَآخِرِ ) أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ ( الْمُرَكَّبَةِ ) مِنْ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ مُتَرَتِّبَيْنِ فِي الْوُجُودِ لِوُجُودِ التَّأْثِيرِ وَالِاتِّصَالِ ( لَا اسْمًا إذَا لَمْ يُضَفْ ) الْحُكْمُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى هَذَا

الْجُزْءِ الْأَخِيرِ ( فَقَطْ ) بَلْ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْمَجْمُوعِ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ وَذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَى أَنَّ مَا عَدَا الْأَخِيرِ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَيَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَمَا فِي أَثْقَالِ السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ وَعَزَاهُ فِي التَّلْوِيحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ .
قُلْت وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا .
فَإِنْ قُلْت لَا لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ عِلَّةً اسْمًا أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْأَخِيرِ بِوَاسِطَةِ تَحْقِيقِ مَا قَبْلَهُ مَعَهُ .
قُلْت كَوْنُ الْحُكْمِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَيْسَ الشَّرْطُ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا انْتِفَاءَ الْوَاسِطَةِ فِي إضَافَتِهِ إلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ فِي إطْلَاقِ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْسِيمِ وَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مِثَالِهِمْ لَهُ وَهُوَ مِلْكُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لِلْعِتْقِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ مُؤَثِّرٌ فِي الْعِتْقِ أَمَّا الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالرِّقُّ يُوجِبُ الْمَذَلَّةَ وَإِذَا صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الرِّقَّيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ احْتِرَازًا عَنْ الْقَطْعِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى .
وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ } وَيَفُوتُ الْعِتْقُ بِفَوَاتِ كِلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْمِلْكُ عَنْ الْقَرَابَةِ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ بَلْ إلَى الْمَجْمُوعِ لَمَا كَانَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا وَلَمَا

وَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَا عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ اشْتَرَيَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَصِيرُ مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا لَمَا غَرِمَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ كَمَا لَوْ وَرِثَا قَرِيبَ أَحَدِهِمَا نَعَمْ إذَا قِيلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ اسْمًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لَمْ يُوضَعْ فِي الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ لَهُ مِلْكُ الْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ الْمُحَرَّمِ لَكِنَّ فِي وُجُوبِهِ نَظَرًا لِجَعْلِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ عِلَّةً اسْمًا لِلْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ إلَّا لِلْبِرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَالِفًا ثُمَّ قَدْ أَوْرَدَ عَلَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الشَّاهِدِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَضْمَنَ كُلَّ الْمُتْلَفِ إذَا رَجَعَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَعْمَلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالْمَجْمُوعِ فَيَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَيًّا كَانَ نِصْفَ الْمُتْلَفِ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِلَّةِ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ وَصْفَيْنِ أَوْ أَوْصَافٍ هَلْ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً أَوْ صِفَةُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ وَصْفٌ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ الِاجْتِمَاعُ فَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْأَوَّلَ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ فَسَفِينَةٌ لَا تَغْرَقُ بِوَضْعِ كُرٍّ فِيهَا وَتَغْرَقُ إذَا زِيدَ عَلَيْهِ قَفِيزٌ فَوَضَعَهُمَا إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيهَا فَغَرِقَتْ وَتَلِفَ مَا فِيهَا فَعِنْدَ الْأَوَّلِينَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِمَا وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي إلَى صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ إلَى

قَفِيزٍ مِنْهَا غَيْرِ عَيْنٍ وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يُلْقِيَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّلَفُ .
وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْكُلِّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا طَرَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا أَوْ كَانَ مَأْذُونًا مِنْ صَاحِبِهَا بِطَرْحِ الْكُرِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِوَضْعِ مُتْلِفٍ وَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ مِنْ اثْنَيْنِ .
فَإِنْ طَرَحَا مَعًا فَعَلَيْهِمَا أَوْ مُتَعَاقِبًا فَعَلَى الْأَخِيرِ مِنْهُمَا عِنْدَنَا وَعَلَيْهِمَا عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّ التَّلَفَ حَقِيقَةً حَصَلَ بِالْكُلِّ أَوْ تَزَايُدِ غَيْرِ عَيْنٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعَاقُبِ وَالْقِرَانِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا التَّلَفُ حَقِيقَةً وَإِنْ حَصَلَ كَمَا قَالَ فَالْأَوْصَافُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَنْعَقِدُ عِلَّةُ التَّلَفِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْأَخِيرِ فَصَارَ هُوَ الْمُحَصِّلَ لِوَصْفِ الِاجْتِمَاعِ وَالْمُتْلِفُ هُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ أَوْ لِأَنَّ بِالْأَخِيرِ يَصِيرُ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا مُتْلِفًا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَلَمْ يَعْمَلْ فِي التَّلَفِ فَصَارَ هُوَ الْجَاعِلَ إيَّاهُ عِلَّةً وَالْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ يُضَافُ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَمَا إلَى نَفْسِهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ مُلَخَّصٌ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْمُوعِ قَوْلُ زُفَرَ وَإِلَى الْأَخِيرِ قَوْلُ الْبَاقِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ( وَإِلَى عِلَّةٍ اسْمًا وَحُكْمًا كُلُّ مَظِنَّةٍ ) لِلْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ ( أُقِيمَتْ مُقَامَ حَقِيقَةِ الْمُؤَثِّرِ ) لِخَفَائِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ أَوْ احْتِيَاطًا ( كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ لِلتَّرَخُّصِ ) بِرُخْصِهِمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةٌ لَهُ اسْمًا لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الرُّخْصُ يُضَافُ إلَيْهِمَا فَيُقَالُ رُخْصَةُ السَّفَرِ وَرُخْصَةُ الْمَرَضِ وَحُكْمًا لِأَنَّ الرُّخْصَ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِهَا ( لَا مَعْنًى لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ ) فِي تَرَخُّصِهِمَا هُوَ ( الْمَشَقَّةُ ) لَا نَفْسُ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ لَكِنَّهُمَا أُقِيمَا مُقَامَهَا لِخَفَائِهَا

وَلِكَوْنِهِمَا سَبَبَهَا إقَامَةً لِسَبَبِ الشَّيْءِ مَقَامَ الشَّيْءِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ جَوَازَ التَّرَخُّصِ لِلْمُسَافِرِ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِهِ لِعَدَمِ تَنَوُّعِهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ وَإِنْ كَانَ فِي رَفَاهِيَةٍ لَا يَخْلُو عَنْ مَشَقَّةٍ عَادَةً وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ هُوَ قَطْعُ مَسَافَاتٍ وَفِيهِ مَسَافَاتٌ لَا فِي الْمَرَضِ لِتَنَوُّعِهِ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُنَاطُ بِهِ رُخْصَةُ الْإِفْطَارِ وَإِلَى مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَنُوطَةٍ بِهِ ( وَكَالنَّوْمِ ) مُضْطَجِعًا وَنَحْوِهِ ( لِلْحَدَثِ إذْ الْمُعْتَبَرُ ) فِي تَحَقُّقِ الْحَدَثِ ( خُرُوجُ النَّجَسِ ) مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مِنْ الْبَدَنِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ النَّوْمَ ( عِلَّةُ سَبَبِهِ ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَسِ ( الِاسْتِرْخَاءِ ) بِالْجَرِّ أَيْ عِلَّةُ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ الْمُوجِبِ لِزَوَالِ الْمَسْكَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْخُرُوجِ لَا عِلَّةُ نَفْسِ الْخُرُوجِ ( فَأُقِيمَ ) النَّوْمُ ( مُقَامَهُ ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَسِ إقَامَةً لِعِلَّةِ السَّبَبِ لِلشَّيْءِ مُقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَاتِ ( فَكَانَ ) النَّوْمُ ( عِلَّةً اسْمًا ) لِلْحَدَثِ ( لِإِضَافَةِ الْحَدَثِ ) إلَيْهِ فَيُقَالُ حَدَثُ النَّوْمِ وَحُكْمًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ النَّوْمِ لَا مَعْنًى لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحَدَثِ إنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ الْمَذْكُورُ ( وَإِلَى عِلَّةٍ مَعْنًى فَقَطْ وَهُوَ بَعْضُ أَجْزَاءِ ) الْعِلَّةِ ( الْمُرَكَّبَةِ ) مِنْ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ فِي حُكْمٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ ( غَيْرَ ) الْجُزْءِ ( الْأَخِيرِ ) مِنْهَا إذْ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمَجْمُوعِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الْبَعْضُ ( سَبَبًا ) لِلْحُكْمِ ( لَوْ تَقَدَّمَ ) عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ

وَهَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ ( خِلَافًا لِأَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ) السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا سَبَبٌ إذَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تَتِمَّ الْعِلَّةُ فَكَانَ الْمَبْدَأُ مُعْتَبَرًا لِتَمَامِ الْعِلَّةِ وَكَالطَّرِيقِ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ وُجُودُ غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ فَكَانَ سَبَبًا وَإِنَّمَا ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ بَلْ لَهُ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ) الْحُكْمُ ( عِنْدَهُ لِفَرْضِ عَقْلِيَّةِ دَخْلِهِ فِي التَّأْثِيرِ ) فِي الْحُكْمِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا فَانْتَفَى مَا فِي التَّلْوِيحِ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَعْلُولِ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ تَمَامُ الْعِلَّةِ فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ انْتَهَى .
إذْ لَا مُخَالَفَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ إذْ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ : الْمُؤَثِّرُ تَمَامُ الْعِلَّةِ فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لِلْجُزْءِ أَثَرٌ مَا فِي تَمَامِ الْمَعْلُولِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْعِلِّيَّةِ ( وَلِذَا ) أَيْ فَرْضِ عَقْلِيَّةِ دَخْلِهِ فِي التَّأْثِيرِ ( جَعَلُوا ) أَيْ أَصْحَابُنَا ( كُلًّا مِنْ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ مُحَرِّمًا لِلنَّسِيئَةِ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ بِالْجُزْئِيَّةِ ) أَيْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ لِرِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ فَإِنَّ لِلنَّقْدِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ عُرْفًا حَتَّى كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ نَقْدًا ( فَامْتَنَعَ إسْلَامُ حِنْطَةٍ فِي شَعِيرٍ وَ ) إسْلَامُ ثَوْبٍ ( قُوهِيٍّ فِي ) ثَوْبٍ ( قُوهِيٍّ ) وَهُوَ نِسْبَةٌ إلَى قُوهِسْتَانَ كُورَةٍ مِنْ كُوَرِ فَارِسٍ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ ( وَالشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ هُنَا ) أَيْ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ ( لِلنَّهْيِ عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ ) أَيْ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَشَبَهِهِ

إلَّا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الرِّيبَةِ أَفَادَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى حَدِيثِ { دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك } فَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ وَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ أَيْ مَا يُشَكِّكُ وَيُحَصِّلُ فِيك الرِّيبَةَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ قَلَقُ النَّفْسِ وَاضْطِرَابُهَا فَهِيَ إذَنْ بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ السَّاكِنَةِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَفَادَ أَنَّ مَنْ رَوَى الرِّيبَةَ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّهَا تَصْغِيرُ الرِّبَا فَقَدْ أَخْطَأَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَعَلَى هَذَا فَفِي ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ بِهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ حُرْمَةَ النِّسَاءِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ حُرْمَةِ الْفَضْلِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُ يَدًا بِيَدٍ } فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْفَضْلِ لِأَنَّهَا أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ وَلَهَا عِلَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ دُونَهَا فِي الدَّرَجَةِ ( وَخَرَجَ الْعِلَّةُ حُكْمًا فَقَطْ عَلَى الشَّرْطِ ) كَدُخُولِ الدَّارِ ( فِي تَعْلِيقِ الْإِيجَابِ ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ( لِثُبُوتِ الْحُكْمِ ) وَهُوَ الطَّلَاقُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ دُخُولِ الدَّارِ ( مَعَ انْتِفَاءِ الْوَضْعِ ) أَيْ وَضْعِ دُخُولِ الدَّارِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ ( وَالتَّأْثِيرِ ) لَهُ فِيهِ .
( وَكَذَا الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ السَّبَبِ الدَّاعِي ) أَيْ الْحُكْمِ ( الْمُقَامِ ) مُقَامَ الْمُسَبَّبِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ ( إذَا كَانَ ) السَّبَبُ الدَّاعِي ( مُرَكَّبًا ) مِنْ جُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا عِلَّةً حُكْمًا فَقَطْ لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ لَهُ وَلَا إضَافَةٍ إلَيْهِ وَلَا تَأْثِيرٍ لَهُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ الدَّاعِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ فَكَيْفَ بِجُزْئِهِ وَالْمُخْرِجُ لِلْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ عَلَى هَذَيْنِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَمَا أُقِيمَ

مِنْ دَلِيلٍ مُقَامَ مَدْلُولِهِ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الْمَحَبَّةِ ) فِي إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لِوُجُودِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إخْبَارِهَا عَنْ حُبِّهَا لَهُ مَعَ انْتِفَاءِ وَضْعِهِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ مُقَامَ الْمَدْلُولِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَكَمْ لَهُ مِنْ نَظِيرٍ ثُمَّ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَلَكِنَّهُ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَتْ عَنْ الْمَحَبَّةِ خَارِجَ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّخْيِيرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَى إخْبَارِهَا وَالتَّخْيِيرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْأَخْبَارِ يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَصَارَ الشَّرْطُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعِلَّةِ حُكْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ فَلَعَلَّهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( الْمَرْصَدُ الثَّانِي فِي شُرُوطِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( اسْتَلْزَمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِهَا اشْتِرَاطَ الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ ) أَيْ كَوْنِهَا وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا فِي نَفْسِهِ ( وَمَظِنِّيَّةَ الْحِكْمَةِ ) أَيْ وَكَوْنِهَا مَظِنَّةً لِلْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ لِأَجْلِهَا ( أَوَّلًا أَوْ بِوَاسِطَةِ مَظِنَّةٍ أُخْرَى فَلَزِمَتْ الْمُنَاسَبَةُ ) أَيْ كَوْنُهَا مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي شُرِعَتْ لَهُ ( وَعَدَمُ الطَّرْدِ ) أَيْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ ( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ لِطَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ ( وَغَيْرِهِمْ ) كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ إلَى الْجُمْهُورِ ( وَالْأَكْثَرُ ) مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ مَذْهَبُهُمْ ( الْجَوَازُ ) أَيْ جَوَازُ كَوْنِهَا عَدَمًا لِوُجُودِيٍّ كَقَلْبِهِ اتِّفَاقًا ( قِيلَ وَجَوَازُ ) تَعْلِيلِ ( الْعَدَمِيِّ بِهِ ) أَيْ بِالْعَدَمِيِّ كَعَدَمِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ ( اتِّفَاقٌ ) ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ ( النَّافِي ) لِتَعْلِيلِ الْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ ( الْعِلَّةُ ) هِيَ الْأَمْرُ ( الْمُنَاسِبُ ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ ( أَوْ مَظِنَّتِهِ ) أَيْ الْمُنَاسِبُ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْوَصْفَ الْجَامِعَ بِحَسَبِ أَنْ يَكُونَ بَاعِثًا بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ وَأَنَّ الْبَاعِثَ مُنْحَصِرٌ فِي الْمُنَاسِبِ وَمَظِنَّتِهِ وَهُوَ مَا يُلَازِمُهُ ( وَالْعَدَمُ الْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ ) أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مَظِنَّتُهُ بَلْ نِسْبَتُهُ إلَى جَمِيعِ الْمُحَالِ وَالْأَحْكَامِ سَوَاءٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً .
( وَ ) الْعَدَمُ ( الْمُضَافُ إمَّا ) مُضَافٌ ( إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ ) أَيْ إلَى شَيْءٍ فِي شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( مَصْلَحَةً ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ ( مَانِعٌ )

مِنْ الْحُكْمِ لِعَدَمِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمُ الْمَصْلَحَةِ مَانِعٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ وَلَا مَظِنَّتُهُ مُنَاسِبٌ لَهُ فَإِنَّ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لَهُ ( أَوْ ) مُضَافٌ إلَى مَا فِي الشَّرْعِيَّةِ مَعَهُ ( مَفْسَدَةً ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْعَدَمُ الْمُضَافُ إلَيْهِ ( عَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مَظِنَّةً مُنَاسِبٌ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ مُقْتَضٍ يُقَالُ أَعْطَاهُ لِعِلْمِهِ أَوْ لِفَقْرِهِ وَلَوْ قِيلَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عُدَّ سُخْفًا لَكِنْ قَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ مُنْشِئًا لِمَصْلَحَةٍ وَدَافِعًا لِمَفْسَدَةٍ تَنْشَأُ مِنْ وُجُودِهِ فَيَكُونُ مُقْتَضِيًا وَعَدَمًا لِلْمَانِعِ وَمِثْلُهُ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ ( أَوْ ) إلَى ( مُنَافٍ مُنَاسِبٍ ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ ( حَتَّى جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ الْمُنَاسِبَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ ( الْمُنَاسِبَ ) لِمَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْعَدَمِ الْحِكْمَةُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ ( فَيَكُونُ ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ ( مَظِنَّتَهُ ) أَيْ الْمُنَاسِبِ ( ثُمَّ لَا يَصْلُحُ ) عَدَمُ الْمُنَافِي لِلْمُنَاسِبِ مَظِنَّةً لِلْمُنَاسِبِ ( لِأَنَّ مَا ) أَيْ الْمُنَاسِبَ الَّذِي ( هُوَ ) أَيْ الْعَدَمُ ( مَظِنَّةٌ لَهُ ) أَيْ لِلْمُنَاسِبِ ( إنْ كَانَ ) وَصْفًا مُنْضَبِطًا ( ظَاهِرًا ) بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ( أَغْنَى ) بِنَفْسِهِ عَنْ الْمَظِنَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَدَمُ فَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ ( أَوْ ) كَانَ ( خَفِيًّا فَنَقِيضُهُ وَهُوَ مَا عَدَمُهُ مَظِنَّةٌ خَفِيٌّ ) أَيْضًا ( لِاسْتِوَاءِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً ) وَالْخَفِيُّ لَا يَصْلُحُ مَظِنَّةً لِلْخَفِيِّ لِأَنَّ الْخَفِيَّ

لَا يَعْرِفُ الْخَفِيَّ وَقَدْ تَعَقَّبَ هَذَا بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِ النَّقِيضَيْنِ جَلَاءً وَخَفَاءً لِتَكْرَارٍ وَإِلْفٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَيْفَ وَالْمَلَكَاتُ أَجْلَى مِنْ الْإِعْدَامِ .
( أَوْ ) مُضَافٌ إلَى ( غَيْرِ مُنَافٍ ) لِلْمُنَاسِبِ ( فَوُجُودُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْمُنَافِي ( وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ ) فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ ( فَلَيْسَ عَدَمُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ بِخُصُوصِهِ عِلَّةً فَلَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَقَدْ فَرَضْنَاهُ عِلَّةً هَذَا خُلْفٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى إيضَاحِهِ بِمِثَالٍ وَهُوَ ( كَمَا لَوْ قِيلَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ لِعَدَمِ إسْلَامِهِ فَلَوْ كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ مَصْلَحَةٌ فَاتَتْ ) فَيَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ وَهُوَ بَاطِلٌ ( أَوْ ) كَانَ فِي قَتْلِهِ مَعَ إسْلَامِهِ ( مَفْسَدَةٌ فَعَدَمُ مَانِعٍ ) أَيْ فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ مَانِعًا مِنْ الْقَتْلِ فَمَا الْمُقْتَضِي لِقَتْلِهِ ( أَوْ ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ ( يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ ظَاهِرًا وَهُوَ ) أَيْ الْمُنَاسِبُ الظَّاهِرُ لِلْقَتْلِ ( الْكُفْرُ فَهُوَ ) أَيْ الْكُفْرُ الْعِلَّةُ فَلْيُقَلْ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ كَافِرٌ ( أَوْ ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ يُنَافِي مُنَاسِبًا لِلْقَتْلِ ( خَفِيًّا ) وَهُوَ الْكُفْرُ مَثَلًا ( فَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ ) أَيْ خَفِيٌّ لِأَنَّهُ نَقِيضُهُ وَالنَّقِيضَانِ مِثْلَانِ ( فَعَدَمُهُ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ خَفِيٌّ فَلَا فَرْقَ ضَرُورَةً بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْكُفْرِ وَمَعْرِفَةِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ فِي الْخَفَاءِ ( أَوْ ) كَانَ الْقَتْلُ مَعَ الْإِسْلَامِ ( لَا ) يُنَافِي مُنَاسِبًا إذْ لَيْسَ الْكُفْرُ هُوَ الْمُنَاسِبُ ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ يَقْتُلُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ( فَالْمُنَاسِبُ ) شَيْءٌ ( آخَرُ يُجَامِعُ كُلًّا مِنْ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَالْإِسْلَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً مَظِنَّةَ الْحِلِّ .
( وَدُفِعَ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( مِنْ الْأَكْثَرِ بِاخْتِيَارِ أَنَّهُ ) أَيْ مَا

أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ ( يُنَافِيهِ ) أَيْ الْمُنَاسِبَ ( وَجَازَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُنَافِيهِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ ( الْعَدَمَ نَفْسَهُ لَا ) كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ ( مَظِنَّتَهُ ) أَيْ الْمُنَاسِبِ وَالْمُسْتَدِلُّ إنَّمَا أَبْطَلَ هَذَا .
وَأَمَّا كَوْنُ عَدَمِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَدَمُ هُوَ عَيْنُ الْمُنَاسِبِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَجُوزُ ( لِاشْتِمَالِهِ ) أَيْ الْعَدَمِ ( عَلَى الْمَصْلَحَةِ كَعَدَمِ الْإِسْلَامِ ) فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ ( عَلَى مَصْلَحَةِ الْتِزَامِهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( بِالْقَتْلِ ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنْ الْقَتْلِ ( وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الْعَدَمَ مُطْلَقًا ) أَيْ الْمُطْلَقَ وَالْمُضَافَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ ( فَلَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ السَّابِقُ ) أَيْ نَقْلُ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ ( وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ ) لِلنَّافِينَ لِلْوُجُودِيِّ خَاصَّةً ( يَصْلُحُ لَهُمْ ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ النَّافِينَ لَهُ مُطْلَقًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ ( يُبْطِلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا ) أَيْ كَوْنَهُ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ أَوْ عَدَمِيٍّ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَمَظِنَّتِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَعَدَمُ الْحُكْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَّةٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَصْلُحُ الْعَدَمُ لَهُ لَا لِلْعَدَمِ وَلَا لِلْوُجُودِ ( وَيَرُدُّ ) عَدَمَ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِلْعَدَمِيِّ ( نَقْضًا مِنْ الْأَكْثَرِ عَلَى ) دَلِيلِ ( الطَّائِفَةِ ) الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ الْعَدَمِيِّ عِلَّةً لِوُجُودِيٍّ وَجَوَازِ كَوْنِهِ عِلَّةً لِعَدَمِيٍّ ( وَكَوْنُ الْعَدَمِ نَفْسِهِ الْمُنَاسِبِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْمُنَاسِبُ فِي الْمِثَالِ ) الْمَذْكُورِ ( الْكُفْرُ وَهُوَ ) أَيْ الْكُفْرُ ( اعْتِقَادٌ قَائِمٌ وُجُودِيٌّ ضِدُّ الْإِسْلَامِ وَيَسْتَلْزِمُ ) الْكُفْرُ ( عَدَمَهُ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( كَمَا هُوَ شَأْنُ الضِّدَّيْنِ فِي اسْتِلْزَامِ كُلٍّ عَدَمَ الْآخَرِ

فَالْإِضَافَةُ ) لِلْقَتْلِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمِثَالِ ( إلَى الْعَدَمِ ) أَيْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ ( لَفْظًا ) وَإِلَّا فَفِي التَّحْقِيقِ مَا هُوَ مُضَافًا إلَّا إلَى الْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ غَيْرَ أَنَّهُ تَجُوزُ بِالْإِضَافَةِ إلَى لَازِمِهِ ( وَيَطَّرِدُ ) مَا قُلْنَا مِنْ كَوْنِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا فَقَطْ ( فِي عَدَمِ عِلَّةٍ ثَبَتَ اتِّحَادُهَا لِعَدَمِ حُكْمِهَا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْصَبُ ) فَإِنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ مُعَيِّنٌ لِلضَّمَانِ وَالْخِلَافُ لَمْ يَقَعْ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ بَلْ فِي ضَمَانِ الْغَصْبِ هَلْ يَجِبُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ أَمْ لَا فَصَحَّ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ بِعَدَمِ الْغَصْبِ إذْ لَا سَبَبَ لِلضَّمَانِ هُنَا إلَّا هُوَ فَعَدَمُهُ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ الْغَصْبِ ضَرُورَةً ( وَأَبِي حَنِيفَةَ ) وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا ( فِي نَفْسِ خُمُسِ الْعَنْبَرِ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ ) أَيْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُسْلِمُونَ خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْإِيجَافُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُمُسِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا أَخْذٌ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ لَيْسَ فِي يَدِهِمْ فَإِنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَلَا يُخَمَّسُ .
( وَالْوَجْهُ ) فِيهِمَا ( مَا قُلْنَا ) مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا إذْ مِنْ الظَّاهِرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ تَعْلِيلَهُمَا ( لَيْسَ حَقِيقِيًّا وَإِضَافَتَهُمَا ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَ الْخُمُسِ وَمُحَمَّدٍ عَدَمَ الضَّمَانِ ( إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَلَيْسَ ) ذَلِكَ ( مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعِلَّةِ ) بِمَعْنَى الْبَاعِثِ ( قَالُوا ) أَيْ الْأَكْثَرُونَ ( عُلِّلَ الضَّرْبُ بِعَدَمِ الِامْتِثَالِ ) وَهُوَ عَدَمِيٌّ ( وَالضَّرْبُ ثُبُوتِيٌّ ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ

أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَضَرَبَهُ السَّيِّدُ إنَّمَا ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ لَمَا صَحَّ هَذَا ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّعْلِيلَ إنَّمَا هُوَ ( بِالْكَفِّ ) أَيْ كَفِّ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عَنْ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثُبُوتِيٌّ ( قَالُوا ) أَيْ الْأَكْثَرُونَ أَيْضًا ( مَعْرِفَةُ الْمُعْجِزِ ) أَيْ كَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا أَمْرٌ ( ثُبُوتِيٌّ مُعَلَّلٌ بِالتَّحَدِّي ) بِالْمُعْجِزَةِ ( مَعَ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ ) لَهَا بِمِثْلِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ ( جُزْءُ الْعِلَّةِ ) الْمُعَرِّفَةِ لِلْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا الْإِتْيَانُ بِخَارِقٍ لِلْعَادَةِ مَعَ التَّحَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ .
( وَكَذَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَدَارِ عِلَّةً ) لِلدَّائِرِ ( بِالدَّوَرَانِ ) وَعَلَيْهِ الْمَدَارُ لِلدَّائِرِ وُجُودِيَّةً ( وَجُزْؤُهُ ) أَيْ الدَّوْرَانِ ( عَدَمٌ ) لِأَنَّ الدَّوَرَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَالْعَكْسُ عَدَمِيٌّ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ مَعَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعَ الْعَدَمِ وَمَا جُزْؤُهُ عَدَمٌ فَهُوَ عَدَمٌ وَقَدْ عُلِّلَ بِهِ وُجُودِيٌّ فَبَطَلَ سَلْبُكُمْ الْكُلِّيَّ أَيْضًا ( أُجِيبَ بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْعَدَمِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ وَعَلَيْهِ الدَّوَرَانُ ( شَرْطًا ) لَا جُزْءًا وَكَوْنُ الْعَكْسِ مُعْتَبَرًا فِي الدَّوْرَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مَاهِيَّتِه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ جُزْأَيْهِ وَهُوَ الطَّرْدُ عِلَّةً وَالْآخَرُ وَهُوَ الْعَكْسُ شَرْطًا فَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الطَّرْدُ بِمُجَرَّدِهِ وَيُؤَثِّرُ مَعَهُ وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ كَوْنِ شَرْطِ الثُّبُوتِيِّ عَدَمِيًّا ( وَلَوْ سُلِّمَ كَوْنُ التَّحَدِّي لَا يَسْتَقِلُّ ) عِلَّةً لِمَعْرِفَةِ الْمُعْجِزِ بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ مُدْخَلٌ مَعَهُ فِي التَّعْرِيفِ ( فَمُعَرِّفٌ ) أَيْ فَهُوَ

مُعَرِّفٌ لَهَا ( وَالْكَلَامُ فِي الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

وَأَمَّا عَدَمُ الِانْفِكَاكِ بِصَفِّهِ التَّقَدُّمِ فَلَا ( وَدُفِعَ ) هَذَا الْجَوَابُ ( بِأَنَّ حَقِيَةَ الْمُرَادِ ) مِنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ ( الْعِلْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَانِعِيَّةِ ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحْقِيقِ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ هُوَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِيَتَأَتَّى تَرْتِيبُ الْحُكْمِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( تَرَتُّبٌ ) أَيْ دَوْرٌ مُرَتَّبٌ لِظُهُورِ تَقَدُّمِ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ إذْ لَا تُعْلَمُ الْمَانِعِيَّةُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَا يُعْلَمُ الِاقْتِضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَانِعِيَّةِ ( بَلْ الْجَوَابُ أَنَّا نَظُنُّ صِحَّتَهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةِ ( أَوَّلًا بِمُوجَبِهِ ) أَيْ الظَّنِّ ( ثُمَّ نَسْتَقْرِئُ إلَخْ ) أَيْ الْمَحَالَّ لِاسْتِعْلَامِ مُعَارِضِهِ مِنْ التَّخَلُّفِ لَا لِمَانِعٍ .
فَإِنْ لَمْ نَجِدْ اسْتَمَرَّ الظَّنُّ بِصِحَّتِهَا وَإِنْ وَجَدْنَا التَّخَلُّفَ فِي بَعْضِ الْمُحَالِ .
فَإِنْ وَجَدْنَا أَمْرًا يَصْلُحُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ حَكَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ وَاسْتَمَرَّ ظَنُّ الصِّحَّةِ وَإِلَّا زَالَ فَإِذًا اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ بِصِحَّتِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَكَوْنُهُ مَانِعًا بِالْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ وَظَنِّهَا لَا عَلَى اسْتِمْرَارِهِ فَزَالَ الدَّوْرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ وَالْمُتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْسُ الظَّنِّ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى فَقِيرًا يَظُنُّ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِ آخَرَ تَوَقَّفَ الظَّنُّ لِجَوَازِ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ .
فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ كَفِسْقِهِ اسْتَمَرَّ ظَنٌّ أَنَّهُ كَانَ لِلْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْآخَرَ مَعَ وُجُودِ الْبَاعِثِ لِفِسْقِهِ وَإِلَّا زَالَ ظَنُّ كَوْنِهِ لِلْفَقْرِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ بِنَاءً عَلَى الْمُقْتَضِي وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفِسْقَ كَانَ مَانِعًا

وَإِلَّا لَكَانَ التَّخَلُّفُ قَاطِعًا فِي عَدَمِ الْمُقْتَضِي ( وَيَجْرِي فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْجَوَابِ ( إشْكَالُ الْمُقَارَنَةِ ) أَيْ مَا إذَا كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّخَلُّفِ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْعِلِّيَّةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ ( وَدَفْعُهُ ) أَيْ إشْكَالِهَا بِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْبَاعِثَ مَنَعَ مُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا آنِفًا ( وَجْهُ الْمُخْتَارِ ) وَأَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّخَلُّفَ ( تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ دَلِيلِ حُكْمٍ ) وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً ( فَوَجَبَ قَبُولُهُ كَاللَّفْظِ ) أَيْ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا فَرْقَ مُؤَثِّرٌ بَيْنَهُمَا .
( وَمَا قِيلَ الْخِلَافُ ) فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ ( مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْمَعَانِي الْعُمُومَ فَالْمَانِعُ ) أَنَّ لَهَا عُمُومًا ( إذْ ) الْمَعْنَى وَاحِدٌ ( لَا تَعَدُّدَ إلَّا فِي مَحَالَّهُ ) فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ ( مَانِعٌ هُنَا ) أَيْ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا مَعْنًى وَالْقَائِلُ بِأَنَّ لَهَا عُمُومًا يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لِعُمُومِهَا ثُمَّ الْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( غَيْرُ لَازِمٍ لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَتْ حُجَّةُ الْمَانِعِ هَذَا ( عَلَى تَعَدُّدِ مَحَالَّهُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( وَالْكَلَامُ هُنَا ) أَيْ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِهَا ) أَيْ مَحَالِّهَا ( إذْ حَاصِلُهُ ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَالَّهُ إلَّا مَحَلَّ الْمَانِعِ ) مِنْ الْحُكْمِ ( وَالْمَانِعُ هُوَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ ( انْدَفَعَ قَوْلُ الْمَانِعِينَ ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ تَخْصِيصُهَا ( تَنَاقُضٌ لَا

تَخْصِيصٌ ) قَالُوا ( لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ قَوْلَهُ ) أَيْ الْمُعَلَّلِ ( هَذَا الْوَصْفُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ ) أَيْ الْوَصْفَ ( أَمَارَةً عَلَيْهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَيْنَمَا وُجِدَ ) أَيْ الْوَصْفُ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ أَيْنَمَا وُجِدَ ( بَلْ ) إنَّمَا يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ غَيْرَ أَنَّا إذَا قَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ مَحَالَّهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مَعَ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَصِحُّ إضَافَةُ التَّخَلُّفِ إلَيْهِ قَدَّرْنَا مَانِعًا ) مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ) دَلِيلِ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ فِي مَحَلِّهِ .
( وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِي الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ إذْ ( التَّخْصِيصُ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ الْمَلْزُومِ اللَّفْظِ ) لِأَنَّ الْمَجَازَ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصُ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ ( مُنِعَ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ لِلْمَجَازِ مِنْهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( تَخْصِيصُ اللَّفْظِ لَا ) التَّخْصِيصُ ( مُطْلَقًا بَلْ هُوَ ) أَيْ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا ( أَعَمُّ ) مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لِلْمَجَازِ أَوْ لَا وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ بِهِ اللَّفْظُ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَبَعْدَ

إصْلَاحِهِ إلَى وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُهُ فِي صُوَرِ الْفَرْعِ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْعِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ لَا مِثْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي إثْبَاتِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قِيَاسًا عَلَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَامِعِ الْمُفِيدِ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْمُخَصِّصِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَامِّ صَارَ الْمَجْمُوعُ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَذَلِكَ الْعَدَمُ لَا يَجُوزُ ضَمُّهُ إلَى الْعِلَّةِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ كَوْنَ الْقَيْدِ الْعَدَمِيِّ جُزْءًا مِنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِ فَلِاشْتِرَاطِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا ( قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ ( إذْ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمَانِعِ ) وَالْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ فَسَقَطَ لَفْظُ عَدَمٍ مِنْ الْقَلَمِ ( وَوُجُودِ الشَّرْطِ فَعَدَمُهُ ) أَيْ الْمَانِعِ ( وَوُجُودُهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ ) مِنْهُمَا وَمِنْ الْوَصْفِ هُوَ ( الْمُسْتَلْزِمُ ) لِلْحُكْمِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَانِعُ أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ الْعِلَّةِ ( قُلْنَا فَرَجَعَ ) الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ خِلَافًا ( لَفْظِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرِهَا أَهِيَ الْبَاعِثُ ) عَلَى الْحُكْمِ ( أَوْ ) هِيَ ( جُمْلَةُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ) الْحُكْمُ .
فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ فَجَازَ النَّقْضُ وَإِنْ فُسِّرَتْ بِالْمُسْتَلْزِمِ

فَوُجُودُهُ وُجُودُ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَجُزْ النَّقْضُ ( لَكِنَّ الْحَقَّ خَطَؤُكُمْ ) فِي دَعَوَاكُمْ عَدَمَ جَوَازِ النَّقْضِ ( لِتَفْسِيرِكُمْ ) الْعِلَّةَ ( بِالْمُؤَثِّرِ وَالشَّرْطُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي التَّأْثِيرِ بِمُوَافَقَتِكُمْ ) .

( وَأَمَّا إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادُهُ وَخَطَؤُهُ بِانْتِقَاضِهِ فَإِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ أَمْكَنَ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّقْضُ فِي عِلَّتِهِ أَنْ يَقُولَ امْتَنَعَ حُكْمُ عِلَّتِي ثَمَّةَ لِمَانِعٍ وَفِي تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدِ قَوْلٍ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ إذْ الْأَصْلَحُ فِي كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ كَذَلِكَ ( فَمُنْتَفٍ لِأَنَّ ادِّعَاءَهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَوَّلًا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَعَ التَّخَلُّفِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ) كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ وَصْفُ كَذَا لَكِنْ امْتَنَعَ حُكْمُهَا فِي مَحَلِّ كَذَا الْمَانِعِ ( إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ مَانِعًا ) صَالِحًا لِلتَّخْصِيصِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَى عِلَّتِهِ بَيَانُ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ ، عَلَى أَنَّ لِلْمُجِيزِينَ أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا عَلَى الْمَانِعِينَ بِأَنْ يَقُولُوا لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَكُمْ فِي صُورَةِ التَّخْصِيصِ مُضَافًا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ بِتَغَيُّرِ مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ نَقْضٌ أَنْ يَقُولَ عَدِمْت عِلَّتِي فِي صُورَتَيْ النَّقْضِ لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِيهَا أَوْ نُقْصَانِهِ عَنْهَا وَيَتَخَلَّصُ عَنْ النَّقْضِ فَتَبْقَى عِلَّتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَيَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا .
( وَإِنَّمَا ذَلِكَ ) أَيْ إلْزَامُ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ ( لَازِمٌ ) لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( مَعَ إجَازَتِهِ ) أَيْ النَّقْضِ ( بِلَا تَعَيُّنِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ الْحُكْمِ ( كَمَا حَرَّرْنَاهُ أَوْ بِلَا مَانِعٍ كَمَا قِيلَ أَوْ دَلِيلٍ ) وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَانِعٍ صَالِحٍ لِلتَّخْصِيصِ ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَصْوِيبُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ إبْطَالِ عِلَّتِهِ بِسَائِرِ الطُّرُقِ مِنْ

الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالْقَلْبِ وَغَيْرِهَا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ ذَلِكَ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّصْوِيبُ فِي حَقِّ الْعَمَلِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الثَّابِتِ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَهَذَا لَا يُؤَدِّي إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ غَايَتُهُ وُقُوعُ الْأَصْلَحِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَصْلَحِ بَاطِلٌ لَا بِوُقُوعِهِ مِنْهُ تَعَالَى لِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَحْكَامَهُ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ كَمَا تُنَادِي بِهِ تَعْلِيلَاتُهُمْ فِي شَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمَانِعِينَ ( صِحَّةُ الْعِلِّيَّةِ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا لُزُومُ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ بَعْد مَا ذَكَرْنَا ) آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ الْبَاعِثُ وَالْمُؤَثِّرُ لَا لُزُومُ الْحُكْمِ لَهَا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لُزُومُهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَا مِنْ الْبَاعِثِ وَالْمُؤَثِّرِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمَانِعِينَ أَيْضًا ( تَعَارُضُ دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ ) لِلْعِلَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ ( وَ ) دَلِيلُ ( الْإِهْدَارِ ) وَهُوَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ فَتَسَاقَطَا ( فَلَا اعْتِبَارَ ) بِدَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( مَمْنُوعٌ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ دَلِيلَ الْإِهْدَارِ إلَّا ) إذَا كَانَ ( بِلَا مَانِعٍ ) لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ فَبَطَلَ الِاقْتِضَاءُ لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ نَصٌّ فِيهِ وَادَّعَى قَوْمٌ مِنْ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِنَا كَالْكَرْخِيِّ

وَالرَّازِيِّ وَالدَّبُوسِيِّ وَالْقَاضِي خَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّجَرِيِّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَاسْتَشْهَدُوا بِمَسَائِلَ .
وَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَعَدَّهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ وَلَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ تَخْصِيصُ أَحْكَامِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَأَبَاهُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ وَالشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ أَخَذْنَاهُ عَمَّنْ شَاهَدْنَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ كَانُوا أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ يَعْزُونَهُ إلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا ، وَيَحْكُونَ عَنْ شُيُوخِهِمْ الَّذِينَ شَاهَدُوهُمْ وَمَسَائِلُ أَصْحَابِنَا وَمَا عَرَفْنَا مِنْ مَقَالَتِهِمْ فِيهَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَشُيُوخِنَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ إلَّا بَعْضَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا بِمَدِينَةِ الْإِسْلَامِ فِي عَصْرِنَا مِنْ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَلَهُ مَنَاكِيرُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَجْوِبَةِ مَسَائِلِهِمْ انْتَهَى وَفِي التَّحْقِيقِ ثُمَّ مَنْ أَجَازَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ مِنْ مَشَايِخِنَا زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِالِاسْتِحْسَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ لِمَانِعٍ وَالِاسْتِحْسَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ امْتَنَعَ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْسَانِ لِمَانِعٍ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَنَسَبَهُ فِي الْكَشْفِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالُوا هُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بَلْ الْحُكْمُ إنَّمَا انْعَدَمَ فِيهِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا عَارِضَهُ اسْتِحْسَانٌ لَمْ يَبْقَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِأَنَّ دَلِيلَ الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ

نَصًّا فَلَا اعْتِبَارَ لِعِلَّةِ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ عَدَمُ النَّصِّ ، وَإِنْ كَانَ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِثْلُ النَّصِّ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْعِلَّةِ وَالضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ مَعْدُومٌ حُكْمًا .
وَكَذَا إنْ كَانَ ضَرُورَةً لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ بِسَبَبِ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعٍ مَعَ قِيَامِهَا وَقَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَالْحَقُّ عِنْدِي هُوَ التَّفْضِيلُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْصِيصِ وَإِلَّا يَلْزَمُ الْفَسَادُ وَالتَّنَاقُضُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ التَّخْصِيصُ بَاطِلٌ وَقَوْلِهِمْ شَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْفَ يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُخِّصَ فِي السَّلَمِ مَعْنًى لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ اسْتَحْسَنَّا فِيهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ لَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ لِانْتِفَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَحْذُورَاتِ أَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا كَانَ يَتَرَاءَى عِلَّةً لَمْ يَكُنْ عِلَّةً حَقِيقَةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ بَلْ الْعِلَّةُ كَانَتْ غَيْرَهُ لِمَا قُلْنَا فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ظَهَرَ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لَيْسَتْ عِلَّةً لِنَجَاسَةِ سُؤْرَ سِبَاعِ الْوَحْشِ مِنْ الْبَهَائِمِ بَلْ الرُّطُوبَةَ النَّجِسَةَ فِي الْآلَةِ الَّتِي تُشْرَبُ بِهَا وَتِلْكَ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَمْ يَتَنَجَّسُ سُؤْرُهَا لِعَدَمِ

عِلَّةٍ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ إنَّ الْمُسْتَحْسَنَ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ انْتَهَى .

( تَنْبِيهٌ قَسَّمَ الْمُصَحِّحُونَ ) لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( مَعَ الْمَانِعِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَوَانِعَ إلَى خَمْسَةٍ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَبَيْعِ الْحُرِّ ) إذْ الْبَيْعُ عِلَّةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَكِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِذَلِكَ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِهَا فِيهِ ( انْتِفَاءُ مَحَلِّهَا ) وَهُوَ الْمَالُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ بِالتَّرَاضِي وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ ( وَلَا عِلَّةَ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ ) فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْأَوَّلُ ( وَ ) مَا يَمْنَعُ ( تَمَامَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدِ ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ ( كَبَيْعِ عَبْدِ الْغَيْرِ ) بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ عِلَّةٌ ( تَامَّةٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ ) حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِهِ ( لَا ) فِي حَقِّ ( الْمَالِكِ ) لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَارِثِهِ نَعَمْ أَصْلُ الِانْعِقَادِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِ ( فَجَازَ بِإِجَازَتِهِ وَبَطَلَ بِإِبْطَالِهِ ) وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْإِجَازَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي ( وَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ ) فِي الْمَبِيعِ ( لِلْمُشْتَرِي ) وَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الثَّالِثُ ( وَ ) مَا يَمْنَعُ ( تَمَامَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ لَا أَصْلِهِ ( كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ ( لَكِنْ لَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ مَعَهُ ) أَيْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ( وَيَتَمَكَّنُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ الْفَسْخِ بِلَا قَضَاءٍ وَ ) لَا ( رِضَاءٍ ) فَكَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لِعَدَمِ التَّمَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الرَّابِعُ ( وَ ) مَا يَمْنَعُ ( لُزُومَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَثْبُتُ ) الْحُكْمُ ( مَعَهُ تَامًّا ) حَتَّى لَا يَكُونَ

لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ ( وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا بِتَرَاضٍ أَوْ قَضَاءٍ ) .
وَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ الْخَامِسُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ كَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ صَدَرَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنْ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ ، وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بَاتًّا لِتَمَامِ الرِّضَا لِوُجُودِ الرُّؤْيَةِ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ مِنْ رَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مُطْلَقًا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ، وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْمُدَّعَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدُونِ الرِّضَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ مُطْلَقًا ثُمَّ كَوْنُ الْمَوَانِعِ خَمْسَةً هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُوَافِقِيهِمَا قَالُوا وَالْحَصْرُ فِيهَا اسْتِقْرَائِيٌّ قِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهَا وَلِلْأَوَّلِ مَانِعَانِ وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّامِيَ إذَا قَصَدَ الرَّمْيَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُصْدِرَ السَّهْمَ مِنْ قَوْسِهِ رَمْيًا أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً وَالْأَوَّلُ إمَّا

أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَرْمَى أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَالْمَقْصِدِ حَائِلٌ فَالْحَائِلُ مَانِعٌ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَمَّ عِلَّةٌ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي الْعِلَلِ بَلْ فِي الْمَوَانِعِ ثُمَّ إذَا أَصَابَ السَّهْمُ الْمَرْمَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الَّذِي مَنَعَ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بِدَفْعِهِ بِقَوْسٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَزُولَ الْجُرْحُ بِالِانْدِمَالِ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي مَنَعَ تَمَامَ الْحُكْمِ وَالثَّانِي هُوَ الثَّالِثُ الَّذِي يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَهَذِهِ قِسْمَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَتُفِيدُ الْجَزْمَ وَلَا مَحَالَةَ .
وَالْمَذْكُورُ فِي تَقْوِيمِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَحْدُثُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْعِقَادِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّمَامِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعِلَّةِ أَوْ الْحُكْمِ وَوَافَقَهُ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي عَلَى هَذَا فَقَالَ وَلَوْ جَعَلَ أَقْسَامَ الْمَوَانِعِ أَرْبَعَةً وَجَعَلَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ مِمَّا يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ لَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفَسْخِ فِيهِمَا كَمَا جَعَلَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ لَكَانَ أَوْجَهَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ ( وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( عَلَى الْخِلَافِ ) فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ( فَرْعًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ ) أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ الصَّائِمُ ( النَّائِمُ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ فَسَدَ ) صَوْمُهُ ( عِنْدَهُمْ لِفَوَاتِ رُكْنِهِ ) أَيْ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ ( فَهُوَ ) أَيْ فَوَاتُ رُكْنِهِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ ( عِلَّةُ الْفَسَادِ ) لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مُؤَثِّرٌ فِيهِ الْفَسَادُ وَقَدْ ( تَخَلَّفَ ) الْفَسَادُ ( عَنْهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَوْمِ الشَّارِبِ ( النَّاسِي )

لِصَوْمِهِ لِأَنَّ بِشُرْبِهِ نَاسِيًا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ ( فَالْمُجِيزُ ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ ( لِمَانِعٍ هُوَ الْحَدِيثُ ) وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا فِي شَرْطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ مِنْ سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي كُنْت صَائِمًا فَأَكَلْت وَشَرِبْت نَاسِيًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمَّ صَوْمَك فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَك وَسَقَاك } ( مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ ) وَهُوَ فَوْتُ الرُّكْنِ .
( وَالْمَانِعُ ) تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ يَقُولُ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ ( لِعَدَمِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ فِيهِ ( حُكْمًا لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِي نُسِبَ إلَى مُسْتَحِقِّ الصَّوْمِ ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى ( لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك } فَكَانَ أَكْلُهُ كَلَا أَكْلٍ فَبَقِيَ الرُّكْنُ حُكْمًا وَ ) الصَّائِمُ النَّائِمُ ( الْمَصْبُوبُ فِي فِيهِ ) الْمَاءُ ( لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ الصَّائِمِ النَّاسِي ( إذْ لَيْسَ ) فِعْلُهُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّكْنِ ( مُضَافًا إلَى الْمُسْتَحِقِّ ) لِلصَّوْمِ ( فَلَمْ يَسْقُطْ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( نَائِمًا ) مَاءُ ( مَطَرٍ ) لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ ( كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ ) لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ شُرْبِ النَّاسِي لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِ الْمُسْتَيْقِظِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَا الظَّنُّ بِهَذَا نَعَمْ آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذِهِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ بِأَنْ يَأْوِيَ إلَى خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ فَيَنْقَدِحُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ فِيمَا نَحْنُ فِيهَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَامَ مَسْتُورًا بِمَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْتَوْضِحِ بِهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ

مِنْهُ بِأَنْ كَانَ سَائِرًا فِي فَلَاةٍ وَلَا خَيْمَةَ وَلَا سَقْفَ أَوْ ثَمَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسُدَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِ الْمَاضِينَ ثُمَّ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ لَا يَفْسُدُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِشَيْءٍ وَقَالُوا إنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ إثَارَةُ الْغُبَارِ مِنْ تَعَاطِيهِ أَوْ بِدُنُوِّهِ .
فَإِنْ تَمَّ إطْلَاقَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيهِ مَعَ هَذَا تَمَّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ النَّائِمِ السَّاقِطِ فِي حَلْقِهِ مَاءُ مَطَرٍ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ خَاضَ الْمَاءَ فَدَخَلَ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ صُبَّ الْمَاءُ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ انْتَهَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوْضَ الْمَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ عَنْهُ بُدٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ ) أَيْ مَا يُسَمَّى عِلَّةً فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ( غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ ) مِنْ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ فَإِنَّ عَدَمَ الرُّكْنِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ ( فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَانِعِ ) مِنْ فَسَادِ صَوْمِ النَّاسِي ( الْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ) وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِ الشَّارِبِ نَائِمًا بِالشَّارِبِ نَاسِيًا فَإِنَّ فِي الْمُنْتَقَى يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْعِبَارَةِ فِي التَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي مَوْضِعِ التَّخَلُّفِ الْحُكْمُ مَعْدُومٌ بِلَا شُبْهَةٍ إلَّا أَنَّ الْعَدَمَ مُضَافٌ إلَى الْمَانِعِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا إلَى عَدَمِ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيلِ

بِعِلَّتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَلَا وَنُسِبَ إلَى السَّهْوِ وَفِي هَذَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْكَلَامُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ وَثَانِيًا الْخِلَافُ فِي انْقِطَاعِ الْمُسْتَدِلِّ فَإِنَّ النَّقْضَ مِنْ عَظَائِمِ أَبْوَابِ الْجَدَلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ انْقِطَاعُ الْخَصْمِ فَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ يَقُولُونَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت الْعِلِّيَّةَ فِي غَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ التَّخَلُّفُ أَوْ هَذِهِ مِنْ الْبَعْضِ الَّذِي لَا يَلْزَمُنِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ هَذَا مِنْك فَإِنَّ كَلَامَك مُطْلَقٌ وَأَنْتَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِاحْتِرَازِ فَلِمَ لَا احْتَرَزْت .
وَثَالِثًا الْخِلَافُ فِي انْخِرَامِ الْمُنَاسِبَةِ بِمُفْسِدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَيَحْصُلُ إنْ قُدِحَ التَّخَلُّفُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِينَ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى قَوْلِ الْمُجَوِّزِينَ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ( وَأَمَّا نَقْضُ الْحِكْمَةِ فَقَطْ بِأَنْ تُوجَدَ الْحِكْمَةُ دُونَ الْعِلَّةِ ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ ( فِي مَحَلٍّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ وَيُسَمَّى كَسْرًا بِاصْطِلَاحٍ فَشُرِطَ عَدَمُهُ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَعَزَاهُ إلَى الْأَكْثَرِينَ ( نَفْيُهُ ) أَيْ شَرْطِ عَدَمِهِ ( فَلَوْ قَالَ ) قَائِلٌ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هِيَ السَّفَرُ ( لَا تَصِحُّ عِلِّيَّة السَّفَرِ ) لِلتَّرَخُّصِ الْمَذْكُورِ ( لِانْتِقَاضِ حِكْمَتِهَا الْمَشَقَّةِ بِصَنْعَةٍ شَاقَّةٍ ) كَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَضَرْبِ الْمَعَاوِلِ وَمَا يُوجِبُ قُرْبَ النَّارِ فِي ظَهِيرَةِ الْقَيْظِ فِي الْقُطْرِ الْحَارِّ ( فِي الْحَضَرِ ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ الشَّاقَّةُ بِدُونِ عِلَّتِهَا الَّتِي هِيَ السَّفَرُ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ وَهُوَ رُخْصَةُ الْقَصْرِ ( لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهَا ) أَيْ

الْحِكْمَةَ ( غَيْرُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( وَكَوْنُهَا ) أَيْ الْحِكْمَةِ هِيَ ( الْمَقْصُودَةُ ) مِنْ الْعِلَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَسَرَ ضَبْطُهَا لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كُلُّ قَدْرٍ مِنْهَا يُوجِبُ التَّرَخُّصَ وَتَعْيِينُ الْقَدْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ ضُبِطَتْ بِالْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ السَّفَرُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ ( فَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا ) أَيْ الْحِكْمَةِ وَفَاعِلُ يَبْطُلُ ( مَا لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا لَهَا ) أَيْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ عِلِّيَّةُ السَّفَرِ ( إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُطْلَقُهَا ) أَيْ الْمَشَقَّةُ .
( وَهُوَ ) أَيْ اعْتِبَارُ مُطْلَقِهَا ( مُنْتَفٍ بِالصَّنْعَةِ ) الشَّاقَّةِ لِأَنَّ غَيْرَ السَّفَرِ مِنْ الصَّنَائِعِ الشَّاقَّةِ مَعْلُومٌ فِيهَا انْتِفَاءُ التَّرَخُّصِ بِالْقَصْرِ ( فَالْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ مَشَقَّةُ السَّفَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ مُسَاوَاتُهَا ) الْعِلَّةَ ( الْمَنْقُوضَةَ ) وَهِيَ مَشَقَّةُ الصَّنْعَةِ الشَّاقَّةِ فِي الْحَضَرِ ( وَلَوْ فُرِضَ الْعِلْمُ بِرُجْحَانِ الْمَنْقُوضَةِ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ( إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ ) آخَرَ هُوَ ( أَلْيَقُ بِهَا ) أَيْ بِتِلْكَ الْحِكْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ، وَالْبُطْلَانُ فِي صُورَةٍ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعِلِّيَّةِ وَصَلَاحِ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مَقِيسًا عَلَيْهِ ( كَالْقَطْعِ بِالْقَطْعِ ) أَيْ كَقَطْعِ الْيَدِ بِقَطْعِ الْيَدِ شُرِعَ ( لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ ) لِلْمُكَلَّفِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ( تَخَلَّفَ ) الْقَطْعُ ( فِي الْقَتْلِ ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَزْيَدُ مِمَّا لَوْ قُطِعَ ( لِشَرْعِ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا هُوَ أَنْسَبُ بِهِ مِنْ الْقَطْعِ ( الْقَتْلُ ) إذْ الْقَتْلُ أَكْثَرُ عُدْوَانًا مِنْ الْقَطْعِ فَيَلِيقُ بِالزَّجْرِ عَنْهُ حُكْمٌ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ أَكْثَرُ مِنْ زَجْرِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ أَمْرٌ يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةٌ

عَلَى ذَلِكَ فَشُرِعَ الْقَتْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِيَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْقَطْعِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ سِوَى إبْطَالِ الْيَدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ أَقْوَى افْتَقَرَ إلَى زَجْرٍ أَقْوَى فَشُرِعَ زَاجِرٌ أَقْوَى وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ حِكْمَةِ الزَّجْرِ بَلْ قُوَّةُ اعْتِبَارِهِ .
( وَأَنْتَ إذْ عَلِمْت أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ ) لِعُسْرِ ضَبْطِهَا وَتَعَذُّرِ تَعَيُّنِ الْقَدْرِ الَّذِي تُوجِبُهُ ( ضُبِطَتْ شَرْعًا ) بِمَظِنَّةٍ خَاصَّةٍ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ ( لَمْ تَكَدْ تَقِفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّ التَّخَلُّفَ ) لِلْحُكْمِ ( عَنْ مِثْلِهَا أَوْ أَكْبَرَ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ ضَابِطِهَا ) وَلَوْ كَانَ عَدَمُ دُخُولِهِ ( بِلَا مَانِعٍ ) لَا يَنْقُضُ عِلِّيَّتَهَا خُصُوصًا إذَا ( كَانَتْ مُومًى إلَيْهَا ) أَيْضًا مِثْلُ { أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ } لِأَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا مِثْلًا مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِخُصُوصِهِ ( أَلَّا يُرَى أَنَّ الْبَكَارَةَ عِلِّيَّةُ الِاكْتِفَاءِ فِي الْإِذْنِ ) أَيْ فِي إذْنِ الْحُرَّةِ الْبِكْرِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ لِوَلِيِّهَا أَوْ رَسُولِهِ فِي نِكَاحِهَا ( بِالسُّكُوتِ ) فِي النِّكَاحِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهَا ( لِحِكْمَةِ الْحَيَاءِ ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ { عَنْ عَائِشَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَسْنَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ نَعَمْ قُلْت إنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي فَتَسْكُتُ قَالَ سُكُوتُهَا إذْنُهَا } ( وَلَوْ فُرِضَ ثَيِّبٌ أَوْفَرُ حَيَاءً ) مِنْهَا ( أَوْ سَبَبٌ اقْتَضَاهُ ) أَيْ حَيَاءً أَوْفَرَ مِنْ حَيَائِهَا ( كَزِنًا اُشْتُهِرَ لَمْ يُكْتَفَ بِسُكُوتِهَا إجْمَاعًا ) وَإِنْ ثَبَتَ قَدْرٌ مِنْ الْحِكْمَةِ وَهُوَ الْحَيَاءُ فِي هَاتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَكَارَةِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا ( فَتَخَلَّفَ ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْإِذْنِ بِالسُّكُوتِ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ حِكْمَةٍ تَفُوقُ حِكْمَةَ الْبَكَارَةِ ( وَلَمْ تَبْطُلْ عِلِّيَّةُ الْبَكَارَةِ ) لِلِاكْتِفَاءِ بِالسُّكُوتِ ( وَمَا

ذَاكَ ) أَيْ عَدَمُ بُطْلَانِ عِلِّيَّتِهَا ( إلَّا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حَيْثُ ضُبِطَتْ بِالْبَكَارَةِ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ حَيَاءَ الْبِكْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي حَيَاءٍ فَوْقَهُ ) أَيْ حَيَاءِ الْبِكْرِ ( ثُبُوتُ الْحُكْمِ ) الَّذِي هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ فِي ذَلِكَ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ حَيَاءٍ فَوْقَهُ ( لِعَدَمِ دَلِيلِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( بِخُصُوصِهِ ) وَهُوَ الْمَجْعُولُ ضَابِطًا ( فَلَا تُنْتَقَضُ الْعِلَّةُ بِنَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ .
وَأَمَّا النَّقْضُ الْمَكْسُورُ وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ ) الْعِلَّةِ ( الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ ( بِالْحِكْمَةِ ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ الْحِكْمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ تَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْبَعْضِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ وَلَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وَهُوَ نَقْضٌ لِمَا ادَّعَاهُ عِلِّيَّةً بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ ( كَمَا لَوْ قَالَ ) الشَّافِعِيُّ ( فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ ) هُوَ بَيْعٌ ( مَجْهُولُ الصِّفَةِ ) عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ ( فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ ) ( كَبَيْعِ عَبْدٍ بِلَا تَعْيِينٍ ) لَهُ وَالْجَامِعُ الْجَهْلُ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ ( فَنَقَضَ ) الْمُعْتَرِضُ ( الْمَجْهُولِيَّةَ بِتَزَوُّجِ مَنْ لَمْ يَرَهَا ) فَإِنَّهَا مَجْهُولَةُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ ( مَعَ الصِّحَّةِ ) لِتَزَوُّجِهَا إجْمَاعًا ( وَحَذْفِ الْمَبِيعِ ) فَاخْتُلِفَ فِي إبْطَالِهِ لِلْعِلِّيَّةِ قِيلَ يُبْطِلُهَا ( وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ ( لَا يَمْنَعُ ) الْعِلِّيَّةَ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ ( الْمَجْمُوعُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ ) الْمَجْمُوعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْبَعْضِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمِيعِ مَا لَيْسَ لِلْجُزْءِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَقْضِ الْبَعْضِ ( فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَنْقُوضِ ( إلْغَاءَ ) الْوَصْفِ ( الْمَتْرُوكِ ) وَأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ بِأَنْ بَيَّنَ عَدَمَ تَأْثِيرِ

كَوْنِهِ مَبِيعًا ( بِأَنْ قَالَ الْجَهَالَةُ ) لِلصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ ( مُسْتَقِلَّةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا دَخْلَ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا ) فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ ( صَحَّ ) النَّقْضُ لِوُرُودِهِ عَلَى مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْمُسْتَدِلِّ ذَلِكَ الْبَعْضَ الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُعْتَرِضُ رَافِعًا لِلنَّقْضِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِ لَا يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ إذَا قَامَ الدَّلِيلُ لِلْمُعْتَرِضِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا وَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِصُلُوحِ الْعِلِّيَّةِ فَيُبْطِلُهُ بِالنَّقْضِ إذْ النَّقْضُ عَلَى الْعِلَّةِ لَا عَلَى مَانِعِهَا فَظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِوَاهُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ دَافِعًا لِلنَّقْضِ .
( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ النَّقْضِ الْمَكْسُورِ سُؤَالُ تَرْدِيدٍ وَهُوَ ( إنْ عَيَّنَ الْمَجْمُوعَ ) الْعِلَّةُ ( لَمْ يَصِحَّ ) تَعَيُّنُهُ لَهَا ( لِإِلْغَاءِ الْمَلْغِيِّ أَوْ ) عَيَّنَتْ ( مَا سِوَاهُ ) أَيْ الْمَلْغِيِّ الْعِلَّةِ ( فَكَذَا ) لَا يَصِحُّ ( لِلنَّقْضِ ) هَذَا وَكَوْنُ الْكَسْرِ وَالنَّقْضِ الْمَكْسُورِ مَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَكَانَ إلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِاصْطِلَاحٍ وَعَرَّفَ الْكَسْرَ الْبَيْضَاوِيُّ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَنَقْضِ الْآخَرِ كَمَا يُقَالُ فِي إثْبَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ هِيَ صَلَاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا لَمْ تُفْعَلْ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا كَصَلَاةِ الْآمِنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ خُصُوصُ كَوْنِهَا صَلَاةً مَلْغِيٌّ لِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبُ الْأَدَاءِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ يَبْقَ عِلَّةً إلَّا قَوْلُك يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى فَإِنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ الْكَسْرُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ

وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالْإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ انْتَهَى وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ النَّقْضُ الْمَكْسُورُ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( انْعِكَاسُهَا عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ ) أَيْ انْعِكَاسُهَا ( انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَائِهَا لِمَنْعِ تَعَدُّدِ ) الْعِلَلِ ( الْمُسْتَقِلَّةِ فَيَنْتَفِي ) الْحُكْمُ ( لِانْتِفَاءِ خُصُوصِ هَذَا الدَّلِيلِ وَهُوَ الْعِلَّةُ ) الَّتِي لَمْ تَنْعَكِسْ ( إذْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِلَا بَاعِثٍ تَفَضُّلًا ) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُوبًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ ثُمَّ مِنْ مُشْتَرَطِي الْعَكْسِ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الِاطِّرَادِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُكْتَفَى بِهِ وَلَوْ فِي صُورَةٍ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْقَاضِي فَمَنْ سَعِدَ بِالْوَجْهِ فِيهِ سَعِدَ بِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ اشْتَغَلَ بِهِ فَقَالَ ( وَالْمُخْتَارُ ) كَمَا هُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْقَاضِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّقْرِيبِ ( جَوَازُ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا ) أَيْ مَنْصُوصَةً كَانَتْ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً ( وَالْوُقُوعِ فَلَا يُشْتَرَطُ انْعِكَاسُهَا ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِوَصْفٍ غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَفْرُوضِ عِلَّةً وَقَالَ ( الْقَاضِي ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ بُرْهَانُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ ( فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ ) وَهُوَ رَأْيُ ابْنُ فُورَكٍ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ ( وَقِيلَ عَكْسُهُ ) أَيْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لَا الْمَنْصُوصَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ ( الْإِمَامُ ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( يَجُوزُ ) عَقْلًا ( وَلَمْ يَقَعْ ) لَا أَنَّ مَذْهَبَهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَحْنُ نَقُولُ تَعْلِيلُ حُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ لَيْسَ مُمْتَنِعًا عَقْلًا نَظَرًا إلَى الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا .
وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ

مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ ( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ ( أَنَّ الْبَوْلَ وَالْمَذْيَ وَالرُّعَافَ ) أُمُورٌ مُخْتَلِفَةُ الْحَقِيقَةِ ( ثُمَّ كُلٌّ ) مِنْهَا وَحْدَهُ ( يُوجِبُ الْحَدَثَ وَهُوَ ) أَيْ وَإِيجَابُ كُلٍّ مِنْهَا الْحَدَثَ هُوَ ( الِاسْتِقْلَالُ وَكَذَا الْقَتْلُ ) الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ ( وَالرِّدَّةُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ( تُحِلُّهُ ) أَيْ الْقَتْلَ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَيَاةُ الْوَاحِدِ بِوَاحِدٍ ( فَإِنَّ مَنْعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ بَلْ وُجُوبَ الْقَتْلِ قِصَاصًا غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ وُجُوبِهِ ( بِالرِّدَّةِ وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ الْآخَرِ ( انْتَفَى ) قَتْلُ الْقِصَاصِ ( بِالْعَفْوِ ) مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ طَلَبِ الْقِصَاصِ ( أَوْ الْإِسْلَامِ ) أَيْ انْتَفَى قَتْلُ الرِّدَّةِ بِالْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ( وَبَقِيَ الْآخَرُ ) أَيْ قَتْلُ الرِّدَّةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَقَتْلُ الْقِصَاصِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي ( عُورِضَ لَوْ تَعَدَّدَتْ ) الْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ ( كَانَ ) تَعَدُّدُهَا ( بِالْإِضَافَاتِ ) إلَى أَدِلَّتِهَا ( إذْ لَيْسَ مَا بِهِ الِاخْتِلَافُ ) أَيْ اخْتِلَافُهَا ( سِوَاهُ ) أَيْ إضَافَتِهَا إلَى أَدِلَّتِهَا ( وَاللَّازِمُ ) أَيْ تَعَدُّدُهَا بِالْإِضَافَاتِ ( بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِضَافَاتِ لَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا فِي ذَاتِ الْمُضَافِ ) وَهُوَ الْحُكْمُ كَالْحَدَثِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ ( وَإِلَّا ) لَوْ أَوْجَبْته ( لَوَجَبَ ) فِيهِ ( لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ وَكَانَ يَرْتَفِعُ أَحَدُهَا ) أَيْ الْأَحْدَاثِ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ ( وَيَبْقَى الْآخَرُ ) .
هَذَا ( ثُمَّ الْجَوَابُ ) عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ ( أَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ وُجُوبَ الْوُضُوءِ لِكُلٍّ وَارْتِفَاعَ أَحَدِهَا بِهِ مَرَّةً دُونَ الْآخَرِ إنَّمَا هُوَ ( إلَى الشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّلَازُمُ بَيْنَ مُسَبَّبَاتٍ فِي الِارْتِفَاعِ ) كَالْحَدَثِ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالرُّعَافِ مَثَلًا فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا لَا يَبْقَى الْآخَرُ ( وَلَا يُعْتَبَرُ ) التَّلَازُمُ فِي الِارْتِفَاعِ ( فِي ) مُسَبَّبَاتٍ ( أُخْرَى ) كَالْقَتْلِ

الْمُسَبَّبِ عَنْ الرِّدَّةِ وَعَنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَعَنْ الزِّنَا إذْ يَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْآخَرُ ثُمَّ الْجَوَابُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( كَلَامٌ عَلَى السَّنَدِ ) أَيْ قَوْلِهِ وَإِلَّا وَجَبَ لِكُلِّ حَدَثٍ وُضُوءٌ إلَى آخِرِهِ ( وَالْمَطْلُوبُ ) وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ الْمَذْكُورَةُ ( ثَابِتٌ دُونَهُ ) أَيْ ذِكْرِ السَّنَدِ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَعَدُّدَ الْإِضَافَةِ لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ التَّعَدُّدَ ( فِي ذَاتِهِ ) أَيْ الْمُضَافِ وَإِلَّا لَزِمَ تَعَدُّدُ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إذَا عَرَضَتْ لَهُ الْإِضَافَاتُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ ضَرُورِيُّ الْبُطْلَانِ ( وَثُبُوتُ ارْتِفَاعِ بَعْضِهِمَا ) أَيْ الْأَحْكَامِ ( دُونَ بَعْضٍ فِي صُورَةٍ ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا وَرِدَّةً ( إنَّمَا يَكْفِي دَلِيلًا عَلَى التَّعَدُّدِ ) لِلْأَحْكَامِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بِسَبَبِ خَصِّهَا ( لَا فِي غَيْرِهَا كَمَا فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا ) أَيْ الْقَتْلَيْنِ وَهُوَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ ( حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَلَا الْبَدَلُ ( وَالْآخَرَ ) وَهُوَ الْقَتْلُ قِصَاصًا ( حَقُّ الْعَبْدِ ) يَجُوزُ لَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَيُجْزِئُ فِيهِ الْعَفْوُ وَالْبَدَلُ .
( وَمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الرُّعَافِ فَبَالَ ثُمَّ رَعَفَ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ لَا يُشْكِلُ مَعَ قَوْلِهِ بِاتِّحَادِ الْحُكْمِ لَا الْعُرْفِ فِي مِثْلِهِ ) إذْ الْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ ( تَوَضَّأَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ ) وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْآمِدِيُّ ( وَالْخِلَافُ فِي ) الْحُكْمِ ( الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْمُخَالِفُ ) فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ ( يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْوَاحِدَ بِالشَّخْصِ ( فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ) بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا وَهُوَ الْحَدَثُ وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ ( وَالظَّاهِرُ بَعْدَهُ ) أَيْ الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ( مِنْ الشَّرْعِ وَشَخْصِيَّةِ مُتَعَلِّقِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَزَّ مَثَلًا ( لَا

تُوجِبُهُ ) أَيْ تَشَخُّصَ الْحُكْمِ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ انْدِرَاجِهِ فِي كُلِّيٍّ كَالزَّانِي مَثَلًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( بَلْ ) إنَّمَا يُوجِبُ شَخْصِيَّةَ الْحُكْمِ ( مَا ) يَكُونُ مَخْصُوصًا بِمُتَعَلِّقٍ خَاصٍّ بِعَيْنِهِ شَرْعًا ( كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ ) فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا وَحْدَهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقُهَا ( وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ هَذَا ( عِلَلٌ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاحِدَ الشَّخْصِيَّ بَعِيدٌ وَالْحَقِيقِيَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ فِي الْوَاحِدِ النَّوْعِيِّ ( وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال ) لِلْمُخْتَارِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( لَوْ امْتَنَعَ ) تَعَدُّدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ ( امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ ) لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ لَا مُؤَثِّرَاتٌ ( فَقَدْ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ ) وَأُسْنِدَ الْمَنْعُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْبَاعِثَةَ أَخَصُّ ) مِنْ مُطْلَقِ الْأَدِلَّةِ .
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ بَاعِثَةٌ لَا مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْمُلَازَمَةِ لَوْ امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ الْبَاعِثَةِ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ فَيَلْحَقُهَا الْمَنْعُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَوَّلِ امْتِنَاعُ الثَّانِي إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْأَخَصِّ امْتِنَاعُ الْأَعَمِّ فَلَا يَصِحُّ لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ مُطْلَقًا ( الْمَانِعُونَ ) تَعَدُّدَ الْعِلَلِ قَالُوا ( لَوْ تَعَدَّدَتْ ) الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ ( لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَهُوَ ) أَيْ التَّنَاقُضُ اللَّازِمُ ( الِاسْتِقْلَالُ ) أَيْ اسْتِقْلَالُهَا ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ وَعَدَمُ اسْتِقْلَالِهَا ( لِلثُّبُوتِ ) أَيْ لِفَرْضِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ ( بِكُلٍّ ) مِنْهَا ( بِلَا حَاجَةٍ إلَى غَيْرِهِ ) مِنْ الْبَاقِيَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أُخْرَى هُوَ ( الِاسْتِقْلَالُ وَعَدَمُهُ ) أَيْ وَالْفَرْضُ عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ( لِاسْتِقْلَالِ غَيْرِهِ ) أَيْ

لِفَرْضِ اسْتِقْلَالِ غَيْرِ مَا ثَبَتَ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ ( بِهِ ) أَيْ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ ( وَاسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الثُّبُوتِ ( فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ وَلِعَدَمِ اسْتِغْنَاءِ الْمَحَلِّ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ عَنْ كُلٍّ بِالْآخَرِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ تَرَتَّبَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ وُجِدْت مَعًا وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ فِي الْمَحَلِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ ( وَ ) لَزِمَ ( الثُّبُوتُ ) لِلْحُكْمِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِالْعِلَّتَيْنِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ ( لَا بِهِمَا ) لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِكُلٍّ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ بِالْآخَرِ ( فِي الْمَعِيَّةِ ) وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى .
( وَ ) لَزِمَ ( تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي التَّرْتِيبِ ) أَيْ فِي حُصُولِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ مَا كَانَ حَاصِلًا بِالْأُولَى وَهَذَا لَازِمٌ آخَرُ فَوْقَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى ( وَالْجَوَابُ الِاسْتِقْلَالُ ) أَيْ مَعْنَاهُ فِيهَا ( كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ ثَبَتَ بِهَا أَيْ عِنْدَهَا ) الْحُكْمُ ( وَالْحَيْثِيَّةُ ) أَيْ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ ( لَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ ) كَمَا فِي الِانْفِرَادِ ( لَا ) أَنَّ الِاسْتِقْلَالَ فِيهَا ( بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ ) أَيْ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ تُفِيدُ الْوُجُودَ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تُفِيدُهُ عِلَّةٌ أَصْلًا بَلْ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ جَلَّ وَعَلَا وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ تَفْسِيرٍ بِهَا بِعِنْدِهَا ( فَانْتَفَى الْكُلُّ ) أَيْ لُزُومُ التَّنَاقُضِ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ تَعَدُّدَ الْعِلَلِ مُطْلَقًا ( أَيْضًا أَجْمَعُوا ) أَيْ الْأَئِمَّةُ ( عَلَى التَّرْجِيحِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا ) أَهِيَ ( الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ ) كَمَا تَقَوَّلَهُ

أَصْحَابُنَا ( أَوْ الطَّعْمُ ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ ( أَوْ الِاقْتِيَاتُ ) كَمَا تَقَوَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّرْجِيحُ ( فَرْعُ صِحَّةِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ ) مِنْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّرْجِيحِ بَيْنَ مَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ ( وَ ) فَرْعُ ( لُزُومِ انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ ) أَيْ لَوْ جَازَ التَّعَدُّدُ لَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالتَّرْجِيحِ لِتَعْيِينِ وَاحِدَةٍ وَنَفْيِ مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَبَثًا بَلْ بَاطِلًا .
( وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّرْجِيحِ ( لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( هُنَا ) أَيْ فِي الرِّبَا ( إحْدَاهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ ( وَإِلَّا ) لَوْ انْتَفَى الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا ( جَعَلُوهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( الْكُلَّ ) أَيْ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ صَلَاحِيَّةَ كُلٍّ لِلْعِلِّيَّةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى إلْغَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا جَمِيعًا وَذَلِكَ قَوْلٌ بِجُزْئِيَّةِ كُلٍّ لِلْعِلَّةِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ دَخْلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَقَالَ ( الْقَاضِي ) حَالَ كَوْنِهِ مُجَوِّزًا فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ ( إذَا نَصَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ مُتَعَدِّدٍ ) مِنْ الْأَوْصَافِ بِالْعِلِّيَّةِ ( فِي مَحَلٍّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ ) أَيْ التَّعَدُّدِ ( ارْتَفَعَ احْتِمَالُ التَّرْكِيبِ ) لِمُنَافَاتِهِ الِاسْتِقْلَالَ وَالْفَرْضُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصَةِ فَجَازَ التَّعَدُّدُ فِيهَا ( وَمَا لَمْ يَنُصَّ ) فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي مَحَلٍّ ( مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلْعِلِّيَّةِ ( بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ) بِخُصُوصِهِ ( مِنْ الْجُزْئِيَّةِ ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ ( أَوْ الِاسْتِقْلَالِ ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً ( فَتَعْيِينُ إحْدَاهُمَا ) أَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ ( تَحَكُّمٌ ) لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ عَلَى السَّوَاءِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ وَفَرْضِ انْتِفَاءِ النَّصِّ عَلَى

أَحَدِهِمَا ( فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِقَادَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( جَوَازَ التَّعَدُّدِ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة ( غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ ) أَيْ التَّعَدُّدِ ( فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلِاحْتِمَالِ ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَقْدِرُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِ فِي الْمَنْصُوصَةِ لِلنَّصِّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنْ التَّعَدُّدِ ( فَإِذَا اجْتَمَعَتْ ) الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ ( يَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ) مِنْ الْجُزْئِيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ لَا بِنَاءً عَلَى الْجُزْئِيَّةِ عَيْنًا .
( وَالْجَوَابُ مَنْعُهُ ) أَيْ لُزُومِ التَّحَكُّمِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعْيِينِ إحْدَاهُمَا لِجَوَازِ اسْتِنْبَاطِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ ( بِالْعِلْمِ بِالْحُكْمِ ) أَيْ بِثُبُوتِهِ ( مَعَ إحْدَاهُمَا فِي مَحَلٍّ كَمَا ) يَعْلَمُ ثُبُوتَهُ ( مَعَ ) عِلَّةٍ ( أُخْرَى فِي ) مَحَلٍّ ( آخَرَ فَيُحْكَمُ بِهِ ) أَيْ الِاسْتِقْلَالِ ( لِكُلٍّ ) مِنْهَا ( فِي مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ وَعَاكَسَهُ ) أَيْ مَذْهَبُ الْقَاضِي يَقُولُ ( يُقْطَعُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِأَنَّهَا الْبَاعِثُ ) لِلشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ لِتَعْيِينِهِ إيَّاهَا لَهُ ( فَانْتَفَى احْتِمَالُ غَيْرِهَا ) لِلْعِلِّيَّةِ كُلًّا وَجُزْءًا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا ( وَالْمُسْتَنْبَطَة وَهْمِيَّةٌ ) بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ ( لَا يَنْتَفِي فِيهَا ذَلِكَ ) أَيْ احْتِمَالُ غَيْرِهَا لِلْعِلِّيَّةِ جُزْءًا وَكُلًّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ الْمَجْمُوعَ مِنْهُمَا وَأَنْ يَكُونَ هَذَا كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ تَرَجَّحَ كُلٌّ بِدَلِيلِهِ فَيَحْصُلُ الظَّنُّ بِعِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ ( وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ ) أَيْ الْقَطْعِ بِالْمَنْصُوصَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَلْفُوظَةُ السَّمْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهَا ظَنِّيَّةً أَوْ إسْنَادُهَا ظَنِّيًّا وَانْتِفَاءُ احْتِمَالِ غَيْرِهَا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ

الْبَوَاعِثِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِمَصَالِحَ مُتَعَدِّدَةٍ وَدَافِعًا لِمَفَاسِدَ مُخْتَلِفَةٍ .
وَقَالَ ( الْإِمَامُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ ) التَّعَدُّدُ ( شَرْعًا وَقَعَ عَادَةً وَلَوْ ) كَانَ الْوُقُوعُ ( نَادِرًا ) لِأَنَّ النَّادِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَلَمْ يَقَعْ ( وَالثَّابِتُ بِأَسْبَابِ الْحَدَثِ مُتَعَدِّدٌ كَمَا تَقَدَّمَ ) حَتَّى قِيلَ إذَا نَوَى رَفْعَ أَحَدِ أَحْدَاثِهِ لَمْ يَرْفَعْ الْآخَرُ ( أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الْوُقُوفِ بَلْ مَا ذَكَرَ ) مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ وَالْقَتْلِ يُفِيدُ الْوُقُوعَ ( وَكَوْنُ الثَّابِتِ بِكُلٍّ ) مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ الثَّابِتِ ( بِالْآخَرِ إنْ أَثْبَتَهُ ) أَيْ كَوْنَ غَيْرِهِ ( بِالِانْفِكَاكِ نَفْيًا ) أَيْ بِأَنْ يَنْتَفِيَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ ( فَتَقَدَّمَ اقْتِصَارُهُ ) فِي الْقَتْلِ لِتَحَقُّقِ تَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَحْكَامِ ( وَانْتِفَاؤُهُ ) أَيْ الِانْفِكَاكِ ( فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ ) وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ ( وَتَجْوِيزُهُ ) أَيْ تَعَدُّدِ الْحُكْمِ لِتَعَدُّدِ الْعِلَلِ ( لَا يَكْفِيهِ ) أَيْ الْإِمَامَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُثَبِّتِ لَهُ ( لِأَنَّهُ مُسْتَدِلٌّ ) لَا مُعْتَرِضٌ ( ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُعَدِّدُونَ ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِحُكْمٍ وَاحِدٍ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ يَثْبُتُ ( بِالْأَوَّلِ ) أَيْ بِالْوَصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ الْعِلَلُ إذَا اجْتَمَعَتْ ( فِي التَّرَتُّبِ ) أَيْ إذَا وُجِدَتْ مُتَرَتِّبَةً ( وَفِي الْمَعِيَّةِ ) اخْتَلَفُوا ( قِيلَ بِالْمَجْمُوعِ ) مِنْهَا ( فَكُلٌّ ) مِنْهَا ( جُزْءٌ ) مِنْ الْعِلَّةِ .
( وَقِيلَ ) الْعِلَّةُ ( وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا وَالْمُخْتَارُ ) أَنَّهُ يَثْبُتُ ( بِكُلٍّ ) مِنْهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً ( لِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَ كُلٍّ مِنْهَا عِلَّةً ( لَوْ امْتَنَعَ كَانَ ) الِامْتِنَاعُ ( لِاجْتِمَاعِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ ) وَاحِدٍ ( وَهُوَ ) أَيْ وَاجْتِمَاعُهَا عَلَيْهِ ( حَقٌّ

اتِّفَاقًا ) فَلَا امْتِنَاعَ وَقَالَ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ ( الْمَجْمُوعُ لَوْ اسْتَقَلَّ ) كُلٌّ مِنْهَا ( فِي الْمَعِيَّةِ لَزِمَ التَّنَاقُضُ ) إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ( بِلُزُومِ الثُّبُوتِ بِكُلٍّ وَ ) بِلُزُومِ ( عَدَمِهِ ) أَيْ الثُّبُوتِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمَرَّ جَوَابُهُ ) وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ لَهَا كَوْنُهَا بِحَيْثُ إذَا انْفَرَدَتْ يَثْبُتُ عِنْدَهَا الْحُكْمُ وَهَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ ثَابِتَةٌ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ ( وَ ) لَزِمَ ( التَّحَكُّمُ ) إنْ ثَبَتَ بِوَاحِدٍ فَقَطْ ( قُلْنَا ) إنَّمَا يَلْزَمُ التَّحَكُّمُ ( وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ ) الْحُكْمُ ( بِكُلٍّ ) مِنْهَا أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِكُلٍّ مِنْهَا ( كَالشَّاهِدِ فِي ) الْأَدِلَّةِ ( السَّمْعِيَّةِ عَلَى حُكْمٍ ) فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَقَالَ ( غَيْرُ الْمُعَيِّنِ ) أَيْ الذَّاهِبُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَعِيَّةِ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ ( لَوْلَاهُ ) أَيْ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ ( لَزِمَ التَّحَكُّمُ فِي التَّعْيِينِ ) أَيْ فِي كَوْنِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَ ) لَزِمَ ( خِلَافُ الْوَاقِعِ فِي الْجُزْئِيَّةِ ) أَيْ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ الْعِلَّةِ حَتَّى كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ ( لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ لِكُلٍّ ) مِنْهَا وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا .
( الْجَوَابُ اخْتِيَارٌ ثَالِثٌ كَمَا ذَكَرْنَا ) وَهُوَ أَنَّهُ بِكُلٍّ وَلَا يُنَافِي الِاسْتِقْلَالَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا أَمَارَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ فَلَا مَانِعَ كَمَا فِي السَّمْعِيَّةِ وَأَنَّهُ حَيْثِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِكُلٍّ وَاجْتِمَاعُهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ ( وَلَنَا فِي عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ ) وَهُوَ ثُبُوتُ أَحْكَامٍ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ ( تَعَدُّدُ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ ) أَيْ مَحْضُ التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِ ( كَالْغُرُوبِ لِجَوَازِ الْإِفْطَارِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ ) ثَابِتٌ ( بِلَا خِلَافٍ وَتَسْمِيَةُ هَذَا ) الْمُعَرَّفِ

( عِلَّةً اصْطِلَاحٌ وَبِمَعْنَى الْبَاعِثِ فِي الْمُخْتَارِ لَا بُعْدَ فِي مُنَاسَبَةِ وَصْفٍ لِحُكْمَيْنِ كَالزِّنَا لِلْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِهَذَا ( فِيهِ ) أَيْ فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ حُكْمِ عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ ( تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ ) الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ ( بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْوَصْفِ ) الْوَاحِدِ ( مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ ) الْمَصْلَحَةُ ( الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِهِمَا ) أَيْ بِالْحُكْمَيْنِ أَمَّا إذَا حَصَلَ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ مَصْلَحَتَانِ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ إلَّا بِالْحُكْمَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ .
وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( أَنْ لَا تَتَأَخَّرَ ) الْعِلَّةُ ( عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَإِلَّا ) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ ( ثَبَتَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( بِلَا بَاعِثٍ ) وَهُوَ مُحَالٌ ( وَأَيْضًا ) لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ ( يَثْبُتُ بِذَلِكَ ) أَيْ تَأَخُّرِهَا عَنْهُ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( لَمْ يُشْرَعْ لَهَا ) أَيْ لِلْعِلَّةِ ( وَمِثْلُ ) هَذَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ ( بِتَعْلِيلِ نَجَاسَةِ مُصَابِ عَرَقِ الْخِنْزِيرِ بِأَنَّهُ ) أَيْ عَرَقَهُ ( مُسْتَقْذَرٌ ) كَاللُّعَابِ فَيَكُونُ نَجِسًا مِثْلَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ ( تَعْلِيلُ نَجَاسَةِ اللُّعَابِ بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِقْذَارِ ( وَهُوَ ) أَيْ إثْبَاتُ نَجَاسَةِ الْعَرَقِ ( قِيَاسٌ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِ اللُّعَابِ نَجِسًا ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِقْذَارُ ( مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَأَخُّرُهُ عَنْهَا ( غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْمُقَارَنَةِ ) أَيْ أَنْ يَثْبُتَا مَعًا ( وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ) مِثَالًا لِهَذَا ( تَعْلِيلُ وِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ بِالْجُنُونِ ) لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ قِيَاسًا عَلَيْهِ ( لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ) أَيْ الْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ ثَابِتَةٌ ( قَبْلَهُ ) أَيْ عُرُوضِ الْجُنُونِ لَهُ بِالصِّغَرِ ( وَأَمَّا سَلْبُهَا ) أَيْ وَأَمَّا التَّمْثِيلُ لَهُ كَمَا ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ بِتَعْلِيلِ سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْ الصِّغَرِ ( بِعُرُوضِهِ ) أَيْ الْجُنُونِ ( لِلْوَلِيِّ فَعَكْسُ الْمُرَادِ ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَإِنَّمَا سَلَبَهَا عَنْهُ عُرُوضُ جُنُونِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَأَخُّرُ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ بِلَا تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ سَلْبُ وِلَايَتِهِ عَنْ الْبَالِغِ الْمَجْنُونِ بِعِلَّةِ جُنُونِهِ نَفْسِهِ قِيَاسًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي قَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَيْ الَّذِي هُوَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مِنْ بَابِ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى سَلْبَ

الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ .
وَحُكْمُ الْأَصْلِ سَلْبُ الْوِلَايَةِ وَالْعِلَّةُ الْجُنُونُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّلْبِ إذْ السَّلْبُ حَاصِلٌ قَبْلَ الْجُنُونِ بِعِلَّةِ الصِّغَرِ مَثَلًا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُجْعَلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الْوَلِيِّ الَّذِي عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ كَالْأَبِ مَثَلًا فَرْعًا وَعَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ أَصْلًا وَالْجُنُونُ عِلَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ قَبْلَهُ لِعِلَّةِ الصِّغَرِ وَالْمَعْنَى كَأَنْ يُعَلَّلَ سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَنْ الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ بِالْجُنُونِ الَّذِي هُوَ عَارِضٌ فِي الْوَلِيِّ الْبَالِغِ الْمَقِيسِ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّبَا وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ يَسْلُبُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ اتِّفَاقًا وَيَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ وَالْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ لَا تَسْلُبُ الْوِلَايَةَ وَلَا تَنْقُلُهَا إلَى الْبَعِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ وَالسُّلْطَانُ يَنُوبُ عَنْهُ فَقَاسَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ثُبُوتَهَا لَهُ عَلَى سَلْبِهَا عَنْ الصَّغِيرِ وَالْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ عَدَمُ الْعَقْلِ وَفِي الْفَرْعِ الْعَقْلُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِيَاسِ الْعَكْسِ .
فَإِنْ عُلِّلَ حُكْمُ الْأَصْلِ بِالْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَسْلُوبَةٌ عَنْ الصَّغِيرِ قَبْلَ الْجُنُونِ الْعَارِضِ لَهُ ( وَأَمَّا مَنْعُهُ ) أَيْ تَأَخُّرِ الْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( إذَا قُدِّرَ ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ ( أَمَارَةً ) عَلَى الْحُكْمِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ حِينَئِذٍ ( تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ ) فَإِنَّ الْمَفْرُوضَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ قَبْلَ هَذَا ( فَلَا ) يَصِحُّ ( لِاجْتِمَاعِ الْأَمَارَاتِ ) أَيْ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا ( وَلَيْسَ تَعَاقُبُهَا ) أَيْ الْأَمَارَاتِ ( مَانِعًا ) مِنْ اجْتِمَاعِهَا بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّلِيلِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُعَرَّفَاتِ إذَا تَرَتَّبَتْ تَحْصُلُ

الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الثَّانِي مَعْرِفَةَ جِهَةِ دَلَالَتِهِ لَا مَعْرِفَةَ الْمَدْلُولِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ حَاصِلٌ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( وَأَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهَا بُطْلَانُ حُكْمِ الْقِيَاسِ أَعْنِي حُكْمَ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُعَلَّلُ بِهَا فَأَرَادَ بِالْأَصْلِ هُنَا الْحُكْمَ كَمَا هُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَاتِهِ ( فَتَبْطُلُ هِيَ ) أَيْ تِلْكَ الْعِلَّةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ أَصْلُهَا وَالْفَرْعُ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ أَصْلِهِ ( مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ تَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ ) مَا سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ } ) مَعَ أَنَّهُ ( يَعُمُّ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً ) لِعُمُومِ لَفْظِ الطَّعَامِ فَيَكُونُ مِنْ حُكْمِهِ حُرْمَةُ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا ( بِالْكَيْلِ ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَلَّلُ بِهِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيلٍ ( فَخَرَجَ ) بِهَذَا التَّعْلِيلِ مَا لَا يُكَالُ قِلَّةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ حُرْمَةِ بَيْعِ بَعْضِهِ الْقَلِيلِ بِبَعْضِهِ الْقَلِيلِ مُتَفَاضِلًا فَيَبْطُلُ عُمُومُ حُكْمِ الْأَصْلِ ( { وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ } ) أَيْ وَتَعْلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا النَّصَّ النَّبَوِيَّ السَّابِقَ تَخْرِيجُهُ فِي التَّأْوِيلَاتِ الْمَحْكِيَّةِ لِلشَّافِعِيَّةِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَيْلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ الْمُفِيدَةِ ظَاهِرُهُ تَعْيِينُ الشَّاةِ ( بِسَدِّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَانْتَفَى وُجُوبُهَا ) أَيْ عَيْنِ الشَّاةِ ( إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا ) حِينَئِذٍ لِأَنَّ سَدَّ خُلَّتِهِ كَمَا يَكُونُ بِعَيْنِهَا يَكُونُ بِقِيمَتِهَا فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ تَعْيِينُ عَيْنِهَا ( وَتَقَدَّمَ دَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا ( فِي التَّأْوِيلَاتِ وَ ) دَفْعُ ( الْأَوَّلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ) فَرَاجَعَهُمَا مِنْهُمَا ( ثُمَّ الْمُرَادُ ) مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْكَيْلِ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ بَيْعِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مُتَفَاضِلًا مِمَّا يُكَالُ ( عَدَمُ الْكَيْلِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ) فَلَيْسَ

هُوَ حِينَئِذٍ بِمِثَالٍ مُطَابِقٍ .
( وَ ) مِثَالُهُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ تَعْلِيلُ نَصِّ السَّلَمِ ) السَّابِقِ فِي أَوَّلِ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ حَالًّا أَيْضًا ( يَخْرُجُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ ) مَجْلِسَ الْعَقْدِ وَنَحْوُهُ ( الْمُبْطِلُ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ فَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ ( وَأَمَّا الِافْتِتَاحُ بِنَحْوِ اللَّهُ أَعْظَمُ ) أَوْ أَجَلُّ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( فَبِالنَّصِّ ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَرَبَّك فَكَبِّرْ } ( إذْ التَّكْبِيرُ التَّعْظِيمُ ) لَا بِتَعْلِيلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ تَوَهَّمَهُ وَقَوْلُهُ ( وَتَقَدَّمَ ) سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ( وَمِنْهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( أَنْ لَا تُخَالِفَ نَصًّا ) أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ النَّصَّ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مِثَالِهِ بِقَوْلِهِ ( تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُ التَّمْلِيكِ فِي طَعَامِ الْكَفَّارَةِ كَالْكِسْوَةِ ) أَيْ قِيَاسُهُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيهَا ( وَشَرْطُ الْأَيْمَانِ ) فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةٌ ( فِي الْيَمِينِ كَالْقَتْلِ ) أَيْ : قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الرَّقَبَةِ الْمُحَرَّرَةِ كَفَّارَةً فِي الْقَتْلِ ( يَبْطُلُ إطْلَاقُ نَصِّ الْإِطْعَامِ وَالرَّقَبَةِ ) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَمُطْلَقُ الرَّقَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ لَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الثَّانِي سَهْوٌ ( أَوْ ) أَنْ لَا تُخَالِفَ ( إجْمَاعًا ) أَيْ وَأَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً فِي الْفَرْعِ حُكْمًا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ .
وَمِثَالُهُ ( مَا مَرَّ مِنْ مَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ ) فَلَا تُقَاسُ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ أَدَائِهِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ السَّفَرِ الْمُوجِبِ لِلْمَشَقَّةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تُخَالِفُ

الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ ( وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُسْتَنْبَطَةُ بِمُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً أَنْ لَا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ ( أَيْ وَصْفٍ ) مَوْجُودٍ فِيهِ ( يَصِحُّ ) لِلْعِلِّيَّةِ حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْفَرْعِ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا بِنَاءً ( عَلَى عَدَمِ ) جَوَازِ ( تَعَدُّدِ ) الْعِلَلِ ( الْمُسْتَقِلَّةِ لَا مَعَ جَوَازِهِ ) أَيْ تَعَدُّدِهَا ( إلَّا مَعَ عَدَمِ تَرْجِيحِهِ ) أَيْ التَّعَدُّدِ ( عَلَى التَّرْكِيبِ فِيهِ ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ التَّرَكُّبُ فِيهِ رَاجِحًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَاهَا فَلَا رَيْبَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِهِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا بِمُرَجِّحٍ لَهَا عَلَى الْمُعَارِضِ ( وَمَا قِيلَ وَلَا ) بِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ أَوْ مُسَاوٍ ( فِي الْفَرْعِ تَقَدَّمَ ) فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَأَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا وَرَاجَعَ ثَمَّةَ ( وَأَنْ لَا تُوجِبَ ) الْمُسْتَنْبَطَةُ ( زِيَادَةً فِي حُكْمِ الْأَصْلِ ) لَمْ يُثْبِتْهَا النَّصُّ أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً هَذَا وَذَلِكَ ( كَتَعْلِيلِ ) حُرْمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ ( حَدِيثِ الطَّعَامِ ) الْمَذْكُورِ آنِفًا ( بِأَنَّهُ رِبًا ) فِيمَا يُوزَنُ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ ( فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ ) فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ النَّقْدَانِ فَكَذَا فِي الْفَرْعِ وَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ لِمَا فِي النَّقْدِ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى السُّنَّةِ ( وَلَيْسَ ) لُزُومُ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ مَذْكُورًا ( فِي نَصِّ الْأَصْلِ ) الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ الْعِلَّةُ ( وَقِيلَ إنْ كَانَتْ ) الزِّيَادَةُ ( مُنَافِيَةً لَهُ ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ

اُشْتُرِطَ عَدَمُ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ الْوَجْهُ ) وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ نُسِخَ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( وَيَرْجِعُ ) هَذَا الشَّرْطُ حِينَئِذٍ ( إلَى مَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ ) أَيْ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا يَعُودَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْإِبْطَالِ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي تَكْرَارِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً ( لَا مُوجِبَ ) لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ إيجَابِ الْعِلَّةِ لَهَا قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِاتِّجَاهِ الْإِطْلَاقِ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ نَسْخًا بِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً فَإِنَّهَا بِالنَّصِّ فَتَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِالنَّصِّ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ كَانَا مُتَكَافِئَيْنِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ( وَأَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ بِعُمُومِهِ أَوْ بِخُصُوصِهِ ( مُتَنَاوِلًا حُكْمَ الْفَرْعِ ) أَيْ وَمِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ هَذَا أَيْضًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهِ فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْعِلَّةِ ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَأَيْضًا رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا بِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ .
وَالرُّجُوعُ عَنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ اعْتِرَافٌ بِبُطْلَانِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ ( وَالْوَجْهُ نَفْيُهُ ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ ( لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَدِلَّةِ ) وَالْغَرَضُ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا مُوجِبَ لِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا ( وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) تَنَاوُلُ الدَّلِيلِ حُكْمَ الْفَرْعِ ( الرُّجُوعَ عَنْ الْقِيَاسِ بَلْ ) يَسْتَلْزِمُ ( الْإِفَادَةَ ) لِلْحُكْمِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ ( غَيْرَ مُلَاحَظٍ غَيْرَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( وَبِغَيْرِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ النَّصُّ أَيْضًا فَانْتَفَى

قَوْلُ السُّبْكِيّ إنْ وَضَحَ فِي التَّطْوِيلِ مَقْصِدٌ فِقْهِيٌّ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَكِنَّ الطَّرِيقَيْنِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْتَقِلًّا وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ وَيُلْغَى الثَّانِي فَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ طَرِيقٍ قَبْلَ إتْمَامِهِ إلَى آخَرَ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَنَازُعٌ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ .
( أَمَّا لَوْ تُنُوزِعَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ ) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَامًّا مَخْصُوصًا وَالْمُعَلَّلُ لَا يَرَى عُمُومَهُ ( فَجَوَازُهُ ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ ( اتِّفَاقٌ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( يُثْبِتُ بِهِ ) أَيْ بِدَلِيلِهَا ( الْعِلِّيَّةَ ) لَهَا ( ثُمَّ يُعَمِّمُ بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ وُجُودِهَا ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ وَسَمَّيْنَا ثَمَّةَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَدْ كَانَ فِي إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ وَذِكْرِ مَا عَدَاهُ فِيمَا سَلَفَ أَوْ هُنَا كِفَايَةٌ ( وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ كَوْنِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( حُكْمًا شَرْعِيًّا مِثَالُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ ) مَا رَوَوْا { عَنْ الْخَثْعَمِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ } وَهَذَا السِّيَاقُ لِحَدِيثِهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ { رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى

أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَيُجْزِي عَنْهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَحُجَّ عَنْهُ } وَلَوْلَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ لَقُلْنَا هَذَا الْمَذْكُورُ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا مِثَالٌ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَاسَ ) إجْزَاءَ الْحَجِّ عَنْهُ بِإِجْزَاءِ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ ( بِعِلَّةِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمَقْضِيِّ ( دَيْنًا ) فَإِنَّهُ فِي قُوَّةٍ يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُجْزِئُ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْعِبَادِ ( وَهُوَ ) أَيْ الدَّيْنُ ( حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ لُزُومُ أَمْرٍ فِي الذِّمَّةِ ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قُلْت لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا نَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ فِعْلٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي الْمُدَبَّرِ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يُبَاعُ كَأُمِّ الْوَلَدِ ) فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا مَمْلُوكَيْنِ تَعَلَّقَ عِتْقُهُمَا بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ كَإِنْ مِتُّ فِي هَذَا الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ .
( وَقِيلَ لَا ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا ( لِلُزُومِ النَّقْضِ فِي التَّقَدُّمِ ) أَيْ تَخَلُّفِ مَا فُرِضَ مَعْلُولًا عَمَّا فُرِضَ عِلَّةً إذَا كَانَ مَا فُرِضَ عِلَّةً مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَيْهِ ( وَ ) لُزُومُ ( ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِلَا بَاعِثٍ فِي التَّأَخُّرِ ) لِمَا فُرِضَ عِلَّةً عَلَيْهِ ( وَ ) لُزُومُ ( التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ ) أَيْ تَقَارُنِهِمَا إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالْعِلِّيَّةِ مِنْ الْآخَرِ ( وَمُنِعَ الْأَخِيرُ ) أَيْ لُزُومُ التَّحَكُّمِ فِي الْمُقَارَنَةِ ( لِتَمْيِيزِ

الْمُنَاسَبَةِ وَغَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الْمُنَاسِبَةِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ عِلِّيَّةَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَنْتَفِي لُزُومُ التَّحَكُّمِ ( وَتَقَدَّمَ مَا فِيمَا قَبْلَهُ ) أَيْ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِلَا بَاعِثٍ وَلُزُومُ النَّقْضِ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ وَالتَّحْصِيلِ حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيهَا التَّقَدُّمُ أَوْ التَّخَلُّفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لَا بِمَعْنَى إفَادَتِهَا الْوُجُودَ كَالْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي جَوَابِ الْمَانِعِينَ لِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ ( ثُمَّ اُخْتِيرَ ) أَيْ اخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ ( تَعَيُّنُ كَوْنِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ( لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ ( كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْخَمْرِ بِالنَّجَاسَةِ ) الَّتِي هِيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِمُنَاسَبَتِهَا الْمَنْعَ مِنْ الْمُلَابَسَةِ تَكْمِيلًا لِمَقْصُودِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ ( لَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ ) يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ ( لِأَنَّ ) الْحُكْمَ ( الشَّرْعِيَّ لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى مَفْسَدَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ ابْتِدَاءً .
( وَحَقَّقَ ) الْمُحَقِّقُ عَضُدُ الدِّينِ ( جَوَازَهَا ) أَيْ جَوَازَ كَوْنِ الْعِلَّةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا عَلَى مَفْسَدَةٍ ( لِجَوَازِ اشْتِمَالِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ ( عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ ) مَرْجُوحَةٍ مَطْلُوبَةِ الدَّفْعِ ( تُدْفَعُ بِحُكْمٍ آخَرَ ) شَرْعِيٍّ ( كَوُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا لِحِفْظِ النَّسَبِ عَلَى الْإِمَامِ ) فَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ هِيَ حِفْظُ النَّسَبِ وَهُوَ حَدٌّ ( ثَقِيلٌ يُؤَدِّي ) تَكْرَارُ وُقُوعِهِ كَثِيرًا ( إلَى مَفْسَدَةِ إتْلَافِ النُّفُوسِ ) وَإِيلَامِهَا لِكَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ رَجْمٍ كَمَا فِي الْمُحْصَنِ وَجَلْدٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ ( فَعُلِّلَ ) وُجُوبُ الْحَدِّ ( بِوُجُوبِ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ ) مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ

الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ بِأَنَّ الزَّانِيَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ ثُبُوتِهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْكَثِيرِ الَّتِي هِيَ الْإِتْلَافُ وَالْإِيلَامُ الشَّدِيدُ لِتَبْقَى مَصْلَحَةُ حِفْظِ النَّسَبِ خَالِصَةً ( وَالْمُخْتَارُ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ( جَوَازُ كَوْنِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( مَجْمُوعَ صِفَاتٍ وَهِيَ الْمُرَكَّبَةُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ جَوَازِهِ ( فِي الْعَقْلِ وَوَقَعَ ) كَوْنُهَا كَذَلِكَ ( كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ) لِلْقِصَاصِ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ صِفَاتٍ ( لَوْ كَانَ ) أَيْ لَوْ صَحَّ كَوْنُهَا مَجْمُوعُ صِفَاتٍ ( وَالْعِلِّيَّةُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ ) عَلَى ذَاتِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مَجْمُوعُ صِفَاتٍ ( فَقِيَامُهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةِ ( إنْ ) كَانَ ( بِجُزْءٍ ) وَاحِدٍ مِنْهَا ( أَوْ بِكُلِّ جُزْءٍ ) مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَى حِدَةٍ ( فَهُوَ ) أَيْ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي ( الْعِلَّةُ ) .
وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِسَائِرِ الْأَجْزَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ قِيَامُ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ بِمَحَالَّ كَثِيرَةٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي ( أَوْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ) بِهَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ مَجْمُوعًا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ ( لَمْ تَقُمْ ) الْكُلِّيَّةُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا تَكُونُ الْعِلِّيَّةُ قَائِمَةً بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ( وَيَعُودُ مَعَهَا ) أَيْ مَعَ جِهَةِ الْوَاحِدَةِ لِلْمَجْمُوعِ ( الْكَلَامُ ) فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ ( بِقِيَامِهَا ) أَيْ بِسَبَبِ قِيَامِهَا بِمَا تَقُومُ بِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ فَنَقُولُ هِيَ قَائِمَةٌ ( إمَّا بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ أَوْ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ فَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَحْدَةٍ ( فَتَتَحَقَّقُ وَحْدَةٌ أُخْرَى

وَيَتَسَلْسَلُ قُلْنَا تَشْكِيكٌ فِي ضَرُورِيٍّ لِلْقَطْعِ بِنَحْوِ خَبَرِيَّةِ الْكَلَامِ ) أَيْ بِأَنَّهُ خَبَرٌ أَوْ اسْتِفْهَامٌ أَوْ تَعَجُّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْكَلَامُ ( مُتَعَدِّدٌ ) لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَكَوْنُهُ خَبَرًا أَوْ غَيْرَهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قَامَ كَوْنُهُ خَبَرًا مَثَلًا بِكُلِّ حَرْفٍ فَكُلُّ حَرْفٍ خَبَرٌ أَوْ بِحَرْفٍ مِنْهَا فَهُوَ الْخَبَرُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ ( وَإِنَّمَا هِيَ ) أَيْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ لِلْمَانِعِينَ ( مُغَلِّطَةٌ يَطْرُدُهَا ) الْإِمَامُ ( الرَّازِيّ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ التَّرْكِيبِ ) فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ مَنْشَؤُهَا عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْأَقْسَامِ حَيْثُ تَرْكُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ .
( وَالْحَلُّ أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ قَائِمَةٌ ( بِالْمَجْمُوعِ ) الَّذِي صَارَ وَاحِدًا ( بِاعْتِبَارِ جِهَةِ وَحْدَتِهِ الْمُعَيِّنَةِ هَيْئَتَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْدِيدُ ثَانِيًا ) فِي تِلْكَ الْوَحْدَةِ ( وَلَا وَحْدَةٍ أُخْرَى مَعَ أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ صِفَةٌ ( اعْتِبَارِيَّةٌ ، كَوْنُ الشَّارِعِ قَضَى بِالْحُكْمِ عِنْدَهَا وَالْمُسْتَدْعِي مَحَلًّا ) مَوْجُودًا يَقُومُ بِهِ هِيَ الصِّفَةُ ( الْحَقِيقِيَّةُ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ تَكُنْ اعْتِبَارِيَّةً بَلْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً ( بَطَلَتْ عِلِّيَّةُ الْوَاحِدِ لِلُزُومِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ ) لِأَنَّ الْوَصْفَ الْوَاحِدَ مَعْنًى وَالْعِلِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِهِ مَعْنًى فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى فَيَتَلَخَّصُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْمُتَعَدِّدِ لِلُزُومِ الْمُحَالِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ صِفَةً زَائِدَةً وُجُودِيَّةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْوَاحِدِ لِمُحَالٍ لَازِمٍ لِلْمُحَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قِيَامُ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَبَطَلَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمُتَعَدِّدِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَامِ مَنْعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّرْعَةَ وَالْبُطْءَ عَرَضَانِ

قَائِمَانِ بِالْحَرَكَةِ وَهِيَ عَرَضٌ أَيْضًا ( وَجَعْلُهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةِ ( صِفَةً لَهُ ) أَيْ لِلشَّارِعِ ( تَعَالَى بِاعْتِبَارِ جَعْلِهِ ) أَيْ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً ( يَضْعُفُ بِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ ( كَوْنُ الْوَصْفِ كَذَلِكَ ) أَيْ مَجْعُولًا عِلَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ كَوْنُهُ صِفَةً لَهُ كَالْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَعْدُومَاتِ ( لَا ) أَنَّ الْعِلِّيَّةَ ( جَعْلُهُ ) أَيْ نَفْسِ جَعْلِ الشَّارِعِ ذَلِكَ عِلَّةً .
( وَقَوْلُهُمْ نَفَى كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةَ انْتِفَائِهَا ) أَيْ مَانِعِي كَوْنِهَا مَجْمُوعَ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَلْزَمُ انْتِفَاؤُهَا لِانْتِفَاءِ كُلِّ وَصْفٍ ( وَيَلْزَمُ النَّقْضُ ) لِلْعِلِّيَّةِ ( بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَ انْتِفَاءِ جُزْءٍ أَوَّلٍ ) لِأَنَّ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْوَصْفِ الْآخَرِ لَمْ يَنْتَفِ عَدَمُ الْعِلِّيَّةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعِلِّيَّةَ عُدِمَتْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْأَوَّلِ ، وَتَجَدُّدُ عَدَمٍ عَلَى عَدَمٍ لَا يُتَصَوَّرُ ( لِاسْتِحَالَةِ إعْدَامِ الْمَعْدُومِ ) كَإِيجَادِ الْمَوْجُودِ فَيَلْزَمُ النَّقْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْتِفَاءِ الْوَصْفِ الْآخَرِ أَيْضًا لِتَخَلُّفِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُودِ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ عَدَمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ قُلْت وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى هَذَا كَابْنِ الْحَاجِبِ لِاسْتِبْعَادِ فَرْضِ عَدَمِ انْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِانْتِفَاءِ الْآخَرِ مَعَ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ بِانْتِفَائِهَا بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَلُزُومُ التَّنَاقُضِ لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ كَوْنُ الْعِلِّيَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْجُزْءِ الثَّانِي ثَابِتَةً لِلْمَجْمُوعِ وَمُنْتَفِيَةً عَنْهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( إنَّمَا يَجِيءُ فِي ) الْعِلَلِ ( الْعَقْلِيَّةِ لَا الْمَوْضُوعَةِ ) لِلشَّارِعِ ( عَلَامَةً عِنْدَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ عَلَى الِانْتِفَاءِ ) لِلْحُكْمِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ ارْتِفَاعُ جَمِيعِ الِانْتِفَاءَاتِ وَهُوَ نَفْسُ تَحَقُّقِ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ فَيَجِبُ تَرْكُ

الْأَمَارَةِ فِي طَرَفِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مِنْ أَوْصَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ ( إذْ حَاصِلُهُ تَعَدُّدُ أَمَارَاتٍ ) عَلَى الْعَدَمِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ .

( مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَعْلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمٍ بِوُجُودِ مَانِعٍ ) لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ كَعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ لِمَانِعِ الْأُبُوَّةِ ( أَوْ ) بِسَبَبِ ( انْتِفَاءِ شَرْطٍ ) لَهُ كَعَدَمِ وُجُوبِ رَجْمِ الزَّانِي لِانْتِفَاءِ إحْصَانِهِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ رَجْمِهِ ( وُجُودُ مُقْتَضِيهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ( خِلَافًا لِلْبَعْضِ ) أَيْ لِلْآمِدِيِّ بَلْ عَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ قَالَ الْأَوَّلُونَ وَإِنَّمَا لَا يُشْتَرَطُ ( لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ) أَيْ وُجُودِ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( وَعَدَمِ الْمُقْتَضَى ) عَلَى حِيَالِهِ ( عِلَّةُ عَدَمِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فَجَازَ إسْنَادُهُ ) أَيْ عَدَمُهُ ( إلَى كُلٍّ ) مِنْهَا ( بِمَعْنَى لَوْ كَانَ لَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مُقْتَضًى مَنَعَهُ ) أَيْ الْمَانِعُ حُكْمَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَانِعُ حَقِيقَةً ( فَحَقِيقَةُ الْمَانِعِيَّةِ ) إنَّمَا هِيَ ( بِالْفِعْلِ وَهُوَ ) أَيْ وُجُودُ الْمَانِعِ بِالْفِعْلِ ( فَرْعُ ) وُجُودِ ( الْمُقْتَضَى فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ) الْحُكْمُ ( لِعَدَمِ وُجُودِهِ ) أَيْ الْمُقْتَضَى ( فَيَمْنَعُ ) الْمَانِعُ ( مَاذَا ؟ وَاذْكُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي فَكِّ الدُّورِ لَهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَقْضِ الْعِلَّةِ ( فِي مَسْأَلَةِ النَّقْضِ ) لَهَا فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا فَاسْتَذْكِرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرَادِ مَا ذُكِرَ فَفِي الْمَحْصُولِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضَى أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ مِنْ انْتِفَائِهِ لِحُضُورِ الْمَانِعِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَى هَذَا فَمُدَّعَى الْأَوَّلِ أَرْجَحُ مِنْ مُدَّعَى الثَّانِي .

( الْمَرْصَدُ الثَّالِثُ ) فِي طُرُقِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ الْجَامِعِ عِلَّةَ حُكْمٍ خَبَرِيٍّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَنْ لَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَهُ مَسَالِكُ صَحِيحَةٌ وَأُخْرَى يُتَوَهَّمُ صِحَّتُهَا فَيَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لَهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَنَقُولُ ( طُرُقُ إثْبَاتِهَا ) أَيْ الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَيَّنِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ شَرْعًا هِيَ ( مَسَالِكُ الْعِلَّةِ ) وَهِيَ ( مُتَّفِقَةٌ تَقَدَّمَ مِنْهَا الْمُنَاسَبَةُ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ ) لِلشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ الْإِخَالَةُ وَلِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ التَّأْثِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِيهِ فَعِنْدَهُمْ كَوْنُ الْوَصْفِ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اعْتِبَارِ جِنْسِهِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْمُنَاسَبَةِ هُنَا عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُؤَثِّرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَالْخِلَافُ فِي الْإِخَالَةِ ) فِي كَوْنِهَا طَرِيقًا مُثْبِتًا لِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ الْوَصْفُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُنَاسَبَةُ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِاصْطِلَاحِ غَيْرِهِمْ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ .

( وَ ) الْمَسْلَكُ ( الثَّانِي الْإِجْمَاعُ ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً وَالظَّنُّ كَافٍ فِيهِ ( فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْفَرْعِ ) كَمَا فِي الْأَصْلِ ( إلَّا إنْ كَانَ ثُبُوتُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( أَوْ طَرِيقُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ( ظَنِّيًّا ) كَالثَّابِتِ بِالْآحَادِ ( أَوْ ذَاتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا ( كَالسُّكُوتِيِّ ) أَيْ كَالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ ( عَلَى الْخِلَافِ ) فِي أَنَّهُ ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى .
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي مَبَاحِثِ الْإِجْمَاعِ ( أَوْ يَدَّعِي فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ ( مُعَارِضٌ ) أَوْ يَدَّعِي الْمُخَالِفُ اخْتِصَاصَ عِلِّيَّتِهِ بِالْأَصْلِ أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ أَوْ يَدَّعِي تَخْصِيصَهَا فِي فَرْعِ الْمَانِعِ وَالْخَصْمُ يَمْنَعُ وُجُودَ الْمَانِعِ فَيُسَوِّغُ الِاخْتِلَافَ مَعَهَا فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ ثُمَّ مِثْلُ مَا هُوَ عِلَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي حُكْمِهَا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِقَوْلِهِ ( كَالصِّغَرِ فِي وِلَايَةِ الْمَالِ ) فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهَا وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ مِنْ عِلَلِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِلَا خِلَافٍ .

( وَ ) الْمَسْلَكُ ( الثَّالِثُ النَّصُّ ) وَهُوَ ( صَرِيحٌ لِلْوَضْعِ ) أَيْ مَا دَلَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِالْوَضْعِ وَهُوَ ( مَرَاتِبُ كَعِلَّةِ ) كَذَا أَوْ بِسَبَبِ كَذَا ( أَوْ لِأَجْلِ كَذَا ) كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا { إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ } أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا { إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ } ( أَوْ كَيْ ) مُجَرَّدَةً عَنْ حَرْفِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } أَوْ مُتَّصِلَةً بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ لِأَجْلِ وَكَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا فِي الصَّرَاحَةِ ( أَوْ إذَنْ ) فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ { قُلْت أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَنْ تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك } فَهَذَا الْقِسْمُ أَقْوَاهَا لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ غَيْرَ الْعِلَّةِ ( وَدُونَهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( مَا ) يَكُونُ ( بِحَرْفٍ ظَاهِرٍ فِيهِ ) أَيْ فِي التَّعْلِيلِ .
( كَذَلِكَ ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ } ( أَوْ بِهِ ) أَيْ بِكَذَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( أَوْ إنْ شَرْطًا أَوْ ) إنْ ( النَّاصِبَةَ ) نَحْوَ قَوْله تَعَالَى { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحًا إنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَبِفَتْحِهَا كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ ( أَوْ ) إنَّ ( الْمَكْسُورَةَ الْمُشَدَّدَةَ بَعْدَ جُمْلَةٍ وَالْمَفْتُوحَةَ ) كَإِنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ وَإِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فِي التَّلْبِيَةِ فَإِنَّ فِي " إنَّ فِيهِمَا الْوَجْهَيْنِ " إذْ هَذِهِ الْحُرُوفُ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلَّةِ فَاللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا

وَحَزَنًا } وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا } وَإِنْ لِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ مِنْ غَيْرٍ وَسَبَبِيَّةٍ وَتَرَتُّبِ أَمْرٍ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ وَأَنْ لِمُجَرَّدِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ وَإِنَّ وَأَنَّ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَأَنْكَرَ السُّبْكِيُّ كَوْنَ إنْ بِالْكَسْرِ تَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ قَالَ وَإِنَّمَا تَرِدُ لِلشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَالزِّيَادَةِ وَإِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ فِي الشَّرْطِيَّةِ فَهُوَ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَا مِنْ الْحَرْفِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ فَعِنْدَهُ تَتِمُّ الْعِلَّةُ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِتَثْقِيلِ النُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مِنْ الْحُرُوفِ الظَّاهِرَةِ لِلتَّعْلِيلِ مِثْلُ مَا وَرَدَ فِي الْأَدْعِيَةِ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ وَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ الْفَتْحَ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ وَالْكَسْرَ لِأَنَّهَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ عَنْ الْعِلَّةِ انْتَهَى قُلْت وَالْأَوَّلُ لَا بَأْسَ بِهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَاعْتِرَافٌ بِكَوْنِهَا لِلْعِلَّةِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ ( وَدُونَهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( الْفَاءُ فِي الْوَصْفِ ) الصَّالِحِ عِلَّةً لِحُكْمٍ تَقَدَّمَهُ مِثْلُ مَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ } لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا لَا أَحْفَظُ هَذَا اللَّفْظَ فِي رِوَايَةٍ وَيُؤَدِّي الْغَرَضَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي إسْنَادِهِ

رَجُلٌ مَجْهُولٌ يُسَمَّى بِعَبْدِ رَبٍّ انْتَهَى وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ وَعَبْدُ رَبٍّ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْأَعْمَالِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ وَلِجَابِرٍ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ مِمَّنْ رَوَى الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَقِيلٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَمُحَمَّدٌ وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَحَدِيثُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد ( أَوْ ) فِي ( الْحُكْمِ ) الْوَاقِعِ بَعْدَ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْفَاءُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ ( لِلتَّعْقِيبِ ) وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى الْبَاعِثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ عَقْلًا أَوْ تَرَتُّبُ الْبَاعِثِ عَلَى حُكْمِهِ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ عَقْلًا ) عَلَى الْحُكْمِ ( مُتَأَخِّرٌ خَارِجًا ) عَنْهُ ( فَلَوْ خَطَأَ ) أَيْ التَّقَدُّمُ الْعَقْلِيُّ وَالتَّأَخُّرُ الْخَارِجِيُّ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْفَاءِ أَيْ فِي دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحُكْمِ .
( وَإِذًا فَلَا دَلَالَةَ لَهَا ) وَضْعِيَّةً ( عَلَى عِلِّيَّةِ مَا بَعْدَهَا ) لِمَا قَبْلَهَا ( أَوْ ) عَلَى ( حُكْمِيَّتِهِ ) أَيْ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا ( بَلْ ) إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا ( بِخَارِجٍ ) هَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْعِلَّةِ أَقْوَى مِنْ عَكْسِهِ وَنَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ ( وَدُونَهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( ذَلِكَ ) أَيْ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى الْحُكْمِ ( فِي لَفْظِ الرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ ) كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي

صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ } ( { وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ } ) كَمَا أَقَرَّ بِلَفْظِ أَنِّي إفَادَتُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّهُ زَنَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ فَانْطَلَقَ بِهِ فَرُجِمَ } وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا كَانَ مُلْبِسًا وَمَنْصِبُهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ ( لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ ) لِلرَّاوِي فِي تَصَوُّرِ السَّبَبِيَّةِ ( وَلَا يَنْفِي الظُّهُورَ ) الْمُفِيدَ لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ حِينَئِذٍ .
( وَقِيلَ هَذَا ) أَيْ مَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ ( كَمَا قِيلَ فِي ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّهَا يَعْنِي الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ } وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً وَأَنَّهُ إيمَاءٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ لِتَقْوِيَةِ الْجُمْلَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْمُخَاطَبُ وَتُرُدِّدَ فِيهَا وَيُسْأَلُ عَنْهَا وَدَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَبِالْجُمْلَةِ كَلِمَةُ إنَّ مَعَ الْفَاءِ أَوْ بِدُونِهَا قَدْ تُورِدُ فِي أَمْثِلَةِ الْإِيمَاءِ وَيُعْتَذَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِاعْتِبَارِ أَنْ وَالْفَاءِ وَإِيمَاءٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ صَرِيحٌ فَقَالَ ( وَإِيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ تَرْتِيبُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَلَى الْوَصْفِ فَيُفْهَمُ لُغَةً أَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ ( عِلَّةٌ لَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( كَانَ ) ذَلِكَ التَّرْتِيبُ ( مُسْتَبْعَدًا ) مِنْ الْعَارِفِ بِمَوَاقِعِ التَّرَاكِيبِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيلِ دَفْعًا لِلِاسْتِبْعَادِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (

إيمَاءُ اللَّفْظِ ) مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ غَيْرِ الصَّرِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْفُصُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُفْرَدِ .
( وَلَا يَخُصُّ الشَّارِعُ إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الشَّارِعِ ( أَبْعَدُ ) لِنُنَزِّهَ فَصَاحَتَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَلِف مِنْ عَادَتِهِ اعْتِبَارَ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالْأَحْكَامِ دُونَ إلْغَائِهَا فَإِذَا قُرِنَ فِي الشَّرْعِ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ بِالْحُكْمِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ نَظَرًا إلَى عَادَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَظَانِّ بَيَانِ تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ ( وَلِذَا ) أَيْ الِاسْتِبْعَادِ ( يَجِبُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ( الْمُنَاسَبَةُ ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( مِنْ الشَّارِعِ لِلْقَطْعِ بِحِكْمَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَفَسَدَتْ الْجَاهِلُ ) إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّارِعِ ( وَإِنْ قَضَى بِحُمْقِهِ ) أَيْ قَائِلُ هَذَا لَكِنْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَى هَذَا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ حُكْمٌ إلَّا بِحِكْمَةٍ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ قَدْ يَقَعُ بِحِكْمَةٍ وَقَدْ يَقَعُ وَلَا حِكْمَةَ قَالَ وَهُوَ الْحَقُّ انْتَهَى وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوُجُوبِ الْوُجُوبُ تَفَضُّلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْعِلَّةِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّ وَسَنَذْكُرُ فِي ذَيْلِ هَذَا الطَّرِيقِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ مَذَاهِبَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْإِيمَاءِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ إذْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ عِلَّةُ عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ الْفِكْرَ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَلَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ مِنْ الْقَضَاءِ

وَهُوَ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الْحُكْمِ بِشَغْلِ قَلْبِهِ بِغَيْرِهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَالْوَصْفُ الْمَذْكُورُ عِلَّةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجَائِعِ وَالْحَاقِنِ وَيَخْرُجُ عَنْهُ سِوَاهُ كَالْغَضَبِ إذَا كَانَ فَقَدْ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى قُلْت : وَفِي خُرُوجِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ فِيهِ تَشْوِيشَ الْفِكْرِ كَمَا فِي غَيْرِهِ ، ثُمَّ كَوْنُ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذَا ذُكِرَ كِلَاهُمَا إيمَاءٌ بِالِاتِّفَاقِ ( فَإِنْ ذَكَرَ الْوَصْفَ فَقَطْ كَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) فَإِنَّ الْوَصْفَ وَهُوَ حِلُّ الْبَيْعِ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالْحُكْمَ وَهُوَ الصِّحَّةُ غَيْرُ مَذْكُورٍ بَلْ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ لِأَنَّهُ مَعْنَى عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِغَايَتِهِ كَانَ عَبَثًا وَهُوَ قَبِيحٌ وَالْقَبِيحُ حَرَامٌ فَلَمْ يَكُنْ حَلَالًا فَإِذَا كَانَ حَلَالًا كَانَ صَحِيحًا ضَرُورَةً ( أَوْ ) ذَكَرَ ( الْحُكْمَ ) فَقَطْ ( كَأَكْثَرِ ) الْعِلَلِ ( الْمُسْتَنْبَطَةِ ) نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حُرِّمَتْ الْخَمْرُ } الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَذْكُورٌ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَالْوَصْفُ وَهُوَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْهُ ( فَفِي كَوْنِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( إيمَاءٌ تَقَدُّمَ عَلَى غَيْرِهَا ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَنْبَطَةِ بِلَا إيمَاءٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ ثَلَاثَةُ ( مَذَاهِبَ ) : الْأَوَّلُ ( نَعَمْ ) هُوَ إيمَاءٌ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الْإِيمَاءَ اقْتِرَانٌ ) لِلْوَصْفِ بِالْحُكْمِ ( مَعَ ذِكْرِهِمَا ) أَيْ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ ( أَوْ ) مَعَ ذِكْرِ ( أَحَدِهِمَا ) وَتَقْدِيرُ الْآخَرِ ( وَ ) الثَّانِي ( لَا ) يَكُونُ إيمَاءً ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْإِيمَاءَ إنَّمَا يَكُونُ ( مَعَ ذِكْرِهِمَا ) أَيْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْأَمْرَانِ فَإِذَا لَمْ يُذْكَرْ كَلَامُهُمَا فَلَا اقْتِرَانَ وَحَيْثُ لَا

اقْتِرَانَ فَلَا إيمَاءَ لِانْتِفَاءِ حَدِّهِ ( وَ ) الثَّالِثُ ( التَّفْصِيلُ ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْبَدِيعِ ( فَمَعَ ذِكْرِ الْوَصْفِ لَا الْحُكْمِ ) يَكُونُ الْوَصْفُ إيمَاءً لَا الْحُكْمُ بَلْ بَعْضُهُمْ ادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفُ هُوَ ( الْمُسْتَلْزِمُ ) لِلْحُكْمِ ( فَذِكْرُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( ذِكْرُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فَيَدُلُّ الْحِلُّ عَلَى الصِّحَّةِ ) كَمَا بَيَّنَّا لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُومَ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الْمَذْكُورِ فَيَتَحَقَّقُ الِاقْتِرَانُ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِفَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ كَلَامٍ فِيهِ الْوَصْفُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالِاسْتِلْزَامِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ صَرِيحًا وَالْآخَرُ مُسْتَنْبَطًا مِنْ مَدْلُولِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلَّةَ الْمُعَيَّنَةَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمٌ لَهَا وَإِثْبَاتُ لَازِمِ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ إثْبَاتَ مَلْزُومِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ اللَّازِمِ أَعُمَّ مِنْ الْمَلْزُومِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَذْهَبٍ رَابِعٍ هُوَ عَكْسُ هَذَا الثَّالِثِ ( مِثَالُ الْمُتَّفَقِ ) عَلَيْهِ أَنَّهُ إيمَاءٌ مَا أَخْرَجَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَيْحَك قَالَ وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ مَا أَجِدُ قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ مَا أَجِدُ } الْحَدِيثَ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَاقَعْت أَهْلِي فَقَالَ كَفِّرْ ) فَرِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى ( وَالْمُسْتَبْعَدُ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ ( إخْلَاءُ السُّؤَالِ عَنْ جَوَابِهِ ) فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ جِدًّا وَكَيْفَ لَا وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَمَنْعُ

تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ ) أَيْ الْبَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ حُكْمٌ ( شَرْعِيٌّ ) لَا يَقَعُ مِنْ الشَّارِعِ ( وَالظَّاهِرُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْوِقَاعِ ) لِلْإِعْتَاقِ وَأَخَوَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ انْتِسَابُ الْحُكْمِ إلَى الْوِقَاعِ لَا لِعِلِّيَّةِ عَيْنِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ( لِمَا تَضَمَّنَهُ ) الْوِقَاعُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ مَثَلًا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( احْتِمَالُ ) غَيْرِ الظَّاهِرِ ( وَحَذْفُ بَعْضِ الصِّفَاتِ ) الَّذِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ ( فِي مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْإِيمَاءِ ( وَاسْتِيفَاءُ الْبَاقِي يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ ) أَيْ تَلْخِيصُ مَا نَاطَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ أَيْ رَبَطَهُ بِهِ وَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعِلَّةُ عَنْ الزَّوَائِدِ ( فِي اصْطِلَاحِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَحَذْفِ أَعْرَابِيَّتِهِ ) أَيْ السَّائِلِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَعْرَابِيًّا ( وَالْأَهْلِ ) إذْ لَا مَدْخَلَ فِي الْعِلَّةِ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَامَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ أَعْرَابًا أَوْ غَيْرَهُمْ وَلَا لِكَوْنِ مَحَلِّ الْوِقَاعِ أَهْلًا لَهُ فَإِنَّ الزِّنَا بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَجْدَرُ تَغْلِيظًا عَلَى الزَّانِي ( وَتَزِيدُ الْحَنَفِيَّةُ ) عَلَى هَذَا الْحَذْفِ ( كَوْنَهُ ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُفْطِرِ ( وِقَاعًا ) لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِهِ فِي الْعِلَّةِ لِمُسَاوَاتِهِ لِغَيْرِهِ فِي تَفْوِيتِ رُكْنِ الصِّيَامِ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ الْخَاصُّ ( فَيَبْقَى كَوْنُهُ ) أَيْ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْوِقَاعُ ( إفْسَادًا عَمْدًا بِمُشْتَهًى ) فَيَكُونُ الْمَنَاطَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِعَمْدِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ لِمُشْتَهًى كَمَا تَجِبُ بِالْعَمْدِ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ هُوَ النَّظَرُ فِي تَعْيِينِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ بِحَذْفِ مَا اقْتَرَنَ بِهَا مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ لِلْعِلِّيَّةِ ( وَ ) يُسَمَّى ( النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِهَا ) أَيْ بَيَانِ

وُجُودِهَا ( فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ تَعَرُّفِهَا ) أَيْ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا ( بِنَصٍّ ) كَمَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وَكَوْنُ هَذِهِ الْجِهَةِ هِيَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ مَظْنُونٌ ( أَوْ إجْمَاعٍ ) كَالْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا عَدَالَةُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَمَظْنُونَةٌ لِأَنَّ إدْرَاكِ وُجُودِهَا فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ وَمُوجِبُهُ الظَّنُّ ( تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ ) أَيْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأُدْرِكَتْ فِي مَحَالِّهَا بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ ( كَكَوْنِ هَذَا ) الشَّاهِدِ ( عَدْلًا فَيُقْبَلُ ) قَوْلُهُ أَيْ شَهَادَتُهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ ( وَالْأَكْثَرُ ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ ( عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَلَكِنَّهُ دُونَ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَ ) يُسَمَّى النَّظَرُ ( فِي تَعَرُّفِهَا ) أَيْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ ( لِحُكْمِ نُصَّ عَلَيْهِ ) أَوْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ ( فَقَطْ ) دُونَ عِلَّتِهِ بَلْ إنَّمَا عُرِفَتْ بِاسْتِخْرَاجِ الْمُجْتَهِدِ لَهَا بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ ( تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ ) كَالِاجْتِهَادِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهَذَا فِي الرُّتْبَة دُونَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلِذَا أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ النَّظَرُ فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِنَفْسِهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ أَخَصَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ فَكُلُّ تَخْرِيجِ مَنَاطٍ تَحْقِيقُهُ وَلَيْسَ كُلُّ تَحْقِيقِ مَنَاطٍ تَخْرِيجَهُ .
( وَهُوَ ) أَيْ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ ( أَعَمُّ مِنْ الْإِخَالَةِ ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا يَثْبُتُ بِالسَّبْرِ ( وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ )

وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمُوَافِقُوهُ ( إفَادَةُ مُسَاوَاتِهَا ) لِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ لَا بِنَصٍّ وَغَيْرِهِ ا هـ ( وَعَنْهُ ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا ( نُسِبَ لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَدِيعِ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْإِخَالَةَ وَيَقُولُونَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ لَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَاعْتَذَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( عَنْ عَدَمِ ذِكْرِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى النَّصِّ ) أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْمُنَاسَبَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُمَا لِمَرْجِعِهِمَا إلَى النَّصِّ بِالْآخِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ حَنَفِيٍّ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا ) لَوْلَا تَنْقِيحُ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَنَاطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ كَالْجِمَاعِ فَيُحْذَفُ كَوْنُ الْفَاعِلِ أَعْرَابِيًّا وَكَوْنُ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَتَهُ ( مُنِعَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ ) أَيْ لَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي جِمَاعٍ هُوَ زِنًا وَنَحْوِهِ ( غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَضَعُوا لَهُ ) أَيْ لِمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ ( اسْمًا اصْطِلَاحِيًّا كَمَا لَمْ يَضَعُوا الْمُنْفَرِدَ ) لَمَّا وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ كَمَا وَضَعُوا الْمُشْتَرَكَ لِمَا وُضِعَ لِمَعَانٍ ( وَ ) لَمْ يَضَعُوا ( تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ وَتَحْقِيقَهُ ) أَيْ الْمَنَاطِ ( مَعَ الْعَمَلِ بِمَعَانِي الْكُلِّ ) غَالِبًا لِنَفْيِهِمْ الْعَمَلَ بِمَا كَانَ مِنْ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ إخَالَةً وَلَوْ تَعَرَّضَ لَهُ لَكَانَ أَوْلَى ( وَكَوْنُ مَرْجِعِ الِاسْتِدْلَالِ إذَا نَقَّحَ النَّصَّ الْمَنَاطَ ) كَمَا يُفِيدُهُ اعْتِذَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوَضْعِ بَلْ ذَلِكَ ) عَدَمُ الْوَضْعِ ( رَاجِعٌ إلَى

الِاخْتِيَارِ ) لِذَلِكَ كَالْوَضْعِ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْإِيمَاءُ ( اقْتِرَانُ ) الْحُكْمِ ( بِوَصْفٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ ) أَيْ الْوَصْفُ ( أَوْ نَظِيرُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( عِلَّةً ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( كَانَ ) ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ ( بَعِيدًا ثُمَّ تَمْثِيلُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَ قَدْ سَأَلَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ عَنْ وَفَاةِ أَبِيهَا وَعَلَيْهِ الْحَجُّ أَفَيُجْزِيهِ حَجُّهَا عَنْهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ } إلَخْ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِأَنَّ النَّظِيرَ دَيْنُ الْعِبَادِ وَلَيْسَ ) دَيْنُ الْعِبَادِ ( الْعِلَّةَ ) لِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَصْلِ وَدَيْنُ اللَّهِ الْفَرْعُ ( بَلْ ) الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُهُ بِفِعْلِ الْمُتَبَرِّعِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُقْضَى ( دَيْنًا وَذَكَرَهُ ) أَيْ الشَّارِعُ دَيْنَ الْعِبَادِ ( لِيَظْهَرَ أَنَّ الْمُشْتَرِكَ ) بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَوْنُهُ دَيْنًا ( الْعِلَّةُ ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( وَتَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ ( لِلْحَنَفِيَّةِ لِلْعِلَّةِ الْوَاقِعَةِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ) .
وَهَذَا مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَذَكَرْنَا أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَذَكَرْنَا مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ ( وَلِذَلِكَ ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ لِلسُّقُوطِ فِي هَذَا كَوْنُ الْمُقْضَى دَيْنًا ( يُسَمَّى مِثْلُهُ ) عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ( تَنْبِيهًا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ) فَتَسْمِيَتُهُمْ إيَّاهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْعِبَادِ أَصْلُ الْقِيَاسِ لَا عِلَّتُهُ { وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ قَدْ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ هَلْ تُفْسِدُ الصَّوْمَ أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْته أَكَانَ يُفْسِدُ } وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا بِهَذَا السِّيَاقِ مُخَرَّجًا وَقَدَّمْته بِغَيْرِهِ مُخَرَّجًا فِي بَحْثِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْعِلَّةَ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا فَهُوَ رِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ

أَنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ وَسَأَلْته أَيْ وَالتَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ لِعُمَرَ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَاجٌ إلَى خَبَرٍ وَلَعَلَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنِّ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْإِيمَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الشَّارِعَ ذَكَرَ الْوَصْفَ فِي نَظِيرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَهُوَ عَدَمُ الْإِفْسَادِ دُونَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالْفَرْعُ وَهُوَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُبْلَةِ .
( وَقِيلَ لَيْسَ ) هَذَا الْمِثَالُ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالنَّظِيرِ قَالَهُ الْآمِدِيُّ ( إذْ لَا يُنَاسِبُ كَوْنُهُ ) أَيْ التَّمَضْمُضِ بِالْمَاءِ ( مُقَدِّمَةً ) لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ ( غَيْرَ مُفْضِيَةٍ ) إلَيْهِ ( عَدَمُ الْفَسَادِ ) لِيَكُونَ التَّمَضْمُضُ عِلَّةَ عَدَمِ إفْسَادِهِ ( بَلْ ) إنَّمَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْفَسَادِ ( وُجُودُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّمَضْمُضُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَتَّفِقُ مَعَهُ الْفِطْرُ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ مَعَهُ ( وَوُجُودُ مَا يَتَّفِقُ مَعَهُ ) الْفِطْرُ تَارَةً ( وَلَا يَتَّفِقُ ) مَعَهُ أُخْرَى ( لَا يَلْزَمُ عِلَّةً ) لِلْفِطْرِ ( فَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ النَّظِيرُ الْمَذْكُورُ ( نَقْضٌ لِوَهْمِهِ ) أَيْ عُمَرَ إفْسَادَ مُقَدِّمَةِ الْإِفْسَادِ كَالْإِفْسَادِ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْإِيمَاءِ ( أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ وَصْفَيْنِ كَالْمَرَاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ ) غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا } وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ بِذِكْرِ

وَصْفَيْنِ هُمَا الرُّجُولِيَّةُ وَالْفُرُوسِيَّةُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ ( أَوْ ) بِذِكْرِ ( أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْوَصْفَيْنِ لَا غَيْرُ ( { كَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ } ) وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ وَإِرْثِهِ فَتَخْصِيصُ الْقَاتِلِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْإِرْثِ ( بَعْدَ ثُبُوتِ عُمُومِهِ ) أَيْ الْإِرْثِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْقَتْلُ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْعِ الْإِرْثِ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ الْإِرْثِ الْمَعْلُومِ بِوَصْفِ الْقَتْلِ الْمَذْكُورِ مَعَ مَنْعِ الْإِرْثِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ لِمَنْعِ الْإِرْثِ لَكَانَ بَعِيدًا ( أَوْ ) يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ( فِي ضِمْنِ غَايَةٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ } ( { حَتَّى يَطْهُرْنَ } ) أَيْ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَلَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْله تَعَالَى { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ } فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَنْعِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ فِي الْحَيْضِ وَبَيْنَ جَوَازِهِ فِي الْمُطَهِّرِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الطُّهْرِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا .
( أَوْ ) فِي ضِمْنِ ( اسْتِثْنَاءٍ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ( { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } ) أَيْ الزَّوْجَاتُ عَنْ ذَلِكَ النِّصْفِ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ ثُبُوتِ النِّصْفِ لَهُنَّ وَبَيْنَ انْتِفَائِهِ عِنْدَ عَفْوِهِنَّ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الْعَفْوِ لِلِانْتِفَاءِ لَكَانَ بَعِيدًا ( أَوْ ) فِي ضِمْنِ ( شَرْطٍ ) كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ يَدًا بِيَدٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ } وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ( { إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } ) وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ

مَنْعِ بَيْعِ جِنْسٍ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَبَيْنَ جَوَازِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِعِلِّيَّةِ الِاخْتِلَافِ لِلْجَوَازِ لَكَانَ بَعِيدًا ثُمَّ هَذَا فِي هَذَا الْمِثَالِ ( لَوْ لَمْ تَكُنْ ) أَيْ لَمْ تُوجَدْ ( الْفَاءُ ) فِيهِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } ( عَلَى مَا قِيلَ ) وَهُوَ مُتَّجَهٌ .
( وَذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي ) صِحَّةِ ( عِلَلِ الْإِيمَاءِ ) ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ ( نَعَمْ ) يُشْتَرَطُ وَلِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْأَحْكَامِ عَنْ الْحُكْمِ إمَّا وُجُوبًا كَالْمُعْتَزِلَةِ أَوْ تَفْضِيلًا كَغَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَلِ الْمُنَاسِبَةِ فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الِانْقِيَادِ وَأَفْضَى إلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْحَكِيمِ مَا هُوَ أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهِ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ ( و ) الثَّانِي ( لَا ) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفْهَمُ بِدُونِهَا .
( وَ ) الثَّالِثُ ( الْمُخْتَارُ ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ ( أَنَّ فَهْمَ التَّعْلِيلِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ ) كَمَا فِيمَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ( اُشْتُرِطَتْ ) لِأَنَّ عَدَمَ الْمُنَاسَبَةِ فِيمَا الْمُنَاسَبَةُ شَرْطٌ فِيهِ تَنَاقُضٌ لِوُجُودِ الْمُنَاسَبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ شَرْطِهِ وَعَدَمُهَا بِنَاءً عَلَى الْفَرْضِ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ بَلْ بِغَيْرِهَا مِنْ الطُّرُقِ كَمَا فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ ( فَلَا ) يُشْتَرَطُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ يُفْهَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ إذْ الْفَرْضُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا فَإِنَّ وُجُودَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِلِّيَّةُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ أَمْرٍ آخَرَ لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ وَاعْتِبَارِهَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ .
( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (

وَإِنَّمَا يَصِحُّ ) عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا ( إذَا أُرِيدَ بِالْمُنَاسَبَةِ ظُهُورُهَا ) عِنْدَ النُّظَّارِ ( وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( فِي الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ ) وَإِلَّا فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهَا ( بِخِلَافِ الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ ) عَنْ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( عُلِمَتْ مِنْ إيمَاءِ النَّصِّ فَكَيْفَ يَفْصِلُ إلَى أَنْ تُعْلَمَ بِالْمُنَاسَبَةِ يَعْنِي فَقَطْ فَيُشْتَرَطُ ) الْمُنَاسَبَةُ ( أَوْ ) تُعْلَمَ ( لَا بِهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( فَلَا ) تُشْتَرَطُ الْمُنَاسَبَةُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ آنِفًا أَنَّهُ تَجِبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَصْفِ الْمُومَأ إلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ دُونَ غَيْرِهِ وَذَكَرْنَا أَنَّ السُّبْكِيَّ عَزَاهُ مِنْ الشَّارِعِ إلَى الْفُقَهَاءِ دُونَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ أَوْجَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( وَ ) الْمَسْلَكُ ( الرَّابِعُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ حَصْرُ الْأَوْصَافِ ) الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَصْلِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا فِي عَدَدٍ ( وَيَكْفِي ) الْمُسْتَدِلُّ الْمُنَاظِرُ فِي حَصْرِهَا الْمُتَأَهِّلُ لِلنَّظَرِ بِأَنْ كَانَتْ مَدَارِكُ الْمَعْرِفَةِ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ مُتَحَقِّقَةً عِنْدَهُ مِنْ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَكَانَ عَدْلًا ثِقَةً صَادِقًا غَالِبًا فِيمَا يَقُولُهُ ( عِنْدَ مَنْعِهِ ) أَيْ حَصْرِهَا مِنْ الْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ ( بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ ) مَا يَصْلُحُ لِلْعَلِيَّةِ غَيْرَهَا وَيُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ وَأَهْلِيَّتَهُ لِلنَّظَرِ مِمَّا يُغَلِّبُ ظَنَّ عَدَمِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ مِمَّا لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا ( أَوْ ) يَقُولُ ( الْأَصْلُ الْعَدَمُ ) أَيْ عَدَمُ غَيْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي وَجَدْتهَا فَلَا نُثْبِتُ وُجُودَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا أَيْضًا فَيَنْدَفِعُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ عِنْدَ مَنْعِ الْحَصْرِ ( ثُمَّ حَذْفُ بَعْضِهَا ) أَيْ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مَا سِوَى أَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ لِعَدَمِ صَلَاحِهِ لَهَا حَقِيقَةً وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَصْرٍ ( فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي ) بَعْدَ الْحَذْفِ لِلْعِلِّيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ السَّبْرَ اخْتِبَارُ الْوَصْفِ هَلْ يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ أَوْ لَا وَالتَّقْسِيمُ هُوَ أَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا كَذَا وَإِمَّا كَذَا فَقَدْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّقْسِيمَ فِي اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّ اللَّقَبَ لِهَذَا الْمَسْلَكِ عِنْدَهُمْ هَكَذَا وَقَعَ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ .
( تَنْبِيهٌ ) وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَنَاظِرَانِ عَلَى إبْطَالِ عِلِّيَّةِ مَا عَدَا وَصْفَيْنِ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَيِّهِمَا الْعِلَّةُ فَيَكْفِي الْمُسْتَدِلُّ التَّرْدِيدَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى ضَمِّ مَا عَدَاهُمَا إلَيْهِمَا فَنَقُولُ الْعِلَّةُ إمَّا ذَا أَوْ

ذَاكَ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَا ( وَلَوْ أَبْدَى ) الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا ( آخَرَ ) لَمْ يُكَلَّفْ بَيَانَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْحَصْرِ بِإِبْدَائِهِ كَافٍ فِي الِاعْتِرَاضِ وَهَلْ يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ ( فَالْمُخْتَارُ لَا يَنْقَطِعُ ) الْمُسْتَدِلُّ بَلْ عَلَيْهِ دَفْعُهُ بِإِبْطَالِ التَّعْلِيلِ بِهِ ( إلَّا إنْ لَمْ يُبْطِلْهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ الْمُبْدَى عِلَّةً فَإِنَّ عَجْزَهُ عَنْ إبْطَالِهِ انْقِطَاعٌ لَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا ) بَلْ ظَنًّا وَلِهَذَا يَكْفِيهِ كَمَا سَيَذْكُرُ أَنْ يَقُولَ مَا وَجَدْت بَعْدَ الْفَحْصِ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ ظَنَنْت عَدَمَ هَذَا الْوَصْفِ وَيَصْدُقُ فِيهِ فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إذْ الْمُنَاظِرُ تِلْوَ النَّاظِرِ وَلَا مَعْنَى لِلْمُنَاظَرَةِ إلَّا إظْهَارُ مَأْخَذِ الْحُكْمِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ الْعِلَّةُ إلَّا الْوَصْفَ الْفُلَانِيَّ يَجِبُ إتْبَاعُ الظَّنِّ ثُمَّ غَايَةُ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ وَصْفًا آخَرَ مَنَعَ مُقَدِّمَةً مِنْ مُقَدَّمَاتِ دَلِيلِهِ وَمُقْتَضَى الْمَنْعِ لُزُومُ الدَّلَالَةِ لِلْمُسْتَدِلِّ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ لَا الِانْقِطَاعُ وَإِلَّا كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى خِلَافِهِ .
( وَيَكْفِيهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ إذَا مَنَعَ الْمُعْتَرِضُ الْحَصْرَ بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ وَأَبْطَلَهُ أَنْ يَقُولَ ( عَلِمْته وَلَمْ أُدْخِلْهُ ) فِي حَصْرِي ( لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ ) لِلْعِلِّيَّةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إبْطَالِ عِلِّيَّتِهِ إلَى دَلِيلٍ وَإِذَا أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ الْوَصْفَ الْمُظْهَرَ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَنْقَطِعْ بَلْ يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى الْحَصْرِ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَصْرًا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ وَقَدْ عَرَفْت جَوَابَهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَعِنْدِي

أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إنْ كَانَ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ مُسَاوِيًا فِي الْعِلِّيَّةِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي حَصْرِهِ وَأَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرُ الْمَذْكُورِ وَإِبْطَالُهُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْمَسْكُوتِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا انْقِطَاعَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مُخَيَّلًا أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْته وَأَبْطَلْته ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا لِغَيْرِهِ .
فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا بِنَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي حَصْرِ الْأَوْصَافِ إلَى ظَنِّهِ فَيَأْخُذَ بِهِ وَلَا يُكَابِرَ نَفْسَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْحَصْرِ وَالْإِبْطَالِ قَطْعِيًّا فَهَذَا الْمَسْلَكُ قَطْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا فَهُوَ ظَنِّيٌّ ثُمَّ حُكِيَ فِي الظَّنِّيِّ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّيِّ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ ثَانِيهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا لِجَوَازِ بُطْلَانِ الْبَاقِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثَالِثُهَا حُجَّةٌ لَهُمَا إنْ أُجْمِعَ عَلَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ حَذَرًا مِنْ أَدَاءِ بُطْلَانِ الْبَاقِي إلَى خَطَأِ الْمُجْمِعِينَ وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَابِعُهَا حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ لَا الْمُنَاظِرِ لِأَنَّ ظَنَّهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ ثُمَّ إذْ لَا بُدَّ لِلْمَحْذُوفِ مِنْ طَرِيقٍ يُفِيدُ عَدَمَ عِلِّيَّتِهِ وَقَدْ نُوِّعَ إلَى أَرْبَعَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ( وَطُرُقُ الْحَذْفِ بَيَانُ إلْغَائِهِ ) أَيْ الْمَحْذُوفِ ( بِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْبَاقِي فَقَطْ فِي مَحَلٍّ ) آخَرَ ( فَلَزِمَ ) مِنْ هَذَا ( اسْتِقْلَالُهُ ) أَيْ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ مَعَهُ ( وَعَدَمُ جُزْئِيَّةِ الْمُلْغِي ) لِلْعِلِّيَّةِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهَا لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِإِلْغَاءِ الْمَحْذُوفِ هَذَا بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَنْتَفِ

الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَحْذُوفِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَلَا يَكُونُ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً ( فَهُوَ ) أَيْ الْإِلْغَاءُ حِينَئِذٍ ( الْعَكْسُ ) وَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِالْإِلْغَاءِ وَهُوَ نَفْيُهَا بِنَفْيِ عَكْسِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ .
( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالْمُسْتَبْقَى لَا غَيْرُ ( أَصْلٌ آخَرَ ) لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ غَيْرِهِمَا وَحِينَئِذٍ ( فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْأَصْلِ الْآخَرِ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّهُ ( يُسْقِطُ مُؤْنَةَ الْحَذْفِ ) أَيْ الْإِلْغَاءِ اللَّازِمَةِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَطْوِيلًا بِلَا فَائِدَةٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَبِيحٌ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ وَهَذَا بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى رِبَوِيَّةِ الذُّرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ أَمَّا الطَّعْمُ أَوْ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ وَالْقُوتُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَلَا قُوتَ فَيَقُولَ الْمُعْتَرِضُ فَقِسْ عَلَى الْمِلْحِ ابْتِدَاءً تَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِ الْبُرِّ وَإِبْطَالُ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْقُوتِ فِيهِ ( وَبَعُدَ أَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ ( مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ ) لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا تَفَاوُتٍ قَدْ لَا يَسْتَمِرُّ سُقُوطُ الْمُؤْنَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إذْ ( قَدْ تَكُونُ أَوْصَافُهُ ) أَيْ الْأَصْلِ الْآخَرِ كَالْمِلْحِ ( أَكْثَرَ ) مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ كَالْبُرِّ فَيُحْتَاجُ فِي إبْطَالِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبُرِّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ ( وَكَوْنِهِ ) بِالْجَرِّ أَيْ وَيَكُونُ الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ طَرْدِيًّا أَعْنِي ( مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْكَفَّارَةِ

وَالْإِرْثِ وَالْعِتْقِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهَا فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ حُكْمٌ أَصْلًا .
وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ ( أَوْ ) كَوْنِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ مِمَّا عُلِمَ إلْغَاؤُهُ ( فِي ذَلِكَ ) الْحُكْمِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ ( كَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ ) فَإِنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ اعْتَبَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْإِرْثِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ السِّرَايَةِ وَوُجُوبِ السِّعَايَةِ فَلَا يُعَلَّلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ ( وَأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ ( مُنَاسَبَةٌ ) بَيْنَ الْمَحْذُوفِ وَذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهَا ( وَيَكْفِي ) لِلْمُسْتَدِلِّ الْمُنَاظِرِ أَنْ يَقُولَ ( بَحَثْت ) عَنْ مُنَاسَبَةِ الْمَحْذُوفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( فَلَمْ أَجِدْهَا ) وَيُصَدَّقُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَدْلٌ أَهْلٌ لِلنَّظَرِ يُخْبِرُ عَمَّا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا خَبَرُهُ لِأَنَّ وِجْدَانَهُ لَهُ وِجْدَانِيٌّ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا نَفْسُهُ وَعَدَمُ الْوِجْدَانِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِهِ ظَنًّا أَوْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَلَزِمَ حَذْفُهُ مِنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ مِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ .
( فَإِنْ قَالَ ) الْمُعْتَرِضُ ( الْبَاقِي كَذَلِكَ ) أَيْ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنِّي بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنَاسَبَةً ( تَعَارَضَا ) أَيْ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ وَوَصْفُ الْمُعْتَرِضِ إذْ الْحُكْمُ بِعِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى وَعَدَمِ عِلِّيَّةِ الْمَحْذُوفِ بِحُكْمٍ بَاطِلٌ حِينَئِذٍ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ فِي جَوَابِهِ لِمَا يُذْكَرُ فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالتَّعَارُضِ .
( وَوَجَبَ التَّرْجِيحُ ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ لِوَصْفِهِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِهِ عَلَى الْوَصْفِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ وَإِنَّمَا لَمْ يُوجَبُ عَلَى الْمُعَلِّلِ

بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ ( إذْ لَوْ أَوْجَبْنَا بَيَانَهَا عَلَى الْمُعَلِّلِ انْتَقَلَ ) مِنْ طَرِيقِ السَّبْرِ ( إلَى الْإِخَالَةِ ) إذْ هِيَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِإِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ انْقِطَاعٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الِانْتِشَارِ الْمَحْذُورِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا اخْتَلَفَ حَالُهُ ) أَيْ الْمُعَلِّلِ ( بِحَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ ( فَكَأَنَّهُ ) أَيْ التَّعْلِيلَ ( ابْتِدَاءٌ ) فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ ( مَعَ أَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَعْنِي كَوْنَهُ مَمْنُوعًا مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْإِخَالَةِ حَتَّى كَانَ بِالِانْتِقَالِ مُنْقَطِعًا فِي عُرْفِهِمْ طَرِيقَةٌ ( تَحْسِينِيَّةٌ ) مِنْهُمْ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْمَجْلِسُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَإِلَّا فَفِي الْعَقْلِ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ طَرِيقٍ إلَى آخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا عَيَّنَهُ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ إثْبَاتِهِ وَإِنَّمَا الِانْقِطَاعُ بِدَلِيلِ الْعَجْزِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْأُسُولَةِ .
( وَلَهُ ) أَيْ الْمُعَلِّلِ التَّرْجِيحُ لِلْوَصْفِ الْحَاصِلِ مِنْ سَبْرِهِ ( بِالتَّعَدِّي وَكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ ) فَيَقُولُ : سَبْرِي مُوَافِقٌ لِلتَّعْدِيَةِ فَإِنَّ الْوَصْفَ الَّذِي اسْتَبْقَيْته بِسَبْرِي مُتَعَدٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَسَبْرُك مُوَافِقٌ لِعَدَمِ التَّعْدِيَةِ فَيَكُونُ وَصْفُك قَاصِرًا وَمَا يُوَافِقُ التَّعْدِيَةَ رَاجِحٌ إمَّا لِعُمُومِ الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَالْقَاصِرُ مُخْتَلِفًا فِيهِ أَوْ لِجَمِيعِ ذَلِكَ .
( فَإِنْ قُلْت عُلِمَ بِمَا ذُكِرَ ) فِي هَذَا الطَّرِيقِ ( اشْتِرَاطُ مُنَاسَبَتِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى ( فَلَمْ لَمْ تَتَّفِقْ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى قَبُولِهِ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى أُصُولِهِمْ نَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ ( وَإِنْ رَضِيَهُ الْجَصَّاصُ وَالْمَرْغِنَانِيّ ) مِنْهُمْ ( لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ نَفْيِ غَيْرِهِ ) أَيْ حَذْفِهِ ( لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ بِظُهُورِ التَّأْثِيرِ وَالْمُلَاءَمَةِ ) فَظُهُورُ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ عِلَّةً عِنْدَهُمْ نَعَمْ كَمَا فِي

شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ لِلْبَعْضِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنْ مِثْلُ هَذَا يَكُونُ إثْبَاتًا لِلْعِلِّيَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ فَيَرْجِعَانِ إلَيْهِمَا ( فَلِذَا ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ( رَدَّهُ ) أَيْ رَجَّعَهُ ( مَنْ قَبِلَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( إلَى النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ قَالَ ) هَذَا الْمُتَأَخِّرُ ( أَوْ الْمُنَاسَبَةُ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَفِيهِ ) أَيْ رَدِّهِ إلَيْهِ ( نَظَرٌ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةَ ( لَا تَسْتَلْزِمُ التَّأْثِيرَ وَشَرْطُهُ ) أَيْ التَّأْخِيرِ ( فِي بَيَانِ الْحَصْرِ أَنْ يَثْبُتَ عَدَمُ عِلِّيَّةِ غَيْرِ الْمُسْتَبْقَى بِالْإِجْمَاعِ ، أَوْ النَّصُّ لَا يُوجِبُ كَوْنَهَا ) أَيْ عِلِّيَّةِ الْمُسْتَبْقَى ( ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَعَ الْقَطْعِ بِالْحَذْفِ وَالْحَصْرِ وَلَيْسَ ) الْقَطْعُ بِهِمَا ( بِلَازِمٍ لِلشَّافِعِيَّةِ بَلْ رُتْبَتُهُ ) أَيْ ثُبُوتُ الْعِلِّيَّةِ لِلْمُسْتَبْقَى ( الْإِخَالَةُ فَالْخِلَافُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِهَا بِهَا ( ثَابِتٌ ) فِي ثُبُوتِهَا بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَ ) الْمَسْلَكُ ( الْخَامِسُ الدَّوَرَانُ ) وَيُسَمَّى الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ ( نَفَاهُ ) أَيْ كَوْنَهُ مَسْلَكًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ ( الْحَنَفِيَّةُ وَمُحَقِّقُو الْأَشَاعِرَةِ ) كَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( وَالْأَكْثَرُ نَعَمْ ) هُوَ مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِهَا .
( ثُمَّ قِيلَ يُفِيدُ ظَنًّا ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ وَشُغِفَ بِهِ عِرَاقِيُّو الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْجَدَلِيِّينَ .
( وَقِيلَ قَطْعًا ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَنَا أَقُولُ لَعَلَّ مَنْ ادَّعَى الْقَطْعَ فِيهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ ظُهُورَ الْمُنَاسَبَةِ فِي قِيَاسِ الْعِلَلِ مُطْلَقًا وَلَا يَكْتَفِي بِالسَّبْرِ وَلَا بِالدَّوَرَانِ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فَإِذَا انْضَمَّ الدَّوَرَانُ إلَى هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ رُقِّيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إلَى الْيَقِينِ وَإِلَّا فَأَيُّ وَجْهٍ لِتَخَيُّلِ الْقَطْعِ فِي مُجَرَّدِ الدَّوْرَانِ انْتَهَى ( وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ لِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الدَّوَرَانِ ( قِيَامَ النَّصِّ فِي حَالَيْ وُجُودِ الْوَصْفِ وَعَدَمِهِ ) وَلَا حُكْمَ لِلنَّصِّ بِأَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْوَصْفِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْحُكْمَ لِوُجُودِ عِلَّةِ النَّصِّ لَا لِصُورَةِ النَّصِّ ( كَالْوُضُوءِ وَجَبَ لِلْقِيَامِ ) إلَى الصَّلَاةِ حَالَ كَوْنِ الْقَائِمِ ( مُحْدِثًا وَلَمْ يَجِبْ ) الْوُضُوءُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْقِيَامِ ( دُونَهُ ) أَيْ الْحَدَثِ أَيْ قَالُوا كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِالْحَدَثِ وَقَدْ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَدَثِ بِلَا قِيَامٍ إلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا بِلَا حَدَثٍ وَالنَّصُّ مَوْجُودٌ فِي حَالِ وُجُودِ الْحَدَثِ وَحَالِ عَدَمِهِ وَلَا حُكْمَ لِلنَّصِّ لِأَنَّ النَّصَّ يُوجِبُ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ الْقِيَامُ وَجَبَ الْوُضُوءُ وَكُلَّمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَجِبْ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا عِنْدَنَا

فَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعَدَمُ وَمُوجِبُ النَّصِّ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالَيْنِ أَمَّا حَالُ عَدَمِ الْحَدَثِ فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُوجِبُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْقِيَامُ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ يَجِبُ الْوُضُوءُ وَهَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَالِ عَدَمِ الْحَدَثِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ إنَّمَا هُوَ مَعَ الْحَدَثِ إذَا قَامَ إلَيْهَا .
وَأَمَّا حَالُ وُجُودِ الْحَدَثِ فَلِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَقُمْ إلَيْهَا أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَدْلُولُ النَّصِّ .
وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ جُعِلَ هَذَا الْحُكْمُ حُكْمَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا تَعْبِيرًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُسْتَنِدِ إلَى النَّصِّ عَنْ مُطْلَقِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَإِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( وَمُقْتَضَى النَّصِّ الْوُجُوبُ ) أَيْ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الْحَدَثِ ( كَمَا ) مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَائِمِ إلَيْهَا ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْحَدَثِ ( وَالْقَضَاءُ غَضْبَانَ بِلَا شَغْلِ بَالٍ ) بِأَنْ لَا يَكُونَ غَضَبًا شَدِيدًا ( جَائِزٌ وَالنَّصُّ ) أَيْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ } الْمُفِيدُ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ ( قَائِمٌ ) لِوُجُودِ الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَضَاؤُهُ غَيْرَ غَضْبَانَ لَكِنْ مَشْغُولَ الْقَلْبِ بِنَحْوِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ مُفْرِطَيْنِ أَوْ وَجَعٍ شَدِيدٍ أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ حَرَامٌ وَالنَّصُّ قَائِمٌ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ إبَاحَةُ الْقَضَاءِ إمَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْقَضَاءِ وَيُجْعَلُ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا وَقَدْ أَجْحَفَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاخْتِصَارِ هُنَا لِعَدَمِ إفَادَةِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ( وَلَا دَلِيلَ لَهُ )

أَيْ لِهَذَا الشَّارِطِ هَذَا الشَّرْطَ ( غَيْرَ الْوُجُودِ ) فِي هَذَيْنِ ( وَمَنَعَ ) الْوُجُودَ فِيهِمَا ( بِأَنَّ مُرَادَهُ ) تَعَالَى وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ ( وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ ) كَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَدَلِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالنَّصُّ فِي الْبَدَلِ نَصٌّ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ بِسَبَبِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ آخَرَ فَكَانَ النَّصُّ مُقَيَّدًا بِالْحَدَثِ وَمُفِيدًا وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِشَرْطِ وُجُودِ الْحَدَثِ بَلْ وَدَافِعًا كَوْنَ عِلَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ الْحَدَثَ فَلَمْ يُوجَدْ قِيَامُ النَّصِّ بِدُونِ الْحُكْمِ حَالَ عَدَمِ الْوَصْفِ .
( وَ ) بِأَنَّ ( الشُّغْلَ ) لِلْقَلْبِ ( لَازِمٌ ) لِلْغَضَبِ فَلَا يُوجَدَ الْغَضَبُ بِدُونِهِ وَإِنْ قَلَّ الْغَضَبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَا دَامَ غَضْبَانَ فَلَمْ يُوجَدْ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَصْفِ وَقِيَامِ النَّصِّ ( فَالنَّصُّ عَلَى ظَاهِرِهِ ) وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ حِلَّ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ .
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَثْبُتَ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ شُغْلِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ أَيْضًا فَثَبَتَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ حِينَئِذٍ دَالًّا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَيْضًا وَالْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ فَذَلِكَ النَّصُّ وَالنُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَتْ النَّصَّ الْمُحَرِّمَ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ وَلَا مُصَحِّحَ لِجَعْلِ الْإِبَاحَةِ مِنْ حُكْمِ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَجَازًا فَلَيْسَ النَّصُّ الْمُحَرِّمُ لِلْقَضَاءِ غَضْبَانَ فِي حَالِ عَدَمِ الْغَضَبِ قَائِمًا إذْ لَيْسَ

مَعْنَى قِيَامِ النَّصِّ وَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَ النَّصُّ الْحُكْمَ مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ لَا قِيَامَهُ فِي الْوَاقِعِ فَبَطَلَ دَعْوَى قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ ( النَّافُونَ ) لِكَوْنِ الدَّوَرَانِ مَسْلَكًا صَحِيحًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ ( قَالُوا تَحَقَّقَ انْتِفَاؤُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( مَعَ وُجُودِهِ ) أَيْ الدَّوَرَانِ ( فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ ) كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ الْآخَرُ وَكُلَّمَا انْتَفَى انْتَفَى وَلَا عِلِّيَّةَ وَلَا مُعْلَوْلِيَةَ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ ( وَ ) فِي ( غَيْرِهِمَا ) أَيْ الْمُتَضَايِفَيْنِ ( كَالْحُرْمَةِ مَعَ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ ) الْمَخْصُوصَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ فَإِنَّهَا تُوجَدُ مَعَهَا وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا ( وَلَيْسَتْ ) الرَّائِحَةُ ( الْعِلَّةَ ) لِلْحُرْمَةِ ( وَلَوْ انْتَفَتْ إلَى نَفْيِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَدَارِ ( بِالْأَصْلِ ) بِأَنْ قِيلَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْغَيْرِ ( أَوْ السَّبْرِ خَرَجَ ) كَوْنُ الْمَدَارِ عِلَّةً ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ ثُبُوتِهِ بِالدَّوَرَانِ .
( وَيُدْفَعُ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ ( فِيمَا ذُكِرَ ) أَيْ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( لِمَانِعٍ ) مِنْ الْعِلِّيَّةِ ( كَمَا تَبَيَّنَ ) قَرِيبًا وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ وَالتَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ غَيْرُ قَادِحٍ ( فَلَا يَنْفِي ) انْتِفَاؤُهَا لِمَانِعٍ ( ظَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( إذَا تَجَرَّدَ ) الدَّوَرَانُ ( عَنْهُ ) أَيْ الْمَانِعِ ( وَالْكَلَامُ فِيهِ ) أَيْ فِي الدَّوَرَانِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْمَانِعِ وَقَالَ ( الْغَزَالِيُّ ) مَنْ نَفَى كَوْنَ الدَّوَرَانِ مَسْلَكًا صَحِيحًا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْمُفِيدِ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ إذَا فُرِضَتْ إفَادَةُ الدَّوَرَانِ لَهُ إمَّا الِاطِّرَادُ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَكْسِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ إذْ ( الِاطِّرَادُ عَدَمُ النَّقْضِ ) إذْ حَاصِلُ الِاطِّرَادِ أَنْ لَا يُوجَدَ الْوَصْفُ فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْحُكْمِ وَوُجُودُهُ بِدُونِ الْحُكْمِ هُوَ النَّقْضُ إذْ مَعْنَاهُ إظْهَارُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ وَالنَّقْضُ

أَحَدُ مُفْسِدَاتِ الْعِلَّةِ وَالسَّلَامَةُ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ وَلَا يَنْتَفِي الْفَسَادُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا بِانْتِفَاءِ كُلِّ مُفْسِدٍ عَلَى أَنَّ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعِلِّيَّةِ إذْ عَدَمُ الْمَانِعِ وَحْدَهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً مُقْتَضِيَةً فَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا مِنْ مُقْتَضٍ لَهَا ( فَأَيْنَ الْمُقْتَضِي لِلْعِلِّيَّةِ أَوَّلًا .
وَأَمَّا الِانْعِكَاسُ فَلَيْسَ شَرْطًا لَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( وَلَا لَازِمًا ) لَهَا ( أُجِيبَ الْمُدَّعِي ) وَهُوَ الْعِلِّيَّةُ ثَابِتٌ ( بِالْمَجْمُوعِ ) مِنْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ ( لَا بِبَعْضِهِ ) أَيْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إفَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعِلِّيَّةَ عَدَمُ إفَادَتِهِمَا إذْ قَدْ يَكُونُ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ الْأَثَرِ مَا لَا يَكُونُ لِكُلِّ جُزْءٍ كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْعِلَلِ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً اشْتِرَاطُ الِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَايَتُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي مَسْلَكُهَا الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ تَكُونُ مَشْرُوطَةً بِذَلِكَ وَلَا فَسَادَ فِيهِ ( الْقَاطِعُونَ ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ قَطْعًا قَالُوا ( إذَا وَقَعَ الدَّوَرَانُ وَعُلِمَ انْتِفَاءُ مَانِعِ الْمَعِيَّةِ فِي التَّضَايُفِ ) لِأَنَّ الْمُتَضَايِفَيْنِ يُوجَدَانِ مَعًا ( وَ ) انْتِفَاءُ مَانِعٍ ( عُدِمَ التَّأْثِيرُ ) أَيْ الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ ( كَالشَّرْطِ الْمُسَاوِي ) أَيْ كَعِلِّيَّةِ الشَّرْطِ الْمُسَاوِي لِمَشْرُوطِهِ وَقُيِّدَ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ الطَّرْدُ أَعْنِي الدَّوَرَانَ وُجُودًا وَعَدَمًا إذْ مَعَ الْأَعَمِّ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ ( وَ ) انْتِفَاءُ مَانِعِ ( التَّأْخِيرِ فِي الْمَعْلُولِيَّةِ ) إذْ شَرْطُ الْمَعْلُولِ التَّأَخُّرُ عَنْ عِلَّتِهِ وَهَذَا مَا وَعَدَ بِبَيَانِهِ ( قَطَعَ بِهَا ) أَيْ بِالْعِلِّيَّةِ ( لِلْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ ) أَيْ لِقَطْعِهَا ( فِيمَنْ تَكَرَّرَ دَوَرَانُ غَضَبِهِ عَنْ اسْمٍ ) إذَا ذُكِرَ لَهُ وَعُدِمَ غَضَبُهُ

إذَا لَمْ يُذْكَرْ لَهُ أَنَّ سَبَبَ غَضَبِهِ ذِكْرُ ذَلِكَ الِاسْمِ ( حَتَّى عَلِمَهُ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلنَّظَرِ كَالصِّبْيَانِ ) حَتَّى إذَا قَصَدُوا إغْضَابَهُ اتَّبَعُوهُ فِي الطُّرُقِ وَدَعَوْهُ بِهِ .
( أُجِيبَ بِأَنَّ النِّزَاعَ ) إنَّمَا هُوَ ( فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِمُجَرَّدِهِ ) وَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْمِثَالِ مَمْنُوعٌ بَلْ غَايَتُهُ حُصُولُ الظَّنِّ عِنْدَهُ ( وَالظَّنُّ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الدَّوَرَانِ إنَّمَا هُوَ ( مَعَ غَيْرِهِ مِنْ التَّكَرُّرِ لَا ) أَنَّ الظَّنَّ عِنْدَ الدَّوَرَانِ مَعَ ( عَدَمِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ ( بِعَدَمِ وُجْدَانِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ ( مَعَ الْبَحْثِ عَنْهُ ) أَيْ الْغَيْرِ ( فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ ) فَلَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ عِلْمًا وَلَا ظَنًّا وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الظَّنِّ وَجَوَابُهُ ( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ إنْكَارُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ فَضْلًا عَنْ الظَّنِّ ( إنْكَارٌ لِلضَّرُورِيَّاتِ وَقَدْحٌ فِي التَّجْرِيبِيَّاتِ فَإِنَّ الْأَطْفَالَ يَقْطَعُونَ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ ( بِلَا أَهْلِيَّةِ اسْتِدْلَالٍ ) بِالْبَحْثِ وَالْأَصْلِ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْلَا أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَمَا عَلِمُوهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا الضَّرُورِيَّاتِ بَلْ وَأَهْلُ النَّظَرِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَادَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ أَنَّ دَوَرَانَ الشَّيْءِ مَعَ الشَّيْءِ أَنَّهُ كَوْنُ الْمَدَارِ عِلَّةَ الدَّائِرِ ( وَيُجَابُ بِأَنَّ مِثْلَهُ ) أَيْ الدَّوَرَانِ ( يَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ لِغَيْرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ ) وَهُوَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ فِيهَا دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ ( أَمَّا هِيَ ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ الْجَائِزِ اخْتِلَافُهَا بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ ( فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ عِلَلِهَا مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ اعْتِبَارٍ مِنْ الشَّارِعِ إذْ فِي الْقَوْلِ ) بِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ ( بِالطَّرْدِ فَتْحُ بَابِ

الْجَهْلِ ) لِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَالْمُنَاقِضِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِهَذَا الْوَصْفِ مُعَارِضٌ وَلَا مُنَاقِضٌ أَصْلًا بَلْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنْ يَقُولَ مَا وَجَدْت لَهُ مُعَارِضًا وَلَا مُنَاقِضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّرْدُ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ .
( وَ ) فَتْحُ بَابِ ( التَّصَرُّفِ فِي الشَّرْعِ ) بِالرَّأْيِ فِي الْقَوَاطِعِ وَإِذَا انْتَهَى التَّصَرُّفُ فِي الشَّرْعِ إلَى هَذَا الْمُنْتَهَى كَانَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَتَطْرِيقًا لِكُلِّ قَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا أَرَادَ وَيَحْكُمُ بِمَا شَاءَ وَلِهَذَا صَرَفَ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ سَعْيَهُمْ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمَعَانِي الْمُخَيَّلَةِ الْمُؤْثِرَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّ دَفْعٌ وَقَوْلُهُ مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَيْ الْمُنَاسِبُ الْمَقْبُولُ إجْمَاعًا وَهُوَ ) الْمُنَاسِبُ ( الضَّرُورِيُّ أَوْ الْمَصْلَحِيُّ لَا ) مِنْ ( الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّافِعِيَّ ( لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُثْبِتَ طَرِيقًا لِلْعِلِّيَّةِ لَا يَجِبُ فِيهَا ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ كَالسَّبْرِ وَالدَّوَرَانِ شَرَطَهَا ) أَيْ الشَّافِعِيُّ الْمُنَاسَبَةَ ( فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ ) أَيْ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ ( يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا ( فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِهَا بَيْنَهُمَا ( كَمَا فِي الدَّوَرَانِ وَقِيلَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهِ ) أَيْ فِي إفَادَةِ الدَّوَرَانِ الْعِلِّيَّةَ ( عَدَمُ أَخْذِ قَيْدِ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ ) لِلْعِلِّيَّةِ .
( أَمَّا مَعَهُ ) أَيْ صُلُوحِ الْوَصْفِ لِلْعِلِّيَّةِ وَقَدْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَيْدَ ( مُرَادٌ ) لِمَنْ قَالَ الدَّوَرَانُ مُفِيدٌ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ كَمَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَلَا خَفَاءَ فِي حُصُولِ ظَنِّ عَلِيَّتِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( بِالدَّوَرَانِ بِخِلَافِ مَا ) إذَا ( لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مُنَاسَبَةٌ كَالرَّائِحَةِ ) أَيْ رَائِحَةِ الْمُسْكِرِ الْمَخْصُوصَةِ (

لِلتَّحْرِيمِ ) لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ عِلِّيَّتُهَا لَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْلَمَ بِهِ وَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا الشَّبَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ الْمَسَالِكِ ) لِلْعِلَّةِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمَسَالِكَ هِيَ ( الْمُثْبِتَةُ لِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ ) لِلْحُكْمِ ( وَالشَّبَهُ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِهَا ) أَيْ بِالْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَتَحَرَّرُ فِي الشَّبَهِ عِبَارَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فِي صِنَاعَةِ الْحُدُودِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ تَكَاثَرَ التَّشَاجُرُ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَلَمْ أَجِدْ لِأَحَدٍ تَعْرِيفًا صَحِيحًا فِيهَا ثُمَّ هُوَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ ( وَالْمُرَادُ ) بِهِ هُنَا ( مَا ) أَيْ وَصْفُ ( مُنَاسَبَتُهُ ) لِلْحُكْمِ ( لَيْسَتْ بِذَاتِهِ ) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ الْوَصْفِ ( بَلْ ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ ( يُشْبِهُهُ ) الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ لِذَاتِهِ الشَّبَهُ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَكَمَا قِيلَ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمَحْصُولِ الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا يُظَنُّ كَوْنُهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُشَابَهَةُ فِي الصُّورَةِ أَوْ الْمَعْنَى وَذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُنَاسِبُهُ بِوَاسِطَةِ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ الْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهَا بِالذَّاتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْعَقْلُ مُنَاسَبَتَهُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ شَرْعًا ( فَيُحْتَاجُ ) فِي إثْبَاتِ عِلِّيَّتِهِ ( إلَى الْمُثْبِتِ ) لَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ فِي تَعْرِيفِهِ وَصْفٌ لَمْ تَثْبُتْ مُنَاسَبَتُهُ لِلْحُكْمِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ ( فَلَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ ) أَيْ الشَّبَهِ ( بَعْدَ إثْبَاتِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ عَلِمَهُ ( غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْإِخَالَةِ ) بَلْ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ السَّبْرِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ ثَبَتَ بِالْإِخَالَةِ أَيْضًا ( كَانَ ) الشَّبَهَ ( الْمُنَاسِبَ الْمَشْهُورَ ) وَلَيْسَ إيَّاهُ بَلْ بَيْنَهُمَا تَقَابُلٌ ( كَطَهَارَةٍ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ) .
أَيْ مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي إلْحَاقِ إزَالَةِ الْخَبَثِ بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فِي تَعَيُّنِ

الْمَاءِ لَهَا : إزَالَةُ الْخَبَثِ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ ( فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ كَالْوُضُوءِ ) فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ غَيْرُ الْمَاءِ فَكَوْنُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَهَارَةً تُرَادُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ لَهُمَا وَهُوَ وَصْفٌ شَبَهِيٌّ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِتَعَيُّنِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ .
( فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ ( أَنَّ كَوْنَ الطَّهَارَةِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ يَصِحُّ عِلَّةَ تَعَيُّنِ الْمَاءِ ) فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ ( لَزِمَ ) كَوْنُهُ عِلَّةً لِذَلِكَ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَثْبُتْ صِحَّةُ كَوْنِهِ عِلَّةَ تَعَيُّنِهِ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ تَعَيُّنُ الْمَاءِ ( مُجَرَّدُ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ تَعَيُّنِ الْمَاءِ ( فِي الْحَدَثِ وَعَلَى هَذَا ) أَيْ أَنَّ الْوَصْفَ الشَّبَهِيَّ إنَّمَا يَثْبُتُ عِلَّةً بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ الْمَذْكُورَةِ ( فَمَرْجِعُهُ ) أَيْ الشَّبَهِ ( إلَى إثْبَاتِ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِأَحَدِ الْمَسَالِكِ وَلَيْسَ شَيْئًا آخَرَ ) فَيَنْتَفِي تَصْرِيحُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ لَكِنْ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ إنَّ الْقَائِلِينَ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِمُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الشَّبَهِيِّ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْخَارِجُ عَنْ ذَاتِهِ هُوَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِهِ فِيهِ فَيُوهِمُ كَوْنُهُ مُنَاسِبًا لَهُ لَا النَّصُّ وَلَا الْإِجْمَاعُ وَلَا التَّأْثِيرُ الْمَاضِي بَيَانُهُ .
قَالُوا وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَبُولُهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ كَأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُوهُ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ

شَرَطَ فِي اعْتِبَارِهِ إرْهَاقَ الضَّرُورَةِ إلَى الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا إلَّا الْوَصْفُ الشَّبَهِيُّ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ قِيَاسُ الْمَعْنَى تَحْقِيقٌ وَالشَّبَهُ تَقْرِيبٌ وَالطَّرْدُ تَحَكُّمٌ ثُمَّ قَالَ قِيَاسُ الْمَعْنَى مَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَيَسْتَدْعِيهِ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ وَالطَّرْدُ عَكْسُهُ وَالشَّبَهُ أَنْ يَكُونَ فَرْعٌ تَجَاذَبَهُ أَصْلَانِ فَيُلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِنَوْعِ شَبَهٍ مُقَرِّبٍ أَيْ يُقَرِّبَ الْفَرْعَ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ ( وَيُقَالُ ) الشَّبَهُ ( أَيْضًا لَا شَبَهِيَّةَ وَصْفَيْنِ فِي فَرْعٍ تَرَدَّدَ ) الْفَرْعُ ( بِهِمَا ) أَيْ الْوَصْفَيْنِ ( بَيْنَ أَصْلَيْنِ كَالْآدَمِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْمَالِيَّةُ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ تَرَدُّدُ ) الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِالْآدَمِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ ( بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ ) وَلَفْظُ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ كَالنَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ تَرَدَّدَ بِهِمَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْفَرَسِ وَهُوَ بِالْحُرِّ أَشْبَهُ إذْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ فِي الْأَوْصَافِ وَالْأَحْكَامِ أَكْثَرُ ا هـ .
وَهُوَ أَوْلَى فَقِيَاسُ الْعَبْدِ عَلَى الْحُرِّ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ قَاتِلِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ نَفْسٌ مَنْ بَنِي آدَمَ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دِيَتُهُ قِيمَتُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْفَرَسِ حَتَّى تُؤْخَذَ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَالٌ كَسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ إذْ مُشَارَكَةُ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ فِي الْأَوْصَافِ كَكَوْنِهِ نَاطِقًا قَابِلًا لِلصِّنَاعَاتِ وَالْأَحْكَامُ كَكَوْنِهِ مُكَلَّفًا أَكْثَرُ مِنْ مُشَارَكَتِهِ لِلْفَرَسِ قَالُوا وَالشَّافِعِيُّ يُسَمِّي هَذَا قِيَاسَ عِلِّيَّةِ الْأَشْبَاهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ أَعْلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ ثُمَّ الْقِيَاسُ الصُّورِيُّ كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ

وَالْحَمِيرِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِلشَّبَهِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَنْسُبُونَ الدَّوَرَانَ لِأَهْلِ الطَّرْدِ وَكَذَا السَّبْرُ ) يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِمْ ( إذْ يُرِيدُونَ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ بِأَهْلِ الطَّرْدِ ( مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ظُهُورَ التَّأْثِيرِ ) فِي الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً ( وَعَلِمْتَ ) فِي الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارَ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّأْثِيرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( يُسَاوِي الْمُلَاءَمَةَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ .
( وَعَلَى هَذَا ) أَيْ تَسَاوِي التَّأْثِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُلَاءَمَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( فَمِنْ الطَّرْدِ الْإِخَالَةُ ) أَيْ يَكُونُ شَامِلًا لَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّأْثِيرِ ( وَيُؤَيِّدُهُ ) أَيْ كَوْنَ الْإِخَالَةِ مِنْ الطَّرْدِ عِنْدَهُمْ ( تَصْرِيحُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( بِأَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ النَّظَرِ مَالُوا إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ ) أَيْ بِالطَّرْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَمَعْلُومٌ تَصْرِيحُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( بِأَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فَلَيْسَ أَهْلُهُ ) أَيْ الطَّرْدِ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( إلَّا مَنْ ذَكَرْنَا ) أَيْ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ظُهُورَ التَّأْثِيرِ ( فَلَا أَحَدَ يُضِيفُ حُكْمَ الشَّرْعِ إلَى مَا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ أَصْلًا كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ فَالطَّرْدُ مَا لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ يَثْبُتُ اعْتِبَارُهَا اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ ) فِي الْمُنَاسَبَةِ إنَّمَا هُوَ ( فِيمَا بِهِ ) يَثْبُتُ اعْتِبَارُهَا ( فَالْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ ) شَيْءٌ يُثْبِتُ اعْتِبَارَهَا ( إلَّا التَّأْثِيرَ الَّذِي هُوَ الْمُلَاءَمَةُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ ) يُثْبِتُ اعْتِبَارَهَا ( بِغَيْرِهَا ) أَيْ الْمُلَاءَمَةِ ( أَيْضًا وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ الشَّارِعَ إذَا وَضَعَ أَمْرًا عَلَامَةً عَلَى حُكْمٍ كَالدُّلُوكِ ) أَيْ كَوَضْعِهِ زَوَالَ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبَهَا عَلَامَةً ( عَلَى الْوُجُوبِ ) لِلصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَقِمْ

الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } ( أُضِيفَ ) ذَلِكَ الْحُكْمُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ عَلَامَةً عَلَيْهِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْأَمْرَ ( لَيْسَ عِلَّةً ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( إلَّا مَجَازًا ) وَالْعِلَّةُ لَهُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ .
( وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمَارَةَ فِي اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَتْ بِشُهْرَةِ الْعَلَامَةِ ) بَلْ الْعَلَامَةُ عِنْدَهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الْأَمَارَةِ ( وَتَقْسِيمُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( الْخَارِجَ ) عَنْ الْحُكْمِ ( الْمُتَعَلِّقَ بِالْحُكْمِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُفِيدِ كَوْنَ الْعَلَامَةِ مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ وَإِخْرَاجُ الرُّكْنِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقْسَامِهِ أَنَّ مَا يَكُونُ حُكْمًا مُتَعَلِّقُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ يَنْقَسِمُ ( إلَى مُؤَثَّرٍ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي الْكَلَامِ فِي اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الْوَصْفَ عِلَّةً ( وَ ) إلَى ( مُفْضٍ إلَيْهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ( بِلَا تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ ) وَهُوَ الْأَوَّلُ ( وَالسَّبَبُ ) وَهُوَ الثَّانِي ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا فِيهِ وَلَا مُفْضِيًا إلَيْهِ .
( فَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْخَارِجِ ( الْوُجُودُ ) أَيْ وُجُودُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْآخَرُ ( فَالشَّرْطُ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ .
( فَإِنْ دَلَّ ) الْحُكْمُ الْخَارِجُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ الْآخَرُ ( فَالْعَلَامَةُ ، فَالْعِلَّةُ تَقَدَّمَتْ بِأَقْسَامِهَا وَهَذَا ) الَّذِي نَذْكُرُهُ ( تَقْسِيمُهُمْ مَا سِوَاهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ قَالُوا ( فَالسَّبَبُ تَجِبُ الْعِلَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ مَوْضُوعَةٍ لَهُ وَالسَّبَبُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ وَطَرِيقٌ لَهُ لَا مَوْضُوعٌ لَهُ وَلَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَلَهُ أَقْسَامٌ بِحَسَبِ إضَافَةِ الْعِلَّةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ ( فَإِمَّا تُضَافُ ) الْعِلَّةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى السَّبَبِ ( كَالسَّوْقِ ) لِلدَّابَّةِ ( الْمُضَافِ

إلَيْهِ الْعِلَّةُ وَطْؤُهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَالسَّوْقُ سَبَبُ التَّلَفِ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لَهُ لِأَنَّهُ ( لَمْ يُوضَعْ لِلتَّلَفِ ) بَلْ وُضِعَ لِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ ( وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ) أَيْ فِي التَّلَفِ ( بَلْ طَرِيقٌ إلَيْهِ ) وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالْعِلَّةُ لِلتَّلَفِ إنَّمَا هُوَ وَطْءُ الدَّابَّةِ بِقَوَائِمِهَا ذَلِكَ الْمَالَ أَوْ النَّفْسَ ( فَالسَّبَبُ ) أَيْ فَهَذَا السَّبَبُ ( فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ) لِكَوْنِ الْعِلَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَحَادِثَةٌ بِهِ لِأَنَّ السَّوْقَ يَحْمِلُ الدَّابَّةَ عَلَى ذَلِكَ كُرْهًا وَلِهَذَا كَانَ مَشْيُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ طَبْعِ السَّائِقِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ ( فَلَهُ ) أَيْ هَذَا السَّبَبِ .
( حُكْمُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْمَحَلِّ ) أَيْ مَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الضَّمَانُ ( لَا ) فِيمَا يَرْجِعُ إلَى ( جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَعَلَيْهِ ) أَيْ السَّائِقِ ( الدِّيَةُ ) إذَا وَطِئَتْ آدَمِيًّا فَقَتَلَتْهُ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالسَّوْقُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ شَرْعًا وَعَقْلًا لَكِنْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لَا مُطْلَقًا وَقَدْ فَاتَتْ بِالتَّلَفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ فَيُجْبَرُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلضَّمَانِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعَجْمَاءُ إنَّمَا يَكُونُ فِعْلُهَا جُبَارًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قَائِدٌ وَلَا سَائِقَ ثَمَّ ( لَا ) يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ( حِرْمَانُ الْإِرْثِ وَنَحْوُهُ ) مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ .
( وَالشَّهَادَةُ ) أَيْ وَكَشَهَادَةِ الشُّهُودِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ سَبَبٌ ( لِلْقِصَاصِ ) أَيْ لِوُجُوبِهِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ ( لَمْ تُوضَعْ لَهُ ) أَيْ لِلْقِصَاصِ ( وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ بَلْ ) هِيَ ( طَرِيقُهُ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( وَعِلَّتُهُ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( الْمُتَوَسِّطِ ) أَيْ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ ( مِنْ فِعْلِ ) الْفَاعِلِ ( الْمُخْتَارِ الْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ لَكِنْ فِيهِ ) أَيْ فِي السَّبَبِ الَّذِي

هُوَ الشَّهَادَةُ ( مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْقَتْلِ بِوَاسِطَةِ إيجَابِهَا الْقَضَاءَ ) عَلَى الْقَاضِي بِهِ حَتَّى حَكَمَ بِوُجُوبِهِ ( وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ إيَّاهُ ) أَيْ وَبِوَاسِطَةِ اخْتِيَارِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَتْلَ ( عَلَى الْعَفْوِ ) إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَتَسَلَّطْ الْوَلِيُّ عَلَى قَتْلِهِ ( فَعَلَيْهِمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( بِرُجُوعِهِمْ ) عَنْ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ ( الدِّيَةُ ) لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ ( لَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ ) أَيْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُبَاشَرَةَ مِنْهُمْ ( وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ ) مِنْ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ ( إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ ) وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ بِشَهَادَتِنَا أَوْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْبَلُ بِهَا ( وَعُلِمَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ قَبُولُهُمْ ) وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَعُزِّرُوا وَتَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَتَكُونَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ ( جَعْلًا لِلسَّبَبِ ) الْقَوِيِّ ( الْمُؤَكَّدِ بِالْقَصْدِ الْكَامِلِ كَالْمُبَاشَرَةِ ) فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ ( دَفَعَ ) قَوْلُهُ ( بِأَنَّ الْقِصَاصَ بِالْمُمَاثَلَةِ وَلَيْسَتْ ) الْمُمَاثَلَةُ ثَابِتَةً ( بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ وَإِنْ قَوِيَ ) السَّبَبُ وَتَأَكَّدَ وَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ لِهَذَا السَّبَبِ حُكْمُ الْعِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ لَمَّا حَدَثَتْ بِالْأُولَى صَارَتْ الْعِلَّةُ الْأَخِيرَةُ حُكْمًا لِلْأُولَى مَعَ حُكْمِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْأُولَى فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ لَهَا حُكْمَانِ ا هـ .
قُلْت فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ ( وَمِنْهُ ) أَيْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ( وَضْعُ الْحَجَرِ

) فِي الطَّرِيقِ ( وَإِشْرَاعُ الْجَنَاحِ ) فِيهِ ( وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ ) أَيْ وَتَرْكُ هَدْمِ الْحَائِطِ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ أَوْ إلَى دَارِ جَارِهِ بَعْدَ مُطَالَبَةِ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجَارُ وَلَوْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا عَلَى الثَّانِي صَاحِبُهُ يَنْقُضُهُ إذْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ تَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَيْهَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ أَنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ هَذِهِ ( مِثْلُهُ ) أَيْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فِي حُكْمِهِ ( لِتَعَدِّيهِ فِي إبْقَاءِ الْفِعْلِ السَّبَبَ ) لَا أَنَّهُ مِنْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ( وَإِمَّا لَا تُضَافُ ) الْعِلَّةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى السَّبَبِ ( لِكَوْنِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَدَلَالَةِ السَّارِقِ ) أَيْ كَدَلَالَةِ إنْسَانٍ سَارِقًا عَلَى مَالِ آخَرَ لِيَسْرِقَهُ فَفَعَلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِوَصْفِهِ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ ( الْمُتَوَسِّطِ سَرِقَتُهُ ) الَّتِي هِيَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَدْلُولُ بِاخْتِيَارِهِ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَالِ وَأَخْذِهِ .
( فَالْحَقِيقِيُّ ) أَيْ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ وَعِلَّتُهُ السَّرِقَةِ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَهِيَ مُتَخَلِّلَةٌ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ ( فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى السَّبَبِ ( فَلَا يَضْمَنُ دَالُّ السَّارِقِ ) الْمَسْرُوقَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لَا إلَى الدَّالِّ ( وَلَا يُشْرَكُ فِي الْغَنِيمَةِ الدَّالُّ ) لِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ( عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) بِوَصْفِ طَرِيقِهِ فَأَصَابُوهُ بِدَلَالَتِهِ وَحَصَلُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( لِقَطْعِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ ) أَيْ لِقَطْعِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ اغْتِنَامُ الْمَدْلُولِينَ نِسْبَةَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحُصُولُ عَلَى الْغَنِيمَةِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ دَلَالَةُ الدَّالِّ بِوَاسِطَةِ تَخَلُّلِ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ

الْمُخْتَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فَدَلَالَتُهُ سَبَبٌ مَحْضٌ نَعَمْ لَوْ ذَهَبَ مَعَهُمْ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ شَرَكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُصَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ حِينَئِذٍ سَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ .
( وَلَا ) يَضْمَنُ ( دَافِعُ السِّكِّينِ لِصَبِيٍّ ) لِيُمْسِكَهَا الصَّبِيُّ لِلدَّافِعِ ( فَقَتَلَ ) الصَّبِيُّ بِهَا ( نَفْسَهُ ) لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلْهَلَاكِ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْهَلَاكُ عِلَّتُهُ وَهُوَ قَتْلُ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الدَّافِعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِمْسَاكِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ إنَّمَا هَلَكَ بِالِاسْتِعْمَالِ ( بِخِلَافِ سُقُوطِهَا ) أَيْ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُمْسِكَهَا فَسَقَطَتْ بِلَا قَصْدٍ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فَهَلَكَ فَإِنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ الصَّبِيَّ لِإِضَافَةِ الْهَلَاكِ حِينَئِذٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلِ الْهَلَاكِ بِاخْتِيَارِ الصَّبِيِّ بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ فَيُضَافُ مَا لَزِمَ مِنْ الْإِمْسَاكِ إلَيْهِ فَكَانَ الدَّفْعُ حِينَئِذٍ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِكَوْنِ عِلَّةِ التَّلَفِ وَهِيَ السُّقُوطَ تُضَافُ إلَيْهِ .
( وَلَا ) يَضْمَنُ ( الْقَائِلُ ) لِغَيْرِهِ ( تَزَوَّجْهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ( فَإِنَّهَا حُرَّةٌ ) فَتَزَوَّجَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةُ إنْسَانٍ ( لِقِيمَةِ الْوَلَدِ ) الَّتِي أَدَّاهَا إلَى ذَلِكَ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ إخْبَارَهُ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ سَبَبٌ مَحْضٌ لِلِاسْتِيلَادِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى الْأَخْبَارِ وَهِيَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا ( بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ ) أَيْ وَلِيِّهَا أَوْ وَكِيلِهَا ( بِالشَّرْطِ ) أَيْ بِشَرْطِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْمُسْتَوْلِدَ يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُزَوِّجِ ( لِلْغُرُورِ ) مِنْ الْمُزَوِّجِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحُرِّيَّةِ صَارَ وَصْفًا لَازِمًا

لِهَذَا التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ كَالتَّزْوِيجِ وَشَارِطُهَا صَاحِبُ عِلَّةٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَلْحَقُك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ حُكْمُ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِطَلَبِ النَّسْلِ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ عِلَّةٍ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ .
( وَلَا يَلْزَمُ ) عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ فِيهَا الْحُكْمُ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ ( الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ ) إذَا دَلَّ الْمُودِعُ سَارِقًا وَالْمُحْرِمُ صَائِدًا ( عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ ) فَسَرَقَ الْمَدْلُولُ الْوَدِيعَةَ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَيْثُ ( يَضْمَنَانِ ) أَيْ الْمُودِعُ وَالْمُحْرِمُ الدَّالَّانِ ( وَهُمَا مُسَبِّبَانِ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَمَا قَامَ بِهِمَا مِنْ الدَّلَالَةِ سَبَبٌ مَحْضٌ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَهُ وَهِيَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْكِلْ هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ فِيهَا إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ ( لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُودِعِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ ) الْمُلْتَزَمِ لِلْوَدِيعَةِ بِعَقْدِهَا الْمُبَاشِرِ لَهُ بِدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَيْهَا .
( وَ ) ضَمَانُ ( الْمُحْرِمِ بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ ) لِلصَّيْدِ الْمُلْتَزِمِ لَهُ بِالْإِحْرَامِ ( الْمُتَقَرِّرِ بِالْقَتْلِ ) لَهُ الْمُبَاشِرُ لَهَا بِدَلَالَةِ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ ( فَهُوَ ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُودِعِ وَالْمُحْرِمِ الدَّالَّيْنِ ( مُبَاشِرٌ ) لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالصَّيْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالتَّسَبُّبِ ( بِخِلَافِهَا ) أَيْ دَلَالَةِ الْحَلَالِ غَيْرَهُ ( عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ ) حَتَّى قَتَلَهُ الْمَدْلُولُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ ( لِأَنَّ أَمْنَهُ ) أَيْ صَيْدِ الْحَرَمِ ( بِالْمَكَانِ ) الْخَاصِّ وَهُوَ الْحَرَمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَمْنًا لِيَبْقَى مُدَّةَ بَقَاءِ الدُّنْيَا ( وَلَمْ يَزُلْ ) أَمْنُهُ ( بِالدَّلَالَةِ ) فَكَانَتْ سَبَبًا مَحْضًا ( بِخِلَافِ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ صَيْدِ

الْحَرَمِ مِنْ الصَّيُودِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ أَمْنَهُ ( بِتَوَارِيهِ ) وَبُعْدِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ( فَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ إزَالَةُ أَمْنِهِ وَهُوَ ) أَيْ إذْهَابُ أَمْنِهِ ( الْجِنَايَةُ عَلَى إحْرَامِهِ ) وَأَوْرَدَ الْأَجْنَبِيَّ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَدُلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَرَكَ مَا الْتَزَمَ بِالدَّلَالَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِعَقْدِ الْتِزَامِ الْأَمْنِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ حَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتْبَعُهُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَالْتِزَامُهُ الْأَمْنَ وَالْحِفْظَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا لَهُمَا قَصْدًا وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَهَذَا الِالْتِزَامُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَهُنَا الْعَقْدُ وَاقِعٌ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعُ فِعْلُهُ مُوجِبًا يُوجِبُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ الضَّمَانُ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ بِالْإِسْلَامِ الْتَزَمَ الْأَمْنَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَجْنَبِيِّ إزَالَةُ الْأَمْنِ لِأَنَّ أَمْنَ الْأَمْوَالِ لَا يَثْبُتُ بِالْبُعْدِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَيْدِيهِمْ وَالْجَهْلِ بِمَحِلِّهَا بَلْ أَمْنُهَا بِالْأَيْدِي وَالْحِرْزِ وَبِالدَّلَالَةِ لَا يَزُولُ هَذَا الْأَمْنُ بِخِلَافِ الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا .
( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ حَقِيقَةُ الدَّلَالَةِ الْإِعْلَامُ أَيْ إحْدَاثُ الْعِلْمِ فِي الْغَيْرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ لَا يَكْذِبَ الدَّالُّ فِي ذَلِكَ فَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ أَوْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ لِعَدَمِ زَوَالِ أَمْنِهِ بِهَا وَشُرُوطُ تَحَقُّقِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ مَعَ تَحَقُّقِهَا فِي نَفْسِهَا أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ آنِفًا بِقَوْلِهِ بِإِزَالَةِ

الْأَمْنِ الْمُتَقَرِّرَةِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ بِدَلَالَتِهِ ثُمَّ انْفَلَتَ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ لِانْتِهَاءِ دَلَالَتِهِ بِالِانْفِلَاتِ وَالْأَخْذُ ثَانِيًا إنْشَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْآخِذُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ آنِفًا قَوْلُنَا وَالدَّالُّ مُحْرِمٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْقَتْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَوْجُودًا عِنْدَهُ .
فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ فَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي سَاعٍ بِغَيْرِهِ لَا بِحَقٍّ إلَى حَاكِمٍ ظَالِمٍ سِعَايَةً غَرَّمَتْهُ الْمَالَ ظُلْمًا بِضَمَانِهِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبٌ مَحْضٌ تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَالْجَوَابُ لَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الْإِسْلَامِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَضْمِينَ السَّاعِي لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فَنَحْنُ نَكِلُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى تَنْزَجِرَ السُّعَاةُ عَنْ السَّعْيِ ( وَفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانٌ لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ ) بِغَيْرِ الْحَقِّ إلَى الظُّلْمَةِ فِي زَمَانِنَا وَبِهِ يُفْتَى لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُكُولِ الْأَمْرِ إلَى الْقَاضِي لَا يُجْدِي فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ فِي زَمَانِنَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِضَمَانِ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا زَمَانًا وَمَكَانًا ( وَلَوْ غَلَبَ غَصْبُ الْمَنَافِعِ ) مُطْلَقًا فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي بَابِ الضَّمَانِ زَجْرًا لِلْغَصَبَةِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ تَقْيِيدَ بَعْضِهِمْ ذَلِكَ بِالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَحِكَايَةِ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ

مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ الزَّجْرَ لِلْغَصَبَةِ وَالْحِفْظَ لِأَمْوَالِ الضَّعَفَةِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَتْوَى بِضَمَانِهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِيَاجِ مَا سِوَى هَؤُلَاءِ إلَى هَذَا الِارْتِفَاقِ وَحَسْمًا لِمَادَّةِ هَذَا الْفَسَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ ( وَيُقَالُ لَفْظُ السَّبَبِ مَجَازًا عَلَى الْمُعَلَّقِ ) بِشَرْطٍ ( مِنْ تَطْلِيقٍ وَإِعْتَاقٍ وَنَذْرٍ ) وَهَذَا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُعَلَّقًا ( بِمَا ) أَيْ بِشَرْطٍ ( لَا يُرِيدُ ) الْمُعَلِّقُ ( كَوْنَهُ ) أَيْ وُجُودِهِ كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ حُرَّةٌ وَإِنْ خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي فَعَلَيَّ لِلَّهِ صِيَامُ سَنَةٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ( وَعَلَى الْيَمِينِ ) بِاَللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ ( إذْ لَيْسَتْ ) هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ ( مُفْضِيَةً إلَى الْوُقُوعِ ) أَيْ وُقُوعِ مَعْنَاهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوُجُوبِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ ( وَ ) إلَى ( الْحِنْثِ ) أَمَّا الْمُعَلَّقَاتُ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ مَعْنَاهَا وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعْلِيقِهَا عَلَيْهِ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْهَا .
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحِنْثِ وَبِدُونِ الْحِنْثِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَانِعُ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( بَلْ ) هِيَ ( مَانِعَةٌ ) مِنْ الْوُقُوعِ وَالْحِنْثِ .
( وَإِنَّمَا لَهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ( نَوْعُ إفْضَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ) إلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وَقْتُ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالْحِنْثِ ( فَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَلَّقَاتُ وَالْيَمِينُ سَبَبٌ ( مَجَازٌ ) لِلْوُقُوعِ وَالْكَفَّارَةِ ( وَإِذَا صَدَرَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ صَارَ ) الْمُعَلَّقُ نَفْسُهُ ( عِلَّةً حَقِيقِيَّةً ) لِلْوُقُوعِ لِتَأْثِيرِهِ فِيهِ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَإِيصَالِهِ بِهِ كَالْبَيْعِ

لِلْمِلْكِ ( بِخِلَافِ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ الْحُكْمُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ السَّبَبَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ( لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُسَبَّبِ ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ ( وَإِنْ أَثَّرَ فِي عِلَّتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَلِمْت فِي سَوْقِ الدَّابَّةِ إذَا وَطِئَتْ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ ( فَلَمْ تَنْتَفِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ ) فِي السَّبَبِ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ ( بِوُجُودِ التَّأْثِيرِ ) أَيْ تَأْثِيرِهِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ مَجَازِيٌّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ انْتَفَتْ فِيهِ بِتَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ فَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ السَّبَبِ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا السَّبَبُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ سَبَبًا مَجَازًا وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْمُعَلَّقَ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَصِيرُ عِلَّةَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَإِنَّمَا عِلَّتُهَا الْحِنْثُ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِيهَا .
هَذَا وَتَقْيِيدُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ بِكَوْنِهِ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَقَعَ فِي الْمَنَارِ وَغَيْرِهِ وَلَفْظُ الْبَزْدَوِيِّ وَمِثْلُ الْمُنْذَرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ انْتَهَى فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْحَالِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ حُصُولُ الشَّرْطِ فَكَانَ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " الْمُعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ " إلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّتِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الصَّيْرُورَةِ لَا الْمَعْنَى كَبَيْعِ الْحُرِّ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( ثُمَّ

لِلْمُعَلَّقِ ) الَّذِي هُوَ السَّبَبُ ( الْمَجَازِ شَبَهُ الْعِلَّةِ الْحَقِيقَةِ ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( خِلَافًا لِزُفَرَ ) فَإِنَّهُ عِنْدَهُ مَجَازٌ مَحْضٌ خَالٍ مِنْ هَذَا الشَّبَهِ ( وَثَمَرَتُهُ ) أَيْ الْخِلَافِ تَظْهَرُ ( فِي تَنْجِيزِ الثَّلَاثِ ) بَعْدَ تَعْلِيقِ بَعْضِهَا أَوْ جَمِيعِهَا عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ ( يُبْطِلُ ) تَنْجِيزُهَا ( التَّعْلِيقَ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لَهُ ) حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَوُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَهُمْ وَيَقَعُ عِنْدَهُ .
( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةٌ ( طَوِيلَةٌ فِي فِقْهِهِمْ وَالْمَبْنَى ) فِي إبْطَالِهِ التَّعْلِيقَ وَعَدَمِ إبْطَالِهِ ( الِاحْتِيَاجُ ) أَيْ احْتِيَاجُ الْمُعَلَّقِ فِي الْبَقَاءِ ( إلَى بَقَاءِ الْمَحَلِّ ) لِتَنْجِيزِهِ عِنْدَهُمْ ( لِلشُّبْهَةِ ) أَيْ لِكَوْنِ الْمُعَلَّقِ لَهُ شَبَهُ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْيَمِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَالتَّعْلِيقُ يَمِينٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهُ وَهُوَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ عَلَى مَعْنَى لَوْ فَاتَ الْبِرُّ لَزِمَ الْجَزَاءُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مَضْمُونَةٌ بِالْكَفَّارَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْبِرُّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ تَحْقِيقًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَإِذَا كَانَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ كَانَ لِلْجَزَاءِ شَبَهُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ أَيْ قَبْلَ فَوَاتِ الْبِرِّ إذْ لِلضَّمَانِ شَبَهُ الثُّبُوتِ قَبْلَ فَوَاتِ الْمَضْمُونِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ رَدُّ الْعَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَاتَ رَدُّهَا لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَرَدُّ الْقِيمَةِ ثُمَّ لِلْقِيمَةِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ شَبَهُ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَدَّى الضَّمَانَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمَغْصُوبِ مُسْتَنِدًا إلَى

وَقْتِ الْغَصْبِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ إيَّاهُ قَبْلَ ضَمَانِهِ إذَا ضَمِنَهُ الْمَالِكُ إيَّاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ وَإِذَا كَانَ لِلْجَزَاءِ فِي الْحَالِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ وَثُبُوتُ الْجَزَاءِ حَقِيقَةً لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ حَتَّى يَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ فَكَذَا شُبْهَتُهُ لَا تُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إذْ الشُّبْهَةُ دَلَالَةُ الدَّلِيلِ مَعَ تَخَلُّفِ الْمَدْلُولِ وَقَطُّ لَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي الرِّجَالِ اتِّفَاقًا وَشُبْهَةَ الْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِي الْحُرِّ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِيهِمَا وَقَدْ فَاتَ الْمَحَلُّ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ ضَرُورَةً ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ احْتِيَاجِ الْمُعَلَّقِ فِي الْبَقَاءِ إلَى بَقَاءِ الْمَحَلِّ لِتَنْجِيزِهِ عِنْدَ زُفَرَ ( لِعَدَمِهَا ) أَيْ شُبْهَةِ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِلْمُعَلَّقِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ قَدْ حَالَ التَّعْلِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّهِ فَأَوْجَبَ قَطْعَ السَّبَبِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالتُّرْسِ إذَا حَالَ بَيْنَ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ .
وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ بِوَجْهٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَحَلِّ وَاحْتِمَالُ صَيْرُورَتِهِ سَبَبًا فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يَكْفِيهِ احْتِمَالُ حُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهَا إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهُوَ فِي الْحَالِ يَمِينٌ وَمَحِلُّهَا ذِمَّةُ الْحَالِفِ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا فَلَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ وَاشْتِرَاطُ الْمِلْكِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا كَانَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ حَتَّى يَصِحَّ إيجَابُ الْيَمِينِ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَإِنْ عُدِمَ الْمَحِلُّ فَلَأَنْ

يَبْقَى هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُوجَبَ الْيَمِينِ شَرْعًا الْبِرُّ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ فَصَارَتْ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الَّتِي هِيَ الْجَزَاءُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الْحِنْثِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهَا عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَحْصُلَ مَعْنَى التَّخْوِيفِ .
وَأَمَّا طَلْقَاتُ مِلْكٍ سَيُوجَدُ فَغَيْرُ مُتَيَقَّنَةِ الْوُجُودِ عِنْدَ الشَّرْطِ إذَا الظَّاهِرُ عَدَمُ مَا سَيَحْدُثُ وَقَدْ فَاتَ مِلْكُ الثَّلَاثِ بِتَنْجِيزِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ زَوَالُ صِفَةِ الْحِلِّ بِهِ عَنْ الْمَحِلِّ فَلَا تَصَوُّرَ لِذَلِكَ بَعْدَ حُرْمَةِ الْمَحِلِّ بِهَا فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ لِأَنَّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحِلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الْبَقَاءُ وَالِابْتِدَاءُ ثُمَّ انْعِقَادُ التَّعْلِيقِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْحَالِ بَلْ يَنْتَفِي الْمِلْكُ وَالْمَحَلِّيَّةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ بِهِ تَحْصُلُ فَائِدَةُ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِدُونِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ فَصَارَ هَذَا التَّعْلِيقُ مِثْلَ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ حَالَ حِلِّ الْمَحَلِّ بَلْ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ نُزُولَ الْجَزَاءِ قَطْعِيٌّ هُنَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ نُزُولِهِ عِنْدَ سَائِرِ الشُّرُوطِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23