كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِأَدَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ بِوُجُوبِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ النَّائِمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُكَلَّفًا بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا انْتَبَهَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ كَانَ النَّائِمُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا - فَانْتَبِهْ - بَالِغًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ ثُمَّ إنَّ الْخِطَابَ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ إنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ بِتَنْجِيزِ التَّكْلِيفِ وَالْخِطَابُ بِالْمَعْدُومِ بِمَعْنَى التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ كَوْنُ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا وَمُكَلَّفًا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْخِطَابِ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَالنَّائِمِ وَالْمُسْتَيْقِظِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَجُّبُ ا هـ لَكِنَّ كَوْنَ الصَّبِيِّ إذَا اسْتَيْقَظَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بَالِغًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَكَذَا صِحَّةُ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ الْفَرْضِ فَرْعُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْوُجُوبِ ( وَعَدَمُ إثْمِهِ ) أَيْ الْمُسَافِرِ ( لَوْ مَاتَ بِلَا أَدَاءً فِي سَفَرِهِ ) دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِإِرْشَادِ مَا قَبْلَهُ إلَيْهِ ( وَصَرَّحُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( بِأَنْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ بَلْ هُوَ ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ ( مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ مِنْ الشَّارِعِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( جَبْرًا لِفِعْلٍ كَالشُّغْلِ بِالدَّيْنِ

وَهُوَ ) أَيْ الدَّيْنُ ( فِعْلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ صِفَةُ الْأَفْعَالِ لَا الْأَعْيَانِ وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَوْفَى فُلَانٌ الدَّيْنَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِعْلًا لَكَانَ الْمَعْنَى أَوْفَى الْإِيفَاءَ وَإِنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا كَمَا فِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَاجِبَةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِيفَاءَ هُوَ الْأَدَاءُ ، وَالْفِعْلُ يُوصَفُ بِهِ وَبِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيَّنَ الْفِعْلَ فَيُقَالُ أَدَّى الصَّلَاةَ وَقَضَاهَا أَيْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ وَأَتَى بِهِ فَكَذَا هُنَا مَعْنَى أَوْفَى الدَّيْنَ أَتَى بِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَالِ أَوْ تَسْلِيمُهُ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَالَ يُوصَفُ بِهِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ كَالْمَوْهُوبِ يُسَمَّى هِبَةً ، أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَالَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ فَلَا يُقَالُ جِدَارٌ وَاجِبٍ كَمَا يَصِحُّ وَصْفُ الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْمَالِ كَالصَّلَاةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ حَقِيقَةٌ مِنْ خَصَائِصِ الْفِعْلِ .
( وَقَدْ يَشْكُلُ الْمَذْهَبَانِ ) أَيْ مَذْهَبَا الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( بِأَنَّ الْفِعْلَ بِلَا طَلَبٍ كَيْفَ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَهُوَ ) أَيْ الْوَاجِبُ إنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا ( بِالطَّلَبِ ، وَالسُّقُوطُ ) إنَّمَا يَكُونُ ( بِتَقَدُّمِهِ ) أَيْ الطَّلَبِ أَيْضًا .
( وَقَصْدُ الِامْتِثَالِ ) إنَّمَا يَكُونُ ( بِالْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ بِالطَّلَبِ وَهُوَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْوُجُوبِ ( وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ أَرَادُوهُ ) أَيْ أَرَادُوا بِنَفْسِ الْوُجُوبِ مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا وَرَدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ قَبْلَ الطَّلَبِ ( وَإِنْ دَخَلَهُ طَلَبٌ قُلْنَا لَا يَعْقِلُ طَلَبُ فِعْلٍ بِلَا أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( إمَّا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُطْلَقُ عَنْهُ ( مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْعُمُرِ

أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ( فَهُوَ مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ ) أَيْ فِي وَقْتِهِ ( مُخَيَّرًا فِي الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الْمُوسِعُ ثُمَّ ) مَطْلُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ ( مُضِيفًا ) عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ ( وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ يَتَضَيَّقُ ) الْوُجُوبُ ( عِنْدَ الشُّرُوعِ وَتَتَقَرَّرُ السَّبَبِيَّةُ لِلَّذِي يَلِيهِ ) الشُّرُوعُ ( يَلْزَمُهُ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَبَّبِ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ ( عَكْسُ وَضْعِهِ ) أَيْ الْمُسَبَّبِ ( وَ ) عَكْسُ ( وَضْعِ الْعَلَامَةِ ) فَإِنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلْمُسَبَّبِ وَالْعَلَامَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ لِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ ( وَمُفَوِّتًا ) وَالظَّاهِرُ وَمُفَوِّتٍ ( لِمَقْصُودِهَا ) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ التَّعْرِيفُ بِمَا هِيَ عَلَامَةٌ لَهُ عَطْفٌ عَلَى عَكْسٍ ( وَبِهِ ) أَيْ بِكَوْنِ الْمُسَبَّبِ هُنَا هُوَ الْمُعَرَّفُ لِلسَّبَبِ ( يَصِيرُ ) هَذَا الْقَوْلُ ( أَبْعَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَرْذُولِ أَنَّ التَّكْلِيفَ مَعَ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( إنَّ الطَّلَبَ لَمْ يَسْبِقْهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( إذْ لَا طَلَبَ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ ( السَّابِقِ ) عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ يَلْزَمُ الْحَنَفِيَّةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ مَعَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي تَقَدَّمَ تَزْيِيفُهُ وَبُطْلَانُهُ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا الثَّابِتُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَصْلُ الْوُجُوبِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا طَلَبَ عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَضَيَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ لَيْسَ ذَاكَ بَلْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ طَلَبٌ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَضَيِّقِ عِنْدَ الشُّرُوعِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ بِعَيْنِهِ وَبِاسْتِلْزَامِ عَكْسِ وَضْعِ الْعَلَامَةِ وَالسَّبَبُ صَارَ أَبْعَدَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَبِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ عَيْنًا بِقَوْلِنَا فِيهِ مَا سَنَذْكُرُ ( وَالْوَجْهُ أَنَّ مَا أَمْكَنَ

فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُودِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا اُعْتُبِرَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَثْبُتُ بِالشُّغْلِ ) لِلذِّمَّةِ ( وُجُوبُ الْأَدَاءِ مُوَسَّعًا أَيْ مُخَيَّرًا إلَى الْحُلُولِ أَوْ الطَّلَبِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْحُلُولِ ( فَيَتَضَيَّقُ ) وُجُوبُ الْأَدَاءِ حِينَئِذٍ ( وَكَالثَّوْبِ الْمُطَارِ ) أَيْ الَّذِي أَطَارَتْهُ الرِّيحُ ( إلَى إنْسَانٍ يَجِبُ ) أَدَاؤُهُ مُوَسَّعًا ( إلَى طَلَبِ مَالِكِهِ ) فَيَتَضَيَّقُ حِينَئِذٍ ( وَمَا لَا ) يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبِ مُوَسَّعًا ( كَالزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَدَاءُ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا فَإِمَّا إلَى الْحَوْلِ فَيَتَضَيَّقُ وَإِمَّا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَالْأَوَّلُ ) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ ( فَيَتَضَيَّقُ مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ ( بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا اخْتَارُوهُ ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ( وَكَذَا الثَّانِي ) أَيْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى آخِرِ الْعُمُرِ مُنْتَفٍ ( لِأَنَّ حَاصِلَهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ فَيَضِيعُ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ نَعَمْ يَتِمُّ ) كَوْنُ الزَّكَاةِ وَاجِبَةَ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُوَسَّعًا إلَى الْحَوْلِ ( عَلَى ) الْقَوْلِ ( الْمُضَيِّقِ ) لِلْوُجُوبِ ( بِالْحَوْلِ وَالْمُصَرِّفِ ) ثُمَّ قَوْلُهُ وَمَا لَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا ( إقَامَةُ السَّبَبِ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ ) قَبْلَ حَقِيقَةِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ ( فَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الِاعْتِبَارُ ) وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ أُقِيمَ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي حَقِّ التَّعْجِيلِ ( أَوْ ) يُعْتَبَرُ فِيهِ ( أَنَّهُ بِالْمُبَادَرَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا شَرْعًا إلَى سَدِّ خَلَّةِ أَخِيهِ ) الْفَقِيرِ ( دَفَعَ عَنْهُ ) أَيْ الْمُعَجِّلُ ( الطَّلَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ ) الطَّلَبُ ( بِهِ شَرْعًا ) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ ( أَلْزَمَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ وَكَذَا

فِي مُسْتَغْرِقِ الْوَقْتِ يَوْمًا ) أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي ثُبُوتِ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ ثُمَّ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَلَوْ أَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا ) أَيْ أَنَّهُ أُقِيمَ السَّبَبُ مُقَامَ الْوُجُوبِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ( لَمْ يَفْتَقِرُوا إلَى اعْتِبَارِ شَيْءٍ يُسَمَّى بِالْوُجُوبِ وَلَا طَلَبَ فِيهِ وَلَا تَكَلُّفَ كَلَامٍ زَائِدٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرُوا إلَّا عَلَى ذَلِكَ ) .

( مَسْأَلَةٌ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَيَّدِ بِهِ شَرْعًا ) ثُمَّ أَوْضَحَ الْوَقْتَ الْمُقَيَّدَ بِهِ شَرْعًا بِاتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ ( الْعُمُرَ وَغَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ الْعُمُرِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ الْمُطْلَقَ وَالْمُؤَقَّتَ ( وَهُوَ ) أَيْ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ ( تَسَاهُلٌ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُؤَقَّتِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ أَدَاءً وُجُودُ جَمِيعِهِ فِي الْوَقْتِ بَلْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( بَلْ ) الشَّرْطُ ( ابْتِدَاؤُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( فِي غَيْرِ الْعُمُرِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُطْلَقًا وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ ( وَرَكْعَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ ) فَإِنَّ بِإِدْرَاكِهَا فِي الْوَقْتِ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ أَدَاءً وَإِنْ كَانَ مَا سِوَاهَا مَفْعُولًا خَارِجَهُ عَلَى مَا هُوَ أَصَحُّ الْأَوْجَهُ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَفِي الْمُحِيطِ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَدَاءً وَبَعْضُهَا قَضَاءً كَمُصَلِّي الْعَصْرِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ يُتِمُّ الْبَاقِيَ قَضَاءً لَا أَدَاءً وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا النَّاطِفِيُّ أَيْضًا ، وَذَكَرَ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ وَهُوَ التَّحْقِيقُ اعْتِبَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ بِوَفَائِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ .
( وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَقْتِ مَرَّةً أُخْرَى ( لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَ ) غَيْرِ ( عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ ) فِي نَفْسِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَفِيهِ مُخْرِجٌ لِفِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ

وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانُ مِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهِيَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ ا هـ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالْبَاقِي مُخْرِجٌ لِمَا يَفْعَلُ ثَانِيًا لِمُفْسِدٍ فِي الْأَوَّلِ كَتَرْكِ رُكْنٍ أَوْ لِعَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ مَقْدُورٍ مِنْ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ لَمَّا فَسَدَ أَوْ لَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِيهِ شَرْعًا حُكِمَ الْعَدَمُ شَرْعًا فَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ لِلثَّانِي الْجَامِعُ لِمُوجِبِ الِاعْتِبَارِ شَرْعًا وَهُوَ أَدَاءٌ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءٌ إنْ وَقَعَ خَارِجَهُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالْخَلَلِ مَا يُؤَثِّرُ نَقْصًا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ بِهِ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا يُعْطِيهِ قُوَّةَ كَلَامِ الْمِيزَانِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ فَلَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ إلَى أَدَاءٍ وَقَضَاءٍ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ حَافِظِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ زَادَ أَبُو الْيُسْرِ وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي تَقْسِيمِ الْوَاجِبِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمِيزَانِ أَوْ عَنْ الْأَدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ .
وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ مُصْطَلَحُ

الْأَكْثَرِينَ أَوْ أَنَّهُ قِسْمٌ ثَالِثٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاصِلِ وَالْمِنْهَاجِ ، ثُمَّ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمٌ تَرْكَ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ ا هـ .
وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنْ قُلْنَا الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فَهِيَ غَيْرُهُمَا ، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِي فَهِيَ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا مِنْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الْإِخْفَاءِ فِي أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا أَدَاءٌ وَقِيلَ لِعُذْرٍ أَيْ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا أَوْ حُصُولِ فَضِيلَةٍ لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ أَعَمُّ مِنْ الْخَلَلِ وَهُوَ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ اللَّوْمُ وَعَلَى هَذَا قِيلَ لَعَلَّ بِهِ عُذْرًا وَأَنْتَ تَلُومُ فَالصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ جَمَاعَةً بَعْدَ فِعْلِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ إعَادَةً عَلَى هَذَا لِحُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الْخَلَلِ وَعَلَى هَذَا فَالْإِعَادَةُ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ .
( وَالْقَضَاءُ ) تَعْرِيفُهُ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّهُ ) وَاجِبٌ ( بِسَبَبِهِ ) أَيْ الْأَدَاءِ ( فِعْلُهُ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْوَقْتِ ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِرَاضٍ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَضَاءُ يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَدَاءِ

نَفْسِهِ فَالْمُقْتَضَى هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ إذَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ مَعَ تَعْرِيفِهِمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ فَقَالَ ( فَفِعْلُ مِثْلِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْوَقْتِ ( خَارِجٌ ) عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَدَاءِ وَالْإِعَادَةِ وَالْقَضَاءِ ثُمَّ قَالَ اسْتِطْرَادًا ( كَفِعْلِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ مِنْ السُّنَنِ ) بِوَقْتٍ ( وَالْمُقَيَّدِ ) مِنْهَا بِوَقْتٍ ( كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ ) فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ حَقِيقَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ .
عَلَى أَنَّ الْأَدَاءَ نَوْعَانِ : وَاجِبٌ وَنَفْلٌ وَتَعْرِيفُهُ عَلَى هَذَا فِعْلُ مَا طَلَبَ مِنْ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو زَيْدٍ أَوْ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ ( وَمَنْ يُحَقِّقُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ ) مِثْلُ سُنَّةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ ( يُبَدِّلُ الْوَاجِبَ بِالْعِبَادَةِ ) فَيَقُولُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا أَوْ فِعْلُ مِثْلِ عَيْنِ مَا طَلَبَ شَرْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ ( فَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ ) الصَّحِيحِ ( بَعْدَ ) الْحَجِّ ( الْفَاسِدِ قَضَاءً ) كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ ( مَجَازٌ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ الْعُمُرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا وَإِعَادَةٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا الْمَذْكُورِ لِلشَّافِعِيَّةِ ( وَتَضْيِيقُهُ ) أَيْ وَقْتِ الْحَجِّ ( بِالشُّرُوعِ ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَتَأْخِيرُهُ إلَى عَامٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ قَضَاءً بَعْدَ الْإِفْسَادِ لِفَوَاتِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِهِ كَمَا زَعَمُوا ( كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ) ثَانِيًا ( بَعْدَ إفْسَادِهَا وَالْتِزَامِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ) أَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيِّ ( أَنَّهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ ( قَضَاءٌ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ وَقْتُهَا بِدُخُولِهِ

فَفَاتَ وَقْتُ إحْرَامِهِ بِهَا ( بَعِيدٌ إذْ لَا يَنْوِي ) الْقَضَاءَ بِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَتْ قَضَاءً لَوَجَبَتْ نِيَّتُهُ .
قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قَضَاءً وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّا لَا نَشْرِطُ نِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا نِيَّةَ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ عَجَبٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعَدُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فَمُرَادُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ لِمَنْ نَوَى جَاهِلَ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ظَانًّا خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ بَقَاءَهُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ظَنِّهِ ، أَمَّا الْعَالِمُ بِالْحَالِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ قَطْعًا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ مُبْطِلَةٌ لِلْمُؤَدِّي بَعْدَ الْإِفْسَادِ فَلَا يُمْكِنُ نِيَّتُهُ ، ثُمَّ التَّضْيِيقُ بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَالنَّظَرُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ إلَى أَمْرِ الشَّرْعِ ( وَبَعْضُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ هِيَ ( إعَادَةٌ ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى تَعْرِيفِهَا لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَاسْتِبْعَادُ قَوْلِ الْقَاضِي ) أَبِي بَكْرٍ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ( فِيمَنْ ) أَدْرَكَ وَقْتَ الْفِعْلِ ، ثُمَّ ( أَخَرَّ ) الْفِعْلَ ( عَنْ جُزْءٍ ) مِنْهُ ( مَعَ ظَنِّ مَوْتِهِ قَبْلَهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( حَتَّى أَثِمَ ) بِالتَّأْخِيرِ ( اتِّفَاقًا ) حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي ( إنَّهُ ) أَيْ فِعْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا ( قَضَاءٌ ) خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَوْنِهِ أَدَاءً ( إنْ أَرَادَ ) بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ( نِيَّةُ الْقَضَاءِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا صَارَ سَبَبًا لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جُزْءًا صَارَ سَبَبًا أَيْضًا لِخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا أَوَّلًا بِالْكُلِّيَّةِ ثَابِتٌ وَهُوَ خَبَرُ اسْتِبْعَادٍ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَخُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُقَدَّرًا لَهُ أَوَّلًا فِي نَفْسِ

الْأَمْرِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْجُزْءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعِصْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُهُ فِي خُرُوجِ مَا بَعْدَهُ عَنْ كَوْنِهِ وَقْتًا عِنْدَ ظُهُورِ فَسَادِ الظَّنِّ الْمُقْتَضِي لِتَعَيُّنِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا ( فَلَفْظِيٌّ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ فِعْلٌ وَاقِعٌ فِي وَقْتٍ كَانَ مُقَدَّرًا لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا وَهُمْ يُوَافِقُونَهُ فِي كَوْنِهِ وَاقِعًا خَارِجَ مَا صَارَ وَقْتًا لَهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا مُنَازَعَةَ فِي الْمَعْنَى ( وَتَعْرِيفُهُ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( بِفِعْلِ مِثْلِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ ( إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْقَضَاءَ ( بِآخَرَ ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ سَبَبِ الْأَدَاءِ .
( وَاخْتُلِفَ فِيهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( بِمِثْلِ مَعْقُولٍ ) أَيْ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ كَالصَّلَاةِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ هَلْ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ أَوْ بِأَمْرٍ آخَرَ ( فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ ) مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَامَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ ( بِأَمْرٍ آخَرَ وَالْمُخْتَارُ لِلْحَنَفِيَّةِ ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعِيهِمْ يَجِبُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمِثْلَ بِالْمَعْقُولِ ؛ لِأَنَّهُ بِمِثْلِ غَيْرِ مَعْقُولٍ أَيْ غَيْرِ مُدْرِكٍ لِلْعَقْلِ مُمَاثَلَتَهُ لِلْفَائِتِ لِعَجْزِهِ لَا أَنَّ الْعَقْلَ يَنْفِيهِ وَيْحُكُمْ بِعَدَمِ مُمَاثَلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَهِيَ لَا تَتَنَاقَضُ كَالْفِدْيَةِ لِلصَّوْمِ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ ( لِلْأَكْثَرِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ اقْتِضَاءِ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ صُمْ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا ) لَوْ اقْتَضَاهُ ( كَانَا ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( سَوَاءً ) فِي كَوْنِهِمَا أَدَاءً بِمَنْزِلَةِ صُمْ إمَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِمَّا يَوْمَ

الْخَمِيسِ فَلَا يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ ( وَالْجَوَابُ مُقْتَضَاهُ أَمْرَانِ الْتِزَامُ الصَّوْمِ وَكَوْنُهُ ) أَيْ الصَّوْمِ ( فِيهِ ) أَيْ يَوْمِ الْخَمِيسِ .
( فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الثَّانِي ) وَهُوَ كَوْنُهُ فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ ( لِفَوَاتِهِ بَقِيَ اقْتِضَاؤُهُ الصَّوْمَ لَا فِي ) خُصُوصِ ( الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ ) مِنْ الْمُسَاوَاةِ ( لَوْ اقْتَضَاهُ ) أَيْ صُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ الصَّوْمَ ( فِي مُعَيَّنٍ ) غَيْرِهِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( نَعَمْ لَوْ اقْتَضَى فَوَاتُهُ ) أَيْ الْأَدَاءِ ( ظُهُورَ بُطْلَانِ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَمَفْسَدَتَهُ ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى ظُهُورَ وَبِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بُطْلَانِ ( سَقَطَ ) الْوَاجِبُ بِالْكُلِّيَّةِ ( لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ ) وَهُوَ ظُهُورُ بُطْلَانِ مَصْلَحَتِهِ وَمَفْسَدَتِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ اقْتِضَاءُ فَوَاتِهِ ذَلِكَ ( بَعِيدٌ إذْ عَقْلِيَّةُ حُسْنِ الصَّلَاةِ وَمَصْلَحَتُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَقَبْلِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ .
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ ( وَغَايَةُ تَقْيِيدِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْوَقْتِ ( لِزِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لِشَرَفِهِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ بِمَا وَجَبَ بِهِ الْأَدَاءُ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ ) الْوَقْتُ ( قَيْدًا فِيهِ ) أَيْ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ ( دَاخِلًا فِي الْمَأْمُورِ بِهِ جَازَ تَقْدِيمُهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ ( مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ قَبْلَ التَّعَلُّقِ ) بِالْوَقْتِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقَدْ انْدَرَجَ فِي هَذَا دَلِيلُ الْمُخْتَارِ ( ثُمَّ قِيلَ ثَمَرَتُهُ ) أَيْ الْخِلَافِ ( فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ ) إذَا فَاتَ وَقْتُهُ ( يَجِبُ قَضَاؤُهُ عَلَى الثَّانِي )

أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَسَنَذْكُرُ مَا فِيهِ ( وَلَا ) يَجِبُ ( عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِأَمْرٍ آخَرَ لِعَدَمِ وُرُودِ دَلِيلٍ مَقْصُودٍ فِيهِ .
قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ : وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمُنْتَخَبِ ( وَقِيلَ الْقَضَاءُ ) فِيهِ ( اتِّفَاقٌ ) ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ ( فَلَا ثَمَرَةَ ) لِهَذَا الْخِلَافِ وَفِيهِ بَحْثٌ فَاتَ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ آخَرَ مَقْصُودٍ غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ التَّفْوِيتُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ مَقْصُودٍ حَتَّى كَأَنَّهُ إذَا فَوَّتَ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَنْذُورَ ثَانِيًا أَوْ قَضَاءَ الْمَنْذُورِ قَصْدًا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِالنَّذْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَوَاتُ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ كَالتَّفْوِيتِ وَهُوَ عَدَمُ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لِعُذْرٍ لِعَدَمِ النَّصِّ الْمَقْصُودِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فِي حَقِّهِ فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ ، وَفِي التَّخْرِيجِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ عِنْدَهُمْ كَالتَّفْوِيتِ كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ فَلَا يَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ لَا غَيْرُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَيُطَالِبُونَ ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ ( بِالْأَمْرِ الْجَدِيدِ ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ فِيمَا يَظْهَرُ ، ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقَضَاءِ أَيَجِبُ بِنَصٍّ مَقْصُودٍ أَمْ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يُوجِبُ الْأَدَاءَ فَعَلَيْهِ

أَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ بِالنَّصِّ الْمَقْصُودِ ( وَلَوْ قِيلَ ) بَدَلَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ ( بِسَبَبٍ ) آخَرَ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الَّذِي بِهِ وَجَبَ الْأَدَاءُ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ وَهُوَ أَوْلَى ( شَمِلَ الْقِيَاسَ فَيُمْكِنُ ) أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْآخَرَ هُوَ الْقِيَاسُ ( عَلَى الصَّلَاةِ ) الْمَفْرُوضَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } وَعَلَى الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } اعْتِبَارًا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً .
وَأَمَّا مَا قِيلَ الْقِيَاسُ مُظْهِرٌ لَا مُثْبَتٌ فَيَكُونُ بَقَاءُ وُجُوبِ الْمَنْذُورِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي بَقَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَنُوقِضَ ) الْمُخْتَارُ ( بِنَذْرِ اعْتِكَافِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْهُ ) أَيْ رَمَضَانَ حَيْثُ ( يَجِبُ ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاؤُهُ ( بِصَوْمٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجِبْهُ ) أَيْ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ صَوْمَهُ لِوُجُوبِهِ بِدُونِ النَّذْرِ ( فَكَانَ ) الْقَضَاءُ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْأَدَاءِ ( وَيَبْطُلُ ) النَّذْرُ ( كَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ ) ابْنِ زِيَادٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِلَا صَوْمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ ، وَلَا إيجَابُهُ بِالصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ ( أُجِيبُ بِأَنَّهُ ) أَيْ نَذْرَ الِاعْتِكَافِ ( مُوجِبٌ ) لِلصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَيَجِبُ لِوُجُوبِهِ إلَّا أَنَّهُ ( امْتَنَعَ ) إيجَابُهُ لَهُ ( فِي خُصُوصِ ذَلِكَ ) أَيْ إضَافَتِهِ إلَى رَمَضَانَ بِعَارِضِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ

؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مِنْ حَيْثُ هُوَ شَرْطٌ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ تَبَعًا لَا قَصْدًا ( فَعِنْدَ عَدَمِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ وَهُوَ رَمَضَانُ ( ظَهَرَ أَثَرُهُ ) أَيْ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ كَمُتَطَهِّرٍ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَإِذَا انْتَقَضَتْ لَزِمَتْهُ لِأَدَائِهِمَا بِذَلِكَ النَّذْرِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ ( وَلَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ وَلَا وَاجِبٍ ) آخَرَ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَكِنَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُ النَّذْرِ فِي إيجَابِهِ لَا يَتَأَدَّى بَعْدُ بِوَاجِبٍ آخَرَ كَمَا لَوْ نَذَرَهُ مُطْلَقًا أَوْ مُضَافًا إلَى غَيْرِ رَمَضَانَ ( سِوَى قَضَاءِ ) الرَّمَضَانِ ( الْأَوَّلِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ ( لِلْخَلْفِيَّةِ ) أَيْ لِخَلْفِيَّةِ صَوْمِ الشَّهْرِ الْمُقْضَى عَنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ إذْ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي هَذَا الِاعْتِكَافِ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِشَرَفِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِاتِّصَالِهِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ وَهُوَ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْخَلْفِ فَيَجُوزُ لِبَقَاءِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْقَضَاءِ غَيْرُ الِاتِّصَالِ بِالْأَدَاءِ لِكَوْنِهِمَا غِيَرَيْنِ وَلَئِنْ سَلِمَ أَنَّ الِاتِّصَالَ عِلَّةٌ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ شَرَفِ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ وَمَنَعَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاتِّصَالُ بِصَوْمِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَوْجُودٌ .

( تَذْنِيبٌ ) لِهَذَا الْبَحْثِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَقْسَامٍ لَهُمَا بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ( قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَدَاءَ مُعَمِّمِينَ ) التَّقْسِيمَ لَهُ ( فِي الْمُعَامَلَاتِ ) كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ ( إلَى كَامِلٍ ) وَهُوَ الْمُسْتَجْمِعُ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَشْرُوعَةِ ( كَالصَّلَاةِ ) الْمَشْرُوعِ فِيهَا الْجَمَاعَةُ مِثْلُ الْمَكْتُوبَةِ وَالْعِيدِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالتَّرَاوِيحِ ( بِجَمَاعَةٍ ) وَإِلَّا فَهِيَ صِفَةُ قُصُورٍ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدِ ( وَقَاصِرٍ ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُسْتَجْمِعٍ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ ( كَالصَّلَاةِ ) الْمَكْتُوبَةِ إذَا صَلَّاهَا ( مُنْفَرِدًا ) وَكَيْفَ لَا ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ، وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا } وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ أَوْ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ .
( وَمَا ) أَيْ وَأَدَاءٍ ( فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ كَفِعْلِ اللَّاحِقِ ) وَهُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِنَوْمٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ فَمَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ( بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ ) فَهُوَ أَدَاءٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي الْوَقْتِ قَضَاءٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِفَرَاغِهِ إذْ هُوَ مِثْلُ مَا انْعَقَدَ لَهُ إحْرَامُ الْإِمَامِ مِنْ الْمُتَابَعَةِ لَهُ وَالْمُشَارَكَةِ مَعَهُ لَا عَيْنُهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءَ مَعَ الْإِمَامِ مُقَيَّدًا بِهِ وَقَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَعْلُ الشَّارِعِ ذَلِكَ أَدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأَدَاءِ مَعَ الْإِمَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَصَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ مَعَ تَنَافِيهِمَا لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَدَاءً بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ قَضَاءً بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ جَعَلَ أَدَاءً شَبِيهًا

بِالْقَضَاءِ لَا قَضَاءً شَبِيهًا بِالْأَدَاءِ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ ( لَا يَقْرَأُ فِيهِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ ) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ إلَى الرُّبَاعِيَّةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا ( بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ ) فِيهِ فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْمُغَيَّرِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا لِانْقِضَائِهِ وَالْخَلَفُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا مَا فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا .
ثُمَّ هُوَ كَالْمُقْتَدِي حُكْمًا وَالْمُقْتَدِي لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ حُكْمًا بِخِلَافِ فِعْلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ الْمُغَيَّرُ فِيهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ يَصِيرُ فَرْضُهُ بِهِ أَرْبَعًا لِانْتِقَاءِ شَبَهِ الْقَضَاءِ فِيهِ وَقَبُولِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِلتَّغَيُّرِ بِالْمُتَغَيِّرِ فَكَذَا التَّبَعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْأَصْلَ فِي حُكْمِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ سَالِمًا ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي غَصَبَهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ لِكَوْنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ ( وَرَدُّهُ مَشْغُولًا بِجِنَايَةٍ ) فِي يَدِهِ يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ أَوْ طَرَفَهُ أَوْ بِدَيْنٍ بِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَ إنْسَانٍ فِي يَدِهِ أَدَاءَ قَاصِرٍ لِكَوْنِهِ رَدًّا لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ وَلِأَصْلِ الْأَدَاءِ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ بَرِئَ الْغَاصِبُ وَلِقُصُورِهِ إذَا دَفَعَ أَوْ قَتَلَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بَيْعٌ فِي ذَلِكَ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ كَأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يُوجَدْ ( وَتَسْلِيمُ عَبْدِ غَيْرِهِ الْمُسَمَّى مَهْرًا بَعْدَ شِرَائِهِ ) لِزَوْجَتِهِ الَّتِي سَمَّاهُ لَهَا أَدَاءً يُشْبِهُ الْقَضَاءَ فَكَوْنُهُ أَدَاءً ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالتَّسْمِيَةِ ( فَتُجْبَرُ ) الزَّوْجَةُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ قَبُولِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي

مِلْكِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَهَا مِنْهُ .
( وَيُشْبِهُ الْقَضَاءَ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مَلَكَهُ حَتَّى نَفَذَ عِتْقُهُ ) وَبَيْعُهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ ( مِنْهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لَا مِنْهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ شَرْعًا لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { عَنْ عَائِشَةَ وَأُهْدِيَ لِبَرِيرَةَ لَحْمٌ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدُمٍ مِنْ أُدُمِ الْبَيْتِ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ .
} وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فَكَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُصَادِفَةً مَحَلَّهَا فَيَنْفُذُ ( وَ ) قَسَّمُوا ( الْقَضَاءَ إلَى مَا ) أَيْ قَضَاءٍ ( بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ وَغَيْرِ مَعْقُولٍ كَالصَّوْمِ لِلصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ لَهُ ) أَيْ لِلصَّوْمِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ بِنِصْفِ صَاعٍ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ بَدَلًا مِنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ الْمُسْتَدَامِ عَنْهُ فَالْأَوَّلُ مِثَالُ الْمَعْقُولِ وَالثَّانِي مِثَالُ غَيْرِ الْمَعْقُولِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ ( وَمَا ) أَيْ وَإِلَى قَضَاءٍ ( يُشْبِهُ الْأَدَاءَ كَقَضَاءِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِي الرُّكُوعِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيهِ وَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ ، ثُمَّ أَتَى فِيهِ بِهَا ( خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) حَيْثُ قَالَ لَا يَأْتِي بِهَا فِيهِ ، وَفِي التَّقْرِيبِ وَرَوَى هِلَالُ الرَّأْيِ عَنْ يُوسُفَ السَّمْتِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَهُ لِفَوَاتِهَا عَنْ مَحَلِّهَا وَهُوَ الْقِيَامُ وَعَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى مِثْلِ مَنْ عِنْدَهُ قُرْبَةٌ فِي الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ أَوْ الْقُنُوتَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ

الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا أَشْبَهَ الْقِيَامَ حَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ بَقَاءُ الِانْتِصَابِ وَالِاسْتِوَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبَدَنِ وَبِهِ فَارَقَ الْقِيَامُ الْقُعُودَ ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ عَالِيهِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا وَحُكْمًا .
لِأَنَّ الْمُدْرِكَ الْمُشَارِكَ لِلْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَوَاتُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ شَرَعَ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِيمَا لَهُ شَبَهُ الْقِيَامِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِطَاطِ وَهِيَ مُحْتَسَبَةٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ تَكْبِيرَاتِهَا وَالتَّكْبِيرُ عِبَادَةٌ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي فِعْلِهَا لِبَقَاءِ جِهَةِ الْأَدَاءِ لَا بِبَقَاءِ الْمَحَلِّ مِنْ وَجْهٍ لَا بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْقُنُوتِ فَإِنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيمَا لَهُ شَبَهُ الْقِيَامِ بِوَجْهٍ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ وَوَضْعَ الْكَفِّ عَلَى الرُّكْبَةِ سُنَّتَانِ إلَّا أَنَّ الرَّفْعَ فَاتَ هُنَا عَنْ مَحَلِّهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْوَضْعَ لَمْ يَفُتْ فَكَانَ أَوْلَى ، هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ ) الْمِثْلِيِّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ مُتَقَارَبٍ ( بِالْمِثْلِ صُورَةً ) فَيَتْبَعُهَا الْمَعْنَى ضَرُورَةً كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَةِ قَضَاءَ كَامِلٍ مِثْلٌ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ .
( ثُمَّ ) ضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ ( مَعْنِيٌّ بِالْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ ) عَنْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى لِانْقِطَاعِهِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَضَمَانِ الْقِيَمِيِّ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارَبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ بِالْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَضَاءِ بِالْمِثْلِ صُورَةَ قَضَاءٍ قَاصِرٍ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ ، أَمَّا كَوْنُهُ قَضَاءً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ قَاصِرًا فَلِانْتِقَاءِ الصُّورَةِ .
وَأَمَّا كَوْنُهُ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ فَلِلْمُسَاوَاةِ

فِي الْمَالِيَّةِ ( وَبِغَيْرِ مَعْقُولٍ ) أَيْ وَالْقَضَاءُ بِمِثْلِ قَاصِرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ ( ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ بِالْمَالِ فِي ) الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ ( الْخَطَأِ ) إذْ لَا مُمَاثَلَةَ صُورَةٍ بَيْنَ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ وَالْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَالِكٌ مُبْتَذِلٌ وَالْمَالَ مَمْلُوكٌ مُبْتَذَلٌ وَلِلْقُصُورِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمِثْلِ الْكَامِلِ الْمَعْقُولِ وَهُوَ الْقِصَاصُ مُرَاعَاةً لِصِيَانَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ أَوْ لِلطَّرَفِ عَنْ الْهَدْرِ وَلِلتَّخْفِيفِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْقَاتِلِ وَالْجَانِي لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا .
( وَإِعْطَاءُ قِيمَةِ عَبْدٍ سَمَّاهُ مَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ ) قَضَاءً يُشْبِهُ الْأَدَاءَ ( حَتَّى أُجْبِرَتْ ) الزَّوْجَةُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى قِيمَةِ عَبْدٍ وَسَطٍ أَيْ قَبُولِهَا إيَّاهَا إذَا أَتَاهَا بِهَا كَمَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ عَبْدٍ وَسَطٍ إذَا أَتَاهَا بِهِ لِكَوْنِهِ عَيْنَ الْوَاجِبِ ( وَإِنْ كَانَتْ ) الْقِيمَةُ ( قَضَاءً لِشَبَهِهِ ) أَيْ هَذَا الْقَضَاءِ ( بِالْأَدَاءِ لِمُزَاحِمَتِهَا ) أَيْ الْقِيمَةِ ( الْمُسَمَّى إذْ لَا يُعْرَفُ ) هَذَا الْمُسَمَّى لِجَهَالَتِهِ وَصْفًا ( إلَّا بِهَا ) أَيْ بِالْقِيمَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِدُونِهَا وَلَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ فَصَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُزَاحِمًا لِلْمُسَمَّى فَأَيُّهُمَا أَتَى بِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِدُونِ التَّقْوِيمِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ قَضَاءً مَحْضًا فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ( وَفِيهِ ) أَيْ هَذَا الْحُكْمِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا إلَى تَعْلِيلِهَا الْمَذْكُورِ .
( نَظَرٌ ) وَلَعَلَّهُ أَمَّا مَا قِيلَ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تَتَعَيَّنَ الْقِيمَةُ وَلَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ يَجِبُ هُوَ كَمَا لَوْ أَمْهَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ وَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ

أَمْهَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاجِبُ كَأَنَّهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَيَتَخَيَّرُ إذْ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ فَبِأَيٍّ أَتَاهَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَإِمَّا مَا قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَذَا يُوجِبُ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ أُجِيبُ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنَّمَا فَسَدَتْ فِي هَذِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِهَا ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْمُقَوِّمِينَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَبْدٌ أَوْ دَرَاهِمُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْوَسَطَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَالْقِيمَةُ اُعْتُبِرَتْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا لَا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّاهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُعَيَّنٌ فَاسْتَحَقَّ أَوْ هَلَكَ تَجِبُ الْقِيمَةُ مَهْرًا أَوْ يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَاءً عَلَى مُسَمًّى مَعْلُومٍ لَا ابْتِدَاءً فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَلَعَلَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الْأَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ الْمُرَادَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي جَوَابِهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّقَّادِ .
( وَعَنْ سَبْقِ الْمُمَاثِلِ صُورَةً ) وَمَعْنَى عَلَى الْمُمَاثِلِ مَعْنًى لَا غَيْرُ فِي الِاعْتِبَارِ ( قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَطَعَ ) يَدَ إنْسَانٍ عَمْدًا ( ثُمَّ قَتَلَ ) الْقَاطِعُ الْمَقْطُوعَ أَيْضًا ( عَمْدًا قَبْلَ الْبُرْءِ ) لِلْقَطْعِ ( لِلْوَلِيِّ كَذَلِكَ ) أَيْ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الْقَتْلِ مِثْلٌ كَامِلٌ لِفِعْلِهِ صُورَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَعْنًى وَهُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِلَا قَطْعٍ فَإِنَّهُ مِثْلٌ قَاصِرٌ لِمُسَاوَاتِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً وَالْمِثْلُ الْكَامِلُ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَاصِرِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَهُ الْعَفْوُ لَكِنْ

قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ هُوَ وَلِيُّهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ الْكَبِيرُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَتْلِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الصَّغِيرِ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ مُمْكِنٌ ( خِلَافًا لَهُمَا ) فَإِنَّهُمَا قَالَا لَيْسَ لَهُ سِوَى الْقَتْلِ ( بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ جِنَايَةٌ ( وَاحِدَةٌ ) مَعْنًى عِنْدَهُمَا وَهِيَ الْقَتْلُ .
( لِأَنَّ بِالْقَتْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْجَانِيَ ( قَصَدَهُ ) أَيْ الْقَتْلَ ( بِالْقَطْعِ ) فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِضَرَبَاتٍ ( وَجِنَايَتَانِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَمَا ذَكَرَا ) مِنْ أَنَّ بِالْقَتْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ قَصْدَهُ ( لَيْسَ بِلَازِمٍ ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاحِيًا لِأَثَرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَفُوتُ بِهِ فَلَا تُتَصَوَّرُ السِّرَايَةُ بَعْدَ فَوَاتِهِ وَهُوَ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ قَطْعًا فَوْقَ الْقَطْعِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً لِتَيَقُّنِهِ لَا لِلْقَطْعِ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِالسِّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَقْتُلَ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَاسْتَقَرَّ حُكْمُهَا بِالْبَرَاءَةِ ، ثُمَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْكَامٌ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِلَافِ وُجُوهِهَا تُعْرَفُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ ( وَعَنْهُ ) أَيْ سَبْقُ الْمُمَاثِلِ صُورَةً وَمَعْنًى عَلَى الْقَاصِرِ فِي الِاعْتِبَارِ أَيْضًا ( قَالَ ) أَبُو حَنِيفَةَ ( لَا يَضْمَنُ ) الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ ( الْمِثْلِيَّ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ ) مِنْ أَيْدِي النَّاسِ ( إلَّا يَوْمَ الْخُصُومَةُ ) وَالْقَضَاءَ بِهَا ( لِأَنَّ التَّضْيِيقَ ) لِوُجُوبِ أَدَائِهِ الْمِثْلَ الْكَامِلَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتُهُ ( بِالْقَضَاءِ ) بِهِ عَلَيْهِ ( فَعِنْدَهُ ) أَيْ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهِ ( يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ ) عَنْهُ فَيَتَحَوَّلُ إلَى الْقَاصِرِ .
( بِخِلَافِ ) الْمَغْصُوبِ ( الْقِيَمِيِّ ) حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ اتِّفَاقًا ( لِأَنَّ وُجُوبَ قِيمَتِهِ بِأَصْلِ السَّبَبِ ) الَّذِي هُوَ

الْغَصْبُ ( فَيُعْتَبَرُ ) الْوُجُوبُ ( يَوْمَ الْغَصْبِ وَلِأَبِي يُوسُفَ ) فِي أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ ( يَوْمَ الْغَصْبِ ) أَيْضًا أَنْ يُقَالَ ( لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَحَقَ ) الْمِثْلِيُّ ( بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالِانْقِطَاعِ وَجَبَ الْخُلْفُ ) وَهُوَ الْقِيمَةُ ( وَوُجُوبُهُ ) أَيْ الْخُلْفِ ( بِسَبَبِ الْأَصْلِ ) أَيْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى ( وَهُوَ ) أَيْ السَّبَبُ ( الْغَصْبُ وَمُحَمَّدٍ ) قَالَ ( الْقِيمَةُ لِلْعَجْزِ ) عَنْ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى ( وَهُوَ ) أَيْ الْعَجْزُ ( بِالِانْقِطَاعِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمُهُ ) أَيْ الِانْقِطَاعُ وَنَصَّ فِي التُّحْفَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَاتَّفَقُوا ) أَيْ أَصْحَابُنَا ( أَنْ بِإِتْلَافِ الْمَنَافِعِ ) لِلْأَعْيَانِ كَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارُ ( لَا ضَمَانَ لِعَدَمِ الْمِثْلِ الْقَاصِرِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُمَاثِلُ الْعَيْنَ صُورَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَنْفَعَةَ لَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُصَانُ وَيُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَالْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى بَلْ كَمَا تُوجَدُ تَتَلَاشَى وَالتَّقَوُّمُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الضَّمَانِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْوُجُودِ ؛ .
لِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُودَ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَبَعْدَ الْوُجُودِ لَا يُحْرَزْ لِعَدَمِ الْبَقَاءِ فَلَا يُتَقَوَّمُ ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ لَا يَسْبِقُ الْإِحْرَازَ ( وَالِاتِّفَاقُ ) وَاقِعٌ ( عَلَى نَفْيِ الْقَضَاءِ بِالْكَامِلِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ ( لَوْ وَقَعَ ) ذَلِكَ فِيهَا ( كَالْحَجْرِ عَلَى كَمِّيَّاتٍ مُتَسَاوِيَةٍ ) أَيْ الْحَجْرِ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ إحْدَاهَا بِالْأُخْرَى مَعَ وُجُودِ الْمُشَابَهَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْأَعْيَانِ مَعَ أَنْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى أَوْلَى وَلِمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَمَانِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَيْنِ

بِدَلِيلِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يَرِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَأَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ ( وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ ) أَيْ ثَبَتَ تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ مَقَامَهَا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ النَّاسِ فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ مَاسَّةٌ إلَى شَرْعِيَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يُضَافُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ مُحَرَّزَةً حُكْمًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِأَنْ أُقِيمَ الْعَيْنَ مَقَامَهَا وَأُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ .
وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمَنَافِعِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ مِثْلُ هَذِهِ الضَّرُورَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى ضَمَانِهَا هُنَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ انْفِتَاحَ بَابِ الظُّلْمِ وَإِبْطَالَ حَقِّ الْمُلَّاكِ بِالْكُلِّيَّةِ أُجِيبُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ وَالْعُدْوَانُ مِمَّا يَنْدُرُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَبِيلُهُ عَدَمُ الْوُجُودِ ( وَلَمْ يَنْحَصِرْ دَفْعُهَا ) أَيْ حَاجَةِ دَفْعِ الْعُدْوَانِ ( فِي التَّضْمِينِ بَلْ الضَّرْبُ وَالْحَبْسُ أَدْفَعُ ) لِلْعُدْوَانِ مِنْ التَّضْمِينِ وَنَحْنُ أَوْجَبْنَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَعَدِّي تَعْزِيرًا لَهُ عَلَى عِدْوَانِهِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ بِالْعَقْدِ لَوْ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْعُدْوَانُ عَلَيْهِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ إنَّمَا وَجَبَ بِالتَّرَاضِي وَلِلرِّضَا أَثَرٌ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ، وَفِي إيجَابِ الْفَضْلِ أَيْضًا .
كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْفَضْلُ عَلَى الْقِيمَةِ لِرِضَاهُ بِهِ وَضَمَانِ الْعُدْوَانِ يُبْنَى عَلَى أَوْصَافِ الْعَيْنِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِجَبْرِ الْقَاضِي

لَا عَلَى التَّرَاضِي فَانْتَفَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَالِكِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ هَذَا ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَأَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ يُفْتُونَ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسَبَّلَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُوجِبُونَ أَجْرَ مَنَافِعِهَا عَلَى الْغَصَبَةِ ، وَفِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا مَنَافِعُ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَضْمُونَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْفِ ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ لُزُومُ الْأَجْرَانِ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إذَا كَانَ الْعَيْنُ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ بَلْ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَنْبَغِيَ الْفَتْوَى بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقًا لَوْ غَلَبَ غَصْبُهَا وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا نَذْكُرُهُ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَلَا ) يَضْمَنُ ( الْقِصَاصَ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ ) الْقِصَاصَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ .
( وَلَا ) يَضْمَنُ أَيْضًا ( مِلْكَ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ) أَيْ الشُّهُودُ بِالطَّلَاقِ بِشَيْءٍ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا ) أَيْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاتِلَ لِلْقَاتِلِ يَضْمَنُ الدِّيَةَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ فَيَضْمَنُ وَأَنَّ الشُّهُودَ يَضْمَنُونَ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُتَقَوِّمٌ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونُ مُتَقَوِّمًا عَلَيْهِ زَوَالًا ؛ لِأَنَّ الزَّائِلَ عَيْنُ الثَّابِتِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَجُوزُ اكْتِسَابُهُ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَهْرٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا نَحْنُ

لَا يَضْمَنُ الْقِصَاصَ بِالدِّيَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْمَهْرِ ( لِأَنَّ الدِّيَةَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ لَا يُمَاثِلَانِهِمَا ) أَيْ الْقِصَاصَ وَمِلْكَ النِّكَاحِ صُورَةً وَلَا مَعْنًى ، أَمَّا صُورَةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ الِانْتِقَامُ وَالتَّشَفِّي بِإِعْدَامِ الْحَيَاةِ لِلْإِحْيَاءِ وَمِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ السَّكَنُ وَالِازْدِوَاجُ وَإِبْقَاءُ النَّسْلِ فَلَمْ يَكُونَا مَالًا مُتَقَوِّمًا .
( وَالتَّقَوُّمُ ) بِالْمَالِ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ ( شَرْعِيٌّ لِلزَّجْرِ ) كَمَا فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا ( أَوْ لِجَبْرٍ ) كَمَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ ( وَلِلْخَطَرِ ) أَيْ لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فِيهِمَا أَيْضًا صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَلِشَرَفِ بُضْعِ الْمَرْأَةِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ حَالَةَ ثُبُوتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ لِيَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ بِتَمَلُّكِهِ مَجَّانًا فَإِنَّ لَهُ خَطَرًا كَالنُّفُوسِ لِكَوْنِ النَّسْلِ حَاصِلًا مِنْهُ وَلِذَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ وَوَلِيٍّ فِي بَعْضٍ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْمَمْلُوكُ مَجَّانًا مُبْتَذَلٌ ( لَا لِلتَّقَوُّمِ الْمَالِيِّ ) لِلْقَتْلِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ وَلَمَّا كَانَ الْتِزَامُ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ فِي الصُّلْحِ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَهُوَ إبْقَاءُ نَفْسِهِ وَحَاجَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ عَلَى أَنْ فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيِّ الْقَاتِلُ لَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ كَمَذْهَبِنَا ، وَالْمِلْكُ الْوَارِدُ عَلَى الْبُضْعِ لَيْسَ بِذِي خَطَرٍ وَلِذَا صَحَّتْ إزَالَتُهُ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا عِوَضٍ فَعِنْدَ زَوَالِ اسْتِيلَائِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ إلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِصُنْعٍ مِنْهُ وَلَا بِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ فَلَمَّا أَوْجَبَ الشُّهُودُ

عَلَيْهِ نِصْفَهُ بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ ، ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ قَصْرًا لِيَدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَيْ ظَهَرَ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بَاطِلًا وَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَيَضْمَنُونَهُ لَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
.

( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ ( كَوْنُ الْوَقْتِ ) أَيْ مَا يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ ( سَبَبًا لِلْوُجُوبِ مُسَاوِيًا لِلْوَاجِبِ وَكُلُّ مُوَقَّتٍ فَالْوَقْتُ شَرْطُ أَدَائِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ غَيْرُ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَا مُؤَثِّرٌ فِي وُجُودِهِ ( وَيُسَمُّونَهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الْوَقْتَ ( مِعْيَارًا ) لِتَقْدِيرِ الْوَاجِبِ بِهِ حَتَّى يَزْدَادَ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصَ بِنَقْصِهِ فَهُوَ يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارَهُ كَمَا تُعْرَفُ مَقَادِيرُ الْأَوْزَانِ بِالْمِعْيَارِ ( وَهُوَ رَمَضَانُ عُيِّنَ شَرْعًا لِفَرْضِ الصَّوْمِ فَانْتَفَى شَرْعِيَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ فِيهِ فَلَمْ يَشْرِطُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( نِيَّةَ التَّعْيِينِ ) أَيْ تَعْيِينِ أَنَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ فِي أَدَائِهِ ( فَأُصِيبَ ) صَوْمُهُ ( بِنِيَّةِ مُبَايِنِهِ ) أَيْ مُبَايِنِ صَوْمِهِ ( كَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى لَغْوِ الْجِهَةِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي نِيَّةِ الْمُبَايِنِ ( فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ ) الَّذِي هُوَ أَصْلُ نِيَّةِ الصَّوْمِ ( وَبِهِ ) أَيْ الْمُطْلَقِ ( يُصَابُ ) الصَّوْمُ الْفَرْضُ الرَّمَضَانِيُّ أَدَاءً ( كَالْأَخَصِّ ) مِثْلُ ( زَيْدٍ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ ) مِثْلُ ( إنْسَانٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَنَفْيُ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ( الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ نَفْيَ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ ) أَيْ صَوْمِ رَمَضَانَ .
( إنَّمَا تُوجِبُ نَفْيَ صِحَّتِهِ ) أَيْ الْغَيْرِ ( إذَا نَوَاهُ ) أَيْ الْغَيْرُ ( وَنَفْيُ صِحَّةِ مَا نَوَاهُ مِنْ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ وُجُودَ نِيَّةِ مَا يَصِحُّ وَهُوَ ) أَيْ النَّاوِي ( يُنَادِي لَمْ أُرِدْهُ ) أَيْ مَا يَصِحُّ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ لَهُ قَصْدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ ( بَلْ لَوْ ثَبَتَ ) وُقُوعُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ( كَانَ ) وُقُوعُهُ عَنْهُ ( جَبْرًا ) وَهُوَ النَّافِي لِلصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ إصَابَةُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ مُطْلَقِ

الصَّوْمِ بَلْ كَمَا قَالَ ( وَإِصَابَةُ الْأَخَصِّ بِالْأَعَمِّ ) إنَّمَا يَكُونُ ( بِإِرَادَتِهِ ) أَيْ الْأَخَصِّ ( بِهِ ) أَيْ الْأَعَمِّ ( وَنَقُولُ لَوْ أَرَادَ نِيَّةَ صَوْمِ الْفَرْضِ لِلصَّوْمِ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَهُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ .
وَأَمَّا كَوْنُ التَّعْيِينِ ) أَيْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ رَمَضَانُ لِصَوْمِهِ ( يُوجِبُ الْإِصَابَةَ ) لِصَوْمِهِ ( بِلَا نِيَّةٍ كَرِوَايَةٍ عَنْ زُفَرَ ) .
وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَيْضًا ( فَعَجَبٌ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاخْتِيَارُ لِلصَّوْمِ مِنْ الْمُكَلَّفِ شَرْطًا لِوُجُودِهِ شَرْعًا لَكِنَّهُ شَرْطٌ لَهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْمَحَلِّ شَرْعًا لَيْسَ عِلَّةَ لِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ وُجُودٌ بِدُونِ نِيَّتِهِ .
وَقَدْ تَدَاوَلَ كَثِيرٌ كَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ حِكَايَةَ هَذَا عَنْ زُفَرَ وَلَكِنْ فِي التَّقْرِيبِ وَالْمَبْسُوطِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَنْ حَكَى هَذَا فَقَطْ غَلِطَ ، وَإِنَّمَا قَالَ زُفَرُ إنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ( وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ ) مِنْ وُقُوعِ نِيَّةِ غَيْرِ رَمَضَانَ عَنْ رَمَضَانَ فِي رَمَضَانَ ( نِيَّةَ الْمُسَافِرِ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ رَمَضَانَ مِنْ وَاجِبٍ آخَرَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَالَ ( تَقَعُ ) نِيَّةُ ذَلِكَ الْغَيْرِ ( عَنْ الْغَيْرِ ) بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْأَجْنَاسِ ( لِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ التَّرَخُّصَ لَهُ ) أَيْ الْمُسَافِرِ بِتَرْكِ الصَّوْمِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّرَخُّصُ ( فِي الْمَيْلِ إلَى الْأَخَفِّ ) عِنْدَهُ مِنْ مَشْرُوعٍ لِوَقْتٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَمِنْ الْفِطْرِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَخَفُّ ( صَوْمُ الْوَاجِبِ الْمُغَايِرِ ) لِمَشْرُوعِ الْوَقْتِ إذَا اخْتَارَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إسْقَاطَهُ مِنْ ذِمَّتِهِ أَهَمُّ عِنْدَهُ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِفَرْضِ

الْوَقْتِ ، وَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ وَأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينِ أَهَمُّ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَدَنِ .
( وَعَلَى هَذَا ) التَّوْجِيهِ ( يَقَعُ ) الْمَنْوِيُّ ( بِنِيَّةِ النَّفْلِ عَنْ رَمَضَانَ ) إذْ لَا تَرَخُّصَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ إلَّا الثَّوَابَ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ فَكَانَ هَذَا مَيْلًا إلَى الْأَثْقَلِ فَيَلْغُو وَصْفُ النَّفْلِيَّةِ وَيَبْقَى مُطْلَقُ الصَّوْمِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ ( وَهُوَ رِوَايَةٌ ) لِابْنِ سِمَاعَةَ ( عَنْهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، وَفِي الْأَجْنَاسِ وَلَوْ صَامَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ حَالَ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ ، وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ يَكُونُ عَنْ التَّطَوُّعِ ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ التَّطَوُّعِ ( وَلِأَنَّ انْتِفَاءَ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَيْسَ حُكْمَ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ مَوْجُودٌ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بَلْ هُوَ ( حُكْمُ التَّعْيِينِ ) أَيْ تَعْيِينِ هَذَا الزَّمَانِ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ .
( وَلَا تَعْيِينَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُسَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّأْخِيرِ فَصَارَ هَذَا الْوَقْتُ فِي حَقِّهِ ( كَشَعْبَانَ فَيَصِحُّ نَفْلُهُ ) وَوَاجِبٌ آخَرُ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحَّانِ فِي شَعْبَانَ ( وَهُوَ رِوَايَةٌ ) لِلْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهُ ( مَغْلَطَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( لَيْسَ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لِيَنْدَرِجَ ) التَّعْيِينُ عَلَيْهِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ ( وَيَنْتَفِي ) التَّعْيِينُ عَلَيْهِ ( بِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ( بَلْ مَعْنَاهُ ) أَيْ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ ( إلْزَامُهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( صَوْمَ الْوَقْتِ وَعَدَمَهُ ) أَيْ إلْزَامُهُ صَوْمَ الْوَقْتِ ( يَصْدُقُ بِتَجْوِيزِ الْفِطْرِ وَتَعْيِينُ الْوَقْتِ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ ) أَيْ

فِي الْوَقْتِ ( صَوْمٌ آخَرُ فَجَازَ اجْتِمَاعُ عَدَمِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ بِتَجْوِيزِ الْفِطْرِ مَعَ تَعْيِينِ الْوَقْتِ بِأَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَقْتِ ( صَوْمٌ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ فَرْضِ الْوَقْتِ ( لَوْ صَامَهُ ) أَيْ لَوْ نَوَى صِيَامَ غَيْرِهِ .
( فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ نَفْيُ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَحُقِّقَ فِي الْمَرِيضِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ ) الصَّوْمُ كَكَوْنِ مَرَضِهِ حُمَّى مُطْبَقَةً أَوْ وَجَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ ( فَتَعَلُّقُ الرُّخْصَةِ ) بِتَرْكِ صَوْمِ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ ( بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ ) لِلْمَرَضِ ( فَكَالْمُسَافِرِ ) أَيْ فَهَذَا الْمَرِيضُ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ فِي حَقِّهِ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ النَّفَلَ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَ ) بَيَّنَ ( أَنْ لَا ) يَضُرَّهُ الصَّوْمُ ( كَفَسَادِ الْهَضْمِ ) وَالْأَمْرَاضِ الرُّطُوبِيَّةِ ( فَبِحَقِيقَتِهَا ) أَيْ فَتَعَلُّقُ الرُّخْصَةِ بِحَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَجْزُ ( فَيَقَعُ ) مَا نَوَاهُ هَذَا الْمَرِيضُ مِنْ الْغَيْرِ ( عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ ) إذَا لَمْ يَهْلِكْ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ التَّرْخِيصُ فَكَانَ كَالصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ وَيُخَافُ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ ا هـ وَالْقَائِمُ بِهَذَا التَّحْقِيقِ صَاحِبُ الْكَشْفِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كُلُّ فَرِيقٍ فَإِنَّ

إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ الْمَرَضُ الَّذِي يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَأَدْنَاهُ الِازْدِيَادُ أَوْ الِامْتِدَادُ وَأَعْلَاهُ الْهَلَاكُ وَأَصْحَابُنَا قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنَاطُ فَالْمَرَضُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ غَيْرُ مُبِيحٍ لِصَاحِبِهِ التَّرْخِيصَ بِالْفِطْرِ إجْمَاعًا فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى صِيَامِ صَاحِبِهِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفْلِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ وُقُوعِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَمَّا نَوَى بَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَى صِيَامِ الصَّحِيحِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ بِهِ هَذَا الْمَرَضُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ وَالْمَرَضُ الَّذِي يَضُرُّ بِسَبَبِهِ الصَّوْمُ صَاحِبَهُ مُبِيحٌ وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَى صِيَامِهِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفْلِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ وُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ أَوْ عَمَّا نَوَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنَاطَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ أَصْلًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَوْ وُجُودُ اشْتِدَادٍ أَوْ امْتِدَادٍ فِيهِ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَتَحَمَّلَ صَاحِبُهُ ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَهُ فِيهِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَنَاطُ دُونَ الْأَوَّلِ .
فَمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ حَسَنٌ وَمِنْ ثَمَّةَ مَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ كَخُوَاهَرْ زَادَهْ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيّ وَأَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَرِيضٌ فِي الْجُمْلَةِ لَا الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ نَفْلٍ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ كَالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِتَوْجِيهِهِ وَدَفْعِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ هُوَ ( مِعْيَارٌ لَا سَبَبٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ ) أَيْ نَذْرِ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ أَمَّا كَوْنُهُ مِعْيَارًا فَظَاهِرٌ .
وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلِأَنَّ السَّبَبَ النَّذْرُ ( فَإِدْرَاجُ ) النَّذْرِ ( الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا فَعَلَ الْبَزْدَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مُوَجَّهًا ( غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مُطْلَقٌ لَا مُقَيَّدٌ بِالْوَقْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ ) لَهُ فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ ( لِلتَّعْيِينِ شَرْعًا ) فَيَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ فِيهِ عَمَّا نَوَى بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْعَبْدِ قَاصِرَةٌ فَلَهُ إبْطَالُ مَالِهِ وَهُوَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلنَّفْلِ وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْوَاجِبَاتِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْوَلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ الْكَامِلَةُ فَلَهُ إبْطَالُ مَا لِلْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ صَلَاحِيَّتَهُ لِغَيْرِ فَرْضِ رَمَضَانَ نَفْلًا وَوَاجِبًا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ الشَّارِعُ لِإِذْنِهِ تَعَالَى لَهُ بِإِلْزَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَعَدِّيهِ إلَى حَقِّهِ تَعَالَى أَيْضًا .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا غَيْرُ وَأَوْرَدَ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ إلَى حَقِّ الشَّارِعِ بَقِيَ مُحْتَمِلًا لِصَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْيِينَ فَلَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَالظُّهْرِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أُجِيبُ بِأَنَّ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ مُحْتَمِلَاتِ الْوَقْتِ وَأَصْلُ الْمَشْرُوعِ فِيهِ النَّفَلُ الَّذِي صَارَ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ وَكَذَا نِيَّةُ النَّفْلِ

بِخِلَافِ الظُّهْرِ الْمُضَيَّقِ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْوَقْتِ يُعَارِضُ التَّقْصِيرَ فِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْوَقْتُ بَعْدَهُ لَهُ بَعْدَمَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لَهُ قُلْت وَيَتَمَشَّى الْبَحْثُ السَّابِقُ لِلْمُصَنِّفِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ فِي أَدَاءِ هَذَا بِهِمَا أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ ( بِخِلَافِ مَا أَدْرَجُوهُ ) مِنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ لَيْلًا حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الزَّمَانِ لَهَا .

( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَقْتٌ ( ذُو شَبَهَيْنِ بِالْمِعْيَارِ وَالظَّرْفِ ) وَهُوَ ( وَقْتُ الْحَجِّ لَا يَسَعُ فِي عَامٍ سِوَى ) حَجٍّ ( وَاحِدٍ ) فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ كَالنَّهَارِ لِلصَّوْمِ ( وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِعْلُهُ ) أَيْ الْحَجِّ ( وَقْتَهُ ) أَيْ جَمِيعَ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ كَمَا يَسْتَغْرِقُ الصَّوْمُ النَّهَارَ وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يُشْبِهُ الظَّرْفَ ( وَالْخِلَافُ فِي تَعْيِينِهِ ) أَيْ وُجُوبِ أَدَائِهِ ( مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ ) أَيْ إمْكَانُ أَدَائِهِ لِحُصُولِ شَرَائِطِ وُجُوبِ أَدَائِهِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِهِمَا ( عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) حَتَّى كَانَ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) حَيْثُ قَالَ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ إذَا أَخَّرَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ وَيَصِيرُ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَنْ الْوَقْتِ يُوجِبُ الْفَوْرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَأَوْجَبَ الْحَجَّ مُضَيَّقًا بِنَاءً عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَأَوْجَبَ الْحَجَّ مُوَسَّعًا بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْكَرْخِيِّ .
فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ بَلْ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَجِّ ( ابْتِدَائِيٌّ ) لِدَلِيلٍ لَاحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَأَبُو يُوسُفَ قَالَ عَلَى الْفَوْرِ ( لِلِاحْتِيَاطِ عِنْدَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَامَ الْأَوَّلَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُزَاحِمَ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْعَامِ الثَّانِي وَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ ( لِأَنَّ الْمَوْتَ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ ) وَالْمَشْكُوكُ لَا يُزَاحِمُ الْمُتَيَقِّنَ فَيَتَعَيَّنُ الْعَامُ الْأَوَّلُ لِلْأَدَاءِ تَحَرُّزًا عَنْ الْفَوَاتِ ( فَيَأْثَمُ ) بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلِاحْتِيَاطِ ( فَمُوجِبُهُ ) أَيْ الْحَجِّ أَمْرٌ ( مُطْلَقٌ ) عَنْ

الْوَقْتِ فَلَا يُوجِبُهُ عَلَى الْفَوْرِ ( وَلِذَا ) أَيْ الِاحْتِيَاطِ ( عِنْدَهُ اتَّفَقَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ( عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ) الْحَجَّ ( بَعْدَهُ ) أَيْ أَوَّلَ سِنِي الْإِمْكَانِ ( وَقَعَ أَدَاءً ) ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قُلْنَا بِتَعْيِينِهِ لِلْأَدَاءِ لِلشَّكِّ فِي إدْرَاكِ الْعَامِ الثَّانِي فَإِذَا أَدْرَكَهُ زَالَ الشَّكُّ وَحَصَلَ الْيَقِينُ بِكَوْنِهِ مِنْ عُمُرِهِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْفَوَاتِ وَسَقَطَ الْعَامُ الْأَوَّلُ وَتَعَيَّنَ الثَّانِي لِلْأَدَاءِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَوْ كَانَ الْفَوْرُ مُتَعَيَّنًا قَطْعًا لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى تَعَيُّنِهِ لَكَانَ قَضَاءً عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لِلْفَوْرِ لِفَوَاتِهِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُتَعَيَّنِ لَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ .
( وَتَأَدَّى فَرْضُهُ ) أَيْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ( بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ ) لِلْحَجِّ ( لِظَاهِرِ الْحَالِ ) أَيْ حَالِ الْمُكَلَّفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ ( لَا ) أَنَّ تَأَدِّيَهُ بِمُطْلَقِهَا ( مِنْ حُكْمِ الْإِشْكَالِ ) أَيْ كَوْنِ الْوَقْتِ مُشْكِلًا لِشَبَهِهِ بِالظَّرْفِ وَبِالْمِعْيَارِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ التَّأَدِّي بِهَا لِظَاهِرِ الْحَالِ ( يَقَعُ ) حَجُّهُ ( عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ ) أَيْ النَّفَلَ ( لِانْتِفَاءِ الظَّاهِرِ ) بِالتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ لِرُجْحَانِ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ ( وَقَدْ يُبْنَيَانِ ) أَيْ تَأَدَّى فَرْضِهِ بِمُطْلَقِهَا وَوُقُوعُهُ عَنْ النَّفْلِ إذَا نَوَاهُ ( عَلَى الشَّبَهَيْنِ ) شَبَهِ الْمِعْيَارِ وَشَبَهِ الظَّرْفِ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ تَأَدِّيهِ بِمُطْلَقِهَا ( لِشَبَهِ الْمِعْيَارِ ) إذْ مِنْ شَأْنِ الْمُقَيِّدِ بِالْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مِعْيَارٌ لِلْوَاجِبِ شَرْعًا إصَابَتُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ .
( وَالنَّفَلُ لِلظَّرْفِ ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ مَا كَانَ ظَرْفًا لِلْوَاجِبِ أَنْ يَصِحَّ وُقُوعُ النَّفْلِ فِيهِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْبَانِي لِصِحَّةِ النَّفْلِ عَلَى شَبَهِ الظَّرْفِ

عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى بِنَاءِ وُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِهِ بِمُطْلَقِ نِيَّتِهِ عَلَى شَبَهِهِ بِالْمِعْيَارِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ بِنَائِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ كَمَا ذَكَرُوهُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِ الدَّلِيلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ عَلَى الدَّعْوَى ) وَهِيَ ( تَأَدِّيهِ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ ) الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ ( حُكْمَ الْخَارِجِ ) أَيْ غَيْرِ النَّاوِي ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَاجِّ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَاجَّ ( نَوَى الْفَرْضَ لَا ) أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ( سُقُوطَهُ ) أَيْ الْفَرْضِ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْحَاجِّ ( عِنْدَ اللَّهِ إذَا نَوَى الْحَجَّ مُطْلَقًا فِي الْوَاقِعِ ) وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قِيلَ يَشْكُلُ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يَسَعُهَا فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ دَلَالَةِ الْحَالِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَشْتَغِلُ بِأَدَاءِ النَّفْلِ مَعَ تَفْوِيتِ الْفَرْضِ فَظَهَرَ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى شَبَهِ الْمِعْيَارِ كَمَا لَحَظَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ ) أَيْ إيجَابِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ ( مِنْ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ صَحِيحٌ ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَاحِدَ الْمُبْهَمَ وَيُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ ( كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } فِي قُوَّةِ الْأَمْرِ بِالْإِطْعَامِ فَيُفِيدُ إيجَابَهُ وَقَدْ عَطَفَ الْكِسْوَةَ وَالتَّحْرِيرَ عَلَيْهِ فَيَقْتَضِي إيجَابَهُمَا أَيْضًا فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا وَاجِبًا عَلَى الْبَدَلِ لَا الْجَمْعِ لِاقْتِضَاءِ أَوْ ذَلِكَ ( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ ( أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ ) وُجُوبُ الْجَمِيعِ ( بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَقِيلَ ) أَيْ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَمْرٌ ( بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ عِنْدَهُ تَعَالَى ) دُونَ الْمُكَلَّفِينَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَاحِدُ الْمُعَيَّنُ ( مَا يَفْعَلُ كُلٌّ ) مِنْهُمْ ( فَيَخْتَلِفُ ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مَا اخْتَارَهُ وَلَا شَكَّ فِي اخْتِلَافِ اخْتِيَارَاتِهِمْ .
( وَقِيلَ لَا يَخْتَلِفُ ) الْمَأْمُورُ بِهِ بِاخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ لَهُمْ ( وَيَسْقُطُ ) الْمَأْمُورُ بِهِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ( وَبِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْهَا وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ التَّرَاجِمَ ؛ لِأَنَّ الْأَشَاعِرَةَ تَرْوِيهِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَنْ الْأَشَاعِرَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَتَعَاضَدَ الْفَرِيقَانِ عَلَى إفْسَادِهِ فَإِذًا لَا يَسُوغُ نَقْلُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ قَالَ وَالِدُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ ( وَنَقْلُ ) وُجُوبِ ( الْجَمِيعِ عَلَى الْبَدَلِ ) كَمَا هُوَ لَازِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْجَمِيعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَعْضِ وَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( لَا يُعْرَفُ وَلَا مَعْنًى لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ) هُوَ ( الْمُخْتَارَ ) بِنَاءً عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ تَارِكَهَا جَمِيعًا لَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ

وَمُقِيمُهَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْبَهْشَمِيَّةِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَقَدْ مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَمَّا عَلَى أَنَّ تَارِكَهَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَالْآتِي بِهَا يَثْبُتُ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ فَالْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخْتَارِ ظَاهِرٌ .
( لَنَا الْقَطْعُ بِصِحَّةٍ أَوْجَبَتْ أَحَدَ هَذِهِ ) الْأُمُورِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ قَوْلَهُ هَذَا ( لَا يُوجِبُ جَهَالَةً مَانِعَةً مِنْ الِامْتِثَالِ لِحُصُولِ التَّعْيِينِ بِالْفِعْلِ ) لِمُعَيَّنٍ مِنْهَا ( وَتَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا يَفْعَلُ كُلٌّ ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ مَفْعُولُ كُلٍّ ( عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ ) يُوجِبُ ( مَا يَسْقُطُ ) بِهِ الْوُجُوبُ مِنْ مَفْعُولِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا إذْ كَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَهَا الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ ذَلِكَ الْمَفْعُولِ ( وَلَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ وَالْمُخَيَّرِ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ) الْوَاحِدَ ( الْمُبْهَمُ ) مِنْهَا ( لَا عَلَى مَعْنًى بِشَرْطِ الْإِبْهَامِ ) فِيهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ ( لَا يُعَيِّنُهُ الْمُوجِبُ ) وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَفْهُومٌ الْوَاحِدِ الدَّائِرِ بَيْنَ الْمُعَيَّنَاتِ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ فَالْوُجُوبُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمُعَيَّنٍ ، وَالتَّخْيِيرُ لَمْ يَقَعْ فِي مُبْهَمٍ وَإِلَّا لَجَازَ تَرْكُهُ وَهُوَ بِتَرْكِ الْكُلِّ وَهُوَ بَاطِلٌ .
( فَلِذَا ) أَيْ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ ( سَقَطَ ) الْوُجُوبُ ( بِالْمُعَيَّنِ ) مِنْهَا ( لِتَضَمُّنِهِ ) أَيْ الْمُعَيِّنِ ( مَفْهُومَ الْوَاحِدِ ) الْمُبْهَمِ ( تَتِمَّةٌ ) ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إذَا كَانَ فِي الْكُلِّ مَا هُوَ أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَمَا هُوَ أَدْنَى كَذَلِكَ فَفَعَلَ الْمُكَلَّفُ الْكُلَّ فَقِيلَ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ

الْوَاجِبِ الْأَعْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لَا يَنْقُضُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلَّ وَعُوقِبَ عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا عِقَابًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ ، وَإِنْ تَسَاوَى الْكُلُّ فَثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبَةً وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرًا إلَى تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى مُسَمًّى أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ ) وَهُوَ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ فَتَنَاوَلَ مَا هُوَ دِينِيٌّ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُنْيَوِيٌّ كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَخَرَجَ الْمَسْنُونُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَتِّمٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٌ أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَاجِبٌ ( عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ ) الْوُجُوبُ عَنْهُمْ ( بِفِعْلِ الْبَعْضِ ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْكُلِّ الْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ وَقِيلَ الْمَجْمُوعِيُّ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرْضِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ كَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا .
فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ ، ثُمَّ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ أَيْ عَلَى كُلٍّ ثَمَّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ، وَإِنْ ظَنَّتْ طَائِفَةٌ قِيَامَ غَيْرِهَا بِهِ وَظَنَّتْ أُخْرَى عَكْسَهُ سَقَطَ عَنْ الْأُولَى وَوَجَبَ عَلَى الثَّانِيَةِ ( وَقِيلَ ) وَاجِبٌ ( عَلَى الْبَعْضِ ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ، ثُمَّ الْمُخْتَارُ عَلَى هَذَا أَيُّ بَعْضٍ كَانَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ إذْ لَا

دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ ( لَنَا أَثِمَ الْكُلُّ بِتَرْكِهِ ) اتِّفَاقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَثِمُوا ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ أَوَّلًا ( سَقَطَ ) الْوُجُوبُ ( بِفِعْلِ الْبَعْضِ ) وَلَوْ كَانَ عَلَى الْكُلِّ لَمَا سَقَطَ إذْ مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ .
( قُلْنَا ) لَا اسْتِبْعَادَ ( لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُوبُ الْفِعْلِ لَا ابْتِلَاءُ كُلِّ مُكَلَّفٍ ) كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ ( كَسُقُوطِ مَا عَلَى زَيْدٍ ) مِنْ الدَّيْنِ الضَّامِنِ عَمْرٌو إيَّاهُ عَنْهُ ( بِفِعْلِ عَمْرٍو ) أَيْ بِأَدَائِهِ عَنْهُ اتِّفَاقًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَقَيَّدْنَا بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَدَاءَ مَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُؤَدِّي وَإِسْقَاطَ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ بِخِلَافِ أَدَاءِ عَمْرٍو وَمَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ غَيْرُ ضَامِنٍ لَهُ فَإِنَّ الْخَصْمَ بِمَا قَالَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَدَاؤُهُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِإِسْقَاطِ مَا يَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( أَمْرُ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ كَوَاحِدٍ مُبْهَمٍ ) فَكَمَا جَازَ الثَّانِي أَعْنِي الْمُكَلَّفَ بِهِ الْمُبْهَمَ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ بِإِلْغَاءِ الْإِبْهَامِ فِيهِ جَازَ الْأَوَّلُ أَعْنِي الْمُكَلَّفَ الْمُبْهَمَ بِإِلْغَاءِ الْإِبْهَامِ فِيهِ ( أُجِيبُ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ إثْمَ ) مُكَلَّفٍ ( مُبْهَمٍ غَيْرُ مَعْقُولٍ ) بِخِلَافِ تَأْثِيمِ الْمُكَلَّفِ بِتَرْكِ أَحَدِ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ مُبْهَمًا فَإِنَّهُ مَعْقُولٌ فَالْإِبْهَامُ فِي الْمَأْمُورِ مَانِعٌ ، وَفِي الْمَأْمُورِ بِهِ غَيْرُ مَانِعٍ .
( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ ( مَذْهَبُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ

بِالْوُجُوبِ عَلَى الْبَعْضِ ( إثْمَ الْكُلِّ ) بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَعْضِ ( لَكِنَّ قَوْلَ قَائِلِهِ ) أَيْ الْوُجُوبَ عَلَى الْبَعْضِ ( إنَّهُ ) أَيْ الْوُجُوبَ ( يَتَعَلَّقُ بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَاجِبَ ( لَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ ظَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ الْفِعْلِ ( الْكُلُّ عَمَّهُمْ ) الْوُجُوبُ ( وَإِنْ خَصَّ ) ظَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ الْبَعْضُ ( خَصَّهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضَ الظَّانَّ ( الْإِثْمُ ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَحِينَئِذٍ ( فَالْمَعْنَى ) الْمُكَلَّفُ بِالْوُجُوبِ بَعْضٌ ( غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَقْتَ الْخِطَابِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفَ ( لَا يَتَعَيَّنُ ) لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ ( إلَّا بِذَلِكَ الظَّنِّ ) وَهُوَ ظَنُّ أَنْ لَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرُهُ ( وَلَوْ لَمْ يَظُنَّ ) هَذَا الظَّنَّ أَحَدٌ ( لَا يَأْثَمْ أَحَدٌ وَيُشْكِلُ ) هَذَا حِينَئِذٍ ( بِبُطْلَانِ مَعْنَى الْوُجُوبِ ) فَإِنْ لَازَمَهُ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى الْمَلْزُومُ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ .
( وَقَدْ يُقَالُ ) فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا ( إنَّمَا يَبْطُلُ ) الْوُجُوبُ ( لَوْ كُلِّفَ ) الْمُكَلَّفُ بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَفْعَلَ غَيْرُهُ أَوْ لَا ( أَمَّا ) لَوْ كُلِّفَ ( الظَّانُّ ) أَنْ لَنْ يَفْعَلَ غَيْرُهُ فَقَطْ ( فَلَا ) يَبْطُلُ مَعْنَى الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ بِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ نَعَمْ الشَّأْنُ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ قَائِلُونَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلَا ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْبَعْضِ ( عُدُولٌ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ) الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْكُلِّ ( كَقَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَنَحْوِهِ بِلَا مُلْجِئٍ ) لِلْعُدُولِ عَنْهُ ( لِمَا حَقَّقْنَاهُ ) مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ ( قَالُوا ) ثَالِثًا ( قَالَ تَعَالَى { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ }

) .
فَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ عَلَى طَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْفِرْقَةِ بِوَاسِطَةِ لَوْلَا الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَاضِي الدَّالَّةِ عَلَى التَّنْدِيمِ وَاللَّوْمِ ( قُلْنَا ) هَذَا مُؤَوَّلٌ ( بِالسُّقُوطِ ) لِلْوُجُوبِ عَنْ الْجَمِيعِ ( بِفِعْلِهَا ) أَيْ الطَّائِفَةِ مِنْ الْفِرْقَةِ ( جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ) أَيْ هَذَا وَدَلِيلِنَا الدَّالِّ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَفِعُ التَّنَافِي الظَّاهِرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ هَذَا ؛ لِأَنَّ دَلِيلَنَا كَمَا أَنَّهُ لَا يُلْغَى لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ( وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ ) أَيْ فَرْضٌ ( عَلَى الْكِفَايَةِ ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ ( فَقَدْ يَسْتَشْكِلُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ ) الْمُمَيِّزِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا ( بِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِعْلُ وَقَدْ وُجِدَ ( لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ مِنْ لَفْظِ الْوُجُوبِ ) فَإِنَّهُ لَا وُجُوبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يَحْضُرُنِي هَذَا مَنْقُولًا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُب الْمَذْهَبِ ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِهِ عَدَمُ السُّقُوطِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ لَا يَجِبُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ اتِّفَاقًا كَتَحْصِيلِ النِّصَابِ ) لِلتَّكْلِيفِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ ( وَالزَّادِ ) أَيْ وَتَحْصِيلِهِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ ( وَأَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ ) الْمَأْمُورُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَهُ ( سَبَبًا عَقْلًا كَالنَّظَرِ ) الْمُحَصِّلِ ( لِلْعِلْمِ ) الْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ ( وَفِيهِ ) أَيْ كَوْنِ النَّظَرِ سَبَبًا عَقْلِيًّا لِلْعِلْمِ ( نَظَرٌ ) بَلْ هُوَ سَبَبٌ عَادِيٌّ لَهُ فَإِنَّ اسْتِعْقَابَ النَّظَرِ الْعِلْمَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ إجْرَاءِ الْعَادَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ ( أَوْ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لَهُ ( شَرْعًا كَالتَّلَفُّظِ ) بِمَا يُفِيدُ الْعِتْقَ ( لِلْعِتْقِ أَوْ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَبَبًا لَهُ ( عَادَةً كَالْأَوَّلِ ) أَيْ النَّظَرِ لِلْعِلْمِ ( وَحَزِّ الْعُنُقِ ) لِلْقَتْلِ ( أَوْ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لَهُ ( شَرْطًا عَقْلًا كَتَرْكِ الضِّدِّ ) أَيْ جِنْسِهِ لِلْوَاجِبِ ( أَوْ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَرْطًا لَهُ ( عَادَةً كَغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ ) كَغَسْلِ الْوَجْهِ ( أَوْ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ شَرْطًا لَهُ ( شَرْعًا ) كَالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ .
( فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْأَكْثَرُ وَاجِبٌ بِهِ ) أَيْ بِالْإِيجَابِ لِذَلِكَ الْوَاجِبِ ( وَقِيلَ فِي الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ ) أَيْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّ الْمَقْدُورَ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ شَرْعِيٌّ لَهُ يَجِبُ بِوُجُوبِهِ وَإِلَّا فَلَا ( وَقِيلَ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لَا يَجِبُ بِوُجُوبِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ أَوْ لَا ( لَا فِي الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ فَيُخْطِئَانِ ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَسْبَابِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ إيجَابَ الْمُسَبَّبِ إيجَابٌ لِتَحْصِيلِ سَبَبِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهُ ( إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّعَلُّقُ ) لِلْإِيجَابِ إنَّمَا هُوَ ( بِهَا ) أَيْ بِالْأَسْبَابِ ابْتِدَاءً ( فَالْأَمْرُ بِالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَزِّ ) لِلْعُنُقِ وَنَحْوِهِ ( وَالتَّلَفُّظِ ) بِصِيغَةِ الْعِتْقِ (

ابْتِدَاءً ) لَا بِنَفْيِ الْحَيَاةِ وَلَا بِإِزَالَةِ الرِّقِّ ( إذْ لَا تَعَلُّقَ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَقْدُورٍ لَنَا وَالْمُسَبَّبَاتُ قَدْ لَا تَكُونُ مَقْدُورَةً لَنَا كَهَذِهِ بِخِلَافِ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ فَالْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ ظَاهِرًا بِالْمُسَبَّبِ مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْوَاجِبُ حَقِيقَةً .
وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الْمُسَبَّبِ ظَاهِرًا فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْقَوْلَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ خَطَأً ( وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ بِهِ ) فِي قَوْلِهِمْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَاجِبٌ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا ( لَزِمَ الْكُفْرُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ إطْلَاقِهِ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقَ قَطْعًا ( لِلْأَكْثَرِ لَوْ لَمْ يَجِبْ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَاضِيَةِ ( بَقِيَ جَوَازُ التَّرْكِ ) لِلشَّرْطِ ( دَائِمًا وَلَازَمَهُ ) أَيْ جَوَازَ التَّرْكِ لَهُ دَائِمًا ( جَوَازُ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى ) الْوَاجِبُ ( بِدُونِهِ وَهُوَ ) أَيْ جَوَازُ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى الْوَاجِبُ بِدُونِهِ ( مُنَافٍ لِوُجُوبِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( فِي وَقْتٍ ) فَإِنَّ جَوَازَ تَرْكِ مَا لَا يَتَأَتَّى هُوَ إلَّا بِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ تَرْكِ الْوَاجِبِ نَفْسَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ ( أَوْ ) لَازَمَهُ ( جَوَازُ فِعْلِهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْمَشْرُوطُ ( دُونَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ مَا أَمَرَ بِهِ فَتَجِبُ صِحَّتُهُ ( فَمَا فُرِضَ شَرْطًا لَيْسَ شَرْطًا ) مَوْقُوفًا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ .
وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالْفَرْضِ ( وَلَا يَخْفَى مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ جَوَازُ التَّرْكِ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِهِ ( وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّرْكُ لَوْ لَمْ يَجِبْ ) مَا

يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ ( مُطْلَقًا ) أَمَّا إذَا كَانَ وَاجِبًا مُطْلَقًا كَمَا نَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ فَلَا ( وَاسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ ( بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ) وُجُوبِ ( التَّوَصُّلِ ) إلَى الْوَاجِبِ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ لَمَا وَجَبَ التَّوَصُّلُ إلَى الْوَاجِبِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ( فِي غَيْرِ ) مَحَلِّ ( النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُوَصِّلَ إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبٌ ( غَيْرُ مُوجِبِ الْأَصْلِ ) الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فَإِنَّ مُوجِبَهُ الْأَمْرُ وَمُوجِبَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ( وَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لِلنَّافِي ) لِوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِهِ فِي غَيْرِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ ( إلَى الْجَوَابِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ ) كَمَا فَعَلَاهُ .
( وَاسْتِدْلَالُهُ ) أَيْ النَّافِي ( لَوْ وَجَبَ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ ( امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لِمُنَاقَضَتِهِ لَهُ وَالْقَطْعِ بِصِحَّةِ إيجَابِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَنَفْيِ إيجَابِ غَسْلِ غَيْرِهِ ( إنْ أَرَادَ ) بِامْتِنَاعِ التَّصْرِيحِ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ ( نَفْيَ وُجُوبِهِ بِهِ ) أَيْ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ ( فَنَفْيُ التَّالِي ) الَّذِي هُوَ امْتِنَاعُ التَّصْرِيحِ بِنَفْيِ وُجُوبِهِ ( عَيْنُ النِّزَاعِ أَوْ ) نَفْيُ وُجُوبِهِ ( مُطْلَقًا نَفَيْنَا الْمُلَازَمَةَ ) أَيْ مَنَعْنَاهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَكَذَا قَوْلُهُ ) أَيْ النَّافِي ( وَصَحَّ قَوْلُ الْكَعْبِيِّ فِي نَفْيِ الْمُبَاحِ ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَاجِبِ وَهُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْمُبَاحِ فَيَجِبُ الْمُبَاحُ وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَيْهِ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ وَكَذَا قَوْلُ النَّافِي ( وَوَجَبَ نِيَّةُ الْمُقَدِّمَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاجِبَةٌ فَتَجِبُ بِهِ ( وَمَعْنَاهُ ) أَيْ وُجُوبِ نِيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهَا

تَجِبُ فِيهَا ( كَمَا لَوْ وَجَبَ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ الْمُقَدِّمَةُ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَجِبُ فِيهِ لَكِنَّ وُجُوبَهَا فِي الْمُقَدِّمَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ نِيَّةُ الْوَاجِبِ دُونَ مُقَدِّمَتِهِ عَلَيْهِ مَنَعَ الْمُلَازَمَةَ .
( وَإِنَّمَا يَلْزَمَانِ ) أَيْ نَفْيُ الْمُبَاحِ وَوُجُوبُ نِيَّةِ الْمُقَدِّمَةِ ( لَوْ تَعَيَّنَ ) الْمُبَاحُ لِلِامْتِثَالِ ( أَوْ شُرِعَ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ( عِبَادَةً لَكِنَّهُ ) أَيْ الِامْتِثَالَ ( يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُبَاحِ ( وَنَلْتَزِمُهُ ) أَيْ وُجُوبَ النِّيَّةِ ( فِي مُقَدِّمَةٍ هِيَ عِبَادَةٌ ) لَا مُطْلَقًا ( وَكَذَا قَوْلُهُ ) أَيْ النَّافِي ( لَوْ كَانَ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَاجِبًا ( لَزِمَ تَعَقُّلُهُ ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ ( لِلْآمِرِ ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ ( وَالْقَطْعُ بِنَفْيِهِ ) أَيْ نَفْيِ لُزُومِ تَعَقُّلِهِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَذْهَلُ عَمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهِ ( مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بِأَنَّهُ ) أَيْ لُزُومَ تَعَقُّلِ الْمُوجِبِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْوَاجِبِ أَصَالَةً ) أَمَّا فِي إيجَابِ الشَّيْءِ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ لَلَزِمَ وُجُوبُهُ بِلَا تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ حَتْمًا فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا لَا فَلَا لِدُخُولِ التَّعَلُّقِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ .
وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ النَّافِي أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَجَوَابُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلُزُومُ الْوُجُوبِ ) لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ ( بِلَا تَعَلُّقٍ ) لِلْخِطَابِ بِهِ ( مَمْنُوعٌ لِمَا نَذْكُرُ ) قَرِيبًا ( فَإِنْ دُفِعَ ) هَذَا الْمَنْعُ ( بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خِطَابُ الْوَاجِبِ إنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَيْهِ ( إذْ لَوْ دَلَّ ) دَلِيلُهُ عَلَيْهِ (

لَعُقِلَ ) لِامْتِنَاعِ إيجَابِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَعَقُّلِهِ ( وَإِذْ لَمْ يُعْقَلْ لَمْ يَدُلَّ فَلَا إيجَابَ بِهِ ) أَيْ بِدَلِيلِ الْوَاجِبِ ( وَوُجُوبُهُ ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ ( لَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ قُلْنَا وَهُوَ الدَّلِيلُ الْحَقُّ لِلْأَكْثَرِ إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى ) اصْطِلَاحِ ( الْأُصُولِيِّينَ لَا تَخْتَصُّ بِاللَّوَازِمِ الْبَيِّنَةِ بِالْأَخَصِّ ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ كَوْنُ اللَّازِمِ يَحْصُلُ فِي الذِّهْنِ كُلَّمَا حَصَلَ الْمَلْزُومُ بَلْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ كَوْنُهُ حَاصِلًا لِلْمَلْزُومِ كُلَّمَا تَعَقَّلَا وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّلَالَةِ .
( وَتَقَدَّمَ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنَّ دَلَالَتَهُ ) أَيْ مَفْهُومَهَا ( قَدْ تَكُونُ نَظَرِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ ) فَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِ دَلِيلِ الْوَاجِبِ مُوجِبًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ بَلْ كَمَا قَالَ ( فَعَلَى مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ مِمَّا هِيَ ) أَيْ الْمُقَدِّمَةُ ( لَهُ أَظْهَرُ ) أَيْ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِيِّ لِلْوَاجِبِ عَلَى وُجُوبِ مَا عُلِمَ مُقَدِّمَةٌ لِمَدْلُولِهِ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُلْزِمُ لِمَا لَهُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ كَدَلَالَةِ صَلِّ عَلَى طَلَبِ مَا عُرِفَ مُقَدِّمَةً يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ مِنْ طَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى وُجُوبِ الْأَصْلِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ تَوَقُّفِ تَحَقُّقِهِ عَلَى الْأَصْلِ ( وَفُرِّعَ عَلَيْهِ ) أَيْ وُجُوبَ الْمُقَدِّمَةِ بِوُجُوبِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ ( تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِهِ إلَّا بِالْكَفِّ عَنْ الزَّوْجَةِ فَيَجِبُ الْكَفُّ عَنْهَا لِيُتَيَقَّنَ الْكَفَّ عَنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَحْرِيمُ أَحَدِ أَشْيَاءَ ) مُعَيَّنَةٍ ( كَإِيجَابِهِ ) أَيْ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ هُنَا فِي التُّرُوكِ وَهُنَاكَ فِي الْأَفْعَالِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ هُنَا ( فِعْلُهَا ) أَيْ الْأَشْيَاءِ ( إلَّا وَاحِدًا لَا جَمْعَهَا ) أَيْ الْأَشْيَاءِ ( فِعْلًا ) لِئَلَّا يَكُونَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ فَإِنَّ لَهُ هُنَاكَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمِيعِ وَبِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا عُرِفَ ( وَفِيهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ ( مَا تَقَدَّمَ ) فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ حَتَّى قِيلَ فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ ، نَحْوُ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ .
وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا وَقِيلَ الْمُحَرَّمُ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَقِيلَ أَخَفُّهَا سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّوَابَ الْوَاجِبَ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا حَتَّى إنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا

وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا ، ثُمَّ تَزِيدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُعْتَزِلَةِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَرَدَ بِالْمَنْعِ حَتَّى إنَّهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ طَاعَةِ الْجَمِيعِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } لَمْ تُحْمَلْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ .
( فَتَفْرِيعُ تَحْرِيمِ الْكُلِّ ) أَيْ زَوْجَاتِهِ ( فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَاتِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ جَوَازُ تَحْرِيمِ أَحَدِ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ ( مُنَاقَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ ) فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَهَا إلَّا وَاحِدًا فَتَحْرِيمُ الْكُلِّ مُنَافٍ لَهُ ( بِخِلَافِ ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ فِي ( الِاشْتِبَاهِ ) بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهَا إنَّمَا ( حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ لِاحْتِمَالِهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ ( الْمُحَرَّمَةَ احْتِيَاطًا وَلَا احْتِمَالَ فِي الْوَاحِدَةِ الْمَوْطُوءَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ ) أَيْ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ( تَرْكُ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَ ) إذَا وَطِئَهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً ( إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ ) إحْدَاهُنَّ لِلطَّلَاقِ ( وَيَنْسَى ) الْمُعَيَّنَةَ ( فَكَالِاشْتِبَاهِ ) أَيْ فَيَحْرُمْنَ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْمُحَرَّمَةَ وَبَعْدَ أَنْ عَبَّرَ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ بِإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِبَقَاءِ حِلِّ وَطْئِهِمَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بَلْ الْوَاقِعُ أَمْرٌ لَهُ صَلَاحِيَّةُ التَّأْثِيرِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْيِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حُرِّمَتَا جَمِيعًا إلَى وَقْتِ الْبَيَانِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ وَجَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ بِهَذَا تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي

يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ بِالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ .

( مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ وَالْجِهَةِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِإِطْبَاقِ مَانِعِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ وَبَعْضِ الْمُجِيزِينَ ) لَهُ ( لِتَضَمُّنِهِ ) أَيْ جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ ( الْحُكْمَ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ جَوَازِ التَّرْكِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الْحَرَامِ ، وَالنَّوْعُ مُتَضَمِّنٌ لِجِنْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفِعْلِ كَوْنُ الشَّارِعِ آذِنًا فِيهِ وَمِنْ حُرْمَتِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ آذِنٍ فِيهِ كَمَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ طَالِبًا لِتَرْكِهِ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَهُوَ تَكْلِيفُ مُحَالٍ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَإِنَّ جَوَازَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَجُوزُ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ جِنْسًا وَقَدْ يُقَالُ نَوْعًا أَنْ يَكُونَ فَرْدٌ مِنْهَا وَاجِبًا وَفَرْدٌ مِنْهَا حَرَامًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } وَمَنَعَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ لِذَاتِهِ هَذَا بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحُسْنِ مُنَافِيَةٌ لِحَقِيقَةِ الْقُبْحِ فَلَوْ اجْتَمَعَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً وَهِيَ ذَاتُ الْفِعْلِ مُقْتَضِيَةٌ لِمُتَنَافِيَيْنِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ مَقُولَةً عَلَى آحَادِهَا بِالتَّشْكِيكِ وَلَا تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِوَاحِدٍ مِنْهَا وَيَكُونُ بَعْضُ آحَادِهَا مُقْتَضِيًا لِلْحُسْنِ وَبَعْضُهَا لِلْقُبْحِ وَقَوْلُهُمْ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقَانِ فِي السُّجُودِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لَا بِالسُّجُودِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَمَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِ فَهُوَ حَرَامٌ فَبَعْدَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ لَا يُجْدِيهِمْ نَفْعًا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَهُوَ قَصْدُ التَّعْظِيمِ وَاحِدٌ ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ لِانْعِقَادِهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ عَلَى أَنَّ السَّاجِدَ لِلشَّمْسِ عَاصٍ بِنَفْسِ السُّجُودِ وَالْقَصْدِ

جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ .
وَمَنَعَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْسُنُ وَيَقْبُحُ بِالْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ وَهَذَا بِاسْتِلْزَامِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ يُوجِبُ التَّغَايُرَ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُغَايِرًا لِمُتَعَلِّقِ الْحُرْمَةِ فَلَا مُحَالَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ذِي الْجِهَتَيْنِ الْمُتَلَازِمَتَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ بِاعْتِبَارِهِمَا وَإِلَّا لَزِمَ وُقُوعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِمَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَّا بِهِ ( وَيَجُوزُ فِي ) الْوَاحِدِ الشَّخْصِيِّ ( ذِي الْجِهَتَيْنِ ) الْغَيْرِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وُجُوبُهُ وَحُرْمَتُهُ فَيَجِبُ بِإِحْدَاهُمَا وَيَحْرُمُ بِالْأُخْرَى ( كَالصَّلَاةِ فِي ) الْأَرْضِ ( الْمَغْصُوبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ) فَتَجِبُ لِكَوْنِهَا صَلَاةً وَتَحْرُمُ لِكَوْنِهَا غَصْبًا ( خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْجُبَّائِيِّ ) فَقَالُوا ( فَلَا يَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( فَلَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ وَلِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ) فَقَالَ ( لَا يَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( وَيَسْقُطُ ) الطَّلَبُ ( لَنَا الْقَطْعُ فِيمَنْ أَمَرَ بِخِيَاطَةٍ لَا فِي مَكَانِ كَذَا فَخَاطَ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ( إنَّهُ مُطِيعٌ عَاصٍ لِلْجِهَتَيْنِ ) أَيْ مُطِيعٌ لِجِهَةِ الْأَمْرِ بِالْخِيَاطَةِ عَاصٍ لِجِهَةِ النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَكُونُ مُطِيعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَاةٌ عَاصِيًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَصْبٌ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ اجْتِمَاعَ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ ( لَوْ امْتَنَعَ فَلِاتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِمَا ( وَالْقَطْعِ بِالتَّعَدُّدِ ) هُنَا ( فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ الصَّلَاةُ وَ ) مُتَعَلِّقَ ( النَّهْيِ الْغَصْبُ جَمَعَهُمَا ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ ( مَعَ إمْكَانِ الِانْفِكَاكِ ) بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ وُجُودِ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ .
( وَأَيْضًا لَوْ امْتَنَعَ ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( امْتَنَعَ صِحَّةُ

صَوْمٍ مَكْرُوهٍ وَصَلَاةٍ ) مَكْرُوهَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يُضَادُّ التَّحْرِيمَ يُضَادُّ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ التَّحْرِيمِ لَمَا ثَبَتَ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا مَانِعَ إلَّا التَّضَادُّ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ كَرَاهَةِ كَثِيرٍ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ شَرْعًا ( وَدَفَعَهُ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( بِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ مُتَعَلِّقُهُمَا ( الْكَوْنُ فِي الْحَيِّزِ ) وَهُوَ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي حَيِّزِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَنَفْسُ الْغَصْبِ الْمَنْهِيِّ ( بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ ) مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ( فَإِنْ فُرِضَ ) الْمَكْرُوهُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ مُتَّحِدٌ ( مَنَعَ صِحَّتَهُ ) أَيْ الْمَكْرُوهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ اتِّحَادُهُ ( لَمْ يُفِدْ ) ثُبُوتُ الْمَكْرُوهِ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ أَيْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى وَصْفٍ مُنْفَكٍّ عَنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ مُوجِبٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ وَالنَّهْيَ إلَى عَرَضٍ مُفَارِقِ الصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ الَّتِي النَّهْيُ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى مَا هُوَ ذَاتِيٌّ فِيهَا مُوجِبًا لِاتِّحَادِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ لِأَنَّهُمَا رَاجِعَانِ إلَى الْكَوْنِ وَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ ، ثُمَّ قَوْلُهُ وَدَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( يُنَاقِضُ جَوَابَهُمْ الْآتِيَ ) وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ .
( بَلْ لَيْسَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَكْرُوهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ ( تَحَتُّمُ مَنْعٍ ) قَطْعِيٍّ ( فَلَا يُنَافِي ) الْمَنْعُ مِنْهُمَا ( الصِّحَّةَ ) لَهُمَا ( فَالْمَانِعُ ) مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَاحِدٍ شَخْصِيٍّ ذِي جِهَتَيْنِ ( خُصُوصُ تَضَادٍّ ) وَهُوَ الْمَنْعُ الْحَتْمُ الْقَطْعِيُّ عَنْ الشَّيْءِ

وَالْأَمْرِ بِهِ ( لَا مُطْلَقُهُ ) أَيْ التَّضَادِّ ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِلْمُخْتَارِ .
( لَوْ لَمْ تَصِحَّ ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( لَمْ يَسْقُطْ ) التَّكْلِيفُ بِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ سُقُوطِهِ ( مُنْتَفٍ ) قَالَ الْقَاضِي ( لِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ ) عَلَى وُجُودِ أَحْمَدَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى سُقُوطِهِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ الِاسْتِدْلَال مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( دُفِعَ بِمَنْعِ صِحَّةِ نَقْلِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِمُخَالَفَةِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَعَرَفَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ مِنْ الْقَاضِي لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ زَمَانًا مِنْ السَّلَفِ وَلَوْ عَرَفَهُ لَمَا خَالَفَهُ فَكَانَ خِلَافُهُ مُظْهِرًا لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ لَا مُوجِبًا لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ السَّلَفِ مُتَعَمِّقُونَ فِي التَّقْوَى يَأْمُرُونَ بِالْقَضَاءِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ : الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَاضِي وَالْمُتَكَلِّمُونَ ( لَوْ صَحَّتْ ) الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( كَانَ ) كَوْنُهَا صَحِيحَةً ( مَعَ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَرَكَاتٌ وَسَكَنَاتٌ وَهُمَا ) أَيْ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ ( شَغْلُ حَيِّزٍ ) فَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا ( وَشَغْلُهُ ) أَيْ الْحَيِّزِ ظُلْمًا ( الْغَصْبَ ) وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ( أُجِيبُ بِأَنَّهُ ) أَيْ مُتَعَلِّقَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنْ ( بِجِهَتَيْنِ فَيُؤْمَرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَلَاةٌ وَيُنْهَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ غَصْبٌ ) فَهُوَ إذًا مُتَعَدِّدٌ بِالِاعْتِبَارِ ، وَإِنْ اتَّحَدَ بِالذَّاتِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّفْعِ يُنَاقِضُهُ .
( وَأَلْزَمَ ) عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْجِهَةِ كَافٍ ( صِحَّةَ صَوْمِ ) يَوْمِ ( الْعِيدِ ) لِكَوْنِ صَوْمِهِ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ ( وَالْجَوَابُ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ

انْفِكَاكُهُمَا ) أَيْ إنَّمَا نَقُولُ بِجَوَازِ اتِّحَادِ الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ جَوَازِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ يَعْنِي بِأَنْ لَا تَتَلَازَمَ جِهَتَا الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ فِي الْخِلَافِيَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ جِهَةِ الصَّلَاتِيَّةِ وَالْغَصْبِيَّةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأُخْرَى فَتَتَحَقَّقُ صَلَاةٌ وَلَا غَصْبَ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا بِلُحُوقِ الْإِذْنِ وَغَصْبٌ وَلَا صَلَاةَ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْمُجَوِّزَ وَهُوَ جِهَةُ كَوْنِهِ صَوْمًا لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ فِي الْعِيدِ ؛ لِأَنَّ لُحُوقَ الْإِذْنِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعَذُّرُ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ النَّسْخِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ كَمَا قَالَ ( وَبِأَنَّ نَهْيَ التَّحْرِيمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَيْنِ ) أَيْ عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ ( إلَّا لِدَلِيلٍ ) يُفِيدُ خِلَافَهُ .
( وَقَدْ وُجِدَتْ إطْلَاقَاتٌ فِي الصَّلَاةِ ) فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( أَوْجَبَتْهُ ) أَيْ النَّهْيَ ( لِخَارِجٍ ) أَيْ لِوَصْفٍ خَارِجٍ عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَانٍ ( وَإِجْمَاعِ غَيْرِ أَحْمَدَ ) عَلَى صِحَّتِهَا ( لَا فِي الصَّوْمِ ) أَيْ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْ ظَاهِرِ بُطْلَانِهِ بَلْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِي الصَّوْمِ إطْلَاقَاتٌ أَيْضًا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ } وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ

عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِذَا ثَبَتَ طَلَبُهُ مُطْلَقًا ، وَإِنْ كَانَ نَدْبًا لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْهُ فِي وَقْتٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ كَانَ النَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَجِبُ صِحَّتُهُ وَيَعُودُ الْإِلْزَامُ ، ثُمَّ لَا إجْمَاعَ مَعَ خِلَافِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ ثَابِتٌ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُصَحِّحُونَ نَذْرَهُ وَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَضِهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النَّهْيِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ .
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ الْجِهَتَيْنِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَعَقَّلُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الْأُخْرَى كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فَالْجِهَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ مُمْكِنَتَا الِانْفِكَاكِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ وُجُودُ صَلَاةٍ بِلَا غَضَبٍ وَغَصْبٍ بِلَا صَلَاةٍ يُمْكِنُ وُجُودُ صَوْمٍ بِلَا يَوْمِ عِيدٍ وَيَوْمِ عِيدٍ بِلَا صَوْمٍ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ ، ثُمَّ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ بِالْكَوْنِ وَشَغْلِ الْحَيِّزِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَنَهَى عَنْ شَغْلِ الْحَيِّزِ الْغَصْبِيِّ بِخُصُوصِهِ بِهَا أَمَرَ فِي صُورَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ مَنْذُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } وَنَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ بِخُصُوصِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَعَمْ هَذَا فَرْعُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنْعَقِدٌ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ قَالُوا ( وَلِأَنَّ مَنْشَأَ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ ) فِي

الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ ( مُتَعَدِّدٌ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ ) كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا تَوْجِيهُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَقَدْ يُمْنَعُ ) هَذَا ( بَلْ الشَّغْلُ مَنْشَؤُهُمَا ) أَيْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فِيهِمَا كَمَا حَقَقْنَا فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُكْمِ ( هَذَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ ) مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ( بَعْدَ تَوَسُّطِهَا فَفِقْهِيٌّ ) أَيْ فَالْبَحْثُ عَنْ حُكْمِهِ بَحْثٌ فَرْعِيٌّ ( لَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ الْفَرْعِيُّ لَهُ ( وُجُوبُهُ ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِمَا هُوَ شَرْطُهُ مِنْ السُّرْعَةِ وَسُلُوكِ أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا ضَرَرًا عَلَى قَصْدِ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَصْدُ نَفْيِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ مِلْكِ الْغَيْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبِدْعِيٍّ ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ يَصِيرُ وَاجِبًا نَظَرًا إلَى دَفْعِ أَعْلَاهُمَا ( فَقَطْ ) أَيْ : لَا ، وَحُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ عَنْ الْمُكْثِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ .
وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَمِرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي حَرَكَاتِهِ فِي صَوْبِ الْخُرُوجِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِمْرَارِهَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَالْإِمْكَانِ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَنْهِيِّ وَلَا إمْكَانَ هُنَا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْخَلَاصُ ؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَى مَا تَوَرَّطَ فِيهِ آخِرًا بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا مَنْهِيًّا عَنْ الْكَوْنِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مَعَ بَذْلِهِ الْمَجْهُودَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ مُرْتَبِكٌ أَيْ مُشْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعَ انْقِطَاعِ نَهْيِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ ( وَاسْتَبْعَدَ اسْتِصْحَابَ الْمَعْصِيَةِ لِلْإِمَامِ ) أَيْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَغَيْرُهُمَا ( إذْ لَا نَهْيَ عَنْهُ ) أَيْ الْخُرُوجِ تَوْبَةً ( وَثُبُوتُهَا ) أَيْ الْمَعْصِيَةِ ( بِلَا نَهْيٍ ) أَيْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ

تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ ( كَقَوْلِهِ ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ( مَمْنُوعٌ ) قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ .
وَإِنَّمَا حَكَمُوا بِالِاسْتِبْعَادِ دُونَ الِاسْتِحَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَائِهَا خَاصَّةً ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِذَا عَصَى الْمُكَلَّفُ بِفِعْلِ شَخْصٍ آخَرَ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ عَلَى مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا } لَمْ يَسْتَبْعِدْ مَعْصِيَتَهُ لِفِعْلٍ لَهُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِهِ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ قَوْلِ أَبِي هَاشِمٍ وَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ ( وَادِّعَاءِ جِهَتَيْ التَّفْرِيعِ وَالْغَصْبِ ) فِي الْخُرُوجِ ( فَيَتَعَلَّقَانِ ) أَيْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْخُرُوجِ كَمَا سَلَفَ بَيَانُهُ ( يَلْزَمُهُ عَدَمُ إمْكَانِ الِامْتِثَالِ ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ جِهَةَ التَّفْرِيعِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ جِهَةِ الْغَصْبِ وَحِينَئِذٍ ( فَتَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ ) التَّكْلِيفُ بِهِمَا إذْ طَلَبُ الْخُرُوجِ طَلَبٌ لِشَغْلِ الْحَيِّزِ فَلَوْ كَانَ شَغْلُ الْحَيِّزِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ طَالِبًا مِنْ الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ لَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ ( بِخِلَافِ صَلَاةِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ ) الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مُحَالٍ لِإِمْكَانِ انْفِكَاكِ جِهَتَيْهِمَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْبَحْثُ عَنْ حُكْمِ الْخُرُوجِ بَحْثًا أُصُولِيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا بَحْثَ لِلْأُصُولِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أُصُولِيٌّ عَنْ أَحْوَالِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِنَّمَا بَحْثُهُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ لِلْأَحْكَامِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهَا لِلْأَحْكَامِ وَثُبُوتُ الْأَحْكَامِ بِهَا فَوَظِيفَتُهُ هُنَا بَيَانُ امْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْخُرُوجِ ؛

لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مُحَالٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَنْدُوبِ ) أَيْ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( عَنْ الْمُحَقِّقِينَ : حَقِيقَةٌ ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : مَجَازٌ وَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِ الْمُثْبِتِ ) لِلْحَقِيقَةِ ( إنَّ الصِّيغَةَ ) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ ( فِي النَّدْبِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ أَمْرٍ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى عُرْفِ النُّحَاةِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ ) اسْمٌ ( لِلصِّيغَةِ الْمُقَابِلَةِ لِصِيغَةِ الْمَاضِي وَأَخِيهِ ) أَيْ وَصِيغَةِ الْمُضَارِعِ حَالَ كَوْنِ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ ( مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِيجَابِ أَوْ غَيْرِهِ ) كَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( فَمُتَعَلِّقُهُ ) أَيْ الْأَمْرِ اسْمًا لِلصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ ( الْمَنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَالنَّافِي ) لِلْحَقِيقَةِ مُسْتَمِرٌّ ( عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ ) وَالْمُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ وَهُوَ أَيْ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ ( أَوْجَهُ لِابْتِنَائِهِ ) أَيْ النَّفْيِ ( عَلَى الثَّابِتِ لُغَةً ) مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ بِالْوُجُوبِ ( وَابْتِنَاءِ الْأَوَّلِ ) أَيْ الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً ( عَلَى الِاصْطِلَاحِ ) لِلنَّحْوِيِّينَ فِي أَنَّ الصِّيغَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ .
( وَاسْتِدْلَالُ الْمُثْبِتِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى انْقِسَامِ الْأَمْرِ إلَى أَمْرِ إيجَابٍ وَأَمْرِ نَدْبٍ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى إرَادَةِ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ مِنْ النُّحَاةِ ) بِأَهْلِ اللُّغَةِ مَجَازًا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُخَالِفُ فِيهِ حَتَّى يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ( لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ حُكْمُ اللُّغَةِ كَاسْتِدْلَالِهِمْ ) أَيْ وَإِرَادَةُ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ لِلْمُثْبِتِينَ كَإِرَادَةِ الِاصْطِلَاحِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ أَيْضًا ( بِأَنَّ فِعْلَهُ ) أَيْ الْمَنْدُوبَ ( طَاعَةٌ وَهِيَ ) أَيْ الطَّاعَةُ ( فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَأْمُورِ فِي الِاصْطِلَاحِ ) النَّحْوِيِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ

لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ ( فَعَيْنُ النِّزَاعِ ) إذْ لَيْسَ النِّزَاعُ إلَّا فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمَنْدُوبِ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ إنَّمَا يَتَمَشَّى ( عَلَى تَقْدِيرِ اصْطِلَاحٍ فِي الطَّاعَةِ ) وَهُوَ أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ فِيهَا ( مُنْتَفٍ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ فِعْلِ الْمُهَدَّدِ عَلَيْهِ طَاعَةً لِأَحَدٍ ) أَيْ لَا يُقَالُ لِلْفِعْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ افْعَلْ بِهِ تَهْدِيدًا إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَا إنَّهُ أَمْرٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ قَطْعًا مَعَ صِدْقِ الْأَمْرِ اصْطِلَاحًا نَحْوِيًّا عَلَى صِيغَتِهِ بَلْ الطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ الْمَنْدُوبِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمُثْبِتُونَ فِي الِاصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّ بَلْ أَرَادُوا فِي اللُّغَةِ ( فَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ ) الَّتِي هِيَ مُسَمًّى لَفْظِ أَمْرٍ ( حَقِيقَةٌ فِي النَّدْبِ مُشْتَرَكًا ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيجَابِ ( أَوْ خَاصًّا ) لِلنَّدَبِ ( وَهُمْ ) أَيْ الْمُثْبِتُونَ ( يَنْفُونَهُ ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَوْ خَاصَّةٌ فِي النَّدْبِ وَيَجْعَلُونَهَا حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ خَاصَّةً فَلَا يَكُونُ الْمَنْدُوبُ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا وَحِينَئِذٍ ( فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَنْدُوبَ ( لَوْ كَانَ مَأْمُورًا أَيْ حَقِيقَةً لَكَانَ تَرْكُهُ مَعْصِيَةً ) لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ تَارِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَاصٍ إذْ كَانَ الْأَمْرُ خَاصًّا بِصِيغَةِ الْإِيجَابِ ( وَلِمَا صَحَّ ) .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَهُمْ إلَى السِّوَاكِ وَنَفَى كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَمْرِ ثَمَّ فَاسْتِدْلَالُ النَّافِي

مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( زِيَادَةٌ ) مِنْهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا ( وَتَأْوِيلُهُ ) أَيْ الْأَمْرِ فِي هَذَيْنِ ( بِحَمْلِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ ( عَلَى قِسْمٍ خَاصٍّ هُوَ أَمْرُ الْإِيجَابِ ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مُخَالَفَةً لِلظَّاهِرِ ( بِلَا دَلِيلٍ وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُثْبِتِينَ ( لِدَلِيلِنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ ) وَحِينَئِذٍ فَأَخَفُّ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْمُثْبِتِينَ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ لَفْظِيَّةً فَالْمُثْبِتُ يَعْنِي الِاصْطِلَاحَ النَّحْوِيَّ وَلَا يُخَالِفُهُ النَّافِي وَالنَّافِي مَشَى عَلَى الْجَادَّةِ وَلَا يُخَالِفُهُ الْمُثْبِتُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَمِثْلُ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ ( فِي اللَّفْظِيَّةِ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَنْدُوبَ تَكْلِيفٌ وَالصَّحِيحُ ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ( عَدَمُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ تَكْلِيفًا ( خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي أَيْضًا ) ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ لَفْظِيًّا ( لِدَفْعِ بُعْدِهِ ) أَيْ خِلَافِهِ ( بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِقَوْلِهِ إنَّهُ تَكْلِيفٌ ( إيجَابُ اعْتِقَادِهِ ) أَيْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مَنْدُوبًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّفْعُ بَعِيدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ النَّدْبَ حُكْمٌ وَالْوُجُوبَ حُكْمٌ آخَرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَكَيْفَ لَا ، وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ إهْدَارُ النَّدْبِ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ وَرَدُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ شَاقٌّ ؛ لِأَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْإِلْزَامِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ أَيْضًا وَإِلَّا فَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ .
فَإِنْ فُسِّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَيْسَ بِتَكْلِيفٍ ، وَإِنْ فُسِّرَ بِطَلَبِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَتَكْلِيفٌ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمَنْدُوبِ لَا يَتِمُّ فِي تَوْجِيهِ خِلَافِهِ فِي الْمُبَاحِ ؛ لِأَنَّهُ لَا

طَلَبَ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَرَتَّبَ خِلَافَهُ فِي الْمُبَاحِ أَيْضًا عَلَيْهِ فَقَالَ ( إلَّا أَنَّ الْمُبَاحَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النَّدْبِ تَكْلِيفًا إيجَابَ اعْتِقَادِ نَدْبِيَّتِهِ ( تَكْلِيفٌ ) أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إيجَابُ اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ ( وَبِهِ ) أَيْ وَيَكُونُ الْمُبَاحُ تَكْلِيفًا ( قَالَ ) الْأُسْتَاذُ ( أَيْضًا ) وَمَنْ سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ قِيلَ : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مَعَ أَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ( وَمِثْلُهُمَا ) أَيْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا وَفِي كَوْنِ الْمُبَاحِ تَكْلِيفًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ ( الْمَكْرُوهُ ) أَيْ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَكَوْنِهِ تَكْلِيفًا فَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا ( مَنْهِيٌّ ) عَنْهُ ( أَيْ اصْطِلَاحًا ) نَحْوِيًّا ( حَقِيقَةً مَجَازًا لُغَةً ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الِاصْطِلَاحِ يُقَالُ عَلَى لَا تَفْعَلْ اسْتِعْلَاءً سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَنْعِ الْحَتْمِ أَوْ لَا أَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةُ نَهْيٍ عَنْ كَذَا إلَّا إذَا مُنِعَ مِنْهُ فَالْقَائِلُ " حَقِيقَةٌ " يُرِيدُ الِاصْطِلَاحَ وَالْقَائِلُ " مَجَازٌ " يُرِيدُ اللُّغَةَ ( وَإِنَّهُ ) أَيْ الْمَكْرُوهَ ( لَيْسَ تَكْلِيفًا ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَتَكْلِيفٌ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِاعْتِقَادِ كَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا أَوْ طَلَبِ تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَفِيهِمَا ) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَكْرُوهِ هَاتَيْنِ ( مَا فِيهِمَا ) أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا .
( وَالْمُرَادُ ) بِالْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ ( تَنْزِيهًا ) كَمَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ

تَحْرِيمًا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَكْلِيفٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالُوا ( وَيُطْلَقُ ) الْمَكْرُوهُ إطْلَاقًا شَائِعًا ( عَلَى الْحَرَامِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّا لَا صِيغَةَ ) نَهْيٍ ( فِيهِ ) أَيْ تَرْكِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَا صِيغَةَ نَهْيٍ فِيهِ ( فَالتَّنْزِيهِيَّة مَرْجِعُهَا إلَيْهِ ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى بَلْ هِيَ هُوَ بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالتَّفْرِقَةُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ بِأَخْذِ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى ( وَكَذَا يُطْلَقُ الْمُبَاحُ عَلَى مُتَعَلِّقِ ) الْإِبَاحَةِ ( الْأَصْلِيَّةِ ) الَّتِي هِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِمَا هُوَ الْمَنَافِعُ لِعَدَمِ ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ ( كَمَا ) يُطْلَقُ الْمُبَاحُ أَيْضًا ( عَلَى مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا ) بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ وَهِيَ الْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ ( وَكِلَاهُمَا ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَيْنِ إنَّمَا يُعْرَفَانِ ( بَعْدَ الشَّرْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيرٌ أَوْرَدْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ .
( أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ الْمُبَاحِ عِنْدَهُمْ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ ( وَالْعَقْلِيَّةِ ) وَمُتَعَلِّقُهَا عِنْدَهُمْ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الَّتِي يُدْرِكُ الْعَقْلُ عَدَمَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خِطَابٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ بِعَدَمِ الْحَرَجِ فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا ( وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ ) أَيْ جَوَازَ إطْلَاقِ الْمُبَاحِ شَرْعًا عَلَى مُتَعَلِّقِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ ( خِلَافًا فِي أَنَّ لَفْظَ الْمُبَاحِ هَلْ يُطْلَقُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ) أَيْ غَيْرِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِ الشَّارِعِ تَخْيِيرًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى

تَحْرِيرِ التَّفْتَازَانِيِّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مَا انْتَفَى الْحَرَجُ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَعِنْدَنَا مَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الشَّارِعِ بِذَلِكَ بِهِ ( فَلَا حَاصِلَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ ) بِالشَّرْعِ ( الشَّارِعَ فَلَا يُعْرَفُ لَهُ ) أَيْ لِلشَّارِعِ ( اصْطِلَاحٌ فِي الْمُبَاحِ أَوْ ) أَرَادَ بِهِ ( أَهْلَ الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيَّ فَلَا خِلَافَ بُرْهَانِيًّا ) بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاصْطِلَاحِ ( وَيُرَادِفُ الْمُبَاحَ ) بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى تَخْيِيرًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ عَلَى السَّوَاءِ ( الْجَائِزُ وَيَزِيدُ ) الْجَائِزُ عَلَيْهِ فِي الْإِطْلَاقِ ( بِإِطْلَاقِهِ ) أَيْ الْجَائِزِ ( عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا ) أَيْ مَا لَا يَحْرُمُ شَرْعًا ( وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ ( وَاجِبًا وَمَكْرُوهًا ) أَيْ أَوْ مَكْرُوهًا فَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَعَقْلًا ) أَيْ وَعَلَى مَا لَا يُمْتَنَعُ عَقْلًا وَهُوَ الْمُمْكِنُ الْعَامُّ سَوَاءٌ كَانَ ( وَاجِبًا أَوْ رَاجِحًا أَوْ قَسِيمَيْهِ ) أَيْ الرَّاجِحِ وَهُمَا الْمَرْجُوحُ وَالْمُسَاوِي وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى مَا اسْتَوَى شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَخَصُّ مِنْ الثَّانِي مُطْلَقًا وَمِنْ الثَّالِثِ مِنْ وَجْهٍ إذَا حُمِلَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ عَقْلًا عَلَى الْمُمْكِنِ الْخَاصِّ الَّذِي نِسْبَةُ مَاهِيَّتِه إلَى الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ سَوَاءٌ كَمَا فِي عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَرِدْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ .
وَعَلَى مَا يَشُكُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعَقْلِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَعَدَمِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ فِيهِمَا

بِالِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ شَرْعًا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا تَعَارَضَ فِيهِ دَلِيلَانِ يَقْتَضِي كُلٌّ مِنْهُمَا نَقِيضَ الْآخَرِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي نَظَرِهِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ الْحُكْمُ فِيهِ إمَّا هَذَا أَوْ ذَاكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّابِعِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هُنَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُنَاكَ فِي حُكْمِ الشَّارِعِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْغَزَالِيُّ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ لَا دَلِيلَانِ مُتَقَابِلَانِ ثَانِيهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ الشَّرْعِيِّ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ مَا دَلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَامْتَنَعَ عَدَمُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ امْتِنَاعُ عَدَمِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ فَعَدَمُ امْتِنَاعِ نَقِيضِهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ ثَالِثُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ رَابِعُهَا الْمَشْكُوكُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الِامْتِنَاعِ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِيِّ ا هـ مُخْتَصَرًا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَقَوْلُهُ ( كَمَا يُقَالُ الْمَشْكُوكُ عَلَى الْمَوْهُومِ ) صَحِيحٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي تَشْبِيهِ مَا تَقَدَّمَهُ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ نَعَمْ أَشَارَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ إلَى مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا يُقَالُ عَلَى مَا يَسْتَوِي طَرَفَاهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ وَعَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ كَذَلِكَ يُقَالُ الْجَائِزُ عَلَيْهَا وَهَذَا التَّشْبِيهُ ظَاهِرُ

الْوَجْهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ نَفْيِ الْكَعْبِيِّ الْمُبَاحَ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُبَاحَ ( تَرْكُ حَرَامٍ ) فَإِنَّ السُّكُوتَ تَرْكٌ لِلْقَذْفِ وَالسُّكُونَ تَرْكٌ لِلْقَتْلِ ( وَتَرْكُهُ ) أَيْ الْحَرَامِ ( وَاجِبٌ وَلَوْ ) كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا ( مُخَيَّرًا ) لِإِمْكَانِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ الْوَاجِبِ كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَلَّفُ فِعْلَ الْمُبَاحِ كَانَ وَاجِبًا ( فَانْدَفَعَ ) بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُخَيَّرًا ( مَنْعُ تَعَيُّنِ الْمُبَاحِ لِلتَّرْكِ ) لِلْحَرَامِ ( لِجَوَازِهِ ) أَيْ تَرْكِ الْحَرَامِ ( بِوَاجِبٍ ) لَكِنَّهُ قِيلَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا فَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَيُّنُهَا بِالنَّوْعِ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمَا بِهِ يَحْصُلُ تَرْكُ الْحَرَامِ مُتَعَيِّنٌ بِالنَّوْعِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ وَدُفِعَ بِأَنَّ تَرْكَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَفْعَالِ وَتَعَيُّنُهَا النَّوْعِيُّ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَيُّنِ حَقَائِقِهَا وَتَمَيُّزِ كُلٍّ مِنْهَا عَمَّا عَدَاهُ بِمَا يَخُصُّهُ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا لَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهَا وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْفِعْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْفُقَهَاءُ دَوَّنُوا تِلْكَ الْأَنْوَاعَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ لِلْإِغْنَاءِ عَنْ التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ لَا لِلْجَهْلِ بِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ ( وَيُورَدُ ) عَلَى الْكَعْبِيِّ أَنَّهُ ( لَيْسَ تَرْكُهُ ) أَيْ الْحَرَامَ ( عَيْنَ فِعْلِ الْمُبَاحِ ) غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ ( وَأَجَابَ ) الْكَعْبِيُّ ( بِأَنَّ ) هَذَا لَا يَضُرُّ فَإِنَّ ( مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ) وَبِهِ يَتِمُّ دَلِيلُنَا فَيُقَال تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ مُقَدِّمَةٌ لِلْوَاجِبِ وَمُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ .
( وَأَوْرَدَ ) عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ ( أَنَّهُ

مُصَادَمَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَيْهِ ) أَيْ الْمُبَاحِ ( وَبَاقِيهَا ) أَيْ أَقْسَامِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَنْدُوبِ فَلَا يُسْمَعُ ( فَأَجَابَ ) الْكَعْبِيُّ ( بِوُجُوبِ تَأْوِيلِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى انْقِسَامِ الْفِعْلِ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ مُنْقَسِمٌ إلَيْهَا ( بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( فِي ذَاتِهِ ) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ ( لَا بِمُلَاحَظَةِ مَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ فَيَكُونُ الْمُبَاحُ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ وَاجِبًا ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ ( لِقَطِيعَةِ دَلِيلِنَا ) الْمَذْكُورِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِنَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِبَقَاءِ الْعَمَلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ عَلَى وُجُوبِ الْمُبَاحِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَدِلَّةِ الْإِعْمَالُ لَا الْإِهْمَالُ ( وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ ) أَيْ هَذَا ( مُرَادَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ مُبَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ تَجُرُّ إلَى مِثْلِ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ فَيَجِبُ كَوْنُ مُرَادِهِمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ مُبَاحَةٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنْ لَزِمَهَا الْوُجُوبُ لِعَارِضِ التَّوَصُّلِ إلَى الْوَاجِبِ بِهَا ( فَإِنْ لَزِمَ وُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مُخَيَّرًا ) لِلْكَعْبِيِّ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ الْإِجْمَالِيِّ لِدَلِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَزِمَ كَوْنُ الْمُحَرَّمِ إذَا تَرَكَ بِهِ مُحَرَّمًا آخَرَ كَاللِّوَاطَةِ إذَا تَرَكَ بِهَا الزِّنَا وَاجِبًا لِقِيَامِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُحَرَّمَ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ فَيَكُونُ وَاجِبًا ( فَقَدْ ذَكَرَ جَوَابَهُ ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي إلْزَامِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةً ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَيَكُونُ وَاجِبًا حَرَامًا

مَعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ اتِّصَافِ الْفِعْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مَعًا بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَيَصِيرُ الْحَرَامُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ وَاجِبًا بِتَرْكِ حَرَامٍ آخَرَ لِغَيْرِهِ ( وَجَوَابَ الْأَخِيرَيْنِ ) أَيْ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَوُجُوبُ الْمَعْصِيَةِ مِنْ قِبَلِ الْجُمْهُورِ ( مَنْعَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ وَاقْتِصَارُهُمْ ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ ( عَنْ آخِرِهِمْ ) عَلَى هَذَا الْجَوَابِ ( يُنَادِي بِانْتِفَاءِ دَفْعِهِ ) أَيْ قَوْلِ الْكَعْبِيِّ ( إلَّا لِلنَّافِي ) كَوْنَ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبًا ( وَلَيْسَ ) هَذَا هُوَ ( الْمَذْهَبُ الْحَقُّ ) لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ ( وَلَا مُخَلِّصَ لِأَهْلِهِ ) حِينَئِذٍ بَلْ يَكُونُونَ مُلْزَمِينَ بِقَوْلِهِ بِنَفْيِ الْمُبَاحِ رَأْسًا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَهُوَ ) أَيْ جَوَابُهُ ( أَقْرَبُ إلَيْك مِنْك لِانْكِشَافِ مَنْعِ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ بَلْ لَا شَيْءَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ ( إيَّاهُ ) أَيْ تَرْكَ حَرَامٍ ( وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ الْمُبَاحَ تَرْكُ الْحَرَامِ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ التَّرْكَ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْفِعْلِ فَرْعُ خُطُورِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( وَ ) فَرْعُ ( دَاعِيَةِ النَّفْسِ لَهُ ) أَيْ لِلْفِعْلِ ( وَيَقْطَعُ بِإِسْكَانِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ وَفِعْلِهَا ) أَيْ الْجَوَارِحِ ( لَا عَنْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ تَرْكًا لَهَا ) أَيْ لِلْمَعْصِيَةِ ( بِذَلِكَ ) الْإِسْكَانِ وَالْفِعْلِ لِلْجَوَارِحِ ( وَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا ) أَيْ دَاعِيَةِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ ( فَالْكَفُّ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً يُثْبِتُهُ ) أَيْ وُجُوبَهُ ( مَا قَامَ بِإِطْلَاقِهِ الدَّلِيلُ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَخَرَجَ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لِتَرْكِ الْأَوْلَى بِذَلِكَ فَيَلْتَزِمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ التَّرْكِ غَيْرَ

أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْفِعْلِ ، وَإِنَّمَا صُدِّرَ الْجَوَابُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ تَعْجِيبًا مِنْ ذُهُولِ الْكُلِّ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ أَنَّهُمْ الْمُحَقِّقُونَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْعِلْمِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مُبَاحٍ تَرْكُ حَرَامٍ مَمْنُوعٌ لِلْقَطْعِ بِفِعْلِ مُبَاحَاتٍ لَا تُحْصَى مِنْ غَيْرِ خُطُورِ مَعْصِيَةٍ يُرَادُ بِفِعْلِ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ تُرْكُهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِخُطُورِ الْمَتْرُوكِ وَدَاعِيَّةِ النَّفْسِ إلَى فِعْلِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ فَثَبَتَ الْمُبَاحُ مُجَرَّدًا عَنْ كَوْنِهِ تَرْكًا لِشَيْءٍ فَبَطَلَ دَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ا هـ ثُمَّ كَوْنُ مَذْهَبِ الْكَعْبِيِّ إنْكَارَ الْمُبَاحِ رَأْسًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا نَقَلَهُ كَثِيرٌ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَالْآمِدِيِّ وَقِيلَ بَلْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ دُونَ الْأَمْرِ بِالنَّدْبِ وَالْأَمْرِ بِالْإِيجَابِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ لِآخَرِينَ كَالْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ .
( مَسْأَلَةٌ قِيلَ الْمُبَاحُ جِنْسُ الْوَاجِبِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا أُذِنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا جُزْءُ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ لِاخْتِصَاصِ الْوَاجِبِ بِقَيْدٍ زَائِدٍ وَهُوَ لَا فِي تَرْكِهِ وَلَا مَعْنَى لِلْجِنْسِ إلَّا كَوْنُهُ تَمَامَ الْجُزْءِ الْمُشْتَرَكِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( غَلَطٌ بَلْ ) الْمُبَاحُ ( قَسِيمُهُ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( مُنْدَرِجٌ مَعَهُ ) أَيْ الْوَاجِبِ ( تَحْتَ جِنْسِهِمَا إطْلَاقُ الْفِعْلِ لِمُبَايَنَتِهِ ) أَيْ الْمُبَاحِ لِلْوَاجِبِ ( بِفَصْلِهِ إطْلَاقَ التَّرْكِ ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّرْكِ ( وَتَقَدَّمَ فِي ) مَسْأَلَةٍ لَا شَكَّ فِي تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا فِي بَحْثِ ( الْأَمْرِ مَا يُرْشِدُ إلَيْهِ ) أَيْ كَوْنُهُ مُبَايِنًا فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ .

( تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمُ إمَّا رُخْصَةٌ وَهُوَ ) أَيْ الرُّخْصَةُ ( مَا ) أَيْ حُكْمُ ( شُرِعَ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ ) آخَرَ ( مَعَ اعْتِبَارِ دَلِيلِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الْآخَرِ ( قَائِمَ الْحُكْمِ ) أَيْ بَاقِيًا الْعَمَلَ بِهِ ( لِعُذْرِ خَوْفِ ) تَلَفِ ( النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ ) وَلَوْ أُنْمُلَةً إذَا لَمْ يَمْتَثِلْ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ الْعَزِيمَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ آخَرَ بَلْ شُرِعَتْ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً عَلَى عَارِضٍ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْهَا خِصَالُ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةُ وَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ ( كَإِجْرَاءِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ ) أَيْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ ( كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ( وَجِنَايَتِهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ الْمُكْرَهِ بِذَلِكَ ( عَلَى إحْرَامِهِ ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَعَلَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا عَلَى صَرِيحٍ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلدَّمِ فَقَطْ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْهُمَا وَمِنْ الصَّدَقَةِ إلَّا مَا عَسَاهُ يُفْهَمُ مِمَّا فِي شَرْحٍ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ جِنَايَةَ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ .
ا هـ .
وَيُخَالُ مِنْ اقْتِصَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ التَّرَخُّصِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِنَايَةِ بِأَنَّ فِيهِ انْجِبَارَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِالدَّمِ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنَايَةُ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ لَا الصَّدَقَةَ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ التَّرَخُّصُ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّمَ فَفِي الَّتِي تُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى ( وَرَمَضَانَ ) أَيْ وَجِنَايَةُ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا مَكْرُوهًا بِذَلِكَ عَلَى جِنَايَتِهِ عَلَى صَوْمِهِ بِالْإِفْسَادِ ( وَتَرْكِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالصَّلَاةِ ) الْمَفْرُوضَةِ إذَا أَمَرَ وَنَهَى وَصَلَّى ( وَتَنَاوُلِ

الْمُضْطَرِّ مَالَ الْغَيْرِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّخْصَةِ ( أَحَقُّ نَوْعَيْهَا ) أَيْ أُولَاهُمَا حَقِيقَةً بِاسْمِ الرُّخْصَةِ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِيهِ وَقِيَامِ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ دَالٍّ عَلَى تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ ( فَالْعَزِيمَةُ أَوْلَى وَلَوْ مَاتَ بِسَبَبِهَا ) أَيْ الْعَزِيمَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَمَّا قِيَامُ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِي اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ تَرَاخِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُهُ عَنْهُ فَظَاهِرٌ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ قَطْعِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي حُكْمِهِ عَنْهُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَيَقُومُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُهُ بِقِيَامِ دَلِيلِهِ وَيَدُومُ بِدَوَامِهِ .
وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّارِعُ لَهُ فِي إجْرَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ عَلَى لِسَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إجْرَائِهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ يَفُوتُ حَقُّهُ صُورَةً بِتَخْرِيبِ بَدَنِهِ وَمَعْنًى بِزَهُوقِ رُوحِهِ وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَفُوتُ مَعْنًى لِكَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ أَوْلَى ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا الْقَتْلُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ صُورَةً وَمَعْنًى بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَكَانَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَكَانَ شَهِيدًا كَمَا فِي الْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ ثُمَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكَتْ حَتَّى نِلْت مِنْك وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا

بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ } ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } نَزَلَتْ فِي عَمَّارٍ وَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا { أَنَّ عُيُونًا لِمُسَيْلِمَةَ أَخَذُوا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأْتُوهُ بِهِمَا فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَأَهْوَى إلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ إنِّي أَصَمُّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ، وَقَالَ لِلْآخَرِ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَرْسَلَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْت قَالَ وَمَا شَأْنُك فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ وَقِصَّةِ صَاحِبِهِ فَقَالَ أَمَّا صَاحِبُك فَمَضَى عَلَى إيمَانِهِ وَأَمَّا أَنْتَ فَأَخَذَتْ بِالرُّخْصَةِ } .
وَأَمَّا قِيَامُ دَلِيلِ الْعَزِيمَةِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ إلَى انْتِهَائِهِمَا شَرْعًا عَنْ الْجِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْإِحْرَامِ وَعَلَى الصِّيَامِ بِمَا يُوجِبُ الْإِفْسَادَ وَالْقِيَامَ بِفَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَدَاءِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا وَالْكَفِّ عَنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْعُدْوَانِ وَعَدَمِ تَرَاخِي أَحْكَامِ هَذِهِ عَنْ أَدِلَّتِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَمَعْرُوفٌ فِي مَظَانِّهِ ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ الشَّارِعُ لِلْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ الْمَذْكُورَيْنِ الْإِقْدَامَ عَلَى الْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِأَمْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَصَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَلِلْمُضْطَرِّ فِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ

الْمُنْكَرِ وَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَالْكَفِّ عَنْ تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ فَوَاتَ حَقِّهِمْ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَفُوتُ مَعْنًى مَعَ انْجِبَارِهِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ وَالدَّمِ أَوْ بِالدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ ، وَفِي الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ بِالْقَضَاءِ وَفِي تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ بِالضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَزِيمَةُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهَا الْقَتْلُ أَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَلِبَذْلِ نَفْسِهِ لِلَّهِ لِإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ وَإِظْهَارِ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَإِعْزَازِهِ .
وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَقِيَاسًا عَلَى الْعِبَادَاتِ لِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ الْقُوَّةِ فِي الدِّينِ بِبَذْلِ نَفْسِهِ فِي الِاجْتِنَابِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ كَانَ مَأْجُورًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَفِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَا حَرَّمَهُ النَّصُّ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ أُبِيحَ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لَا لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ إذْ لَيْسَ فِي التَّوَرُّعِ عَنْ الْمُبَاحِ إعْزَازُ دِينِ اللَّهِ وَمَنْ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لَا لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا وَمَا حَرَّمَهُ النَّصُّ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَرَخَّصَ فِيهِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ لَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَالْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَمَظَالِمِ الْعِبَادِ إذَا امْتَنَعَ فَقُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ حَيْثُ تَوَرَّعَ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ وَكَذَا مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُقِيمِ الصَّحِيحِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ

فَقُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ كَذَلِكَ .
( أَوْ ) مَا شُرِعَ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ آخَرَ مَعَ اعْتِبَارِ دَلِيلِهِ ( مُتَرَاخِيًا ) حُكْمُهُ ( عَنْ مَحَلِّهَا ) أَيْ الرُّخْصَةِ ( كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ ) وَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ الصَّوْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } قَائِمٌ لَكِنْ تَرَاخَى حُكْمُهُ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( وَالْعَزِيمَةُ ) فِي هَذَا النَّوْعِ ( أَوْلَى مَا لَمْ يَسْتَضِرَّ ) بِهَا نَظَرًا إلَى قِيَامِ السَّبَبِ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ } وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ { حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ فِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَصَامَ هُوَ فِي السَّفَرِ أَيْضًا } كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَبَحَثْنَا عَنْ ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الرُّخْصَةِ لَمْ يَتَمَحَّضْ فِي الْفِطْرِ بَلْ فِي الْعَزِيمَةِ مَعْنَاهَا أَيْضًا وَهُوَ مُوَافَقَةُ الصَّائِمِينَ وَلِيُوَطِّنَ النَّفْسَ عَلَى صَوْمِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَكُلُّ مَا وُطِّنَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ خَفَّ أَمْرُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ فِي تَمَحُّضِ مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِي الْفِطْرِ تَرَدُّدٌ إذَا لَمْ يَسْتَضِرَّ بِهِ فَإِذَا اسْتَضَرَّ تَمَحَّضَ حِينَئِذٍ فِي الْفِطْرِ مَعْنَى الرُّخْصَةِ ( فَلَوْ مَاتَ بِهَا ) أَيْ بِالْعَزِيمَةِ ( أَثِمَ ) لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ بِلَا مُبِيحٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ

حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ } فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَضَرُّوا بِهِ بِدَلِيلِ مَا فِي لَفْظٍ لَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ قَدْ شُقَّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ ( وَالْعَزِيمَةُ ذَلِكَ الْحُكْمُ ) الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفًا لِحُكْمٍ ( فَيُقَيَّدُ ) ذَلِكَ الْحُكْمُ ( بِمُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ وَقَدْ لَا يَتَقَيَّدُ ) بِمُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ ( فَيُقَالُ مَا ) أَيْ حُكْمٌ ( شُرِعَ ابْتِدَاءً غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ ) أَيْ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَهُوَ إيضَاحٌ لِابْتِدَائِيَّةِ شَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ فَخَرَجَتْ الرُّخْصَةُ وَعَمَّتْ الْعَزِيمَةُ مَا كَانَ هَكَذَا مِمَّا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ رُخْصَةٍ أَوْ لَا فِي مُقَابَلَتِهَا ( وَتُعْرَفُ الرُّخْصَةُ بِمَا تَغَيَّرَ مِنْ عُسْرٍ إلَى يُسْرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ ) وَهُوَ إيضَاحٌ لِمَا تَغَيَّرَ لِلْعِلْمِ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ تَغَيُّرٍ إلَخْ .

( وَقُسِّمَ كُلٌّ ) مِنْ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ ( أَرْبَعَةً ) مِنْ الْأَقْسَامِ فَقُسِّمَتْ ( الْعَزِيمَةُ إلَى فَرْضِ مَا ) أَيْ حُكْمٌ ( قُطِعَ بِلُزُومِهِ ) مَأْخُوذٌ ( مِنْ فَرْضٍ قُطِعَ وَوَاجِبِ مَا ) أَيْ حُكْمٍ ( ظُنَّ ) لُزُومُهُ سُمِّيَ وَاجِبًا ( لِسُقُوطِ ) أَيْ وُقُوعِ ( لُزُومِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ ) جَبْرًا ( بِلَا عِلْمٍ ) لَهُ بِثُبُوتِهِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ فَهُوَ يَتَحَمَّلُهُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِلُزُومِهِ لَهُ قَطْعًا بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِلْمُهُ بِهِ قَطْعًا يَتَحَمَّلُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَشَرْحِ صَدْرِهِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ ( مِنْ وَجَبَ سَقَطَ وَالشَّافِعِيَّةُ ) بَلْ الْجُمْهُورُ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ اسْمَانِ ( مُتَرَادِفَانِ ) لِفِعْلٍ مَطْلُوبٍ طَلَبًا جَازِمًا ( وَلَا يُنْكِرُونَ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ الْجُمْهُورُ ( انْقِسَامَ مَا لَزِمَ ) فِعْلُهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى طَلَبِهِ طَلَبًا جَازِمًا ( إلَى قَطْعِيٍّ ) أَيْ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ دَلَالَةً وَسَنَدًا ( وَظَنِّيٍّ ) أَيْ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ دَلَالَةً وَسَنَدًا أَوْ دَلَالَةً لَا سَنَدًا وَبِالْقَلْبِ ( وَلَا ) يُنْكِرُونَ ( اخْتِلَافَ حَالِهِمَا ) أَيْ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ مِنْ حَيْثُ الْإِكْفَارُ وَعَدَمُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الِاسْمَيْنِ هَلْ هُمَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي ذَاتِهِ تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِالنَّظَرِ إلَى طَرِيقِ ثُبُوتِهِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِفَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارٍ فِي طَرِيقِ ثُبُوتِهِ حَتَّى إنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُجَرَّدِ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مِنْ ذَيْنِك الِاسْمَيْنِ وَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ دُونَ الْآخَرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْأَوَّلِ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى الثَّانِي ( فَهُوَ ) نِزَاعٌ ( لَفْظِيٌّ ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ .
( غَيْرَ أَنَّ إفْرَادَ كُلِّ قِسْمٍ بِاسْمٍ أَنْفَعُ عِنْدَ الْوَضْعِ ) لِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ ( لِلْحُكْمِ ) عَلَيْهِ فَإِنَّك حِينَئِذٍ تَضَعُ الْفَرْضَ مَوْضُوعَ

مَسْأَلَةٍ لِتَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَتَضَعَ الْوَاجِبَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْمٌ وَاحِدٌ يَعُمُّ مَعْنَيَيْنِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ فَإِنَّك تَضَعُ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِاسْمِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ لِتَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِحَسَبِ طَرِيقِ ثُبُوتِهِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِسْمُ الَّذِي طَرِيقُ ثُبُوتِهِ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ لِدَلَالَةِ لَفْظِهِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كِلَا الِاسْمَيْنِ لِلْقِسْمَيْنِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الِاسْمِ قِسْمٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمَا ( وَإِلَى سُنَّةِ الطَّرِيقَةِ الدِّينِيَّةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ) الْخُلَفَاءِ ( الرَّاشِدِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ ) الَّتِي يُطَالَبُ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ وَلَا وُجُوبٍ فَيَخْرُجُ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْصِحُ عَنْ هَذَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ مَقُولَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ { فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ } وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا صَحَّحَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةِ { الْخِلَافَةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا } وَفِي رِوَايَةٍ { الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ، وَفِي لَفْظِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ قَالَ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ } وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى خِلَافَتِهِمْ ( وَيَنْقَسِمُ مُطْلَقُهَا ) أَيْ السُّنَّةِ ( إلَى سُنَّةِ هَدْيٍ ) وَهِيَ مَا يَكُونُ إقَامَتُهَا تَكْمِيلًا لِلدِّينِ ( تَارِكُهَا ) بِلَا

عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ ( مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَالْأَذَانِ ) لِلْمَكْتُوبَاتِ كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى وُجُوبِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ أَصْلًا وَهُوَ قَوِيٌّ ( وَالْجَمَاعَةِ ) لَهَا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافَظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ .
( وَإِنَّمَا يُقَاتَلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا ) أَيْ سُنَّةِ الْهُدَى كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ تَرَكُوا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ أُمِرُوا بِهِمَا فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا بِالسِّلَاحِ ( لِلِاسْتِخْفَافِ ) ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ إعْلَامِ الدِّينِ فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ قُوتِلُوا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْأَذَانِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته بَلْ وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ تَرَكَ أَهْلُ كُورَةٍ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ ضَرَبْته وَحَبَسْته ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى

التَّرْكِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ اسْتِخْفَافٌ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ الْمُصِرِّينَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَا مُلَامَ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ السُّنَنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ ( وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُطْلِقُهَا ) أَيْ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِي عَلَى مَا فِي الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى لِسَانِ الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ ( يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى مَسْنُونِهِ ( عَلَيْهِ السَّلَامُ ) وَعَزَاهُ مِنْ الرَّاوِي صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ إلَى أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ ( صَحِيحٌ فِي عُرْفِ الْآنَ وَالْكَلَامُ فِي عُرْفِ السَّلَفِ لِيُعْمَلَ بِهِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الرَّاوِي ) صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( السُّنَّةُ أَوْ مِنْ السُّنَّةِ وَكَانُوا ) أَيْ السَّلَفُ ( يُطْلِقُونَهَا ) أَيْ السُّنَّةَ ( عَلَى مَا ذَكَرْنَا ) أَيْ سُنَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَا سِيَّمَا الْعُمَرَيْنِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ جَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لَمَّا أَمَرَ الْجَلَّادَ بِالْإِمْسَاكِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ ، وَقَالَ : مَالِكٌ قَالَ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا اعْتِصَامٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ تَبْدِيلُهَا وَلَا تَغْيِيرُهَا وَلَا النَّظَرُ فِي أَمْرٍ خَالَفَهَا مَنْ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ وَمَنْ تَرَكَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مَدِيحِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَاءَ بِسُنَّةِ

الْعُمَرَيْنِ فِيهَا شِفَاءً لِلصُّدُورِ مِنْ السَّقَامِ ، وَفِي سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّا لَنَرْجُو أَنْ تُعِيدَ لَنَا سُنَنَ الْخَلَائِفِ مِنْ بَنِي فِهْرِ عُثْمَانَ إذْ ظَلَمُوا وَانْتَهَكُوا دَمَهُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَدِعَامَةَ الدِّينِ الَّتِي اعْتَدَلَتْ عُمَرًا وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرِ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ ثَبَتَ إطْلَاقُ السُّنَّةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا سَنُّوهُ كَمَا رَوَيْنَا آنِفًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابَعُوهُمْ وَالصَّيْرَفِيُّ لَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَرَى فِي الْقَدِيمِ أَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ إذَا صَدَرَ مِنْ الصَّحَابِيِّ أَوْ التَّابِعِيِّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ سُنَّةَ الْبَلَدِ ا هـ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ النَّقْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مَعًا ، وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّابِعِيِّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَّةِ كَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ إذَا قَالَهُ التَّابِعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ بَلْ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْحَاكِمِ فَقَالَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا قَالَهَا غَيْرُ الصَّحَابِيِّ فَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُضِفْهَا إلَى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ وَهَذَا مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ هُوَ الْمُقْتَدِي وَالْمُتَّبِعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِضَافَةُ مُطْلَقِهَا إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ لِاقْتِدَائِهِ فِيهَا بِسُنَّتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّتِهِ مَعَ الْحَجَّاجِ حِينَ قَالَ لَهُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قُلْت لِسَالِمٍ أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهَلْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّتَهُ فَنَقَلَ سَالِمٌ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا السُّنَّةَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إلَّا سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِهَا عَلَى سُنَّتِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا ؛ لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ جَوَازَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ فَهْمَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنْ إطْلَاقِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْمِيزَانِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لَوْ قِيلَ اللَّفْظُ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِسُنَّتِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِسُنَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَإِلَى ) سُنَنٍ ( زَائِدَةٍ كَمَا فِي أَكْلِهِ وَقُعُودِهِ وَلُبْسِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا أَخْذُهَا حَسَنٌ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَرَاهَةٌ وَلَا إسَاءَةٌ ( وَإِلَى نَفْلٍ ) وَهُوَ الْمَشْرُوعُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ لَنَا لَا عَلَيْنَا ( يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ سَبَبٌ لِنَيْلِ الثَّوَابِ ( فَقَطْ ) أَيْ وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ صَوْمُ الْمُسَافِرِ حَيْثُ يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ يَقَعُ فَرْضًا لِمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى التَّرْكِ أَصْلًا ، غَايَةُ

الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يُلَامُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( وَمِنْهُ ) أَيْ النَّفْلِ الرَّكْعَتَانِ ( الْأُخْرَيَانِ ) مِنْ الرَّبَاعِيَةِ ( لِلْمُسَافِرِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِمَا وَلَا يُعَاقَبُ وَلَا يُعَاتَبُ عَلَى تَرْكِهِمَا ( فَلَمْ يَنُوبَا عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ ) عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْأُخْرَيَانِ ( وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنْدُوبُ ) كَالرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالسِّتَّةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ( وَثُبُوتُ التَّخْيِيرِ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ ) النَّفْلِ بَيْنَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِهِ ( لَا يَسْتَلْزِمُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا اسْتِمْرَارَهُ ) أَيْ التَّخْيِيرِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ ( كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ) وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْهُ ( فَجَازَ الِاخْتِلَافُ ) بَيْنَ ثُبُوتِ التَّخْيِيرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَيْنَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذَا شَرَعَ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ( يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ ) يُعِينُ هَذَا الْجَائِزَ وَاقِعًا وَقَدْ وُجِدَ ( وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ ) الثَّابِتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ النَّفْلِ ( فَوَجَبَ الْإِتْمَامُ فَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ وَالرُّخْصَةِ ) أَيْ وَقُسِّمَتْ ( إلَى مَا ذَكَرَ ) أَيْ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَتَمُّ فِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَالْآخَرُ مُقَابِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّقْسِيمِ ( وَ ) إلَى ( مَا وَضَعَ عَنَّا مِنْ إصْرٍ ) أَيْ حُكْمٍ مُغَلَّظٍ شَاقٍّ ( كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا ) مِنْ بَعْضِ الْأُمَمِ ( فَلَمْ يُشْرَعْ عِنْدَنَا ) أَيْ فِي مِلَّتِنَا أَصْلًا تَكْرِيمًا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحْمَةً لَنَا ( كَقَرْضِ مَوْضِعِ

النَّجَاسَةِ ) مِنْ الثَّوْبِ وَالْجِلْدِ ( وَأَدَاءِ الرُّبُعِ فِي الزَّكَاةِ ) أَيْ جَعْلِ رُبُعِ الْمَالِ مِقْدَارَ زَكَاتِهِ وَاشْتِرَاطِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ وَبَتِّ الْقَضَاءِ بِالْقِصَاصِ عَمْدًا كَانَ الْقَتْلُ أَوْ خَطَأً وَإِحْرَاقِ الْغَنَائِمِ وَتَحْرِيمِ الْعُرُوقِ فِي اللَّحْمِ وَالسَّبْتِ وَالطَّيِّبَاتِ بِالذُّنُوبِ ، وَأَنْ لَا يُطَهِّرَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ غَيْرُ الْمَاءِ وَكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسِينَ وَأَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةِ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فِي الصَّوْمِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ فِيهِ وَكِتَابَةِ ذَنْبِ الْمُذْنِبِ لَيْلًا عَلَى بَابِ دَارِهِ صَبَاحًا .

( وَ ) إلَى ( مَا ) أَيْ حُكْمٌ ( سَقَطَ أَيْ لَمْ يَجِبْ ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ ( مَعَ الْعُذْرِ مَعَ شَرْعِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ ) وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ ( وَهَذَانِ ) الْقِسْمَانِ لِلرُّخْصَةِ ( بِاعْتِبَارِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّخْصَةِ ) سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِهَا عَلَيْهِمَا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِسُقُوطِ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا تَوْسِعَةً وَتَخْفِيفًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ مَنْ قَبْلَنَا إذَا قَابَلْنَا أَنْفُسَنَا بِهِمْ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِسُقُوطِهِ فِي مَحِلِّ الْعُذْرِ مَعَ شَرْعِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَتْ الْمَجَازِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ أَتَمُّ ( لَا ) أَنَّهُمَا قِسْمَانِ لِلرُّخْصَةِ بِاعْتِبَارِ ( حَقِيقَتِهَا ) وَهِيَ مَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ لِانْتِفَائِهَا فِيهِمَا فَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا يُخْرِجُ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلِينَ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ التَّقْسِيمِ الْحَقِيقِيِّ لِلْعَزِيمَةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الْأَرْبَعَةَ ، ثُمَّ مِثْلُ هَذَا الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ ( كَالْقَصْرِ ) لِلصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ ( لِإِيجَابِ السَّبَبِ ) الْمُوجِبِ لَهَا ( وَالْأَرْبَعِ فِي غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِيهِ ) أَيْ الْمُسَافِرِ ( بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ قَالَتْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ ( وَسُقُوطُ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ ) أَيْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ مَخَافَةَ الْهَلَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ ( وَالْمُكْرَهِ ) عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ بِالْقَتْلِ فَحُرْمَتُهُمَا سَاقِطَةٌ مَعَ عُذْرِ الِاضْطِرَارِ ثَابِتًا عِنْدَ عَدَمِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِنْ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ( لِلِاسْتِثْنَاءِ ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } إذْ

الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ ( فَتَجِبُ الرُّخْصَةُ ) الَّتِي هِيَ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ كَمَا يَجِبُ شُرْبُ الْمَاءِ وَأَكْلُ الْخُبْزِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ ( وَلَوْ مَاتَ لِلْعَزِيمَةِ ) أَيْ لِلِامْتِنَاعِ عَنْهُمَا ( أَثِمَ ) كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ حَتَّى مَاتَ لِإِلْقَائِهِ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ مِنْ غَيْرِ مُلْجِئٍ لَكِنَّ هَذَا إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّ فِي انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ خَفَاءً فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا مُضْطَرٌّ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَرْتَفِعُ ، وَإِنَّمَا رُفِعَ إثْمُهَا كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ فَلَا يَأْثَمُ بِالِامْتِنَاعِ وَيَحْنَثُ فِي الْحَلِفِ الْمَذْكُورِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ يَكُونُ مِنْ مِثْلِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أَيْ يُغْفَرُ لَهُ مَا أَكَلَ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ حِينَ اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَدَلَّ إطْلَاقُ الْمَغْفِرَةِ عَلَى قِيَامِ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ رَحْمَةً عَلَى عِبَادِهِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ إطْلَاقَ ذِكْرِ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِبَاحَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى بَقَاءِ الْمُهْجَةِ إذْ يَعْسُرُ عَلَى الْمُضْطَرِّ رِعَايَةُ ذَلِكَ هَذَا وَأَوْرَدَ الْمُكْرَهُ إنْ كَانَ مُضْطَرًّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لَمْ يَدْخُلْ فِي إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ كُلَّ مُكْرَهٍ بِمَا فِيهِ إلْجَاءٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا مُضْطَرٌّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إلَّا أَنَّ الِاضْطِرَارَ نَوْعَانِ مَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْإِكْرَاهِ عُرْفًا وَيَسْتَبِدُّ بِنَوْعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ

إشَارَةٌ إلَى النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَإِلَى أَنَّهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الرُّخْصَةِ ( سُقُوطُ غَسْلِ الرِّجْلِ ) الَّذِي كَانَ الْعَزِيمَةَ حَيْثُ لَا خُفَّ ( مَعَ الْخُفِّ ) فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ مَنْعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَزَعَهُ بَعْدَ الْمَسْحِ لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَسِرِ إلَيْهِمَا لَمْ يَجِبْ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ بِدُونِ الْحَدَثِ فَظَهَرَ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَاقِطٌ وَأَنَّ الْمَسْحَ شُرِعَ تَيْسِيرًا ابْتِدَاءً لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ يَتَأَدَّى بِالْمَسْحِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اشْتَرَطَ كَوْنَ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ اللُّبْسِ طَارِئًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ السَّارِي إلَى الْقَدَمِ وَظَهَرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي الرِّجْلِ مَا دَامَتْ مُسْتَتِرَةً بِالْخُفِّ وَجَعَلَ الْخُفَّ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( الْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ ) وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ ( أَوْلَى ) مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ فِيهَا ( مَعْنَاهُ إمَاطَةُ ) أَيْ إزَالَةُ ( سَبَبِ الرُّخْصَةِ بِالنَّزْعِ ) لِلْخُفِّ لِيَغْسِلَهُمَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِهَا لِيَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ هَذَا .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ سَهْوٌ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ هَذَا النَّوْعِ أَنْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً مَعَهُ لَكِنَّ الْغَسْلَ فِي الرِّجْلِ مَشْرُوعٌ ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ فِي الْمَاءِ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ

الْغُسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ .
وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ تَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغُسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ فَوْقَ الْخُفَّيْنِ .
وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْأَجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغُسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغُسْلِ وَقَدْ حَصَلَ ا هـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بَلْ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ، وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمَسْحِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُجْتَبِي وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ لَا يَنْتَقِضُ ، وَإِنْ

بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ وَلَا رَيْبَ فِي اتِّجَاهِ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ يُفِيدُ تَمْشِيَةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الرِّجْلَيْنِ وَقْتَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُزِيلَ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَالسَّلَمُ ) وَهُوَ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ ( سَقْطُ اشْتِرَاطُ مِلْكِ الْمَبِيعِ ) فِيهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لِتَرْخِيصِهِ فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ مَنْ أَسَلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ فَكَانَ رُخْصَةً مَجَازًا لَا حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ قَدْ انْعَدَمَ فِي حَقِّهِ شَرْعًا ( فَلَوْ لَمْ يَبِعْ سَلَمًا وَتَلِفَ جُوعًا ) أَيْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ السَّلَمِ عِنْدَ الْجُوعِ حَتَّى مَاتَ ( أَثِمَ ) كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ ( وَاكْتَفَى بِالْعَجْزِ التَّقْدِيرِيِّ عَنْ الْمَبِيعِ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ إذْ السَّلَمُ عَقْدٌ بِأَرْخَصِ الثَّمَنَيْنِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ

عَلَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَتِهِ وَإِلَّا حَجَزَهُ عَقْلُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ( فَلَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً ( وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ رُخْصَةٌ ) فَمَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ أَيْ لِفِعْلٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ لِتَرْكٍ كَتَرْكِ الصَّوْمِ لِلْمُسَافِرِ جِنْسٌ مُتَنَاوِلٌ لِلْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَلِعُذْرٍ أَيْ مَا يَطْرَأُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْهِيلِ عَلَيْهِ مُخْرَجٌ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَمَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ أَيْ بَقَاءِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ مَعْمُولًا بِهِ أَيْ مُثْبِتًا لِلْحُرْمَةِ حَتَّى فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا لَوْلَا الْعُذْرُ فَهُوَ قَيْدٌ لِوَصْفِ التَّحْرِيمِ لَا لِلْقِيَامِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ مُخْرِجٌ لِمَا نُسِخَ تَحْرِيمُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَامَ لِلْمُحَرِّمِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مَعْمُولًا بِهِ وَمَا خُصَّ مِنْ دَلِيلِ الْمُحَرِّمِ ؛ لِأَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ بِمَانِعٍ فِي حَقِّهِ بَلْ التَّخْصِيصُ بَيَانُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ .
( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ هَكَذَا ( فَعَزِيمَةٌ وَمُقْتَضَاهُ ) أَيْ هَذَا الِاقْتِصَارِ ( انْتِفَاءُ التَّعَلُّقِ ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ ( بِقَائِمِ الْعُذْرِ ) لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْمُحَرِّمِ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّهِ ( وَيَقْتَضِي امْتِنَاعَ صَبْرِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْكَلِمَةِ ) أَيْ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ بِالْقَتْلِ ( لِحُرْمَةِ قَتْلِ النَّفْسِ بِلَا مُبِيحٍ ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ إذَا بَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ وَكَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُ لِمَانِعٍ طَارِئٍ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ لَوْلَاهُ لَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ

فِي حَقِّهِ فَهُوَ الرُّخْصَةُ ا هـ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّف إنْ لَمْ يَبْقَ مُكَلَّفًا عِنْدَ طُرُوِّ الْعُذْرِ لَمْ يُثْبِتْ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ الْاقْتِضَائِيَّة وَالتَّخْيِيرِيَّة وَالتَّكْلِيفُ شَرْطٌ لَهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ عَدَمُ تَحْرِيمِ مِثْلِ إجْرَاءِ الْمُكْرَهِ كَلِمَةَ الشِّرْكِ عَلَى لِسَانِهِ وَإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ وَإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَجِنَايَتِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ رُخْصَةً ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ يَمْنَعُ التَّكْلِيفَ ا هـ .
ثُمَّ قَدْ يُقَالُ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَكِنْ بِلَا ذِكْرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ جَامِعٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ عَلَى الرُّخْصَةِ الْوَاجِبَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الرُّخْصَةِ الْمَنْدُوبَةِ كَقَصْرِ الرَّبَاعِيَةِ لِمُسَافِرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا عَلَى الرُّخْصَةِ الْمُبَاحَةِ كَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمِنْهَاجِ الْحُكْمُ إنْ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ وَإِلَّا فَعَزِيمَةٌ وَجَمْعُ الْجَوَامِعِ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إنْ تَغَيَّرَ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ وَإِلَّا فَعَزِيمَةٌ ، ثُمَّ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا طَرِيقُ الْحَاصِلِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَآخَرُونَ كَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْحُكْمِ هَذَا وَبَعْضُهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ عَلَى دُخُولِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فِي الْعَزِيمَةِ وَبَعْضُهُمْ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ إلَّا الْمُحَرِّمَ وَخَصَّهَا الْقَرَافِيُّ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ ، وَقَالَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاحُ مِنْ الْعَزَائِمِ فَإِنَّ الْعَزْمَ هُوَ الطَّلَبُ الْمُؤَكَّدُ فِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِالْوَاجِبِ لَا غَيْرُ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْجُمْهُورِ ، ثُمَّ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ

الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ وَقِيلَ لِلشَّارِعِ فِي الرُّخَصِ حُكْمَانِ كَوْنُهَا وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ وَكَوْنُهَا مُسَبَّبَةً عَنْ عُذْرٍ طَارِئٍ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ يُنَاسِبُ تَخْفِيفَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْمُسَبَّبِيَّة وَلَا بِدَعَ فِي جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَتَيْنِ فَإِنَّ إيجَابَ الْجَلْدِ لِلزَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسَبَّبًا عَنْ الزِّنَا وَعَلَيْهِ مَشَى الْأَبْهَرِيُّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( تَتِمَّةٌ ) لِهَذَا الْفَصْلِ ( الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ ( فَفِي الْمُعَامَلَاتِ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ مِنْهَا فَتَرَتُّبُهُمَا عَلَيْهَا صِحَّتُهَا ( وَفِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَكَلِّمُونَ ) قَالُوا هِيَ ( مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ ) أَيْ أَمْرِ الشَّارِعِ وَقَوْلِهِ ( فِعْلَهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ بِالْجَرِّ حَالَ كَوْنِهِ ( مُسْتَجْمِعًا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ) بَدَلٌ مِنْهُ إذْ مُوَافَقَةُ الْفِعْلِ لِأَمْرِ الشَّرْعِ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنْ طَلَبِهِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ ( وَهُوَ ) أَيْ فِعْلُهُ مُسْتَجْمِعًا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ( مَعْنَى الْإِجْزَاءِ وَالْفُقَهَاءُ ) قَالُوا ( هُمَا ) أَيْ الصِّحَّةُ وَالْإِجْزَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ ( انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهَا فَالْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ ( فَفِيهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ( زِيَادَةُ قَيْدٍ ) عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهَا مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِي تِلْكَ مِنْ الْمُشَاحَّةِ اللَّفْظِيَّةِ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَسْقُطُ وَأَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْعَضُدِ إنَّهَا دَفْعُ وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَالدَّفْعَ صِفَةُ الْمُكَلَّفِ فَغَيَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَالَ وَهُوَ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ ( فَصَلَاةُ ظَانِّ الطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( صَحِيحَةٌ وَمُجْزِئَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَنِّهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا بِقَدْرِ وُسْعِهِ ( لَا الثَّانِي ) أَيْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَهَا ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِهِ ) أَيْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ ( غَيْرَ أَنَّ

الْإِجْزَاءَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَبِعَدَمِهِ إلَّا مُحْتَمَلُهُمَا ) أَيْ الْإِجْزَاءُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَدٍّ بِهِ شَرْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَجْمِعًا لِلشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ ، وَعَدَمُهُ بِأَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُعْتَدٍّ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ ( مِنْ الْعِبَادَاتِ ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ( بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ ) لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُمَا فَإِنَّهُ إنْ عَرَّفَهُ تَعَالَى بِطَرِيقٍ مَا فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُهُ فَلَا يُقَالُ عَرَفَهُ مَعْرِفَةً غَيْرَ مُجْزِيَةٍ ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَا عَرَفَهُ بَلْ الْوَاقِعُ جَهْلٌ لَا مَعْرِفَةٌ ( وَقِيلَ يُوصَفُ بِهِمَا ) أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ أَيْضًا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهُوَ ( رَدُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمِلْكِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَحْجُورًا ) لِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ ( وَغَيْرَ مَحْجُورٍ ) فَيُوصَفُ الْأَوَّلُ بِالْإِجْزَاءِ وَالثَّانِي بِعَدَمِهِ ( وَدَفَعَ ) وَالدَّافِعُ الْإِسْنَوِيُّ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ رَدَّهَا إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ( لَيْسَ تَسْلِيمًا لِمُسْتَحِقِّ التَّسْلِيمِ ) بِخِلَافِ رَدِّهَا إلَى غَيْرِ الْمَحْجُورِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِ مَا يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَذْكُرُ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ وَالتَّحْصِيلِ وَالْمِنْهَاجِ .
وَيَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمَالِكِ الْمَحْجُورِ لَيْسَ رَدًّا غَيْرَ مُجْزٍ فَيَكُونُ الرَّدُّ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِمَّا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ مُجْزِيًا وَغَيْرَ مُجْزٍ فَالْوَجْهُ حَذْفُهُ مِنْ مِثْلِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَمَا حَذَفَهُ فِي الْحَاصِلِ ( ثُمَّ قِيلَ مُقْتَضَى ) كَلَامِ ( الْفُقَهَاءِ ) أَنَّ الْإِجْزَاءَ ( لَا يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ فَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ ) عَنْ { أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةً قَبْلَ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُجْزِي عَنْك قَالَ عِنْدِي جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُجْزِي إلَى آخِرِهِ أَيْ عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك } رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ ( وَنَظَرَ فِيهِ بِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ) مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَالَ ( { لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } عَلَى وُجُوبِهَا ) أَيْ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى الْوُجُوبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ خَاصٌّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( وَقَالُوا هُوَ ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِهَا ( أَدَلُّ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ ) أَيْ مِنْ لَفْظِهِمَا عَلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى النَّسَبِ لَا عَلَى نَفْيِ الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ مَحْذُوفٌ فَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ صَحِيحَةً فَيُوَافِقُ مَطْلُوبَهُمْ أَوْ كَامِلَةً فَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ ) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلْيَسْتَطِبْ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا ) النَّظَرُ ( يُحَوِّلُ الدَّلِيلَ ) الْمَذْكُورَ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ يُوصَفُ بِهِ الْمَنْدُوبُ ( اعْتِرَاضًا عَلَيْهِمْ ) يَعْنِي قَوْلَكُمْ أَنَّهُ يَخُصُّ الْوَاجِبَ حَتَّى جَعَلْتُمْ حَدِيثَ { لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ } وَحَدِيثَ فَإِنَّهَا تُجْزِي دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ ، وَالِاسْتِنْجَاءُ يَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْأُضْحِيَّةِ نَقْضًا تَقْرِيرُهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُجْزِي إلَى آخِرِهِ

( وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا ) أَيْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ ( كَالْفَسَادِ ) فِي عُمُومِهِ لَهُمَا ( وَهُوَ ) أَيْ الْفَسَادُ ( الْبُطْلَانُ ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( وَالْحَنَفِيَّةُ كَذَلِكَ ) أَيْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مُرَادِفٌ لِلْبُطْلَانِ ( فِي الْعِبَادَاتِ بِفَوَاتِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ ) فَالْفَاسِدَةُ هِيَ الْبَاطِلَةُ وَهِيَ مَا فَاتَ فِيهَا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ ( وَقَدَّمْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي النَّهْيِ ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ إنْ نَافَى حُكْمُهُ حُكْمَ الْفِعْلِ بَطَلَ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَادَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ هُنَاكَ هُوَ حُصُولُ ثَوَابِهِ تَعَالَى وَانْدِفَاعُ عِقَابِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ تَحْرِيمًا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ دُونَ الْمُعَامَلَةِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْأُخْرَوِيَّ الْعِقَابُ الْمُنَافِي لِحُكْمِ الْعِبَادَةِ أَيْ أَثَرِهَا فَحَكَمَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لَوْ صَامَهُ وَحُكْمُ الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ مِلْكِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَيَثْبُتُ مَعَ الْحُرْمَةِ ذَلِكَ فَجَعَلَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ أُخْرَوِيًّا وَمِنْ الْمُعَامَلَةِ دُنْيَوِيًّا .
( وَفِي الْمُعَامَلَةِ ) قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ ( كَوْنُهَا تَرَتَّبَ أَثَرُهَا ) وَهُوَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِهَا ( مَطْلُوبَةَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا الْفَسَادُ وَغَيْرَ مَطْلُوبَةٍ ) التَّفَاسُخَ شَرْعًا ( الصِّحَّةُ وَعَدَمُهُ ) أَيْ تَرَتُّبِ أَثَرِهَا عَلَيْهَا ( الْبُطْلَانُ ) ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَكَذَا ( لِثُبُوتِ التَّرَتُّبِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّهْيِ فَفَرْقٌ ) بَيْنَ مُسَمَّيَاتِ أَفْرَادِ الْمُعَامَلَةِ ( بِالْأَسْمَاءِ ) الْمَذْكُورَةِ ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُسَمَّيَاتِهَا ظَاهِرٌ أَمَّا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ مِنْ دَفْعِ الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ .
وَأَمَّا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فَلِأَنَّهُ يُقَالُ لُؤْلُؤَةٌ

فَاسِدَةٌ إذَا بَقِيَ أَصْلُهَا وَذَهَبَ لَمَعَانُهَا وَبَيَاضُهَا وَلَحْمٌ فَاسِدٌ إذَا أَنْتَنَ وَلَكِنْ بَقِيَ صَالِحًا لِلْغِذَاءِ .
وَأَمَّا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَمُسَمَّاهُ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَيُقَالُ لَحْمٌ بَاطِلٌ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْغِذَاءِ ( وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( بِمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَاضِي ( قَدْ يُمْنَعُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءَ ( مَنْدُوبٌ ) عِنْدَهُمْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْخَارِجُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ ( كَاسْتِدْلَالِ الْمُعَمَّمِينَ ) أَيْ كَمَا يَمْنَعُ اسْتِدْلَالُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ ( بِمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ ) أَيْ بِحَدِيثِهَا فَقَطْ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ ( وَاجِبَةٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَلَا يَضُرُّهُمْ ) أَيْ مَانِعِي اتِّصَافِ الْمَنْدُوبِ بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( مَا فِي الْفَاتِحَةِ ) مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ( لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ ( وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ التَّعْمِيمُ ) أَيْ تَعْمِيمُ اتِّصَافِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِهِ ( لِحَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ ) وَحَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالصِّحَّةُ عَمَّتْهُمَا .
( ثُمَّ قَدْ يُظَنُّ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْوَضِيعَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ) الظَّنَّ ( إذْ كَوْنُ الْمَفْعُولِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ ( أَوْ ) كَوْنُهُ ( مُخَالِفًا ) لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لَهُ كَمَا هُوَ مَعْنَى عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَفْعُولِ ( تَمَامَ مَا طَلَبَ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا أَيْ دَافِعًا لِوُجُوبِ قَضَائِهِ ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الصِّحَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَفْسِيرِ إسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِدَفْعِهِ ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ وَكَوْنُ الْمَفْعُولِ عَدَمَ تَمَامِ الْمَطْلُوبِ كَمَا هُوَ مَعْنَى

عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ كَوْنُ الْمَفْعُولِ إلَخْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ ( يَكْفِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَقْلُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى تَوْقِيفِ الشَّرْعِ ) عَلَى ذَلِكَ ( كَكَوْنِهِ ) أَيْ كَمَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ ( مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ وَتَارِكًا ) لَهَا بِالْعَقْلِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ ( فَحُكْمُنَا بِهِ ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ( عَقْلِيٌّ صِرْفٌ ) أَيْ خَالِصٌ هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ .
وَأَمَّا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ أَوْ الْحُكْمُ بِهِمَا فَأَمْرٌ عَقْلِيٌّ ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا كَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ وَإِمَّا مُوَافَقَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ ، وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ نَقِيضُهَا ، قَالُوا : وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقَاضِي بِالْعِبَادَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذْ لَا يُسْتَرَابُ فِي أَنَّ كَوْنَ الْمُعَامَلَاتِ مُسْتَتْبَعَةً لِثَمَرَاتِهَا الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ فَلَمْ تُذْكَرْ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ وَهُوَ إنْكَارُ كَوْنِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فِي الْعِبَادَاتِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ ) الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ عَلَى الْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ ( وَضْعِيٌّ ) لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ وُرُودَ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا صَحِيحَةً وَغَيْرَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهَا مُنْدَفِعًا عَنْهَا الْقَضَاءُ وَغَيْرَ مُنْدَفِعٍ إلَى تَوْقِيفٍ لِلشَّارِعِ ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ الْمُقِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهَا يُسْقِطُهُ كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْمُتَيَمِّمِ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ

كَوْنِهَا صَحِيحَةً وَغَيْرَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِأَمْرِ الشَّارِعِ أَمْ لَا بَعْدَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا إلَى تَوْقِيفِ الشَّارِعِ ( وَكَوْنِ الْحُكْمِ بِهِ ) أَيْ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ عَلَى الْفِعْلِ ( بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ ) أَيْ تَرَتُّبِ الْأَثَرِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ ( بِالْعَقْلِ شَيْءٌ آخَرُ ) ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ الصَّوَابُ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ وَالْحُكْمَ بِهِمَا أُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ ، وَكَوْنُ الْفِعْلِ مُسْقِطًا أَوْ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ وَتَصْيِيرُهُ إيَّاهُ سَبَبًا لِذَلِكَ فَمَا الْمُوَافَقَةُ وَلَا الْإِسْقَاطُ بِعَقْلِيِّينَ ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِمَا مَدْخَلًا وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الصِّحَّةُ شَرْعِيَّةً لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهَا لَكِنَّهُ يَقْضِي بِالصِّحَّةِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْأَقْضِيَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ .

( وَاعْلَمْ أَنَّ نَقْلَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْأَصْلِ وُقُوعُ الظَّانِّ مُخْطِئًا عَلَى عَكْسِ الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْقَائِلَةُ هَلْ تَثْبُتُ صِفَةُ الْجَوَازِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إذَا أَتَى ) الْمَأْمُورُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ( إلَى آخِرِهَا ) وَهُوَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَرَاءَ الْأَمْرِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُثْبِتُ بِهِ صِفَةَ الْجَوَازِ كَذَا فِي الْمَنَارِ قُلْت ، وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ تَخْتَصَّ الشَّافِعِيَّةُ بِنَقْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَعْنَى الصِّحَّةِ بَلْ شَارَكَهُمْ فِيهِ كَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ فِيهِمَا كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَى الشَّافِعِيَّةِ وَلَمْ تَخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي ثُبُوتِ صِفَةِ الْجَوَازِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْزَاءُ الِامْتِثَالُ لِلْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ يُحَقِّقُ الْإِجْزَاءَ اتِّفَاقًا لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ مَعْنَى الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ الْإِتْيَانُ الْمَذْكُورُ وَقِيلَ الْإِجْزَاءُ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ وَحِينَئِذٍ فَقَالَ الْجُمْهُورُ إتْيَانُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ الْقَضَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ لَجَازَ أَنْ يَبْقَى الطَّلَبُ مُتَعَلِّقًا بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ مَعَ إتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا فَعَلَ كَانَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ عِوَضًا عَنْهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَزِمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَوَّلًا بِكُلِّ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ بِبَعْضِهِ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ كُلِّهِ ، وَإِنْ كَانَ

مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِهِ وَاسْتِئْنَافًا فَلَيْسَ بِقَضَاءٍ وَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ الْحَكِيمُ افْعَلْ كَذَا فَإِذَا فَعَلْت أَدَّيْت الْوَاجِبَ وَيَلْزَمُك مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي الْعُمَدِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمْتَثَلْ وَلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ وَقَعَ مَوْقِعَ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُقْضَى .
ا هـ .
فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي الْإِجْزَاءِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لَهُ وَلَا فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا بَلْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِأَحَدِ قِسْمَيْهِ فَهُوَ عِنْدَهُ مِثْلُ الْوَاجِبِ أَوَّلًا .
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِهِ فَإِذَنْ النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَعَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ أَمْرٌ آخَرُ بِعِبَادَةٍ يُوقِعُهَا الْمَأْمُورُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْقَعَ الْأَوْلَى وَأَنَّهُ كَمَا ثَمَّ مَنْ لَمْ يُسَمِّهَا قَضَاءً ، ثُمَّ مَنْ يُسَمِّيهَا قَضَاءً ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ بَعِيدَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَاحِدَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَيْسَ بَيْنَ النُّقُولِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ .
وَأَمَّا أَنَّ الْفَرْعَ قِيلَ فِيهِ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ صَحِيحَةٌ وَمُجْزِيَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرُ مُجْزِيَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ فِي الْبَدِيعِ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا يَكُونُ الِامْتِثَالُ دَلِيلَ الْإِجْزَاءِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الِامْتِثَالُ

مُسْتَلْزِمًا لِلْإِجْزَاءِ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَوْ يَأْثَمَ إذَا عَلِمَ الْحَدَثَ بَعْدَمَا صَلَّى بِظَنِّ الطَّهَارَةِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِعَادَةِ وَغَيْرُ آثِمٍ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا مَأْمُورٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِظَنِّ الطَّهَارَةِ أَوْ بِيَقِينِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِإِتْيَانِهِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَزِمَ الْإِثْمُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ قُلْنَا الْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِأَمْرٍ ثَانٍ بِتَوَجُّهِهِ بِالْأَدَاءِ حَالَ الْعِلْمِ بِفَسَادِ الْأَدَاءِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْعِلْمِ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَأْثَمُ إذَا صَلَّى بِظَنِّ الطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ هَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلِمَنْ يُوجِبُ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِجْزَاءَ بِالِامْتِثَالِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْفَسَادِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْفَسَادِ فَلَيْسَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ دَلِيلَ الْإِجْزَاءِ ا هـ مَشْرُوحًا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَمِ الطَّهَارَةِ اتِّفَاقٌ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ كَمَا تُفِيدُ أَيْضًا أَنْ لَا وُجُوبَ لِلْقَضَاءِ اتِّفَاقًا عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( الْفَصْلُ الرَّابِعُ ) فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ( الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ مَعْنَاهُ قِيَامُ الطَّلَبِ ) لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ ( مِمَّنْ سَيُوجَدُ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ فَالتَّعْلِيقُ ) لِلطَّلَبِ ( بِهَذَا الْمَعْنَى ) لِلْمَعْدُومِ فِي الْأَزَلِ ( هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْلِيفِ الْأَزَلِيِّ وَلَيْسَ ) تَكْلِيفُ الْمَعْدُومِ بِهَذَا الْمَعْنَى ( بِمُمْتَنِعِ ) عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَحُكِيَ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ عَنْ غَيْرِهِمْ ( قَالُوا ) ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ ( يَلْزَمُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ بِلَا مَأْمُورٍ ) وَمَنْهِيٍّ ( وَمُخَيَّرٍ وَهُوَ ) أَيْ وَلُزُومُ ذَلِكَ ( مُمْتَنِعٌ ) فَيَمْتَنِعُ الْمَلْزُومُ ( قُلْنَا ) يَلْزَمُ ذَلِكَ ( فِي اللَّفْظِيِّ ذِي التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( وَالْخِطَابِ الشِّفَاهِيِّ فِي الْخَبَرِ أَمَّا ) الطَّلَبُ ( النَّفْسِيُّ فَتَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى ) بِالْمَعْدُومِ ( وَاقِعٌ نَجِدُهُ فِي طَلَبِ صَلَاحِ وَلَدٍ سَيُوجَدُ أَوْ إنْ وُجِدَ وَتَجِدُ مَعْنَى الْخَبَرِ فِي نَفْسِك مُتَرَدِّدًا لِلِاعْتِبَارِ وَغَيْرِهِ أَمَّا حَقِيقَةُ الْأَمْرِيَّةِ ) وَالنَّهْيِيَّةِ ( وَالْخَبَرِيَّةِ الْمُمْتَنِعَةِ بِلَا مُخَاطَبٍ مَوْجُودٍ فَبِعُرُوضِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ لِلنَّفْسِيِّ فَحَيْثُ نَفَوْا عَنْهُ التَّعَلُّقَ فَهُوَ ) أَيْ نَفْيُهُمْ عَنْهُ ( بِهَذَا ) الْمَعْنَى ( وَإِذَا أَثْبَتَ ) لَهُ التَّعَلُّقَ ( فَبِذَاكَ ) الْمَعْنَى فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّفْسِيِّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ يَصِحُّ ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ ( تَكْلِيفُهُ تَعَالَى بِمَا عَلِمَ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُجُودِهِ ) الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ ( فِي الْوَقْتِ ) أَيْ وَقْتِ الْفِعْلِ كَمَا لَوْ أَمَرَ اللَّهُ بِصِيَامِ غَدٍ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْغَدِ ( خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالِاتِّفَاقُ ) عَلَى صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ ( فِيمَنْ لَا يُعْلَمُ ) انْتِفَاءُ شَرْطِ وُجُودِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ

لِلْمُكَلَّفِ وَقْتَ فِعْلِهِ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ صُمْ غَدًا غَيْرَ عَالِمٍ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ إلَى غَدٍ ( لَنَا لَوْ شَرَطَ ) لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ ( الْعِلْمَ ) لِلْمُكَلَّفِ ( بِالْوُجُودِ ) لِلشَّرْطِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ فِي وَقْتِ الْفِعْلِ ( لَمْ يَعْصِ مُكَلَّفٌ بِالتَّرْكِ لِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ التَّرْكِ ( انْتِفَاءَ إرَادَةِ الْفِعْلِ ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُكَلَّفَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِالْإِرَادَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ انْتِفَاؤُهَا ( مَعْلُومٌ لَهُ تَعَالَى فَلَا تَكْلِيفَ ) بِهِ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِانْتِفَائِهَا ( فَلَا مَعْصِيَةَ ) ؛ لِأَنَّهَا مُخَالَفَةُ التَّكْلِيفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ ( وَيَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ أَبَدًا ) وَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى لَمْ يَعْصِ ( لِتَجْوِيزِ الِانْتِفَاءِ ) أَيْ لِتَجْوِيزِ الْمُكَلَّفِ انْتِفَاءَ شَرْطِ الْوُجُودِ ( فِي الْوَقْتِ وَإِجْزَائِهِ لَوْ ) كَانَ الْوَقْتُ ( مُوَسَّعًا لِغَيْبِهِ ) أَيْ غَيْبِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِتَجْوِيزِ مَوْتِهِ قَبْلَ فِعْلِهِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِذَا جَوَّزَ فِي كُلِّ جُزْءٍ هُوَ فِيهِ انْتِفَاءُ شَرْطِ التَّكْلِيفِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي ذَلِكَ وَالْعِلْمُ بِالتَّكْلِيفِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ سَابِقًا عَلَى الِامْتِثَالِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ بِكَوْنِهِ يَبْقَى مَثَلًا بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ إلَى وَقْتِ الِامْتِثَالِ .
فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَ شَرْطِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ إذْ مَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ شَرْطِ الشَّيْءِ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّكْلِيفَ لَا يُتَصَوَّرُ الِامْتِثَالُ ( فَيَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ ) وَلَوْ فَعَلَ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالتَّكْلِيفِ ( عَدَمُ إقْدَامِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الذَّبْحِ ) لِوَلَدِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ حِلِّهِ عِنْدَ وَقْتِهِ وَهُوَ عَدَمُ

النَّسْخِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَهَذَا دَلِيلٌ ثَالِثٌ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ قَبْلِهِ ( وَالْإِجْمَاعُ عَلَى الْقَطْعِ ) لِلْمُكَلَّفِ ( بِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ ) بِالْمُخَالَفَةِ ( وَالتَّمَكُّنِ ) مِنْ الْفِعْلِ ( فَانْتَفَى ) بِوَاسِطَةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ ( مَا يُخَالُ ) أَيْ مَا اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا مَنْ ظَنَّ ( أَنَّ الْإِقْدَامَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ ( وَمِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْخَلِيلِ عَلَى الْوَاجِبِ ( لِظَنِّ التَّكْلِيفِ بِظَنِّ عَدَمِ النَّاسِخِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ ظَنُّ التَّكْلِيفِ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ النَّاسِخِ ( كَافٍ فِي لُزُومِ الْعَمَلِ كَوُجُوبِ الشُّرُوعِ ) فِي الْفَرْضِ ( بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ) إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يَجِبْ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ أَوَّلًا ( لَوْ لَمْ يَشْرِطْ ) فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ الْعِلْمَ بِوُجُودِ شَرْطِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ فِي وَقْتِهِ ( لَمْ يَشْتَرِطْ إمْكَانَ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ مَا عُدِمَ شَرْطُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَمَرَّ فِي تَكْلِيفِ الْمُحَالِ نَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ التَّكْلِيفِ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ ( وَالْجَوَابُ النَّقْضُ ) الْإِجْمَالِيُّ ( بِتَكْلِيفِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ الِانْتِفَاءَ ) أَيْ بِالتَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ الَّذِي جَهِلَ الْآمِرُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إمْكَانِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ شَرْطِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْمُورِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَالِمًا بِعَدَمِ شَرْطِهِ كَمَا فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَاهِلًا كَمَا فِي الشَّاهِدِ مِثْلُ أَمْرِ السَّيِّدِ غُلَامَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِعِلْمِ الْآمِرِ أَوْ جَهْلِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا التَّكْلِيفُ وَقَدْ صَحَّ اتِّفَاقًا ( وَبِالْحِلِّ بِأَنَّ ) الْإِمْكَانَ ( الْمَشْرُوطَ ) فِي التَّكْلِيفِ ( كَوْنُ الْفِعْلِ يَتَأَتَّى ) أَيْ يُمْكِنُ إيجَادُهُ ( عِنْدَ ) وُجُودِ

( وَقْتِهِ وَشَرَائِطِهِ لَا ) أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ ( وُجُودِهَا ) أَيْ شَرَائِطِ الْفِعْلِ ( بِالْفِعْلِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَهَا ) أَيْ شَرَائِطِ الْفِعْلِ ( لَا يُنَافِي ) الْإِمْكَانَ ( الذَّاتِيَّ ) لَهُ وَالْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ لِلْفِعْلِ هُوَ الشَّرْطُ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَكْلِيفُ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا يَتُوبُ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( لَوْ صَحَّ ) التَّكْلِيفُ ( مَعَ عِلْمِ الْآمِرِ بِالِانْتِفَاءِ ) لِشَرْطِهِ ( صَحَّ ) التَّكْلِيفُ ( مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُورِ ) بِانْتِفَائِهِ .
( إذْ الْمَانِعُ ) مِنْ الصِّحَّةِ ثَمَّةَ إنَّمَا هُوَ ( عَدَمُ إمْكَانِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( دُونَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ الْإِمْكَانُ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ إمْكَانِهِ ( مُشْتَرِكٌ ) بَيْنَ عِلْمِ الْآمِرِ بِالِانْتِفَاءِ وَعِلْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ .
( الْجَوَابُ مَنْعُ مَانِعِيَّةِ مَا ذُكِرَ ) مِنْ الصِّحَّةِ ( بَلْ ) الْمَانِعُ مِنْهَا ( انْتِفَاءُ فَائِدَةِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ ) أَيْ انْتِفَاؤُهَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا انْتَفَى الشَّرْطُ ( فِي عِلْمِ الْمَأْمُورِ لَا ) فِي عِلْمِ ( الْآمِرِ فَإِنَّهَا ) أَيْ فَائِدَةَ التَّكْلِيفِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فِي عِلْمِ الْآمِرِ ( الِابْتِلَاءُ ) لِلْمَأْمُورِ ( لِيَظْهَرَ عَزْمُهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ عَلَى الْفِعْلِ ( وَبِشْرُهُ ) بِهِ ( وَضِدُّهُمَا ) أَيْ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَهُوَ التَّرْكُ وَالْكَرَاهَةُ لَهُ ( وَبِذَلِكَ ) أَيْ ظُهُورِ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَضِدِّهِمَا ( يَتَحَقَّقُ الطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ ) فَالطَّاعَةُ عَلَى ظُهُورِ الْعَزْمِ وَالْبِشْرِ وَالْعِصْيَانُ عَلَى ظُهُورِ ضِدِّهِمَا ( وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةَ ( ذُكِرَتْ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَيْسَتْ سِوَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا عَلِمَ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ ) مِنْ الْمُكَلَّفِ بِهِ ( وَهُمْ ذَكَرُوا فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْمَطْلُوبِ الْإِمْكَانَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِهِ ) أَيْ بِمَا عَلِمَ تَعَالَى عَدَمَ وُقُوعِهِ ( فَحِكَايَةُ الْخِلَافِ

مُنَاقِضَةٌ ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شَارِحِي كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ ( ثُمَّ عَلَى بَعْدِهِ ) أَيْ الْخِلَافِ ( يَكْفِي عَنْ الْإِكْثَارِ ) أَنْ يُقَالَ ( لَنَا الْقَطْعُ بِتَكْلِيفِ كُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَإِذْ مُنْكِرُهُ ) أَيْ الْجَوَازِ ( يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ ضَرُورِيٍّ دِينِيٍّ ) ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ أَنَّ الْكُفَّارَ مَأْمُورُونَ بِتَرْكِ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ ( فَإِنْكَارُ إيجَابِ الْإِيمَانِ كُفْرٌ إجْمَاعًا ) اسْتَبْعَدْنَا الْخِلَافَ خُصُوصًا مِنْ ( الْإِمَامِ ) .
وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ مَا لِوُقُوعِهِ شَرْطٌ إنْ عَلِمَ الْآمِرُ الشَّرْطَ وَاقِعًا فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَيُفْرَضُ فِي السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ فَكَذَلِكَ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَإِنْ عَلِمَ انْتِفَاءَهُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى فَهْمِهِ حِينَ إطْلَاقِ التَّكْلِيفِ كَالْحَيَاةِ وَالتَّمْيِيزِ فَإِنَّ السَّامِعَ مَتَى سَمِعَ التَّكْلِيفَ يَتَبَادَرُ ذِهْنُهُ إلَى أَنَّهُ يَسْتَدْعِي حَيًّا مُمَيِّزًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالثَّانِي خِلَافُهُ وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجِيًّا لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ وَهُوَ تَعَلُّقُ عِلْمِ اللَّهِ مَثَلًا بِأَنَّ زَيْدًا لَا يُؤْمِنُ فَإِنَّ انْتِفَاءَ هَذَا التَّعَلُّقِ شَرْطٌ فِي وُجُودِ إيمَانِهِ وَلَكِنَّ السَّامِعَ يَقْضِي بِإِمْكَانِ زَيْدٍ غَيْرَ نَاظِرٍ إلَى هَذَا الشَّرْطِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا سَبَقَ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا يُتَرْجِمُهَا أَئِمَّتُنَا بِمَا تَرْجَمَهَا الْمُصَنِّفُ ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتَرْجَمَةٌ عِنْدَهُمْ بِمَا جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَائِدَةً لَهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا فِي أَوَّلِ وَقْتٍ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ إلَيْهِ أَمْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانُ الْإِمْكَانِ ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطُ

التَّكْلِيفِ وَالْجَاهِلُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ جَاهِلٌ بِالْمَشْرُوطِ لَا مَحَالَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِالثَّانِي وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي زَمَنِ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ وَعَدَمِهِ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْكِتَابِ قَاصِرَةٌ فَالْفِعْلُ الْمُمْكِنُ بِذَاتِهِ إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَبْدَهُ فَسَمِعَ الْأَمْرَ فِي زَمَنٍ ، ثُمَّ فَهِمَهُ فِي زَمَنٍ يَلِيه هَلْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ إذْ ذَاكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ مَعَ أَنَّ مِنْ الْمُحْتَمَلَاتِ أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ الْفِعْلِ قَاطِعُ عَجْزٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ يَكُونُ مَشْكُوكًا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَشْرُوطٌ بِالسَّلَامَةِ فِي الْعَاقِبَةِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُهَا أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَيَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَقَّقًا مُسْتَفَادًا مِنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي رَافِعٍ يَرْفَعُ الْمُسْتَقِرَّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى الْعَكْسِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ ) مُجْمِعُونَ ( عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ فَهْمُهُ ) أَيْ التَّكْلِيفِ أَيْ تَصَوُّرُهُ بِأَنْ يَفْهَمَ الْمُكَلَّفُ الْخِطَابَ قَدْرَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَا بِأَنْ يَصْدُقَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ ( وَبَعْضُ مَنْ جَوَّزَهُ ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عَلَى هَذَا أَيْضًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عِنْدَهُ قَدْ يَكُونُ ( لِلِابْتِلَاءِ وَهُوَ ) أَيْ الِابْتِلَاءُ وَهُوَ الِاخْتِبَارُ ( مُنْتَفٍ هُنَا ) ؛ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِدُونِ الْفَهْمِ لَا يَصِحُّ ( وَاسْتَدَلَّ ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ ( لَوْ صَحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( كَانَ ) تَكْلِيفُهُ ( طَلَبَ ) حُصُولِ ( الْفِعْلِ ) مِنْهُ مُتَلَبِّسًا ( بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى التَّكْلِيفِ ( وَهُوَ ) أَيْ طَلَبُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ ( مُمْتَنِعٌ مِمَّنْ لَا يَشْعُرُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ يُدْفَعُ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ ) فِي تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( الِامْتِثَالُ وَلَا يُوجِبُ ) اسْتِحَالَةُ الِامْتِثَالِ فِيهِ ( اسْتِحَالَةَ التَّكْلِيفِ ) أَيْ تَكْلِيفِهِ ( إذْ غَايَتُهُ ) أَيْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( تَكْلِيفٌ بِمُسْتَحِيلٍ وَبِلَا فَائِدَةِ الِابْتِلَاءِ وَيَجِبُ ذَلِكَ ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( مِمَّنْ يُجِيزُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ( تَعْذِيبَ الطَّائِعِ تَعَالَى عَنْهُ بَلْ ) جَوَازُ هَذَا ( أَوْلَى ) مِنْ جَوَازِ تَعْذِيبِ الطَّائِعِ ( وَأَيْضًا لَوْ صَحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( صَحَّ تَكْلِيفُ الْبَهَائِمِ إذْ لَا مَانِعَ فِيهَا ) أَيْ الْبَهَائِمِ مِنْ التَّكْلِيفِ ( سِوَى عَدَمِ الْفَهْمِ وَقُلْتُمْ لَا يَمْنَعُ ) عَدَمُ الْفَهْمِ التَّكْلِيفَ ( وَلَا يَتَوَقَّفُ مُجِيزُ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ عَنْ الْتِزَامِهِ ) أَيْ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْبَهَائِمِ ( غَايَتُهُ ) أَنَّهُ جَائِزٌ ( لَمْ يَقَعْ وَلَيْسَ عَدَمُ الْمَانِعِ مِنْ التَّكْلِيفِ عِلَّةً لِثُبُوتِهِ ) أَيْ

التَّكْلِيفِ ( لِيَلْزَمَ الْوُقُوعُ بَلْ هِيَ ) أَيْ عِلَّةُ ثُبُوتِ التَّكْلِيفِ ( الِاخْتِيَارُ ) أَيْ اخْتِيَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَثْبُتْ ( وَلَوْ جُعِلَ هَذَا ) الْخِلَافُ ( وَنَحْوُهُ ) خِلَافًا ( لَفْظِيًّا فَالْمَانِعُ ) مِنْ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ يَقُولُ ( لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ ) أَيْ الْمُحَقَّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( نَقِيضُهُ ) أَيْ تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ( فَيَمْتَنِعُ ) التَّكْلِيفُ ( بِلَا فَهْمٍ ) لِلتَّكْلِيفِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ ( اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ) وَهُمَا تَكْلِيفُهُ وَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَالْمُجِيزُ ) لِتَكْلِيفِهِ مُجِيزٌ ( بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ تَكْلِيفٍ ) وَهُوَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ أَوْ طَلَبُهُ عَلَى الْخِلَافِ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْفِعْلِ ( عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَاكِمِ ) مِنْ إمْكَانِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَتَعْذِيبُ الطَّائِعِ لَفْظِيٌّ ( قَالُوا ) أَيْضًا ( لَوْ لَمْ يَصِحَّ ) تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( لَمْ يَقَعْ ) لَكِنَّهُ وَقَعَ وَكَيْفَ لَا ( وَقَدْ كُلِّفَ السَّكْرَانُ حَيْثُ اُعْتُبِرَ طَلَاقُهُ وَإِتْلَافُهُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ اعْتِبَارَهُمَا مِنْهُ ( مِنْ رَبْطِ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا وَضْعًا ) كَرَبْطِ وُجُوبِ الصَّوْمِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ ( قَالُوا ) أَيْضًا ( قَالَ تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ } الْآيَةَ فَخُوطِبُوا ) أَيْ السُّكَارَى ( حَالَ السُّكْرِ أَنْ لَا يُصَلُّوا ) وَهُوَ تَكْلِيفٌ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ التَّكْلِيفَ ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا ( مُعَارَضَةُ قَاطِعً ) وَهُوَ الدَّلِيلُ الدَّالُ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( بِظَاهِرٍ ) وَهُوَ الْآيَةُ ( فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ ) أَيْ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ لِلْقَاطِعِ ( إمَّا بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ السُّكْرِ عِنْدَ قَصْدِ الصَّلَاةِ ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إذَا وَرَدَ عَلَى وَاجِبٍ شَرْعًا وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِ

وَاجِبٍ انْصَرَفَ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ لِلسَّكْرَانِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بَلْ نَهْيًا لِلصَّاحِي عَنْ السُّكْرِ كَمَا إذَا وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ لَا بِالْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ وَقَدْ تَقَيَّدَ بِغَيْرِهِ حَيْثُ يَنْصَرِفُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ عَدَمِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ الْمَوْتِ وَحَرْفُ النَّفْيِ إذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَةٍ يَتَوَجَّهُ النَّفْيُ إلَى الْقَيْدِ غَالِبًا ( أَوْ ) بِأَنَّهُ ( نَهَى الثَّمِلَ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قِيلَ هُوَ مَنْ بَدَتْ بِهِ أَوَائِلُ الطَّرَبِ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ دُونَ الطَّافِحِ ( لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ ) فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ ( كَالْغَصْبِ ) وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى { حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ النَّشْوَانُ بَدَلَ الثَّمِلِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الثَّمِلَ وَالطَّافِحَ سَوَاءٌ وَهُوَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الشَّرَابُ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ وَجَعَلَ حَمْزَةَ يُصْعِدُ نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدُ أَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ } أَيْ سَكْرَانُ شَدِيدُ السُّكْرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ الدَّالَ عَلَى امْتِنَاعِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا يَفْهَمُ ( إنَّمَا يَكُونُ قَاطِعًا بِلُزُومِ ) اجْتِمَاعِ ( النَّقِيضَيْنِ ) عَلَى تَقْدِيرِ تَكْلِيفِهِ ( كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْجَمْعِ ) بَيْنَ قَوْلَيْ الْمَانِعِ لَهُ وَالْمُجِيزِ لَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّتُهُ بِذَلِكَ ( فَمَمْنُوعٌ ) كَوْنُهُ قَاطِعًا ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْمُجِيزِينَ ( كَيْفَ وَقَدْ ادَّعَوْا الْوُقُوعَ ) ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ النَّهْيُ خِطَابًا لَهُ حَالَ سُكْرِهِ فَنَصٌّ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ سُكْرِهِ كَمَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ

مُخَاطَبًا فِي حَالِ سُكْرِهِ أَيْضًا إذْ لَا يُقَالُ لِلْعَاقِلِ إذَا جُنِنْت فَلَا تَفْعَلْ كَذَا ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةُ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِيضَاحُهُ كَمَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْسَحِبْ هَذَا الْخِطَابُ بِالتَّرْكِ عَلَيْهِ حَالَ سُكْرِهِ لَمْ يُفِدْ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ ابْتِدَاءً فِي حَالِ صَحْوِهِ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ التَّرْكُ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَكَانَ فِي حَالِ سُكْرِهِ مَطْلُوبًا مِنْهُ التَّرْكُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَالَ سُكْرِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ تَعَقُّبًا لِلتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنْتَشِي مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ الَّذِي نَرْتَضِيهِ مَذْهَبًا وَنَرَى ارْتِدَادَ الْخِلَافِ إلَيْهِ أَنَّ مَنْ لَا يَفْهَمُ إنْ كَانَ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ كَالْبَهَائِمِ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ نَعَمْ قَدْ يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا فِي أَبْوَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِمَا تَفْعَلُهُ عَلَى مَا يُفَصِّلُهُ الْفَقِيهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ قَابِلِيَّةٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي امْتِنَاعِ فَهْمِهِ كَالطِّفْلِ وَالنَّائِمِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مَا أَسْكَرَهُ فَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِالْوَضْعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَالْعَاصِي بِسُكْرِهِ فَيُكَلَّفُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا ثُمَّ قَالَ وَيَشْهَدُ لِتَفْرِقَتِنَا بَيْنَ مَنْ لَهُ قَابِلِيَّةٌ وَمَنْ لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَطْفَالِ دُونَ الْمَيِّتِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ وَتَكَسَّرَتْ قَارُورَةٌ بِسَبَبِ انْتِفَاخِهِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا ا هـ وَجَمِيعُ هَذَا حَسَنٌ وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا بِبَعْضِهِ وَقَوَاعِدُهُمْ لَا تَنْبُو عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ .
( هَذَا وَاسْتَلْزَمَ ) الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ ( اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ الْأَهْلِيَّةُ )

لِلتَّكْلِيفِ ( فَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا الْعَقْلُ ( نُورٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ فَيَبْدُو بِهِ الْمُدْرَكُ لِلْقَلْبِ ، أَيْ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ النَّاطِقَةِ فَيُدْرِكُهُ ) أَيْ الْقَلْبُ الْمُدْرِكُ ( بِخَلْقِهِ تَعَالَى فَالنُّورُ آلَةُ إدْرَاكِهَا ) أَيْ النَّفْسِ الْمُدْرِكِ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ إدْرَاكُهَا ( كَالضَّوْءِ لِلْبَصَرِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الضَّوْءَ شَرْطٌ عَادِيٌّ ( فِي إيصَالِهِ ) أَيْ الْبَصَرِ الْمُبْصَرَاتِ إلَى النَّفْسِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى ( وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَ ) مِنْ التَّعْرِيفِ ( أَنَّ لِدَرْكِ الْحَوَاسِّ ) الظَّاهِرَةِ ( مَبْدَأً ) وَهِيَ جَمْعُ حَاسَّةٍ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ ، وَهِيَ خَمْسٌ اللَّمْسُ وَهِيَ قُوَّةٌ تَأْتِي فِي الْأَعْصَابِ إلَى جَمِيعِ الْجِلْدِ وَأَكْثَرِ اللَّحْمِ وَالْغِشَاءِ مِنْ شَأْنِهَا إدْرَاكُ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُ اللَّامِسَةِ قُوَّةً بِهَا يُدْرِكُ جَمِيعَ الْمَلْمُوسَاتِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْقَانُونِ أَكْثَرُ الْمُحْصِينَ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ قُوًى كَثِيرَةٌ بَلْ قُوًى أَرْبَعٌ وَقَالَ اللَّمْسُ أَوَّلُ الْحَوَاسِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا .
وَالذَّوْقُ وَهِيَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرِكُ بِهَا الطُّعُومَ .
وَالسَّمْعُ ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مِقْعَرِ الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الْأَصْوَاتَ وَالْبَصَرُ ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعُصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَتَيَامَنُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَسَارًا وَيَتَيَاسَرُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ عَلَى تَقَاطُعِ صَلِيبَيْنِ ثُمَّ يَنْفُذُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُمْنَى وَالنَّابِتِ يَسَارًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُسْرَى يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ .
وَالشَّمُّ ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّابِتَتَيْنِ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ

الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيِ يُدْرِكُ بِهَا الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ .
( قِيلَ ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ ( هُوَ ) أَيْ الْمَبْدَأُ ( ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْ ) انْطِبَاعُ ( صُوَرِهَا ) أَيْ الْمَحْسُوسَاتِ ( فِيهَا ) أَيْ الْحَوَاسِّ الْمَذْكُورَةِ لَا نَفْسِهَا فَإِنَّ الْمَحْسُوسَ هُوَ هَذَا اللَّوْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَسَمٍ فِي الْبَاصِرَةِ بَلْ صُورَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ وَالْحَاصِلُ فِي النَّفْسِ صُورَتُهُ وَمَعْنَى مَعْلُومِيَّتِهِ حُصُولُ صُورَتِهِ لَا حُصُولُ نَفْسِهِ ( وَنِهَايَتُهُ ) أَيْ دَرْكِهَا ( فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ ) الْخَمْسِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ ( وَهِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ وَمَبَادِئِ عَصَبِ الْحِسِّ يَجْتَمِعُ فِيهَا صُوَرُ جَمِيعِ الْمَحْسُوسَاتِ فَيُدْرِكُهَا ( فَيُودِعُهَا ) أَيْ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ صُوَرَهَا ( خِزَانَتَهُ ) أَيْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ يَعْنِي ( الْخَيَالَ ) لِيَحْفَظَهَا إذْ هِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ وَتَبْقَى فِيهَا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ ( ثُمَّ الْمُفَكِّرَةُ ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا يَقَعُ التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعَانِي الْمُدْرَكَةِ بِالْوَهْمِ كَإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ أَوْ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَالْمُرَادُ بِالصُّوَرِ مَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْمَعَانِي مَا لَا يُمْكِنُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( تَأْخُذُهَا ) أَيْ الْمُفَكِّرَةَ صُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ ( لِلتَّرْكِيبِ كَمَا تَأْخُذُ ) الْمُفَكِّرَةُ ( مِنْ خِزَانَةِ الْوَهْمِ ) أَيْ الْقُوَّةُ ( الْحَافِظَةُ فِي الْمُؤَخَّرِ ) أَيْ مُؤَخَّرِ

الدِّمَاغِ ( مُسْتَوْدَعَاتِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَحْسُوسِ ) .
فَالْوَهْمُ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخَرِ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا تُدْرَكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الْغَيْرُ الْمَحْسُوسَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تَتَأَدَّ إلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحَوَاسِّ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَحْسُوسَاتِ ( كَصَدَاقَةِ زَيْدٍ ) وَعَدَاوَةِ عَمْرٍو وَالْحَافِظَةُ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْوَهْمُ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُقَدَّمِ الْحِسَّ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَيَالُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْمُؤَخَّرِ الْوَهْمُ وَالْحَافِظَةُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْوَسَطِ الْمُفَكِّرَةُ ثُمَّ كَانَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي الْمُقَدَّمِ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونَ التَّأَدِّي إلَيْهِ سَهْلًا ثُمَّ وَلِيَهُ الْخَيَالُ ؛ لِأَنَّ خِزَانَةَ الشَّيْءِ خَلَفَهُ ثُمَّ الْوَهْمُ فِي مُقَدَّمِ الْمُؤَخَّرِ لِتَكُونَ الصُّوَرُ الْجُزْئِيَّةُ بِحِذَاءِ مَعَانِيهَا الْجُزْئِيَّةِ وَالْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِهِ ؛ لِأَنَّهَا خِزَانَتُهُ وَالْمُفَكِّرَةُ فِي الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ لِتَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الصُّوَر وَالْمَعَانِي فَيُمْكِنُهَا الْأَخْذُ مِنْهَا بِسُهُولَةٍ ( وَهَذَا الْأَخْذُ ابْتِدَاءَ عَمَلِ الْعَقْلِ ) ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ الْمَحَالِّ مَحَالَّ لِلْقُوَى الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَقَالَ الشَّرِيفُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُتَخَيَّلَةَ فِي مُقَدَّمِ الْوَسَطِ وَالْوَهْمِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِهِ وَالْحَافِظَةَ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَخِيرِ وَلَيْسَ فِي مُؤَخَّرِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى إذْ لَا حَارِسَ هُنَا مِنْ الْحَوَاسِّ فَتَكْثُرُ مُصَادَمَتُهُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى الِاخْتِلَالِ ( وَلَمَّا احْتَاجَ هَذِهِ ) الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ ( إلَى سَمْعٍ ) يَثْبُتُهَا ( عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ ، وَلَمْ يَكْتَفِ ) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِهَا ( بِكَوْنِ فَسَادِ هَذِهِ الْبُطُونِ ) الَّتِي هِيَ مَحَالُّهَا ( يُوجِبُ فَسَادَ

ذَلِكَ الْأَثَرِ ) وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى بِمَحَلِّهِ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَيْسَتْ مُدْرِكَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مَبْدَأً لِأَثَرَيْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُوَّةُ وَاحِدَةً وَالْآلَاتُ وَالشَّرَائِطُ مُتَعَدِّدَةً فَتَصْدُرُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ عَنْهَا بِحَسَبِ تَعَدُّدِهَا كَمَا جَوَّزُوهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ثُمَّ قَدْ يَفْسُدُ الشَّيْءُ بِفَسَادِ غَيْرِ مَحَلِّهِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي امْتِنَاعِ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَكَانَ الْمُحَقَّقُ هُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى ) بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْإِدْرَاكَ لِلْمُدْرِكِ كَائِنًا مَا كَانَ فِي النَّفْسِ عِنْدِ وُجُودِ السَّبَبِ الْعَادِي لَهُ وَبِدُونِهِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ .
( لَمْ يَزِدْ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ ) وَالْمَسْطُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ مَعْنَى هَذَا لِلْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ الْعِلْمِ بِبَعْضِ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْ الْكُلِّيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ إذْ لَوْ كَانَ غَيْرُ الْعِلْمِ لَصَحَّ انْفِكَاكُهُمَا بِأَنْ يُوجَدَ عَالِمٌ لَا يَعْقِلُ وَعَاقِلٌ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الضَّرُورِيَّاتِ لَمَا صَدَقَ عَلَى مَنْ يَفْقِدُ بَعْضَهَا لِفَقْدِ شَرْطِهَا مِنْ الْتِفَاتٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عَاقِلٌ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالنَّظَرِيَّاتِ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ بِمَرْتَبَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ نَفْسُ الْعَقْلِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَجَازَ انْفِكَاكُهُمَا لِجَوَازِ تَلَازُمٍ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَهُمَا كَالْجَوْهَرِ وَالْحُصُولِ فِي الْحَيِّزِ وَقَدْ يُوجَدُ

الْعَاقِلُ بِدُونِ الْعِلْمِ كَمَا فِي النَّوْمِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ وَقَالَ الْقَاضِي هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ وَاسْتِحَالَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ ا هـ وَمَشَى عَلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِرْشَادِ قَالَ الشَّرِيفُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ وَزَادَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْعُلُومِ الَّتِي يَعْتَبِرُ بِهَا الْعَقْلُ الْعِلْمَ بِحُسْنِ الْحَسَنِ وَقُبْحِ الْقَبِيحِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَعُدُّونَهُ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْأَكْثَرُ ) عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ ( قُوَّةٌ بِهَا إدْرَاكُ الْكُلِّيَّاتِ لِلنَّفْسِ ) وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْعَقْلَ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالضَّرُورِيَّاتِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ الْإِمَامُ إنَّهَا غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا قُوَّةٌ بِهَا يُمَيَّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ وَمَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إنَّهُ نُورٌ يُضِيءُ بِهِ ، طَرِيقٌ يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ أَيْ قُوَّةٌ حَاصِلَةٌ لِلنَّفْسِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ اكْتِسَابِ النَّظَرِيَّاتِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْحُكَمَاءُ الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ ا هـ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاخْتِصَارَ لَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ .
( وَمَحَلُّهَا ) أَيْ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ الْعَقْلُ ( الدِّمَاغَ لِلْفَلَاسِفَةِ ) وَخُصُوصًا الْأَطِبَّاءُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَعَزَاهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ إلَى عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُضِيءٌ مَحَلُّهُ الرَّأْسُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَثَرُهُ يَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ فَيَصِيرُ الْقَلْبُ مُدْرِكًا بِنُورِ الْعَقْلِ الْأَشْيَاءَ كَالْعَيْنِ تَصِيرُ مُدْرِكَةً

بِنُورِ الشَّمْسِ وَبِنُورِ السِّرَاجِ الْأَشْيَاءَ فَإِذَا قَلَّ النُّورُ وَضَعُفَ قَلَّ الْإِدْرَاكُ وَضَعُفَ وَإِذَا انْعَدَمَ النُّورُ انْعَدَمَ الْإِدْرَاكُ ا هـ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّجُلَ يُضْرَبُ فِي رَأْسِهِ فَيَزُولُ عَقْلُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ فِيهِ لَمَا زَالَ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَزُولُ بِضَرْبِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَمِنْ هُنَا نُسِبَ هَذَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ تَارَةً وَإِلَى مُحَمَّدٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِيمَنْ ضُرِبَ رَأْسُهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فِيهِ الدِّيَةُ ( وَالْقَلْبُ ) اللَّحْمُ الصَّنَوْبَرِيُّ الشَّكْلُ الْمُودَعُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الصَّدْرِ ( لِلْأُصُولِيَّيْنِ ) كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } فَجَعَلَ الْعَقْلَ بِالْقَلْبِ كَمَا جَعَلَ السَّمْعَ بِالْأُذُنِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } عَقْلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ .
وَأُجِيبَ عَنْ حُجَّةِ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ زَوَالُ الْعَقْلِ وَهُوَ فِي الْقَلْبِ بِفَسَادِ الدِّمَاغِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَدَمُ نَبَاتِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِارْتِبَاطِ وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّ أَصْلَهُ وَمَادَّتَهُ مِنْ الْقَلْبِ وَيَنْتَهِي إلَى الدِّمَاغِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْقُوَّةُ الْمُفَسَّرُ بِهَا الْعَقْلُ ( الْمُرَادُ بِذَلِكَ النُّورُ ) وَقَالَ اللَّامِشِيُّ جَوْهَرٌ يُدْرَكُ بِهِ الْغَائِبَاتُ بِالْوَسَائِطِ وَالْمَحْسُوسَاتُ بِالْمُشَاهَدَةِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( مِنْ مُنْتَهَى دَرْكِ الْحَوَاسِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَمَلَ الْعَقْلِ لَيْسَ فِيهَا ) أَيْ مُدْرَكَاتِ الْحَوَاسِّ ( فَإِنَّهَا مُدْرَكَاتُ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ ) وَالْمَجَانِينِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْعَقْلِ الَّذِي نَحْنُ

بِصَدَدِهِ ( بَلْ ) عَمَلُ الْعَقْلِ ( فِيمَا يَنْزِعُهُ مِنْهَا ) أَيْ الْمُدْرَكَاتِ الْحِسِّيَّةِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَمَلُهُ ( عِنْدَ انْتِهَاءِ دَرْكِ الْحَوَاسِّ وَعَمَلُهُ التَّرْتِيبُ السَّالِفُ ) أَيْ النَّظَرُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ( فَيَخْلُقُ اللَّهُ عَقِيبَهُ ) أَيْ التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ النَّظَرُ ( عِلْمَ الْمَطْلُوبِ بِالْعَادَةِ ) أَيْ بِإِجْرَائِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ كَمَا إذَا اسْتَدْلَلْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى أَنَّ لَهُ صَانِعًا عَالِمًا ثُمَّ طَلَبْنَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ عِلْمُهُ عَيْنُ ذَاتِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ لَا هُوَ وَلَا ذَاكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَبَ بَعْدَ بِدَايَةِ الْمَعْقُولَاتِ بِمَرْتَبَةٍ أَوْ بِمَرَاتِبَ لَا يَمْنَعُ كَوْنُ الْبِدَايَةِ مِنْ انْتِهَاءِ الْحِسِّ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الْحِسِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصْدُقُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ دَرْكُ الْحَوَاسِّ ؛ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْمَعْقُولَاتِ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا لَهُ صُورَةٌ مَحْسُوسَةٌ .
وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ فَإِنَّمَا يُبْتَدَأُ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ

( وَأَمَّا جَعْلُ النُّورِ الْعَقْلَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ ) أَيْ جَعْلُ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعَقْلِ هُنَا تَعْرِيفًا لِلْعَقْلِ الْأَوَّلِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ حَيْثُ أَرَادُوا بِهِ ( الْجَوْهَرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْمَادَّةِ فِي نَفْسِهِ وَفِعْلِهِ ) وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنُّورِ الْمُنَوِّرَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ احْتِمَالًا مُمْكِنًا ( فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ ) فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ جَعَلُوا الْعَقْلَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ ثُمَّ فَسَرُّوهُ هَذَا التَّفْسِيرَ ( وَكَذَا ) بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ ( جَعْلُهُ ) أَيْ النُّورَ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا ( إشْرَاقَهُ ) أَيْ الْأَثَرِ الْفَائِضِ مِنْ هَذَا الْجَوْهَرِ عَلَى نَفْسِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ هُنَا النُّورَ الْمَعْنَوِيَّ الْخَالِصَ بِإِشْرَاقِ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ احْتِمَالًا آخَرَ مُمْكِنًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُكَلَّفِ أَيْضًا بَلْ هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْجَوْهَرِ الْأَوَّلِ وَلَازِمِهِ .
( مَعَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ بِإِشْرَاقِهِ ) وَإِفَاضَةِ نُورِهِ ( عَلَى النَّفْسِ وَالْمُدْرِكِ ) وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لَهَا ( الْإِدْرَاكُ ) وَهُوَ فَاعِلُ يَحْصُلُ إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْفَلَاسِفَةِ ( الْعَقْلُ الْعَاشِرُ الْمُتَعَلِّقُ بِفَلَكِ الْقَمَرِ وَإِلَيْهِ يَنْسُبُونَ الْحَوَادِثَ الْيَوْمِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ كُفْرُهُمْ لَا ) الْعَقْلُ ( الْأَوَّلُ وَكَذَا ) بَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ ( جَعْلُهُ ) أَيْ النُّورَ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا ( الْمَرْتَبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ مَرَاتِبِ النَّفْسِ ) النَّاطِقَةِ بِحَسَبِ مَا لَهَا مِنْ التَّعَقُّلِ ، وَهِيَ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى اسْتِعْدَادٌ بَعِيدٌ نَحْوَ الْكَمَالِ وَهُوَ مَحْضُ قَابِلِيَّةِ النَّفْسِ لِإِدْرَاكِ الْمَعْقُولَاتِ مَعَ خُلُوِّهَا عَنْ إدْرَاكِهَا بِالْفِعْلِ كَمَا لِلْأَطْفَالِ فَإِنَّ لَهُمْ فِي حَالِ الطُّفُولِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْخِلْقَةِ

اسْتِعْدَادًا مَحْضًا لَيْسَ مَعَهُ إدْرَاكٌ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِعْدَادُ حَاصِلًا لِسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَيُسَمَّى عَقْلًا هَيُولَانِيًّا تَشْبِيهًا بِالْهَيُولَى الْأُولَى الْخَالِيَةِ فِي نَفْسِهَا عَنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْقَابِلَةِ لَهَا فَهِيَ كَقُوَّةِ الطِّفْلِ لِلْكِتَابَةِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِعْدَادٌ مُتَوَسِّطٌ وَهُوَ اسْتِعْدَادُهَا لِتَحْصِيلِ النَّظَرِيَّاتِ بَعْدَ حُصُولِ الضَّرُورِيَّاتِ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْمَلَكَةِ لِمَا حَصَلَ لَهَا مِنْ مَلَكَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّظَرِيَّاتِ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّيِّ الْمُسْتَعِدِّ لِتَعَلُّمِ الْكِتَابَةِ وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي هَذَا اخْتِلَافًا عَظِيمًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ دَرَجَاتِ الِاسْتِعْدَادِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ اسْتِعْدَادٌ قَرِيبٌ جِدًّا وَهُوَ الِاقْتِدَارُ عَلَى اسْتِحْصَالِ النَّظَرِيَّاتِ مَتَى شَاءَتْ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى كَسْبٍ جَدِيدٍ لِكَوْنِهَا مُكْتَسِبَةً مَخْزُونَةً تَحْضُرُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكِتَابَةِ حِينَ لَا يَكْتُبُ وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ مَتَى شَاءَ وَيُسَمَّى عَقْلًا بِالْفِعْلِ لِشِدَّةِ قُرْبِهِ مِنْ الْفِعْلِ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ الْكَمَالُ وَهُوَ أَنْ يُحَصِّلَ النَّظَرِيَّاتِ مُشَاهَدَةً بِمَنْزِلَةِ الْكَاتِبِ حِين يَكْتُبُ .
وَيُسَمَّى عَقْلًا مُسْتَفَادًا أَيْ مِنْ خَارِجٍ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الَّذِي يُخْرِجُ نُفُوسَنَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ فِيمَا لَهُ مِنْ الْكِمَالَاتِ وَنِسْبَتُهُ إلَيْنَا نِسْبَةُ الشَّمْسِ إلَى أَبْصَارِنَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( أَعْنِيَ الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ ) وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا بَعِيدًا أَيْضًا ( ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ النُّورَ الْمَذْكُورَ ( آلَةٌ لَهَا ) أَيْ لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَيْ لِحُصُولِهَا لِلنَّفْسِ لَا أَنَّهُ عَيْنُهَا ( وَالْمُسَمَّى ) بِالْعَقْلِ بِالْمَلَكَةِ ( هِيَ ) أَيْ النَّفْسُ ( فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَوْ الْمَرْتَبَةِ ) الَّتِي فِيهَا النَّفْسُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ عِبَارَاتُ الْقَوْمِ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ أَسَامٍ لِهَذِهِ الِاسْتِعْدَادَاتِ وَالْكَمَالِ أَوْ لِلنَّفْسِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23