كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

لَا ، وَهُوَ الْحَقُّ ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَمْ يَضَعْ يَا زَيْدُ لِلنَّاسِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صَيْرُورَتُهُمْ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْعَبِيدَ لُغَةً ) كَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ( هَلْ يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ ؟ .
الْأَكْثَرُ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ ) يَتَنَاوَلُهُمْ شَرْعًا فَيَعُمُّهُمْ حُكْمُهُ ( فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ ) ثُمَّ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ مِثْلَ النَّاسِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ حُكْمًا يَحْتَاجُ فِي قِيَامِهِ بِهِ إلَى صَرْفِ زَمَانٍ يَتَنَاوَلُهُمْ بَلْ فِيمَا إذَا تَضَمَّنَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِيَامِ مُهِمَّاتِ السَّادَاتِ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ ( أَنَّ الْخِلَافَ فِي إرَادَتِهِمْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ وَعَدَمِهَا ) أَيْ إرَادَتِهِمْ بِهِ ( وَاسْتِدْلَالِ النَّافِي ) لِتَنَاوُلِهِمْ ( بِمَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ كَوْنِ مَنَافِعِهِ مَمْلُوكَةً لِسَيِّدِهِ فَلَوْ تَنَاوَلَهُمْ نَاقَضَ ) أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِصَرْفِهَا إلَى سَيِّدِهِ ، وَإِلَى غَيْرِهِ ( دَلِيلُ عَدَمِ الْإِرَادَةِ ) أَيْ إرَادَتِهِمْ شَرْعًا بِهِ ، وَهَذَا خَبَرُ اسْتِدْلَالِ النَّافِي ( وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ) أَيْ النَّافِينَ ( خَرَجَ ) الْعَبْدُ ( وَمِنْ نَحْوِ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ ) وَالتَّبَرُّعَاتِ وَبَعْضِ الْأَقَارِيرِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْخِطَابِ بِمُفِيدِهَا لِتَنَاوُلِهِمْ ( فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا أَيْ مُرَادًا كَانَ تَخْصِيصًا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( فَتَجُوزُ بِالتَّخْصِيصِ عَنْ النَّسْخِ ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ فَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ وَعَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ لَوْ كَانَ مُرَادًا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ كَانَ خُرُوجًا مِنْ هَذَا الْخِطَابِ نَسْخًا ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بَعْدَ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُمْ كَانَ تَخْصِيصًا أَخَفُّ الْأَحْوَالِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا أَوْ تَسَاهُلًا وَحِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْجَوَابُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ بِدَلِيلٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرِدْ لِدَلِيلٍ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ ثُمَّ نَسْخُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَنْهُ )

أَيْ عَنْ الْعَبْدِ ( وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّازِمَ التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ بِدَلِيلِهِ لَا النَّسْخُ ) .
يَعْنِي أَنَّ اللَّازِمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي الْإِرَادَةِ لَيْسَ إلَّا التَّخْصِيصُ الِاصْطِلَاحِيُّ ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْعَامِّ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا مِنْهُ وَاللَّازِمُ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرُوهُ حَيْثُ قَالُوا خَرَجَ فَلَوْ أُرِيدَ كَانَ تَخْصِيصًا غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ ثُمَّ أُخْرِجَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ تَخْصِيصًا خَطَأٌ عَلَى مَا هُوَ تَرْكِيبُ الدَّلِيلِ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يُجَابُ بِأَنَّهُ إذَا قَامَ دَلِيلُ الْإِخْرَاجِ فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَقَدْ قَامَ فَكَانَ خُرُوجُهُمْ تَخْصِيصًا لَهُمْ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ وَبِهِ ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَادُوا بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً فَضْلًا عَنْ أَنَّهُمْ أُرِيدُوا ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُمْ خَصُّوا وَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ خُصُّوا وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَقَدْ يُقَرَّرُ ) الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا ( دَلَّ ) ( عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( فِي بَعْضِهَا ) أَيْ الْأَحْكَامِ ( وَعَلَيْهَا فِي بَعْضِهَا ) أَيْ وَعَلَى إرَادَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ ( فَالْمُثْبَتُ يُعْتَبَرُ بِالتَّنَاوُلِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُطَابَقَتُهُ ) أَيْ التَّنَاوُلِ ( الْإِرَادَةَ وَالنَّافِي عَرْضُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَتَوَقَّفَ دُخُولُهُمْ إلَى الدَّلِيلِ أَوْ قَامَ ) الدَّلِيلُ ( عَلَى عَدَمِهَا ) أَيْ الْإِرَادَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ الدَّلِيلُ الْقَائِمُ عَلَى عَدَمِهَا ( مَالِكِيَّةُ السَّيِّدِ لَهَا ) أَيْ مَنَافِعِهِ .
( وَالرَّازِيُّ يَمْنَعُهُ ) أَيْ عَدَمَ إرَادَتِهِمْ ( فِي حُقُوقِهِ ) تَعَالَى ( وَالدَّلِيلُ ) عَلَى إرَادَتِهِمْ فِيهَا ( الْأَكْثَرِيَّةُ ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْكَامِ الْخِطَابِ الَّتِي فِي حَقِّ اللَّهِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فِيهَا فَنِسْبَةُ

دُخُولِهِ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللُّغَةِ ، وَخُرُوجُهُ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمُخَالَفَةِ الظَّاهِرَةِ ( فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ ) بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ وَغَيْرِهِ ( وَانْتَظَمَ مَنْعُ عُمُومِ مَمْلُوكِيَّةِ مَنَافِعِهِ ) لِلسَّيِّدِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ قَدْ اسْتَثْنَى وَقْتَ تَضَايُقِ الْعِبَادَاتِ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ حِينَ تَضَايَقَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَطَاعَهُ لَفَاتَتْهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَعَدَمُ صَرْفِ مَنْفَعَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى السَّيِّدِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ فِيهِ ( فَانْدَفَعَ الْأَوَّلُ ) أَيْ التَّنَاقُضُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَنَافِعِهِ لِمَالِكِهِ ، وَتَنَاوَلَ الْخِطَابُ لَهُ ؛ لِاخْتِلَافِ الْوَقْتَيْنِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ خِطَابِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - الْعَامِّ كَيَا عِبَادِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ شَمِلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إرَادَتُهُ كَمَا تَنَاوَلَهُ لُغَةً عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مَصْدَرًا بِالْقَوْلِ صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَبَلِّغْ أَوَّلًا ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِشَمْلِهِ إرَادَتَهُ ( وَقِيلَ لَا ) يَشْمَلُهُ إرَادَتُهُ ( لِأَنَّ كَوْنَهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مُبَلِّغَهُ ) أَيْ الْخِطَابِ لِلْأُمَّةِ ( مَانِعٌ ) مِنْ ذَلِكَ ، وَإِلَّا كَانَ مُبَلِّغًا وَمُبَلَّغًا بِخِطَابٍ وَاحِدٍ ( وَلِذَا ) الْمَانِعُ مِنْ شُمُولِ إرَادَتِهِ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ ( خَرَجَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مِنْ أَحْكَامٍ عَامَّةٍ ) أَيْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا ( كَسُنِّيَّةِ الضُّحَى ) فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَشْبَهِ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ فَإِنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ ، وَهُوَ مَفْقُودٌ بَلْ وَجَاءَ مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَا يُعَارِضُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا ، وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ .
( وَحِلُّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ ) فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَشْرِيفًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } وَلَا يَقْدَحُ فِي الِاخْتِصَاصِ تَحْرِيمُهَا عَلَى آلِهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ فَالْخَاصَّةُ عَائِدَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْأَخْذِ ( وَالزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ ) أَيْ وَحِلُّ تَزَوُّجِهِ بِمَا فَوْقَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى التِّسْعِ فَإِنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ

كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ عَنْ أَنَسٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَيْفَ لَا ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ { مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ وَزَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ إلَّا ذَاتُ مَحْرَمٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ .
( وَالْجَوَابُ الْمُبَلِّغُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْعِبَادِ مَشْمُولًا بِهَا لِيُسْمِعَهُمْ إيَّاهَا ) ، وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَاكٍ تَبْلِيغَ جِبْرِيلَ الْخِطَابَ الَّذِي هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ ( فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهِ ، وَهُوَ مَشْمُولٌ بِهِ لُغَةً فَمَا تَحَقَّقَ خُرُوجُهُ مِنْهُ لَزِمَ كَوْنُهُ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ ، فَتَفْصِيلُ الْحَلِيمِيِّ ) وَالصَّيْرَفِيِّ ( بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ) الْخِطَابُ الْعَامُّ ( مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ كَقُلْ يَا عِبَادِي فَيَمْنَعُ ) شُمُولُهُ إيَّاهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقَ قَوْلٍ ( فَلَا ) يَمْنَعُ ( مُنْتَفٍ ) لِمَا ذَكَرْنَا .
وَأَجَابَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْخِطَابَاتِ الْوَارِدَةِ مُقَدَّرَةٌ بِنَحْوِ قُلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بَحْثًا ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ مَا أَنُزِلَ إلَيْهِ وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : وَرُدَّ بِالْمَنْعِ ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالْمَلْفُوظِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ كَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ ) أَيْ لِلْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ سَيُوجَدُونَ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ ( وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ ( لَهُمْ ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ( بِخَارِجٍ ) مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ ( دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ عُلِّقَ بِالْمَوْجُودِينَ حُكْمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو الْيُسْرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ : هُوَ ) أَيْ الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ ( خِطَابٌ لَهُمْ ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَيْضًا ( لَنَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ ) أَيْ تَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ لَهُمْ ( لُغَةً ) قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ : وَإِنْكَارُهُ مُكَابَرَةٌ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : وَهُوَ حَقٌّ ( قَالُوا لَمْ تَزَلْ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ ) أَيْ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ ( عَلَى الْمَوْجُودِينَ ) فِي أَعْصَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَعْدُومِينَ فِي زَمَانِ الْخِطَابِ ، وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى الْعُمُومِ لَهُمْ ( أُجِيبَ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ ( لِتَنَاوُلِهِمْ ) أَيْ لِتَنَاوُلِ الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ إيَّاهُمْ ( لِجَوَازِ كَوْنِهِ ) أَيْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ عَلَيْهِمْ ( لِعِلْمِهِمْ ) أَيْ الْعُلَمَاءِ ( بِثُبُوتِ حُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ ) أَيْ بِالْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَيُذْكَرُ لِبَيَانِ عُمُومِ الْحُكْمِ لَهُمْ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِأُولَئِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْخِطَابِ .
( وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ ( لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ ) الْخِطَابُ الشَّفَاهِيُّ ( بِهِمْ ) أَيْ بِمَنْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَئِذٍ ( لَمْ يَكُنْ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مُرْسَلًا إلَيْهِمْ ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ

أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرْسَالِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ بَلِّغْ أَحْكَامِي وَلَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ ( فَظَاهِرُ الضَّعْفِ ) لِلْمَنْعِ الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ لَا تَبْلِيغَ إلَّا بِهَذِهِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي هِيَ خِطَابُ الْمُشَافَهَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّبْلِيغِ الْمُشَافَهَةُ ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِحُصُولِهِ لِلْبَعْضِ شِفَاهًا وَلِلْبَعْضِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الَّذِينَ شَافَهَهُمْ .
( وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا نُصِرَ الْخِطَابُ فِي الْأَزَلِ لِلْمَعْدُومِ ) ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْمَعْدُومِ الْآتِيَةِ صَدَرَ الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ ، وَسَيَأْتِي نَصْرُهُ فِيهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْأَزَلُ مَا لَا أَوَّلَ لَهُ ( وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظْمَ الْقُرْآنِيَّ يُحَازِي دَلَالَةً ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَى ( الْقَائِمِ بِهِ تَعَالَى قَوِيَ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ : ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : وَهُوَ قَرِيبٌ ( وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ عَلَى مَا عُرِفَ ) مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُوجَدُ بِشَرَائِطِ التَّكْلِيفِ يُوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمٌ فِي الْأَزَلِ بِمَا يَفْهَمُهُ وَيَفْعَلُهُ فِيمَا لَا يَزَالُ .
( وَالْكَلَامُ فِي النَّظْمِ الْخَالِي عَنْهُ ) أَيْ عَنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ، وَهُوَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْغَيْرِ لِلتَّفْهِيمِ ، وَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الْمُخَاطَبِ فَيَقْوَى قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَيَبْعُدُ كَوْنُ الْحَقِّ عُمُومَ التَّنَاوُلِ لَفْظًا بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ وَقُرْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْمُخَاطِبِ ) بِكَسْرِ الطَّاءِ ( دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِثْلُ ) قَوْله تَعَالَى { ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَأَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك وَلَا تُهِنْهُ ) فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أَكْرَمَ غَيْرَهُ كَانَ الْغَيْرُ مَأْمُورًا بِإِكْرَامِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إهَانَتِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ( وَقِيلَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ ( الْمُخَاطَبَ يُخْرِجُهُ ) مِنْ ذَلِكَ ( وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ ، وَأَمَّا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ ) ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ قَرَّرَ وَجْهًا لِلْمَانِعِينَ لِدُخُولِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاخِلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَالِقًا لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ وَجْهِ الْمُلَازَمَةِ وَبُطْلَانِ اللَّازِمِ ظَاهِرٌ ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَاهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ عَقْلًا ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى امْتِنَاعِ خَلْقِ الْقَدِيمِ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ .
قُلْتُ : عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْمُعِينِ النَّسَفِيَّ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِ بِهَذَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ خُرُوجَ مَا يُوجِبُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بِقَضِيَّةِ اللُّغَةِ دُخُولُهُ فِيهِ هُوَ التَّخْصِيصُ دُونَ خُرُوجِ مَا لَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ دُخُولَهُ فِيهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ لَا يُفْهَمُ دُخُولُهُ فِيهِ ثُمَّ وَجَّهَ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْءَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ ، وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَعِنْدَ تَعَيُّنِ الْبَعْضِ مُرَادًا يَخْرُجُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ حُكْمِ الْخِطَابِ وَلَا يُعَدُّ تَخْصِيصًا وَقَدْ تَعَيَّنَ الْبَعْضُ الَّذِي هُوَ الْحَادِثُ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ : الشَّيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ ؛

لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ شَاءَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى شَاءَ تَارَةً وَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا قَالَ { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ } وَبِمَعْنَى مُشِيءٍ أُخْرَى أَيْ مُشِيءٌ وُجُودَهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وُجُودَهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْجُمْلَةِ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ { إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فَهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا بِلَا مَثْنَوِيَّةٍ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا قَالُوا الشَّيْءُ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ ، وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ أَوْ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُجْبَرَ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْمُمْتَنِعَ أَيْضًا لَزِمَهُمْ التَّخْصِيصُ بِالْمُمْكِنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ انْتَهَى ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّشَبُّثُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمَانِعِينَ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا غَيْرُ ، وَحِينَئِذٍ يُجَابُونَ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .

( مَسْأَلَةُ الْعَامِّ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَ { إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } ) ( يَعُمُّ ) اسْتِعْمَالًا كَمَا هُوَ عَامٌّ مَوْضِعًا ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( الِاسْتِدْلَالَ بِ { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ ( عَلَى وُجُوبِهَا ) أَيْ الزَّكَاةِ ( فِي الْحُلِيِّ ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْآيَةِ إلْحَاقُ الذَّمِّ بِمَنْ يَكْنِزُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا بَيَانُ التَّعْمِيمِ ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْمُتَنَاوَلَاتِ اللُّغَوِيَّةِ ( لَنَا عَامٌّ بِصِيغَتِهِ ) مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ( قَالُوا : عُهِدَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ ( ذِكْرُ الْعَامِّ مَعَ عَدَمِ إرَادَتِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ ( مُبَالَغَةً ) فِي الْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ .
( وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُبَالَغَةَ ( لَا تُنَافِيهِ ) أَيْ الْعُمُومَ ( إذَا كَانَتْ ) الْمُبَالَغَةُ ( لِلْحَثِّ بِخِلَافِ نَحْو قَتَلْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ ) مِمَّا لَمْ يُقْصَدْ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَثِّ بَلْ قُصِدَتْ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْعُمُومَ قَدْ يُنَافِيهِ ، هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ لِغَرَضٍ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ مِثْلُ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْأَخْذَ ( مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ ( عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ ) كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ ( خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ لَهُ ) أَيْ الْكَرْخِيِّ ( يَصْدُقُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ ) وَاحِدَةٍ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ ( أَنَّهُ أَخَذَ صَدَقَةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَخْذِهِ صَدَقَةٌ مَا ، إذْ هِيَ نَكِرَةٌ مُثْبَتَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ وَمَهْمَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ ذَلِكَ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْأَمْوَالِ لِكَوْنِ الْمَالِ جُزْأَهَا ، وَإِذَا صَدَقَ ذَلِكَ فَقَدْ امْتَثَلَ ( وَهُمْ ) أَيْ الْأَكْثَرُ ( يَمْنَعُونَهُ ) أَيْ صَدَقَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً بِأَخْذِ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ لَفْظَ أَمْوَالٍ ( جَمْعٌ مُضَافٌ فَالْمَعْنَى مِنْ كُلِّ مَالٍ ) صَدَقَةٍ ( فَيَعُمُّ ) الْمَأْخُوذَ ( بِعُمُومِهِ ) أَيْ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ ( أُجِيبَ عُمُومُ كُلٍّ تَفْصِيلِيٍّ ) أَيْ لِاسْتِغْرَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا مُفَصَّلًا ( بِخِلَافِ الْجَمْعِ ) فَإِنَّ عُمُومَهُ اسْتِغْرَاقِيٌّ مِنْ غَيْرِ قَيْدِ التَّفْصِيلِ ( لِلْفَرْقِ الضَّرُورِيِّ بَيْنَ لِلرِّجَالِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِكُلِّ رَجُلٍ ) عِنْدِي دِرْهَمٌ حَتَّى يَلْزَمَ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَفِي الثَّانِي دَرَاهِمُ بِعِدَّةِ الرِّجَالِ ( وَهَذَا ) الْجَوَابُ ( يُشِيرُ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ ) ، وَإِلَّا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْفَرْقِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ اسْتِغْرَاقِهِ لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ ( خِلَافُ الْمَنْصُورِ بَلْ هُوَ ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فِي الْعُمُومِ ( كَالْمُفْرَدِ ) كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ .
( وَإِنْ صَحَّ إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ بِهِ ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( لَا كُلُّ فَرْدٍ بِالْقَرِينَةِ ) الْمُعَيَّنَةِ لَهَا كَهَذِهِ الدَّارُ لَا تَسَعُ الرِّجَالَ لِلْعِلْمِ بِاتِّسَاعِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ لَا لِلْمَجْمُوعِ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهَا

كَفُلَانٍ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَا هِنْدُ لَا تُكَلِّمِي الرِّجَالَ فَقَوْلُهُ بِالْقَرِينَةِ مُتَعَلِّقٌ بِصَحَّ ( وَقَدْ يُنْصَرُ ) كَوْنُ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لَيْسَ كَالْمُفْرَدِ ( بِالْفَرْقِ بَيْنَ : لِلْمَسَاكِينِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِلْمِسْكِينِ ) عِنْدِي دِرْهَمٌ عِنْدَ قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ بِتَبَادُرِ إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ فِي الْجَمْعِ وَكُلُّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فِي الْمُفْرَدِ ( قَبْلَ مُلَاحَظَةِ اسْتِحَالَةِ انْقِسَامِهِ ) أَيْ الدِّرْهَمِ ( عَلَى الْكُلِّ ) الْمُوجِبَةِ لِانْتِفَاءِ إرَادَةِ اسْتِغْرَاقِ كُلِّ جَمْعٍ جَمْعٌ فِي الْجَمْعِ ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فِي تَقْرِيرِ الْفَرْقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى : أَنَّهُ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ زَائِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ فَلَمْ يُقْصَدْ لِجَمْعِهِ الْأَنْوَاعَ ، وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ فِيهِ لِجِنْسِ الْجَمْعِ لَا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَجْمُوعِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ اللَّامَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ ، وَالِاسْتِغْرَاقُ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْمَقَامِ ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَحُمِلَتْ اللَّامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَمَّا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَقِيقَةُ إلَّا فِي ضِمْنٍ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا حُمِلَ الرِّجَالُ هُنَا عَلَى أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } عَلَى مَرْتَبَةٍ تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ .
ا هـ .
وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي بَعْضِ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
( وَبِتَبَادُرِ صِدْقِ مَا تَقَدَّمَ ) أَيْ أَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَخْذِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ( فَالْحَقُّ أَنَّ عُمُومَهَا ) أَيْ الْجُمُوعِ ( مَجْمُوعِيٌّ ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ إفْرَادَ الْجَمْعِ الْعَامِّ الْوُحْدَانُ ) كَمَا سَلَفَ فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ فِي الْعَامِّ ( فَإِنَّهُ )

أَيْ ذَاكَ ( لَا يُنَافِيهِ ) أَيْ هَذَا ( وَلُزُومُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مُطْلَقًا ) أَيْ شَرْعِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( لِكُلٍّ ) مِنْ الْآحَادِ فِيهِ ( ضَرُورَةُ عَدَمِ تَجَزِّي الْمَطْلُوبِ وَغَيْرِهِ ) مِنْ الْمَوَانِعِ ( كَ { يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ) لِلْعِلْمِ بِحُبِّ كُلِّ مُحْسِنٍ .
( وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ) أَيْ عُمُومَ الْجَمْعِ فِي الْآحَادِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ ( مُقْتَضَى أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللُّغَةِ ) مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ فَلَا يُنَافِي مَا سَلَفَ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْجَمْعِ الْعَامِّ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكُلِّ لَا يَلْزَمُ فِي الْجُزْءِ لِلْعِلْمِ بِاللُّزُومِ لُغَةً فِي خُصُوصِ هَذَا الْجُزْءِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ وَجْهٍ ( وَصُورَةُ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْجَمْعُ الْمُضَافُ لِجَمْعٍ كَمِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا يُوجِبُ الْجَمْعَ فِي كُلِّ فَرْدٍ خِلَافًا لِزُفَرَ ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إيجَابَهُ فِي كُلِّ فَرْدٍ ( وَجْهُ قَوْلِهِ : إنَّ الْمُضَافَ إلَى الْجَمْعِ مُضَافٌ إلَى كُلِّ فَرْدٍ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمُضَافُ هُنَا ( جَمْعٌ فَيَلْزَمُ فِي حَقِّ كُلٍّ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِكُلٍّ ) مِنْ الْأَفْرَادِ .
( وَمَفْزَعُهُمْ ) أَيْ مَلْجَأُ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي دَفْعِهِ ) أَيْ وَجْهِهِ ( الِاسْتِعْمَالُ الْمُسْتَمِرُّ نَحْوُ { جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ } وَكَرَكِبُوا دَوَابَّهُمْ يُفِيدُ نِسْبَةَ آحَادِهِ ) أَيْ الْمُضَافِ ( إلَى آحَادِهِ ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ( فَفِي الْآيَةِ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ كُلٍّ لَا مِنْ كُلِّ مَالِ كُلٍّ وَيُدْفَعُ ) هَذَا الدَّفْعُ ( أَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ يُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فِيمَا ذُكِرَ ( لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } إخْبَارٌ بِحَمْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْوِزْرِ لَا وِزْرًا وَاحِدًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ : قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ الْكَافِرِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كُلُّ

مُسْلِمٍ كَافِرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ لِلدَّفْعِ ( إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ لَا يَدْفَعُ الْمَطْلُوبَ وَقَدْ بَقِيَ مَا قُلْنَا ) مِنْ كَوْنِ الْحَقِّ أَنَّ عُمُومَ الْجَمْعِ مَجْمُوعِيٌّ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلَيْهِ يُوجَدُ الِامْتِثَالُ بِأَخْذِ صَدَقَةٍ مِنْ مَالِ كُلٍّ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تُفِيدُ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ

( فَرْعٌ ) مَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ( إذَا دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ فَطَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ كُلٌّ دَارًا وَوَلَدَتْ كُلٌّ وَلَدًا طَلُقَتْ ) فِي نَظَائِرَ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ تُعْرَفُ ثَمَّةَ

( مَسْأَلَةٌ إذَا عَلَّلَ ) الشَّارِعُ ( حُكْمًا ) فِي مَحَلٍّ بِعِلَّةٍ ( عَمَّ ) الْحُكْمُ ( فِي مَحَالِّهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ شَرْعًا ( بِالْقِيَاسِ ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( وَقِيلَ ) عَنْهُ عَمَّ لُغَةً ( بِالصِّيغَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَا يَعُمُّ ) أَصْلًا ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْغَزَالِيُّ ( لَنَا ) تَعْلِيلُ الشَّارِعِ حُكْمًا بِعِلَّةٍ ( ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ ) بِالْعِلِّيَّةِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهَا لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ( فَتَجْوِيزُ كَوْنِ الْمَحَلِّ جُزْءًا ) مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ عَلَيْهَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( فَلَا يَتَعَدَّى ) ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ حِينَئِذٍ ( كَقَوْلِ الْقَاضِي احْتِمَالٌ ) لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ فَلَا يُتْرَكُ بِهِ الظَّاهِرُ ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنْكِرُ الظُّهُورَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهِ هُنَا كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فَإِنَّمَا يَنْهَضُ فِي دَفْعِهِ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ ، وَالْجَوَابُ لَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحُجَّةَ بِالْعَمَلِ بِهِ قَائِمَةٌ كَمَا عُرِفَ ( ثُمَّ لَا صِيغَةَ عُمُومٍ ) كَقَوْلِ الْمُعَمِّمِينَ بِالصِّيغَةِ ( فَانْفَرَدَ التَّعْمِيمُ بِالْعِلَّةِ قَالُوا ) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ بِالصِّيغَةِ ( حُرِّمَتْ الْخَمْرُ ؛ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ كَحَرَّمْت الْمُسْكِرَ ) فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّانِي يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَكَذَا الْأَوَّلُ .
( قُلْنَا ) إنَّمَا الْأَوَّلُ مِثْلُ الثَّانِي ( فِي عُمُومِ الْحُكْمِ ) وَلَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومٌ عُمُومَ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ ( كَوْنُهُ بِالصِّيغَةِ ) كَمَا فِي الثَّانِي ( لِانْتِفَائِهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ فِي الْأَوَّلِ وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِي

( مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ دَلَالَةُ النَّصِّ وَكَذَا إشَارَةُ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ ، وَاخْتُلِفَ فِي عُمُومِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ قَائِلِيهِ نَفَاهُ الْغَزَالِيُّ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ فَقِيلَ ) الْخِلَافُ ( لَفْظِيٌّ ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( لِثُبُوتِ نَقِيضِ الْحُكْمِ ) لِلْمَنْطُوقِ ( فِي كُلِّ مَا سِوَى مَحَلِّ النُّطْقِ اتِّفَاقًا وَمُرَادُ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( لَمْ يَثْبُتْ ) فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ ( بِالْمَنْطُوقِ ) بَلْ الْمَفْهُومُ بِوَاسِطَةِ الْمَنْطُوقِ ( وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ ) أَيْ فِي أَنَّ ثُبُوتَ نَقِيضِ الْحُكْمِ فِي الْأَفْرَادِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِالْمَنْطُوقِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْعَامِّ فَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْهُومِ عُمُومٌ ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ فِي الْجُمْلَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ أَوْ لَا كَانَ لَهُ عُمُومٌ ( لَكِنْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ ) فِي الْمُسْتَصْفَى ( مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قَدْ يَظُنُّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا وَيَتَمَسَّكُ بِهِ ) أَيْ بِعُمُومِهِ ( وَفِيهِ ) أَيْ وَفِي أَنَّ لَهُ عُمُومًا ( نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَفْظٌ ) تَتَشَابَهُ دَلَالَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ ، وَالنَّحْوِيُّ لَيْسَ يَتَمَسَّكُ بِلَفْظٍ بَلْ بِسُكُوتٍ وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا مُخْتَصَرًا بِقَوْلِهِ : ( وَالتَّمَسُّكُ بِالْمَفْهُومِ تَمَسُّكٌ بِسُكُوتٍ ) فَإِذَا قَالَ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ فَنَفْيُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ اللَّفْظُ أَوْ يَخُصَّ وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَا بِلَفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي .
ا هـ ( ظَاهِرٌ فِي تَحَقُّقِهِ ) أَيْ الْخِلَافِ ( وَبِنَائِهِ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( مِنْ عَوَارِضِ

الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً ) فَلَا تَعُمُّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ( أَوَّلًا ) مِنْ عَوَارِضِهَا خَاصَّةً فَتَعُمُّ خَاصَّةً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ( وَحُقِّقَ تَحَقُّق الْعُمُومِ ) فِي الْمَفْهُومِ .
( وَإِنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( مَلْحُوظٌ لِلْمُتَكَلِّمِ ) بِمَنْزِلَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ ( فَيُقْبَلُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْعُمُومِ ( مِنْ التَّخْصِيصِ ) وَتُجْزِئُ الْإِرَادَةُ ( أَوَّلًا ) أَيْ أَوْ غَيْرُ مَلْحُوظٍ لَهُ ( بَلْ هُوَ لَازِمٌ عَقْلِيٌّ ثَبَتَ تَبَعًا لِمَلْزُومِهِ ) ، وَهُوَ الْمَنْطُوقُ ( فَلَا يَقْبَلُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصُ وَالتَّجْزِئَةُ فِي الْإِرَادَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ عَقْلًا لَا مَدْخَلَ لِلْإِرَادَةِ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ لَازِمًا عَقْلِيًّا ( مُرَادُ الْغَزَالِيِّ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَيُتَمَسَّكُ بِهِ إلَخْ أَيْ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ ذَلِكَ ) فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي بِهِ عَائِدًا عَلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ لَا عَلَى عُمُومِهِ ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ ، وَإِنَّمَا حُقِّقَ هَذَا وَالْمُحَقِّقُ لَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( لِاسْتِبْعَادِ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَقِيضُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَعَلِمَتْ أَنَّ لَفْظَ الْغَزَالِيِّ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ ) أَيْ هَذَا الْمُحَقِّقِ ( وَجَازَ أَنْ يَقُولَ ) الْغَزَالِيُّ ( بِثُبُوتِ النَّقِيضِ ) أَيْ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ ( عَلَى الْعُمُومِ وَيَنْسُبُهُ إلَى الْأَصْلِ لَا لِلْمَفْهُومِ كَطَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَفْهُومِ ( عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) فِي بَحْثِ الْمَفْهُومِ فَلَمْ يُوجِبْ الْإِثْبَاتَ لِكُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ تَأْوِيلُ لَفْظِهِ بِمَا ذُكِرَ فَيَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ قُلْتُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ وَيُتَمَسَّكُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبُو عَنْهُ كُلَّ النُّبُوِّ قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ فَلْيُنْظَرْ .

( مَسْأَلَةٌ : قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ فَرْعًا فِقْهِيًّا مَعَ ) عِلْمِهِمْ بِالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ لِلْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد رِوَايَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ ( قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ } فَاخْتُلِفَ فِي مَبْنَاهُ ) أَيْ هَذَا الْفَرْعِ ( فَالْآمِدِيُّ ) وَالْغَزَالِيُّ ( عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لَهُمْ ) أَيْ لِلشَّافِعِيَّةِ ( وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ : بِكَافِرٍ مَعَ ذُو عَهْدٍ ، وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ ( بِكَافِرٍ ) بَعْدَ ( فِي عَهْدِهِ ) ( لَمْ يُقْتَلْ ) ذُو عَهْدٍ ( بِمُسْلِمٍ ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَفْيًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا ، وَإِذْ كَانَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( فَأَمَّا ) يَكُونُ ( لُغَةً عَلَى مَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْطُوفُ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ فَيُقَدَّرُ خَبَرُ الْأَوَّلِ فِيهَا تَجَوُّزًا بِهِ ) أَيْ بِالْخَبَرِ ( عَنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ ) فَإِنَّ بِكَافِرٍ لَيْسَ بِخَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ بَلْ هُوَ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ ( فَنَحْو ضَرَبْتُ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَة وَعَمْرًا يَلْزَمُ تَقْيِيدَ عَمْرٍو بِهِ ) أَيْ ضَرْبِهِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ( ظَاهِرًا ) فَلَا يَضُرُّ الْتِزَامُهُ إذَا أُورِدَ ( وَوَجْهُهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامِ لُغَةً ( أَنَّ الْعَطْفَ لِتَشْرِيكِ الثَّانِي فِي الْمُتَعَلَّقِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْكَائِنِ لِلْعَامِلِ مَعَ الْعَامِلِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَتَشْرِيكُهُ فِيهِ ( عَدَمُ قَتْلِهِ ) أَيْ ذِي عَهْدٍ ( بِكَافِرٍ ، وَإِنْ شَرَكَهُ النُّحَاةُ فِي الْعَامِلِ ، وَلَمْ يَأْخُذُوا الْقَيْدَ ) الْكَائِنَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَعْطُوفِ أَيْضًا ( لَكِنَّ هَذَا ) أَيْ التَّشْرِيكَ فِي الْمُتَعَلَّقِ أَيْضًا ( حَقٌّ ، وَهُوَ لَازِمُهُمْ ) أَيْ النُّحَاةِ ( فَإِنَّ الْعَامِلَ مُقَيَّدٌ بِالْفَرْضِ فَشَرِكَتُهُ ) أَيْ

الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَامِلِ ( تُوجِبُ تَقَيُّدَهُ ) أَيْ الثَّانِي بِذَلِكَ الْقَيْدِ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( وَإِمَّا ) يَكُونُ ( بِمُنْفَصِلٍ شَرْعِيٍّ هُوَ لُزُومُ عَدَمِ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِمُسْلِمٍ لَوْلَاهُ ) أَيْ شَرِكَتُهُ مَعَهُ فِي الْمُتَعَلَّقِ ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ الْكَافِرُ ( مَخْصُوصٌ بِالْحَرْبِيِّ لِقَتْلِهِ ) أَيْ ذِي الْعَهْدِ ( بِالذِّمِّيِّ فَانْتَفَى اللَّازِمُ ) ، وَهُوَ عُمُومُ الثَّانِي ( فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ ، وَهُوَ عُمُومُ الْأَوَّلِ ) فَلَا يُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ مُطْلَقًا .
( وَقِيلَ ) قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ ( تَخْصِيصُ الْمَعْطُوفِ يُوجِبُهُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَهَذَا ) الْقَوْلُ ( لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ ) الَّذِي قَالَهُ الْآمِدِيُّ ( لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ ) أَيْ الْمَعْطُوفِ ( نَفْيُ عُمُومِهِ ، وَهُوَ ) أَيْ نَفْيُ عُمُومِهِ ( انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فِي الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ ( وَنَفْيُ اللَّازِمِ مَلْزُومٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ ) ، وَهُوَ عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ فَيَنْتَفِي عُمُومُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِانْتِفَاءِ عُمُومِ الْمَعْطُوفِ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ يُخَصِّصُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّعَقُّبِ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ تِلْكَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بِرَأْسِهَا ( وَقَدْ يُقَالُ ) فِي تَقْرِيرِ هَذَا تَخْصِيصُ الثَّانِي ( يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِمَا خُصَّ بِهِ ) الثَّانِي ( وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ) أَيْ تَخْصِيصَ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ ( مُرَادٌ ) لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ ذِمِّيٌّ بِذِمِّيٍّ ، وَحَيْثُ يُخَصَّصُ الثَّانِي بِالْحَرْبِيِّ فَالْأَوَّلُ كَذَلِكَ ( فَيَصِيرُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْمَعْنَى لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِحَرْبِيٍّ

وَلَا ذِمِّيٌّ بِحَرْبِيٍّ وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ حَرْبِيٍّ فَيَدْخُلُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ الذِّمِّيُّ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ قَالُوا بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ) ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي مِثْلِهِ ( وَقِيلَ قَلْبُهُ ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ تَخْصِيصَ الثَّانِي ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( لَا يَصِحُّ مَبْنِيُّ الْفَرْعِ ) الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْأَوَّلِ ( نَعَمْ لَا تَلَازُمَ ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ( فَقَدْ يَعُمَّانِ ) أَيْ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ ( وَقَدْ يَعُمُّ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ ، وَكَوْنُ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ يَصْدُقُ إذَا شَرَّكْت بَعْضَ أَفْرَادِ الْمَعْطُوفِ فِي الْمُقَيَّدِ الْمُتَعَلِّقِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَعْنِي لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَطْفِ لِلتَّشْرِيكِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ اسْتِوَاءُ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْعُمُومِ الصِّرْفِ أَوْ التَّخْصِيصِ بَلْ يَصْدُقُ التَّشْرِيكُ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَامًّا مَخْصُوصًا تَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِكُلِّ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ أَفْرَادِهِ الَّتِي شُرِّكَتْ هِيَ الْبَاقِيَةُ تَحْتَ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَطْفُ مَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ شَارَكَ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمُرَادُ بِالْمُتَعَاطِفِينَ نَفْسِهِمَا ( فَظَهَرَ ) بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لَهُمْ ( أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ ، وَإِنْ خُصَّ مِنْهَا الْحَرْبِيُّ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِالْحَرْبِيِّ ، وَالْمُحَقِّقُونَ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنُ ) لَا الْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا ( لِيُفِيدَ ) قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ( إذْ غَيْرُهُ ) أَيْ الْحَرْبِيِّ

الْمُسْتَأْمَنِ ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَأْمَنٍ ( مِمَّا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ كَالصَّلَاةِ ) أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِهِ ( فَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ ) كَمَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ كَافِرِ الْأَوَّلِ بِهِ مُوجِبٌ لِتَخْصِيصِ كَافِرِ الثَّانِي بِهِ أَيْضًا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُهُ فِي الثَّانِي بِعَيْنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَاقِصٌ فَيُقَدَّرُ مَا فِي الْأَوَّلِ فِيهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ وَتَخْصِيصُ الثَّانِي بِدَلِيلِهِ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَةً قَرِيبَةً فَلَا يُوجِبُهُ لُغَةً ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ ( وَاَلَّذِي فِي هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ ( مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ كَوْنُ الْعَطْفِ عَلَى عَامٍّ لِعَامِلِهِ مُتَعَلِّقَ عَامٍّ يُوجِبُ تَقْدِيرَ لَفْظِهِ ) أَيْ لَفْظَ الْمُتَعَلِّقِ الْعَامِّ ( فِي الْمَعْطُوفِ ثُمَّ يُخَصُّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ ، وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ ( اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَفِيهِ ) أَيْ لُزُومِ اخْتِلَافِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ( مَا سَمِعْت ) مِنْ عَدَمِ لُزُومِ اتِّحَادِ كَمِّيَّتَيْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ فِي الْأَفْرَادِ الْمُتَنَاوَلَةِ ، وَأَنَّ اخْتِلَافَهَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَامِلِ ؛ لِأَنَّا فَرَضْنَا تَقْدِيرَ قَيْدِ الْعَامِلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِيهِ اخْتِلَافُ كَمِّيَّتِهِمَا إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ شَرَكَ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْمُرَادَ بِالْآخَرِ فِي الْعَامِلِ الْمُقَيَّدِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَزِيدُ كَلَامٍ لَمْ نُطَوِّلْ بِهِ إيثَارًا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَرَامِ .

( مَسْأَلَةٌ الْجَوَابُ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ ) عَنْ سُؤَالٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُفِيدًا بِدُونِهِ كَنَعَمْ وَلَا ( يُسَاوِي السُّؤَالَ فِي الْعُمُومِ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُصُوصِ قِيلَ كَذَلِكَ ) أَيْ يُسَاوِيهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ عَامًّا وَلَوْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِي الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ خَاصًّا ( وَقِيلَ يَعُمُّ ) الْجَوَابُ فِيهِ ( عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ) حَتَّى كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ إلَّا عَلَى جَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ ( لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَشَارِحِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَهَبَ إلَيْهِ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمَحْكِيِّ الْمَذْكُورِ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لَكِنَّهُ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُورِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَمْثِلَتِهِ إلَّا مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بَلْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : الْعُمُومُ فَرْعُ اسْتِقْلَالِ الْكَلَامِ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ يُفْرَضُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ فَإِذْ ذَاكَ يَسْتَمْسِكُ بَعْضٌ بِاللَّفْظِ وَآخَرُونَ بِالسَّبَبِ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِقْلَالُ دُونَ تَقَدُّمِ سُؤَالٍ ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِهِ فَالْجَوَابُ تَتِمَّةٌ لَهُ وَكَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى ادِّعَاءِ الْعُمُومِ بِهِ ، وَبِهَذَا ظَهَرَ وَجْهُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ( وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ يَتْبَعُ السُّؤَالَ فِي الْخُصُوصِ ( وَلَا مَعْنَى لِلُزُومِ الْعُمُومِ ) فِي الْجَوَابِ ( لِتَرْكِهِ ) أَيْ الِاسْتِفْصَالِ ( إلَّا فِي الْأَحْوَالِ

وَالْأَوْقَاتِ وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْمُكَلَّفِينَ ) أَيْ لَكِنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ الْجَوَابِ لِلْمُكَلَّفِينَ أَوْ خُصُوصُهُ بِبَعْضِهِمْ ( وَالْقَطْعُ أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ لِلْمُكَلَّفِينَ ( إنْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ ) نَعَمْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ ( أَيَحِلُّ لِي كَذَا فَبِقِيَاسٍ ) لَهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ عِلَّتِهِ فِيهِمْ كَمَا فِيهِ ( أَوْ بِنَحْوِ وَحُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ ) حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ النُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا ( لَا مِنْ نَعَمْ ) فَقَطْ ، وَهَذَا لَا يُنَافِي خُصُوصَهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخُصُوصِ .
( وَأَمَّا ) الْجَوَابُ ( الْمُسْتَقِلُّ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَلِلْعُمُومِ ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِلِّ مَا يَكُونُ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السَّبَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالًا ، نَحْوَ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ { قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَالنَّتْنُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ فَقَالَ إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ وَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } أَوْ حَادِثَةٌ كَمَا لَوْ شَاهَدَ مَنْ رَمَى إهَابَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) عَلَى مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ وَمَشَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ، وَبَيَّنَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي مَنَاقِبِهِ ، وَهْمَ نَاقِلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ نَعَمْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْقَفَّالُ وَالدَّقَّاقُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إلَيَّ كَانَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ ( لَنَا أَنَّ

التَّمَسُّكَ بِاللَّفْظِ ، وَهُوَ عَامٌّ ) وَلَا مَانِعَ مِنْ إجْرَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ ثَمَّ مَانِعٌ ، وَهُوَ خُصُوصُ السَّبَبِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَخُصُوصُ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِهِ ) أَيْ ذِي السَّبَبِ بِالضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي عُمُومَهُ فَكَيْفَ يُخَرَّجُ غَيْرُهُ .
( وَتَمَسَّكَ أَصْحَابُهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ بِهَا ) أَيْ بِالْأَجْوِبَةِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ ( كَآيَةِ السَّرِقَةِ ، وَهِيَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ أَوْ الْمِجَنِّ ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّفَاسِيرِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقِ الدِّرْعِ الَّذِي ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ فِي الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهَا { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ } بَلْ سِيَاقُ قِصَّةِ الْقَطْعِ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ يُفِيدُ تَأَخُّرَ وُقُوعِهَا عَنْ نُزُولِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ ( وَآيَةُ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ ) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَتَعَقَّبُوهُ بِأَنَّهَا إنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَزَوْجَتِهِ خَوْلَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَوَّلُ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَامْرَأَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : وَلَيْسَ يَبْعُدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ { سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَيْهِ قَالَ كُنْت امْرَأً أُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ مَا لَا

يُصِيبُ غَيْرِي فَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَخِفْت أَنْ يَقَعَ مِنِّي شَيْءٌ فِي لَيْلَتِي فَيُتَابَعَ بِي حَتَّى أُصْبِحَ فَظَاهَرْت مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ الشَّهْرُ فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي إذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَمَا لَبِثْت أَنْ نَزَوْت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ خَرَجْت إلَى قَوْمِي فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ خَبَرِي وَقُلْت لَهُمْ امْشُوا مَعِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَا وَاَللَّهِ مَا نَمْشِي مَعَك إنَّا نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ فِيك الْقُرْآنُ أَوْ يَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا فَانْطَلَقْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ قُلْت أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاحْكُمْ فِي بِمَا أَرَاك اللَّهُ فَهَا أَنَا ذَا صَابِرٌ نَفْسِي قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً } ، الْحَدِيثَ .
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قَالَ فَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ سَلَمَةَ وَقَعَتْ عَقِبَ قِصَّةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ فَإِنَّ فِيهِ وَفِي سُؤَالِ سَلَمَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ .
انْتَهَى .
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُبْعِدُهُ تَضَافُرُ الرِّوَايَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى أَنَّ زَوْجَةَ أَوْسٍ لَمَّا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَرِحَتْ أَوْ فَلَمْ تَرِمْ مَكَانَهَا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ ، ثُمَّ الْآيَةُ نَفْسُهَا فَإِنَّهَا مُشِيرَةٌ إلَى أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مُجَادَلَةُ زَوْجَةِ الْمُظَاهِرِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَكْوَاهَا إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا كُلُّهُ إلَّا فِي زَوْجَةِ أَوْسٍ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِ قَوْمِ سَلَمَةَ نَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ وَلَا فِي

سُؤَالِ سَلَمَةَ إشَارَةٌ رَاجِحَةٌ إلَى أَنَّ آيَةَ الظِّهَارِ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ وَلَا بِظَاهِرٍ أَيْضًا أَنَّ الْمَخْشِيَّ وُقُوعَهُ مِنْ النُّزُولِ كَانَ بَيَانَ حُكْمِ الظِّهَارِ وَلَا مِنْ الْبَعِيدِ أَنْ يَكُونَ الْمَخْشِيُّ نُزُولَهُ فِيهِ هُوَ التَّوْبِيخَ لَهُ وَنَحْوَهُ ، وَمِنْ ثَمَّةَ أَرْدَفُوهُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ يَتَكَلَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيك بِمَقَالَةٍ يَلْزَمُنَا عَارُهَا وَلَا أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ حُكْمُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُبَادَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيَانِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ انْتِظَارِ الْوَحْيِ وَلَا التَّوَقُّفِ فِيهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَآيَةُ اللِّعَانِ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَوْ عُوَيْمِرٍ ) كَمَا كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَسِيَاقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى { عُوَيْمِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَاصِمٍ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ عَاصِمًا سَأَلَهُ فَكَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ وَأَنَّ عُوَيْمِرًا قَالَ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُ فِي وَسَطِ النَّاسِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا سَأَلَ لِعُوَيْمِرٍ تَخَلَّلَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ عُوَيْمِرٍ بِنَفْسِهِ قِصَّةُ هِلَالٍ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ قِيلَ لَهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك بِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآيَةِ كُلَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ .
ا هـ .
قُلْت : وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا ثُمَّ قَوْلُ

أَنَسٍ كَانَ أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْحَدِيثَ ، يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ كَانَ فِي هِلَالٍ قَبْلَ عُوَيْمِرٍ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( قَالُوا : لَوْ كَانَ ) الْجَوَابُ عَامًّا لِلسَّبَبِ وَغَيْرِهِ ( لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ ) مِنْ عُمُومِ الْجَوَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ لِتَسَاوِيهَا فِي الْعُمُومِ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَأُجِيبَ ) بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ تَخْصِيصَ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ ( خُصَّ مِنْ جَوَازِ التَّخْصِيصِ لِلْقَطْعِ بِدُخُولِهِ ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ فِي إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ قَطْعًا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِيهَا ( لَمْ يَكُنْ ) الْجَوَابُ ( جَوَابًا ) لَهُ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ خَاصٍّ فَيَصِيرُ كَالنَّصِّ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِي غَيْرِهِ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ دُونَهُ .
( وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَنْعِ بُطْلَانِ اللَّازِمِ ) ، وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ السَّبَبِ بِالِاجْتِهَادِ ( فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخْرَجَ وَلَدَ الْأَمَةِ ) الْمَوْطُوءَةِ ( مِنْ عُمُومِ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } ) فَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا بِدَعْوَاهُ ( مَعَ وُرُودِهِ ) أَيْ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } ( فِي وَلِيدَةِ زَمْعَةَ ) وَكَانَتْ أَمَةً مَوْطُوءَةً لَهُ وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِهِ إيضَاحًا لِلْمَرَامِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْكَ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ .
ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ

احْتَجِبِي مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَحِقَ بِاَللَّهِ تَعَالَى } ( وَلَيْسَ ) هَذَا الْجَوَابُ ( بِشَيْءٍ ) دَافِعٌ لِدَلِيلِ الْمُخَصِّصِينَ ( فَإِنَّ السَّبَبَ الْخَاصَّ وَلَدُ زَمْعَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ ) مِنْ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } ( فَالْمُخْرِجُ نَوْعُ السَّبَبِ ) ، وَهُوَ وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ ( مَخْصُوصًا مِنْهُ ) أَيْ نَوْعِ السَّبَبِ ( السَّبَبُ ) الْخَاصُّ ، وَهُوَ وَلَدُ زَمْعَةَ ( وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ ( لَمْ يُخْرِجْ نَوْعَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةِ ( لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ فَالْفِرَاشُ الْمَنْكُوحَةُ ) ، وَهِيَ الْفِرَاشُ الْقَوِيُّ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ( وَأُمُّ الْوَلَدِ ) ، وَهِيَ فِرَاشٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا ، وَفِرَاشٌ مُتَوَسِّطٌ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَيَمْتَنِعُ تَزْوِيجُهَا ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بِلَا دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ : قَوِيٌّ ، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ .
وَمُتَوَسِّطٌ ، وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ .
وَضَعِيفٌ ، وَهِيَ الْأَمَةُ الْمَوْطُوءَةُ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ ( وَإِطْلَاقُ الْفِرَاشِ عَلَى وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ بَعْدَ قَوْلِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْأَمَةِ مُطْلَقًا فِرَاشًا لِجَوَازِ كَوْنِهَا ) أَيْ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ ( كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ قِيلَ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ( وَدَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظِ وَلِيدَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ عَلَى أَنَّهُ مُنِعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ نَسَبَهُ لِقَوْلِهِ هُوَ لَك ) أَيْ مِيرَاثٌ مِنْ أَبِيك وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ هُوَ أَخُوكَ وَمَا فِي رِوَايَةِ هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ فَمُعَارَضَةٌ بِهَذِهِ ، وَهَذِهِ أَرْجَحُ ؛ لِأَنَّهَا الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ .
( وَقَوْلُهُ : {

احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ } ) إذْ لَوْ كَانَ أَخَاهَا شَرْعًا لَمْ يَجِبْ احْتِجَابُهَا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ { وَأَمَّا أَنْتِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ } ( قَالُوا لَوْ عَمَّ ) الْجَوَابُ فِي السَّبَبِ وَغَيْرِهِ ( كَانَ نَقْلُ الصَّحَابَةِ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ سِوَى التَّخْصِيصِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَنَقْلُهُمْ السَّبَبَ بِلَا فَائِدَةٍ ( بَعِيدٌ ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَعْتَنِي بِنَقْلِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ( أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ ) أَيْ السَّبَبِ ( لِيَمْنَعَ تَخْصِيصَهُ ) بِالِاجْتِهَادِ ( أَجَلُّ فَائِدَةً ، وَنَفْسُ مَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْأَغَالِيطِ ) .
فَائِدَةٌ : أَيْضًا ( قَالُوا لَوْ قَالَ لَا أَتَغَدَّى جَوَابُ تَغَدَّ عِنْدِي لَمْ يَعُمَّ ) قَوْلُهُ " أَتَغَدَّى " كُلَّ تَغَدٍّ وَنُزِّلَ عَلَى التَّغَدِّي عِنْدَهُ ( إذْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا بِتَغَدِّيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ تَخْصِيصَهُ ) لِعُمُومِ كُلَّ تَغَدٍّ ( يُعْرَفُ فِيهِ ) ، وَهُوَ عُرْفُ الْمُحَاوَرَةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى عِنْدَهُ ( لَا بِالسَّبَبِ ) وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ الدَّلِيلِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِيهِ فَانْتَفَى قَوْلُ زُفَرَ بِعُمُومِهِ ، حَتَّى لَوْ كَانَ حَالِفًا عَلَى ذَلِكَ حَنِثَ ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْجَوَابِ الْيَوْمَ ثُمَّ تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا : يَحْنَثُ لِظُهُورِ إرَادَةِ الِابْتِدَاءِ دُونَ الْجَوَابِ حَمْلًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِلْغَاءِ نَعَمْ إنْ نَوَى الْجَوَابَ صُدِّقَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِهِ .
( قَالُوا : لَوْ عَمَّ ) الْجَوَابُ السَّبَبَ الْمَسْئُولَ عَنْهُ وَغَيْرَهُ ( لَمْ يَكُنْ ) الْجَوَابُ ( مُطَابِقًا ) لِلسُّؤَالِ ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ ، وَالْجَوَابُ عَامٌّ ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ مِثْلِهِ عَنْ الشَّارِعِ ( قُلْنَا ) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ بَلْ ( طَابَقَ ) الْجَوَابُ السُّؤَالَ بِكَشْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ وَتَبْيِينِ حُكْمِهِ ( وَزَادَ ) عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ ، وَلَا ضَيْرَ فِي

ذَلِكَ وَكَيْفَ لَا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِك يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهَشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } ( قَالُوا لَوْ عَمَّ ) الْجَوَابُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ غَيْرَهُ ( كَانَ ) الْعُمُومُ ( تَحَكُّمًا بِأَحَدِ مَجَازَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ ) ثَلَاثَةٍ ( نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ فَقَطْ ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِ الْجَوَابِ نَصًّا فِي الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ الْخَاصِّ الَّذِي لِأَجْلِهِ وَرَدَ الْعَامُّ دُونَ غَيْرِهِ .
( أَوْ ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ ( مَعَ الْكُلِّ ) أَيْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَصٌّ فِي بَعْضٍ وَظَاهِرٌ فِي الْبَاقِي .
( أَوْ ) نُصُوصِيَّةٍ عَلَى السَّبَبِ مَعَ ( الْبَعْضِ ) أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا ( قُلْنَا : لَا مَجَازَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ ( بِالِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَعْنَى ) الَّذِي لَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ لَهُ ( لَا بِكَيْفِيَّةِ الدَّلَالَةِ ) مِنْ الظُّهُورِ وَالنُّصُوصِ ( وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ ) اللَّفْظُ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فَرْدِهِ السَّبَبِيِّ وَبَاقِي أَفْرَادِهِ ( فَهُوَ حَقِيقَةٌ ) فِي الْعُمُومِ ( وَأَيْضًا نَمْنَعُ نُصُوصِيَّتَهُ ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ ( بَلْ تَنَاوُلُهُ لِلسَّبَبِ كَغَيْرِهِ ) مِنْ الْأَفْرَادِ ( وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِخَارِجٍ ) عَنْ اللَّفْظِ ، وَهُوَ لُزُومُ انْتِفَاءِ الْجَوَابِ ( الْقَطْعُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ ) أَيْ الْفَرْدِ السَّبَبِيِّ ( مِنْ الْحُكْمِ ) .
لَكِنْ عَلَى هَذَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَارِجَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ ( مُحَقِّقٌ لِلنُّصُوصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ النُّصُوصِيَّةَ (

أَبَدًا لَا تَكُونُ مِنْ ذَاتِ اللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ ) اللَّفْظُ ( عَلَمًا إنْ لَمْ يَتَجَوَّزْ بِهَا ) أَيْ بِالْأَعْلَامِ فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا فَهِيَ كَغَيْرِهَا إنَّمَا تَكُونُ نُصُوصِيَّتُهَا بِخَارِجٍ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا فَرْضُ مَا هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا ؛ لِأَنَّ فَخْرَ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ صَرَّحَا بِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ ، وَالتَّجَوُّزُ بِهَا فَرْعُ كَوْنِهَا حَقِيقَةً .
قُلْتُ : مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا كَمَا سَيُذْكَرُ فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الْأَعْلَامِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْجَوَابُ وَفِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ .

( الْبَحْثُ الرَّابِعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى إطْلَاقِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَعَلَى احْتِمَالِهِ ) أَيْ الْخَاصِّ ( الْمَجَازَ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الِاتِّفَاقُ عَلَى احْتِمَالِ الْخَاصِّ الْمَجَازَ ( الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ ) الْمَعْنَى ( الْحَقِيقِيِّ ) لِلْخَاصِّ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِنَفْيِهَا يَمْنَعُ احْتِمَالَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا بَحْثًا يُوجِبُ مَنْعَهُ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا ( وَإِنَّ هَذَا الْقَطْعَ ) الْمَنْسُوبَ إلَى دَلَالَةِ الْخَاصِّ ( لَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ مُطْلَقًا ) ، وَإِنَّمَا يُنَافِي الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ ( وَاخْتُلِفَ فِي إطْلَاقِهِ ) أَيْ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ ( عَلَى الْعَامِّ فَالْأَكْثَرُ ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ( عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ نَفْيِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ ( وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ جُمْهُورُ مَشَايِخِ الْعِرَاقُ وَعَامَّة الْمُتَأَخِّرِينَ .
( نَعَمْ ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَلْ ذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ( وَأَبُو مَنْصُورٍ ) الْمَاتُرِيدِيُّ ( وَجَمَاعَةٌ ) ، وَهُمْ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ( كَالْأَكْثَرِ لِكَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ ) أَيْ الْعَامِّ مِنْ إطْلَاقِهِ ( سَوَاءٌ سُمِّيَ ) كَوْنُ بَعْضِهِ مُرَادًا ( تَخْصِيصًا اصْطِلَاحِيًّا أَوْ لَا كَثْرَةَ تُجَاوِزُ الْحَدَّ ، وَتَعْجِزُ عَنْ الْعَدِّ حَتَّى اُشْتُهِرَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ ، وَهَذَا ) الْعَامُّ أَيْضًا ( مِمَّا خُصَّ بِنَحْوِ { وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } ) لِعَدَمِ تَخْصِيصِ مَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ الْعُمُومِ ( فِي قِلَّةٍ مِمَّا لَا يُحْصَى وَمِثْلُهُ ) أَيْ وُجُودِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ ( يُورِثُ الِاحْتِمَالَ فِي ) الْعَامِّ ( الْمُعَيَّنِ ) جَرْيًا عَلَى مَا هُوَ

الْكَثِيرُ الْغَالِبُ ( فَيَصِيرُ ) كَوْنُ الْمُرَادِ جَمِيعَ مَدْلُولِهِ ( ظَنِّيًّا فَبَطَلَ ) بِهَذَا دَفْعُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ بِكَثْرَةٍ بَلْ بِأَكْثَرِيَّةِ تَخْصِيصِهِ ، وَهُوَ ( مَنْعُ كَثْرَةِ تَخْصِيصِهِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ تَخْصِيصَهُ عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ ( بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمُسْتَقِلُّ الْمُقَارِنُ ( قَلِيلٌ ) فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْعَامِّ التَّخْصِيصُ ، وَإِنَّمَا بَطَلَ ( لِأَنَّهُمْ ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ ( يَمْنَعُونَ اقْتِصَارَهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ بِذَلِكَ ( فَالْمُؤَثِّرُ فِي ظَنِّيَّتِهِ ) أَيْ فِي الْمُوجِبِ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ ( كَثْرَةُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فَقَطْ لَا مَعَ اعْتِبَارِ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا فِي الِاصْطِلَاحِ ) وَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا وَعَلَى رَأَيْنَا أَطْلَقْنَاهُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَافَقْتُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَبِهَا ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إطْلَاقَهُ عَلَيْهِ اصْطِلَاحًا مِنْكُمْ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَقْصُودِ .
( قَالُوا ) أَيْ الْقَطْعِيُّونَ : ( وُضِعَ ) الْعَامُّ ( لِمُسَمًّى فَالْقَطْعُ بِلُزُومِهِ ) أَيْ الْمُسَمَّى لَهُ ( عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) كَالْخَاصِّ ثُمَّ قَالُوا إيرَادًا وَجَوَابًا ( فَإِنْ قِيلَ إنْ أُرِيدَ ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ ( لُزُومَ تَنَاوُلِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ لَهُ ( فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ ) ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْوَضْعَ فَلَا يَدُلُّ لُزُومُ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَالْقَطْعِ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ قَطْعًا حَالَ ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ التَّخْصِيصِ وَالْقَطْعِ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ مَا وُضِعَ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( أَوْ إرَادَتِهِ ) أَيْ لُزُومِهَا ( فَمَمْنُوعٌ إذْ تَجْوِيزُ إرَادَةِ الْبَعْضِ قَائِمٌ فَيُمْنَعُ الْقَطْعَ ، قِيلَ الْمُرَادُ ) بِالْقَطْعِ بِلُزُومِهِ

الْقَطْعُ بِإِرَادَةِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ ، وَهُوَ ( مَا ) أَيْ قُطِعَ ( كَقَطْعِيَّةِ الْخَاصِّ ) ، وَهُوَ الْقَطْعُ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ عَنْ دَلِيلٍ ( لَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَهُ ) أَيْ الْعَامِّ أَصْلًا ( لِتَحَقُّقِهِ ) أَيْ الِاحْتِمَالِ لَا عَنْ دَلِيلٍ ( فِي الْخَاصِّ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ اتِّفَاقًا ) فَانْتَفَى كَوْنُ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ مُنَافِيًا لِلْقَطْعِ فِيهِ ( فَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ ) فِي قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْعَامَّ ( كَالْخَاصِّ ) فِي الْقَطْعِيَّةِ ( أَوْ أَحَطَّ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال ) عَلَى قَطْعِيَّةِ الْعَامِّ ( بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ إرَادَةُ بَعْضِهِ بِلَا قَرِينَةٍ كَانَ تَلْبِيسًا أَوْ تَكْلِيفًا بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُسْعِ الْوُقُوفُ عَلَى الْإِرَادَةِ الْبَاطِنَةِ وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَا فِي الْوُسْعِ ، وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ ( لِلُزُومِ مِثْلِهِ فِي الْخَاصِّ ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُهُ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ إذْ هَذَا الْقَطْعُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ كَمَا بَيَّنَّا ( مَعَ أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ ) أَيْ أَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّلْبِيسِ فِي إطْلَاقِ الْعَامِّ ( فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى خَفَاؤُهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ ( لَا نَفْيُهَا ) أَيْ إنَّمَا يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَهُ وَنَصَبَ قَرِينَةً غَيْرَ أَنَّهَا خَفِيَتْ عَلَيْنَا وَلَا تَلْبِيسَ بَعْدَ نَصْبِ الْقَرِينَةِ ، وَسَتَسْمَعُ مَا عَلَى هَذَا مِنْ التَّعَقُّبِ .
( وَأَمَّا الثَّانِي ) أَيْ وَأَمَّا مَنْعُهَا عَلَى تَقْدِيرِ اللَّازِمِ الثَّانِي ، وَهُوَ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ ( فَإِنَّمَا يَلْزَمُ ) التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ الْمَقْدُورِ ( لَوْ كُلِّفَ ) بِالْعَمَلِ ( بِالْمُرَادِ ) بِالْعَامِّ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ التَّكْلِيفَ بِهِ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ بِالْعَمَلِ ( بِمَا ظَهَرَ مِنْ اللَّفْظِ ) مُرَادًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَالِاسْتِدْلَالِ ) عَلَى ظَنِّيَّةِ الْعَامِّ

( بِكَثْرَةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْعَامِّ إذْ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَامِّ ( مَا فِي الْخَاصِّ ) مِنْ احْتِمَالِ الْمَجَازِ ( مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مَدْفُوعٌ ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( بِأَنَّ كَوْنَ حَقِيقَةٍ لَهَا مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ وَأُخْرَى وَاحِدٌ لَا يَحُطُّهُ ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازَانِ ( عَنْهُ ) أَيْ مَا لَهُ مَجَازٌ وَاحِدٌ ( لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِمَّا لَهُ مُجَازَانِ وَمَا لَهُ مَجَازٌ ( حَالَ إطْلَاقِهِ احْتِمَالٌ مَجَازٌ وَاحِدٌ فَتَسَاوَيَا ) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لِلْمَجَازِ أَصْلًا ( قُلْنَا ) نَحْنُ مَعْشَرَ الظَّنِّيِّينَ ( حِينَ آلَ ) الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَعْشَرَ الْقَطْعِيِّينَ فِي الْمُرَادِ بِقَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَى مَعْنَاهُ ( إلَى أَنَّهُ كَالْخَاصِّ ) فِيهَا كَمَا هُوَ مُرَادُكُمْ ( أَوْ دُونَهُ ) كَمَا هُوَ مُرَادُنَا ( فَإِنَّمَا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ ) عِنْدَنَا ( بِقُوَّةِ احْتِمَالِ الْعَامِّ إرَادَةَ الْبَعْضِ لِتِلْكَ الْكَثْرَةِ ) أَيْ كَثْرَةِ إرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ ( وَنُدْرَةُ مَا فِي الْخَاصِّ ) مِنْ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمَجَازِ ( لِنُدْرَةِ ) أَنْ يُرَادَ بِنَحْوِ " جَاءَ زَيْدٌ " رَسُولُ زَيْدٍ أَوْ ( كِتَابُ زَيْدٍ بِزَيْدٍ .
فَصَارَ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى الْخَاصِّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ ) فِيهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ( بِخِلَافِ الْعَامِّ ) فَإِنَّ إرَادَةَ الْبَعْضِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَثِيرٌ بَلْ أَكْثَرِيٌّ فَلَا يَتَّحِدَانِ مَرْتَبَةً ( قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْقَطْعِيِّينَ ( لَا عِبْرَةَ بِهِ ) أَيْ بِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ ( أَيْضًا إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ ) فَصَارَ الْعَامُّ كَالْخَاصِّ ( قُلْنَا ) مَمْنُوعٌ ( بَلْ نَشَأَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الدَّلِيلُ ( غَلَبَةُ وُقُوعِهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ ( فَتُوجِبُ ) غَلَبَةُ وُقُوعِهِ ( الظَّنِّيَّةَ فِي الْمُعَيَّنِ ، وَإِنْ أُرِيدَ ) بِالدَّلِيلِ فِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ ( دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي )

الْعَامِّ ( الْمُعَيَّنِ ) أَيْ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ إرَادَةِ الْبَعْضِ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ ( خَرَجَ ) ، وَهَذَا الْعَامُّ ( عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَهُوَ ) أَيْ مَحَلُّهُ ( ظَنِّيَّةُ إرَادَةِ الْكُلِّ ) أَيْ كَوْنُ الْكُلِّ مُرَادًا ظَنِّيٌّ أَوْ قَطْعِيٌّ كَالْخَاصِّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ، وَهَذِهِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا خَرَجَ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ ، وَهُوَ ( إلَى الْقَطْعِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ ) فَيَصِيرُ فِي تَحَقُّقِ إرَادَةِ الْبَعْضِ مِنْهُ أَوْ الْكُلِّ فَقَالَ قَائِلٌ تَحَقَّقَ فِي الْعَامِّ الْمُعَيَّنِ إرَادَةُ بَعْضِهِ وَقَالَ آخَرُ بَلْ كُلُّهُ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ ظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْقَطْعِيِّينَ ( مَنْعُ تَجْوِيزِ إرَادَةِ الْبَعْضِ بِلَا مُخَصِّصٍ مُقَارِنٍ ) مُسْتَقِلٍّ ( لِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ هَذَا التَّجْوِيزِ ( مَا سَيُذْكَرُ فِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَةِ الْمُخَصِّصِ ) مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْكَذِبِ أَوْ طَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ .
( وَمِثْلُهُ ) أَيْ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ ( فِي الْخَاصِّ ) إذَا لَمْ يُقْرَنْ بِمَا يُفِيدُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الظَّنِّيِّينَ ( يَحْتَمِلُ ) الْعَامُّ ( الْمَجَازَ أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَمَّا الْوَاقِعُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَظْهَرُ فَتُوجِبُ ) الْقَرِينَةُ ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ ظَاهِرِهِ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْحَالُ فِي احْتِمَالِ الْعَامِّ الْمَجَازَ هَذَا التَّفْصِيلَ ( فَكَوْنُ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْيِ الْقَرِينَةِ ) الصَّارِفَةِ عَنْ الْحَقِيقِيِّ إلَى الْمَجَازِيِّ فِي الْخَاصِّ كَمَا تَقَدَّمَ ( مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا لَمْ تَظْهَرْ ) الْقَرِينَةُ ( قُطِعَ بِنَفْيِهَا ) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا مَنْعُ كَوْنِهَا نُصِبَتْ وَخَفِيَتْ ، وَإِنَّ الْمُصَنِّفَ مَعَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ .

( وَثَمَرَتُهُ ) أَيْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعَامَّ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْخَاصِّ فِي ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ أَوْ مِثْلُهُ فِيهِ تَظْهَرُ ( فِي الْمُعَارَضَةِ وَوُجُوبِ نَسْخِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ ( الْمُتَقَدِّمَ ) فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخَاصَّ أَقْوَى قَدَّمُوهُ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ ، وَلَمْ يُجَوِّزُوا نَسْخَهُ بِالْعَامِّ لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ وَالْقَائِلُونَ بِتَسَاوِيهِمَا لَمْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا تَعَارَضَا إلَّا بِمُرَجِّحٍ وَجَوَّزُوا نَسْخَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ( وَلِذَا ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا ( نُسِخَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْمَأْكُولِ ) الْمُسْتَفَادَةِ مِمَّا عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ قَالَ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ مُحَرَّمُ التَّدَاوِي بِهِ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ } ( وَهُوَ ) أَيْ النَّصُّ الْمُفِيدُ طَهَارَتَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا أَيْ اللِّقَاحِ ( خَاصٌّ بِاسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ ) أَيْ بِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ } .
رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً ، وَهُوَ عَامٌّ ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعَدِّيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ بِاسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ كَمَا قِيلَ ( أَوْ رُجِّحَ ) الِاسْتِنْزَاهُ عَلَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ( بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ لِلِاحْتِيَاطِ ) فِي

الْعَمَلِ بِالْمُحَرَّمِ .

( وَأَمَّا وُجُوبُ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فَبَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ) إلَى الْقَطْعِ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِهِ حَتَّى يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ ( اتِّفَاقٌ لِبُعْدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يُعْتَقَدْ مُطَابِقًا لَهُ ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِ ( وَأَمَّا قَبْلَهُ ) أَيْ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ( فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الصَّيْرَفِيِّ ) عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ( يُفِيدُ أَنَّهُ ) أَيْ وُجُوبَ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ اتِّفَاقٌ أَيْضًا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ ( وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي إذْ تَوَقَّفَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْبَحْثِ تَوَقُّفَ اعْتِقَادِهِ ) أَيْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِمَا سَلَفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَهُ تَحَكُّمٌ مَعَ بَيَانِ وَجْهِهِ فَلْيُرَاجَعْ وَقَدْ ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ مَشَايِخِنَا يُوَافِقُ مَا عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَلَا سِيَّمَا كَلَامَ الْقَطْعِيِّينَ مِنْهُمْ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ) فِي الزِّيَادَاتِ ( فِيمَنْ أَوْصَى بِخَاتَمٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ ) أَوْصَى مَفْصُولًا ( بِفَصِّهِ لِآخَرَ الْفَصُّ بَيْنَهُمَا ) وَالْحَلْقَةُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً ( مِنْ بَابِ الْخَاصِّ ) ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ عَنْهُ إمَّا بِخَاتَمِي أَوْ هَذَا الْخَاتَمِ أَوْ الْخَاتَمِ الْفُلَانِيِّ ، وَكُلٌّ مِنْهَا مِنْ الْخَاصِّ ( لَا الْعَامِّ ) وَكَيْفُ يَكُونُ عَامًّا وَتَعْرِيفُ الْعَامِّ غَيْرُ صَادِقٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْفَصُّ مِنْهُ كَجُزْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ مَثَلًا فَكَمَا لَا يَصِيرُ الْإِنْسَانُ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ عَامًّا فَكَذَا الْخَاتَمُ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْخَاتَمَ ( نَظِيرٌ ) لِلْعَامِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ اسْمَهُ يَشْمَلُ الْفَصَّ كَشُمُولِ الْعَامِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ

فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَامُّ تَوَسُّعًا .
( وَخَالَفَهُ ) أَيْ مُحَمَّدًا ( أَبُو يُوسُفَ فَجَعَلَهُ ) أَيْ الْفَصَّ ( لِلثَّانِي ) كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالْإِيضَاحِ وَالْمَنْظُومَةِ وَغَالِبِ شُرُوحِ الزِّيَادَاتِ ، وَظَاهِرُ التَّقْوِيمِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ قَوْلُ الْكُلِّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لِأَبِي يُوسُفَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ .
ا هـ .
قُلْت : وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُثْبِتْ خِلَافَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَإِنَّمَا عُلِمَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَلْقَةَ لِلْأَوَّلِ وَالْفَصَّ لِلثَّانِي إذَا كَانَ مَوْصُولًا ، وَجْهُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي الْحَيَاةِ ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَوْصُولُ وَالْمَفْصُولُ فِيهِ سَوَاءً ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ وَالْخِدْمَةِ أَوْ الْغَلَّةِ لِآخَرَ ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُهُمَا مَعًا ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ فَكَانَ الْكَلَامُ الثَّانِي تَخْصِيصًا ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ مَوْصُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَفْصُولًا كَانَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ ، وَهُمَا فِي إيجَابِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَلَيْسَ الثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِإِنْسَانِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ أَيْضًا لِآخَرَ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا حَتَّى يَكُونَ لِلثَّانِي خَاصَّةً بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ لَهَا بَلْ لِكَوْنِهَا وَصْفًا تَابِعًا ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِشَيْءٍ ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُمَا مِنْهَا فَإِذَا أَوْجَبَ

الْخِدْمَةَ أَوْ الْغَلَّةَ لِلْغَيْرِ اخْتَصَّ بِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( الْبَحْثُ الْخَامِسُ يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ التَّخْصِيصُ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ ) ، وَهُمْ الْكَرْخِيُّ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ ( بَيَانُ أَنَّهُ ) أَيْ الْعَامَّ ( أُرِيدَ بَعْضُهُ بِمُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ ) فَاحْتُرِزَ بِمُسْتَقِلٍّ ، وَهُوَ مَا كَانَ مُسْتَبِدًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ ، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَبِمُقَارِنٍ ( أَيْ مَوْصُولٍ ) بِالْعَامِّ أَيْ مَذْكُورٍ عَقِبَهُ ( فِي ) الْمُخَصِّصِ ( الْأَوَّلِ ) ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ الْمَعِيَّةُ فَإِنَّهَا بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادَةٍ هُنَا مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِي فِعْلٍ خَاصٍّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلٍ عَامٍّ عَمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( فَإِنْ تَرَاخَى ) الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ ( فَنَاسِخٌ لَا ) فِي الْمُخَصِّصِ ( الثَّانِي ) ، وَهَلُمَّ جَرَّا ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ( : وَالْوَجْهُ أَنَّ الثَّانِيَ ) ، وَهَلُمَّ جَرَّا إذَا تَرَاخَى ( نَاسِخٌ أَيْضًا إلَّا الْقِيَاسُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِيهِ ) أَيْ مُقْتَضَاهُ لِعُمُومِ عِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِلْمَقِيسِ الْمُوجِبَةِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ هَذَا الْجَرَيَانَ الْمُوجِبَ لِاشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا بَعْدَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرُوا يَجُوزُ الْإِلْحَاقُ بِالْمُخَصِّصِ الثَّانِي الْمُتَأَخِّرِ ، وَتَعَدِّيَةُ الْإِخْرَاجِ ، وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَحْثًا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ وَالنَّاسِخُ لَا يُعَلَّلُ .
( وَصَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ تَفَرُّعَ عَدَمِ جَوَازِ ذِكْرِ بَعْضٍ ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ ( دُونَ بَعْضٍ عَلَى مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ ضَرُورِيٌّ ) مِنْ الْعِلْمِ بِعِلَّةِ مَنْعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الثَّانِي إذَا تَرَاخَى يَكُونُ نَاسِخًا ثُمَّ عُطِفَ عَلَى تَرَاخٍ ( أَوْ جُهِلَ )

تَرَاخِيهِ كَمَا جُهِلَ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ ( فَحُكْمُ التَّعَارُضِ ) يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَدْرِ الْمُعَارِضِ لَهُ مِنْ الْعَامِّ ( كَتَرْجِيحِ الْمَانِعِ ) مِنْهُمَا أَيَّامًا كَانَ عَلَى الْمُبِيحِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ التَّرْجِيحُ فَالْحُكْمُ ( الْوَقْفُ ) كَمَا فِي الْبَدِيعِ أَوْ التَّسَاقُطُ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ .
( وَوَجَبَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ ) كَقَلْبِهِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي الْبَدِيعِ جُعِلَ هَذَا قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَجَمْعٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْخَاصُّ مُبَيِّنٌ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ وَرَدَا مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُوهُ وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ كَوْنَ الْخَاصِّ الْوَارِدِ بَعْدَ الْعَامِّ مُخَصِّصًا مَحَلَّهُ إذَا وَرَدَ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ أَمَّا إذَا وَرَدَ بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاسِخًا ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَحِينَئِذٍ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ ، وَأَمَّا الْعَامَّانِ مِنْ وَجْهٍ الْخَاصَّانِ مِنْ وَجْهٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِمَا فِي التَّعَارُضِ .
هَذَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ زَادَ لَفْظِيٌّ بَعْدَ مُسْتَقِلٍّ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِيِّ كَالْعَقْلِ .
( وَالشَّافِعِيَّةُ ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ ( وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَصَرَ الْعَامَّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ وَقِيلَ ) عَلَى بَعْضِ ( مُسَمَّيَاتِهِ ) كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ بِنَاءً ( عَلَى إرَادَةِ أَجْزَاءِ مُسَمَّاهُ ) كَمَا حَكَاهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ تَنْزِيلًا لِأَجْزَائِهِ مَنْزِلَةَ مُسَمَّيَاتٍ لَهُ إذْ لَا مُسَمَّيَاتِ

لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ بَلْ مُسَمَّاهُ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ ، وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا ( يُحَقِّقُ مَا أَسْلَفْنَاهُ ) فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ ( أَنَّ دَلَالَتَهُ ) أَيْ الْعَامِّ ( عَلَى الْأَفْرَادِ تَضَمُّنِيَّةٌ أَوْ ) إرَادَةُ ( الْآحَادِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ ( ، وَإِضَافَةُ الْمُسَمَّيَاتِ إلَيْهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ هَذَا ( بِعُمُومِ نِسْبَتِهِ فَإِنَّهَا ) أَيْ الْآحَادَ ( مُسَمَّيَاتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِهِ ) أَيْ بِالْعَامِّ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ ابْتِدَاءُ الْخُصُوصِ وَالْعَامِّ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ إرَادَةِ الْعُمُومِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ عُمُومُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا .
( وَيَكُونُ ) التَّخْصِيصُ ( بِمُسْتَقِلٍّ كَالْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ الْمُنْفَصِلِ ، وَمُتَّصِلٍ ، وَالْعَامُّ فِيهِ ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ ( حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ ( حُكْمٌ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ ) بِإِرَادَةِ بَعْضِهِ لَا مَجَازٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ خُصِّصَ الْعَامُّ ، وَهَذَا عَامٌّ مُخَصَّصٌ وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِنَفْيِ مَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَامٌّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ ( فَمُخْرِجُ الْبَعْضِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ لَا ( مُخَصِّصَ ) أَيْ الدَّالَّ عَلَى إخْرَاجِ الْبَعْضِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ لَفْظٍ أَوْ عَادَةٍ يُقَالُ لَهُ مُخَصِّصٌ مَجَازًا مَشْهُورًا تَسْمِيَةً لِلدَّلِيلِ بِاسْمِ الْمَدْلُولِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ

إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَيْضًا مُعْتَقِدُ ذَلِكَ مِنْ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُقَلِّدٍ .
( وَيُقَالُ ) : التَّخْصِيصُ ( لِقَصْرِ اللَّفْظِ مُطْلَقًا ) أَيْ عَامًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ ) ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ ( وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَصْرَ إذْ لَا يَنْفِي النَّسْخَ ) بَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَنَسْخِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَامُّ لَكِنْ أَجَابَ الْأَبْهَرِيُّ بِمَنْعِ وُرُودِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّسْخُ فِي الْبَعْضِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ حِينَ أُطْلِقَ بَلْ أُرِيدَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ رُفِعَ الْبَعْضُ أَوْ انْتَهَى حُكْمُهُ عَلَى اخْتِلَافِ تَعْرِيفِ النَّسْخِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ حِينَ أُطْلِقَ إلَّا الْبَعْضَ إمَّا بِحَسَبِ الْحُكْمِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِمَّا بِحَسَبِ الذَّاتِ كَمَا فِي غَيْرِهِ ( وَمَنْعُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( شُذُوذٌ بِالْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ ( لَوْ صَحَّ صَحَّتْ إرَادَتُهُ ) أَيْ مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعَامِّ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ .
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْخَارِجَ بِالْعَقْلِ مِنْ مُسَمَّيَاتِهِ ، وَإِطْلَاقَ اللَّفْظِ لُغَةً عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ صَحِيحٌ لُغَةً ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ اللَّازِمِ فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَاقِلٍ أَنْ يُرِيدَ مَا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ فَإِذَا قُلْنَا { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فُهِمَ مِنْهُ لُغَةً أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ بِهِ نَفْسَهُ كَانَ الْمُرِيدُ مُخْطِئًا لُغَةً كَمَا هُوَ مُخْطِئٌ عَقْلًا فَيَكُونُ خُرُوجُهُ بِاللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلْعَقْلِ لَا بِالْعَقْلِ ( وَلَكَانَ ) الْعَقْلُ ( مُتَأَخِّرًا ) عَنْ الْعَامِّ ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ ، وَالْبَيَانُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُبَيَّنِ .
( وَالْعَقْلُ مُتَقَدِّمٌ وَلَصَحَّ نَسْخُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْعَقْلِ نَاسِخًا ؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ أَيْضًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ أَيْضًا ( أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ) فِي الْكُلِّ (

بَلْ اللَّازِمُ ) فِي الْأَوَّلِ ( دَلَالَتُهُ ) أَيْ الْعَامِّ عَلَى مَا قَضَى الْعَقْلُ بِإِخْرَاجِهِ ( وَهِيَ ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَتَأَخَّرَ بَيَانُهُ ) أَيْ وَاللَّازِمُ فِي الثَّانِي تَأَخُّرُ بَيَانِ الْعَقْلِ عَنْ الْعَامِّ ( لَا ذَاتِهِ ) أَيْ الْعَقْلِ ( وَلِعَجْزِ الْعَقْلِ عَنْ دَرْكِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ لِلْحُكْمِ ) فِي الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَنَظَرُ الْعَقْلِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمُخَصِّصِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْبَعْضِ عَنْ الْخِطَابِ قَدْ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ فَافْتَرَقَا ( وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ لَوْ صَحَّ لَصَحَّتْ إرَادَتُهُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ( أَيْضًا بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِلْمُفْرَدِ ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ ) فِي قَوْلِنَا { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } بَعْدَ التَّرْكِيبِ ( وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعُ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ( بِهِ ) أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ ( إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي التَّرْكِيبِ وَنُسِبَ إلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ ) نِسْبَتُهُ ، وَهِيَ الْمَخْلُوقِيَّةُ ( إلَى الْكُلِّ ) أَيْ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ( مَنَعَهَا ) أَيْ الْعَقْلُ إرَادَةً الْكُلِّ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقَ نَفْسِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَنْعُ الْعَقْلِ إرَادَتَهُ هُوَ ( مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَقْلِ وَدُفِعَ أَيْضًا ) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّ التَّحْقِيقَ صِحَّتُهَا ) أَيْ إرَادَةُ الْكُلِّ ( فِي التَّرْكِيبِ أَيْضًا لُغَةً غَيْرَ أَنَّهُ يُكَذِّبُ ) التَّرْكِيبَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ الْوَاقِعَ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَذَّبَهُ ( غَيْرُهَا ) أَيْ صِحَّتُهَا فَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْكَذِبِ لَا غَيْرُ ، وَدَفَعَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدَّفْعَ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ ( حُكْمُ الْعَقْلِ بِإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِامْتِنَاعِهِ ) أَيْ حُكْمِهِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ ( فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ ) فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ الْكُلِّ

فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً أَيْضًا لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ اللُّغَةِ مَا يَمْنَعُ الْعَقْلُ إرَادَتَهُ ثُمَّ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ فِي مِثْلِهِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً ، وَإِلَّا فَقَدْ أَفَدْنَاك فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْعَقْلِ فَالْجَوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ : ( تَعَارَضَا ) الْعَامُّ وَالْعَقْلُ ( فَتَسَاقَطَا ) هَرَبًا مِنْ التَّحَكُّمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِلَا مُرَجِّحٍ ( أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ النَّقْلُ لَا الْعَقْلُ قُلْنَا فِي إبْطَالِهِ ) أَيْ الْعَقْلِ ( إبْطَالٌ ) أَيْ النَّقْلِ ( لِأَنَّ دَلَالَتَهُ ) أَيْ النَّقْلِ ( فَرْعُ حُكْمِهِ ) أَيْ الْعَقْلِ ( بِهَا ) أَيْ بِدَلَالَتِهِ ( فَإِذَا حَكَمَ ) الْعَقْلُ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ دَلَالَتَهُ ( عَلَى وَجْهِ كَذَا ) كَالْخُصُوصِ هُنَا ( لَزِمَ ) حُكْمُهُ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَأَيْضًا يَجِبُ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ ) إذَا عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا ( النَّقْلُ ) ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ ظَاهِرِهِ ، وَهُوَ الْخُصُوصُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ النَّقْلِ بِالتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ هَذَا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُنَازِعُ فِي أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا بِالْعَقْلِ خَارِجٌ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّفْظَ هَلْ يَشْمَلُهُ فَمَنْ قَالَ يَشْمَلُهُ سَمَّاهُ تَخْصِيصًا وَمَنْ قَالَ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ لَا يُسَمِّيهِ مُخَصِّصًا .
وَحُمِلَتْ دَعْوَى أَبِي حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ مُخَصِّصٌ عَلَى أَنَّ مَا يُسَمَّى مُخَصِّصًا خَارِجٌ لَا عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى مُخَصِّصًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ ( وَآخَرُونَ )

أَيْ وَمَنَعَ التَّخْصِيصَ قَوْمٌ آخَرُونَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( كَذِبٌ ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي فَيَصْدُقُ نَفْيُهُ فَلَا يَصْدُقُ هُوَ وَإِلَّا صَدَقَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ مَعًا ( قُلْنَا يَصْدُقُ ) نَفْيُ التَّخْصِيصِ ( مَجَازًا ) نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَيَصْدُقُ ثُبُوتُهُ حَقِيقَةً نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا تَتَّحِدُ جِهَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ .
( قِيلَ ) الْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : ( يُزَادُ أَوْ بِدَاءٌ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ ، وَهُوَ ظُهُورُ الْمَصْلَحَةِ بَعْدَ خَفَائِهَا لِيَشْمَلَ الْإِنْشَاءَ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ ( خَصَّ ) الِامْتِنَاعُ ( الْخَبَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَذِبُ ( وَلَيْسَ ) الِامْتِنَاعُ بِخَاصٍّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا ( لَكِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ إلَّا فِي الْخَبَرِ ) وَالْمُصَرِّحُ الْآمِدِيُّ ( وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ ( مَنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ ) أَيْ الْخِلَافَ ( فِي الْأَمْرِ أَيْضًا ) .
قُلْت فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِنَفْيِهِ فِي الْإِنْشَاءِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ إذْ الْمُثْبَتُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ كِلَيْهِمَا وَالنَّافِي يَمْنَعُهُ فِي كِلَيْهِمَا فَإِذَا انْتَفَى وُقُوعُهُ فِي الْإِخْبَارِ لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ فِي الْإِنْشَاءِ أَيْضًا ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْشَاءَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت أَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ فَكَأَنَّك قُلْت كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَإِذَا خَصَّصْت وَقُلْت إلَّا الْفَاسِقَ فَكَأَنَّك قُلْت لَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ أَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ فَيَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ مُلَخَّصُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ أَوْ الْبِدَاءُ إذَا

أَرَادَ الْعُمُومَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَبَدًا ، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ وَنَصَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ أَمَّا فِي الْخَبَرِ فَكَمَا قَالَ .
( وَالْقَاطِعُ فِيهَا ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ شَيْءٍ لُغَةً كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ وَالْمُمْتَنِعَ ثُمَّ يَكُونُ مَخْصُوصًا فِي الْآيَتَيْنِ بِالْمُمْكِنِ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْخَلْقِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَاتِهِ وَسَائِرِ الْمُمْتَنِعَاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَاطَبِ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ فِيهِمَا بِمَعْنَى الْمَشْيِ وَأَنَّهُ فِيهِمَا عَلَى عُمُومِهِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَخُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ أَصْلًا فَضْلًا أَنْ يَكُونَا دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ فِيهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .
وَأَمَّا فِي الْإِنْشَاءِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ إرَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَلَنَا فِي ) مَنْعِ ( التَّرَاخِي أَنَّ إطْلَاقَهُ ) أَيْ الْعَامِّ ( بِلَا مَخْرَجِ إفَادَةِ إرَادَةِ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ إرَادَةِ الْكُلِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ ) فِي الْخَبَرِ ( وَإِفَادَتُهُ ) فِي الْإِنْشَاءِ ( مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَذَلِكَ كَذِبٌ ) فِي الْخَبَرِ ( وَطُلِبَ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ ) فِي الْإِنْشَاءِ ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَالتَّرَاخِي مُنْتَفٍ ( وَهَذَا ) الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ (

يَجْرِي فِي الْمُخَصِّصِ الثَّانِي ) ، وَهَلُمَّ جَرَّا ( كَالْأَوَّلِ ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قُلْنَا : وَالْوَجْهُ نَفْيُ التَّرَاخِي أَيْضًا فِي الثَّانِي ، وَهَلُمَّ جَرَّا ( وَمُقْتَضَى هَذَا ) الدَّلِيلِ أَيْضًا ( وُجُوبُ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ) بِالْعَامِّ ( مِنْ ) الْبَيَانِ ( الْإِجْمَالِيِّ كَقَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ ) الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ ( فِي ) الْمُخَصِّصِ ( الْأَوَّلِ ) أَيْ الْإِجْمَالِيِّ إذَا وَقَعَ ( إلَى ) وَقْتِ ( الْحَاجَةِ ) إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الِامْتِثَالِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْبَيَانَ التَّفْصِيلِيَّ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْعَامُّ مَوْصُولًا بِالْإِجْمَالِيِّ ( بَيَانُ الْمُجْمَلِ ) ، وَهُوَ جَائِزُ التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ ( وَلَا يَبْعُدُ إرَادَتُهُمُوهُ ) أَيْ إرَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ وَصْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ أَوْ التَّفْصِيلِيِّ بِاشْتِرَاطِهِمْ مُقَارَنَةَ الْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِوَصْلِ الْإِجْمَالِيِّ بِهِ ( كَهَذَا الْعَامِّ مُرَادًا بَعْضُهُ ) أَوْ مَخْصُوصٌ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِكَوْنِ مُرَادِهِمْ هَذَا بِذَاكَ ( تَنْتَفِي اللَّوَازِمُ الْبَاطِلَةُ ) مِنْ الْكَذِبِ وَطَلَبِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا وَلَا سِيَّمَا الْأَوَّلُ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ الْقَرِينَةِ الْمُصَرِّحَةِ إجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا بِأَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الشَّأْنُ فِي هَذَا بَعْدَ إرَادَتِهِمْ إيَّاهُ فِي الْإِجْمَالِيِّ حَيْثُ لَا تَفْصِيلِيَّ مُقَارِنٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَادَةً وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ وُجِدَ عَامٌّ مُخَرَّجٌ مِنْهُ خُرُوجًا مُتَرَاخِيًا مَا نُسَمِّيهِ تَخْصِيصًا مَعَ عَدَمِ اقْتِرَانِهِ بِبَيَانٍ إجْمَالِيٍّ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ ( وَإِلْزَامُ الْآمِدِيِّ ) وَغَيْرِهِ الْحَنَفِيَّةَ بِنَاءً عَلَى

امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ ( امْتِنَاعَ تَأْخِيرِ النَّسْخِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِالْمُرَادِ ) بِالْعَامِّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْمُخَصِّصِ وَبِمُدَّةِ الْمَنْسُوخِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ وَلَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ فَكَذَا التَّخْصِيصُ ( لَيْسَ لَازِمًا ؛ لِأَنَّ ) الْجَهْلَ ( الْبَسِيطَ غَيْرُ مَذْمُومٍ ) فِي الْجُمْلَةِ ( وَلِذَا طُلِبَ عِنْدَنَا فِي الْمُتَشَابِهِ ) فَقُلْنَا يَجِبُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ ، وَتَرْكُ طَلَبِ تَأْوِيلِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ ( بِخِلَافِ ) الْجَهْلِ ( الْمُرَكَّبِ ) فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ لَمْ يُطْلَبْ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّازِمُ فِي النَّسْخِ ، وَالثَّانِي هُوَ اللَّازِمُ فِي تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ عَنْ الْعَامِّ فَلَمْ يُوجَدْ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا ( وَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ الْمُطَابِقِ ) لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الْمَنْسُوخِ ( إلَى سَمَاعِ النَّاسِخِ ) بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمُتَرَاخِي عَنْهُ مُخَصِّصُهُ إلَى سَمَاعِ مُخَصِّصِهِ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرُ فِي التَّرَاخِي وَمَنْعِهِ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّرَاخِي فِيهِ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ ، وَإِرَادَةِ بَعْضِهِ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ إفَادَةُ الشَّارِعِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ ( بَلْ ) إطْلَاقُهُ ( لِتَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ عَلَى احْتِمَالِ الْخُصُوصِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ ) مِنْ تَفْهِيمِ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَتَجْوِيزِ التَّخْصِيصِ ( مَعْنَى الصِّيغَةِ ) الْعَامَّةِ ( فَبَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ قَطْعًا ( أَوْ هُوَ ) أَيْ مَعْنَى الصِّيغَةِ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ تَفْهِيمُ إرَادَةِ الْعُمُومِ ( وَالِاحْتِمَالُ ) أَيْ احْتِمَالُ الْخُصُوصِ ثَابِتٌ ( بِخَارِجٍ ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ ، وَهُوَ كَثْرَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ ( لَزِمَ أَنْ تُعَيِّنَهُ ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ ( قَرِينَةٌ لَازِمَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ) الْخَارِجَ ( تَعَقُّلُهُ ) أَيْ الْعَامِّ ( لَا يُفِيدُ ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لِلَّفْظِ ( وَلُزُومُهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لِهَذَا

الِاحْتِمَالِ لِلَّفْظِ ( مَمْنُوعٌ إلَّا إنْ كَانَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَلَبَةِ التَّخْصِيصِ فِي بَحْثِ الْقَطْعِيَّةِ ، وَعَلِمْت أَنَّهَا ) أَيْ كَثْرَةَ التَّخْصِيصِ ( إنَّمَا تُفِيدُ ) عَدَمَ الْقَطْعِ ( فِي الْعَامِّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي خُصُوصِ ) الْعَامِّ ( الْمُسْتَعْمَلِ ) فَيَسْتَمِرُّ لُزُومُ الْمَنْعِ لِدَعْوَى الْقَرِينَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّرَاخِي ( وَقَعَ فَإِنْ فَاتَ { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ( خُصَّ بِهِ ) أَيْ بِمَنْطُوقِهِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْحَامِلِ وَالْحَائِلِ مَعَ التَّرَاخِي بَيْنَهُمَا ( قُلْنَا الْأُولَى مُتَأَخِّرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ) ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مَنْ شَاءَ لَاعَنْته لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَقُولُ هِيَ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ ذَلِكَ ( فَيَكُونُ ) إخْرَاجُ الْحَوَامِلِ بِآيَةِ سُورَةِ الطَّلَاقِ مِنْ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( نَسْخًا ) لَا تَخْصِيصًا ( وَكَذَا { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } ( بَعْدَ { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } ) كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ حَجَجْت فَدَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِي يَا جُبَيْرُ تَقْرَأُ الْمَائِدَةَ قُلْت نَعَمْ فَقَالَتْ أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا

وَجَدْتُمْ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ إخْرَاجُ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ نَسْخًا .
( وَكَذَا جَعْلُ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ نَفَّلَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ السَّهْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَزَادَ أَحْمَدُ أَوْ الرَّضْخُ ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا ( أَوْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَسَلَبُ الْمَقْتُولِ ثِيَابُهُ وَسِلَاحُهُ وَمَرْكَبُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْآلَةِ وَمَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ ( بَعْدَ ) قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ فَيَكُونُ اخْتِصَاصُ الْمُقَاتِلِ بِالسَّلَبِ نَسْخًا .
( وَكُلُّ مُتَرَاخٍ ) مُخَرَّجٌ مِنْ عُمُومٍ سَابِقٍ بَعْضُهُ يَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْبَعْضِ لَا مُخَصِّصًا ( قَالُوا ) أَيْضًا قَوْله تَعَالَى قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَك } وَتَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ ) كَنْعَانَ بِقَوْلِهِ { يَا نُوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك } ( قُلْنَا هُوَ ) أَيْ تَرَاخَى إخْرَاجُ ابْنِهِ ( بَيَانُ الْمُجْمَلِ ) وَالْمُجْمَلُ يَجُوزُ تَرَاخِي بَيَانِهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْأَهْلَ ( شَاعَ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَتْبَاعِ الْمُوَافِقِينَ ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا } ( وَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ { لَيْسَ مِنْ أَهْلِك } إرَادَتَهُ أَحَدَ الْمَفْهُومَيْنِ ، وَهُوَ الْمُتَّبِعُونَ أَوْ هُوَ ) أَيْ الْبَيَانُ الْمُتَأَخِّرُ ( لِاسْتِثْنَاءٍ مَجْهُولٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ أَهْلُك ، وَهُوَ ( إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ ) الْقَوْلُ مِنْهُمْ فَهُوَ بَيَانٌ مُجْمَلٌ أَيْضًا ،

وَعَلَى اصْطِلَاحِ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ بَيَانِ بَعْضِ الْمُرَادِ بِالتَّخْصِيصِ الْإِجْمَالِيِّ لِلْعُمُومِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْأَهْلِ الْأَهْلُ إيمَانًا وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأَهْلُ قَرَابَةً فَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ إيمَانًا لَمْ يَتَنَاوَلْ الِابْنَ ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا .
( وَقَوْلُهُ { إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } لِظَنِّ إيمَانِهِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْآيَةِ ) أَيْ طُغْيَانِ الْمَاءِ وَغَزَارَةِ فَيْضِهِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ ظَنِّ إيمَانِهِ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِكُفْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى مَا قِيلَ وَرُبَّمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ فِي الْآيَةِ ( أَوْ ظَنِّ إرَادَةِ النَّسَبِ ) بِالْأَهْلِ ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ أُرِيدَ هُنَا الْأَهْلُ قَرَابَةً تَنَاوَلَ الْأَهْلُ الِابْنَ الْكَافِرَ لَكِنْ اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ { إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ وَقَوْلُهُ { إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } لِظَنِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ سَبَقَ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَقَوْلُهُ { إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك } أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ بِسَبْقِ الْقَوْلِ مَا سَبَقَ مِنْ قَضَائِهِ بِإِهْلَاكِ الْكُفَّارِ ، وَهَذَا تَكْمِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ( وَأَمَّا { إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } ( فَعُمُومُهُ فِي مَعْبُودِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ ) ، وَهُمْ قُرَيْشٌ ، وَهُوَ الْأَصْنَامُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ ( فَلَمْ يَتَنَاوَلْ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ ) حَتَّى يُقَالَ إنَّهُمْ أُخْرِجُوا مُتَرَاخِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } الْآيَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ .
(

وَاعْتِرَاضُ ابْنِ الزِّبَعْرَى ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فَتْحُ الزَّايِ وَأَصْلُهُ الْبَعِيرُ الْكَثِيرُ الشَّعْرُ فِي الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ : السَّيِّئُ الْخُلُقُ .
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفُحُولِ الشُّعَرَاءِ وَكَانَ يُهَاجِي الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَلَهُ أَشْعَارٌ يَعْتَذِرُ فِيهَا مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ مَذْكُورَةٌ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ ( جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ ) ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مِمَّا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْك { إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ عُبِدَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْمَلَائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِنَا فَنَزَلَتْ { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } وَنَزَلَتْ { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا } إلَى قَوْلِهِ { خَصِمُونَ } } ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَوْنُهُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ ظَاهِرٌ مِنْ هَذَا وَمِمَّا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْآمِدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ { مَا أَجْهَلَك بِلُغَةِ قَوْمِك } لِمَا لَا يَعْقِلُ فَقَالَ السُّبْكِيُّ : فَشَيْءٌ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ وَلَا وَاهِيَةٍ ( وَأَمَّا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { أَنَّهُ سَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَذَا لِكُلِّ مَا عُبِدَ فَقَالَ نَعَمْ } فَلَا ) يَكُونُ جَدَلٌ مُتَعَنِّتٌ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ نَقَضَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَ السُّهَيْلِيِّ السَّابِقِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَفِي

صِحَّتِهِ ) أَيْ هَذَا الْمَرْوِيِّ ( بُعْدٌ ) مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْوَاحِدِيُّ بِلَفْظِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَهَذَا لِآلِهَتِنَا أَوْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَالَ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَذِهِ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ، وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَقَدْ عَبَدْت الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } الْآيَةَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى .
فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُنْكَرَةٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ قَاضٍ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِجَرِيمَةٍ صَادِرَةٍ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا وَلَا رَضِيَ بِهَا فَكَيْفَ يُصَرِّحُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُنَافِيهِ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُعَدُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ الْبَاطِنِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَالْوَجْهُ هُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ .
( قَالُوا فِيهِ ) أَيْ فِي نَسْخِ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ ( إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْمُحْتَمَلِ ) ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَيَتَعَيَّنُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ ( قُلْنَا ) هَذَا ( مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ ، وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهُ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ ( مَمْنُوعٌ ) بَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا إبْطَالُ الْقَاطِعِ بِالْقَاطِعِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ الْعَامَّ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ ( فَلَا مُخَصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِخَاصٍّ ) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( بِالِاسْتِقْرَاءِ بَلْ بِعَامٍّ خُصُوصُهُ بِالنِّسْبَةِ ) إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ ( كَلَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } أَوْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } فَإِنَّ

ذَاكَ عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ ، وَإِنَّمَا قُلْت كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهُ بَلْ مَعْنَاهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي آثَارِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ لَا يُقْتَلْنَ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ ( وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ } { وَالْمُحْصَنَاتُ } ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَامٌّ فِي نَفْسِهِ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ مُخَصَّصٌ بِهِ عَلَى قَوْلِهِمْ ( فَاللَّازِمُ إبْطَالُ ظَنِّيٍّ بِظَنِّيٍّ ) وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ ، هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْبَدِيعِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ الِاسْتِقْلَالَ مَعَ الِاتِّصَالِ فِي أَوَّلِ مُخَصِّصٍ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ فِيمَا وَرَاءَهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِعَدَمِ قَبُولِ التَّعْلِيلِ ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي ، وَهُوَ مَعْلُومُ الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْمُسْتَقِلِّ الْمُتَّصِلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ إلَى الِاحْتِمَالِ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ حُكْمًا وَبِالنَّاسِخِ صِيغَةً ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إفَادَةِ هَذَا : إنَّ الْمُوجِبَ لِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ إذَا كَانَ مُخَصِّصًا عِنْدَ الْقَائِلِ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا .

( وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الِاسْتِقْلَالِ ) فِي الْمُخَصِّصِ ( فَلِتَغَيُّرِ دَلَالَتِهِ ) أَيْ لِأَجْلِ تَغَيُّرِ دَلَالَةِ الْعَامِّ مِنْ الْقَطْعِ ( إلَى الظَّنِّ لَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِظَنِّيَّتِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) كَأَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ مَعَهُ لِكَوْنِ دَلَالَتِهِ ظَنِّيَّةً بِدُونِ التَّخْصِيصِ عِنْدَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُهُ الْقَائِلُ بِقَطْعِيَّتِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ لِيَكُونَ تَغَيُّرُهُ مِنْهَا إلَى الظَّنِّيَّةِ بِوَاسِطَتِهِ ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ اقْتِرَانَ الْعَامِّ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ كَالِاسْتِثْنَاءِ ، وَيَدُلُّ الْبَعْضُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا اقْتَرَنَ بِمُخَرَّجٍ مُجْمَلٌ أَبْطَلَ حُجِّيَّتَهُ فَضْلًا عَنْ قَطْعِيَّتِهِ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ وَبِمُبَيَّنٍ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَبِمُبَيَّنٍ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مُسْتَقِلًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ .
وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى الظَّنِّيَّةِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ مُخَرَّجٍ لِبَعْضٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ قَابِلِ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْمُتَرَاخِي فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيلَ ؛ لِكَوْنِهِ نَسْخًا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْ الْقَطْعِيَّةِ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَعْنِي الْمُخَرَّجَ إجْمَالٌ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ : ( وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَغَيُّرِهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( بِالْعَقْلِ ) مِنْ الْقَطْعِ ( إلَى الظَّنِّ كَخُرُوجِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ خِطَابِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ ) الْعَقْلُ ( مَجْهُولًا ) بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا يَمْتَنِعُ عَلَى الْكُلِّ دُونَ الْبَعْضِ مِثْلُ الرِّجَالُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حُجِّيَّتُهُ فِي الْبَاقِي مَا لَمْ يَلْحَقْهُ بَيَانٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ

الْقَطْعِ إلَى الظَّنِّ وَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ .

( تَفْصِيلُ الْمُتَّصِلِ إلَى خَمْسَةٍ الْأَوَّلُ الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُودُ ) أَيْ وُجُودُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِهِ ( وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ وَالْإِفْضَاءِ فَخَرَجَ جُزْءُ السَّبَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْإِفْضَاءِ إلَيْهِ ( وَالْعِلَّةُ ) ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ الْمَعْلُولُ لَكِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ ( وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ مَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ ) الْمَشْرُوطُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَوْرِيٌّ لِتَوَقُّفِ تَعَقُّلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ ، وَ ( دُفِعَ دَوْرُهُ بِإِرَادَةِ مَاصَدَق عَلَيْهِ الْمَشْرُوطُ أَيْ الشَّيْءُ ) ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي تَعَقُّلِهِ إلَى الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا الْمَوْقُوفُ عَلَى تَعَقُّلِ الشَّرْطِ هُوَ تَعَقُّلُ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ بِوَصْفِهِ الْعُنْوَانِيِّ ( وَيُرَدُّ ) عَلَى طَرْدِهِ ( جُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدَ الْمُسَبِّبُ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ ، وَجُزْءُ السَّبَبِ الْمُتَّحِدِ لَيْسَ عَدَمَ الْمُسَبِّبِ لِعَدَمِهِ بَلْ لِعَدَمِهِ وَعَدَمِ تَعَدُّدِ السَّبَبِ ( وَقِيلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ كَالْوُضُوءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ ) .
وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إذَا قُلْنَا الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ نُرِدْ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الصَّلَاةِ فِي الشَّيْءِ بَلْ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْأَبْهَرِيِّ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ ، وَهُوَ

الصِّحَّةُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ الْمُصَلِّي أَوْ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهَا ( وَيَرِدُ ) عَلَى عَكْسِهِ ( الْحَيَاةُ لِلْعِلْمِ الْقَدِيمِ ) فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِتَحَقُّقِهِ لَا لِتَأْثِيرِهِ فِي الْحُكْمِ الْمَعْلُولِ بِهِ ، وَهُوَ الْعَالَمِيَّةُ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِحُكْمِهَا لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ اتِّفَاقًا هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْقَدِيمِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي حَاشِيَتِهِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُ الْمُحَقِّقِ الْكَرْمَانِيِّ : أَيْ شَرْطٌ لِذَاتِ الْقَدِيمِ فِي وُجُودِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْمَشْرُوطَ الذَّاتَ لَا الْعِلْمَ لِيَظْهَرَ لِلَّفْظِ الْقَدِيمِ فَائِدَةٌ ، وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ أَصْلًا لِلْعِلْمِ إذْ لَيْسَ هُوَ صِفَةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَلِلْمُعَرِّفِ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِنَا الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّأْثِيرُ شَرْطُ الْمُؤَثِّرِ لَا الشَّرْطُ مُطْلَقًا .
انْتَهَى عَلَى مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِنَايَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْعِنَايَةِ .
هَذَا وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ بِزِيَادَةٍ لَا ذَاتِهِ وَالْبَيْضَاوِيُّ بِزِيَادَةِ لَا وُجُودِهِ أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمُؤَثِّرِ احْتِرَازًا عَنْ عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا وَجُزْءِ نَفْسِ الْمُؤَثِّرِ ؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا أَيْضًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمُؤَثِّرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُهُ كَالْإِحْصَانِ فَإِنَّ تَأْثِيرَ الزِّنَا فِي الرَّجْمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّنَا فَلَا ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ قَدْ يَزْنِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ التَّأْثِيرِ عَلَى وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ تَوَقُّفٌ قَرِيبٌ ، وَتَوَقُّفُهُ عَلَى عِلَّتِهِ وَجُزْئِهَا وَشَرْطِهَا تَوَقُّفٌ بَعِيدٌ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، وَهُوَ

الْأَوَّلُ ( وَهُوَ ) أَيْ الشَّرْطُ ( عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ ) فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْحَيَاةِ ( وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ ) لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ( فَأَمَّا اللُّغَوِيُّ ) ، وَهُوَ مَدْخُولُ أَدَاةِ الشَّرْطِ كَدُخُولِ الدَّارِ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ كَذَا ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ وَضَعُوا هَذَا التَّرْكِيبَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ مَا دَخَلَتْ إنْ عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْطُ وَالْآخَرُ الْمُعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْجَزَاءُ ( فَإِنَّمَا هُوَ الْعَلَامَةُ ) لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَحَسْبُ نَعَمْ صَارَ اسْتِعْمَالُهُ فِي السَّبَبِيَّةِ غَالِبًا كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَسْمِيَةُ نَحْوِ إنْ جَاءَ فَأَكْرِمْهُ ، وَإِنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ بِهِ ) أَيْ بِالشَّرْطِ ( مَعَ أَنَّهُ سَبَبٌ جَعْلِيٌّ ) لِلثَّانِي ( لِصَيْرُورَتِهِ عَلَامَةً عَلَى الثَّانِي ) أَيْ الْجَزَاءِ .
( وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ ) هَذَا شَرْطًا ( فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْمُسَبِّبُ بَعْدَهُ عَلَى غَيْرِهِ ) أَيْ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي شَرْطٍ شَبِيهٍ بِالسَّبَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَتْبِعُ الْوُجُودَ ، وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي لَمْ يَبْقَ لِلْمُسَبِّبِ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ سِوَاهُ حَتَّى إذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَتْ الْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا فَيُوجَدُ الْمَشْرُوطُ فَيُفْهَمُ مِنْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ إلَّا الدُّخُولُ وَلِذَا قِيلَ الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ ( وَقَدْ يَتَّحِدُ ) الشَّرْطُ أَيْ يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا ( وَقَدْ يَتَعَدَّدُ مَعْنًى ) لَا لَفْظًا أَوْ وَلَفْظًا ( جَمْعًا ) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ الْمَشْرُوطُ عَلَى حُصُولِهِمَا جَمِيعًا ( وَبَدَلًا ) بِأَنْ يَحْصُلَ بِحُصُولِ أَيِّهِمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَوْ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ( وَكَذَا الْجَزَاءُ ) يَتَّحِدُ وَيَتَعَدَّدُ مَعْنَى جَمْعًا حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ كِلَيْهِمَا وَبَدَلًا

حَتَّى يَلْزَمَ حُصُولُ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ التَّرْكِيبُ ( فَهِيَ تِسْعَةٌ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاةٍ بَلْ مَعْنًى ) حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ إحْدَى كُلٍّ مِنْ ثَلَاثَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي الْأُخْرَى ، وَالْأَمْثِلَةُ ظَاهِرَةٌ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِانْقِسَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ ( اخْتَلَفَ لَوْ دَخَلَتْ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتُمَا ) الدَّارَ ( فَطَالِقَانِ ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ( أَتَطْلُقُ ) الدَّاخِلَةُ ( لِلِاتِّحَادِ عُرْفًا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُ إحْدَاهُمَا وَالْجَزَاءُ طَلَاقُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ أَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مَشْرُوطٌ بِدُخُولِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ مِنْ اتِّحَادِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ ( أَوْ لَا ) تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ( حَتَّى تَدْخُلَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُهُمَا ) جَمِيعًا فَالشَّرْطُ مُتَعَدِّدٌ جَمْعًا فَتَطْلُقَانِ حِينَئِذٍ جَمِيعًا ، وَهَذَا ثَانِي الْأَقْوَالِ ( أَوْ تَطْلُقَانِ ) جَمِيعًا ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْأُخْرَى ( لِأَنَّهُ ) أَيْ دُخُولَهُمَا الَّذِي هُوَ ( الشَّرْطُ ) مُتَعَدِّدٌ ( بَدَلًا ) ، وَهَذَا ثَالِثُ الْأَقْوَالِ ( وَنَحْوُ ) أَنْتِ ( طَالِقٌ إنْ دَخَلْت ) إنْ دَخَلْت ( شَرْطٌ لِلْمُتَقَدِّمِ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ ( مَعْنًى لِلْقَطْعِ بِتَقَيُّدِهِ ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ ( بِهِ ) أَيْ بِأَنْ دَخَلْت ( وَعِنْدَ النُّحَاةِ ) إنْ دَخَلْت شَرْطٌ ( لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَى لَفْظِهِ ) بِالْمُتَقَدِّمِ ( فَلَمْ يَجْزِمْ ) الْمُتَقَدِّمَ ( بِهِ ) أَيْ بِالشَّرْطِ ( عَلَى تَقَيُّدِهِ ) أَيْ مَعَ تَقَيُّدِ الْمُتَقَدِّمِ بِالشَّرْطِ .
( وَإِنْ أَطْلَقَ ) الْمُتَقَدِّمُ ( لَفْظًا ) أَوَّلًا فَإِنَّ التَّقْيِيدَ ثَانِيًا لَا يُنَافِيهِ هَذَا مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ للإستراباذي إذَا تَقَدَّمَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ مَا هُوَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَيْسَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِجَوَابٍ لَهُ لَفْظًا ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ

صَدْرُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَيْهِ وَكَالْعِوَضِ مِنْهُ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : بَلْ هُوَ جَوَابٌ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا لَمْ يَنْجَزِمْ وَلَمْ يُصَدَّرْ بِالْفَاءِ لِتَقَدُّمِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ جَوَابٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَهُ ثُمَّ قَالَ جَوَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى اتِّفَاقًا لِتَوَقُّفِ مَضْمُونِهِ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ بِالْإِقْرَارِ فِي لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَعِنْدَ الْبَصْرِيَّةِ لَا يُقَدَّرُ مَعَ هَذَا الْمُقَدَّمِ جَوَابٌ آخَرُ لِلشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يُغْنِي عَنْهُ فَهُوَ مِثْلُ اسْتِحَارُك الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ مِنْ الْمُقَدَّرِ إذَا ذَكَرْت أَحَدَهُمَا لَمْ تَذْكُرْ الْآخَرَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمُقَدَّمُ هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي كَانَ مَرْتَبَتُهُ التَّأَخُّرَ عَنْ الشَّرْطِ فَقُدِّمَ عَلَى أَدَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْجَوَابُ لَوَجَبَ جَزْمُهُ وَلَلَزِمَ الْفَاءَ فِي نَحْوِ أَنْتَ مُكْرَمٌ إنْ أَكْرَمْتنِي ، وَلَجَازَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامِهِ لِزَيْدٍ فَمَرْتَبَةُ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَعِنْدَ الْكُوفِيَّةِ قَبْلَ الْأَدَاةِ .
ا هـ .
وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَقَيُّدِهِ بِهِ مَا نَصُّهُ : وَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظًا ثَمَّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَفْظًا وَلَمْ يَجْزِمْ لِلتَّقَدُّمِ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ بَلْ هُوَ لَفْظًا لِمَحْذُوفٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ لَا يُجَامِعُهُ ذِكْرًا وَيُحْذَفُ مَا سِوَى هَذَا نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ جُمْهُورَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِجَوَابٍ لَهُ لَا مَعْنًى وَلَا لَفْظًا ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ : مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ أُكْرِمُك إنْ دَخَلْت إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إكْرَامٍ مُقَيَّدٍ بِالدُّخُولِ وَلِذَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ يُكْرِمْ لَمْ يُعَدَّ كَاذِبًا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا بِهِ لَكَانَ كَاذِبًا بِتَرْكِ الْإِكْرَامِ ،

وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ( فَإِذَا تَعَقَّبَ ) الشَّرْطُ ( جُمَلًا ) مُتَعَاطِفَةً كَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ وَلَا أَلْبَسُ إنْ فَعَلْت كَذَا ( قَيَّدَهَا ) جَمِيعًا ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ ) فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا ( عِنْدَهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِصَدَارَتِهِ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُقَدَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ لِلْأَخِيرَةِ قُدِّمَ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْجَمِيعِ ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الْآتِيَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ الِاتِّصَالُ اتِّفَاقًا ؟ .
فَقِيلَ نَعَمْ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَيْهِ مَشَى السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ .

( الثَّانِي الْغَايَةُ ) وَلَفْظُهَا إلَى وَحَتَّى نَحْوُ ( أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا ) أَوْ حَتَّى يَدْخُلُوا كَذَا أَطْلَقُوا وَلَا رَيْبَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ أَنْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ غَايَةَ لَوْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا كَ { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } ؛ لِأَنَّ زَمَنَ طُلُوعِهِ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَشْمَلَهُ سَلَامٌ هِيَ وَلَا غَايَةَ يَكُونُ اللَّفْظُ شَامِلًا لَهَا ، وَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّأْكِيدِ لِشُمُولِهِ نَحْوُ قَطَعْت أَصَابِعَهُ كُلَّهَا مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بَلْ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ فِيمَا قَبْلَهَا لَا لِتَخْصِيصِهِ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ غَايَةٌ تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ يَأْتِ لَكَانَ الْمَطْلُوبُ إكْرَامَهُمْ دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا ثُمَّ يَأْتِي فِي هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِدْقِ تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ عَلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِكْرَامَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ( لِكُلِّ تَمِيمٍ عَلَى تَقْدِيرٍ ) ، وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ ( لَا قَصْرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دَائِمًا ) دَخَلُوا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا ( وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ ( تَخْصِيصُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ مَعَهَا ) أَيْ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا ( الْحُكْمُ ) فَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ اُطْلُبْ إكْرَامَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَقْدِيرٍ دُونَ آخَرَ ، وَهَذَا مَعْنَى إفَادَتِهِ عُمُومَ التَّقَادِيرِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلُوا أَوْ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا خَصَّصَ التَّقَادِيرَ وَقَصَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الدُّخُولِ فِي الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْغَايَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِكْرَامُ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الشَّرْطِ ( وَقَدْ يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْآخَرِ ) أَيْ بَنِي تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ يُقْصِرُ عُمُومَهُ عَلَى الدَّاخِلِينَ

فِي الشَّرْطِ وَعَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِينَ فِي الْغَايَةِ ( وَقَدْ لَا ) يَتَّفِقُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ بَنُو تَمِيمٍ بِأَنْ يَدْخُلَ الْكُلُّ فِي الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُكْرِمُ الْكُلَّ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِالْبَعْضِ ، وَأَمَّا فِي الْغَايَةِ فَإِنَّمَا يُقَالُ أَكْرِمْ تَمِيمًا إلَى أَنْ يَجْبُنُوا أَوْ يَدْخُلُوا حَالَةَ عَدَمِ الْجُبْنِ وَعَدَمِ الدُّخُولِ فَلَا يَتَخَصَّصُ بِبَعْضِهِمْ حَالَةَ التَّكَلُّمِ فَيُكْرِمُ الْكُلَّ ثُمَّ كُلُّ مَنْ جَبُنَ أَوْ دَخَلَ خُصَّ وَلَوْ لَمْ يَجْبُنْ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ اسْتَمَرَّ عُمُومُ الْآخَرِ فَاللَّازِمُ دَائِمًا إنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ التَّقَادِيرِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
( وَقَدْ يَتَضَادَّانِ ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْغَايَةُ ( تَخْصِيصًا ) يَعْنِي إذَا اتَّحَدَتْ كَيْفِيَّتَا التَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ وَالْغَائِيِّ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ تَضَادَّ تَخْصِيصُهُمَا كَمَا رَأَيْت فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ فِيمَا إذَا قَالَ أَكْرِمْهُمْ إنْ دَخَلُوا الْمُخَرَّجُ عَنْ الْإِكْرَامِ غَيْرُ الدَّاخِلِينَ ، وَفِي إلَى أَنْ يَدْخُلُوا الْمُخَرَّجُ مِنْهُ الدَّاخِلُونَ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتَاهُمَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِأَنْ قَالَ إلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوا ، وَإِنْ دَخَلُوا لَمْ يَتَضَادَّا ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَعًا يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْإِكْرَامِ عَدَمُ الدُّخُولِ ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَدْ يَتَضَادَّانِ ( وَتَجْرِي أَقْسَامُ الشَّرْطِ ) وَالْمَشْرُوطِ التِّسْعَةِ الْمَاضِيَةِ ( فِي الْغَايَةِ ) وَالْمُغْيَا أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ كُلٌّ مِنْ الْغَايَةِ وَالْمُغْيَا قَدْ يَكُونُ مُتَّحِدًا وَمُتَعَدِّدًا عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى الْبَدَلِ وَتَرَكَّبَ فَتَأْتِي الْأَقْسَامُ التِّسْعَةُ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاتِّصَالِ بِمَا هِيَ غَايَةٌ لَهُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَهِيَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ أَوْ إلَى الْأَخِيرَةِ ، وَالْمَذَاهِبُ الْمَذَاهِبُ وَالْمُخْتَارُ الْمُخْتَارُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ .

( الثَّالِثُ الصِّفَةُ أَكْرِمْ الرِّجَالَ الْعُلَمَاءَ ) فَقَصَرَ الْعُلَمَاءَ الرِّجَالَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إذْ لَوْلَاهُ لَعَمَّ الْعُلَمَاءَ وَغَيْرَهُمْ ، وَيَجِبُ فِيهَا الِاتِّصَالُ بِالْمَوْصُوفِ ( وَفِي تَعَقُّبِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مُتَعَدِّدًا كَتَمِيمٍ وَقُرَيْشٍ الطِّوَالِ ) فَعَلُوا كَذَا خِلَافٌ فِي تَقْيِيدِهِ الْأَخِيرِ أَوْ الْمَجْمُوعِ ( كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْأَوْجَهُ الِاقْتِصَارُ ) عَلَى الْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْبَدَلِ يُسَمَّى تَخْصِيصًا ) كَمَا تَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ( أَوْ لَا ) يُسَمَّى تَخْصِيصًا ( لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لِنَفْيِ الْمَفْهُومِ ) الْمُخَالِفِ عِنْدَهُمْ ( وَلَيْسَ ) الْإِخْرَاجُ بِأَحَدِهَا ( تَخْصِيصًا إلَّا بِهِ ) أَيْ بِاعْتِبَارٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .

( الرَّابِعُ بَدَلُ الْبَعْضِ ) مِنْ الْكُلِّ نَحْوَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ ( الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَوَّبَهُ وَالِدُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَلَا تَحَقُّقَ فِيهِ لِمَحَلٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ .
قُلْت : وَسَبَقَهُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ بِمَعْنَى هَذَا الْأَصْبَهَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ كَالزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْغَلَطِ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمُهْدَرِ الْمُطْرَحِ بَلْ هُوَ لِلتَّمْهِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ وَلِيُفَادَ بِمَجْمُوعِهِمَا فَضْلُ تَأْكِيدٍ وَتَبَيُّنٍ لَا يَكُونُ فِي الْأَفْرَادِ فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ .

( الْخَامِسُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ وَالْمُرَادُ ) بِهِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( أَدَوَاتُ الْإِخْرَاجِ لَا الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ ، وَإِنْ كَانَ ) الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ ( يُرَادُ بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( كَالْمُسْتَثْنَى ) أَيْ كَمَا يُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَيْضًا الْمُخْرَجُ أَوْ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إلَّا ( إذْ الْكَلَامُ فِي تَفْصِيلِ مَا هُوَ ) أَيْ الَّذِي الْإِخْرَاجُ الْخَاصُّ يَتَحَقَّقُ ( بِهِ لَا ) فِي نَفْسِ ( التَّخْصِيصِ الْخَاصِّ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُرَادُ هُنَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ( إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ ، وَأَخَوَاتُهَا ) ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّفَةِ لِدُخُولِهَا صِفَةً فِي الْمُخَصِّصِ الْوَصْفِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَخَوَاتِهَا غَيْرُ وَسِوَى وَعَدَا وَخَلَا وَحَاشَا وَلَيْسَ وَلَا يَكُونُ وَلَا سِيَّمَا وَبَيْدَ وَبَلْهَ وَلِمَا ، عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ يُعْرَفُ فِي فَنِّ الْعَرَبِيَّةِ ( وَأَنَّهَا ) أَيْ إلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتُهَا ( تُسْتَعْمَلُ فِي إخْرَاجِ مَا بَعْدَهَا ) حَالَ كَوْنِهِ ( كَائِنًا بَعْضُ مَا قَبْلَهَا عَنْ حُكْمِهِ ) أَيْ مَا قَبْلَهَا ( وَهَذَا الْإِخْرَاجُ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا ، وَ ) يُسْتَعْمَلُ ( فِي إخْرَاجِهِ ) أَيْ مَا بَعْدَهَا حَالَ كَوْنِهِ ( كَائِنًا خِلَافُهُ ) أَيْ مَا قَبْلَهَا ( عَنْ حُكْمِهِ ) أَيْ مَا قَبْلَهَا ( وَيُسَمَّى ) هَذَا الْإِخْرَاجُ اسْتِثْنَاءً ( مُنْقَطِعًا ) إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى وَقِيلَ وَبَيْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَبَاقِي الْأَدَوَاتِ لَا تَكُونُ فِي الْمُنْقَطِعِ .
( وَشَرْطُهُ ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى ( مِمَّا يُقَارِنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( كَثِيرًا ) لِمُلَابَسَتِهِ إيَّاهُ وَكَوْنُهُ مِنْ تَوَابِعِهِ حَتَّى يَسْتَحْضِرَ بِذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ ( كَجَاءُوا ) أَيْ الْقَوْمُ مَثَلًا ( إلَّا حِمَارًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ تَوَابِعِهِمْ بِحَيْثُ يُسْتَحْضَرُ بِذِكْرِهِمْ فِي

الْجُمْلَةِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ( إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ ؛ لِأَنَّهُ حَصَرَ الْأَنِيسَ ) فِيهِمَا فَاسْتَحْضَرَهُمَا بِذِكْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُؤَانِسُ وَيُلَازِمُ الْمَكَانَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ خَلَّفَتَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ فِيهَا فَكَانَتَا بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ ، وَالْيَعَافِيرُ جَمْعُ يَعْفُورٍ قِيلَ الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَقِيلَ تَيْسٌ مِنْ تُيُوسِ الظِّبَاءِ ، وَالْعِيسُ جَمْعُ عَيْسَاءَ إبِلٌ بِيضٌ فِي بَيَاضِهَا ظُلْمَةٌ خَفِيَّةٌ وَقِيلَ يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنْ الشُّقْرَةِ ، وَقِيلَ الْجَرَادُ قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الشَّاعِرِ ؛ لِأَنَّ خُلُوَّ الْبَلْدَةِ مِنْ الْأَنِيسِ وَكَوْنَهَا مَأْوَى الْيَعَافِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْوَحْشِيَّاتِ يَقْتَضِي ذَلِكَ .
( بِخِلَافِ إلَّا الْأَكْلَ ) أَيْ لَا يُقَالُ جَاءُوا إلَّا الْأَكْلَ ( أَوْ ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى ( يَشْمَلُهُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( كَصَوَّتَتْ الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ ) أَوْ الْبَعِيرَ ؛ لِأَنَّ التَّصْوِيتَ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا ( بِخِلَافِ صَهَلَتْ ) الْخَيْلُ إلَّا الْحَمِيرَ أَوْ الْبَعِيرَ فَإِنَّ الصَّهِيلَ لَا يَشْمَلُهَا فَلَا يَجُوزُ ( أَوْ ) كَوْنُ الْمُسْتَثْنَى ( ذُكِرَ ) قَبْلَهُ ( حُكْمٌ يُضَادُّهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى ( كَمَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ ) وَمَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ ، قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ : قَالَ سِيبَوَيْهِ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَصْدَرِيَّةٌ وَفَاعِلُ زَادَ وَنَفَعَ مُضْمَرٌ ، وَمَفْعُولُهُمَا مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ مَا زَادَ فُلَانٌ شَيْئًا إلَّا نُقْصَانًا وَمَا نَفَعَ فُلَانٌ إلَّا مَضَرَّةً فَالْمُسْتَثْنَى ، وَهُوَ النُّقْصَانُ وَالْمَضَرَّةُ حُكْمٌ مُخَالِفٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنَّفْعُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي ، وَالْمَعْنَى لَكِنَّ

النُّقْصَانَ فِعْلٌ أَوْ لَكِنَّ النُّقْصَانَ أَمْرُهُ وَشَأْنُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ السِّيرَافِيُّ وَلَيْسَ مَا زَادَ شَيْئًا غَيْرُ النُّقْصَانِ لِيَكُونَ مُتَّصِلًا مُفَرَّغًا .
وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( أَمَّا مَا زَادَ إلَّا مَا نَقَصَ فَيَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ النُّقْصَانَ ( زِيَادَةُ حَالٍ بَعْدَ التَّمَامِ ) ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّرَّاجِ ، وَإِنَّمَا حَسُنَ هَذَا الْكَلَامُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَا زَادَ دَلَّ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا نَقَصَ .
ا هـ .
ثُمَّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا نَفَعَ إلَّا مَا ضَرَّ لَا يَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا سِيَّانِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ مَا نَفَعَ عَلَى هُوَ عَلَى حَالِهِ إلَّا مَا ضَرَّ ، .
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ : إذَا قُلْت مَا زَادَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ ثُمَّ اسْتَثْنَيْت مِنْ الْعَارِضِ النَّقْصَ ، وَإِذَا قُلْت مَا نَفَعَ فَكَأَنَّك قُلْت مَا أَفَادَ شَيْئًا إلَّا ضَرًّا ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ شَرْطِ الْمُنْقَطِعِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُسْتَثْنَى الْمُنْقَطِعُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا يُسْتَحْضَرُ بِوَجْهٍ مَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ ذِكْرِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } ؛ لِأَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِهِ لِقَوْلِهِمْ { إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْعِبَادَةِ مُذَكِّرٌ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَكُونُ الْمُنْقَطِعُ غَيْرَ بَعْضٍ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَضْعًا فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الْبَعْضِيَّةِ مَجَازًا وَلِذَلِكَ قُبِلَ لَهُ مُسْتَثْنًى فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِعْمَالُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِبَعْضِ الْمُثُلِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ شَرْطَهُ تَقْدِيرُ

دُخُولِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِوَجْهٍ ، وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ كَابْنِ السَّرَّاجِ وَآخَرُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَسَمُوهُ إلَى مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ مَجَازًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ عِنْدَ تَمِيمٍ ، وَإِلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاتِّصَالُ أَصْلًا فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ النَّصْبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ .

( وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِخْرَاجِ إفَادَةُ عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ اشْتَهَرَ ) لَفْظُ الْإِخْرَاجِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْنَى ( اصْطِلَاحًا ) فَلَا ضَيْرَ فِي ذِكْرِهِ فِي التَّعْرِيفِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى ( إذْ حَقِيقَتُهُ ) أَيْ الْإِخْرَاجِ إنَّمَا يَكُونُ ( بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَهُوَ ) أَيْ الْإِخْرَاجُ حَقِيقَةً ( مِنْ الْإِرَادَةِ بِحُكْمِ الصَّدْرِ مُنْتَفٍ ) لِلُزُومِ النَّسْخِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالتَّنَاقُضِ فِي الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ ( وَمِنْ التَّنَاوُلِ ) أَيْ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ ( لَا يُمْكِنُ ) أَيْضًا فَإِنَّ تَنَاوُلَهُ بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِعِلَّةِ وَضْعِهِ لِتَمَامِ الْمَعْنَى ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ الْخُرُوجُ هُنَا مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْحَرَكَةُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَالْخُرُوجِ بِالْعَكْسِ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ هُنَا الْأَدَوَاتِ ( فَقِيلَ ) الِاسْتِثْنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى ( مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّى أَحَدُهُمَا مُتَّصِلًا وَالْآخَرُ مُنْقَطِعًا ( لَفْظِيٌّ ) لِإِطْلَاقِهِ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا وَانْتِفَاءٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مَعْنًى وَعَدَمُ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا ( قِيلَ مُتَوَاطِئٌ ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّوَاطُؤُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ ( وَالْمُخْتَارُ ) أَنَّهُ فِي الْمُتَّصِلِ حَقِيقَةٌ ، وَ ( فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ ) وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي وَجْهُهُ .
( قَالُوا ) وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ : ( فَعَلَى التَّوَاطُؤِ أَمْكَنَ حَدُّهُ ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ ( مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ " مُجَرَّدَ " بِالْجَرِّ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْكَرْمَانِيُّ لَفْظَ الْأَعَمِّ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ مُعَرَّفًا

بِاللَّامِ فَيَجِبُ تَأْنِيثُهُ لِجَرَيَانِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مِنْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَعَمَّ صِفَةٌ لِمُجَرَّدٍ وَأَنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَا صِلَةً لِلْأَعَمِّ ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ .
( فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ بِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ إلَخْ ) أَيْ وَأَخَوَاتِهَا فَمَا دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةٍ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ وَبِإِلَّا غَيْرُ الصِّفَةِ وَأَخَوَاتِهَا يَخْرُجُ سَائِرُ أَنْوَاعِهِ ، وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الصِّفَةِ ، وَالْمُرَادُ بِأَخَوَاتِهَا ( وَعَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ ) لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا ( أَوْ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ ) حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ ( لَا يُمْكِنُ ) حَدُّ الْمُنْقَطِعِ مَعَ الْمُتَّصِلِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ ( لِأَنَّ مَفْهُومَيْهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةً فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ ( حَقِيقَتَانِ ) أَيْ مَاهِيَّتَانِ ( مُخْتَلِفَتَانِ فَيُحَدُّ كُلٌّ بِخُصُوصِهِ فَيُزَادُ ) عَلَى الْحَدِّ السَّابِقِ ( فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ لِإِخْرَاجِ الْمُتَّصِلِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ لَكِنْ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْحَدَّ السَّابِقَ صَالِحٌ لِلْمُتَّصِلِ وَحَدُّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مَعَ إخْرَاجٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولُوا وَفِي الْمُتَّصِلِ مَعَ إخْرَاجٍ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا ) أَيْ امْتِنَاعَ الْجَمْعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ ( إنَّمَا هُوَ فِي تَعْرِيفِ مَاهِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِالْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ ) لِلِاخْتِلَافِ الْمَانِعِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ .
( وَ ) لَا شَكَّ ( بِأَنَّ ) أَيْ فِي أَنَّ ( وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ لِشَيْئَيْنِ ) حَتَّى كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا ( أَوْ ) وَضْعَ لَفْظٍ ( مَرَّةً لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ حَتَّى كَانَ مُتَوَاطِئًا ( أَوْ ) وَضْعَ لَفْظٍ مَرَّةً ( لِأَحَدِهِمَا

وَيُتَجَوَّزُ بِهِ فِي الْآخَرِ لَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ) هُنَا ( إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ ) وَقَدْ قِيلَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَلَا يَتَعَذَّرُ تَعْرِيفُهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْهَا ( فَيُقَالُ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ أَوْ ) كَائِنًا ( خِلَافَهُ ) أَيْ مَا قَبْلَهُ ( بِحُكْمِهِ ) أَيْ مَا قَبْلَهُ دَلَالَةٌ كَائِنَةٌ ( عَنْ وَضْعَيْنِ ) وُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا بَعْضَ مَا قَبْلَهُ وَوُضِعَ مَرَّةً لَأَنْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ ، هَذَا ( عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَيُتْرَكُ لَفْظُ الْوَضْعِ ) أَيْ عَنْ وَضْعَيْنِ ( عَلَى التَّوَاطُؤِ ، وَ ) يُقَالُ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ حَالَ كَوْنِهِ ( كَائِنًا بَعْضَهُ ) أَيْ مَا قَبْلَهُ ( بِحُكْمِهِ ) أَيْ مَا قَبْلَهُ ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةٍ ( بِوَضْعِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ( لَهُ ) أَيْ لِهَذَا الْمَعْنَى ( فَقَطْ ) فَيَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى الْمُتَّصِلِ ( وَخِلَافُهُ بِالْقَرِينَةِ ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا بَعْدَهُ كَائِنًا خِلَافَ مَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ لِإِرَادَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ فَيَنْطَبِقُ عَلَى الْمَجَازِ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَخِلَافُهُ بِحُكْمِهِ بِالْقَرِينَةِ لَكَانَ أَوْلَى ( ثُمَّ لَا يَخْفَى صِدْقُ تَعْرِيفِنَا عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى الْأَدَاةِ الَّتِي الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا بِمَعْنَاهَا ( عَلَى التَّقَادِيرِ ) الثَّلَاثَةِ ( بِلَا حَاجَةٍ إلَى خِلَافِهِ ) مِنْ التَّعَارِيفِ لَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ الْمُعَرَّفِ الْأَوَّلِ ( بِإِلَّا إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مَعَ مَا دَلَّ غَيْرُ إنْ ) ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّالَّ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( وَلَيْسَ ) هُمَا غَيْرَيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ

إنَّمَا هُوَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا .
( وَقَوْلُهُ فِي الْمُنْقَطِعِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ ، إنْ ) أَرَادَ ( مُطْلَقًا لَمْ يَصْدُقْ ) التَّعْرِيفُ ( عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ أَفْرَادَهُ ( مُخْرَجَةٌ مِنْ الْحُكْمِ ) الَّذِي لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ .

( وَالْإِخْرَاجُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقِسْمَيْهِ ) الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ ( لَيْسَ إلَّا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْحُكْمِ ( وَحَمْلُهُ ) أَيْ الْإِخْرَاجِ ( عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ فَقَطْ ، وَأَنَّهُ الِاصْطِلَاحُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْقَوْمِ وَلَا يَصْطَلِحُ عَلَى بَاطِلٍ ، وَإِنْ أُرِيدَ التَّجَوُّزُ بِالْجِنْسِ عَنْ حُكْمِهِ أَوْ أُضْمِرَ ) الْحُكْمُ ( صَارَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ مِنْ حُكْمِ الْجِنْسِ وَعَادَ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ إخْرَاجُ مَا بَعْدَ إلَّا مُطْلَقًا ) أَيْ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ لَا ( مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا ) سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا لَهُ أَوْ لَا ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ الْإِخْرَاجِ ( مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ ) أَمَّا فِي الْمُتَّصِلِ فَلِأَنَّ التَّنَاوُلَ بَاقٍ ، وَأَمَّا فِي الْمُنْقَطِعِ فَلِعَدَمِ الدُّخُولِ الَّذِي الْإِخْرَاجُ فَرْعُهُ .
( وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ ) مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ ( بِأَنَّ عُلَمَاءَ الْأَمْصَارِ رَدُّوهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَذَا الْمَعْنَى ( إلَى الْمُتَّصِلِ ، وَإِنْ ) كَانَ الِاتِّصَالُ ( خِلَافَ الظَّاهِرِ فَحَمَلُوا لَهُ أَلْفًا إلَّا كُرًّا ) مِنْ الْبُرِّ ( عَلَى قِيمَتِهِ ) أَيْ الْكُرِّ مِنْهُ لِشُمُولِ الْقِيمَةِ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُنْقَطِعِ ظَاهِرًا لَمْ يَرْتَكِبُوا مُخَالَفَةَ ظَاهِرٍ حَذَرًا عَنْهَا .
وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا : إنَّهُ لَا يُمْنَعُ الِاشْتِرَاكُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَظْهَرَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ وَكَأَنْ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَوَجْهُ الْمُخْتَارِ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ بَلْ أَرْدَفَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَقَالَ ( وَلِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ نَحْوِ جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا ، قَبْلَ ذِكْرِ زَيْدٍ أَوْ حِمَارٍ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ حُكْمِهِمْ فَيُشْرَأَبُّ ) أَيْ فَيُتَطَلَّعُ ( إلَى أَنَّهُ أَيُّهُمْ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي إخْرَاجِ الْأَعَمِّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ ( مِنْ حُكْمِهِ )

أَيْ الْأَعَمِّ ( لَمْ يَتَبَادَرْ مُعَيَّنٌ ، لَا يُقَالُ جَازَ ) تَبَادُرُ الْمُتَّصِلِ ( لِعُرُوضِ شُهْرَةٍ أَوْجَبَتْ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ ) أَيْ الْمُتَّصِلِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ عُرُوضَ الشُّهْرَةِ فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ ( نَادِرٌ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ قَبْلَ فِعْلِيَّتِهِ ) أَيْ تَحَقُّقِهِ بِالْفِعْلِ ، وَالْفَرْضُ جَوَازُهُ لَا تَحَقُّقُهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ اُعْتُبِرَ جَوَازُ عُرُوضِ الشُّهْرَةِ مُوجِبًا لِلتَّبَادُرِ ( بَطَلَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ إمْكَانِهِمَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَادَرُ الْمَجَازِيَّ لِعُرُوضِ شُهْرَتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْحَقِيقِيَّ .
( وَغَيْرُ ذَلِكَ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَنْفِيَ الِاشْتِرَاكَ فَإِذَا أَثْبَتَ بِتَبَادُرِ الْمَفَاهِيمِ عَلَى السَّوَاءِ وَالتَّوَقُّفِ فِي الْمُرَادِ قِيلَ جَازَ كَوْنُ تَبَادُرِهَا بِعُرُوضِ شُهْرَةٍ فِي الْمَجَازِ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقِيَّ .
ا هـ .
وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ .

( وَقَالَ الْغَزَالِيُّ ) وَالْقَاضِي فِي التَّعْرِيفِ ( فِي الْمُتَّصِلِ قَوْلٌ ذُو صِيَغٍ مَخْصُوصَةٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بِهِ لَمْ يُرِدْ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إفَادَةَ جِنْسِهِ ) ، وَهُوَ قَوْلُ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّعْرِيفَ ( لِغَيْرِ ) الْمَعْنَى ( الْمَصْدَرِيِّ ) الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ بَلْ هُوَ لِلْأَدَاةِ ( وَمَخْصُوصَةٌ أَيْ مَعْهُودَةٌ ، وَهِيَ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا ) كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيّ ( وَإِلَّا نُسِبَ أَنْ يُقَالَ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ الشَّرْطُ ) أَيْ أَدَاتُهُ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ عَمِلُوا ( لَا التَّخْصِيصُ بِهِ ) أَيْ بِالشَّرْطِ ( وَالْمَوْصُولُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( وَصْفًا ) مُخَصِّصًا ، نَحْوَ أَكْرِمْ النَّاسَ الَّذِينَ عَلِمُوا ( وَالْمُسْتَقِلُّ ) نَحْوَ لَا تُكْرِمْ زَيْدًا بَعْدَ أَكْرِمْ الْقَوْمَ لَا التَّخْصِيصُ بِهِمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِظُهُورِ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَوَاتِ لِلتَّخْصِيصِ بِهَا الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ ( وَدُفِعَ الْأَوَّلَانِ ) أَيْ الشَّرْطُ وَالْمَوْصُولُ وَصْفًا ، وَالدَّافِعُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( بِأَنَّهُمَا لَا يُخَرِّجَانِ الْمَذْكُورَ ) ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثَالَيْهِمَا ( بَلْ ) يُخَرِّجَانِ ( غَيْرَهُ ) أَيْ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ مَنْ عَدَا الْعُلَمَاءَ ( وَتَقَدَّمَ التَّحْقِيقُ فِيهِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يُخْرِجُ مَا بَعْدَهُ بَلْ مُخْرِجُ بَعْضَ التَّقَادِيرِ ، وَالْعَامُّ الْآخَرُ فَإِنَّ قَوْلَكَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ عَلِمُوا يُخْرِجُ غَيْرَ الْعُلَمَاءِ ، وَالْوَصْفُ مِثْلُهُ إذَا عُرِفَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُمَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا التَّعْرِيفُ ( وَالْمُسْتَقِلُّ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ الْمُخَالَفَةِ ، وَإِنَّمَا تُفْهَمُ ) الْمُخَالَفَةُ ( بِمُلَاحَظَتِهِمَا ) أَيْ الْمُسْتَقِلِّ وَالْمُخَصَّصِ بِهِ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُمَا لُزُومًا عَقْلِيًّا إنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ لَا يُنَاقِضُ نَفْسَهُ لَا وَضْعِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ لَمْ يَجِئْ الْقَوْمُ وَلَمْ يَجِئْ زَيْدٌ ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مُخَالَفَةٍ أَصْلًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ

الدِّينِ .
( وَعَلَى عَكْسِهِ شَخْصٌ جَاءُوا إلَّا زَيْدًا وَسَائِرُهَا ) أَيْ وَشَخْصُ كُلٍّ مِنْ بَاقِي أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا صِيَغٍ ( وَرُدَّ ) هَذَا وَرَادُّهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ ) ذُو صِيَغٍ وَكُلُّ اسْتِثْنَاءٍ ذُو صِيغَةٍ مِنْ الصِّيَغِ أَيْ وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْهُ ذُو صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قُوَّةِ اللَّفْظِ ، قَالَ : وَالْمُنَاقَشَةُ فِي مِثْلِهِ مَعَ مِثْلِهِ لَا تَحْسُنُ كُلَّ الْحُسْنِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ) كَمَا يَظْهَرُ بَعْدُ ، عَلَى أَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُنَاقَشَةَ فِيهِ تَحْسُنُ فِي الْجُمْلَةِ ( وَ ) لَا يَخْفَى ( عَدَمُ وُرُودِهِ ) أَيْ هَذَا إلَّا يُرَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ ( عَلَى كَوْنِهِ تَعْرِيفًا لِلْأَدَوَاتِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ وَعَلَى كَوْنِهِ ) تَعْرِيفًا ( لِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ لِيَكُونَ الْمِثَالُ ) الْمَذْكُورُ فِي الْإِيرَادِ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى إلَّا ( مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ) أَيْ إذَا كَانَ تَعْرِيفًا لِأَدَوَاتِهِ بِقَيْدِ الْعُمُومِ فَإِنَّ إلَّا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ بَلْ الْمُعَرَّفُ ( صَادِقٌ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى إلَّا فِيهِ ( إذْ الْجِنْسُ ) فِي تَعْرِيفِهِ ( قَوْلٌ كُلِّيٌّ لَا يَتَحَقَّقُ خَارِجًا إلَّا ضِمْنَ أَدَاةٍ ، وَهُوَ ) أَيْ الْجِنْسُ ( نَفْسُهُ ذُو الصِّيَغِ وَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّيِّ الْكَائِنِ فِي ضِمْنٍ إلَّا ) الَّذِي هُوَ جُزْئِيٌّ ( فِي الْمِثَالِ ) الْمَذْكُورِ ( ذَلِكَ ) أَيْ الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ ، وَهُوَ فَاعِلُ يَصْدُقُ ثُمَّ الْحَقُّ أَنَّهُ إذْ كَانَ الْمُرَادُ بِصِيَغٍ صِيَغًا مُعَيَّنَةً هِيَ أَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْإِيرَادَاتِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ وَالْأَصْفَهَانِيُّ فَقَدْ كَانَ الْأَنْسَبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ وُرُودِهَا

مُعَلِّلًا بِهَذَا .
نَعَمْ يَرِدُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .

( وَقِيلَ : لَفْظٌ مُتَّصِلٌ بِجُمْلَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ دَالٌّ عَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ وَلَا غَايَةٍ ) ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ بِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ، وَقَالَ : اُحْتُرِزَ بِلَفْظٍ عَنْ غَيْرِ اللَّفْظِ مِنْ الدَّلَالَاتِ الْمُخَصِّصَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْعَقْلِيَّةِ وَبِمُتَّصِلٍ عَنْ الدَّلَائِلِ الْمُنْفَصِلَةِ ، وَبِلَا يَسْتَقِلُّ عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ ، وَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ ، وَبِدَالٍّ عَنْ الصِّيَغِ الْمُهْمَلَةِ ، وَبِعَلَى أَنَّ مَدْلُولَهُ غَيْرُ مُرَادٍ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنَّعْتِيَّةِ مِثْلُ جَاءَ الْقَوْمُ الْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ وَبِحَرْفِ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا عَنْ مِثْلِ قَامَ الْقَوْمُ دُونَ زَيْدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ .
قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ لَهُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَاحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالْغَايَةِ لِصِدْقِ الْحَدِّ بِدُونِهِ عَلَى الْغَايَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى الْوَصْفِ فِي نَحْوِ { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ اللَّهِ وَعَلَى الشَّرْطِ فِي نَحْوِ أَكْرِمْ النَّاسَ إنْ لَمْ يَكُونُوا جُهَّالًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْجُهَّالِ وَتَعْرِيفُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَثْنَى فَكَيْفَ يَكُونُ عَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَعَلَى طَرْدِهِ ) يَرِدُ ( قَامُوا لَا زَيْدٌ ) لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ ( وَدُفِعَ بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ مِنْ مُلَاحَظَتِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ لُزُومًا عَقْلِيًّا لَا وَضْعِيًّا بِدَلِيلِ جَاءَ عُمَرُ وَلَا زَيْدٌ لِامْتِنَاعِ إرَادَةِ زَيْدٍ مِنْ عُمَرَ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ

دُخُولِهِ فِيهِ ( وَعَلَى عَكْسِهِ ) يَرِدُ ( الْمُفَرَّغُ لِلْفَاعِلِ ) نَحْوَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِ بِجُمْلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ وَالْفِعْلُ وَحْدَهُ مُفْرَدٌ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ وُرُودُ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الْآمِدِيِّ أَيْضًا ( وَدُفِعَ بِأَنَّ مَا قَبْلَهُ ) أَيْ إلَّا زَيْدٌ ( فِي تَقْدِيرِهَا ) أَيْ الْجُمْلَةِ ، وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ وَمَا يُقَدَّرُ بِهَا ( وَهَذَا عَلَى مَنْ يُقَدِّرُ فَاعِلًا عَامًّا ) وَيَجْعَلُ مَا بَعْدَ إلَّا مِنْهُ فَيَقُولُ التَّقْدِيرُ مَا جَاءَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ ( وَلَعَلَّ الْمُعَرَّفَ يَرَاهُ ) فَإِنَّهُ الظَّاهِرُ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَعْنَى أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ فَاعِلًا عَامًّا بَلْ يَقُولُ زَيْدٌ هُوَ الْفَاعِلُ فَالدَّفْعُ عَلَى قَوْلِهِ مَدْفُوعٌ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَيْضًا مَدْفُوعٌ ( ثُمَّ يَفْسُدُ ) عَكْسُهُ أَيْضًا ( بِأَنَّ كُلَّ مُسْتَثْنًى مُتَّصِلٌ مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ ) ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُ ثُمَّ يُسْنَدُ إلَى الْبَاقِي فَصُدِّقَ الْحَدُّ لَا الْمَحْدُودُ ( وَيُدْفَعُ بِمَنْعِهِ ) أَيْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِالْأَوَّلِ وَفِي هَذَا الْمَنْعِ نَظَرٌ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُرَادٌ بِحَسَبِ دَلَالَةِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَيْهِ ( فَغَيْرُ مُرَادٍ بِالْحُكْمِ ) أَيْ بِحُكْمِهِ أَقُولُ : وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَا وُرُودَ لِهَذَا أَصْلًا عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ .
( وَهَذَا ) التَّعْرِيفُ ( أَيْضًا لِمَا لَهُ ) التَّعْرِيفُ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ تَعْرِيفُ الْغَزَالِيِّ ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كُلٍّ ، لَا لِلْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ لِمُنَافَاةِ جِنْسِ هَذَا ، وَهُوَ اللَّفْظُ لِذَلِكَ كَمُنَافَاةِ جِنْسِ الْأَوَّلِ لَهُ ( فَلَا يَكُونُ الْأُولَى ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ فِي تَعْرِيفِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ : ( إخْرَاجٌ

بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ، وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ ( عَلَى غَيْرِ مَهِيعِهِ ) أَيْ طَرِيقِ كُلٍّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لَهُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ اللَّهُمَّ ( إلَّا عَلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ تَعْرِيفُ الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ التَّخْصِيصُ الْخَاصُّ ) ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ( وَتُرِكَ مَا بِهِ ) التَّخْصِيصُ أَيْ الْمُخَصِّصُ ( وَلَيْسَ ) هَذَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ أَوْلَى هُنَا ( فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ) أَيْ الْمُخَصِّصِ الْمُتَّصِلِ الْمُسَمَّى بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا فِي نَفْسِ التَّخْصِيصِ إذْ الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ ( وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُعَرَّفُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَاهِيَّتَيْ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِمَا مُشْتَرَكًا أَوْ مُتَوَاطِئًا إلَّا اصْطِلَاحًا ) نَحْوِيًّا .
( وَنَظَرُ الْأُصُولِيِّ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ ) إنَّمَا هُوَ ( مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ تَعْرِيفُهُمَا لَا مِنْ حَيْثُ هُمَا مَدْلُولَا لَفْظٍ أَصْلًا أَوْ مَدْلُولَا لَفْظٍ لُغَوِيٍّ هُوَ الْأَدَوَاتُ فَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْ مَا تُفِيدُهُ إلَّا وَأَخَوَاتُهَا الْمَعْرُوفَةُ إخْرَاجٌ بِهَا أَيْ مُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ اُشْتُهِرَ ) الْإِخْرَاجُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَنْعِ ( عَنْ الْحُكْمِ أَوْ الصَّدْرِ مَعَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ دُخُولِ مَا بَعْدَ إلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِهَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَوْ وَصَدْرُهُ أَيْضًا فَقَدْ شَمِلَ الْمُتَّصِلَ وَالْمُنْقَطِعَ تَعْرِيفٌ وَاحِدٌ .

( مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا مُخَرَّجٌ مِنْ حُكْمِ الصَّدْرِ أَيْ لَمْ يُرِدْ ) مَا بَعْدَهَا ( بِهِ ) أَيْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ ( فَالْمُقَرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ دَلَالَتِهِ ) أَيْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى سَبْعَةٍ ( فَالْأَكْثَرُ أُرِيدَ سَبْعَةً ) بِعَشَرَةٍ ( وَإِلَّا قَرِينَتُهُ ) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ بِاسْمِ الْكُلِّ ( وَالِاتِّفَاقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ كَذَلِكَ ) أَيْ يَكُونُ الْمُخَصِّصُ قَرِينَةً عَلَى الْمُرَادِ بِالْمُخَصِّصِ كَمَا فِي اُقْتُلْ الْمُشْرِكِينَ ، وَالْمُرَادُ الْحَرْبِيُّونَ بِدَلِيلٍ يُخْرِجُ الذِّمِّيَّ ( وَقِيلَ أُرِيدَ عَشَرَةٌ ) بِعَشَرَةٍ ( ثُمَّ أَخْرِجْ ) مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بِإِلَّا ثَلَاثَةٌ فَدَلَّ إلَّا عَلَى الْإِخْرَاجِ ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَدَدِ الْمُسَمَّى بِهَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعَةٌ ( ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي ) ، وَهُوَ سَبْعَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَالْمُرَادُ أُرِيدَ ) بِعَشَرَةٍ ( عَشَرَةٌ وَحُكِمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَإِرَادَةُ الْعَشَرَةِ ) بِعَشَرَةٍ ( بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ ) عَلَى سَبْعَةٍ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا ( رَجَعَ إلَى إرَادَةِ سَبْعَةٍ بِهِ ) أَيْ بِلَفْظِ عَشَرَةٍ ( مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا ) أَيْ سَبْعَةٍ ( فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَاخْتَارَهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَقَالَ : ( لِلْقَطْعِ بِاسْتِثْنَاءِ نِصْفِهَا فِي اشْتَرَيْتُ الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا فَكَانَ ) جَمِيعُ الْجَارِيَةِ ( مَرَّ إذَا ) مِنْ الْجَارِيَةِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْجَارِيَةِ جَمِيعَهَا بَلْ نِصْفُهَا ( كَانَ ) الِاسْتِثْنَاءُ لِنِصْفِهَا ( مِنْ نِصْفِهَا فَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ ) ، وَهُوَ بَاطِلٌ ( أَوْ ) كَانَ ( الْمُخَرَّجُ الرُّبْعَ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِي مِنْ النِّصْفِ بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ ( الرُّبُعُ وَيَتَسَلْسَلُ أَيْ يَنْتَهِي إلَى إخْرَاجِ الْجُزْءِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ

ثُمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرُّبْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الثُّمُنَ ؛ لِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ النِّصْفِ مِنْ الرُّبُعِ ، وَهَلُمَّ جَرَّا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِ هَذَيْنِ : ( وَعَلِمْتَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْإِرَادَةِ ) أَيْ إرَادَةِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( عِنْدَهُمْ ، وَإِلَّا نِصْفُهَا بَيَانُ إرَادَةِ النِّصْفِ بِلَفْظِهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ فَلَا يَكُونُ إلَّا نِصْفُهَا مُسْتَغْرِقًا ( وَلَا يَتَسَلْسَلُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْإِخْرَاجِ ) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا ( وَأَيْضًا الضَّمِيرُ ) فِي نِصْفِهَا ( لِلْجَارِيَةِ ) قَطْعًا ، إذْ الْمُرَادُ نِصْفُ جَمِيعِهَا قَطْعًا ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا ( بِأَنَّ الْمَرْجِعَ ) لِضَمِيرِ نِصْفِهَا ( اللَّفْظُ ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِيَةِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الضَّمِيرَ ( لِرَبْطِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُمَا لَا ) أَنَّ الْمَرْجِعَ ( الْمُسَمَّى ) الْحَقِيقِيَّ لِلَّفْظِ ( فَيَرْجِعُ ) ضَمِيرُ نِصْفِهَا ( إلَى لَفْظِ الْجَارِيَةِ مُرَادًا بِهِ بَعْضُهَا ) الَّذِي هُوَ النِّصْفُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَأَيْضًا إجْمَاعُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ ( إخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ ) وَلَوْ أُرِيدَ الْبَاقِي مِنْ الْجَارِيَةِ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلَا إخْرَاجٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَابِهِ ( وَعَرَفْتَ أَنَّهُ ) أَيْ الْإِخْرَاجَ ( مَنَعَ دُخُولَهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( فَالْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ) ، وَهُوَ مَوْجُودٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ .
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَأَيْضًا تَبْطُلُ النُّصُوصُ ) إذْ مَا مِنْ لَفْظٍ مِنْهَا مَوْضُوعٍ لِمَعْنًى لَهُ أَجْزَاءٌ أَوْ جُزْئِيَّاتٌ إلَّا اسْتِثْنَاءً بَعْضُهُ مُمْكِنٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْكُلِّ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ ( قُلْنَا : النَّصُّ وَالظَّاهِرُ سَوَاءٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِمَا فَلَا نُصُوصِيَّةَ بِمَعْنَى رَفْعِ الِاحْتِمَالِ مُطْلَقًا إلَّا بِخَارِجٍ ، وَلَيْسَ الْعَدَدُ بِمُجَرَّدِهِ مِنْهُ

فَالْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ اللَّفْظِ نَصًّا فِي مَعْنًى بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ قَطُّ مِنْ ذَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ ذَاتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّاهِرِ إذْ الْمُتَحَقِّقُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَفْظٌ عَلِمْنَا وَضْعَهُ لِمَعْنًى وَفِي الظَّاهِرِ احْتِمَالُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فَلَوْلَا اقْتِرَانُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِخَارِجٍ يَنْفِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ ، إذْ لَا أَثَرَ لِذَاتِ اللَّفْظِ فِي مَنْعِ التَّجَوُّزِ بِهِ وَلَا لِلْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ فَلَمْ يَثْبُتُ النَّصُّ ، وَهُوَ الْمُفَسَّرُ لِلَفْظِ الْمَلَائِكَةِ لَوْلَا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وَلَا لِطَائِرٍ لَوْلَا قَوْله تَعَالَى { يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ مِثْلُ عَشَرَةٍ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ وَمُجَرَّدِهِ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ سَبْعَةٌ لَا يَبْطُلُ بِهِ نَصٌّ بِمَعْنَى مَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ قَدْ يَقْوَى الِاحْتِمَالُ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَلِمْنَا لَهَا وَضْعًا دُونَ بَعْضٍ .
وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ كَثْرَةِ التَّجَوُّزِ بِذَلِكَ الْبَعْضِ ، وَنُدْرَتِهِ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ كَالْعَامِّ كَثُرَ التَّجَوُّزُ بِهِ فِي الْبَعْضِ بِخِلَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَنَحْوِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو نَدَرَ أَنْ يُرَادَ بِزَيْدٍ كِتَابُهُ أَوْ صَاحِبُهُ الْعَزِيزُ عَلَيْهِ وَبِعَشَرَةٍ سَبْعَةٌ فَقَدْ يُقَالُ لَا احْتِمَالَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لِنُدْرَتِهِ لَا يُلَاحَظُ فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِعْلِيَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ بُدٌّ مِنْ اعْتِبَارِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَتَحَقَّقُ فِعْلِيَّةُ ذَلِكَ الْقَلِيلِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُعْقَلْ مُلَاحَظَتُهُ .
انْتَهَى .
وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ ( وَأَمَّا إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا ) أَيْ وَأَمَّا الدَّلِيلُ

الْخَامِسُ لِابْنِ الْحَاجِبِ أَيْضًا ، وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّا نُسْقِطُ مَا بَعْدَ إلَّا مِمَّا قَبْلَهَا ( فَيَبْقَى الْبَاقِي ) مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيُسْنَدُ إلَيْهِ الْحُكْمُ ( وَهُوَ ) أَيْ إسْقَاطُ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا ( فَرْعُ إرَادَةِ الْكُلِّ ) مِمَّا قَبْلَهَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْقُولٌ وَاللَّفْظُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ تَقْدِيرُهُ ( فَقَوْلُ الْأَكْثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْقَاطَ ) أَيْ أَنَّ مَعْنَى إسْقَاطِ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا ( ذِكْرُ مَا لَمْ يَرِدْ ) بِالْحُكْمِ ، وَهُوَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا ( وَنِسْبَتُهُ ) أَيْ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ ( لِلْمُسَمَّى ) الْمَوْضُوعِ لَهُ الْعَشَرَةُ ( لِيُعْرَفَ الْبَاقِي ) مِنْهُ ، وَهُوَ السَّبْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ ( أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ ) فَلَا يَكُونُ الْكُلُّ مُرَادًا ( وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَوَّلُ ) أَيْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ( وَهُوَ أَقَلُّ تَكَلُّفًا ) مِنْ الثَّانِي ( تَعَيَّنَ ؛ وَلِأَنَّ الثَّانِيَ خَارِجٌ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهُوَ ) أَيْ قَانُونُ الِاسْتِعْمَالِ ( إيقَاعُ اللَّفْظِ فِي التَّرْكِيبِ لِيَحْكُمَ عَلَى وَضْعَيْهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ ( أَوْ مُرَادُهُ ) أَيْ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِهِ مَجَازًا ( أَوْ بِهِمَا ) أَيْ أَوْ لِيَحْكُمَ بِالْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ اللَّفْظُ أَوْ بِالْمُرَادِ مِنْهُ ( وَلَا مُوجِبَ ) لِلْخُرُوجِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ ( فَوَجَبَ نَفْيُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَنْ قَانُونِ الِاسْتِعْمَالِ ( وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِمَدْلُولِ سَبْعَةٍ كَسَبْعَةٍ ) وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( وَرُدَّ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ اللُّغَةِ إذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ ) أَلْفَاظٍ ( ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ الْمَحْكِيِّ ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مُضَافٍ وَلَا مُعْرَبٍ وَلَا حَرْفٍ ) وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُوجَدُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ إذَا كَانَ مَحْكِيًّا ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَبَرَقَ نَحْرُهُ وَشَابَ قَرْنَاهَا ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَحْكِيٍّ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُ مُضَافًا أَوْ مُعْرَبًا

أَوْ حَرْفًا ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ مَوْجُودَانِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، وَلَا رَجُلَ ظَرِيفٌ وَالثَّانِي لَا يَحْضُرُنِي أَحَدٌ ذَكَرَهُ وَلَا مِثَالُهُ وَعَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَ أَحَدَهَا .
( وَ ) رُدَّ أَيْضًا ( بِلُزُومِ عَوْدِ الضَّمِيرِ ) فِي نَحْوِ إلَّا نِصْفَهَا ( عَلَى جُزْءِ الِاسْمِ ) الَّذِي هُوَ الْجَارِيَةُ فِي اشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ جُزْءُ الِاسْمِ ( كَزَايِ زَيْدٍ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ ) أَيْ جُزْءِ الِاسْمِ فِي الِاسْمِ عَلَى مَعْنًى فَيَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ قَوْلَ الْقَاضِي ( أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ) السَّابِقَيْنِ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُفْرَدَاتِهِ ) أَيْ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ بَاقِيَةٌ ( فِي مَعَانِيهَا ) الْإِفْرَادِيَّةِ ( وَقَوْلُهُ بِإِزَاءِ سَبْعَةٍ ) إنَّمَا هُوَ ( بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ وَلِذَا شَبَّهَ ) فَقَالَ كَسَبْعَةٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ ( فَانْتَفَى مَا بَنَاهُ بَعْضُهُمْ ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ قَوْلِ الْقَاضِي ( مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَدَدًا ( كَمَفْهُومِ اللَّقَبِ ) أَيْ كَتَخْصِيصِهِ ( الْمُقْتَضَى أَنْ لَا إخْرَاجَ أَصْلًا ، وَجْهُهُ ) أَيْ الْحَقُّ ، وَهُوَ رَدُّ قَوْلِ الْقَاضِي إلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ ( أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ فَإِمَّا بِاعْتِبَارِهَا ) أَيْ السَّبْعَةِ ( مَدْلُولًا مَجَازِيًّا لِلتَّرْكِيبِ ) وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ الْعَشَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِإِخْرَاجِ الْعَشَرَةِ ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ( أَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ ) أَيْ أَوْ بِاعْتِبَارِ السَّبْعَةِ أَمْرًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مَعْنَى مَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ كَمَا يُطْلَقُ الطَّائِرُ الْوَلُودُ عَلَى الْخُفَّاشِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ ( فَيَكُونُ التَّرْكِيبُ حَقِيقَةً فِيهَا ) أَيْ فِي السَّبْعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِهِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ النَّوْعِ بِالْأَجْزَاءِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ أَوْ الْخَارِجِيَّةِ

فَيُعَبَّرُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَالْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَعَنْ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ الْمُرَكَّبِ فَيُعَبَّرُ عَنْ السَّبْعَةِ بِأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثَةٌ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْمَجْمُوعَ وُضِعَ لَهَا وَضْعًا وَاحِدًا .
قُلْت : وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي التَّقْرِيبِ حَيْثُ قَالَ إذَا خُصَّ بِاسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اتِّصَالَ الِاسْتِثْنَاءِ بِهِ بِغَيْرِهِ ، وَيُؤَثِّرُ فِي مَعْنَى لَفْظِهِ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكَلَامِ إذَا اتَّصَلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَانَ لَهُ بِالِاتِّصَالِ تَأْثِيرٌ لَيْسَ لَهُ بِالِانْفِرَادِ ثُمَّ قَالَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمَ اللَّفْظِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ بِاقْتِرَانِهِ اسْمًا لِقَدْرِ مَا بَقِيَ وَلَوْ عُدِمَ لَكَانَ عَامًّا .
انْتَهَى .
وَهُوَ مُصَرِّحٌ أَيْضًا بِالْمُوَافَقَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ ثُمَّ الْأَمْرُ ( هَذَا وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ) بَلْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ وَخُصُوصًا الْمُتَأَخِّرُونَ ( قَالُوا : إخْرَاجُ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ ) ، وَهُوَ أَنْ يُثْبِتَ لِلْمُسْتَثْنَى حُكْمًا مُخَالِفًا لِصَدْرِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ حُكْمُ الْعَامِّ فِيمَا خُصَّ مِنْهُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ فِيهِ صُورَةً ، وَهُوَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ ( وَعِنْدَنَا بَيَانٌ مَحْضٌ ) لِكَوْنِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِصَدْرِ الْكَلَامِ وَارِدًا عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ ، وَهُوَ مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَتَقْدِيرُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ وَعِنْدَنَا لِفُلَانٍ عَلَيَّ سَبْعَةٌ ( ثُمَّ أَبْطَلُوهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ إخْرَاجًا بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ ( بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ) إخْرَاجُهُ بِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ ( لَا يُوجِبُ ) الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْإِقْرَارُ ( إلَّا فِي سَبْعَةٍ ثَبَتَ مَا لَيْسَ مِنْ

مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا ) أَيْ السَّبْعَةِ فَقَطْ ( حَقِيقَةً ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَا مَجَازًا ) ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَشَرَةِ سِوَى الْعَدَدِيَّةِ ، وَهِيَ عَامَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلتَّجَوُّزِ وَلَا صُورِيَّةٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْكُلُّ وَالْجُزْءُ وَشَرْطُ التَّجَوُّزِ بِهِ كَوْنُ الْجُزْءِ مُخْتَصًّا بِالْكُلِّ لِيَصِحَّ إطْلَاقُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ اللَّازِمِ الْمُخْتَصِّ وَلَيْسَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ سَبْعَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَذَلِكَ إذْ كَمَا يَصْلُحُ جُزْءًا لَهَا يَصْلُحُ جُزْءًا لِلْعِشْرِينَ وَمَا فَوْقَهُ مَثَلًا .
( بِخِلَافِ الْعَامِّ ) الْمَخْصُوصِ إذَا مَنَعَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيهِ الْحُكْمَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ صُورَةً ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ ثُبُوتُهُ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ دَالًّا عَلَى الْبَاقِي بِلَا خَلَلٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْدِيرِ قَوْلِ الْأَكْثَرِ ، وَدُفِعَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُبْطِلًا لِلنُّصُوصِيَّةِ وَالْأَشْبَهُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) جَوَازُ التَّجَوُّزِ بِالْعَشَرَةِ عَنْ السَّبْعَةِ قِيلَ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ كُلِّهِ وَلِأَجْلِ دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ يُقَالُ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا يَخُصُّ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُدَّعَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُجَوِّزَةَ لِلتَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ عَنْ جُزْئِهِ مُطْلَقًا كَوْنُ الْجُزْءِ لَازِمًا لِلْكُلِّ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْبَاقِي أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا فَدَعْوَى الِاخْتِصَاصِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ ( فَالْمَجَازُ مَرْجُوحٌ ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ( فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ) مَعَ إمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ

الْكُلُّ ، وَيَكُونَ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ ( كَذَا نَقَلَهُ ) أَيْ هَذَا الْإِبْطَالَ بِالْمَعْنَى ( مُتَأَخِّرٌ ) ، وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ، وَأَنَّهُ ) عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي نَقَلَهُ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّأْنَ ( عَلَى الْقَائِلِ ) لَهُ عَلَيَّ ( عَشَرَةٌ ) إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبْعَةٌ ، وَالتَّكَلُّمُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَكُونُ ( فِي سَبْعَةٍ ) أَيْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فَقَطْ لَا عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ هَذَا لَفْظُهُ ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَعْنَى هَذَا كَمَا عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ ( فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ مَسْكُوتَةً ، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ ( إلْزَامٌ ) لِلشَّافِعِيِّ ( وَإِلَّا فَالشَّافِعِيُّ لَا يَجْعَلُهَا مَسْكُوتَةً ) بَلْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ الْحُكْمِ ضِدَّ مَا لِلصَّدْرِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ هَذَا الْمُتَأَخِّرِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ وَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَشَارِحِيهِ وَالْبَدِيعِ ( نَقَلَهُ ) أَيْ الْإِبْطَالَ ( بِالْآيَةِ هَكَذَا لَوْ كَانَ ) عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ ( عَلَى الْمُعَارَضَةِ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى ) { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } حُكْمُ الْأَلْفِ بِجُمْلَتِهَا ثُمَّ عَارَضَهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ حُكْمُ الْأَلْفِ ( فِي الْخَمْسِينَ فَيَلْزَمُ كَذِبُ الْخَبَرِ فِي أَحَدِهِمَا ) وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
( وَهَذَا ) التَّوْجِيهُ ( هُوَ الْأَلْيَقُ بِمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ ) ، وَهُوَ الْمُنَافَاةُ ( وَإِلَّا فَالْحُكْمُ عَلَى سَبْعَةٍ ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ ( وَتِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ) فِي { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } ( بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ ) أَيْ الْحُكْمُ بِالْإِثْبَاتِ ( عَنْ ثَلَاثَةٍ ) فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ ( وَخَمْسِينَ ) فِي { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ( وَبَنَوْهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَوْنَهُ بِطَرِيقِ

الْمُعَارَضَةِ ( عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَقَلْبُهُ ) أَيْ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ( مَنْقُولًا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَعَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ ) ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ ( فِي كَلِمَتِهِ ) أَيْ التَّوْحِيدِ ، وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ( بِالنَّفْيِ ) لِلْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ ( وَالْإِثْبَاتِ ) أَيْ ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ ( وَإِلَّا كَانَتْ ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ( مُجَرَّدَ نَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ ، وَإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ ( فَالْتَزَمَتْهُ ) أَيْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ( الطَّائِفَةُ الْقَائِلُونَ مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( مَا بَعْدَ إلَّا مَسْكُوتٌ ، وَأَنَّ التَّوْحِيدَ مِنْ النَّفْيِ الْقَوْلِيِّ وَالْإِثْبَاتِ الْعِلْمِيِّ ؛ لِأَنَّهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارَ فِي الْجُمْلَةِ ( لَمْ يُنْكِرُوا أُلُوهِيَّتَهُ تَعَالَى ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( بَلْ أَشْرَكُوا فَبِالنَّفْيِ عَنْ غَيْرِهِ يَنْتَفِي ) الشِّرْكُ ( وَيَحْصُلُ التَّوْحِيدُ فَلَا تَكُونُ ) كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ( مِنْ الدَّهْرِيِّ إيَّاهُ ) أَيْ تَوْحِيدً ا لِإِنْكَارِهِ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قِيلَ بَلْ يَكُونُ ؛ لِأَنَّ الدَّهْرِيَّ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُودِهِ تَعَالَى فَهُوَ قَائِلٌ بِصَانِعٍ ، وَهُوَ إمَّا الدَّهْرُ أَوْ الْأَفْلَاكُ أَوْ الْأَنْجُمُ أَوْ الْفُصُولُ الْأَرْبَعُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ ضَلَالَتِهِ فَإِذَا نَفَى الْجَمِيعَ لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى .
( وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ذَهَبُوا إلَى الْحُكْمِ ( فِيمَا بَعْدَ إلَّا بِالنَّقِيضِ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِنَقْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ ) أَيْ إثْبَاتٍ وَقَلْبَهُ عَنْ

أَهْلِ اللُّغَةِ ( وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) هَذَا ( كَوْنَ الْإِخْرَاجِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَلَى تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ بِالْإِثْبَاتِ لَا يُعَارِضُهُ نَفْيُهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَعَنْ خَمْسِينَ .

( وَنُقِلَ أَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ ( تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ الِاسْمُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا ( لَا يُنَافِيهِ ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا وَقَلْبِهِ ( فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا ) أَيْ النَّقْلَيْنِ ( فَيَصْدُقُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ مِنْ مَجْمُوعِ التَّرْكِيبِ وَنَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَنَحْوَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ ) وَتَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فِي ذَيْلِ الْمُجْمَلِ أَنَّهُ رُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا ( يُفِيدُ ثُبُوتَهَا ) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ( مَعَ الطَّهُورِ فِي الْجُمْلَةِ ) ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْجَامِعَةُ لِبَقِيَّةِ شُرُوطِهَا وَجَمِيعِ أَرْكَانِهَا الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُفْسِدِ لَهَا لَا كُلُّ صَلَاةٍ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ لَا صَلَاةَ سَلْبًا كُلِّيًّا بِمَعْنَى لَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ بِجَائِزَةٍ ، وَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فِي قُوَّةِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ الْمَعْدُولِ الْمَحْمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِثْنَاءُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ .
وَالْفَرْضُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ إثْبَاتِ مَا نُفِيَ عَنْ الصَّدْرِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدْرِ فَيَكُون الْمَعْنَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ حَالَ اقْتِرَانِهَا بِطَهُورٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ بَعْضِ الصَّلَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِطَهُورٍ كَالصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَبِدُونِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَغَايَتُهُ ) أَيْ هَذَا ( تَكَلُّمٌ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ ) بِدَلِيلِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا جَاءَ عُمُومُهُ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَهَذَا الْمُقْتَضَى مُنْتَفٍ فِي الْإِثْبَاتِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ بِعَيْنِهِ مَوْجُودًا فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ إلَّا فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ بِالطَّهُورِ فَإِنَّ فِيهَا يَنْتَفِي هَذَا الْحُكْمُ وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ ، وَهُوَ جَوَازُ

شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ نَقِيضُ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ ، وَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِنَفْيِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ .
( غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ ) فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ ، الْحُكْمُ ( الثَّانِي ) ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ ( إشَارَةً ، وَهُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ الْإِشَارِيُّ ( مَنْطُوقٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالسَّوْقِ عَلَى مَا مَرَّ ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ( وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فِي مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ظَاهِرٌ فِي الْعِبَارَةِ ) وَقَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ ( وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مَنْطُوقُ إشَارَةٍ تَارَةً وَعِبَارَةٍ أُخْرَى بِأَنْ يُقْصَدَ لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّوْقِ ( وَلِأَنَّ النَّفْيَ عَمَّا بَعْدَ إلَّا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ ، وَأَمَّا ) الِاسْتِدْلَال لَهُ بِمَا مُلَخَّصُهُ ( الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ إلَّا لِمُخَالَفَةٍ بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَضْعًا فَلَا يُفِيدُ ) إثْبَاتُهُ ( لِصِدْقِ الْمُخَالَفَةِ بِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ) أَيْ مَا بَعْدَ إلَّا ( فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمُ ) عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا ( بِنَقِيضِهِ ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَ إلَّا ( إلَّا فَهِمَهُ ) أَيْ الْحُكْمَ بِنَقِيضِهِ مِنْ اللَّفْظِ ( كَمَا سَمِعْت ثُمَّ يُقْصَدَانِ ) أَيْ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ ( كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ ، وَالْمُفَرَّغُ ) كَ مَا جَاءَ إلَّا زَيْدٌ وَمَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ لِلْقَطْعِ بِفَهْمِ أَنَّ هَذِهِ مَسُوقَةٌ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَمَجِيءُ زَيْدٍ وَقِيَامُهُ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ وَآكَدِهِ ( فَعِبَارَةُ ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا فِيهَا عِبَارَةٌ .
( أَوْ ) يُقْصَدُ ( غَيْرُ الثَّانِي ) ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لَا غَيْرُ ( كَعَلَيَّ

عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةٌ لِفَهْمِ أَنَّ الْغَرَضَ السَّبْعَةُ ) أَيْ الْإِقْرَارُ بِهَا وَلَا غَرَضَ يَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ عَلَيَّ ( فَإِشَارَةٌ ) أَيْ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَ إلَّا حِينَئِذٍ إشَارَةٌ ( وَلِمَا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ بِحَقِيقَةِ الْمُعَارَضَةِ ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَاقِعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( مُسَلَّمٌ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُعَارَضَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ ( بِثُبُوتِ الْحُكْمَيْنِ ) الْمُتَنَاقِضَيْنِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَثُبُوتُهُمَا ( التَّنَاقُضُ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَبِاتِّفَاقِ أَهْلِ الدِّيَانَةِ أَنَّهُ بَيَانٌ مَحْضٌ كَسَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ ، وَإِنَّمَا هُوَ صُورَتُهَا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إسْنَادِ الصَّدْرِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ كَالتَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَلَفْظُهُ وَلَا نَصَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَدَلُّوا بِمَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الدِّيَانَةِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَخِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَتَى عَلَى وَجْهِ ذَلِكَ .

( تَنْبِيهٌ : جَوَازُ ) بَيْعِ ( مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ ( قِلَّةٌ ) بِأَنْ يَكُونَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ عَلَى مَا قَالُوا ( بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا الشَّافِعِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ } ) أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ( قِيلَ ) وَقَائِلُهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُ كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ ( لِلْمُعَارَضَةِ عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( فَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لَكُمْ بَيْعُ طَعَامٍ ) بِطَعَامٍ ( مُسَاوٍ فَمَا سِوَاهُ ) أَيْ الْمُسَاوِي مِنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ( مُنِعَ ) أَيْ مَمْنُوعٌ ( بِالصَّدْرِ ) أَيْ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ الْكَيْلَ خَاصَّةً ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ إذْ الْمُرَادُ بِالتَّسَاوِي التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ اتِّفَاقًا فَبَقِيَ غَيْرُ الْمَكِيلِ دَاخِلًا فِي الْحُرْمَةِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ مَثَلًا ( وَالْحَنَفِيَّةُ لَا حُكْمَ فِي الثَّانِي ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى ( وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ حَالَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُجَازَفَةِ وَأَخَوَيْهَا ) الْمُفَاضَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي فَيَعُمُّهَا الصَّدْرُ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُجَازَفَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إلَّا فِي حَالِ الْمُسَاوَاةِ ( وَالْكُلُّ ) أَيْ الْمُجَازَفَةُ ، وَأَخَوَاهَا ( يَسْتَنِدُ إلَى الْكَيْلِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَلَا مُسْتَوِي فِيهِ إلَّا الْكَيْلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَرُمَتْ الْمُفَاضَلَةُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا .
، وَالْمُجَازَفَةُ لِاحْتِمَالِ الْمُفَاضَلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي الْكَثِيرِ ، وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْمُقَدَّرِ بِهِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الْقَلِيلِ ، وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ فَلَا

يَحْرُمُ بَيْعُ حَفْنَةٍ مِنْ الْبُرِّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ ( وَلَا يَلْزَمُ ) بِنَاءُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْفَرْعِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمِهَا ( بَلْ لَا يُشْكِلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ ) أَيْ حَالِ الطَّعَامِ الْمُقَابِلِ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَالِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَالْمُجَانَسَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِيهِ فَحُمِلَ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِتَحْصُلَ الْمُجَانَسَةُ ( فَلَزِمَ الِاتِّصَالُ فَالْمَبْنَى ) لِهَذَا الِاخْتِلَافِ ( تَقْدِيرُ نَوْعِ الْمُفَرَّغِ لَهُ ) الْقَرِيبِ ( أَوْ ) تَقْدِيرُ نَوْعٍ لَهُ ( أَعْلَى أَيْ تَقْدِيرُ مَعْنًى لَا إعْرَابٍ ) فَقَدَّرْنَا الْقَرِيبَ بِدَلِيلِ ( مَا فِيهَا إلَّا زَيْدٌ أَيْ إنْسَانٌ لَا حَيَوَانٌ وَالْمُسَاوَاةُ بِالْكَيْلِ ) فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى ( فَلَا تَبِيعُوا طَعَامًا يُكَالُ إلَّا مُسَاوِيًا فَالْحِلُّ فِيمَا دُونَهُ ) أَيْ مَا يُكَالُ ( بِالْأَصْلِ ) فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ ( وَقَدَّرُوا ) أَعْلَى مِنْهُ فَقَالُوا ( طَعَامًا فِي حَالٍ فَشَمِلَ الْقِلَّةَ .
أَمَّا ذَلِكَ ) الْمَبْنَى الْأَوَّلُ ( فَمَبْنَى كَوْنِ الْحِلِّ فِي التَّسَاوِي ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( بِالْأَصْلِ أَوْ بِالْمَنْطُوقِ ) فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَصْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالْمَنْطُوقِ ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ كَوْنُ ذَاكَ هُوَ الْمَبْنَى لِهَذَا بِنَاءً ( عَلَى ) قَوْلِ ( الطَّائِفَةِ الْأُولَى ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ إلَّا حُكْمٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى فِيهِ حُكْمٌ بِالنَّقِيضِ فَالْحِلُّ فِيهِ بِالْمَنْطُوقِ أَيْضًا عِبَارَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُفَرَّغٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .

( مَسْأَلَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( الِاتِّصَالُ ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ( إلَّا لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ أَخْذِ فَمٍ وَنَحْوِهِ ) كَعُطَاسٍ وَجُشَاءٍ ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ الْفَصْلِ بِشَهْرٍ وَسَنَةٍ وَمُطْلَقًا ) أَمَّا الشَّهْرُ فَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : لَمْ أَجِدْ رِوَايَةَ الشَّهْرِ ، وَإِنَّمَا وَجَدْت رِوَايَةً فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ شَهْرٌ أَلْغَى الْكَسْرَ .
انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مَعَ بُعْدِهِ ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَمَضَى أَرْبَعُونَ لَيْلَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } فَاسْتَثْنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ هَكَذَا .
انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ قَالَ : يُسْتَثْنَى وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَمَّا السَّنَةُ فَنَقَلَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَازِرِيُّ وَأَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إلَى سَنَةٍ ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي هَذَا { وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } قَالَ إذَا ذَكَرَ اسْتَثْنَى وَكَانَ الْأَعْمَشُ يَأْخُذُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ

يُخَرِّجَاهُ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ مَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ سَمِعْته مِنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا حَدَّثَنِي بِهِ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ .
انْتَهَى .
فَإِنَّ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَعْلُولٌ ، وَأَنَّ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَمُجَاهِدِ وَاسِطَةً ، وَهُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ ، وَإِمَّا مُطْلَقًا ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ : وَهِيَ رِوَايَاتٌ شَاذَّةٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ( وَحُمِلَ ) مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جَوَازِ الْفَصْلِ ( عَلَى مَا إذَا كَانَ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ ) فَيَكُونُ مُتَّصِلًا قَصْدًا مُتَأَخِّرًا لَفْظًا ( وَيَدِينُ ) النَّاوِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِحَّةِ دَعْوَى نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ ، قَالَ الْغَزَالِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ إذْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْصِبِهِ ، وَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ بَعْدَهُ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَوَاهُ ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا يَدِينُ فِيهِ الْعَبْدُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ ، أَمَّا تَجْوِيزُ التَّأْخِيرِ لَوْ أَصَرَّ عَلَيْهِ دُونَ هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى خِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْكَلَامِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِتْمَامُ فَإِذَا انْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ إتْمَامًا كَالشَّرْطِ وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهُوَ ) أَيْ جَوَازُ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا حَالَ التَّكَلُّمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( قَوْلُ أَحْمَدَ ) هَذَا ظَاهِرُ سَوْقِ الْكَلَامِ ، وَلَمْ أَرَهُ بَلْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ

مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ .
انْتَهَى .
وَاَلَّذِي فِي فُرُوعِ ابْنِ مُفْلِحٍ وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا وَعَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَعَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ وَلَوْ تَكَلَّمَ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ قَالَ أَحْمَدُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ لَيْسَ هُوَ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا تَأْوِيلُهُ قَوْلُ اللَّهِ { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْكَذِبِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُهُ مِنْ الْكَذِبِ قَالَ مُوسَى { سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } وَلَمْ يَصْبِرْ فَسَلِمَ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
انْتَهَى .
( وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ تَقْيِيدُهُ ) أَيْ جَوَازِ الْفَصْلِ ( بِالْمَجْلِسِ ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَطَاءً وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَفِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ لِلْهِدَايَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ ( لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ ) أَيْ لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ ( لَمْ يُعَيِّنْ تَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْذَ الضِّغْثِ ) ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ وَضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِهِ فِي حَلِفِهِ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ لَمَّا ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَأَبْطَأَتْ عَلَى مَا رُوِيَ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى حُكِيَ

أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ أَرَادَ مَرَّةً الْخُرُوجَ مِنْ بَغْدَادَ فَاجْتَازَ فِي بَعْضِ سِكَكِهَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ بَاقِلَاءُ ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ لَوْ صَحَّ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } بَلْ كَأَنْ يَقُولَ اسْتَثْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّحَيُّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا ( وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( مُقْتَصِرًا ) عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّكْفِيرِ ( إذْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) التَّكْفِيرُ ( مُخَلِّصًا ) مِنْ عُهْدَةِ الْيَمِينِ بَلْ كَأَنْ يَقُولَ فَلْيَسْتَثْنِ أَوْ لِيُكَفِّرْ خُصُوصًا ( مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرَ لَهُمْ دَائِمًا ) كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْلَى مِنْ التَّكْفِيرِ لِعَدَمِ الْحِنْثِ الَّذِي هُوَ عُرْضَةُ الْإِثْمِ وَحَيْثُ قَالَهُ ( بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا ) دَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا .
( وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ وَدَعْوَى إلْحَاقِهِ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ حِينِ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ ) أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ ثَانِي الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ فِي مُخَالَفَةِ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ الِانْفِصَالِ ( بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ ) فَقَالَ هَذَا يَرْجِعُ عَلَيْك أَفَتَرْضَى لِمَنْ يُبَايِعُك بِالْأَيْمَانِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِك فَيَسْتَثْنِيَ فَاسْتَحْسَنَهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي أَغْرَاهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَأَنَّهُ

أَجَابَهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ قَالَ نِعْمَ مَا قُلْت ، وَغَضِبَ عَلَى بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ ( قَالُوا : أَلْحَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ { لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ سَنَةٍ } قُلْنَا بِتَقْدِيرِ اسْتِئْنَافٍ لَأَغْزُوَنَّ ) أَيْ هُوَ مُلْحَقٌ بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ هُوَ لَأَغْزُوَنَّ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا ( وَحَمْلُهُ ) أَيْ الْفَصْلَ ( عَلَى السُّكُوتِ الْعَارِضِ مَعَ نَقْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مُمْتَنِعٌ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قُلْت لَكِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ بِلَفْظِ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ } كَمَا هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ ، وَإِرْسَالِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا لَمْ يَغْزُهُمْ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ وَكَانَ ثَابِتًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ ؛ لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَعَابُوا عَلَيْهِ أَحَادِيثَ كَانَ يَصِلُهَا ، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ .
وَأَمَّا ذِكْرُ السَّنَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ مَعَ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يُكَفِّرْ ، وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ ( قَالُوا { سَأَلَهُ الْيَهُودُ عَنْ مُدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ فَقَالَ غَدًا أُجِيبُكُمْ فَتَأَخَّرَ الْوَحْيُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أُنْزِلَ وَلَا تَقُولَنَّ الْآيَةَ فَقَالَهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ } وَلَا كَلَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ إلَّا قَوْلُهُ غَدًا أُجِيبُكُمْ وَلَوْلَا صِحَّةُ الِانْفِصَالِ لَمَا ارْتَكَبَ هَذَا ( قُلْنَا ) هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الْمَغَازِي الْكُبْرَى لِابْنِ إِسْحَاقَ بِسِيَاقٍ فِي بَعْضِهِ مَا يُنْكَرُ وَفِي سَنَدِهِ مُبْهَمٌ ،

وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ : وَلَمْ أَرَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِ .
انْتَهَى .
ثُمَّ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ عَوْدِهِ إلَى غَدًا أُجِيبُكُمْ وَكَيْفَ وَقَدْ انْقَضَى الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ بِالْإِجَابَةِ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيَّامٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِمُسْتَأْنَفٍ مُقَدَّرٍ نَحْوُ أُجِيبُكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ ( كَالْأَوَّلِ جَمْعًا ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا ( وَيَجُوزُ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا ( أَمْتَثِلُ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أُعَلِّقُ كُلَّ مَا أَقُولُ إنِّي فَاعِلُهُ غَدًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُقَالُ افْعَلْ كَذَا فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ أَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
( وَكَوْنُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَرَبِيًّا ) فَصِيحًا وَقَدْ قَالَ بِهِ فَيُتْبَعُ ( مُعَارَضٌ بِعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ) الْمَقْطُوعِ بِعَرَبِيَّتِهِمْ وَفَصَاحَتِهِمْ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ ، وَإِلَّا لَنُقِلَ عَنْهُمْ كَمَا عَنْهُ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ مُرَادُهُ ) أَيْ ابْنِ عَبَّاسِ بِجَوَازِ الِانْفِصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءُ ( الْمَأْمُورُ بِهِ ) ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } بِأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا أَفْعَلُ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ حِينٍ أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا ، وَإِنَّمَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ إلَّا مُتَلَبِّسًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَائِلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَكُونُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَأْمُورًا بِهِ عِنْدَ قَوْلِ إنِّي فَاعِلٌ أَوْ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْلِهِ { وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } إذَا فُسِّرَ بِاذْكُرْ مَشِيئَةَ رَبِّك بِأَنْ قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَرَطَ مِنْك نِسْيَانٌ لِذَلِكَ وَالْمَعْنَى إذَا نَسِيت كَلِمَةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَتَنَبَّهْت عَلَيْهَا فَتَدَارَكْهَا بِالذِّكْرِ

وَيُؤَيِّدُ هَذَا ظَاهِرُ مَا سَلَفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ وَأَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ أَنْ يَقُولَ فِي كَلَامِهِ أَوْ حَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِيَكُونَ آتِيًا بِسُنَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى وَلَوْ بَعْدَ الْحِنْثِ لَا أَنَّهُ يَكُونُ رَافِعًا لِحِنْثِ الْيَمِينِ وَمُسْقِطًا لِلْكَفَّارَةِ .
( وَقِيلَ لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى { وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيتَ } قَالَ : إذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إذَا ذَكَرْت قَالَ هِيَ خَاصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِأَحَدِنَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي صِلَةٍ مِنْ يَمِينِهِ .
نَعَمْ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُدَلِّسًا ، وَهُوَ فِيهِ وَقَدْ عَنْعَنَ فَلَا ضَيْرَ عَلَى أُصُولِ مَشَايِخِنَا لِكَوْنِهِ ثِقَةً أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ وَيَتَأَكَّدُ رُجْحَانُ هَذَا عَلَى ذَلِكَ فِي ذَاكَ لِمَا فِي ذَاكَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَمَا يَلْزَمُهُ الْبَاطِلُ الَّذِي يُجَلُّ عَنْهُ مَكَانَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سَعَةِ الْعِلْمِ وَسَلَامَةِ الْفَهْمِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَحِكَايَةُ الْمَنْصُورِ تُبْعِدُهُمَا ) أَيْ كَوْنَ مُرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَأْمُورَ بِهِ ، وَكَوْنَهُ لَمْ يَقُلْهُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَحَدِهِمَا مَا كَانَ الْمَنْصُورُ مُعَاتِبًا لِلْإِمَامِ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ وَلَا الْإِمَامُ مُجِيبًا لَهُ بِمَا أَجَابَهُ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ ثَبَتَتْ الْحِكَايَةُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ثُمَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْمَنْصُورَ لَمْ يَعْلَمْ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِظَاهِرِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ هَذَا الَّذِي فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ

آخِرًا ، وَأَنَّ الْإِمَامَ بَادَرَ بِدَفْعِهِ تَنَزُّلًا لِظُهُورِ أَنَّهُ أَدْفَعُ لِاعْتِرَاضِهِ وَأَقْطَعُ لِشَغَبِهِ وَصَوْلَتِهِ أَوْ لِعَدَمِ وُصُولِ هَذَا إلَيْهِ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَاعْلَمْ أَنَّ الْتِزَامَ الْجَوَابِ عَنْ فَصْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) إنْ شَاءَ اللَّهُ عَمَّا أَلْحَقَهُ بِهِ ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى ) أَيْ مَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ ( إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ خِلَافُهُ فَهُوَ ) حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءٌ ( مِنْ الْأَحْوَالِ ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ أَفْعَلُ كَذَا فِي كُلِّ حَالٍ لَهُ إلَّا فِي حَالِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ ( أَوْ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ( لَا فَرْقَ ) بَيْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الِاتِّصَالِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ ( فَلَيْسَ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ ( مِنْ مَفْهُومِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ ، وَهُوَ الْفَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَظَنِّي أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَذْهَبْ إلَى سِوَاهُمَا وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى } .

( مَسْأَلَةٌ : ) الِاسْتِثْنَاءُ ( الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِهِ ، وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلتَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ لِقَوْلِهِ ( وَفَصَلَهُ ) أَيْ الْمُسْتَغْرِقَ ( الْحَنَفِيَّةُ إلَى مَا بِلَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ ) فِي الْمَفْهُومِ كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي أَوْ إلَّا مَمَالِيكِي ( فَيَمْتَنِعُ وَمَا بِغَيْرِهِمَا ) وَلَوْ مُسَاوِيًا فِي الْوُجُودِ وَأَخُصُّ فِي الْمَفْهُومِ ( كَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ أَوْ إلَّا سَالِمًا وَغَانِمًا وَرَاشِدًا ، وَهُمْ الْكُلُّ وَكَذَا نِسَائِي ) طَوَالِقُ ( إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ ) وَفُلَانَةَ أَوْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ ( فَلَا ) يَمْتَنِعُ فَلَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ قَالُوا ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ طَلْقَةً كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا يَقَعُ سِوَى وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ لَا صِحَّةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الثَّلَاثِ ( وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ ، وَمَنَعَهُمَا ) أَيْ الْأَكْثَرَ وَالنِّصْفَ ( الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي ) أَوَّلًا وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ خَصَّ الْقَاضِي آخَرَ أَوْ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ الْمَنْعَ بِالْأَكْثَرِ ( وَقِيلَ إنْ كَانَ ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( عَدَدًا صَرِيحًا ) يَمْتَنِعُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ كَعَشَرَةٍ إلَّا سِتَّةٌ أَوْ إلَّا خَمْسَةٌ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرِيحٍ لَا يَمْتَنِعَانِ فِيهِ كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَّا الْجُهَّالَ ، وَهُمْ أَلْفٌ ، وَالْعَالِمُ فِيهِ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ إلَى الْوَاحِدِ ، وَقَالَ

ابْنُ عُصْفُورٍ يَمْتَنِعُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْعَدَدِ مُطْلَقًا ( لَنَا فِي غَيْرِ الْعَدَدَ { إِن عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنْ اتَّبَعَك } ، وَهُمْ ) أَيْ مُتَّبِعُوهُ ( أَكْثَرُ ) مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ ( لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ } الْآيَةَ ) فَإِنْ قُلْت إمَّا أَنْ يُرَادَ بِعِبَادِي مَا يَعُمُّ الْمَلَكَ وَالْإِنْسَ وَالْجِنَّ ، وَحِينَئِذٍ فَمُتَّبِعُوهُ أَقَلُّ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ قُلْت الْمُرَادُ بِعِبَادِي هُنَا بِقَرِينَةِ سَوْقِ الْآيَةِ الْإِنْسُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ وَمُتَّبِعُوهُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْهُمْ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْت اللَّامُ فِي النَّاسِ فِيهَا لِلْعَهْدِ ، وَهُمْ الْمَوْجُودُونَ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُتَّبِعِينَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ عَامَّةِ بَنِي آدَمَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُرَادِينَ بِقَوْلِهِ { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ .
قُلْت : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّامَ فِي النَّاسِ لِلْعَهْدِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ وَمُلَاحَظَةُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَاهِدَةٌ بِإِرَادَةِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى مَعَ مُؤَكِّدِهِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ( { وَكُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته } ) كَمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ طَوِيلٍ رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَكْثَرُ مِمَّنْ لَمْ يُطْعِمْهُ ( وَمِنْ الْعَدَدِ إجْمَاعُ ) فُقَهَاءِ ( الْأَمْصَارِ عَلَى لُزُومِ دِرْهَمٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَّا تِسْعَةٌ قَالُوا عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ مُسْتَقْبَحٌ عَادَةً أُجِيبَ اسْتِقْبَاحُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ كَعَشَرَةٍ إلَّا دَانَقًا وَدَانَقًا إلَى عِشْرِينَ ) دَانَقًا ، وَهُوَ سُدُسُ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ مُسْتَقْبَحٌ وَلَيْسَ اسْتِقْبَاحُهُ

لِأَجْلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْكُلِّ بَلْ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ مَعَ إمْكَانِ الِاخْتِصَارِ .
( وَالْحَاصِلُ صَرْفُ الْقُبْحِ إلَى كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ لَا إلَى مَعْنَاهُ ) وَاحْتَجَّ ابْنُ عُصْفُورٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا لَخَرَجَتْ عَنْ نُصُوصِيَّتِهَا ، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْأَلْفِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ اللَّبْسُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى جِهَةِ التَّكْثِيرِ فَيُقَالُ اُقْعُدْ أَلْفَ سَنَةٍ أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا فَتَبَيَّنَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِلتَّكْثِيرِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلتَّكْثِيرِ وَقَوَّاهُ قَوْلُ أَبِي حَيَّانَ لَا يَكَادُ يُوجَدُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عَدَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَقَدْ طَالَعْتُ كَثِيرًا مِنْ دَوَاوِينِ الْعَرَبِ جَاهِلِيهَا ، وَإِسْلَامِيِّهَا فَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى اسْتِثْنَاءٍ مِنْ عَدَدٍ .
ا هـ .
وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ التَّجَوُّزِ بِاسْمِ الْعَدَدِ فِي جُزْئِهِ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ لَفْظِ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ النَّصِّ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ ، وَأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ نَصٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ اللَّبْسَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّحَقُّقِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الِاسْمُ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِ مَدْلُولِهِ احْتِمَالًا مُتَسَاوِيًا ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَخْرُجُ النَّصُّ عَنْ النَّصِّيَّةِ ، وَالْعَجَبُ تَجْوِيزُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَلْفِ التَّكْثِيرُ وَمَنْعُ تَجْوِيزِهِ أَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَدْلُولِهِ النَّصِّيِّ فَإِنْ كَانَ كَوْنُهُ نَصًّا فِي مَدْلُولِهِ مَانِعًا مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيَكُنْ مَانِعًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي

بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي التَّكْثِيرِ لَا فِي بَعْضِهِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ عَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهُ فِي بَعْضِهِ وَكَيْفَ لَا وَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَلْفَ فِيهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِهِ لَا أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ التَّكْثِيرُ اتِّفَاقًا ثُمَّ قِلَّةُ الْوُقُوعِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيَّةِ ) ( شَرْطُ إخْرَاجِهِ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى بَعْضًا ( مِنْ الْمُوجَبِ ) أَيْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( قَصْدًا لَا ضِمْنًا ) أَيْ لَا تَبَعًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَقْتَصِرُ عَمَلُهُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ ( فَلِذَا ) الشَّرْطِ ( أَبْطَلَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا ) أَيْ بِالْخُصُومَةِ ( لِأَنَّ ثُبُوتَهُ ) أَيْ الْإِقْرَارِ لِلْوَكِيلِ ( بِتَضَمُّنِ الْوَكَالَةِ إقَامَتَهُ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ الْوَكِيلَ ( مَقَامَ نَفْسِهِ ) لَا بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَدْخُلُ فِي الْخُصُومَةِ قَصْدًا حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ مِنْهَا ، وَلِهَذَا قَالَ : لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَمَا لَا يَخْتَصُّ إقْرَارُ الْمُوَكِّلِ بِهِ ( إذْ الْخُصُومَةُ لَا تَنْتَظِمُهُ ) أَيْ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَمُوَافَقَةٌ ، وَالْخُصُومَةُ مُنَازَعَةٌ وَإِنْكَارٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ ( وَإِنَّمَا أَجَازَهُ ) أَيْ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ مِنْهَا ( مُحَمَّدٌ ) لِوَجْهَيْنِ : الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ( لِاعْتِبَارِهَا ) أَيْ الْخُصُومَةِ ( مَجَازًا فِي الْجَوَابِ ) مُطْلَقًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنَازَعُوا } فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ ، وَمُطْلَقُ الْجَوَابِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ سَبَبٌ لِلْجَوَابِ ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ ( فَكَانَ ) الْإِقْرَارُ ( مِنْ أَفْرَادِهِ ) أَيْ مُطْلَقِ الْجَوَابِ ، قَالُوا : وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا يَكُونُ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا ، وَعَلَى هَذَا مَا فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ ، وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ فِي كَلَامٍ مُنْفَصِلٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ ، وَأَمَّا مَا فِيهِمَا أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ ، فَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ مَوْصُولًا

فَكَيْفَ يَصِحُّ مَفْصُولًا ، ثُمَّ جَوَازُهُ مَوْصُولًا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ مِنْ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ لَا مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ وَفِي الْمَنْبَعِ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ فِي عَقْدِ التَّوْكِيلِ إنَّمَا جَازَ لِحَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، فَلَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لَتَضَرَّرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ التَّوْكِيلِ مِنْ الطَّالِبِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْإِقْرَارِ عَمَلٌ بِحَقِيقَةِ اللُّغَةِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَقْرِيرًا لِمُوجَبِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بَيَانُ تَقْرِيرٍ لَا اسْتِثْنَاءٍ عَلَى هَذَا يَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا ( وَعَلَى هَذَا ) الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لِمُحَمَّدٍ ( صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ عِنْدَهُ ) أَيْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لِشُمُولِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ لَهُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ ؟ لَمْ أَرَهُ ، وَالظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهُ مُغَيِّرٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِمَا سَنَذْكُرُ ( وَبَطَلَ ) اسْتِثْنَاؤُهُ ( عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ) أَيْ اسْتِثْنَاءَهُ ( مُسْتَغْرَقٌ ) إمَّا لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْخُصُومَةِ وَهَذَا مَا وَعَدَنَا بِهِ ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ : لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ تَبَعًا لِلْإِنْكَارِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ أَيْضًا بِخِلَافِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَمِنْ هُنَا يُعْرَفُ أَنَّ

كَوْنَ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، ثُمَّ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : يُشْكِلُ بِهَذَا مَا فِي مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالذَّخِيرَةِ : قَالَ وَكَّلْتُك بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، لَا رِوَايَةَ فِي هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ انْتَهَى .
فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِبُطْلَانِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ فَقَطْ رِوَايَةٌ بِبُطْلَانِهِ مَعَ الْإِقْرَارِ دَلَالَةً ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ فِيهِ بِعَيْنِهِ خُصُوصًا ثُمَّ فِيهِمَا ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ لَا : يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلٌ بِجَوَابِهَا ، وَجَوَابَهَا إقْرَارٌ وَإِنْكَارٌ فَإِذَا اسْتَثْنَى كِلَيْهِمَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ شَيْئًا ، وَبَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ الْقَاضِي صَاعِدٌ : يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَصِيرُ الْوَكِيلُ وَكِيلًا بِالسُّكُوتِ مَتَى حَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ يُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ وَهُوَ خَصْمٌ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْخَصْمِ كَافٍ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالْإِنْكَارِ ، وَلِلْمَطْلُوبِ نَوْعُ فَائِدَةٍ أَيْضًا كَمَا فِيمَا لَوْ ادَّعَى الطَّالِبُ الْبَيْعَ - وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُهُ فَإِنَّ الطَّالِبَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْبَيْعِ إذَا سَكَتَ وَكِيلُ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالْبَيْعِ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ الْبَيْعَ ، فَإِنَّ إنْكَارَ الْوَكِيلِ كَإِنْكَارِهِ فَعَلَى هَذَا فَالْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَائِلُونَ

بِصِحَّتِهَا فِي صُورَةِ انْفِرَادِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَقَّبَ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( جُمَلًا ) مُتَعَاطِفَةً ( بِالْوَاوِ وَنَحْوِهَا ) وَهِيَ الْفَاءُ ، وَثُمَّ ، وَحَتَّى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فَإِنَّهُ قَسَّمَ حُرُوفَ الْعَطْفِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ، أَحَدُهَا هَذِهِ قَالَ : وَهِيَ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا خِلَافُ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا فِي الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَتَنْدَرِجُ الْجَمَلُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ قَطْعًا .
ثَانِيهَا " بَلْ " ، وَ " لَا " ، وَ " لَكِنْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بِعَيْنِهِ ، نَحْوُ : قَامَ الْقَوْمُ لَا النِّسَاءُ وَبَلْ النِّسَاءُ وَمَا قَامَ الْقَوْمُ لَكِنْ النِّسَاءُ فَالْقَائِمُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : لَا يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَنْدَرِجَا فِي الْحُكْمِ ، وَالْعَوْدُ عَلَيْهِمَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُمَا مَعًا مَحْكُومٌ عَلَيْهِمَا ، إحْدَاهُمَا بِالنَّفْيِ وَالْأُخْرَى بِالثُّبُوتِ ، فَالْمَنْفِيُّ مَا بَعْدَ لَا وَمَا قَبْلَ لَكِنْ وَبَلْ .
ثَالِثُهَا " أَوْ " وَ " إمَّا " وَ " أَمْ " وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ ، نَحْوُ : قَامَ الْقَوْمُ أَوْ النِّسَاءُ ، أَوْ أَمْ النِّسَاءُ ، وَإِمَّا قَامَ الْقَوْمُ وَإِمَّا النِّسَاءُ ، فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْآخَرِ بِالنَّفْيِ وَلَا بِالثُّبُوتِ فَلَا يَتَأَتَّى الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَنْدَرِجَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ ، فَعَلَى هَذَا عِبَارَةُ مَنْ قَيَّدَ بِالْوَاوِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ - غَيْرُ جَامِعَةٍ ، وَعِبَارَةُ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ عَقِبَ الْجُمَلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلْعَطْفِ أَصْلًا كَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ - أَوْ كَوْنَهُ عَقِبَ جُمَلٍ عُطِفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِأَيِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ كَانَ

كَالْقَاضِي وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ - غَيْرُ مَانِعَةٍ ، نَعَمْ يَشْهَدُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ كَمَا مَثَّلَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَإِذَا عُرِفَ هَذَا ( فَالشَّافِعِيَّةُ ) بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا عَلَى مَا فِي تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ وَأَحْمَدُ كَمَا ذَكَرَ الطُّوفِيُّ ( يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ ظَاهِرًا ، وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ ) وَعَبْدِ الْجَبَّارِ عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ : إنَّهُ حَقٌّ ( إنْ ظَهَرَ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَلِلْأَخِيرِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ( فَلِلْكُلِّ ) وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ ظُهُورِهِ بِوَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ ( كَكَوْنِ الثَّانِي ضَمِيرَ الْأَوَّلِ ) أَيْ الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الِاسْمِ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ( وَلَوْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْكَلَامَانِ ( فِيمَا يُذْكَرُ ) أَيْ فِي النَّوْعِ وَالْحُكْمِ وَالِاسْمِ ، وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ ( أَوْ اشْتَرَكَا ) أَيْ الْكَلَامَانِ ( فِي الْغَرَضِ وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِيلِ ( قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا نَوْعًا وَحُكْمًا ، وَاشْتَرَكَا فِي الْغَرَضِ وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالِانْتِقَامُ فَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ ( إلَّا بِتَفْصِيلِ الْقَرِينَةِ ) الدَّالَّةِ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ ( إلَى اخْتِلَافِهِمَا ) أَيْ الْكَلَامَيْنِ ( نَوْعًا بِالْإِنْشَائِيَّةِ وَالْخَبَرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيَقْتَضِي ) قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ ( فِي : أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَبَنُو تَمِيمٍ مُكْرَمُونَ إلَّا زَيْدًا أَنَّ إكْرَامَهُ ) أَيْ زَيْدٍ ( مَطْلُوبٌ غَيْرُ وَاقِعٍ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ فِيهِمَا الِاخْتِلَافُ نَوْعًا لَا غَيْرُ أَوْ حُكْمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ نَوْعًا يَسْتَلْزِمُ الِاخْتِلَافَ حُكْمًا كَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ التَّفْتَازَانِيُّ ( أَوْ ) اخْتِلَافَهُمَا ( اسْمًا بِوُجُودِ ) الِاسْمِ ( الصَّالِحِ لِتَعَلُّقِهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ

( فِي الثَّانِيَةِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ ) الِاسْمِ ( الْأَوَّلِ ) فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى ( أَوْ ) اخْتِلَافَهُمَا ( حُكْمًا ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ بِهِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ الْمَحْكُومِ بِهِ فِي الْأُخْرَى ، وَمُلَخَّصُ هَذَا أَنَّ الْمُشْعِرَ بِالْإِضْرَابِ اخْتِلَافُهُمَا نَوْعًا أَوْ اسْمًا أَوْ حُكْمًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ اسْمُ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ضَمِيرَ اسْمِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْغَرَضِ وَأَنْ لَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَنْعُ الْجَمْعِ فَقَدْ تَجْتَمِعُ جَمِيعُهَا وَقَدْ يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا ، وَأَنَّ الْمُشْعِرَ بِعَدَمِ الْإِضْرَابِ انْتِفَاءُ الِاخْتِلَافِ رَأْسًا أَوْ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ ، وَالْأَمْثِلَةُ غَيْرُ خَافِيَةٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ ( إذْ حَاصِلُهُ ) أَيْ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ ( تَعَلُّقُهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( بِالْكُلِّ إلَّا بِقَاصِرٍ ) عَلَى الْأَخِيرَةِ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ أَبَا الْحُسَيْنِ ( جَعَلَ ذَلِكَ ) الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا ( قَاصِرًا ) لِلِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْأَخِيرَةِ ( فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ فَالْخِلَافُ فِي شَيْءٍ آخَرَ ) فَحَاصِلُ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ - كَمَا قَالَ - أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي الْحُسَيْنِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ يَمْنَعُ صَرْفَهُ إلَى الْكُلِّ كَانَ لِلْأَخِيرِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ حَصْرَ الْأَدِلَّةِ أَيْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى مَنْعِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ وَعَدَدِهِ فَإِنْ سَلَّمُوا ذَلِكَ فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَخِلَافٌ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَلْ كَذَا وَكَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ ، أَوْ لَا يَلْزَمُ دَلِيلًا عَلَيْهِ ( وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَالْمُرْتَضَى ) وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ يَتَعَلَّقُ ( بِالْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا قِيلَ ) وَقَائِلُهُ بِمَعْنَاهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( فَالْحَنَفِيَّةُ لِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ ) عَلَى الْأَخِيرَةِ لِمَا

سَيَأْتِي ( وَالْآخَرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الشُّمُولِ ) لِلْكُلِّ ( إمَّا لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ إخْرَاجِهِ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ وَالْكُلِّ ) أَيْ وَبَيْنَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَوْدُهُ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } وَعَوْدُهُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } إلَى قَوْلِهِ { إلَّا مَنْ تَابَ } وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُرْتَضَى إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ عَوْدِهِ إلَى مَا يَلِيهِ فَقَطْ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ فِيهَا عَائِدٌ إلَى الْأُولَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَيُحْتَاجُ إلَى شَاهِدٍ غَيْرِهَا ، فَقِيلَ : قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا ، قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِصَاصِهِ بِالْأَخِيرَةِ مَعَ إمْكَانِ عَوْدِهِ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا قَبْلَهَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَاسْتَشْهَدَ الْقَرَافِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا امْرَأَتَك } قَالَ قُرِئَ بِالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءً مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ وَتَكُونُ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَتْ قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ ، ا هـ .
وَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَوْدُهُ إلَى الْأُولَى وَلَا ضَيْرَ فِي كَوْنِ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ عَلَى النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَدَلِ ، أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الْقُرَّاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَقْوَى وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي دُونَهُ بَلْ الْتَزَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعَ

الْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْأَقْوَى وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ الرَّفْعُ لِأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْبَدَلِ ثُمَّ هِيَ الْأَوْلَى لِأَنَّ بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأُولَى كَلَامٌ مُوجَبٌ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أَوْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ ( كَذَلِكَ ) أَيْ لُغَةً رَاجِعٌ إلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً ( أَوْ مَا يَلِيهِ ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ لَا غَيْرُ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ ( فَلَزِمَ مَا يَلِيهِ ) عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ ( وَمَا قِيلَ ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَعَ ) ظُهُورِ ( قَرِينَةِ الِانْقِطَاعِ ) لِلْأَخِيرَةِ عَمَّا قَبْلَهَا يَكُونُ ( لِلْأَخِيرَةِ وَ ) مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ ( الِاتِّصَالِ ) أَيْ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا يَكُونُ ( لِلْكُلِّ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إحْدَاهُمَا ( فَالْوَقْفُ مَذْهَبُ الْوَقْفِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إخْرَاجِهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالْعَمَلِ بِالْقَرِينَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعَى فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَمَا زِيدَ مِنْ ظُهُورِ الْعَدَمِ ) أَيْ عَدَمِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا بِظُهُورِ الِاقْتِصَارِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ بَلْ ( أُخِذَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( بِأَنَّ شَرْطَهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( الِاتِّصَالُ ، وَهُوَ ) أَيْ الِاتِّصَالُ ( مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ) لِتَخَلُّلِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِيهَا وَتَخَلُّلِهِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُمَا وَهَلُمَّ جَرًّا .
( وَمُقْتَضَاهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ( عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا ) فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا عَدَاهَا ( بَاطِلٌ إذْ لَا يَمْتَنِعُ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ ) إذْ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّهُ إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ تَعَلَّقَ بِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ لُغَةً

تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ ( وَأَمَّا دَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ( بِأَنَّ الْجَمِيعَ كَالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ ) أَيْ الْجُمَلَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ ( إلَى آخِرِهِ ) أَيْ كَالْمُفْرَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فِيهِ إلَى جُزْئِهِ فَكَذَا فِي الْجُمَلِ لَا يَعُودُ إلَى بَعْضِهَا ( وَسَيَبْطُلُ وَ ) مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ ( بِقَوْلِهِمْ : عَمَلُهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( ضَرُورِيٌّ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ ) بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِالْعَوْدِ إلَى وَاحِدَةٍ ( وَالْأَخِيرَةُ مُنْتَفِيَةٌ اتِّفَاقًا وَمَا بِالضَّرُورَةِ ) يُقَدَّرُ ( بِقَدْرِهَا ) فَتَتَعَيَّنُ الْأَخِيرَةُ .
( وَمُنِعَ ) هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ عَمَلَهُ ( وَضْعِيٌّ ) لَا ضَرُورِيٌّ ( قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ ) أَنَّهُ وَضْعِيٌّ ( فَلِمَا يَلِيهِ فَقَطْ أَوْ الْكُلِّ فَمَمْنُوعٌ ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا يَلِيهِ ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَعَدَمُ الِاشْتِرَاكِ ( فَاللَّازِمُ لُزُومُهُ مِنْ الْأَخِيرَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِيمَا قَبْلَهَا إلَى الدَّلِيلِ ) الدَّالِّ عَلَى عَوْدِهِ إلَيْهِ ( وَأَيْضًا بِدَفْعِ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَنْدَفِعُ الْمَطْلُوبُ ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ ( فَلْيَكُنْ الْمَطْلُوبُ مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ ادِّعَاءِ ظُهُورٍ فِي عَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا ، إذْ الْغَرَضُ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِعَدَمِ رُجُوعِهِ إلَى الْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي خُصُوصِ مَوَارِدِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( حُكْمُ الْأُولَى مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ ) أَيْ حُكْمِهَا ( عَنْ الْبَعْضِ ) أَيْ بَعْضِهَا ( بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ لِلشَّكِّ فِي تَعَلُّقِهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْبَعْضِ إمَّا ( لِوَجْهِ الِاشْتِرَاكِ ) أَيْ الْقَوْلِ بِهِ وَهُوَ ( اُسْتُعْمِلَ ) الِاسْتِثْنَاءُ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْأَخِيرَةِ وَالْكُلِّ ( وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ) وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا ذِكْرُ دَلِيلِ الْقَائِلِ

بِالْوَقْفِ فِيمَا سِوَى الْأَخِيرَةِ لِلِاشْتِرَاكِ ضِمْنًا ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْوَجْهُ ( إنَّمَا يُفِيدُ لُزُومَ التَّوَقُّفِ فِيهَا ) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ ( لَا ظُهُورَ الْعَدَمِ ) فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ ( أَوْ دَافِعُهُ ) أَيْ الْوَجْهُ دَافِعُ الِاشْتِرَاكِ الْقَائِلُ ( الْمَجَازُ خَيْرٌ ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَلْيَكُنْ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مَجَازًا ( فَيُفِيدُهُ ) أَيْ ظُهُورَ الْعَدَمِ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ إلَى الدَّلِيلِ عَلَى تَعَلُّقِهِ فِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا ( وَإِبْطَالُهُ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ ( بِقَوْلِهِمْ لَا يَقِينَ مَعَ تَجْوِيزِهِ لِلْكُلِّ يُدْفَعُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْمُخَصِّصِ ) مِنْ أَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَفَادَهُ إرَادَةُ الْكُلِّ فَمَعَ عَدَمِهَا يَلْزَمُ إخْبَارُ الشَّارِعِ أَوْ إفَادَتُهُ لِثُبُوتِ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَهُوَ بَاطِلٌ ( أَوْ بِإِرَادَةِ الظُّهُورِ بِهِ ) أَيْ الْيَقِينِ ( وَمَا قِيلَ ) - فِي مُعَارَضَتِهِ - ( الْأَخِيرَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ ) أَيْ حُكْمُهَا مُتَيَقَّنٌ وَرَفْعُهُ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَشْكُوكٌ ( لِجَوَازِ رُجُوعِهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( إلَى الْأَوَّلِ بِالدَّلِيلِ قُلْنَا الرَّفْعُ ظَاهِرٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَلِذَا ) أَيْ وَلِظُهُورِهِ فِيهَا ( لَزِمَ فِيهَا اتِّفَاقًا فَلَوْ تَمَّ ) هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي قِيلَ ( تَوَقَّفَ فِي الْكُلِّ وَهُوَ ) أَيْ التَّوَقُّفُ فِيهِ ( بَاطِلٌ ، وَحَاصِلُهُ ) أَيْ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ ( تَرْجِيحُ الْمَجَازِ فَفِيمَا يَلِيهِ ) أَيْ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَلِيهِ ( حَقِيقَةٌ وَفِي الْكُلِّ مَجَازٌ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا ) أَيْ مَا يَلِيهِ وَالْكُلِّ ( فَيَمْتَنِعُ لِلْفَصْلِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ( حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَفِي الْمَجَازِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَرِينَةِ ) فَتَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ ثُمَّ لَوْ وَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْكُلِّ مَجَازًا مَا عَلَاقَتُهُ فَالْجَوَابُ ( وَالْعَلَاقَةُ تَشْبِيهُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْكَلَامِ الْأَخِيرِ ( بِهِ ) أَيْ

بِالْأَخِيرِ ( لِجَمْعِ الْعَطْفِ بِخِلَافِ الِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا عَطْفٍ وَمَعَ الْإِضْرَابِ ) فَلَا يَصْلُحُ عَلَاقَةً ( وَمَا قِيلَ فِي وَجْهِهِ ) أَيْ التَّوَقُّفِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ( الْأَشْكَالِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ شَكْلٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ( تُوجِبُ الْإِشْكَالَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الِاشْتِبَاهُ كَمَا قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( فَمَعْنَاهُ ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ( يَخْرُجُ مِنْ الْأُولَى ) تَارَةً ( وَلَا يَخْرُجُ ) مِنْهَا أُخْرَى ( فَتَوَقَّفَ فِيهِ ) أَيْ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا ( اقْتَضَى أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا ) وَهُوَ بَاطِلٌ ( الشَّافِعِيَّةُ ) قَالُوا أَوَّلًا : ( الْعَطْفُ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ ) وَتَقَدَّمَ بَاقِي تَوْجِيهِهِ ( أُجِيبَ ) بِأَنَّ تَصْيِيرَ الْمُتَعَدِّدِ كَالْمُفْرَدِ دَائِمًا هُوَ ( فِي ) عَطْفِ ( الْمُفْرَدَاتِ ) بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْجَمْعِ فِي الْأَسْمَاءِ لَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْإِبْطَالُ الْمَوْعُودُ ( وَمَا يُقَالُ هِيَ ) أَيْ الْجُمَلُ ( مِثْلُهَا ) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ ( إذْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا ) أَيْ الْجُمَلِ ( مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ أَوْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَهَا مِثْلَهَا ( إذَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ النِّسْبَةِ فِيهَا ) أَيْ الْجُمَلِ ( وَهُوَ ) أَيْ اتِّحَادُ جِهَةِ النِّسْبَةِ فِيهَا ( الدَّلِيلُ ) عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ ( كَكَوْنِهَا ) أَيْ الْجُمَلِ ( صِلَةً ) لِلْمَوْصُولِ ، نَحْوُ اضْرِبْ الَّذِينَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَزَنَوْا إلَّا مَنْ تَابَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوجِبُ الِاتِّصَالَ وَالِارْتِبَاطَ لَا مُطْلَقًا ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ نَحْوَ ضُرِبَ بَنُو تَمِيمٍ وَبَكْرٍ شُجْعَانٌ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْمُفْرَدِ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( لَوْ قَالَ ) وَاَللَّهِ ( لَا أَكَلْت وَلَا شَرِبْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَلَّقَ ) إنْ شَاءَ اللَّهُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اتِّفَاقًا ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ

إنْ شَاءَ اللَّهُ ( شَرْطٌ ) لَا اسْتِثْنَاءٌ ( فَإِنْ أَلْحَقَ ) الشَّرْطَ ( بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( فَيُقَاسُ فِي اللُّغَةِ ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) صِحَّتُهُ ( فَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّرٌ تَقْدِيمُهُ ) عَلَى الْجَزَاءِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ( وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ لُزُومِهِ ) أَيْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ ( فَلِقَرِينَةِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ ) أَيْ دَلِيلُهُ ( الْحَلِفُ عَلَى الْكُلِّ ) عَادَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إلَى الْكُلِّ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيمَا كَانَ هَكَذَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا لَا قَرِينَةَ تُوجِبُ رُجُوعَهُ إلَى الْكُلِّ ، قِيلَ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ عَوْدَ الْمَشِيئَةِ إلَى الْكُلِّ فَيَصِيرُ ذِكْرُهَا قَرِينَةً مَعْنَوِيَّةً تَقْتَضِي الْعَوْدَ إلَى الْكُلِّ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ .
( قَالُوا ) ثَالِثًا ( قَدْ يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ عَائِدًا إلَى الْكُلِّ ( وَتَكْرَارُهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ لِكُلٍّ مِنْهَا ( يُسْتَهْجَنُ ) وَلَوْلَا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ التَّكْرَارِ لَمَا اُسْتُهْجِنَ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَيْهِ ( فَلَزِمَ ظُهُورُهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْجُمَلِ كُلِّهَا ( قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ ) بَيْنَ تَكْرَارِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ ( مَمْنُوعَةٌ لِمَنْعِ الِاسْتِهْجَانِ إلَّا مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ ) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ تَكْرَارًا خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ ، وَالْحُكْمُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ هُنَا مُتَعَدِّدٌ لَا مُتَّحِدٌ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ التَّكْرَارَ يُسْتَهْجَنُ ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ) التَّكْرَارُ ( طَرِيقًا ) لِإِفَادَةِ الْمُرَادِ ( فَلْيَنْصِبْ قَرِينَةَ الْكُلِّ أَوْ يُصَرِّحْ بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْكُلِّ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْكُلِّ كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْكُلِّ إلَّا

كَذَا فِي الْجَمِيعِ .
( قَالُوا ) رَابِعًا هُوَ ( صَالِحٌ ) لِلْجَمِيعِ ( فَالْقَصْرُ عَلَى الْأَخِيرَةِ تَحَكُّمٌ قُلْنَا : إرَادَتُهَا ) أَيْ الْأَخِيرَةِ ( اتِّفَاقٌ وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَالصَّلَاحِيَةُ لَا تُوجِبُ ظُهُورَهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( فِيهِ ) أَيْ الْكُلِّ ( كَالْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ ) فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيهِ .
( قَالُوا ) خَامِسًا ( لَوْ قَالَ : عَلَيَّ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ إلَّا سِتَّةً فَبِالْكُلِّ ) أَيْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ اتِّفَاقًا ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَقًا فَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ ( قُلْنَا بَعْدَ كَوْنِهِ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ( مُفْرَدًا ) وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ جَمَلًا ( أَوْجَبَهُ ) أَيْ كَوْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهَا ( تَعَيُّنُهُ لِلصِّحَّةِ ) إذْ لَوْ رَجَعَ إلَى الْأَخِيرَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا مَعَ زِيَادَةٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَهُوَ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَأَيْضًا مُدَّعَاكُمْ الْعَوْدَ إلَى كُلٍّ لَا إلَى الْجَمِيعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ : وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ وَلِلْأَخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ إذْ لَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلَا لِلْأَخِيرَةِ هَذَا ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ لِمُفْرَدَاتٍ مُتَعَاطِفَاتٍ إلَى جَمِيعِهَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ .

( تَنْبِيهٌ بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ ) فِي عَوْدِهِ عَلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ إلَّا لِدَلِيلٍ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ إلَّا لِدَلِيلٍ ( وُجُوبُ رَدِّ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) إذَا تَابَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ عِنْدَ مَنْ قَذَفَهُ بِهِ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَشْبَهُ ( لِقَصْرِ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } عَلَى مَا يَلِيهِ ) وَهُوَ ( { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } ) فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ لَا غَيْرُ وَيَبْقَى وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَةً أَبَدًا عَلَى حُكْمِهِ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ( رَدًّا لَهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( إلَيْهِ ) أَيْ مَا يَلِيهِ ( مَعَ لَا تَقْبَلُوا ) فَيَنْتَفِي عَنْهُ الْفِسْقُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ( وَلَوْ مُنِعَ الدَّلِيلُ مِنْ تَعَلُّقِهِ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ ( بِالْأَوَّلِ ) أَيْ فَاجْلِدُوهُمْ ( تَعَلَّقَ بِهِ ) أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْكُلِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ بَلْ ظَاهِرٍ يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وُجِدَ هُنَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَلْدَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ رَاجِحٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ حَتَّى يَسْقُطَ بِعَفْوِهِ وَيُورَثَ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطَ بِالتَّوْبَةِ فَيَنْدَفِعَ أَنْ يُقَالَ : فَيَنْتَفِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا عِنْدَهُمْ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِصْلَاحِ الِاسْتِحْلَالُ وَطَلَبُ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ وَعِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجَلْدُ فَيَصِحُّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ ( ثُمَّ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ( لِأَنَّ الْفَاسِقِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْ التَّائِبِينَ ) لِيُخْرَجُوا مِنْهُمْ فَالْمَعْنَى لَكِنَّ الَّذِينَ تَابُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ وَلَمْ يَرْحَمْهُمْ وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِينَ يَرْمُونَ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَ التَّائِبِينَ مِنْ حُكْمِ

الرَّامِينَ بَلْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمٍ آخَرَ لِلتَّائِبِينَ وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ .
( وَالْأَوْجَهُ مُتَّصِلٌ مِنْ { أُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } ( أَعْنِي الَّذِينَ يَرْمُونَ ) لِتَنَاوُلِهِمْ إيَّاهُمْ ثُمَّ إخْرَاجِهِمْ مِنْ حُكْمِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَيْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِهِ حَالَ اتِّصَافِهِمْ بِالتَّوْبَةِ لِلْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنْ لَا فِسْقَ مَعَ التَّوْبَةِ ، وَكَيْفَ لَا ؟ ، { وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِرِوَايَةِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا ، وَالْفِسْقُ هُوَ الْمَعْصِيَةُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الطَّاعَةِ فَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْفَاسِقِ الْفَاسِقَ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ ، وَانْتَفَى كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْفَاسِقِ الْفَاسِقَ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّ التَّائِبَ لَمْ يُخْرَجْ مِنْ حُكْمِ الْقَاذِفِينَ الَّذِي هُوَ الْفِسْقُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ .

( مَسْأَلَةُ الْجُمْهُورِ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمُجْمَلٍ ) أَيْ مُبْهَمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِجْمَالِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ( لَيْسَ حُجَّةً كَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ ) مَثَلًا مَعَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ، أَوْ هَذَا الْعَامُّ مَخْصُوصٌ أَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ كُلُّ مَا تَنَاوَلَهُ لَا أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا سَيَأْتِي ( وَبِمُبَيَّنٍ حُجَّةٌ فَخْرُ الْإِسْلَامِ حُجَّةٌ فِيهِمَا ظَنِّيَّةُ الدَّلَالَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَطْعِيَّهَا ) أَيْ الدَّلَالَةِ لِمَا مَضَى وَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَالْخَاصِّ ( وَقِيلَ يَسْقُطُ الْمُجْمَلُ ، وَالْعَامُّ ) يَبْقَى ( كَمَا كَانَ ) قَبْلَ لُحُوقِهِ بِهِ كَمَا عَلَيْهِ أَبُو الْمُعِينِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ بَرْهَانٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ( وَفِي الْمُبَيَّنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ إنْ كَانَ الْعَامُّ مُنْبِئًا عَنْهُ ) أَيْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ ( بِسُرْعَةٍ كَالْمُشْرِكِينَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ ) فَإِنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِالذِّمِّيِّ مُنْبِئٌ عَنْ الْبَاقِي الَّذِي هُوَ الْحَرْبِيُّ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَأَمُّلٍ فَهُوَ حُجَّةٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُنْبِئْ عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ ( فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ كَالسَّارِقِ لَا يُنْبِئُ عَنْ سَارِقِ نِصَابٍ وَمِنْ حِرْزٍ لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ ) أَيْ انْتِقَالِ الذِّهْنِ ( إلَيْهِمَا ) أَيْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ مِنْ إطْلَاقِ السَّارِقِ قَبْلَ بَيَانِ الشَّارِعِ فَإِذَا بَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ - أَعْنِي لَمْ يُحْكَمْ بِقَطْعِ الْيَدِ فِي صُوَرِ انْتِفَاءِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ أَوْ أَحَدِهِمَا إذْ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ شَرْعًا عِنْدَ ذَلِكَ - لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ أَيْضًا فِي صُورَةِ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ نِصَابًا مُحْرَزًا ( عَبْدُ الْجَبَّارِ إنْ لَمْ يَكُنْ ) الْعَامُّ ( مُجْمَلًا ) قَبْلَ التَّخْصِيصِ ( فَهُوَ حُجَّةٌ ) نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فَالْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ

بِالذِّمِّيِّ مُمْكِنٌ بِتَعْمِيمِ الْقَتْلِ لِكُلِّ مُشْرِكٍ ( بِخِلَافِ ) الْمُجْمَلِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ ، مِثْلُ أَقِيمُوا ( الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ بَعْدَ تَخْصِيصِ الْحَائِضِ مِنْهُ يَفْتَقِرُ ) إلَى الْبَيَانِ كَمَا كَانَ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ قَبْلَهُ لِإِجْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً ( الْبَلْخِيُّ مِنْ مُجِيزِي التَّخْصِيصِ بِمُتَّصِلٍ ) أَيْ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ ( حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِهِ ) أَيْ بِالْمُتَّصِلِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ كَالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ ( وَقِيلَ حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ ) وَهُوَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْخِلَافِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ ( أَبُو ثَوْرٍ لَيْسَ حُجَّةً مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ أَوْ بِمُنْفَصِلٍ أَنْبَأَ عَنْ الْبَاقِي أَوْ لَا احْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ أَوْ لَا هَذَا مَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ ( وَقِيلَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ لَيْسَ حُجَّةً ( إلَّا فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ ) أَيْ الْوَاحِدِ ( إذَا عُلِمَ ) أَيْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا ( كَالْكَرْخِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَعِيسَى بْنِ أَبَانَ أَيْ يَصِيرُ ) الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ ( مُجْمَلًا فِيمَا سِوَاهُ ) أَيْ أَخَصِّ الْخُصُوصِ ( إلَى الْبَيَانِ ) فَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ إلَى الْبَيَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ أَخَصُّ الْخُصُوصِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا ، غَيْرَ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِيسَى مُقَيَّدٌ بِرِوَايَةٍ وَفِي الْبَدِيعِ الْكَرْخِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَبْقَى حُجَّةً مُطْلَقًا إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْلُومِ ، انْتَهَى .
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ أَكْثَرَ الْحَنَفِيَّةِ - وَمِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَيْسَ تَخْصِيصًا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْكَشْفِ - بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَدَا أَبَا ثَوْرٍ - وَلَا قَوْلَ صَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا إنَّ مَذْهَبَ الْكَرْخِيِّ إذَا لَحِقَهُ خُصُوصٌ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23