كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

كَوْنِهِ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الشَّرْطِ ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الشَّرْطَ قَصْرُ عُمُومِ التَّقَادِيرِ الَّتِي لِحُكْمِ الْجَزَاءِ عَلَى بَعْضِهَا ، وَهُوَ مَا قُيِّدَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ فَصَارَ التَّرْكِيبُ الشَّرْطِيُّ دَالًّا عَلَى حُكْمِ الْجَزَاءِ الْمُقَيَّدِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ وَعَلَى عَدَمِ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِوَاهُ ( فَيَكُونُ النَّفْيُ ) أَيْ نَفْيُ حُكْمِ الْجَزَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ( مُضَافًا إلَيْهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّرْطَ ( دَلِيلُ التَّخْصِيصِ ) فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتِ وَالِانْتِفَاءِ حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ مَانِعًا مِنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ إلَى حِينِ الشَّرْطِ لَا مِنْ انْعِقَادِهِ سَبَبًا .
وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ ، لَا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَزَاءُ وَحْدَهُ ، وَالشَّرْطُ قَيْدٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ حَتَّى إنَّ الْجَزَاءَ إنْ كَانَ خَبَرًا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَإِنْشَائِيَّةٌ أَوْ غَيْرَ مُفِيدٍ حُكْمًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَضْلًا عَنْ الْحُكْمِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ بَلْ إنَّمَا مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ دَالٌّ عَلَى رَبْطِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ ، وَثُبُوتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الِانْتِفَاءِ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ ، وَكُلٌّ مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ جُزْءٌ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذَا وَبِمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( وَأَهْلُ النَّظَرِ يَمْنَعُونَ إفَادَتَهُ شَيْئًا ) أَيْ إفَادَةَ جَزَاءِ الشَّرْطِ فَائِدَةً تَامَّةً ( حَالَ وُقُوعِهِ ) جَزَاءً لِلشَّرْطِ بِدُونِهِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ الْجَزَاءُ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ وُقُوعِهِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ فَائِدَةً تَامَّةً بِدُونِهِ ( كَزَايِ زَيْدٍ ) مِنْ زَيْدٍ حَالَ كَوْنِهِ ( جَزَاءَ الْكَلَامِ الْمُفِيدِ ) وَإِنْ كَانَ الزَّايُ مِنْ زَيْدٍ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى أَصْلًا بِخِلَافِ

الْجَزَاءِ ( فَضْلًا عَنْ إيجَابِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ ) أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ عَلَى عُمُومِ التَّقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ تَخْصِيصًا وَقَصْرًا لَهُ عَلَى بَعْضِهَا

( وَالْمَجْمُوعُ ) أَيْ بَلْ مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عِنْدَهُمْ ( يُفِيدُ حُكْمًا مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ فَإِنَّمَا دَلَالَتُهُ ) أَيْ الْمَجْمُوعِ ( عَلَى الْوُجُودِ ) أَيْ وُجُودِ الْحُكْمِ ( عِنْدَ وُجُودِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا ( فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ) الشَّرْطُ ( بَقِيَ مَا قَيَّدَ وُجُودَهُ ) مِنْ الْحُكْمِ ( بِوُجُودِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ مُسْتَمِرًّا ( عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ ) الْكَائِنِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِعَدَمِ دَلِيلِ ثُبُوتِهِ لَا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّظْمِ فَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ ، وَأَصْحَابُنَا إلَى الثَّانِي ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ : لَوْ كَانَ مَعْنَى : إنْ ضَرَبَنِي زَيْدٌ ضَرَبْته أَضْرِبْهُ فِي وَقْتِ ضَرْبِهِ إيَّايَ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الضَّرْبُ مَعَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاءُ الْقَيْدِ أَعْنِي وَقْتَ ضَرْبِهِ إيَّاكَ لَمْ يَكُنْ الضَّرْبُ الْمُقَيَّدُ بِهِ وَاقِعًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَاذِبًا سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْك ضَرْبٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْرِبْك وَلَمْ تَضْرِبْهُ ، وَكُنْت بِحَيْثُ إنْ ضَرَبَك ضَرَبْته عُدَّ كَلَامُك هَذَا صَادِقًا عُرْفًا وَلُغَةً وَإِذَا وَقَعَ الْجَزَاءُ إنْشَاءً كَإِنْ جَاءَك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ كَانَ مُؤَوَّلًا أَيْ إنْ جَاءَك فَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ هُوَ أَنْ تُؤْمَرَ بِإِكْرَامِهِ عَلَى قِيَاسِ تَأْوِيلِهِ إذَا وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ يَظْهَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِمَنْ تَأَمَّلَ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ، وَهُوَ شَهِيدٌ .
ثُمَّ تَقَدَّمَ مَنْعُ كَوْنِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ ، وَوَجْهُ كَوْنِهِ مُؤَخَّرًا لِلْحُكْمِ فَقَطْ وَوُعِدَ رَدُّهُ وَسَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ، ثُمَّ لَمَّا نَظَّمَ كَثِيرٌ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ جَوَازَ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ قَبْلَ الْحِنْثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ

إبْطَالِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ وَتَجْوِيزِهِ تَعْجِيلَ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ يَنْعَقِدُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَأَثَرُ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ ثَمَّةَ وَذَكَرَهُ هُنَا مَقْرُونًا بِاعْتِذَارٍ لَهُمْ فِيهِ ثُمَّ بِالتَّعَقُّبِ لَهُ فَقَالَ ( وَأَمَّا تَفْرِيعُ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ ) أَيْ جَوَازِ تَعْجِيلِهَا لِلْيَمِينِ ( قَبْلَ الْحِنْثِ ) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا فَعَلُوهُ ( فَقُبِلَ ) لِأَنَّهُ مَبْنَاهُ ( بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ حَلَفَ فَلْيُكَفِّرْ إنْ حَنِثَ ( وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ ) فَإِنَّ سَائِرَ التَّكَالِيفِ الْمَنُوطَةِ بِأَسْبَابِهَا يَتَأَتَّى فِيهَا مِثْلُ هَذَا وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ إنَّمَا قَيَّدَهَا بِالْمَالِيَّةِ لِمُوَافَقَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى أَنَّ الْبَدَنِيَّةَ ، وَهِيَ الصَّوْمُ قَبْلَ الْحِنْثِ لَا يَجُوزُ ، وَفَرَّقَ لَهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْحَقُّ الْمَالِيُّ لِلَّهِ - تَعَالَى - يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ لِتَغَايُرِ الْمَالِ وَالْفِعْلِ فَجَازَ اتِّصَافُ الْمَالِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ ، وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَقِّ الْبَدَنِيِّ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ بَلْ نَفْسُ وُجُوبِهِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ هُنَا انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ .
وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ ، وَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ ( وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِهِ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ قَوْلُنَا ( لِعَقْلِيَّةِ

سَبَبِيَّةِ الْحِنْثِ ) لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ( لَا الْيَمِينِ ) أَيْ دُونَ عَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْيَمِينِ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي التَّحْقِيقِ لِسَتْرِ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَوْفِيرِ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى وَتَلَافِيهِ ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحِنْثِ لَا عَنْ الْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ، وَأَيْضًا أَقَلُّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ ( وَإِنْ أُضِيفَتْ ) الْكَفَّارَةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْحَلِفِ ( فِي النَّصِّ ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ : كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ فَإِنَّهَا مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى شَرْطِهِ تَوَسُّعًا ( كَإِضَافَةِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ) أَيْ الْإِضَافَةِ الَّتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ ( عِنْدَنَا ) فَإِنَّ عِنْدَنَا الْفِطْرَ شَرْطُهَا وَسَبَبُهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُهَا فَالْحِنْثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ ، وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شُرُوطِهِ فَلَا تَقَعُ وَاجِبَةً قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ ، وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا .
وَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَالزَّكَاةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ ، وَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَرْءُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ - تَعَالَى بِإِذْنِهِ ، وَالْمَالُ آلَةٌ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ كَمَنَافِعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ الْمَالِيُّ كَالْبَدَنِيِّ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ الْأَدَاءُ ، وَأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ

نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ نَقُولُ : ( وَوَجْهُهُ ) أَيْ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ سَبَبِيَّةِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ لِحُكْمِهِ ( أَوَّلًا أَنَّ السَّبَبَ ) لِلْحُكْمِ هُوَ ( الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ ) وَالطَّرِيقُ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ ( وَالتَّعْلِيقُ ) أَيْ وَتَعْلِيقُ الْجَزَاءِ الْمَفْرُوضِ سَبَبِيَّتُهُ فِي نَفْسِهِ لِحُكْمٍ بِشَرْطٍ ( مَانِعٍ مِنْ الْإِفْضَاءِ ) أَيْ إفْضَائِهِ إلَى حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ( لِمَنْعِهِ ) أَيْ التَّعْلِيقِ ( مِنْ الْمَحَلِّ ) أَيْ وُصُولِ الْمُعَلَّقِ إلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ وُقُوعُ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ .
( وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ أَسْبَابًا ) لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ كَمَا لَا تَكُونُ قَبْلَ تَمَامِهَا أَسْبَابًا كَمُجَرَّدِ إيجَابِ الْبَيْعِ فِيمَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ ذَلِكَ الْمَبِيعَ ( فَضَعَّفَ قَوْلَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( السَّبَبُ ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَنْتِ طَالِقٌ وَالشَّرْطُ ) الَّذِي هُوَ إنْ دَخَلْت ( لَمْ يَعْدَمْهُ ) أَيْ كَوْنُهُ سَبَبًا ( فَإِنَّمَا أَخَّرَ ) الشَّرْطَ ( الْحُكْمُ ) أَيْ حُكْمُ السَّبَبِ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَيْهِ ، وَالشَّرْطُ هُنَا قَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا ( وَأُورِدَ ) عَلَيْنَا إذَا كَانَ مَثَلًا إنْ دَخَلْت مَانِعًا مِنْ وُصُولِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَحَلِّهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ ( فَيَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ ) أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ وَإِنْ دَخَلَتْ ( كَالْأَجْنَبِيَّةِ ) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَهُ مُنَجَّزًا لِأَجْنَبِيَّةٍ بِجَامِعِ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فِيهِمَا ( وَأُجِيبَ لَوْ لَمْ يَرْجُ ) الْوُصُولَ إلَى مَحَلٍّ بِأَنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ( لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ ) فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ - تَعَالَى - فِيمَا لَا يُعْلَمُ

وُقُوعُهُ لَا عِلْمَ لِلْعِبَادِ بِتَعَلُّقِهَا بِهِ فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِالْمُوجِبِ فِي هَذَا ( وَغَيْرِهِ ) وَهُوَ مَا كَانَ مَرْجُوَّ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهِ ( بِعَرْضِيَّةِ السَّبَبِيَّةِ ) لِحُكْمِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ ( فَلَا يَلْغُو تَصْحِيحًا ) لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةِ كَشَطْرِ الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعُرْضَةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا بِوُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْغُ مَا دَامَ ذَلِكَ مَرْجُوًّا لَهُ ( وَثَانِيًا ) أَيْ وَوَجْهُ قَوْلِنَا ثَانِيًا : أَنَّ السَّبَبَ إذَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ ( تَوَقَّفَ عَلَى الشَّرْطِ ) ضَرُورَةً ( فَصَارَ ) السَّبَبُ الْمُعَلَّقُ بِهِ ( كَجُزْءِ سَبَبٍ ) لِمَا مَرَّ ، وَجُزْءُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ سَبَبًا .
وَمِنْ هُنَا زَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّعْلِيقَ صَيَّرَ الْمَجْمُوعَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا كَانَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا قَبْلَهُ عِنْدَنَا وَرَدَّهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا عِنْدَهُ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا ، وَالسَّبَبُ مَا بِهِ الشَّيْءُ ، وَيَكُونُ مُؤَثِّرًا فَلَا يَصِيرُ الشَّرْطُ جُزْءًا لِلسَّبَبِ لِتَنَافِي مُوجِبِهِمَا وَهَذَا ( بِخِلَافِ ) مَا أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ التَّعْلِيقَ بِهِ مِنْ ( الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ ) فِيهِ الثَّمَنُ ( وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُضَافِ كَطَالِقٍ غَدًا ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( سَبَبٌ فِي الْحَالِ ) أَمَّا فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ فِيهِ الثَّمَنُ ( لِأَنَّ الْأَجَلَ دُخُولُهُ عَلَى الثَّمَنِ ) لِيُفِيدَ تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ ( لَا ) عَلَى ( الْبَيْعِ ) فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْ الِانْعِقَادِ ، وَلَا لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ ، وَثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ عَنْ الثُّبُوتِ ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِتَأْثِيرِ الشَّيْءِ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي كَمْيَّةِ مُدَّتِهِ فَمُسَلَّمٌ أَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ دَاخِلٌ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ لَكِنْ لِأَمْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ هُنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (

وَالْخِيَارُ ) أَيْ شَرْعِيَّتُهُ نَصًّا فِي الْبَيْعِ ثَابِتٌ ( بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ ) أَيْ النَّقْصِ الْمُتَوَهَّمِ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَالتَّرَوِّي فِي اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ فِي زَمَانِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ إجْمَاعًا ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَقْصَى مُدَّتِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْقِيَاسُ ( لِأَنَّ إثْبَاتَ مِلْكِ الْمَالِ ) الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ ( لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَرَ ) أَيْ التَّعْلِيقَ بِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ ( لِصَيْرُورَتِهِ قِمَارًا ) وَهُوَ حَرَامٌ ثُمَّ حَيْثُ شُرِعَ وَكَانَ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ دَفْعِ الْغَبْنِ الْوَاقِعِ فِيهِ ( فَاكْتَفَى بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( فِي الْحُكْمِ ) أَيْ حُكْمِ الْبَيْعِ ، وَهُوَ لُزُومُهُ ابْتِدَاءً ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ أَيْضًا فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَبَبًا وَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى سُقُوطِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ مَتَى أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِأَيْسَرِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُصَارُ إلَى أَعْلَاهُمَا .
وَالشَّافِعِيُّ مُوَافِقُنَا عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ : وَالْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِي الْبَيْعِ ، وَرُوِيَ { أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ } انْتَهَيْنَا إلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ .
هَذَا التَّحْقِيقُ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ عَنْ هَذَا ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ سَبَبًا فِي الْحَالِ مَعَ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ إلَى سُقُوطِهِ ( مُقْتَضَى اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى لِتَعْلِيقِ مَا بَعْدَهُ ) أَيْ مَا يُذْكَرُ بَعْدَ اللَّفْظِ عَلَى بِمَا قَبْلَهُ ( فَقَطْ فَآتِيك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي الْمُعَلَّقُ إتْيَانُ الْمُخَاطَبِ ) عَلَى إتْيَانِ الْمُتَكَلِّمِ

بِخِلَافِ الشَّرْطِ بِإِنْ وَأَخَوَاتِهَا كَمَا تَرَى فِي آتِيك إنْ أَتَيْتنِي فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ إتْيَانُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى إتْيَانِ الْمُخَاطَبِ وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ ( فَبِعْتُك عَلَى أَنِّي ) أَوْ أَنَّك أَوْ أَنَّنَا ( بِالْخِيَارِ أَيْ فِي الْفَسْخِ فَهُوَ ) أَيْ الْفَسْخُ ( الْمُعَلَّقُ وَالْبَيْعُ مُنْجَزٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ ) الَّذِي هُوَ اللُّزُومُ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ ( دَفْعًا لِلضَّرَرِ ) عَمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ ( لَوْ تَصَرَّفَ ) مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ دُونَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْبَيْعُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُوجِبِ لِتَعَلُّقِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ لِمَا ذَكَرْنَا ( بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ) فَإِنَّ كُلًّا ( إسْقَاطٌ مَحْضٌ يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ الشَّرْطُ لِعَدَمِ أَدَائِهِ إلَى الْقِمَارِ فَيُعْمَلُ فِيهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا عَلَى السَّبَبِ فَلَا يَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ عَنْهُ ، وَيَكُونُ تَعْلِيقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا هُوَ الْكَامِلُ ؛ إذْ الْأَصْلُ الْكَمَالُ ، وَالنُّقْصَانُ لِعَارِضٍ وَلَا عَارِضَ هُنَا

( وَإِنْ كَانَ الْعَتَاقُ إثْبَاتًا لَكِنَّهُ لَيْسَ إثْبَاتًا لِمِلْكِ الْمَالِ ) بَلْ إثْبَاتُ قُوَّةٍ شَرْعِيَّةٍ هِيَ قُدْرَةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ كَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَإِنْكَاحِ نَفْسِهِ وَابْنَتِهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهَا بِالرِّقِّ فَلَا يَكُونُ دُخُولُ الشَّرْطِ عَلَيْهِ مُؤَدِّيًا إلَى الْقِمَارِ ( فَبَطَلَ إيرَادُ أَنَّهُ إثْبَاتٌ أَيْضًا ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ دُخُولِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ بِهِمَا فِي أَنَّ الشَّرْطَ دَاخِلٌ عَلَيْهِمَا ثُمَّ هُنَا أَمْرَانِ يَحْسُنُ التَّنَبُّهُ لَهُمَا الْأَوَّلُ مَنْعُهُمْ صِحَّةَ تَعْلِيقِ مَا هُوَ إثْبَاتُ مِلْكِ الْمَالِ لِشُبْهَةٍ بِالْقِمَارِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ فَعُلِّلَ الشَّبَهُ بِهِ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ بِدُخُولِهِ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ تَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْقِمَارُ مَا حُرِّمَ لِمَعْنَى الْخَطَرِ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَعْلِيقِ الْمِلْكِ بِمَا لَمْ يَضَعْهُ الشَّارِعُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَضَعْ ظُهُورَ الْعَدَدِ الْفُلَانِيِّ فِي وَرَقَةٍ مَثَلًا لِلْمِلْكِ ، وَالْخَطَرُ طَرْدٌ فِي ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ : اعْتَبَرْنَاهُ فِي الْحُكْمِ تَعْلِيلًا لِخِلَافِ الْأَصْلِ ا هـ .
وَأَقُولُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقِمَارَ حُرِّمَ لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يَضَعْهُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَحْضٍ بَلْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرٍ مَعْقُولٍ يَصْلُحُ مَنَاطًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِذْ لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ الْخَطَرُ فَلَعَلَّهُ مَا فِيهِ مِنْ إذْهَابِ الْمَالِ لَا فِي مُقَابَلَةِ غَرَضٍ صَحِيحٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، وَتَمَلُّكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ كَذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُ الْخَطَرِ فِيهِ أَمْرًا طَرْدِيًّا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ عِلَّةً لِفَسَادِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي بَابِ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَالِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّهْيِ عَنْ أُمُورٍ أُخْرَى اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَخُيِّلَ فِيهَا عِلِّيَّتُهُ لِلتَّحْرِيمِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ

الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْحَصَاةِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا فَقَالَ : وَمَعْنَى النَّهْيِ كُلٌّ مِنْ الْجَهَالَةِ وَتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى إذَا وَقَعَ حَجَرِي عَلَى ثَوْبٍ فَقَدْ بِعْته مِنْك أَوْ بِعْتنِيهِ بِكَذَا ا هـ غَيْرَ أَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ مَنْعَ التَّعْلِيقَ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الْخَطَرِ الْمُفْضِي إلَى الْفَسَادِ شَرْعًا لَا إلَى الْقِمَارِ كَمَا قَالُوهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ دَعْوَى كَوْنِ احْتِمَالِهِ الْخَطَرَ مُفْضِيًا إلَى الْقِمَارِ لَيْسَ غَيْرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ الثَّانِي أَنَّ الْمُفَسَّرَ بِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّلْوِيحِ ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ فَإِنَّهُمَا مُفَسَّرَانِ بِخُلُوصٍ حُكْمِيٍّ عَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِيهِ بِالرِّقِّ ، وَيَلْزَمُهُ ثُبُوتُ قُوَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِقُدْرَتِهِ بِسَبَبِ هَذَا عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَعَنْ هَذَا يُقَالُ : إنَّهُ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ تَسَامَحُوا بِإِطْلَاقِ الْعَتَاقِ مَوْضِعَ الْإِعْتَاقِ وَأَجْرَوْا عَلَيْهِ مَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ لِلْإِعْتَاقِ مَلْزُومًا وَلَازِمًا مِنْ أَنَّهُ إسْقَاطٌ ، وَإِثْبَاتٌ لِظُهُورِ الْمُرَادِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فَمُسَلَّمٌ كَوْنُهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ كَوْنَ الْمُضَافِ سَبَبًا فِي الْحَالِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ وَعَدَمِ نُزُولِ الْجَزَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَالتَّعْلِيقُ يَمِينٌ وَهِيَ ) أَيْ الْيَمِينُ تُعْقَدُ ( لِلْبِرِّ إعْدَامُ مُوجِبِ الْمُعَلَّقِ ) لَا وُجُودِهِ ( فَلَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ ) أَيْ فَلَا يَصِلُ الْمُعَلَّقُ بِالتَّعْلِيقِ إلَى الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةَ أَنْ يَكُونَ مَانِعُ الشَّيْءِ طَرِيقًا

إلَيْهِ كَمَا تَرَاهُ ظَاهِرًا فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَمَّا الْإِضَافَةُ فَلِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ ) أَيْ لِتَعَيُّنِ زَمَانِ وُقُوعِهِ ( لَا لِمَنْعِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ مِنْ الْوُقُوعِ فَالْغَرَضُ مِنْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَعْيِينُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِوُقُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ لَا مَنْعُهَا مِنْ الْوُقُوعِ ( فَيَتَحَقَّقُ ) فِي الْإِضَافَةِ ( السَّبَبُ بِلَا مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ ) الْمُضَافُ إلَيْهِ ( مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ ) لِلْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي نَفْيِ أَحَدِهِمَا ، وَلَا وُجُودَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهَا فِي ذَلِكَ ( وَيَرِدُ ) عَلَى إطْلَاقِ مَا عُلِّلَ بِهِ مَنْعُ التَّعْلِيقِ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُعَلَّقِ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ لَكِنْ ( كَوْنُ الْيَمِينِ تُوجِبُ الْإِعْدَامَ ) لِمُوجِبِ الْمُعَلَّقِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْمَنْعِ ) أَيْ إذَا كَانَتْ لِلْمَنْعِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
( أَمَّا الْحَمْلُ ) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْحَمْلِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( فَلَا ) تُوجِبُ الْإِعْدَامَ لِمُوجِبِ الْمُعَلَّقِ ( كَإِنْ بَشَّرْتنِي بِقُدُومِ وَلَدِي فَأَنْتَ حُرٌّ ) وَكَيْفَ لَا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ غَرَضَ الْمُتَكَلِّمِ فِي هَذَا حَثُّ عَبْدِهِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى إدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِهِ بِوُصُولِ مَحْبُوبِهِ إلَيْهِ ، لَا مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَتِمُّ إطْلَاقُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا مِنْ إفْضَاءِ الْمُعَلَّقِ إلَى الْحُكْمِ ، وَالْإِطْلَاقُ هُوَ الْمَطْلُوبُ ( فَالْأَوْلَى ) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْإِضَافَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَكَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا مِنْهُ سَبَبِيَّةَ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ ( الْفَرْقُ بِالْخَطَرِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ بِأَنَّ فِي وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ خَطَرًا أَيْ تَرَدُّدًا بِخِلَافِ الْمُضَافِ .
قُلْت : وَلَعَلَّ تَوْجِيهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا فِي الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْوُقُوعِ

وَعَدَمِهِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شَكًّا فِي تَحَقُّقِ الْمُعَلَّقِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ سَابِقَةِ الْعَدَمِ ، وَفِي الْإِضَافَةِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا إلَى مَا هُوَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُضَافَ وُجِدَ وَفُرِّعَ مِنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَعْقُبْهُ حُكْمُهُ لَا غَيْرُ لِعُرُوضِ هَذَا الْعَارِضِ فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ الْإِعْدَامُ ، فَلَا يَسْتَقِيمُ إلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي لَازِمِ مَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَصْلِ فِيهِ إلَّا بِمُقْتَضٍ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ .
فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت الْحُكْمُ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى عِلَّتِهِ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ مُتَرَاخِيًا فِي الْإِضَافَةِ ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ قُلْت فِي الْإِضَافَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ الْمُسْتَقْبَلِ إذَا بَقِيَ الْمَحَلُّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ فَلَا يُمْكِنُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّتِهِ يَقِينًا .
قُلْت : الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ بَقَاؤُهُ فَإِذَنْ الْحُكْمُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عِلَّتِهِ فِي الْإِضَافَةِ ظَاهِرًا فَإِنْ قُلْت فَفِيمَا إذَا عُلِّقَ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ يَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ الْعِلَّةُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عِلَّتِهِ قَطْعًا كَمَا فِي الْإِضَافَةِ بَلْ أَوْلَى قُلْت : إلَّا أَنَّ ثَمَّ مَانِعًا آخَرَ ، وَهُوَ عَدَمُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ ، وَالْعِلَّةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَحَلِّهَا لَكِنْ يَطْرُقُ هَذَا الْفَرْقَ - أَيْضًا - أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( ثُمَّ يَقْتَضِي ) هَذَا الْفَرْقُ ( كَوْنَ ) أَنْتَ حُرٌّ ( يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ كَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمٍ ) عَيَّنَهُ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَنْتَ حُرٌّ فِيهِ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْقُدُومَ فِيهِمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ( وَيَسْتَلْزِمُ ) التَّسَاوِيَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ

الْمَذْكُورِ ( عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ ) بِالصِّرْفَةِ ( فِيمَا لَوْ قَالَ : عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعْجِيلٌ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِوُجُودِ الْخَطَرِ فِي الْمُضَافِ ، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِلْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) هَذَا النَّذْرُ مَذْكُورًا ( بِصُورَةِ إضَافَةٍ ) كَمَا رَأَيْت لَكِنْ ظَاهِرُ إطْلَاقِ قَوْلِهِمْ : الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ الزَّمَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَالْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُجُودِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يُفَارِقَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ .
قَوْلُهُ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي الْحُكْمِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ حُرٌّ فِي الْأَوَّلِ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ ، وَفِي الثَّانِي لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ ، وَأَنْ يَجُوزَ التَّعْجِيلُ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِي : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ ، وَهَذَا الْفَرْعُ الْأَخِيرُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ( وَكَوْنُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ ) أَيْ وَيَقْتَضِي هَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا تَسَاوِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمِ الثَّانِيَةِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي ، وَهُوَ أَنْتَ حُرٌّ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ الْمَفْرُوضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( لِعَدَمِ الْخَطَرِ ) فِي كُلٍّ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَدِ وَالْمَوْتِ أَمْرٌ كَائِنٌ أَلْبَتَّةَ ( فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ ) فِي الْأُولَى ( كَمَا يَمْتَنِعُ قَبْلَ الْمَوْتِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( لِانْعِقَادِهِ ) أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فِي كُلٍّ ( سَبَبًا ) لِحُرِّيَّةِ الْمُخَاطَبِ ( فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ ) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ سَبَبًا نَاجِزًا لِلتَّحْرِيرِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا مُفْضِيًا إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ انْتِفَاءِ

الْمَانِعِ .
( لَكِنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( يُجِيزُونَ بَيْعَهُ ) فِي الْأُولَى ( قَبْلَ الْغَدِ ، وَالْأَجْوِبَةُ ) الْمَذْكُورَةُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ جَوَازِ بَيْعِهِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْغَدِ وَمَنْعِ بَيْعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا ( لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ) يُفِيدُ فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُمَا لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ بَلْ حَيْثُ خُصِّصَتْ الدَّعْوَى بِجَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ مِثْلُ الْمُضَافِ فِي ثُبُوتِ سَبَبِهِ فِي الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْخَطَرِ فِيهِمَا فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُتَعَقِّبًا لَهَا فَمِنْهَا مَنْعُ كَوْنِ الْغَدِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ لِجَوَازِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْغَدِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ الْغَدِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَجِيءُ الْغَدِ مُحَقَّقٌ كَالْمَوْتِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَغْلَبِ فَيَلْحَقُ الْفَرْدُ النَّادِرُ بِهِ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ هَذَا اعْتِرَافٌ بِالْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّعْلِيقِ بِمِثْلِ مَجِيءِ الْغَدِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا ، وَمِنْهَا أَنَّ التَّعْلِيقَ الَّذِي هُوَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ ، وَالْوَصِيَّةُ خِلَافُهُ فِي الْحَالِ كَالْوَارِثَةِ .
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ ، وَالتَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَلَمْ يَتِمَّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ أَيْضًا قُلْت : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِلْفَارِقِ بِهَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَلْتَزِمَ كَوْنَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ كَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمِ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فِي كَوْنِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِّيَّةِ اسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ جَوَازِ التَّعْجِيلِ بِالصَّدَقَةِ فِي مِثْلِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ،

وَيُوَافِقُهُ مَا فِي شَرْحٍ لِلْبَزْدَوِيِّ فَإِنْ قُلْت فَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مِتُّ أَوْ إنْ مِتُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ قُلْت نَعَمْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ وَعَكْسُهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ حِينَ دُخُولِك الدَّارَ ا هـ .
أَقُولُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ الْحَوَالَةُ بِشَرْطِ مُطَالَبَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَمَا فِي نِكَاحِ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَتَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِلْحَالِ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَحْقِيقًا بِأَنْ قَالَ لِلْآخَرِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ : إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْك وَقَبِلَ الْآخَرُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا ، أَوْ الْأَرْضُ تَحْتَنَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا ، وَمَا فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك وَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَذَا دِينَارًا صَحَّ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُمِلَ فِيهِ بِجَانِبِ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فَلَا بِدَعَ فِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ : الْإِضَافَةُ لَا تَمْنَعُ سَبَبِيَّةَ الْمُضَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا لَا خَطَرَ فِيهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ سَبَبِيَّةِ الْمُعَلَّقِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ فِيهِ خَطَرٌ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ الْمُرَادُ

بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ عَلَى مَا عُرِفَ يَعْنِي فِي بَابِ التَّدْبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَزَوَالِهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لَهُمَا وَالْمَوْتُ سَالِبٌ لِهَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ حَالَ حَيَاتِهِ سَبَبًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَزِمَتْ سَبَبِيَّتُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا انْتَفَتْ أَصْلًا لَكِنَّهَا لَمْ تَنْتَفِ شَرْعًا فَثَبَتَ مَا قُلْنَا ؛ لِأَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ يُفِيدُ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ضَرُورَةَ زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ : عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ ؛ إذْ لَيْسَ مَوْتُ الْقَائِلِ بِمَظْنُونٍ قَبْلَ الْغَدِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُحَقَّقًا وَيَكُونُ الْجَوَابُ بِهَذَا لِمَنْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْفَرْعَ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ دَافِعًا لِلْإِشْكَالِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ أَنَّى يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْخَطَرِ وَعَدَمِهِ مُسْتَلْزِمًا الْمُسَاوَاةَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا قَبْلَ الْمَوْتِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ جَعْلِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ عَدَمَ الْخَطَرِ بَلْ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ قَوْلِ الْمُدَبَّرِ شَرْعًا ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْمَقِيسَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا : الْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالْعِلَّةِ ، وَفِي الْمُضَافِ ) أَيْ وَبِالسَّبَبِ فِي قَوْلِنَا : الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ ( بِسَبَبِ الْمُفْضِي وَهُوَ ) أَيْ السَّبَبُ الْمُفْضِي (

السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ ) كَمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِيهِمَا ذَلِكَ ( لَا خِلَافَ ) فِي الْمَعْنَى بَيْنَ نَفْيِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُعَلَّقِ ، وَاثِبَاتِهَا لِلْمُضَافِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْإِثْبَاتِ وَالسَّلْبِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ الْمُثْبِتَ لِلْمُضَافِ بَلْ غَيْرَهُ حَتَّى يَصِحَّ نَفْيُ السَّبَبِيَّةِ عَنْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي نَفَيْتهَا بِهِ عَنْ الْمُعَلَّقِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ ( وَارْتَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ ) السَّالِفَةُ فَيُقَالُ : عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فِي إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ وَجَوَازِ التَّعْجِيلِ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا فِي تَعْجِيلِ زَكَاةِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَجَوَازِ بَيْعِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْغَدِ فِي : إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ لِعَدَمِ وُجُودِ عِلَّةِ عِتْقِهِ .
ثُمَّ كَانَ مُقْتَضَى هَذَا جَوَازَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَتْ السُّنَّةُ مِنْ بَيْعِهِ لَزِمَ لِضَرُورَةِ ذَلِكَ انْعِقَادُ السَّبَبِيَّةِ لَهُ فِي الْحَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ( وَصِدْقُ الْمُضَافِ لَيْسَ سَبَبًا أَيْضًا فِي الْحَالِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى ) وَهُوَ الْعِلَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِانْتِفَاءِ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ( إلَّا أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ ) لَهُمَا ( حَيْثُ قَالُوا : الْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ ) لِحُكْمِهِ ( فَجَازَ تَعْجِيلُهُ ) أَيْ حُكْمُهُ إذَا كَانَ عِبَادَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بَدَنِيَّةً أَوْ مَالِيَّةً أَوْ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا عَدَا الْمَالِيَّةَ وَلِزُفَرَ فِي الْكُلِّ .
( وَالْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ ) لِحُكْمِهِ ( فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ ) أَيْ حُكْمِهِ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ ( بِنَفْيِهِ ) أَيْ نَفْيِ الْخِلَافِ بَيْنَ

نَفْيِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْمُعَلَّقِ وَإِثْبَاتِهَا لِلْمُضَافِ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ اللَّوَازِمُ يُوجِبُ اخْتِلَافَ دَلَائِلِهَا الَّتِي هِيَ الْمَلْزُومَاتُ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ هَذَا الْكَلَامِ ، وَلِي فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَالْمَعْرُوفُ الْمُتَدَاوَلُ بَيْنَ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ : الْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ حَقِيقَةً لِانْتِفَاءِ مَعْنَاهُ ، وَهُوَ الْإِفْضَاءُ إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُوبٌ ، وَلَا وُجُودٌ ، وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَلِ ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ فِي مَوْضِعِهِ نَعَمْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلَّةٌ مَجَازًا لِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا ، وَلَهُ شَبَهٌ بِالْعِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، وَسَبَبٌ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَيْضًا ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ سَبَبٌ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْعِلَلِ ، وَأَنَّ الْإِيجَابَ الْمُضَافَ عِنْدَهُمْ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَهُوَ يُشْبِهُ السَّبَبَ فَمِنْ أَيْنَ لِهَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ : مَا ذَكَرَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً عَنْ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّهَا مُنْتَفِيَةٌ مَعَ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي هِيَ عِلَّةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ أَيْضًا عِنْدَنَا مَعَ أَنَّا لَسْنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ إلَّا بِصَدَدِ بَيَانِ مَا فِيهِ الْخِلَافُ لَا الْوِفَاقُ وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَاحَظَ تَقْرِيرَ كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَمَا حَذَا حَذْوَهُ لِقَوْلِنَا : الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ بِمَا يُوهِمُ هَذَا كَمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ مَا قَرَّرُوهُ مِنْ تَقْسِيمِ السَّبَبِ

وَالْعِلَّةِ إلَى الْأَقْسَامِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمِثْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي اسْتِيفَاؤُهُ إذَا أَفَضْت النَّوْبَةُ إلَيْهِ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَعَلَى تَقْدِيرِ مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ : الْمُعَلَّقُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فِي الْحَالِ وَالْمُضَافُ سَبَبٌ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ أَيْضًا أَنَّ الْمُضَافَ لَيْسَ سَبَبًا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِلسَّبَبِ الْمَنْفِيِّ فِي " الْمُعَلَّقُ لَيْسَ سَبَبًا " لَا يَصْدُقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ سَبَبٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِلسَّبَبِ الْمُثْبِتِ فِي " الْمُضَافُ سَبَبٌ " لِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَرَفْت ثُمَّ لَيْسَ غَرَضُ الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ مِنْ إلْحَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالْمُضَافِ فِي ذَلِكَ إلَّا إلْزَامَ الْقَائِلِ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِهِ يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ فِي الْحَالِ لَا إلْزَامُهُ بِإِثْبَاتِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ كَمَا الْمُخَالِفُ قَائِلٌ بِذَلِكَ فِي الْمُضَافِ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِيَّةِ فِي الْمُضَافِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي ظَنَّهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَتَأَتَّى هَذَا ثُمَّ مِنْ هُنَا اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمَا فَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا الْمَانِعُ مِنْ إلْحَاقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إنَّمَا هُوَ الْخَطَرُ وَعَدَمُهُ ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا ضَيْرَ فِي الْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ قَدْ وَضَحَ انْتِفَاءُ النَّظِيرِيَّةِ بَيْنَ تَعْلِيقِ الْقِنْدِيلِ وَالتَّعْلِيقِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ بَانَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَوْجُودِ وَالْمُمْتَنِعِ بَلْ فِي مَعْدُومٍ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ ، وَالتَّعْلِيقُ الْحِسِّيُّ إنَّمَا يَكُونُ لِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَالتَّعْلِيقُ فِيهِ لَا يَكُونُ لِابْتِدَاءِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَلْ نَقْلًا لَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَمَعَ انْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ لَا تَصِحُّ الْمُقَايَسَةُ بَلْ نَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ وَلَكِنْ بِعَرْضِ أَنْ

يَصِيرَ قَتْلًا إذَا اتَّصَلَ بِالْمَحَلِّ فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ تُرْسٌ مَنَعَ الرَّمْيَ مِنْ انْعِقَادِهِ عِلَّةً لِلْقَتْلِ لَا أَنَّهُ مَنَعَ الْقَتْلَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ مِنْ الْمَفَاهِيمِ ) الْمُخَالِفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ( مَفْهُومُ اللَّقَبِ نَفَاهُ الْكُلُّ إلَّا بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ وَشُذُوذًا ) كَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَكَالدَّقَّاقِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَفْهُومُ اللَّقَبِ ( إضَافَةُ نَقِيضِ حُكْمٍ ) مُسَمًّى ( مُعَبَّرٍ عَنْهُ ) أَيْ الْمُسَمَّى ، وَجَازَ حَذْفُهُ أَوَّلًا وَعَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ ثَانِيًا لِقَرِينَةٍ ( بِاسْمِهِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( عَلَمًا أَوْ جِنْسًا إلَى مَا سِوَاهُ ) أَيْ الْمُسَمَّى ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ خَبَرًا أَوْ طَلَبًا ( وَقَدْ يُقَالُ : الْعَلَمُ وَالْمُرَادُ الْأَعَمُّ ) أَيْ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْعَلَمِ ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ نَوْعَيْهِ عَلَمَ الشَّخْصِ ، وَعَلَمَ الْجِنْسِ وَاسْمَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِصِفَةٍ مَجَازًا مَشْهُورًا عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ، وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا : التَّنْصِيصُ عَلَى الشَّيْءِ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَجَوَّزَ غَيْرُهُمْ فِي إطْلَاقِ اللَّقَبِ مُرِيدًا بِهِ الِاسْمَ الْأَعَمَّ مِنْهُ ، وَهُوَ مَا يَشْمَلُهُ وَالْكُنْيَةَ وَالِاسْمَ الْقَسِيمَ لَهُمَا وَاسْمَ الْجِنْسِ .
وَإِذَا ظَهَرَ الْمُرَادُ فَلَا مُشَاحَّةَ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَجْنَاسِ وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ كَالْغَنَمِ لَا الْأَشْخَاصِ كَزَيْدٍ ( وَالْمُعَوَّلُ ) فِي نَفْيِهِ ( عَدَمُ الْمُوجِبِ ) لِلْقَوْلِ بِهِ كَمَا مَضَى فِي نَفْيِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ مُطْلَقًا ( وَلِلُزُومِ ظُهُورِ الْكُفْرِ ) فَضْلًا عَنْ الْكَذِبِ ( مِنْ نَحْوِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رِسَالَةُ غَيْرِهِ قِيلَ وَوَقَعَ الْإِلْزَامُ بِهِ لِلدَّقَّاقِ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِبَغْدَادَ فَتَوَقَّفَ ( وَفُلَانٌ مَوْجُودٌ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ وُجُودِ وَاجِبِ الْوُجُودِ - تَعَالَى ( وَهُوَ ) أَيْ لُزُومُ الْكُفْرِ مِنْ هَذَيْنِ وَأَضْرَابِهِمَا (

مُنْتَفٍ ) بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا فَالْقَوْلُ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ بَاطِلٌ قَطْعًا ، وَأُورِدَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا تَحَقَّقَ شَرَائِطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ، وَهُوَ هُنَا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ لِقَصْدِ الْإِخْبَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُودِ فُلَانٍ وَلَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِالِاسْمِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَحَقَّقُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ حَاصِلَةٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ .
وَإِنَّمَا قَالَ : ظُهُورُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ الظُّهُورِ لَا الْقَطْعِ ( وَاسْتَدَلَّ ) عَلَى نَفْيِهِ ( بِلُزُومِ انْتِفَاءِ الْقِيَاسِ ) عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ الْقِيَاسُ حَقٌّ فَالْمُفْضِي إلَى إبْطَالِهِ بَاطِلٌ فَالْقَوْلُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ بَاطِلٌ ، بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إنْ تَنَاوَلَ الْفَرْعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالنَّصِّ وَإِلَّا دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْمَفْهُومِ ؛ إذْ الْفَرْضُ حَقِّيَّتَهُ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا قِيَاسَ ( وَالْجَوَابُ ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّصَّ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْفَرْعَ وَقِيلَ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ يَنْتَفِي الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَسْتَدْعِي مُسَاوَاةَ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَلَا جَرَمَ ( إذَا ظَهَرَ الْمُسَاوَاةُ ) بَيْنَهُمَا فِيهِ فَقَدْ ظَهَرَتْ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا فَيَتَعَارَضَانِ لِاقْتِضَاءِ كُلٍّ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ ثُمَّ ( قُدِّمَ ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ( لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ ) فَلَمْ يَلْزَمْ إبْطَالُ الْقِيَاسِ وَلَا نَفْيُ الْمَفْهُومِ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ : ( لَوْ قَالَ لِمُخَاصِمِهِ : لَيْسَتْ أُمِّي زَانِيَةً أَفَادَ ) قَوْلُهُ هَذَا ( نِسْبَتَهُ ) أَيْ الزِّنَا ( إلَى أُمِّهِ ) أَيْ الْمُخَاصِمِ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ : يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَائِلِ إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً ،

وَلَوْلَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ لَمَا تَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَيْهَا ، وَلَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا إذْ لَا مُوجِبَ لِلتَّبَادُرِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِهِ .
( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُتَبَادِرَ الْمَذْكُورَ ( بِقَرِينَةِ الْحَالِ ) وَهِيَ الْخِصَامُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْأَذَى وَالتَّقْبِيحِ فِيمَا يُورَدُ فِيهِ غَالِبًا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ الَّذِي يَكُونُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِيهِ لُغَةً بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُفِيدَ نِسْبَةِ الزِّنَا إلَيْهَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَكَانَ فِي ثُبُوتِهَا شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ الْحَدُّ بِمِثْلِهَا ثُمَّ لَمَّا مَضَى عُدَّ دَلَالَةُ إنَّمَا عَلَى الْحَصْرِ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَكَانَ الظَّاهِرُ خِلَافَهُ تَرْجَمَ بَيَانَهُ بِمَسْأَلَةٍ جَعَلَ مَوْضُوعَهَا أَحَدَ جُزْأَيْ مَعْنَى الْحَصْرِ وَهُوَ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْآخَرَ الَّذِي هُوَ الْإِثْبَاتُ لِلْمَذْكُورِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَيْهِ مَنْطُوقًا فَقَالَ

( مَسْأَلَةٌ النَّفْيُ فِي الْحَصْرِ بِإِنَّمَا لِغَيْرِ الْآخَرِ ) أَيْ نَفْيُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَحْصُورِ فِيهِ وَهُوَ مَا يُذْكَرُ آخِرًا عَنْ غَيْرِهِ بِإِنَّمَا ( قِيلَ بِالْمَفْهُومِ ) قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي جَمَاعَةٍ ( وَقِيلَ بِالْمَنْطُوقِ ) قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَنَسَبَ لِلْحَنَفِيَّةِ عَدَمَهُ ) أَيْ النَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِ فِيهِ وَأَنَّهَا تُفِيدُ الْإِثْبَاتَ لَا غَيْرُ .
( فَإِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ قَائِمٌ ) فِي عَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ غَيْرِ الْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ إذْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي : إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مَا يَزِيدُ عَلَى : إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ ثُمَّ هَذَا مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَأَبِي حَيَّانَ وَنَسَبَهُ إلَى النَّحْوِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ وَنَسَبَهُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَتَكَرَّرَ مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنِيفَةِ ( نِسْبَتُهُ ) أَيْ الْحَصْرِ إلَى إنَّمَا مَعْنَى لَهَا كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَالْكَافِي وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهَا ( وَأَيْضًا لَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِمَنْعِ إفَادَتِهَا ) أَيْ إنَّمَا الْحَصْرَ ( فِي الِاسْتِدْلَالِ { بِإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَلَى شَرْطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ) بِمَا مُلَخَّصُهُ : الْوُضُوءُ عَمَلٌ ، وَلَا عَمَلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا وُضُوءَ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الْكُبْرَى فَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ( بَلْ بِتَقْدِيرِ الْكَمَالِ أَوْ الصِّحَّةِ ) أَيْ بَلْ إنَّمَا أَجَابُوا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ حَقِيقَةَ عُمُومِ الْأَعْمَالِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِلْقَطْعِ بِوُجُودِ بَعْضِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَعَمَلِ السَّاهِي فَالْمُرَادُ حُكْمُهَا ، وَهُوَ إمَّا أُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكَمَالِ ، أَوْ دُنْيَوِيٌّ ، وَهُوَ الِاعْتِبَارُ الشَّرْعِيُّ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالصِّحَّةِ وَالْأُخْرَوِيُّ

مُرَادٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَجُوزُ إرَادَةُ الدُّنْيَوِيِّ مَعَهُ أَيْضًا إمَّا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ .
وَهَذَا طَرِيقُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ، وَإِمَّا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَارَ مَجَازًا عَنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِوُجُودِ الصِّحَّةِ ، وَلَا ثَوَابَ وَالْفَسَادِ ، وَلَا عِقَابَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ ، وَالْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ ، وَهَذَا طَرِيقُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَخِيهِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فَلَا يَصِحُّ التَّشَبُّثُ بِالْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ يُطْرَقُ هَذَا الْجَوَابُ مُنِعَ كَوْنُ الثَّوَابِ مُرَادًا اتِّفَاقًا ، وَإِنْ اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ الثَّوَابِ بِدُونِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحُكْمِ لِلدَّلِيلِ لَا تَقْتَضِي إرَادَتَهُ وَثُبُوتَهُ بِهِ لِيَلْزَمَ عُمُومُ الْمُقْتَضَى أَوْ الْمُشْتَرَكِ ، وَأَيْضًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِأَثَرِ الشَّيْءِ وَلَازِمِهِ فَيَعُمُّ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ وَالثَّوَابَ وَالْإِثْمَ كَمَا يَعُمُّ الْحَيَوَانُ الْفَرَسَ وَالْإِنْسَانَ ، فَإِرَادَةُ النَّوْعَيْنِ لَا تَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ ، وَكَانَ الْتِزَامُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ صِحَّتُهَا - كَمَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ - هُوَ الْوَجْهَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ضَرَرٌ فِي مَطْلُوبِ الْحَنَفِيَّةِ تَمَّمَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ : ( وَهُوَ ) أَيْ تَقْدِيرُ الصِّحَّةِ ( الْحَقُّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ إلَيْهَا وَلَمْ يَقُمْ مَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : لَا يَضُرُّهُمْ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ فِي الْحَدِيثِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَاللَّازِمُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ حَتَّى كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ ، وَكُلُّ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَالْوُضُوءُ

لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا إنْ كَانَ الْمُرَادُ : كُلُّ وُضُوءٍ عِبَادَةٌ فَلَا نُسَلِّمُهَا ، أَوْ بَعْضُ الْوُضُوءِ عِبَادَةٌ فَنُسَلِّمُهَا ، وَنَقُولُ : ( وَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ لَكِنْ مَنَعُوا تَوَقُّفَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى وُضُوءٍ هُوَ عِبَادَةٌ كَبَاقِي الشُّرُوطِ ) فَيَسْلُكُونَ فِي الْجَوَابِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ وَلِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَحْثٌ ذَكَرْته فِي حَلَبَةِ الْمُجَلِّي فَعَدَمُ مَنْعِهِمْ كَوْنَ إنَّمَا تُفِيدُ الْحَصْرَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِهِمْ بِإِفَادَتِهَا ذَلِكَ قُلْت لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَطْلُوبُ الْمُخَالِفِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِانْتِهَاضِ تَعْرِيفِ الْأَعْمَالِ بِهِ ، فَإِنَّ أَدَاةَ التَّعْرِيفِ فِيهَا لِلْعُمُومِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ ، وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إفَادَةِ إنَّمَا لِلْحَصْرِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى : وَأَمَّا { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } { وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } فَالْحَصْرُ بِغَيْرِ إنَّمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ .
وَمِنْ ثَمَّةَ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى افْتِرَاضِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ إنَّمَا كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ رَوَاهَا الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ هَذِهِ الْعِلَاوَةِ نَعَمْ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَجَامِعِ الْأَسْرَارِ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهَا فِي الْحَدِيثِ مُفِيدَةً لِذَلِكَ ( لَنَا ) عَلَى إنَّمَا لِلْحَصْرِ ، وَأَنَّهَا لِلنَّفْيِ عَنْ غَيْرِ الْآخِرِ مَنْطُوقًا أَنَّهُ ( يُفْهَمُ مِنْهُ ) أَيْ إنَّمَا ( الْمَجْمُوعُ ) مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْ مَوَارِدَ لَا تُحْصَى كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : { إنَّمَا إلَهُكُمْ اللَّهُ } ( فَكَانَ ) إنَّمَا لَفْظًا مَوْضُوعًا ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَجْمُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ

الْمَعَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفَهْمِ تَبَعُهُ لِلْوَضْعِ ثُمَّ كَمَا أَنَّهُ لِلْإِثْبَاتِ مَنْطُوقًا فَلِلنَّفْيِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَعْنًى وَاحِدٌ مُطَابِقِيٌّ لَهَا فَلَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى النَّفْيِ مَفْهُومًا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْ مَعْنَاهُ تَضَمُّنًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ قِيلَ : كَيْفَ يُفِيدُ النَّفْيَ مَنْطُوقًا ، وَأَدَاتُهُ الْمَعْهُودُ إفَادَتُهَا إيَّاهُ كَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ( وَكَوْنُ النَّافِي الْمَعْهُودِ ) لِإِفَادَةِ النَّفْيِ مَنْطُوقًا كَمًّا وَلَا ( مُنْتَفِيًا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهُ ) أَيْ كَوْنُهَا دَالَّةً عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْآخِرِ مَنْطُوقًا ( لِأَنَّ مُوجِبَ الِانْتِقَالِ ) أَيْ انْتِقَالِ الْفَهْمِ مِنْ النَّافِي إلَى مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ مَنْطُوقًا هُوَ ( الْوَضْعُ ) أَيْ وَضْعُ اللَّفْظِ لَهُ ، وَالْمَعْلُومُ ذَلِكَ لِلْفَاهِمِ بِقَرِينَةِ التَّبَادُرِ ( لَا بِشَرْطِ لَفْظٍ خَاصٍّ ) حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يُفِيدَهُ أَدَاةٌ مَخْصُوصَةٌ لِوَضْعِهَا لَهُ خَاصَّةً جَازَ أَنْ يُفِيدَهُ غَيْرُهَا لِوَضْعِهِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا ، وَكَمَا كَانَ الْفَهْمُ عَلَى ذَاكَ الْوَجْهِ دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهُ فَكَذَا يَكُونُ الْفَهْمُ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهُمَا كَذَلِكَ ، وَلَا يُقَالُ : هَذَا لَا يَكْفِي لِلْمَطْلُوبِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ إنَّمَا النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ بِالذَّاتِ لِيَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنْهُ مَنْطُوقًا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِوَضْعِهِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنْهُ مَفْهُومًا وَمَعَ الِاحْتِمَالِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : مَا قَدَّمْنَاهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَنْطُوقٌ ( وَكَوْنُ فَهْمِهِ ) أَيْ النَّفْيِ مِنْهُ ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ بِالْمَنْطُوقِ ( لِجَوَازِهِ ) أَيْ فَهْمِهِ ( بِالْمَفْهُومِ لَا يَنْفِي الظُّهُورَ ) ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ

هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِالْمَفْهُومِ .
( وَلَوْ ثَبَتَ ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ ( كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ( وَهُوَ ) أَيْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ ( مَنْفِيٌّ ) اتِّفَاقًا أَوْ إلْزَامًا فَلَا يَصِحُّ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا ، فَإِنْ قُلْت : مِثْلُ جَوَازِ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَا قَاعِدٌ بِخِلَافِ مَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ لَا قَاعِدٌ ، وَمِثْلُ : إنَّ صَرِيحَ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ إصْرَارِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ إنَّمَا مِنْ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا مَنْطُوقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ قُلْت : الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ : إنَّهُ الْأَقْرَبُ نَفْيُ حُسْنِ مُجَامَعَةِ لَا الْعَاطِفَةِ لِلنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَا نَفْيِ الصِّحَّةِ ، وَتَصْرِيحُ الْمِفْتَاحِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مُتَعَقَّبٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ دَعْوَى مُسْتَنَدِهِ إلَى الْوَضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَبَيَانِهَا وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَعْنَى فَلِمَ لَا يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ جَارَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الْكَشَّافِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ } أَيْ الْمُزَيَّنُ لَهُمْ حُبُّهُ مَا هُوَ إلَّا شَهَوَاتٌ لَا غَيْرُ ا هـ .
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهُ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ الْبَلَاغَةِ لَا الْعَرَبِيَّةِ ؛ إذْ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَاغَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِينَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيمَا هُوَ مُفَادُهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لُغَةً ، وَمِمَّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ السَّكَّاكِيَّ شَرَطَ فِي صِحَّةِ مُجَامَعَةِ النَّفْيِ بِلَا الْعَاطِفَةِ لِإِنَّمَا أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ بَعْدَ إنَّمَا مِمَّا لَهُ فِي

نَفْسِهِ اخْتِصَاصٌ بِالْمَوْصُوفِ الْمَذْكُورِ وَعَلَّلُوهُ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الِاخْتِصَاصِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنْ لَيْسَ عِلَّةُ الْمَنْعِ كَوْنَ النَّفْيِ مَنْطُوقًا ، وَلَا عِلَّةُ الْجَوَازِ كَوْنَهُ مَفْهُومًا عَلَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ بَحْثٍ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَيْضًا انْدِفَاعُ التَّشَبُّثِ بِالْإِمَارَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْمَفْهُومِ لَا بِالْمَنْطُوقِ عَلَى أَنَّا لَسْنَا نَقُولُ : النَّفْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إنَّمَا مَنْطُوقًا كَالْمُسْتَفَادِ مِنْ مَا فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ ، وَإِنْ قَالُوا : السَّبَبُ فِي إفَادَتِهَا الْقَصْرَ تَضَمُّنُهَا مَعْنَى مَا وَإِلَّا لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ : لَمْ يَعْنُوا بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى فِي مَا وَإِلَّا بِعَيْنِهِ وَأَنَّ سَبِيلَهُمَا سَبِيلُ اللَّفْظَيْنِ يُوضَعَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّيْءِ مَعْنَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْت : وَمِمَّا يَشْهَدُ بِهَذَا اخْتِلَافُ مَا وَلَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَلِنَفْيِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا عُرِفَ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ النَّفْيَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَفْهُومٌ ، وَلَا مَنْطُوقٌ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَنْعُ كَوْنِ النَّفْيِ فِي إنَّمَا غَيْرَ صَرِيحٍ ، وَالْإِيجَابِ فِيهَا صَرِيحًا وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى ذَلِكَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّ كُلًّا مَنْطُوقٌ صَرِيحٌ ( تَنْبِيهٌ ) وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَنَمَّا بِالْفَتْحِ كَإِنَّمَا بِالْكَسْرِ

( وَأَمَّا الْحَصْرُ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ ) أَيْ الَّتِي لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أَحَدِ جُزْأَيْ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً كَالْعَالِمِ أَوْ اسْمَ جِنْسٍ كَالرَّجُلِ مُقَدَّمًا فِي الذِّكْرِ أَوْ مُؤَخَّرًا فِي الْجُزْءِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ عَلَمًا كَانَ كَزَيْدٍ أَوْ غَيْرَ عَلَمٍ كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَمَا أَشَارَ إلَى جُمْلَةِ هَذَا بِقَوْلِهِ ( وَالْآخَرُ أَخَصُّ كَالْعَالِمِ وَالرَّجُلِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ ) لِفَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا حَتَّى إنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحْسُنُ ارْتِكَابُهُ ( وَلَوْ نَفَى الْمَفْهُومَ ) الْمُخَالِفَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ كَمَا سَيَظْهَرُ ( بِخِلَافِ ) مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُسْنَدٍ وَمُسْنَدٍ إلَيْهِ أَحَدُهُمَا عَلَمٌ ، وَالْآخَرُ صِفَةٌ مُعَرَّفَةٌ بِالْإِضَافَةِ نَحْوُ ( صَدِيقِي زَيْدٌ ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ لَا ( إذَا أُخِّرَ ) الِاسْمُ الصِّفَةُ عَنْ الْعَلَمِ كَأَنْ يُؤَخَّرَ صَدِيقِي عَنْ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ حِينَئِذٍ ( لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ ) أَيْ عُمُومِ الِاسْمِ الصِّفَةِ الْمُضَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَصَدِيقِي فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذَا لَمْ يَحْسُنْ الِاخْتِلَافُ فِي حَصْرِ مَا فِيهِ اللَّامُ كَمَا ذَكَرْنَا لَزِمَ أَنْ لَا يَحْسُنَ الِاخْتِلَافُ فِي إفَادَةِ النَّفْيِ ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ مُرَكَّبٌ مِنْ إثْبَاتٍ وَنَفْيٍ ( وَيَنْدَرِجُ ) كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُعَرَّفِ وَصَدِيقِي فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ دَالًّا عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ مَعْنَى الْحَصْرِ ( فِي بَيَانِ الضَّرُورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ؛ إذْ ثُبُوتُ الْجِنْسِ بِرُمَّتِهِ لِوَاحِدٍ بِالضَّرُورَةِ يَنْتَفِي عَنْ غَيْرِهِ ) فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ جَعْلُ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ جَمِيعُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ

الْعَالِمُ فِي : زَيْدٌ الْعَالِمُ ، وَالْعَالِمُ زَيْدٌ نَفْيُ وُجُودِ مَا صَدَقَ لِلْعَالِمِ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَا صَدَقَ لِزَيْدٍ غَيْرِ الْعَالِمِ ضَرُورَةَ فَرْضِ صِدْقِ كَوْنِ جَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ وَجَمِيعِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ هُوَ زَيْدٌ نَعَمْ إفَادَةُ الْحَصْرِ فِيهِمَا كَغَيْرِهِمَا قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً إمَّا مُطْلَقًا كَ : اللَّهُ الْخَالِقُ ، وَالْخَالِقُ اللَّهُ وَخَالِقِي اللَّهُ ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إلَى عُرْفٍ خَاصٍّ مِثْلُ : وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ .
وَقَدْ يَكُونُ مُبَالَغَةً وَادِّعَاءً كَمَا هُوَ كَثِيرٌ بَثِيرٌ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الْخَطَابِيَّةِ إمَّا بِجَعْلِ مَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَلَغَ مِنْ النُّقْصَانِ مَبْلَغًا انْحَطَّ بِهِ عَنْهُ ، وَعَنْ أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَهُوَ فِيمَا عَدَا الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ كَالْعَدَمِ ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ قَدْ ارْتَقَى فِي الْكَمَالِ إلَى حَدٍّ صَارَ مَعَهُ كَأَنَّهُ الْجِنْسُ كُلُّهُ ، وَنَحْنُ لَمْ نَدَّعِ إفَادَةَ اللَّامِ الْمَذْكُورَةِ لِلْحَصْرِ إفَادَتَهَا لَهُ حَقِيقَةً مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَوْرِدٍ بَلْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ التَّفْصِيلِيِّ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا الْقَوْلُ بِالْحَصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْحَقِيقَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَعَدَمُ صِحَّةِ نَفْيِ كَوْنِ اللَّامِ فِي مِثْلِ : الْعَالِمُ زَيْدٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ صِحَّةِ كُلُّ عَالِمٍ زَيْدٌ ، وَإِنَّ قَوْلَ الْمَانِعِ لِإِفَادَتِهِ الْحَصْرَ إنَّمَا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا هُوَ الْكَامِلُ وَالْمُنْتَهِي فِي الْعِلْمِ كَمَا نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الرَّجُلِ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَمَعْنَاهُ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ يُفِيدُ كَوْنَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي مِثْلِهِ لَفْظِيًّا ، وَأَنَّ قَوْلَ الْمَانِعِ أَيْضًا لَوْ أَفَادَ الْعَالِمُ زَيْدٌ الْحَصْرَ لَأَفَادَ عَكْسُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ مُلْتَزَمٌ .
وَمَنْعُ صِحَّةِ اللَّازِمِ مَمْنُوعٌ ، وَدَعْوَى مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ

بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَرَّفَ إنْ جُعِلَ مُبْتَدَأً فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْخَبَرِ وَإِنْ جُعِلَ خَبَرًا فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي ، وَأَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا ثُمَّ مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَيْفَمَا دَارَ يُفِيدُ الِانْحِصَارَ السَّكَّاكِيُّ وَالطِّيبِيُّ ( وَتَكَرَّرَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( فِي نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعَى بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ) فَفِي الْهِدَايَةِ جَعْلُ جِنْسِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ وَفِي الِاخْتِيَارِ جَعْلُ جِنْسِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَذَلِكَ يَنْفِي رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ : وَفِي غَيْرِ نَفْيِ الْيَمِينِ عَنْ الْمُدَّعِي ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَقُودُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ لِكَوْنِ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا } عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَبَطَلَ عَدُّ كَوْنِ الْحَصْرِ فِي مِثْلِ الْعَالِمُ زَيْدٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ .
وَنَفْيُ قَوْلِ مَشَايِخِنَا بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ هَذَا ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَاصِلُ مَا أَرَادَهُ أَنَّهُ خَالَفَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي طَرِيقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمُعَرَّفِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ وَتَأْخِيرِهِ فَلَا يُفِيدُهُ كَزَيْدٌ الْعَالِمُ وَحَكَمَ بِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ الْحَصْرِ بِنَاءً عَلَى نِسْبَةِ الْحَصْرِ لِلضَّرُورَةِ بِسَبَبِ الْعُمُومِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ فَإِذَا كَانَ كُلُّ يَمِينٍ عَلَى الْمُنْكِرِ لَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى يَمِينٌ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بِتَقْدِيمِ مَعْرُوضِهِ وَتَأْخِيرِهِ ثُمَّ هَذَا الْمُوجِبُ ، وَهُوَ

الْعُمُومُ مُنْتَفٍ فِي صَدِيقِي ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصَدَاقَتِي فَلَا عُمُومَ فِيهِ نَفْسِهِ فَلَزِمَ أَنْ لَا حَصْرَ إذَا تَأَخَّرَ فَفَارَقَ ذَا اللَّامِ حَيْثُ جَعَلَهُ فِي التَّأْخِيرِ يُفِيدُهُ وَسَكَتَ عَنْ تَقَدُّمِهِ ، وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ حِينَئِذٍ ، وَإِذْ بَيَّنَ أَنْ لَا عُمُومَ فِيهِ كَإِنْ حَصَرَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ أَلْبَتَّةَ وَهِيَ عِنْدَهُ التَّقْدِيمُ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ كَمَا فِي { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لِأَنَّ صَدِيقِي مَوْضِعُهُ التَّأْخِيرُ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ زَيْدِ فَإِذَا قُدِّمَ كَانَ الْحَصْرُ فَائِدَةَ التَّقْدِيمِ ا هـ .
قُلْت : وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا إنْ جُعِلَ صَدِيقِي زَيْدٌ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ بِمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ فِي مِثْلِهِ أَنَّ الِاسْمَ مُتَعَيِّنٌ لِلِابْتِدَاءِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الذَّاتِ ، وَالصِّفَةُ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْخَبَرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَمْرٍ نِسْبِيٍّ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُبْتَدَأِ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ ، وَمَعْنَى الْخَبَرِ الْمَنْسُوبُ وَالذَّاتُ هِيَ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا ، وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَنْسُوبُ فَسَوَاءٌ قِيلَ : زَيْدٌ صَدِيقِي أَوْ صَدِيقِي زَيْدٌ يَكُونُ زَيْدٌ مُبْتَدَأً وَصَدِيقِي خَبَرًا لَكِنْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُقَدَّمُ كَائِنًا مَا كَانَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ مُعَرِّفَةً لِكَوْنِ الْخَبَرِ الْمُقَدَّمِ وَأَجَابُوا : بِأَنَّا لَا نَجْعَلُ اسْمَ الصِّفَةِ مُبْتَدَأً إلَّا حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ الَّذِي لَهُ تِلْكَ الصِّفَةُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الذَّاتَ وُصِفَتْ بِانْتِسَابِ أَمْرٍ نِسْبِيٍّ إلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ تَعَيُّنَهُ لِيَكُونَ مُسْنَدًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَلَا نَجْعَلُ اسْمَ الذَّاتِ كَزَيْدٍ خَبَرًا إلَّا حَالَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ مَفْهُومٌ مُسَمًّى بِزَيْدٍ فَيَكُونُ الْوَصْفُ مُسْنَدًا إلَى الذَّاتِ دُونَ الْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّةَ عُلِّقَ الظَّرْفُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ } أَيْ الْمَعْبُودُ

فِيهَا أَوْ الْمَعْرُوفُ بِالْإِلَهِيَّةِ ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ ( وَالتَّشْكِيكُ بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمَحْصُورِ بِاللَّامِ ( لِوَاحِدٍ وَلِآخَرَ غَيْرُ مَقْبُولٍ ) رَدٌّ لِمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ لِلْبَدِيعِ مِنْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي أَنَّ " الْعَالِمُ زَيْدٌ " يُفِيدُ الْحَصْرَ دُونَ " زَيْدٌ الْعَالِمُ " بَعْدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّامَ فِي الْعَالِمِ لِلْحَقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا : الْعَالِمُ زَيْدٌ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ زَيْدٌ فَيَنْحَصِرُ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ زَيْدًا ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا بِكَوْنِهِ عَيْنَهَا فَكَانَتْ مَخْصُوصَةً بِهِ إذْ لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِهِ لَمَا كَانَ عَيْنَهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَهُوَ زَيْدٌ الْعَالِمُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْعَالِمُ ثَابِتٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَيْنَهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ صِفَةً لِغَيْرِهِ ا هـ .
وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ( وَقَدْ حُكِيَ ) فِي إفَادَةِ مِثْلِ : الْعَالِمُ زَيْدٌ الْحَصْرَ أَيْ جُزْأَهُ الَّذِي هُوَ النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي ثُبُوتِ الْإِيجَابِ نُطْقًا كَمَا قُلْنَا مِثْلَهُ فِي إنَّمَا : ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ حَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا ( نَفْيُهُ ) أَيْ الْحَصْرِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إلَى الْمَذْهَبِ ( وَإِثْبَاتُهُ مَفْهُومًا ) أَيْ وَثَانِيهَا أَنَّهُ يُفِيدُهَا مَفْهُومَهُ ( وَمَنْطُوقًا ) أَيْ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَنْطُوقًا ( وَاسْتُبْعِدَ ) هَذَا ( لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي ) ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( وَعَلِمْت فِي إنَّمَا أَنْ لَا أَثَرَ لَهُ ) أَيْ لِعَدَمِ النُّطْقِ بِالنَّافِي فِي كَوْنِ النَّفْيِ ثَابِتًا بِاللَّفْظِ مَنْطُوقًا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِبْعَادُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْوَجْهِ ( بَلْ وَجْهُهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ ( عَدَمُ لَفْظٍ يَتَبَادَرُ مِنْهُ ) النَّفْيُ ( لِأَنَّ اللَّامَ لِلْعُمُومِ فَقَطْ ) أَوْ لِلْحَقِيقَةِ فَقَطْ ، وَأَيًّا مَا كَانَ

فَلَيْسَ النَّفْيُ جُزْأَهُ ( فَإِنَّمَا يَثْبُتُ ) النَّفْيُ عَنْ الْغَيْرِ فِيهِ ( لَازِمًا لِإِثْبَاتِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ لِوَاحِدٍ لَا غَيْرُ أَوْ الْحَقِيقَةِ لَهُ وَهَذَا ( بِخِلَافِ إنَّمَا ) فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهَا النَّفْيُ فَكَانَ جُزْءَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَصْرَ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّونَ فَيَأْخُذُونَ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ فَيَجْعَلُونَهُ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ أَيْ : بَعْضُ الْمَنْطِقِ زِيدَ عَلَى مَا هُوَ قَانُونُ الِاسْتِدْلَالِ قَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ مُجِيبًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( وَمَا نُسِبَ إلَى الْمَنْطِقِيِّينَ مِنْ جَعْلِهِمْ إيَّاهُ ) أَيْ ذَا اللَّازِمِ الَّتِي لِلْعُمُومِ ( جُزْئِيًّا يَنْفِيهِ مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّ السُّورَ مَا دَلَّ عَلَى كَمْيَّةِ الْمَوْضُوعِ ) إنْ كُلِّيًّا فَكُلِّيٌّ وَإِنْ جُزْئِيًّا فَجُزْئِيٌّ ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْأَسْوَارِ لَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الِانْحِصَارَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَذُو اللَّامِ ) الَّتِي لِلْعُمُومِ ( مُسَوَّرٌ بِسُوَرِ الْكُلِّيَّةِ ) لِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ ، وَكُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ سُورُ الْكُلِّيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِشَارَاتِ

( التَّقْسِيمُ الثَّانِي ) فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ ( بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ دَلَالَتِهِ إلَى ظَاهِرٍ وَنَصٍّ وَمُفَسَّرٍ وَمُحْكَمٍ فَمُتَأَخِّرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ مَا ) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي ( ظَهَرَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ ) لِلسَّامِعِ ( بِمُجَرَّدِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ أَيْ بِنَفْسِ سَمَاعِهِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ حَالَ كَوْنِهِ ( مُحْتَمِلًا ) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا ( إنْ لَمْ يُسَقْ ) الْكَلَامُ ( لَهُ أَيْ لَيْسَ ) سَوْقُ مَعْنَاهُ الْمَذْكُورِ ( الْمَقْصُودَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ ( بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ) وَهُوَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ظَاهِرًا لِلسَّامِعِ بِنَفْسِ سَمَاعِ اللَّفْظِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ هُوَ ( الظَّاهِرُ ) اصْطِلَاحًا مِنْ الظُّهُورِ وَهُوَ الْوُضُوحُ فَالْمَعْرُوفُ الِاصْطِلَاحِيُّ ، وَمَا فِي التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ، وَتَقْيِيدُ الظُّهُورِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ احْتِرَازٌ عَمَّا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ لَا بِنَفْسِ اللَّفْظِ كَالْمُجْمَلِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ ( وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ وُضُوحِ مَعْنَاهُ الْمَسُوقِ لَهُ بِوَاسِطَةِ السَّوْقِ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ظُهُورِهِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ ( مَعَ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ ) إنْ كَانَ عَامًّا ( وَالتَّأْوِيلِ ) إنْ كَانَ خَاصًّا ( النَّصُّ ) اصْطِلَاحًا ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّوْقُ مُفِيدًا لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ ؛ لِأَنَّ اهْتِمَامَ الْمُتَكَلِّمِ بِبَيَانِ مَا قَصَدَهُ بِالسَّوْقِ أَتَمُّ ، وَاحْتِرَازُهُ عَنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ فِيهِ أَكْمَلُ ، وَمِنْ هُنَا نَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا نَصًّا إمَّا مِنْ نَصَصْت الشَّيْءَ رَفَعْته ؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ ارْتِفَاعًا عَلَى ظُهُورِ الظَّاهِرِ ، أَوْ مِنْ نَصَصْت الدَّابَّةَ إذَا اسْتَخْرَجْت مِنْهَا بِالتَّكْلِيفِ سَيْرًا فَوْقَ سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ ؛ لِأَنَّ فِي ظُهُورِهِ زِيَادَةً حَصَلَتْ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ لَا بِنَفْسِ الصِّيغَةِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ سَيْرِ

الدَّابَّةِ بِتَكْلِيفِهَا إيَّاهَا لَا بِنَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ ( وَيُقَالُ ) النَّصُّ ( أَيْضًا لِكُلِّ سَمْعِيٍّ ) كَائِنٍ مَا كَانَ قَوْلًا شَائِعًا وَالْمُمَيَّزُ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ مِنْ إطْلَاقِهِ الْقَرِينَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ( وَمَعَ عَدَمِ احْتِمَالِهِ غَيْرَ النَّسْخِ ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النَّسْخِ ( الْمُفَسَّرِ ) اصْطِلَاحًا وَسُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ فِي ظُهُورِهِمَا الْمَذْكُورِ ، وَكَانَ التَّفْسِيرُ مُبَالَغَةَ الْفَسْرِ ، وَهُوَ الْكَشْفُ سُمِّيَ بِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى كَمَالِهِ الَّذِي هُوَ الِانْكِشَافُ بِلَا شُبْهَةٍ ( وَيُقَالُ ) : الْمُفَسَّرُ ( أَيْضًا لَمَّا بُيِّنَ ) الْمُرَادُ مِنْهُ ( بِقَطْعِيٍّ ) كَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ( مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ ) لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ مَا عَدَا الْمُتَشَابِهَ مِنْهَا وَهُوَ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ لِمَا سَتَعْلَمُ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَلْحَقُهُ الْبَيَانُ فِي هَذَا الدَّارِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ الْمُفَسَّرَ يُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي الْحُكْمِ كَالنَّصِّ ، وَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفَسَّرِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَنَاوَلُ مَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ خَفَاءٌ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ سَوَاءٌ احْتَمَلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسْخَ ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا

بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ أَمْ لَا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ وَالنَّسْخَ كَمَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا بَيَانُهُ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا سَبَقَ لَهُ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ ، وَأَخَصُّ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ عِنْدَهُمْ اللَّفْظُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ النَّصِّ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّهُ لَا إطْلَاقَ لَهُ عَلَى مَا يُخَالِفُ هَذَا اصْطِلَاحًا ، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْتَمِلَ شَيْئًا غَيْرَ النَّسْخِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّيِّ عَلَى فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْمُفَسَّرُ فَمَا ازْدَادَ وُضُوحًا عَلَى النَّصِّ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنًى فِي النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْمَلًا فَلَحِقَهُ بَيَانٌ قَاطِعٌ فَانْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّأْوِيلِ أَوْ عَامًّا فَلَحِقَهُ مَا انْسَدَّ بِهِ بَابُ التَّخْصِيصِ مَأْخُوذٌ مِمَّا ذَكَرْنَا ا هـ .
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فَاضِلٌ مِنْ شَارِحِيهِ : يَعْنِي الْمُجْمَلَ الَّذِي لِحَقِّهِ الْبَيَانُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَصِيرُ مُفَسَّرًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الَّذِي عُرِفَ بِبَيَانِ الْمُجْمَلِ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ ا هـ وَيَعْنِي وَأَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ نَفْسُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ هَذَا ، وَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهُ وَكَذَا كَوْنُ مَا بُيِّنَ بِقَطْعِيٍّ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ

نَوْعًا مِنْ الْمُفَسَّرِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّقْوِيمِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا نَعَمْ فِي مِيزَانِ الْأُصُولِ : وَأَمَّا حَدُّهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَأَهْلِ الْأُصُولِ مَا ظَهَرَ بِهِ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ لِلسَّامِعِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ بِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الْمُرَادِ ، وَكَذَا يُسَمَّى مُبَيَّنًا وَمُفَصَّلًا لِهَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يُسَمَّى الْخِطَابُ وَالْكَلَامُ مُفَسَّرًا وَمُبَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْمُجْمَلِ الَّذِي صَارَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ مَعْلُومًا لِلسَّامِعِ بِوَاسِطَةِ انْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ وَالْإِشْكَالِ ا هـ .
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ لَهُ مَعْنَيَانِ لَكِنْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَهُ عِنْدَ التَّفْصِيلِ نَوْعَانِ مَا كَانَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا ، وَمَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرَ مَكْشُوفٍ أَوَّلًا ثُمَّ صَارَ مَكْشُوفًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ الْمُزِيلِ لِاحْتِمَالِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِاشْتِرَاطِ احْتِمَالِ النَّسْخِ إمَّا بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ ، وَإِمَّا لِلْعِلْمِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْفَصْلُ الْمُمَيِّزُ لَهُ مِنْ الْمُحْكَمِ إنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ .
( وَإِنْ ) بُيِّنَ الْمُرَادُ مِمَّا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ ( بِظَنِّيٍّ ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ ( فَمُؤَوَّلٌ ) اصْطِلَاحًا سُمِّيَ بِهِ إمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَوْ مِنْ رُجُوعِهِ مِنْ بَعْضِ احْتِمَالَاتِهِ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا

بِخُصُوصِهِ ، وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً يَدُورُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤَوَّلَ مَحْصُورٌ فِيمَا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالنَّصَّ إذَا حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ صَارَ مُؤَوَّلًا بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ ، وَالْمُرَادُ : إذَا حُمِلَ عَلَى مُحْتَمَلٍ لَهُ غَيْرِ ظَاهِرٍ مِنْهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ ( وَمَعَ عَدَمِهِ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ وَاللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ فَوْقَ ظُهُورِ مَعْنَى الْمُفَسَّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فِي زَمَانِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْمُحْكَمُ ) وَهُوَ ( حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ ) خَاصَّةٌ لِلْأُصُولِيِّينَ ( فِي الْمُحْكَمِ لِنَفْسِهِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ ( وَالْكُلُّ ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مُحْكَمٌ لِغَيْرِهِ ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ النَّسْخَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ ( يَلْزَمُهُ ) أَيْ إطْلَاقَ الْمُحْكَمِ عَلَيْهِ لَا الْمُحْكَمَ لِعَيْنِهِ مِنْهَا ( التَّقْيِيدُ ) لِغَيْرِهِ ( عُرْفًا ) خَاصًّا أُصُولِيًّا تَمْيِيزًا بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِتْقَانُ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّبْدِيلُ وَالِانْتِقَاضُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَبْلَغُ وَأَقْوَى فَجُعِلَ الْمُطْلَقُ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ لِمَا لَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَجِبُ التَّنَبُّهُ هُنَا لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ فِي النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ بِكَوْنِهِ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْمُرَادِ .
وَأَمَّا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ فِي الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ فَيَكُونُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ كَأَنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا النَّسْخَ أَوْ

لَحِقَهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ التَّأْوِيلِ أَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ أَوْ يُفِيدُ الدَّوَامَ وَالتَّأْبِيدَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ ثَانِيهمَا إنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُحْكَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفَسَّرِ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ كَمَا هُوَ صَنِيعُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا زِيَادَةَ الْوُضُوحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَحْكَامِ وَعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ أَصْلًا فَلَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ نَعَمْ يَزْدَادُ قُوَّةً بِوَاسِطَةِ تَأْكِيدٍ وَتَأْيِيدٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ احْتِمَالُ النَّسْخِ وَالِانْتِقَاضِ وَمِنْ ثَمَّةَ تُعُقِّبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْت لَيْسَ بَيْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُخَالَفَةٌ فِي الْمَقْصُودِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ ثَلَاثَةً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ الدَّلَالَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَقْسَامِ مِنْ حَيْثُ الْأَظْهَرِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الْوُضُوحِ عَلَى الْمُفَسَّرِ لَا يَكُونُ قَسِيمًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْأَوْضَحِيَّةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا ظَهَرَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَكَذَا زِيَادَةُ الْوُضُوحِ هُنَا بِاعْتِبَارِ لَازِمِهَا وَهُوَ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ وَمِنْ هُنَا عَبَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ زِيَادَةِ الْوُضُوحِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْوُضُوحِ إنَّمَا هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِلَازِمِهَا هَذَا لَا لِنَفْسِهَا ثُمَّ الْمَنْعُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى

الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَلَغَ مِنْ الْوُضُوحِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ الْغَيْرَ لَا مَعْنًى لِزِيَادَةِ الْوُضُوحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي الْأَوْضَحِيَّةِ بَعْدَ اتِّفَاقِهَا فِي الْوُضُوحِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ .
وَيُؤَكِّدُهُ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّ فِي تَرَادُفِ الْمُؤَكِّدَاتِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ زِيَادَةِ الْجَلَاءِ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ التَّلْوِيحِ فَإِنَّهُ فِيهِ صَرِيحٌ ثُمَّ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ عِبَارَةً عَمَّا ذَكَرْنَا ( فَهِيَ مُتَبَايِنَةٌ ) لِأَنَّ فِي كُلٍّ قَيْدًا يُضَادُّ مَا فِي الْآخَرِ فَلَا تَجْتَمِعُ فِي لَفْظٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٌ ( وَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ ) أَيْ اجْتِمَاعُ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ ( فِي لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ وَعَدَمِهِ ) أَيْ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنَيَانِ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يُسَقْ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ نَصًّا وَإِلَى الثَّانِي ظَاهِرًا ( كَمَا تُفِيدُهُ الْمُثُلُ ) لَهُمَا مِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ) فَإِنَّهُ ( ظَاهِرٌ فِي الْإِبَاحَةِ ) لِلْبَيْعِ ( وَالتَّحْرِيمُ ) لِلرِّبَا ( إذْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ ) أَيْ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا وَقَدْ فُهِمَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هُمَا ظَاهِرٌ كَمَا أَنَّهُ ( نَصٌّ ) فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا ( بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ رَدُّ تَسْوِيَتِهِمْ ) أَيْ الْكُفَّارِ بَيْنَ الرِّبَا وَالْبَيْعِ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ مَسُوقٌ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا بَلْ وَجَعَلُوا الرِّبَا أَصْلًا فِي مُسَاوَاةِ الْبَيْعِ لَهُ فِي الْحِلِّ مُبَالَغَةً مِنْهُمْ فِي اعْتِقَادِ حِلِّهِ فَقَالُوا : { إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ( { فَانْكِحُوا مَا طَابَ } الْآيَةَ ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ ) أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِلَا قَيْدٍ بِعَدَدٍ لِفَهْمِهِ

مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِ الْكَلَامِ غَيْرَ مَسُوقٍ لَهُ كَمَا تَعْلَمُ .
( نَصٌّ ) فِي الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الْأَرْبَعُ ( بِاعْتِبَارٍ خَارِجٍ هُوَ قَصْرُهُ ) أَيْ الْحِلِّ ( عَلَى الْعَدَدِ إذْ السَّوْقُ لَهُ ) أَيْ لِلْعَدَدِ فَإِنَّهُ - تَعَالَى - بَدَأَ بِذِكْرِ أَوَّلِ الْعَدَدِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ مَا يَلِيهِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَدَدٍ وَعَلَّقَهُ بِخَوْفِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ حَيْثُ قَالَ : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حِلَّ النِّكَاحِ كَانَ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا تُفِيدُهُ التَّفَاسِيرُ ( فَيَجْتَمِعَانِ ) أَيْ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ ( دَلَالَةً ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ لَهُ مُطَابَقَةً وَالْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا وَالْتِزَامًا إذَا أَمْكَنَا فِيهِ ( ثُمَّ الْقَرِينَةُ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِالسَّوْقِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمَعْنَى ( الِالْتِزَامِيُّ ) لِذَلِكَ اللَّفْظِ ( فَيُرَادُ الْآخَرُ ) وَهُوَ الْمُطَابِقِيُّ أَوْ التَّضَمُّنِيُّ لَهُ مَدْلُولًا ( حَقِيقِيًّا ) لَهُ ( لَا أَصْلِيًّا ) أَيْ لَا مَعْنَى لَهُ مُرَادًا بِالسَّوْقِ ثُمَّ فَسَّرَ الْآخَرَ بِقَوْلِهِ ( أَعْنِي الظَّاهِرِيَّ ) وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرِيًّا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ غَيْرُ مَسُوقٍ لَهُ ، وَالظَّاهِرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ ( وَيَصِيرُ الْمَعْنَى النَّصِّيُّ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ الظَّاهِرَيْنِ ) فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا فِي الْحِلِّ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ لِمَجْمُوعِ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَكُلٌّ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ وَقِسْ عَلَى هَذَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِقَصْدِ إفَادَةِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي لَفْظِ كَوْنِهِ ظَاهِرًا وَنَصًّا بِاعْتِبَارَيْنِ قَالَ فِي التَّقْسِيمِ : فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَبِاعْتِبَارِ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ النَّصُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ إذَا أَمْكَنَ فِي لَفْظٍ الِاعْتِبَارَانِ كَانَ نَصًّا وَظَاهِرًا بِهِمَا ( وَمِثَالُ انْفِرَادِ

النَّصِّ ) عَنْ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى " { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ } لِظُهُورِ مَفْهُومِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مَعَ كَوْنِهِ مَسُوقًا لَهُ ، وَاحْتِمَالُهُ التَّخْصِيصَ ( وَكُلُّ لَفْظٍ سِيقَ لِمَفْهُومِهِ ) مَعَ ظُهُورِهِ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَاحْتِمَالِهِ التَّخْصِيصَ أَوْ التَّأْوِيلَ ( أَمَّا الظَّاهِرُ فَلَا يَنْفَرِدُ ) عَنْ النَّصِّ ( إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُسَاقَ اللَّفْظُ لِغَرَضٍ ) فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ فَهُوَ نَفْسُ النَّصِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمَعْنَى الظَّاهِرِيِّ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الظَّاهِرُ ( وَمَثَّلُوا ) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ ( الْمُفَسَّرَ كَالْمُتَقَدِّمِينَ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ } الْآيَةَ وَيَلْزَمُهُمْ ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ ( أَنْ لَا يَصِحَّ ) هَذَا مِثَالًا لَهُ ( لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ ) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَثُبُوتُهُ ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ ( مُعْتَبَرٌ ) فِي الْمُفَسَّرِ ( لِلتَّبَايُنِ ) أَيْ لِأَجْلِ تَبَايُنِ الْأَقْسَامِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ مُحْكَمٌ وَحِينَئِذٍ ( فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْمُفَسَّرُ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ ) شَرْعِيٍّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ عَنْ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْمُفَسَّرَ " { الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } " مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى " فَسَجَدَ " وَلَا أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ جَمْعٌ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَبِقَوْلِهِ : " كُلُّهُمْ " ازْدَادَ وُضُوحًا فَصَارَ نَصًّا وَبِقَوْلِهِ : " أَجْمَعُونَ " انْقَطَعَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَصَارَ مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ : فَسَجَدَ إخْبَارٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَيَكُونُ مُحْكَمًا قُلْت : وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُفْرَدِ بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْرِجُهُ هَذَا التَّقْسِيمُ ثُمَّ الْمِثَالُ الَّذِي لَا مُنَاقَشَةَ فِيهِ عَلَى رَأْيِ

الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْله تَعَالَى { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } لِأَنَّ كَافَّةً سَدَّ بَابَ التَّخْصِيصِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلنَّسْخِ ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ بِخَبَرٍ وَهَذَا ( بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ { وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُفِيدِ حُكْمٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ ( نَفْيُهُ ) أَيْ احْتِمَالِ النَّسْخِ أَيْضًا فَوْقَ نَفْيِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ ، وَنَفْيُ احْتِمَالِ النَّسْخِ يَصْدُقُ بِكَوْنِ الْمَعْنَى لَا يَحْتَمِلُ تَبْدِيلًا أَصْلًا كَمَا يَصْدُقُ بِكَوْنِهِ يَحْتَمِلُهُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ قَامَ دَلِيلُ انْتِفَائِهِ ( وَالْأَوْلَى ) فِي التَّمْثِيلِ ( نَحْوُ { الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ } مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِكَوْنِهِ مُفِيدًا حُكْمًا شَرْعِيًّا عَمَلِيًّا غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَفْظٍ دَالٍ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فَإِنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلنَّسْخِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفِيدُ ذَلِكَ ( وَالْمُتَقَدِّمُونَ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( الْمُعْتَبَرُ فِي الظَّاهِرِ ظُهُورُ ) الْمَعْنَى ( الْوَضْعِيِّ بِمُجَرَّدِهِ ) أَيْ سَمَاعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لَهُ سَوَاءٌ ( سِيقَ ) اللَّفْظُ ( لَهُ ) أَيْ لِمَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يُسَقْ لَهُ ( وَ ) الْمُعْتَبَرُ ( فِي النَّصِّ ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُ مَعْنَى اللَّفْظِ مَسُوقًا لَهُ ( مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِهِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ سَوَاءٌ ( احْتَمَلَ التَّخْصِيصَ ) إنْ كَانَ عَامًّا ( وَالتَّأْوِيلَ ) إنْ كَانَ خَاصًّا ( أَوْ لَا ) يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا (

وَ ) الْمُعْتَبَرُ ( فِي الْمُفَسَّرِ ) بَعْدَ اشْتِرَاطِ ظُهُورِ مَعْنَاهُ ( عَدَمُ الِاحْتِمَالِ ) لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ ( احْتَمَلَ النَّسْخَ أَوْ لَا ) يَحْتَمِلُ .
( وَ ) الْمُعْتَبَرُ ( فِي الْمُحْكَمِ عَدَمُهُ ) أَيْ احْتِمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( فَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَمَايِزَةٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ ، وَاعْتِبَارُ الْحَيْثِيَّةِ ( مُتَدَاخِلَةٌ ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ فَيَجُوزُ صِدْقُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَةِ لَا مُتَبَايِنَةٌ ( وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُفَسَّرِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ سَنَدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي التَّبَايُنِ ) بَيْنَ الْأَقْسَامِ ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّبَايُنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَاقِيَةِ ( إذْ لَا فَصْلَ بَيْنَ الْأَقْسَامِ ) فِي التَّبَايُنِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ بَعْضَهَا مُتَبَايِنٌ ، وَبَعْضُهَا مُتَدَاخِلٌ فِي الِاصْطِلَاحِ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا ( يَبْعُدُ نَفْيُ التَّبَايُنِ عَنْ كُلِّ الْمُتَقَدِّمِينَ ) عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ التَّلْوِيحِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ هَذَا التَّبَايُنَ .
( وَلِعَدَمِ التَّبَايُنِ ) بَيْنَهَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ ( مَثَّلُوا الظَّاهِرَ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا } ) { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا } الْآيَةَ ( { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا } الْآيَةَ ( وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ ظُهُورِ مَا سِيقَ لَهُ ) أَيْ مَعَ ظُهُورِ مَعَانِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَظُهُورِ كَوْنِهَا مَسُوقَةً لِمَعَانٍ تُقْصَدُ بِهَا فَلَوْ قَالُوا بِالتَّبَايُنِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ بِالسَّوْقِ وَعَدَمِهِ لَمْ يُمَثِّلُوا لِلظَّاهِرِ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لِوُجُودِ السَّوْقِ فِيهَا ( وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ ( فِي ) تَمْثِيلِ ( النَّصِّ ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ ( عَلَى مَثْنَى إلَى رُبَاعَ ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى

وَثَلَاثَ وَرُبَاعَ } وَعَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِحِلِّ الْبَيْعِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا عَلَى ( وَحَرَّمَ الرِّبَا ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ( وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ انْكِحُوا وَاسْمِ الْعَدَدِ ) فِي الْآيَةِ ( لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ ( إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ ) مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( فَالْمَجْمُوعُ ) مِنْهُمَا هُوَ ( النَّصُّ ) عَلَى إبَاحَةِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ قُلْت : وَكَذَا كُلٌّ مِنْ { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } لَا يَسْتَقِلُّ نَصًّا عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بِمُلَاحَظَةِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا النَّصُّ عَلَيْهَا الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا ( وَالشَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ مَا ) أَيْ لَفْظُ ( لَهُ دَلَالَةٌ ظَنِّيَّةٌ ) أَيْ رَاجِحَةٌ عَلَى مَعْنًى نَاشِئَةٌ ( عَنْ وَضْعٍ ) لَهُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ صَارِفَةٌ عَنْهُ ( أَوْ عُرْفٍ ) عَامٍّ بِأَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا نُقِلَ إلَيْهِ وَاشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ ( كَالْغَائِطِ ) لِلْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْ الْمَسْلَكِ الْمُعْتَادِ ( وَإِنْ كَانَ ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ ( مَجَازًا ) لِلَّفْظِ ( بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ ) كَهَذَا الْمَعْنَى لِلْغَائِطِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لَهُ لِأَنَّ مَجَازِيَّتَهُ اللُّغَوِيَّةَ لَا تُنَافِي ظَاهِرِيَّتَهُ الْعُرْفِيَّةَ الْعَامَّةَ ، أَوْ عُرْفٌ خَاصٌّ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الشَّرْعِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ النَّصُّ ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُسَاوِيَةٌ ، وَالْمُؤَوَّلُ ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ ( وَيَسْتَلْزِمُ ) الظَّاهِرُ ( احْتِمَالًا مَرْجُوحًا ) لِغَيْرِ مَعْنَاهُ بِالضَّرُورَةِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ : الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا ( فَالنَّصُّ قِسْمٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) وَالْأَوْلَى فَالنَّصُّ عِنْدَ

الْحَنَفِيَّةِ قِسْمٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَيْدٌ لِلنَّصِّ .
( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ الظَّاهِرِ ( مَا كَانَ سَوْقُهُ لِمَفْهُومِهِ ) الْمُطَابِقِيِّ فَهُوَ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِظُهُورِهِ فِيهِ ، وَسَوْقُهُ لَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِغَرَضِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ دَلَالَةً رَاجِحَةً عَنْ وَضْعٍ أَوْ عُرْفٍ وَيَنْفَرِدُ ظَاهِرُهُمْ عَنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ فِي لَفْظٍ لَهُ مَعْنًى مُطَابِقِيٌّ لَمْ يُسَقْ لَهُ وَالْتِزَامِيٌّ سِيقَ لَهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَدْ ظَهَرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا سِيقَ لَهُ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يُسَقْ لَهُ فَصَدَقَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ نَصٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ الظَّاهِرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِيِّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَإِلَّا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ فَالْوَجْهُ مَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا ، وَهُوَ مَا لَفْظُهُ ، وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ الظَّاهِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى قِسْمٌ مِنْ النَّصِّ عِنْدَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَفَادَهُ حَاشِيَةٌ عَلَيْهِ أَنَّ النَّصَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ وَعُرِفَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ وَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ بِسَوْقِ اللَّفْظِ إفَادَةُ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغَرَضَ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ الْقَصْدِ إلَى رَدِّ التَّسْوِيَةِ فَلَزِمَ انْقِسَامُ النَّصِّ قِسْمَيْنِ ا هـ .
( وَإِنْ اخْتَلَفُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ( فِي قَطْعِيَّةِ دَلَالَتِهِ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ ظَاهِرِ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِي هُوَ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ نَصِّ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ النُّسْخَةُ أَوَّلًا ( وَظَنِّيَّتُهَا ) أَيْ

دَلَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ : قَطْعِيَّةٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : ظَنِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِاخْتِلَافِ مُرَادِهِمْ بِالْقَطْعِيَّةِ وَالظَّنِّيَّةِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ : ( وَالْوَجْهُ أَنَّهُ ) وَالْأَحْسَنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَيْ اخْتِلَافَهُمْ ( لَفْظِيٌّ فَالْقَطْعِيَّةُ لِلدَّلَالَةِ وَالظَّنِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ الْإِرَادَةِ فَلَا اخْتِلَافَ ) فَمُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِثُبُوتِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى وَلَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ ؛ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَضْعِهِ لِلْمَعْنَى يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ ، وَمُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ظَنُّ إرَادَةِ الْمَعْنَى بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْفَهْمَ عَنْ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ ، وَإِنْ ثَبَتَ قَطْعًا لَكِنْ كَوْنُ الْمَعْنَى مُرَادًا غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُرَادِ غَيْرَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ فَلَا خِلَافَ كَمَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْوَضْعِيِّ مَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت : وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَطْعُ بِالْإِرَادَةِ أَيْضًا تَبَعًا لِلْقَطْعِ بِالدَّلَالَةِ حَيْثُ لَا مُوجِبَ لِلْمُخَالَفَةِ ، وَأَنَّ هَذَا التَّجْوِيزَ لِكَوْنِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِلْقَطْعِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ( وَاسْتَمَرُّوا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( عَلَى إيرَادِ الْمُؤَوَّلِ قَرِينًا لَهُ ) أَيْ لِلظَّاهِرِ وَسَيُعْرَفُ تَعْرِيفُ الْمُؤَوَّلِ ( فَيُقَالُ : الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ كَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِإِفَادَةِ الْمُقَابَلَةِ فَيَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ ) عَنْ مَعْنَاهُ كَمَا يَلْزَمُ فِي الْمُؤَوَّلِ الصَّرْفُ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ ( اجْتَمَعَا ) أَيْ الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ لِإِمْكَانِهِ حِينَئِذٍ فَالْمَنْقُولُ لِعَلَاقَةٍ ،

وَلَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ ، وَعَلَى الثَّانِي مُؤَوَّلَةٌ ، وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَنْقُولِ كَالصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ ( إذْ ) اللَّفْظُ ( الْمَصْرُوفُ ) عَنْ مَعْنَاهُ الرَّاجِحِ إلَى مَعْنًى مَرْجُوحٍ ( لَا تَسْقُطُ دَلَالَتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ ) أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ } ( فَيَكُونُ ) الْمَصْرُوفُ ( بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الرَّاجِحِ ( ظَاهِرًا وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِإِرَادَةِ الْمَرْجُوحِ مُؤَوَّلًا ) قُلْت : وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الظَّاهِرِ عَدَمُ الصَّرْفِ أَصْلًا ، وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي الْحَقَائِقِ لَا غَيْرُ بَلْ قَدْ وَقَدْ وَلَا ضَيْرَ فِي الِاجْتِمَاعِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ تَقَابُلَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ( وَتَقَدَّمَ الْمُؤَوَّلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) حَيْثُ قَالَ : وَإِنْ ظَنِّيٌّ فَمُؤَوَّلٌ ( وَلَا يُنْكِرُ إطْلَاقَهُ ) أَيْ الْمُؤَوَّلِ ( عَلَى الْمَصْرُوفِ ) عَنْ ظَاهِرِهِ بِمُقْتَضًى ( أَيْضًا أَحَدٌ ) فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ حَنَفِيٌّ وَلَا شَافِعِيٌّ ( وَالنَّصُّ ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى ( بِلَا احْتِمَالٍ ) لِغَيْرِهِ فَيُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْخُولِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ احْتِمَالَهُ النَّسْخَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ النَّصِّيَّةِ ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا النَّصِّ ) عِنْدَهُمْ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ النَّصَّ عِنْدَهُمْ ( يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ ) بِاتِّفَاقِهِمْ ( وَعَلِمْت ) قَرِيبًا ( أَنَّهُ ) أَيْ احْتِمَالَهُ الْمَجَازَ ( لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِقَطْعِيَّتِهِ ) أَيْ النَّصِّ بِخِلَافِ الْمُفَسَّرِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ بِتَخْصِيصٍ وَلَا بِتَأْوِيلٍ فَالنَّصُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْمُفَسَّرُ

عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( وَقَدْ يُفَسِّرُونَ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( الظَّاهِرَ بِمَا لَهُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ فَالنَّصُّ ) عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ ( قِسْمٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِهَذَا الْمَعْنَى ( عِنْدَهُمْ ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ أَعَمُّ مِنْ الظَّنِّيَّةِ وَالْقَطْعِيَّةِ وَالْمُبَيَّنُ أَخَصُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْوَاضِحَةَ لَا تَقْتَضِي سَابِقَةَ احْتِيَاجٍ إلَى الْبَيَانِ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فَانْتَفَى قَوْلُ الْكَرْمَانِيُّ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُبَيَّنِ وَالظَّاهِرِ ( وَالْمُحْكَمُ ) عِنْدَهُمْ ( أَعَمُّ ) مِنْ الظَّاهِرِ ، وَالنَّصُّ ( يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ أَيْضًا فَهُوَ ) أَيْ الْمُحْكَمُ ( عِنْدَهُمْ مَا اسْتَقَامَ نَظْمُهُ لِلْإِفَادَةِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ ) وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ الْمُتَّضِحُ الْمَعْنَى ( وَالْحَنَفِيَّةُ أَوْعَبُ وَضْعًا لِلْحَالَاتِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ؛ وَلِذَا كَثُرَتْ الْأَقْسَامُ عِنْدَهُمْ ، فَكَانَتْ أَقْسَامُ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ أَرْبَعَةً مُتَبَايِنَةً عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ إلَّا قِسْمَانِ فِي الْخَارِجِ ؛ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ مُحْكَمٌ غَيْرُ نَصٍّ وَلَا ظَاهِرٍ بَلْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْمُحْكَمُ أَحَدُهُمَا ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَالَاتِ حَالَةُ احْتِمَالِ غَيْرِ الْوَضْعِيِّ ، وَحَالَةُ سَوْقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَفْهُومِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَحَالَةُ عَدَمِ سَوْقِهِ لِمَفْهُومِهِ ، وَحَالَةُ عَدَمِ احْتِمَالِ النَّسْخِ وَاحْتِمَالُهُ فَوَضَعُوا لِلَّفْظِ الدَّالِّ مَعَ كُلِّ حَالَةٍ أَوْ حَالَتَيْنِ اسْمًا ( وَمَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ ) لِأَسْمَائِهَا ( يُرَجِّحُ قَوْلَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي الْمُحْكَمِ ) أَنَّهُ مَا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَأْوِيلًا ، وَلَا نَسْخًا لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ مُفَسَّرًا ، وَفِي الْمَحْصُولِ الْمُفَسَّرُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا مَا

احْتَاجَ إلَى التَّفْسِيرِ وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ وَثَانِيهِمَا الْكَلَامُ الْمُبْتَدَأُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ التَّفْسِيرِ لِوُضُوحِهِ ا هـ .
وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُحْكَمَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ مِنْهُ لَا يُخَالِفُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَفِي تَعْيِينِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسْبَةِ تَأَمُّلٌ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَكْثَرُ اسْتِيعَابًا لِوَضْعِ الْأَسْمَاءِ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ حَالَاتِهِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْوُضُوحِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا ( تَنْبِيهٌ ) عَلَى تَفْصِيلٍ وَتَمْثِيلٍ لِلتَّأْوِيلِ وَسَمَهُ بِهِ لِسَبْقِ الشُّعُورِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ إجْمَالًا

( وَقَسَّمُوا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( التَّأْوِيلَ إلَى قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ وَمُتَعَذِّرٍ غَيْرِ مَقْبُولٍ قَالُوا وَهُوَ ) أَيْ الْمُتَعَذِّرُ ( مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُتَعَذِّرَ ( لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِهِ ) أَيْ التَّأْوِيلِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّأْوِيلُ مُطْلَقًا فَيَعُمُّ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ ( حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ ) إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَا يَحْتَمِلُهُ مَرْجُوحًا وَقَالُوا : حَمْلُ الظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّأْوِيلُ ، وَتَعْيِينُ أَحَدِ مَدْلُولَيْ الْمُشْتَرَكِ لَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا ، وَعَلَى الْمُحْتَمَلِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الظَّاهِرِ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَكُونُ تَأْوِيلًا أَصْلًا ، وَالْمَرْجُوحُ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مُحْتَمِلِهِ الرَّاجِحِ ظَاهِرٌ ( إلَّا أَنْ يُعْرَفَ ) التَّأْوِيلُ ( بِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَقَطْ ) فَيَكُونُ مِنْ أَقْسَامِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ ( ثُمَّ ذَكَرُوا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( مِنْ الْبَعِيدَةِ تَأْوِيلَاتٌ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ : أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ } ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ ) أَيْ انْكِحْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ إنْ كُنْت تَزَوَّجْتهنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا ( أَوْ أَمْسِكْ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ ) وَفَارِقْ الْأَوَاخِرَ مِنْهُنَّ إنْ كُنْت عَقَدْت عَلَيْهِنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ لِوُقُوعِهِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَ فَاسِدًا ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِهِ مُتَجَدِّدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا بَيَانٍ ) لِهَذَا الْمَرَامِ الْخَفِيِّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ ؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِمْسَاكِ الِاسْتِدَامَةُ دُونَ الِاسْتِئْنَافِ ، وَمِنْ الْفِرَاقِ انْقِطَاعُ النِّكَاحِ لَا عَدَمُ التَّجْدِيدِ مَعَ أَنَّهُ

لَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدٌ قَطُّ لَا مِنْهُ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَةِ إسْلَامِ الْكُفَّارِ الْمُتَزَوِّجِينَ ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ وَأَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ : أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْت } مِثْلُهُ أَيْضًا أَيْ ابْتَدِئْ نِكَاحَ مَنْ شِئْت مِنْهُمَا إنْ كُنْت تَزَوَّجْتَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِوُقُوعِهِ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَقَطْ ثُمَّ هَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ فَقَدْ حُفِظَ مَعْنَاهُ ، وَهُوَ اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْت كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَقُولُ مَعْنَى أَمْسِكْ هَذَا أَنَّهُ أَيْضًا مَعْنَى اخْتَرْ .
ثُمَّ هَذَا ( أَبْعَدُ ) مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعَ وَجْهَيْ الْبُعْدِ الْمَاضِيَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِأَيَّتِهِمَا شِئْت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } ) كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ( إطْعَامُ طَعَامِ سِتِّينَ ) مِسْكِينًا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْفِيرِ دَفْعُ حَاجَةِ الْمِسْكِينِ ( وَحَاجَةُ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا حَاجَةُ سِتِّينَ ) مِسْكِينًا فَإِذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا عَنْهَا أَجْزَأَهُ ، وَإِنَّمَا بَعُدَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ مَا لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُضَافِ ، وَإِلْغَاءُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ ( مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ ) أَيْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ ( لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِ قُلُوبِهِمْ ) أَيْ تَظَاهُرِهَا وَتَعَاضُدِهَا ( عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ ) أَيْ لِلْمُكَفِّرِ ( وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ ) أَيْ وَشُمُولِ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَمَاعَةِ ( دُونَ الْخُصُوصِ ) لِوَاحِدٍ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي نَحْوِ { فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ } ) كَمَا هُوَ هَكَذَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ

عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلَى مَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ( أَيْ مَالِيَّتُهَا ) أَيْ الشَّاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى مَالِيَّتِهَا كَالْحَاجَةِ إلَيْهَا ، وَإِنَّمَا بَعُدَ ( إذْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الشَّاةُ ) نَفْسُهَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَالِيَّتُهَا حِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ هِيَ فَلَا تَكُونُ مُجْزِئَةً وَهِيَ مُجْزِئَةٌ اتِّفَاقًا ، وَأَيْضًا يَرْجِعُ الْمَعْنَى ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ إيجَابُ الشَّاةِ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِالْإِبْطَالِ ( وَكُلُّ مَعْنًى اُسْتُنْبِطَ مِنْ حُكْمٍ فَأَبْطَلَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ذَلِكَ الْحُكْمُ ( بَاطِلٌ ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إبْطَالَ أَصْلِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِبُطْلَانِهِ فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ اجْتِمَاعُ صِحَّتِهِ وَبُطْلَانِهِ وَإِنَّهُ مُحَالٌ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا .
( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ إنَّمَا قَالَ فِي نَحْوِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ ، وَهَلُمَّ جَرًّا مِمَّا هُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَالِيَّةُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَا عَيْنُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا ( وَمِنْهَا ) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ لَهُمْ ( حَمْلُ ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ } إلَخْ ) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ( عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ ) وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُنَّ ( أَوْ ) أَنْ فَنِكَاحُهَا ( بَاطِلٌ أَيْ يَئُولُ إلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا لِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ ) بِمَا يُوجِبُهُ مِنْ عَدَمِ كَفَاءَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَاحِشٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا ) وَرِضَاهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ ( فَكَانَ ) تَصَرُّفُهَا فِيهِ ( كَبَيْعِ سِلْعَةٍ لَهَا ) وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ

التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ إمَّا بِحَمْلِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى خُصُوصٍ مِنْهُ ، وَهُوَ الْأَمَةُ قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً ، وَالْحُرَّةُ الصَّغِيرَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ وَالْمَجْنُونَةُ مَعَ إبْقَاءِ : " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَإِمَّا بِإِبْقَاءِ عُمُومِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ حَمْلِ : " بَاطِلٌ " عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ .
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَصْنَافِهَا وَالصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ لَيْسَ بَاطِلًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ مَوْقُوفٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَحْمُولًا أَيْضًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ ، وَهُوَ تَامٌّ فِيمَا عَدَا الْمَجْنُونَةَ وَالْمَعْتُوهَةَ لَا فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا بَاطِلٌ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمَهْرُوبُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُ أَيْضًا فِي إبْقَاءِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِبْقَاءِ " بَاطِلٌ " عَلَى حَقِيقَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ أَوْجَهُ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا بَعُدَ ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ ظُهُورَ قَصْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّعْمِيمَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ ( مَعَ إمْكَانِ قَصْدِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُمُومَ ( لِمَنْعِ اسْتِقْلَالِهَا بِمَا لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ ) فَإِنَّ نِكَاحَهَا مِنْهُ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ ( وَمِنْهَا ) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ ( حَمْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( { لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ } عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْرَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهِ فِي بَحْثِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو

دَاوُد وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفَ ا هـ مُخْتَصَرًا ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مَبَاحِثِ الْمُؤَوَّلِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُخْرِجْهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ بَلْ سَاقَهُ بِأَلْفَاظِ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ : وَأَخْرَجَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ انْقَلَبَ الْإِسْنَادُ عَلَى رِوَايَةِ " فَإِنَّهُ " أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَاقَهُ بِلَفْظِ { مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قُلْت : لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْمُفَضَّلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ جِدًّا ا هـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَوْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ رَاجَعَ سُنَنَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فَلَمْ يَرَهُ فِيهِمَا بِهَذَا اللَّفْظِ نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّذِي قَالَ شَيْخُنَا : إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ رِجَالِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ فِيهِ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، .
وَقَالَ أَحْمَدُ : سَيِّئُ الْحِفْظِ ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَإِنَّمَا بَعُدَ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِمَا وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ نَادِرٍ ( وَحَمْلُهُمْ ) أَيْ وَمِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ حَمْلُهُمْ ( { وَلِذِي الْقُرْبَى } ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَمَّا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ( عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ ذِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي

الْمُطَّلِبِ ( لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ ( سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَاجَتِهِ ، وَلَا خَلَّةَ مَعَ الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا بَعُدَ لِتَعْطِيلِ لَفْظِ الْعُمُومِ ( مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ ) الَّتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَدْ تُجْعَلُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الْغِنَى تَشْرِيفًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ ) كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ ( حَمْلَ ) الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى ( { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ } الْآيَةَ عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ ) لَهَا حَتَّى يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ ، وَوَاحِدٌ مِنْهُ فَقَطْ لَا الِاسْتِحْقَاقُ حَتَّى يَجِبَ الصَّرْفُ إلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا لِكَوْنِ اللَّامِ ظَاهِرًا فِي الْمِلْكِيَّةِ .
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنَّفُ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ تَرْتِيبِهَا فَقَالَ ( وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بُعْدَ التَّأْوِيلِ لَا يَقْدَحُ فِي الْحُكْمِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى ) الدَّلِيلِ ( الْمُرَجِّحِ ) لِلتَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ لِيَصِيرَ بِهِ رَاجِحًا عَلَيْهِ ، وَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا ( فَأَمَّا الْأَخِيرُ ) وَهُوَ بَعْدَ حَمْلِ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ } عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ لَهَا ( فَدُفِعَ بِأَنَّ السِّيَاقَ ، وَهُوَ رَدٌّ لَمْزِهِمْ ) أَيْ طَعْنِهِمْ وَعَيْبِهِمْ ( الْمُعْطَيْنَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُمْ إذَا أَعْطَوْهُمْ وَسَخَطَهُمْ إذَا مُنِعُوا يَدُلُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ ) مِنْ قَوْلِهِ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ } الْآيَةَ ( بَيَانُ الْمَصَارِفِ لِدَفْعِ وَهَمِ أَنَّهُمْ ) أَيْ الْمُعْطِينَ ( يَخْتَارُونَ فِي الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ ) وَتَقْرِيرُهُ هَكَذَا مُوَافِقٌ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : وَهُوَ رَدُّ لَمْزِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ إذَا أَعْطَاهُمْ وَسَخَطِهِمْ إذَا لَمْ يُعْطِهِمْ لِأَنَّ النَّصَّ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُك فِي الصَّدَقَاتِ } إلَخْ ثُمَّ مِنْ الدَّافِعِينَ بِهَذَا الْغَزَالِيُّ ( وَرُدَّ ) هَذَا الدَّفْعُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ

السِّيَاقَ ( لَا يُنَافِي الظَّاهِرَ ) أَيْ ظَاهِرَ اللَّامِ ( أَيْضًا مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُصْرَفُ ) السِّيَاقُ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فَلْيَكُنْ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ ) أَيْ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ } الْآيَةَ ( مِنْ الْعُمُومِ ) أَيْ عُمُومِ الصَّدَقَاتِ وَعُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ يَسْتَحِقُّهَا جَمِيعُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ ( مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا ) لِتَعَذُّرِهِ وَمَنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ( وَلِتَعَذُّرِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ الْمَذْكُورِ ( حَمَلُوهُ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ الْعُمُومَ فِيهِمْ ( عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ) مِنْ الثَّمَانِيَةِ إذَا كَانَ الْمُفَرِّقُ لِلزَّكَاةِ غَيْرَ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَوُجِدُوا ( وَهُوَ ) أَيْ حَمْلُهُمْ هَذَا ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ ) فِي الْفُقَرَاءِ وَمَنْ شَارَكَهُمْ ( مُرَادٌ مَعَ اللَّامِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقُ ( مُنْتَفٍ ) فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ كَمَا فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، وَإِلَّا لَغَا التَّعْرِيفُ لِحَمْلِ لَا أَتَزَوَّجُ نِسَاءً عَلَى ثَلَاثَةٍ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ اللَّامِ ( لِلتَّمْلِيكِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَبْعَدُ يَنْبُو عَنْهُ الشَّرْعُ ، وَالْعَقْلُ ) إذْ لَا تَمْلِيكَ إلَّا لِمُعَيَّنٍ مَعَ عَدَمِهِ تَأْتِيهِ فِي { وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } لِعَدَمِ اللَّامِ وَعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمِلْكِ فِي الظَّرْفِ ( فَالْمُسْتَحِقُّ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَرَ بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْأَصْنَافِ فَإِنْ كَانُوا ) أَيْ الْأَصْنَافُ ( بِهَذَا ) الْقَدْرِ وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِصَرْفِ مَا يَسْتَحِقُّهُ إلَيْهِمْ ( مُسْتَحِقِّينَ فَبِلَا مِلْكٍ وَدُونَ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ ) عَلَى زَوْجِهَا لِتَعَيُّنِهَا دُونَهُمْ ( وَلَا تَمْلِكُ ) النَّفَقَةَ ( إلَّا بِالْقَبْضِ ) .
فَكَذَا الزَّكَاةُ لَا تُمْلَكُ بِدُونِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِأَحَدٍ

إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ ( وَلَنَا آثَارٌ صِحَاحٌ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَا ) كَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَحُذَيْفَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ رَوَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ ( وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ( خِلَافُهُ ) أَيْ مَا قُلْنَا ( وَلَا رَيْبَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ) وَكَيْفَ لَا .
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ الذَّهَبِيَّةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُعَاذٌ مِنْ الْيَمَنِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ فَقَطْ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ وَزَيْدِ الْخَيْرِ ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفِ الْغَارِمِينَ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ حِينَ أَتَاهُ وَقَدْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ كَفَالَةً أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا } وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ { أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ } وَأَمَّا شَرْطُ الْفَقْرِ ) فِي ذِي الْقُرْبَى ( فَقَالُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ أَوْسَاخَ النَّاسِ إلَى قَوْلِهِ وَعَوَّضَكُمْ عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ } وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ ) الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ إنَّمَا هُوَ ( لِلْفَقِيرِ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ فِيهِ لَا لِلْغَنِيِّ إلَّا بِعَارِضِ عَمَلٍ عَلَيْهَا فَكَذَا الْعِوَضُ وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُحْفَظْ نَعَمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ { أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ الْأَيْدِي ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَا يُغْنِيكُمْ } وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ وَفِي كَوْنِ هَذِهِ مُفِيدَةً كَوْنَهُ عِوَضًا عَنْهَا لِمَنْ كَانَ مَصْرِفًا لَهَا لَا غَيْرُ نَظَرٌ .
فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَلَفْظُ الْعِوَضِ إنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ التَّابِعِينَ ثُمَّ كَوْنُ الْعِوَضِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ مَمْنُوعٌ ، وَقَالَ هُنَا قَالُوا : وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَى اسْتِوَاءِ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ فِيهِ لَكِنْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَإِسْلَامِهِ عَلَى أُخْتَيْنِ ( فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ) الْمَاضِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( وَهُوَ ) أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ ( قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ) وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى يَخْتَارُ أَيَّ أَرْبَعٍ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُفَارِقُ مَا عَدَاهُنَّ وَفِي الثَّانِيَةِ يَخْتَارُ أَيَّتَهُمْ .
شَاءَ وَيُفَارِقُ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ إلَّا أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ : وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ : لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَوَجْهُ كَوْنِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجَهَ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَلَا يَدْفَعُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ اخْتَرْ أَرْبَعًا ، وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ } يَحْتَمِلُ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ اخْتَرْ أَرْبَعًا

مِنْهُنَّ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ ، وَالْحَدِيثُ حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ نَعَمْ إنْ تَمَّ مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ قَالَ مَكْحُولٌ : كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ مَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَوَقَعَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقًا ثُمَّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ لِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : وَطَلِّقْ سَائِرَهُنَّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ ا هـ لَمْ يَحْتَاجَا إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَاتُّجِهَ قَوْلُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ : لَكِنْ الشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ وَغَيْلَانُ أَسْلَمَ يَوْمَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَمَامَ هَذَا الدَّفْعِ .
( وَأَمَّا ) حَمْلُ ( لَا صِيَامَ ) الْحَدِيثَ عَلَى مَا ذُكِرَ ( فَلِمُعَارِضٍ ) لَهُ ( صَحَّ فِي النَّفْلِ ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ : يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ } ثُمَّ قُدِّمَ هَذَا لِرُجْحَانِهِ فِي الثُّبُوتِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَذَاكَ نَافٍ ( وَفِي رَمَضَانَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ ) أَيْ وَصَحَّ فِي أَدَاءِ صِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ } كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( قَالَ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( {

مَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ } وَهُوَ ) أَيْ الصَّوْمُ الْمَأْمُورُ بِهِ ( بَعْدَ تَعَيُّنِ الشَّرْعِيِّ ) فِيهِ ( مَقْرُونٌ بِدَلَالَةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْضًا ( أَنَّهُ ) أَيْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَ { مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ } ) وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا ضَيْرَ ( فَلَوْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ ) أَيْ الْأَكْلِ ( فِيهِ ) أَيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ صِيَامِهِ شَرْعًا ( لَقَالَ : لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ ) لِأَنَّ فِيهِ مَعَ الِاخْتِصَارِ نَفْيَ ظَنِّ مُخَالَفَةِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ .
( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَقْتَئِذٍ ( وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ ) لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَذَلِكَ ( فَلَمْ يَبْقَ ) تَحْتَ لَا صِيَامَ ( إلَّا ) الصِّيَامُ ( غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَعَمِلُوا بِهِ ) أَيْ بِلَا صِيَامٍ ( فِيهِ ) أَيْ الصِّيَامِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ( مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ ) وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ التَّطَوُّعِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ ( أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ ) كَهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ ( وَأَمَّا النِّكَاحُ ) أَيْ كَوْنُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ( فَلِضَعْفِ الْحَدِيثِ بِمَا صَحَّ مِنْ إنْكَارِ الزُّهْرِيِّ ) الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى ( رِوَايَتَهُ ) أَيْ الْحَدِيثِ عَنْهُ فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ .
( وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ ) فَلَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ( فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقُلْت لَهُ : إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى حَدَّثَنَا بِهِ عَنْك فَقَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ وَأَثْنَى عَلَى سُلَيْمَانَ ) خَيْرًا ( فَصَمَّمَ )

الزُّهْرِيُّ عَلَى الْإِنْكَارِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ ( فِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ ) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ( إنْكَارٌ ) مِنْهُ لِرِوَايَتِهِ ( لَا شَكَّ ) فِيهَا حَتَّى لَا يَقْدَحَ فِي الْحَدِيثِ قُلْت فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ طَعَنَ فِي هَذَا الْمَحْكِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ، وَقَالَ : لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَسَمَاعُ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ ابْنِ أَبِي دَاوُد ا هـ .
فَإِنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ إمَامٌ حُجَّةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ ، .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ إلَّا ابْنَ عُلَيَّةَ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : لَقِيت الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَذِبًا بَلْ مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ كَانَ ابْنُ عُلَيَّةَ ثِقَةً وَرِعًا تَقِيًّا يُبْعِدُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الثِّقَاتِ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَيْضًا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ فَقَالَ : ابْنُ جُرَيْجٍ لَهُ كُتُبٌ مُدَوَّنَةٌ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَإِنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : الْأَشْبَهُ أَنَّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهَمَ عَلَيَّ لَيْسَ جَزْمًا بِتَكْذِيبِهِ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ نَفْيِ مَعْرِفَتِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الْجَزْمِ الصَّرِيحِ بَلْ مَا يَجْرِي فِي النِّسْيَانِ عَلَى أَنَّهُ تَابَعَ سُلَيْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَهُمَا ، وَإِنْ ضُعِّفَا فَمُتَابَعَتُهُمَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْيِيدٍ لِكَوْنِ ذَاكَ الْإِنْكَارِ نِسْيَانًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ .
( أَوْ لِمُعَارَضَةِ مَا

هُوَ أَصَحُّ ) مِنْهُ ( رِوَايَةُ مُسْلِمٍ ) وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } وَهِيَ ) أَيْ الْأَيِّمُ لُغَةً ( مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا سِوَى التَّزْوِيجِ فَجَعَلَهَا ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَحَقَّ بِهِ ) أَيْ بِالتَّزْوِيجِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْوَلِيِّ ( فَهُوَ ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ دَائِرٌ ( بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ ) بَاطِلٌ فِيهِ ( عَلَى أَوَّلِ الْبُطْلَانِ أَوْ يُتْرَكَ ) الْعَمَلُ بِهِ ( لِلْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ ) عَلَيْهِ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْجَمْعُ بَيْنِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ لَقُدِّمَ عَلَى الثَّانِي لَكِنْ حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ تَعَيَّنَ الثَّانِي ( وَأَمَّا الْحَمْلُ ) لِ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ ( عَلَى الْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ ) مَعَهَا كَمَا تَقَدَّمَ ( فَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ ( فِي { لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ } ) كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ( أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ ) أَيْ نَفَاذُ قَوْلٍ ( فَيَخْرُجُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَمَا ذُكِرَ ) مَعَهُمْ مِنْ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَنْ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ النِّكَاحِ عَلَى إذْنِهِ عَنْ الصِّحَّةِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ ، وَيَدْخُلُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً ( وَإِذْ دَلَّ ) الْحَدِيثُ السَّابِقُ ( الصَّحِيحُ عَلَى صِحَّةِ مُبَاشَرَتِهَا ) أَيْ الْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلنِّكَاحِ ( لَزِمَ كَوْنُهُ ) أَيْ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ( لِإِخْرَاجِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ ) وَالْمَجْنُونَةِ أَيْضًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ ( وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ ) وَكَيْفَ وَمَا مِنْ عَامٍّ إلَّا ، وَقَدْ خُصَّ وَلَا سِيَّمَا ( وَقَدْ أَلْجَأَ إلَيْهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( الدَّلِيلُ ) فَيَتَعَيَّنُ .
قَالَ

الْمُصَنِّفُ : وَيُخَصُّ حَدِيثُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ بِمَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ الْكُفْءِ وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِلِ حَقِيقَتُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ مَا بَاشَرَتْهُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَوْ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُهُ وَيُثْبِتُ لِلْوَلِيِّ حَقَّ الْخُصُومَةِ فِي فَسْخِهِ كُلُّ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي إطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ ، وَيَجِبُ ارْتِكَابُهُ لِدَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهَا فَيَثْبُتُ مَعَ الْمَنْقُولِ الْوَجْهُ الْمَعْنَوِيُّ ، وَهُوَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا ، وَهُوَ نَفْسُهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَالِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى ( وَأَمَّا الزَّكَاةُ ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الزَّكَاةِ ( فَمَعَ الْمَعْنَى النَّصُّ ) لَهُمْ فِيهِ ( أَمَّا الْأَوَّلُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( فَلِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالٌ لِرِزْقِهِمْ ) أَيْ الْفُقَرَاءِ ( الْمَوْعُودِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ رِزْقُهُمْ ( مُتَعَدِّدٌ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ ) وَغَيْرِهَا ؛ إذْ الرِّزْقُ مَا يَسُوقُهُ اللَّهُ إلَى الْحَيَوَانِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ ( فَقَدْ وَعَدَهُمْ ) اللَّهُ ( أَصْنَافًا ) مِنْ الرِّزْقِ ( وَأَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ ) عَزَّ وَجَلَّ ( صِنْفٌ وَاحِدٌ أَنْ يُؤَدِّيَ مَوَاعِيدَهُ ) تَعَالَى إلَى أَهْلِهَا ( فَكَانَ ) أَمْرُهُ بِذَلِكَ ( إذْنًا بِإِعْطَاءِ الْقَيِّمِ ) ضَرُورَةً ( كَمَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الشَّاهِدِ وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ كَذَا ( لَمْ تَبْطُلْ الشَّاةُ بَلْ ) يَبْطُلُ ( تَعَيُّنُهَا ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ غَيْرُهَا مِمَّا هُوَ فِي مِقْدَارِ مَالِيَّتِهَا ( وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ بُطْلَانِ تَعَيُّنِهَا ( بُطْلَانُ عَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهَا وَصَارَتْ مَحَلًّا ) لِلدَّفْعِ ( هِيَ وَغَيْرُهَا فَالتَّعْلِيلُ وَسِعَ الْمَحَلَّ ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهُ أَبْطَلَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ ( وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ ) حَيْثُ كَانَ ( إلَّا لِتَوْسِعَتِهِ ) أَيْ الْمَحَلِّ (

وَأَمَّا النَّصُّ فَمَا عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ ) فِي صَحِيحِهِ جَزْمًا ( وَتَعْلِيقَاتُهُ ) كَذَلِكَ ( صَحِيحَةٌ ) وَوَصَلَهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ ( مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ ائْتُونِي بِخَمِيسٍ ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الصَّادِ قَالَ الْخَلِيلُ : ثَوْبٌ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ .
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : كِسَاءٌ قَيْسُهُ ذَا ثُمَّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ سُمِّيَ بِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ بِعَمَلِهِ ( أَوْ لَبِيسٍ ) مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الْمَلْبُوسِ الْخَلَقِ ( مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ) وَمَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَنَسٍ الَّذِي رَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعِ ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا } الْحَدِيثَ فَانْتَقَلَ فِي الْقِيمَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ عَيْنِ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ ، وَإِلَّا لَسَقَطَ إنْ تَعَذَّرَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَدْفَعَهُ ( فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاةِ وَالْجَذَعَةِ ) وَغَيْرِهِمَا ( كَانَ لِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ ، وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي ) مِنْ غَيْرِهَا ( لَا لِتَعَيُّنِهَا : وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي الْكَفَّارَةِ مِثْلُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَهُمَا مَسْأَلَتَا إسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعَلَى أُخْتَيْنِ ، وَهُوَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْجَهِ ، وَإِنَّمَا الْأَوْجَهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجْزِئُهُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَغَايَةُ مَا يُعْطِيهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ يَتَكَرَّرُ الْمِسْكِينُ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا ،

وَتَمَامُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُرَادٌ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ السِّتِّينَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ إلَّا بِمُوجِبِهِ ا هـ وَلَا مُوجِبَ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ

( التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ ) لِلْمُفْرَدِ ( مُقَابِلُ ) التَّقْسِيمِ ( الثَّانِي ) لَهُ ؛ لِأَنَّهُ ( بِاعْتِبَارِ الْخَفَاءِ ) فِي الدَّلَالَةِ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ بِاعْتِبَارِ الظُّهُورِ فِيهَا ( فَمَا كَانَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ ( يُعَارِضُ غَيْرَ الصِّيغَةِ فَالْخَفِيُّ ) أَيْ فَاللَّفْظُ الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْخَفَاءِ فِي مَعْنَى خَفِيَ هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ فِيهِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لَهُ غَيْرِ صِيغَتِهِ هُوَ الْخَفِيُّ اصْطِلَاحًا وَقَيَّدَ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ ؛ لِأَنَّ الْخَفَاءَ إذَا كَانَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَاللَّفْظُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ ، وَأُورِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَفِيُّ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَفَاءَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَوْقَ الْخَفَاءِ بِعَارِضٍ فَلَوْ كَانَ الْخَفِيُّ مَا يَكُونُ خَفَاؤُهُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ لَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِ مَرَاتِبِ الْخَفَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا لِلظَّاهِرِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْخَفِيُّ ( أَقَلُّهَا ) أَيْ أَقْسَامِ هَذَا التَّقْسِيمِ ( خَفَاءً كَالظَّاهِرِ فِي الظُّهُورِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي أَقَلُّ أَقْسَامِهِ ظُهُورًا ( وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ الْخَفِيِّ اصْطِلَاحًا ( لَفْظٌ ) وُضِعَ ( لِمَفْهُومٍ عَرَضَ فِيمَا ) أَيْ فِي مَحَلٍّ ( هُوَ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلُّ ( بِبَادِئِ الرَّأْيِ مِنْ أَفْرَادِهِ ) أَيْ الْمَفْهُومِ ( مَا ) أَيْ عَارِضٌ ( يَخْفَى بِهِ ) أَيْ بِالْعَارِضِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ .
( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ ، وَيُوجِبُ اسْتِمْرَارَ ذَلِكَ الْخَفَاءِ الْعَارِضِ فِيهِ ( إلَى قَلِيلِ تَأَمُّلٍ ) فَيَزُولُ الْخَفَاءُ حِينَئِذٍ ( وَيَجْتَمِعَانِ ) الْخَفِيُّ ، وَالظَّاهِرُ ( فِي لَفْظٍ ) وَاحِدٍ ( بِالنِّسْبَةِ ) إلَى مَفْهُومِهِ وَبَعْضُ الْمَحَالِّ ( كَالسَّارِقِ ظَاهِرٌ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْآخِذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مِقْدَارَهَا خِفْيَةً عَمَّنْ

هُوَ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ مِمَّا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْمَالِ الْمُتَمَوَّلِ مِنْ حِرْزٍ بِلَا شُبْهَةٍ ( خَفِيٌّ فِي النَّبَّاشِ ) أَيْ آخِذِ كَفَنِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقَبْرِ خُفْيَةً بِنَبْشِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ ( وَالطَّرَّارِ ) وَهُوَ الْآخِذُ لِلْمَالِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْيَقْظَانِ فِي غَفْلَةٍ مِنْهُ بِطُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ .
وَإِنَّمَا خَفِيَ فِيهِمَا ( لِلِاخْتِصَاصِ ) أَيْ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بِاسْمٍ ) غَيْرِ السَّارِقِ يُعْرَفُ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ السَّارِقِ ( إلَى ظُهُورِ أَنَّهُ ) أَيْ إلَى أَنْ يُتَأَمَّلَ قَلِيلًا فِي وَجْهِ الِاخْتِصَاصِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ ( فِي الطَّرَّارِ لِزِيَادَةٍ ) فِي الْمَعْنَى وَهُوَ حِذْقٌ فِي فِعْلِهِ وَفَضْلٌ فِي جِنَايَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُسَارِقُ الْأَعْيُنَ الْمُسْتَيْقِظَةَ الْمُرْصَدَةَ لِلْحِفْظِ لِغَفْلَةٍ وَالسَّارِقُ يُسَارِقُ النَّائِمَةَ أَوْ الْغَائِبَةَ ( فَفِيهِ ) أَيْ فَيَكُونُ فِي الطَّرَّارِ ( حَدُّهُ ) أَيْ السَّارِقِ ( دَلَالَةً ) أَيْ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهِ فِيهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ سَارِقٌ كَامِلٌ يَأْخُذُ مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَيَقَظَتِهِ فَلَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى السَّارِقِ مِمَّنْ انْقَطَعَ حِفْظُهُ بِعَارِضِ نَوْمِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْهُ ( لَا قِيَاسًا ) عَلَيْهِ حَتَّى يُورَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ بِهِ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةٍ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَ قَطْعِهِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْرَفُ فِي الْفِقْهِ .
( وَالنَّبَّاشُ لِنَقْصٍ فَلَا ) أَيْ وَأَنَّ الِاخْتِصَاصَ فِي النَّبَّاشِ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قُصُورُ مَالِيَّةِ الْمَأْخُوذِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا تَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَةُ وَالْكَفَنُ يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَفَنٌ بِهِ مَيِّتٌ إلَّا نَادِرًا مِنْ النَّاسِ مَعَ عَدَمِ مَمْلُوكِيَّتِهِ لِأَحَدٍ أَوْ تَحَقُّقِ شُبْهَةٍ فِيهَا وَنُقْصَانِ الْحِرْزِ وَعَدَمِ الْحَافِظِ لَهُ ، وَإِنَّمَا

يُسَارِقُ مَنْ لَعَلَّهُ يَهْجُمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَارَّةِ غَيْرَ حَافِظٍ ، وَلَا قَاصِدٍ فَلَا يُحَدُّ حَدَّ السَّرِقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَانَ بِالْقِيَاسِ ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يَفِي بِهَذَا فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ تَعَدِّيهِ لِلْحُكْمِ الَّذِي فِي الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ فِي الْفَرْعِ دُونَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَأَمَّا السَّمْعِيُّ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُهُ ضَعِيفٌ ، فَإِنْ صَلَحَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْحُجِّيَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى وُقُوعِهِ سِيَاسَةً لِمُعْتَادِهِ لَا حَدًّا ، وَبِهِ نَقُولُ ثُمَّ عَلَى الصَّحِيحِ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ لِمَا ذَكَرْنَا .
( وَمَا ) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ ( لِتَعَدُّدِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة ) لِلَّفْظِ ( مَعَ الْعِلْمِ بِالِاشْتِرَاكِ ) أَيْ بِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا ( وَلَا مُعَيِّنَ ) لِأَحَدِهَا ( أَوْ تَجْوِيزِهَا ) أَيْ أَوْ مَعَ تَجْوِيزِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لِلَّفْظِ ( مَجَازِيَّةً ) لَهُ ( أَوْ بَعْضِهَا ) أَيْ أَوْ تَجْوِيزِ بَعْضِ الْمَعَانِي الِاسْتِعْمَالِيَّة لَهُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ ( إلَى تَأَمُّلٍ ) بَعْدَ الطَّلَبِ فَذَلِكَ اللَّفْظُ ( مُشْكِلٌ ) اصْطِلَاحًا مِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ إذَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَصْدُقُ الْمُشْكِلُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ .
قُلْنَا : نَعَمْ ( وَلَا يُبَالِي بِصِدْقِهِ ) أَيْ الْمُشْكِلِ ( عَلَى الْمُشْتَرَكِ ) فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ لِعَدَمِ التَّنَافِي ؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ ( كَ أَنَّى ) أَيْ مِثَالِ الْمُشْكِلِ لَفْظُ أَنَّى ( فِي أَنَّى شِئْتُمْ ) بَعْدَ قَوْله تَعَالَى { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ( لِاسْتِعْمَالِهِ كَأَيْنَ ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { أَنَّى لَك هَذَا } ( وَكَيْفَ ) كَمَا فِي قَوْله

تَعَالَى { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } فَاشْتَبَهَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ عَلَى السَّامِعِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ ( إلَى أَنْ تُؤُمِّلَ ) بَعْدَ الطَّلَبِ لَهُمَا وَالْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا فِي مَوْقِعِهَا هَذَا ( فَظَهَرَ الثَّانِي ) وَهُوَ كَيْفَ دُونَ أَيْنَ ( بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ ، وَتَحْرِيمِ الْأَذَى ) أَيْ وَدَلَالَةِ تَحْرِيمِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ وَهُوَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ فِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى فَيَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي الْأَوْصَافِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُقْبِلَةً أَوْ مُدْبِرَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْتِيُّ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَبَ النَّظَرُ أَوَّلًا فِي مَعَانِي اللَّفْظِ وَضَبْطِهَا .
وَالتَّأَمُّلُ اسْتِخْرَاجُ الْمُرَادِ مِنْهَا ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الطَّلَبَ كَمَا ذَكَرُوهُ لِاسْتِلْزَامِ التَّأَمُّلِ تَقَدُّمَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَشَدُّ خَفَاءً مِنْ الْخَفِيِّ ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّهُ أَقَلُّ خَفَاءً مِنْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ مُقَابِلُهُ النَّصَّ ( وَمَا ) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ ( لِتَعَدُّدٍ ) فِي مَعْنَاهُ ( لَا يُعْرَفُ ) الْمُرَادُ مِنْهُ ( إلَّا بِبَيَانٍ ) مِنْ الْمُطْلَقِ ( كَمُشْتَرَكٍ ) لَفْظِيٍّ ( تَعَذَّرَ تَرْجِيحُهُ ) فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ ( كَوَصِيَّةٍ لِمَوَالِيهِ ) فَإِنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ ( حَتَّى بَطَلَتْ ) الْوَصِيَّةُ لِمَوَالِيهِ ( فِيمَنْ لَهُ الْجِهَتَانِ ) مَنْ أَعْتَقُوهُ وَمَنْ أَعْتَقَهُمْ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِبَقَاءِ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا فَهُنَا رِوَايَاتٌ مِنْهَا أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي

يُوسُفَ جَوَازَهَا وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ ( أَوْ إبْهَامُ مُتَكَلِّمٍ ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَوْ مَا أَبْهَمَ الْمُتَكَلِّمُ مُرَادَهُ مِنْهُ ( لِوَضْعِهِ ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ ( لِغَيْرِ مَا عُرِفَ ) مُرَادًا مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِهِ ( كَالْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالرِّبَا ) الْمَوْضُوعَةِ لِلْمَعَانِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالْوَضْعِ لَهَا .
وَاللَّفْظُ الْغَرِيبُ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ كَالْهَلُوعِ ( مُجْمَلٌ ) مِنْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ رَدَّهُ إلَى الْجُمْلَةِ أَوْ الْأَمْرِ أَبْهَمَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا أَشَدَّ خَفَاءً مِنْ الْمُشْكِلِ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَاهُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُجْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ كَانَ مُقَابِلُهُ الْمُفَسَّرَ ( وَمَا ) كَانَ مِنْ خَفَاءِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي خَفِيَ اللَّفْظُ فِيهِ بِحَيْثُ ( لَمْ يُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فِي الدُّنْيَا مُتَشَابِهٌ ) اصْطِلَاحًا مِنْ التَّشَابُهِ بِمَعْنَى الِالْتِبَاسِ ( كَالصِّفَاتِ ) الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى ( فِي نَحْوِ الْيَدِ ) وَالْوَجْهِ الظَّاهِرُ مِنْ نَحْوِ الْيَدِ ( وَالْعَيْنِ ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ( وَالْأَفْعَالِ كَالنُّزُولِ ) الْوَارِدِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى الثُّلُثُ الْأَخِيرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ عَلَى ثُبُوتِهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَعَ الْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ تَفْوِيضِ عِلْمِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالسُّكُوتِ عَنْ التَّأْوِيلِ مَعَ الْجَزْمِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ إرَادَةِ الظَّوَاهِرِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحُدُوثِ وَالتَّشْبِيهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَسْلَمُ ( وَكَالْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ) ك الم وَ ص وَ حم وَإِطْلَاقُ الْحُرُوفِ

عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ مَجَازٍ كَأَنَّهُ لِقَصْدِ رِعَايَةِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَاتِهَا حُرُوفٌ ائْتِسَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمْ أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْكَلِمَاتُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ .
ثُمَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْتَأْثَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِعِلْمِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَوَكِيعٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهَا أَسْرَارٌ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَرُمُوزٌ لَمْ يَقْصِدْ اللَّهُ بِهَا إفْهَامَ غَيْرِهِ ؛ إذْ يَبْعُدُ الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفِيدُ ا هـ .
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اسْتِئْثَارَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِعِلْمِهَا يَدْفَعُ كَوْنَهَا أَسْرَارًا بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ عَدَمُ عِلْمِ الْخَلْقِ بِمَعْنَاهَا لَا يُوجِبُ أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لِذِكْرِهَا مَعْنًى أَصْلًا ؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَائِدَتُهُ طَلَبَ الْإِيمَانِ بِهَا وَأَنْ يَكُونَ التَّحَدِّي وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْإِعْجَازِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا أَشَدَّهَا خَفَاءً كَانَ مُقَابِلُهُ الْمُحْكَمَ ثُمَّ قِيلَ نَظِيرُ الْخَفِيِّ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ مَنْ اخْتَفَى مِنْ طَالِبِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ زِيِّهِ وَلَا اخْتِلَاطِهِ بَيْنَ أَشْكَالِهِ فَيَعْثُرُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأَمُّلِ ، وَنَظِيرُ الْمُشْكِلِ مَنْ اغْتَرَبَ عَنْ وَطَنِهِ وَدَخَلَ بَيْنَ أَشْكَالِهِ فَيَطْلُبُ مَوْضِعَهُ ثُمَّ يَتَأَمَّلُ فِي أَشْكَالِهِ لِيَقِفَ عَلَيْهِ .
وَنَظِيرُ الْمُجْمَلِ مَنْ اغْتَرَبَ عَنْ وَطَنِهِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنَالُ بِالطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ بِدُونِ الْخَبَرِ عَنْ مَوْضِعِهِ ، وَنَظِيرُ الْمُشَابِهِ الْمَفْقُودُ الَّذِي لَا طَرِيقَ لِدَرْكِهِ أَصْلًا ( وَظَهَرَ ) مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ ( أَنَّ

الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ ) الْمُشْكِلَ وَالْمُجْمَلَ وَالْمُتَشَابِهَ لَمَّا سُمِّيَتْ بِهِ دَائِرَةٌ ( مَعَ الِاسْتِعْمَالِ لَا ) مُجَرَّدِ ( الْوَضْعِ كَالْمُشْتَرَكِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ اسْمَ الْمُشْتَرَكِ يَدُورُ مَعَ مُجَرَّدِ وَضْعِهِ لِمَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى الْبَدَلِ ( وَالْخَفِيِّ ) أَيْ وَاسْمِ الْخَفِيِّ ( مَعَ عُرُوضِ التَّسْمِيَةِ وَالشَّافِعِيُّ مَا خَفِيَ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ أَوْ بِعَارِضٍ عَلَيْهَا ( مُجْمَلٌ ، وَالْإِجْمَالُ فِي مُفْرَدٍ لِلِاشْتِرَاكِ ) كَالْعَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَعَانِيهِ ( أَوْ الْإِعْلَالِ ) كَمُخْتَارٍ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا ( أَوْ جُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ ) نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } لِتَرَدُّدِ جُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ الَّتِي هِيَ الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ كَمَا حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَلَيْهِ .
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَلِيُّ الْعُقْدَةِ الزَّوْجُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ ( وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ ) مِنْهُ إذَا تَقَدَّمَهُ أَمْرَانِ أَنْ يَصْلُحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ قِيلَ : كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى : " أَحَدُكُمْ " كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَجِدُ الْوَاضِعُ بُدًّا مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ لَهُ أَرْبَعَةُ حِيطَانٍ لَهُ مِنْهَا وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ إنْ امْتَنَعَ وَبَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَارِ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إنْ امْتَنَعَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قُلْت : وَالْحَقُّ أَنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ يُعَيِّنُ رُجُوعَهُ إلَى " أَحَدُ " ثُمَّ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مُخَصِّصٍ بِمَا

قَيَّدَهُ بِهِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ مُطْلَقًا ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهِ أَلْيَقُ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ .
وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيُّهُمَا أَفْضَلُ مَنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ ( وَتَقْيِيدُ الْوَصْفِ وَإِطْلَاقُهُ فِي نَحْوِ ) زَيْدٌ ( طَبِيبٌ مَاهِرٌ ) لِتَرَدُّدِ مَاهِرٌ بَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى : " طَبِيبٌ " فَيَتَقَيَّدُ الْوَصْفُ بِالْمَهَارَةِ بِكَوْنِهَا فِي الطِّبِّ خَاصَّةً وَبَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى زَيْدٍ فَيَكُونُ مَوْصُوفًا بِالْمَهَارَةِ مُطْلَقًا لَا أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِصِفَةٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرَ الْأَصْفَهَانِيُّ ( وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ ) أَيْ إجْمَالَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمِثْلِ ( فِي مُفْرَدٍ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ ) قُلْت : لَكِنْ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي اللَّفْظِ لِاشْتِرَاكِهِ أَوْ لِإِعْلَالِهِ فِي مُفْرَدٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ اشْتِرَاطِهِ ( وَعِنْدَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( الْمُتَشَابِهُ لَكِنْ مُقْتَضَى ) كَلَامِ ( الْمُحَقِّقِينَ تُسَاوِيهِمَا ) أَيْ الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ ( لِتَعْرِيفِهِمْ الْمُجْمَلَ بِمَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ ) قِيلَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِمَا وَالدَّلَالَةُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّةٌ .
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظٌ وَخَرَجَ بِلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ الْمُهْمَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِهَا ( وَبِمَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَلَعَلَّهُ بِالْعِنَايَةِ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقِيلَ : اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَلِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ : إنْ أَرَادَ بِالْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ( وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ ) مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرَادَ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَصَحِيحٌ أَنَّ

عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٍ مِثْلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُهْمَلِ وَلَفْظِ الْمُسْتَحِيلِ كَذَلِكَ ، وَلَيْسَ بِمُجْمَلٍ ، وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الْمُجْمَلِ أَحَدُ مَحَامِلِهِ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ ، وَهُوَ شَيْءٌ فَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهِ وَالْمُجْمَلُ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا كَقِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَوَازِ وَالسَّهْوِ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَدِّ ؛ إذْ لَيْسَ لَفْظًا وَحِينَئِذٍ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ بَلْ هِيَ وَارِدَةٌ ظَاهِرًا .
وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِالْعِنَايَةِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ وَبِالشَّيْءِ مَا يَصِحُّ إطْلَاقُ لَفْظِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ لُغَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ وَبِفَهْمِ الشَّيْءِ فَهْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ ، وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ الْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ ، وَهُوَ لَا مَحَالَةَ لَفْظٌ قُلْت : وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْأَوَّلُ إنَّمَا قَالَ مَا وَلَمْ يَقُلْ لَفْظُ لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ الْمُجْمَلَ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ يَكُونُ فِيهِ أَيْضًا بَلْ حَيْثُ كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْمُجْمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَتْنِ يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُجْمَلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ

( وَالْمُتَشَابِهُ ) أَيْ وَلِتَعْرِيفِهِمْ إيَّاهُ ( بِغَيْرِ الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى ) فَهَذَا تَسَاوٍ ظَاهِرٌ بَلْ اتِّحَادٌ ( وَجَعَلَ الْبَيْضَاوِيُّ إيَّاهُ ) أَيْ الْمُتَشَابِهَ ( مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ ) حَيْثُ قَالَ : وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ الْمُحْكَمُ وَبَيْنَ الْمُجْمَلِ وَالْمُؤَوَّلِ الْمُتَشَابِهُ ، وَفَسَّرَ الشَّارِحُونَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ النَّصُّ بِأَنَّهُ رَاجِحٌ مَانِعٌ مِنْ النَّقِيضِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ بِعَدَمِ الرُّجْحَانِ وَيَمْتَازُ الْمُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ دُونَ الْمُجْمَلِ فَيَكُونُ الْمُتَشَابِهُ مَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ لَا مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِهِ ( مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ ظَهَرَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ بِالْمُوجِبِ ) لَهُ فَصَارَ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ رَاجِحًا ( لَا يُقَالُ : يُرِيدُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْمُؤَوَّلِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ ( فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوجِبِ ) لَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لَهُ .
وَإِنَّمَا لَا يُقَالُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُؤَوَّلَ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَوْنِ الْمُرَادِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ ( ظَاهِرٌ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوجِبِ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ( لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُتَشَابِهٌ ) لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ جِنْسٌ لَهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ ( وَأَيْضًا يَجِيءُ مِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا ( فِي الْمُجْمَلِ ) فَيُقَالُ : الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّضِحِ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرَ رَاجِحِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّضِحِهِ أَوْ رَاجِحِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَحِقَهُ بَيَانٌ مُجْمَلًا ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ وَاضِحِ الْمَعْنَى وَلَا رَاجِحِهِ ( لَكِنْ مَا لَحِقَهُ بَيَانٌ خَرَجَ عَنْ الْإِجْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَسُمِّيَ مُبَيَّنًا عِنْدَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( وَالْحَنَفِيَّةِ )

قَالُوا : ( إنْ كَانَ ) الْبَيَانُ ( شَافِيًا بِقَطْعِيٍّ فَمُفَسَّرٌ ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُفَسَّرٌ كَبَيَانِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ( أَوْ ) كَانَ الْبَيَانُ شَافِيًا ( بِظَنِّيٍّ فَمُؤَوَّلٌ ) أَيْ فَالْمُجْمَلُ حِينَئِذٍ مُؤَوَّلٌ كَبَيَانِ مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( أَوْ ) كَانَ الْبَيَانُ ( غَيْرَ شَافٍ خَرَجَ ) الْمُجْمَلُ ( عَنْ الْإِجْمَالِ إلَى الْإِشْكَالِ ) لِأَنَّ خَفَاءَ الْإِشْكَالِ دُونَ الْإِجْمَالِ كَبَيَانِ الرِّبَا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( فَجَازَ طَلَبُهُ ) أَيْ بَيَانُهُ حِينَئِذٍ ( مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ ) ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمُشْكِلِ مِمَّا يُكْتَفَى فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْإِجْمَالِ .
( فَلِذَا ) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ ( رُدَّ مَا ظُنَّ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمُقْتَرِنَ بِبَيَانٍ ) لِلْمُرَادِ مِنْهُ ( مُجْمَلٌ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ مُبَيَّنٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُقَارِنِ ) وَالظَّانُّ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالرَّادُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَفْظُهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَمْ يُعْرَفْ اصْطِلَاحٌ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الْقَوْمِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْمُبَيَّنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَيَّنٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ مُرَادُهُ بَلْ إنَّمَا عُرِفَ بِالْبَيَانِ ( وَالْحَاصِلُ أَنَّ لُزُومَ الِاسْمَيْنِ ) الْمُبَيَّنِ وَالْمُجْمَلِ ( بِاعْتِبَارِ مَا ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلَّفْظِ مِنْ الْبَيَانِ أَوْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ الْبَيَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ( فَالْمُجْمَلُ أَعَمُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ كَوْنَهُ أَعَمَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( أَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِهِ ) أَيْ الْمُجْمَلِ ( يُدْرَكُ ) بَيَانُهُ ( عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَبَعْضُهُ ) أَيْ الْمُجْمَلِ ( لَا ) يُدْرَكُ بَيَانُهُ ( إلَّا مِنْهُ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ ( إذْ لَا يُنْكَرُ جَوَازُ وُجُودِ إبْهَامٍ كَذَلِكَ ) أَيْ لَا

يُدْرَكُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ ( وَكَذَا الْمُتَشَابِهُ ) بَعْضُ أَقْسَامِهِ يُدْرَكُ عَنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَبَعْضُهَا لَا أَيْضًا لِتُسَاوِيهِمَا ( إلَّا أَنَّهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةَ ( وَالْأَكْثَرَ عَلَى إمْكَانِ دَرْكِهِ ) أَيْ الْمُتَشَابِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي الدُّنْيَا ( خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ) حَيْثُ قَالُوا : لَا يُمْكِنُ دَرْكُهُ فِيهَا أَصْلًا ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَمْسَ الْأَئِمَّةِ اسْتَثْنَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا أَنَّ الْمُتَشَابِهَ وَضَحَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ الرَّاسِخَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ .
( وَحَقِيقَةُ الْخِلَافِ ) بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ ( فِي وُجُودِ قِسْمٍ ) مِنْ أَقْسَامِ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ خَفَاءِ دَلَالَتِهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ انْقِطَاعِ رَجَاءِ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ عَنْ ) وُجُودِ ( قِسْمٍ شَرْعِيٍّ ) أَيْ مِنْ الْخِطَابَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَهُوَ الْخِطَابُ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ مِنْهُ - تَعَالَى - أَوْ لَا ( لَا لُغَوِيٌّ اُسْتُتْبِعَ ) أَيْ اُسْتُطْرِدَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ ( فَجَازَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( اتِّبَاعُهُ طَلَبًا لِلتَّأْوِيلِ وَامْتَنَعَ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ وَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ بِإِيجَابِ اعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ ) أَيْ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُ عَلَى الْإِبْهَامِ ( وَتَرْكِ الطَّلَبِ ) لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا ( تَسْلِيمًا عَجْزًا ) أَيْ اسْتِسْلَامًا لِلَّهِ وَاعْتِرَافًا بِالْقُصُورِ عَنْ دَرْكِ ذَلِكَ

لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَلِأَنَّ الِابْتِلَاءَ فِي الْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّفْوِيضُ إلَيْهِ وَاعْتِقَادُ حَقِّيَّةِ مَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِدُونِ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِ عُبُودِيَّةً وَالْإِمْعَانُ فِي الطَّلَبِ ائْتِمَارٌ بِالْأَمْرِ وَهُوَ عِبَادَةٌ وَالْعُبُودِيَّةُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهَا الرِّضَا بِمَا يَفْعَلُ الرَّبُّ - سُبْحَانَهُ - وَالْعِبَادَةُ فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ ، وَالْعِبَادَةُ تَسْقُطُ فِي الْعُقْبَى وَالْعُبُودِيَّةُ لَا فَظَهَرَ أَنْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ هَذَا عَقْلًا ( بَلْ ) إنَّمَا النِّزَاعُ ( فِي وُقُوعِهِ ) أَيْ الْخِطَابِ بِمَا لَا يُفْهَمُ ابْتِلَاءً لِلرَّاسِخِينَ كَمَا ذَكَرْنَا ( فَالْحَنَفِيَّةُ نَعَمْ ) هُوَ وَاقِعٌ ( لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } ( عَطْفُ جُمْلَةٍ ) اسْمِيَّةٍ الْمُبْتَدَأُ مِنْهَا الرَّاسِخُونَ ( خَبَرُهُ يَقُولُونَ ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ مِنْ الْكِتَابِ مُتَشَابِهًا يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ قِسْمٌ وَصَفَهُمْ بِالزَّيْغِ فَلَوْ اقْتَصَرَ ) عَلَى هَذَا ( حُكِمَ بِمُقَابِلِهِمْ قِسْمٌ بِلَا زَيْغٍ لَا يَبْتَغُونَ ) تَأْوِيلَهُ ( عَلَى وِزَانِ { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ } اقْتَضَى مُقَابِلَهُ ) وَهُوَ { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } فَلَهُمْ كَذَا وَكَذَا ( فَتَرَكَهُ ) إيجَازُ الدَّلَالَةِ قَسِيمُهُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ الْأَسَالِيبِ الْبَلَاغِيَّةِ ( فَكَيْفَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَعْنِي " الرَّاسِخُونَ " وَصَحَّتْ جُمْلَةُ التَّسْلِيمِ ) وَهِيَ : " يَقُولُونَ آمَنَا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا " ( خَبَرًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ " الرَّاسِخُونَ ( فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ ) وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ } " جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ .
( فَإِنْ قِيلَ قِسْمُ

الزَّيْغِ الْمُتَّبِعُونَ ) { مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } وَالتَّأْوِيلِ ، فَالْقِسْمُ الْمَحْكُومُ بِمُقَابَلَتِهِ بِنَفْيِ الْأَمْرَيْنِ ) ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَالتَّأْوِيلِ جَمِيعًا لَا يَنْفِي أَحَدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ذَمُّ مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ التَّأْوِيلِ فَقَطْ ( قُلْنَا قِسْمُ الزَّيْغِ بِابْتِغَاءِ كُلٍّ ) مِنْ الْوَصْفَيْنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ ( لَا الْمَجْمُوعُ ؛ إذْ الْأَصْلُ اسْتِقْلَالُ الْأَوْصَافِ ) عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَمِّ مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ فَقَطْ بِأَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى الظَّاهِرِ بِلَا تَأْوِيلٍ فَكَذَا مَنْ اتَّبَعَهُ ابْتِغَاءَ التَّأْوِيلِ فَقَطْ ( وَلِأَنَّ جُمْلَةَ يَقُولُونَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الرَّاسِخُونَ عَطْفًا عَلَى اللَّهِ لَا قَسِيمًا لِقَوْلِهِ { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ( حَالٌ ) مِنْ الرَّاسِخُونَ ( وَمَعْنَى مُتَعَلَّقِهَا ) أَيْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ ( يَنْبُو عَنْ مُوجِبِ عَطْفِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي عَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ يُقَالُ لِلْعَجْزِ وَالتَّسْلِيمِ ) وَهَذَا التَّقْدِيرُ يُنَافِيهِ ( وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ ) فَيَقُولُونَ لِيُوَافِقَ قَسِيمَهُ فَحُذِفَتْ أَمَّا مِنْهُ لِدَلَالَةِ ذِكْرِهَا ثَمَّةَ عَلَيْهَا هُنَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تُوجَدُ مُفَصَّلَةً إلَّا وَتُثَنَّى أَوْ تُثَلَّثُ ثُمَّ حُذِفَتْ الْفَاءُ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِهَا وَحِينَئِذٍ يُقَالُ .
( فَإِذَا ظَهَرَ الْمَعْنَى وَجَبَ كَوْنُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْحَالِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَى الظَّاهِرِ ) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْبَلَاغَةِ ( مَعَ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِلْعَامِلِ ، وَلَيْسَ عِلْمُهُمْ ) أَيْ الرَّاسِخُونَ بِتَأْوِيلِهِ ( مُقَيَّدًا بِحَالِ قَوْلِهِمْ { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُنَافِي كَوْنَ يَقُولُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْ الرَّاسِخِينَ ثُمَّ إيضَاحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْآيَةَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالتَّقْسِيمِ ، فَالْجَمْعُ قَوْله تَعَالَى { هُوَ

الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ } وَالتَّقْسِيمُ قَوْلُهُ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } وَالتَّفْرِيقُ قَوْلُهُ { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ قَوْلِهِ : { وَالرَّاسِخُونَ } قَسِيمًا لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ فَأَمَّا الزَّائِغُونَ فَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ .
وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فَيَتَّبِعُونَ الْمُحْكَمَ وَيَرُدُّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ إنْ قَدَّرُوا وَإِلَّا فَيَقُولُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ جِيءَ بِقَوْلِهِ { وَمَا يَذَّكَّرُ إلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } تَذْيِيلًا وَتَعْرِيضًا بِالزَّائِغِينَ وَمَدْحًا لِلرَّاسِخَيْنِ يَعْنِي مَنْ لَمْ يَذَّكَّرْ ، وَلَمْ يَتَّعِظْ وَيَتَّبِعْ هَوَاهُ فَلَيْسَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الرَّاسِخُونَ : { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَةً إنَّك أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَمَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ بِمَا يُعْرَفُ ثَمَّةَ لَا يَدْفَعُ ظُهُورَ هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّوْجِيهِ مَعَ الْإِنْصَافِ ( وَأَيَّدَ حَمْلَنَا قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِنْ تَأْوِيلُهُ إلَّا عِنْدَ اللَّهِ ) وَقِرَاءَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ كَمَا أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعُزِيَتْ إلَى أُبَيِّ أَيْضًا .
( فَلَوْ لَمْ تَكُنْ ) قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ( حُجَّةً ) مُسْتَقِلَّةً ( صَلَحَتْ مُؤَيِّدًا ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ ( عَلَى وِزَانِ ضَعِيفِ الْحَدِيثِ ) الَّذِي ضَعْفُهُ لَيْسَ بِسَبَبِ فِسْقِ رَاوِيهِ ( يَصْلُحُ شَاهِدًا ) لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ عَلَى وَفْقِهِ بِإِجْمَاعٍ ظَنِّيٍّ أَوْ قِيَاسٍ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُثْبِتًا ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ لَوْ انْفَرَدَ ( فَكَيْفَ وَالْوَجْهُ مُنْتَهِضٌ عَلَى الْحُجِّيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى ) أَيْ حُجِّيَّةِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ إذَا صَحَّتْ

عَمَّنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا مِثْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ لَا تَنْزِلُ عَنْ كَوْنِهَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْرَؤُهَا رِوَايَةً عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي يَعْنِي فِي مَبَاحِثِ الْكِتَابِ وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } إلَى قَوْلِهِ { أُولُو الْأَلْبَابِ } قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ } وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي قَوْله تَعَالَى { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } انْتَهَى عِلْمُهُمْ إلَى أَنْ آمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وُضُوحُ الْمُتَشَابِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَتَرَاءَى مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إنْ وَجَبَ عَلَى { إلَّا اللَّهُ } كَمَا هُوَ مُخْتَارُهُمَا مُوَافَقَةً لِلسَّلَفِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْلَمَهُ الرَّسُولُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْخَلَفِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّسُولُ مَخْصُوصًا بِعِلْمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَقْفِ عَلَى إلَّا اللَّهُ وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ تَأْوِيلَهُ بِدُونِ تَعْلِيمِ اللَّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ

} أَيْ لَا يَعْلَمُ بِدُونِ تَعْلِيمِ اللَّهِ إلَّا اللَّهُ فَيَكُونُ إلَّا حِينَئِذٍ بِمَعْنَى غَيْرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مَخْصُوصًا بِالتَّعْلِيمِ بِدُونِ إذْنٍ بِالْبَيَانِ لِغَيْرِهِ فَيَبْقَى غَيْرَ مَعْلُومٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي حَصْرَ الْعِلْمِ عَلَى اللَّهِ ، وَإِذَا صَارَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمًا بِالْمُتَشَابِهَاتِ النَّازِلَةِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالتَّعْلِيمِ لَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ وَكَانَ يُقَالُ : تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيمُ حَاصِلًا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ الرَّسُولُ عَالِمًا بِالْمُتَشَابِهِ قَبْلَ نُزُولِهَا فَيَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ بِقَوْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَبِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى حَصْرِ الْعِلْمِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي ذُكِرَ أَلَا تَرَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ تُوجِبُ حَصْرَ عِلْمِ الْغَيْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى ، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُ اللَّهِ بِتَعْلِيمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } فَكَذَا هُنَا كَذَا فِي الْكَشْفِ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ لِمَنْ تَحَقَّقَ ثُمَّ بَقِيَ مَنْ الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ ؟ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ وَصَدَقَ لِسَانُهُ وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ }

( وَجَرَتْ عَادَةُ الشَّافِعِيَّةِ بِاتِّبَاعِ الْمُجْمَلِ بِخِلَافٍ فِي جُزْئِيَّاتٍ أَنَّهَا مِنْهُ فِي مَسَائِلَ الْأُولَى التَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى الْأَعْيَانِ ) كَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } وَالتَّحْلِيلُ الْمُضَافُ إلَيْهَا نَحْوُ { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } ( عَنْ الْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( إجْمَالُهُ وَالْحَقُّ ) كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ ( ظُهُورُهُ ) أَيْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ ( فِي مُعَيَّنٍ لَنَا الِاسْتِقْرَاءُ فِي مِثْلِهِ ) مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إلَى الذَّوَاتِ تُفِيدُ عُرْفًا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَتَّى إنَّ الْمُرَادَ مِنْ إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا ( إرَادَةُ مَنْعِ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ ( حَتَّى كَانَ ) الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ ( مُتَبَادِرًا ) أَيْ سَابِقًا إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا ( مِنْ : حُرِّمَتْ الْحَرِيرُ وَالْخَمْرُ وَالْأُمَّهَاتُ ) وَهُوَ اللُّبْسُ فِي الْحَرِيرِ وَالشُّرْبُ فِي الْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الظُّهُورِ ( فَلَا إجْمَالَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلٍ ) يَتَعَلَّقُ بِهَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ تَكْلِيفٌ هُوَ بِمَا هُوَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ ، وَمَقْدُورُهُ الْفِعْلُ لَا الْعَيْنُ فَإِنْ قُدِّرَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فَمُحَالٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الِامْتِنَاعَ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِالْبَعْضِ فَيُقَدِّرُ هُوَ لَا الْجَمِيعُ لِأَنَّ مَا يُقَدَّرُ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ( وَلَا مُعِينَ ) لِلْبَعْضِ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ ( قُلْنَا تَعَيَّنَ ) الْبَعْضُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَيْنِ ( بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ سَبْقِهِ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا وَعَادَةً ثُمَّ هُنَا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ حَقِيقِيٌّ أَوْ مَجَازِيٌّ فَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْفِعْلُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهَا

لَيْسَتْ لِنَفْسِ الْمَالِ بَلْ لِكَوْنِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ فَالْأَكْلُ كُلُّ مُحَرَّمٍ ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ حَلَالًا بِأَنْ يَأْكُلَهُ مَالِكُهُ أَوْ يُؤْكِلَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ إمَّا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ أَوْ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْفِعْلُ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَنْشَأُ حُرْمَتِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَحُرْمَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ مَجَازٌ أَيْضًا كَالْأَوَّلِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ عَلَى قَوْلِهِمْ : مَجَازًا عَقْلِيًّا إذْ لَمْ يَتَجَوَّزْ فِي لَفْظِ حُرِّمَتْ وَلَا فِي لَفْظِ الْخَمْرِ ا هـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَالْمَحَلُّ أَصْلٌ ، وَالْفِعْلُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّ الْمَحَلَّ أُخْرِجَ أَوَّلًا مِنْ قَبُولِ الْفِعْلِ وَمُنِعَ ثُمَّ صَارَ الْفِعْلُ مُخَرَّجًا وَمَمْنُوعًا مِنْ الِاعْتِبَارِ تَبَعًا فَحَسُنَ نِسْبَةُ الْحُرْمَةِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْمَحَلِّ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْفِعْلِ شَرْعًا حَتَّى كَأَنَّهُ الْحَرَامُ نَفْسُهُ وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ إلَّا لِلْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْحُكْمِ ، وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَعْلِيقُهُ بِالْعَيْنِ تَجَوُّزٌ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مَثَلًا أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ الْخَمْرِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ لَكِنْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَنَحْوَهَا يَجِبُ تَنَاوُلُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِنْ أُضِيفَ الْحُرْمَةُ إلَى عَيْنِهَا ، وَمَالُ الْغَيْرِ لَا يَجِبُ تَنَاوُلُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَلْ الصَّبْرُ أَوْلَى وَإِنْ مَاتَ نَعَمْ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ هَذَا التَّقْرِيرُ إظْهَارُ فَائِدَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ النِّسْبَةُ إلَى الْفِعْلِ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ النِّسْبَةُ

إلَى الْعَيْنِ وَهِيَ قَصْدُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِانْتِهَاءِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَزْدَوِيُّ مَعَ تَوْجِيهٍ مِنْ عِنْدِهِ مُصَحِّحٍ لَهُ إنْ تَمَّ ، وَإِلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ فَقَالَ : ( وَادِّعَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( الْحَقِيقَةَ ) فِيمَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ ( لِقَصْدِ إخْرَاجِ الْمَحَلِّ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ تَصْحِيحُهُ بِادِّعَاءِ تَعَارُفِ تَرْكِيبِ مَنْعِ الْعَيْنِ لِإِخْرَاجِهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ الْمُتَبَادِرِ لَا مُطْلَقًا ) فَإِنَّ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } لَا يُفِيدُ إخْرَاجَهَا عَنْ مَحَلِّيَّةِ كُلِّ فِعْلٍ لِلِابْنِ مِنْ تَقْبِيلِ رَأْسِهَا إكْرَامًا وَنَظَرِهِ إلَيْهَا رَحْمَةً وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَفِيهِ ) أَيْ وَفِي هَذَا الِادِّعَاءِ ( زِيَادَةُ بَيَانِ سَبَبِ الْعُدُولِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ إلَى التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ سَلَّمَ الْعُرْفُ أَوْ اللُّغَةُ ذَلِكَ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْإِشْكَالُ ا هـ قُلْت : وَقَدْ نَصَّ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً فِي الْعُرْفِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( الثَّانِيَةُ لَا إجْمَالَ فِي { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّأْنَ ( إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا التَّرْكِيبِ ( عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ كَمَالِكٍ أَفَادَ ) هَذَا التَّرْكِيبُ ( مَسْحَ مُسَمَّاهُ ) أَيْ الرَّأْسَ ( وَهُوَ ) أَيْ مُسَمَّى الرَّأْسِ ( الْكُلُّ أَوْ كَانَ ) فِيهِ عُرْفٌ يُصَحِّحُ إرَادَةَ الْبَعْضِ مِنْهُ ( أَفَادَ ) هَذَا التَّرْكِيبُ ( بَعْضًا مُطْلَقًا وَيَحْصُلُ ) الْبَعْضُ الْمُطْلَقُ ( فِي ضِمْنِ الِاسْتِيعَابِ ) أَيْ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ مَسْحُ بَعْضٍ مِنْهُ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ لِصِدْقِ الْبَعْضِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ ( فَلَا إجْمَالَ ) لِظُهُورِهِ فِي بَعْضٍ مُطْلَقٍ ( ثُمَّ ادَّعَى مَالِكٌ عَدَمَهُ ) أَيْ الْعُرْفِ الْمُصَحِّحِ إرَادَةَ الْبَعْضِ ( فَلَزِمَ الِاسْتِيعَابُ ) لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ بِالْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كِلَيْهِمَا مَمْنُوعٌ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَادًّا لَهُ إلَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ } لَكَفَى ( وَالشَّافِعِيَّةُ ثُبُوتُهُ ) أَيْ الْعُرْفِ الْمُصَحِّحِ إرَادَةَ الْبَعْضِ ( فِي نَحْوِ مَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ بِبَعْضِهِ فَلَزِمَ التَّبْعِيضُ .
( أُجِيبَ ) عَنْ هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّبْعِيضَ فِي مِثْلِهِ هُوَ ( الْعُرْفُ فِيمَا هُوَ آلَةٌ لِذَلِكَ ) أَيْ فِيمَا كَانَ مَدْخُولُ الْبَاءِ آلَةَ الْفِعْلِ كَالْيَدِ فِي هَذَا وَمَدْخُولُهَا فِي الْآيَةِ الْمَحَلُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ ) أَيْ التَّبْعِيضَ فِي هَذَا ( لَيْسَ لِلْعُرْفِ ) الْمَذْكُورِ ( بَلْ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَسْحَ فِيهِ ( لِلْحَاجَةِ وَهِيَ ) أَيْ الْحَاجَةُ ( مُنْدَفِعَةٌ بِبَعْضِهِ ) أَيْ الْمِنْدِيلِ عَادَةً ( فَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ ) أَيْ الْبَعْضِ عُرْفًا بِهَذَا السَّبَبِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا كَانَ مُفِيدًا لِلتَّبْعِيضِ فِي مِثْلِهِ لِهَذَا الْعِلْمِ فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِهِ

لِلْعُرْفِ نَعَمْ إسْنَادُهُ إلَيْهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْقَرِيبَةِ مَعَ الْبَعِيدَةِ ( قَالُوا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ ) وَقَدْ دَخَلْت عَلَى الرَّأْسِ فَتَقَيَّدَ كَوْنُ الْمَفْرُوضِ مَسْحَ بَعْضِهِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُهُمْ ( أُجِيبَ بِإِنْكَارِهِ ) أَيْ التَّبْعِيضِ ( كَابْنِ جِنِّي ) بِسُكُونِ الْيَاءِ مُعَرَّبُ كُنِّي بَيْنَ الْكَافِ وَالْجِيمِ .
( وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ) النَّحْوِيِّينَ كَالْفَارِسِيِّ وَالْقُتَبِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ ( ادَّعَوْهُ فِي نَحْوِ شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ) مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجٌ أَيْ شَرِبَ السُّحُبُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ مِنْ لُجَجٍ خُضْرٍ ، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُنَّ تَصْوِيتًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَابْنُ جِنِّي يَقُولُ فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ : لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُنَا ) وَرُدَّ بِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَعْلُومَةٍ نَحْوُ الْعَرَبُ لَمْ تَنْصِبْ الْفَاعِلَ وَظَنِّيَّةٍ عَنْ اسْتِقْرَاءٍ صَحِيحٍ نَحْوُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ مُتَمَكِّنٌ آخِرُهُ وَاوٌ لَازِمَةٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ وَشَائِعَةٍ غَيْرِ مُنْحَصِرَةٍ نَحْوُ لَمْ يُطَلِّقْ زَيْدٌ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهَذَا هُوَ الْمَرْدُودُ ، وَكَلَامُ ابْنِ جِنِّي مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الِاطِّلَاعِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ وَسَيَحْكِي الْمُصَنِّفُ إنْكَارَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَنَّ الْبَاءَ فِي هَذَا زَائِدَةٌ ، وَأَنَّ زِيَادَتَهَا اسْتِعْمَالٌ كَثِيرُ مُتَحَقِّقٌ .
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ : وَالْأَجْوَدُ تَضْمِينُ شَرِبْنَ مَعْنَى رَوَيْنَ ( وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَهَا لِلتَّبْعِيضِ ( ضَعِيفٌ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ ) فِي كَوْنِهَا لَهُ ( وَلِأَنَّ الْإِلْصَاقَ مَعْنَاهَا ) وَالْأَحْسَنُ وَلِأَنَّ مَعْنَاهَا الْإِلْصَاقُ ( الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَهَا مُمْكِنٌ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْمَعْنَى : أَلْصَقُوا الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ ( فَيَلْزَمُ ) كَوْنُهُ الْمُرَادَ

بِهَا هُنَا ( وَيَثْبُتُ التَّبْعِيضُ اتِّفَاقِيًّا لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمُلْصَقِ ) الَّذِي هُوَ آلَةُ الْمَسْحِ عَادَةً ، وَهِيَ الْيَدُ الْمُلْصَقَ بِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ كَمَا يَأْتِي مَزِيدُ إيضَاحِهِ ( لَا ) أَنَّ التَّبْعِيضَ يَثْبُتُ لَهَا ( مَدْلُولًا وَجْهُ الْإِجْمَالِ أَنَّ الْبَاءَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تُعِدِّي الْفِعْلَ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوْعِبُهُ ) أَيْ الْفِعْلُ الْمَحَلَّ ( كَمَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ ) فَالْيَدُ كُلُّهَا مَمْسُوحَةٌ ( وَفِي قَلْبِهِ ) أَيْ إذَا دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ ( يَتَعَدَّى ) الْفِعْلُ ( إلَى الْآلَةِ فَيَسْتَوْعِبُهَا ) أَيْ الْفِعْلُ الْآلَةَ ( وَخُصُوصُ الْمَحَلِّ هُنَا ) وَهُوَ الرَّأْسُ ( لَا يُسَاوِيهَا ) أَيْ الْآلَةَ الَّتِي هِيَ الْيَدُ ( فَلَزِمَ تَبْعِيضُهُ ) أَيْ الْمَحَلِّ ضَرُورَةَ نُقْصَانِهَا عَنْهُ فِي الْمِقْدَارِ ( ثُمَّ مُطْلَقُهُ ) أَيْ التَّبْعِيضِ ( لَيْسَ بِمُرَادٍ وَإِلَّا اُجْتُزِئَ ) أَيْ : اُكْتُفِيَ ( بِالْحَاصِلِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْرُطُ التَّرْتِيبَ وَالْكُلُّ ) يَعْنِي مَنْ شَرَطَ التَّرْتِيبَ وَمَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ ( عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الِاجْتِزَاءِ بِذَلِكَ ( فَلَزِمَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْبَعْضِ ( مِقْدَارًا ، وَلَا مُعَيَّنَ ) لِكَمْيَّتِهِ .
( فَكَانَ ) الْبَعْضُ ( مُجْمَلًا فِي الْكَمْيَّةِ الْخَاصَّةِ ، وَقَدْ يُقَالُ : عَدَمُ الِاجْتِزَاءِ لِحُصُولِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ ( تَبَعًا لِتَحْقِيقِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُوجِبُ نَفْيَ الْإِطْلَاقِ اللَّازِمِ ) لِلْإِلْصَاقِ فَلَا إجْمَالَ ( وَالْحَقُّ أَنَّ التَّبْعِيضَ اللَّازِمَ ) لِلْإِلْصَاقِ ( مَا بِقَدْرِ الْآلَةِ ) لِلْمَسْحِ الَّتِي هِيَ الْيَدُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّبْعِيضَ ( جَاءَ ضَرُورَةَ اسْتِيعَابِهَا ) أَيْ الْآلَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْآلَةُ ( غَالِبًا كَالرُّبْعِ فَلَزِمَ ) الرُّبْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا الْإِجْمَالُ ، وَلَا الْإِطْلَاقُ مُطْلَقًا ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الرُّبْعِ ( النَّاصِيَةَ ) وَهِيَ الْمُقَدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ ( أَفْضَلُ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَاءِ

( الثَّالِثَةُ لَا إجْمَالَ فِي نَحْوِ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ } ) الْحَدِيثَ ، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ بِمَعْنَاهُ خِلَافًا لَلْبَصْرِيِّينَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ ( لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا التَّرْكِيبِ ( قَبْلَ الشَّرْعِ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إرَادَتِهِ ) أَيْ رَفْعَهَا ( شَرْعًا ) فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْعِقَابِ وَقَدْ رُفِعَ قُلْنَا لَا ( وَلَيْسَ الضَّمَانُ عُقُوبَةً ) إذْ يُفْهَمُ مِنْ الْعِقَابِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِيذَاءُ وَالزَّجْرُ ، وَالضَّمَانُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ ( بَلْ ) يَجِبُ ( جَبْرُ الْحَالِ الْمَغْبُونِ ) الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجْمِلُونَ الْمَفْهُومُونَ مِمَّا تَقَدَّمَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُمْ فِي هَذِهِ أَوَّلًا وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي غَيْرِهَا ( الْإِضْمَارُ ) لِمُتَعَلِّقِ الرَّفْعِ ( مُتَعَيِّنٌ ) كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَلَا مُوجِبَ لِجَمِيعِهِ ( وَلَا مُعَيَّنَ ) لِبَعْضٍ بِخُصُوصِهِ فَلَزِمَ الْإِجْمَالُ ( أُجِيبَ عَيَّنَهُ ) أَيْ الْبَعْضَ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ رَفْعُ الْعُقُوبَةِ ( الْعُرْفُ الْمَذْكُورُ )

( الرَّابِعَةُ لَا إجْمَالَ فِيمَا يُنْفَى مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ مَحْذُوفَةَ الْخَبَرِ كَ { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } ) فَمَا زَادَ أَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَاكِمُ وَقَالَ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ ( إلَّا بِطَهُورٍ ) وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ السَّكَنِ { أَلَا لَا صَلَاةَ إلَّا بِوُضُوءٍ } ( خِلَافًا لِلْقَاضِي ) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ ( لَنَا أَنْ ثَبَتَ ) أَنَّ الصِّحَّةَ جُزْءٌ مَفْهُومٌ ( الِاسْمُ الشَّرْعِيُّ ) وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ( وَلَا عُرْفَ ) لِلشَّارِعِ ( يَصْرِفُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَفْهُومَ الشَّرْعِيَّ ( لَزِمَ تَقْدِيرُ الْوُجُودِ ) لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي { لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ } ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الصِّحَّةِ جُزْءَ مَفْهُومِ الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ ( فَإِنْ تُعُورِفَ صَرْفُهُ ) أَيْ النَّفْيِ شَرْعًا فِي مِثْلِ ذَلِكَ ( إلَى الْكَمَالِ لَزِمَ ) تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : هُوَ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ صَرْفُهُ شَرْعًا فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى الْكَمَالِ ( لَزِمَ تَقْدِيرُ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ تَقْدِيرَهَا ( أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ ) الَّتِي هِيَ الْحَقِيقَةُ الْمُتَعَذِّرَةُ مِنْ تَقْدِيرِ الْكَمَالِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ كَالْعَدَمِ فِي عَدَمِ الْجَدْوَى بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكْمُلْ كَمَا فِي { لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَلَا يَضُرُّ هَذَا الْحَنَفِيَّةَ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ فَقَضَوْا حَقَّهُ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِهَا ( وَهَذَا ) أَيْ : لُزُومُ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ( تَرْجِيحٌ لِإِرَادَةِ بَعْضِ الْمَجَازَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ ) عَلَى بَعْضٍ بِالْمُقْتَضَى لَهُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ( لَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ) السَّالِفِ فِي بَحْثِ الْمَفْهُومِ عَدَمُ

جَوَازِهِ ( قَالُوا ) : أَيْ الْمُجْمِلُونَ ( الْعُرْفُ ) شَرْعًا فِيهِ ( مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ ) بِشَهَادَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ ( فَلَزِمَ الْإِجْمَالُ قُلْنَا : مَمْنُوعٌ ) ذَلِكَ وَلَا شَهَادَةَ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ( بَلْ ) الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ التَّقْدِيرِ ( لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْمَوَارِدِ )

( الْخَامِسَةُ لَا إجْمَالَ فِي الْقَطْعِ وَالْيَدِ فَلَا إجْمَالَ فِي { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَشِرْذِمَةٌ نَعَمْ ) أَيْ فِي الْقَطْعِ ، وَالْيَدِ إجْمَالٌ ( فَنَعَمْ ) أَيْ فَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُجْمَلَةٌ فِيهِمَا ( لَنَا أَنَّهُمَا ) أَيْ الْقَطْعَ وَالْيَدَ ( لُغَةً لِجُمْلَتِهَا ) أَيْ الْيَدِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ( إلَى الْمَنْكِبِ ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ رَأْسِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ ( وَالْإِبَانَةُ ) أَيْ لِفَصْلِ الْمُتَّصِلِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجْمِلُونَ ( يُقَالُ ) الْيَدُ ( لِلْكُلِّ ) أَيْ لِمَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَا مِنْهَا إلَى الْمِرْفَقِ ( وَإِلَى الْكُوعِ ) أَيْ وَيُقَالُ لِمَا مِنْهَا إلَى طَرَفِ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ ( وَالْقَطْعُ لِلْإِبَانَةِ وَالْجَرْحِ ) أَيْ شَقُّ الْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ) وَلَا مُرَجِّحَ فَكَانَا مُجْمَلَيْنِ .
( وَالْجَوَابُ ) الْمَنْعُ ( بَلْ ) كُلٌّ مِنْ الْيَدِ وَالْقَطْعِ ( مَجَازٌ فِي ) الْمَعْنَى ( الثَّانِي ) لَهُمَا وَهُوَ مَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعِ فِي الْيَدِ وَكَذَا فِيمَا مِنْهَا إلَى الْمِرْفَقِ ، وَالْجَرْحِ فِي الْقَطْعِ ( لِلظُّهُورِ ) أَيْ لِظُهُورِ لَفْظِ الْيَدِ وَلَفْظِ الْقَطْعِ ( فِي الْأَوَّلَيْنِ ) وَهُوَ مَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ فِي الْيَدِ وَالْإِبَانَةِ فِي الْقَطْعِ ( فَلَا إجْمَالَ وَاسْتَدَلَّ ) بِمُزَيَّفٍ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ عَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي الْيَدِ وَالْقَطْعِ وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ ) اللَّفْظِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْمَعَانِي ( وَالتَّوَاطُؤُ ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا فِيهَا لِوَضْعِ لَفْظِهِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا ( وَالْمَجَازُ ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهَا مَجَازًا لِلْبَاقِي ( وَالْإِجْمَالُ عَلَى أَحَدِهَا ) أَيْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( عَلَى اثْنَيْنِ ) مِنْهَا وَهُمَا التَّوَاطُؤُ لِحَمْلِهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ، وَالْمَجَازُ لِحَمْلِهِ عَلَى

الْحَقِيقَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ الْإِجْمَالِ ( أَوْلَى ) لِأَنَّ وُقُوعَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْأَقْرَبُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ فَيُظَنُّ عَدَمُ الْإِجْمَالِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
( وَدُفِعَ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِتَعْيِينِ مَا وُضِعَ لَهُ الْيَدُ بِالتَّرْجِيحِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْإِجْمَالِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّوَاطُؤِ مَمْنُوعٌ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَا يُتَصَوَّرُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إضَافَةُ الْقَطْعِ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ( إلَّا عَلَى إرَادَةِ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ ) أَيْ الْإِطْلَاقُ ( مُنْتَفٍ إجْمَاعًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَمْرَ بِقَطْعِ مَا شَاءَ الْإِمَامُ مِنْ بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا كَمَا هُوَ اللَّازِمُ مِنْ إرَادَةِ الْإِطْلَاقِ ( فَكَانَ ) مَحَلُّ الْقَطْعِ ( مَحَلًّا مُعَيَّنًا مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْيَدِ ( وَلَا مُعَيَّنَ ، وَالْحَقُّ لَا تَوَاطُؤَ ، وَإِلَّا نَاقَضَ كَوْنَهُ لِلْكُلِّ ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُتَوَاطِئًا كَانَ كُلِّيًّا يَصْدُقُ عَلَى كَثِيرِينَ فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ الْيَدِ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ بِخُصُوصِهِ اسْمُ الْيَدِ حَقِيقَةً كَالْأُصْبُعِ ، وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلْكُلِّ الْمُعَيَّنِ الَّذِي أَوَّلُهُ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَآخِرُهُ الْمَنْكِبُ فَإِنَّ مَا بَيْنَ ذَلِكَ يَكُونُ أَجْزَاءَ الْمُسَمَّى ، وَعَلَى التَّوَاطُؤِ جُزْئِيَّاتُهُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ الْقَطْعُ ( لَكِنْ نَعْلَمُ إرَادَةَ الْقَطْعِ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّ لَا إرَادَةُ الْقَطْعِ مِنْ الْمَنْكِبِ ، وَلَا الْإِطْلَاقُ لِلْحَاكِمِ بِأَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ ( وَلَا مُعَيَّنَ ) لِذَلِكَ الْخُصُوصِ ( فَإِجْمَالُهُ فِيهِ ) أَيْ فَكَانَ الْقَطْعُ مُجْمَلًا فِي حَقِّ الْمَحِلِّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَأَمَّا إلْزَامُ أَنْ لَا مُجْمَلَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَتِمُّ

هَذَا التَّوْجِيهُ لِلْإِجْمَالِ فِي الْيَدِ وَالْقَطْعِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ مُجْمَلٍ إلَّا يَجْرِي فِيهِ هَذَا بِعَيْنِهِ ( فَدُفِعَ ) هَذَا الْإِلْزَامُ ( بِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ جَرَيَانَ هَذَا التَّوْجِيهِ فِي كُلِّ مُجْمَلٍ ( إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ) الْإِجْمَالُ بِدَلِيلِهِ ( لَكِنْ تَعَيُّنُهُ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( ثَابِتٌ بِالْعِلْمِ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ ) وَهِيَ كُلُّهَا مُجْمَلَةٌ لِصِدْقِ الْمُجْمَلِ عَلَيْهَا

( السَّادِسَةُ لَا إجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمَّيَانِ لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ بَلْ ) ذَلِكَ اللَّفْظُ إذَا صَدَرَ عَنْ الشَّرْعِ ( ظَاهِرٌ فِي الشَّرْعِيِّ ) فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّهْيِ وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَثَانِيهَا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِيهِمَا ( وَثَالِثُهَا لِلْغَزَالِيِّ فِي النَّهْيِ مُجْمَلٌ ) وَفِي الْإِثْبَاتِ لِلشَّرْعِيِّ ( وَرَابِعُهَا ) لِقَوْمٍ مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ هُوَ ( فِيهِ ) أَيْ فِي النَّهْيِ ( لِلُّغَوِيِّ ) وَفِي الْإِثْبَاتِ لِلشَّرْعِيِّ ( لَنَا عُرْفُهُ ) أَيْ الشَّرْعِ ( يَقْضِي بِظُهُورِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ ( الْإِجْمَالُ ) فِيهِمَا ( يَصْلُحُ لِكُلٍّ ) مِنْهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدِهِمَا ، وَأُجِيبَ بِظُهُورِهِ فِي الشَّرْعِيِّ بِمَا ذَكَرْنَا ( الْغَزَالِيُّ الشَّرْعِيُّ مَا وَافَقَ أَمْرَهُ ) أَيْ الشَّرْعِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا وَافَقَ أَمْرَهُ ( الصَّحِيحُ ) فَالشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي الْإِثْبَاتِ ( وَيَمْتَنِعُ فِي النَّهْيِ ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ ( أُجِيبَ لَيْسَ الشَّرْعِيُّ الصَّحِيحَ بَلْ ) إنَّمَا هُوَ ( الْهَيْئَةُ ) أَيْ مَا يُسَمِّيهِ الشَّرْعُ بِذَلِكَ الِاسْمِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْمَخْصُوصَةِ صَحَّتْ أَوْ لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ { قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ } كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُجْمَلًا فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالدُّعَاءِ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ قَطْعًا ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ غَيْرُ مَنْهِيَّةٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ قُلْت عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّرْعِيِّ فِي النَّهْيِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي اللُّغَوِيِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَوْجِيهِ الرَّابِعِ لَا مُجْمَلًا ( وَالرَّابِعُ مِثْلُهُ ) أَيْ وَتَوْجِيهُ الْقَوْلِ الرَّابِعِ كَتَوْجِيهِ الثَّالِثِ ( غَيْرَ ) أَنَّهُ يُقَالُ ( إنَّهُ ) أَيْ اللَّفْظَ ( فِي النَّهْيِ

لِلُّغَوِيِّ ؛ إذْ لَا ثَالِثَ ) لِلُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ ( وَقَدْ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ ) لِلُزُومِ صِحَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ كَبَيْعِ الْحُرِّ فَتَعَيَّنَ اللُّغَوِيُّ فَلَا إجْمَالَ ( وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ الصَّحِيحَ ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الدُّعَاءُ ، وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ ( فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَاعْتَبَرُوا وَصْفَ الصِّحَّةِ فِي الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا يُعْرَفُ ) فِي النَّهْيِ ( فَالصِّحَّةُ فِي الْمُعَامَلَةِ تَرَتُّبُ الْآثَارِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِ الْفَسْخِ ، وَالْفَسَادُ عِنْدَهُمْ ) تَرَتُّبُ الْآثَارِ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ وُجُوبِ الْفَسْخِ ( وَإِنْ كَانَ ) الصَّحِيحُ ( عِبَادَةً فَالتَّرَتُّبُ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اعْتَبَرُوا فِي الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ ، وَهِيَ تَرَتُّبُ الْآثَارِ وَاسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ وَهَذَا الْقَدْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ تَمَامَ مَعْنَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْعِبَادَاتِ أَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالصِّحَّةُ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَطْلُوبِ التَّفَاسُخِ فَأَمَّا تَرَتُّبُ الْآثَارِ فَقَطْ فِيهِمَا فَهُوَ الْفَسَادُ عِنْدَهُمْ لِفَرْقِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ، وَالْبَاطِلُ وَهُوَ مَا لَا تَرَتُّبَ فِيهِ أَصْلًا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي الِاسْمِ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ تَارَةً وَتَارَةً بَعْضُ الصِّحَّةِ ( فَيُرَادُ ) بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ ( فِي النَّفْيِ الصُّورَةُ مَعَ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَيَكُونُ مَجَازًا شَرْعِيًّا فِي جُزْءِ الْمَفْهُومِ ) حَتَّى يَكُونَ اسْمُ الصَّلَاةِ فِي لَا صَلَاةَ لِلْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ مَعَ النِّيَّةِ لَا غَيْرُ

( السَّابِعَةُ إذَا حَمَلَ الشَّارِعُ لَفْظًا شَرْعِيًّا عَلَى آخَرَ وَأَمْكَنَ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ مُجْمَلَانِ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ لَزِمَ الشَّرْعِيُّ كَ { الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ } كَمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ( يَصِحُّ ثَوَابًا أَوْ لِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ ) فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْ الثَّوَابِ وَاشْتِرَاطِهَا هُوَ الْمَعْنَى ( الشَّرْعِيُّ أَوْ لِوُقُوعِ الدُّعَاءِ فِيهِ ) أَيْ فِي الطَّوَافِ ( وَهُوَ ) أَيْ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهِ هُوَ الْمَعْنَى ( اللُّغَوِيُّ وَالِاثْنَانِ جَمَاعَةٌ ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ { اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ } فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ ( فِي ثَوَابِهَا ) أَيْ الْجَمَاعَةِ ( وَسُنَّةُ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ ) عَلَيْهِمْ ( وَالْمِيرَاثُ ) حَتَّى يَحْجُبَ الِاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ كَالثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا وَهَذَا هُوَ الشَّرْعِيُّ ( أَوْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الِاثْنَيْنِ أَنَّهُمَا جَمَاعَةٌ ( لُغَةً ) .
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ ( لَنَا عُرْفُهُ ) أَيْ الشَّارِعِ ( تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ ) الشَّرْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بُعِثَ لِبَيَانِهَا ( وَأَيْضًا لَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ ) فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَعْثَةِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجَمِّلُونَ : وَكَانَ الْأَحْسَنُ سَبْقَ ذِكْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ ( يَصِحُّ ) اللَّفْظُ ( لَهُمَا وَلَا مُعَرِّفَ ) لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ( قُلْنَا ) : مَمْنُوعٌ بَلْ ( مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ لَا اللُّغَةِ ( مُعَرِّفٌ ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ .

( الثَّامِنَةُ إذَا تَسَاوَى إطْلَاقُ لَفْظٍ لِمَعْنًى وَلِمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظُ ( مُجْمَلٌ ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَقِيلَ يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَيَانِ ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً ( كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ لَهُ ) أَيْ لِلْحِمَارِ ( مَعَ الْفَرَسِ وَمَا رُجِّحَ بِهِ ) الْقَوْلُ بِظُهُورِهِ فِي الْمَعْنَيَيْنِ ( مِنْ كَثْرَةِ الْمَعْنَى ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ أَكْثَرُ فَائِدَةً فَالظَّاهِرُ أَرَادَ بِهِمَا ( إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ ) وَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُهُ كَذَا قَالُوهُ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ هَذَا إثْبَاتَ الْوَضْعِ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ ( غَلَطٌ بَلْ ) هُوَ ( إرَادَةُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ ) لِلَّفْظِ ( بِهَا ) أَيْ بِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِبَاطِلٍ ( نَعَمْ هُوَ ) أَيْ هَذَا التَّرْجِيحُ ( مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَقَائِقَ لِمَعْنًى أَغْلَبُ ) مِنْهَا لِمَعْنَيَيْنِ فَجَعْلُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ أَظْهَرُ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُجْمِلِينَ : اللَّفْظُ ( يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ ) أَيْ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ وَالتَّوَاطُؤَ وَالْمَجَازَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ ( كَمَا فِي وَالسَّارِقُ ) أَيْ كَمَا تَحْتَمِلُهَا الْيَدُ وَالْقَطْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعَانِيهِمَا فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ ، وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْأَقْرَبُ فَيَظُنُّ عَدَمَ الْإِجْمَالِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( انْدَفَعَ ) هُنَا أَيْضًا بِمَا انْدَفَعَ بِهِ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ هَذَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى وَإِلَى الْمَعْنَيَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَحَدَهُمَا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدَهُمَا كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِوُجُودِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

( الْفَصْلُ الثَّالِثُ ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مُقَايَسَتِهِ إلَى مُفْرَدٍ آخَرَ ( هُوَ بِالْمُقَايَسَةِ إلَى آخَرَ إمَّا مُرَادِفٌ ) لِلْآخَرِ وَقَوْلُهُ : ( مُتَّحِدٌ مَفْهُومُهُمَا ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّرَادُفَ تَوَارُدُ كَلِمَتَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِأَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ وَبِأَصْلِ الْوَضْعِ الدَّالَّةُ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مَجَازًا وَالدَّالُّ بَعْضُهَا مَجَازًا وَبَعْضُهَا حَقِيقَةً وَبِوَحْدَةِ الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَالتَّأْكِيدِ وَالْمُؤَكِّدِ وَبِوَحْدَةِ الْجِهَةِ الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ فَمِنْ هُنَا قِيلَ الْمُتَرَادِفُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ دَالٌّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَدْلُولِ لَفْظٍ آخَرَ مُفْرَدٍ دَالٍّ بِالْوَضْعِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّرَادُفِ الَّذِي هُوَ رُكُوبُ وَاحِدٍ خَلْفَ آخَرَ كَأَنَّ الْمَعْنَى مَرْكُوبٌ ، وَاللَّفْظَانِ رَاكِبَانِ عَلَيْهِ ( كَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ ) لِلْحَبِّ الْمَعْرُوفِ ( أَوْ مُبَايِنٌ ) لِلْآخَرِ ، وَقَوْلُهُ ( مُخْتَلِفُهُ ) أَيْ الْمَفْهُومُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَعْنَى ؛ إذْ الْمُبَايَنَةُ الْمُفَارَقَةُ وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ الْمَرْكُوبُ وَاحِدًا فَتَتَحَقَّقُ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْكُوبَيْنِ ( تَوَاصَلَتْ ) مَعَانِيهِمَا بِأَنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهَا بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْمًا لِلذَّاتِ وَالْآخَرُ صِفَةً لَهَا ( كَالسَّيْفِ وَالصَّارِمِ ) فَإِنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلذَّاتِ الْمَعْرُوفَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ كَالَّةً أَمْ لَا وَالصَّارِمُ مَدْلُولُهُ شَدِيدُ الْقَطْعِ ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي سَيْفٍ قَاطِعٍ أَوْ أَحَدُهُمَا صِفَةً وَالْآخَرُ صِفَةَ الصِّفَةِ كَالنَّاطِقِ وَالْفَصِيحِ فَإِنَّ النَّاطِقَ صِفَةُ الْإِنْسَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَصِيحًا وَقَدْ لَا يَكُونُ فَالْفَصِيحُ صِفَةُ النَّاطِقِ وَتَجْمِيعُ الثَّلَاثَةِ فِي زَيْدٌ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ تَفَاصَلَتْ

لِعَدَمِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ

( مَسْأَلَةُ : الْمُتَرَادِفُ وَاقِعٌ خِلَافًا لِقَوْمٍ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ لَوْ وَقَعَ لَزِمَ تَعْرِيفُ الْمُعَرَّفِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ يُعَرِّفُ مَا عَرَّفَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُحَالٌ ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ : ( لَا فَائِدَةَ فِي تَعْرِيفِ الْمُعَرَّفِ لَوْ صَحَّ لَزِمَ امْتِنَاعُ تَعَدُّدِ الْعَلَامَاتِ ) ؛ لِأَنَّ كِلَا الْمُتَرَادِفَيْنِ عَلَامَةٌ عَلَى الْمَعْنَى يَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ بِهِمَا بَدَلًا لَا مَعًا وَاللَّازِمُ مَمْنُوعٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ ( ثُمَّ فَائِدَتُهُ ) أَيْ التَّرَادُفِ ( التَّوَصُّلُ إلَى الرَّوِيِّ ) وَهُوَ الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ وَيَلْزَمُ فِي كُلِّ بَيْتٍ إعَادَتُهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ قَدْ يَصْلُحُ لِلرَّوِيِّ كَالْإِنْسَانِ دُونَ الْآخَرِ كَالْبَشَرِ كَمَا فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ كَأَنَّ رَبَّك لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ سِوَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إنْسَانَا ( وَأَنْوَاعُ الْبَدِيعِ ) كَالتَّجْنِيسِ ( إذْ قَدْ يَتَأَتَّى بِلَفْظٍ دُونَ آخَرَ ) كَمَا فِي : رَحْبَةٌ رَحَبَةٌ إذْ لَوْ قِيلَ وَاسِعَةٌ عُدِمَ التَّجَانُسُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَأَيْضًا فَالْجُلُوسُ وَالْقُعُودُ وَالْأَسَدُ وَالسَّبُعُ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَوْنُهُ مِنْ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ ) كَمَا يَتَأَتَّى فِي السَّيْفِ وَالصَّارِمِ ( أَوْ الصِّفَاتِ ) كَمَا فِي الْمُنْشِئِ وَالْكَاتِبِ ( أَوْ الصِّفَةِ وَصِفَتِهَا كَالْمُتَكَلِّمِ وَالْفَصِيحِ يُحَقِّقُهُ ) أَيْ التَّرَادُفُ ( فَلَا يَقْبَلُ ) وُقُوعُهُ ( التَّشْكِيكَ ) بِأَنْ يُقَالَ : مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ بَابٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ لَكِنْ وَقَعَ الِالْتِبَاسُ بِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي فَظُنَّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنًى وَاحِدٍ ( مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمُتَرَادِفَيْنِ ( بَدَلَ الْآخَرِ إلَّا لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ ( إذْ لَا حَجْرَ فِي التَّرْكِيبِ لُغَةً بَعْدَ صِحَّةِ تَرْكِيبِ مَعْنَى الْمُتَرَادِفَيْنِ ) كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ ، وَقِيلَ :

يَجُوزُ مِنْ لُغَةٍ لَا مِنْ لُغَتَيْنِ ، وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفِي الْمَحْصُولِ إنَّهُ الْحَقُّ ( قَالُوا لَوْ صَحَّ ) وُقُوعُ كُلٍّ بَدَلَ الْآخَرِ ( لَصَحَّ خَدَّايَ أَكْبَرُ ) فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَ اللَّهُ أَكْبَرُ ؛ لِأَنَّهُ مُرَادِفُهُ ( قُلْنَا الْحَنَفِيَّةُ يَلْتَزِمُونَهُ ) أَيْ أَنَّهُ صَحِيحٌ ( وَالْآخَرُونَ ) الْمَانِعُونَ لَهُ مِنْ الْمُجَوِّزِينَ إنَّمَا هُوَ ( لِلْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِاللَّفْظِ الْمُتَوَارَثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ ( وَأَمَّا كَوْنُ اخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ مَانِعًا مِنْ التَّرْكِيبِ بَعْدَ الْفَهْمِ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( فَبِلَا دَلِيلٍ سِوَى عَدَمِ فِعْلِهِمْ ) أَيْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ( وَقَدْ يَبْطُلُ ) هَذَا ( بِالْمُعَرَّبِ ) وَهُوَ لَفْظٌ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي مَعْنًى وُضِعَ لَهُ فِي غَيْرِ لُغَتِهِمْ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يُرَكَّبُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَجَمِيَّةِ ) بِالتَّعْرِيبِ لِيَنْتَفِيَ الِاخْتِلَاطُ فَإِنْ قِيلَ بَلْ أَخْرَجُوهُ عَنْهَا بِشَهَادَةِ تَغْيِيرِهِمْ لَفْظَهُ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ ( وَالتَّغْيِيرِ ) لِلَفْظِهِ مَادَّةً وَهَيْئَةً ( لِعَدَمِ إحْسَانِهِمْ النُّطْقَ بِهِ أَوْ التَّلَاعُبِ لَا قَصْدًا لِجَعْلِهِ عَرَبِيًّا ، وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ التَّعْرِيبَ قَصْدٌ لِجَعْلِ الْمُعَرَّبِ مِنْ لُغَتِهِمْ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ كَوْنُ اخْتِلَاطِ اللُّغَتَيْنِ مَانِعًا مِنْ التَّرْكِيبِ ( لَا يَسْتَلْزِمُ ) عَدَمُ فِعْلِهِمْ ( الْحُكْمَ بِامْتِنَاعِهِ ) أَيْ اخْتِلَاطُ اللُّغَتَيْنِ لِيَلْزَمَ مِنْهُ امْتِنَاعُ إيقَاعِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ بَدَلَ الْآخَرِ ( إلَّا مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ ) بِمَعْنَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُرَادِفِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى ( مَعَ قَصْدِ الْإِفَادَةِ ) لَهُ بِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ الْمُخْتَلِطِ ، وَنَحْنُ لَا نَرَى جَوَازَهُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ

تَحَقُّقِهَا بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ كَضَمِّ مُهْمَلٍ إلَى مُسْتَعْمَلٍ لَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ فِي لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا جَوَازَ وُقُوعِهِ إفْرَادًا وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذَا ثُمَّ كَمَا قِيلَ : وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُجَوِّزَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْقُرْآنِ فَبَاطِلٌ قَطْعًا ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ فَهُوَ إمَّا عَلَى الْخِلَافِ أَوْ الْمَنْعِ رِعَايَةً لِخُصُوصِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِيهَا وَإِنْ أَرَادَ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ صَوَابٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ

( مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الْمُتَرَادِفِ ( الْحَدُّ وَالْمَحْدُودُ أَمَّا التَّامُّ فَلِاسْتِدْعَائِهِ تَعَدُّدَ الدَّالِّ عَلَى أَبْعَاضِهِ ) أَيْ الْمَحْدُودِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ التَّامَّ مُرَكَّبٌ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَدَلَالَتُهُ عَلَيْهَا تَفْصِيلِيَّةٌ وَالْمَحْدُودُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَدَلَالَتُهُ إجْمَالِيَّةٌ فَهُمَا ، وَإِنْ دَلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لَا يَدُلَّانِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَأَمَّا النَّاقِصُ فَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ الْجُزْءُ الْمُسَاوِي ) لِلْمَحْدُودِ وَهُوَ الْفَصْلُ لِإِتْمَامِ مَاهِيَّةِ الْمَحْدُودِ ( فَلَا تَرَادُفَ ) لِعَدَمِ اتِّحَادِهِمَا ( اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يُلْتَزَمَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِفْرَادِ ) فِي التَّرَادُفِ فَيَكُونَ الْحَدُّ التَّامُّ وَالْمَحْدُودُ مُتَرَادِفَيْنِ ( فَهِيَ ) أَيْ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ( لَفْظِيَّةٌ ) حِينَئِذٍ لِرُجُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا إلَى اشْتِرَاطِ الْإِفْرَادِ وَعَدَمِهِ فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ فَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ ، وَلَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ قُلْت : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا نُسَلِّمُ رُجُوعَ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا فِي مِثْلِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ اتِّحَادَ الْجِهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ نَعَمْ يَتِمُّ فِي مِثْلِ الْإِنْسَانُ قَاعِدٌ وَالْبَشَرُ جَالِسٌ ، وَأَمَّا الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ مَعَ الْمَحْدُودِ مُتَرَادِفَيْنِ ( وَلَا التَّابِعُ مَعَ الْمَتْبُوعِ ) فِي مِثْلِ ( حَسَنٌ بَسَنٌ ) شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ عَطْشَانُ نَطْشَانُ جَائِعٌ نَائِعٌ مِنْ الْمُتَرَادِفِ ( قِيلَ لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّابِعَ ( إذَا أُفْرِدَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَأَنَّى يَكُونُ مُرَادِفًا لِمَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ أُفْرِدَ أَوْ لَمْ يُفْرَدْ وَهُوَ

الْمَتْبُوعُ ( فَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ ) أَيْ التَّابِعِ ( مَشْرُوطَةً ) بِذِكْرِهِ مَعَ مَتْبُوعِهِ ( فَهُوَ حَرْفٌ ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْحُرُوفِ ، وَلَا تَرَادُفَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ ثُمَّ نَقُولُ ( وَلَيْسَ ) بِحَرْفٍ إجْمَاعًا فَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ ( وَقِيلَ ) كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدِيعِ ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ ( لَفْظٌ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ لِازْدِوَاجِهِ لَا مَعْنَى لَهُ ) وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْأَوَّلِ ( وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ ) أَيْ التَّابِعَ لَفْظٌ يُذْكَرُ ( لِتَقْوِيَةِ مَتْبُوعٍ خَاصٍّ ) فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَعْنَاهُ بِزِنَتِهِ وَهُوَ الْمَسْمُوعُ تَابِعًا لَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي تَعْرِيفِهِ ( لَزِمَ نَحْوُ زَيْدٌ بَسَنٌ ) أَيْ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَتْبُوعُهُ الْخَاصُّ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ وَالْأَوْلَى نَحْوُ جَمَلٌ بَسَنٌ ( وَأَمَّا التَّأْكِيدُ ) بِكُلٍّ وَأَجْمَعَ وَتَصَارِيفِهِ ( كَأَجْمَعِينَ فَلِتَقْوِيَةِ ) مَدْلُولٍ ( عَامٍّ سَابِقٍ ) عَلَيْهِ ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَصِحُّ التَّأْكِيدُ بِهِمَا إلَّا لِذِي أَجْزَاءٍ يَصِحُّ افْتِرَاقُهَا حِسًّا أَوْ حُكْمًا ( فَوَضْعُهُ ) أَيْ هَذَا التَّأْكِيدِ ( أَعَمُّ مِنْ ) وَضْعِ ( التَّابِعِ ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ مَتْبُوعٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ بِخِلَافِ التَّابِعِ ( فَلَا تَرَادُفَ ) بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا ( وَمَا قِيلَ الْمُرَادِفُ لَا يَزِيدُ مُرَادِفَهُ قُوَّةً ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدِيعِ بِلَفْظِ الْمُرَادِفِ لَا يَزِيدُ مُرَادِفَهُ إيضَاحًا وَالْمُؤَكِّدُ خِلَافُهُ ( مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَكُونُ ) الْمُرَادِفُ مَعَ مُرَادِفِهِ ( أَقَلَّ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ ) وَهُوَ مِمَّا يُفِيدُ مُؤَكِّدَهُ قُوَّةً حَتَّى يَنْدَفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ التَّجَوُّزِ وَالسَّهْوِ ثُمَّ الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّابِعِ وَالْمُرَادِفِ وَالْمُؤَكِّدِ أَنَّ التَّابِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ زِنَةُ الْأَوَّلِ دُونَهُمَا وَذِكْرُ مَتْبُوعٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ دُونَهُمَا نَعَمْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمُؤَكَّدِ قَبْلَ الْمُؤَكِّدِ وَلَا تَرْتِيبَ لَازِمٌ فِي

الْمُتَرَادِفَيْنِ وَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ الْمُؤَكِّدِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ كَذَلِكَ كَأَجْمَعَ ثُمَّ هَذَا فِيمَا عَدَا أَكْتَعَ وَأَتْبَعَ وَأَبْصَعَ بِمُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ فَأَمَّا هِيَ فَإِتْبَاعٌ لِأَجْمَعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ حَتَّى نَصَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا بِدُونِهِ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ( تَنْبِيهٌ تَكُونُ الْمُقَايَسَةُ ) بَيْنَ الِاسْمَيْنِ ( بِالذَّاتِ لِلْمَعْنَى فَيَكْتَسِبُهُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( الِاسْمُ لِدَلَالَتِهِ ) أَيْ الِاسْمِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَعْنَى ( فَالْمَفْهُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ) مَفْهُومٍ ( آخَرَ إمَّا مُسَاوٍ ) لَهُ ( يَصْدُقُ كُلٌّ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْآخَرُ ) كَالْإِنْسَانِ وَالنَّاطِقِ فَيَصْدُقُ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ عَلَى كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ الْكُلِّيُّ ( أَوْ مُبَايِنٌ ) لَهُ ( مُبَايَنَةً كُلِّيَّةً لَا يَتَصَادَقَانِ ) أَصْلًا كَالْحَجَرِ وَالْإِنْسَانِ ( أَوْ ) مُبَايِنٌ لَهُ مُبَايَنَةً ( جُزْئِيَّةً يَتَصَادَقَانِ ) فِي مَادَّةٍ ( وَيَتَفَارَقَانِ ) فِي مَادَّتَيْنِ ( كَالْإِنْسَانِ وَالْأَبْيَضِ وَالْعَامِّ وَالْمَجَازِ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ ) فَيَصْدُقُ الْإِنْسَانُ وَالْأَبْيَضُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْأَبْيَضِ وَالْإِنْسَانُ لَا الْأَبْيَضُ عَلَى الزِّنْجِيِّ وَالْأَبْيَضُ لَا الْإِنْسَانُ عَلَى الثَّلْجِ وَالْعَامُّ وَالْمَجَازُ عَلَى الْعَامِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَالْعَامُّ لَا الْمَجَازُ عَلَى الْعَامِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ، وَالْمَجَازُ لَا الْعَامُّ عَلَى الْمَجَازِ الْخَاصِّ ، وَلَا وَاجِبٌ لَا مَنْدُوبٌ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَلَا وَاجِبٌ لَا لَا مَنْدُوبٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَلَا مَنْدُوبٌ لَا لَا وَاجِبٌ عَلَى الْوَاجِبِ ( وَإِمَّا أَعَمُّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْآخَرِ ( مُطْلَقًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْآخَرِ ( وَعَلَى غَيْرِهِ ) صِدْقًا كُلِّيًّا ( كَالْعِبَادَةِ ) تَصْدُقُ ( عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ لَهَا (

وَالْحَيَوَانُ ) يَصْدُقُ ( عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ ) وَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ لَهَا ( وَنَقِيضَا الْمُتَسَاوِيَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ ) فَيَصْدُقُ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ لَا إنْسَانٌ عَلَى كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ لَا نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ الْكُلِّيُّ ( وَ ) نَقِيضَا ( الْمُتَبَايِنَيْنِ مُطْلَقًا ) أَيْ مُبَايَنَةً كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً ( مُتَبَايِنَانِ مُبَايَنَةً جُزْئِيَّةً كَلَا إنْسَانٍ وَلَا أَبْيَضَ وَلَا إنْسَانٍ وَلَا فَرَسٍ إلَّا أَنَّهَا ) أَيْ الْمُبَايَنَةَ الْجُزْئِيَّةَ ( فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ لَا إنْسَانٌ وَلَا أَبْيَضُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِمَّا بَيْنَ عَيْنَيْهِمَا مُبَايَنَةٌ جُزْئِيَّةٌ ( تَخُصُّ الْعُمُومَ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ الثَّانِي ) أَيْ لَا إنْسَانٌ وَلَا فَرَسٌ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِمَّا بَيْنَ عَيْنَيْهِمَا مُبَايَنَةٌ كُلِّيَّةٌ ( فَقَدْ يَكُونُ ) تَبَايُنُ نَقِيضِهِمَا تَبَايُنًا ( كُلِّيًّا كَلَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ عَلَى ) تَقْدِيرِ ( نَفْيِ الْحَالِ ) وَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْجُودٍ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي نَفْسِهَا وَلَا مَعْدُومَةٍ كَالْأَجْنَاسِ وَالْفُصُولِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى مَعْلُومٍ أَنَّهُ لَا مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ وَقَدْ يَكُونُ تَبَايُنُ نَقِيضِهِمَا تَبَايُنًا جُزْئِيًّا كَلَا إنْسَانٍ وَلَا فَرَسٍ ( وَمَا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ يَتَعَاكَسُ نَقِيضَاهُمَا فَنَقِيضُ الْأَعَمِّ ) كَلَا عِبَادَةٍ ( أَخَصُّ مِنْ نَقِيضِ الْأَخَصِّ ) كَلَا صَلَاةٍ ( وَنَقِيضُ الْأَخَصِّ أَعَمُّ مِنْ نَقِيضِ الْأَعَمِّ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ

( الْفَصْلُ الرَّابِعُ ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِهِ ( وَفِيهِ تَقَاسِيمُ ) التَّقْسِيمُ ( الْأَوَّلُ وَيَتَعَدَّى إلَيْهِ ) أَيْ الْمُفْرَدِ ( مَنْ مَعْنَاهُ إمَّا كُلِّيٌّ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ فَقَطْ ) أَيْ مُجَرَّدَ ذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا سِوَاهُ ( مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ ) أَيْ شَرِكَةِ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ فَدَخَلَ مَا بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مِمَّا امْتَنَعَ وُجُودُ مَعْنَاهُ أَصْلًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ، وَمَا أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ وَمَا وُجِدَ فَرْدٌ مِنْهُ قَطْعًا وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ كَالْإِلَهِ أَيْ الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ وَمَا وُجِدَ فَرْدٌ مِنْهُ قَطْعًا وَأَمْكَنَ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَصْلًا كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ كَمَا دَخَلَ مَا أَمْكَنَ عَقْلًا وَوُجِدَتْ أَفْرَادُهُ قَطْعًا كَالْإِنْسَانِ ثُمَّ هُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيٌّ ، وَهُوَ مَا صَلُحَ أَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَهُ شَيْءٌ آخَرُ بِحَسَبِ فَرْضِ الْعَقْلِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الِانْدِرَاجُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا وَسُمِّيَ بِالْحَقِيقِيِّ ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ الْآتِي مُقَابَلَةَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ ثَانِيهِمَا إضَافِيٌّ وَهُوَ مَا انْدَرَجَ تَحْتَهُ شَيْءٌ آخَرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَخُصَّ بِالْإِضَافِيِّ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ وَمُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ الْإِضَافِيِّ الْآتِي تَقَابُلَ التَّضَايُفِ ( أَوْ جُزْئِيٌّ حَقِيقِيٌّ يَمْنَعُ ) تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ شَرِكَةَ غَيْرِهِ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعِلْمُ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ كُلِّيًّا لِكَوْنِهِ فِي الْغَالِبِ جُزْءًا مِنْ الْجُزْئِيِّ الَّذِي هُوَ كُلٌّ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَالثَّانِي جُزْئِيًّا لِكَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَحَقِيقِيًّا ؛ لِأَنَّ جُزْئِيَّتَهُ بِالنَّظَرِ إلَى حَقِيقَتِهِ الْمَانِعَةِ مِنْ الشَّرِكَةِ ( بِخِلَافِ ) الْجُزْئِيِّ ( الْإِضَافِيِّ كُلُّ أَخَصَّ تَحْتَ أَعَمَّ ) كَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَوَانِ

فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُ مَعْنَاهُ شَرِكَةَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا جُزْئِيًّا أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِضَافِيًّا لِأَنَّ جُزْئِيَّتَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَخَصَّ تَحْتَ أَعَمَّ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الْإِضَافِيِّ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ تَعْرِيفٌ لَهُ لَا تَعْرِيفُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ الْجُزْئِيُّ الْإِضَافِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُلِّيَّيْنِ الْعُمُومُ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِ الْجُزْئِيِّ الْإِضَافِيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ بِدُونِهِمَا وَصِدْقِهِمَا بِدُونِهِ فِي الْمَفْهُومَاتِ الشَّامِلَةِ وَتَصَادُقِ الْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَبَيْنَ الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَهُمَا الْمُبَايَنَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَالْكُلِّيُّ إنْ تَسَاوَى أَفْرَادُ مَفْهُومِهِ فِيهِ ) أَيْ فِي مَفْهُومِهِ ( فَمُتَوَاطِئٌ ) مِنْ التَّوَاطُؤِ وَهُوَ التَّوَافُقُ لِتَوَافُقِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ فِيهِ ( كَالْإِنْسَانِ أَوْ تَفَاوَتَتْ ) أَفْرَادُ مَفْهُومِهِ فِيهِ ( بِشِدَّةٍ وَضَعْفٍ كَالْأَبْيَضِ ) فَإِنَّ اللَّوْنَ الْمُفَرِّقَ لِلْبَصَرِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي الثَّلْجِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْعَاجِ ( وَالْمُسْتَحَبِّ ) فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ مَنْ بِعَرَفَاتٍ مِنْ الْحَاجِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي صَوْمِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَأَبْلَغُ ثَوَابًا ( فَمُشَكِّكٌ ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ ( لِلتَّرَدُّدِ فِي وَضْعِهِ ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلنَّاظِرِ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّ وَضْعَ لَفْظِهِ ( لِلْخُصُوصِيَّاتِ ) أَيْ لِأَصْلِ الْمَعْنَى مَعَ الشِّدَّةِ فِي الْبَعْضِ وَالضَّعْفِ فِي الْبَعْضِ ( فَمُشْتَرَكٌ ) لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْبَيَاضَ الْمَأْخُوذَ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الشِّدَّةِ مَثَلًا مَعْنًى ، وَالْمَأْخُوذَ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الضَّعْفِ مَعْنًى آخَرُ وَالْفَرْضُ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّاتِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيَاضِ ( أَوْ ) وَضْعُهُ ( لِلْمُشْتَرَكِ ) أَيْ لِلْقَدْرِ

الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ( فَمُتَوَاطِئٌ وَلِهَذَا ) بِعَيْنِهِ .
( قِيلَ بِنَفْيِهِ ) أَيْ التَّشْكِيكِ ( لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُهُمَا ) وَهُوَ أَنَّ التَّفَاوُتَ مَأْخُوذٌ فِي الْمَاهِيَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَلَا اشْتِرَاكَ مَعْنًى لِاخْتِلَافِ الْمَاهِيَّةِ حِينَئِذٍ أَوْ غَيْرُ مَأْخُوذٍ فِيهَا فَلَا تَفَاوُتَ فَيَكُونُ مُتَوَاطِئًا ( وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَسْمِيَةٍ مُتَفَاوِتٌ ) بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ فِي أَفْرَادِهِ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ فِيهَا وَصِدْقِهِ عَلَيْهَا ( بِهِ ) أَيْ بِالْمُشَكِّكِ ( وَالتَّفَاوُتُ وَاقِعٌ فَكَيْفَ يُنْفَى ) الْمُشَكِّكُ حِينَئِذٍ ( فَإِنْ قِيلَ ) يُنْفَى الْمُشَكِّكُ ( بِنَفْيِ مُسَمَّاهُ فَإِنَّ مَا بِهِ ) التَّفَاوُتُ ( كَخُصُوصِيَّةِ الثَّلْجِ ) وَهِيَ شِدَّةُ تَفْرِيقِهِ لِلْبَصَرِ ( إنْ أُخِذَتْ فِي مَفْهُومِهِ ) أَيْ الْمُشَكِّكِ ( فَلَا شَرِكَةَ ) لِغَيْرِهِ مَعَهُ فِيهِ ( فَلَا تَفَاوُتَ وَلَزِمَ الِاشْتِرَاكُ ) اللَّفْظِيُّ كَمَا بَيَّنَّا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَا بِهِ التَّفَاوُتُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ فِي مَفْهُومِهِ ( فَلَا تَفَاوُتَ ) لِأَفْرَادِهِ فِي مَفْهُومِهِ ( وَلَزِمَ التَّوَاطُؤُ قُلْنَا مَا بِهِ ) التَّفَاوُتُ ( مُعْتَبَرٌ فِيمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لَا فِي نَفْسِهِ ) أَيْ الْمَفْهُومِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ الِاسْمُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ آنِفًا .
( وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ خُصُوصِيَّةٍ مَعَ الْمَفْهُومِ نَوْعٌ ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ( وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ مُسَمَّى الْمُشَكِّكِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ لَا يَكُونُ إلَّا جِنْسًا وَمَا بِهِ التَّفَاوُتُ فُصُولٌ تُحَصِّلُهُ ) أَيْ الْجِنْسَ ( أَنْوَاعًا فَمِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجِنْسِيَّةِ مَا فُصُولُ أَنْوَاعِهَا مَقَادِيرُ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ وَذَلِكَ ) أَيْ مَا فُصُولُ أَنْوَاعِهِ الْمَقَادِيرُ الْمَذْكُورَةُ وَاقِعٌ ( فِي مَاهِيَّاتِ الْأَعْرَاضِ وَلِذَا يَقُولُونَ الْمَقُولُ بِالتَّشْكِيكِ ) عَلَى أَشْيَاءَ عَارِضٌ لَهَا ( خَارِجٌ ) عَنْهَا لَا مَاهِيَّةَ لَهَا وَلَا جُزْءَ مَاهِيَّةٍ لِامْتِنَاعِ اخْتِلَافِهِمَا (

وَمِنْهَا خِلَافُهُ ) أَيْ وَمِنْ الْمَاهِيَّاتِ الْجِنْسِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ مَا لَيْسَ فُصُولُهَا مَقَادِيرَ مِنْهَا كَفَصْلِ نَفْسِ مَاهِيَّةِ الْمُشَكِّكِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ مُشَكِّكٍ آخَرَ هُوَ جِنْسٌ يَنْدَرِجُ مَعَهُ تَحْتَ جِنْسٍ أَعَمَّ كَفَصْلِ نَفْسِ السَّوَادِ الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ الْبَيَاضِ وَعَكْسِهِ وَهُوَ قَوْلُنَا : قَابِضٌ لِلْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَمُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ فِي الْبَيَاضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ مِنْ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهُوَ فَصْلُ الْمَاهِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ نَفْسِهَا مُنْدَرِجٌ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْتَ جِنْسٍ أَعَمَّ مِنْهُمَا هُوَ اللَّوْنُ .
كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( ثُمَّ وَضَعَهَا اسْمُ الْمُشَكِّكِ لِلْأَوَّلِ ) أَيْ لِمَا فُصُولُ أَنْوَاعِهِ مَقَادِيرُ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ مِنْ الْمَاهِيَّاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ فُصُولَ أَنْوَاعِهِ مَقَادِيرُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ نَفْسَهَا لَهَا فَصْلٌ فِي نَفْسِهَا غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا

( التَّقْسِيمُ الثَّانِي مَدْلُولُهُ ) أَيْ الْمُفْرَدِ ( إمَّا لَفْظٌ كَالْجُمْلَةِ وَالْخَبَرِ ) فَإِنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَكَّبٌ خَاصٌّ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ وَقَدْ عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْخَبَرِ ( وَالِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ ) فَإِنَّ مَدْلُولَهَا أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ مِنْ نَحْوِ زَيْدٌ وَعَلِمَ وَقَدْ ( عَلَى نَوْعِ تَسَاهُلٍ ؛ إذْ الْأَلْفَاظُ مَاصَدَقَاتُ مَدْلُولِهِ ) أَيْ الْمُفْرَدِ ( الْكُلِّيَّ ) لَا نَفْسَ مَدْلُولِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( إلَّا أَنْ يُرَادَ كُلُّ جُمْلَةٍ مُتَحَقِّقَةٍ خَارِجًا ) فَيَكُونُ مَدْلُولُهَا اللَّفْظَ الْخَاصَّ بِلَا تَسَاهُلٍ حِينَئِذٍ ضَرُورَةَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِأَمْرٍ مُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ لَا لِلْمُرَكَّبِ الْكُلِّيِّ الصَّادِقِ عَلَى مِثْلِ : زَيْدٌ قَائِمٌ وَغَيْرُهُ ( أَوْ غَيْرُهُ ) عَطْفٌ عَلَى " لَفْظٌ " أَيْ أَوْ غَيْرُ لَفْظٍ وَحِينَئِذٍ ( فَإِمَّا لَا يَدُلُّ ) اللَّفْظُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَدْلُولِهِ ( إلَّا بِضَمِيمَةٍ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى اللَّفْظِ ( لِوَضْعِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لِمَعْنًى جُزْئِيٍّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ فَهُوَ الْحَرْفُ كَمِنْ وَإِلَى ) فِي نَحْوِ سِرْت مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَزِمَ كَوْنُ ذِكْرِهِمَا شَرْطَ دَلَالَتِهِ ( بِخِلَافِ ) الْأَسْمَاءِ ( اللَّازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ ) إلَى غَيْرِهَا كَ ذُو وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مِنْ صَاحِبٍ وَسَبْقٍ وَتَأَخُّرٍ فَالْتُزِمَ ذِكْرُ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِبَيَانِهِ لَا لِتَوَقُّفِ مَعْنَاهَا فِي حَدِّ ذَاتِهِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي وُضِعَتْ الْأَلْفَاظُ لَهَا قِسْمَانِ غَيْرُ إضَافِيٍّ وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لَهُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَإِضَافِيٌّ تَارَةً يُعْتَبَرُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَاحَظَ تَعَلُّقُهُ بِالْغَيْرِ ، وَتَوَقُّفُ تَعَقُّلِهِ عَلَى تَعَقُّلِ الْغَيْرِ ، وَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إمَّا اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَتَارَةً يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضَافَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْغَيْرِ مُتَوَقِّفٌ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ الْغَيْرِ

وَاللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَرْفٌ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الْإِضَافِيُّ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ذِكْرِ الْغَيْرِ ؛ مَثَلًا مَفْهُومُ الِابْتِدَاءِ مَفْهُومٌ إضَافِيٌّ فَإِذَا اعْتَبَرْت الِابْتِدَاءَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ تَعَلُّقِهِ بِالْغَيْرِ يَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ اسْمًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُ ابْتِدَاءٍ وَمُبْتَدَأٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُ ابْتَدَأَ وَيَبْتَدِئُ وَابْتَدِئْ فَهُوَ فِعْلٌ وَإِذَا اعْتَبَرْته مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ابْتِدَاءٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحَلِّ الْمَخْرُوجِ عَنْهُ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَرْفٌ مِثْلُ " مِنْ " نَحْوُ خَرَجْت مِنْ الْبَصْرَةِ ( أَوْ يَسْتَقِلُّ ) اللَّفْظُ ( بِالدَّلَالَةِ ) عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهِ ( لِعَدَمِ ذَلِكَ ) أَيْ وَضْعِهِ لِمَعْنًى جُزْئِيٍّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ .
وَحِينَئِذٍ ( فَإِمَّا لَا يَكُونُ مَعْنَاهُ حَدَثًا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ ) الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ( بِهَيْئَةٍ ) خَاصَّةٍ لِلَّفْظِ لِعَدَمِ وَضْعِهِ لَهُ بَلْ لِوَضْعِهِ لِمَعْنًى غَيْرِ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِهَا ( فَهُوَ الِاسْمُ كَالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَالْكَافُ وَعَنْ وَعَلَى حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ لَهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ ) وَهُوَ الْمِثْلُ ( يُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَبِكَابْنِ الْمَاءِ ) فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ وَرُحْنَا بِكَابِنِ الْمَاءِ يُجْنَبُ وَسْطَنَا تُصَوَّبُ فِيهِ الْعَيْنُ طَوْرًا وَتَرْتَقِي فَالْكَافُ فِيهِ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ بِشَهَادَةِ دُخُولِ الْجَارِ عَلَيْهَا أَيْ بِفَرَسٍ مِثْلِ ابْنِ الْمَاءِ ، وَهُوَ الْكُرْكِيُّ شَبَّهَ بِهِ فَرَسَهُ فِي خِفَّتِهِ وَطُولِ عُنُقِهِ ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ اسْمًا إلَّا فِي الشِّعْرِ كَمَا هُوَ

مَعْزُوٌّ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْمُحَقِّقِينَ أَوْ تَكُونُ فِيهِ وَفِي سَعَةِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ الْأَخْفَشُ وَالْفَارِسِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَلَعَلَّهُ الْأَظْهَرُ ( وَ ) وُضِعَ ( لِخُصُوصٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ ( كَذَلِكَ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ التَّشْبِيهُ ( فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَ جَاءَ الَّذِي كَعَمْرٍو ) أَيْ الَّذِي اسْتَقَرَّ كَعَمْرٍو .
وَحَرْفِيَّتُهَا فِي مِثْلِ هَذَا مُتَعَيِّنَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الصِّلَةُ بِالْمُفْرَدِ عَلَى تَقْدِيرِهَا اسْمًا رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْجُزُولِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ مُجَوِّزِينَ أَنْ تَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا مُضَافًا وَمُضَافًا إلَيْهِ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَإٍ كَمَا فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تَخْرِيجٌ لِلْفَصِيحِ عَلَى الشَّاذِّ ( وَقِسْ الْأَخِيرَيْنِ ) أَيْ عَنْ وَعَلَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى هَذَا فَقُلْ وَعَنْ لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْجَانِبُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِهِ فَلَقَدْ أُرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الْمُجَاوَزَةُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي مِثْلِ سَافَرْت عَنْ الْبَلَدِ وَعَلَى لَهُ وَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَهُوَ الْفَرْقُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ اسْمًا كَمَا فِي قَوْلِ كَعْبٍ غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَمَّ ظَمَؤُهَا .
وَوَضْعٌ لِلْمَعْنَى الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَلْحُوظٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ وَهُوَ الِاسْتِعْلَاءُ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَرْفًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ نُحَاةِ الْعَرَبِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرْفًا ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ زَعْمٌ بَعِيدٌ ثُمَّ الْأَشْبَهُ أَنَّ عَلَى حَيْثُ كَانَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الِاسْمِ وَالْحَرْفِ مَعَ أَنَّ الِاسْمَ مِنْ الْعُلُوِّ

وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ ، وَأَصْلُهُ وَاوٌ بِخِلَافِ الْحَرْفِ يَزِيدُ عَلَى الْكَافِ وَعَنْ بِوَضْعٍ آخَرَ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي وَهُوَ الْعُلُوُّ فِيهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ فِعْلًا مَاضِيًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ } فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَ الْحَرْفِ وَالِاسْمِ وَالْفِعْلِ ، وَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ مِنْ الْعُلُوِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ وَاوٌ مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ ( أَوْ يَكُونُ ) مَعْنَاهُ حَدَثًا مُقَيَّدًا بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ بِهَيْئَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ ( فَالْفِعْلُ ) بِأَقْسَامِهِ مِنْ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَأَمْرِ الْمُخَاطَبِ ، ثُمَّ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ فِي بَيَانِ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ دَفْعُ وُرُودِ نَحْوِ ضَارِبٍ غَدًا عَلَى عَكْسِ بَيَانِ الِاسْمِ ، وَطَرْدُ بَيَانِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى حَدَثٍ مُقَيَّدٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ

( التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ قَسَّمَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَمَنْ وَافَقَهُ ( اللَّفْظَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَالصِّيغَةِ ) قِيلَ وَهُمَا هُنَا مُتَرَادِفَتَانِ ، وَالْمَقْصُودُ تَقْسِيمُ النَّظْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ نَفْسِهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( أَيْ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ إلَى خَاصٍّ وَعَامٍّ وَمُشْتَرَكٍ وَمُؤَوَّلٍ ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْهَيْئَةُ الْعَارِضَةُ لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِ الْحُرُوفِ عَلَى بَعْضٍ وَاللُّغَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَادَّةُ اللَّفْظِ ، وَجَوْهَرُ حُرُوفِهِ بِقَرِينَةِ انْضِمَامِ الصِّيغَةِ إلَيْهَا ، وَالْوَاضِعُ كَمَا عَيَّنَ حُرُوفَ ضَرَبَ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ عَيَّنَ هَيْئَتَهُ بِإِزَاءِ مَعْنَى الْمُضِيِّ فَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ إلَّا بِوَضْعِ الْمَادَّةِ وَالْهَيْئَةِ فَعَبَّرَ بِذِكْرِهِمَا عَنْ وَضْعٍ اللَّفْظِ وَوُجِّهَ التَّقْسِيمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَعْنَوِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَظِمًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَالثَّانِي الْخَاصُّ ، وَالْأَوَّلُ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَيَاهُ مُتَسَاوِيَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّامِعِ أَوْ لَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُوَ الْمُشْتَرَكُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُؤَوَّلُ ( وَاعْتُرِضَ ) أَيْ وَاعْتَرَضَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( بِأَنَّ الْمُؤَوَّلَ وَلَوْ ) كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا تَرَجَّحَ ( مِنْ الْمُشْتَرَكِ ) بَعْضَ وُجُوهِهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ لَا مُطْلَقِ الْمُؤَوَّلِ ( لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ بَلْ عَنْ رَفْعِ إجْمَالٍ بِظَنِّيٍّ فِي الِاسْتِعْمَالِ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( فَهِيَ ) أَيْ أَقْسَامُ هَذَا التَّقْسِيمِ ( ثَلَاثَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا ، وَلَوْ بِالنَّوْعِ ) كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ ( أَوْ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ ) أَيْ كَمِّيَّةِ عَدَدِهِ ( بِهِ ) أَيْ

بِلَفْظِهِ ( فَالْخَاصُّ فَدَخَلَ الْمُطْلَقُ وَالْعَدَدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ) فِي الْخَاصِّ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْمُطْلَقُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَّحِدًا وَلَوْ بِالنَّوْعِ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَالْعَدَدُ لِانْطِبَاقِ كَوْنِ مُسَمَّاهُ مُتَعَدِّدًا مَدْلُولًا عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهِ بِهِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ تَعَدَّدَ ) الْمَعْنَى ( بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعِ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُلَاحِظْ الْوَاضِعُ فِي الْوَضْعِ حَصْرَ مَعْنَاهُ فِي كَمِّيَّةٍ بَلْ وَضَعَ اللَّفْظَ لِمَجْمُوعِ الْمُتَعَدِّدِ كَائِنًا مَا كَانَ عَدَدُهُ وَضْعًا وَاحِدًا هُوَ ( الْعَامُّ ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ ( أَوْ ) بِوَضْعٍ ( مُتَعَدِّدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ فَاللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى مُتَعَدِّدٍ بِوَضْعٍ مُتَعَدِّدٍ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ لِكَمِّيَّتِهِ هُوَ ( الْمُشْتَرَكُ ) فَهُوَ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا مُتَعَدِّدًا لِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهَا فِي كَمِّيَّةٍ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَقَعُ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَاسِ ا هـ .
يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُثَنَّى وَالْعَدَدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَالزَّيْدِينَ ، وَالْمِائَةَ مَثَلًا لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ لَكِنَّهُ لُوحِظَ حَصْرُهُ فِي الْكَمِّيَّةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِلَفْظِهِ وَهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَاصِّ ( فَيَدْخُلُ فِي الْعَامِّ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ) كَرِجَالٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ لَفْظٌ وُضِعَ وَضْعًا وَاحِدًا لِمَعْنًى مُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يُلَاحَظْ حَصْرُهُ فِي كَمِّيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ هَذَا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ ( وَعَلَى اشْتِرَاطِ

الِاسْتِغْرَاقِ ) فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَشَايِخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ( فَمُتَّحِدُ الْوَضْعِ إنْ اسْتَغْرَقَ فَالْعَامُّ ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ ) أَيْ فَيُقَالُ : وَإِنْ تَعَدَّدَ بِلَا مُلَاحَظَةِ حَصْرٍ فَإِمَّا بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إنْ اسْتَغْرَقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَالْعَامُّ ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ فَهُوَ حِينَئِذٍ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ ( وَأَخْذُ الْحَيْثِيَّةِ ) كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّقْسِيمِ ( يُبَيِّنُ عَدَمَ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَعْنِي لَيْسَ مُوجِبُ الْعِنَادِ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ وَالْعَامِّ ذَاتِيًّا دَاخِلًا وَهُوَ الْفَصْلُ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ لِتَكُونَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ أَقْسَامَ تَقْسِيمٍ حَقِيقِيٍّ وَاحِدٍ فَتَتَبَايَنُ بِالذَّاتِ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّقْسِيمِ وَهُوَ إظْهَارُ الْوَاحِدِ الْكُلِّيِّ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ تَصَادُقُ الْمُشْتَرَكِ مَعَ الْعَامِّ وَمَعَ الْخَاصِّ فَهُوَ تَقْسِيمٌ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ وَلِذَا أُخِذَتْ الْحَيْثِيَّةُ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِعَدَمِ الْعِنَادِ بِجُزْءِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُمَا ( لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى الْحَيْثِيَّةِ ( فِي تَعْرِيفِهِمَا ابْتِدَاءً ) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عِنَادٌ ذَاتِيٌّ لَذَكَرْت فِيهِ ( فَأُلْحِقَ تَقْسِيمَانِ ) التَّقْسِيمُ ( الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوَضْعِ وَتَعَدُّدُهُ يُخْرِجُ الْمُنْفَرِدُ ) وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ سُمِّيَ بِهِ لِانْفِرَادِ لَفْظِهِ بِمَعْنَاهُ ( وَلَمْ يُخْرِجْهُ ) أَيْ الْمُنْفَرِدَ ( الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَثْرَةِ أَقْسَامِهِمْ ) وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيَّةُ ( وَ ) يَخْرُجُ ( الْمُشْتَرَكُ وَفِيهِ ) أَيْ فِي الْمُشْتَرَكِ ( مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ ) فِي جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا غَيْرُ جَائِزٍ .
ثَانِيهَا جَائِزٌ غَيْرُ وَاقِعٍ .
ثَالِثُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ لَا غَيْرَ رَابِعُهَا جَائِزٌ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ لَا غَيْرَ ( خَامِسُهَا وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ

وَالْحَدِيثِ ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( لَنَا ) عَلَى الْجَوَازِ ( لَا امْتِنَاعَ لِوَضْعِ لَفْظٍ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لِمَفْهُومَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى أَنْ يُسْتَعْمَلَ لِكُلٍّ عَلَى الْبَدَلِ ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ وَهَذَا هُوَ الْمُشْتَرَكُ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمَانِعِينَ ( يَسْتَلْزِمُ ) جَوَازُ الْمُشْتَرَكِ ( الْعَبَثَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْوَضْعِ ) وَهِيَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَى التَّعْيِينِ لِتَسَاوِي نِسْبَةِ الْمَعْنَيَيْنِ إلَى اللَّفْظِ وَنِسْبَتِهِ إلَيْهِمَا وَخَفَاءِ الْقَرَائِنِ ( مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ ) فَإِنَّ الْوَضْعَ تَابِعٌ لِلْغَرَضِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْوَاضِعُ ، وَهُوَ قَدْ يَقْصِدُ التَّعْرِيفَ الْإِجْمَالِيَّ لِغَرَضِ الْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ كَوَضْعِهِ صِيغَةَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِسَتْرِ الْفَاعِلِ عَنْ السَّامِعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَقْصِدُ التَّفْصِيلِيَّ ( وَلَنَا عَلَى الْوُقُوعِ ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِ الْقَرْءِ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتُضَمُّ ( لُغَةً لِكُلٍّ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ) عَلَى الْبَدَلِ ( لَا يَتَبَادَرُ أَحَدُهُمَا مُرَادًا بِلَا قَرِينَةٍ ) مُعَيِّنَةٍ لَهُ دُونَ الْآخَرِ .
( وَهُوَ ) أَيْ وَاسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ ( دَلِيلُ الْوَضْعِ كَذَلِكَ ) أَيْ وَضْعِ لَفْظِهِ مَرَّتَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ ( وَهُوَ ) أَيْ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ مَرَّتَيْنِ لِمَفْهُومَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ ( الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرَكِ وَمَا قِيلَ ) فِي دَفْعِ هَذَا كَمَا فِي الْبَدِيعِ ( جَازَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْقَرْءِ ( لِمُشْتَرَكٍ ) أَيْ لِمَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ( أَوْ ) جَازَ كَوْنُهُ ( حَقِيقَةً ) فِي أَحَدِهِمَا ( وَمَجَازًا ) فِي الْآخَرِ ( وَخَفِيَ التَّعْيِينُ ) لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْمَجَازِ ( وَكَذَا كُلُّ مَا ظُنَّ ) مِنْ الْأَلْفَاظِ ( أَنَّهُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ يُقَالُ فِيهِ هَذَا ( ثُمَّ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ أَوْلَى مِنْهُ وَعَلَى كَوْنِهِ

حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ ( مَدْفُوعٌ بِعَدَمِهِ ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَمَا قِيلَ هُوَ الْجَمْعُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ وَالدَّمُ يَجْتَمِعُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فِي الْجَسَدِ وَفِي زَمَنِ الْحَيْضِ فِي الرَّحِمِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ .
( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا ( لِنَحْوِ الشَّيْئِيَّةِ وَالْوُجُودِ ) فَيَكُونُ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا ( بَعِيدٌ ) جِدًّا ( وَيُوجِبُ أَنَّ نَحْوَ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالْقُعُودِ وَمَا لَا يُحْصَى ) مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الْوُجُودِيَّةِ ( مِنْ أَفْرَادِ الْقَرْءِ ) لِاشْتِرَاكِهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا ( وَاشْتِهَارُ الْمَجَازِ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ ) فِي التَّبَادُرِ ( وَيَخْفَى التَّعْيِينُ ) لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا ( نَادِرٌ لَا نِسْبَةَ لَهُ بِمُقَابِلِهِ ) وَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ بِحَيْثُ يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ فِي التَّبَادُرِ وَيَخْفَى التَّعْيِينُ ( فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَاتِ كَوْنُهُ ) أَيْ الْقَرْءِ ( مَوْضُوعًا لِكُلٍّ ) مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَعْرُجُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ .
( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْقَرْءِ مَوْضُوعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ ( دَلِيلُ وُقُوعِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ ( فِي الْقُرْآنِ ) لِوُقُوعِ الْقَرْءِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } ( وَالْحَدِيثِ ) أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ { عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُبَيْشٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ قَالَ دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك } وَبِهِ ) أَيْ بِالْوُقُوعِ ( كَانَ قَوْلُ النَّافِي ) لِلْوُقُوعِ ( إنْ وَقَعَ ) الْمُشْتَرَكُ ( مُبَيِّنًا ) أَيْ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ ( طَالَ ) الْكَلَامُ ( بِلَا فَائِدَةٍ ) لِإِمْكَانِ بَيَانِهِ بِمُنْفَرِدٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَطُولُ ( أَوْ ) وَقَعَ ( غَيْرَ مُبَيَّنٍ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23