الكتاب : مشكل الآثار
المؤلف : أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ سَلَمَةَ الطَّحَاوِيُّ الْأَزْدِيُّ

أَبِي لَيْلَى { عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اخْتَصَمَ هُوَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا عِنْدَهُ } .
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَعَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { اخْتَصَمَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ لِمَكَانِ خَالَتِهَا أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ } وَحَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { لَمَّا أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى أَقْدَمَ ابْنَةَ حَمْزَةَ وَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِهَا تَكُونُ عِنْدِي تَجَشَّمْتُ السَّفَرَ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَا أَحَقُّ بِهَا تَكُونُ عِنْدِي وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَا أَحَقُّ بِهَا ، لِي مِثْلُ قَرَابَتِك وَعِنْدِي خَالَتُهَا وَالْخَالَةُ وَالِدَةٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ قَالَ عَلِيٌّ : فَتَخَوَّفْت أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِينَا قُرْآنٌ لِرَفْعِنَا أَصْوَاتَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَايَ وَمَوْلَاهَا فَقَالَ رَضِيتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَصَفِيِّي وَأَمِينِي وَأَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك

وَأَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَأَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي وَأَنْتَ مِنْ شَجَرَتِي الَّتِي أَنَا مِنْهَا وَقَدْ قَضَيْت بِالْجَارِيَةِ تَكُونُ مَعَ خَالَتِهَا قَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ : فَكَانَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى إسْنَادِ حَدِيثِ يُونُسَ بِزِيَادَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ إيَّاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَفِي ذَلِكَ وُجُوبُ إيصَالِهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبَانَ قَالَا : ثنا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَهُ مَنْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَقَالَ قَائِلٌ : هَذَا حَدِيثٌ قَدْ تَرَكَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْضُونَ بِالْحَضَانَةِ لِذَاتِ زَوْجِ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْضُونِ أَوْ مِنْ الصَّبِيَّةِ الْمَحْضُونَةِ فَمِنْ أَيْنَ اتَّسَعَ لَهُمْ جَمِيعًا تَرْكُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَجِيءَ الْمُتَوَاتِرَ ؟ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ بَلْ أَخَذُوا بِهِ وَاسْتَعْمَلُوهُ مِنْ حَيْثُ خَفِيَ عَلَيْك أَخْذُهُمْ بِهِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ إيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الصَّبِيَّةَ يَحْتَاجَانِ إلَى الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِنْ النِّسَاءِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِمَا الْمَحْرَمَاتِ خَالِيَةٌ مِنْ الْأَزْوَاجِ عَادَتْ

حَضَانَتُهُمَا إلَى عَصَبَتِهِمَا وَكَانَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ لَمَّا كَانَتْ خَالَتُهَا ذَاتَ زَوْجٍ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا عَادَتْ حَضَانَتُهَا إلَى عَصَبَتِهَا وَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ ابْنَا أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَعَادَتْ حَضَانَتُهَا إلَيْهِمْ وَكَانَتْ عِنْدَ جَعْفَرٍ خَالَتُهَا وَكَانَتْ خَالَتُهَا إنَّمَا تُمْنَعُ مِنْ الْحَضَانَةِ بِزَوْجِهَا لَوْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ ، فَلَمَّا عَادَتْ الْحَضَانَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى عَلِيٍّ ، وَإِلَيْهِ عَادَتْ بِذَلِكَ إلَى حُكْمِهَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ ابْنَةِ حَمْزَةَ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقْطَعُ خَالَتَهَا عَنْ حَضَانَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَعَادَتْ الْحَضَانَةُ بِذَلِكَ إلَيْهَا ، وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْهَا إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ ؛ لِأَنَّ زَوْجَهَا إنْ لَمْ يَعُدْ الْحَضَانَةُ إلَيْهَا عَادَتْ إلَيْهِ ، وَإِلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ مِنْ عَصَبَتِهَا ، وَإِذَا عَادَتْ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لَهَا عَنْ حَضَانَتِهَا بَلْ تَعُودُ حَضَانَتُهَا إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تُحَاجُّهُ فَتَقُولُ لَهُ إذَا كُنْت إنَّمَا أَمْنَعُ بِك كُنْت أَنَا بِمَنْعِي إيَّاكَ مِنْ حَضَانَةِ ابْنَةِ أُخْتِي أَوْلَى وَبِاسْتِحْقَاقِي ذَلِكَ عَلَيْك أَحْرَى فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّتْ أَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ حَضَانَةَ ابْنَةِ أُخْتِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ التَّزْوِيجِ الَّذِي هِيَ فِيهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّفْلِ وَالطِّفْلَةِ إذَا تَنَازَعَهُ أَبَوَاهُ أَيُّهُمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا ) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ وَلَيْسَ بِأَبِيهِ { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ فِي غُلَامٍ بَيْنَ أَبَوَيْنِ فَقَالَ شَهِدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِغُلَامٍ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فَقَالَ يَا غُلَامُ هَذِهِ أُمُّك وَهَذَا أَبُوكَ فَاخْتَرْ } .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ ثنا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : سَمِعْت مِنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ يُحَدِّثُهُ { عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ : أَتَى أَبَا هُرَيْرَةَ رَجُلٌ فَارِسِيٌّ وَامْرَأَةٌ لَهُ يَخْتَصِمَانِ فِي ابْنٍ لَهُمَا فَقَالَ الْفَارِسِيُّ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا بُسْرٌ يَعْنِي ابْنًا فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِمَا شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ يَا غُلَامُ هَذَا أَبُوك وَهَذِهِ أُمُّك فَاخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ } ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ يَخْتَصِمَانِ فِي ابْنٍ لَهُمَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي يَسْتَقِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ ، فَاخْتَرْ أَيُّهُمَا شِئْتَ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُخَيِّرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الصَّبِيَّ بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَفِي ذَلِكَ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ يَذْهَبُ إلَى التَّخْيِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يَذْهَبُ إلَى التَّخْيِيرِ فِيهِ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنَةِ حَمْزَةَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا

الْبَابِ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَيِّرْ فِيهِ ابْنَةَ حَمْزَةَ بَيْنَ عَصَبَتِهَا لِتَخْتَارَ أَيُّهُمْ شَاءَتْ ، وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ فِي تَرْكِ التَّخْيِيرِ فِيهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَسْتَعْمِلُونَ التَّخْيِيرَ فِي هَذَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ أَنَّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مُطَالَبَاتٍ لِبَعْضِ مَنْ يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ زِيَادٍ لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الصَّبِيِّ وَقَدْ اسْتَوْعَبَهُ حَدِيثُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِدُونِهِ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ : ثنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ : ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ أَبَا مَيْمُونَةَ قَالَ : { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَحُولَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِي وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِي فَخَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَاخْتَارَ أُمَّهُ فَذَهَبَتْ بِهِ } كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَّوَيْهِ قَالَ : ثنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هِلَالًا قَالَ : { جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنٍ لَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا فِيهِ

فَقَالَ الرَّجُلُ مَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغُلَامِ اخْتَرْ أَيُّهُمَا شِئْتَ فَاخْتَارَ الْأُمَّ فَذَهَبَتْ بِهِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَيِّرْ ذَلِكَ الْغُلَامَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى دَعَا أَبَوَيْهِ إلَى الِاسْتِهَامِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَمَنْ خَيَّرَ بِلَا دُعَاءٍ مِنْهُ الَّذِي يُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا إلَى الِاسْتِهَامِ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُخَيَّرِ قَبْلَ التَّخْيِيرِ تَارِكٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ إيَّاهُ مِثْلُ مَا عَلَى الَّذِي لَا يُخَيَّرُ فِي تَرْكِهِ التَّخْيِيرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا فِي مِثْلِ هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَضَاءً بِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ بِاخْتِيَارِ أَبَوَيْ الصَّبِيِّ لِذَلِكَ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ قَالَ : ثنا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ قَالَ : أَخْبَرَنِي { عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تُسْلِمْ امْرَأَتُهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَاخْتَصَمَا فِي وَلَدِهِمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا : إنْ شِئْتُمَا خَيَّرْتُكُمَا فَأَجْلَسَ الْأَبَ نَاحِيَةً وَالْأُمَّ نَاحِيَةً ثُمَّ خَيَّرَ الْغُلَامَ فَانْطَلَقَ نَحْوَ أُمِّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَرَجَعَ الْغُلَامُ إلَى أَبِيهِ } هَكَذَا رَوَى هُشَيْمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ زَائِدًا عَلَى مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ هُشَيْمٌ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : ثنا نُعَيْمٌ قَالَ : ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ

تُسْلِمَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ابْنَتِي - وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ شِبْهُهُ - وَقَدْ أَدْرَكْتُ ابْنَتِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُقْعُدْ وَقَالَ اُقْعُدِي نَاحِيَةً وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ اُدْعُوَاهَا فَجَاءَتْ الصَّبِيَّةُ إلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَذَهَبَتْ إلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَوَيْ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ أَنْ يَدْعُوَاهَا وَهَذَا مِمَّا قَدْ دَلَّ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ فِي مِثْلِهَا .
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَلَمْ تُسْلِمْ امْرَأَتُهُ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَبِيٍّ لَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكُمَا أَنْ تُخَيِّرَاهُ ؟ فَقَالَا نَعَمْ فَنَادَتْهُ أُمُّهُ فَذَهَبَ نَحْوَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَنَادَاهُ أَبُوهُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ بِاخْتِيَارِ أَبَوَيْهِ ذَلِكَ لَا بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمَا فِيهِ .
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَّوَيْهِ قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَكُمْ سُفْيَانُ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ { عَبْدِ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّ هَاهُنَا وَالْأَبَ هَاهُنَا ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ ؟ } فَقَالَ : عَبْدُ الرَّزَّاقِ

نَعَمْ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ ، وَأَنَّهُ صَغِيرٌ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْإِدْرَاكِ فِيمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إدْرَاكَ الْبُلُوغِ ، وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ إدْرَاكُ الْحُكْمِ فِيهِ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ فِي مِثْلِهِ وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرِ بْنِ مَطَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ : ثنا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَكَانَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَكَانٍ { عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَسْلَمَ أَبِي وَأَبَتْ أُمِّي أَنْ تُسْلِمَ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا غُلَامٌ فَقَالَ أَبِي أَنَا أَحَقُّ بِهِ وَقَالَتْ أُمِّي أَنَا أَحَقُّ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شِئْتُمَا خَيَّرْتُهُ فَوَثَبَتْ أُمِّي لِلُطْفِهَا بِي فَقَالَتْ قَدْ رَضِيتُ قَالَ أَبِي قَدْ رَضِيتُ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا غُلَامُ إنْ شِئْت اذْهَبْ إلَى أَبِيك ، وَإِنْ شِئْت اذْهَبْ إلَى أُمِّك فَتَوَجَّهْت نَحْوَ أُمِّي فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ خَلْفِي اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَتَوَجَّهْت إلَى أَبِي حَتَّى قَعَدْت فِي حِجْرِهِ } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ تَخْيِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الصَّبِيِّ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَبَوَيْهِ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ بِتَصْحِيحِ مَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَلَا يُتْرَكَ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا دُعَاءَ أَبَوَيْ الصَّبِيِّ إلَى الِاسْتِهَامِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَابَا إلَى ذَلِكَ أُسْهِمَ بَيْنَهُمَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَبَيَا ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَا أَنْ يُخَيَّرَ الصَّبِيُّ بَيْنَهُمَا لِيَخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَعَلَ ذَلِكَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا اخْتِيَارٌ فِي ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ

يَرْجِعَ إلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنَةِ حَمْزَةَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فَيُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَيُقْضَى بِهِ لِمَنْ يَرَاهُ الْحَاكِمُ فِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْمُخْتَصِمِينَ إلَيْهِ فِيهِ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ بَيَّنَهُ لَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ فِي رِوَايَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ مَا نَسَبَهُ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَقَالَ هُشَيْمٌ فِيهِ ابْنُ سَلَمَةَ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَكُلُّ مَنْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ جَعْفَرٍ فَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى كُنْيَةِ أَبِيهِ أَوْ إلَى أَبٍ مِنْ آبَائِهِ يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِهِ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ سَمِعْت عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَنَا حَدَّثْتُ الْبَتِّيَّ بِحَدِيثِ التَّخْيِيرِ بِالْأَهْوَازِ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ هَذَا الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ كَمَا قَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا بَيْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ أُمِّ عَاصِمٍ ابْنِهِ الَّتِي كَانَ طَلَّقَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَرْفًا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ فِي حَالٍ مُسْتَأْنَفَةٍ .
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : خَاصَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ الَّتِي طَلَّقَ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَزَوَّجْ أَوْ

يَشِبَّ الصَّبِيُّ وَقَالَ هِيَ أَحْنَى وَأَعْطَفُ وَأَلْطَفُ وَأَرْأَفُ وَأَرْحَمُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ يَشِبَّ الصَّبِيُّ لَا يُرِيدُ بِهِ حَالًا يُخَيَّرُ فِيهَا وَلَكِنْ يُرِيدُ بِهِ حَالًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَضَانَةِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهَا فَيَكُونُ لِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ( ح ) وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيُّ أَبُو هَمَّامٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَسَّانَ الْعَامِرِيِّ { عَنْ فُلْفُلَةَ الْجُعْفِيِّ قَالَ : فَزِعْت فِيمَنْ فَزِعَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَصَاحِفِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إنَّا لَمْ نَأْتِك زَائِرِينَ وَلَكِنَّا جِئْنَا حِينَ رَاعَنَا هَذَا الْخَبَرُ قَالَ : إنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَإِنَّ الْكِتَابَ كَانَ يَنْزِلُ أَوْ يُنْزَلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ } حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ ( ح ) ( وَ ) ثنا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ } .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَارُودِ قَالَا ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا عَفَّانَ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ

أُبَيًّا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا مَنْصُورُ بْنُ سُقَيْرٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي أُرْسِلْت إلَى أُمَّةٍ فِيهِمْ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ وَالْغُلَامُ وَالْخَادِمُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ فَقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ هَذَا تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ } حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ : سَمِعْت أُمَّ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَقَالَ مَرَّةً يُونُسُ الْقَائِلُ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت { أُمَّ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةَ قَالَتْ نَزَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيَّهَا قَرَأْت أَصَبْت } هَكَذَا أَمْلَاهُ يُونُسُ عَلَيْنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ مَا حَدَّثَ بِهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ .
وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ

: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا وَلَا حَرَجَ غَيْرَ أَنْ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ ذِكْرِ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ وَلَا ذِكْرِ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : رَحِمَهُ اللَّهُ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ هِيَ سَبْعَةُ أَنْحَاءٍ كُلُّ نَحْوٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ خِلَافَ الْمَنْحَى الْآخَرِ مِنْهُ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الْأَصْنَافِ لَقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } الْآيَةَ فَكَانَ مَعْنَى الْحَرْفِ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَعْبُدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا فَمِنْهَا مَا هُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا هُوَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْرُفِ حَرْفٌ زَاجِرٌ وَمِنْهَا حَرْفُ أَمْرٍ وَمِنْهَا حَرْفُ حَلَالٍ وَمِنْهَا حَرْفُ حَرَامٍ وَمِنْهَا حَرْفُ مُحْكَمٍ وَمِنْهَا حَرْفُ مُتَشَابِهٍ وَمِنْهَا حَرْفُ أَمْثَالٍ وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ هَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي فَاسِدٌ .
وَذَلِكَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ { أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ فَاسْتَزَادَهُ فَقَالَ اقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ } فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَرْفَ الَّذِي عَلَّمَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَا سِوَاهُ أَوْ يَكُونَ حَلَالًا لَا مَا سِوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ كُلُّهُ وَلَا عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ كُلُّهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهُوَ

كَمَا قَالَ : ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ .
وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ زَاجِرٍ - وَآمِرٍ - وَحَلَالٍ - وَحَرَامٍ - وَمُحْكَمٍ - وَمُتَشَابِهٍ - وَأَمْثَالٍ - فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ ، وَقُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاخْتَلَفَ حَيْوَةُ وَاللَّيْثُ عَلَى عُقَيْلٍ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي رِوَايَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ قَالَ : وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ لِانْقِطَاعِهِ فِي إسْنَادِهِ ؛ وَلِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَا يَتَهَيَّأُ فِي سِنِّهِ لِقَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَا أَخْذُهُ إيَّاهُ عَنْهُ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ فِيمَا ذَكَرَ لَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ إلَى أَنَّ مَعْنَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ سَبْعُ لُغَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ شَيْءٍ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ .

وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ بِمَا لَيْسَ مِنْ لُغَاتِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ عُرِّبَ فَدَخَلَ فِي لُغَتِهِمْ مِثْلُ طُورِ سِينِينَ فَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى تِلْكَ الْأَحْرُفِ كُلِّهَا بَعْضُهُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ وَبَعْضُهُ عَلَى الْحَرْفِ الْآخَرِ فَقِيلَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ عَلَى تِلْكَ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا نَحْنُ هَذَا الْبَابَ لِنَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَوَجَدْنَا اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَدْ قَالَ : فِي كِتَابِهِ { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } فَأَعْلَمَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ الرُّسُلَ إنَّمَا تُبْعَثُ بِأَلْسُنِ قَوْمِهَا لَا بِأَلْسُنِ سِوَاهَا وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ اللِّسَانَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لِسَانُ قَوْمِهِ وَهُمْ قُرَيْشٌ لَا مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَلْسُنِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَ قَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُرَادُونَ بِذَلِكَ هُمْ قُرَيْشٌ لَا مَنْ سِوَاهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك } يَعْنِي قُرَيْشًا لَا سِوَاهَا وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وقَوْله تَعَالَى { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُك وَهُوَ الْحَقُّ } يَعْنِي مَنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ لَا مَنْ سِوَاهَا وقَوْله تَعَالَى وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ } .
فَدَعَا قُرَيْشًا بَطْنًا بَطْنًا حَتَّى تَنَاهَى إلَى آخِرِهَا ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا إلَى مَنْ سِوَاهَا ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَلَدُوهُ كَمَا وَلَدَتْهُ قُرَيْشٌ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانِهِمْ هُمْ قُرَيْشٌ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ بِاللِّسَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ اللِّسَانِ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْأَلْسِنَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ ذَلِكَ اللِّسَانَ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ

مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ الْعَرَبِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي دِينِهِ كَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَكَمَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ صَحِبَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَكَانَ أَهْلُ لِسَانِهِ أُمِّيِّينَ لَا يَكْتُبُونَ إلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ كِتَابًا ضَعِيفًا ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حِفْظُ مَا يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ بِحُرُوفِهِ الَّتِي يَقْرَؤُهُ بِهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ كِتَابُ ذَلِكَ وَتَحَفُّظُهُمْ إيَّاهُ ؛ لِمَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ .
وَإِذَا كَانَ أَهْلُ لِسَانِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا كَانَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ لِسَانِهِ مِنْ بَعْدُ أَخْذُ ذَلِكَ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ أَوْكَدُ ، وَكَانَ عُذْرُهُمْ فِي ذَلِكَ أَبْسَطَ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى لُغَةٍ مِنْ اللُّغَاتِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ لَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ وَالْمَشَقَّةِ الْغَلِيظَةِ وَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إلَى حِفْظِ مَا قَدْ تَلَاهُ عَلَيْهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ ؛ لِيَقْرَءُوهُ فِي صَلَاتِهِمْ وَلِيَعْلَمُوا بِهِ شَرَائِعَ دِينِهِمْ فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتْلُوهُ بِمَعَانِيهِ ، وَإِنْ خَالَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ الَّتِي يَتْلُونَهُ بِهَا أَلْفَاظَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَرَأَهُ بِهَا عَلَيْهِمْ فَوَسَّعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُمَا قُرَشِيَّانِ لِسَانُهُمَا لِسَانُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ قَدْ كَانَا اخْتَلَفَا فِيمَا قَرَأَ بِهِ سُورَةَ الْفُرْقَانِ حَتَّى قَرَآهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمَا مَا قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ يَعُودُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ

الزُّبَيْرِ { عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَعْجَلُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْت بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت إنِّي سَمِعْت هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَأْ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي : اقْرَأْ فَقَرَأْت فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ : قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي قَالَا : سَمِعْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ ثُمَّ ذَكَرَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْقَارِي أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْقَارِي حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ اخْتِلَافَ عُمَرَ وَهِشَامٍ فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ حَتَّى قَالَ : لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِهِمَا مَا قَالَهُ لَهُمَا مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي قَرَأَهَا بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُخَالِفُ الْأَلْفَاظَ الَّتِي قَرَأَهَا بِهَا الْآخَرُ مِنْهُمَا وَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ الَّتِي أَعَلَمَهُمَا أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا هِيَ الْأَحْرُفُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِي أَمْرٍ وَلَا فِي نَهْيٍ وَلَا فِي حَلَالٍ وَلَا فِي حَرَامٍ كَمِثْلِ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ أَقْبِلْ وَقَوْلِهِ لَهُ : تَعَالَ وَقَوْلِهِ لَهُ : اُدْنُ ، وَانْتَفَى بِذَلِكَ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ بَدَأْنَا بِذِكْرِهِمَا فِي هَذَا الْبَابِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ : ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا حَاكَ فِي نَفْسِي مُنْذُ أَسْلَمْت شَيْءٌ إلَّا أَنِّي قَرَأْت آيَةً وَقَرَأَهَا غَيْرِي فَقُلْت أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ صَاحِبِي أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأْتَنِي آيَةَ كَذَا قَالَ : نَعَمْ وَقَالَ صَاحِبِي أَقْرَأْتَنِيهَا هَكَذَا قَالَ نَعَمْ أَتَانِي جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَجَلَسَ

جَبْرَائِيلُ عَنْ يَمِينِي وَجَلَسَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِي فَقَالَ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ مِيكَائِيلُ اسْتَزِدْهُ فَقَالَ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ وَكُلٌّ كَافٍ شَافٍ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ : ثنا الْخَصِيبُ بْنُ نَاصِحٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ : ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ ذَلِكَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : ثنا هَمَّامٌ قَالَ : ثنا قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : { قَرَأَ أُبَيٍّ آيَةً وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ خِلَافَهَا وَقَرَأَ رَجُلٌ آخَرُ خِلَافَهَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لَهُ أَلَمْ تَقْرَأْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا ، كَذَا وَكَذَا ؟ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَلَمْ تَقْرَأْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا ، كَذَا وَكَذَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ مُحْسِنٌ مُجْمِلٌ قَالَ : قُلْنَا مَا كُلُّنَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَلُ قَالَ : فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ يَا أُبَيٍّ أَقَرَأْت الْقُرْآنَ فَقُلْت عَلَى حَرْفٍ أَوْ عَلَى حَرْفَيْنِ ؟ فَقَالَ لِي الْمَلَكُ الَّذِي عِنْدِي عَلَى حَرْفَيْنِ ، فَقُلْتُ : عَلَى حَرْفَيْنِ ؟ فَقَالَ لِي : عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَقَالَ لِي الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي عَلَى ثَلَاثَةٍ فَقُلْت عَلَى ثَلَاثَةٍ هَكَذَا حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا شَافٍ كَافٍ قُلْت غَفُورًا رَحِيمًا أَوْ قُلْت سَمِيعًا حَكِيمًا أَوْ قُلْتُ : عَلِيمًا حَكِيمًا أَوْ قُلْت عَزِيزًا حَكِيمًا أَيْ ذَلِكَ قُلْت فَإِنَّهُ كَذَلِكَ } وَزَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ { مَا لَمْ يُخْتَمْ عَذَابٌ بِرَحْمَةٍ أَوْ رَحْمَةٌ بِعَذَابٍ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى بْنِ بِنْتِ السُّدِّيِّ قَالَ : ثنا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ { أَتَانِي مَلَكَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَقْرِئْهُ عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ عَلَى حَرْفٍ ؟ قَالَ : زِدْهُ فَانْتَهَى بِي إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ : ثنا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ قَالَ : ثنا عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ قَالَ : أَتَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَكَانِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ هِيَ السَّبْعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَأَنَّهَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَتَلَفَّظُ بِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَوْسِعَةً مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ لِضَرُورَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَزَلَ بِأَلْفَاظٍ وَاحِدَةٍ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِمَّا قَدْ حَمَلَهُ ابْنُ شِهَابٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْنَاهُ نَحْنُ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَقْرَأَنِي جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ فَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } قَالَ : ابْنُ شِهَابٍ بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَتْ هَذِهِ السَّبْعَةُ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي عَجْزِهِمْ عَنْ أَخْذِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى

كَثُرَ مَنْ يَكْتُبُ مِنْهُمْ ، وَحَتَّى عَادَتْ لُغَاتُهُمْ إلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَءُوا بِذَلِكَ عَلَى تَحَفُّظٍ الْقُرْآنَ بِأَلْفَاظِهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا فَلَمْ يَسَعْهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرَءُوهُ بِخِلَافِهَا وَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إنَّمَا كَانَتْ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لِضَرُورَةٍ دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الضَّرُورَةُ فَارْتَفَعَ حُكْمُ هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ وَعَادَ مَا يُقْرَأُ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا مَا فِيهِ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا كَمَا حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَا : ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تَقْرَأَ أَنْتَ وَأُمَّتُك عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلْ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ الثَّانِيَةَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ ، فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ ، إنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك وَأُمَّتَك أَنْ تَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلَّمَا قَرَءُوا بِهَا أَصَابُوا } وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : { جَاءَ جِبْرِيلُ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ قَالَ فَقَالَ مِيكَائِيلُ اسْتَزِدْهُ فَقَالَ : اقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ : اسْتَزِدْهُ حَتَّى بَلَغَ إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَقَالَ اقْرَأْهُ فَكُلٌّ كَافٍ شَافٍ إلَّا أَنْ تَخْلِطَ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ عَلَى نَحْوِ هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَعَجِّلْ } .
فَدَلَّ مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا حَمَلْنَا وُجُوهَ هَذِهِ الْآثَارِ عَلَيْهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَوْدِ التِّلَاوَةِ إلَى حَرْفٍ قَبْلَهُمَا وَاحِدٍ بَعْدَ مَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا مَا قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ جَمْعِهِ الْقُرْآنَ وَاكْتِتَابِهِ فِيمَا كَانَ اكْتَتَبَهُ فِيهِ .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَخَارِجَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي قَرَاطِيسَ وَكَانَ قَدْ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ فَأَبَى عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفَعَلَ فَكَانَتْ تِلْكَ الْكُتُبُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُثْمَانُ فَأَبَتْ أَنْ تَدْفَعَهَا إلَيْهِ حَتَّى عَاهَدَهَا لَيَرُدَّنَّهَا إلَيْهَا فَبَعَثَتْ بِهَا إلَيْهِ فَنَسَخَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهَا فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى أَرْسَلَ مَرْوَانُ فَأَخَذَهَا فَحَرَقَهَا .
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ بِالْيَمَامَةِ دَخَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَافَتُوا يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا مَوْطِنًا إلَّا فَعَلُوا ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى يُقْتَلُوا وَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ فَيَضِيعَ الْقُرْآنُ وَيُنْسَى فَلَوْ جَمَعْتَهُ وَكَتَبْتَهُ فَنَفَرَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ أَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُمَرُ مُحْزَئِلٌّ يَعْنِي شِبْهَ الْمُتَّكِئِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّ هَذَا دَعَانِي إلَى أَمْرٍ فَأَبَيْت عَلَيْهِ وَأَنْتَ كَاتِبُ الْوَحْيِ فَإِنْ تَكُنْ مَعَهُ اتَّبَعْتُكُمَا ، وَإِنْ تُوَافِقْنِي لَمْ أَفْعَلْ مَا قَالَ : فَاقْتَصَّ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَ عُمَرَ فَنَفَرْت مِنْ ذَلِكَ وَقُلْت نَفْعَلُ مَا لَمْ يَفْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ : عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَلِمَةً قَالَ وَمَا عَلَيْكُمَا لَوْ فَعَلْتُمَا فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدَمِ وَكِسَرِ الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي الْجَرِيدَ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ كَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمَّا هَلَكَ كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ ثُمَّ إنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَرْجَ أَرْمِينِيَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ النَّاسَ فَقَالَ عُثْمَانُ وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَ : غَزَوْتُ أَرْمِينِيَةَ فَحَضَرَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ فَيُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الشَّامِ قَالَ :

زَيْدٌ فَأَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ مُصْحَفًا وَقَالَ إنِّي جَاعِلٌ مَعَك رَجُلًا لَبِيبًا فَصِيحًا فَمَا اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَاكْتُبَاهُ ، وَمَا اخْتَلَفْتُمَا فِيهِ فَارْفَعَاهُ إلَيَّ فَجَعَلَ مَعَهُ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَلَمَّا بَلَغَ { إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ } قَالَ : زَيْدٌ فَقُلْت أَنَا التَّابُوهُ وَقَالَ أَبَانٌ : التَّابُوتُ فَرَفَعْنَا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ فَكَتَبَ التَّابُوتَ ثُمَّ عَرَضْتُهُ يَعْنِي الْمُصْحَفَ عَرْضَةً أُخْرَى فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئًا وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى حَفْصَةَ أَنْ تُعْطِيَهُ الصَّحِيفَةَ وَحَلَفَ لَهَا لَيَرُدَّنَّهَا إلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ فَعَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي شَيْءٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَطَابَتْ نَفْسُهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكْتُبُوا الْمَصَاحِفَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقُرْآنِ كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُمَا رَاشِدَانِ مَهْدِيَّانِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُدْوَةِ بِهِمَا وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَتَابَعَهُمَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ إمَامٌ رَاشِدٌ مَهْدِيٌّ وَتَابَعَهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ كَاتِبُ الْوَحْيِ لِرَسُولِ اللَّهِ فَكَتَبَ الْمُصْحَفَ لِعُثْمَانَ بِيَدِهِ وَتَابَعَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ إجْمَاعًا وَالنَّقْلُ بِالْإِجْمَاعِ هُوَ الْحُجَّةُ الَّتِي بِمِثْلِهَا نُقِلَ الْإِسْلَامُ إلَيْنَا حَتَّى عَلِمْنَا شَرَائِعَهُ وَحَتَّى وَقَفْنَا عَلَى عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى مَا سِوَاهَا مِمَّا هُوَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ، وَعَادَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ كَانَ كَافِرًا حَلَالَ الدَّمِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَفَارَقَ ذَلِكَ حُكْمَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَرْوِيهَا الْآحَادُ بِمَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا

مَنْ كَفَرَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ أَخْبَارُ الْآحَادِ كَمَا يَكُونُ كَافِرًا مَنْ كَفَرَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَنْ أَضَافَ شَيْئًا مِمَّا يُخَالِفُ مَا فِي مُصْحَفِنَا هَذَا إلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُتَلَفِّتٍ إلَى مَا حَكَى ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ مِمَّا يُخَالِفُهُ مِمَّا قَدْ قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ نُعَيْمٍ مِمَّا عَادَ إلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ كَاتِبَ الْمُصْحَفِ الْمَكْتُوبِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ كَانَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِمَحْضَرِ أَبَانِ بْنِ سَعِيدٍ بِامْتِثَالِ مَا كَانَا يَفْعَلَانِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَمَا كَانَ يَفْعَلَانِ فِي اخْتِلَافِهِمَا .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ خَارِجَةَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ كَانُوا كَاتِبِي ذَلِكَ الْمُصْحَفِ بِأَمْرِ عُثْمَانَ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : ثنا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ لَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ حَتَّى اقْتَتَلَ الْغِلْمَانُ وَالْمُعَلَّمُونَ فَبَلَغَ عُثْمَانَ فَقَالَ عِنْدِي تَكْذِبُونَ بِهِ وَتَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَمَنْ نَأَى عَنِّي كَانَ أَشَدَّ تَكْذِيبًا ، وَأَكْثَرَ لَحْنًا [ وَقَالَ ] لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمِعُوا فَاكْتُبُوا لِلنَّاسِ قَالَ فَكَتَبُوا قَالَ فَحَدَّثَنِي أَنَّهُمْ إذَا تَدَارَءُوا فِي آيَةٍ قَالُوا هَذِهِ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا فَيُرْسِلُ إلَيْهِ ، وَهُوَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فَيُقَالُ كَيْفَ أَقْرَأَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَيَكْتُبُونَهَا وَقَدْ تَرَكُوا لَهَا مَكَانًا فَهَذَا فِي

التَّوْكِيدِ فَوْقَ مَا فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَارُودِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَا : ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَنَا قَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَحْرُفَ قَوْلٌ يُقَالُ وَيَقِينٌ يُوقَنُ بِهِ وَعَمَلٌ يُعْمَلُ بِهِ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَب إلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَكَانَ أَوْلَى مِمَّا قَالُوا فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَدْ رَوَى عَنْهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِمَّا حَكَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُلُوسِ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنْ قَوْلِ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ وَمِنْ قَوْلِ مِيكَائِيلَ لَهُ اسْتَزِدْهُ فَقَالَ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ إطْلَاقِ عَدَدٍ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ النَّاسُ وَيُخَاطِبُهُمْ بِهِ لِيَقِفُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ وَتَوْسِعَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَيَسْمَعُ سَمُرَةُ مِنْهُ الْحُرُوفَ الَّتِي كَانَ أَطْلَقَ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَيْهَا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ لَا أَكْثَرُ مِنْهَا ثُمَّ مَضَى ثُمَّ أَطْلَقَ لِلنَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى تَتِمَّةَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ سَمُرَةُ فَرَوَى مَا سَمِعَ وَقَصَرَ عَمَّا فَاتَهُ مِنْهَا مِمَّا قَدْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فَحَدَّثَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُ وَمِنْهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ أَوْلَى بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِمَّنْ سِوَاهُ مِمَّنْ قَصَرَ عَنْهَا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْخَطِّ الْمُخْتَلِفَةِ ) حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ : ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ { عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ قَالَ : لِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَأُ ؟ قُلْت عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَلْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ الْآخِرَةُ إنَّ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَرَضَهُ مَرَّتَيْنِ فَشَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ مَا نَسَخَ مِنْهُ وَمَا بَدَّلَ } حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : أَنَا شَرِيكٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَتِلْكَ الْقِرَاءَةُ الْآخِرَةُ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : أَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ : ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ آخِرًا قَالُوا : قِرَاءَةَ زَيْدٍ قَالَ : لَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ الْقِرَاءَةَ عَلَى جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ السَّنَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَشَهِدَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَتْ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ آخِرًا } قَالَ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْقِرَاءَةِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَيْهَا مِمَّا هِيَ فِي الْخَطِّ مُؤْتَلِفَةٌ ، وَفِي أَلْفَاظِهِمْ بِهَا مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى { إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا } فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فَتَثَبَّتُوا وَمِنْهَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ ،

وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ : فَتَثَبَّتُوا .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا } فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا } وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نَنْشُزُهَا } فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ { نُنْشِزُهَا } وَمِنْهَا أَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَدْ قَرَأَهَا أَهْلُ الْقِرَاءَاتِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا ، وَلَمْ يُعَنِّفْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي خِلَافِهِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى مَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ الْمَصَاحِفُ الَّتِي تَوَلَّى اكْتِتَابَهَا مَنْ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَمْرِ مَنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَمِنْ حُضُورِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ نَقَلُوا إلَيْنَا عَنْهُ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي قَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْنَا بِهَا ، وَكَانَ مَنْ خَرَجَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى خِلَافِهِ مَارِقًا ، وَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ بِهِ كَافِرًا وَكَانَ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِلَى الْإِقْرَارِ بِمَا كَانَ جَحَدَهُ ، وَإِلَى لُزُومِ مَا قَدْ كَانَ عَلَيْهِ لُزُومُهُ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَا دَعَوْنَاهُ إلَيْهِ قَتَلْنَاهُ كَمَا نَقْتُلُ سَائِرُ الْمُرْتَدِّينَ وَكَانَتْ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهَا إنَّمَا تُوَصِّلُ إلَى حَقَائِقِهَا لَوْ كَانَتْ الْمَصَاحِفُ الْمُكْتَتَبُ ذَلِكَ فِيهَا قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا نَقْطُهَا أَوْ شَكْلُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْخَطِّ وَخِلَافُهُ فِي اللَّفْظِ ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَتَبُوهَا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَرَكُوا ذَلِكَ كَرَاهَةً مِنْهُمْ أَنْ يَخْلِطُوا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

غَيْرَهُ حَتَّى كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كِتَابَ فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَالتَّعْشِيرَ وَالتَّخْمِيسَ ، وَآرَاؤُهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ ، وَالْقَوْلُ بِمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ غَيْرُ مَحْمُودٍ ثُمَّ احْتَمَلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَلْفَاظ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَا فَأَخَذَهَا عَنْهُ كَمَا سَمِعَهُ يَقْرَأُ بِهَا ثُمَّ عَرَضَ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَبَدَّلَ بَعْضَهَا ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي رَدَّ جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَحَضَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ فَقَرَأَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مَا قَرَأَ مِنْ تِلْكَ الْحُرُوفِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى وَغَابَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى .
وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحْكَامِ مِمَّا نَسَخَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ بِمَا نَسَخَهُ بِهِ وَمِمَّا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي فَصَارَ إلَى الْحُكْمِ الثَّانِي وَغَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحُكْمِ الثَّانِي مِمَّنْ حَضَرَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَعَلِمَهُ فَثَبَتَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى فَرْضِهِ وَعَلَى مَا يُعْتَدُّ بِهِ فَمِثْلُ تِلْكَ الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحْمُودٌ وَالْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا فَعَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَجِبُ تَعْنِيفُ مَنْ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَخَالَفَ مَا سِوَاهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ فَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ مَا قَصَرَ عَنْهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ ( ح ) وَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَا أَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُحَدِّثُ عَنْ قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا بَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إذَا بَصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا } ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ حَتَّى انْتَهَى مِنْهُ إلَى سُؤَالِ الْخَضِرِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ عَمَّا كَانَ مِنْهُ مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَإِلَى قَوْلِ الْخَضِرِ لَهُ : وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } وَقَدْ رُوِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ هَذَا الْحَرْفِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيٍّ أَيْضًا كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ : أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنِي رَقَبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَكَانَ " زَكِيَّةً " زَاكِيَةً .
وَحَدَّثَنَا

عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّائِيُّ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ : ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ عَنْ رَقَبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ أَدْرَكَ لَأَرْهَقَ أَبَوَاهُ طُغْيَانًا وَكُفْرًا } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي زَكِيَّةٍ وَفِي زَاكِيَةٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِ زَاكِيَةً لَا بِ زَكِيَّةً كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ مَكَانَ زَكِيَّةً فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ زَاكِيَةً قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا الْحَرْفُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهُ فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بِ زَكِيَّةً فَمِمَّنْ قَرَأَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ : عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَمِمَّنْ قَرَأَ مِنْهُمْ زَاكِيَةً فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا : أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا زَاكِيَةٌ ؛ لِأَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْوِيلِ وَيَقُولُ الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَنْ تُذْنِبَ قَطُّ وَالزَّكِيَّةُ الَّتِي

قَدْ أَذْنَبَتْ ثُمَّ غُفِرَ لَهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَضِرُ قَتَلَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ الْحِنْثَ قَالَ : أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَرَاهُمَا لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَكَانَ مَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فِيهِ مِمَّا وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ نَعُودُ قَائِلِينَ لِأَبِي عُبَيْدٍ فَنَقُولُ لَهُ أَمَّا هَذَا الْمَقْتُولُ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سُمِّيَ غُلَامًا فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى غُلَامًا وَهُوَ بَالِغٌ ، وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَقَدْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ الِاحْتِلَامَ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِلَافَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي يُرْهِقُ أَبَوَيْهِ بِهَا الطُّغْيَانُ وَالْكُفْرُ .
وَفِي الْآيَةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَالِغًا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِطَابِهِ لِنَبِيِّهِ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ } أَيْ أَنَّهَا لَوْ قَتَلَتْ نَفْسًا لَكَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِقَتْلِهَا بِهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَ بُلُوغُهَا وَصَارَتْ زَكَاتُهَا بِطَهَارَتِهَا وَقَدْ شَدَّ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ { لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا } أَيْ طَاهِرًا فَوَصْفُهُ أَنَّهُ زَكِيٌّ بِغَيْرِ ذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى غَفَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ بِهِ فَسَادُ مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الزَّكِيَّةِ وَالزَّاكِيَةِ وَفِي تَثْبِيتِ مَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ إنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْعَرَبُ قَدْ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا فَتَقُولُ الْقَاصِي وَالْقَصِيُّ وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْأَعْرَابِ فِي خِطَابِهِ لِزَوْجَتِهِ فِي وَلَدٍ وَلَدَتْهُ فَأَنْكَرَهُ لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ أَوْ تَحْلِفِي بِرَبِّك الْعَلِيِّ أَنِّي أَبُو

ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ يُرِيبُنِي بِالْمَنْظَرِ التُّرْكِيِّ وَمُقْلَةٍ كَمُقْلَةِ الْكُرْكِيِّ يُرِيدُ بِالْقَصِيِّ الْقَاصِيَ وَيُرِيدُ بِالْعَلِيِّ الْعَالِيَ فَقَالَ قَائِلٌ : فِيمَا قَدْ ذَكَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ زِيَادَةُ حَرْفٍ فِي الْخَطِّ وَهِيَ الْأَلِفُ الْمَوْجُودَةُ فِي زَاكِيَةٍ الْمَفْقُودَةُ فِي زَكِيَّةٍ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْتُهَا ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي زَاكِيَةٍ وَزَكِيَّةٍ لَيْسَ حِكَايَةً عَنْ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا كَلَّمَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ لِسَانُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ لِسَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِ وَكَانَ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ زَاكِيَةٍ وَمِنْ زَكِيَّةٍ حِكَايَةً عَمَّا كَانَ مِنْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ الْخَضِرُ فِي ذَلِكَ وَالْحِكَايَاتُ بِالْأَلْسُنِ عَنْ الْأَلْسُنِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تِلْكَ الْأَلْسُنِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَى بِالْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوَابِهِ إيَّاهُ لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ آيَةً فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ { قَالَ آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا } وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ قَالَ { آيَتُك أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } إخْبَارٌ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ ذَكَرَهُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِاللَّيَالِيِ الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا أَيَّامُهَا وَفِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ بِالْأَيَّامِ الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا لَيَالِيهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ حِكَايَتُهُ عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصْفِ

الْغُلَامِ الْمَقْتُولِ بِالْحَالِ الَّتِي كَانَ عِنْدَهُ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ زَكِيٌّ فِي مَعْنَى زَاكِي وَبِأَنَّهُ زَاكِي فِي مَعْنَى زَكِيٍّ ثُمَّ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهَا فَفِي بَعْضِهَا إثْبَاتُ الْأَلِفِ وَفِي بَعْضِهَا سُقُوطُ الْأَلِفِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ ، وَأَنَّ مَا قُرِئَ بِهِ مِنْ تِلْكَ اللَّفْظَتَيْنِ وَاسِعٌ غَيْرُ مُعَنَّفٍ مَنْ مَالَ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَفِي الْفَاجِرِ أَنَّهُ خِبٌّ لَئِيمٌ ) حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُبَارَكِيُّ قَالَ ثنا أَبُو شِهَابٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فُرَافِصَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ شَكٍّ ذَكَرَهُ فِي إسْنَادِهِ .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ قَالَ : ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ بِغَيْرِ شَكٍّ ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ إسْنَادِهِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَجَدْنَا الْغِرَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الَّذِي لَا غَائِلَةَ مَعَهُ وَلَا بَاطِنَ لَهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ أَمِنْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَهِيَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ .
وَوَجَدْنَا الْفَاجِرَ ظَاهِرَهُ خِلَافَ بَاطِنِهِ ؛ لِأَنَّ بَاطِنَهُ هُوَ مَا يُكْرَهُ ، وَظَاهِرُهُ فَمُخَالِفٌ لِذَلِكَ كَالْمُنَافِقِ الَّذِي يُظْهِرُ شَيْئًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ مِنْهُ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي يَحْمَدُهُ أَهْلُهُ عَلَيْهِ وَيُبْطِنُ خِلَافَهُ ، وَهُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَذُمُّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَكَانَ مَثَلُ ذَلِكَ الْخِبَّ الَّذِي يُظْهِرُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَحْمُودٌ مِنْهُ حَتَّى يَحْمَدَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُبْطِنُ ضِدَّهُ مِمَّا يَذُمُّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْفَاجِرُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَخَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَ قُوَّةِ الرَّجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَيْسَانِيُّ قَالَا : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَاهِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ لِلْقُرَشِيِّ مِثْلَ قُوَّةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ } قَالَ : ابْنُ شِهَابٍ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ إلَّا نُبْلَ الرَّأْيِ قَالَ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ عَلَى الْقُرَشِيِّ ذِي الرَّأْيِ لَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الرَّأْيِ ، وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا وُصِفَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ ذَوِي عَدَدٍ جَازَ أَنْ تُضَافَ الصِّفَةُ إلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ جَمِيعًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ خَاصًّا مِنْهُمْ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك } يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ ، الْكَافِرِينَ بِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ يُرِيدُ بِهِ قَوْمَهُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ ، الْمُخَالِفِينَ عَلَيْهِ دُونَ قَوْمِهِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ ، الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى مُضَرَ { وَاشْدُدْ وَطْأَتَك } يُرِيدُ مُضَرَ الْمُخَالِفَةَ عَلَيْهِ لَا مُضَرَ الْمُتَّبِعَةَ لَهُ وَهَذَا وَاسِعٌ فِي الْكَلَامِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَوْضِعٌ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهُ وَهُوَ قَوْله

تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ } فَقِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِيمَا أَجَازَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْصَارَ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو أَنْصَارًا لِلَّهِ بِالتَّنْوِينِ قَالَ : أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا أَنْصَارَ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ لَا بِالتَّنْوِينِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } وَلَمْ يَقُلْ أَنْصَارًا لِلَّهِ .
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ اخْتَلَفَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَرْفِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا قَدْ حَكَيْنَا عَنْهُ فِيمَا أَجَازَهُ لَنَا عَلِيٌّ عَنْهُ وَقَالَ الْمَكِّيُّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَنَافِعٍ فِيهَا قَالَ : ثُمَّ احْتَجَّ الْمَكِّيُّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ إذَا قَرَأْنَاهَا أَنْصَارَ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ نَفَيْنَا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْصَارٌ سِوَاهُمْ فَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّهُ جَائِزٌ فِي الشَّيْءِ إذَا كَثُرَ أَنْ يُضَافَ إلَى كُلِّهِ مَا كَانَ مِنْ بَعْضِهِ فَجَازَ بِذَلِكَ إنْ قِيلَ لِبَعْضِ النَّاصِرِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّهُمْ نَاصِرُو اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُ نَاصِرِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا نَحْنُ مُسْتَغْنُونَ عَنْ إعَادَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَيَثْبُتَ بِمَا ذَكَرْنَا الِاخْتِيَارَ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { اُنْظُرُوا إلَى قُرَيْشٍ وَاسْمَعُوا مِنْ قَوْلِهِمْ

وَذَرُوا فِعْلَهُمْ } ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحْرِزٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { اُنْظُرُوا إلَى قُرَيْشٍ فَاسْمَعُوا مِنْ قَوْلِهِمْ وَذَرُوا فِعْلَهُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُرَادِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الْمَأْمُورَ بِالِاسْتِمَاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ هُمْ ذَوُو الْقَوْلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسْتَمَعَ لَا مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْقَوْلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُسْتَمَعَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَذَرُوا فِعْلَهُمْ هُوَ أَيْضًا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَوِي الْفِعْلِ الْمَذْمُومِ لَا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الْفِعْلِ الْمَحْمُودِ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاخْتِيَارِ مِمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ } أَوْ { مِنْ ضُعْفٍ } عَلَى مَا قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ ) .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَا : ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ { عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا } فَرَدَّ عَلَيَّ { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا } ثُمَّ قَالَ : لِي قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأْتَ عَلَيَّ فَرَدَّ عَلَيَّ كَمَا رَدَدْتُ عَلَيْك } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُهُ وَفِيهِ رَدُّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ضَعْفًا مَكَانَ قِرَاءَتِهِ ضَعْفًا ، وَإِنْ كَانَ الْقُرَّاءُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى ضَعْفٍ وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى ضُعْفٍ فَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا لِلنَّاسِ أَنْ يَقْرَءُوا الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ مُحَالًا عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا قَرَءُوهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهَا وَلِأَنَّهُ قَدْ قَرَأَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ هَذَا الْحَرْفَ عَلَى مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ مَنْ قَرَأَهَا ضَعْفًا .
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ كَانَ فِي ذَلِكَ جَاءَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهُ عَلَى النَّاسِ فَيَأْخُذُونَهُ عَنْهُ كَمَا يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جَبْرَائِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَيُبَدِّلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُبَدِّلُ فَيَكُونُ أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْ لَحِقَهُ التَّبْدِيلُ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْآخَرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ مَكَانَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْوُوهُ نَصًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّسَعَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَرْفَيْنِ غَيْرَ أَنَّ مَا فَصَلَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَعْنَى الْآخَرُ مِنْهُمَا بِحِكَايَةِ مَنْ حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَدِّهِ إيَّاهُ عَلَى مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ الْحَرْفَ الْآخَرَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحَرْفَيْنِ بِالِاخْتِيَارِ أَوْلَى وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا الْحَرْفِ فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِالضَّمِّ وَمِمَّنْ قَرَأَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِالْفَتْحِ وَمِمَّنْ قَرَأَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَكَذَلِكَ أَجَازَهُ لَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَذَكَرَ لَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اخْتِيَارَهُ لِلْقِرَاءَةِ الْأُولَى مِنْ ضَعْفٍ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَنْ اتَّبَعَهُ عَلَيْهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ لِلْمُلْتَقِطِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى مَا الْتَقَطَهُ وَفِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ مَا هُوَ ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ قَالَ : ذَوَيْ عَدْلٍ ثُمَّ لَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّرْ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَإِلَّا فَمَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَهُوَ عَلَى الشَّكِّ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْمُلْتَقِطَ فِيهِ مِنْ إشْهَادِ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ ذَيْنِك الصِّنْفَيْنِ شَاءَ وَهُوَ حَدِيثٌ يَدُورُ عَلَى خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ رُوَاتُهُ لَهُ عَنْهُ فِيهِ فَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ تُعَرَّفُ وَلَا تُغَيَّبُ وَلَا تُكْتَمُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاخْتَلَفَ شُعْبَةُ وَحَمَّادٌ فِي إسْنَادِ مَا ذَكَرْنَا فَذَكَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُطَرِّفٍ وَذَكَرَهُ حَمَّادٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَاخْتَلَفَا فِي

مَتْنِهِ فَذَكَرَ فِيهِ شُعْبَةُ الْإِشْهَادَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَمَّادٌ وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ يَرْجِعُ إلَى مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ عَنْ سَعِيدِ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ أَعْنِي حَدِيثَ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَاحْتَجْنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى حِفْظِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ مَا هِيَ .
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّرْ فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَإِلَّا فَمَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ : ثنا قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ هِيَ : ذَوَا عَدْلٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ اللَّقِيطِ عِنْدَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ الْتِقَاطُهُ إيَّاهَا كَانَ لِيَذْهَبَ بِهَا

فَيَكُونَ بِذَلِكَ مَذْمُومًا عِنْدَهُمْ سَاقِطَ الْعَدْلِ بِهِ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ حِفْظُ اللُّقَطَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنْ يَكُونَ الْيَدُ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا بِالِالْتِقَاطِ هِيَ يَدَ الْمُلْتَقِطِ طَالِبًا بِالْتِقَاطِهِ إيَّاهَا حِفْظَهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا يَدَ حَائِزٍ لَهَا أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْأَيْدِي عَلَى الْأَشْيَاءِ حُجَّةً يَجِبُ بِهَا صَرْفُ الْأَشْيَاءِ إلَى مَا تُصْرَفُ إلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ مُلْكِ الْأَيْدِي مِنْ قَبُولِ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا ، وَمِنْ صَرْفِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِمْ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِمْ وَفِي مَوَارِيثِهِمْ وَفِي وَصَايَاهُمْ فَكَانَ حَقًّا عَلَى ذَوِي الْأَيْدِي فِيمَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنْ يُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِمَالِكِي مَا صَارَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ؛ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ أَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى سَبِيلِ مَا يَكُونُ اللَّقْطُ عَلَيْهِ مِنْ امْتِثَالِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَمِنْ مَنْعِ الْمَوَارِيثِ مِنْهَا وَصَرْفِهَا فِيمَا يُصْرَفُ فِيهِ مَا سِوَاهَا ، وَحَتَّى تَكُونَ مَحْفُوظَةً كَذَلِكَ ، وَحَتَّى يَكُونَ كُلُّ مَنْ وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا سِوَى مُلْتَقِطِهَا يَتَمَثَّلُ فِيهَا الْوَاجِبَ حَتَّى تَصِيرَ إلَى يَدِ رَبِّهَا أَوْ إلَى مَا سِوَاهَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ تَصِيرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِيهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي شَجَرِ مَكَّةَ وَفِي خَلَاهَا وَمِنْ قَوْلِ الْعَبَّاسِ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا وَقَفَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ إلَّا الْإِذْخِرَ وَمِنْ قَوْلِهِ جَوَابًا بِكَلَامِهِ إلَّا الْإِذْخِرَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ : ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالُوا : أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { قَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ : إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِيهِ الْقِتَالُ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا يَحِلُّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ وَثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَا ثنا أَبُو يُوسُفَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَوَضَعَهَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَخْشَبَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَرْفَعُ لَقْطَهَا إلَّا مُنْشِدُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا

الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَا غِنَى لِأَهْلِ مَكَّةَ لِبُيُوتِهِمْ وَقُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ } .
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ : { فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا صَبْرَ لَهُمْ عَنْ الْإِذْخِرِ فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ } .
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالَ : ثنا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي ، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : { فَقَالَ الْعَبَّاسُ وَكَانَ رَجُلًا مُجَرِّبًا فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِبُيُوتِنَا وَلِقُبُورِنَا وَقُيُونِنَا فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ } .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ : ثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ الْكُوفِيُّ قَالَ : ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر قَالَ : ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاق { عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ شَيْبَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَأْخُذُ لُقَطَتَهَا إلَّا مُنْشِدٌ فَقَالَ

الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِظُهُورِ الْبُيُوتِ وَالْقُبُورِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فِي خُطْبَتِهِ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْقَتْلَ هَكَذَا قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَتَّى إنَّهُ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ } .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ { : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْفِيلَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ } مَكَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ رَاوِيهِ فَقَامَ الْعَبَّاسُ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ ثنا ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَجُونِ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْ أَنِّي لَمْ أُخْرَجْ مِنْك مَا خَرَجْتُ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ { وَلَا تُلْتَقَطُ ضَالَّتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ فَقَالَ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ شَاهٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ } ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ .
فَسَأَلَ سَائِلٌ عَمَّا أُضِيفَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَى الْعَبَّاسِ أَوْ إلَى مَنْ ذَكَرَ سِوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ شَجَرِ مَكَّةَ ، وَحُرْمَةَ خَلَاهَا إلَّا الْإِذْخِرَ اسْتِثْنَاءً مِنْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ وَأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَارُّ أَحَدًا عَلَى ذَلِكَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةُ الْمَجِيءِ مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ أَوْ مِمَّنْ سِوَاهُ فِيهَا غَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ مِثْلِهِ ، وَأَنَّ تَرْكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْكَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنْكَرٍ أَيْضًا وَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ فِيهِ إذْ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَاجَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى الْإِذْخِرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهَا فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ طَلَبَ مِنْهُ مُرَاجَعَةَ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا افْتَرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ التَّخْفِيفَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَدَّهَا إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَكَمَا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعَ فِي ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى رَدَّ إلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْعَبَّاسِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكَانَ قَوْلُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ وَقَطْعُهُ الْكَلَامَ عِنْدَ ذَلِكَ

لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادَهُ مِنْهُ مِنْ سُؤَالِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ فَغَنِيَ عَنْ الْكَلَامِ بِهِ كَمَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا لِلِاخْتِصَارِ السُّكُوتَ عَنْ الْكَلَامِ بِهِ لِعِلْمِهَا بِفَهْمِ مَنْ تُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ مَا خَاطَبَتْهُ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ حَتَّى يَأْتُوا بِبَعْضِ الْكَلِمَةِ وَيَتْرُكُوا بَقِيَّتَهَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَفَى بِالسَّيْفِ شَا يُرِيدُونَ شَاهِدًا حَتَّى تَعَالَى ذَلِكَ أَنْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } ثُمَّ قَطَعَ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ وَهُوَ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لَكَفَرُوا بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } وَتَرَكَ ذِكْرَ مَا كَانَ يَكُونُ لَوْلَا فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِهِ { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ثُمَّ قَالَ : { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ لَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ لِغِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ بِفَهْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ أَوْ مَنْ قَالَهُ سِوَاهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الْإِذْخِرَ غَنِيَ عَنْ اسْتِتْمَامِ الْكَلَامِ بِمَا أَرَادَ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَرَادَ .
فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَقَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ الْجَوَابِ بِلَا زَمَانٍ فِيمَا بَيْنَ السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْجَوَابِ يَكُونُ فِيهِ الْوَحْيُ لِذَلِكَ الْجَوَابِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ فِي لَطِيفِ قُدْرَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَجِيءَ الْوَحْيِ فِي

ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ حَيْثُ لَا نَعْقِلُ نَحْنُ مَجِيءَ مِثْلِهِ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا كَانَ بِإِلْقَاءِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ : لِلَّذِي سَأَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ { أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ : لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْك دَيْنٌ كَذَلِكَ قَالَ : لِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُضُورِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ مَا قَالَهُ : لِسَائِلِهِ جَوَابًا ثَانِيًا ، وَإِذَا كُنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ فِي وَقْتِ مُهَاجَاتِهِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ { اُهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ } وَإِذَا كَانَ جِبْرِيلُ لِمُهَاجَاتِهِ قُرَيْشًا مَعَ حَسَّانَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مَعَهُ فِي خُطْبَتِهِ الَّتِي يُخْبِرُ النَّاسَ فِيهَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ وَبِفَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى وَبِكَوْنِ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحْرَى فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا مُنْكِرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ هَذَا الْجَاهِلُ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَلَا مَكَّةَ هَلْ هُوَ عَلَى حُرْمَتِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَوْ عَلَى حُرْمَتِهِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ أَوْ بِفِعْلٍ دُونَ فِعْلٍ ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَشِيشِ مَكَّةَ وَفِيمَا سِوَاهُ مِمَّا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَصْدِهِ ، وَفِي إعْلَافِهِ الْإِبِلَ وَغَيْرَهَا فَقَالُوا : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ نَحْنُ ذَاكِرُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَا قَوْلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ سِوَاهَا كَمَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ : أَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ حَشِيشِ الْحَرَمِ فَقَالَ لَا يُرْعَى وَلَا يُحْتَشُّ وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى وَأَنْ يُحْتَشَّ وَسَأَلْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ فَقَالَ سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْهُ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُرْعَى وَلَا يُحْتَشَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَوْلُ عَطَاءٍ فِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافَ طَلَبْنَا الْأَوْلَى مِمَّا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ .
فَوَجَدْنَا صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ( ح ) وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا : الْحَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : أَنَا حَجَّاجٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا يَقْطَعُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَيَعْلِفُهُ بَعِيرًا لَهُ قَالَ : فَقَالَ : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَعِي نِضْوًا لِي فَخَشِيتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَنِي أَهْلِي وَمَا مَعِي

زَادٌ وَلَا نَفَقَةٌ فَرَقَّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا هَمَّ بِهِ وَأَمَرَ لَهُ بِبَعِيرٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ مُوَقِّرًا صَحِيحًا فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَقَالَ لَا تَعُودَنَّ أَنْ تَقْطَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئًا وَقَدْ رَوَيْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مَنْعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اخْتِلَاءِ خَلَا مَكَّةَ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الِاخْتِلَاءَ مَا أُخِذَ بِالْيَدِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ إعْلَافِهِ الْإِبِلَ عَلَى مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَلِيٍّ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مُحَرَّمَةٌ فِي نَفْسِهَا ، فَجَمِيعُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيهَا مِنْ رَعْيٍ لَهَا ، وَمِنْ اخْتِلَاءٍ لَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ ، كَمَا الصَّيْدُ الْمُحَرَّمُ فِي نَفْسِهِ حَرَامٌ فِيهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا لِحُرْمَتِهِ فِي نَفْسِهِ ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالْحَقِّ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَاطَبَ الرَّجُلَ الَّذِي رَآهُ يَرْعَى بَعِيرَهُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ فِيمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُرْمَةِ الرَّعْيِ فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الِاخْتِلَاءِ مِنْهُ .
وَقَدْ رَوَى قَوْمٌ حَدِيثًا فِي حُرْمَةِ الْمَدِينَةِ وَفِي الْمَنْعِ مِنْ الِاخْتِلَاءِ مِنْ خَلَاهَا وَفِي أَنْ لَا يُقْطَعَ شَجَرُهَا إلَّا أَنْ يَعْلِفَ الرَّجُلُ بَعِيرَهُ فَاسْتَدَلُّوا بِذَلِكَ عَلَى مِثْلِهِ مِنْ شَجَرِ مَكَّةَ وَخَلَاهَا وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ { عَنْ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهَا أَنَّ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُنَفَّرُ

صَيْدُهَا وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ } فَاعْتَبَرْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ مُنْقَطِعَ الْإِسْنَادِ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَسَّانَ لَمْ يَلْقَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُحَدِّثُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ هُوَ مِمَّا أَخَذَهُ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَمِنْ مِثْلِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا يُخَالِفُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْلَى مِنْهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَضْرَةِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِيهِ .
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ إيَّاهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ ثُمَّ وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ يَعْنِي ابْنَ الْحَجَّاجِ الْأَحْوَلَ الْبَاهِلِيَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ الْأَشْتَرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي دَاوُد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ هُدْبَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَجَّاجُ هَذَا إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُودُ الرِّوَايَةِ فَقَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَسَّانَ عَنْ الْأَشْتَرِ ، وَالْأَشْتَرُ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي أَيَّامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ عَلِيٍّ كَانَ بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ الْأَشْتَرِ أَشَدَّ انْتِفَاءً .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ أَبَا حَسَّانَ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الْأَشْتَرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ فَحَقَّقَ بِذَلِكَ سَمَاعَهُ إيَّاهُ مِنْهُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَنَّ أَبَا حَسَّانَ

رَأَى الْأَشْتَرَ فِي حَيَاةِ عَلِيٍّ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَرَ عَلِيًّا أَوْ رَآهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَجِبُ بِهِ فِي خَلَى مَكَّةَ مُسَاوَاتُهُ خَلَى الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى خِلَافَ حُكْمِ الْآخَرِ كَمَا حُكْمُهَا مُخْتَلِفٌ فِي حِلِّ دُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ بِلَا إحْرَامٍ وَحُرْمَةِ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَكَمَا حُكْمُهُمَا فِي قَتْلِ صَيْدِهِمَا مُخْتَلَفٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ صَيْدًا فِي حَرَمِ مَكَّةَ جَزَاهُ وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُ حَرَمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُخْتَلِفًا فِيمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِفًا فِي إعْلَافِ الْإِبِلِ مِنْ شَجَرِهِمَا فَيَكُونُ حَرَامًا فِي شَجَرِ مَكَّةَ وَيَكُونُ حَلَالًا فِي شَجَرِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَحِلُّ بِهِ لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جُزَافًا أَنْ يَبِيعَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ( ح ) وَثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ : ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { : رَأَيْتَ النَّاسَ يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ } .
قَالَ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَاعِي الطَّعَامِ جُزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ وَكَانَ مَا حَوَّلُوهُ إلَيْهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ رِحَالًا لِلَّذِينَ حَوَّلُوهُ إلَيْهَا وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَعْلَبَكُّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ الطَّعَامِ يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اشْتَرَوْا الطَّعَامَ مُجَازَفَةً فَبَاعُوهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ : ثنا الْوَلِيدُ قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَاخْتَلَفَ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي الَّذِي حَدَّثَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَنْ هُوَ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَانَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كَمَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ

حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ : فَكَانَ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافُ مَا فِي أَسَانِيدِ مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْأَوْزَاعِيِّ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ وَفِيمَا قَبْلَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ فِيهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْهُمْ مَعْمَرٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَعَلَى مَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { : رَأَيْتُ النَّاسَ يُضْرَبُونَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَحُوزُوهُ } .
وَعَلَى مَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ قَالَ : ثنا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَمِنْهُمْ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ النَّاسَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { : كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيعُوهُ حَتَّى

تَسْتَوْفُوهُ وَتَنْقُلُوهُ } .
فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ نُقِلَ إلَيْهِ فَهُوَ رَحْلٌ لِنَاقِلِهِ إلَيْهِ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ أَوْ نَنْقُلَهُ } فَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ { عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ حَتَّى يَبْلُغُوهُ حَيْثُ يَبِيعُونَ الطَّعَامَ } فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي كَانُوا يُحَوِّلُونَهُ إلَيْهَا مَوَاطِنَ لِبَيْعِ الطَّعَامِ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ الْبَصْرِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ رِجَالًا يَمْنَعُونَ أَصْحَابَ الطَّعَامِ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ يَشْتَرُونَهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى مَكَان آخَرَ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُشْتَرَى حَتَّى يَحُوزَهَا الَّذِي

اشْتَرَاهَا إلَى رَحْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَيَبْعَثُ رِجَالًا فَيَضْرِبُونَنَا عَلَى ذَلِكَ } قَالَ : فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ الَّذِي خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَذْكُرْهُ فَإِنَّا سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْكَلَامِ فَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ أَرْبَعَةً أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ فَإِنَّ يَزِيدَ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { : كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ } كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ ؟ .
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٌ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } .
قَالَ فَكَانَ مَعْنَى حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كَيْلَهُ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ وَزْنَهُ إنْ كَانَ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدَهُ إنْ كَانَ مَعْدُودًا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُحَوِّلًا لَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ ، فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا اشْتَرَاهُ جُزَافًا أُرِيدَ فِيهِ تَحْوِيلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرُّوذِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ

ابْتَعْتُ زَيْتًا بِالسُّوقِ فَقَامَ إلَيَّ رَجُلٌ فَأَرْبَحَنِي حَتَّى رَضِيتُ فَلَمَّا أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِأَضْرِبَ عَلَيْهَا أَخَذَ بِذَرَاعِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي وَأَمْسَكَ يَدِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ : لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى بَيْتِك فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ } .
وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ قَالَ : ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ابْتَعْتُ زَيْتًا بِالسُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي ، فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتُهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ .
فَكَانَ جَرِيرٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ قَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : أَحَدُهُمَا إلَى رَحْلِك وَقَالَ الْآخَرُ إلَى بَيْتِك فَعَادَ ذَلِكَ إلَى مَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ وَثَبَتَ بِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا اُبْتِيعَ مُجَازَفَةً حَتَّى يُحَوَّلَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي اُبْتِيعَ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ وَهَكَذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان كَالْآدُرِ وَالْأَرْضِينَ يَجُوزُ بَيْعُهَا بَعْدَ ابْتِيَاعِهَا بِغَيْرِ قَبْضٍ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا يَتَهَيَّأُ فِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي تَهَيَّأَ فِي غَيْرِهَا مِنْ النَّقْلِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَذْهَبُ إلَيْهِ فِي بَيْعِ الْآدُرِ وَالْأَرْضِينَ الْمُبْتَاعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا مِمَّنْ بَاعَهَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ فَقَالَ قَائِلٌ :

فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى .
وَرَوَيْتُمْ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا نَهْيَهُ فِي ابْتِيَاعِ الْجُزَافِ مِنْ الطَّعَامِ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُنْقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَى كَيْلًا وَحُكْمُ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا ثُمَّ رَوَيْتُمْ عَنْهُ فِيهِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْهُ ابْتِيَاعَهُ زَيْتًا بِالسُّوقِ ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهُ لِمَا أُعْطِيَ بِهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا أُعْطِيَهُ فَأَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ فِيهِ عَنْهُ فَمَا كَانَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَى زَيْدٍ حَتَّى أَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ وَحَدَّثَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَرَى الزَّيْتَ مِنْ الطَّعَامِ إذْ كَانَ حُكْمُهُ الِائْتِدَامَ بِهِ لَا الْأَكْلَ لَهُ ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ حِلَّ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ فَلَمْ يَرَ بَيْعَهُ لِذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ إيَّاهُ بَأْسًا حَتَّى حَدَّثَهُ زَيْدٌ بِمَا حَدَّثَهُ بِهِ فَعَلِمَ بِهِ أَنَّهُ كَالطَّعَامِ الْمَأْكُولِ الْمُشْتَرَى لَا كَالْأَشْيَاءِ الْمَبِيعَةِ سِوَى ذَلِكَ فَانْتَهَى إلَى مَا حَدَّثَهُ بِهِ زَيْدٌ فِيهِ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ فِيهِ مَا حَدَّثَهُ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ فِيهِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا عَلَى الْجُحُودِ لَهَا هَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا ) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيُّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ قَالَ الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْتُ إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْتُهُ وَهُوَ رَائِحٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ } وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ حَيَّانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ثُمَّ مِنْ بَنِي مُخْدَجٍ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَسَأَلَهُ عَنْ الْوِتْرِ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ وَاجِبٌ فَقَالَ الْكِنَانِيُّ : فَلَقِيتُ عُبَادَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَوَاءً .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ

عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ الْمُخْدَجِيُّ عَنْ { أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : الْوِتْرُ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ } .
ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَصْبَغِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ : اخْتَلَفَ عَمِّي وَاسِعُ بْنُ حِبَّانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ كُدَيْمٍ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ عَمِّي سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ فَلَقِيتُ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيَّ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي الْمُخْدَجِيُّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إذْ ذَاكَ بِطَبَرِيَّةَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَبَا الْوَلِيدِ إنِّي اخْتَلَفْتُ أَنَا وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْوِتْرِ فَقُلْتُ : سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَقَالَ : فَرِيضَةٌ كَفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ وَكَانَ عُبَادَةُ رَجُلًا فِيهِ حِدَةٌ فَقَالَ : كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ كَمَا قَالَ : وَلَكِنْ كَمَا قُلْت : أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ إلَى فِي لَا أَقُولُ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مَنْ لَقِيَهُ وَلَمْ يُضَيِّعْهُنَّ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ لَقِيَهُ وَسَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثَيْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عَهْدَ لَهُ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ .
قَالَ

أَبُو جَعْفَرٍ وَالْمُخْدَجِيُّ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمُهُ رُفَيْعٌ فِيمَا ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ يَحْيَى وَعَبْدِ رَبِّهِ ابْنَيْ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ رُجُوعُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ الْمُخْدَجِيِّ عَنْ عُبَادَةَ .
وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ فَرَوَيَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ عُبَادَةَ بِغَيْرِ إدْخَالٍ مِنْهُمَا الْمُخْدَجِيَّ بَيْنَ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ وَبَيْنَ عُبَادَةَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَلَامَةُ بْنُ رَوْحِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ { أَنَّ رَجُلًا تَمَارَى هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الرَّجُلُ الْآخَرُ : مِنْ السُّنَّةِ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ قَالَ : فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيَّ ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قُلْنَا كُلُّنَا قَالَ : وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَةٌ فَقَالَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ مِرَارًا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مَنْ جَاءَهُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ لَقِيَهُ وَلَهُ عَلَيْهِ عَهْدٌ يُدْخِلُهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَمَنْ أَضَاعَ مِنْهُنَّ شَيْئًا لَقِيَهُ وَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَهُ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَجْلَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ

حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ : ذَكَرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْوِتْرَ فَقَالَ : إنَّهُ وَاجِبٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ عَلَى مِثْلِ مَا فِي حَدِيثَيْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ سَبْعَةٌ مِنَّا ثَلَاثَةٌ مِنْ عَرَبِنَا وَأَرْبَعَةٌ مِنْ مَوَالِينَا فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ هُنَا ؟ قُلْنَا الصَّلَاةُ قَالَ : فَنَكَتَ بِأُصْبُعِهِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ نَكَسَ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ إلَيْنَا رَأْسَهُ فَقَالَ : تَدْرُونَ مَا يَقُولُ رَبُّكُمْ ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : إنَّهُ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَأَقَامَ حَدَّهَا كَانَ لَهُ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إذَا جَاءَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ لَمْ يُقِمْ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَلَمْ يُقِمْ حَدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِنْدِي عَهْدٌ إنْ شِئْتُ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ وَإِنْ شِئْت أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ كَعْبٍ قَالَ : { خَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ يَعْنِي

الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ مَنْ لَمْ يُقِمْ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَلَمْ يُقِمْ حَدَّهَا ثُمَّ فِي حَدِيثَيْهِمَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ ، وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ : أَدْخَلَهُ النَّارَ وَفِي حَدِيثَيْهِمَا جَمِيعًا : وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَيَجْعَلُهُ مُرْتَدًّا مُشْرِكًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ } وَلَا يَغْفِرُ لَهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَوْ قَالَ : الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ قَالَ : ثنا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ : حَدَّثَنِي جَابِرٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافُ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُغَطِّي إيمَانَ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَيُغَيِّبُهُ حَتَّى يَصِيرَ غَالِبًا عَلَيْهِ مُغَطِّيًا لَهُ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ مَا ذَكَرَهُ لَبِيدٌ يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَتِّرًا فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا يَعْنِي : غَطَّى النُّجُومَ غَمَامُهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } يَعْنِي الزُّرَّاعَ الَّذِينَ يُغَيِّبُونَ مَا يَزْرَعُونَ فِي الْأَرْضِ لَا الْكُفَّارَ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ كُسُوفِ الشَّمْسِ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { وَرَأَيْتُ أَوْ أُرِيتُ النَّارَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ } فَسَمَّى مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ مِمَّا يُغَطِّينَ بِهِ الْإِحْسَانَ كُفْرًا وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ } وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنَّهُ مَا قَدْ رَكِبَ إيمَانَهُ وَغَطَّاهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ { لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ } هُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى تَصِحَّ هَذِهِ الْآثَارُ وَلَا تَخْتَلِفُ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ

أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ وَجَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ مَنْ يُسْتَتَابُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا وَجَعَلَهُ مِنْ فَاسِقِي الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى عِنْدَنَا بِالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا لِلَّهِ - تَعَالَى - فَرَائِضَ عَلَى عِبَادِهِ فِي أَوْقَاتٍ خَوَاصٍّ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَمِنْهَا صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ مَنْ تَرَكَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ جَحْدٍ لِفَرْضِهِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَلَا عَنْ الْإِسْلَامِ مُرْتَدًّا فَكَانَ مِثْلَهُ تَارِكُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَا عَلَى الْجُحُودِ بِهَا وَلَا عَلَى كُفْرٍ بِهَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا وَلَا عَنْ الْإِسْلَامِ خَارِجًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا نَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا نَأْمُرُ كَافِرًا بِالصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ بِمَا كَانَ مِنْهُ كَافِرًا لَأَمَرْنَاهُ بِالْإِسْلَامِ فَإِذَا أَسْلَمَ أَمَرْنَاهُ بِالصَّلَاةِ وَفِي تَرْكِنَا لِذَلِكَ وَأَمْرِنَا إيَّاهُ بِالصَّلَاةِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا فِيهِ وَفِيهَا الصِّيَامُ وَلَا يَكُونُ الصِّيَامُ إلَّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا إذَا أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ كَافِرًا بِجُحُودِهِ لِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا بِتَرْكِهِ إيَّاهُ بِغَيْرِ جُحُودٍ مِنْهُ لَهُ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إلَّا مِنْ حَيْثُ كَانَ مُسْلِمًا ، وَإِسْلَامُهُ كَانَ بِإِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ رِدَّتُهُ

لَا تَكُونُ إلَّا بِجُحُودِهِ الْإِسْلَامَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأُبَيٌّ صَاحِبِ الْعِظَامِ } ) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : { ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ وَهَامَانَ وَأُبَيٍّ صَاحِبِ الْعِظَامِ } .
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ وَبَكْرُ بْنُ إدْرِيسَ الْأَزْدِيُّ قَالَا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ جُحُودِ ذُكِرَ مِنْهُ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ كَافِرٌ بِتَرْكِهِ الصَّلَوَاتِ كَكُفْرِهِمْ بِمَا كَانُوا بِهِ كَافِرِينَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَجْمَعُ فِي جَهَنَّمَ مَنْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُضَيِّعِينَ لِفَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ الْمُنْتَهِكِينَ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِمْ الْآكِلِينَ لِأَمْوَالِ الْيَتَامَى بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي

بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } .
وَمِنْهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي جَهَنَّمَ نَاسًا مُخْتَلِفَةً فَمِنْهُمْ كَافِرُونَ وَمِنْهُمْ مُسْلِمُونَ وَجَمَعَتْهُمْ جَمِيعًا دَارُ عَذَابِهِ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَمِنْ تَضْيِيعِ إسْلَامٍ وَمِنْ نِفَاقٍ ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ( ح ) ( وَ ) حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَا جَمِيعًا عَنْ عَبِيدَةُ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضُّمَيْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : إنَّ ابْنَ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَسِيد بْنِ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ هَذَا هُوَ الْبَرَّادُ فَقَالَ قَائِلٌ : هَلْ يَخْلُو تَارِكُ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَعِيدَ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَمَا مَعْنَى الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ إلَى الثَّلَاثِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي تَأَنِّيهِ بِهِ ثَلَاثًا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا فَلَا يُطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ أَوْ يَتَمَادَى فِي تَرْكِهَا ثَلَاثًا فَيُطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِتَرْكِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي أَمَرَ بِجَلْدِهِ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى رُدَّ إلَى جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ وَيَدْعُو حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَجُلِدَ جَلْدَةً وَاحِدَةً فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا ارْتَفَعَ عَنْهُ قَالَ : عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي ؟ قَالُوا : إنَّك صَلَّيْت صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَمَرَرْت عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ } .
فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَفِي إجَابَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ ، مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا كَانَ دُعَاؤُهُ دَاخِلًا فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ } وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ الْحَضْرَمِيِّ بْنِ لَاحِقٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثَانِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ عَنْ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إسْلَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَاءٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ وَأَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَهُ .
وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ يُغْنِينَا عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ } ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدٌ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ يَعْنِي النَّحْوِيَّ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو صَالِحٍ قَالَا : ثنا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ( ح ) وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْأَزْدِيُّ قَالَ : ثنا أَسَدٌ قَالَ : ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ بِمَعْنَى فَكَأَنَّمَا نَقَصَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَمِنْهُ - : " قَوْله تَعَالَى { وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أَيْ وَلَنْ يُنْقِصَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنْ الْمَصَادِرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا ، لِأَنَّهُ لَوْ كَافِرًا كَانَ مَا قَدْ نَقَصَهُ مِنْ ذَهَابِ إيمَانِهِ أَكْثَرُ مِمَّا نَقَصَهُ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَكَانَ الْقَصْدُ إلَى ذِكْرِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ وَرَّادٍ قَالَ : كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى مُعَاوِيَةَ وَزَعَمَ وَرَّادٌ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ : عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَوَأْدُ الْبَنَاتِ - وَلَا وَهَاتِ - وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ قِيلَ وَقَالَ - وَإِضَاعَةِ الْمَالِ - ، وَإِلْحَافِ السُّؤَالِ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ : ثنا شَيْبَانُ وَهُوَ النَّحْوِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ - وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ - ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ - وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا وَأْدَ الْبَنَاتِ - وَعُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ - وَمَنَعَ وَهَاتِ } - : فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَا هُوَ ؟ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ السُّحَيْمِيُّ قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ فَخِذٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ مِنْ بَجِيلَةَ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ وَلَدُوهُ قَالَ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ : ثنا مَسْرُوقُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : { أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي فَبِمَ آمُرُهُمْ ؟ قَالَ : مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ - وَقِلَّةِ الْكَلَامِ - إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِمْ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ أَنْهَاهُمْ ؟ قَالَ :

انْهَهُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ - وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ } يَعْنِي بِالْمَالِ الْحَيَوَانَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ ، وَيُحْسَنَ إلَيْهِمْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ { وَانْهَهُمْ عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ - وَوَأْدِ الْبَنَاتِ - وَمَنَعَ وَهَاتِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى السَّرِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ تَكَلَّمَ فَإِنَّهُ شَيْخٌ قَدِيمٌ قَدْ رَوَى عَنْهُ الْجُلَّةُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَ بِمَتْرُوكِ الْحَدِيثِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيُهُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَتَأْوِيلُهُ إضَاعَةُ الْمَالِ عَلَى الْحَيَوَانِ أَنْ لَا يُضَيَّعَ وَأَنْ يُحْسَنَ إلَيْهَا .
وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ حَسَنًا ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِهَا فِيمَا لَا تَقُومُ أَنْفُسُهُمْ إلَّا بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ أَعْنِي فِي بَنِي آدَمَ وَمِنْ الْعَلُوفَاتِ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَاجِبٌ عَلَى مَالِكِيهِمْ لَهُمْ وَكَانَ مَالِكُوهُمْ إنْ قَصَّرُوا عَنْ ذَلِكَ آثِمِينَ ، وَبِهِ مَأْخُوذِينَ وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلنَّاسِ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مَعَ وَصِيَّتِهِ إيَّاهُمْ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ : أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِسَانُهُ لَا يَكَادُ فَذَكَرَ كَلِمَةً فَقَالَ : الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا زَالَ يُغَرْغِرُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ }

.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ قَدْ أَدْخَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلًا لَمْ يُسَمِّهِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ { كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَسْكُوتِ عَنْ اسْمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ سَمَّاهُ أَحَدٌ فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا لِسَانُهُ } ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ { كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ يُجَلْجِلُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ } .
قَالَ : وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ضَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ مَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ إلَى الصَّلَاةِ وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يَسَعُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ وَلَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تُؤَوَّلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَنُ مَا تُؤَوَّلُ فِي

النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي مَعَايِشِهِمْ ، وَفِيمَا لَا تَسْتَقِيمُ لَهُمْ أُمُورُهُمْ إلَّا بِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ .
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ مَالِكٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَحِيرِ بْنِ ذَاخِرٍ الْمَعَافِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ النَّاسِ إيَّاكُمْ وَخِلَالًا أَرْبَعًا فَإِنَّهُنَّ يَدْعُونَ إلَى النَّصَبِ بَعْدَ الرَّاحَةِ ، وَإِلَى الضِّيقِ بَعْدَ السَّعَةِ ، وَإِلَى الْمَذَلَّةِ بَعْدَ الْعِزَّةِ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْعِيَالِ - ، وَإِخْفَاضَ الْحَالِ - وَالتَّضْيِيعَ لِلْمَالِ - وَالْقِيلَ بَعْدَ الْقَالِ - فِي غَيْرِ دَرَكٍ وَلَا نَوَالٍ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَسُلَيْمَانُ الْكَيْسَانِيُّ قَالُوا : ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ : لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ فَإِنَّهُ مُنَبِّهَةٌ لِلْكَرِيمِ وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ اللَّئِيمِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَقَالَ أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ رِزْقًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْك قَالَ : وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مُحْتَمَلَةٌ لِمَا أُرِيدَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ غَيْرَ أَنَّ أَقْوَاهَا فِي قُلُوبِنَا التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا أَوْ مِمَّا سِوَاهَا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ الْعَبْدِيُّ الْمُؤَذِّنُ قَالَ : ثنا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ : رَأَيْت عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَجُلًا تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَعَضَّهُ أُبَيٌّ وَلَمْ يُكِنَّهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمُوهُ فَقَالَ أُبَيٌّ لَا أَهَابُ أَحَدًا فِي هَذَا أَبَدًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا } حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ ابْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُتَيٍّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تَكْنُوا } .
قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ سَمِعَ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ مِنْ النَّارِ } قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَذَاءَ فِي النَّارِ ، وَمَعْنَى الْبَذَاءِ فِي النَّارِ هُوَ أَهْلُ الْبَذَاءِ فِي النَّارِ ؛

لِأَنَّ الْبَذَاءَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذِكْرِهِ مَنْ هُوَ فِيهِ فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْبَذَاءَ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافُ الْبَذَاءِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَذَاءُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُبْذَأَ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ الْبَذَاءُ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ الْبَذَاءُ فِيهِ وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِمَنْ كَانَتْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ يَا لِبَكْرٍ يَا لِتَمِيمٍ يَا لِهَمْدَانَ فَمَنْ دَعَا كَذَلِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِيَّةَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقُوبَتَهُ أَنْ يُقَابَلَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لِيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَبِاَلَّذِي دَعَا إلَيْهِ ، وَلِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَلَا يَعُودُونَ إلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ .
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثنا خَالِدٌ وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ الْحَسَنِ ، عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ ، قَالَ : { شَهِدْتُهُ يَوْمًا يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَإِذَا رَجُلٌ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ بِكَذَا أَبِيهِ وَلَمْ يُكَنِّهِ فَكَأَنَّ الْقَوْمَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ لَا تَلُومُونِي فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَنَا مَنْ رَأَيْتُمُوهُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا } .
وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عَزَاءِ نَفْسِهِ إلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ : إضَافَتِهَا إلَيْهِمْ فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ هَذَا الْمَعْنَى فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الصُّوفِيُّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ قَالُوا جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ } .
قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَلَوْ كَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَمَا رَوَيْتُمُوهُ لَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْقَوْلَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِمَنْ دَعَا بِمَا دَعَا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِأَهْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ النُّصْرَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَالدُّعَاءِ إلَى رَجُلٍ جَاهِلِيٍّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَافِرٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَجَاءَ فِيمَنْ دَعَا إلَى الْجَاهِلِيِّ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِيمَنْ دَعَا إلَى مُهَاجِرٍ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَى نَاصِرٍ لِلَّهِ عَزَّ

وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ فَإِنْ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ .
قِيلَ لَهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَقَوْلُ صَاحِبِهِ يَا لِلْأَنْصَارِ شَبِيهٌ بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَا لِفُلَانٍ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِمَّنْ قَالَهُ إذْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْجَبَا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ النُّصْرَةَ لَهُمْ وَدَفْعَ الْأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ وَتَقَدَّمَ الْوَعِيدُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ تَرَكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي مَرَّ بِمَظْلُومٍ فَلَمْ يَنْصُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنِعْمَتِهِ اسْتِوَاءُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَانْتِفَاءُ التَّضَادِّ عَنْهُ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ لَهُ فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ غَفُورًا رَحِيمًا فَيَكْتُبُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَيَقُولُ نَعَمْ اُكْتُبْ كَيْفَ شِئْت ) .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ عُدَّ فِينَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْلِي عَلَيْهِ غَفُورًا رَحِيمًا فَيَكْتُبُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ : نَعَمْ اُكْتُبْ كَيْفَ شِئْت وَيُمْلِي عَلَيْهِ عَلِيمًا حَكِيمًا فَيَقُولُ أَكْتُبُ سَمِيعًا بَصِيرًا فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُكْتُبْ أَيَّ ذَلِكَ شِئْت فَهُوَ كَذَلِكَ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ وَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ لَيَكِلُ الْأَمْرَ إلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَ مَا شِئْتُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَقْبَلْهُ قَالَ : أَنَسٌ فَأَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ رَأَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ بِهَا فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا قَالَ : أَبُو طَلْحَةَ مَا شَأْنُ هَذَا ؟ قَالُوا إنَّا دَفَنَّاهُ مِرَارًا فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِك هَذَا فِي بَابِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ } مَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ وَذَكَرْت فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُطْلِقْ لَهُمْ مَا أَطْلَقَ لَهُمْ فِيهِ مِمَّا تَأَوَّلْت السَّبْعَةَ الْأَحْرُفِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ عَلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ وَالْعَجْزِ مِنْهُمْ عَنْ حِفْظِ الْحُرُوفِ بِعَيْنِهَا وَأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَصَاحِفِ الْمَنْقُولَةِ إلَيْنَا الَّتِي قَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِمَا فِيهَا عَلَيْنَا وَأَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ لَنَا أَنْ نَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَا فِيهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْأُمُورَ إلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا قَدْ قِيلَتْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ بِهَا مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَعَانِي فِيهَا .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ هُوَ فِي الْقُرْآنِ لَا فِي غَيْرِهِ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْلِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَاتِبِ مِنْ كُتُبِهِ إلَى النَّاسِ فِي دُعَائِهِ إيَّاهُمْ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفِي وَصْفِهِمْ لَهُ مَا هُوَ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَ يَأْمُرُ ذَلِكَ الْكَاتِبَ بِهَا وَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ خِلَافَهَا مِمَّا مَعْنَاهَا مَعْنَاهَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا اخْتِلَافَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُهُ فِي إبَاحَةِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ : ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ عِلَاطٍ السُّلَمِيَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي بِمَكَّةَ أَهْلًا وَمَالًا وَقَدْ أَرَدْت إتْيَانَهُمْ فَإِنْ أَذِنْت لِي أَنْ أَقُولَ فِيك فَعَلْت فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءُ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ قَدْ اُسْتُبِيحُوا ، وَإِنَّمَا جِئْت لِأَخْذِ مَالِي لِأَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِهِمْ وَفَشَا ذَلِكَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْعَبَّاسَ يَعْنِي : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَقَرَ وَاخْتَفَى مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ الْفَرَحَ بِذَلِكَ فَكَانَ الْعَبَّاسُ لَا يَمُرُّ بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إلَّا قَالُوا يَا أَبَا الْفَضْلِ لَا يَسُؤْك اللَّهُ قَالَ فَبَعَثَ غُلَامًا لَهُ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ فَقَالَ وَيْلَك مَا الَّذِي جِئْت بِهِ فَاَلَّذِي وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ خَيْرٌ مِمَّا جِئْت بِهِ فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِغُلَامِهِ اقْرَأْ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ لِيَخْلُ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ فَإِنَّ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَسُرُّهُ فَلَمَّا أَتَاهُ الْغُلَامُ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ إلَيْهِ فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ ثُمَّ أَتَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ وَقَالَ لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَتَحَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ ، وَإِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ أَنْ أَقُولَ فِيهِ مَا شِئْت فَإِنَّ لِي مَالًا بِمَكَّةَ آخُذُهُ فَأَذِنَ لِي أَنْ أَقُولَ فِيهِ مَا شِئْت فَاكْتُمْ عَلَيَّ ثَلَاثًا ثُمَّ قُلْ مَا بَدَا لَك ثُمَّ أَتَى الْحَجَّاجُ أَهْلَهُ فَأَخَذَ مَالَهُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ : ثُمَّ إنَّ الْعَبَّاسَ أَتَى مَنْزِلَ الْحَجَّاجِ إلَى امْرَأَتِهِ فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَمُرُّ بِمَجَالِسِ قُرَيْشٍ فَيَقُولُونَ لَهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَا يَسُؤْك اللَّهُ فَيَقُولُ لَا يَسُؤْنِي اللَّهُ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَجَرَتْ فِيهَا سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ بِذَلِكَ وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا حَتَّى يَأْخُذَ مَا لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ : ثُمَّ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ إنْ كَانَ لَكِ بِزَوْجِكِ حَاجَةٌ فَالْحَقِي بِهِ وَأَخْبَرَهَا بِاَلَّذِي أَخْبَرَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ بِفَتْحِ خَيْبَرَ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أَظُنُّك وَاَللَّهِ صَادِقًا قَالَ فَرَجَعَ مَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ اسْتَخْفَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا } .
فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَا قَدْ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ إسْلَامَ الْعَبَّاسِ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ إقْرَارُهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصْدِيقِهِ مَا وَعَدَهُ وَقَدْ كَانَ الرِّبَا حِينَئِذٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَرَامًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَهُمَا عَنْ حَنَشٍ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلِأَصْحَابِي قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَسَأَلْت فَضَالَةَ فَقَالَ انْزَعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي

الْكِفَّةِ وَاجْعَلْ ذَهَبًا فِي الْكِفَّةِ ثُمَّ لَا تَأْخُذْنَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَأْخُذْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ قَالَ : ثنا حَيْوَةُ عَنْ أَبِي هَانِئٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَرَامًا بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ مِنْهُ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ غَرْقَدَةَ يَعْنِي شَبِيبًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أَلَا إنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ يُوضَعُ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَازِبِ بْنِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَبُو غَرْقَدَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ بِمَكَّةَ قَائِمًا لَمَّا كَانَتْ دَارَ حَرْبٍ حَتَّى فُتِحَتْ ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّمَا كَانَ بِفَتْحِهَا وَكَانَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ رِبَا الْعَبَّاسِ قَدْ كَانَ قَائِمًا حَتَّى وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضَعُ إلَّا مَا قَدْ كَانَ قَائِمًا لَا مَا قَدْ سَقَطَ قَبْلَ وَضْعِهِ إيَّاهُ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِلْعَبَّاسِ رِبًا إلَى أَنْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ ، وَقَدْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا قَدْ كَانَ حَلَالًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ حَرْبٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ قَالَ : مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُنَا .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد

قَالَ : حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِذَلِكَ قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ قَالَهُ قَبْلَهُمْ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ حُكْمِ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو رِبَا الْعَبَّاسِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَضْعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ .
أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا أَوْ كَانَ فِي حَالِ تَحْرِيمِ الرِّبَا أَعْنِي بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ .
فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ فِي أَيِّ الْأَمَاكِنِ كَانَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَهُوَ أَبْطَلُ .
فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ بِمَا قَدْ يَدُلُّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا حَتَّى وَضَعَهُ دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وَضْعِهِ إيَّاهُ بِمَكَانِ الرِّبَا فِيهِ خِلَافَ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي حَالِ تَحْرِيمِهِ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَضْعَهُ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْعَبَّاسِ مِنْ أَسْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ وَمِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُ تَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا قَالَ :

وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِهَا ، لِنَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ إسْلَامَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلَمَا حِينَ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنْ الْأَسْرِ .
لِأَنَّهُ لَمَّا فُدِيَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَجَعَ هُوَ وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَسْرَى إلَى مَكَّةَ عَلَى دِينِهِمْ الَّذِي أُسِرُوا عَلَيْهِ وَكَانَتْ بَدْرٌ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ كَانَ اعْتَذَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا ، وَأَنَّهُ أُخْرِجَ إلَى قِتَالِهِ كَرْهًا ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَهُ أَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِك فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَك .
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ وَبَقِيَ الْعَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَإِنْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ كَمَا ذَكَرَهُ قَدْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ بَدْرًا ، وَإِنْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ مَا ذَكَرَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ يُوجِبُ لَهُ الْإِسْلَامَ ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ يُوجِبُ إقَامَتَهُ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا ، وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ ، وَإِقَامَتُهُ بِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَوْسَعُ مُدَّةً مِنْ إقَامَتِهِ بِهَا كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا وَلَهُ بِهَا رِبًا قَائِمٌ وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَارِيثِ الَّتِي قُسِّمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي الْمَوَارِيثِ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ مِنْ مَوَارِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَسِمَ ) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ } قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ فَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرٍو فَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ كَمَا حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ بْنُ عَمْرٍو ثُمَّ ذَكَرَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا قَدْ شَدَّ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَا يُوجِبُ أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ فَتْحِهَا عَلَى غَيْرِ قِسْمَةِ الْإِسْلَامِ لِمُضِيِّ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ الْقَسْمِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِسْمَتُهُ حِينَئِذٍ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِي أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مُخَالِفَةً لَهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ الْمُعَامَلَةُ بِالرِّبَا الَّذِي ذَكَرْنَا حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِهَا الْمُشْرِكِينَ قَدْ كَانَ جَائِزًا وَهُوَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِي أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الْغُصُوبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي اخْتَصَمُوا إلَيْهِ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ جَمِيعًا قَالَا : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ { كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : إنَّ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ انْتَزَى عَلَى أَرْضِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَيْدَانَ فَقَالَ لَهُ بَيِّنَتُك بَيِّنَتُك قَالَ : لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ قَالَ : يَمِينُهُ قَالَ : إذَنْ يَذْهَبُ بِهَا قَالَ : لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ } حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِي فَقَالَ الْكَنَدِيُّ : هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ ؟ قَالَ لَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُحَلِّفُهُ فَقَالَ : إنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَمِينٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ فَانْطَلَقَ لِيُحَلِّفَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إنَّهُ إنْ حَلَفَ عَلَى مَالِكَ ظُلْمًا لِيَأْكُلَهُ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَنْهُ

مُعْرِضٌ } .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا جَنْدَلُ بْنُ وَالِقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ { فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ خُصُومَةُ الرَّجُلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَصْبٍ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ إيَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَدُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَّعِيَ بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِعْلَامُهُ إيَّاهُ أَنَّ لَهُ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ طَلَبَهَا .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَهُ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ عِنْدَهُ ، لَحُكِمَ لَهُ بِهِ عَلَى مَنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ عَلَى الَّذِي كَانَ غَصَبَهُ إيَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَصْبِهِ إيَّاهُ كَانَ مِنْهُ .
فَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يَغْصِبُ الْحَرْبِيَّ أَرْضًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يُسْلِمَانِ فَيَخْتَصِمَانِ فِيهَا إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فِيهِ كَمَا يَحْكُمُ فِي مِثْلِهِ لَوْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنْ كَانَ مَلِكُهُمْ خُوصِمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِي دَارِ مِلْكِهِ فَجَعَلَهُ لِغَاصِبِهِ بِغَصْبِهِ إيَّاهُ ثُمَّ خُوصِمَ فِي ذَلِكَ إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمْضَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُخَاصِمْ فِي ذَلِكَ إلَى مَلِكِهِمْ وَلَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ إمْضَاؤُهُ لِغَاصِبِهِ نَظَرَ فِيمَا بَيْنَ الْغَاصِبِ لَهُ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَحَكَمَ فِي ذَلِكَ كَمَا يَحْكُمُ فِي غَصْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ إلَى

قَوْلِهِ هَذَا يَحْتَجُّ لَهُ فِيهِ بِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ { كُلُّ مِيرَاثٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلُّ مِيرَاثٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْإِسْلَامِ } قَالَ : فَكَمَا كَانَ الْمِيرَاثُ إذَا قُسِّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى غَيْرِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَمْضَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَإِذَا لَمْ يَقْسِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ ، قَسَمَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ الْغَصْبِ الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا أُجْرِيَ فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعْنًى ، أَمْضَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ ، وَلَمْ يَرُدَّ إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا لَمْ يَمْضِ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ رَدَّ إلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِيهِ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ لَهُ فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ عَلِيمًا حَكِيمًا فَيَكْتُبُ سَمِيعًا عَلِيمًا وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ هَلْ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَكَتَبَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ مَا يَقْرَأُ مُحَمَّدٌ إلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ وَأَصْحَابَهُ نَبَشُوا عَلَى صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحُوا قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَلَى صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا .
فَقَالَ قَائِلٌ : قَدْ ذَكَرْتَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِك هَذَا مَا دَفَعْتَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ كَانَ الَّذِي يُمْلِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكْتُبُ خِلَافَهُ يُمْضِيهِ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَعْنَى مَا أَمْلَى عَلَيْهِ مَعْنًى مَا كَتَبَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ مَا يَقْرَأُ مُحَمَّدٌ إلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُهُ

لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قُرْآنًا إذْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قُرْآنٍ مِمَّا كَانَ يَكْتُبُهُ إلَى مَنْ يَدْعُوهُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ثُمَّ يَقْرَؤُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَهُ لِيَسْمَعُوهُ وَيَعْلَمُوهُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قِرَاءَةً لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَقْرُوءٍ قُرْآنًا قَالَ : اللَّهُ - تَعَالَى - { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { اقْرَأْ كِتَابَك كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْمَ عَلَيْك حَسِيبًا } فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٍ يُغْنِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا عَنْ ذِكْرِ بَقِيَّتِهَا فَعَادَ مَعْنَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يُمْلِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ الرَّجُلُ خِلَافَهُ مِمَّا مَعْنَاهُ مَعْنَى الْقُرْآنِ فِي وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الْحَدِيثَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ إنِّي مُسْلِمٍ مَا قَالَ : لَهُ فِي ذَلِكَ ) حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُمْ الْحُرُقَاتِ فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَذَهَبْتُ لَأَطْعَنُهُ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ قَتَلْتَهُ وَهُوَ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا قَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ } حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا وَقَدْ نَذَرُوا بِنَا فَخَرَجْنَا فِي آثَارِهِمْ فَأَدْرَكْت مِنْهُمْ رَجُلًا فَجَعَلَ إذَا لَحِقْتُهُ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ وَقُلْتُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ إنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ ثُمَّ قَتَلْتَهُ ؟ فَهَلَّا شَقَقْت عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أُسَامَةُ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ أَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَتَلْتَهُ ؟ حَتَّى وَدِدْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلَّا يَوْمَئِذٍ } .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي

ظَبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ إلَى الْحُرُقَاتِ حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَلَمَّا يَعْنِي هَزَمْنَاهُمْ ابْتَدَرْت أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ وَظَنَنْتُ أَنَّمَا يَقُولُهَا تَعَوُّذًا فَقَتَلْتُهُ فَرَجَعَ الْأَنْصَارِيُّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُسَامَةُ قَتَلْتَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ قَالَ يَعْنِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : فَمَا زَالَ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى وَدِدْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت إلَّا يَوْمَئِذٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَتْلُ أُسَامَةَ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَإِنْكَارُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأُسَامَةُ فَلَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ لَهُ مِنْهُ فَقَالَ قَائِلٌ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَا بَقِيَتْ أَحْوَالُهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ هَذَا الْجُرْمَ الْعَظِيمَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ بَقِيَتْ أَحْوَالُ أُسَامَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهُ الْعُذْرَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ وَقَفَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي قَالَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدَ حُلُولِ أُمُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَقْبَلَتْ إلَيْهِ بِعُقُوبَتِهِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْهُ عَنْهُ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -

عَزَّ وَجَلَّ - { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا } فَأَعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّوْحِيدِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ كَلَا قَوْلٍ ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ رَفْعَ الْبَأْسِ عِنْدَ الْمُوَحِّدِ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : { سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } أَيْ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا ذَلِكَ الزَّمَانَ كَفِرْعَوْنَ وَدُونَهُ فَقَدْ كَانَ مِنْهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ أَنْ قَالَ : { آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ } أَيْ أَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْكَ بَعْدَ حُلُولِ مَا كُنْت تَحْذَرُهُ بِكَ لَا يَنْفَعُك فَكَانَ أُسَامَةُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الَّذِي قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَمَّا جَاءَهُ الْبَأْسُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مِثْلِهِ فَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْهُ يَرْفَعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لَوْ لَمْ يَقُلْهُ حَتَّى وَقَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَجِيءَ الْبَأْسِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِخِلَافِ مَجِيءِ الْبَأْسِ مِنْ قِبَلِ عِبَادِهِ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّوْحِيدِ بَعْدَ مَجِيءِ الْبَأْسِ مِنْ قِبَلِهِ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْبَأْسَ وَأَنَّ مَجِيءَ الْبَأْسِ مِنْ قِبَلِ عِبَادِهِ يَرْفَعُهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ فَجَاءَ عُذْرُ أُسَامَةَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَفِيمَا كَانَ مِنْ أُسَامَةَ مِمَّا اسْتَعْمَلَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ إذَا كَانَتْ كَانَ مُبَاحًا لَنَا اسْتِعْمَالُ رَأْيِنَا فِيهَا وَرَدُّهَا إلَى مَا يَرُدُّ مِثْلَهَا إلَى مِثْلِهِ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِنَّا إنْ خَالَفْنَا أَحْكَامَهُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرَ مَلُومِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا مَأْخُوذِينَ بِهِ ، وَمِثْلُ

هَذَا مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَاضِي إذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ أَنَّ لَهُ أَجْرًا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَنَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ مَعَانِيَهُ الَّتِي قَالَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَنْ قَالُوا صَبَأْنَا صَبَأْنَا ) .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا وَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَمَرَ خَالِدٌ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ فَقُلْتُ : وَاَللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْنَا صُنْعَ خَالِدٍ لَهُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ } .
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : ثنا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ بَنِي جَذِيمَةَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَكَانَ مِنْ خَالِدٍ فِيهِمْ مَا كَانَ فَكَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مِنْ خَالِدٍ مَا كَانَ مِمَّا ذَلِكَ كُلُّهُ مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ قَائِلٌ : مَا الْمَعْنَى الَّذِي تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذَ الْوَاجِبِ لَهُمْ مِنْ خَالِدٍ لَمَّا كَانَ مِنْهُ فِيهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ صَبَأْنَا قَدْ يَكُونُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الصَّابِئِينَ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ ؛ إلَّا أَنَّهُ زَوَالٌ عَنْ شَيْءٍ

إلَى شَيْءٍ فَكَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَا كَانَ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْبَاتُ فِي أُمُورِهِمْ وَالْوُقُوفُ عَلَى إرَادَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ صَبَأْنَا هَلْ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ ؟ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَرِئَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا كَانَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَهُمْ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ يَقِينًا وُجُوبَهُ لَهُمْ فِي قَتْلِ خَالِدٍ إيَّاهُمْ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَمِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ بُعِثَا إلَيْهِمْ فَاعْتَصَمُوا بِالتَّوْحِيدِ فَقَتَلَهُمْ خَالِدٌ ) .
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُكَيْبٍ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْأَشْتَرُ قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : { بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَعَمَّارٌ فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَبْنَا أَهْلَ بَيْتٍ قَدْ كَانُوا وَحَّدُوا فَقَالَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ احْتَجَزُوا مِنَّا بِتَوْحِيدِهِمْ فَسَفَّهْتُهُ وَلَمْ أَحْفِلْ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا رَجَعْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَانِي إلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْتَصِرُ لَهُ مِنِّي أَدْبَرَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا خَالِدُ لَا تَسُبَّ عَمَّارًا فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبَّ عَمَّارًا سَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يُسَفِّهْ عَمَّارًا يُسَفِّهْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : قُلْت وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ ذُنُوبِي شَيْءٌ أَخْوَفُ عَلَيَّ مِنْهُنَّ فَاسْتَغْفِرْ لِي قَالَ : فَاسْتَغْفَرَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَمَّارٍ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِينَ كَانُوا وَحَّدُوا أَنَّهُمْ قَدْ احْتَجَزُوا بِتَوْحِيدِهِمْ ، وَأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَحْفُلْ بِقَوْلِهِ وَكَانَ مَعْنَى خَالِدٍ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ كَمَعْنَى أُسَامَةَ فِي قَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ تَوْحِيدِهِ ، وَكَانَ مَا كَانَ مِنْ عَمَّارٍ فِيهِمْ إصَابَةُ حَقِيقَةِ حُكْمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِمْ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اجْتِهَادِهِ مَحْمُودًا ، وَكَانَ عَمَّارٌ فِي ذَلِكَ فَوْقَ خَالِدٍ فِي الْحَمْدِ لِلْإِصَابَةِ

مِنْهُ لِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ وَلِتَقْصِيرِ خَالِدٍ عَنْهُ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّفَرِ الْخَثْعَمِيِّينَ الَّذِينَ بَعَثَ إلَيْهِمْ خَالِدًا وَمِنْ قَتْلِهِ إيَّاهُمْ بَعْدَ اعْتِصَامِهِمْ بِالسُّجُودِ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ { خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إلَى أُنَاسٍ مِنْ خَثْعَمَ فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ ثُمَّ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا } .
فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ ارْتَفَعَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَا كَانَ مِنْهُ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ عَلَى سُجُودِهِمْ وَوُجُوبِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ بِذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ السُّجُودَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ بِهِ عَلَى حَقِيقَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَكُونُ إسْلَامًا لِفَاعِلِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى التَّعْظِيمِ لِلرَّئِيسِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا لِفَاعِلِهِ بَلْ يَكُونُ مَقْتًا لَهُ وَلِلْمَفْعُولِ لَهُ إنْ رَضِيَهُ مِنْ فَاعِلِهِ فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ كَمَا ذَكَرْنَا وَمُحْتَمِلًا وَصْفُنَا دَخَلَ ذَلِكَ مِنْ خَالِدٍ فِيمَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ فِيهِ حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِ مَنْ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَتْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ الِاسْتِثْبَاتُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ إرَادَةَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ بِسُجُودِهِمْ مَا هُوَ هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ أَوْ غَيْرُهُ ؟ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَدَاهُمْ بِهِ تَطَوُّعًا مِنْهُ بِذَلِكَ وَتَفَضُّلًا مِنْهُ بِهِ وَجَزَاءً مِنْهُ لِغَيْرِهِمْ إلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ

مُشْرِكٍ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا } فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ جَمِيعًا يَقُولُونَ فِي هَذَا الْحَرْفِ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا وَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْكُنَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ مَعَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَارَ صَاحِبِهِ ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ الْعَرَبُ تَقُولُ دَارِي تَنْظُرُ إلَى دَارِ فُلَانٍ وَدُورُنَا تُنَاظِرُ .
وَالْآخَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا يُرِيدُ نَارَ الْحَرْبِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } فَنَارُهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ هَذِهِ تَدْعُو إلَى اللَّهِ وَهَذِهِ تَدْعُو إلَى الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَاكِنًا مَعَ أَهْلِ الْأُخْرَى فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إلْقَاءِ الْأَرْضِ الرَّجُلَ الْمَدْفُونَ فِيهَا الْقَاتِلَ الَّذِي قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَتْلُهُ إيَّاهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَعَوُّذًا مِنْهُ ) .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ : ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ السُّمَيْطِ بْنِ السُّمَيْرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ { بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا غَشِيَهُ بِالرُّمْحِ قَالَ : إنِّي مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ أَذْنَبْت فَاسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : إنِّي حَمَلْتُ عَلَى رَجُلٍ فَلَمَّا غَشِيتُهُ بِالرُّمْحِ قَالَ : إنِّي مُسْلِمٌ فَظَنَنْت أَنَّهُ مُتَعَوِّذٌ فَقَتَلْتُهُ فَقَالَ : أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك ؟ قَالَ وَيَسْتَبِينُ لِي ؟ قَالَ : قَدْ قَالَ لَكَ بِلِسَانِهِ فَلَمْ تُصَدِّقْهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ الرَّجُلُ أَنْ مَاتَ فَدُفِنَ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَقُلْنَا : عَدُوٌّ نَبَشَهُ فَأَمَرْنَا عَبِيدَنَا وَمَوَالِيَنَا فَحَرَسُوهُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَقُلْنَا فَلَعَلَّهُمْ غَفَلُوا فَحَرَسْنَا نَحْنُ فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ : إنَّ الْأَرْضَ تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّ أَنْ يُخْبِرَكُمْ بِعِظَمِ الدَّمِ ؟ ثُمَّ قَالَ انْتَهُوا بِهِ إلَى سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ فَانْضِدُوا عَلَيْهِ مِنْ الْحِجَارَةِ فَفَعَلْنَا } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ : ثنا السُّمَيْطُ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ : لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أَبِي الْعَدُوِّ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا

فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ فِي هَذَا الْجِنْسِ مَا يُغْنِينَا عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ أَنَّ فِي هَذَا الْبَابِ حَرْفًا وَهُوَ قَوْلُ الْخُزَاعِيُّ صَاحِبِ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي قَدْ أَصَبْت ذَنْبًا فَاسْتَغْفِرْ لِي .
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِجُرْمِهِ فِي قَتْلِهِ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَقَتَلَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ ظَنَّهُ بِقَوْلِهِ إنِّي مُسْلِمٌ مُتَعَوِّذًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً مِنْهُ فِي الِاعْتِذَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ ذَلِكَ الرَّجُلَ أَيْ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُتَعَوِّذَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْسَرُ مِنْ قَتْلِهِ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ الْقَوْلَ لَا لِلتَّعَوُّذِ بِهِ وَلَكِنْ لِحَقِيقَةِ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَافِعًا عَنْهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِيهِ فَكَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِ مَا كَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَانَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَطَهَارَتِهَا بِالدِّبَاغِ وَفِيمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ) .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : ثنا أَبُو عَامِرٍ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا : ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ : { قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَة وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ } حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : ثنا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ السَّكُونِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ الْحَكَمِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُكَيْمٍ { قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ } تَحْقِيقُ حُضُورِهِ لِذَلِكَ وَسَمَاعِهِ إيَّاهُ مِنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي حَدِيثِ الشَّيْبَانِيِّ كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْضُرْهُ ابْنُ عُكَيْمٍ وَيَكُونُ قَوْلُهُ جَاءَنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ : كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى كَتَبَ إلَى قَوْمِنَا كَمَا قَالَ : النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ قَالَ : لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : ثنا مِسْعَرُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ : { قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا كُنَّا ، وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نُدْعَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَنَحْنُ الْيَوْمَ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ } وَأَنْتُمْ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي لِقَوْمِ النَّزَّالِ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِسَمَاعِ النَّزَّالِ إيَّاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِحُضُورِهِ إيَّاهُ مِنْ قَوْلِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِسَمَاعِ قَوْمِهِ إيَّاهُ مِنْهُ وَبِمَحْضَرِهِمْ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا جَائِزٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَوْجُودٌ مِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحَدِيثِ .
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي الْحَذَّاءَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ : { أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ فَدَخَلَ الْأَشْيَاخُ وَجَلَسْتُ بِالْبَابِ فَخَرَجُوا فَأَخْبَرُونِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا بِعَصَبٍ كَتَبَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرَيْنِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَوَقَفْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ كِتَابَهُ بِهِ ثُمَّ كَشَفْنَا عَنْ حَقِيقَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالُوا { أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ } .
فَحُقِّقَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ عُكَيْمٍ لَمْ يَكُنْ شَهِدَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَضَرَ قِرَاءَتَهُ عَلَى مَنْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخُ مِنْ جُهَيْنَةَ لَمْ يُسَمُّوا لَنَا فَنَعْرِفُهُمْ وَنَعْلَمُ أَنَّهُمْ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِثْلُ هَذَا عَنْهُمْ لِصُحْبَتِهِمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِأَحْوَالٍ فِيهِمْ سِوَى ذَلِكَ تُوجِبُ قَبُولَ رِوَايَاتِهِمْ ، وَلَمَّا لَمْ نَجِدْ ذَلِكَ لَهُمْ لَمْ تَقُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي أَمْرِهِ إيَّاهُمْ بِدِبَاغِ جِلْدِ الشَّاةِ الَّتِي مَاتَتْ لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا أَوْلَى مِنْهُ لِصِحَّةِ مَجِيئِهِ وَاسْتِقَامَةِ طَرِيقِهِ وَعَدْلِ رُوَاتِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثُ فَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ لِسَوْدَةِ ابْنَةِ زَمْعَةَ وَذَكَرَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُمْ بَعْدَ إنْزَالِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ ( ح ) وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ صَالِحٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ ثُمَّ قَالَا جَمِيعًا فِي حَدِيثَيْهِمَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةِ ابْنَةِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَتْ فُلَانَةُ تَعْنِي الشَّاةَ قَالَ : فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا فَقَالَتْ نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَالَ : اللَّهُ - تَعَالَى - { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } الْآيَةَ .
فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَدْبُغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ قَالَتْ فَأَرْسَلْتُ فَسَلَخْتُ مَسْكَهَا فَدَبَغْتُهُ فَاِتَّخَذْتُ مِنْهُ قِرْبَةً حَتَّى تَخَرَّقَتْ } .
ثُمَّ وَجَدْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسَ قَالَ : حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا دُبِغَ الْأَدِيمُ فَقَدْ طَهُرَ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ أَنَّهُ قَالَ : لِابْنِ عَبَّاسٍ إنَّا نَغْزُو أَرْضَ الْمَغْرِبِ ، وَإِنَّمَا أَسْقِيَتُنَا جُلُودُ الْمَيْتَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أَيُّمَا مَسْكٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَيْضًا قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْخَيْرِ يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إنَّا نَغْزُو هَذَا الْمَغْرِبَ وَلَهُمْ قِرَبٌ يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدِّبَاغُ طَهُورٌ فَقَالَ لَهُ ابْنُ وَعْلَةَ أَعَنْ رَأْيِكَ أَوْ عَنْ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ بَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .
وَفِي ذَلِكَ مَا

يُوجِبُ إبَاحَةَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَفِي هَذَا الْبَابِ آثَارٌ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذِهِ الْآثَارِ تُجْزِئُ عَنْ بَقِيَّتِهِ ، وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ ) .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ وَنَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا قَالَا : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ { عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ أُتِيَ بِبَغْلَةٍ عَلَيْهَا سَرْجُ خَزٍّ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَزِّ وَعَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ وَعَنْ جُلُودِ النُّمُورِ وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهَا وَعَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا } وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سُهَيْلٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِيثَرَةِ وَهِيَ جُلُودُ السِّبَاعِ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ هِشَامٍ الرُّعَيْنِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُمْرَانَ قَالَ { : حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَدَعَا نَفَرًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْكَعْبَةِ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صُفَفِ النُّمُورِ ؟ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ : وَأَنَا أَشْهَدُ } .
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْبَيْكَنْدِيُّ قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ قَالَ : { كُنْتُ فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ رُكُوبِ صُفَفِ النُّمُورِ

قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ : وَأَنَا أَشْهَدُ } حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ يَعْنِي الْكَلَاعِيَّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ : ثنا سَعِيدُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ( ح ) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ فِيمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } .
مَا قَدْ عَمَّ بِهِ الْأُهُبَ كُلَّهَا وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا قَدْ عَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ إلَّا بِمَا يُوجِبُ لَهُ إخْرَاجُهُ بِهِ مِنْ آيَةٍ مَسْطُورَةٍ وَمِنْ سُنَّةٍ مَأْثُورَةٍ وَمِنْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ بِهِ دُخُولُ جُلُودِ السِّبَاعِ فِي الْأُهُبِ الَّتِي تَجِبُ طَهَارَتُهَا بِالدِّبَاغِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي جَاءَ فِي الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِالدِّبَاغِ الَّذِي فُعِلَ بِهَا وَلَكِنْ لِمَعْنًى سِوَى ذَلِكَ ، وَهُوَ رُكُوبُ الْعَجَمِ عَلَيْهَا لَا مَا سِوَى ذَلِكَ .
وَمِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ

نَهْيِهِ عَنْ الْخَزِّ عَنْ رُكُوبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ مِنْهُ عَنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْمَعْمُولَةِ مِنْهُ ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ لَبِسَ الْخَزَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ تَابِعِيهِمْ مَنْ قَدْ لَبِسَهُ ، وَجَرَى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا ، وَإِذَا كَانَ لُبْسُهُ مُبَاحًا ، وَالرُّكُوبُ عَلَيْهِ مَكْرُوهًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا لَا لِمَا سِوَاهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ أَسْفَلَ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا أَمْثَالَ الْأَعَاجِمِ } مَعَ إبَاحَتِهِ أَعْلَامَ الْحَرِيرِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي مَقَادِيرُهَا أَكْثَرُ مِنْ مَقَادِيرِ الْحَرِيرِ الَّذِي فِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ الْحَرِيرَ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِلتَّشْبِيهِ بِالْعَجَمِ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ وَفِيمَا يَلْبَسُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهِ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ قَالَ : ثنا يُونُسُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ بَطَائِنُهَا مِنْ جُلُودِ الثَّعَالِبِ فَأَلْقَاهُ عَنْ رَأْسِهِ ، وَقَالَ مَا يَدْرِيك لَعَلَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ وَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ ذَكِيٌّ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ لُبْسُ مَا هُوَ فِيهِ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ سَمَاعًا قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِذَا

خَيَّاطٌ يَخِيطُ بُرْدًا لَهُ عَلَى قَطِيفَةِ ثَعَالِبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِجُلُودِ السِّبَاعِ بَأْسًا إذَا دُبِغَتْ .
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوَئِيلَ قَالَ : { أَرَادَ أَبُو أَيُّوبَ الرُّكُوبَ لِحَاجَةٍ فَدَعَوْت لَهُ بِدَابَّتِي وَسَرْجِي نُمُورٌ فَنَزَعَ الصُّفَّةَ فَقُلْت لَهُ الْجَدْيَتَانِ نُمُورٌ فَقَالَ إنَّمَا يَنْهَى عَنْ الصُّفَّةِ } أَفَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الرُّكُوبَ عَلَى الصُّفَّةِ مِنْ النُّمُورِ وَلَمْ يَكْرَهْ الرُّكُوبَ عَلَى السَّرْجِ الَّذِي جَدْيَتَاهُ نُمُورٌ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَدْ كَانَ مَذْهَبَهُمْ فِي جُلُودِ النُّمُورِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُمْ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ مِنْهَا مَا يَكُونُونَ بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهَا كَالْعَجَمِ فِي اسْتِعْمَالِهَا وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا .
وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ تَابِعِيهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهَا أَيْضًا وَعَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ الَّتِي لَحِقَتْهَا مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرْنَا لَا مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَهُ سُرُجُ نُمُورٍ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى

بْنِ عَتِيقٍ قَالَ : رَأَيْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَلَى سَرْجٍ مُنَمَّرٍ وَرَأَيْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَلَى سَرْجٍ مُنَمَّرٍ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ التَّابِعِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الرُّكُوبَ عَلَيْهِ مُحَرَّمًا وَقَدْ بَقِيَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى النُّمُورِ أَخَّرْنَاهُ ؛ لِنَأْتِيَ بِهِ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا الْبَابِ هُوَ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُكَامَعَةِ وَالْمُعَاكَمَةِ حَدَّثَنَا ) بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمُ بْنُ شُفَيٍّ قَالَ : انْطَلَقْت أَنَا وَأَبُو عَامِرٍ الْحَجْرِيُّ إلَى إيلِيَاءَ لِنُصَلِّيَ بِهَا وَقَاضِي أَهْلِ إيلِيَاءَ يَوْمَئِذٍ أَبُو رَيْحَانَةَ الْأَزْدِيُّ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ سَبَقَنِي أَبُو عَامِرٍ بِالرَّوَاحِ إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ : فَجَلَسْت عِنْدَ صَاحِبِي فَقَالَ لِي أَدْرَكْت قَصَصَ أَبِي رَيْحَانَةَ ؟ قُلْت لَا قَالَ : فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ عَشْرًا الْوَشْرَ - وَالْوَشْمَ - وَالنَّتْفَ - وَمُكَامَعَةَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ - وَمُكَامَعَةَ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ - وَالْحَرِيرَ أَنْ تَضَعُوهُ مِنْ أَسْفَلِ ثِيَابِكُمْ كَمَا يَصْنَعُهُ الْعَجَمُ - وَالْحَرِيرَ أَنْ تَضَعُوهُ مِنْ أَعْلَى ثِيَابِكُمْ كَمَا يَصْنَعُهُ الْعَجَمُ وَالنَّمِرَ - وَالنُّهْبَةَ - وَالْخَاتَمَ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر وَحَسَّانُ بْنُ غَالِبٍ الْحَجْرِيُّ قَالُوا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْد بْنِ حَيَّانَ قَالَ : ثنا عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ أَخْبَرَهُ قَالَ : خَرَجْت أَنَا وَأَبُو عَامِرٍ الْحَجْرِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ قَالَ : ثنا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي يُسَمَّى أَبَا عَامِرٍ رَجُلٌ مِنْ الْمَعَافِرِ لِنُصَلِّيَ بِإِيلِيَاءَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْد ،

وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، فَقَالُوا فِيهِ جَمِيعًا مُكَامَعَةَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَمُكَامَعَةَ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَيْضًا عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ فَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ مُعَاكَمَةٌ .
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْهَيْثَمِ أَبِي الْحُصَيْنِ الْحَجْرِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْحَجْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا رَيْحَانَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ عَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ فِي شِعَارٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ يَعْنِي لِحَافًا - وَالْوَشْرِ - وَالنَّتْفِ وَالْوَشْمِ - وَالنُّهْبَةِ - وَرُكُوبِ النُّمُورِ - وَاِتِّخَاذِ الدِّيبَاجِ عَلَى الْعَاتِقِ وَاِتِّخَاذِ الدِّيبَاجِ فِي أَسْفَلِ الْجِبَابِ - وَالْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - وَكَانَ مَعْنَى الْمُكَامَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَحَادِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْد وَالْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمُضَاجَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا .
وَكَانَ مَعْنَى الْمُعَاكَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ هِيَ ضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ وَمِنْهُ قِيلَ عَكَمْتُ الثِّيَابَ إذَا شَدَدْتُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَمِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوِيُّ قَالَ : ثنا دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عُرْيَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عُرْيَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ

وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ } وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدِيثَ أَبِي رَيْحَانَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ فَخَالَفَ رِوَايَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ فِي إسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ : ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : ثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْحَجْرِيِّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَحَدًا أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْوَشْرِ - وَالْوَشْمِ - وَالنُّبْذَةِ - وَالْمُشَاغَرَةِ - وَالْمُكَامَعَةِ - وَالْوِصَالِ - وَالْمُلَامَسَةِ } .
وَأَجَازَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْمُكَامَعَةِ هِيَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأُخِذَ مِنْ الْكَمِيعِ وَهُوَ الضَّجِيعُ قَالَ وَمِنْهُ قِيلَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ هُوَ كَمِيعُهَا قَالَ : أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ فَذَكَرَ مَا حَدَّثَهُ أَبُو النَّضْرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ .
قَالَ : أَبُو عُبَيْدٍ وَالْمُكَاعَمَةُ أَنْ يُلَثِّمَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ أُخِذَ مِنْ كَعَامِ الْبَعِيرِ وَهُوَ أَنْ يُشَدَّ فَمُهُ إذَا هَاجَ يُقَالُ كَعْمَتُهُ أَكْعَمُهُ كَعْمًا فَهُوَ مَكْعُومٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَشْدُودِ الْفَمِ فَهُوَ مَكْعُومٌ قَالَ : ذُو الرُّمَّةِ بَيْنَ الرَّجَا وَالرَّجَا مِنْ جَنْبِ وَاصِبَةٍ بَهْمَاءُ خَابِطُهَا بِالْخَوْفِ مَكْعُومُ يَقُولُ قَدْ سَدَّ

الْخَوْفُ فَمَهُ فَمَنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّثَامَ حِينَ يَلْثِمُهُ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ الْكِعَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمُكَامَعَةُ فَهُوَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ أُخِذَ مِنْ الْكَمِيعِ وَالْكَمِيعُ هُوَ الضَّجِيعُ قَالَ : أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ وَهَبَّتْ الشَّمْأَلُ الْبَلِيلُ وَإِذْ بَاتَ كَمِيعُ الْفَتَاةِ مُلْتَفِعَا وَأَمَّا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْوَشْرِ فَإِنَّ عَلِيًّا أَجَازَ لَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ : هِيَ الَّتِي تَبْشُرُ أَسْنَانَهَا حَتَّى تُفَلِّجَهَا وَتُحَدِّدَهَا وَأَمَّا ( الْوَشْمُ ) فَفِي الْيَدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَغْرِزُ ظَهْرَ كَفِّهَا وَمِعْصَمِهَا بِإِبْرَةٍ أَوْ مِسَلَّةٍ حَتَّى تُؤَثِّرَ فِيهِ ثُمَّ تَحْشُوهُ بِالْكُحْلِ فَيَخْضَرُّ بِذَلِكَ وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ مَضَى مِنْهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ مَا قَدْ مَضَى مِنْهُ فِيهِ غَيْرُ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ فَإِنَّا أَخَّرْنَاهُ لِنَجْعَلَهُ فِي بَابٍ مِمَّا بَعْدُ مِنْ أَبْوَابِ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ } هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَيْنَ حَيْوَةَ وَبَيْنَ شُفَيٍّ أَحَدًا ، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ فَحَدَّثَنَاهُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ ابْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَابْنُ شُفَيٍّ هَذَا هُوَ حُسَيْنُ بْنُ شُفَيٍّ كَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ وَفَهْدٌ قَالَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : فِي الْجَنَّةِ نَهْرُ زَيْتٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَشُفَيٌّ هُوَ ابْنُ مَاتِعٍ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ يَقُولُ كَانَ شُفَيُّ ابْنَ امْرَأَةِ تُبَيْعٍ وَكَانَ تُبَيْعٌ ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ .
فَتَأَمَّلْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ } فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا بِكَلَامٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ لَمْ يَحْضُرْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ قَفَلُوا لِخَوْفِهِمْ أَنْ يَكِرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْهُمْ إلَى نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَزِيدَ فِي عَدَدِهِمْ مَا يَقْوُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ ثُمَّ يَكِرُّونَ

عَلَى عَدُوِّهِمْ غَازِينَ لَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضُهُمْ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِيمَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِيمَا أَدْرَكَهُ مِنْهُ كَاَلَّذِي حَدَّثَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْمَرْأَةِ - وَالْفَرَسِ - وَالدَّارِ - فَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ وَشِقَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا هَكَذَا قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا قَالَ : أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ } وَكَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ذِكْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا مِنْ رَافِعٍ إنَّمَا اخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ فِيهَا فَقَالَ إنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ فَسَمِعَ رَافِعٌ قَوْلَهُ لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ } .
وَلَمْ يَسْمَعْ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي ) .
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي } هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ حَيْوَةَ وَبَيْنَ شُفَيٍّ فِيهِ أَحَدًا .
وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَ : ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ ابْنِ شُفَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجَعَائِلِ فِي الْغَزْوِ فَأَعْلَى مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْهَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَى جَرِيرٍ فِي بَعْثٍ ضَرَبَهُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ رَفَعْنَا عَنْك وَعَنْ وَلَدِك الْجُعْلَ فَكَتَبَ إلَيْهِ جَرِيرٌ إنِّي بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَنْشَطْ فِي هَذَا الْبَعْثِ نَخْرُجْ فِيهِ ، وَإِنْ لَا أَعْطَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يَنْطَلِقُ الْمُنْطَلِقُ قَالَ : الْمَسْعُودِيُّ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي الْجَعَائِلِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ حَيْوَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي

هَذَا الْبَابِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَيْوَةَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ اللَّيْثُ فِي إسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا عَنْ الْجَاعِلِ وَالْمُجْتَعَلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِلْغَازِي أَجْرُ مَا احْتَسَبَ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُ الْجَاعِلِ وَالْمُجْتَعَلِ .
وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ حُسَيْنِ بْنِ شُفَيٍّ وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ أَحَدًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَمَّا مَا قَالَهُ مَنْ تَأَخَّرَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ تَابِعِيهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : أَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : أَكْرَهُ الْجَعَائِلَ إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَيْءٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَوِّيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَمْ يَحْكِ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَتَأَمَّلْنَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا ظَاهِرُهُ إبَاحَةُ الْجَعَائِلِ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فَيْءٌ يُغْنِي عَنْهُ ، وَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ مُعَاوِيَةُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ حِينَ لَا فَيْءَ لِلْمُسْلِمِينَ يُغْنِيهِمْ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ

كَانَ مَذْهَبُهُمْ فِيهِ عِنْدَنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ مَا يُؤْخَذُ فِي الْجَعَائِلِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ الَّتِي يَسَعُ مَعَهَا قَبُولُ الصَّدَقَةِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَيْءٌ كَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ التَّنَزُّهُ عَنْ الصَّدَقَةِ وَعَمَّا حُكْمُهُ حُكْمُهَا إذْ كَانَتْ غَسَّالَةَ ذُنُوبِ النَّاسِ ، وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِالْفَيْءِ الَّذِي هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي هُوَ لَيْسَ مِنْ غَسَّالَةِ ذُنُوبِ النَّاسِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَبَاحَتْ الْحَاجَةُ قَبُولَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ شُفَيَّ الْأَصْبَحِيَّ بِالضَّمِّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِأَصْحَابِنَا الْمَصْرِيِّينَ الْهَيْثَمُ بْنُ شُفَيٍّ بِالْفَتْحِ فَأَرَدْنَا ذِكْرَهُ هَاهُنَا لِيُعْلَمَ شَأْنُهُمَا ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ صَاحِبِهِ وَالْهَيْثَمُ بْنُ شُفَيٍّ هُوَ مِنْ حِمْيَرَ وَهُوَ أَبُو الْحُصَيْنِ وَشُفَيٌّ فَمِنْ ذِي الْأَصْبَحِ وَهُوَ رَهْطٌ مِنْ حِمْيَرَ وَلَهُمْ أَيْضًا ثُمَامَةُ بْنُ شُفَيٍّ بِالْفَتْحِ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ فَمِمَّا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِرُودِسَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِتَسْوِيَتِهَا .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّائِيُّ قَالَ : ثنا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ قَالَ : خَرَجْنَا فِي غُزَاةٍ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَعَلَيْنَا فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ فَتُوُفِّيَ ابْنُ عَمٍّ لِي يُقَالُ لَهُ نَافِعُ بْنُ عُبَيْدٍ فَقَامَ مَعَنَا عَلَى حُفْرَتِهِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17