الكتاب : مشكل الآثار
المؤلف : أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ سَلَمَةَ الطَّحَاوِيُّ الْأَزْدِيُّ

فَلَمَّا دَفَنَّاهُ قَالَ حَفِّفُوا عَنْ حُفْرَتِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ فَعَقَلْنَا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ ثُمَامَةَ الْمَذْكُورَ فِي أَحَدِهِمَا هُوَ أَبُو عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا ، وَأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْمَذْكُورَ فِي أَحَدِهِمَا هُوَ ثُمَامَةُ الْمَذْكُورُ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا .
وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ مِمَّا مُسِخَ مِنْ الْأُمَمِ أَمْ لَا ) .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ مِمَّا مُسِخَ ؟ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً ، وَأَنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ خُلِقُوا قَبْلَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ الْأَشْكُرِيِّ قَالَ : رَوْحٌ هَكَذَا قَالَ : يُوسُفُ عَنْ الْمَعْرُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ مِنْ نَسْلِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ الَّتِي مُسِخَتْ أَمْ مِنْ نَسْلِ قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَمْسَخْ أُمَّةً قَطُّ فَيَجْعَلُ لَهَا عُقْبَةً وَلَكِنْ هَذِهِ مِنْ نَسْلِ قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَزِيدُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ :

ثنا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَا : حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ أَبِي الْأَعْيَنِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : { سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ مِنْ نَسْلِ الْيَهُودِ ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَلْعَنْ قَوْمًا قَطُّ فَمَسَخَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ نَسْلٌ وَلَكِنْ هَذَا خَلْقٌ كَانَ فَلَمَّا غَضِبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى الْيَهُودِ مَسَخَهُمْ فَجَعَلَهُمْ مِثْلَهُ } فَقَالَ قَوْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا يَدْفَعُ هَذِهِ الْآثَارَ الَّتِي رَوَيْتُمُوهَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي نَفْيِ مَنْ أَهْلَكَهُ اللَّهُ أَوْ مَسَخَهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَسْلٌ وَلَا عَقِبٌ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ } يُرِيدُ مَنْ جَعَلَهَا مِنْهُمْ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَخِطَ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَذِكْرُ ذَلِكَ بِالْمَعْرِفَةِ لَا بِالنَّكِرَةِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ الْمَوْجُودَةِ الْمَعْقُولَةِ لَا عَلَى مَنْ سِوَاهَا مِنْ قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ سِوَى الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ الْمَوْجُودَةِ الْمَعْقُولَةِ لَكَانَ : وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ عَلَى النَّكِرَةِ لَا عَلَى الْمَعْرِفَةِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ - أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مَخْلُوقَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لَا مَمْسُوخَةً مِنْ خَلْقٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إلَى قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ وَكَانَتْ مِمَّا تَنَاسَلَ وَمِمَّا يُعْقِبُ كَسَائِرِ الْمَخْلُوقِينَ سِوَاهَا ثُمَّ كَانَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - جَعْلُهُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ مِمَّنْ سَخِطَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ أَمْرِهِ وَاعْتَدَوْا عَنْ

عِبَادَتِهِمْ الَّتِي تَعَبَّدَهُمْ بِهَا إلَى مَا سِوَاهَا فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ لَا تَنَاسُلَ لَهَا ، وَلَا أَعْقَابَ لَهَا فَكَانَتْ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - كَوْنَهَا فِيهَا ثُمَّ أَفْنَاهَا بِلَا أَعْقَابٍ خَلَفَتْهَا وَبَقِيَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْحَقْهَا مَسْخٌ حَوَّلَهَا عَمَّا خُلِقَتْ عَلَيْهِ إلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنْهَا التَّنَاسُلُ فِي حَيَاتِهَا وَالْإِعْقَابُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ احْتِمَالُ مَا حَمَلْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا يُوهِمُ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِينَ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَشْيَتِهِ أَنْ تَكُونَ الْفَأْرَةُ مِنْ الْمَمْسُوخِ وَهَلْ كَانَ دَفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ تِلْكَ الْخَشْيَةَ وَبَانَ بِهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَمْسُوخِ ) .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا قَبِيصَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ فَلَا يَدْرِي مَا صَنَعَتْ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ الْفَأْرَ وَذَلِكَ أَنَّهَا إذَا وَجَدَتْ أَلْبَانَ الْغَنَمِ تَشْرَبُهَا ، وَإِذَا وَجَدَتْ أَلْبَانَ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْهَا } حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ : ثنا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فَأْرَةً فَقَالَ خَبٌّ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا خَبَّ - إلَّا مِنْ الْيَهُودِ } قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَأْرِ وَفِي الْفَأْرَةِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَا أَعْلَمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَنْ أَهْلَكَ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا .
فَذَهَبَ بِذَلِكَ مَا كَانَ يَخْشَاهُ وَحَدَّثَ بِمَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْهُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَثَبَتَ بِذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْفَأْرُ مِنْ ذَوِي التَّنَاسُلِ ، وَمِنْ ذَوِي الْأَعْقَابِ أَنَّهَا مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُ اللَّهِ - تَعَالَى -

إيَّاهُ مَسْخَهُ مِنْ مَسْخِهِ مِمَّنْ لَعَنَهُ مِنْ عِبَادِهِ إلَى مَا مَسَخَهُ إلَيْهِ ، وَبِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضِّبَابِ مِمَّا يُبِيحُ أَكْلَهَا وَمَا يَمْنَعُ ) .
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ { : نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ وَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَطَبَخْنَا مِنْهَا فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقُلْنَا ضِبَابٌ أَصَبْنَاهَا فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا } .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا عَمْرُو بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : ثَنِيّ أَبِي قَالَ : ثنا الْأَعْمَشُ قَالَ : ثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ حَسَنَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ وَقَدْ رَوَاهُ حُصَيْنٌ فَخَالَفَهُ فِي إسْنَادِهِ .
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ { : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَ النَّاسُ ضِبَابًا فَاشْتَوَوْهَا وَأَكَلُوهَا فَأَصَبْتُ مِنْهَا ضَبًّا فَشَوَيْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ جَرِيدَةً فَجَعَلَ يَعُدُّ بِهَا أَصَابِعَهُ فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا هِيَ فَقُلْت إنَّ النَّاسَ قَدْ اشْتَوَوْهَا وَأَكَلُوهَا فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : ثَابِتُ بْنُ وَدِيعَةَ وَرَوَاهُ الْحَكَمُ أَيْضًا فَخَالَفَ الْأَعْمَشَ أَيْضًا فِي إسْنَادِهِ وَخَالَفَ

حُصَيْنًا أَيْضًا فِي إسْنَادِهِ .
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ أَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ : ثنا بَقِيَّةُ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ الْأَنْصَارِيِّ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أُتِيَ بِضَبٍّ فَقَالَ أُمَّةٌ مُسِخَتْ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أُمَّةً فُقِدَتْ } فَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدٍ ، فَخَالَفَهُمْ جَمِيعًا فِي إسْنَادِهِ .
كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الصَّائِغُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ { رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضِبَابٍ احْتَرَشَهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا وَيَنْظُرُ إلَى الضَّبِّ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّةٌ مُسِخَتْ فَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَتْ وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا } .
وَقَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَفَّانُ قَالَا : ثنا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ { أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَطَعَ عَلَيْهِ خُطْبَتَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الضَّبِّ ؟ فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ فَلَا أَدْرِي أَيَّ الدَّوَابِّ مُسِخَتْ } حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا أَبُو

الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو عَقِيلٍ بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ : ثنا أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ { أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي فِي غَائِطٍ مَضَبَّةٍ وَإِنَّهُ طَعَامُ أَهْلِنَا فَسَكَتَ فَقُلْنَا لَهُ عَاوِدْهُ فَعَاوَدَهُ فَسَكَتَ ثُمَّ قُلْنَا لَهُ عَاوِدْهُ فَعَاوَدَهُ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ سَخِطَ عَلَى سِبْطٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَا أَظُنُّهُمْ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَسْتُ آكُلُهَا وَلَا أُحَرِّمُهَا } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا خَشِيَهُ فِي الضَّبِّ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ لِمَا يَمْسَخُهُ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَبَاحَ فِيهِ أَكْلَ الضَّبِّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ فَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ أَرَأَيْت فُلَانًا حِينَ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ جَالَسْت ابْنَ عُمَرَ فَمَا سَمِعْتُهُ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُونَ ضِبَابًا فَنَادَتْهُمْ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ إنَّهَا أَضُبٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا لَيْسَ مِنْ

طَعَامِي } وَفِي حَدِيثِ وَهْبٍ فَإِنَّهُ حَلَالٌ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَمَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَالُوا إنَّهُ ضَبٌّ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْتُ أَحَرَامٌ هُوَ ؟ فَقَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيَّ فَلَمْ يَنْهَنِي } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ : دُعِينَا لِعُرْسٍ بِالْمَدِينَةِ فَقُرِّبَ إلَيْنَا طَعَامٌ فَأَكَلْنَاهُ ثُمَّ قُرِّبَ إلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ضَبًّا فَمِنْ آكِلٍ وَتَارِكٍ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مُحَلِّلًا أَوْ مُحَرِّمًا قُرِّبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمٌ فَمَدَّ يَدَهُ لِيَأْكُلَهُ فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَكَفَّ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ : هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلُهُ قَطُّ فَأَكَلَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ كَانَتْ مَعَهُمْ وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ لَا آكُلُ طَعَامًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ

مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا وَهْبٌ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بُشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَهْدَتْ خَالَتِي أُمُّ حَفِيدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْأَضُبِّ } وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُؤْكَلْ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : ثنا حَبِيبُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ضِبَابٌ فَقَالَ كُلُوا فَإِنِّي عَائِفٌ } فَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا سِوَى ذَلِكَ فَفِيمَا رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُجْزِئُ مِنْهُ ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ الدَّاءَ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ } ) .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَارِظِيِّ قَالَ : أَتَيْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَزُورُهُ بِقُبَاءَ فَقَدَّمَ إلَيْنَا زُبْدًا وَكُتْلَةً فَسَقَطَ فِي الزُّبْدِ ذُبَابٌ فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِخِنْصَرِهِ فَقُلْت - غَفَرَ اللَّهُ لَك - يَا خَالُ مَا تَصْنَعُ ؟ فَقَالَ إنِّي سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً وَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ } .
وَحَدَّثَنَا بَكَّارَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ يَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً } .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ثنا حَمَّادٌ قَالَ : ثنا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَجْلَانِ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فَإِنَّمَا يَتَّقِي بِاَلَّذِي فِيهِ الدَّاءُ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيُلْقِهِ .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ : ثنا مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ قَالَ : ثنا هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً } وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ : { إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمُرْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً } .
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِوُجُوهِهَا وَهَلْ لِلذُّبَابِ مِنْ اخْتِيَارٍ حَتَّى يُقَدِّمَ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَيُؤَخِّرَ الْآخَرَ لِمَعْنًى فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قِرَاءَةَ مُتَفَهِّمٍ لِمَا يَقْرَؤُهُ مِنْهُ لَوَجَدَ فِيهِ مَا يَدُلُّهُ عَلَى صِدْقِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَأَوْحَى رَبُّك إلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ

الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } الْآيَةَ وَكَانَ وَحْيُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهَا هُوَ إلْهَامَهُ إيَّاهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا أَمَرَهَا بِهِ كَمِثْلِ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْأَرْضِ { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّك أَوْحَى لَهَا } وَوَحْيُهُ لَهَا هُوَ إلْهَامُهُ إيَّاهَا مَا شَاءَ أَنْ يُلْهِمَهَا إيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا مَا أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَكُونَ مِنْهَا ، وَالنَّحْلُ كَذَلِكَ فِيمَا يُوحِيهِ إلَيْهَا ؛ لِيَكُونَ مِنْهَا مَا قَدْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَكُونَ مِنْهَا .
حَتَّى يَمْضِيَ فِي ذَلِكَ بِإِلْهَامِهِ إيَّاهَا لَهُ ، وَحَتَّى يَكُونَ مِنْهَا مَا أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ الذُّبَابِ أَلْهَمَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا أَلْهَمَهُ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِإِتْيَانِهِ لِمَا أَرَادَهُ مِنْهُ مِنْ غَمْسِ أَحَدِ جَنَاحَيْهِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ مِمَّا فِيهِ الدَّاءُ وَالتَّوَقِّي بِجَنَاحِهِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ النَّمْلِ { حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } فَأَلْهَمَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِنَجَاتِهَا وَنَجَاةِ أَمْثَالِهَا مِنْ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ جُنُودِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذُّبَابِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْهُدْهُدِ مَعَ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } الْآيَةَ وَكَانَ ذَلِكَ لِإِلْهَامِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إيَّاهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ حَتَّى أَلْهَمَهُ مَا أَلْهَمَهُ مِمَّا أَنْطَقَهُ بِهِ .
فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذُّبَابِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَفِيمَا تَلَوْنَا مِمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي النَّحْلِ وَفِي النَّمْلِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ كَذَلِكَ وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُلْهِمُهَا مَا شَاءَ إذَا شَاءَ حَتَّى يَكُونَ بِمَا يُلْهِمُهَا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْإِلْهَامِ وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ { مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ وَمَا فِي حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ } ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ } ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ .
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ قَالَ : ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ : فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ } غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِإِضَافَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إلَى الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ قَالَ : ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيِّ { : يَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الزَّائِدَةُ فِي حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ يُونُسَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ تَفْسِيرًا لِمُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ ذَلِكَ مَا هِيَ ، وَلَمْ يَكُنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَعَ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِمُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ بِقَوْلِهِ فَلْيَتَصَدَّقْ إلَّا مِنْ حَيْثُ يَنْطَلِقُ لَهُ أَنْ يَقُولَهُ إذْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَقُولُ بِالرَّأْيِ وَلَا بِالِاسْتِخْرَاجِ ، وَلَا بِالِاسْتِنْبَاطِ فَتَأَمَّلْنَا مَعْنَى فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَجَدْنَا الْقِمَارَ حَرَامًا .
وَوَجَدْنَا مَا يَصِيرُ إلَى مَنْ يُقَامِرُ مِنْ سَبَبِهِ حَرَامًا عَلَيْهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ إلَى مَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ الْقِمَارِ ، وَكَانَ الْمُتَقَامِرَانِ سَبِيلَهُمَا إذَا حَضَرَا لِمَا يُرِيدَانِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْضُرُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إمَّا أَنْ يَقْمُرَهُ وَإِمَّا أَنْ يَقْمُرَ شَيْئًا يُضِيفُهُ إلَيْهِ وَكَانَ وَجْهُ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّدَقَةُ لِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِيَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَيَصْرِفُهُ فِي الصَّدَقَةِ بِهِ الَّتِي هِيَ قُرْبَةٌ إلَى رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِيَكُونَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِمَا كَانَ حَاوَلَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَعُودُ إلَيْهِ مِنْ مَالِ مَنْ قَامَرَهُ بِمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَمِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُلُولِ وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَقْبَلُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ .
كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ : وَمَا دَلِيلُك عَلَى مَا ذَكَرْتَ ؟ ، وَإِنَّمَا فِيمَا رَوَيْتَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِمَارِ ، وَالْقِمَارُ مَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَعُودَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يُقَامِرُهُ بِقِمَارِهِ إيَّاهُ لَهُ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُسَمَّى بِمَا قَرُبَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِهِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - { : وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي سُورَةِ الطَّلَاقِ { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَهُنَّ إذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ قَدْ بِنَّ مِمَّنْ طَلَّقَهُنَّ وَانْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ عَلَيْهِنَّ رَجْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُنَّ قَدْ صِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ .
وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ بُلُوغِ الْأَجَلِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ قُرْبُ بُلُوغِ الْأَجَلِ لَا حَقِيقَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَمَّوْا ابْنَ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا إسْمَاعِيلَ وَإِمَّا إِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الذَّبِيحَ لِقُرْبِهِ مِنْ الذَّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُبِحَ فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِمَارِ الْمُرَادِ بِهِ الْقُرْبُ مِنْ

الْقِمَارِ لَا حَقِيقَةُ الْقِمَارِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَأَمَرَ الَّذِي قَدْ سَمَحَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْرَجَهُ لِيَمْلِكَهُ عَلَيْهِ بِقِمَارِهِ إيَّاهُ لَهُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ إلَى الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قُرْبَةٌ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ مِمَّا كَانَ حَاوَلَهُ مِنْ عِصْيَانِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَدُخُولِهِ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَازَتَيْنِ مُرَّ بِهِمَا عَلَيْهِ فَأُثْنِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا خَيْرًا وَأُثْنِيَ عَلَى الْآخَرِ مِنْهُمَا شَرًّا ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { مَرَّتْ جِنَازَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَتَتَابَعَتْ الْأَلْسُنُ لَهَا بِالْخَيْرِ فَقَالَ وَجَبَتْ قَالَ : وَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَقِيلَ لَهَا شَرًّا حَتَّى تَتَابَعَتْ الْأَلْسُنُ عَلَيْهَا بِالشَّرِّ فَقَالَ وَجَبَتْ ثُمَّ قَالَ : أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ } .
وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمُنْقِرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { مَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ } .
وَحَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُبَشِّرِ الْبَصْرِيُّ أَبُو بِشْرٍ قَالَ : ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { مَرُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ وَجَبَتْ وَمَرُّوا عَلَيْهِ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ فَقَالَ إنَّكُمْ أَثْنَيْتُمْ عَلَى هَذَا خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَى هَذَا شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ } .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ - قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَذَا أَبُو مَعْمَرٍ

الزَّمِنِ - قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِدَاؤُك أَبِي وَأُمِّي - مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْت وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْت وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ } .
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَاتَ فَأُثْنِيَ عَلَيْهِ شَرًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَأُثْنِيَ عَلَيْهِ خَيْرًا فَقَالَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ : رَجُلٌ وَجَبَتْ وَجَبَتْ أَيْ مَا تَعْنَى بِوَجَبَتْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُكُمْ شُهَدَاءُ عَلَى بَعْضٍ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ نَافِعَ بْنَ عُمَرَ الْجُمَحِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : { سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِالنَّبَاءَةِ أَوْ بِالنَّبَاوَةِ مِنْ الطَّائِفِ تُوشِكُونَ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ

أَهْلِ النَّارِ أَوْ خِيَارَكُمْ مِنْ شِرَارِكُمْ قَالَ نَافِعٌ : وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ : أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَبِالثَّنَاءِ السَّيِّئِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ } .
حَدَّثَنَا : فَهْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : أَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَوَجَدْنَا فِي بَعْضِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ } فَكَانَ ظَاهِرُ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الثَّنَاءِ إذَا كَانَ خَيْرًا وَعَلَى وُجُوبِ النَّارِ إذَا كَانَ شَرًّا فَكَانَ أَحْسَنَ مَا وَجَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَفِي مَكَانِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ .
مَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ جَمِيعًا قَالَا : حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ { أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ : أَتَيْت الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا فَجَلَسْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا ، فَقَالَ عُمَرُ : وَجَبَتْ قَالَ : أَبُو الْأَسْوَدِ لِمَ قُلْت : وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : قُلْت كَمَا قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَةٌ ؟ قَالَ وَثَلَاثَةٌ قُلْنَا وَاثْنَانِ ؟ قَالَ وَاثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ } .
قَالَ فَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا -

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ شُهِدَ لَهُ بِهِ سَتْرٌ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْفَعْ عَنْهُ سِتْرَهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ثَلَاثَةٌ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ شَهِدْت لَرَجَوْت أَنْ لَا آثَمَ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ وَالرَّابِعَةُ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَكَانَ ذَلِكَ الْوُجُوبُ هُوَ السِّتْرَ فِي الدُّنْيَا بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالسِّتْرِ فِيهَا مِمَّا يَخَافُ فِيهَا ، وَهُوَ النَّارُ وَكَانَ الثَّنَاءُ بِالذَّمِّ فِي الدُّنْيَا هُوَ رَفْعَ السِّتْرِ عَنْ الَّذِي أُثْنِيَ عَلَيْهِ بِهِ فَكَانَ فِي الدُّنْيَا ضِدًّا لِمَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ فِيهَا فَكَانَ كَذَلِكَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ فِيهَا ضِدًّا لِمَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِالْخَيْرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ النَّارَ وَهَذَا الِاسْتِخْرَاجُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ وَمِمَّا قَالَهُ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنْ أَدَقِّ اسْتِخْرَاجٍ وَأَحْسَنِهِ ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ) .
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا : ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ : ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ : ثنا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ : { قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى يَعْنِي فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرُ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَهْدِيَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا وَقَادَتُهَا فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ الْفِدَاءِ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي

الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ } .
فَقَالَ قَائِلٌ : لَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا شَيْئًا ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَشُورَةُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ لَا غَيْرُ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَانُوا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ إنْزَالِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الْآيَةَ .
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ النَّاسُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ كَانَ النَّبِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إذَا غَنِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمَعُوا غَنَائِمَهُمْ فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ { عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ

لِأَحَدٍ أَسْوَدِ الرَّأْسِ قَبْلَنَا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهَا فَنَزَلَتْ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ } } قَالَ : سَبَقَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ .
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي كَانَ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ لِأَخْذِهِمْ مَا أَخَذُوا مِنْ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ لَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا عِنْدَنَا أَشْبَهُ بِالْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فَأَثْبَتَ أَخْذًا مُتَقَدِّمًا فَعَلَيْهِ كَانَ الْوَعِيدُ لَا عَلَى مَا سِوَاهُ مِمَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَيْنَا ، وَفِي هَذَا مَعْنًى يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ، وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَالْحَذَرُ مِنْ اللَّهِ فِي التَّقَدُّمِ لِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَوْ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ : لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُدْرِيك أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ، فَإِذَا جَازَ مَعَ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ الْوَعِيدُ كَانَ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ هُوَ دُونَ رُتْبَتِهِمْ أَلْحَقَ .
وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فَإِنَّهُمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّابِقِ مَا هُوَ ؟ فَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا قَالَا : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } قَالَ : سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا

بِالْمَعْصِيَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا وَجْهٌ مِمَّا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ .
وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَا : ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ : ثنا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ } قَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْغَنَائِمَ ، وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنْ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ فَتَابَ اللَّهُ - - عَلَيْهِمْ وَعَابَهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ أَحَلَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ غَنِيمَةً .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ } الْآيَةَ قَالَ : إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْغَنِيمَةَ فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنِيمَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ : ثنا مُسَدِّدٌ قَالَ : ثنا حُصَيْنٌ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : سَبَقَ أَنْ أَحَلَّ الْغَنَائِمَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ سَبَقَ مِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ لَا يُعَذِّبَ قَوْمًا إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِهِ ، [ إلَيْهِمْ ] وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا .
وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ } قَالَ الْمَغْفِرَةُ لِأَهْلِ بَدْرٍ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ لِمَا تُؤَوَّلُ مَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهَا مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } ) .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَنَا مُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ : ثنا عَيَّاشُ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ شُفَيٍّ الْحَجْرِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبُوسِ الْخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَسَانِيدَ مِنْهَا هَذَا الْإِسْنَادُ وَمِنْهَا سِوَاهُ فَتَأَمَّلْنَاهَا لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِمَا فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَوَجَدْنَا الْخَوَاتِيمَ لَمْ تَكُنْ مِنْ لِبَاسِ الْعَرَبِ وَلَا مِمَّا يَسْتَعْمِلُونَهَا ، وَمِمَّا دَلَّنَا عَلَى ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابَكَ إلَّا بِخَاتَمٍ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ قَالَ : ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الرُّومِ } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا اتَّخَذَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِيَخْتِمَ بِهِ الْكِتَابَ الَّذِي يَكْتُبُهُ إلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ مِنْ الْعَجَمِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا إذَا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْكُتُبَ الْوَارِدَةَ مِنْهُمْ وَالْوَارِدَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَخْتُومَةً وَكَانَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ لِحَاجَةِ

السُّلْطَانِ إلَيْهِ لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْهُ إلَى مَنْ يُكَاتِبُهُ مَا قَدْ دَلَّ بِهِ أَنَّ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مُكَاتَبَةِ النَّاسِ مُطْلَقٌ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَالنَّاسُ جَمِيعًا مُحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَفِي أَمْثَالِهَا مِنْ الْخَتْمِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَحْفَظُونَ بِهِ أَمَانَاتِهِمْ .
فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ( ح ) وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ فَاِتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ } وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ كَانُوا فِيمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ يَفْعَلُونَ مِثْلَهُ اقْتِدَاءً بِهِ .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ اتِّخَاذِ الْخَوَاتِيمِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ فِي كَلَامِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ إلَّا عَلَى مَا يُحْسِنُ قَطْعَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَوِّلُ بِهِ مَعْنَاهُ عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمٍ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : { جَاءَ رَجُلَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُمْ } قَالَ : وَكَانَ الْمَعْنَى عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَكُونُ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ رَشَدَ وَذَلِكَ كُفْرٌ وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ : وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى ، أَوْ يَقِفَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَدْ رَشَدَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى وَإِلَّا عَادَ وَجْهُهُ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا كَمِثْلِ مَا عَادَ إلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَكَمِثْلِ مَا عَادَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي الْخُطَبِ وَفِي الْكَلَامِ الَّذِي يُكَلِّمُ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَشَدَّ كَرَاهَةً ،

وَكَانَ الْمَنْعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَلَامِ بِذَلِكَ أَوْكَدَ ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ شِعْرٌ وَنَفَى آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ) حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ( ح ) وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ : ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { : قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ مِنْ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَرُبَّمَا قَالَ : هَذَا الْبَيْتَ وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ } وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ { عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قِيلَ لَهَا هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ ؟ قَالَتْ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَأْتِيك بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوَّدْ } .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ : ثنا الْأَجْلَحُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { : أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ : أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي ؟ قَالَتْ لَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ فَهَلَّا بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ وَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ } حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاقَ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي قَيْسٍ قَالَ : لِلْبَرَاءِ وَهُوَ يَسْمَعُ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ؟ قَالَ : الْبَرَاءُ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ ، إنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَى الْقَوْمِ انْهَزَمُوا وَإِنَّ الْقَوْمَ أَقْبَلُوا عَلَى الْقِتَالِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ أَخَذَ بِلِجَامِهَا وَهُوَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ : أَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ { أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّا لَقِينَا قَوْمًا رُمَاةً مَا يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ جَمْعَ هَوَازِنَ فَرَشَقُونَا رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ فَاسْتَنْصَرَ وَقَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ قَالَ : ثُمَّ صَفَّهُمْ أَوْ قَالَ : صَفَّنَا } .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ : ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَأَجَابُوهُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا } حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ { وَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً

عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا إنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا } .
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعْرَ صَدْرِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا إنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا قَالَ : يَمُدُّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا صَوْتَهُ } .
وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ الْبَرَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَرَادُوا فَتْنَةً أَبَيْنَا قَالَهَا مِرَارًا .
وَحَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ الرَّقِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُوَ يَقُولُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ ، وَغَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : يَقُولُهَا مِرَارًا .
وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ يُسْلِمُ .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ { كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَنُكِبَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ هَلْ أَنْتِ إلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ } .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْشِي فَأَصَابَ أُصْبُعَهُ حَجَرٌ } ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَأَنْكَرَ مُنْكِرٌ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا وَدَفَعَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ فِيهَا ، وَقَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي تَلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِمَّا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ لِأَنَّ الَّذِي تَلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا هُوَ إعْلَامُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلْقَهُ أَنَّهُ مَا عَلَّمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْرَ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَأَعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلْقَهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا قَالُوا ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } إذَا كَانَتْ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي أَنْزَلَهُ إيَّاهَا مَعَ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَتَاهُ إيَّاهَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِي لَمْ يُنْزِلْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ سِوَاهُ وَكَانَ مَنْ عَلَّمَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الشِّعْرَ مِنْ خَلْقِهِ قَدْ عَرَفَهُ النَّاسُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ وَيَقْصِدُ فَيَمْدَحُ بِذَلِكَ قَوْمًا وَيَهْجُو بِهِ آخَرِينَ وَيَصِفُ بِهِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ وَتَدْعُوهُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ نَفْسِهِ مَا أَضَافُوهُ إلَيْهِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَفَرِيُّ قَالَ : ثنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ هَجَانِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَأَهْجُوهُ فَالْعَنْهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي أَوْ مَكَانَ مَا هَجَانِي } قَالَ : ثُمَّ أَبَانَ اللَّهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ الَّذِي كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالُوا إنَّهُ شَاعِرٌ يَتَكَلَّمُ بِالشِّعْرِ كَمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُهُ ، وَإِنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الشِّعْرِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ : أَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي أَخِي أُنَيْسٌ إنِّي مُنْطَلِقٌ إلَى مَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ فَقُلْتُ مَا حَبَسَكَ ؟ فَقَالَ : لَقِيتُ بِمَكَّةَ رَجُلًا عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُ قُلْتُ فَمَا يَقُولُ فِيهِ النَّاسُ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ شَاعِرٌ وَيَقُولُونَ كَاهِنٌ وَلَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ قَالَ : أَبُو ذَرٍّ يَا ابْنَ أَخِي ( وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ ) فَوَاَللَّهِ إنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ وَمِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي

مَوْضِعٍ ، هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كَلَامُهُ بِهِ هُوَ مِنْ الْحِكَمِ الَّتِي فِي الشِّعْرِ فَتَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ ، وَاَللَّهُ يُجْرِي الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ لَا أَنَّهُ شِعْرُ أَرَادَهُ مِمَّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْهُ إلَّا بِمَا فِيهِ حَاجَتُهُ مِنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا بِمَا سِوَاهُ وَقَدْ يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِالْكَلَامِ الْمَوْزُونِ مِمَّا لَوْ شَاءَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ شِعْرًا فَعَلَ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا قَائِلُهُ شَاعِرٌ وَنَحْنُ نَجِدُ فِي طِبَاعِ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ بِعَمَلِ الْأَلْسُنِ كَالْفِقْهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَحْكِي مِنْهُ شَيْئًا كَمَا يَحْكِيهِ الْفُقَهَاءُ فَلَا يَكُونُ بِحِكَايَتِهِ إيَّاهُ فَقِيهًا فَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَحْكِي بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ أَوْ مَا دُونَ الْبَيْتِ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ لَا يَكُونُ بِهِ شَاعِرًا .
وَلَقَدْ زَعَمَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَمَوْضِعُهُ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ مَوْضِعُهُ لَا سِيَّمَا مِنْ الشِّعْرِ وَمِنْ وَزْنِهِ وَمِنْ تَقْطِيعِهِ وَمِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِهِ أَنَّ الْأَرَاجِيزَ لَيْسَتْ بِشِعْرٍ ، وَأَنَّهَا كَلَامٌ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاسُ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّعُ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَضَحَ بِهِ جَهْلُ هَذَا الْجَاهِلِ وَنَفْيُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُخَالِفُ لِمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا وَلِأَنَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا إنَّمَا كَانَ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي فِيهَا أَوْ لِشَيْءٍ عَلِقَ بِلِسَانِهِ مِنْ الشِّعْرِ فَنَطَقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَاعِرًا ، وَلَا دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الْخَمْرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَخْلِيلِهِ إيَّاهَا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُطْلِقْهُ لَهُ ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حِجْرِهِ يَتِيمٌ وَكَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصْنَعُهَا خَلًّا ؟ فَقَالَ لَا فَصَبَّهُ فِي الْوَادِي حَتَّى سَالَ } .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنِي السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي خَمْرٌ فَقَالَ : صُبَّهَا قَالَ : أَأَجْعَلُهَا خَلًّا ؟ قَالَ : لَا } .
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ : ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : ثنا وَكِيعٌ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ : أَهْرِيقُوهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا ؟ قَالَ : لَا } وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ : ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي السُّدِّيَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ { عَنْ أَنَسٍ عَنْ

أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لِأَيْتَامٍ فَابْتَاعَ بِهِ خَمْرًا فَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْعَلُهَا خَلًّا ؟ قَالَ : لَا } حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ خَتَنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ { أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ عِنْدِي مَالٌ لِأَيْتَامٍ فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُهْرِيقَهَا } .
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ الْعَصِيرُ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُرِيدُ أَنْ يُعَالِجَهَا حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْهُ بِهَذِهِ الْآثَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا رَخَّصَ فِي دُرْدِيِّ الْخَمْرِ أَنْ يُعَالَجَ حَتَّى يَصِيرَ خَلًّا كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُلْقِي الْعَصِيرَ عَلَى الدُّرْدِيِّ لِيَصِيرَ خَلًّا قَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ إنَّمَا يُرِيدُهُ لِلْخَلِّ .
وَكَانَ فِي إبَاحَةِ مَالِكٍ لِعِلَاجِ الدُّرْدِيِّ ، وَالدُّرْدِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى تَعُودَ خَلًّا كَذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ عِلَاجِ الْخَمْرِ حَتَّى تَعُودَ خَلًّا أَنَّهُ يُكْرَهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ تَاجِرًا اشْتَرَى خَمْرًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي دِجْلَةَ فَقَالُوا لَهُ : أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَلًّا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ عَصِيرٍ

يَمْلِكُهُ فَعَادَ خَمْرًا ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ عَصِيرٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً حَرَامًا فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِذَلِكَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَخْلِيلِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِأَصْلِهَا .
وَرَوَى أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ هَذَا مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا تَأْكُلُ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ بَدَأَ فَسَادَهَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِالطِّلَاءِ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُطْبَخُ ، وَهُوَ كَعَقِيدِ الرُّبِّ فَقَالَ إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ وَلَا يُشْرَبُ خَلٌّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَسَادَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ يَبْتَاعُ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بَعْدَمَا عَادَتْ خَمْرًا قَالَ فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مُخَالِفِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُشْرَبُ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَسَادَهَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَصَلَهُ بِكَلَامِ عُمَرَ لَمَّا أُتِيَ بِالطِّلَاءِ فَقَالَ إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ : لَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ افْصِلْ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامِك لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْلِطُهُ بِكَلَامِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا رِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا خَيْرَ فِي خَلٍّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يُفْسِدُهَا عِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَبْتَاعَ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا ، فَتَكُونُ خَلًّا فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِ ذَلِكَ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا أُضِيفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ يَعْنِي إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ قَالَهُ الَّذِي قَالَهُ فِي الشَّرَابِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ خَاصَّةً وَأَنَّ مَا فِيهِ سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ لَا مِنْ كَلَامِ مَنْ سِوَاهُ فَقَالَ الَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ أَبَاحُوهُ وَمِمَّنْ أَبَاحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ هَلْ تَقَدَّمَكُمْ فِي قَوْلِكُمْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ إمَامًا فِيمَا قُلْتُمُوهُ مِنْهُ ؟ .
فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْكُلُ الْمُرِّيَّ يَجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرَ وَيَقُولُ ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ فَمَا مَعْنَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِهْرَاقِ خَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ خَلًّا ، وَالْأَيْتَامُ إذَا لَمْ يَجُزْ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ لِلْأَيْتَامِ مَالًا بَعْدَ مَا حَرَّمَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَتْ أَنْ تَكُونَ مَالًا لَهُمْ فَكَانُوا ، وَإِنْ كَانُوا أَيْتَامًا فِي ذَلِكَ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ

الْبَالِغِينَ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ أَخْبَرَهُ قَالَ : { لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ : سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ الْخَمْرِ إنِّي كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَبَيْنَا هُوَ مُحْتَبٍ حَلَّ حَبْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ شَيْءٌ فَلْيُؤْذِنِّي بِهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ عِنْدِي رَاوِيَةٌ وَيَقُولُ الْآخَرُ عِنْدِي رَاوِيَةٌ وَيَقُولُ الْآخَرُ عِنْدِي زِقٌّ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْمَعُوا بِنَقِيعِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آذِنُونِي فَفَعَلُوا ثُمَّ آذَنُوهُ فَقَامَ وَقُمْت مَعَهُ فَمَشَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَيَّ فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرٍ فَأَخَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ مَكَانِي ثُمَّ لَحِقَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَّرَنِي وَجَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ فَمَشَى بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا وَقَفَ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ : لِلنَّاسِ أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ ؟ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْخَمْرُ فَقَالَ صَدَقْتُمْ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا ثُمَّ دَعَا بِسِكِّينٍ فَقَالَ اشْحِذُوهَا فَفَعَلُوا ثُمَّ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرِقُ بِهَا الزِّقَاقَ فَقَالَ النَّاسُ : إنَّ فِي هَذِهِ الزِّقَاقِ مَنْفَعَةً فَقَالَ : أَجَلْ وَلَكِنِّي إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ غَضَبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهَا مِنْ سَخَطِهِ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أَكْفِيك فَقَالَ لَا

وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي قِصَّةِ الْحَدِيثِ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ أَبَا طُعْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ قَالَ : ثنا طَلْقُ بْنُ السَّمْحِ اللَّخْمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ بُكَيْلٍ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَأَمَرَ بِآنِيَةِ الْخَمْرِ فَجَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ .
ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَوَّلَنِي عَنْ يَسَارِهِ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي الْيُمْنَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى ، وَأَخَذَ عُمَرَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى ، فَسِرْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَنَا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدِي وَحَوَّلَ عُمَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى فَسِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْآنِيَةَ الَّتِي جُمِعَتْ وَفِيهَا الْخَمْرُ وَالزِّقَاقُ فَقَالَ ائْتُونِي بِشَفْرَةٍ أَوْ مُدْيَةٍ فَحَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَالَ شُقُّوهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ الْخَمْرُ حَرَامٌ لَعَنَ اللَّهُ شَارِبَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَالْقَيِّمَ عَلَيْهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا } .
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَقُّ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّقَاقَ وَلَيْسَتْ مِنْ الْخَمْرِ فِي شَيْءٍ غَضَبًا لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي تَأْخِيرِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهَا فَعَاقَبَهُمْ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى إتْلَافِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا يَصِلَ أَحَدٌ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِهِ كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إيَّاهُمَا عَلَيْهِمْ وَحِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَتْ الْمَشْيَخَةُ مِنْ الْأَنْصَارِ كَأُبَيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ وَكَسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ أَمَرُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمْ يَشْرَبُونَ مَا كَانُوا يَشْرَبُونَهُ يَوْمَئِذٍ وَأَنَسٌ سَاقِيهِمْ إذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ أَلَا هَلْ شَعَرْتُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ ؟ فَقَالُوا اكْفَأْ مَا فِي إنَائِك يَا أَنَسُ قَالَ أَنَسٌ : فَمَا عَادُوا إلَيْهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَهُمْ فَعُوقِبُوا بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ وَإِتْلَافِهَا عَلَيْهِمْ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ عَلَى الذُّنُوبِ تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - .
وَكَمَا قَالَ فِي سَارِقِ الْحَرِيسَةِ مِنْ الْجَبَلِ : عَلَيْهِمْ مِثْلُ غُرْمِ مِثْلَيْهَا وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ .
وَكَمَا قَالَ : بَعْدَ تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَصِيدُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَخُذُوا سَلَبَهُ وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ

عَنْ عُمَرَ فِيهِ كَمَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَيَنْظُرُ إلَى الْأَسْوَاقِ فَإِذَا رَأَى اللَّبَنَ أَمَرَ بِالْأَسْقِيَةِ فَفُتِحَتْ فَإِنْ وَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا مَغْشُوشًا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مَاءً غُشَّ بِهِ أَهْرَاقَهَا قَالَ : وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّبَنَ ، وَإِنْ غُشَّ فَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُهْرِقْهُ إلَّا خَوْفًا مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَغُشُّوا بِهِ النَّاسَ فَأَهْرَاقَهُ لِذَلِكَ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَمْرَ خَلًّا لِمِثْلِ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فَيَأْتِيَ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَمَرَهُ بِإِهْرَاقِهَا لِذَلِكَ وَقَدْ شَدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الزِّقَاقِ الَّتِي خَرَقَهَا ، وَقَدْ رَأَى زِقَاقًا غَيْرَهَا ، وَفِيهَا خَمْرٌ فَلَمْ يَخْرِقْهَا إذْ كَانَ أَهْلُهَا لَمْ يَفْعَلُوا فِيهَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ أَهْلُ تِلْكَ فِيهَا .
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ { عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ حَرَّمَهَا ؟ فَقَالَ لَا فَسَارَّ إنْسَانًا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَ سَارَرْتَهُ ؟ قَالَ أَمَرْتُهُ أَوْ فَقَالَ : أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ

شُرْبَهَا ، حَرَّمَ بَيْعَهَا قَالَ : فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْرِقْ الرَّاوِيَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ كَمَا خَرَقَ الزِّقَاقَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ التَّخْرِيقَ إنَّمَا كَانَ لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ غَضَبًا عَلَى مَنْ غَيَّبَهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا فَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْ غَيَّبَهَا مِمَّنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَخْلِيلِهَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ لَا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ ؟ قِيلَ لَهُ الْقِيَاسُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ طَلْقًا ؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا الْعَصِيرَ الْحَلَالَ إذَا صَارَ خَمْرًا مِنْ نَفْسِهِ ، أَوْ صَارَ خَمْرًا بِعِلَاجٍ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّهَا حَرَامٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا ، وَلَمْ تَفْتَرِقْ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ ذَاتِهَا ، وَلَا مِمَّا كَانَ فَعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ذَلِكَ بِهَا وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ خَلًّا أَنْ يَسْتَوِيَ ذَلِكَ فِيهَا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ انْقِلَابِهَا بِذَاتِهَا وَانْقِلَابِهَا بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ بِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَيَكُونُ حُدُوثُ صِفَةِ الْخَلِّ فِيهَا يُوجِبُ لَهَا حُكْمَ الْخَلِّ فَيَعُودُ إلَى حِلِّهِ وَيَزُولُ عَنْ حُكْمِ الْخَمْرِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا دِبَاغُ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَسْتَوِي عِلَاجُهَا وَهِيَ حَرَامٌ حَتَّى تَعُودَ حَلَالًا كَمَا تَعُودُ حَلَالًا لَوْ تُرِكَتْ حَتَّى تَجِفَّ فِي

الشَّمْسِ وَتَسْفِيَ عَلَيْهَا الرِّيَاحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَهَابِ وَضَرِ الْمَيْتَةِ عَنْهَا ، وَإِعَادَةً لَهَا إلَى حُكْمِ الْأُهُبِ الَّتِي مِنْ الْمُذَكَّى مِنْ أَجْنَاسِهَا ، وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رُخْصَتِهِ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُضَمِّدَ عَيْنَهُ بِالصَّبِرِ إذَا اشْتَكَاهُمَا } ) .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ أَوْ قَالَ : إذَا اشْتَكَى الْمُحْرِمُ عَيْنَيْهِ أَنْ يُضَمِّدَهُمَا بِالصَّبِرِ } فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الرُّخْصَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مَا هِيَ فَوَجَدْنَا التَّضْمِيدُ تَغْطِيَةُ مَا يُضَمَّدُ بِهِ ، وَكَانَ الصَّبِرُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ طَيِّبٍ .
فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَمْ تَكُنْ لِلصَّبِرِ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الضِّمَادِ الَّذِي يُضَمَّدُ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَغْطِيَةً لِوَجْهِ الْمُحْرِمِ أَوْ لِمَا يُغَطَّى بِهِ مِنْ وَجْهِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ ضِمَادٌ وَلَقِيلَ لَهُ دِمَامٌ .
فَقَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ يَكُونُ مَا ذَكَرْت كَمَا وَصَفْت ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ ؟ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ وَعِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَا ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : رَأَيْت عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ لَا يَرَى بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ فِي الْإِحْرَامِ بَأْسًا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ لِمَا ذَكَرْتَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي

ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ دَعَتْهُ إلَيْهِ ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ مَعَ ذَلِكَ .
كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِهِ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : لَهُ يَا أَبَا مَعْبَدٍ رُدَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ : قُلْت كُنْتُ تَنْهَى عَنْ هَذَا ، قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَدِيَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَوْ سُئِلَ عَمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَفْتَدِيَ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ بَانَ بِهِ أَنْ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ فِي الْإِحْرَامِ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ ( ح ) .
وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَالْقِيَاسُ يُوجِبُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْسَعُ أَمْرًا فِي الْإِحْرَامِ مِنْ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهَا تَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَتُغَطِّي رَأْسَهَا فِي إحْرَامِهَا وَالرَّجُلُ لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغَطِّي رَأْسَهُ فِي إحْرَامِهِ وَلَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ سَعَةِ أَمْرِهَا فِي الْإِحْرَامِ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا فِيهِ كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَوْلَى ، وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ الَّذِينَ هُمْ فِي وِلَايَتِهِمْ إيَّاهُ خُلَفَاءُ نُبُوَّةٍ مَنْ هُمْ ؟ } ) حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلَانِيُّ الْأَبْرَشُ قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُلَاةَ الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ هُمْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا وُلَاتَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونَ لَهُ وُلَاةٌ بَعْدَهُمْ سِوَاهُمْ .
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ : أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا وَيَسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنْ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ فِيهِ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ وُزِنَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ

فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ بِعُمَرَ وَوُزِنَ فِيهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ شَاءَ .
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ } هَلْ رُوِيَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ إذْ كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَفْعُ الْمِيزَانِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَوْزُونِينَ بِهِ وُلَاةُ ذَلِكَ الْأَمْرِ بَعْدَهُ فَوَجَدْنَا سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَفِينَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يَكُونُ الْمُلْكُ } ثُمَّ قَالَ : سَفِينَةُ أَمْسَكَ سَنَتَيْنِ أَبُو بَكْرٍ وَعَشْرَ سِنِينَ عُمَرُ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً عُثْمَانُ وَسِتَّ سِنِينَ عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ سِنِينَ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثُونَ السَّنَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَتْ فِيهَا مُدَدُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمُدَدُ خِلَافَةِ عُمَرَ وَمُدَدُ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَمُدَدُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَأَنَّ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِمَّا فِيهِ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِمَا ذُكِرُوا بِهِ فِيهِمَا لَا يُذْكَرُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ إنَّمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا كَانَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خَاصَّةً كَمَا قَدْ رُوِيَ سِوَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِعُمَرَ فِيهِ ، وَفِي عُمَرَ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُثْمَانَ فِيهِ ، وَفِي عُثْمَانَ مِمَّا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلِعُمَرَ فِيهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلِيٌّ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ فِيهِ مَا لَا ذِكْرَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ وَلَا لِعُثْمَانَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السَّوَابِقِ ، وَأَهْلُ الْفَضَائِلِ

وَيَتَبَايَنُونَ فِي فَضَائِلِهِمْ وَيَتَفَاضَلُونَ فِيهَا كَأَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نُبُوَّتِهِمْ الَّتِي قَدْ جَمَعَتْهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } وَحَدِيثُ سَفِينَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَصَرَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ بِمُدَّةٍ عَقَلْنَا بِهَا أَنَّ لَهَا أَهْلًا إلَى انْقِضَائِهَا ، وَهُوَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِينِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ) .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد الْبَغْدَادِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَا ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى النَّسَائِيّ أَبُو صَالِحٍ قَالَ : ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ قِيلَ وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا ظَهَرَ الِادِّهَانُ فِي خِيَارِكُمْ وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَبَدَأْنَا مِنْهُ بِطَلَبِ مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِينَا مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ ؟ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - هُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مِنْ صَاحِبِهِ الْخَطِيئَةَ فَيَنْهَاهُ تَعْذِيرًا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ جَالَسَهُ وَوَاكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ بِالْأَمْسِ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُد وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى لِسَانِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى

قُلُوبِ بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ .
فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ أَهْلُهُ مَلْعُونِينَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ - الَّذِي يَكُونُ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِمْ بِمَعْرُوفٍ وَلَا لِنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرٍ ثُمَّ ثَنَّيْنَا بِالِادِّهَانِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الِادِّهَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّلَيُّنُ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي التَّلَيُّنُ لَهُ كَذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ .
قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } أَيْ : تَلِينُ لَهُمْ فَيَلِينُونَ لَك فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ادِّهَانِ الْأَشْرَارِ الْخِيَارَ هُوَ التَّلَيُّنُ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى ثُمَّ ثَلَّثْنَا بِطَلَبِ مُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْوِيلِ الْمُلْكِ فِي الصِّغَارِ مَا هُوَ فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمُلْكَ الَّذِي إلَى أَهْلِهِ أُمُورُ الْإِسْلَامِ مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ وَجِهَادِ الْعَدُوِّ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إلَى الْأَئِمَّةِ وَاَلَّتِي تَرْجِعُ الْعَامَّةُ فِيهَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُهُمْ فِيهَا فَيَكُونُونَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مُقْتَدِينَ وَلِآثَارِهِمْ فِيهِ مُتَّبِعِينَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا الْقِيَامُ بِهِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودٌ ، وَمِنْ الصِّغَارِ مَعْدُومٌ .
ثُمَّ رَبَّعْنَا بِطَلَبِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ فَكَانَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْفِقْهَ الَّذِي أَرَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ : ثنا الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ فَخِيَارُهُمْ

فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا } وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ قَالَ : ثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ : ثنا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَكَمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقًا لِذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَهُ مِثْلَهُ .
قَالَ : فَأَعْلَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خِيَارَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا ، وَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ بِالْأَنْسَابِ فَإِذَا فَقِهُوا فِي الْإِسْلَامِ كَانُوا خِيَارَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَفْقَهُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، وَكَانَ مَنْ فَقِهَ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ مَا لَهُمْ يَعْلُونَ بِذَلِكَ وَيَكُونُونَ بِذَلِكَ لَاحِقِينَ بِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَزِمَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ - سِوَاهُمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ رِفْعَةٌ لَهُمْ إلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ ، وَإِلَى مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ ، وَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْآخَرِينَ ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَرُفَ بِهِ الْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ بِاكْتِسَابٍ لَهُمْ إيَّاهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَاَلَّذِي كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ فَكَانَ بِاكْتِسَابِهِمْ إيَّاهُ وَبِطَلَبِهِمْ لَهُ وَبِنَصِيبِهِمْ فِيهِ ، وَمِثْلُ هَذَا فَلَا خَفَاءَ بِالْمُرَادِ بِهِ عَلَى سَامِعِهِ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَاجِبِ فِي إتْلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ مَوْزُونَاتٍ وَلَا مَكِيلَاتٍ مَا الْوَاجِبُ عَلَى مُتْلِفِهَا مَكَانَهَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ { عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا جَاءَتْ بِطَعَامٍ فِي صَحْفَةٍ لَهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَجَاءَتْ عَائِشَةُ مُلْتَفَّةً بِكِسَاءٍ وَمَعَهَا فِهْرٌ فَفَلَقَتْ الصَّحْفَةَ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ فَلْقَيْ الصَّحْفَةِ ، وَقَالَ : كُلُوا غَارَتْ أُمُّكُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحْفَةَ عَائِشَةَ فَبَعَثَ بِهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَعْطَى صَحْفَةَ أُمِّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ } .
وَحَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَا ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ : ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الْقَصْعَةُ فَانْفَلَقَتْ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّ الْكِسْرَتَيْنِ وَجَمَعَ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا ، وَحَبَسَ الرَّسُولَ حَتَّى جَاءَتْ الْأُخْرَى بِقَصْعَتِهَا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى رَسُولِ الَّتِي كُسِرَتْ قَصْعَتُهَا وَتَرَكَ الْمُنْكَسِرَةَ لِلَّتِي كَسَرَتْ } .
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ قَالَ { : قُلْنَا لِعَائِشَةَ حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ أَمَا

تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ؟ قُلْنَا عَلَى ذَلِكَ حَدِّثِينَا عَنْ خُلُقِهِ فَقَالَتْ كَانَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فَصَنَعَتْ لَهُ حَفْصَةُ طَعَامًا وَصَنَعْتُ لَهُ طَعَامًا فَسَبَقَتْنِي إلَيْهِ حَفْصَةُ فَأَرْسَلَتْ مَعَ جَارِيَتِهَا بِقَصْعَةٍ فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي إنْ أَدْرَكْتِيهَا قَبْلَ أَنْ تَهْوِيَ بِهَا فَارْمِي بِهَا فَأَدْرَكَتْهَا وَقَدْ أَهْوَتْ بِهَا فَرَمَتْ بِهَا فَوَقَعَتْ عَلَى النِّطْعِ فَانْكَسَرَتْ الْقَصْعَةُ وَتَبَدَّدَ الطَّعَامُ فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ فَأَكَلُوهُ ثُمَّ وَضَعَتْ جَارِيَتِي قَصْعَةَ الطَّعَامِ فَقَالَ لِجَارِيَةِ حَفْصَةَ خُذِي هَذَا الطَّعَامَ فَكُلُوا وَاقْبِضُوا الْجَفْنَةَ مَكَانَ ظَرْفِكُمْ قَالَتْ وَلَمْ أَرَ فِي وَجْهِهِ غَضَبًا وَلَمْ يُعَاتِبْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
فَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْتُمُوهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَقْبُولَةِ فَلَمْ تَقُولُوا بِهَا وَخَالَفْتُمُوهَا إلَى أَضْدَادِهَا ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَوْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْآثَارَ لَمَا وَجَدَنَا لَهَا مُخَالِفِينَ ، وَلَا عَنْهَا رَاغِبِينَ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ مِنْ إحْدَاهُمَا فِي صَحْفَةِ الْأُخْرَى مَا كَانَ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ ، وَهُمَا فِي عَوْلِهِ فَكَانَتْ الصَّحْفَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ جَمِيعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُتْلِفَةِ لِصَحْفَةِ صَاحِبَتِهَا إلَى بَيْتِ الْمُتْلَفِ عَلَيْهَا صَحْفَتُهَا ، وَحَوَّلَ الصَّحْفَةَ الْمَكْسُورَةَ إلَى بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا يُوهِمُ هَذَا الْمُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ

الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَيْنَا وَعَدَّنَا بِهِ مُخَالِفِينَ لِمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا عَلَيْهِ مُجْمِعُونَ ، وَبِهِ قَائِلُونَ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَتْلَفَ بِعَتَاقِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ فِيهِ ضَمَانَ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَا نِصْفَ عَبْدٍ مِثْلِهِ ، وَسَنَذْكُرُ هَذَا ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إيجَابِهِمْ فِيهِ إتْلَافَ الْأَشْيَاءِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَكِيلَاتِ وَمِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَاتِ أَمْثَالَهَا لَا قِيمَتَهَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي إتْلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا أَمْثَالَ لَهَا بِكَيْلِ وَلَا بِوَزْنِ قِيَمِهَا لَا أَمْثَالِهَا قَالَ : فَقَدْ جَعَلْتُمْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ ، وَجَعَلْتُمْ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحَيَوَانِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتْلَفَاتِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا لَيْسَ مِمَّا كُنَّا نَحْنُ وَهُوَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْمَجْعُولَ فِيهَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لَيْسَتْ الْإِبِلُ أَمْثَالًا لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْجَنِينَ الْمُلْقَى مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا لَيْسَتْ الْغُرَّةُ الَّتِي جَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِثْلًا لَهُ ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا فَلَزِمْنَاهَا ، وَلَمْ نُخَالِفْهَا إلَى ضِدِّهَا فَقَالَ : فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجَازَتَهُ لِاسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ

أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ رَدِّ الْأَشْيَاءِ إلَى مَقَادِيرِهَا لَا زِيَادَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَقَادِيرِهَا وَلَا نُقْصَانَ فِيهِ عَنْهَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي اسْتِقْرَاضِ بَعِيرٍ اسْتَقْرَضَهُ ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مَنْسُوخًا قَدْ أَجَازُوهُ فِي اسْتِقْرَاضِ ذُكُورِ الْحَيَوَانِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى رَفْعِ الْخُصُوصِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ، وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ ، وَكَانَ الْقِيَاسُ حَتْمًا وَاسْتِعْمَالُهُ وَاجِبًا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَوْقِيفَ فِيهَا ، وَكَانَ الَّذِينَ أَجَازُوا مَا ذَكَرْنَا قَدْ مَنَعُوا مِنْ اسْتِقْرَاضِ الْإِمَاءِ فَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ ، وَالْأَمَةُ الْمُسْتَقْرَضَةُ تَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ مُقْرِضِهَا إنْ جَازَ الْقَرْضُ فِيهَا إلَى مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهَا كَمَا تَخْرُجُ بِالْبَيْعِ مِنْ مِلْكِ بَائِعَهَا إلَى مِلْكِ مُبْتَاعِهَا .
فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ الْأَمَةِ وَقَعَتْ فِي اسْتِقْرَاضِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ ، وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ اسْتِقْرَاضِ الْأَمَةِ لَوْ كَانَ الْقَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ مُسْتَقْرِضُ الْأَمَةِ وَطْأَهَا وَرَدَّهَا إلَى مُقْرِضِهَا كَمَا لَمْ تَقَعْ الْحُرْمَةُ فِي بَيْعِ الْأَمَةِ الَّتِي يَنْطَلِقُ لِمُبْتَاعِهَا وَطْؤُهَا ، وَإِقَالَةُ بَائِعِهَا مِنْهَا .
فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَقَدْ أَجَزْتُمْ أَنْتُمْ وُجُوبَ الْحَيَوَانِ فِي مَعْنًى مَا وَجَعَلْتُمُوهَا فِيهِ دَيْنًا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ قُلْتُمُوهُ فِي التَّزْوِيجِ عَلَى أَمَةٍ وَسَطٍ أَنَّهُ جَائِزٌ فَكَانَ

يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا الْبَيْعَ بِأَمَةٍ وَسَطٍ بِدَارٍ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّا أَجَزْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَجَزْنَا وَمَنَعْنَا مِمَّا مَنَعْنَا اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْحُرَّةِ بِغُرَّةٍ وَحَكَمُوا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْأَمَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ قَائِلُونَ : إنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ إذْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ قَائِلُونَ : فِيهِ مَا نَقَصَ أُمَّهُ كَمَا يَكُونُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ أُنْثَى فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ .
وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَمَّا جَعَلُوا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ غُرَّةً ، وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ الَّذِي هُوَ مَالٌ قِيمَةً عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا هُوَ مَالٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ فِيهِ ، وَأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ جَائِزٌ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحَيَوَانِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْحَيَوَانِ ، وَمَنْعُ الِابْتِيَاعِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ فِي الذِّمَمِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْتِيبِهِ الشَّعْرَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْجَمِّ وَمِنْ فَرْقِهِ وَمِنْ سَدْلِهِ } حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ } وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسَ قَالَ : ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ شُعُورَهُمْ فَفَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ } .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ قَالَا : ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْجُمَّةِ وَفَوْقَ الْوَفْرَةِ } هَكَذَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ ، وَفِي حَدِيثِ يُوسُفَ قَالَتْ { كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرٌ دُونَ الشَّحْمَةِ } حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ : ثنا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ

مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ } .
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ : قُلْتُ لِأَنَسٍ كَيْفَ { كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ شَعْرًا رَجْلًا لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ دَاوُد الْمَرْوَزِيِّ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ : ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ الْخَيَّاطِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ : ثنا هَمَّامٌ قَالَ : ثنا قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ شَعْرٌ إلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَرْدِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ : ثنا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ : { انْطَلَقْت مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا نَحْنُ بِهِ لَهُ وَفْرَةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ } فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِيمَا قَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اتِّخَاذُهُ الشَّعْرَ كَمَا رَوَيْتُمُوهُ فِيهِ عَنْهُ ، وَفِيهِ أَمْرُهُ النَّاسَ بِإِكْرَامِ الشَّعْرِ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ ، وَالْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ إحْفَاءِ الشَّعْرِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ إلَى مَا يُخَالِفُهُ مِمَّا أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ { وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ فَقَالَ ذُبَابٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي فَذَهَبْتُ فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عَنَيْتُك وَلَكِنَّ هَذَا أَحْسَنُ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ جَزَّ الشَّعْرِ أَحْسَنُ مِنْ تَرْبِيَتِهِ وَمَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحْسَنَ كَانَ لَا شَيْءَ أَحْسَنَ مِنْهُ .
وَوَجَبَ لُزُومُ ذَلِكَ الْأَحْسَنِ وَتَرْكُ مَا يُخَالِفُهُ وَمَقْبُولٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كَانَ هَذَا عَنْهُ وَإِذْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَحَاسِنِ كُلِّهَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ سِوَاهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَارَ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ إلَى هَذَا الْأَحْسَنِ ، وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُهُ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُرَادَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّيلِيِّ قَالَ : { رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ فَأَقْبَلَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَالَ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَرْدَفَ خَلْفَهُ رَجُلًا يُنَادِي بِذَلِكَ } حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ أَهْلِ نَجْدٍ إيَّاهُ ، وَلَا إرْدَافَهُ الرَّجُلَ خَلْفَهُ } .
فَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَالْمُتَأَخِّرُ قَدْ اسْتَوْفَى الْأَيَّامَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِالْمُقَامِ فِيهَا بِمِنًى ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ ، وَلَا عَلَى مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كُلَّهَا ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : لَا إثْمَ عَلَى مَنْ قَصَّرَ عَنْ شَيْءٍ أُمِرَ بِهِ وَرُخِّصَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ بَعْضِهِ أَوْ تَرْكُ كُلِّهِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ؛

لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ فَكَانَ الْمُقِيمُ إلَى النَّفْرِ الْآخَرِ تَارِكًا لِرُخْصَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيَرْفَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ الْإِثْمَ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } ، وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ ( بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانًا هَجَانِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَاهْجُوهُ فَالْعَنْهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي وَمَكَانَ مَا هَجَانِي } ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : قَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَقَالَ قَائِلٌ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ شَاعِرًا لَهَجَا ذَلِكَ الشَّاعِرَ كَمَا هَجَاهُ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْلَاقُهُ الَّتِي تَرْوُونَهَا عَنْهُ تَدُلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ ؟ .
فَمِمَّا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ : ثنا عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا أَبَا جُرَيٍّ لَا تُحَقِّرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَصُبَّ مِنْ دَلْوِك فِي دَلْوِ الْمُسْتَسْقِي وَأَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُك إلَيْهِ مُنْبَسِطٌ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَخِيلَةِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْخُيَلَاءَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَسُبُّنِي بِمَا فِي أَسُبُّهُ بِمَا فِيهِ ؟ قَالَ : لَا فَإِنَّ أَجْرَ ذَلِكَ لَك وَإِثْمَهُ وَوَبَالَهُ عَلَيْهِ } .
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْحِ وَتَرْكِ السِّبَابِ لِمَنْ سَبَّ ، وَالشِّعْرُ مِنْ أَكْبَرِ السَّبِّ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَرْوُوا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي تَوَهَّمَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَيْسَ هُوَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ إنَّ فُلَانًا هَجَانِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَاهْجُوهُ إنَّمَا وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى نَفْيِ الشِّعْرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ مِنْ رُتَبِ الشُّعَرَاءِ ، وَهِيَ أَعْلَى رُتَبَ النُّبُوَّةِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ عَنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ مَنْزِلَتَهُ فِي الرِّفْعَةِ ، وَكَانَ مَنْ هَجَاهُ مَنْزِلَتُهُ الْمَنْزِلَةُ الْوَضِيعَةُ إذْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّبَابِ ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا يُهَاجُونَ إذَا هَجَوْا أَكْفَاءَهُمْ فَأَمَّا مَنْ سِوَى أَكْفَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُهَاجُونَهُمْ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ هِجَاءُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ لَمَّا هَجَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ قَالَ : ثنا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فِي نِسْوَةٍ فَذُكِرَ عِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَوَقَعْنَ فَسَبَبْنَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا تَسُبُّوهُ فَقَدْ أَصَابَهُ مَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ عَمِيَ ، وَاَللَّهِ إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ بِكَلِمَاتٍ قَالَهُنَّ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقُولُ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمُهَاجَاةَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْهُمْ لِأَكْفَائِهِمْ لَا لِمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ لِهَذَا الْمَعْنَى ،

وَإِعْلَامًا مِنْهُ النَّاسَ أَنَّ الَّذِي هَجَاهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَهْجُوَهُ لَوْ كَانَ شَاعِرًا ثُمَّ اتَّبَعَ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ هِجَائِهِ إيَّاهُ بِسُؤَالِهِ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَلْعَنَهُ { وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا نُحِيطُ بِهِ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } ) .
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ وَرَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ جَمِيعًا قَالَا : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ : ثنا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ : قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } مَا عَنَى بِذَلِكَ ؟ فَقَالَ : كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يُصَلِّي فَخَطَرَ خَطْرَةً فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ قَلْبًا مَعَكُمْ ، وَقَلْبًا مَعَهُمْ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } .
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إنْزَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا قَالُوهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَنَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ عَنْهُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعَنْ الْحَسَنِ فِي تَأْوِيلِهَا خِلَافُ هَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : ثنا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : ثنا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ إنَّ فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَبَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ : ثنا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : ثنا أَبُو هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ

ذُو قَلْبَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد قَالَ : ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا مُبَارَكٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ أَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا وَأَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهَا لَا سِيَّمَا ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْمُسْنَدِ بِرَدِّ رِوَاتِهِ إيَّاهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } ) الْآيَةَ .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ جَمِيعًا قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ : قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ إلَى الْيَمَنِ فَكُنْتُ فِيهِمْ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ فَيَأْتِي السَّهْمُ بِرِمَايَةٍ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } .
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ قَالَ : ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتِي السَّهْمُ بِرِمَايَةٍ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ : ثنا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِالْإِسْلَامِ فَأَخْرَجَهُمْ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { إنَّ

الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
فَقَالَ قَائِلٌ : مَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّذِي وَصَلَهُ بِمَا تَلَوْتَهُ عَلَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } وَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذُنُوبٌ فَيُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا .
وَالْعَفْوُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ مُسْتَحَقِّي الْعُقُوبَاتِ بِذُنُوبِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَاتِ عَلَيْهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الْعَفْوَ عَفْوَانِ فَعَفْوٌ مِنْهُمَا هُوَ الْعَفْوُ الَّذِي ذُكِرَ وَعَفْوٌ مِنْهُمَا هُوَ رَفْعُ الْعِبَادَةِ فِيمَا يُرْفَعُ فِيهِ فَيُعَادُ لَا عِبَادَةَ فِيهِ يَجِبُ بِالْقِيَامِ بِهَا الثَّوَابُ وَيَسْتَحِقُّ بِالتَّرْكِ لَهَا الْعِقَابَ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ } لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ شَيْئًا قَدْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَعَفَا لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّرْكِ لَهُمْ إيَّاهُمْ بِلَا حَقٍّ عَلَيْهِمْ فِيهِمْ وَلَا عِبَادَةٍ تَعَبَّدُوا بِهَا فِيهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَدَعُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَلَمَّا بَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا حَرَّمَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ .
فَكَانَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْعَفْوَ عَنْ عُقُوبَاتِ ذُنُوبٍ كَانَتْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ بِهِ تَرْكَ مَا عُفِيَ لَهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا عِبَادَةٍ تَعَبَّدَهُمْ بِهَا يُوجِبُ إتْيَانُهُمْ بِهَا لَهُمْ الثَّوَابَ وَيُوجِبُ

تَرْكُهُمْ الْإِتْيَانَ بِهَا عَلَيْهِمْ الْعِقَابَ فَمِثْلُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَفْوُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا بِقَوْلِهِ { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } وَقَوْلُهُ { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } .
هُوَ عَلَى إيجَابِهِ الْعَفْوَ مِنْهُ لَهُمْ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْمَقَامِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ حِيلَةٌ فِي التَّحَوُّلِ عَنْهُ ، وَفِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى ضِدِّهِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَحْمُودَةِ فَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَتَعَبَّدْهُمْ فِيهِ بِمَا تَعَبَّدَ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا .
وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي وَعِيدٍ غَلِيظٍ فَرَفَعَ اللَّهُ مِثْلَهُ عَنْ الْمُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ مِنْهُمْ الْهَرَبَ عَنْهَا وَالتَّحَوُّلَ مِنْهَا إلَى الْأَمْكِنَةِ الْمَحْمُودَةِ وَرَفَعَ عَنْهُمْ التَّعَبُّدَ فِي ذَلِكَ بِهَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ فِي ذَلِكَ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } هَلْ هُوَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْإِعْرَابُ فَيَكُونُ كَمَا قَرَأَهُ مَنْ قَرَأَهُ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } أَوْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ دُخُولِ الْإِعْرَابِ إيَّاهُ فَيَكُونُ كَمَا قَرَأَهُ مَنْ قَرَأَهُ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ } ) .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ : ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ قَالَ : ثنا ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَإٍ مَا هُوَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَ قَبَائِلَ فَسَكَنَ الْيَمَنَ سِتَّةٌ وَالشَّامَ أَرْبَعَةٌ فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ فَمَذْحِجُ وَكِنْدَةُ - وَالْأَزْدُ - وَالْأَشْعَرُونَ - وَأَنْمَارٌ وَحِمْيَرُ عَرَبًا كُلَّهَا وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ } .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامِ الْخَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ قَالَ : ثنا أَبُو سَفْرَةَ النَّخَعِيُّ هَكَذَا هِيَ فِي كِتَابِي وَهَكَذَا حَفِظْتُهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ هُوَ أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ { عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ هَكَذَا ثَنَاهُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ يَقُولُونَ الْغُطَيْفِيُّ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ مُرَادٍ قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ بَلَى ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا بَلْ أَهْلُ سَبَإٍ فَهُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ قُوَّةً فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِ سَبَإٍ وَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي سَبَإٍ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ الْغَطَفَانِيُّ ؟ فَأَرْسَلَ إلَى مَنْزِلِي فَوَجَدَنِي قَدْ سِرْتُ فَرَدَّنِي فَلَمَّا أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَالَ اُدْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَجَابَك مِنْهُمْ فَاقْبَلْ وَمَنْ لَمْ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِ حَتَّى تُحْدِثَ إلَيَّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سَبَأُ ؟ أَأَرْضٌ هِيَ أَوْ امْرَأَةٌ ؟ قَالَ لَيْسَتْ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنْ الْعَرَبِ فَأَمَّا سِتَّةٌ فَتَيَامَنُوا ، وَأَمَّا أَرْبَعَةٌ فَتَشَاءَمُوا ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ وَجُذَامُ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ .
وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ وَكِنْدَةُ وَحِمْيَرُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَأَنْمَارٌ وَمَذْحِجُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَنْمَارٌ ؟ قَالَ : هُمْ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمَّا تَأَمَّلْنَا ذَلِكَ وَجَدْنَا فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ لَا بَلْ أَهْلُ سَبَإٍ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبَإٍ أَرْضٌ فِيهَا الْمُنْتَسِبُونَ إلَى سَبَإٍ .
وَوَجَدْنَا مَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ فِي حِكَايَتِهِ عَنْ الْهُدْهُدِ فِي قَوْلِهِ لِسُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } فَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا قَدْ وَكَّدَ أَنَّهُمْ سُكَّانُ أَرْضٍ تُدْعَى سَبَأً ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ سَبَأً كَمَا سُمِّيَتْ الْقَبَائِلُ فِي الْبُلْدَانِ فَقِيلَ هَمْدَانُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا هَمْدَانُ ، وَقِيلَ مُرَادٌ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا مُرَادٌ ، وَقِيلَ حِمْيَرُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا حِمْيَرُ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ سَبَأٌ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَهَا مَنْ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى سَبَإٍ فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ لِلْأَرْضِ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْرَى ، وَإِنْ كَانَ لِسُكَّانِهَا ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِهِمْ إلَى سَبَإٍ الرَّجُلِ الَّذِي وَلَدَهُمْ فَهُمْ قَبِيلَةٌ .
فَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى فَعَادَ

الِاخْتِيَارُ إلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } لَا إلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ قَرَأَهَا بِإِجْرَاءِ الْإِعْرَابِ فِيهَا وَمَنْ قَرَأَهَا بِتَرْكِ إجْرَاءِ الْإِعْرَابِ فِيهَا مَنْ هُمْ فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : قَرَأَ الْأَعْمَشُ مِنْ سَبَإٍ بِخَفْضِ سَبَإٍ وَتَنْوِينِهِ وَعَاصِمٌ كَمِثْلٍ وَحَمْزَةُ كَمِثْلٍ - وَنَافِعٌ كَمِثْلٍ - وَابْنُ مُحَيْصِنٍ كَمِثْلٍ .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ : ثنا الْخَفَّافُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ سَبَإٍ كَمِثْلٍ وَيَجْعَلُهُ رَجُلًا قَالَ : وَابْنُ كَثِيرٍ يَقْرَأُ مِنْ سَبَإٍ بِنَصْبٍ وَأَبُو عَمْرٍو كَمِثْلٍ .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ : ثنا الْخَفَّافُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَسَنِ كَمِثْلٍ وَيَجْعَلُهَا أَرْضًا .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ : ثنا الْخَفَّافُ يَعْنِي عَنْ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يَصْرِفُهُ كَمِثْلٍ .
وَوَجَدْنَا وَلَّادًا النَّحْوِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا الْمَصَادِرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ فَمَنْ نَوَّنَ جَعَلَهُ أَبًا لِلْقَبِيلَةِ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ جَعَلَهَا أَرْضًا وَوَجَدْنَا الْفَرَّاءَ قَدْ ذَكَرَ عَنْ الرُّؤَاسِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَيْفَ لَمْ تُجَرَّ سَبَأٌ ؟ قَالَ : لَسْتُ أَدْرِي مَا هُوَ ، قَالَ الْفَرَّاءُ : وَقَدْ ذَهَبَ مَذْهَبًا إذْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا سَمَّتْ بِالِاسْمِ الْمَجْهُولِ تَرَكُوا إجْرَاءَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ ذَهَبَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَا قَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَفَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْغَطَفَانِيُّ فَأَمَّا الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا فَهُوَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مُوَافَقَتَهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ

وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ عَادَ إلَى أَنْ صَارَ قَبِيلَةً كَمَا قِيلَ ثَمُودُ وَهُوَ رَجُلٌ فَلَمْ يُجَرَّ وَرُدَّ إلَى الْقَبِيلَةِ فَمِثْلُ ذَلِكَ سَبَأٌ لَمَّا رُدَّ إلَى الْقَبِيلَةِ كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي انْتِفَاءِ الْجَرِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يَذْهَبُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ لَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُ ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْآيَاتِ ) .
حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ { سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِخَسْفٍ فَقَالَ كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُطْلُبُوا مَنْ مَعَهُ فَضْلُ مَاءٍ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَشَرِبْنَا مِنْهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَنَحْنُ نَأْكُلُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاحْتَمَلَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا أَيْ : إنَّا كُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً ؛ لِأَنَّا نَخَافُ بِهَا فَنَزْدَادُ إيمَانًا وَعَمَلًا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَنَا بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا وَلَا تَعْمَلُونَ مَعَهَا عَمَلًا يَكُونُ لَكُمْ بِهِ بَرَكَةً ، وَلَمْ يَكُنْ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَنَا مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلَّا تَخْوِيفًا } أَيْ تَخْوِيفًا لَكُمْ بِهَا لِكَيْ تَزْدَادُوا عَمَلًا ، وَإِيمَانًا فَيَعُودُ ذَلِكَ لَكُمْ بَرَكَةً وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَ أَسَرَّهُ هَلْ لِمَنْ كَانَ أَسَرَّهُ إلَيْهِ أَنْ يُبْدِيَهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ ؟ } ) .
قَدْ رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي اجْتِمَاعِ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَجِيءِ فَاطِمَةَ ابْنَتِهِ عَلَيْهَا السَّلَامُ إلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَسِرَارِهِ إيَّاهَا بِمَا سَارَّهَا بِهِ حَتَّى بَكَتْ ، وَسِرَارِهِ إيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا سَارَّهَا بِهِ حَتَّى ضَحِكَتْ ، وَسُؤَالِ عَائِشَةَ إيَّاهَا عَنْ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِبَائِهَا عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَهَا بِذَلِكَ ، وَقَوْلِهَا عِنْدَ ذَلِكَ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ حَقٍّ لَمَا أَخْبَرْتِنِي تَعْنِي مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّهُ إلَيْهَا ، وَقَوْلِهَا لَهَا أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ إنَّهُ لَمَّا سَارَّنِي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْآنَ مَرَّتَيْنِ ، وَإِنِّي لَا أَظُنُّ أَجَلِي إلَّا قَدْ حَضَرَ فَاتَّقِي اللَّهَ فَنِعْمَ السَّلَفُ لَك أَنَا فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ ثُمَّ سَارَّنِي الثَّانِيَةَ فَقَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ } .
قَالَ فَفِي : هَذَا الْحَدِيثِ كِتْمَانُهَا سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا بِمَا كَانَ أَسَرَّ بِهِ إلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِخْبَارُهَا بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَرْوُوا هَذَا عَنْهَا عَلَيْهَا السَّلَامُ وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ سِوَاهَا مَا يُخَالِفُ

ذَلِكَ ؟ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَتَّى رَأَيْتُنِي قَدْ فَرَغْتُ مِنْ خِدْمَتِهِ قُلْت يَقِيلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ فَإِذَا غِلْمَةٌ يَلْعَبُونَ فَقُمْت أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْغِلْمَةِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ دَعَانِي فَبَعَثَنِي إلَى حَاجَتِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يَعْنِي يَنْتَظِرُنِي حَتَّى آتِيَهُ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي الْحِينَ الَّذِي كُنْتُ آتِيهَا فَقَالَتْ مَا حَبَسَك ؟ قُلْت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي إلَى حَاجَةٍ قَالَتْ مَا هِيَ ؟ قُلْت إنَّهُ سِرُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أُمِّي احْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ فَمَا حَدَّثْتُ بِتِلْكَ الْحَاجَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَوْ كُنْتُ مُحَدِّثًا بِهَا أَحَدًا كُنْتُ مُحَدِّثُكِ بِهَا } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ { أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْت فِي غِلْمَانٍ فَأَتَى عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ وَقَعَدَ فِي الْجِدَارِ أَوْ فِي ظِلِّ الْجِدَارِ حَتَّى رَجَعْت إلَيْهِ فَلَمَّا أَتَيْت أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ مَا حَبَسَك ؟ قُلْت أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ قَالَتْ مَا هِيَ ؟ قُلْت إنَّهَا سِرٌّ قَالَتْ فَاحْفَظْ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَخْبَرْت بِهَا أَحَدًا بَعْدُ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا

مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ ثُمَّ أَسَرَّ إلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ } حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ { عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ زَوْجِهَا وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ .
قَالَ عُمَرُ فَلَقِيت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقَالَ سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَضْتهَا عَلَيْهِ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّك وَجَدْت عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إلَيْك شَيْئًا ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ : إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إلَّا أَنِّي عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ قَالَ ثنا عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ عُمَرُ لَقِيت عُثْمَانَ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : وَإِذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ كَتَمَا سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَأَخْبَرَا أَنَّهُمَا لَا يُحَدِّثَانِ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لِغَيْرِهِمَا مِمَّنْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ إفْشَاءُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ .
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ حَدِيثًا فَالْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ ابْنُ ابْنَةِ أَبِي لَبِيبَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا حَدَّثَ الْإِنْسَانُ حَدِيثًا فَرَأَى الْمُحَدَّثُ الْمُحَدِّثَ يَلْتَفِتُ حَوْلَهُ فَهِيَ أَمَانَةٌ } قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْبَرَ بِالْمَنْعِ مِنْ إفْشَاءِ السِّرِّ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ فَاطِمَةَ مِمَّا أَسَرَّتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَحَدَّثَتْ بِهِ بَعْدَ

وَفَاتِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا لَمَّا ظَهَرَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّهُ إلَيْهَا فَجَازَ لَهَا بِذَلِكَ لَمَّا خَرَجَ عَنْ السِّرِّ إلَى ضِدِّهِ أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ ، وَإِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا كَانَ مِمَّا اعْتَذَرَ بِهِ إلَى عُمَرَ كَانَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فَصَارَ غَيْرَ سِرٍّ فَانْطَلَقَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ لَمْ يَظْهَرْ فَفَعَلَا مَا هُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِمَا مِنْ كِتْمَانِهِ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ حَدِيثًا فَالْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ أَيْ إنَّهَا أَمَانَةٌ ائْتُمِنَ عَلَيْهَا الْمُحَدَّثُ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْفِرَ أَمَانَتَهُ وَيُفْشِيَ سِرَّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ ذَهَابُ ذِمَّةٍ أَوْ مَا سِوَاهُ مِمَّا يُفْسِدُ أَحْوَالَهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ بِحَمْدِ اللَّهِ مَا رَوَيْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِقًا لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مِقْدَارِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ الْبُرِّ وَمِمَّا سِوَاهُ } ) .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّدُوسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ( وَحَدَّثَنَا ) إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ فَعَدَّ لَهُ النَّاسُ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ } .
وَحَدَّثَنَا : بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَجَاءَ النَّاسُ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَالَ فَعَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ فَجَاءُوا بِهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَصَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَجْنَاسِ وَتَعْدِيلُ النَّاسِ بَعْدَهُ ذَلِكَ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ هَذَا الْحَدِيثُ بِزِيَادَةِ جِنْسٍ آخَرَ سِوَى هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ مَعَ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى صَاعًا

مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ قَالَ ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ ابْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ هَذَا الْجِنْسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمَا فِيهِ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا جَمِيعًا عَلَى خِلَافِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مَعَهُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ .
ثُمَّ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ غَيْرَ أَيُّوبَ كَمَا رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ لَا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْهُ مِنْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِمَا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِيهِ مِنْ تَعْدِيلِ النَّاسِ بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ ثنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرَا التَّعْدِيلَ وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ كَمَا

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ الْبَصْرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ } ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّعْدِيلَ .
وَمِنْهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ كَمَا فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّعْدِيلَ وَمِنْهُمْ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَطَاهِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ قَالَا : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي حَدِيثَيْ حَمَّادٍ وَحَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ جَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ بِمَا رَوَوْا عَنْ نَافِعٍ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَيُّوبُ فِي حَدِيثَيْ حَمَّادٍ وَحَمَّادٍ أَوْلَى ، مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ فِي مِقْدَارِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ غَيْرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا ؟ فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ

أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ { أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كُنَّا نُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } .
وَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ { أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } .
وَحَدَّثَنَا : يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ ثنا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ { أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ إمَّا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَإِمَّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَإِمَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِمَّا صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَإِمَّا صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَكَانَ فِيمَا كَلَّمَهُ النَّاسُ فَقَالَ أَدُّوا مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ } .
وَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسَ قَالَ ثنا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ قَالَ : أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا أَنَا فَلَا أُخْرِجُ إلَّا كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ .
وَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ { أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانُوا فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ قُبِلَ

مِنْهُ وَمَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ أَقِطٍ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ قُبِلَ مِنْهُ } .
وَوَجَدْنَا : يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ( ح ) وَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ قَالَا : ثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ { أَبَا سَعِيدٍ قَالَ : إنَّمَا كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ أَوْ صَاعَ أَقِطٍ لَا نُخْرِجُ غَيْرَهُ } فَلَمَّا كَثُرَ الطَّعَامُ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ جَعَلُوهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ .
وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ : لَا أُخْرِجُ إلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ ؟ فَقَالَ لَا تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْبَلُهَا ، وَلَا أَعْمَلُ بِهَا } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ذِكْرُ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَفِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَفِيهَا كُلِّهَا ذِكْرُ مَا سِوَى هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ الْمَذْكُورُ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْهَا الْحِنْطَةُ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى أَدَاءً وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى تَطَوُّعٍ مِنْ الْمُؤَدِّينَ وَأَوْلَى مِنْهُ مَا

حَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَمَّا فَرَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَمَا عَدَلَهُ النَّاسُ بَعْدَهُ مِمَّا جَعَلُوهُ عِدْلًا لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَجْنَاسِهِ فَقَالَ قَائِلٌ : فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إنْكَارُ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ لَهَا ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمْ يُنْكِرْ الْقِيمَةَ ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الْمُقَوِّمَ ، وَالْقِيمَةَ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ يُوجَدُ تَقْوِيمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي أَنْكَرَ أَبُو سَعِيدٍ تَقْوِيمَهُ فَرَجُلٌ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الصُّحْبَةُ ، وَمَعَهُ الْفِقْهُ فَهُوَ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْ تَابَعَهُ حُجَّةٌ مَعَ أَنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إخْبَارَهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ .
كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ ثنا حَمَّادٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِك فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ لِلرَّسُولِ إنَّ مَرْوَانَ لَا يَعْلَمُ إنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُعْطِيَ لِكُلِّ رَأْسِ عَبْدٍ كُلَّ فِطْرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَدَلَّ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ إنْكَارَهُ مَا أَنْكَرُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِيمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا فِيمَا { كَانَ مُؤَدِّي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحِنْطَةِ أَنَّهُ نِصْفُ صَاعٍ } كَمَا حَدَّثَنَا : إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْزٍ الْأَيْلِيُّ قَبْلَ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِي

بِهِ كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ عَنْهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ { كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّيْنِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ { أَسْمَاءَ ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِهَا الْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْمَمْلُوكِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْمُدِّ أَوْ بِالصَّاعِ الَّذِي يَقْتَاتُونَ بِهِ } .

وَكَمَا حَدَّثَنَا : الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا أَسَدٌ قَالَ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ( ح ) وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْمُنْذِرِ عَنْ { أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ } وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَالَ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ } وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُسَدَّدٌ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَى } .
فَفِيمَا رَوَيْنَاهُ : فِي هَذَا الْفَصْلِ عَنْ { أَسْمَاءَ ذِكْرُ مَا يُؤَدُّونَهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الْقَمْحِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ نِصْفَ صَاعٍ } وَفِي حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَدَاءِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ الْبُرِّ فَفِي ذَلِكَ : مَا قَدْ وَكَّدَ أَمْرَ النِّصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ .
وَدَلَّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِمَّا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْبُرِّ حِينَئِذٍ كَانَ عَلَى التَّبَرُّعِ مِنْهُمْ ، وَالزِّيَادَةِ فِي الْخَيْرِ لَا عَلَى الْفَرْضِ فَقَالَ

قَائِلٌ : فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ الْكُوفِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَخَالَفَ فِيهِ النُّعْمَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ ثنا بَكْرٌ الْكُوفِيُّ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ قَالَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ جُنَادَةَ قَالَ ثنا أَبُو سَلَمَةَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ قَالَ فَهَذَا بَكْرٌ قَدْ خَالَفَ النُّعْمَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ مَا خَالَفَهُ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُ قَصُرَ عَنْهُ .
وَمَنْ زَادَ شَيْئًا كَانَ أَوْلَى مِمَّنْ قَصُرَ عَنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ وَقَدْ وَجَدْنَا جُلَّةً مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ أَخْبَرُوا أَنَّ { الْفَرْضَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الْحِنْطَةِ مُدَّيْنِ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا : الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ قَالَ ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ ( ح ) وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَا : قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ } حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ قَالَ ثنا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ ثنا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدَ

اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يَقُولُونَ { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ } وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ قَالُوا { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد قَالَ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ الشَّيْبَانِيِّ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ { كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُعْطَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ } فَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَصْلًا مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ أَغْنَى عَنْ التَّقْوِيمِ فَقَالَ قَائِلٌ : أَمَّا مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ أَدَاءِ النَّاسِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِمَّا ذُكِرَ أَدَاؤُهُمْ إيَّاهُ فِيهِ فَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْأَدَاءِ لَا عَلَى الْفَرْضِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى فَرْضٍ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا

أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ قَالَ ثنا مُحْرِزُ بْنُ الْوَضَّاحِ عَنْ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } .
قَالَ هَذَا الْقَائِلُ : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ هَذَا الشَّيْخِ مَا قَدْ ذَكَرْتُمُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرُ أَدَائِهِمْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ فِي ذَلِكَ ، وَالطَّعَامُ هُوَ الْحِنْطَةُ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الصَّاعَ مِنْ الْحِنْطَةِ قَدْ كَانَ فُرِضَ فِي ذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْفَرْضَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَهُ إيَّاهُ فِي هَذَا الْبَابِ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ عَجْلَانَ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا سُفْيَانُ قَالَ ثنا ابْنُ عَجْلَانَ قَالَ سَمِعْتُ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ { : لَمْ نُخْرِجْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ } ثُمَّ شَكَّ سُفْيَانُ فَقَالَ دَقِيقٍ أَوْ سُلْتٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَوَاتُرِ الرِّوَايَةِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ { أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : مَا كُنَّا نُخْرِجُ

فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَدْ وَكَّدَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى مَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ذِكْرُ مَا كَانُوا يُعْطُونَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ .
وَقَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ وَهِلَالُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ دَفَعَ إلَى أَبِي بَكْرٍ صَاعَ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ أَنْبَأَ حَمَّادٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ : ذَهَبْت أَنَا وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ إلَى زِيَادِ بْنِ النَّضْرِ فَحَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ أَبَاهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ مَمْلُوكٌ فَهَلْ فِي مَالِي زَكَاةٌ فَقَالَ عُمَرُ إنَّمَا زَكَاتُك عَلَى سَيِّدِك أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْك عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ شَعِيرٍ أَوْ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد : قَالَ ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي صُعَيْرٍ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفَ صَاعٍ .
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ قَالَ ثنا الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ قَالَ : خَطَبَنَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَدُّوا زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ حِفْظِهِ وَأَمَّا ابْنُ أَبِي دَاوُد فَحَدَّثَنَاهُ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ

حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ قَالَ : خَطَبَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرْتُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ إذْ كُنْتُ فِيهِمْ أَنْ يُعْطُوا عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ .
حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ حُمَيْدًا الطَّوِيلَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ خَطَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ مَا لَكُمْ لَا تُؤَدُّونَ زَكَاةَ شَهْرِكُمْ ثُمَّ قَالَ : هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ إنَّ سِعْرَكُمْ رَخِيصٌ لَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعَ بُرٍّ فَفِيمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ أَنَّهُ يَجْرِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَا قَدْ قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ عَلَى مُخَالِفِيهِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ قَالَ ثنا عَوْفٌ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَرَ بْنِ أَرْطَاةَ كِتَابًا قُرِئَ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ أَمَّا بَعْدُ فَمُرْ مَنْ قِبَلَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخْرِجُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَكَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ

مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى الْحِنْطَةِ وَالْحِنْطَةُ نِصْفُ صَاعٍ فَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى النِّصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْحِنْطَةِ أَنَّهُ الْمَفْرُوضُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا مَا سِوَاهُ ، وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَا قَصَدَ بِهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ } ) حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ .
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ثنا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ ثنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ } .
فَقَالَ قَائِلٌ : أَفَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذَا الْحَرْفِ يَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد قَالَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَعْيَنَ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَقُلْ إلَى رَمَضَانَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخَبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ الْبَصْرِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ

وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ } .
وَحَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ { فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ أَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ قَائِلٌ أَفَعَلَى الْعَبْدِ فَرْضٌ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَفْرُوضِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ؟ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ إذْ لَا مَالَ لَهُ ، وَإِنَّمَا الْفَرْضُ عَلَى مَوْلَاهُ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ رَجَعَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوَالِي لَا إلَى الْعَبِيدِ .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ إنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُسْلِمَ يُؤَدِّيهَا عَنْ مَمْلُوكِهِ النَّصْرَانِيِّ كَمَا يُؤَدِّيهَا عَنْ مَمْلُوكِهِ الْمُسْلِمِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَتْلُو هَذَا الْمَجْلِسَ زِيَادَةً فِي هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ خَلَفِ بْنِ عُمَرَ أَبُو أَيُّوبَ قَالَا ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ

ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يُخْرَجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ يَقُولُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَا : ثنا نُعَيْمٌ قَالَ ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إذَا كَانَ لَك عَبِيدٌ نَصَارَى لَا يُدَارُونَ لِتِجَارَةٍ فَزَكِّ عَنْهُمْ يَوْمَ الْفِطْرِ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَا : ثنا نُعَيْمٌ قَالَ ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : يُعْطِي الرَّجُلُ عَنْ مَمْلُوكِهِ ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا زَكَاةَ الْفِطْرِ قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ ذَهَبُوا فِي هَذَا الْبَابِ إلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا وَهُوَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يُزَكِّي عَنْ عَبِيدِهِ النَّصَارَى لِإِسْلَامِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ فِيهِمْ لِكُفْرِهِمْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ لِإِسْلَامِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ فِيهِمْ لِكُفْرِهِمْ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ ، وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِمَّا فِيهِ نَفْيُ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِنَوْمِهِ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يُنْتَقَضُ فِيهَا وُضُوءُ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ لِنَوْمِهِ لِذَلِكَ } ) .
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَهْلٍ الْكُوفِيُّ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالَانِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ أَوْ جَالِسٌ حَتَّى غَطَّ أَوْ نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك قَدْ نِمْت فَقَالَ إنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا فِيهِ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ أَنَّ نَوْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُ قَدْ نُقِضَ وُضُوءُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك قَدْ نِمْت ، وَإِذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهُ يُنْتَقَضُ لِذَلِكَ كَانَ نَوْمُ غَيْرِهِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُنْتَقِضًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ جَوَابًا لَهُ إيَّاهُ وَتَعْلِيمًا مِنْهُ لَهُ إنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا ، وَأَخْبَرَهُ بِالْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَهِيَ اسْتِرْخَاءُ مَفَاصِلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَعْلِيمًا مِنْهُ إيَّاهُ وَحُكْمُ سَائِرِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ فِي نَفْسِهِ

وَحَتَّى يُعَلِّمَهُ النَّاسَ سِوَاهُ فَأَمَّا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَمُخَالِفٌ لِذَلِكَ .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنَّةٍ مُعَلَّقَةٍ قَالَ : فَوَصَفَ وُضُوءَهُ وَجَعَلَ يُقَلِّلُهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ شِمَالِهِ فَأَخْلَفَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَى بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصُّبْحِ فَصَلَّى ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ } فَقَالَ قَائِلٌ : فَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا خَاطَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ لَهُ إنَّك قَدْ نِمْتَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ إيَّاهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدْ ذُكِرَ فِيهِ ذَلِكَ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِيُعَلِّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ النَّوْمِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى عِلْمِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِي سَائِرِ النَّاسِ سِوَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِوَاهُ وَأَنَّ بِهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى عِلْمِ حُكْمِ نَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَعَلَّمَهُ مَا بِهِ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِهِ ، وَأَرْجَأَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِهِ إلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ لِيُعَلِّمَهُ إيَّاهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِقَوْلٍ يَكُونُ مِنْهُ لَهُ فِيهِ ، وَإِمَّا بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ بِمَحْضَرِهِ مِنْ

ذَلِكَ الْجِنْسِ ثُمَّ يُصَلِّي ، وَلَا يَتَوَضَّأُ فَنَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ خِلَافُ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ .
وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ يَحْتَمِلُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي نَامَ عَلَيْهَا بِمُشَاهَدَةِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ عَلَى حَالِ الِاضْطِجَاعِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَحْدَثَهُ فَيَكُونُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بِقَوْلِهِ لَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَبِفِعْلِهِ بِمُشَاهَدَتِهِ مِنْهُ الْمَذْكُورَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ كُرَيْبٍ جَوَابُ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى وَقَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى تَبَايُنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ يَنْقُضُ وُضُوءُ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ الْتَمَسْنَا الْمَعْنَى الَّذِي أَبَانَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ فِي ذَلِكَ عَنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ حَتَّى اخْتَلَفَ حُكْمُهُ ، وَأَحْكَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ ؟ فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ { أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ ؟ فَقَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ ؟ قَالَ : يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي } .
فَوَقَفْنَا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ، وَإِنْ نَامَتْ عَيْنَاهُ لَمْ يَنَمْ قَلْبُهُ ، وَإِذَا كَانَ قَلْبُهُ لَا يَنَامُ ، وَإِنْ نَامَتْ عَيْنَاهُ لَمْ تَسْتَرْخِ مَفَاصِلُهُ ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَرْخِ مَفَاصِلُهُ بِذَلِكَ النَّوْمِ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ وُضُوءُهُ وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ انْتِقَاضَ وُضُوءِ غَيْرِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوْمِ إنَّمَا كَانَ لِاسْتِرْخَاءِ مَفَاصِلِهِ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ مَعَانِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَبَانَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَبَانَهُ بِهِ فِيهَا عَنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ سِوَاهُ حَتَّى بَقِيَ لَهُ وُضُوءُهُ مَعَ نَوْمِهِ وَحَتَّى اُنْتُقِضَ وُضُوءُ مَنْ سِوَاهُ مِنْ أُمَّتِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوْمِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

( بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ الَّذِي يُنْتَقَضُ بِهِ وُضُوءُ مَنْ سِوَاهُ مِنْ أُمَّتِهِ } ) .
حَدَّثَنَا : يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا حَكِيمُ بْنُ سَيْفٍ ( ح ) وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَا ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الْعَيْنَ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : هَكَذَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ هُوَ وِكَاءُ السَّتِّ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فَيُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُونَ وِكَاءُ السَّهِ وَكَذَلِكَ ذُكِرَ لَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : قَوْلُهُ السَّهِ حَلْقَةُ الدُّبُرِ ، وَالْوِكَاءُ أَصْلُهُ هُوَ الْخَيْطُ أَوْ السَّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْقِرْبَةِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ يَعْنِي : حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ الْيَقَظَةُ لِلْعَيْنِ مِثْلُ الْوِكَاءِ لِلْقِرْبَةِ يَقُولُ فَإِذَا نَامَتْ اسْتَرْخَى ذَلِكَ الْوِكَاءُ فَكَانَ مِنْهُ الْحَدَثُ قَالَ : وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي السَّهِ شَأَتْك قُعَيْنٌ غَثُّهَا وَسَمِينُهَا وَأَنْتَ السَّهُ السُّفْلَى إذَا دُعِيت نَصْرُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ نَصْرُ قَبِيلَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ : وَقَالَ آخَرُ اُدْعُ فُعَيْلًا بِاسْمِهَا لَا تَنْسَهْ إنَّ فُعَيْلًا هِيَ صِئْبَانُ السَّهْ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهِ النَّوْمَ الَّذِي يَسْتَرْخِي الْوِكَاءُ وَتَسْتَرْخِي مَعَهُ الْمَفَاصِلُ كَمَثَلِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي

يُحَدِّثُهُ عَنْهُ أَبُو الْعَالِيَةِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَتَّى يُوَافِقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ .
قَالَ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ قَالُوا ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : الرَّبِيعُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إنَّمَا الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيّ قَالَ ثنا الشَّافِعِيُّ قَالَ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى ، وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا : مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ

بْنُ هِلَالٍ قَالَ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ يَعْنِي : ابْنَ سَعِيدٍ التَّنُّورِيَّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَنْصَرِفْ لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ لَا يَدْرِي } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُصَلِّي وَهُوَ نَاعِسٌ وَمِثْلُ : ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَبْلٍ مَمْدُودٍ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَبْلُ ؟ فَقَالُوا فُلَانَةُ تُصَلِّي ، فَإِذَا خَشِيَتْ أَنْ تُغْلَبَ أَخَذَتْ بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتُصَلِّ مَا عَقَلَتْ فَإِذَا غُلِبَتْ فَلْتَنَمْ } فَكَانَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُصَلِّ مَا عَقَلَتْ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهَا قَدْ تُصَلِّي ، وَقَدْ خَالَطَهَا النَّوْمُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَغْلِبُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْقُضُ مِنْ النَّوْمِ الْوُضُوءَ إلَّا مَا كَانَ مَعَهُ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ .
فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ { زِرٍّ قَالَ قُلْتُ لِصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ حَكَّ فِي نَفْسِي أَوْ فِي صَدْرِي مَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ ، وَالْبَوْلِ فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ ثَلَاثَةَ

أَيَّامٍ ، وَلَيَالِيَهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ ثنا سُفْيَانُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ : كُنَّا إذَا { كُنَّا مُسَافِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَلَيَالِيَهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ الْغَائِطِ ، وَالنَّوْمِ وَالْبَوْلِ } قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِأَيِّ حَالٍ مَا كَانَ .
فَكَانَ : جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّوْمُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ اسْتِطْلَاقُ الْوِكَاءِ ، وَاسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ حَتَّى يَتَّفِقَ هَذَا الْأَثَرُ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَهُ ، وَلَا يُضَادُّ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَنِهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ قَالَ : فَصَلَّوْا ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ تَوَضَّئُوا } وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ ثنا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي حَاجَةً فَقَامَ مَعَهُ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى ، وَلَمْ

يَذْكُرْ أَنَّهُمْ تَوَضَّئُوا } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ ثنا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ { أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا نَأْتِي مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَمِنَّا مَنْ يَنْعَسُ وَيَنَامُ أَوْ يَنْعَسُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَوْ الْقَوْمُ ثُمَّ صَلَّوْا ، وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { : أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَعَرَضَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِي حَاجَةٍ هَوِيًّا مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ } .
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ قَالَ ثنا الْفُرَاتُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ ثنا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ { جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ ثُمَّ نِمْتُ وَاسْتَيْقَظْتُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ قَالَ : وَأَظُنُّ الرَّجُلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَلَّى بِنَا وَقَالَ : لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَحْبَبْت أَنْ يُصَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ هَذِهِ السَّاعَةَ } .
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ ، وَلَا

يَتَوَضَّئُونَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحٌ قَالَ ثنا سَعِيدٌ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَحْتَبِي وَنَحْنُ حَوْلَهُ فَإِنْ رَآهُ أَحَدٌ مِنَّا نَعَسَ حَرَّكَهُ ، وَكَانَ يَنْعَسُ وَهُوَ مُحْتَبٍ ، ثُمَّ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَيَنْهَضُ فَيُصَلِّي .
وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحٌ قَالَ ثنا سَعِيدٌ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ نَامَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجٌ قَالَ ثنا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ : كَانَ إذَا نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَتَوَضَّأْ ، وَإِذَا نَامَ مُضْطَجِعًا تَوَضَّأَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي بَكْرٍ ابْنَيْ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَنْ نَامَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ : فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ قَدْ كَانُوا فِي النَّوْمِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآثَارِ قَوْلًا وَفِعْلًا بِلَا اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُمْ إلَّا فِي خَاصٍّ مِنْ النَّوْمِ ، وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي خَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ وَوَصَفَهُ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُ ضَبْطُ النَّائِمِ لِنَفْسِهِ عَنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَنْقُضُ وُضُوءَهُ ، وَمَعْقُولٌ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِمَ وَالْقَاعِدَ وَالسَّاجِدَ مَعْدُومٌ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَأَنَّ الْمُضْطَجِعَ مَوْجُودٌ ذَلِكَ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ إلَّا بِتِلْكَ الْحَالِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْبَابِ .
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ مَا قَدْ رَوَيْتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ قَالَ أَنْبَأَنَا الْجُرَيْرِيُّ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَا عَنْ خَالِدِ بْنِ غَلَّاقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَاَلَّذِي نَحْفَظُهُ فِي خَالِدٍ هَذَا عَنْ كُلِّ مَنْ حَدَّثَنَا هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ابْنُ عَلَّاقٍ بِالْعَيْنِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ غَلَّاقٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ خَاصَّةً أَنَّهُ عَيْشِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ اسْمِهِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ عَنْهُ هُوَ قَوْلُهُ مَنْ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُ النَّوْمِ عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي مَعَهُ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ ، وَذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ لَيُوَافِقَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سِوَاهُ وَمِمَّا يُحَقِّقُ مَا ذَكَرَهُ فِي اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ أَنَّ السُّقُوطَ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ ، وَمَا لَا يَكُونُ السُّقُوطُ مَعَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِمَّا مَعَهُ السُّقُوطُ إلَى الْأَرْضِ فَصَاحِبُهُ فِي حُكْمِ النَّائِمِ عَلَى الْأَرْضِ فَمَعْقُولٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ : مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْتِزَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ جِرَابَ الشَّحْمِ الَّذِي دُلِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ .
وَمِنْ قَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ لَا أُعْطِي بَعْدَ الْيَوْمِ مِنْهُ شَيْئًا ، وَتَبَسُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ } ) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا ثنا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْت لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَتَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي تَرْجَمْنَا هَذَا الْبَابَ بِهِ ؛ لَأَنْ لَا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنَّا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ .
وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ ثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ لَا أُعْطِي أَحَدًا الْيَوْمَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّمُ } .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْت لَا أُعْطِي أَحَدًا الْيَوْمَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَالْتَفَتُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ إلَيَّ } فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَرْوُونَ مِثْلَ هَذَا وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ هَذَا فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ

عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ { رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ الْمَغْنَمُ ؟ فَقَالَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - سَهْمٌ ، وَلِهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَقُلْت فَهَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَ : لَا حَتَّى السَّهْمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيهِ } قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا شُرَكَاءُ فِي الْغَنِيمَةِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ بِأَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ بَقِيَّتِهِمْ ، وَحَدِيثُ ابْنِ الْمُغَفَّلِ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ مُخَالِفٌ لِهَذَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ : فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ أَنَّ احْتِجَاجَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَدْ بَانَ جَهْلُهُ بِصَحِيحِ الْحَدِيثِ مِنْ فَاسِدِهِ ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ مَعَهُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَإِنْ كَانَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ غَيْرَ مُسَمًّى لِقَاءَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْذَهُ عَنْهُ فَإِنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ رَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى رَجُلٍ مَجْهُولٍ بَيْنَ هَذَا الصَّحَابِيِّ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِمِثْلِهِ ، وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ ابْنِ الْمُغَفَّلِ إنَّمَا كَانَ فِي طَعَامٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ

كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّعَامِ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ يَأْتِي أَحَدُنَا إلَى الطَّعَامِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَاجَتَهُ } .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْفَارِسِيُّ قَالَ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ ثنا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا فَذَكَرَ الْعِنَبَ وَالْعَسَلَ فَنَأْكُلُهُ ، وَلَا نَرْفَعُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَإِذَا كَانَ وَاسِعًا أَخَذَ مَا تَقَدَّمَتْ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ حَتَّى يَسْتَأْثِرُوا بِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَحَتَّى يَأْكُلُوهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ ، أَوْ مِمَّنْ قَدْ اسْتَأْثَرَ بِمِثْلِهِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ كَانَ مَا كَانَ مِنْ ابْنِ الْمُغَفَّلِ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْذِهِ بِيَدِهِ وَمِنْ قَوْلِهِ بِلِسَانِهِ أَوْسَعُ وَكَانَتْ الْإِبَاحَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي حَدِيثِ الْبُلْقِينِيُّ فَهُوَ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ ، وَأَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَرْمِيَ بِهِ مَنْ رَمَاهُ بِهِ أَوْ مَنْ سِوَاهُ مِنْ عَدُوِّهِ فَحَبَسَهُ إيَّاهُ لِذَلِكَ أُطْلِقَ لَهُ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لَا تَضَادَّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ، وَلَا اخْتِلَافَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ طَفَّ الصَّاعُ } ) حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ ثنا مُؤَمَّلٌ بْنُ إهَابٍ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ { عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : مَاتَ أَخٌ لِي وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ فَخَطَبَ إلَيَّ أَخٌ لَهُ لِأُمِّهِ فَأَتَيْتُهَا فَقُلْت لَا تَزَوَّجِي فُلَانًا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِي فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ طَفَّ الصَّاعُ } .
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا يَعْقُوبُ قَالَ ثنا أَبِي عَنْ صَالِحٍ وَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ { عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ قَالَ : تُوُفِّيَ أَخٌ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ أَبِيهِ وَتَرَكَ أَخًا مِنْ أُمِّهِ فَنَكَحَ امْرَأَتَهُ فَغَضِبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا فَوَقَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ أَنَكَحْتِ ابْنَ الْأَمَةِ ؟ ، فَرَدَّدَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ - أَصْلَحَكَ اللَّهُ - إنَّهُ كَانَ أَخَ زَوْجِي وَكَانَ أَحَقَّ بِي يَضُمُّنِي وَوَلَدَهُ فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ إلَيْهِ حَتَّى وَقَّفَهُ ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى مَنْكِبِهِ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ طَفَّ الصَّاعُ طَفَّ الصَّاعُ طَفَّ الصَّاعُ } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ تَصْحِيحُ هَذَيْنِ الْإِسْنَادَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَدْخُلَ فِي إسْنَادِهِ بِرِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إيَّاهُ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ سَالِمُ بْنُ أَبِي سَالِمٍ وَأَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ إيَّاهُ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ أَبُو سَالِمٍ فَيَعُودُ إسْنَادُهُ إلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ عَنْ أَبِي

سَالِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا فِيهِ مِمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ أَجْلِهِ مَا قَالَهُ لَهُ فِيهِ فَوَجَدْنَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَدْ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ الْمُتَوَفَّى مَا كَانَ مِنْهُ إلَيْهَا لَمَّا نَكَحَتْ أَخَاهُ لِأُمِّهِ الَّذِي كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعُدُّونَهُ نَقْصًا فِيمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَيَعُدُّونَ مَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَوْقَهُ .
وَمِنْ وَعِيدِهِ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا أَوْعَدَهَا عَلَيْهِ مِمَّا قَدْ مَنَعَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ إذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ الِافْتِخَارِ بِالْأَنْسَابِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَيَعْلُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ أَجْلِهَا ، وَأَعْلَمَهُمْ بِتَسَاوِي النَّاسِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ } فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخْرَ الَّذِي لِبَنِي آدَمَ مِمَّا يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَعْلَى بِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَى التَّقِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي مُؤْمِنِهِمْ فَيَكُونُ بِذَلِكَ أَعْلَى مِنْ فَاجِرِهِمْ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ بِفُجُورِهِ الشَّقَاءُ .
وَكَانَ قَوْلُهُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ ذَلِكَ طَفَّ الصَّاعُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى ؛

لِأَنَّ طَفَّ الصَّاعُ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْصِيرُ عَنْ مِلْءِ الصَّاعِ وَالتَّسَاوِي فِيهِ ، وَجَمْعِهِ لِلنَّاسِ جَمِيعًا ، وَتَبَايُنِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا بَايَنَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِمْ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي رَفَعَ بِهَا الدَّرَجَاتِ لِأَهْلِهَا وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَضْدَادِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُ الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ وَالِاخْتِيَارَاتُ الْقَبِيحَةُ .
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ حَدِيثٌ زَائِدٌ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ إنَّمَا أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَئُوهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إلَّا بِدِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ بِحَسْبِ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيًّا بَخِيلًا جَبَانًا } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ الطَّفُّ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هُوَ النُّقْصَانُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } أَيْ : الْمُنْقِصِينَ فِي الْكَيْلِ فَمِنْ ذَلِكَ انْتِقَاصُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخَا أَخِيهِ لِأُمِّهِ انْتَقَصَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ابْنُ أَمَةٍ حَتَّى خَاطَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِهِ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقَدْ حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنْ الْمَصَادِرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ الْمُطَفِّفُ الَّذِي لَا يُوَفِّي عَلَى النَّاسِ مِنْ النَّاسِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِهِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَجَازَهُ لَنَا عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّفُّ أَنْ يَقْرُبَ الْإِنَاءُ مِنْ

الِامْتِلَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَلِئَ يُقَالُ هَذَا طَفُّ الْمِكْيَالِ ، وَطِفَافُهُ إذَا كَرِبَ أَنْ يُمْلَأَهَ ، وَمِنْهُ التَّطْفِيفُ وَفِي الْكَيْلِ إنَّمَا هُوَ نُقْصَانُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ نِهَايَةُ الشَّرَفِ بَعْدَ ذَلِكَ الَّذِي يَتَفَاضَلُ فِيهِ أَهْلُ الْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ وَالِاخْتِيَارَاتِ الْعَالِيَةِ تَفَاضُلُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَمَاكِنِهِمْ مَعَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِخَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصَفْوَتِهِ مِنْ عِبَادِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِرِسَالَتِهِ وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُ فَيَكُونُ مَعَهُ بِاكْتِسَابِهِ لِنَفْسِهِ الْأُمُورَ الْمَحْمُودَةَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ مَعَهُ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ وَأَثَابَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ مِنْ ذَوِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا } .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ عُقِلَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُلُوُّ مَرْتَبَةِ الْفِقْهِ وَجَلَالَةِ مَقَادِيرِ أَهْلِهِ وَعُلُوِّهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ وَاَللَّهَ - سُبْحَانَهُ - نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السِّتَّةِ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ وَأَدْخَلَ فِيهِمْ الْمُتَسَلِّطَ بِالْجَبَرُوتِ } ) .
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ { عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَنْ اُكْتُبْ إلَيَّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ ابْنُ مَوْهَبٍ فَأَرْسَلَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ إلَى عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ فِيمَا أَمْلَتْ عَلَيَّ قَالَتْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سِتَّةٌ أَلْعَنُهُمْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابٍ الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ يُذِلُّ بِهِ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُعِزُّ بِهِ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي وَالْمُسْتَحِلُّ لِحُرُمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - } .
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ .
قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي الْمَوَالِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
قَالَ : أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ سَمَاعُ ابْنِ مَوْهَبٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَمْرَةَ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبَى دَاوُد عَنْ الْفَرْوِيِّ سَمَاعُهُ إيَّاهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ

عَمْرَةَ وَكَانَ حَدِيثُ يُونُسَ أَوْلَاهُمَا عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ إمْلَاءِ عَمْرَةَ إيَّاهُ عَلَيْهِ فِي مَجِيئِهِ إلَيْهَا بِرِسَالَةِ أَبِي بَكْرٍ إيَّاهُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ السِّتَّةَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْذُ ابْنِ مَوْهَبٍ إيَّاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَا عَنْ عَمْرَةَ ، وَلَا عَنْ غَيْرِهَا وَكَانَ الثَّوْرِيُّ هُوَ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ رِوَايَتُهُ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ لِسِنِّهِ وَضَبْطِهِ وَحِفْظِهِ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ أَبِي الْمَوَالِ ذَكَرَ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهِ مِنْ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ حَزْمٍ إيَّاهُ إلَى عَمْرَةَ فِي ذَلِكَ ، وَإِمْلَاءِ عَمْرَةَ إيَّاهُ عَلَيْهِ مِنْ عَائِشَةَ فَقَوِيَ فِي الْقُلُوبِ لِذَلِكَ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَوْهَبٍ أَخَذَهُ عَنْ عَمْرَةَ عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهَا ، وَأَخَذَهُ مَعَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ مِمَّا قَدْ ذَكَرَهُ عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ .
ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْجَبَرُوتِ اشْتِقَاقَ ذَلِكَ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ كَمَا اشْتَقُّوا الْمَلَكُوتَ مِنْ الْمُلْكِ وَكَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ اسْتِحْلَالِ حُرَمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ أَنْ يُجْعَلَ كَمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ يُحَرِّمْهُ مِنْ بِلَادِهِ إذْ كَانَ قَدْ أَبَانَهُ بِتَحْرِيمِهِ إيَّاهُ مِنْ سَائِرِ بِلَادِهِ سِوَاهُ مِنْ مَنْعِ عِبَادِهِ مِنْ دُخُولِهِ إلَّا مُحْرِمِينَ إمَّا بِالْحَجِّ ، وَإِمَّا بِالْعُمْرَةِ وَمِنْ تَحْرِيمِ صَيْدِهِ وَمِنْ أَمَانِهِ مَنْ دَخَلَهُ بِقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - { وَمَنْ دَخَلَهُ

كَانَ آمِنًا } وَبِتَحْرِيمِهِ عِضَاهَهُ الْحُرْمَةَ الَّتِي لَمْ يَجْعَلْهَا كَعِضَاهِ غَيْرِهِ ، وَمِنْ مَنْعِهِ الْقِتَالَ فِيهِ مَنْ لَا يَجِبُ قِتَالُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَنَا - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ أَنَّ مَكَّةَ لَا تُغْزَى بَعْدَ الْعَامِ الَّذِي غَزَاهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ صَبْرًا أَيْ لَا يَكْفُرُ أَهْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ فَيَغْزُونَ كَمَا غَزَوْا فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلَا يَكْفُرُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ الْكُفْرَ الَّذِي أَبَاحَ دِمَاءَ أَهْلِهَا الْقُرَشِيِّينَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَمَنْ أَنْزَلَ الْحَرَمَ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ كَانَ بِهِ مَلْعُونًا .
وَكَانَ قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتُهُ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ عَلَى دِينِهِ ، وَعَلَى التَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ كَمِثْلِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِمَّا كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَدِيرِ خُمٍّ مِنْ قَوْلِهِ { لِلنَّاسِ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي } وَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ قَالَ ثنا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ { عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ : لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ الْأَرْقَمِ وَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى الْمُخْتَارِ أَوْ خَارِجٌ فَقُلْت مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْك سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعِتْرَتِي ؟ قَالَ : نَعَمْ } وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ قَالَ ثنا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ { يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ قَالَ انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ عُقْبَةَ إلَى زَيْدِ بْنِ

أَرْقَمَ فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ يَا زَيْدُ رَأَيْتَ خَيْرًا كَثِيرًا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَزَوْتَ مَعَهُ وَسَمِعْتَ مِنْهُ لَقَدْ أَصَبْتَ خَيْرًا كَثِيرًا يَا زَيْدُ فَحَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَيْدٌ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إنَّمَا أَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولٌ مَنْ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - فَأُجِيبَ ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَاسْتَمْسِكُوا بِكِتَابِ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وَخُذُوا بِهِ فَرَغَّبَ فِي كِتَابِ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وَحَثَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : وَأَهْلَ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي أَهْلِ بَيْتِي } .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَطَلَبْنَا مَنْ رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ سِوَى أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ لِيَكُونَ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ سِوَى أَبِي حَيَّانَ مَنْ هُوَ كَأَبِي حَيَّانَ فِي الْعَدْلِ فَيَكُونُ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ عَدْلَانِ فَوَجَدْنَا الْأَعْمَشَ قَدْ رَوَى عَنْهُ كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : كَانَ عَنْبَسُ بْنُ عُقْبَةَ يَسْجُدُ حَتَّى إنَّ الْعَصَافِيرَ يَقَعْنَ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَنْزِلْنَ مَا يَحْسِبَنَّهُ إلَّا جِذْمَ حَائِطٍ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاجْتَمَعَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ الْأَعْمَشُ وَأَبُو حَيَّانَ فَمَنْ أَخْرَجَ عِتْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ فَجَعَلَهُمْ كَسِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عِتْرَتِهِ كَانَ مَلْعُونًا إذْ

كَانَ قَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ ، وَسَائِرُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِوَى ذَلِكَ مَكْشُوفُ الْمَعَانِي يَعْلَمُ سَامِعُوهُ مَا أُرِيدَ بِهِ عِلْمًا يُغْنِينَا عَنْ التَّفْسِيرِ لَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الْمُوَفِّقُ .

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ فِي حِلِّ أَكْلِهَا وَفِي حُرْمَتِهِ } ) .
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ كَامِلٍ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي { عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ أَآكُلُهَا ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْت أَصَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت وَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْذُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ إيَّاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ النَّفَرِ الْمَذْكُورُ أَخْذُهُ إيَّاهُ عَنْهُمْ فِيهِ فَتَأَمَّلْنَا : حَقِيقَةَ رِوَايَاتِهِمْ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ هَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ يَحْيَى إيَّاهُ عَنْهُمْ أَمْ مُخَالِفَةٌ لَهَا ؟ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ { عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ الضَّبُعِ فَقُلْتُ أَصَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ آكُلُهَا ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاتَّفَقَتْ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ هِيَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهَا إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ كَبْشًا } .
وَوَجَدْنَا :

يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالُوا ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
وَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ ثنا جَرِيرٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَرِيرٍ دُونَ مَا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ إيَّاهُ عَنْهُ ؛ ذَكَرَ إبَاحَةَ أَكْلِهَا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ إنَّمَا فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ إنَّهَا صَيْدٌ وَقَدْ تَكُونُ صَيْدًا ، وَهِيَ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ .
وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ : { سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ قَالَ أَآكُلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ أَصَيْدٌ هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قُلْتُ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ مَا رَوَى الْبُرْسَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مُوَافِقًا لِمَا رَوَاهُ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ النَّفَرِ الْمَذْكُورِينَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَدْ وَجَدْنَا : يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ فِيمَا أَجَازَهُ لَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ الْعَلَائِيِّ عَنْهُ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ صَيَّرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْكَارًا مِنْهُ إيَّاهُ عَلَى ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ وَمَوْضِعُ

يَحْيَى مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَوْضِعُهُ مِنْهُ .
وَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ هَلْ رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا .
وَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِيهَا بِذَلِكَ .
وَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَوَّى مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ أَبُو الزُّبَيْرِ هَذَا الْحَدِيثَ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِيهِ فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ وَجَدْنَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَنْ عُمَرَ فَكَانَ : فِي ذَلِكَ تَسْدِيدٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ ثنا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ( ح ) وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ ، فَقَالَ : هِيَ مِنْ الصَّيْدِ ، وَجَعَلَ فِيهَا إذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ كَبْشًا مُسِنًّا ، وَيُؤْكَلُ فَكَانَ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغَ وَإِنْ كَانَ مَكَانُهُ مِنْ الْعِلْمِ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ مَكَانُهُ مِنْهُ قَدْ خَالَفَهُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَجُلَانِ لَيْسَا دُونَهُ وَهُمَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ .
كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا

هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُضِيَ فِي الضَّبُعِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ بِكَبْشٍ .
وَكَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ قَالَ : وَكَانَ فِيمَا رَوَيْنَا خِلَافُ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَطَاءٍ رَدَّهُمَا إيَّاهُ إلَى خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَكَانَ اثْنَانِ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ فَوَجَبَ بِذَلِكَ رَدُّ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لِابْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ ، وَلَحِقَهُ فِيهِ مِنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ مَا لَحِقَهُ مَعَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ بْنِ عُمَيْرٍ فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَمَنْ خَالَفَهُ فِيهِ عَطَاءٌ ، وَمِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ لِمَوْضِعِ عَطَاءٍ مِنْ الْعِلْمِ ، وَلِمَوْضِعِ أَبِي الزُّبَيْرِ مِنْ الْحِفْظِ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مِنْ الضَّبُعِ يَدُلُّ عَلَى حُكْمِهَا فِي إبَاحَةِ لَحْمِهَا أَوْ فِي مَنْعِهِ فَوَجَدْنَا : الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيَّ وَنَصْرَ بْنَ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا قَدْ حَدَّثَانَا قَالَا : حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
وَوَجَدْنَا صَالِحَ بْنَ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
وَوَجَدْنَا سُلَيْمَانَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي : ابْنَ حَسَّانَ قَالَ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَوَجَدْنَا بَكَّارَ بْنَ قُتَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ .
وَوَجَدْنَا يَحْيَى بْنَ عُثْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } وَرَفَعَهُ الْحَكَمُ قَالَ : شُعْبَةُ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُحَدِّثَ بِرَفْعِهِ .
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ نُعَيْمٍ قَالَ ثنا حِبَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } قَالَ فَرَفَعَهُ الْحَكَمُ وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ

عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } .
فَأَدْخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، .
وَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ } .
وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا : عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبِرْكِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } .
وَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ مَعْبَدٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زَبْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ مِشْكَمٍ كَاتِبِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ قَالَ : لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُؤْكَلُ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } وَكَانَتْ هَذِهِ سُنَّةً قَائِمَةً ظَاهِرَةً فِي أَيْدِي الْعُلَمَاءِ ، وَكَانَ أَئِمَّةُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17