كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد

حدث فمقتضاه منع الجمعتين وما ذكره متجه فهو في محل التردد
الثاني لو عقدت جمعتان فالسابقة هى الصحيحة إن كان فيها السلطان وإن كان السلطان في الثانية فوجهان
وهذا التردد بعيد عند الشافعي رضي الله عنه إذ لا تعلق للجمعة عنده بالسلطان
ولكن يصح للترجيح إذ لا يعجز كل شرذمة عن المبادرة بعقد جمعة فيفوتون على الباقين
ثم النظر في السبق إلى تحريمة الصلاة
وقيل إلى التحلل وقيل إلى أول الخطبة وهما ضعيفان
أما إذا وقعتا معا تدافعتا وإن احتمل التساوق والتلاحق تدافعتا أيضا واستؤنفت الجمعة إذ لم يحصل لأحد براءة الذمة في حال وإن تلاحقا ولكن لم يعرف السابق فقولان أظهرهما التدافع إذ لم تحصل البراءة
وحكى الربيع بن سليمان أنهم يصلون الظهر إذ صحت جمعة في علم الله تعالى قطعا
أما إذا تعين السابق ثم التبس فالمذهب أن الجمعة فائتة وقيل بطرد القولين وهو بعيد
الشرط الرابع العدد فلا تنعقد الجمعة عندنا بأقل من أربعين ذكورا مكلفين أحرارا مقيمين لا يظعنون شتاء ولا صيفا إلا لحاجة وهل يشترط أن يكون الإمام زائدا على الأربعين فيه وجهان ومستند العدد أن المقصود الاجتماع ولم ينقل في التقدير خبر والأربعون أكثر ما قيل وقال جابر بن عبد الله مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فاستأنس الشافعي به وبمذهب عمر بن عبد العزيز وبالاحتياط

فرع إذا انفض القوم فله ثلاثة أحوال

الأولى في الخطبة فلو سكت الإمام وعادوا على قرب أو مكانهم آخرون بنى عليه وإن مضى ركن في غيبتهم لم يعتد به لأن الخطبة واجبة الاستماع فلا بد من استماع أربعين جميع الأركان قولا واحدا وإن طال سكوت الإمام ففي جواز البناء قولان يقربان من قولي الموالاة في الوضوء
الثانية أن ينفضوا بعد الخطبة وقبل الصلاة وطال الفصل ففي جواز بناء الصلاة قولان يعبر عنهما بأن الموالاة بين الخطبة والصلاة هل يشترط فإن قلنا تشترط فلا بد من إعادة الخطبة فإن لم تعد أثم المنفضون وفي إثم الخطيب قولان أحدهما لا لأنه أدى ما عليه وإنما الذنب للقوم
والثاني نعم لأنه تمكن من الإعادة
الثالثة أن ينفضوا في خلال الصلاة ففيه ثلاثة أقوال منصوصة
أحدها أن تبطل الجمعة بنقصان العدد في لحظة كما في الوقت وكما في الخطبة فعلى هذا لو تأخر تكبير المقتدين إلى فوات الركوع لم تنعقد الجمعة وإن تأخر بحيث لم تفتهم الفاتحة انعقدت وإن تأخر بحيث التحقوا بالمسبوقين ففيه تردد والأصح المنع ولو انفضوا بعد الشروع ولحق الإمام أربعون على الاتصال ممن سمعوا الخطبة استمرت الصحة وإن لم يسمعوا فلا إلا إذا لحقوا قبل انفضاض السامعين فتستمر الجمعة وتستقل بهم وكانوا كثمانين سمعوا وانفض منهم أربعون
والقول الثاني إن كمال العدد لا يشترط إلا في الابتداء للانعقاد وفي الدوام يكفي أن يبقى واحد لتبقى الجماعة
والقول الثالث أنه لا بد وأن يبقى اثنان والإمام ثالثهم ليبقى أقل الجمع
وخرج قول رابع إنه يصح وإن لم يبق إلا الإمام لأن الناقص كالمعدوم وخرج المزني خامسا وهو أنهم إن انفضوا في الأولى بطلت وفي الثانية لا فانفراد الإمام كانفراد المسبوق بركعة ثانية
الشرط الخامس الجماعة فلا يصح الانفراد بالجمعة ولا يشترط حضورالسلطان في جماعتها ولا إذنه في جماعتهم خلافا لأبي حنيفة وفيه ثلاث مسائل
الأولى في أحوال الإمام فإن كان العدد قد تم به فلا بد وأن يكون كاملا مصليا للجمعة وإن كمل العدد دونه فله أحوال
الأولى أن يكون متنفلا أو صبيا فقولان
أحدهما الصحة لأن الاقتداء في الفرض بالنفل جائز
والثاني لا لأنه الأصل فاعتبار كماله ليكون في جمعة مفروضة أولى
الثانية أن يكون محدثا ولم يعلم فقولان مرتبان وأولى بالبطلان لأن الإمام هاهنا ليس مصليا إلا أنه في حق المتقدي كالمصلي ولو أدرك المسبوق ركوع الركعة الثانية ففيه وجهان يرجع حاصلهما إلى أن المصلي خلف المحدث مع الجهل مقتد أو منفرد فإذا جعلناه منفردا لم تصح الجمعة به وإذا صححنا الجمعة لزم إلحاق المسبوق به
الثالثة أن يكون الإمام عبدا أو مسافرا فهما في جمعة مفروضة فالصحيحالجواز وفيه وجه أنا إذا قلنا إن الإمام محسوب من الأربعين لا يصح بل تشترط فيه صفات الكمال
الرابعة إذا قام الإمام إلى الثالثة في الجمعة ناسيا فأدركه مسبوق فيها فهذا مصل لكن فعله ليس محسوبا من الجمعة فهو كالمحدث في حقه إذ لم يعلم
وقيل إنه لا يدرك الجمعة به لأن الحدث لا يعرف والزيادة تعرف فكان ككفر الإمام وأنوثته
المسألة الثانية في الاستخلاف وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في جواز أداء صلاة واحدة خلف إمامين بأن تبطل صلاة الأول بحدث أو غيره فيستخلف غيره في الباقي الجديد جوازه وقد نقل فيه الخبر واختلفوا في محل القولين
منهم من أطلق ومنهم من خصص بالجمعة وقطع بجوازه في غيرها ولو خطب واحد وأم آخر فقولان مرتبان وأولى بالجواز فإن منعنا الاستخلاف تعذرت الجمعة إلا بالاستئناف إن كان حدث الإمام في الأولى وإن كان في الثانية فيتمونه جمعة ولا يضر انفرادهم في الثانية كالمسبوق وإن فرعنا على الجديد فله ثلاث شرائط
الأول أن يستخلف من كان مقتديا به فلا يصح استخلاف من لم يشرع في الابتداء
الثاني أن يستخلف على الفور فلو أدوا ركنا قبل استخلافه لم يجز
الثالث أن يكون المستخلف قد سمع الخطبة على أحد الوجهين والأظهر أن ذلك لا يشترط لأنه شارك في الشروع في الجمعة ولا يشترط فيه ثلاثة أمور
الأول أن يكون حدث الإمام سبقا بل لو تعمد واستخلف جاز خلافا لأبي حنيفة لأن سبق الحدث في الجديد مبطل كالعمد
الثاني لا يشترط استئناف نية القدوة بل هو خليفة الأول فكأنه هو
الثالث لا يشترط صدوره من الإمام بل لو قدم القول أو واحد منهم أو تقدم واحد بنفسه جاز وإن اجتمع تعيين القوم والإمام فلعل تعيين القوم أولى لأنهم المصلون ويجب عليهم التقديم في الركعة الأولى إذا لم يستخلف الإمام وإن كان في الركعة الثانية فلهم الخيرة بين الانفراد وبين التقديم
فرع

لو استخلف في الثانية مسبوقا بالأولى لكن بعد أن اقتدى به في الثانية لم يجز أن شرطنا سماع الخطبة وإن لم يشترط فقولان مأخذ المنع أنه ليس مصليا للجمعة فلا يصلح للخلافة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة ولا هو إمام مستقل فإن جوزنا قال الشافعي رضي الله عنه هذه في حقه ركعة الأولى ولكن ينبغي أن يجلس للتشهد على ترتيب صلاة الإمام فإذا انتهى إلى التحلل قام إلى ما قصده من ظهر أو نفل وأومى إلى القوم ليتحللوا عن جمعتهم فإذا قام ما عليه لم يتم جمعته لأنه كان مقتديا في أول عقد الصلاة ولم يدرك مع الإمام ركعة على قول فإذا لم تصح جمعته فهل تصح ظهرا تخرج على أصلين
أحدهما أن الظهر هل ينعقد بنية الجمع فإنه قد نوى الجمعة وفي خلاف
والثاني الظهر قبل الفراغ من الجمعة هل يصح فإن تحرمه بالصلاة مقدم على فراغ القوم
فإذا قلنا لا يصح ظهره فيكون نفلا أو باطلا إلى نظائر هذا في حق غير المستخلف خلاف
فإن قلنا إنه باطل لم يكن تقرير هذا القول تفريعا على جواز استخلاف المسبوق ثم ينقدح أن يجعل نفلا فعلى هذا لو اقتدى بهذا المسبوق المستخلف مسبوق فهل يكون مدركا للجمعة ينبني على الاقتداء بالمتنفل هل يجوز في الجمعة فإن جوزنا فهو مدرك للجمعة وإن لم يكن إمامه في الجمعة لأنه نائب الأول في حق القوم وإن قلنا لا يجوز لم يكن المسبوق المقتدى به مدركا بخلاف القوم الأول فإنهم أدركوا ركعة مع الإمام من الجمعة والاقتداء في الثانية بالخليفة ليس واجبا فإن اقتدوا بمتنفل كانوا كالمقتدين في سائر الصلوات وهذا كله تصرف ابن سريج
المسألة الثالثة في الزحام فإذا زوحم المقتدي عن سجود الركعة الأولى فليسجد على ظهر غيره على هيئة التنكيس فإن عجز عن التنكيس فله نية الانفراد في غير الجمعة لعذر الزحمة وفي الجمعة ينتظر التمكن وقيل إنه يومئ أو يتخير بين الإيماء والانتظار كتخير العاري بين الصلاة قائما أو قاعدا وهو ضعيف لأن دقيقة التخلف عن الإمام لا تقاوم ما بين السجود والإيماء فإن الإيماء ترك للسجود
ثم له صورتان

إحداهما أن يتمكن قبل ركوع الإمام فعند فراغه للإمام أربعة أحوال
الأولى أن يكون قائما فيقرأ ويركع معه ولا يضره التخلف للعذر
الثانية أن يكون راكعا فهل يلتحق بالمسبوق حتى تحط عنه الفاتحة في الركعة الثانية فوجهان مشهوران
الثالثة أن يجد الإمام رافعا من الركوع فإن قلنا إنه كالمسبوق عند إدراك الركوع حتى لا يشتغل بالقراءة فهاهنا أيضا يتابع الإمام إلا أنه لا يكون مدركا هذه الركعة فيقوم بعد سلام الإمام إلى الثانية
وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه فكذلك يفعل هاهنا ثم يسعى خلف الإمام بحسب الإمكان والقدوة منسحبة عليه
الرابعة لو سلم الإمام قبل فراغه من السجود فاتته الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة تامة
الصورة الثانية للمأموم أن لا يتمكن من السجود حتى يركع الإمام فإن أمرناه بالركوع موافقة فاته سجود الركعة الأولى ولم تنتظم صلاته وإن أمرناه بالسجود كثر تخلفه عن الإمام وجاوز الركوع الثاني وهو مرد الإدراك ففيه قولان لتعارض الإشكالين
فإن قلنا يركع فركع فالمحسوب له الركوع الأول ليكون الحاصل ركعة ملفقة من ذلك الركوع وهذا السجود أو المحسوب الركوع الثاني ليتصل بالسجود وفيه وجهان فإن قلنا المحسوب هو الأول فركعة واحدة ملفقة هل تصلح لإدراك الجمعة بها وهي دون الركعة المنظومة في الجمعة فعلى وجهين فإن قلنا لا يدرك فقد فاتت الجمعة
فرع

لو خالف فلم يركع مع الإمام ولكن يسجد فإن كان عالما مستديما نية القدوة بطلت صلاته وإن قطع نية القدوة ففيه قولان كما في سائر الصلوات لأن الآن قد فاتت الجمعة وإن كان جاهلا فلا تبطل صلاته وسجوده سهو فيقدر كأنه لم يسجد فإن لحق الإمام في الركوع فقد عاد التفريع كما مضى وإن فات الركوع نظر فإن راعى ترتيب صلاة نفسه فإذا سجد في ركعته الثانية حصلت له ركعة ملفقة لوقوع السجدة بعد الركوع الثاني
فإن قلنا يدرك بالملفقة فقد حصل السجود في قدوة حكمية فهل تصلح الحكمية لإدراك الجمعة فيه وجهان
ومن منع جعل الركوع الثاني نهاية انسحاب حكم القدوة فإذا سجد قبله كان كالمقتدي حسا وإن كان بعده كان مقتديا حكما
أما إذا تابع الإمام بعد الفراغ من سجوده الذى سها به فقد سجد الإمام حسا وتمت له ركعة ملفقة وقد ذكرناها
أما إذا فرغنا على القول الثاني وهو أنه لا يركع مع الإمام بل يراعي ترتيب صلاة نفسه فإن خالف مع العلم وركع مع الإمام بطلت صلاته وإن كان جاهلا لم تبطلوحصل له بسجوده مع الإمام ركعة ملفقة وإن وافق قولنا وسجد فسجوده واقع في قدوة حكمية فيصلح للإدراك على أحد الوجهين
فعلى هذا للإمام حالتان عند فراغه من السجود إن كان راكعا بعد وألحقنا المسبوق في الركعة الثانية بالمسبوق في الأولى فيركع معه وقد أدرك الركعتين وإن قلنا ليس كالمسبوق فالأظهر أنه يجري على ترتيب صلاة نفسه وكذا إذا وجده رافعا رأسه من الركوع لأنا في هذا القول أمرناه بترتيب صلاة نفسه مع كون الإمام راكعا فكيف فيما بعده
تنبيهات

الأول أنا حيث حكمنا بفوات الجمعة هل تنقلب صلاته ظهرا فيه قولان ينبنيان على أن الجمعة ظهر مقصور أو هى صلاة على حالها وفيه قولان
فإن قلنا ظهر مقصور جاز أن يتأدى الظهر بتحريمة الجمعة كما يتأدى الإتمام بنية القصر
وإن قلنا لا تتأدى ظهرا فهل تنقلب نفلا ينبني على أن من تحرم بالظهر قبل الزوال هل تنعقد صلاته نفلا وفيه قولان
فإن قلنا لا تنعقد صلاته نفلا فالقائل بهذا لا يأمره في مسائل الزحام بالفعل الذى أمرناه به إذا كان يفضي آخره إلى البطلان فإنه تفريع يرفع آخره أوله
الثاني لو زوحم عن السجود في الركعة الثانية فإن لم يكن مسبوقا فيتدارك ولو بعد سلام الإمام لأنه أدرك ركعة مع وإن كنا مسبوقا ولم يتدارك قبل السلام فقد فاتت الجمعة
الثالث النسيان هل يكون عذرا كالزحام فيه وجهان
أحدهما نعم لأن النسيان والعمد في الأفعال الكثيرة على وتيرة واحدة في الصلاة
والثاني لا لأن عذر النسيان نادر فلا ينتهض عذرا مرخصا في التخلف
الشرط السادس الخطبة

والنظر في ثلاثة أطراف
الأول في أركانها وهي خمسة

الأول الحمد لله ولا يقوم مقامه لفظ آخر بل يتعين ككلمة التكبير
الثاني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة
الثالث الوصية بتقوى الله ولا يتعين فيه لفظ إذ الغرض الوعظ والتحذير وأقله أن يقول أطيعوا الله
قال الشافعي رضي الله عنه وأبواب المواعظ راجعة إلى الأمر بالطاعةوالزجر عن المعصية وفي أحدهما ما يشعر بالثاني فيكتفي به
الرابع الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وأقله أن يقول للحاضرين رحمكم الله ولا يكفي أن يقتصر في دعائه على حظوظ الدنيا
الخامس قراءة القرآن وأقله آية واحدة ويحتمل أن لا يكتفي بآية لا تفهم كقوله تعالى { ثم نظر } ويكتفي بشضطر آية يفيد المعنى
فأقل الخطبة أن يقول الحمد لله والصلاة على رسوله أطيعوا الله رحمكم الله ويقرأ معه آية
والأركان الثلاثة الأول واجبة في الخطبتين والدعاء لا يجب في الثانية وفي اختصاص القراءة بالأولى وجهان
وصاحب التلخيص لم يعد إلا الثلاث ولم ير الدعاء والقراءة ركنا ونقل ذلك عن إملاء الشافعي رضي الله عنه
وقال أبو حنيفة أقلها أن يقول الإمام في نفسه سبحان الله
فرع

لو أبدل الأركان بآيات تفيد معناها من القرآن فلا بأس ولو أبدل الكل ففيه نظر إذ يكاد يكون تغيرا للوضع فإن الذكر مقصود فيها كما في التشهد والقنوت إلا أنه لم يعين حتى لا يأنس الناس به فيسقط وقعه من نفوسهم
الطرف الثاني الشرائط وهي سبعة

الأول الوقت فلا بد من تأخيرها عن الزوال
والثاني تقديمها على الصلاة كيلا يتفرق الناس بخلاف صلاة العيد
الثالث القيام فيهما
الرابع الجلوس بين الخطبتين مع الطمأنينة والمستند الاتباع فإن هذه الأمور لم تختلف مع اختلاف الأحوال
الخامس طهارة الحدث والخبث والموالاة
وفي جملة ذلك خلاف ووجه الاشتراط كتشبيههما بالصلاة لأنهما بدل ركعتين والأقيس أن لا يشترط الاستقبال
السادس إن شرطنا الطهارة فلو سبق الخطيب حدث وأتى بركن فيه لا يجزيه فإن توضأ وعاد فإن قلنا الموالاة شرط فلا بد من الاستئناف وإن قصر الزمان أو قلنا لا موالاة ففي وجوب الاستئناف وجهان وجه الوجوب أنه يبعد أداء خطبة بطهارتين
السابع رفع الصوت بحيث يسمع أربعين موصوفين بصفات الكمال فإنه لا فائدة في حضور بغير سماع فهو كحضور الأصم عقد النكاح وفي وجوب الإنصات وترك الكلام على من عدا الأربعين قولان
أحدهما نعم لقوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }
قيل أراد به الخطبة سمى قرآنا لاشتماله عليه ولأنه يؤدي كلامهم إلى هينمة تمنع الأربعين عن السماع
والقول الجديد أنه لا يجب السكوت كما لا يجب على الخطيب إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الخطبة لسليك الغطفاني لا تجلس حتى تصلي ركعتين
وسأل ابن أبي الحقيق عن كيفية القتل بعد قفولهم من الجهاد
ومن أصحابنا من طرد القولين في تحريم الكلام على الخطيب أيضا وهو بعيد للخبر ولان كلامه لا يفوت سماع ركن بحال
التفريع

إن قلنا يجب الإنصات ففي من لا يسمع صوت الخطيب وجهان لأنه ربما يتداعى إلى كلام السامعين
وعلى وجوب الإنصات لا يسلم الداخل فإن سلم لا يجاب وفي تشميت العاطس وجهان لأنه غير مختار فإن قلنا لا يجب تشميت العاطس وفي رد السلام وجهان لأنه ترك المستحب اختيارا
وعلى الأقوال يصلي الداخل تحية المسجد خلافا لأبي حنيفة ثم لا يحرم الكلام قبل أن يأخذ لنفسه مكانا ولا بين الخطبتين
الطرف الثالث في السنن والآداب

ويستحب للخطيب إذا انتهى إلى المنبر أن يسلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر أقبل على الناس بوجهه وسلم على الجميع ثم يجلس بعد السلام ويؤذن المؤذنبين يديه ولم يكن أذان سوى ذلك إلى زمن عثمان رضي الله عنه فلما كثر الناس في زمانه أمر المؤذنين أن يؤذنوا في أماكنهم فاطردت العادة كذلك
ثم إذا فرغ المؤذن قام الخطيب وخطب ويشغل يديه كيلا يلعب بهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل إحدى يديه بحرف المنبر ويعتمد بالأخرى على عنزة أو سيف أو قوس
فإن لم يجد الخطيب شيئا وضع إحدى يديه على الأخرى أو أرسلها ولا توقيف فيه
ثم يخطب مستدبرا للقبلة فإن استقبلها وأسمع صح وكان تاركا للأدبثم يجلس بين الخطبتين قدر قراءة سورة الإخلاص ثم يقوم إلى الثانية فإذا فرغ ابتدأ النزول وابتدأ المؤذن الإقامة بحيث يوافق بلوغه المحراب الفراغ من الإقامة
ويستحب أن تكون الخطبة بليغة قريبة من الأفهام خالية من الغريب مؤداة على ترتيل مائلة إلى القصر
قال صلى الله عليه وسلم قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل
الباب الثاني في بيان ما تلزمه الجمعة

وإنما تلزم المكلف الحر الذكر المقيم الصحيح
فمن لم يتصف بهذه الصفات لم تلزمه الجمعة فإن حضر لم يتم العدة به إلا المريض لكنه ينعقد لهم إلا المجنون ولهم أداء الظهر مع الحضور بخلاف المريض لأن المريض كامل وفي العبد وجه أنه كالمريض
ويلتحق بالمرض عذر المطر والوحل الشديد على الأصح وجميع ما ذكرناه من الأعذار في ترك الجماعة وعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا على الوفاة وفي معناه الزوجة والمملوك إذ يعظم على القلب الغيبة وفي وقت الوفاة في حق هؤلاء دون الأجانب وإن لم يكن المريض مشرفا وكان يتفقده غيره لم يكن عذرا فإن كان يندفع بحضوره ضرر يعد دفعه من فروض الكفايات كان عذرا وإن لم يبلغ تلك الدرجة فثلاثة أوجه يفرق في الثالث بين القريب والأجنبي
فروع سبعة في الأعذار

الأول من نصفه حر ونصفه رقيق كالرقيق
وقيل إن جرت مهايأة وكانت الجمعة في نوبته وجب الحضور
الثاني المسافر إذا عزم على الإقامة ببلدة أكثر من ثلاثة أيام لتفقه أو تجارة لزمه الجمعة ولم يتم العدد به لأنه ليس مستوطنا ولا مسافرا ولذلك قلنا أرباب الخيام لا جمعة لهم وليسوا مسافرين وفي الغريب المقيم مدة وجه أن العدد يتم
الثالث أهل القرى يلزمهم الجمعة إن اشتملت القرية على أربعين من أهل الكمال ثم إن أحبوا دخلوا البلد للجمعة وإن أحبوا عقدوها في القرية وهي الأولى وإن نقص عددهم لا يلزمهم إلا إذا بلغهم نداء البلد من رجل جهوري الصوت واقف على طرف البلد في وقت هدوء الأصوات وركود الرياح
الرابع العذر إذا طرأ بعد الزوال وقبل الشروع في الصلاة أباح الترك للجمعة إلا السفر فإنه لا ينشأ بعد الزوال لأن اختياره إليه ووجوب الجمعة ليس على التوسع فإنها تتضيق بمبادرة الإمام وفي جواز السفر قبل الزوال وبعد الفجر قولان
أحدهما الجواز وهو الأقيس لأن الوجوب بالزوال
والثاني لا لأن الصلاة منسوبة إلى اليوم وجميع اليوم منسوب إلى الصلاة
ومنهم من حمل النص على التأكيد وقطع بالجواز
قال الصيدلاني التردد في سفر المباح أما الواجب والطاعة فجائز لما روي أن عبد الله بن رواحة تخلف عن جيش جهزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلل بصلاة الجمعة لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت غدوتهم
الخامس يستحب لمن يرجو زوال عذره أن يؤخر الظهر إلى فوات الجمعة وذلك برفع الإمام رأسه من الركوع الثاني وقيل عند طول المسافة يحصل إياسه عن اللحوق لو قصد
فأما من لا يرجا زوال عذره كالزمن والمرأة فلا بأس بتعجيل الظهر في حقهم فإن زال عذر المعذور بعد الفراغ من الظهر فلا جمعه عليه وكذا الصبي إذا بلغ بعدالظهر وقبل فوات الجمعة لأنه أدى الوظيفة مرة
وقال ابن الحداد يلزمه وهو غلط بناه على مذهب أبي حنيفة وزوال العذر في أثناء الظهر كرؤية المتيمم الماء في الصلاة
السادس غير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجمعة ففي صحته قولان مشهوران
أحدهما لا لعصيانه به
والثاني يصح ظهره ويعصى بترك الجمعة كما لو صلى بعد الجمعة فإن قلنا يصح فهل يسقط الخطاب بالجمعة فيه قولان
أصحهما أنه لا يسقط ومعنى صحته أن الخطاب لا يتجدد به بعد فوات الجمعة وعلى هذا لو صلى الجمعة أيضا فالفرض أيهما
فيه أربعة أقوال وهو الأول أو الثاني أو كلاهما أو أحدهما لا بعينه وهو الأصح فيحتسب الله ما شاء منهما
السابع جماعة من المعذورين أرادوا عقد الجماعة في الظهر ففيه وجهان
أحدهما لا تستحب لأنها شعار الجمعة في هذا اليوم والأقيس أنه يستحب
ثم الأولى إخفاؤها
الباب الثالث في كيفية أداء الجمعة

وهي كسائر الصلوات وإنما تتميز منها بأربعة أمور
الأول الغسل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل واغتسل وبكر وابتكر ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
ومعناه توضأ واغتسل وبكر إلى الصبح وابتكر إلى الجمعة
ثم هذا الغسل يفارق غسل العيد في أنه لا يستحب إلا لمن حضر الصلاة وأنه لا يجزئ قبل الفجر وفي غسل العيد وجهان وقال الصيدلاني من عدم الماء يتيمم وهو بعيد لأن الغرض نفي الروائح الكريهة والتنظيف ولذلك كان أقربه إلي الرواح أحب إلينا
والأغتسال المسنونة هى الغسل للجمعة وللعيدين ومن غسل الميت وللإحرام وللوقوف بعرفة ولمزدلفة ولدخول مكة وثلاثة أغسال أيام التشريق ولطواف الوداع على القول القديم وللكافر إذا أسلم غير جنب بعد الإسلام وقيل يقدم على الإسلام وهو بعيد إذ تأخير الإسلام لا وجه له والغسل عن الإفاقة من زوال العقل أيضا مستحب
وذكر صاحب التلخيص الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام وقال هما اختياران لا يبلغان مبلغ السنن المتأكدة وأنكر معظم الأصحاب استحبابهما
الثاني البكور إلى الجامع

قال صلى الله عليه وسلم من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الثانية فبقرة وفي الثالثة كبشة وفي ا لرابعة دجاجة وفي الخامسة بيضة والملائكة على الطرق يكتبون الأول فالأول فإذا أخذ الخطيب يخطب طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر
الثالث التزين

فيستحب فيه الثياب البيض للرجال واستعمال الطيب وأن يمشي على هينة والترجل أولى من الركوب ولا بأس بحضور العجائز لا في شهرة الثياب وعليهن اجتناب الطيب
رأى أبو هريرة امرأة تفوح منها رائحة المسك فقال تطيبت للجمعة فقالت نعم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما امرأة تطيبت للجمعة لم يقبل الله صلاتها حتى ترجع إلى بيتها وتغتسل اغتسالها من الجنابة
الرابع يستحب للإمام أن يقرأ في الأولى سورة الجمعة وفي الثانية إذا جاءك المنافقون
قال الشافعي رضي الله عنه ولو نسى الجمعة في الأولى جمع بينها وبين سورة المنافقين في الثانية وقال في القديم يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية
كتاب صلاة الخوف

وهي أربعة أنواع النوع الأول صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم النوع الثاني صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان حيث لم تشتد الحرب النوع الثالث صلاة ذات الرقاع النوع الرابع صلاة شدة الخوف
الأول صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن النخل

إذ صدع أصحابه صدعين فصلى بطائفة ركعتين وسلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين هى له سنة ولهم فريضة وليس فيه إلا اقتداء مفترض بمتنفل وهو جائز من غير خوف
النوع الثاني صلاته بعسفان حيث لم تشتد الحرب
إذ كان العدو في جهة القبلة وكان خالد بن الوليد مع الكفار بعد فدخل وقت العصر فقالوا قد دخل عليهم وقت صلاة هى أعز عليهم من أرواحهم فإذا شرعوا فيها حملنا عليهم حملة فنزل جبريل عليه السلام وأخبره به فرتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه صفين وصلى بهم فحرسه الصف الأول في السجود الأول ولم يسجدوا حتى قام الصف الثاني فسجد الحارسون ولحقوا وكذلك فعل الصف الثاني في الركعة الثانية
وهذا إنما يتم إذا كان العدو في قبالة القبلة وليس فيها إلا التخلف عن الإمام بأركان وذلك لا يجوز إلا بعذر ثم لو اختص بالحراسة فريقان من أحد الصفين جاز ولو ابتدأ بالحراسة الصف الثاني جاز ولكن الحراسة بالصف الأول أليق
قال الشافعي رضي الله عنه لو تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية إلى الصف الأول وتأخر الصف الأول ولم يكثر أفعالهم كان ذلك حسنا
ولو حرس في الثانية الحارسون في الأول فقولان
أحدهما المنع لأنه يتكرر عليهم التخلف ولم يرخص الشرع إلا في مرة واحدة والأقيس الجواز إذا الأول انمحى أثره بتخلل فصل وإنما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك التسوية بين الصفين
النوع الثالث صلاة ذات الرقاع
وهو أن يلتحم القتال فلا يحتمل الحال تخلف الكل واشتغالهم بالصلاة
وكان ذلك في ذات الرقاع فصدع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه صدعين وانحاز بطائفة إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو وصلى بهم ركعة وقام بهم إلى الثانية وانفردوا بالركعة الثانية وسلموا وأخذوا مكان إخوانهم في الصف وانحازت الفئة المقاتلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم ينتظرهم واقتدوا به في الركعة الثانية فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للثانية قاموا وأتموا الركعة الثانية ولحقوا به وتشهدوا وسلم بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه رواية خوات بن جبير وليس فيها إلا الانفراد عن الإمام في الركعة الثانية وانتظارالإمام للطائفة الثانية مرتين في القيام والتشهد
وروى ابن عمر أنه لما قام إلى الثانية ما انفردوا بالركعة لكن أخذوا مكان إخوانهم في الصف وهم في الصلاة وانحاز الآخرون فصلوا ركعة فتحلل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى مكان إخوانهم وعليهم بعد ركعة ثم رجع الفريق الأول فأتموا الركعة الثانية منفردين ونهضوا إلى الصف وعاد الآخرون وأتموا كذلك
وأخذ الشافعي رضي الله عنه برواية خوات بن جبير لمعنيين
أحدهما أن الرواة لها أكثر وهو إلى الاحتياط وترك الأفعال المستغنى عنها أقرب
والثاني أن رواية خوات مقيدة بذات الرقاع وهي آخر الغزوات ورواية ابن عمرمطلقة
ومن أصحابنا من قال تصح الصلاة على وفق رواية ابن عمر لصحة الروايتين لكن الأولى رواية خوات وهو بعيد لأنه تخيير في أفعال كثيرة مستغنى عنها
ثم النظر في هذه الصلاة في طرفين
أحدهما في كيفيتها وقد تشككوا في ثلاثة مواضع
الأول نقل المزني أن الإمام يقرأ بالطائفة الثانية الفاتحة وسورة ومعناه أنه يسكت قبله منتظرا وغلطه الأصحاب لا يسكت لكنهم إذا لحقوا مد القراءة بحيث تتسع عليهم قراءة الفاتحة وهو نقل الربيع
وتوجيه قول المزني التسوية بين الفريقين فإنه يقرأ الفاتحة بالأولى فليقرأبالثانية
الثاني هل يتشهد قبل لحوق الفرقة الثانية به أم يصبر حتى يعودوا فيه طريقان
أحدهما أنه كالفاتحة والثاني أنه يتشهد إذ ليس يفوت التسوية بين الفريقين في التشهد
الثالث أن مالكا ذهب إلى أن الفرقة الثانية يتشهدون مع الإمام ثم يقومون عند سلامه إلى الثانية قيام المسبوق وهو قول قديم ولا شك في جوازه ولكن ما رواه خوات جائز أيضا خلافا لمالك
الطرف الثاني في تعدية النص إلى صلاة المغرب وصلاة الحضر والجمعة

أما المغرب فليصل الإمام فيها بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة ثم إن انتظرهمفي التشهد الأول فجائز وإن انتظرهم في القيام في الركعة الثالثة فحسن لأن التطويل بالقيام أليق ونقل عن الإملاء أن الانتظار في التشهد أولى
وروى عن علي رضي الله عنه أنه صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين في ليلة الهرير وهو قول نقل عن الإملاء والصحيح الأول لأن في هذا تكليف الطائفة الثانية زيادة تشهد لا يحسب لهم
أما الرباعية في الحضر فليصلي الإمام في الطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين فلو فرقهم أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة فهل يحرم الانتظار الثالث فعلى قولين
فإن قلنا يحرم فهل تبطل به الصلاة فعلى قولين
أحدهما يجوز ذلك كما جاز بالمرة الأولى والثانية والثاني لا لأنه رخصة فلا يزاد على محل النص فعلى هذا يمتنع الانتظار في الركعة الثالثة وما قبلها جرى على وجهه
وقال ابن سريج تخريجا المنع يختص بالركعة الرابعة فإن الانتظار في الثالثة هو الانتظار الثاني للإمام بدلا من انتظاره في التشهد إلا أن المنتظر في التشهد ثم هو المنتظر في القيام بعينه وهاهنا المنتظر ثانيا غير المنتظر أولا وهذا لا يقدح في الصلاة وهو متجه
أما الجمعة ففي إقامتها على هذا الوجه وجهان ووجه المنع أن العدد فيها شرط فكيف ينفرد الإمام بالثانية مع انفضاض الفرقة الأولى إلى عود الفرقة الثانية
فرعان

الأول في وجوب رفع السلاح في هذه الصلاة وصلاة عسفان قولان والوجه أن يقال إن كان في البعد عن السلاح خطر ظاهر فهو محرم في الصلاة وغيرها وإن كانت الموضوعة والمحمولة واحدة لتيسر أخذها في الحال فلا يحرم وإن لم يظهر في تنحية السلاح خلل فهذا محل الجزم ففي وجوب الأخذ به واستحبابه تردد وكيف ما كان فلا تبطل الصلاة بتركه لأن العصيان لا يتمكن من نفس الصلاة
الثاني في السهو ولا شك أن سهو الطائفة الأولى في الركعة الأولى وسهو الطائفة الثانية في الركعة الثانية للإمام محمول وسهو الطائفة الأولى في ركعتهم الثانية غير محمول لانفرادهم
ومبدأ الانفراد آخر الركعة الأولى وهو رفع الإمام رأسه من السجود أو أول الركعة الثانية وهو اعتداله في القيام فيه وجهان
أما سهو الطائفة الثانية في ركعتهم الثانية وهم على عزم اللحوق بالإمام فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى آخر الأمر وفي الثاني إلى صورة التفرد في الحال
وهما جاريان في المزحوم إذا سها وقت التخلف وفيمن انفرد ركعة وسها ثم انشأ القدوة في الثانية على أحد القولين
النوع الرابع صلاة شدة الخوف

وذلك إذا التحم الفريقان ولم يحتمل تخلف طائفة عن القتال فلا سبيل إلا الصلاة رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها إيماء بالركوع والسجود ولا تحتمل فيها الصيحة والزعقة للاستغناء عنها ولا تحتمل الضربات الكثيرة من غير حاجة وتحتمل القليلة مع الحاجة وفي الكثيرة مع الحاجة ينظر فإن كان في أشخاص فيحمتل ما لا يتوالى منها وإن كان في شخص واحد فلا يحتمل لكونه عذرا نادرا
وفيه قول إنه يحتمل في الموضعين وهو منقاس لأن الواحد أيضا قد يدفع عن نفسه في بسلاحه ودرعه فيحتاج إلى الموالاة
وفيه قول ثالث إنه لا يحتمل في الأشخاص أيضا لندور الحاجة وضيق باب الرخصة
ومما يحتمل أيضا تلطخ السلاح بالدم مهما ألقاه عقيب التلطخ فإن أمسكه مختارا لزمهالقضاء وإن كابه حاجة إلى الإمساك فظاهر كلام الأصحاب وجوب القضاء أيضا لنذور العذر
والأقيس أن لا يحب لأن أصل القتال وإن كان نادرا ألحق بالأعذار العامة في إسقاط القضاء مع الإيماء وترك الاستقبال
هذه كيفية الصلاة
والنظر الآن في السبب المرخص

وهو خوف مخصوص ويتبين خصوصه بمسائل
الأولى لو انهزم المسلمون لم يصلوا صلاة الخوف إلا إذا كان الكفار فوق الضعف فعند ذلك يجوز وإلا فالهزيمة محرمة والرخص لا تستفاد بالمعاصي فأما إذا انهزم الكفار لم يجز لنا صلاة الخوف في اتباع أقفيتهم لأنه لا خوف
الثانية القتال المباح كالواجب في الترخص وذلك كالذب عن المال وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه لو ركبه سيل ولم ينج ما له إلا بصلاة الخوف لم يصل وظاهر النصوص الجديدة خلافه
وخرج من هذا أن قتل الصائل على المال لا يجوز وهو بعيد لأن المال كالنفس قال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد
الثالثة لو تغشاه حريق أو غرق أو تبعه سبع أو مطالب بالدين وهو معسر خائف من الحبس عاجز عن بينة الإعسار فله صلاة الخوف وكذا من هرب من حق القصاص في وقت يتوقع من التأخير سكون الغليل وحصول العفو هكذا ذكره الأصحاب
فرع

لو خاف المحرم فوات الوقوف بعرفة فيصلي مسرعا في مشيه على وجه ويترك الصلاة على وجه وتلزمه الصلاة ساكنا على وجه ومن ومنشؤ التردد أنه من قبيل طلب شيء أو خوف فوات في محصل
الرابعة لو رأى سوادا فظنه عدوا لا يطاق فصلى صلاة شدة الخوف فإذا هو إبل تسرح ففي وجوب القضاء قولان مشهوران ينظر في أحدهما إلى تحقق الخوف وفي الثاني إلىالخطأ في السبب
والقولان جاريان في كل سبب جهله ولو عرفه لبطل الخوف كجهله بحصن على القرب منه أو نهر حائل بينه وبين عدوه
فرعان

الأول لو ركب في أثناء صلاته لهجوم خوف فبني على صلاته قال الشافعي لا يصح ولو انقطع الخوف فنزل وصلى بقية صلاته متمكنا صحت فظن المزني أن الفرق كثرة أفعال الركوب واعترض بأن ذلك يختلف بالأشخاص
وقيل سببه أنه شرع في صلاة تامة فلا يتممها على النقصان وهو منقوض بمن مرض في أثناء صلاته فإنه يقعد في البقية ولكن أراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا بادر الركوب أخذا بالحزم مع إمكان إتمام البقية قبل الركوب فإن فرض تحقق الخوف أو انقطاعه فلا فرق بين النزول والركوب بل إن قل فعله مع الحاجة لم يضر وإن كثر مع الحاجة فوجهان كما في الضربات المتوالية
الثاني لبس الحرير وجلد الكلب والخنزير جائز عند مفاجأة القتال وليس جائزا في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة وفي جلد الشاة الميتة وجهان يبتنيان على أن تحريم لبس جلد الكلب للتغليظ أو لنجاسة العين
وكذلك في تجليل الخيل بجل من جلد الكلب تردد والظاهر جوازه وفي الاستصباح بالزيت النجس قولان فأما تسميد الأرض بالزبل فجائز لمسيس الحاجة
كتاب صلاة العيدين

وهي سنة مؤكدة على كل ما يلزمه حضور الجمعة والأصل فيه الإجماع والفعل المتواتر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى { فصل لربك وانحر } قيل أراد به صلاة عيد النحر
وذهب الإصطخري إلى أنها من فروض الكفايات وطردوا ذلك في جميع الشعائر
وأقل هذه الصلاة ركعتان كسائر النوافل والتكبيرات الزائدة ليست من أبعاضهافلا يتعلق بتركها سجود السهو
ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى زوالها
وشروطها كشرط سائر الصلوات وقال في القديم شرطها كشرط الجمعة إلا أن خطبتها تتأخر ويحوز أداؤها في الجبانة البارزة من خطة البلد
فأما الأكمل فنذكر سوابقه ولواحقه على ترتيب الوجود وله سنن
الأولى إذا غربت الشمس ليلة عيد الفطر يستحب التكبيرات المرسلة إلى أنيتحرم الإمام بصلاة العيد فالناس يصبحون مكبرين حيث كانوا وفي الطريق رافعي أصواتهم كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونص في موضع أنهم يكبرون إلى خروج الإمام وقيل إنه قول آخر
والصحيح أن المراد به تحرم الإمام لأنه يتصل به غالبا ونقل نص آخر أنه يدوم إلى آخر الخطبة
وهل تستحب هذه التكبيرات إدبار الصلوات ليلة العيد وصبيحته فعلى وجهين ووجه المنع أن يتميز هذا الشعار عن شعار التكبيرات المقيدة في عيد النحر كما سيأتي
الثانية إحياء ليلتي العيد قال عليه الصلاة والسلام من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب
الثالثة الغسل بعد طلوع الفجر
أما قبله فهل يجزئ فيه وجهان
أحدهما لا كالجمعة والثاني نعم لأن أهل القرى يبكرون ليلا فيعر عليهم الغسل بعد الخروج فيجعل جميع الليل وقتا
الرابعة التطيب والتزين بالثياب البيض للقاعد والخارج لأنه يوم السرور
وأما العجائز فيخرجن في ثياب البذلة
وقال أبو حنيفة لا يخرجن
ويحرم على الرجال التزين بالحرير والإبريسم المحض
وفيه مسائل

الأولى المركب من الإبريسم وغيره فيه طريقان منهم من نظر إلى القلة والكثرة في الوزن ومنهم من نظر إلى الظهور فأحل الخز وحرم العتابي
الثانية الثوب المطرز والمطرف بالديباج مباح كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب كذلك والمحشو بالإبريسم والحرير مباح إذ لا يعد لابسه لابس حرير فإن كانت البطانة من حرير لم يجز لأنه لم يحرم بسبب الخيلاء بل لأنه ترفه في خنوثة لا تليق بشهامة الرجال وأمر الحرير أهون من الذهب إذ المطرف بغير حاجة جائز والمضبب غير جائز
الثالثة افتراش الحرير محرم على الرجال وفي تحريمه على النساء خلاف تلقيا من المفاخرة
وفي تحريم إلباس الصبيان الديباج خلاف من حيث إن شهامة الصبي لا تأبي ذلك
الرابعة حيث حرمنا الحرير أبحناه لحاجة القتال ولحاجة المحكة مع السفر ولو انفردت عن السفر وأمكن التعهد ففيه خلاف ووجه الجواز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لحمزة في الحرير لحكة كانت به ولم تخصص السنة
الخامسة إذا اغتسل وتزين وتطيب فليقصد الصحراء ماشيا فهو أولى من الركوب
وليبكر في عيد الأضحى ليتسع وقت الأضحية بعد الصلاة وليستأخر قليلا في الفطر ليتسع تفرقة الصدقات وليفطر في عيد الفطر قبل الصلاة وليمسك في عيد النحر حتى يصلي
والصلاة في الصحراء أفضل إلا بمكة فإن اتسع المسجد ببلد آخر فوجهان أحدهما المسجد أولى كمسجد مكة والثاني لا لأن مكة مخصوصة بالشرف
السادسة ينبغي أن يخرج القوم قبل الإمام ينتظرونه ولا بأس لوصلوا متنفلين فإذا خرج الإمام تحرم بالصلاة ولم ينتظر أحدا فإذا انتهى إلى المصلى نودي الصلاة جامعة وتحرم بالصلاة فيقرأ دعاء الاستفتاح أولا ثم يكبر سبعا سوى تكبيرة الإحرام والهوي ويقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا فرغ منهاتعوذ وقرأ الفاتحة وسورة ق وفي الثانية يكبر خمسا زائدة كما مضى ثم يقرأ الفاتحة وسورة اقتربت ويستحب رفع اليدين في هذه التكبيرات
وقال أبو حنيفة التكبيرات الزائدة ثلاثة في كل ركعة
وقال مالك في الأولى ستة وفي الثانية خمسة وهو مذهب ابن عباس
السابعة الخطبة بعد الصلاة وهي كخطبة الجمعة إلا في شيئين
أحدهما أنه يكبر قبل الخطبة الأولى تسع تكبيرات وقبل الثانية سبع تكبيرات علىمثال الركعتين
الثاني أن الخطيب في الجمعة كما صعد جلس لسماع الأذان وهاهنا يجلس للاستراحة إذ لا أذان وقال أبو إسحاق المروزي لا يجلس هاهنا
الثامنة إذا فرغ من الخطبة انصرف إلى بيته من طريق آخر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من طريق ويعود من طريق
فقيل كان يحذر من مكائد المنافقين وقيل ليستفتى في الطريقين وقيل كانيسلك أطول الطريقين في الذهاب لأنه قربة
ثم من شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني تأسى به ومن لم يشاركه في السبب ففي التأسي به في الحكم وجهان
التاسعة يستحب في عيد النحر رفع الصوت بالتكبير عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها الظهر من يوم العيد وآخرها الصبح من آخر أيام التشريق وهو مذهب ابن عباس
وفيه قولان آخران
أحدهما أنه يستحب عقيب ثلاث وعشرين صلاة أولها الصبح من يوم عرفة وآخرها العصر آخر أيام التشريق
الآخر أنه يدخل وقته عقيب صلاة المغرب ليلة النحر ولم يتعرض في هذا النص للأخير
والقول الثاني في الثلاث مذهب عمر وعلي رضي الله عنهما وإحدى الروايتين عن ابن عمر وابن مسعود ومذهب المزني واختيار ابن سريج
وقيل مذهب الشافعي هو الأول وما عداه حكاية لمذهب الغير
ثم اختلفوا في أربع مسائل

الأولى أن إرسال هذه التكبيرات في هذه الأيام هل يستحب من غير صلاة كما اختلفوا في أن التكبيرات المرسلة ليلتي العيدين هل تستحب عقيب الصلاة
الثانية أنها تستحب عقيب الفرائض وعقيب النوافل قولان
الثالثة لو قضيت صلاة هذه الأيام في غيرها فلا يكبر ولو قضيت فيها كبر
والتكبير مقضي أو مؤدى فيه قولان فإن قلنا مؤدى فلو قضى فيها صلاة غير هذهالأيام كبر عقيبها وإن قلنا مقضية فلا
الرابعة إذا كبر الإمام خلف صلاة على خلاف اعتقاد المقتدي فقد تردد ابن سريج في أنه هل يوافق بسبب القدوة كما يوافق في القنوت من حيث إن توابع الصلاة من الصلاة
وكيفية هذه التكبيرات أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا نسقا
وقال أبو حنيفة مرتين
ثم يقول بعده كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر
فروع أربعة

الأول لو ترك تكبيرات الركعة ناسيا وتذكرها بعد القراءة فالمنصوص جديدا أنه لا يكبر لفوات وقته وقال في القديم يكبر لبقاء القيام
ومن الأصحاب من طرد القول القديم في تدارك دعاء الاستفتاح
الثاني إذا فات صلاة العيدين بزوال الشمس ففي قضائها أربعة أقوال
أحدهما لا يقضي الثاني يقضي ولكن يوم الحادي والثلاثين إن فات يوم الثلاثين
لأنه يحتمل هذا اليوم الأداء الثالث يقضي طول هذا الشهر الرابع أنه يقضي أبدا
وقد سبق نظيره في النوافل
الثالث إذا شهدوا على الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا وإن أنشأوا الشهادة بعد الغروب يوم الثلاثين لم يصغ إليهم إذ لا فائدة إلا ترك صلاة العيد وإن أنشأوا بين الزوالوالغروب أفطرنا وبان فوات العيد
فإن رأينا قضاءها فبقية اليوم أولى أو يوم الحادي والثلاثين فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى المبادرة وفي الثاني إلى أن تشبه وقت القضاءبالأداء وفيه وجه أنا نفطر ولا نحكم بفوات الصلاة فإن الغلط ممكن وهذا شعار عظيم لا يمكن تفويته فيصلي يوم الحادي والثلاثين بنية الأداء
أما إذا شهدوا قبل الغروب ولكن عدلوا بالليل ففي فوات الصلاة وجهان أحدهما لا لأن النظر إلى وقت التعديل وقد عدل في غير وقته والثاني أن النظر إلى وقت الشهادة
الرابع إذا كان العيد يوم الجمعة وحضر أهل القرى ممن يبلغهم النداء فالقياس أنه لا يجوز لهم الانصراف حتى يصلوا الجمعة
وقال العراقيون الصحيح الجواز ورووا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرخص لأهل السواد في مثل هذا اليوم في الانصراف
كتاب صلاة الخسوف

وهي سنة في سائر الأوقات لأن لها سببا خلافا لأبي حنيفة
ولما مات إبراهيم ولد النبي عليه الصلاة والسلام كسفت الشمس فقال بعض الناس إنها كسفت لموته فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن الشمس والقمر لآيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة
ثم أقل هذه الصلاة ركعتان ينوي فيها صلاة الخسوف ثم يقرأ الفاتحة ثم يركع ثم يعتدل فيقرأ الفاتحة ثم يركع على ترتيب سائر الصلوات وكذلك يفعل في الثانية وفي كل ركعة قيامان وركوعان فلو تمادى الخسوف جاز أن يزيد ثالثا ورابعا على أحد الوجهين إذ روى أحمد بن حنبل أن الركوع في كل ركعة ثلاث فليحمل على صورة التمادي
والقياس المنع إن لم يصح الخبر
وكذا الوجهان في أنه بعد الفراغ هل يستأنف صلاة أخرى عند التمادي وكذا الوجهان في أنه هل يقتصر على ركوع واحد إن أسرع الانجلاء
فأما الأكمل فهو أن يقرأ في القومة الأولى بعد دعاء الاستفتاح سورة الفاتحة والبقرة وفي الثانية الفاتحة وآل عمران وفي الثالثة الفاتحة والنساء وفي الرابعة المائدة أو مقدارها من القرآن وذلك بعد الفاتحة في كل قومة
فأما الركوع فيسبح في الأول مقدار مائة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين
وأما السجدات فلا يطولها ونقل البويطي عنه أنها على قدر الركوع الذي قبله ولا خلاف أن القعدة بين السجدتين لا تطول
ثم إذا فرغ من الصلاة يستحب أن يخطب خطبتين كما في العيد إلا أنه لا يجهر في الكسوف بالقرآن لأنه نهاريويجهر بالخسوف لأنه بالليل
والجماعة فيها مسنونة غير واجبة
فروع ثلاثة

الأول المسبوق إذا أدرك الركوع الثاني نقل البويطي أنه لا يكون مدركا لأن الأصل هو الأول وقال صاحب التقريب يصير مدركا للقومة التي قبلها فبقي عليه قيام واحد وركوع واحد والأول أصح
الثاني تفوت صلاة الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس كاسفة وتفوت صلاة الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشمس ولا تفوت غروب القمر في جنح الليل خاسفا لأن الليل باق وسلطان القمر في جميعه
وهل تفوت بطلوع الصبح فيه قولان الجديد أنه لا تفوت لبقاء سلطنة القمر بدوام الظلمة
الثالث إذا اجتمع عيد وخسوف وخيف الفوات فالعيد أولى وإن اتسع الوقت فقولان
أحدهما الخسوف أولى لأنه على عرض الفوات بالانجلاء والثاني العيد أولىلأنه سنة مؤكدة ربما يعوض عنها عائق ولو أنكر منجم وجود الكسوف يوم العيد لم نرده على قولنا إن الله على كل شيء قدير
ولو اجتمع كسوف وجمعة قدمنا الجمعة إن خفنا فواتها وإلا فقولان كما في العيد ثم قال الشافعي رضي الله عنه يخطب للجمعة والكسوف خطبة واحدة يتعرض فيها للكسوف وللجمعة حتى لا يطول الوقت ولا بأس بوقوع الخطبة قبل صلاةالكسوف لأنها ليست من شرائطها وكذا يفعل عند اجتماع العيد والكسوف
ولو اجتمع جنازة مع هذه الصلوات فهي مقدمة إلا مع الجمعة عند ضيق الوقت ففيه خلاف والأصح تقديم الجمعة
ووجه تقديم الجنازة أن الجمعة لها بدل
ثم قال الشافعي ولا يبرز بالناس لأنه ربما يفوت بالبروز ولا يصلى لغير الخسوفين من الآيات كالزلازل وغيرها
كتاب صلاة الاستسقاء

وهي سنة عرفت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة بدعة
وسببها أن ينقطع ماء السماء أو العيون فتستحب عنده صلاة الاستسقاء ولو أخبرنا أن طائفة من المسلمين ابتلوا به فيسن لنا أن نستسقي لهم لأن المسلمين كنفس واحدة
ثم إن سقوا يوم الخروج فذاك وإن تمادى كررنا ثانيا وثالثا كما يراه الإمام فإن سقواقبل الاستسقاء خرجوا للشكر والموعظة وفي أداء الصلاة للشكر وجهان وكذا في أدائها للاستزادة في النعمة
ثم أقل هذه الصلاة كأقل صلاة العيد ووقتها وقتها
وأكملها أن يأمر الإمام الناس بالتوبة والخروج من المظالم وأن يستحل بعضهم بعضاويأمرهم بالصوم ثلاثة أيام ثم يخرجون في الرابع في ثياب بذلة وتخشع بخلاف العيد
ويستحب إخراج الصبيان وفي إخراج البهائم قصدا تردد ولا بأس بخروج أهل الذمة ويحازون إلى جانب
ومن أصحابنا من قال هي كصلاة العيد إلا أنه يبدلالسورة في إحدى الركعتين فيقرأ { إنا أرسلنا نوحا } لاشتمالها على قوله تعالى { يرسل السماء عليكم مدرارا }
ثم يخطب الإمام بعد الفراغ خطبتين كما في العيد لكن يبدل التكبيرات بالاستغفار ثم يلحقه بالدعاء في الخطبة الثانية ويستقبل القبلة فيهما ويستدبر الناس ثم يحول رداءه تفاؤلا بتحويل الحال وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلب الأعلى إلى الأسفل واليمين إلى اليسار والظاهر إلى الباطن
وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة فتعذر عليه لما حاول قلبها من الأعلى إلى الأسفل فترك
فرأى الشافعي رضي الله عنه في الجديد الإتيان بما هم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى
ويستحب أن يدعو في الخطبة الأولى ويقول اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا والله أعلم
كتاب الجنائز

والنظر فيه يتعلق بآداب المحتضر وبعسل الميت وتزيينه وتكفينه وحمل جنازته والصلاة عليه ودفنه والتعزية والبكاء عليه
فتجري فيه على ترتيب الوجود اعتيادا
القول في المحتضر

من أشرف على الموت فليستقبل به القبلة وهو أن يلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة
وقيل إنه يلقى على جنبه الأيمن كما يفعل به في لحده ويستحب أن يلقن كلمتي الشهادة برفق من غير إضجار وأن تتلى بين يديه سورة يس
وليكن هو في نفسه حسن الظن بالله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله
ثم إذا فاضت نفسه تغمض عيناه ويشد لحياه بعصابة كيلا يتشوه خلقه وتلين مفاصله كيلا يتصلب ويصان عن الثياب المدفئة فإنها يسرع إليه الفساد فيستر بثوب خفيف ويوضع على بطنه سيف أو مرآة كيلا يربو بطنه ولا يوضع عليه مصحف
القول في الغسل

والنظر في كيفيته وفي الغاسل
أما الكيفية

فأقله إمرار الماء على جميع الأعضاء كما في الجنابة
وفي النية وجهان أحدهما لا تجب لتعذرها على المغسول والثاني أنها تجب على الغاسل وإنما الميت محل الغسل وعلى هذا يبتنى غسل الكافر ومن لفظه البحر وانغسلت أعضاؤه
أما الأكمل فلتقدم عليه ثلاثة أمور

الأول أن ينقل إلى موضع خال على لوح مهيأ لذلك ولا ينزع قميصه بل يغسل فيه وإن مست الحاجة إلى مس بدنه فتق الغاسل القميص وأدخل يده فيه وإن نزع القميص جاز ولكن يستر عورته إذ يحرم النظر إليها ويكره النظر إلى جميع بدنه إلا للحاجة
الثاني أن يحضر ماء باردا كيلا يتسارع إليه الفساد وليكن طاهرا طهورا ولو استعمل السدر في بعض الغسلات جاز لكن المتغير بالسدر لا يتأدى به الغرض خلافا لأبي إسحاق المروزي
وينبغي أن يعد موضعا كبيرا للماء وينحيه عن المغتسل بحيث لا يصل إليه رشاش الماء المستعمل
الثالث أن يبدأ بالاستنجاء فليجلس الميت ويمسح يده على بطنه متحاملا بقوته لتنتفض الفضلات وعنده تكون المحجرة متقدة فائحة بالطيب ثم يرده إلى هيئة الاستلقاء ويلف خرقة على يده ويغسل إحدى سوأتيه مبالغا فيه ثم يبدل الخرقة ويغسل الأخرى وإن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم يتعهد أسنانه ومنخريه بخرقة نظيفة مبلولة ويكون ذلك كالسواك ثم يوضئه ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق فإن كانت أسنانه متراصة فلا يفتحها للمضمضة بل يوصل الماء إلى أفرة وإن كانت مفتوحة ففي إيصال الماء إلى داخل الفم تردد خيفة منتسارع الفساد ثم يتعهد شعره بمشط واسع الأسنان احترازا عن النتف ثم يبتدأ بالغسل
وكيفيته أن يضجعه على جنبه الأيسر ويصب الماء على شقه الأيمن مبتدئا من رأسه إلى قدمه ثم يضجعه على الشق الأيمن وكذلك يفعل بالشق الأيسر وهي غسلة واحدة ثم يفعل ذلك ثلاثا ويمر في كل نوبة اليد على بطنه لخروج الفضلات فإن حصل النقاء بثلاث فذاك وإلا فخمس أو سبع ثم يبالغ في نشفه صيانة للكفن عن الرطوبة ويستعمل قدرا من الكافور لدفع الهوام
فرعان

أحدهما لو خرجت منه نجاسة بعد الغسل ففيه ثلاثة أوجه أحدهما أنه يعيد الكل
الثاني أنه يعيد الوضوء دون الغسل الثالث يقتصر على إزالة النجاسة
الثاني لو احترق مسلم وكان في غسله ما يهرئه يممناه ولو كان عليه قروح وغسله يسرع إليه الفساد غسلناه لأن مصيره إلى البلى
النظر الثاني في الغاسل

ويجوز للرجال غسل الرجال وللنساء غسل النساء وعند اختلاف الجنس فلا يجوز إلا بزوجية أو محرمية ويجوز بملك اليمين للسيد في أمته ومستولداته وهل ويجوز لهما غسل السيد فوجهان
أحدهما نعم كالزوجة والثاني لا لأنهما صارتا أجنبيتين بالعنق والانتقال إلى الورثة
فرعان

الأول لو ماتت امرأة ولم تجد إلا رجلا أجنبيا أو مات رجل ولم يجد إلا أجنبية تولى الغسل من حضر مع عض البصر وكذا الخنثى يتولى غسله إما الرجال وإما النساء استصحابا لحكم الصغر
وقيل يتيمم في هذه الصور وفقد الغاسل كفقد الماء وهو بعيد
الثاني إذا ازدحم جمع يصلحون للغسل على امرأة فالبداية بنساء المحارم ثم بعدهن بالأجنبيات ثم بالزوج ثم برجال المحارم وترتيب المحارم كترتيبهم في الصلاة هذه طريقة المراوزة
وذكر العراقيون وجها في تقديم الزوج على نساء المحارم لأنه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ووجها في تقديم رجال المحارم على الزوج لأن النكاح منقطع بالموت ولا شك أن المسلم الأجنبي أولى من القريب المشرك
هنا إذا تنافسوا فإن تواكلوا فللمتأخر أن يتعاطى الغسل
قال الشيخ أبو محمد الترتيب بين الرجال والنساء واجب لا يدخله الخيرة أما التواكل بين الرجال أو بين النساء فغير ممتنع
القول في التزيين

وفي قلم أظفار الميت وحلق شعره الذى كان يحلقه ندبا في حال الحياة قولان
أحدهما يستحب لقوله عليه الصلاة والسلام افعلوا بموتاكم ما تفعلون بأحيائكم والثاني لا لأن حكم الموت شامل لأجزائه فلا يفصل منه شئ
أما المحرم فلا يحلق شعره ولا يخمر رأسه إن كان رجلا ووجهه إن كانت امرأة ولا يقرب طيبا
وفي صيانة المعتدة عن الطيب وجهان ووجه الفرق أن امتناعها تحرز عن الرجال أو تفجع على الزوج وقد فات بالموت
القول في التكفين

وأحب الثياب إلى الله البيض ولبكن جنسه القطن أو الكتان أما الحرير فيحرم على الرجال ويكره للنساء لأجل السرف
وأقل الكفن ثوب واحد ساتر لجميع البدن فلو أوصى بما دون ذلك لم ينفذ لأنه حق الشرع
فأما الثاني والثالث فهو حق الميت ينفذ وصيته في إسقاطها والصحيح أن الورثة يلزمهم الثاني والثالث وهل للغرماء المنازعة فيها
فيه وجهان أحدهما نعم لأن تبرئه ذمته أولى من الزيادة على واحد والثاني لا لأن ذلك من تجمله بعد الموت فهو كعمايتة ودراعته في حال حياته
فأما المرأة إن لم تخلف مالا فهل يجب على زوجها تجهيزها فوجهان
أحدهما لا لأن النكاح قد انتهى الثاني نعم لأن النكاح قد استقر وأوجب الإرث وهذه آخر حاجاتها في الكسوة فإن لم نوجب على الزوج فتكفين كل فقير من بيت المال ولكن بثوب واحد أو بثلاثة فيه وجهان الظاهر أنه ثوب واحد
أما الأكمل فهو الثلاث في حق الرجال والزيادة إلى الخمس جائز من غير استحباب وفي حق النساء مستحب والزيادة على الخمس سرف على الإطلاق
ثم إن كفن في خمس فعمامة وقميص وثلاث لفائف وإن كفن في ثلاث فثلاث لفائف من غير قميص ولا عمائم كلها سوابغ
وإن كفنت في خمس فإزار وخمار وثلاث لفائف وفي قول تبدل لفافة بقميص وإن كفنت في ثلاث فثلاث لفائف وإنما التردد في القميص إذا كفنت في خمس
أما كيفية الإدراج في الكفن فأن يفرش اللفافة العليا ويذر عليها الحنوط ويبسط عليها الثانية ويذر عليها الحنوط ويبسط الثالثة ويزاد في الحنوط ويوضع الميت عليها ثم يأخذ قدرا صالحا من القطن الحليج ويلف قدرا منه ويدسه في الأليتين ثم يبسط عليه قدرا عريضا من القطن ويشد الأليتين ويستوثق كيلا يخرج منه خارج ثم يعمد إلى المنافذ من العين والفم والأنف والأذن ويلصق بكل موضع قطنه عليها كافور ثم يلف الكفن عليه
ويستحب أن يبخر الكفن بالعود وهو أولى من المسك وفي كون الحنوط واجبا أو مستحبا وجهان والصحيح أنه مستحب
القول في حمل الجنازة

والأولى أن يحمله ثلاثة ويكون السابق بين العمودين فإن لم يستقل بحمل الخشبتين فرجلان من جانبيه وهو بين العمودين فيكونون خمسة
وقال أبو حنيفة الحمل بين العمودين بدعة ومن أراد أن يحمل الجنازة فليحملها من جميع جوانبها فيحمل على عاتقه الأيمن مقدمة الجنازة ثم يرجع إلى مقابله من مؤخرتها ثميفعل ذلك بالشق الآخر
ثم المشي أمام الجنازة أفضل عندنا
وقال أبو حنيفة خلفها أفضل
وقال أحمد إن كان راكبا فخلفها وإن كان ماشيا فأمامها
والمشي أفضل من الركوب والإسراع بالجنازة أولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خيرا فإلى خير تقدمونه وإن كان غير ذلك فبعدا لأهل النار
القول في الصلاة على الميت

والنظر في أربعة أطراف
الأول فيمن يصلى عليه

وهو كل ميت مسلم ليس بشهيد فهذ ثلاثة قيود
القيد الأول الميت

وفيه مسألتان الأولى لو صادفنا عضو آدمي واحتمل كون صاحبه حيا لم نصل عليه وإن قطع بموت صاحبه غسلناه وصلينا عليه وواريناه بخرقة ودفناه وتكون هذه الصلاة على الميت الغائب
وقال أبو حنيفة لا يصلى عليه إلا إذا وجد النصف الأكبر فإنه لا تجوز الصلاة على الغائب عنده
الثانية السقط إن خرج واستهل فهو كالكبير وإن لم يظهر عليه التخطيط فيوارىفي خرقة ولا يغسل ولا يصلى عليه لأنه لم يتحقق حياته
وإن ظهر شكل الآدمي ففيه ثلاثة أقوال أحدها أنه كالكبير استدلالا بالشكل على الروح والثاني لا يغسل ولا يصلى عليه لأنه لم تحقق حياته والثالث أنه يغسل ولا يصلى عليه والدفن يجب قولا واحدا والكفن لا يجب إكماله إلا إذا أوجبنا الصلاة وإن اختلج بعد الانفصال قليلا ثم سكن فالخلاف هاهنا مرتب وأولى بأن يعتقد حياته
القيد الثاني

الإسلام فلا يصلى قط على كافر ولا على مبتدع يكفر في بدعته وإن كان الكافر حربيا فلا يجب دفنه
وأما الذمي فتحرم الصلاة عليه ولكن دفنه وتكفينه من فروض الكفايات وفاء بالذمة
وفي كلام الصيدلاني إشارة إلى أنه كالحربي إذ لم يبق له ذمة بعد الموت
فرع

إذا اختلط موتى المسلمين بالمشركين نغسلهم ونكفنهم تقصيا عن الواجب ثم عند الصلاة نميز المسلمين عن الكافرين بالنية
القيد الثالث الشهادة فلا يغسل شهيد ولا يصلى عليه
والشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال فهذه ثلاثة معان فإن كان في قتال أهل البغي أو مات حتف أنفه في قتال الكفار أو مات بعد انقضاء القتال بجراحة مثخنة أصابته في القتال أو قتله الحربي اغتيالا من غير قتال ففي الكل قولان
أحدهما يثبت له حكم الشهادة للاشتراك في المعنى والثاني لا لأن لكل وصف من هذه الأوصاف أثرا
ولا خلاف أن من أصابه في القتال سلاح مسلم أو وطأته دواب المسلمين فمات فهو شهيد ولا خلاف أن المجروح إذا كان يتوقع حياته فمات بعد انقضاء القتال فليس بشهيد وإنما القولان فيمن يقطع بأنه يموت إذا بقيت فيه حياة مستقرة
فأما القتيل ظلما من مسلم أو ذمي أو المبطون أو الغريب إذا مات فهؤلاء يصلىعليهم وإن ورد فيهم لفظ الشهادة والقتيل بالحق قصاصا أو حدا ليس بشهيد
فرعان

أحدهما تارك الصلاة إذا قتل يصلى عليه
قال صاحب التلخيص يطمس قبره ولا يكفن ولا يصلى عليه تحقيرا له وهو بعيد
الثاني قاطع الطريق إذا صلب قيل لا يصلى عليه تغليظا والظاهر أنه يغسل ويصلى عليه
وإن قلنا إنه يترك مصلوبا حتى يتهرى فالطريق أن نقتله أولا ونغسله ونصلي عليه ونصلبه في كفنه وكأن الهواء قبره
وإن قلنا يقتل مصلوبا فينزل بعد القتل ويصلى عليه ويدفن ومن يرى أنه يقتل مصلوبا ويبقى فلا يتمكن من الصلاة
فإن قيل فبماذا يفارق الشهيد غيره
قلنا في أربعة أمور
الأول الغسل فإنه حرام في حقه وإن كان جنبا لقوله عليه الصلاة والسلام زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما فاللون لون الدم والريح ريح المسك وخرج ابن سريج وجها في الجنب أنه يغسل
الثاني الصلاة عليه حرام عندنا خلافا لأبي حنيفة ومن أصحابنا من قال جائز ولكنه غير واجب
الثالث لا يزال دم الشهادة وهل يزال سائر النجاسات فيه ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأن المعفو عنه أثر الشهادة
والثاني لا لأن إزالتها يؤدي إلى إزالة أثر الشهادة
والثالث أنه إن كان يؤدي إلى الإزالة فلا يزال وإلا فيزال
الأمر الرابع التكفين في حقه كهو في حق غيره إلا أن الثياب الملطخة بالدم لا ينزع ولو نزعه الوارث أو أبدله فلا يمنع وأما الدرع والثياب الخشنة فلا شك في نزعها
الطرف الثاني فيمن يصلي

والنظر في صفة الإمام وموقفه
أما الصفة فالأولى بالصلاة القريب ولا يقدم على القرابة إلا الذكورة حتى يقدم صبي مراهق على امرأة والوالي يقدم على القريب في القديم
ثم ترتيب الأقارب أن يبدأ بالأب ثم الجد ثم الابن ثم العصبات على ترتيبهم في الولاية ثم في تقديم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب طريقان
أحدهما أن فيه قولين كما في النكاح والصحيح التقديم لأن لقرابة النساء مدخلا في الصلاة وكذلك إذا فقدنا العصبات قدمنا ذوي الأرحام والأولى تقديم المعتق عليهم كما في الإرث
فرعان

أحدهما أن السن والفقه إذا تعارضا في أخوين قالت المراوزة الأفقه أولى كما في سائر الصلوات وقال العراقيون نص الشافعي رضي الله عنه هاهنا يدل على أن السن أولى ونصه في سائر الصلوات يدل على أن الفقه أولى ففي المسألتين قولان بالنقل والتخريج ووجه تقديم السن هاهنا أن المراد الدعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الله يستحي أن يرد دعوة ذي الشيبة المسلم
الثاني عبد فقيه وحر غير فقيه وأخ رقيق وعم حر ففي المسألتين وجهان ولعل التسوية أولى لتعادل الخصال وعند التسوية لا مرجع إلا إلى القرعة أو التراضي
فأما الموقف فليقف الإمام وراء الجنازة عند صدر الميت إن كان رجلا وعند عجيزة المرأة كأنه يحاول سترها عن القوم فلو تقدم على الجنازة ففيه خلاف مرتب على تقدم المقتدي على الإمام وأولى بالجواز لأن الغائب قد يصلى عليه ويكون الميت وراء المصلي وإن كان ذلك بسبب الحاجة فلا بأس بإدخال الجنازة المسجد خلافا لأبي حنيفة
فرعان

الأول إذا اجتمع الجنائز فيجوز أن يفرد كل واحدة بالصلاة ويجوز أن يصلى على الجمع
وفي كيفية الوضع وجهان
الأصح أنه يوضع الكل بين يدي الإمام على هذه الصورة
الثاني أنه يوضع صفا مادا في يمين الإمام على هذه الصورة
الثاني أن قرب الجنازة من الإمام رتبة مطلوبة مستحق بالسبق مرة وبالتقدم في الرتبة أخرى فيوضع الرجل أولا ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة ولا يقدم بالحرية والرق ولكن بصفات دينية تزيد الرغبة في الصلاة عليه ولو سبقت جنازة امرأة فإذا ألحق رجل نحيت المرأة ولو سبق جنازة صبي لا تنحى بسبب رجل وذكر صاحب التقريب وجها أنه ينحى وعند تساوي الصفات فلا مرجع إلا إلى القرعة أو التراضي
الطرف الثالث في كيفية الصلاة

وأقلها تسعةأركان النية والتكبيرات الأربع والسلام والفاتحة بعد الأولى والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الثانية وفي الصلاة على الآل خلاف والدعاء للميت بعد الثالثة ركن وهو المقصود الأهم وقيل يكفي الدعاء للمؤمنين من غير ربط بالميت فلو زاد تكبيرة خامسة بطلت الصلاة على أحد الوجهين تشبيها لكل تكبيرة بركعة
فأما الأكمل فيرفع السيد في التكبيرات عندنا خلافا لأبي حنيفة وفي دعاء الاستفتاح والتعوذ ثلاثة أوجه
الأصح أنه لا يستحب الاستفتاح ويتعوذ لأنه من توابع القراءة ولا يجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا
وقال الصيدلاني يجهر ليلا
وفي استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات عند الدعاء للميت تردد لأنه مبني على التخفيف والأصح الاستحباب ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه لذكر بين الرابعةوالسلام
وروى البويطي أنه يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وفي تعدد السلام خلاف مرتب على سائر الصلوات والاقتصار هاهنا أولى فيسلم بتسليمة واحدة تلقاء وجهه وقيل يسلم ملتفتا إلى يمينه ويختم ووجهه مائل إلى يساره فيدير الوجه في تسليمه واحدة ولا خلاف في أنه لا يسجد في هذه الصلاة لسهو
فروع ثلاثة

الأول إن صلى شفعوي خلف من يكبر خمسا إن قلنا إن زيادة التكبير تبطل الصلاة فهي كالاقتداء بالحنفي وإن قلنا لا تبطل صحت القدوة ولكن في الموافقة في التكبير الزائد قولان جاريان في اختلاف فعل الإمام والمأموم وفي القنوت وتكبيرات العيدين أن الأولى المتابعة أم لا
الثاني المسبوق يكبر كما أدرك وإن كان الإمام في القراءة
وقال أبو حنيفة يصبر إلى أن يشتغل الإمام بالتكبيرة التى يستقبلها ثم لا بأس إن كان هو يقرأ بقية الفاتحة والإمام يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو أول صلاة المسبوقولكن يساوق الإمام في التكبيرات فإذا سلم الإمام تدارك البقية ولا يبالي وإن رفعت الجنازة
الثالث لو تخلف عن الإمام قصدا بتكبيرة بطلت صلاته لأنها كركعة وإذا لم يوافق فيما بين التكبيرتين لا يبقى للقدوة معنى
الطرف الرابع في شرائط الصلاة

وهي كسائر الصلوات وتتميز بأمور
الأول أنه لا يشترط حضور ميت بل يصلى على الغائب خلافا لأبي حنيفة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد مات بالحبشة
وإن كانت الجنازة في البلد ففي صلاة من لم يحضرها خلاف لتيسر الحضور
الثاني لا يشترط ظهور الميت بل تجوز الصلاة عليه بعد الدفن
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسكينة بعد الدفن
نعم لو دفنوا قبل الصلاة خرجوا ولكن تصح صلاتهم وصلاة الطائفة الثانية صحيحة عندنا خلافا لأبي حنيفة وليس ذلك تطوعا بل هو كما لو التحقوا بالجماعة الأولى وإنما التطوع أن يعيد الإنسان صلاة الجنازة وذلك غير مستحب
ثم في مدة جواز الصلاة بعد الدفن خمسة أوجه
أحدها أنه إلى ثلاثة أيام
والثاني إلى شهر
والثالث إلى انمحاق أجزائه
والرابع أن من كان للصلاة أهلا يوم موته يصلى عليه ومن لا فلا
الخامس أنه يجوز أبدا
وعلى هذا فلا تجوز الصلاة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عليه الصلاة والسلام لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
الأمر الثالث أن هذه الصلاة فرض على الكفاية ويسقط الفرض بصلاة أربعة من الرجال صلوا جماعة أو آحادا
وهل يسقط بجنس النساء فيه خلاف
وقيل يكفي شخص واحد وقيل لا بد من ثلاث وقيل لا بد من أربع
القول في الدفن

الدفن من فروض الكفايات وأقله حفرة توارى بدن الميت وتحرسه من السباع وتكتم رائحته
وأكمله قبر على قامة رجل ربع
واللحد أولى من الشق قال النبي صلى الله عليه وسلم الشق لغيرنا واللحد لنا وليكن اللحد في جهة القبلة ثم توضع الجنازة على رأس القبر بحيث يكون رأس الميت عند مؤخر القبر فيسل الواقف داخل القبر الميت من قبل رأسه ويضعه في اللحد
وقال أبو حنيفة توضع الجنازة بين القبلة والقبر عرضا ثم ترد قهقرى إلى القبر
ثم قال الشافعي رضي الله عنه لا يدخل الميت قبره إلا الرجل
فإن كان الميت امرأة فيتولى ذلك زوجها أو محارمها فإن لم يكونوا فعبيدها فإن لم يكونوا فخصيان فإن لم يكونوا فأرحام فإن لم يكونوا فالأجانب وذلك لأنهن يضعفن عن مباشرة هذا الأمر
ثم إن كان المدفون صبيا استقل به واحد فإن زاد فليكن عددهم وترا
ثم يضجعون الميت على جنبه الأيمن في اللحد قبالة القبلة بحيث لا ينكب ولا يستلقي وحسن أن يفضي بوجهه إلى تراب أو لبنة موضوعة تحت رأسه ولا يوضع رأسه على مخدة ثم ينصب اللين على فتح اللحد ويسد الفرج بما يمنع انهيار التراب عليه ثم يحثو كل من دنا ثلاث حثيات من التراب ثم يهال التراب عليه بالمساحي ولا يرفع نعش القبر إلا بمقدار شبر ولا يجصص ولا يطين ولو صب الحصى عليه فلا بأس ولو وضع حجر على رأس القبر للعلامة فلا بأس
ثم تستطيع القبور عند الشافعي رضي الله عنه أفضل من تسنيمها لكن التسنيم الآن أفضل مخالفة لشعار الروافض حتى ظن ظانون أن القنوت إن صار شعارا لهم كان الأولى تركه هذا بعيد في أبعاض الصلاة وإنما نخالفهم في هيئات مثل التختم في اليمين وأمثاله
ثم الأفضل أن يمكث المشيع للجنازة إلى أن يواري الميت قال صلى الله عليه وسلم من صلى على ميت وانصرف فله قيراط من الأجر ومن صلى واتبع الجنازة وشهد الدفن فله قيراطان
فرعان

الأول أنه لا يدفن في قبر واحد ميتان ما أمكن وإن اجتمع موتى في قحط وموتان جعلنا الرجلين والثلاثة في قبر واحد وقدمنا الأفضل إلى جدار اللحد فيقدم الأب على الابن والابن على الأم لمكان الذكورة ولأنه الأحسن في هيئة الوضع ولا يجمع بين الرجال والنساء فإن ظهرت الضرورة جعلنا بينهما حاجزا من التراب
الثاني القبر محترم فيكره الجلوس والمشي والاتكاء عليه وليخرج الزائر منه إلا حد كان يقرب منه لو كان حيا ولا يحل نبش القبور إلا إذا انمحق أثر الميت بطول الزمان أو دفن من غير غسل فالظاهر أنه ينبش القبر ويغسل أو دفن في أرض مغصوبة وترك المالك إخراجه فإن حق الحي أولى بالمراعاة
ولو دفن قبل الصلاة صلي عليه في القبر
ولو دفن قبل التكفين فوجهان
أظهرهما أنه لا ينبش لأن القبر ستره بخلاف الغسل فإن مقصوده لا يحصل بالدفن
ولو دفن في كفن مغصوب فثلاثة أوجه
أظهرهما أنه ينبش كالأرض المغصوبة وكما لو ابتلع لؤلؤة فإنه يشق بطنه لأجل ملك الغير
والثاني أنه في حكم الهالك فيغرم القيمة إن أمكن وإلا فالنبش عند العجز عن القيمة لا بد منه
والثالث أنه إن تغير الميت وأدى إلى هتك حرمته فلا ينبش وهو الأقيس وإلا فينبش
القول في التعزية والبكاء

والتعزية سنة قال عليه الصلاة والسلام من عزى مصابا فله مثل أجره
ومقصوده الحمل على الصبر بوعد الأجر والتحذير من الوزر بإفراط الجزع وتذكير المصاب رجوع الأمر كله إلى الله تعالى
ثم يعزى الكافر بقريبه المسلم والدعاء للميت ويعزى المسلم بقريبه الكافر ويكون الدعاء للحي فيقول جبر الله مصيبتك وألهمك الصبر ويستحب تهيئة طعام لأجل أهل الميت ولا يؤثر التعزية بعد ثلاث لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث
أما البكاء فجائز من غير ندبة ونياحة وشق جيب وضرب خد فكل ذلك حرام لأنه يخالف الانقياد لقضاء الله تعالى
بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أولاده فقال سعد ما هذا فقال إنها رحمة وإن اللهيرحم من عباده الرحماء
فإن قيل أليس قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه هكذا رواه عمر
قلنا قال ابن عمر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إنما قال يزاد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه حسبكم قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى }
وكان الكفار يوصون بالبكاء والنياحة فلذلك زيد في عذابهم
وقالت عائشة رضي الله عنها ما كذب عمر ولكنه أخطأ ونسي إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية ماتت ابنتها وهي تبكي فقال عليه الصلاة والسلام إنهم يبكون عليها وإنها تعذب في قبرها
باب تارك الصلاة

تارك الصلاة يقتل قال عليه الصلاة والسلام من ترك صلاة متعمدا فقد كفر
معناه عند الشافعي استوجب عقوبة الكافر وحكم أحمد بكفره وقال أبو حنيفة بخلى ولا قتل عليه
ثم الصحيح أنه يقتل بصلاة واحدة إذا تركها عمدا وأخرجها عن وقت الضرورة فلا يقتل بصلاة الظهر إلا إذا غربت الشمسوفي مهلة الاستتابة ثلاثة أيام خلاف كما في استتابة المرتد
وقد قيل إنه لا يقتل إلا إذا صار الترك عادة له وقيل إذا ترك صلاتين أو ثلاثة فكل ذلك تحكم
ثم يقتل بالسين ويصلى عليه كما يصلى على المسلمين
وقال صاحب التلخيص لا يرفع نعشه ولا يصلى عليه وهو تحكم لا أصل له والله أعلم
كتاب الزكاة

الأصل فيها من الكتاب قوله تعالى { وآتوا الزكاة }
ومن السنة قوله عليه السلام بني الإسلام على خمس الحديث وقوله مانع الزكاة في النار
والإجماع منعقد على وجوب الزكاة وهي بالإضافة إلى متعلقاتها ستة
زكاة النعم والنقدين والتجارة والمعشرات والمعادن والفطرة
النوع الأول الزكاة النعم والنظر في وجوبها وآدائها
الطرف الأول في الوجوب وله ثلاثة أركان
من يجب عليه وما يجب فيه وهو السبب والواجب
أما من يجب عليه فلا يشترط فيه عندنا إلا الحرية والإسلام فتجب الزكاة على الصبي والمجنون ولا تجب على الكافر والرقيق أعني الكافر الأصلي
وأما صفة الواجب وقدره فيتبين ببيان مقادير النصاب
وإنما يطول النظر في الركن الثالث وهو ما يجب فيه وله ستة شرائط أن يكون نعما نصابا مملوكا متهيئا لكمال التصرف سائمة باقيا حولا
الشرط الأول أن يكون نعما

فلا زكاة إلا في الإبل والبقر والغنم ولا زكاة في البغال والحمير والخيل والرقق
وقال أبو حنيفة في كل فرس أنثى سائمة دينار
ولا زكاة في المتولدة من الظباء والغنم
وقال أبو حنيفة إن كانت الأمهات من الغنم وجب الزكاة
الشرط الثاني أن يكون نصابا

أما الإبل ففي أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة
فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر وليس معه شيء
فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون
فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة
وإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة
فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنت لبون
فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان
فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة
كل ذلك لفظ أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كتبه في كتاب الصدقة لأنس بن مالك
وبنت المخاض لها سنة وبنت اللبون لها سنتان وللحقة ثلاث وللجذعة أربع
أما البقر فلا شيء فيه حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع وهو الذي له سنة ثم لا شيء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم لا شيء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان
ثم استقر الحساب ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وهي التى لها سنتان
وأما الغنم فقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة وفيه في الغنم في كل أربعين شاة إلى عشرين ومائة فإذازادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة
والشاة الواجبة في الغنم هي الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز والجذعة هي التي لها سنة واحدة وقيل ستة أشهر والثنية التى لها سنتان ثم يتصدى النظر في زكاة الإبل فيستة مواضع
النظر الأول في إخراج الشاة عن خمس من الإبل وفيه ثلاث مسائل
الأولى أن الواجب من حيث السن جذعة من الضأن أو الثنية من المعز ومن حيث النوع أعني تعيين الضأن من المعز فيه وجهان أحدهما أنه يعتبر غالب غنم البلد فإن كان الغالب الضأن أخرج الضأن كما تعتبر زكاة الفطر بغالب القوت على الأصح خلاف الشاة الواجبة في أربعين فإنه يعتبر بالمخرج منه لأنه من جنسه
والثاني أنه يخرج ما شاء فإنه ينطلق عليه اسم الشاة ولم يجب إلا شاة كما يجري في الرقبة المطلقة في الكفاءة ما ينطلق الاسم عليه وكذا الشاة المذكورة في المناسك
وقيل إنه يعتبر جنس غنم صاحب الإبل وهو بعيد
الثانية لو أخرج جدعا ذكرا أو ثنيا ذكرا فيه وجهان
أحدهما يجزئ اتباعا للاسم والثاني لا تنزيلا للمطلق هاهنا على المفصل في زكاة الغنم وهي الأنثى وهذا الخلاف جاء في شاة الجبران
الثالثة لو أخرج بعيرا عن العشرين فما دونه يجزئ لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فهو بأن يجزئ عن الأقل أولى ولا بأس وإن كانت قيمته أقل من الشاة
وقال القفال لا يؤخذ ناقص القيمة وهو بعيد لأنه التفات إلى البدل ولم يوجد هذا بطريق البدلية
وقيل إنه لا يجزئ بعير عن عشرة بل لا بد من حيوانين إما بعير وشاة وإما بعيران
وهو أيضا بعيد لما ذكرناه من طريق الأولى
وترددوا في أن البعير المخرج من الخمس هل كله فرض أو الفرض خمسه
النظر الثاني في كيفية العدول عن بنت مخاض عند فقدها إلى ابن لبون وفيه أربع مسائل
الأولى إن لم يكن في ماله بنت مخاض ولا ابن لبون تخير في الشراء لأنه مهما اشترى ابن لبون فقد صار موجودا دون بنت مخاض ويلزم أخذه وقال صاحب التقريب يتعين شراء بنت مخاض لاستوائهما في الفقد كاستوائهما في الوجود
الثانية لو كان في ماله بنت مخاض معيبة فهي كالمعدومة فيؤخذ منه ابن لبون وإن كانت كريمة فلا يطالب بها قال القفال يلزمه شراء بنت مخاض لأنها موجودة في ماله وإنما نزل نظرا له فلا يؤخذ ابن لبون وقال غيره يؤخذ لأنها كالمعدومة إذ لا يجب تسليمها
الثالثة الخنثى من بنات لبون تؤخذ بدلا عن بنت مخاض عند فقده لأنه بين أن يكون ذكرا أو أنثى وكلاهما مأخوذان وقيل إنه لا يؤخذ بدلا عن بنت مخاض لتشوه الخلقة بهذا النقصان
الرابعة لو أخرج حقا بدلا عن بنت لبون عند فقدها أخذ جبرا لفوات الأنوثة بزيادة السن وقياسا على ابن لبون بالنسبة إلى بنت مخاض وقال صاحب التقريب يحتمل أنه لا يؤخذ لأنه بدل وليس منصوصا عليه
النظر الثالث في الاستقرار فإذا زادت واحدة على مائة وعشرين ففيها ثلاث بناتلبون وفي انبساط الواجب على الواحدة وجهان أحدهما القياس أنه ينبسط والثاني أنه لا ينبسط حتى يكون في كل أربعين بنت لبون وعلى هذا بنى أنه لو زاد نصف بعير على مائة وعشرين وجب ثلاث بنات لبون وهو بعيد
وأما أبو حنيفة فإنه قال يستأنف الحساب عند ذلك فيجب في كل خمس شاة وقال ابن خيران يتخير بين مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما
النظر الرابع في اجتماع بنات اللبون والحقاق فإذا ملك مائتين من الإبل فهي أربع خمسينيات وخمس أربعينيات فإن لم يوجد في ماله إلا أحد السنين أخذ وإن فقد فله أن يشتري ما شاء على الصحيح وإن وجدا جميعا فالواجب إخراج الأغبط للمساكين لأنهما متساويان في الوجوب والوجود ولا بد من ترجيح فغرضالمساكين أولى ما يرجح به بخلاف الشاتين والدراهم في الجبران فإن لفظ الخبر دل على أن الخيرة للمعطي فيه
وخرج ابن سريج قولا أنه يتخير هاهنا كما في الجبران ونقل العراقيون قولا أن الحقة تتعين لأن رغبة الشرع في زيادة السن أكثر منه في زيادة العدد فإنه لم يزد في العدد إلا بعد انقطاع الأسنان المعتبرة
التفريع على النص إذا أخرج غير الأغبط فأخذ الساعي عمدا لم يقع الموقع وإن أخذه باجتهاده فوجهانفإن قلنا يقع الموقع ففي وجوب قدر التفاوت وجهان فإن قلنا يجب فإن لم يجد به شقصا أخذنا الدراهم فإن وجد فهل يجب شراء شقص فوجهان فإن قلنا يجب فيشتري من جنس الأغبط أو من جنس المخرج فوجهان
فروع ثلاثة

الأول لو أخرج حقتين وبنتي لبون ونصف ولم يجز للتشقيص فلو ملك أربعمائة فأخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون فالأظهر الجواز
وفيه وجه أنه لا يجوز التفريق في جنس المخرج
الثاني لو جعل الحقاق الأربع أصلا ونزل إلى بنات المخاض وضم ثمانية جبرانات واتخذ بنات اللبون أصلا ورقي إلى الجذاع وطلب عشر جبرانات لا يجوز لأنه تخطى في الصورتين سنا واجبا هو أصل في نفسه وتكثير الجبران بغير حاجة لا يجوز
الثالث لو كان في ماله حقة وأربع بنات لبون فجعل بنات اللبون أصلا وأخذ جبرانا للحقة جاز ولو جعل الحقة أصلا وأخرج معها ثلاث بنات لبون وثلاث جبرانات فالمذهب جوازه
وقيل يمتنع لأنه يبقى في ماله بنت لبون وهو مستغن عن الجبران فيه
النظر الخامس في الجبران وجبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب شاتان أو عشرون درهما منصوص عليه وإن رقي بسنين جمع بين جبرانين
ولا مدخل للجبران في زكاة البقر وفيه أربع مسائل
الأولى أن الخيرة إلى المعطى في تعيين الشاة أو الدراهم وفي الانخفاض لتسليم الجبران أو الارتفاع لأخذ الجبران قيل الخيرة فيه إلى المالك ومن أصحابنا من نقل نصا عن الإملاء أن المتبع الأغبط للمساكين كما في اجتماع الحقاق وبنات اللبونوهو بعيد لأنه أثبت ترفيها للمالك كيلا يحتاج إلى الشراء فلا يليق به إلا التخيير
نعم لو كانت إبله مراضا فوجب بنت لبون فأخرج بنت مخاض مع جبران قبل ولو ارتقى إلى حقة وطلب جبرانا لم يجز لأنه ربما يزيد قيمة الجبران على المريضة
الثانية لو وجب بنت مخاض فنزل إلى فصيل مع جبران لم يجز لأنه ليس ذلك سنا ولو وجبت جذعة فأخرج ثنية وطلب جبرانا فوجهان أحدهما له ذلك كسائر الأسنان والثاني لا لأن الثنية ليست من أسنان الزكاة
الثالثة لو كان عليه بنت لبون فلم يجد وفي ماله حقة وجذعة فرقي إلى الجذعة وطلب جبرانين ففي جوازه وجهان وجه المنع أنه مستغن عن الجبران الثاني بوجود الحقة
وكذا الخلاف إذا نزل من الحقة إلى بنت المخاض مع وجود بنت اللبون ولو رقي من بنت لبون إلى الجذعة مع وجود بنت مخاض فوجهان مرتبان وأولى بالجواز لأن القريب الموجود ليس في جهة الترقي
الرابعة لا يجوز تفريق الجبران الواحد بإخراج شاة وعشرة دراهم ولو رقي سنينأو نزل وجمع بين عشرين درهما وشاتين جاز كما في كفاءة يمينين
النظر السادس في صفة المخرج من حيث النقصان والكمال والنقصان خمسة المرض والعيب والذكورة والصغر ورداءة النوع كالمعز بالنسبة إلى الضأن فإن كان كل المال كاملا في هذه الصفات لم يؤخذ إلا الكامل وإن كان كل المال ناقصا فيؤخذ من جنسه إلا في نقصان الذكورة والسن فإن فيها وجهين أحدهما يؤخذ قياسا على غيره والثاني لا لأن اسم الشاة أو بنت لبون ينطلق على المريضة والمعيبة والرديئة ولا ينطلق على الذكر والفصيل وقد وجب بلفظ بنت لبون مثلا ولأنه يؤدي أخذ الذكر والصغير إلى التسوية بين القليل والكثير فيؤخذ من إحدى وستين واحدة ومن خمس وعشرين واحدةويؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون ومن خمس وعشرين وهذا محال
وفيه وجه ثالث أنه حيث يؤدي إلى التسوية فلا يأخذ إلا أنثى وكبيرة وإن جاوز هذا المقدار وأخذ من الصغار صغيرة أما إذا اختلف المال في هذه الصفات أما في صفة الذكورة والصغر فلا يأخذ إلا الأكمل فإذا كان في المال أنثى وكبيرة فلا يأخذ إلا الأنثى والكبيرة لأنه قال في خمس وعشرين بنت مخاض والغالب أن كل المال لا ينفك عن الصغير والذكر ولما روي أن عمر قال لمصدقه اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم وخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز فذلك عدل بين غذاء المالالمال وجباره
الأكولة ما اتخذ للأكل والربى التى تربي ولدها والماخض الحامل
وكل ذلك لا يؤخذ نظرا للمالك فإن تبرع به قبل
وأما صفة المرض فإذا انقسم المال إلى صحيح ومريض لم يؤخذ إلا الصحيح نعم يؤخذ صحيح في أقل الدرجات حتى بالغ بعض أصحابنا وقال لو كان الصحيح واحدة والواجب شاتان صحيح فأخرجها مع مريضة لم يجز لأن المريضة تزكى المخرج معها وهي صحيحة وهذا سرف بل يقضى بأنه إذا لم يستبق شيئا من الصحيح جاز ثم يكتفى بصحيحة بقرب قيمتها من ربع عشر ماله إذا كان المملوك أربعين من الغنم كيلا يؤدي إلى الإجحاف به
أما صفة العيب فإذا انقسم المال إلى معيب وصحيح فليخرج باعتبار القيمة ما يكون مساويا ربع عشر ماله في صورة الأربعين وإن كان الكل معيبا وبعضه أردأ قال الشافعي رضي الله عنه يخرج أجود ما عنده وقال الأصحاب يأخذ الوسط بين الدرجتين وهو الأصح وأما اختلاف النوع كالمعز والضأن والأرحبيةوالمهرية ففيه قولان أحدهما الأخذ بالأغلب لأن تمييز ذلك عسير وإن استويا فهو كاجتماع الحقاق وبنات اللبون والثاني أنه يأخذ من كل بقسطه حتى لو ملك عشرة أرحبية وعشرة مجيدية وخمسا مهرية فإنا نأخذ قيمة خمس ببنت مخاض أرحبية وخمس مجيدية وخمس مهرية ويشترى به صنفا من هذه الأصناف
فخرج من هذا أنه مهما اختلف المال في الذكورة والأنوثة والصغيرة والكبيرة لا يأخذ إلا الكبيرة والأنثى وإن اختلف في المرض والعيب والسلامة فيأخذ بالنسبة من كل واحد وإن اختلف في النوع فقولان هذا بيان النصاب ولا زكاة على من لم يملك نصابا إلا إذا تم بالخلطة نصابا
باب صدقة الخلطاء
وفيه خمسة فصول
الأول في حكم الخلطة وشرطها

وحكم الخلطة تنزيل المالين منزلة ملك واحد في وجوب الزكاة وقدره وأخذه
ثم قد يفيد ذلك تقليلا كمن خلط أربعين بأربعين لغيره فلا يلزمه إلا نصف شاة وقد يفيد تثقيلا كمن خلط عشرين بعشرين لغيره فيلزمه نصف شاة
وأنكر أبو حنيفة أثر الخلطة ونفى مالك أثره فيما دون النصاب
ودليل تأثير الخلطة قوله عليه السلام لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية والخليطان ما اجتمعا على الرعي والفحولة والحوض
وللخلطة ستة شروط اتفقوا على اثنين منها
الأول أن يكون الخليط أهلا لوجوب الزكاة فلا أثر للخلطة مع المكاتب والذمي
الثاني اتحاد المسرح والمراح والمرعى والمشرع فإن التفريق في شئ من ذلك ينافي الخلطة في نفس المال
الثالث اشتراك الراعي والفحل والمحلب وفيه وجهان من حيث إن الاستبداد به ليس تفريقا في نفس المال بل في تصرف متعلق بالمال ثم من شرط الاشتراك في المحلب لم يشترط على الصحيح خلط اللبن بل يكتفي أن تكون المحالب بينهم فوضى
الرابع أن الاختلاط في جمع السنة هل يشترط فيه قولان كما سيأتي ذكرها
الخامس أن القصد هل يراعى في الخلطة حتى لو اختلفت المواشي بنفسها أو تفرقت بنفسها من غير قصد المالك فهل يؤثر فيه وجهان كما سيأتي في العلف والإسامة
السادس أن يكون ما فيه الخلطة نعما
أما الثمار والزروع فهل تقاس الخلطة فيها على المواشي فيه ثلاثة أقوال أحدها نعم لأنه مال زكاة يحصل الرفق فيه بالخلطة كالمواشي والثاني لا لأن الخلطة في المواشي قد تزيد في الزكاة وقد تنقص وهاهنا لا يفيد إلا مزيدا فلم يكن في معناه الثالث أنه يثبت خلطة الشيوع دون خلطة الجوار إذ لا تتحد المرافق بالتجاور وغاية الممكن فيه اتحاد الناطور والنهر
وأما الدراهم والدنانير فالمذهب أن خلطة الجوار لا تؤثر فيها إذ لا وقع لاتحاد الحانوت والحارس وفي خلطة الشيوع قولان
الفصل الثاني في التراجع

فإن كانت الأموال شائعة فلا حاجة إليه وإن كانت متجاورة مختلطة فالساعي يأخذ من عرض المال ما ينفق ثم يرجع المأخوذ منه بقيمة حصة خليطه فلو خلط أربعين من البقر بثلاثين لغيره فأخذ الساعي كلاهما من صاحب الأربعين رجع على الآخر بقيمة ثلاثة أسباع تبيع ومسنة وإن أخذهما من صاحب ثلاثين رجع على الآخر بأربعة أسباع ما أخذ منه وإن أخذ المسنة من صاحب الأربعين والتبيع من صاحب الثلاثين رجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على خليطه ورجع باذل التبيع بأربعة أسباعه على خليطه لأن جميع المالين كمال واحد
وقال أبو إسحق المروزي إذا قدر الساعي على أن يعنيهما عن التراجع بأن يأخذ من كل واحد واجبه لزمه ذلك
وما ذكره قادح في فقه الخلطة لأنه يبطل حكم اتحاد المالين
الفصل الثالث في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد

فإذا ملك أربعين من الغنم غرة المحرم وملك غيره مثله في ذلك الوقت ثم خلطا غرة صفر فالقول الجديد أن الواجب في الحول الأول على كل واحد شاة تغليبا للانفراد وعلى القديم يجب نصف شاة نظرا إلى آخر الحول
فأما إذا ملك الثاني غرة صفر وخلط غرة ربيع الأول فقد زاد تفرق أوائل الحولين فعلى الجديد تجب زكاة الانفراد في السنة الأولى إذا تمت على كل واحد ثم زكاة الخلطة بعدها وعلى القديم تجب زكاة الخلطة في الأولى والثانية على كل واحد نصف شاة إذا تمت سنته
وخرج ابن سريج في اختلاف الحولين قولا ثالثا وهو أن الواجب أبدا زكاة الانفراد فإن الاتحاد قد تعذر بتفرق الأحوال وكان هذا شرط سابع في الخلطة ثم طرد هذا فيالواحد إذا اشترى أربعين ثم اشترى أربعين وجب في كل أربعين شاة عند تمام سنته أبدا ولا يجري فيما إذا اشترى عشرين ثم اشترى عشرين لأن الحول انعقد عليهما في وقت واحد
فرعان

أحدهما إذا ملك أحدهما أربعين وملك الآخر بعد شهر أربعين وكما ملك خلط فعلى القديم على كل واحد عند كمال سنته نصف شاة وعلى الجديد على الأول شاة وعلى الثاني نصف شاة فإنه كان خليطا في جميع سنته
وذكر بعض أصحابنا أن عليه شاة لأن خليطه لم ينتفع بخلطته فهو أيضا لا ينتفع بتسوية بينهما وهو بعيد
الثاني إذا ملك أربعين من الغنم وملك آخر عشرين بعد شهر وخلطه به فعلى الحديد يجب على الأول شاة عند كمال سنته وعلى الشريك ثلث شاة وعلى القديم على الأول ثلثا شاة وعلى الثاني ثلث شاة وعلى التخريج على الأول شاة وعلى الثاني لا يجب شئ أصلا
الفصل الرابع في اجتماع المختلط والمنفرد في ملك واحد

فلو خلط عشرين بعشرين لغيره وهو يملك أربعين ببلدة أخرى فقد اجتمع في حقه الخلطة والانفراد ففيه قولان أحدهما أن الخلطة خلطة ملك على معنى أن ارتباط الملك لا يتقاعد على المجاورة فكأنه خلط جميع ملكه بالعشرين والثاني أن الخلطة خلطة عين على معنى أن معنى الخلطة لا يتعدى إلى غير المخلوط فإن قلنا بخلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وعلى القول الآخر عليه ربع شاة وكأنه خلط بستين أما صاحب الستين فقد اجتمع في حقه الأمران الانفراد والخلطة فعلى وجه تلزمه شاة تغليبا للانفراد وكأنه انفرد بالجميع وعلى وجه ثلاثة أرباع شاة تغليبا للخلطة فكأنه خالط بالجميع وعلى وجه خمسة أسداس ونصف سدس جمعا بين الاعتبارين فيقدر في الأربعين كأنه منفرد بجميع الستين فيخص الأربعين ثلثا شاة ونقدر في العشرين كأنه مخالط بالجميع فيخص العشرين ربع شاة والمجموع ما ذكرناه
وفيه وجه رابع أن هذا التقدير في الأربعين صحيح ولكن في العشرين يأخذ حكمه من حكم خليطه فيلزمه نصف شاة مضموما إلى ثلثى شاة في الأربعين فالمجموع شاة وسدس ولو خلط عشرين بعشرين لغيره انفرد كل واحد بالأربعين فالأوجه الأربعة جارية في حق كل واحد منهما لتساويهما
الفصل الخامس في تعدد الخليط

إذا ملك أربعين فخلط عشرين بعشرين لرجل وعشرين بعشرين لآخر وهما لا يملكان غيره فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ضما إلى مال الخليطين فإن الكل ثمانون وأما صاحب العشرين فيلزمه ثلث شاة ضما لماله إلى مال خليطه فقط أو ربع شاة ضما إلى خليط خليطه حتى يكون المجموع ثمانين فيه وجهان
وإن فرعنا على خلطة العين فعلى صاحب العشرين نصف شاة وفي صاحب الأربعين الوجوه الأربعة فإن قلنا بتغليب الانفراد فقد انفرد عن كل خليط ببعض ماله فكأنه انفرد بالكل فعليه شاة وهو هاهنا بعيد
وإن قلنا بتغلب الخلطة فعليه نصف شاة فكأنه خلط أربعين بأربعين وإن قلنا يجمع بين الاعتبارين فإن أخذنا حكمه من حكم خليطه فعليه في كل عشرين نصف شاة وإن عرفناهبالنسبة فنقول لو كان جميع ماله مع هذا لكان الكل ستين وواجبه ثلثا شاة وحصة عشرين منه ثلث وكذا في حق الآخر فيجتمع ثلثان
ولو ملك خمسا وعشرين من الإبل فخلط كل خمسة بخمسة لرجل آخر فمجموع المال خمسون فإن قلنا بخلطة الملك فعلى مالك الخمس والعشرين نصف حقة لأن في الخمسين حقة وفي حق كل واحد منهم إن صممنا ماله إلى خليط خليطه فواجبه عشر حقة لأن المجموع خمسون وإن لم نضم إلا إلى خليطه فواجبه سدس بنت مخاض لأن المجموع ثلاثون
وإن فرعنا على قول خلطة العين فتعود الأوجه الأربعة فعلى تغليب الانفراد يجب بنت مخاض وعلى تغليب الخلطة نصف حقة وعلى أخذ حكمه من حكم خليطه خمس شاة وعلى النسبة في الاعتبارين خمسة أسداس بنت مخاض إذ ينسب جميع ماله إلىكل خليط فيكون ثلثين وواجبه بنت مخاض وحصة الخمس سدس بنت مخاض فيجتمع خمسة أسداس لأجل كل خليط
فرع

إذا ملك خمسا وستين من الغنم فخلط خمسة عشر منها بخمسة عشر لرجل لا يملك غيرها فإن قلنا بخلطة العين فلا أثر لهذه الخلطة لأن المختلط ليس نصابا وإن قلنا بخلطة الملك فوجهان أحدهما أنه لا عبرة به لأنا نتبع المنفرد المخلوط إذا كان نصابا
والثاني أنا نعتبره وكأن الكل مخلوط فعلى صاحب الخمس وستين ستة أثمان ونصف ثمن شاة وباقي الشاة على خليطه
الشرط الثالث أن يبقى النصاب حولا

فلا زكاة في الغنم حتى يحول عليه الحول إلا السخال الحاصلة من مال الزكاة في وسط الحول فإنه تجب الزكاة فيها إذا أسيمت بحول الأمهات فإن حصل من غير مال الزكاة وكان نصابا أفرد بحوله ولم يضم إلى المال في الحول خلافا لأبي حنيفة لكن يضم إليه في العدد كما ذكرناه في الخلطة
فروع ثلاثة

الأول إذا ملك تسعا وثلاثين شاة فتجب شاة سخلة استفتح الحول من الوقت لأن الأصل لم يكن نصابا ولم ينعقد عليه حول حتى يجري السخال في حوله ولو ملك مائة وعشرين فنتجت سخلة وجبت شاتان آخر الحول لأن ما سبق جار في الحول
الثاني إذا حصلت السخال بعد الحول وقبل الإمكان جرت مع الأمهات في الحول الثاني ولم يجب فيها زكاة في الحول الأول وإن قلنا إن الإمكان شرط وجوبه لأنالحول الثاني ناجز وهو أولى من المنقضي
الثالث لو ماتت الأمهات كلها والسخال نصاب لم تنقطع التبعية وقال أبو حنيفة تنقطع التبعية إلا إذا بقي من الكبار واحد ولو من الفحول
وشرط أبو القاسم الأنماطي بقاء نصاب من الأمهات
الشرط الرابع أن لا يزول ملكه في أثناء الحول

فكل ما تجب الزكاة في عينه كالنعم والنقدين فإذا أبدله بمثله انقطع الحول فإذا عاد إلى ملكه ولو بفسخ أو رد بعيب استؤنف الحول ولم يبن على ما مضى
وكذلك إذا انقطع ملكه بالردة ثم أسلم وكذلك إذا مات لا يبنى حول وارثه على حوله
وفي القديم قولان أحدهما يبنى وطرد ذلك في الانقطاع بالردة إذا عاد إلى الإسلام ومن قصد بيع ماله في آخر الحول دفعا للزكاة أثم وسقطت الزكاة
وقال مالك لا يصح بيعه
الشرط الخامس السوم

ولا زكاة في معلوفة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في سائمة الغنم زكاة ثم العلف بما لا يقوم لايؤثر ولو علف معظم السنة أثر وفي الضبط بينهما أربعة أوجه
أحدهما أن الزكاة تسقط به ولو في لحظة لأنها لا تسمى سائمة في جميع السنة
والثاني أن السائمة في معظم السنة تسمى سائمة
والثالث أن المسقط علف في مدة تهلك الدابة فيها لو لم تعلف حتى لو أسامها نهارا وعلفها ليلا وجبت الزكاة
والأفقه أن المسقط قدر يعد مؤونة بالإضافة إلى رفق السائمة
فرعان

أحدهما أن القصد هل يعتبر في السوم والعلف فيه وجهان أحدهما لا اتباعا للاسم والثاني نعم لأن المراد بالسائمة ما أعد للسوم قصدا فعلى هذا لو استامت المعلوفة بنفسها أو اعتلفت سائمة لم يؤثر
قال الشيخ أبو علي معنى القصد أنه لو تراكمت الثلوج وغطت المراعي فعلفها المالك ترقبا لزوال الثلج لم تسقط الزكاة لأنها تعد سائمة
الثاني إذا سام الغاصب معلوفة الغير سنة فوجوب الزكاة يبتنى على مراعاة القصد ولو علف سائمة الغير سنة فالسقوط أيضا كذلك وهاهنا أولى بأن لا يؤثر فعل الغاصب لأنه لا مؤنة على المالك بعلفه وهو مطلوب السوم فإن قلنا تجب الزكاة في معلوفة أسامها الغاصب ففي رجوعه بالزكاة على الغاصب وجهان أحدهما ينظر فيه إلى نسبته بالإسامة وفي الثاني إلى أن السبب هو المال
الشرط السادس كمال الملك

ومثار الضعف ثلاثة أمور
الأول امتناع التصرف وله مراتب

الأولى المبيع قبل القبض إذا تم عليه الحول قطع صاحب التقريب بوجوب الزكاة لأنه قادر على التصرف بالقبض وتسليم الثمن
وقال القفال لا تجب لضعف ملكه وامتناع تصرفه مع إذن البائع
الثانية المرهون إذا تم الحول عليه فيه أيضا وجهان لامتناع التصرف
الثالثة المغصوب والضال والمجحود الذي لا بينة عليه فيه ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يعود إليه بفوائده فتجب الزكاة أولا يعود فلا تجب ولا خلاف في أن التعجيل قبل رجوعالمال ليس واجبا ولكن إذا عاد إليه فهل يزكيها لما مضى من أحواله فيه الخلاف
أما من حبس من ماله وجبت الزكاة عليه لنفوذ تصرفه
الرابعة من له دين على غيره إن كان مليئا وجبت الزكاة وحكى الزعفراني قولا أنه لا زكاة في الديون وإن كان معسرا فهو كالمغصوب وإن كان مؤجلا بسنين فمنهم من ألحقه بالمغصوب ومنهم من ألحقه بالغائب الذى لا يسهل إحضاره
فإن أوحينا ففي التعجيل وجهان والأصح أنه لا يجب لأن الخمسة نقدا تساوي ستة نسيئة ففيه إجحاف
المثار الثاني تسلط الغير على ملكه وله مراتب

الأولى الملك في زمان الخيار هل هو ملك زكاة فيه خلاف لضعفه بتسلط الغير فإن كان المالك منفردا بالخيار لم يتجه الخلاف
الثانية اللقطة في السنة الثانية إذا لم يتملكها الملتقط في وجوب زكاتها خلاف مرتب على السنة الأولى وأولى بأن لا تجب لتسلط الغير على التملك
الثالثة إذا استقرض المفلس مائتي درهم وبقي معه حولا ففي زكاته قولان أحدهما تجب لوجود الملك والثاني لا لعلتين إحداهما ضعف الملك لتسلط مستحق الدين على إلزامه تسليم المال إليه والثانية لأدائه إلى تثنية الزكاة إذ تجب على المستحق باعتبار يساره بهذا المال وعلى هذه العلة لا يمتنع الوجوب إن كان المستحق مكاتبا أو ذميا أو كان المال سائمة أو كان قدر الدين أقل من النصاب لأنه لا يؤدي إلى التثنية ولو كان المستقرض غنيا بالعقار لم تمتنع الزكاة بالدين قولا واحدا
وذكر الشيخ أبو محمد أن علة تثنية الزكاة تقتضي الإسقاط وهو بعيد وزاد بعض الأصحاب قولا ثالثا وهو أن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة وهو بعيد
الرابعة إذا ملك نصابا زكاتيا فقال لله علي أن أتصدق بهذا المال فانقضى الحول قبل التصدق ففيه خلاف مرتب على الدين وأولى بالسقوط لتعلق الحق بعين المال
ولو قال جعلت هذا المال صدقة أو جعلت هذه الأغنام ضحايا فلا يبقى لإيجاب الزكاة وجه متجه ولو قال لله علي التصدق بأربعين من الغنم فهذا دين لله تعالى فهو مرتب على دين الآدميين وأولى بأن لا تسقط الزكاة ولو كان عليه دين الحج كان كدين النذر
فرع

إذا اجتمعت الديون والزكاة في ماله ومات ففي القديم ثلاثة أقوال
أحدها تقدم الزكاة لأن لها تعلقا بعين المال وكذلك تسقط بفوات المال
والثاني يقدم الدين لأن حق الله تعالى على المسامحة والثالث أنهما يستويان
ومنهم من قطع بتقديم الزكاة لتعلقها بالدين ورد الأقوال إلى الكفارات مع الديون
المثار الثالث عدم استقرار الملك وله مرتبتان

الأولى إذا انقضى على المغانم حول قبل القسمة ففي الزكاة ثلاثة أوجه أحدها يجب للزوم الملك والثاني لا لأنه لم يستقر إذ يسقط بإسقاطه والثالث أن محض حبس مال الزكاة وجب وإن كان في المغانم ما ليس زكاتيا فلا إذ الإمام ربما يرد الزكاتي بالقسمة إلى سهم الخمس ولا زكاة فيه
الثانية إذا أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار نقدا ففيما يجب في السنة الأولى قولان أحدهما تجب زكاة المائة كما في الصداق قبل المسيس إذ لا فرق بين توقع رجوع الأجرة بانهدام الدار وبين توقع رجوع الصداق بالطلاق والثاني يجب في السنة الأولى زكاة ربع المائة وفي الثانية تجب زكاة الخمسين لسنتين ويحط عنه ما أدى وفي الثالثة زكاة خمس وسبعين لثلاث سنين ويحط عنه ما أدى وفي الرابعة زكاة المائة لأربع سنين ويحط عنه ما أدى لأنه الأجرة هكذا تستقر به بخلاف الصداق فإن تشطره بطلاق مبتدأ لا يقتضيه العقد والرجوع هاهنا مقتضى المعاوضة
الركن الثاني من أركان طرف الوجوب النظر فيمن يجب عليه
ولا يعتبر فيه إلا الحرية والإسلام فيجب في مال الصبي والمجنون خلافا لأبي حنيفة وفيما ينسب إلى الحمل المحقق تردد وتجب الزكاة على المرتد إن قلنا يبقى ملكه مؤاخذة له بحكم الإسلام
ولا زكاة على مكاتب ورقيق فإن قلنا ملك بالتمليك لأنه ملك ضعيف ولا يجب على السيد أيضا في مال المكاتب والرقيق لعدم الملك ومن نصفه عبد ونصفه حر يجب الزكاة عليه في ما سلم له بنصفه الحر ويجب عليه كفارة الموسرين
الطرف الثاني للزكاة طرف الأداء

وأداء الزكاة ممكن في وقته وقبل وقته تعجيلا وبعده تأخيرا فهذه ثلاثة أقسام
القسم الأول الأداء في الوقت

وهو واجب على الفور عندنا خلافا لأبي حنيفة والنظر فيما يجب على الدافع والقابض
وعلى الدافع وظيفتان

إحداهما النية والنظر في أصلها وكيفيتها ووقتها
أما أصل النية فلا بد منه كما في سائر العبادات وقال الشافعي إن قال بلسانه هذا زكاةمالي أجزأه فمنهم من أجراه على الظاهر ولم يشترط النية بالقلب
وأما الصبي والمجنون فينوى عنهما وليهما وأما الممتنع فيأخذ السلطان منه قهرا
وهل تبرأ ذمته باطنا فيه خلاف فإن قلنا تبرأ ففي وجوب النية على الإمام وجهان أحدهما لا تغليبا لسد الخلة والثاني نعم لأن أثر الامتناع في أن صار موليا عليه
أما الكيفية فلو نوى الزكاة المفروضة كفاه ولو لم يتعرض للفرضية فوجهان كما في الصلاة ولا يلزمه تعيين المال ولكن لو قال هذا عن مالي الغائب ثم كان تالفا لم ينصرف إلى الحاضر لتعيينه وخطئه
ولو قال هذا عن مالي الغائب إن كان باقيا وإن كان تالفا فعن الحاضر أو هو صدقة جاز لأن مقتضى الإطلاق هذا
وقال صاحب التقريب يقع عن الغائب إن كان باقيا فإن كان تالفا لم يقع عن الحاضر لأنه بناه على فوات الغائب والأصل عدم الفوات
أما وقت النية فهو عند التسليم إلى المسكين أو إلى نائب المساكين ولو قدم فثلاثة أوجه أحدها أنه يجوز لأن الفعل غير مقصود ولذلك جازت الوكالة فيه والثاني لا لأن تنقيص الملك مقصود فليقترن به والثالث أنه إن قدم على التنقيص ولكن اقترن بفعله عند التسليم إلى الوكيل جاز ولو سلم إلى الوكيل ووكله بالنية عند التفريق فهو جائز
الوظيفة الثانية طلب القابض

فإن كانت الأموال باطنة جاز التسليم إلى الإمام أو إلى المسكين وأيهما أولى فيه وجهان وإن كانت ظاهرة ففي وجوب تسليمها إلى الإمام قولان ولا شك أن التسليم أولى للخروج عن الخلاف
أما القابض إن كان هو الساعي فعليه وظيفتان

إحداهما أن يعلم في السنة شهرا يأخذ فيه زكاة الجميع تسهيلا عليهم ثم لا يرد المواشي إلى البلد بل يردها إلى منهل قريب ويردها إلى مضيق ليكون أسهل للعد
الثانية الدعاء للمالك قال الله تعالى { وصل عليهم } أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة آل أبي أوفى فقال عليه السلام اللهم صل على آل أبي أوفى
والأحب لغيره أن يقول أجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا وبارك لك فيما أبقيت لأن الصلاة على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروه إذ فيه موافقة الروافض ولأن العصر الأول خصصوا الصلاة والسلام به كما خصصوا عز وجل بالله وكما لا يحسن أن يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا لا يحسن أن يقال أبو بكر صلوات الله عليه وإن كان الصلاة هو الدعاء
نعم لرسول الله أن يصلي على غيره فإنه منصبه المخصوص به ولنا أن نصلي على آله بالتبعية فيقول صلى الله عليه وعلى آله
القسم الثاني في التعجيل والنظر فيه في ثلاثة أمور
الأول في وقته

ويجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول خلافا لمالك لما روي أن العباس استسلف منه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عامين
ولا يجوز تعجيله قبل كمال النصاب ولا قبل السوم لأن الحول في حكم أجل ومهلة فلذلك عجل عليه ولو ملكه مائة وعشرين شاة واجبه شاة وهو يرتقب حدوث سخلة في آخر السنة فعجل شاتين ففي تعجيل شاتين وجهان مرتبان على الوجهين في تعجيل صدقة عامين
والصحيح بحكم الخبر جوازه ووجه المنع أن النصاب كالمعدوم في حق الحول الثاني ومسألة السخلة بالجواز أولى لأن الحول منعقد في حق الشاة الثانية
وأما زكاة الفطرة فوقت وجوبها استهلال شوال ويجوز التعجيل إلى أول رمضان
وأما الرطب والعنب فالصحيح أنه لا تعجل زكاتهما قبل الجفاف فإن الواجب هو الزبيب والتمر والرطب لا يصلح للإخراج
وقيل إنه بعد الزهو وبدو الصلاح يجوز وقيل يجوز بعد بدو الطلع
وأما الزرع فوجوب زكاته بالفرك والتنقية والصحيح جواز أدائه عند الإدراك وإن لم يفرك وقيل يجوز عند ظهور الحب وإن لم يشتد وإذ قلنا بدو الصلاح سبب الوجوب أردنا به الحجر على المالك في تصرف يدفع حق المساكين ولم نرد وجوب الإخراج
والنظر الثاني في الطوارئ المانعة من إخراج المعجل وهو ثلاثة

الأول ما يطرأ على القابض وشرطه أن يبقى على صفة الاستحقاق إلى آخر الحول فلو ارتد أو مات أو استغنى بمال آخر بان أن الزكاة لم تقع موقعها ولو طرأت بعض هذه الحالات وزالت قبل الحول فوجهان لا يخفى توجيههما
الثاني أحوال المالك وشرطه أن يبقى عينا ببقاء النصاب مسلما حيا فلو تلف نصابه أو ارتد وقلنا الردة تقطع الملك أو باع النصاب أو مات تبين أن لا زكاة
والصحيح أنه لا يجزئ عن وارثه فيما سيجب عليه في المستقبل
والثالث ما يطرأ على الزكاة المعجلة فإن تلفت في يد المسكين فقد بلغت الصدقة محلها وإن تلفت في يد الإمام وقد أخذها بسؤال المساكين البالغين أو حاجة الأطفال فلا ضمان على أحد
وإن أخذ لحاجة البالغين لا لسؤالهم ففي تنزيل الحاجة منزلة السؤال وجهان أحدهما
لا فقد قال الشافعي رضي الله عنه المساكين أهل رشد لا يولى عليهم الثاني نعم لأنه نائبهم شرعا
ولو أخذ الإمام بسؤال المالك فتلف في يده يجب على المالك الضمان كما لو تلف في يد وكيله
ولو اجتمع سؤال المساكين والمالك فأي الحالتين يرجح فيه وجهان
النظر الثالث في الرجوع عند طريان ما يسقط الزكاة

فإن قال هذه زكاتي المعجلة فله الرجوع لأن التعجيل مشعر به وقيل شرطه أن يصرح بالرجوع وعلى هذا لو نازعه المسكين في الرجوع أو التعجيل فالقول قول من فيه وجهان
أحدهما قول المالك لأنه المؤدي والثاني قول المسكين لأن الأصل زوال الملك
أما إذا لم يتعرض للتعجيل ولا علمه المسكين فيه ثلاثة أوجه أحدهما أنه يرجع ويصدق في قوله ( نويت ذلك ) والثاني لا لأنه خلاف الظاهر والثالث أن المالك لا يصدق لأن فعله متردد بين الصدقة والزكاة وفعل الإمام كالمتعين للفرض
فروع أربعة

الأول لو أتلف النصاب بنفسه ففي الرجوع وجهان أصحهما الرجوع لانتفاء الوجوب والثاني لا لأنه يريد نقض الأداء بقصده
الثاني إذا أثبتنا الرجوع لانتفاء الرجوع فإن كان عين ماله تالفا فعلى القابض الضمان وذكر صاحب التقريب وجهين في أن العبرة في قيمة يوم القبض أو يوم التلف ولو تعيب في يده ففي وجوب الأرش وجهان أقيسهما الوجوب قياسا للجزء على الكل
والثاني لا كما لورد العوض في البيع ووجد بالمعوض عيبا فنع به وإن كان يستحق بدله عند الفوات وفي هذا الاستشهاد أيضا نظر
الثالث الزيادات المنفصلة هل ترد معه فيه وجهان ومأخذهما إن أداه متردد بين وجود التمليك وعدمه أو هو تمليك لا محالة ولكنه متردد بين الزكاة والقرض وهما احتمالان ظاهران
فإن قلنا إنه متردد بين التمليك وعدمه فقد بان أنه لا تمليك فيرد بزوائده وإن رددناه بين القرض والزكاة التفت على أن القرض يملك بالقبض أو بالتصرف وعلى هذين الاحتمالين ينبني نقض تصرفه إن كان قد باع وجواز إبداله عند الرجوع إن كان عينه قائما
الرابع إذا لم يملك إلا أربعين فعجل واحده فاستغنى القابض أو مات فإن قلنا خرج الشاة عن ملكه بطريق القرض لم يلزمه تجديد الزكاة لأن الحول انقضى على تسع وثلاثين بخلاف ما إذا وقع المخرج عن جهة الزكاة لأن المخرج للزكاة كالباقي في ملكه
وإن قلنا يتبين أن الملك لم يزل التفت على المغصوب والمجحود بعض الالتفات لأن الحيلولة قد حصلت وإن لم يزل الملك
القسم الثالث في طرف الأداء في تأخير الزكاة

وهو سبب الضمان والعصيان عند التمكن حتى لو تلف ماله بعد التمكن لم تسقط الزكاة وإن تلف كله قبل التمكن سقطت
ولو ملك خمسا من الإبل فتلفت بعد الحول وقبل التمكن واحدة ففي مقدار الساقط قولان أحدهما يسقط الكل كما لو تلف قبل الحول لأن الإمكان شرط الوجوب كما في الحج والثاني يسقط خمس شاة لأن الإمكان شرط الضمان وهو الأصح ولذلك لا يتراخى ابتداء الحول الثاني إلى الإمكان
ولو ملك تسعا من الإبل فتلف قبل الإمكان أربعة فإن قلنا الإمكان شرط الوجوب وجب شاة كما لو تلف قبل الحول وإن قلنا إنه شرط الضمان فينبني على أن الوجوب هل ينبسط على الوقص وفيه قولان الجديد أنه لا ينبسط فعلى هذا لا يسقط شئ بتلف الوقص وإن قلنا ينبسط سقط أربعة أتساع شاة
وقيل إنه لا يسقط لأن الوقص وإن كان متعلقا بالوجوب فهو وقاية النصاب
وإن ملك تسعا فتلف خمس قبل الإمكان فعلى قول سقط الكل كما لو تلف قبل الحول وعلى قول سقط خمس أتساع شاة وهو قول البسط وعلى قول يسقط خمس شاة
فإن قيل وبماذا يفوت الإمكان قلنا بأمرين
أحدهما غيبة المال فإنا وإن جوزنا نقل الصدقة فلا نوجب إخراج الزكاة من مال آخر ما لم يتبين بقاء المال فإن أخرج مع التردد كان كمعجل الزكاة في الرجوع عند فوات المال
الثاني غيبة المستحق وهو المسكين في المال الباطن والسلطان في المال الظاهر على أحدالقولين
وإن حضر مستحق ولكن غاب القريب والجار فقد تم التمكن ولكن في جواز التأخير بهذا العذر وجهان لأنه عارض هذه الفضيلة فضيلة البدار فإن جوزنا فتلف ماله ففي وجوب الضمان وجهان ووجه الوجوب أنه جوز التأخير لحظة في نيل الفضيلة فتقيد بشرط سلامة العاقبة
فإن قيل فإذا سقطت الزكاة بتلف المال دل على تعلقها بالعين فما وجه تعلقها بالعين
قلنا فيه أقوال مضطربة نعبر عنها بأن الزكاة تتعلق بالذمة أو بالعين أما تعلقها بالذمة فلا ينكر لأن المالك مطالب وله الأداء من موضع آخر بخلاف أرش جنابة العبد فإن السيد لا يطالب به وتعلقها بالعين لا ينكر إذ يسقط بتلف العين
ولو باع النصاب قبل إخراج الزكاة فللساعي أن يتعلق بالمشتري ويأخذ الزكاة من النصاب ولكن في تحقيق هذا التعلق ثلاثة أقوال أحدها أنه شركة وكأن المسكين شريك بقدر حقه وهذا يضعف بجواز الأداء من موضع آخر الثاني أن تلعقه يضاهي استيثاق المرتهن
والثالث وهو الأصح أنه يضاهي تعلق أرش الجناية حتى يخرج منع بيع النصاب على قولين أصحهما الجواز
ويتفرع على هذه الأقوال الأربعة النظر في أربعة تصرفان
الأول بيع مال الزكاة

فإن قلنا لا تتعلق الزكاة بالعين فصحيح لكن الساعي يأخذ شاة من المشتري إن لم يرد المالك من موضع آخر فينتقض البيع فيه وفي الباقي يخرج على قولي تفريق الصفقة وهل للمشتري الخيار إذا عرف ذلك قبل أخذ الساعي فيه وجهان أحدهما لا لأن المالك ربما يؤدي الزكاة والثاني نعم لأن ملكه مزلزل في الحال
فإن أثبتنا الخيار فأدى المالك سقط الخيار كما لو أدى أولا ثم باع وقيل لا يسقط لأنالخيار مستيقن والمؤدي ربما يخرج مستحقا فيعكر الساعي على المال
وأما على قول الشركة فالبيع باطل في قدر الزكاة وفي الباقي قولا تفريق الصفقة
ولو باع بعض النصاب صح على هذا القول لاتساع الباقي لحق المسكين
وقيل يبطل في حقه لأن حقه غير منحصر في البعض الباقي
وإن فرعنا على استيثاق الرهن بطل في قدر الزكاة وقيل بطل في الكل وكان الكل مرهونا به وهو بعيد
وإن فرعنا على استيثاق أرش الجناية وقلنا يجوز بيع العبد الجاني فهو كالتفريع على قول الذمة وإن قلنا لا يجوز فهو كتفريع قول الرهن
الثاني إذا اشترى نصابا زكاتيا ثم اطلع على عيب بعد تمام الحول فإن أدى الزكاة من موضع أخر فله الرد إلا على خيال من يقول لعل المخرج يظهر استحقاقه فيعود الساعي إليه
أو على قول الشركة إذا قلنا الزائل العائد كالذى لم يعد
الثالث إذا ملك أربعين وتكرر الحول ولم يخرج الزكاة فلا زكاة في الحول الثاني فإن قلنا للمسكين شركة في عينه لنقصان النصاب لأن المسكين لا يتعين حتى تجعله خليطا وإن قلنا يتعلق بالذمة ابتنى على أن الدين هل يمنع الوجوب
الرابع إذا أصدقها أربعين من الغنم ثم طلقها بعد الحول قبل المسيس فلها ثلاثة أحوال
الأولى إذا كانت قد أدت الزكاة من غير المال ففيما يرجع الزوج به ثلاثة أقوال أحدها أنه يرجع في عشرين من الباقي وتنحصر الزكاة في نصيبها والثاني أنه يرجع في نصف الباقي وقيمة نصف المخرج والثالث أنه يتميز بين موجب القولين
الثانية إذا أدت من مال آخر رجع الزوج بالنصف على الأقوال إلا على قول الشركة إذا قلنا إن الزائل العائد كالذي لم يعد
الثالثة إذا طلقت قبل الأداء فإن قلنا للمسكين شركة فهو كالمخرج وإن قلنا إن تعلق الزكاة تعلق استيثاق فالظاهر أنه يلزمها فك حق الزوج بأداء الزكاة من موضع آخر كما لو كانت قد رهنت وقيل لا يجب لأنه بغير اختياره فيضاهي أرش الجناية
الخامس رهن مال الزكاة بعد الوجوب كبيعه وتفريق الصفقة أولى بالاحتمال فيه
وإن رهن قبل حولان الحول وقلنا الدين والرهن يمنعان الزكاة فهل يخرج من المرهون الصحيح أنه يخرج لأن تعلقه لا يتقاصر عن أرش الجنابة وقيل لا يخرج إذا فرعنا على تشبيهه بالرهن لأن المرهون لا يرهن وهو بعيد لأن هذا التعلق لا اختيار فيه فإن قلنا يخرج فلو أيسر بعد الإخراج فهل يلزمه جبره للمرتهن بوضع قيمته في موضعه رهنا فيه وجهان
النوع الثاني من الزكوات زكاة العشرات والنظر في الموجب والواجب ووقت الوجوب
الطرف الأول في الموجب والنظر في جنسه وقدره

أما جنسه فكل مقتات في حالة الاختيار أنبتته الأرض مملوكة أو مستأجرة خراجية أو غير خراجية فيجب فيه العشر على الحر المسلم
واحترزنا بحالة الاختيار عن الثفاء والترمس فإن العرب تقتاته في حالة الاضطرار
وألحق مالك بالقوت ما تشتد إليه الحاجة كالقطن
وطرد أبو حنيفة في كل ما يقصد من ثمار الأرض كالفواكه والبقول وغيرها ولم يوجب العشر على المستأجر وأوجب على المكري وأوجب على المكاتب والذمي وفي الضيعة الموقوفة على المساجد والرباطات ولم يجمع بين الخراج والعشر
وعندنا الخراج أجرة لا يضرب على مالك الأرض وإنما يضرب على الكفار فيأراض مملوكة للمسلمين أو لبيت المال فإن أسلموا لم يسقط لأنه أجره وما يضرب عليهم في أراضيهم المملوكة يسقط بإسلامهم لأنه جزية
وأوجب الشافعي رضي الله عنه في القديم الزكاة في الزيتون وذكر في الورس والعسل قولين وفي الزعفران قولين مرتبين وأولى بأن لا يجب
واقتصر في الجديد على الأقوات ومنه الأرز واللوبيا والباقلى والحمص والذرة والماش والعنب والرطب دون السمسم والكتان والجوز والفواكه
أما قدر الموجب فيه فهو خمسة أوسق كل وسق ستون صاعا كل صاع أربعة أمداد والمجموع ثمانمائة من
فمنهم من قال هو تحديد لأنه روي أن الوسق ستون صاعا
وقيل إنه تقريب وعلى هذا إنما يضر نقصان قدر لو وزع على الأوسق الخمسة لعد الوسق ناقصا عن الاعتدال
والوسق حمل بعير
وأبو حنيفة لم يعتبر النصاب
وفي النصاب مسائل

الأولى أنه يعتبر هذا المبلغ زبيبا وتمرا لا رطبا وعنبا وفي الحبوب يعتبر منقى عنالقشور كما في الأرز إلا ما يطحن مع قشره كالذرة فيوسق مع قشرها
فرع

الرطب الذى لا يتمر يوسق رطبا على الصحيح لأنه منتهى كماله ثم تسليم عشر الرطب بالقسمة سهل إلا إذا قلنا المسكين شريك فيه والقسمة بيع وهذا الرطب لا يباع بضعه ببعض وفي كل ذلك خلاف
الثانية لا يكمل نصاب حبس الحبوب بحبس آخر وأما العلس فإنه مضموم إلى الحنطة فإنه حنطة يوجد بالشام جنتان منه في كمام واحد وأما السلت فهو حب يساوي الشعير بصورته والحنطة بطعمه ففيه ثلاثة أوجه ينظر في واحد إلى صورته فيلحق بالشعير وفيالآخر إلى معناه فيضم إلى الحنطة وفي الثالث يجعل أصلا بنفسه وعليه ينبني جواز بيعه بالحنطة والشعير متفاضلا
وذهب مالك إلى أن الحمص والباقلي والعدس وهي التي تسمى القطنية يضم بعضها إلى بعض
الثالثة لا يكمل ملك رجل بملك غيره إلا إذا كان شريكا أو جارا وقلنا إن الخلطة تؤثر
فلو خلف الميت نخيلا متمرة على جماعة ومبلغها خمسة أوسق وجبت الزكاة عليهم فإن اقتسموها قبل بدو الصلاح زالت الشركة وبقي الجوار
وإنما يتصور القسمة إذا جعلناها بيعا بأن يبيع كل واحد نصيبه من خشبة نخل معين بحصة صاحبه من ثمرة نخيل آخر وإلا فتؤدي قسمة الرطب إلى بيع الرطب بالرطب
الرابعة إذا ملك تهامية ونجدية وتفاوت في إدراكها فالبعض مضموم إلى البعض إلا إذا تأخر اطلاع النجدية عن جذاذ التهامية ووقت الجذاذ هل هو كنفس الجذاذ فيه خلاف
ولو تأخر اطلاعها من زهو التهامية ففي الضم وجهان أحدهما لا نظرا إلى سببالوجوب والثاني نعم لأن ذلك يعد إدراكا واحدا والنخلة التى تحمل في السنة حملين لا تضم أحدهما إلى الآخر فهو كحمل سنتين
فرع

لو كانت له تهامية تثمر في السنة مرتين فاطلعت نجدية قبل جذاذ التهامية وضممناها إليه فلو جذت التهامية ثم اطلعت مرة أخرى قبل جذاذ النجدية فلا نضمها إلى النجدية لأنه يؤدي إلى الضم إلى الثمرة الأولى بواسطة النجدية وذلك ممتنع ولو لم تكن الأولى له لكنا نضم الثانية إلى النجدية لزوال هذه المحذور
الخامسة الذرة تحصد وتزرع في السنة مرارا فالمزروع بعد الحصد هل يضم إلىالمحصود
فيه خمسة أقوال أحدها لا كحملي شجرة واحدة والثاني نعم مهما وقع الزرعان والحصادان في سنة واحدة لأن ذلك معتاد فيعد ارتفاع سنة واحدة الثالث أنه يكفي وقوع الزرعين في سنة واحدة لأنه الداخل تحت الاختيار الرابع أنه ينظر إلى اجتماع الحصادين فإنه هو المقصود الخامس إن وقع الزرعان والحصادان أو زرع الثاني وحصد الأول في سنة واحدة وقع الاكتفاء ووجب الضم
هذا إذا زرع بعد الحصاد فإن كان قبله ولكن بعد اشتداد الحب فخلاف مرتب وأولى بالضم
وإن زرع قبل اشتداد الحب ولكن أدرك الأول والثاني بعد بقل منهم من قطع بالضم ومنهم من خرج على الخلاف لأن البقل لا يشتمل على جنس مال الزكاة
فرع

إذا انزرعت الذرة الثانية بتناثر حبات الأول بنقر العصافير وهبوب الريح منهم من قطع بالضم لأنه لم يفرد بالقصد ومنهم من خرج على الخلاف
ولو علا بعض طاقات الذرة فبقيت الصغار مخضرة تحتها ثم أدركت الصغار بعد حصد الأول فالكل زرع واحد وهو المراد يقول الشافعي رضي الله عنه الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم يستخلف فتحصد مرة أخرى فهو زرعواحد وإن تأخر حصد الأخير ومنهم من نزل النص على تناثر الحبات لهبوب الريح
الطرف الثاني في الواجب والنظر في قدره وجنسه

أما قدره فهو العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقي بنضح أو دالية للحديث
وماء القنوات والأنهار كماء السماء وإن كثرت مؤنها والناعور الذى يديرها الماء بنفسه في معنى الدواليب
فرع

لو اجتمع السقي بالنهر والنضح فقولان
أحدهما أنا نعتبرهما جميعا ويعرف المقدار بعدد السقيات على وجه وبمقدار النفع والنمو على وجه إذ رب سقية في شهر أنفع من سقيات في شهر
والقول الثاني أنا نعتبر الأغلب فعلى هذا لو استويا فوجهان أحدهما الرجوع إلى قول التقسيط والثاني إيجاب العشر ترجيحا لجانب المساكين
وإذا أشكل الأمر فهو كالاستواء لتقابل الأمرين هذا في المعتاد
فإن كانت الحاجة إلى النضح نادرا فهل يعتبر هذا النادر فيه وجهان
أما جنس الواجب ونوعه فهو أن يخرج من جنس ما ملك فإن اختلفت أنواعه فمن كل نوع بقسطه لأن التشقيص غير محذور فيه كالمواشي فإن خرجت الأنواع عن الضبط فلا يطالب بالأجود ولا يرضى بالأردئ ويطلب الوسط من ذلك
الطرف الثالث في وقت الوجوب

وهو في الثمار وبدو الصلاح وفي الحبوب باشتدادها فيجب بها إخراج التمر والحب إلى المساكين عند الجفاف والتنقية فلو أخرج في الحال الرطب كان بدلا ولم يقع الموقع
وحكى صاحب التقريب قولا أن سبب الوجوب الجفاف إذ يستحيل وجوب التمر مع عدمه وهذا يلتفت على أن الإمكان شرط الوجوب وهو بعيد إذ تسليط الملاك على استهلاك الرطب كله إجحاف بالمساكين فالأولى الإيجاب وتأخير الأداء إلى الجفاف
ولكن يستحب أن يخرص الثمار على المالك خلافا لأبي حنيفة وذلك بأن يجبر الخارص على قدر ما يحصل منه تمرا
وهل يكتفي بخارص واحد تشبيها بالحاكم أو لا بد من اثنين تشبيها بالشهادة
فيه قولان يجريان في القسام وعلى القولين لا بد من الحرية والعدالة ثم يدخل في الخرص جميع النخيل
وقال في القديم يترك لرب النخيل نخلة أو نخلات يأكل ثمارها هو وأهله
ويبتني على الخرص مسائل

الأولى إذا تلف المال بجائحة سماوية سقطت الزكاة بكل حال للفوات قبل الإمكان وإن فات بإتلاف المالك وأكله فعليه حصة المساكين ولكن الواجب عشرة رطباأو تمرا
فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه الرطب كالأجنبي إذا أتلف فإنه يغرم الرطب ويعبر عن هذا القول بأن الخرص عبرة مجردة لا يؤثر في تغيير الحكم والثاني أنه يضمنها تمرا وكان الخرص تضمين بتحويل الزكاة إلى ذمته والثالث إن صرح الخارص بالتضمين ضمنه تمرا وإلا ضمن الرطب
ثم وقت الخرص هل يقوم مقام نفس الخرص في التضمين فيه خلاف
فرعان

أحدهما لو ادعى جائحة صدق إلا إذا كذبته المشاهدة ولو كان يمكن صدقة ولكن الغالب أنه لو وقع لظهر
قال العراقيون لا بد من بينة على أصل الواقعة وإن لم يتعرض للتفصيل
قال الشيخ أبو محمد المؤتمن إذا ادعى ممكنا صدق بيمينه كما في دعوى رد الوديعة
الثاني لو ادعى حيف الخارص قصدا لم يقبل ولو ادعى غلطه بقدر ممكن صدق مع يمينه وإن ادعى الغلط بالنصف أو الثلث فهذا غير ممكن ولكنا نصدقه في المقدار الممكن من هذه الجملة وحيث يصدق فاليمين فيها مستحبة أو مستحقة فيه خلاف ذكرناه
المسألة الثانية تصرفات المالك في جميع الثمار يبتني على التضمين فإن قلنا قد تحول إلى ذمته العشر تمرا بعد تصرفه في الكل وإلا فينفذ تصرفه في التسعة الأعشار ونفوذه في العشر يبتني على قول الذمة والعين كما سبق وقد ذكرنا
ثم إن المنع يشيع في جميع المال على أحد الأقوال وهاهنا لا خلاف في نفوذ تصرفه في غير قدر الزكاة قبل الجفاف لمسيس الحاجة وشدة أثر الحجر فأما بعد الجفاف فيتنزل منزلة المواشي
المسألة الثالثة إذا أصاب النخيل عطش يستضر بالثمار فللمالك قطعها وإن تضرر بها المساكين لأنهم ينتفعون ببقاء النخيل في السنة الثانية
ثم قال الشافعي رضي الله عنه يأخذ الساعي عشر الرطب أو ثمن عشرها ولا يلزمه التمر فإنه في القطع معذور
واختلفوا في قوله أو ثمن عشرها فقيل معناه ترديد قول أي إذا فرعنا على أن المسكين شريك وأن القسمة بيع امتنع تسليم الرطب بالقسمة فيرجع إلى الثمن للضرورة وإن فرعنا على أنه إقرار حق أخذ نفس الرطب
ومنهم من قال هذا تخيير لأن البدل إنما يؤخذ للحاجة فيجوز أيضا أن يقسم للحاجة وإن جعلنا القسمة بيعا
وهذا القائل قد يجوز قسمة الأوقاف للحاجة فلما لم يكن بد من احتمال محذور للحاجة إما البدل وإما بيع الرطب تخير
ومنهم من قطع بأن كل واحد منهما ممتنع إذ لا ضرورة بل الطريق أن يسلم النخيل إلى الساعي فيتعين حق المسكين بالقبض فيه وتثبت الشركة ثم يبيع الساعي قدر حق المساكين إذ له أن يبيع مال الزكاة مهما عظمت المؤنة عليه في إمساكها أو نقلها وقد احتاج هاهنا إلى البيع لتعذر القسمة وليس للساعي بيع مال الزكاة لغرض التجارة فإنه مستغن عنها
الرابعة نص في الكبير على أنه لو باع ثمره قبل بدو الصلاح لا يشترط القطع فالبيعباطل فإذا أتلف المشتري الثمار ثم أفلس البائع وحجر عليه واجتمع عليه الزكاة والديون فتؤخذ القيمة من المشتري ويقدم المساكين بعشر القيمة ويضاربون بقدر التفاوت بين قيمة الرطب والتمر إذا كان قيمة التمر أكثر
وهذا تفريع على خمسة أصول
فأخذ القيمة تفريع على أن الرطب من ذوات القيم وتقديم المساكين بالعشر تفريع على تعلق حقهم بالعين كما في الرهن وإثبات حق المساكين في التمر تفريع على أن الخرص تضمين وأن وقت الخرص كالخرص وإثبات المضاربة بالتفاوت تفريع على أن حق الله تعالى يساوي حق الآدمي عند الازدحام على مال واحد
النوع الثالث في زكاة النقدين والنظر في قدر الموجب وجنسه
أما القدر
فنصاب الورق مائتا درهم فيه خمسة دراهم ونصاب الذهب عشرون دينارا وفيه نصف دينار وما زاد فبحسابه يجب فيه ربع العشر ولا وقص فيه خلافا لأبي حنيفة
وفيه مسائل

الأولى لو نقص حبة من هذا القدر فلا زكاة وإن كان يروج رواج التام
وقال مالك إن كان نقد البلد قراضة ومعه مائة وخمسون يروج بمائتين مكسرة وجبت الزكاة
الثانية يعتبر النصاب في جميع الحول وقال أبو حنيفة لا يعتبر في أثنائه
الثالثة لا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر خلافا لأبي حنيفة ولكن يكمل نصاب جيد النقرة برديئها ثم يخرج من كل بقدره ولا يكمل بالنحاس فلا زكاة في الدراهم المغشوشة إلا إذا كانت النقرة فيها بقدر النصاب وتصح على الدراهم المغشوشة وإن لم يكن قدر النقرة معلوما على أحد الوجهين كالغاليةوالمعجونات
الرابعة إذا كان له آنية من الذهب والفضة مختلطا وزنه ألف ووزن أحدهما ستمائة ولم يدر أن الستمائة ذهب أو فضة يلزمه التمييز ليعرف القدر فإن عسر التمييز فالمذهب أنه يخرج زكاة ستمائة من الذهب وستمائة من النقرة ليخرج مما عليه بيقين لأنه إذا أخرج زكاة أربعمائة ذهب وأربعمائة فضة فيعلم اشتغال ذمته بعد ذلك يقينا ولا يبرأيقينا إلا بما ذكرناه
وقال العراقيون له الأخذ بغالب الظن إذا كان يؤديه بنفسه فإن أدى إلى السلطان فلا بد من اليقين
وقيل يأخذ بما شاء فيؤدي زكاة ستمائة من الذهب أو من الفضة لأن اشتغال ذمته ليس بمستيقن بما سوى ذلك
الخامسة لو ملك مائة نقدا ومائة مؤجلا على مليء وقلنا لا يجب تعجيل الزكاة في المؤجل فمقدار النقد يجب أداؤه على أصح الوجهين لأن الميسور لا يسقط بالمعسور
وقيل لا يجب لأن النصاب في حكم شئ واحد فلا يتبعض واجبه
النظر الثاني في جنسه

ولا زكاة في شئ من اللآلئ واليواقيت وسائر نفائس الأموال وإنما يجب في النقدين تبرا كان أو مضروبا
وفي مناطه قولان أحدهما أنه عينهما كما في الربا فيجب في الحلي وهو مذهب أبي حنيفة ومذهب عمر وابن مسعود وابن عمر وعمرو بن العاص
والثاني أنه منوط بمعناهما وهو الاستغناء عنهما في عينهما إذ لا يرتبط بذاتهما غرض فبقاؤهما سنة يدل على الغناء بخلاف اللآلئ واليواقيت والثياب والأواني
فعلى هذا إذا قصد بصياغته حليا استعمالا مباحا لم تجب الزكاة كما أن أموال القنية التى يرتبط بأعيانها غرض إذا عزم على ترك استعمالها بإرصادها للتجارة وجبت الزكاة وهذا مذهب عائشة وابن عمر والجديد من قولي الشافعي رضي الله عنه
وعلى هذا في القصد مراتب

الأولى أن يصوغ ما هو محظور في نفسه كالملاهي والأواني فلا تسقط الزكاة
الثانية أن يصوغ الرجل حلي النساء ليلبسه بنفسه لم تسقط الزكاة لأن الصارف عن الأصل قصد صحيح ولم يوجد
الثالثة أن يقصد أن يكنزها حليا ولا يستعمل فالمذهب وجوب الزكاة لأنه لم يصر محتاجا إليه لأن المكنوز مستغنى عنه كالدراهم والدنانير
الرابعة أن لا يقصد سببا أصلا ففيه وجهان ينظر في أحدهما إلى صنعة الحلي وهيآته وفي الثاني إلى عدم قصد الصرف إلى حاجة الاستعمال
الخامسة أن يقصد إجارتها فوجهان مرتبان وأولى بأن لا يجب لأن الانتفاع نوع حاجة في عينه سواء حصل بنفسه أو بغيره
فرعان

الأول حيث شرطنا القصد فطارئها بعد الصياغة كمقارنتها في الإسقاط والإيجاب وهو كنية القنية إذا طرأت في مال التجارة فإنه يقطع الحول ومجرد نية التجارة لا يكفي لانعقاد الحول إلا إذا اقترن بالشراء لأن النية دون المنوي لا تؤثر ونية القنية معناها الإمساك والإمساك مقرون بها
الثاني لو انكسر الحلي بحيث يتعذر استعماله إلا بإصلاح ففيه ثلاثة أوجه أحدهاأنه ينعقد الحول بتعذر الاستعمال فأشبه التبر والثاني لا لأنه مرصد للإصلاح والصنعة باقية والثالث إن قصد المالك إصلاحه فلا زكاة وإن قصد أن لا يصلحه جرى في الحول
وإن لم يشعر به إلا بعد سنة فقصد الإصلاح ففي السنة الماضية وجهان وعلى هذا الوجه الأصح أنه لا يجب لأن هذا القصد تبين أنه كان مرصدا له
فإن قيل ما المحظور في عينه مما يتخذ من الذهب والفضة

قلنا هو ثلاثة أقسام
الأول ما يختص الرجال به والذهب حرام عليهم مطلقا إلا في اتخاذ أنف لمن جدع أنفه فإنه لا يصدأ وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأس بتمويه الخاتم بذهب لا يتحصلمنه وأما أسنان الخاتم من الذهب حرام وقال إمامي لا يبعد أن يشبه بضبة الإناء وتجنب ديباج على ثوب وهكذا حكم الطراز المذهب إذا حصل منه شئ
أما الفضة فيحل للرجل التختم به وتحلية آلات الحرب من السيف والسنان والمنطقة
وفي تزيين السرج واللجم وجهان لأنه يشبه أن يكون من آلات الحرب
القسم الثاني فيما يختص بالنساء وهو حلال لهن أعني الذهب والفضة إلا ما فيه تشبه بالرجال كتحلية آلات الحرب والسرج واللجم
القسم الثالث ما لا يختص بالرجال ولا بالنساء وفيه مسائل
الأولى اتخاذ الأواني من الذهب والفضة حرام مطلقا وفي المكحلة الصغيرة تردد
الثانية سكاكين المهنة إذا حليت بالفضة فاستعمال الرجال لها فيه تردد ووجه جوازها تشبيهها بآلات الحرب وهذا يقتضي أن لا يجوز للنساء
الثالثة تحلية المصحف بالفضة فيه وجهان ووجه التجويز حمله على الإكرام وفي الذهب ثلاثة أوجه في الثالث يفرق بين الرجال والنساء فأما غير المصحف من الكتب لم يجوز تحليتها بفضة ولا ذهب كما لا يجوز تحلية الدواة والسرير والمقلمة
وذكر الشيخ أبو محمد في مختصر المختصر تجويز تحلية الدواة وهذا يوجب الجواز في المقلمة وسائر الكتب وهو منقدح في المعنى إذ لا يبعد أن يقال لم يثبت في الفضة تحريم إلا في الأواني فأصله على الإباحة
الرابعة تحلية الكعبة والمساجد والمشاهد بقناديل الذهب والفضة ممنوع هكذا نقله العراقيون عن أبي إسحاق المروزي ولا يبعد مخالفته حملا على الإكرام كما في المصحف ولأن الأصل في الفضة الإباحة إلا في الأواني وفي الذهب الإباحة إلا على ذكور الأمة وليس هذا من تحلي الذكور
النوع الرابع زكاة التجارة وأركانها أربعة
الأول المال
وهو كل ما قصد فيه الاتجار عند اكتساب الملك فيه بمعاوضة محضة
وفيه ثلاثة قيود

الأول أن مجرد النية في دوام الملك لا يكفي لأن المنوي لم يقترن به بخلاف نية القنية فإنها تقطع التجارة لأن معنى القنية الإمساك وهو مقرون به
وقال الكرابيسي يكفي مجرد نية التجارة
الثاني قصد التجارة عند حصول الملك بإرث أو اتهاب أو رجوع برد بعيب لا يؤثر وعند حصوله عوضا عن البضع في الخلع والنكاح وجهان لأنه معاوضة ليست بمتمحضة
الثالث إذا اشترى عبدا على نية التجارة بثوب قنية فرد عليه بالعيب انقطع حوله لأن الثوب العائد إليه لم يجز فيه النية ولم يعد بتجارة بخلاف ما إذا تبايع التاجران ثم ترادا لأن العائد كان مال التجارة قبل العقد ولو باع ثوب تجارة بعبد القنية انقطع حول الثوب فلو رد إليه بالعيب لم يعد الحول ما لم يستأنف سببا آخر وهو بيعه على نية التجارة
فرع

إذا اشترى جارية للتجارة فولدت فهل يدخل الولد في حول التجارة فيه وجهان أحدهما لا لأنه لم يحصل بالتجارة والثاني نعم لأنه لو نقص قيمة الأم بالولادة تجبر به فإن ذلك لا يعد خسرانا فدل على أنه من فوائد التجارة قبل العقد
الركن الثاني النصاب

وهو معتبر وفي وقت اعتباره أربعة أقوال
أحدهما أنه يعتبر في جميع الحول كسائر الزكوات
والثاني لا يعتبر إلا في آخر الحول لأن اختلاف القيمة بانخفاض الأسعار في لحظات قريبة لا ينضبط
والثالث أنه يعتبر في أول الحول وآخره لأنهما مضبوطان بخلاف الوسط
والرابع أن النقصان بانخفاض الأسعار في أثناء الحول لا يعتبر ولكن إن صار محسوسا بالرد إلى الناض فيعتبر لأن هذا منضبط
فإن قلنا يعتبر آخر الحول فلو لم يكن نصابا ثم صار نصابا بعد شهر فعلى وجهين أحدهما لا يجب ما لم يتم الحول الثاني لأن الأول قد بطل والأصح أنه يجب لأنه ملكه سنة وشهرا فيقدر كأن الزائد لم يكن
فرع

إذا لم يعتبر وسط الحول فاشترى عرضا بمائتي درهم وباعه بعشرين دينارا لا تساوي مائتين والدنانير عرض إذا التقويم برأس المال
فلو انقضى عليه سنون ولم يبلغ نصابا باعتبار الدراهم ففيه وجهان أحدهما أنه لا تجبالزكاة لأنه عرض في التجارة والثاني أنا يعدل إلى زكاة العين لعسر زكاة التجارة
وعلى هذا في وقت افتتاح حوله وجهان أحدهما أنه آخر حول الأول إذ عند تعذر زكاة التجارة والثاني أنه من وقت ملكه إذ بان آخر الحول أنه كان لا يصلح لزكاة التجارة
الركن الثالث الحول

وهو معتبر بالاتفاق والنظر في أمرين
أحدهما في ابتدائه ولما يشترى به سلعة التجارة ثلاثة أحوال
أحدها أن يكون من النقدين نصابا كاملا ابتداء الحول من يوم ملك النصاب من النقد ليبتني حول التجارة على حول النقدين لأنهما متشابهان في قدر الواجب والموجب فيه ومتعلق الوجوب وكذا إن كان النصاب ناقصا مهما نظرنا إلى آخر الحول
وإن نظرنا إلى أوله فيبدأ الحول حيث بلغت قيمة السلعة نصابا
الثانية أن يكون المشترى به عرضا لا من جنس مال الزكاة فالحول من وقت نية التجارة لا من وقت ملك العرض
الثالثة أن يكون عرضا من جنس من مال الزكاة كما لو اشترى بنصاب من الغنم السائمة سلعة للتجارة فالمذهب أن الحول من وقت الشراء
وقال الإصطخري هو من وقت ملك الماشية وعليه دل نقل المزني وهو ضعيف إذ لا مناسبة بين الزكاتين حتى ينبني أحدهما على الآخر
الأمر الثاني المستفاد في أثناء الحول هل يضم إلى الأصل له أربعة أحوال

الأولى أن يكون بارتفاع قيمة مال التجارة فتجب الزكاة فيه بحول الأصل كما في النتاج مع الأمهات
الثانية أن يشتري شيئا بنية التجارة لا بمال التجارة فيفرد بحوله ولا يضم إلى الأصل كالمستفاد من الماشية
الثالثة إذا ارتفعت قيمة مال التجارة فيرده إلى الناض كما إذا كانت سلعته تساويعشرين دينارا فارتفعت قيمتها وباعها بعد مضي ستة أشهر بأربعين دينارا ففي العشرين الزائد قولان أحدهما أنه يضم في الحول إلى الأصل كنتاج المواشي وكما إذا ارتفعت القيمة من غير تنضيض والثاني وهو اختيار ابن الحداد أنه تفرد بحوله لأنه مستفاد من كيس المشتري لا من عين السلعة بخلاف النتاج
الرابعة أن يكون مال التجارة حيوانا أو شجرا فنتج وأثمر وقلنا إن حكم الزكاة يتعدى إلى الولد فالأظهر أنه يضم في الحول إلى الأصل وما يحتمل أن يلتحق بهما بالربح الناض
الركن الرابع في ما يجب إخراجه

وهو ربع عشر قيمة مال التجارة وبماذا يقوم بالدراهم أو بالدنانير له ثلاثة أحوال
الأولى أين يكون مشترى بأحد النقدين وكان نصابا كاملا فيقوم به وإن اشتري بنقدين فيقوم بهما على نسبة التقسيط يوم الشراء فإن قومنا ولم يبلغ كل واحد منهما نصابا فلا زكاة وإن كانت بحيث لو قوم بأحد النقدين لكان نصابا
الثانية أن يكون المشترى به نقدا غير نصاب والأصح أنه مقوم به فيه وجه أنه يقوم بالنقد الغالب
الثالثة أن يكون المشترى به عرضا قوم بالنقد الغالب وإن غلب نقدان قوم بما يبلغ به نصابا
فإن بلغ كل واحد بهما نصابا فأربعة أوجه أحدهما أن المالك يتخير والثاني أنه يتبع الأنفع للمساكين والثالث أنه يعتبر بأقرب البلدان إلى حيث يغلب أحد النقدين
والرابع أنه يقوم بالدراهم فإنه أحرى في المستحقرات فيكون أرفق للمساكين
وللشافعي رضي الله عنه قولان قديمان أحدهما أن الواجب ربع العشر من جنس المال والثاني أنه يتخير بينه وبين القيمة
فرع

إذا وجبت الزكاة فيجوز له أن يتخير قبل الزكاة لأنه ليس يزيل المالية التي هى متعلق الزكاة فأما إن أراد الإعتاق أو الهبة فيخرج على أن متعلق الزكاة العين أو الذمة كما مضى في المواشي
واختتام الباب بفصلين
الأول في اجتماع زكاة التجارة مع سائر الزكوات

ويفرض ذلك في الفطرة والمعشرات والمواشي
أما الفطرة

فلا تنتفي بزكاة التجارة بل على التاجر أن يخرج الفطرة عن عبيد التجارة وإن تم حول التجارة مثلا عند هلال شوال لأنهما زكاتان يتابعد مأخذهما فلا تتنافيان خلافا لأبي حنيفة
أما إذا اشترى نصابا من السائمة على نية التجارة ففيه ثلاثة أقوال

أحدها أن المعتبر زكاة التجارة لأنه أرفق بالمساكين ولأن المال خرج عن كونه قنية بنية التجارة ولم يخرج عن كونه مال التجارة بالسوم والثاني أن المغلب زكاة العين فإنه متفق عليه والثالث أنه إن كان نصابا بأحدهما دون الآخر فيكون الغالب ما بلغ به نصابا وإن كان بهما جميعا نصابا فعلى التردد السابق
هذا إذا توافق ابتداء الحولين أما إذا اشترى أربعين معلوفة ثم أنشأ إسامتها بعد ستة أشهر فإن قلنا إن الغالب زكاة التجارة فلا كلام وإن قلنا الغالب زكاة العين ففي كيفية تغليبها هاهنا وجهان أحدهما أنه ينقطع حول التجارة بطريان السوم
والثاني أنه تجب زكاة التجارة في الحول الأول كيلا يحبط بعضه ويعدل إلى زكاة العين في الحول الثاني
وأما المعشرات فإذا اشترى ثمارا بنية التجارة فبدأ الصلاح في يده قبل البيع فإن غلبنا زكاة التجارة لم يجب العشر وإن غلبنا زكاة العين يخرج العشر ثم يستأنف حول التجارة عند الجذاذ إذ به تنقطع علائق زكاة العين فإن كان المشتري حديقة فإخراج العشر يسقط زكاة الثمار
وهل تسقط زكاة الأشجار والأرض فيه ثلاثة أوجه أحدهما نعم لأن العشر حق الأشجار ومغارسها فهي كالتابعة للثمرة والثاني لا لأن العشر حق الثمار إذ يجب على من لا يملك الأشجار الثالث أن الأشجار تتبع دون الأرض لأن الشجرة لا تراد إلا للثمرة فإن قلنا تتبع الأرض فلا نتبع إلا ما يدخل في المساقاة من الأرضي المتخللة بين الأشجار
فرع

لو اشترى أرضا للتجارة وبذرا للقنية وزرع فواجب الزرع العشر المحض وواجب الأرض زكاة التجارة إذ ليس الزرع محل التجارة حتى يستتبع
الفصل الثاني في زكاة مال القراض

فإذا سلم إلى رجل ألفا على أن يكون الربح نصفين فكان آخر الحول ألفين فإن قلنا العامل لا يملك إلا بالقسمة فزكاة الألفين على المالك ويحتمل على نصيب العامل وجد أنه لا يلزمه لأن ملكه فيه ضعيف إذ يتعلق به حق للعامل لازم
ثم ما نؤديه من الزكاة كالمؤن حتى يحتسب من الربح أو كاسترداد طائفة من المال فيه وجهان يلتفتان على أن تعلق الزكاة بالعين أغلب أو بالذمة فإنه إن تعلق بالذمة فإخراجه من غير هذا المال يشبه الاسترداد
وإن قلنا العامل يملك بالظهور قال القفال لا زكاة عليه لأن ملكه يستقر بالقسمة وقيل يخرج على قولي المغصوب فإن قلنا يجب فالصحيح أن حوله من وقت الظهور وقيل إنه يجب بحول الأصل لأنه ربح وفي استبداد العامل بإخراجه وجهان لأنه متردد بين المؤونة أو أخذ طائفة من المال
النوع الخامس من الزكاة زكاة المعادن والركاز
وفيه فصلان
الأول في المعادن

والزكاة واجبة على كل حر مسلم نال من المعادن نصابا من النقدين وما عدا النقدين فلا زكاة فيه
وفيه وجه آخر أنه يجب في كل معدن
وأوجب أبو حنيفة فيما ينطبع تحت المطارق
والنظر في أمور ثلاثة

الأول في قدر الواجب وفيه ثلاثة أقوال أحدها ربع العشر تشبيها بزكاة النقدين
والثاني أنه الخمس تشبيها بالركاز والثالث أن ما يصادفه قليلا مع كثرة العمل ربع العشر وما يصادفه مجموعا كثيرا بالإضافة إلى العمل ففيه الخمس
ومعنى كثرة العمل أن يكون النيل بالإضافة إليه قليلا في العادة فإن عد زائدا على المعتاد فالمقدار اللاحق بالمعتاد فيه ربع العشر والزائد عليه يخصبالخمس
الأمر الثاني النصاب

وهو معتبر إن أوجبنا ربع العشر وإن أوجبنا الخمس فقولان لتردده بين مشابه الغنائم في قدر الواجب ومشابه الزكوات في الجنس
فإن لم نعتبر النصاب فلا حول وإن اعتبر النصاب ففي الحول قولان واعتبار الحول مع النصاب لا يبقي لإضافة الزكاة إلى المعادن وجها
فإن اعتبرنا النصاب مما يتواصل من النيل بضم بعضه إلى البعض كتلا حق الثمار في سنة واحدة والجامع هاهنا اتصال العمل فلو أعرض على عزم أن لا يعود فقد انقطع وإن ترك لإصلاح آلة لم ينقطع وإن كان لعذر سفر أو مرض فوجهان
فرع

إذا وجد تسعة عشر دينارا فأعرض ثم عاد بعد مدة ووجد دينارا وكانت التسعة عشر باقية فعليه أن يخرج واجب هذا الدينار لأنه كمل عند النيل بما في ملكه وأما التسعة عشر فيه شئ فلا لأنه لم يكن نصابا كاملا ذلك الوقت والكمال بعده لا ينفع
وكذلك إذا كان في ملكه سلعة للتجارة فيكمل به نصاب المعادن ويكمل سلعةالتجارة بمال المعادن إذا وجد مع آخر حول التجارة وقلنا المعتبر آخر الحول لأن زكاة النقدين والتجارة والمعدن متداخلة في المعنى فينبني بعضها على البعض وإن كانت قد تختلف في شرط النصاب والحول
وحكى الشيخ أبو علي وجها أن دينار المعدن لا يكمل إلا بما يجب فيه زكاة المعدن معه
الأمر الثالث أنه لا يجب إخراج الواجب قبل التنقية
كما في الحبوب ثم لا يجزئه إخراج التراب المخلوط فإن مقصوده مجهول
فرع

للمسلم أن يزعج الذمي من معادن دار الإسلام إذا انتهى إليه ولكن ما ناله بالمبادرة ملكه كالصيد والحشيش ولا زكاة عليه إلا إذا قلنا على وجه بعيد أن مصرف واجبه الفيء على قول إبجاب الخمس فإنه يؤخذ منه الخمس
الفصل الثاني في الركاز

وقد قال صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس وهو واجب في الحال من غير اعتبار حول بخلاف المعدن فإن فيه قولا بعيدا
ولكن للركاز شروط

الأول أن يكون من جوهري النقدين وفي القديم قول أنه يجب في كل جنس اعتبارا بالمغانم
الثاني أن يكون نصابا تشبيها بالزكوات وفيه قول قديم أن القليل يخمس كالغنيمة
قال الشافعي رضي الله عنه لو كنت أنا الواجد لخمست القليل والكثير ولو وجدت فخارة لخمستها وهو إشارة إلى الاحتياط
فرع

إذا وجد مائة درهم لم يجب الخمس على الجديد فلو وجد مائة أخرى بعد ذلك والمائة الأولى باقية في ملكه أو ملك مائة أخرى من مال تجارة أو نقد وجب الخمس في مائةالركاز وكمل نصابه بما ليس بركاز كما ذكرنا في المعادن
وفي طريقة العراق أنه إن كان في ملكه نصاب كامل في النقدين سوى الركاز وقد تم عليه الحول وجب الخمس في هذه المائة تكميلا لها بما هو محل الوجوب وإن وجد قبل حولان الحول فلا يكمل به وإن وجد عند حولان الحول ولكن كان النصاب ناقصا فالمنصوص في الأم أنه يكمل به الركاز
وحكوا وجها آخر أنه لا يكمل لنقصان النصاب وهذه الطريقة جارية في المعادن وإن لم نحكها ثم
الثالث أن يكون عليه ضرب الجاهلية فلو كان على ضرب الإسلام فهو لقطة
وقيل إن الإمام يحفظها كحفظ الأموال الضائعة لأن اللقطة ما هو بصدد الضياع وطرد هذا في الثوب الذى تلقيه الريح في دار إنسان فإنه ليس معرضا للضياع
ولو انكشف الركاز بسيل جارف ألحق باللقطة على مساق هذا المعنى
فأما إذا احتمل أن يكون من ضرب الإسلام والكفر جميعا كالأواني والحلى فوجهان أحدهما أنه لقطة والثاني أنه ركاز
الشرط الرابع أن يوجد في موضع مشترك كموات وشارع
فإن وجد في عمران دار الحرب فهو غنيمة أو فيء وعلى اختلاف الحال في إيجاف خيل وركاب أو عدمه
وإن وجده في ملك نفسه نظر فإن كان يملك بالإحياء فله الأخذ ولكن يملك بالإحياء أم بالأخذ فيه وجهان فعلى وجه لا يملك بالإحياء فإنه ليس من أجزاء الأرض بخلاف المعادن وإن كان الملك قد انتقل إليه من غيره
فإن قلنا يملك بالإحياء فعليه طلب المحيي وإلا فهو لقطة أو مال ضائع وإن قلنا لا يملك بالإحياء فلا شك في أن المحيي أولى به
ولا يبطل اختصاصه بالبيع فلا يملكه الواجد وهذا فيه احتمال فإنه يشبه بما لو عشش طير في داره فأخذه غير صاحب الدار وفي ملكه خلاف
فرع

لو تنازع البائع والمشتري والمعير والمستعير وقال كل واحد أنا دفنت الركاز فالقول قول صاحب اليد في الحال فإن قال المكري بعد رجوع الدار إلى يده أنا كنت دفنته قبل الإجارةلم يصدق على أحد الوجهين بيمينه لأنه اعترف بثبوت يد المستأجر عليه وانفرد بدعوى التقدم
الشرط الخامس أن يكون الواجد أهلا للزكاة
فلا خمس على الذمي إذا وجده إلا على قول بعيد أن مصرف الخمس الفيء فإذ ذاك يؤخذ خمسه
النوع السادس زكاة الفطر والنظر في أربعة أطراف
الأول في وقت الوجوب

وفيه ثلاثة أقوال
الجديد أنه يجب بأول جزء من ليلة العيد وهو وقت الغروب آخر يوم من شهر رمضان فإنه منسوب إلى الفطر وهذا وقته وعلى هذا لو مات عبده أو ولده قبيل الغروب أو ورث عبدا أو ولد له بعد الغروب فلا فطرة عليه بسببه
الثاني أنه يجب بأول جزء من طلوع الفجر يوم العيد لأن أثر الفطر يظهر في الوقت القابل للصوم
والثالث أنه لا بد من اعتبار الوقتين فعلى هذا لو زال ملكه بعد الغروب وعاد قبل الطلوع قبل الزوال فوجهان
الطرف الثاني في المؤدى عنه

والتحمل جار في الفطر لقوله أدوا صدقة الفطر عمن تمونون
فتبعت الفطرة النفقة وجهات تحمل النفقة ثلاثة
الجهة الأولى القرابة وكل قريب تجب نفقته تجب فطرته إلا في مسألتين
إحداهما ابن بالغ لم يملك إلا قوت يومه فقط عليه لإعساره ولا على الأب لسقوط نفقته في هذا اليوم
وإن كان الابن صغيرا قال الصيدلاني تجب فطرته فإن حق الصغير آكد ولذلك تتسلط الأم على الاستقراض لنفقة الصغير دون الكبير
قال الشيخ أبو محمد لا فرق في الفطرة ولا في الاستقراض بل لا تستقرض الأم دون إذن السلطان بحال
الثانية فطرة زوجة الأب فيه وجهان أحدهما أنه يجب كالنفقة والثاني لا لأن وجوب الإعفاف خارج عن القياس فيقصر على النفقة التى هى قدر الضرورة
وهذا ضعيف لأن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الابن يؤدي فطرة عبد أبيه إذاكان مستغرقا بخدمة أبيه فزوجة الأب أولى
الجهة الثانية الزوجية فيجب على الزوج الحر الموسر صدقة الفطر عن زوجته المسلمة موسرة كانت أو معسرة
فإن كان معسرا وهي موسرة قال الشافعي الأولى لها أن تخرج عن نفسها ولا يتبين لي إيجابها عليها ونص في الأمة تحت الزوج المعسر على أن النفقة تجب على السيد
فقال الأصحاب قولان بالنقل والتخريج منشؤها التردد في أن الزوج أصل في الوجوب أو متحمل
ومنهم من قرر النصين وقال مالك اليمين أقوى في الأمة من مالكته الحرة ولهذا يلزم الحرة التمكين مطلقا ولا يجب على السيد تسليم الأمة إلى زوجها إلا ليلا
وإن كانت موسرة تحت مكاتب فقولان مرتبان وأولى بأن يجب عليها لأن المكاتب ليس له أهلية التحمل
فرعان

الأول إذا أخرج الزوج زكاتها دون إذنها جاز فإنه مخاطب أصيلا كان أو متحملا وإن أخرجت هى فطرة نفسها بغير إذنه لم يجز إلا على قولنا إن الزوج متحملوليس بأصيل
الفرع الثاني البائنة الحامل تستحق الفطرة كالنفقة وقيل إذا قلنا النفقة للحمل فلا فطرة
الجهة الثالثة ملك اليمين فيجب إخراج الفطرة عن كل مملوك مسلم باق تحت التصرف أما الكافر فلا فطرة له عليه خلافا لأبي حنيفة
وأما العبد المشترك يجب فطرته على الشريكين خلافا لأبي حنيفة ومن نصفه حر ونصفه عبد فالأمر بينه وبين السيد على الشركة
ولو جرت مهايأة واستهل هلال شوال في نوبة أحدهما ففي اختصاص الفطرة به وجهان بناء على أن الأمور النادرة هل تدخل في المهايأة وفيه خلاف
ولو اعتبرنا مجموع الوقتين فكان وقت الغروب في نوبة أحدهما ووقت الطلوع في نوبة الآخر فلا سبيل إلا الشركة
وأما نفوذ التصرف احترزنا به عن المكاتب فلا يجب فطرته عليه لنقصان حاله ولا على السيد لسقوط النفقة
وحكى أبو ثور عن الشافعي رضي الله عنه أنه يجب على السيد
وقال بعض أصحابنا يجب على المكاتب لأن إسقاط فطرته مع قدرته وقدرة السيد بعيد وهو أولى بنفسه من السيد كما في النفقة
أما من لا ينفذ التصرف فيه بإباقة أو كونه مغصوبا أو ضالا ففيه طريقان
أحدهما كسائر الزكوات فيخرج على القولين
والثاني أنه يجب لأنه يتعلق بالملك الضعيف في المستولدة
وأطلقوا القول بوجوبه في العبد المرهون وإن احتمل إجراء الخلاف فيه
فروع ثلاثة

الأول العبد الموصى به إذا فرعنا على أنه بعد موت الموصي وقبل القبول ملك الميت فجرى الإهلال فلا زكاة
وذكر الفوراني وجها أنه يجب في مال الميت وهذا يلتفت على تردد ذكرناه في مال الجنين لأن الجنين مورده الحياة والميت مصدره الحياة والاستصحاب كالاستعجال
الثاني إذا غاب العبد وانقطع خبره نص على وجوب فطرته ولو أعتقه عن كفارة ظهار نص على أن الوقاع لا يحل له فقيل قولان بالنقل والتخريج لتقابل الأصلين وقيل إن الشافعي مال إلى الاحتياط في المسألتين
وهذا فيه نظر إذا كان انقطاع الخبر مع تواصل الرفاق فإن كان في الطريق عائق فالأصل بقاء العبد
الثالث نفقة زوجة العبد في كسبه وليس عليه فطرتها لأنه ليس أهلا لالتزام زكاة نفسه فلا تحمل عن غيره والمكاتب إن ألزمناه فطرة نفسه ألزمناه فطرة زوجته
الطرف الثالث في صفات المؤدي

والصفات المشروطة ثلاث
الأولى الإسلام فلا زكاة على كافر إلا في عبده المسلم وزوجته المسلمة حيث يتصور مسلمة تحت كافر في دوام النكاح عند اختلاف الدين وفيهما قولان
أحدهما لا تجب لأن المؤدي أصل وهو كافر والثاني تجب لأنه متحمل وعلى هذا تجزي دون النية لتعذرها من الكافر
الصفة الثانية الحرية فلا زكاة على رقيق إلا على المكاتب في رأي بعيد كما ذكرناه ومن نصفه حر وجب عليه نصف صاع وعلى سيده الباقي ويجب على الصبي والمجنون في مالهما
الصفة الثالثة اليسار وهو معتبر في وقت الوجوب فلو كان معسرا ثم أيسر ضحوة العيد مثلا فلا زكاة بخلاف الكفارة فإن الأظهر أن العاجز عن جميع الخصال إذا جرى عليه سبب الكفارة استقر في ذمته إلى اليسار لأن اليسار ثم اعتبر للأداء وسبب الوجوب الجناية وهاهنا اليسار أولى بأن يجعل سببا للوجوب من الوقت
وقال صاحب التقريب الكفارة كالفطرة ويشهد له حديث الأعرابي
والمعني باليسار أن يفضل عن قوته وقوت من يقوته في يومه ذلك صاع واحد وذلك بعدد ست ثوب يليق به ومسكن يسكن فيه وعبد يخدمه إن كان مثله ممن يخدم والعبد والمسكن يباعان في الديون للآدميين ولكن الحاجة إليه تمنع ابتداء الوجوب لأن الابتداء أضعف ولذلك يدفع ابتداء الفطرة بالدين كما يدفع بالحاجة إلى نفقة الأقارب في ذلك اليوم وإن كان لا يدفع سائر الزكوات في ابتدائها بالدين على قول
فروع أربعة

الأول لو كان الفاضل صاعا واحدا وله عبد مستغن عن خدمته صرف الصاع إلى نفسه وهل يلزمه أن يبيع جزءا من العبد في فطرة العبد فيه ثلاثةأوجه
أحدها لا لأنه يؤدي إلى اتحاد المخرج والمخرج عنه والثاني أنه يجب ولا بأس بالاتحاد
والثالث وهو الأعدل وإن لم يكن محكيا على هذا الوجه أنه إن استغرق الصاع قيمته فلا يخرج وإن كان عشرة مثلا يشتري بتسعة أعشار صاع فليخرجه عن الباقي بعد بيع العشر لأن من لا يملك إلا تسعة أعشار عبد يلزمه تسعة أعشار صاع فلا يؤدي إلى الاتحاد المحذور
الثاني لو فضل عن قوته نصف صاع فيه وجهان
أحدهما أنه يجب إخراجه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور كما إذا وجد بعض الساتر للعورة
الثاني أنه لا يجب كبعض الرقبة في الكفارة
والأصح الفرق لأن الرقبة لها بدل وأما بعض الصاع فيشبه ما لو وجد بعض ما يستر العورة
الثالث إذا فضل صاع واحد ومعه زوجته وأقاربه ففيه ثلاثة أوجه
الأصح أنه يخرج عن نفسه لقوله عليه السلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول والثاني أنه يبدأ بزوجته لأنه في حكم دين والثالث أنه يتخير بين نفسه وبين غيره
وعلى هذا لو وزع وقلنا إخراج بعض الصاع لا يجب لم يجز التوزيع وإن قلنا يجب ذلك ويقع زكاة فهاهنا وجهان والفرق أن هاهنا لا ضرورة إلى التجزئة بخلاف ما إذا لم يجد إلا نصف صاع
الرابع لو أخرج فطرة نفسه وفضل صاع وازدحم جمع ممن يقوتهم يقدم من يقدم بالنفقة فإن استويا فوجهان أحدهما التخيير والآخر التقسيط
الطرف الرابع في الواجب

وهو صاع مما يقتات
والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي
والقوت كل ما يجب فيه العشر ولو كان الأقط قوت طائفة ففي إخراج صاع منه قولان مأخذهما التردد في صحة الحديث الوارد فيه فإن صح فاللبن والجبن في معناه دون المخيض والسمن لأن الاقتيات باجتماعهما
وذكر العراقيون قولين في اللحم من حيث إن اللبن عصارته وهو بعيد لأنه لا يقوت
ثم لا يجري المسوس والمعيب من هذه الأجناس ولا الدقيق فإنه بدل
وذكر بعض الأصحاب في كونه أصلا قولين
وهل يتعين أحد الأجناس فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يتخير بينهما لورود الخبر بلفظ التخيير وهو ضعيف لأن المراد به التنويع
والثاني أن المعتبر قوته كما يعتبر في الزكاة ماشيته
والثالث وهو الأصح أنه يعتبر الغالب من قوت البلد في وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة
ثم إذا تعين جنس تفرع عنه ثلاثة فروع

الأول أنه لو أخرج جنسا أشرف مما عليه كالبر بدل الشعير يجزئه ولو أخرج الأردأ لا يجزئه والبر أشرف من التمر في غرض الاقتيات فلا ينظر إلى القيمة والتمر أشرف من الزبيب وفي الزبيب مع الشعير تردد ولو وجب الشعير فأخرج نصف صاع من الشعير ونصف صاع من البر لم يجز على أحد الوجهين لما فيه من التنويع
الثاني لو كان يليق البر بحاله فكان يتناول الشعير بخلا لزمه البر ولو كان يليق به الشعير وكان يتناول البر توسعا ففي أخذ الشعير وجهان أصحهما أنه يؤخذ نظرا إلى اللائق به
الثالث إذا اختلف قوت السيدين في العبد المشترك قال ابن سريج يكلف من قوته أردأ أن يوافق الآخر ليتحد النوع فإن العبد متحد
وقال ابن الحداد لا يبالي بالتنويع لأجل الضرورة
ولا خلاف في أن الكفارات لا يركب آحادها من الصيام والإطعام إلا كفارة الصيد فإن الجماعة إذا اشتركوا لزمهم جزاء واحد ولا يلزمهم التوافق في الطعام أو الصيام نعم لو اتحد القاتل والمقتول ففي جواز التنويع وجهان ووجه الجواز أن هذه الكفارة متبعضة بالجناية على أطراف الصيد
كتاب الصيام
ولا خفاء بكونه من أركان الشرع والنظر فيه يحصره قسمان الأول في نفس الصوم والثاني في موجبات الإفطار ومبيحاته
القسم الأول في نفس الصوم والنظر في سببه وركنه وشرطه وسننه
القول في السبب

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وإن غم عليكم فاستكملوا العدة ثلاثين يوما فرؤية الهلال سبب الوجوب
والنظر في ثلاثة أمور
الأول في طريقة معرفته

وأقصاه بعد العيان شهادة عدلين سواء كانت السماء مضحية أو لم تكن
وهل يقبل قول واحد فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا يقبل كما في هلال شوال
والثاني يقبل إن كان على صفات الشهود لما روي عن ابن عمر أنه قال تراءى الناس الهلال فرأيته وحدي فشهدت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الناس بالصوم
ولأن فيه احتياطا لأمر العبادة بخلاف شوال وعلى هذا لو شهد واحدواستكملنا ثلاثين فلم ير هلال شوال ففي الإفطار وجهان ووجه الجواز أن أول الشهر إذا ثبت بقوله فالآخر ثبت ضمنا لا قصدا فكان كالنسب الذى يثبت ضمنا للولادة بقول مجرد النساء
ولو شهد عدلان وكانت السماء مضحية ليلة الحادي والثلاثين ولم ير لم نجز الإفطار على أحد الوجهين إذ قول العدلين اجتهاد وهذا يقين فلا يعمل معه
والثالث أنه يكفي صفة الرواة فلا يشترط الحرية وكان هذا من قبيل الإخبار
فرع

هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة إن قلنا إنه من قبيل الإخبار يثبت وإن قلنا شهادة تبنى على أن حق الله هو يثبت بالشهادة على الشهادة وفيه خلاف
الأمر الثاني عموم حكم الهلال

فإذا رأى في موضع فهل يتعدى حكمه إلى سائر البلاد فيه وجهان
أحدهما نعم لأن مناط التعبد أن يصير مرئيا ببعده عن الشمس ولو في موضع واحد
والثاني لا بل مناطه أن يصير مرئيا في قطر المكلفين وذلك يختلف بالبلاد
وعلى هذا لا ضبط إلا مسافة القصر فإن تحكم المنجم قبيح شرعا
فرع

لو رأى الهلال ببلدة وسافر إلى بلدة أخرى واستكمل الثلاثين ولم ير الناس الهلالفإن قلنا الحكم يعم فله الإفطار وعلى الناس موافقته إن ثبت عندهم عدالته وإن قلنا لكل بقعة حكمها فعليه موافقة القوم
ولو أصبح معيدا مفطرا فجرت به السفينة إلى قطر لم ير به الهلال قال الشيخ أبو محمد يلزمه الامتثال تشبها إن لم نعمم الحكم وفيه بعد لما فيه من تبعيض اليوم الواحد
الأمر الثالث وقت تأثير الهلال الليل

فلو رأى هلال شوال نهارا لم يفطر إلى الغروب سواء رأى قبل الزوال أو بعده
وقال أبو حنيفة إن رأى قبل الزوال أفطر
القول في ركن الصوم وهو النية والإمساك
الركن الأول النية

فيجب على الصائم في رمضان أن ينوي لكل يوم نية معينة مبيتة جازمة وفي الرابطة قيود فليتأمل
أما قولنا ينوي خالفنا فيه زفر
وقولنا لكل يوم خالفنا فيه مالك إذا اكتفى في رمضان بنية واحدة
وأما قولنا معينة خالفنا فيه أبو حنيفة إذ قال لو نرى قضاء أو نذرا أو تطوعا انعقد عن رمضان
وعندنا يلزمه أن يقول بقلبه أؤدي ا إذا فرض صوم رمضان فالتعرض للأداء لا بد منه وفي الفرضية خلاف ومنهم من زاد أن يقول رمضان هذه السنة وهوفاسد فإن في الأداء غنية عنه والمراد من النية قصد القلب إلى الصوم الموصوف بهذه الصفات بعد كونه حاضرا في الذهن وأما اللفظ فلا أثر له
وأما قولنا مبيتة خالفنا فيه أيضا أبو حنيفة
ويعني به أنه ينوي ليلا ولا يتعين له النصف الأخير على المذهب ولا يبطل بالأكل بعده ولا يجب تجديد النية إن تنبه من النوم على المذهب ولو بصورة القدرة على أن تقترن النية بأول جزء من اليوم وفي صحته وجهان لورود لفظ التبييت
أما التطوع فيصح بنية قبل الزوال للخبر وفيما بعد الزوال قولان
أحدهما نعم ترغيبا في تكثير النوافل
والثاني لا لأنه ورد الخبر فيما قبل الزوال والمعظم باق فلا يكون ما بعده في معناه ولا مرد للتنصيف إلا الزوال وإن كان ما قبل الزوال أكثر ثم قيل إن العبادة تحصل من وقت النية ولكن الإمساك فيما قبله شرط
ولو تقدم الكفر والحيض ثم زالا ففى صحة الصوم خلاف لأن ذلك لا يبطل مقصود الصوم من الخواء لأن مقصوده الخوى والطوى
فرع

لا يبطل الصوم بمجرد نية الخروج على أحد الوجهين إذ ليس له عقد وحل يرتبط بالقصد فلو كان صائما قضاء فنوى أن يقبله نذرا وقلنا إن نية الخروج تؤثر بطل القضاء ولم يحصل النذر وهل يبقى تطوعا فيه وجهان
أما قولنا جازمة أردنا أن النية المرددة باطلة إلا إذا كان لها مستند والمردد أن يقول ليلة الشك أصوم غدا إن كان من رمضان وكان من رمضان لم يعتد بصومه ولو كان له مستند وهو مع ذلك شاك جاز والمستندات ثلاثة
الأول علامة صحيحة شرعا كقول شاهدين عدلين أو شاهد واحد إن حكمنا به أو معرفة تسيير الأهلة
وأما قول الصبية والعبد وإن أبان ظنا فهو كالمعدوم شرعا
وإن كان الغيم مطبقا واقتضى الحساب الرؤية ففي وجوبه على من عرف الحساب وجهان
الثاني الاستصحاب وهو أن ينوي كذلك ليلة الثلاثين من رمضان صح لأن الأصل بقاء الشهر واستصحاب الأصول من القواعد
الثالث الاجتهاد في حق المجوس في مطمورة بإجراء الفكر في التواريخالمعلومة فإذا غلب على ظنه نوى ولم يضره التردد
ثم إن وقع شوال وما بعده لم يلزمه القضاء بل أجزأه ما جاء به ولكن كان أداء له وكأن الشهر بدل في حقه للضرورة أو هو قضاء فيه قولان
وفائدة كونه أداء أن ذلك الشهر لو خرج تسعا وعشرين وكان رمضان ثلاثين فيكفيه ذلك
وإن وقع في شعبان فما قبله فإن قلنا إن المؤخر أداء فهذا يجزئه
وإن قلنا قضاء فلا يعقل القضاء قبل الوقت وهذا إذا لم يدرك رمضان فإن أدرك وانكشف الحال لزمه ما أدرك من رمضان بكل حال
الركن الثاني الإمساك عن المفطرات

والمفطرات ثلاثة دخول داخل وخروج خارج وجماع
أما الجماع فحده معلوم
وأما الخارج فالاستمناء قصدا والاستقاء قصدا
وقيل إن الاستقاء من قبيل دخول داخل لأنه لا يخلوا من رجوع شئ إلى الباطن وقد قال صلى الله عليه وسلم من قاء أفطر أي استقاء ومن ذرعه القيء لم يفطر
أما دخول الداخل فالضبط فيه أن كل عين وصل من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم فهو مفطر وفي الرابطة قيود
أما قولنا كل عين جمعنا به ما يعتاد أكله ومالا يعتاد أكله كالحصاة والبرد وخالف في ذلك بعض العلماء
وقلنا وصل جمعنا به ما ينفصل عن الظاهر وما يبقى طرفه باديا كما لو وجأ بالسكين البطن وإرسال خيط في الحلق مع الاستمساك بطرفه
وقال أبو حنيفة لا يحصل الإفطار به
وأما الباطن عنينا به كل موضع مجوف فيه قوة محيلة للدواء والغذاء كداخل القحف والخريطة وداخل البطن والأمعاء والمثانة
والسعوط والحقنة مفطران والاكتحال لا يفطر وفيما يصل إلى الإحليل وجهان والصحيح أن تقطير الدهن في الأذن لا يضر والاحتجام والفصد والوجاء بالسكين في الفخد لا يفطر إذ لم يصل إلى الجوف
وأما قولنا في منفذ مفتوح احترزنا به عما يصل إلى الدماغ أو البطن إذاطلي بالدهن فإن ذلك يشرب بالمسام فلا يفطر إلا أن يكون جراحة شاقة فإذا نزل عين الدواء إلى الجوف أفطر
أما قولنا عن قصد المعني به أن من طارت ذبابة إلى جوفه أو وجئ بالسكين دون رضاه أو ضبطت المرأة وجومعت أو وصل غبار الطريق وغربلة الدقيق إلى باطنه أو أوجر وهو مكره أو نائم أو مغمى عليه فلا يفطر إلا أن يقصد معالجة المغمى عليه في إيجاره ففيه وجهان من حيث إنه روعي مصلحة فنزل منزلة تعاطيه ويخرج عن رعاية القصد
النظر في الريق وماء المضمضة والنخامة وبقية الطعام في خلال الأسنان وسبق المني والقيء

أما الريق فهو معفو عنه إلا إذا أخرج من الفم وأعاد إليه ولو جمع قصدا ثم ابتلعه فوجهان
قال الشافعي وأكره العلك فإنه يحلب الفم فأشار إلى جمع الريق
والخياط إذا بلل الخيط ثم رده إلى فيه قال الأصحاب أفطر وقال الشيخ أبو محمد لا أثر لذلك فإنه ينقص عما يبقى في الفم بعد المضمضة
ولو أخرج لسنه من فيه وعلى طرفه ريق ثم أعاد فلا بأس قطعا ولو خرج من اللثة دم فابتلع أو ابتلع سنا يسقط أفطر
أما النخامة فإنها تبرز من ثقبة نافذة من الدماغ إلى أقصى الفم فإن جرى إلى الباطن بغير اختياره لم يفطر وإن رده إلى فضاء الفم ثم ازدرده قصدا أفطر
وإن قدر على قطعة من مجراه ودفعه عن الجريان وتركه حتى جرى بنفسه ففيه وجهان منهم من لم يكلفه ذلك ومنهم من كلفه لقدرته
وأما سبق الماء في المضمضة ففيه قولان أحدهما لا يفطر كسبق الذباب عند فتح الفم والثاني يفطر لأن التحفظ فيه ممكن
ولو بالغ فقولان مرتبان والظاهر الإفطار لأن وصول الماء فيه ليس بنادر
أما بقية الطعام في خلل الأسنان فإن قصر في تخليل الأسنان فهو كصورة المبالغة وإن لم يقصر فهو كغبار الطريق
أما المني فإن خرج بالاستمناء فهو مفطر وإن خرج بمجرد الفكر والنظر فلا لأن الحجر فيه عسر فإن خرج بالقبلة والمعانقة مع حائل فهو كالمضمضة وإن كان غير حائل وخرج بالمضاجعة فهو كالمبالغة
ثم قال العلماء لا تكره القبلة في الصوم لمن يملك إربه كالشيخ الهم ويكره للشاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل نساءه وهو صائم
وأما القيء وسبقه فهو كالمني إلا إذا قلنا إنه إنما يفطر لرجوع شيء منه إلى الباطن فعند ذلك لو يحفظ لم يفطر
ولو اقتلع نحامة من باطنه فهل يلحق بالاستقاء فيه وجهان أحدهما نعم لأنه مشبه به والثاني لا لأن الاستقاء إخراج طعام عن مقرة
ثم أقرب ضبط في الفرق بين الظاهر والباطن أن يقال المقتلع من مخرج الخلو ظاهر والمقتلع من مخرج الحاء باطن
هذا بيان فقد القصد حسا فإن فقد شرعا كما في المكره على الأكل فقولانأحدهما لا يفطر لسقوط قصده شرعا والثاني يفطر لأن أثر الإكراه في درء المأثم
وأما قولنا مع ذكر الصوم احترزنا به عن الناسي للصوم فإنه إذا أكل مرة أو مرارا كثيرا أو قليلا لم يفطر لورود الحديث
وفي جماع الناسي خلاف سيأتي
وأما الغالط فيلزمه القضاء كمن ظن أن الشمس غاربة وأن الصبح غير طالع فأكل ثم بان خلافه لأنه ذاكر الصوم
ومن أصحابنا من قال إذا غلط في أول النهار لم يقض لأنه معذور في استصحاب حكم الليل
فإن قيل فمتى يحل الأكل قلنا أما في آخر النهار فعند اليقين للغروب أو عند اعتقاد قطعي في حق الصائم فإن ظن الغروب بأمارة وهو مع ذلك يجوز خلافه
قال الأستاذ أبو إسحاق لا يحل له الأكل ولو أكل واستمر الإشكال لزمه القضاء لأن درك اليقين ممكن فلا يتغير الاستصحاب بالاجتهاد
ومن أصحابنا من جوز الأكل بالاجتهاد أما في ابتداء النهار فيجوز بالظن ولا يجوز هجوما ولكن لو استمر الإشكال فلا قضاء لأن الأصل بقاء الليل
فرع

إذا طلع الصبح وهو مجامع فنزع انعقد صومه خلافا للمزني وزفر لأنه بالنزع تارك للجماع ولو استمر فسد الصوم ولو أحرم مجامعا ثم نزع ففي انعقاد إحرامه وجهان من حيث إن الإحرام داخل تحت اختياره فإن قيل وكيف يتصور اتصال النزع بالصبح ولا يحسن بالصبح إلا بعد زمان من طلوعه قلنا ما قبل إمكان الإحساس لا يتعلق به الحكم كالزوال عند زيادة الظل
القول في شرائط الصوم
وهي أربعة ثلاثة في الصائم وهو

الإسلام والعقل والنقاء عن الحيض
فلا يصح صوم كافر ولا مجنون ولا حائض في بعض النهار أو كله
ثم العقل زواله بالجنون بانغماره بالإغماء واستتاره بالنوم أما النوم فلا يضر وإن استغرق جميع النهار لأنه في حكم عقله يزول بالتنبه وفي إلحاق مستغرق النوم بمستغرق الإغماء وجه بعيد
وأما الجنون فيفسد طارئه ومقارنه وفي إلحاق طارئه بطارئ الإغماء وجه بعيد
وأما الإغماء ففيه طريقان
أحدهما إجراء خمسة أقوال ثلاثة منصوصة واثنان مخرجان أحدها وعليه نص هاهنا أن المستغرق يفسد فإن أفاق في جزء من النهار لم يفسد والثاني وعليه نص في الظهار أنه إن كان في أول النهار مفيقا صح وإلا فلا والثالث أن الإغماء كالحيض والرابع مذهب المزني وهو أن الإغماء كالنوم فلا يضر وإناستغرق والخامس شرط الإفاقة في طرفي النهار مراعاة لأول العبادة وآخرها
الطريقة الثانية القطع بما نص الشافعي رضي الله عنه عليه في الصوم وهو اشتراط الإفاقة في لحظة كانت وتأويل بقية النصوص
الشرط الرابع الوقت القابل للصوم وهو جميع الدهر إلا يوم العيدين وأيام التشريق وفي القديم قول أن المتمتع يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق فقيل إنه لا يقبل غيره وقيل إنه كيوم الشك أما يوم الشك فصومهصحيح إن وافق وردا أو قضاء وإن لم يكن له سبب فهو منهي عنه وفي صحته وجهان كالصلاة في الأوقات المكروهة ويعني بيوم الشك أن يتحدث الناس برؤية الهلال ولا يثبت عند القاضي وإن كان على محل الهلال قزع سحاب ولم يتحدث بالرؤية فليس بشك في البلاد الكبيرة وأما في حق الرفقة في السفر والقرى الصغيرة فلا يبعد أن يجعل يوم الشك وإن كان الغيم مطبقا فليس بيوم الشك
القول في السنن وهي ثمانية

الأول تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب بتمر أو ماء مستحب ويقول عند ذلك اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت
الثاني تأخير السحور مع الاستظهار باليقين وقد كان بين تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة الصبح قدر خمسين آية
الثالث إكثار الصدقات وتقديم الطعام لإفطار الصائمين
الرابع الاعتكاف لا سيما في العشر الأخير لطلب ليلة القدر
الخامس كثرة تلاوة القرآن في هذا الشهر مع كف اللسان عن أنواع الهذيان وكذا كف النفس عن جميع الشهوات فهو معنى الصوم قال صلى الله عليه وسلم الصوم جنة وحصن حصين فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإذا شاتمه رجل فليقل إني صائم
السادس ترك السواك بعد الزوال فإنه يزيل خلوف فم الصائم وهو أطيب عند الله من ريح المسك
السابع تقديم غسل الجنابة على الصبح ولو أصبح جنبا فلا بأس كان رسولالله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع أهله
الثامن ترك الوصال ولا تزول الكراهية إلا بأن يأكل شيئا بالليل وإن قل فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه واصل في العشر الأخير فواصل عمر وغيره فنهاهم وقال وددت لو مد لي الشهر مدا ليدع المتعمقون تعمقهم أيقوى أحدكم على ما أقوى عليه إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني
القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته
أما المبيح
فالمرض والسفر الطويل وقد ذكرنا حدهما في التيمم والصلاة
ثم المرض إن طرأ أباح الفطر وإن زال قبل الإفطار لم يجز الإفطار بعده وقيل إنه يجوز
أما السفر إذا طرأ في أثناء النهار لم يفطر خلافا لمزني وأحمد وإن قدم الرجل غير مفطر لم يجز له الإفطار وإن أصبح المسافر على نية الصوم فله الإفطار بخلاف ما إذا شرع في الإتمام حيث لا يجوز القصر
والصوم أولى من الفطر في السفر بخلاف الإتمام فإن فيه خلافا لأن فيالقصر خروجا عن الخلاف مع براءة الذمة والفطر يبقي الذمة مشغولة بالقضاء
وأما خلاف داود في إيجاب الفطر فلا يعتد به
وما ورد من الأخبار في النهي عن الصيام في السفر أريد به من يتضرر بالصومبدليل ما روي عن أنس أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر ومنا القاصر ومنا المتمم ولم يعب بعضا بعضا
أما موجبات الإفطار فأربعة

القضاء والإمساك تشبها والكفارة والفدية
أما القضاء فواجب على كل مفطر وتارك بردة أو سفر أو مرض أو إغماء أو حيض ولا يجب على من ترك بجنون أو صبي أو كفر أصلي
ولا فرق في الجنون بين ما طبق الشهر وبين ما قصر عنه فما فات في أيام الجنون لا يقضى ولو أفاق في أثناء النهار ففي قضاء ذلك اليوم وجهان
ومن لزمه قضاء الشهر في يلزمه التتابع خلاف لمالك
أما الإمساك تشبها بالصائمين فواجب على كل متعد بالإفطار في شهر رمضان ولا يجب في غير رمضان ولا على من أبيح له الفطر إباحة حقيقيةكالمسافر والمريض وإن زال عذرهما في بقية النهار خلافا لأبي حنيفة لأن الإمساك نوع مؤاخذة
وإن أصبحا من غير نية فزال العذر قبل اتفاق الأكل ففي وجوب الإمساك وجهان فالظاهر أنه لا يجب إذ لا فرق بين الأكل وترك النية كما في الحائض
فأما من أصبح يوم الشك مفطرا ثم بان أنه من رمضان فالمذهب وجوب الإمساك لأنه مخطئ والكفارة تتعلق بالقتل الخطأ
وحكى البويطي قولا أنه لا إمساك وكأن الإمساك نتيجة المأثم أما الصبي والجنون والكفر إذا زال في أثناء النهار ففي وجوب الإمساك بقية النهار أربعة أوجه
أحدها أنه يلزمهم لأنهم أدركوا وقت التشبه إن لم يدركوا وقت الصوملا كالمسافر فإنه مترخص مع كمال حاله على بصيرة
والثاني لا يلزم لأن وجوب الإمساك ينفي لزوم الصوم وهولاء لم يلتزموا إذ لم يدركوا وقت الأداء
والثالث أن الكافر يلزمه دون الصبي والمجنون فإنه معتد بترك الصوم مع القدرة عليه بتقدم الإسلام
والرابع أن الصبي مع الكافر يلزمهما لأن الصبي مأمور بالصوم وهو ابن سبع ومضروب عليه وهو ابن عشر
ثم قال الأصحاب قضاء هذا اليوم في حقهم يبتنى على الإمساك فمن ألزم الإمساك ألزم القضاء ومن لا فلا
قال الصيدلاني من أوجب الإمساك اكتفى به ومن لا يوجب أوجب القضاء
فرع

من نوى التطوع في رمضان لم ينعقد تطوعه وإن كان مسافرا أو كان قد أصبح ليلة الشك غير ناو لأن الوقت متعين للإمساك المفروض في حق من ليس مترخصا وفيه وجه أنه ينعقد
أما الكفارة فواجبة على كل من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به لأجل الصوم وفي الحد قيود
أما قولنا أفسد احترزنا به عن الناسي إذا جامع فإنه لا يفطر على المذهب الظاهر فلا يكفر ومنهم من خرج الفطر على القولين في فساد الإحرام بجماع الناسي وهوبعيد إذ إلحاق الجماع بالأكل أولى من إلحاقه باستهلاكات الحج
ثم إن قلنا الفطر حاصل فالظاهر أن الكفارة لا تجب لانتفاء الإثم وفيه وجه لانتسابه إلى التقصير
أما تقييدنا بصوم رمضان احترزنا عن التطوع والقضاء والنذر فلا كفارة فيها أثم المفطر أو لم يأثم
أما إضافتنا الإفطار إلى الجماع احترزنا به عن المرأة إذا جومعت فلا كفارة عليها خلافا لأبي حنيفة لأنها أفطرت قبل الجماع بوصول أول جزء من الحشفة إلى باطنها ولقصة الأعرابي ونص في الإملاء على وجوب الكفارة عليها
ثم اختلفوا على قول سقوط الكفارة وقيل إن الوجوب لا يلاقيها أصلاوقيل يلاقيها ولكن تندرج تحت كفارة الزوج فعلى هذا لا يندرج تحت كفارة الزاني لأن رابطة التحمل الزوجية فيجب الكفارة على الزانية
ولو كان الزوج مجنونا لزمتها الكفارة إذ لا كفارة على الزوج وقيل يجب على المجنون لأن ماله يصلح للتحمل ولو كانت معسرة وواجبها الصوم فلا سبيل للتحمل فيلزمها إذ الصوم عبادة محضة ولو لزمها الإطعام ولزم الزوج الإعتاق ففي تقدير الإدراج وجهان لما بينهما من اختلاف النوع مع اتحاد جنس المالية والأمة إذا وطئها السيد فواجبها الصوم فهي كالمعسرة والزوج إذا كان مسافرا والمرأة حاضرة فلا إدراج إذ لا كفارة عليه مهما قصد الترخص بالإفطار فإن لم يقصد ففي وجوبالكفارة وجهان الأصح أنها لا تلزم
أما تقييدنا بالجماع احترزنا به عن الأكل والشرب والاستمناء والإنزال بالتقبيل ومقدمات الجماع فلا كفارة فيها
وقال مالك تجب بكل مفطر
وقال أبو حنيفة بكل مقصود في جنسه
وقد أدرجنا تحته الزنا وجماع الأمة أما وطء البهيمة والإتيان في غير المأتى فالظاهر تعلق الكفارة به لأنه في معنى الجماع
أما قولنا أثم به لأجل الصوم احترزنا به عن الزاني ناسيا إذا قلنا يفطر ومن أصبح مجامعا أهله على ظن أن الصبح غير طالع إذ لا كفارة إلا على وجه إيجابه على الناسي وكذا لو أكل ناسيا فظن فساد صومه فجامع لزمه القضاء ولا كفارة للظن
وقد جمعنا بهذا الحد ما إذا جامع المنفرد الهلال بعد رد شهادته وما إذا جامع في أيام مرارا وما إذا جامع ثم أنشأ السفر فالكفارة تجب في هذه الصور خلافا لأبي حنيفة
فأما إذا طرأ بعد الجماع مرض أو جنون أو حيض ففي الكفارة ثلاثة أقوال
أحدها أنه يسقط إذ بان بالآخرة أن الصوم لم يكن واجبا
والثاني يجب لأنها طرأت بعد فساد الصوم بالجماع
والثالث أنه يسقط بطريان الجنون والحيض لأنهما ينافيان الصحة وفي معناهما الموت بخلاف المرض فإنه لا ينافي الصحة وقد حكي طرد هذه الأقوال في طريان السفر وهو بعيد فإنه غير مبيح
أما كيفية هذه الكفارة فهي مرتبة ككفارة الظهار على ما اشتمل عليه القرآن
وفي وجوب قضاء الصوم مع الكفارة ثلاثة أوجه
أحدها يجب وهو القياس
والثاني لا لقصة الأعرابي فليس فيها أمر بالقضاء
والثالث إن كفر بالصوم اندرج وإلا لزمه القضاء
وعمدة الكفارة حديث الأعرابي إذ جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينتف شعره ويضرب نحره ويقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فقال عليه السلام أعتق رقبة فوضع يده على سالفتيه وقال لا أملك رقبة غير هذه
فقال صم شهرين متتابعين فقال وهل أتيت هذا إلا من الصوم فقال أطعم ستين مسكينا فقال والله ما بين لابتيها أفقر مني فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق من التمر يسع خمسة عشر صاعا وقال تصدق به على الفقراء قال على أهل بيت أفقر من أهل بيتي فأخذ الأعرابي التمر وولى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم
وفي الحديث إشكالات
أحدها أنه مهد عذره في ترك الصيام بالغلمة المفرطة وقد اختلف الأصحاب فيه
والثاني أنه أخذ لينفق على أهل بيته فاختلفوا في جواز التفرقة في الكفارة على أهل البيت عند الفقر
الثالث أنه لم يبين له استقرار الكفارة في ذمته وكان عاجزا عن جميع الخصال لدى الجماع
واختلف الأصحاب فيه وقالوا ما يجب لله تعالى ينقسم إلى ما يجب لا بطريق العقوبة والغرامة كزكاة الفطر فإذا اقترن الإعسار بالاستهلال لم يستقر في الذمة وما فيه معنى الغرامة لا يندفع بالعجز بل يثبت في الذمة كجزاء الصيد وأما الكفارة ففيها وجهان لترددها بين القسمين
ثم قال صاحب التلخيص لا يجوز للمظاهر أن يجامع وإن كان عاجزا في حال الظهار عن جميع الخصال ما لم يكفر فاستثنى كفارة الظهار
وقال الشيخ أبو علي لا فرق بينهما
فإن قيل وما عذر من يخالف الحديث قلنا يرى أن تنزيل ذلك على تخصيص الأعرابي أقرب من تشويش قاعدة القياس
أما الفدية فهي مد من الطعام مصرفها مصرف الصدقات ولوجوبها ثلاثة طرق فقد يجب بدلا عن نفس الصوم وقد يجب لفوات فضيلة الأداء وقد يجب لتأخير القضاء
فأما الواجب عن نفس الصوم فمن تعدى بترك الصوم ومات قبل القضاء أخرج عن تركته مد لكل يوم وفي القديم قول أنه يصوم عنه وليه
فأما من فاته بالمرض ولم يتمكن من القضاء حتى مات فلا شئ عليه
أما الشيخ الهرم ففيه قولان
أحدهما لا يلزمه الفدية كالمريض الدائم المرض إلى الموت
والثاني يلزمه لأنه ليس يتوقع زوال عذره بخلاف المريض فإنه عازم على القضاء
أما ما يجب لفضيلة الوقت فهو في حق الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما قضتا وأفدتا عن كل يوم مدا كذلك ورد الخبر
وفيه قول آخر أنه لا يلزمهما كالمريض
وفيه قول ثالث أنه يجب على المرضعة لأنها لا تخاف على نفسها بخلاف الحامل
فرعان

أحدهما العاصي بالإفطار هل يلزمه الفدية مع القضاء
فيه وجهان أحدهما نعم لأنه ليس خائفا على نفسه كالمرضعة بل حاله أسوأ منها الثاني لا لأن الفدية لا تكفر عدوانه
الثاني من رأى غيره مشرفا على الغرق وكان لا يتوصل إلى إنقاذه إلا بالفطر فله الفطر وفي لزوم الفدية وجهان من حيث إنه أفطر خوفا على غيره كالمرضعة ووجه الفرق أن هذا نادر
وأما ما يجب لتأخير القضاء فمن فاته صوم فلا يجوز له تأخير القضاء إلى السنة الثانية إلا بمرض دائم وعذر مستمر فلو أخر مع الإمكان عصى وقضى وأخرج لكل يوم مدا للخبر ولو أخر سنين ففي تكرر المد بعدد كل سنة وجهان والشيخ الهم إذا أخر المد عن السنة الأولى ففي لزوم مد آخر للتأخيروجهان
هذا حكم صوم الفرض فأما صوم التطوع فالإفطار فيه جائز بغير عذر خلافا لأبي حنيفة وهل يكره دون عذر فيه وجهان
أما صوم القضاء فما يجب على الفور يلزمه إتمامه عند الشروع وما هو على التراخي فيجوز الإفطار فيه
وصوم التطوع في السنة صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعاء وستة أيام بعد عيد رمضان وفي الشهر الأيام البيض وفي الأسبوع الاثنين والخميس وفي الجملة صوم الدهر مسنون بشرط الإفطار يوم العيدين وأيام التشريق
كتاب الاعتكاف
وفيه تمهيد وثلاثة فصول الفصل الأول في أركانه الفصل الثاني في موجب ألفاظ النذر الفصل الثالث في قواطع التتابع
الاعتكاف قربة مسنونة ولا يلزم إلا بالنذر وأحرى المواقيت به العشر الأخير من رمضان تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وابتداؤه عند غروب الشمس يوم العشرين وآخر هلال شوال ولو اعتكف ليلة العيد وأحياها تعرض لقوله عليه السلام من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب
والغرض من العشر الأخير طلب ليلة القدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر أطلبوها في الأخير واطلبوها في كل وتر
وميل الشافعي رضي الله عنه إلى ليلة الحادي والعشرين لحديث ورد فيه
وقال أبو حنيفة هى في جميع الشهر
وقيل إنها في جميع السنة وقد قال الشافعي رضي الله عنه لو قالفي نصف رمضان امرأتي طالق ليلة القدر لم تطلق ما لم تنقض سنة لأن كونها في جميع الشهر محتمل والطلاق لا يقع بالشك وليس على انحصاره في العشر الأخير دليل ظاهر هذا تمهيد الكتاب ومقصوده ينحصر في ثلاثة فصول
الفصل الأول في أركانه

وهي أربعة الاعتكاف والنية والمعتكف والمعتكف
الركن الأول نفس الاعتكاف

وهو عبارة عن اللبث في المسجد مع الكف عن قضاء شهوة الفرج
أما اللبث فأقله ما ينطلق عليه اسم العكوف وهو زائد على طمأنينة السجود ولو نذر اعتكافا مطلقا يكفيه اعتكاف ساعة كما تكفيه في نذر الصدقة التصدق بحبة وقيل إنه يكفي المرور بالمسجد كالمرور بعرفة وقيل لا بد من يوم أو ما يدنو منه وهو مذهب أبي حنيفة
وأما الكف عن قضاء الشهوة فنعني به ترك الجماع فالاعتكاف يفسد به ولا يفسد بملامسة من غير شهوة إذ كانت عائشة رضي الله عنها ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي مقدمات الجماع كالقبلة والمعانقة قولان أحدهما أنه يحرم ويفسد كما في الحد والثاني لا كما في الصوم
والصحيح أنه إن أفضى إلى الإنزال فسد وقيل بطرد القولين
ولا يشترط الكف عن ثلاثة أمور
أحدها التطيب والتزين بالثياب
والثاني البيع والشراء والأحب أن لا يكثر منه فإن أكثر لم يفسد اعتكافه
وقال مالك تركه يشرط أعني تركه الحرفة وقد عزى ذلك إلى الشافعي رضي الله عنه ووجهه أنه يناقض الإخلاص في الاعتكاف
الثالث الكف عن الأكل والشرب ليس بشرط
وقال أبو حنيفة الصوم شرط في صحته حتى لا يصح اعتكاف ليلة مفردة ما لم يتصل بالنهار وهو قول قديم للشافعي نعم لو نذر أن يعتكف يوما صائما لزمه الاعتكاف والصوم جميعا وفي لزوم الجمع قولان أحدهما لا كما لو قال أعتكف مصليا والثاني نعم لتقارب العبادتين كما في الحج والعمرة
ولو قال لله علي أن أصوم معتكفا فالصحيح أنه لا يلزمه الجمع لأن الاعتكاف لا يصلح أن يكون وصفا للصوم ولو قال لله علي أن أصلي صلاة أقرأ فيها السورة الفلانية فيلزمه القراءة والصلاة وفي لزوم الجمع قولان
الركن الثاني النية

ولا بد منها في الابتداء ثم إذا نوى الاعتكاف مطلقا وهي سنة تكفيه تلك النية فإن خرج من المسجد ولو لقضاء حاجة فإذا عاد لزمه استئناف النية فأما إذا نوى اعتكاف يوم أو شهر ثم خرج وعاد ففي تجديد النية ثلاثة أقوال
أحدها لا يلزم لأن النية شملت جميع المدة التى عينها
والثاني أنه إن قرب الزمان لم يلزم وإن بعد وجب التجديد
والثالث إن خرج لقضاء الحاجة لم يلزم وإن خرج لأمر آخر لزم التجديد
ومهما نوى الخروج عن الاعتكاف وهو في المسجد ففي بطلانه ما في بطلان الصوم
الركن الثالث المعتكف

وهو كل مسلم عاقل ليس بجنب ولا حائض ولا يشترط الحرية فيصح اعتكاف الرقيق ولكن للسيد أن يخرجه مهما شاء ويصح اعتكاف المكاتب ومن نصفه حر ونصفه رقيق له أن يستقل بالاعتكاف في نوبته
أما الردة والشكر إذا قاربا الابتداء منعا الصحة لتعذر النية وإن طرآ فقد نص على أنه لا يفسد بالردة ويفسد بالسكر
واختلف الأصحاب على ثلاثة أوجه في المسألتين
أحدها أنه لا يفسد بهما وتأويل نصه في السكر ما إذا خرج لإقامة الحد
والثاني أنه يفسد بهما وتأويل نصه في الردة أنها لا تحبط ما مضى
والثالث وهو الأصح أنه يفسد بالردة لفوات شرط العبادة ولا يفسد بالسكر كما لا يفسد بالنوم والإغماء
وأما الحيض مهما طرأ قطع الاعتكاف والجنابة إن طرأت باحتلام فعليه أن يبادر إلى الغسل ويكون خروجه كخروجه للوضوء وقضاء الحاجة والجنابة في مدة العبور لا تفسد الاعتكاف ثم لو قدر على الغسل في المسجد جاز له الخروج للغسل ولم ينقطع تتابعه صيانة للمسجد عن أن يتخذ محطا للجنابة
الركن الرابع المعتكف

وهو المسجد ويستوي فيه عندنا سائر المساجد والجامع أولى لكثرة الجماعة
وللشافعي رضي الله عنه قول قديم أن اعتكاف المرأة في مسجد بيتهايصح وذكر في الرجل خلاف مرتب وهو بعيد
ولو عين مسجدا بنذره فالظاهر أن المسجد الحرام يتعين وسائر المساجد لا تتعين وفي المسجد الأقصى ومسجد المدينة قولان وقيل إن الكل لا يتعين وقيل الكل يتعين فإذا قلنا إن الكل لا يتعين فلو انتقل في خرجاته لقضاء حاجة إلى مساجد متقاربة وكان اعتكافه متتابعا جاز
وأما الزمان فالمذهب أنه يتعين كما في الصوم فإذا نذر اعتكاف رجب مثلا لزمه فلو فات فالظاهر وجوب القضاء وقيل لا يجب لأنه تعذر الملتزم وهو باطل بالصوم
الفصل الثاني في موجب ألفاظ النذر
والنظر في ثلاثة أمور
الأول في التتابع

فإذا قال لله علي أن أعتكف شهرا متتابعا لم يجز التفرق وإن قال متفرقا جاز متتابعا لأنه زاد خيرا
ولو أطلق فالمذهب أن التتابع لا يلزم كما في الصوم
وقال ابن سريج يلزم لأن الليالي في الصوم تقطع التتابع بخلاف الاعتكاف وهو بعيد
فأما إذا نذر يوما ففي جواز التقاط ساعات أيام وجهان أصحهما المنع بخلاف الشهر فإن اليوم عبارة عن ساعات محصورة بين الطلوع والغروب على اتصال فعلى هذا لو ابتدأ من وقت الزوال وصبر إلى الزوال في اليوم الثاني فإن خرج ليلا لم يجزه للتقطع وإن اعتكف ليلا قيل أنه يجزئ لحصول الاتصال
وقال أبو إسحاق المروزي لا يجزئ لأن الليل ليس محسوبا من النهار
هذا إذا أطلق الشهر فلو عين شهرا أو العشر الأخير من رمضان كان التتابع لازماضرورة لا قصدا حتى لو فسد آخره لم يلزم قضاء ما مضى ولو ترك الكل لم يجب التتابع في القضاء ولو قال لله علي أن أعتكف العشر الأخير متتابعا ففي لزوم التتابع وجهان ووجه قولنا إنه لا يلزم أن تتابع هذا يقع ضرورة فالتصريح به كالسكوت عنه
النظر الثاني في استتباع الليالي

فإذا نذر اعتكاف شهر دخل الليالي فيه ويكفيه شهر بالأهلة ولو نذر اعتكاف يوم لم يدخل الليلة فيه ولو نذر ثلاثة أيام أو ثلاثين يوما ففي دخول الليالي المتخللة ثلاثة أوجه
أحدها يجب كما في الشهر
والثاني لا وهو الأصح اتباعا للفظ
والثالث أنه إن نذر التتابع لزمه الليالي وإلا فلا
ولو نذر ثلاث ليال ففي دخول اليومين المتخللين هذه الأوجه الثلاثة
وإذا نذر العشر الأخير فنقص الهلال كفاه التسع ولو نذر عشرة أيام من آخر الشهر فنقص لزمه قضاء يوم
النظر الثالث في استثناء الأغراض

فإذا قال أعتكف شهرا متتابعا لا أخرج إلا لعيادة زيد جاز الخروج له ولم يجز لعبادة عمرو ولا لشغل أهم منه ولو قال لا أخرج إلا لشغل يعن لي جاز الخروج لكل شغل ديني أو دنيوي يباح السفر بمثله ولا يجوز لأجل النظارة والتنزه
وحكى صاحب التقريب قولا قديما أن هذا الاستثناء مناقض للتتابع فيلغو ويجب التتابع ثم قال إذا فرعنا على الصحيح فلو قال لله علي أن أتصدق بعشرة دراهم إلا أن أحتاج إليه قبل التصدق صح ذلك ولو قال إلا أن تبدو لي فهذا محتمل
وأبي الشيخ أبو محمد هذا الأخير لأنه خيرة مطلقة يضاد اللزوم
وقال العراقيون لو نذر صوما وشرط التحلل لغرض لا يبيح الفطر صح الشرط ولو جرى ذلك في الحج فوجهان
وعكس الشيخ أبو محمد هذا الترتيب وقال الحج أولى باحتمال ذلك إذ ورد فيه شرط التحلل
فرع

إذا استثنى غرضا فالزمان المصروف إليه يجب قضاؤه إذا نذر اعتكاف شهر مطلقا وإن نذر اعتكاف شهر معين لم يلزم قضاؤه إذ يمكن حمله في المطلق على نفي انقطاع التتابع فقط فينزل على الأقل وفي الافتقار إلى تجديد النية خلاق وعند وجوب التتابع الأظهر الاستغناء عن التجديد لأن التتابع كالرابطة للجميع
الفصل الثالث في قواطع التتابع

وهو الخروج بكل البدن عن كل المسجد بغير عذر
احترزنا بكل البدن عما إذا أخرج رأسه أو رجله من المسجد فإنه لا يبطل اعتكافه
واحترزنا عن كل مسجد عما إذا صعد المنارة للأذان فإن كانت المنارة منقطعة عن المسجد انقطع التتابع وإن كانت متصلة وكأنها في المسجد لم تنقطع وإن كانت متصلة بحائط المسجد في حريمه وكان بابها خارجا عن المسجد ففيه ثلاثة أوجه
أحدها ينقطع لخروجه عن المسجد
والثاني لا لأنه من حريم المسجد والأذان من حقوق المسجد خأخرأخر فكأنه لم يعرض عن المسجد
والثالث أنه إن كان مؤذنا راتبا لم ينقطع لأنه عذر في حقه وإلا فينقطع
وأما قولنا من غير عذر فالعذر على مراتب
الرتبة الأولى وهي العليا الخروج لقضاء الحاجة وهو مستثنى لتكرره بحكم الجلبة فلا ينقطع التتابع به ولا يجب قضاء تلك الأوقات ولا يجب عند العود تجديد النية بخلاف الاعتكاف المطلق الذى لا تتابع فيه فإنه يجب التجديد هذا إذا كان داره قريبا ولم يكن به علة يكثر خروجه بسببها فإن بعدت داره أو كان به علة فوجهان منهم من عمم حسما للباب ولو كان له داران كلاهما على حد القرب ففي جواز خروجه إلى الأبعد وجهان وحد القرب في الزمان والمكان لا ينضبط إلا بالعادة
فرع

لا بأس بأكل لقم في الطريق ولا بعيادة المريض في المرور من غير ازورار ولابأس بوقفة يسيرة بقدر صلاة الجنازة فذلك جائز في الطريق وكذلك لا بأس بالسلام والسؤال فإنه لا يزيد على قدر صلاة الجنازة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن المريض إلا مارا في اعتكافه لا يعرج عليه ولو جامع في وقت قضاء الحاجة من غير صرف زمان إليه فسد اعتكافه على الأصح لأن وقعه عظيم فالاشتغال به أوقع من الجلوس ساعة من غير حاجة ومنهم من قال لا يفسد لأنه ليس معتكفا في هذهالحالة وإن كان الزمان محسوبا في مدة الاعتكاف
الرتبة الثانية الخروج بعذر الحيض غير قاطع التتابع إن كان مدة الاعتكاف بحيث لا يتسع لها أيام الطهر غالبا فإن قصرت المدة فوجهان أحدهما القطع للإمكان والثاني المسامحة نظرا إلى جنس الحيض فإنه متكرر بالجبلة لقضاء الحاجة
الرتبة الثالثة المرض الذى يشق معه المقام في المسجد وفيه قولان أحدهما أنه كالحيض والثاني لا لأنه لا يتكرر طبعا
وهكذا الخلاف في انقطاع تتابع الصوم به وهذا إذا لم يضطر إلىالخروج خيفة التلويث فإن خيف فهو كالحيض وقيل بطرد القولين فيه أيضا
الرتبة الرابعة أن يخرج محمولا أو يخرج ناسيا وفيه قولان مرتبان على المرض وأولى بأن لا ينقطع لأن الصوم لا ينقطع بمثله وإن أكره فقولان مرتبان وأولى بأن ينقطع لأن له قصدا في الخروج
الرتبة الخامسة أن يلزمه الخروج شرعا لأداء شهادة متعينة أو إقامة حد أو قضاء عدة طلاق فقولان مرتبان على المرض وأولى بالانقطاع لأن مبادئ هذه الأمور مندرجة تحت اختياره
ثم حيث قلنا لا ينقطع فيجب قضاء الأوقات الفائتة بهذه الأعذار وفي استئناف النية عند العود خلاف كما في تفريق الوضوء
كتاب الحج
وهو ركن من أركان الإسلام ولا يجب في العمر إلا مرة واحد والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق
القسم الأول في المقدمات وهو الشرائط والمواقيت

القول في الشرائط

وشرائط وجوبه خمسة الإسلام والعقل والحرية والبلوغ والاستطاعة
وشرائط وقوعه عن فرض الإسلام أربعة وهي ما ذكرناها إلا الاستطاعة
وشرائط صحته دون الوقوع عن حج الإسلام عل سبيل المباشرة الإسلام والتمييز إذ يصح من الصبي المميز أن يحج بإذن الولي
وشرط صحته لا بطريق الاستقلال الإسلام المجرد إذ يجوز للولي أن يحرم عن الصبي الذى لا يميز كما سيأتي
المقصود بيان الاستطاعة وهي نوعان
النوع الأول استطاعة المباشرة
قال الله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وقال عليه السلام في تفسير الاستطاعة إنها زاد وراحلة
والاستطاعة تتعلق بأربعة أمور الراحلة والزاد والطريق والبدن
أما الراحلة فالقدرة عليها شرط فلا حج على القادر على المشي لما فيه من المشقة خلافا لمالك
نعم لو كان على مسافة دوم مسافة القصر وجب المشي على القوي ولا يجب على من يتضرر به والمشي في هذا القدر كالركوب في السفر الطويل
ومن لا يستمسك على الراحلة فلا يلزمه ما لم يقدر على محمل فإن قدر علىشق محمل ووجد شريكا يلزمه وإن لم يجد وكان يتسع ماله لمحمل تام لكنه يكتفي بشق فلا يلزمه لأن الزيادة خسران لا مقابل له
أما الزاد فهو أن يملك فاضلا عن قدر حاجته ما يبلغه إلى الحج والمراد بالمبلغ نفقة الذهاب والإياب في حق من له أهل ومسكن أو قريب وإن بعد
وهل يعتبر نفقة الإياب في حق القريب فيه وجهان ووجه الاعتبار حنين النفس إلى الأوطان
والمراد بالفاضل عن قدر الحاجة أن يكون وراء المسكن والعبد الذى يخدمه ودست ثوب يلبسه وديونه التي يفتقر إلى قضائها وما يخلفه على أهله من النفقة وما يحتاج إلى صرفه إلى نكاح إن لم يكن متأهلا وخاف على نفسه العنت
وهل يجب أن يكون وراء رأس ماله الذى لا يقدر على التجارة إلا به فيه وجهان أحدهما وهو اختيار ابن سريج أن رأس ماله كمسكنه وعبده والثاني أن رأس المال يصرف في أهبة الحج بخلاف المسكن والعبد فإنه يحتاج إليهما في الوقت
فرعان

أحدهما أن من لا يملك نفقة الذهاب وهو كسوب لم يلزمه الحج لأن ضرر الكسب مع السفر يزيد عل ضرر المشي إلا أن تكون المسافة دون سفر القصر
الثاني إذا كانت الأسعار غالية ولكن وجد بثمن المثل وجب الحج كما يجب شراء المال بثمن المثل وإن غلا بحكم الحال ولو كان لا يباع الزاد إلا بغبن لم يجب
أما الطريق فشرطه أن يكون خاليا عما يوجب خوفا في النفس والبضع والمال
أما النفس فإن كان في الطريق سبع لم يجز الخروج ولو كان في الطريق بحر اختلف فيه نص الشافعي رضي الله عنه وللأصحاب أربعة طرق
أحدها إجراء القولين لما فيه من الخطر الظاهر مع غلبة السلامة
والثاني لا يجب على المستشعر لأن الجبان قد يخلع قلبه في البحر ويجبعلى غير المستشعر فينزل النصين على حالين
والثالث أنه لا يجب على المستشعر وفي غيره قولان
والرابع أنه يجب على غير المستشعر وفي المستشعر قولان وهذا إذا كانت السلامة غالبة فإن كان الهلاك غالبا حرم الركوب
فرع

لو توسط البحر واستوت الجهات في التوجه إلى مكة والانصراف عنها ففي الوجوب الآن وجهان على قولنا لا يجب ركون البحر أحدهما يجب لأن الركوب لا بد منه في كل جهة والثاني لا لأن الشرع ليس يكلفه ذلك في طريق الحج وله أن يتكلف ذلك في غرضه وهو قريب منن المحصر إذا أحاط به العدو وفيه خلاف
أما البضع فالمرأة كالرجل في الاستطاعة لكنها عورة مقصودة تحتاج إلى محرم يبذرقها فإن لم تجد لم يلزمها الخروج إلا إذا كان الطريق آمنا ووجدت نسوة ثقات
وقال القفال لا يلزم ما لم يكن مع كل واحدة منهن محرم فقد ينوبهن أمر يفترق إلى الاستعانة بذات المحرم
وأما المال فلو كان على المراصد من يطلب مالا لم يلزمه الحج لأنه خسران لا مقابل له ولو وجد بذرقة بأجره ففي لزوم الأجرة وجهان
أحدهما لا لأنه خسران لدفع الظلم فصار كالتسليم إلى الظالم
والثاني يجب لأنه من جملة أهبة الطريق فأجرة البذرقة ككراء الدابة وإذا لم يخرج محرم المرأة إلا بالأجرة ففي وجوبها عليها وجهان مرتبان وأولى بأن يجب لأنها لا تنفك عن هذه الحاجة فكانت من أهب سفرها
أما المتعلق الرابع للاستطاعة فهو البدن ولا يعتبر فيه إلا قوة يستمسك بها على الراحلة والأعمى يجب عليه الحج ولكن يحتاج إلى قائد احتياج المرأة إلى محرم والمجنون لا حج عليه ولو حج به الولي فطاف به صح حجه ولكن مؤن السفر من مال الولي وأما المحجور عليه بالتبذير فيلزمه الحج وللولي أن ينفق عليه وينصب عليه قواما إلى الحج هذه أركان الاستطاعة أما أحكامها فثلاثة
الأول أن وجوب الحج يستقر في الذمة إذا دامت الاستطاعة مدة تتسع للحج لو اشتغل به ولو افتقر أو جن قبل مضي مدة الإمكان تبين أنه لم يكن واجبا ولو تخلف بعد الاستطاعة فمات بعد حج الناس وقبل رجوعهم فالحج مستقر في ذمته يخرج من تركته لأنه لو خرج لكان موته بعد الحج وكذلك لو طرأ الغضب في هذا الوقت ولو هلك ماله بعد حج الناس حيث تعتبر نفقة الإباب
قال الصيدلاني تبين أنه لم يكن لازما لأنا لو علمنا هذا في الابتداء لم يلزمه الخروج بخلاف ما لو علمنا مثلا أنه يموت بعد يوم النحر فإنه كان يلزمه الخروج
الثاني أن وجوب الحج على التراخي عندنا خلافا لأبي حنيفة فلا يعصي بالتأخير من السنة الأولى ولكنه لو مات يخرج من تركته والظاهر أنه يلقى الله عاصيا إذا جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة وكان على غرر في التأخير ومنهم من قال لا يعصى إذ أخر عازما على الامتثال ومات فجأة نعم إن استشعر من نفسه العضب عصىبالتأخير
فرع

إذا أخر مع القدرة وطرأ العضب عصى لتعذر المباشرة ويلزمه الاستنابة على التضييق بخلاف ما لو بلغ معضوبا فإن الاستنابة في حقه على التراخي كالمباشرة في حق القادر
وذكر الفوراني وجها أنه لا تتضيق الاستنابة في العضب الطارئ ثم قال إن ضيقنا فهل للقاضي أن يستأجر عليه عند امتناعه إجبارا فيه وجهان ووجه التجويز تشبيهه بالزكاة لتطرق النيابة إليه
الثالث أن من لم يؤد حج الإسلام لا يجوز له أن يحج أجيرا عن غيرهأو يتطوع قبل الفرض أو يؤدي قضاء أو نذرا قبله لما روي أنه عليه السلام رأى رجلا يلبي عن شبرمة فقال عليه الصلاة والسلام من شبرمة فقال صديق لي فقال عليه الصلاة والسام أحججت عن نفسك فقال لا
فقال هذه عنك ثم حج عن شبرمة فبهذا عرف أن غير حجة الإسلام لا تقدم عليها ويستوي في هذا العاجز والمستطيع لأن العاجز إذا حضر وقع حجه عن حجة الإسلام وكما لا يقدم التطوع عن حجة الإسلام لا يقدم على القضاء والنذر وفي الترتيب بين القضاء والنذر تردد والأولى تقديم القضاء
أما الأجير إذا انتهى إلى الميقات فنوى التطوع عن نفسه قال الشيخ أبو محمد ينصرف إلى المستأجر لأنها حجة واجبة فتقدم وهو بعيد لأنه وجوب تقتضيه الإجارة دون وضع الحج
النوع الثاني استطاعة الاستنابة

والنظر في ثلاثة أطراف
الطرف الأول في حالة جواز الاستنابة وله شرطان

الأول العجز عن المباشرة بالموت أو بزمانة لا يرجى زوالها
وقال مالك تختص الاستنابة بحالة الموت لورود الحديث فيه لكنا نقول الحي العاجز المئيوس عنه أولى بالاستنابة لقدرته على النية
ثم لو ظهر اليأس وفرغ الأجير من الحج فزال العضب ففي وجوب الإعادة قولان أحدهما أنه يجب لأنه بان زوال العجز والثاني أن حج الأجير وقع موقعه فلا ينقض
فإن قلنا لم يقع فيقع عن الأجير أو عن تطوع المستأجر فيه وجهان أحدهما عن الأجير لأنه لو وقع عن المستأجر لسبق النفل الفرض والأصح أنه يقع عن المستأجر لان هذا عذر في التقديم كعذر الصبي والرق
فإن أوقعنا عن الأجير ففي أجرته ثلاثة أوجه أحدها أنه لا يستحق لوقوعه عنه والثاني نعم لأنه عمل ما عليه والثالث أنه يستحق أجر المثل دون المسمى لتبين فساد الإجارة
ولو كان العضب يرجى زواله فاستناب واتصل العضب بالموت ففي وقوع حج النائب عنه قولان كما سبق
الشرط الثاني أن يكون المستناب فيه حجا مفروضا أما التطوع ففيه قولان
أحدهما المنع لأنه خارج عن القياس وقد ورد الحديث في حجة الإسلام
والثاني نعم لأنه إذا تطرق النيابة إليه كان التطوع في معنى الفرض
أما إذا لم يكن على الميت حجة الإسلام لعدم الاستطاعة ففي استئجار الوارث عنه طريقان أحدهما طرد قول التطوع لأنه تبرع والثاني القطع بالجواز لأنحج غير المستطيع يقع عن حجة الإسلام ولأن الحديث ورد فيه
روي أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فريضة الحج أدركت أبي شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج أفأحج عنه فقال نعم
فرع

لا يجوز الحج عن المعضوب بغير إذنه ويجوز عن الميت من غير وصيته يستوي فيه الوارث والأجنبي كما في قضاء دينه وقال أبو حنيفة إن لم يوص لم يحج عنه وإن أوصى نفذت وصيته بالحج من ثلث ماله
الطرف الثاني في حالة وجوب الاستنابة

وهو أن يستقر في ذمته ثم يطرأ العضب أو يبلغ معضوبا قادرا على الاستنابة والقدرة عليها بمال يملكه أو بمال يبذل له أو بطاعة تبذل له فأما ما يملكه فهو قدر أجرة الأجير فضلا عن حاجته يوم الاستئجار ولا يعتبر أن يفضل عن نفقة أهله لما بعد فراغ الأجير من الحج في مدة إيابه
وهل يعتبر لما بين يوم الإجارة إلى الفراغ من الحج فيه تردد من حيث إنهذه مدة فيها يتم الأداء وفي زكاة الفطر لم يعتبر إلا قوت اليوم لأن الفرض يتأدى في الحال
ولو ملك أجرة ماش ففي لزومه وجهان وجه المنع أن الماشي على خطر فيؤدي إلى التغرير بماله
أما القدرة ببذل الغير فإن كان المبذول مالا والباذل أجنبي لم يجب لما فيه من المنة وإن كان المبذول طاعة والباذل هو الابن وجب القبول إذ لا منة وإن بذل الأجنبي الطاعة أو الابن المال فوجهان للتردد في المنة والأب كالابن في بذل المال وكالأجنبي في بذل الطاعة هذا إذا بذل الابن الطاعة راكبا فإن كان ماشيا فوجهان إذيعز على الأب التغرير بولده فإن كان مع المشي يعول في زاده على الكسب أو السؤال ففيه خلاف مرتب وأولى بأن لا يجب وإن لم يكن كسب ولا سؤال فلا يحل له الخروج ومهما تحقق وجوب الحج فالعمرة تجب أيضا لقوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } وللشافعي رضي الله عنه تردد في القديم في وجوب العمرة الطرف الثالث في الاستئجار على 1 الحج والنظر في شرائطه وأحكامه
أما الشرائط فتذكر في الإجارة ونذكر هاهنا أربع شرائط
الأول أن يكون الأجير قادرا على الحج فإن كان مريضا أو كان الطريق مخوفا أو ضاف الوقت وطالت المسافة لم تنعقد الإجارة ولو جرى في وقت هجوم الأنداء والثلوج ولكن كان زواله معلوما فالأظهر الصحة وقيل لا يجوز لتعذر النهوض في الحال ومهما صحت الإجارة وجب على الأجير الخروج مع أول رفقة ولا يجوز التأخير إلا بعد انتظار الرفقة فلا عذر بعد وجودها
الثاني أن لا يضيف الإجارة الواردة على العين إلى حجة في السنة القابلة إلا إذا كانت المسافة بحيث لا تقطع في سنة فيجوز له ذلك لإمكان التشاغل بالسفر في الحال وإن وردت الإجارة على الذمة فله أن يعين أية سنة شاء فإن أطلق نزل على السنة الأولى
الثالث كون الحج معلوما بأعماله للأجير ولا يحتاج إلى التعريف في العقد فإنه مشهر في العرف فإنه فرض جهل على الندور من أحدهما لم يصح العقد
وأما تعيين ميقات الإحرام فيه اختلاف نص فقيل قولان أحدهما يشترط لأن غرض الأجير يتفاوت به والثاني لا لأن غرض المستأجر لا يتفاوت
وقيل بل هو على حالين فإن كان المستأجر له ميتا فلا غرض إلا تبرئة ذمته فأما الحي فله غرض في تعيين المواقيت فيلزمه ذلك
وقيل إن كان على طريقه ميقات تعين بالعرف وإن كان طريقه يقضي إلى مسلكين يقضي كل واحد إلى ميقات آخر فلا بد من التعيين
الرابع أن لا يعقد بصيغة الجعالة فلو قال المعضوب من حج عني فله مائة فحج عنه إنسان نقل المزني أنه وقع عنه واستحق المائة وخر ج الأصحاب منه تصحيح صيغة الجعالة في كل ما يقبل الإجارة
وذهب بعض الأصحاب إلى تزييفه فإن ذلك يحتمل من ضرورة الجعالة فعلى هذا بطلت التسمية وصح الإذن واستحق المأذون أجرة المثل لوقوع الحج عن الإذن
ومهما فسدت الإجارة بفساد العوض بقي الإذن صحيحا ووجب أجرة المثل لوقوع الحج عن الإذن وقيل إن الإذن يفسد بهذا العموم فإن من قال وكلت كل من أراد بيع داري لم تصح الوكالة لعدم تعين الوكيل فكذلك هاهنا
النظر الثاني في أحكام الإجارة عند اختلاف أحوال الأجير وأحواله سبعة

الأولى إذا فاته الحج في السنة الأولى بامتناعه عن الخروج انفسخت الإجارة إن كانت واردة على العين فإن كانت واردة على الذمة قال العراقيون لم ينفسخ وللمستأجر الخيار كما لو أفلس المشتري بالثمن وقال المراوزة فيه قولان كما في انقطاع جنس المسلم فيه على قول ينفسخ وعلى قول يثبت الخيار
فإن أثبتنا الخيار وإن كان المستأجر ميتا فلا خيار للورثة لأنه يجبعليهم صرف الأجرة إلى أجير آخر لتبرئة ذمته والأجير الذى عينه الميت أولى وفيه احتمال إذ قد يكون للميت فيه مصلحة في إبدال الأجير بمن هو أرغب منه
الثانية إذا خالف في الميقات فأحرم بعمرة عن نفسه ثم أحرم بحج المستأجر في جوف مكة فيحط شيء من أجرته وفي القدر المحطوط قولان
أحدهما أن يقال حجة من الميقات كم أجرتها وحجة من جوف مكة كم أجرتها ويعرف نسبة التفاوت فإن كان عشرا فيحط العشر على المسمى
وحقيقة هذا القول ترجع إلى أن الأجرة تقابل الحج المقصود أبدا دون السفر الذى هو ذريعة فلذلك لم يدخله في الاعتبار
والثاني أنه يعرف التفاوت بين حجة من البلد الذى استؤجر فيها وحجة من جوف مكة فيكثر التفاوت فيحط عن أجرته وحاصل هذا أن السفر إن كان تقابله الأجرة فلا يحسب له في هذا القول لأنه صرفه إلى عمرة نفسه
المسألة بحالها لو عاد إلى الميقات وأنشأ الإحرام بالحج عنه فإن لم نقابل السفربأجرة أصلا استحق تمام الأجرة وإن قابلنا أحبطنا ما قابل المسافة التى صرفها إلى عمرته فإن حسبنا له السفر استحق تمام الأجرة فإن أحبطنا المسافة هاهنا لصرفها إلى عمرته فيضبط التفاوت بين أجرة حجة من بلدة نهضتها ومن الميقات إحرامها وبين حجة أنشئت من الميقات من غير سبق سفر ويحط من المسمى بنسبته
المسألة بحالها لم يعتمر أصلا لكن أحرم من جوف مكة فما صرف السفر إلى نفسه لكن لزمه دم الإساءة فهل ينجبر بالدم ما يحط من الأجرة فيه قولان أحدهما ينجبر فلا يحط شئ والثاني يحط لأن الدم وجب حقا لله تعالى ومقصود المستأجر لا ينجبر فعلى هذا يعود الخلاف في أن السفر هل يحسب له في توزيع الأجرة وهاهنا أولى بأن يحسب وإن قلنا إنه ينجبر بالدم فلو كان قيمة الدم تنقص عما يقتضيه الحط فقدر التفاوت هل يحط فيه وجهان
المسألة بحالها عين له الكوفة ليحرم بها فجاوزها ففي لزوم دم الإساءة وجهان مأخذهما التردد في أن تعيينه هل يلتحق بتعيين الشرع فإن قلنا يجب الدم عاد الخلاف في أنه هل يجبر النقصان وإن قلنا لا يجب عاد الخلاف في أن المسافر هل يحسب له ولا خلاف أنه لو ارتكب محظورا غير مفسد لزمه الدم ولا حط لأنه أتى بتمام العمل
الثالثة إذا خالف في الجهة بأن استأجره على القران فأفرد فقد زاد خيرا ولو قرن بإذنه فأصح الوجهين أن دم القران على المستأجر وكأنه قرن بنفسه والثاني على الأجير لأنه التزم تحصيل الحج والعمرة بطريق القران وتتمة القران بالدم فليف به ولو استأجره على الإفراد فقرن فالدم على الأجير قطعا والحج والعمرة واقعان عن المستأجر لأن الشرع جعل القران كالإفراد وهل يحط شئ من الأجرةمع جبره بالدم فيه الخلاف السابق
وإن أمره بالقران فتمتع فوجهان أحدهما أنه كالقرآن لأنه إن نقص في إحرام الحج من الميقات فقد زاد في العمل والثاني أن زيادته غير محسوبة فإنه غير مأمور به وعلى هذا فالدم عليه لأنا جعلناه مخالفا وإن جعلناه موافقا فالوجهان في الدم عائدان
الرابعة إذا جامع الأجير فسد حجه وانفسخت الإجارة إن كانتوردت على عينه لفوات الوقت ولزمه القضاء لنفسه ورد الأجرة وإن وردت على ذمته لم تنفسخ وعليه القضاء في السنة الثانية
فإذا قضى فهل يقع عن المستأجر فعلى وجهين أحدهما لا لأن القضاء يقع عمن انصرف الفاسد إليه فعلى هذا عليه أن يحج عن المستأجر حجة أخرى سوى القضاء
والثاني أنه يقع عنه فإنه لو تمم الأول لوقع عنه وهذا قضاء الأول
الخامسة لو أحرم عن مستأجره ثم صرف إلى نفسه على ظن أنه ينصرف إليه وأتم الحج فالحج عن المستأجر وفي استحقاقه الأجرة قولان ووجه السقوط أنه قصد أن يعمل لنفسه وهما جاريان في الصباغ إذا جحد الثوب وصبغه لنفسه في أنه هل يستحق الأجرة
السادسة إذا مات الأجير في أثناء الحج يقدم على هذا أن من مات في أثناء حجه فهل لوريثه أن يستأجر من يبني على حجه ويأتي بالبقية فيه قولان
أحدهما نعم لأن الاستنابة في بعضه كالاستنابه في كله والثاني لا إذ يبعد أداء عبادة واحدة من شخصين
فإن جوزنا فمات قبل الوقوف أحرم الأجير من حيث انتهى إليه المستأجر عنه ولا ضرر في وقوعه وراء الميقات
وإن مات بعد الوقوف وبعد طلوع الفجر من يوم النحر قال المراوزة يحرم الأجير وإن لم يكن في أشهر الحج لأن هذا بناء على ما سبق في الأشهر وقال العراقيون يحرم بعمرة ويأتي ببقية أعمال الحج ولا يأتي بمناسك مني وهو بعيد
وإن مات بين التحللين فقياس المراوزة أن يأتي بإحرام حكمه أن لا يمنع اللبس والقلم وإن مات بعد التحللين فلا يبقى للإحرام وجه فيتعين الرجوع إلى إبدال المناسك الواقعة بعد التحللين رجعنا إلى الأجير فإن جوزنا البناء فالمستأجر متمكن منه فيستحق ورثة الأجير قسطا من الأجرة لأن ما سبق لم يحبط وإن قلنا لا يمكن البناء فقد حبط ما سبق ففي استحقاق قسط من الأجرة وجهان أحدهما لا لأنه لم يحصل له غرض والثاني نعم لأنه أتى بالبعض ولم يقصر في البعض
فإن قلنا يستحق قسطا ففي التوزيع وجهان أحدهما أنها لا تحسب المسافة بل يبتدئ التقدير من وقت الإحرام فما يقابله يستحق والثاني تحسب المسافة لأنه من عمله وعلى هذا يستحق الأكثر لا محالة
وإن مات قبل الإحرام ففي احتساب السفر خلاف مرتب وأولى بأن لا يحسب لأن الذريعة إذا لم تتصل بالمقصود لا يبقى لها حكم وإن كانت الإجارة واردة على الذمة فلا تنفسخ بل يبقى الحج دينا في تركه الأجير فيستأجر وارثه منتركته من يتم على قول تجويز البناء أو من يبتدىء حجا على قول المنع
السابعة لو أحصر الأجير فتحلل فهو كالموت وإن فاته الحج بعد الإحرام فهو كالإفساد لأنه يجب القضاء ولا يستحق شيئا في مقابلة عمله وذكر العراقيون وجها أنه يستحق قسطا
المقدمة الثانية للحج
النظر في المواقيت

ويراد بالميقات الزمان والمكان
أما الميقات الزماني للحج فشهر شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة وفي ليلة العيد إلى طلوع الفجر وجهان أحدهما الصحة لبقاء وقت الوقوف والثاني لا يصح ولكن يدوم في حق الوقوف
وقال أبو حنيفة جميع السنة وقت إحرام الحج
أما العمرة فجميع السنة وقتها ولا يكره في وقت كراهية الصلاة ولا في سائر الأوقات إذا كان متخليا عن النسك
أما الحاج العاكف بمنى فالمعرج على الرمي والمبيت لا تنعقد عمرته في هذا الوقت لأنه يحرم عليه الاشتغال بعمل العمرة في هذا الوقت لوجوب الرمي والمبيت
فرع

إذا أحرم قبل أشهر الحج انعقد إحرامه ولم يكن حجا ويتحلل بعمل عمرة وهل تقع عمرته صحيحة حتى يتأدى بها عمرة الإسلام فيه قولان
أحدهما نعم لأنه إذا بطل الحج بقي إحرام مطبق وينصرف إلى العمرة
والثاني أنه لا يقع عمرة بل هو كمن فاته الحج يتحلل بعمل عمرته عن إحرامه ولا تتأدى عمرته به وقيل إن صرفه إلى العمرة انصراف إليه
أما الميقات المكاني فالحاج أربعة أصناف

الأول الآفاقي المتوجه إلى مكة على قصد النسك عمرة كان أو حجا فعليه أن يحرم من الميقات وميقات أهل المدينة ذو الحليفة وميقات أهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ولأهل المشرق ذات عرق لتعيين عمر رضي الله عنه ذلك واستمر الناس عليه واستحب الشافعي رضي الله عنه أن يحرم من العتيق قبل ذات عرق لورود خبر مرسل فيه
ثم هذه المواقيت لأهلها ولكل من مر بها من سائر البلاد ويكفيه أن يحرم من موضع بإزاء ميقاته فإن المقصود مقدار بعده عن مكة والأولى أن يحرم من أول الميقات وإن أحرم من آخره فلا بأس
فروع أربعة

الأول راكب التعاسيف إذا لم ينته إلى ميقات أحرم من حيث يوازي أولالميقات فهو ميقاته ولو حاذى ميقاتين نسبنا إحرامه إلى أي الميقاتين أردنا فإن كان أحدهما أبعد من مكة وكان أقرب من موقفه من الآخر نسبنا إحرامه إليه وإن كان بينهما على سواء فوجهان أحدهما النسبة إلى الأبعد والثاني إلى الأقرب وتتبين فائدته فيمن جاوز غير محرم ولزمه العود وعسر الرجوع إلى موقفه بالضلال فإلى أي الميقاتين يرجع ولو رجع إلى موقفه كفاه بل يكفي كل مجاوز أن يعود إلى مثل تلك المسافة وإن لم يعد إلى ذلك الموقف بعينه
الثاني الغريب إذا أتى من جانب ولم يمر بميقات ولا حاذاه فيحرم على مرحلتين من مكة نزولا على قضاء عمر رضي الله عنه في تأقيت ذات عرق لأهل المشرق والتفاتا إلى حد المذهب في حاضري المسجد الحرام
الثالث مهما جاوز الموضع الذى هو ميقات في حقه فقد أساء فعليه الدم فإن عاد ولكن بعد دخول مكة لم ينفعه العود وإن قبل دخول مكة وقبل مجاوزة الميقات من مسافة القصر سقط دم الإساءة وصار متداركا بإحرامه من الميقات وإن جاوز مسافة القصر فوجهان لأنه إذا بعد انقطع طريق التدارك هذا إذا عاد وأنشأ الإحرام من الميقات فإن أنشأ الإحرام حيث انتهى وعاد إلى الميقات محرما ففيكونه متداركا وجهان فإن جعلناه متداركا فلا يلزمه أن يعود ملبيا خلافا لأبي حنيفة
الرابع لو أحرم قبل الميقات فهو أفضل قطع به في القديم وقال في الجديد يكره وهو متأول ومعناه أن يتوقى المخيط والطيب من غير إحرام وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام الحج والعمرة أن يحرم بهما من دويرة أهله
الصنف الثاني من يتوجه إلى مكة لتجارة لا للنسك فهل يلزمه أن يدخل مكة محرما من الميقات فيه قولان فإن قلنا لا يلزمه فليجاوزه ولا إساءة فإن سنح له بعد ذلك أن يحرم فميقاته عند ظهور قصد النسك فإن جاوزه فهو كما لو جاوز الميقات
الصنف الثالث من مسكنه بين الميقات وبين مكة فميقاته مسكنه فلا يجاوزه
الصنف الرابع المقيم بمكة مكيا كان أو آفافيا فميقاته مكة والأفضل أن يحرم من باب داره أو في المسجد قريبا من البيت فيه اختلاف نص فإن خرج المكيإلى الحل وأحرم بالحج فهو مسيء يلزمه الدم أو العود
إن أحرم بعد مفارقة العمران وقبل الانتهاء إلى الحل وأحرم بالحج
فوجهان منشؤهما أن الميقات في حقهم هو الحرم أو خطة مكة
أما العمرة فميقاتها كميقات الحج إلا في حق المكي والمستوطن بها فإن عليهم الخروج إلى أطراف الحل ولو بخطوة في ابتداء الإحرام أو دوامه على رأي وأفضل أطراف بقاع الحل الجعرانة وهي التي أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وبعده التنعيم وهو أقرب إلى الحرم وقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها منه وبعده الحديبية
فرع

ولو أحرم من مكة في الحرم ولم يخرج إلى الحل ففي الاعتداد بعمرته قولان
أحدهما نعم لأنه إساءة في الميقات فلا تمنع الاعتداد كالحج
والثاني لا لأن الجمع بين الحل والحرم ركن في الحج فإن عرفة من الحل فكذلك في العمرة فعلى هذا إن خرج إلى الحل ثم أعاد الطواف والسعي كفاه
القسم الثاني من الكتاب في المقاصد
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في وجوه أداء النسكين وله ثلاثة أوجه
الأول الإفراد

وهو أن يحرم بالحج من ميقاته أولا فإذا فرغ خرج إلى طرف الحل وأحرم بالعمرة وكذا لو قدم العمرة في غير أشهر الحج ثم حج من الميقات فهو مفرد
الوجه الثاني القران

وهو أن يحرم بهما جميعا فتندرج العمرة تحت الحج ويكون حاله حال الحج المفرد وكذا لو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليه قبل الشروع في أعمال العمرة فإن خاض في الطواف فأدخل عليه الحج لغا إدخاله لأن أعمال العمرة من أسباب التحلل فلا يمكن القرآن مع اختلاف الإحرام وفي إدخال العمرة على الحج قولان أحدهما الجواز كعكسه والثاني لا لأنه لا يتغير حكم الحج بدخول العمرة عليه بخلاف العمرة فإنها تتغير بزيادة دخول الحج فإن جوزنا ففي وقته أربعة أوجه
أحدها أنه لا يجوز ما لم يستغل بعمل ولو بطواف القدوم
والثاني أنه يجوز ما لم يشتغل بركن ولو بالسعي بعد طواف القدوم
والثالث يجوز ما لم يخرج وقت الوقوف وإن سعى من قبل لأن الحج عرفة
والرابع يجوز وإن فات وقت الوقوف ما لم يشتغل بأسباب التحلل
وعلى هذا لو كان قد سعى فالصحيح أنه لا يلزمه إعادة السعي لأنه إذا صار قارنا حصل الاندراج وقيل لا يكتفي بالسعي السابق
ثم إذا جعلناه قارنا لم يخرجه إلى نية القران بل يكفيه إحرامه بالنسك الثاني ويجب على القارن الآفاقي دم كما على المتمتع
الوجه الثالث التمتع

والمتمتع هو كل آفاقي زاحم إحرام الحج لنفسه بعمرة في أشهر الحج مع نية التمتع فيلزمه الدم لأمرين أحدهما ربحه أحد الميقاتين إذا أحرم بالحج من مكة من غير عود إلى الميقات والثاني زحمة الحج في أشهره بالعمرة
وقد اشتملت الرابطة على قيود

الأول الآفاقي فمن كان من حاضري المسجد الحرام فليس عليه دم لأن ميقاته للحج نفس مكة
وحاضروا المسجد الحرام كل من كان بينه وبين مكة ما دون مسافة القصر سواء كان مستوطنا أو مسافرا حتى إن الآفاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا فلما دخل مكة عن له أن يعتمر ثم يحج لم يلزمه الدم وإن عن له ذلك قبل دخول مكة على أقل من مسافة القصر فأحرم بالعمرة من موضعه ثم حج في تلك السنة ففيه وجهان أحدهما لا يلزمه كما لو كان وطنه ذلك الموضع والثاني يلزمه لأن اسم الحاضر لا يتناوله إلا إذا كان في نفس مكة أو كان متسوطنا حواليها
فرع

لو كان له مسكنان أحدهما خارج عن مسافة القصر فحكمه حكم المسكن الذي أنشأ الإحرام منه إلا إذا كان سكونه بأحدهما أكثر أو كان أهله بأحدهما فالعبرة به
القيد الثاني أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فلو تقدمت ثم أحرم بالحجمن جوف مكة كان مفردا لا متمتعا وهل يلزمه دم الإساءة بترك ميقات الحج فيه وجهان أحدهما لا لأنه لم يجاوز الميقات غير محرم والثاني نعم لأن مكة ليس ميقات الحج في حق الآفاقي فعلى هذا عليه العود إلى الميقات فإن لم يفعل لزمه الدم
فأما إذا وقع بعض العمرة في أشهر الحج فإن لم يسبق إلا الإحرام ففي كونه متمتعا وجهان وإن سبق بعض الأفعال فوجهان مرتبان منشؤهما أن النظر إلى أول الإحرام أو آخره
وقطع ابن سريج بأنه لو دخل شوال وهو محرم بالعمرة لم يفارق ا لميقات بعد فهو متمتع
القيد الثالث أن تقع العمرة والحج في سنة واحدة فلو فرغ من العمرة فأخر الحج إلى السنة الثانية وأحرم به من مكة فلا دم عليه إذ صارت مكة ميقاتا له ولو عزم على الإقامة ثم حج في السنة الأولى لم يسقط دم المتمتع فإنه بالعمرة في الميقات التزم العود إلى الميقات أو الدم
الرابع أن لا يعود إلى الميقات للحج فلو عاد إليه أو إلى مثل مسافته كان مفردا ولو عاد إلى ميقات قرب من ذلك الميقات ففي سقوط الدم وجهانولو أحرم من مكة ثم عاد إلى الميقات الأول محرما ففي سقوط الدم قولان كما في دم الإساءة
الخامس وقوع النسكين عن شخص واحد فالأجير إذا اعتمر من الميقات لنفسه وحج من جوف مكة لمستأجره فليس بمتمتع لأنه لم يزحم حجا واجبا بالشرع بل بالإجارة وهذا الشرط زاده الخضرى ومن الأصحاب من خالفه وعلى مذهبه يعود التردد في لزوم دم الإساءة كما في المتمتع إذا أحرم بالعمرة قبل شوال ودم الإساءة يخالف دم المتمتع في صفه البدل وفي أنه يعصي ملتزمه ويجب عليه تداركه عند الإمكان
السادس نية التمتع وفيه وجهان أحدهما تعتبر كما في الجمع بين الصلاتين حتى لو كان عند الإحرام بالعمرة على عزم أن لا يحج في هذه السنة أو على عزم أن يعود إلى الميقات لم يكن ناويا والثاني لا تعتبر هذه النية كما في القران
فإن اعتبرنا النية ففي وقته وجهان أحدهما في أول إحرام العمرة
والثاني أنه يتمادى إلى آخر إحرام العمرة كما في الجمع بين الصلاتين
هذه شرائط التمتع فلو جاوز المتمتع مكة في الإحرام بالحج كان مسيئا ومتمتعا فيلزمه دمان كما يجب دم الإساءة على المكي إذا فارق مكة ولا يكفيه دم التمتع بل ذلك لزحمة إحرام الحج عن الميقات ودم الإساءة لمفارقة مكة في إحرام الحج مع أنها ميقاته
فإن قيل فأي الجهات أفضل قلنا الإفراد فإنه يتعدد فيه الميقات والعمل والقران في آخر الرتب إذ يتحد فيه الميقات والعمل والتمتع يتحد فيه الميقات ولكن يتعدد العمل فهو بينهما وفيه قول أن التمتع أفضل من الإفراد لاشتماله على الدم وحكي قول آخر أن القران أفضل من التمتع
ولنذكر الآن موجب القران والتمتع وهذا
باب ما على المتمتع والقارن في معناه

والمتمتع إن كان موسرا فعليه إراقة دم وقت وجوبه الإحرام بالحج وله إراقته قبل يوم النحر لأنه دم جبران
وقال أبو حنيفة يختص به لأنه دم نسك وقربان وفي جواز إراقته قبل الحج وبعد العمرة قولان أحدهما نعم لأنه كفارة مالية فيقدم على أحد سببيه ككفارة اليمين والثاني لا لأن اسم اليمين متحقق قبل الحنث واسم التمتع إلى الحج لا يتحقق إلا بعد الحج
فإن جوزنا ذلك ففي جوازه قبل التحلل عن العمرة وجهان ومنشؤه أن السبب الأول يتم بإحرام العمرة أو بتمامها
أما العاجز فعليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة في الرجوع ويدخل وقت الثلاث بإحرام الحج ولا يجوز قبله لأنها عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها والأولى أن تقدم على يوم عرفة إذ الصوم مكروه فيه وإن أخر عن النحر فأيام التشريق لا تقبله كيوم النحر وفي القديم قوله أنه يقبل فإن تأخر عن أيام التشريق صار قضاء ويلزمه القضاء خلافا لأبي حنيفة وحكى ابن سريج قولا يوافق مذهب أبي حنيفة
وأما السبعة فأول وقتها بالرجوع إلى الوطن وهل يجوز في الطريق بعد التوجه إلى الوطن فيه وجهان وللشافعي رضي الله عنه قول أن المراد بالرجوع هو الرجوع إلى مكة وقول آخر أن المراد بالرجوع الفراغ من الحج وعلى هذا لا يجوز في أيام التشريق وإن قلنا تقبل الأيام الثلاثة لأنه لم يفرغ بعد من الحج
والأيام السبعة لا آخر لها فلا تصير قضاء وإن فاتت الأيام الثلاثة حتى رجع إلى الوطن فعليه عشرة أيام
وهل يجب التفريق بين الثلاثة والسبعة فيه قولان أحدهما نعم كما في الأداء
والثاني لا كما أن قضاء رمضان لا يجب فيه الولاء وإن كان أداؤه متواليا
فإن قلنا يجب فهل يكفي يوم واحد أم يتقدر التفريق بالقدر المتخلل في الأداء فيه وجهان
فإن قدرنا به فيبتني المقدار المتخلل على معرفة معنى الرجوع وأن أيام التشريق هل تقبل الصوم
فإن قلنا تقبل والمراد بالرجوع الفراغ فلا يتخلل بينهما فطر فهل يجب التفريق في القضاء بيوم فوجهان ووجه الإيجاب أن الحال قد افترق في الأداء بوقع الثلاثة في الحج والسبعة بعدها فلا بد في القضاء أيضا من فرق بالزمان بدلا عنه
ثم الصحيح أنه إذا صام أحد عشر يوما كفاه واليوم الرابع لا يقع عن هذه الجهة ووقع تطوعا وفيه وجه آخر أنه لا بد من الإفطار في اليوم الرابع
فرعان

أحدهما إن وجد الهدي بعد الشروع في الصوم لم يلزمه خلافا للمزني
وإن وجد قبله وبعد إحرام الحج ابتنى على أقوال الكفارة في أن الاعتبار بحالة الأداء أم بحالة الوجوب
الثاني إذا مات المتمتع قبل الفراغ من الحج فهل نتبين أنه لم يحصلالتمتع قولان أحدهما نعم لأن الحج لم يتم وكأنه لم يحج والثاني لا لأنه بالشروع يحقق التمتع
ولو مات بعد الفراغ من الحج وقبل الرجوع إلى الوطن أخرج الدم من تركته فإن كان عاجزا ومات برئت الذمة لأنه لم يتمكن في السفر فهو كما إذا دام السفر والمرض في صوم رمضان إلى الموت وإن مات بعد التمكن في الوطن فحكم هذه الأيام حكم أيام رمضان حتى يصوم عنه وليه أو يفدي كل يوم بمد
وذكر صاحب التقريب قولين آخرين
أحدهما أنه لا يقاس هذا على رمضان في الفدية وصوم الولي لأنه غير معقول في نفسه فلم يرد إلا في رمضان
والثاني أنه يرجح إلى الدم إن أمكن لأن صوم رمضان ليس له أصل يرجع إليه فعلى هذا لو بقي يوم واحد أو يومان فهو كما لو حلق شعرة واحدة أو شعرتين وسيأتي
الباب الثاني في أعمال الحج
ولنقدم عليه جملها

فالآفاقي إذا انتهى إلى الميقات يحرم ويتزيا بزي المحرمين فإذا دخل مكة لم يعزم على شئ حتى يطوف طواف القدوم وليس هذا الطواف بركن ثم إن شاء يسعى بعده فيقع السعي ركنا إذ ليس تأخيره عن الوقوف شرطا في كونه ركنا بخلاف الطواف ثم يصبر إلى اليوم السابع من ذي الحجة فيخطب بهم الإمام ويوصيهم بالبكور يوم التروية إلى مني وبالنهوض إلى عرفة فيمتدون يوم التروية إلى مني ويبيتون ليلة عرفة بها وذلك مبيت منزل وعادة لا مبيت نسك ثم يصبحون يوم عرفة متوجهين إليها فيوافونها قبل الزوال ويشتغلون بالدعاء ويقبضون منها عند الغروب إلى مزدلفة ويصلون المغرب مع العشاء ويبيتون بها وهذا المبيت نسك ثم يصلون الصبح يوم النحر مغلسين ويتوجهون إلى منى وعلى طريقهم المشعر الحرام فإذا انتهوا إليه وقفوا إلى الإسفار ثم يجاوزونه إلى وادي محسر فيسرعون فيها عدوا وركضا ثم يوافون منى عند طلوع الشمس ويرمونويحلقون ويذبحون ثم يقبضون إلى مكة ويطوفون طواف الركن ويسمى طواف الإفاضة والزيارة ثم ينطلقون إلى منى للمبيت والرمي في أيام التشريق فإذا فرغوا عادوا إلى مكة وطافوا طواف الوداع وانصرفوا
وفي الحج أربع خطب يوم السابع من ذي الحجة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم النفر الأول وكل ذلك بعد صلاة الظهر وإفراد إلا يوم عرفة فإنه يخطب خطبتين بعد الزوال وقبل الظهر
هذه جملها أما التفصيل ففيه اثنا عشر فصلا
الفصل الأول في الإحرام

وهو عندنا مجرد النية من غير حاجة إلى تلبية خلافا لأبي حنيفة وحكي قول قديم مثل مذهبه
ثم النية لها ثلاثة أوجه

الأول التفصيل فإذا نوى حجا أو عمرة أو قرانا قضاء كان أو نذرا أو تطوعا كان كما نوى إلا إذا غير الترتيب بتأخير فرض الإسلام أو تأخير الفرض عن النفل
ولو أهل بحجتين أو عمرتين معا أو متلاحقا لغا أحدهما ولم تلزمه الزيادة على الواحد وقال أبو حنيفة ينعقدان ثم ينتقل أحدهما عند الاشتغال بالعمل إلى الذمة
الوجه الثاني الإطلاق فإذا نوى إحراما مطلقا مهما شاء جعله حجا أو عمرة أو قرانا ولا يتعين بمجرد الاشتغال بالطواف للعمرة ولا بالوقوف للحج بل لا بد من نية الصرف خلافا لأبي حنيفة
ولو أحرم مطلقا قبل الأشهر ثم عين للحج بعد الأشهر لم يجز على المذهب
ولو أحرم بالعمرة قبل الأشهر ثم أدخل الحج عليها بعد الأشهر للقران فوجهان ووجه المنع أن الإحرام للقران كالمتحد فلا ينبغي أن يقدم على الأشهر
الوجه الثالث الإبهام فإذا قال أهللت بإهلال كإهلال زيد صح إذا أهل علي بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم إن لم يكن زيد محرما انعقد له إحرام مطلق وإن عرف أنه ليس محرما بأن كان ميتا ففي انعقاد أصل الإحرام وجهان وجه الانعقاد إلغاء الإضافة وإبقاء الأصل
وقد نص في الأم على أنه لو أحرم عن مستأجرين تعارضا وتساقطا وانعقد عن الأجير ولو أحرم عن نفسه وعن المستأجر فكذلك إذ بطل التفصيل وبقي أصل الإحرام
أما إذا كان زيد محرما فله ثلاثة أحوال
إحداها أن يكون إحرامه مفصلا فينزل إحرام المعلق عليه قرانا كان أو إفرادا
الثانية أن يكون إحرام زيد مطلقا فإحرام المعلق أيضا مطلق وإليه الخيرة في التعيين ولا يلزمه اتباع زيد فيما يستأنفه من التعيين فأما ما فصله قبل تعيينه ففي لزومه وجهان ينظر في أحدهما إلى أول الإحرام وكان مطلقا وفي الثاني إلى الحالة الموجودة عند التعليق وكان مفصلا وكذا إذا كان أحرم أولا بعمرة ثم أدخل الحج عليه
الثالثة أن يصادف زيدا ميتا بعد الإحرام وتعذر مراجعته فهم كما لو نسي الرجل ما أحرم به وكان قد أحرم مفصلا وفيه قولان
القديم أن يجتهد ويأخذ بغالب الظن كما في القبلة إن كان له ظن غالب
والجديد الصحيح أنه يلزمه البناء على اليقين وطريقه أن يجعل نفسه قارنا فإذا فرغ من الحج برئت ذمته من الحج بيقين لأنه إن كان معتمرا أولا فقد أدخل الحج عليه وتبرأ ذمته عن العمرة أيضا بيقين إلا إذا منعنا إدخال العمرة على الحج فيحتمل أن يكون إحرامه أولا بالحجوقال أبو إسحاق إنه يبرأ عن العمرة ويكون هذا عذرا في جواز إدخال العمرة في الحج كما أن التردد في النية عند نسيان صلاة من الصلوات الخمس عذر في إجزاء الصلاة فإن قلنا تبرأ عن العمرة لزمه دم القران وإلا فلا يلزمه لأن القران مشكوك فيه فأما إذا طاف أولا ثم شك فيمنع إدخال الحج لو كان معتمرا في علم الله فلا يكفيه القران بل طريقه أن يسعي ويحلق ويبتدأ إحراما بالحج من جوف مكة ويتممه فتبرأ ذمته عن الحج بيقين لأنه إن كان حاجا فغايته حلق في غير أوانه وفيه دم وإن كان معتمرا فقد تحلل بالحلق والسعي وأنشأ بعده حجا فصار متمتعا وفيه دم ولا تبرأ ذمته عن العمرة لاحتمال أن الأول كان حجا والدم لا بد منه ولكنه لا يدري أهو دم حلق أم دم تمتع وتعيين جهة الكفارات في النية ليس شرطا فلا يضر التردد نعم لو كان معسرا فبدل الفدية ثلاثة أيام وبدل التمتع عشرة أيام فإن أتى بالثلاث فهل تبرأ ذمته فيه وجهان
أحدهما نعم لأن الزائد غير مستيقن فلا يوجبه
والثاني لا لأن شغل الذمة بالصوم مستيقن والبراءة بهذا القدر غير مستيقن
ومن أصحابنا من قال الحلق لا نأمره به لاحتمال أنه حاج والحلق في غيرأوانه محرم إلا بأذى من نفس الشعر والأذى هاهنا من النسيان نعم لو بادر فحلق كان حكمه ما ذكرناه والأظهر أنه يؤمر به لأن هذا الضرر أعظم من أذى الشعر إذ يؤدى إلى فوات الحج لو لم يفعل ذلك
الفصل الثاني في سنن الإحرام وهي خمس

الأولى الغسل للإحرام تنظيفا حتى يسن للحائض والنفساء فإن لم يجد الماء يتيمم كسائر أنواع الغسل
قال في الأم يغتسل الحاج لسبعة مواطن للإحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة والوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار الثلاث لأن هذه المواضع يجتمع لها الناس فيستحب لها الاغتسال كالجمعة ولا يغتسل لرمي جمرة العقبة لأن وقته من نصف الليل إلى آخر النهار فلا يجتمع لها الناس في وقت واحد وأضاف إليها في القديم الغسل لطواف الزيارة وطواف الوداع لأن الناس يجتمعون لهما ولم يستحب في الجديد لأن وقتهما يتسع فلا يتفق الاجتماع
الثانية التطيب للإحرام مستحب قالت عائشة رضي الله عنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف ورأيت وبيص المسك في مفارقه بعد الإحرام
وذلك يدل على أن التطيب مما يبقي جرمه جائز خلافا لأبي حنيفة
أما تطييب ثوب الإحرام قصدا ففيه ثلاثة أوجه أحدهما الجواز قياسا على البدن
والثاني لا لأنه ربما ينزع الثوب في وقت الغسل ثم يعيده إلى البدن فيكون تطييبا مستأنفا
والثالث أنه يجوز تطييبه مما لا يبقى له جرم مشاهد
فإن قلنا يجوز فلو نزع بعد الإحرام وأعاد ففي لزوم الفدية وجهان ولو تنحى جرم الطيب بالعرق من بدنه فلا فدية على أظهر الوجهين لأن ذلك لا يمكن الاحتراز عنه ومنهم من قال يجب إن لم يبادر إلى إزالته
ويستحب الاختضاب للمرأة تعميما لليد لا تطريفا وتزيناويستحب لها ذلك في كل حال ليستر بشرتها عن الأعين
الثالثة أن يتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين ونعلين لأن أحب الثياب إلى الله البيض
الرابعة أن يصلي ركعتي الإحرام ثم يحرم في مصلاه بعد السلام قاعدا
وقال في الجديد لا يهل حتى تنبعث به دابته ليكون العمل مقرونا بالقول
الخامسة أن لا يقتصر على مجرد النية ولكنه يلبي عند النية بلسانه فيقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريكلك ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وإذا رأى شيئا فأعجبه قال لبيك إن العيش عيش الآخرة ويجدد التلبية في طريان التغايير وفي كل صعود وهبوط وفي أدبار الصلوات وإقبال الليل والنهار ويستحب في مسجد مكة منى وعرفات وفيما عداها قولان الجديد أنه يلبي في كل مسجد
وفي حال الطواف قولان والقديم أنه يلبي ويخفض صوته
وقال في الأم لا يلبي لأن للطواف ذكرا يختص به ويستحب رفع الصوت بالتلبية لكل أحد إلا النساء وفي كل مكان إلا في المساجد وقيل إنه يستحب الرفع أيضا وإنما يجتنب في المسجد رفع الصوت بغير الأذكار
الفصل الثالث في سنن دخول مكة وهي أربعة

الأولى أن يغتسل بذي طوى ولا يقنع بما سبق من غسل الإحرام
الثانية أن يدخل مكة من ثنية كداء بفتح الكاف وهي ثنية في أعلى مكة ويخرج منه ثنية كدى بضم الكاف وهي في أسفلها
وقيل إنه لا نسك فيه لأنه وقع على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقصد العدول إليه
الثالثة إذا وقع بصره على الكعبة عند رأس الردم فليقف وليقل اللهم زد هذاالبيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه أو عظمه ممن حجه أو اعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما وبرا ويقول بعد هذه اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ثم يدعو بما أحب
الرابعة أن يدخل المسجد من باب بني شيبة فيؤم الركن الأسود من البيت وقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باب بني شيبة ولم يكن على طريقه فدل على كونه سنة
فإن قيل من دخل مكة غير محرم هل يعصي قلنا إن كان مريدا نسكا فلا بد من إحرامه في الميقات وإن دخل لتجارة استحب وفي الوجوب قولان أحدهما يجبلاتفاق الخلق عليه عملا والثاني لا لأن سبيله سبيل تحية المسجد
وهذا في الغريب أما الحطابون وأصحاب الروايا والمترددون إلى مكة في مصالحهم لا يلزمهم للحاجة وقيل بطرد القولين وقيل يلزمهم في السنة مرة واحدة وهو بعيد
فإن ألزمنا الغريب فترك ففي وجوب القضاء قولان أحدهما لا يجب لأن عوده يقتضي إحراما آخر أداء والثاني يجب ويجب في العود إحرام مقصود له وفي الابتداء كان يلقي إحرام عن نذر أو قضاء أو غيره
هذا في الأحرار أما العبيد فلا إحرام عليهم سواء دخلوها بإذن السادة أو بغير إذنهم فإن أذن السيد في الدخول بالإحرام لم يلزم على أحد الوجهين كما إذا أذن في حضور الجمعة
الفصل الرابع في الطواف

فإذا دخل من باب بني شيبة فليتوجه إلى الركن الأسود وليستلمه وليجعل البيت على يساره ويطوف إلى أن يعود إلى الحجر سبع مرات وهذا طواف القدوم
والنظر في الطواف في واجباته وسننه وأقسامه
أما الواجبات فثمانية

الأول شرائط الصلاة من طهارة الحدث والخبث وستر العورة والقرب من البيت بدل عن الاستقبال قال عليه الصلاة والسلام الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام وطهارة المطاف الذى يمشى عليه كطهارة مكان الصلاة
الثاني الترتيب وهو أن يبتدي بالحجر الأسود ويجعل البيت على يساره فلوجعل البيت على يمينه لم يحسب وإن استقبله تردد فيه القفال ولو ابتدأ بغير الحجر الأسود لم يعتد بطوافه إلى أن ينتهي إلى الحجر فمنه يستأنف الإحتساب وبنبغي أن يبتدأ بحيث يمر بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود فإن حاذاه ببعض بدنه ثم اجتاز فوجهان يقربان مما إذا استقبل ببعض بدنه طرف البيت وصلى
الثالث أن يكون بجميع بدنه خارجا عن كل البيت فلا يطوف في البيت فلو مشى على شاذروان البيت وهو عرض أساسه كان طائفا بالبيت لأنه بالبيت وهو الذي سماه المزني التأزير بمعنى التأسيس فقيل التأزير مأخوذ من الإزر
ولو مشي على الأرض وأدخل يده في موازاة الشاذوران بحيث كان يمس الجدار فيده في البيت ولكن معظم بدنه خارج فيصح على الأظهر
ولو دخل فتحة الحجر من جانب وخرج من الجانب الآخر لم يعتد بهذا الشوط إلى أن يعود إلى الفتحة الأولى فيدور على محوط الحجر لأن ستة أذرع من محوط الحجر كان من البيت فأخرج منه لما قصرت النفقة عند العمارة
الرابع أن يطوف داخل المسجد فلو طاف خارج المسجد لم يجز ولو وسع المسجد يجوز الطواف في أقصي المسجد لأن القرب مستحب لا واجب ويصح الطواف على سطوح المسجد وفي أروقته
الخامس الموالاة والصحيح أنه لا يشترط بل هو من السنن وقيل بطرد القولين كما في الطهارة ولو أحدث في خلله فجدد الوضوء وبنى فحاصل المذهب ثلاثة أقوال أصحها الجواز والثاني لا لاشتراط الموالاة والثالث أنه إن تعمد لم يجز وإن كان سهوا جاز
السادس رعاية العدد فلو اقتصر على ستة أشواط لم يجز وقال أبو حنيفة تقوم الأربعة مقام الكل
السابع ركعتان عند المقام عقيب الطواف ويقرأ في إحداهما قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص فهما مشروعتان وليستا من الأذكار كالأشواط وفي وجوبهما قولان والصحيح أنه ليس بشرط في الطواف المسنون ومأخذ الوجوب تطابق الناس على فعله وتركه لا يجبر بالدم فإنه لا يفوت إذ يجوز أداؤهما بعد الرجوع إلى الوطن نعم لو مات فينقدح أن يجبر بالدم كسائر الواجبات
الثامن النية وفيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه تشترط لأنها في حكم عبادة وإن كان ركنا في الحج
والثاني لا يشترط لأن وقوعه ركنا بعد الوقوف متعين حتى لو طاف بهدابته وهو غافل أو طاف في طلب غريم أجزأه
والثالث أنه يجزئ إلا إذا صرفه إلى طلب غريم أو غرض آخر وهذا في ركن الحج أما الطواف ابتداء فعبادة مفتقرة إلى النية
أما السنن فهي خمسة

الأولى أن يطوف ماشيا لا راكبا وإنما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليظهر فيستفتى فلا بأس في الركوب لمن هو في مثل هذا الحال
الثانية الاستلام وهو أن يقبل الحجر في أول الطواف وفي آخره بل فيكل نوبة فإن عجز ففي كل وتر فإن عجز بالزحمة مسه باليد ثم قبل اليد أو قبل اليد ثم مسه فإن بعد بالزحمة أشار باليد فإذا انتهى إلى الركن اليماني خصصه بالمس وقبله لأنه الباقي على قواعد إبراهيم عليه السلام من جملة الأركان وقد قال عليه الصلاة والسلام إن الحجر الأسود ليأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن قبله
الثالثة الدعاء وهو أن يقول عند ابتداء الطواف بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء
الرابعة الاضطباع وصورته أن يجعل وسط إزاره في إبطه اليمنىويعري عنه منكبه الأيمن ويجمع طرفي الإزار على عاتقه الأيسر كدأب أهل الشطارة وذلك في طواف فيه رمل ثم قيل إنه يديم هذه الهيئة إلى آخر الطواف وقيل إلى آخر السعي
الخامسة الرمل وهو السرعة في المشي مثل الخبب أو دونه في ثلاثة أشواط في أول الطواف والسكينة مستحبة في الأربعة الأخيرة يستحب الرمل على جميع أركان البيت إذ نقل أنه عليه السلام كان يرمل من الحجر إلى الحجروقيل بترك الرمل بين الركن اليماني والحجر فإنه عليه السلام هكذا فعل إذ كانت الكعبة حائلة بينه وبين الكفار فإنه كان يرمل ليظهر الجلادة للكفار ويدفع طمعهم عن استلانة جانبهم وكان يسكن حين يغيب من أبصارهم
وهذا وإن كان على سبب فقد بقي مع زوال السبب تبركا بالتشبه به كما قيل إن سبب رمي الجمار رمي إبراهيم عليه السلام الحجارة إلى ذبيح استعصى عليه فصار ذلك شرعا ومبنى العبادات التأسي
فرعان

أحدهما القرب من البيت مستحب في الطواف مع الرمل فإن عجز عن الرمل من القرب للزحمة فالرمل في البعد أولى وإن وقع فيما بين النساء فالسكينة أولى من الرمل احترازا عن مصادمتهن
الثاني لو ترك الرمل في الأشواط الأول فلا قضاء في الأخير لأن السكينة مشروعة في الأخير فهو كما لو ترك الجهر في الركعتين الأوليين فلا يقضي في الأخير ولو ترك سورة الجمعة في الركعة الأولى قضاها في الثانية مع سورة المنافقين لأن الجمع ممكن
ولو لم يتمكن من الرمل للزحمة فحسن أن يشير بمحاولة الرمل متشبها
ويستحب أن يقول في الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا
ثم لا خلاف أن الرمل لا يستحب في كل طواف بل في قول لا يستحب إلافي طواف القدوم وفي قول لا يستحب إلا في طواف بعد سعي
فرع

إذا أحرم عن الصبي وليه وحمله وطاف به أجزأ عنه إلا إذا كان الولي محرما ولم يطف عن نفسه طواف الركن فإنه ينصرف إلى الحامل نعم لو قصد به المحمول فهو كما لو قصد بطوافه طلب الغريم ولو حمل صبيين وطاف بهما حصل لهما الطواف جميعا كما إذا ركب محرمان دابة واحدة فالحركة الواحدة تكفي للمحمولين ولا تكفي للحامل والمحمول
الفصل الخامس في السعي

فإذ فرغ عن ركعتي الطواف استلم الحجر وخرج من باب الصفا ورقي الصفا بمقدار قامة الرجل ويستقبل الكعبة حتى يقع بصره عليها ويقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
فإذ فرغ من الدعاء نزل من الصفا ومشى حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحو ستة أذرع فيسعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين هما بفناء المسجد وحذاء دار العباس
ثم مشى حتى يصعد المروة وصعدها ودعا كما دعا على الصفا فيفعل ذلك سبع مرات ويقول في أثناء السعي رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم كل ذلك مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا والواجب من هذه الجملة السعي بين الصفا والمروة سبع مرات
وقال أبو بكر الصيرفي الذهاب والمجيء مرة واحدة فيحتاج إلى التردد أربع عشرة مرة والبداية بالصفا واجب ووقوع السعي بعد طواف ما واجب ثم إن سعى بعد طواف القدوم وقع ركنا عن الحج ولا يستحب له الإعادة عقيب طواف الإفاضة لأن السعي ليس عبادة بنفسه فلا يكرر كالوقوف بخلاف الطوافولو تخلل بين طواف القدوم والسعي زمان فلا بأس ويقع ركنا وإن تخلل الوقوف بعرفة ففيه تردد لأن الوقوف كالحاجز ولا يشترط في السعي الطهارة وشروط الصلاة بخلاف الطواف والركوب فيه كالركوب في الطواف
الفصل السادس في الوقوف بعرفة

فإذا فرغ من طواف القدوم صبر إلى السابع من ذي الحجة فيخطب الإمام بعد الظهر بمكة ويأمرهم بالغدو إلى منى ويخبرهم بمناسكهم ثم يخرج إلى منى في اليوم الثامن ويبيت بها تلك الليلة ولا نسك في هذا المبيت فإذا طلعت الشمس سار إلى الموقف وخطب بعد الزوال خطبة خفيفة ويجلس ثم يقوم إلى الثانية ويبدأ المؤذن بالأذان حتى يكون فراغ الإمام بعد فراغ المؤذن ثم يصلي الظهر والعصر جمعا ثم يروح إلى عرفة ويقف عند الصخرات ويستقبلون القبلة ويكثرون في الدعاء
قال عليه السلام أفضل ما دعوته ودعا الأنبياء قبلي يوم عرفة لا إله إلا اللهوحده لا شريك له ويستحب رفع اليد في الدعاء وقال في القديم والوقوف راكبا أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وليكون أقوى على الدعاء كما أن الإفطار أفضل
وقال في الأم النازل والراكب سواء
ثم إذا غربت عليهم الشمس أفاضوا منها إلى مزدلفة ويصلون بها المغرب والعشاء والواجب من جميع ذلك الحضور في طرف من أطراف عرفة ولو مع الغفلة وفي النوم إذا سارت به دابته ولا يكفي حضور المغمى عليه لأنه ليس أهلاللعبادة
ووقت الوقوف بعد زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ومن فاته ذلك فقد فاته الحج فإن الحج عرفة وقيل إن الليل ليس وقتا وقيل إنه وقت إلا أنه لو أخر الإحرام إلى الليل لم يحز ولو أحرم نهارا ووقف ليلا جاز والصحيح أن وقت الإحرام والوقوف باق إلى طلوع الفجر
فروع ثلاثة

الأول في وجوب الجمع بين الليل والنهار قولان ومستند وجوبه العادة
فإن قلنا به فلو فارق عرفة نهارا وعاد قبل غروب الشمس فقد تدارك وإن عاد ليلا ولم يكن عند الغروب حاضرا فوجهان ويرجع الخلاف إلى أن الحضور عند الغروب هل هو واجب ومهما رأيناه واجبا جبر تركه بالدم بخلاف أصل الوقوف
الثاني الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه بعلةالنسك فيجوز للعرفي والمكي أيضا والثاني أنه بعلة السفر الطويل فلا يجوز لهما جميعا والثالث أنه بعلة أصل السعي فيجوز للمكي دون العرفي
الثالث لو وقفوا يوم العاشر غلطا في الهلال فلا قضاء إذ لا يؤمن وقوع مثله في القابل وإن وقفوا يوم الثامن فوجهان ووجه الفرق أن ذلك نادر لا يتفق إلا بتوارد شهادتين كاذبتين في شهرين
الفصل السابع في جمل أسباب التحلل

فإذا جمعوا بين الصلاتين بمزدلفة باتوا بها وهذا المبيت نسك وفي كونه واجبا مجبورا بالدم قولان
ثم إذا طلع الفجر ارتحلوا وبينهم وبين منى المشعر الحرام فإذا انتهوا إليه وقفوا ودعوا وهذه سنة غير مجبورة بالدم ثم يجاوزونه إلى وادي محسر وكانت العرب تقف ثم وأمرنا بمخالفتهم فيؤثر تحريك الدابة والإسراع بالمشي
فإذا وافى منى بعد طلوع الشمس رمى جمرة العقبة وهي الجمرة الثالثة سبع حصيات ويستحب أن يكبر مع كل حصاة ويرفع يديه حتى يرى بياض إبطه ويترك التلبية لأن التلبية للإحرام والرمي تحلل عن الإحرام
ثم يحلق بعد الرمي ثم يعود إلى مكة ويطوف طواف الزيارة وهو طوافالركن ويسعى بعده وإن لم يكن سعى عقيب طواف القدوم ثم يعود إلى منى في بقية يوم النحر ويقيم بها أيام التشريق للرمي
فهذه أسباب التحلل وللحج تحللان فيحصل أحدهما بطواف الزيارة والآخر بالرمي وأيهما قدم أو أخر فلا بأس
والطواف وإن كان ركنا فهو من أسباب التحلل أيضا ولا يحصل أحد التحللين إلا باثنين من هذه الأسباب الثلاث أي اثنين كان
ويحل بين التحللين اللبس والقلم إن لم يجعله نسكا ولا يدخل الوطء إلا بعد التحلل الثاني وفي التطيب وعقد النكاح والمباشرة دون الجماع قولان لأنها من مقدمات الجماع ومحركات داعيته وفي قتل الصيد أيضا خلاف
ثم وقت الفضيلة للتحلل طلوع الفجر يوم النحر ويدخل وقت الجواز بمضي نصف الليل من ليلة العيد إذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله من مزدلفة ليطوفوابالليل في خلوة ويرجعوا إلى منى وقت الطلوع
ومهما فات الرمي بفوات وقته ووجب الدم ففي وقوف التحلل على إراقة الدم وجهان ومنهم من قال يقف لأنه بدل فضاهى المبدل ومنهم من قال إن كان دما وقف عليه وإن كان صوما فلا لطول الزمان
الفصل الثامن في الحلق

ووقته في العمرة بعد الفراغ من السعي وفي الحج عند طلوع الفجر يوم النحر فضيلة وبعد منتصف ليلة النحر جوازا
وفي كونه نسكا قولان أحدهما لا كالقلم واللبس والثاني وهو نسك إذ لا خلاف في أنه مستحب يلزم بالنذر في الحج
وقال عليه السلام رحم الله المحلقين فقيل والمقصرين قال رحم الله المحلقين فأعيد عليه ثلاثا حتى قال في الرابع والمقصرين
ويتفرع على القولين أمور

الأول أن المعتمر إذا جامع بعد السعي فسدت عمرته وإن قلنا الحلق نسك إذ لم يتم تحلله بعد ولو أراد أن يحلق في الحج قبل الطواف والرمي لم يجز إن قلنا إنه محظور نسك
وذكر صاحب التقريب وجها أن أحد التحللين يحصل بطلوع الفجر يوم النحر فيجوز الحلق عنده لكنه بعيد
وعلى كل حال فالأولى أن لا يبدأ الحلق خروجا من الخلاف ولكنه يرمي ثم ينحر الهدي ثم يحلق ولو نحر بعد الحلق جاز خلافا لأبي حنيفة
الثاني أنه إذا جعل نسكا فهو ركن كالسعي لا يجبر فائته بالدم فإنه لا يفوت فإن لم يكن على رأسه شعر فيستحب إمرار الموسى على الرأس ولا يجب إذ فات الوجوب بفوات محله
الثالث أنه إذا جعل نسكا والتزم بالنذر فلا ينقضي إلا بحلق ثلاث شعرات من الرأس ولا يجزئ شعر غير الرأس ولا حلق شعره واحدة إذ قلنا لا يكمل فيه الفدية ويقوم مقام الحلق التقصير والنتف والإحراق وكل ما هو محظور الإحرام في شعر الرأس إلا إذا نذر الحلق فلا يجزئ إلا الحلق والمرأة لا يستحب لها الخلق ولا يلزمها بالنذر ويستحب لها التقصير
الفصل التاسع في المبيت

والنسك في المبيت أربع ليال ليلة بالمزدلفة وثلاث بمنى ومبيت الليلة الأخيرة غير واجب على من نفر في النفر الأول وإن بقي إلى غروب الشمس لزمه المبيت ليلة النفر الثاني
وفي مقدار الواجب من المبيت قولان أحدهما أنه يشترط المبيت معظم الليل والثاني أن المقصود منه انتظار الرمي في اليوم القابل فيكفي الحضور قبل طلوع الفجر وهذا لا ينقدح في ليلة المزدلفة فإنهم يرحلون غالبا قبل الطلوع
وفي وجوب المبيت في هذه الليالي قولان فإن قلنا إنه واجب فهو مجبور بالدم
ووظائف الحج ثلاثة السنن ولا حاجة إلى جبرها والأركان كالوقوف والطواف والسعي والحلق إن جعل نسكا ولا يكفي جبرها والواجبات كالرمي والإحرام في الميقات وهما مجبوران بالدم قولا واحدا
وفي المبيت والجمع بين الليل والنهار بعرفة وطواف الوداع قولان في الوجوب
فإن جعل واجبا فلا بد من الجبر فإن قلنا يجبر فلو ترك المبيت في الليالي الأربع ففي قدر الواجب قولان أحدهما أنه دم واحد للجميع لأنه جنس واحد وهو كحلق جميع الشعر والثاني يلزمه دمان بمزدلفة ودم لليالي منى فإنهما جنسان
فإن قلنا تفرد ليالي منى بدم فمن نفر في النفر الأول ففي ليلتي منى في حقه وجهان أحدهما دم لأنه جنس برأسه والثاني يجب مدان أو درهمان أو ثلثا دم كما في شعرتين وحكي قول أنه يجب لكل ليلة دم كما سيحكيه في رمي كل يوم
ولا خلاف في أن المعذور لا يلزمه دم وهو الذى لم يدرك عرفة إلا ليلة النحر فلم يبت بمزدلفة وكذا رعاه الإبل فإنهم يغيبون عن منى ليلا لتستريح الإبل وكذلك أهل سقاية العباس فإنهم يقومون بتعهد الماء ولا يختص ذلك ببني العباس عندنا بل كل من يتعهد السقاية خلافا لمالك وهل تلتحق غير هذه الأعذار من تمريض أو غيره برعاية الإبل وتعهد الماء فيه وجهان
الفصل العاشر في الرمي

وهو من الأبعاض الواجبة المجبورة بالدم قولا واحدا والواجب رمي سبعين حصاة سبعة ترمى يوم النحر إلى جمرة العقبة فقط وإحدى وعشرين حصاة ترمى كل يوم القر وهو أول يوم من أيام التشريق إلى الجمرات الثلاثة إلى كل جمرة سبعة فيبدأ بالجمرة الأولى من جانب المزدلفة ويختم بجمرة العقبة وهي تلي مكة وكذلك يفعل في اليوم الثاني والثالث إلا إذا نفر من النفر الأول قبل غروب الشمس فيسقط عنه الرمي في اليوم الأخير
ووقت رمي جمرة العقبة يدخل بمنتصف الليل ويدوم إلى غروب الشمس يوم النحر وهل يتمادى إلى طلوع يوم القر فيه وجهان ووجه التمادي تشبيهه ببقاء وقت الوقوف بعد غروب الشمس
وأما رمي أيام التشريق يدخل وقته بالزوال إلى غروب الشمس يوم النحروفي تماديه ليلا الخلاف المذكور
ثم النظر في الرمي يتعلق بأطراف
الأول في الرمي

وليكن حجارة على قدر الباقلاء ولا يجزئ غير الحجر من الإثمد والزرنيخ والجواهر المنطبعة ويجزئ حجر النورة قبل الطبخ وكذا حجر الحديد في الظاهر وفي الفيروزج والياقوت والعقيق تردد والحصاة الواحدة إذا رماها سبع مرات ففي إجزائها وجهان ومنهم من راعى عدد الرمي ومنهم من ضم إليه عدد المرمي ولو تعدد الزمان أو الشخص أو الجمرة أجزأ كما إذا رمى حصاة واحدة في يومين أو إلى جمرتين أو رماها شخصان
الطرف الثاني في الكيفية

ويتبع فيه اسم الرمي ولا يكفي الوضع على الجمرة وإن أصاب في رميه محملا فارتد بصدمته أجزأ وإن نفضه صاحب المحمل فلا وإن تدحرج من المحمل إلى الجمرة بنفسه فهو متردد بين النفض والصدمة ولو وقف في الجمرة ورمى إلى الجمرة فلا بأس ولو رمى حجرين دفعة واحدة فلا يجزيه إلا واحدة وإن تلاحقا في الوقوع ولو أتبع حجرة حجرة فيجزئه عن رميتين وإن تساوقا في الوقوع والعاجز عن الرمي يستنيب إذا كان عجزه لا يزول في وقت الرمي كما في أصل الحج ولو أغمي على المستنيب لم ينعزل النائب بخلاف الوكيل في التصرفات لأن علة هذه النيابة العجز فلا تضادها زيادة العجز
الطرف الثالث في تدارك الفائت

فإن انقضى أيام التشريق فلا قضاء إذ انقطع وقت المناسك فإذه فاته يوم النفر فأراد أن يقضي في اليومين بعده فعلى قولين أحدهما لا لأن هذه عبادة غير معقولة فلا يتعدى بها عن موردها والثاني يقضى بدليل أن رعاة الإبل يقضون فيالنفر الأول ما فاتهم في يوم النفر
ثم هذا قضاء أو أداء فيه قولان فمن جعله أداء زعم أن جميع الأيام وقت وإنما التوزيع على الأيام مستحب وعلى هذا لا يجوز التدارك إلا بعد الزوال وإن جعل قضاء جاز قبل الزوال لأن القضاء لا يتأقت
وقيل إنه لا يبعد تأقيته ثم يلزمه رعاية الترتيب في المكان فلو ابتدأ بالجمرة الأخيرة في القضاء لم يجزه
وهل يجب تقديم القضاء على الأداء بالزمان فيه قولان أحدهما يجب كما في المكان والثاني لا يجب كما في الصلوات
فإن أوجبنا فلو رمى أربع عشرة حصاة إلى الجمرة الأولى عن اليومين لم يجزه إلا سبعة عن القضاء وهذا في أيام التشريق
أما رمي الجمرة يوم النحر ففي قضائه طريقان منهم من طرد القولين ومنهم من منع وجعل أيام التشريق فيها كغير أيام التشريق في رمي أيام التشريق لأنه جنسمنقطع عما بعده في الوقت والمقدار
ثم مهما ترك الجميع لزمه الدم وفي مقداره ثلاثة أقوال أحدها دم واحد للكل والثاني دمان واحد ليوم النحر وواحد لأيام منى والثالث أربعة دماء لأربعة أيام
فإن اكتفينا بدم واحد كمل الدم بوظيفة يوم واحد كما لا يكمل في حلق ثلاث شعرات وهل يكمل فيما دونه من ترك ثلاث حصيات أو ترك جمرة واحدة
وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يكمل في الثلاث والثاني لا يكمل إلا بوظيفة جمرة واحدة والثالث أنه لا يكمل في أقل من وظيفة يوم
الفصل الحادي عشر في طواف الوداع

إذا فرغ الحاج من الرمي أيام منى ولم يبق عليهم طواف ولا سعي وتم تحللهم وعزموا على الانصراف طافوا طواف الوداع وفي كونه واجبا مجبورا بالدم قولان أحدهما يجب لتطابق الحلق عليه والثاني لا كطواف القدوم
ولا خلاف في أن من خرج من مكة لا يلزمه طواف الوداع إلا إذا كان حاجا وطواف الوداع من توابع الحج ثم شرط إجزائه أن لا يعرج على شغل بعده فلو اشتغل بشد الرحال بعده ففيه وجهان من حيث إنه من أسباب الرحيل فلا يبعد أن يكون بعد الوداع
فرع

لو ترك طواف الوداع وتجاوز مسافة القصر يستقر الدم ولا يغنيه العود ولو عاد قبل مسافة القصر صار متداركا والمرأة إذا حاضت فهي مأذونة في النفر قبل الوداع ولا دم عليها فلو طهرت قبل مسافة القصر لم يلزمها العود نص عليه لأنها لم تكن من أهل الوجوب في الابتداء بخلاف من قصر في الخروج فإنه يلزمه العود قبل مسافة القصر ومنهم من نقل وخرج وجعل في المسألتين قولين مثارهما أنه يفوت الوداع بمجاوزة خطة الحرم أو بمجاوزة مسافة القصر
الفصل الثاني عشر في حكم الصبي والنظر في إحرامه وأعماله ولوازمه

أما الإحرام فإن لم يكن الصبي مميزا أحرم عنه وليه وهل للمقيم ذلك فيه وجهان وفي ثبوته للأم طريقان والأصح الجواز لما روي أن امرأة رفعت صبيا من محفته وقالت يا رسول الله ألهذا حج فقال نعم ولك أجر وإن كان مميزا وأحرم بإذن الولي صح وإن استقل فوجهان أحدهما لا ينعقد لأنه عقد خطير والثاني ينعقد كسائر العبادات ولكن الولي يحلله إن رأى المصلحة فيه
فإن قلنا لا يستقل ففي استقلال الولي دونه وجهان ووجه الجواز استصحاب ولايته الثابتة قبل التمييز
وأما أعماله فيتعاطى الصبي بنفسه إن قدر عليه وإلا طاف به الولي وسعى به وأحضره عرفة ورمى عنه
وأما اللوازم المالية فما يزيد من نفقة السفر فهو على الولي في وجه لأنه الذى ورطه فيه وعلى الصبي في وجه كأجرة تعليم القرآن فإن فيه نظرا له
وأما فدية اللبس والحلق وسائر المحظورات ففي وجوبها وجهان أحدهما لا لأن عقد الصبي لا يصلح للالتزام والثاني نعم لأنه مقتضى الإحرام
فإن قلنا يجب ففي مال الصبي أوفي مال الولي فيه وجهان
ولو جامع الصبي فإن قلنا إن جماع الناسي لا يفسد وعمد الصبي ليس بعمد لم يفسد حجه وإلا فسد وهو الأصح لأن عمده في العبادات معتبر كما إذا أفطر عمدا ولكن هل يلزمه القضاء فيه وجهان مرتبان على الفدية وأولى بأن لا يجب لأن هذه عبادة بدنية فيبعد وجوبها على الصبي فإن أوجبنا فهل يصح في الصبي فيه وجهان ووجه المنع أن الصبي ينافي وقوع الحج فرضا وقد صار هذا القضاء فرضا فإن قلنا لا يقضي في الصبي فإذا بلغ لزمه تقديم فرض الإسلام أولا حتى يتأتى منه القضاء
فرعان

أحدهما لو طيبه الولي من غير منفعة للصبي فالفدية على الولي وكذا كل أجنبي طيب محرما أو حلق شعره بغير إذنه ولو طيبه للمداواة فهل ينزل منزلة تطييب الولي الصبي نفسه فيه وجهان
الثاني إذا أحرم في الصبي وبلغ قبل مفارقة عرفة وقع حجه عن فرض الإسلام لأن الحج عرفة
وإن كان قد سعى من قبل هل يلزمه إعادة السعي فيه وجهان والأصح وجوبه إذ لا يسمى بالوقوع في حالة الصبى إلا في الإحرام فإن دوامه كاف في حجة الفرض
والنقصان الذى وقع في ابتدائه هل يجبر بالدم فيه قولان أحدهما لا لأنه أحرم من الميقات ولم يجر إساءة والثاني نعم لأنه وقع من نقصان الصبى وكان هذا تردد في أن الإحرام انقلب فرضا أو تبين أنه انعقد فرضا في الابتداء
والعبد أعتق إذا قبل الوقوف كان كالصبي إذا بلغ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة الإسلام وأيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة الإسلام
قيل أراد بالأعرابي الكافر وقيل أراد به في ابتداء الإسلام إذ كان حجة الأعرابي قبل الهجرة نفلا لا فرضا
الباب الثالث في قسم المقاصد في بيان محظورات الحج والعمرة
محظورات الحج والإحرام سبعة أنواع
النوع الأول اللبس

والنظر فيه يتعلق بالرأس والبدن
أما الرأس فيحرم ستره بكل ما سمي ساترا معتادا كان أو لم يكن فلو وضع على رأسه خرقة أو إزارا أو عمامة لزمه الفدية ولو توسد بوسادة أو عمامة أو استظل بسقف أو مظلة المحمل أو انغمس في ماء حتى استوى الماء على رأسه لم يلزمه شئ لأن ما ليس محمولا على الرأس لا يعد ساترا
وخالف مالك في الاستظلال بالمظلة والخيمة
ولو وضع زنبيلا أو حملا على رأسه ففيه قولان أحدهما لا يحرم لأنه لا يعد ساترا والثاني يحرم لأن الكشف قد زال به وهو المقصود
أما إذا طين رأسه ففيه احتمال
وتجب الفدية بستر مقدار يتصور أن يقصد ستره بوقوع شجة أو غيره ولو شد خيطا على رأسه لم يضر بخلاف العصابة التى لها عرض هذا في حق الرجل
أما المرأة فالوجه في حقها كالرأس في حق الرجل فلها أن تستر سائر بدنها سوى الوجه فلو أرسلت ثوبا بحذاء وجهها متجافيا فلا بأس وأما سائر البدن فلا وظيفة على المرأة فيه أما الرجل فله ستره ولكن بثوب ليس مخيطا إخاطة الخياطة
كالقميص والقباء والجبة أو ما في معناها كالدرع وجبة اللبد ولو لبس القباء لزمه الفدية أدخل يده في الكمين أو لم يدخل
وقال أبو حنيفة لا يلزم ما لم يدخل يده
ولو ارتدى بقميص أوجبه فلا بأس لأنه لا يحيط به وكذلك إذا التحف به نائما ولا بأس بالهميان والمنطقة وإن أحاطت ولا بإزار عقد أطرافه بالعقد ولو جعل لردائه شرجا وعرى منظومة ففيه تردد لقربه من الخياطة ولو اتخذ إزارا
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11