كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد


كتاب الكتابة

اعلم أن الكتابة عبارة عن الجمع ولذلك سمي اجتماع الحروف كتابة واجتماع العسكر كتيبة واجتماع النجوم في هذا العقد كتابة وهذا عقد مندوب إليه وهو مشتمل على أمور غريبة كمقابلة الملك بالملك أعني الكسب والرقبة وكلاهما ملك للسيد وإثبات الملك للملوك لأن المكاتب عبد ويملك فكأنه إثبات رتبة بين الرق والحرية إذ المكاتب يستقل من وجه دون وجه لكن المصلحة تدعو إليه إذ السيد قد لا يسمح بالعتق مجانا والعبد يتشمر للكسب إذا علق به عتقه فاحتمل لتحصيل مقصوده ما يليق به عتقه وإن خالف قياس سائر العقود كما احتملت الجهالة في عمل الجعالة وربح القراض وغيره
وإنما يستحب إذا جمع العبد القوة والأمانة فإن لم يكن أمينا فمعاملته لا تفضي إلى العتق غالبا فلا يستحب تنجيز الحيلولة لأجله لا كالعتق فإنه يستحب بكل حال لأنه تنجيز خلاص وإن كان أمينا غير كسوب ففي الإستحباب وجهان وظاهر الكتاب لم يشترط إلا الأمانة إذ قال تعالى { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وحكى صاحب التقريبقولا بعيدا أن الكتابة واجبة ولا وجه له وإن ذهب إليه داود لأنه إبطال سلطنة الملك فحمل الأمر على الإستحباب أولى ثم النظر يتعلق بأركان الكتابة وأحكامها أما الأركان فهي أربعة الصيغة والعوض والعاقدان
الركن الأول الصيغة وهو أن يقول مثلا كاتبتك على ألف تؤديه في نجمين فإذا أديته فأنت حر فيقول العبد قبلت فإن لم يصرح بتعليق الحرية ولكن نواه بلفظ الكتابة كفى وفيه قول مخرج أن لفظ الكتابة صريح كالتدبير وهو ضعيف بل الصحيح الفرق
ثم وإن صرح بالتعليق فالعتق يحصل بالإبراء والإعتياض تغليبا لحكم المعاوضة لكن في صحيح الكتابة أما في فاسدها فيغلب حكم التعليق ولو اقتصر على قوله أنت حر على ألف فقبل عتق في الحال وكان الألف في ذمته وهو نظير الخلع وقد ذكرنا أحكامه
ولو باع العبد من نفسه صح والولاء للسيد وكأنه إعتاق على مال ليس فيه حقيقة البيع وخرج الربيع قولا أنه لا يصح إذ هو تمليك وكيف يملك العبد نفسه وفيه وجه أنه لا يصح ولا ولاء للسيد بل عتق على نفسه كما لو اشترى قريبه
أما إذا قال إن أعطيتني ألفا فأنت حر فلا يمكنه أن يعطيه من ملكه إذ لا ملك له فيكون كما لو قال لزوجته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأتت بألف مغصوبة ففي وقوع الطلاق خلاف وكذلك في العتق
الركن الثاني العوض وشرطه أن يكون دينا مؤجلا منجما معلوم القدر والأجل والنجم فهذه أربعة شروط
الأول كونه دينا إذ لو كان عينا لكان ملك الغير فيفسد العتق ثم لا يخفى أن الدين ينبغي أن يكون معلوما كما في السلم والإجارة
الثاني الأجل فلا تصح الكتابة الحالة عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لعلتين
إحداهما اتباع السلف
والأخرى أن العبد عقيب العقد عاجز فكيف يجوز له لزوم ما لا يقدر عليه إذ لو كان على ملاحة وكاتبه على ملح فلا بد من لحظة لأخذ الملح حتى يملك ولا بد من لحظة لقبول الهبة إن قدر ذلك نعم يرد عليه أربع مسائل لا تخلو واحدة عن خلاف
إحداها من نصفه حر ونصفه عبد قد يملك مالا ففي الكتابة الحالة منه فيه وجهان لتعارض معنى الإتباع والعجز
الثانية إذا كاتبه على مال عظيم ونجمه بلحظتين فيه أيضا وجهان
الثالثة البيع من المفلس صحيح لأنه يقدر بالمبيع وإن زاد الثمن على قيمة المبيع فلا يبعد وجود زبون يشتري المبيع منه ومع ذلك فقد ذكر وجه أنه لا يصح العقد
الرابعة إذا أسلم إلى مكاتب عقيب العقد فيه وجهان وجه التجويز أنه يملك رأس المال
الشرط الثالث التنجيم بنجمين فصاعدا إذ سبب اشتراطه الإتباع المحض فما كاتب أحد من السلف على نجم واحد ثم نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو كاتبه علىخدمة شهر ودينار بعده جاز إذ حصل التنجيم لكن النجم الأول حال إذ يتنجز استحقاق المنافع عقيب العقد وإنما التأخير للتوفية ولذلك قال الأصحاب ليس يشترط أن يكون الدينار بعده بل لو كان بعد العقد بيوم جاز وقال أبو إسحاق المروزي رحمه الله لا يجوز كأنه تخيل الخدمة مؤجلا ولا شك أنه لو لم يؤجل الدينار لم يجز إذ يكون جميع العوض حالا ولو كاتب على خدمة شهرين وجعل كل نجم شهرا لم يجز لأن الكل يتنجز استحقاقه بالعقد فإن صرح بإضافة الإستحقاق إلى الشهر القابل خرج على مثل هذه الإجارة في الشهر القابل وفيه وجهان
أما إذا أعتق عبده على أن يخدمه شهرا عتق في الحال ويجب الوفاء فإن تعذر فيرجع السيد إلى قيمة الأجرة أو قيمة الرقبة قولان كما في بدل الصداق والخلع
الشرط الرابع الإعلام وذلك قد ذكرناه في البيع ومعنى إعلام النجم أن يميز المحل لكل نجم ومقداره فلو كان على مائة يؤديه في عشر سنين لم يجز حتى يبين قدر كل نجم ومحله ولا يشترط تساوي النجوم ولا تساوي المدة وقد تنشأ الجهالة من تفريق الصفقة فلنذكر مسألتين
إحداهما لو كاتبه بشرط أن يبيعه شيئا فهو فاسد لأنه شرط عقدا في عقد أما إذا باعه شيئا وكاتبه على عوض واحد منجم فسد البيع لأن إيجابه يسبق على قبول الكتابة وهو ليس أهلا للشراء قبله إذ صيغته أن يقول بعتك هذا الثوب وكاتبتك بألف إلى نجمين فيتقدم الإيجاب على القبول وفيه قول مخرج أنه يصح أخذا من نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو قال اشتريت عبدك بألف ورهنت بالألف دارا فأجاب إليهما صح الرهن مع تقدم إيجابه على لزوم الدين إلا أن الرهن من مصالح البيع فلا يبعد مزجه به وذلك في الكتابة يبعد
فإن أفسدنا البيع ففي صحة الكتابة قولا تفريق الصفقة وإن صححنا البيع فيخرج على قولي الجمع بين صفقتين مختلفتين ولا يجري ذلك في الرهن والبيع لأن الرهن تابع للبيع ومؤكد له
الثانية لو كاتب ثلاثة أعبد على ألف في صفقة واحدة ولم يميز نجوم كل واحد فالنص صحة الكتابة والنص في شراء ثلاثة أعبد من ثلاثة ملاك بعوض واحد الفساد والنص في خلع نسوة أو نكاحهن بعوض واحد أنه على قولين فمن الأصحاب من طرد القولين في الكل وهو الأصح لأن العوض معلوم الجملة لكن مجهول التفصيل ومنهم من قال العبيد في الكتابة يجمعهم مالك واحد والعوض فيه غير مقصود فكأنه كعقد واحد وغرض الشراء مقصود فيخالفه والخلع والنكاح على رتبة بين الرتبتين ففيه قولان وهذا ضعيف ولأن جملة هذه الأعواض تفسد بالجهالة وإن كانت العقود لا تبطل

ثم إن صححنا فالقول الصحيح أنه يوزع الألف على قدر قيم العبيد لا على عدد الرءوس وفيه قول أنه يوزع على عدد الرؤس ثم إن اعتقدنا التوزيع على العدد فتنتفي الجهالة فيصح لا محالة
ثم كيف كان فإذا أدى كل عبد نصيبه عتق ولم يقف على أداء رفيقه ولا ينظر إلى التعليق على أداء الجميع وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يعتق واحد ما لم يؤد الجميع نظرا إلى التعليق
الركن الثالث السيد المكاتب وشرطه أن يكون مالكا مكلفا أهلا للتبرع غير دافع بالكتابة حقا لازما
أما شرط الملك والتكليف فلا يخفى فلا يصح كتابة الصبي والمجنون وغير المالك
أما أهلية التبرع فيخرج عليه منع ولي الطفل من كتابة عبده ولو بأضعاف ثمنه فإنه ممنوع لأن ما يكسبه يكون ملكا للطفل وكذا المريض تحسب كتابته من الثلث
ولو كاتب في الصحة ووضع النجوم عنه في المرض أو أعتقه اعتبرنا خروج الأقل من الثلث فإن كانت الرقبة أقل اعتبرنا خروجها لأنه لو عجز لم يكن للورثة إلا الرقبة وإن كان النجوم أقل فكذلك وكذا لو أوصى بإعتاقه أو بوضع النجوم عنه
ولو كاتب في الصحة وأقر في المرض بأنه كان قبض النجوم صح إقراره لأنه حجة
وأما قولنا لا يرفع بها حقا لازما فيخرج عليه كتابة المرهون فإنه لا يصح وكتابة الكافر لعبده المسلم بعد أن توجه عليه الأمر بالبيع في صحته وجهان
أحدهما المنع إذ البيع لازم عليه
والثاني الجواز نظرا إلى العبد فذلك أصلح له ثم إن عجز بعناه
ولو كاتب ثم أسلم وقلنا لا يصح استبراؤه ففي دوامه وجهان لقوة الدوام ولو دبر ثم أسلم فيباع عليه أم تضرب الحيلولة فيه خلاف أيضا
أما المرتد فكتابته بعد الحجر وقبله تخرج على أقوال الملك في تصرف المحجور
وأما الحربي فتصح كتابته للعبد الكافر لكن لا يظهر أثره فإنه لو قهره بعد أداء النجوم ملكه فكيف قبله لكن لو أدى النجوم ثم أسلما قبل القهر فلا رق عليه وإن كان بعض النجوم خمرا وقد بقي منه شيء وقبض الباقي بعد الإسلام عتق لكن يرجع السيد على العبد بقيمته كلها ولا توزع على ما بقي وعلى ما قبض وقد ذكرنا نظير ذلك في الخلع فلا نعيده
الركن الرابع العبد القابل وله شرطان
الأول كونه مكلفا فلا يصح كتابة الصغير المميز نعم إن علق صريحا على الأداء عتق لكن لا يرجع السيد بقيمته بخلاف الكتابة الفاسدة لأن هذه الكتابة باطلة
الشرط الثاني أن يورد الكتابة على كله ليستفيد عقيبها استقلالا فلو كاتب بنصف عبده فالمذهب أن الكتابة فاسدة ولو كاتب النصف الرقيق ممن نصفه حر صحت لحصور الإستلال ولو كاتب أحد الشريكين دون إذن صاحبه فالمذهب أنها فاسدة وإن كان بإذنه ففيه قولان والأظهر فساده لأنه لا يستفيد الإستقلال بالمسافرة وأخذ الزكاة والصدقة لا تصرف إلى من نصفه رقيق ونصفه حر فأي فائدة لإذن ومن أصحابنا من قال فيه قولان أما المسافرة فقد نقول لا يستقل بها المكاتب كله وأما الصدقة فيجوز صرفها إليه على رأي فمن هاهنا خرجوا طرد القولين فيما لو كاتب بغير إذنه أيضا وخرجوا قولا قيما لو كاتب نصف عبد نفسه
ولا خلاف أنهما لو كاتبا على مال واحد صح وانقسمت النجوم على قدر الحصتين فلو شرطا تفاوتا على قدر الحصص فقد انفرد كل عقد عن صاحبه فيخرج على القولين في كتابة أحدهما بإذن شريكه

فرع
لو كاتباه ثم عجزه أحدهما وأراد الثاني إنظاره وإبقاء الكتابة في نصفه ففيهثلاثة طرق
أحدها القطع بالمنع إذ يريد إبقاء الكتابة بغير رضاء صاحبه
والثاني تخريجه على قولين إذ الشريك لما وافق في ابتداء العقد فقد رضي بلوازم وتوابع وهذا منها
والثالث القطع بالجواز لأن الدوام يحتمل ما لا يحتمله الإبتداء
ولو كاتب واحد عبدا ثم مات وخلف ابنين وعجزه أحدهما ففي إنظار الآخر هذه الطرق وأولى بامتناع التبعيض لأن العقد ابتداء وجد من واحد
هذا ما يصح من الكتابة ثم ما لا يصح ينقسم إلى باطن وفاسد والباطل لا حكم له إلا موجب التعليق إن كان قد صرح به والفاسد له حكم ومهما تطرق الخلل إلى أصل الأركان الأربعة فباطل كما لو كان السيد صغيرا أو مجنونا أو مكرها والقابل كذلك أو صدر من ولي الطفل ومن ليس بمالك أو عدم أصل العوض أو شرطا شيئا لا تقصد ماليته كالحشرات أو اختلت الصيغ بأن لم تنتظم أو فقد الإيجاب أو القبول أو صدر من غير أهله نعم اختلفوا في مسألتين
إحداهما أن البعد لو كان مجنونا نقل الربيع أنه عتق بالأداء ورجع السيد بالقيمة والرجوع من حكم الفاسد فكأنه جعل قبول المجنون فاسدا وقد نقل المزني رحمه الله ضده وهو الصحيح فإن قبول المجنون والصبي فكلا قبول فهو كالمعدوم
الثانية لو ترك لفظ الكتابة واقتصر على قوله إن أعطيتني ألفا فأنت حر فقد ذكرنا خلافا في أنه لو أعطى هل يعتق لأن ما يعطيه في حكم المغصوب فإن قلنا يعتق فهل يرجع السيد عليه بقيمة الرقبة فيه وجهان والظاهر أنه لا يرجع
فإن قلنا يرجع فهل يستتبع الكسب والولد فيه خلاف والظاهر أنه لا يستتبع ومن رأى الرجوع والإستتباع فقد ألحقه بالفاسد فقد حصل من هذا أن الفاسد ما امتنع صحته بشرط فاسد أو لفوات شرط في العوض كالإعلام أو في العبد ككتابة نصفه أو كترك الأجل والنجوم
فإن قيل فما حكم الفاسد قلنا الفاسد يساوي الصحيح في ثلاثة أحكام ويفارقه فيحكمين يساويه في العتق عند أداء ما علق عليه وذلك بحكم التعليق حتى لا يحصل بالإبراء والإعتياض فيغلب التعليق على الفاسد ويساويه في استتباع الكسب والولد أعني ولده من جاريته لأنه في حكم كسبه
أما ولد المكاتبة ففي سراية الكتابة الفاسدة إليه قولان كالقولين في سراية التدبير وتعليق العتق ومنهم من قطع بأنه يتبعه ويسري إليه ويساويه أيضا في استقلال العبد عقيبه بالإكتساب وينبني عليه سقوط نفقته عن مولاه وجواز معاملته إياه واختلفوا فيما يتعلق باستقلاله في شيئين
أحدهما في مسافرته وفيه وجهان إن رأينا أن المكاتب كتابته صحيحة يسافر وكذلك في صرف الزكاة إليه وجهان وجه المنع أن الكتابة غير لازمة من جهة السيد فلا يوثق بانصرافه إلى العتق أما ما يفترق فيه فأمران
أحدهما أن ما يقبضه ويحصل العتق به يجب رده والرجوع إلى قيمة الرقبة كما في الخلع الفاسد
والثاني أنها لا تلزم من جهة السيد بل له أن يفسخ ومهما فسخ أو قضى القاضي بردها انفسخ حتى لا يعتق بأداء النجوم ويرتفع التعليق أيضا لأن معنى قوله إن أديت إلي في ضمن معاوضة فأنت حر والفسخ يرفع المعاوضة
ثم يبتني على هذا اعني على عدم لزومه لو مات السيد فأدى إلى الوارث لم يعتق لأنه ليس هو القاتل إن أديت إلي فأنت حر والتعليق غالب على الفاسد ويتفرع منه أنه لوأعتقه عن كفارته صح ويكون كأنه فسخ الكتابة ولا يستتبع الكسب والولد بخلاف ما لو أعتق المكاتب كتابة صحيحة فإنه يقع عن الكتابة ولا يبرأ عن الكفارة ويتبعه الكسب والولد
ولم تخالف الكتابة الفاسدة قياس الشافعي رضي الله عنه إلا في شي واحد وهو إثبات الإستقلال في الإكتساب وحصول العتق بالأداء تشوفا إليه فوجب السعي في تحصيل العتق فلا يمكن إلا بإثبات الإستقلال بالكسب فأصل الكسب يسلم له مهما استقل وينبني عليه سقوط نفقته وصحته معاملته
أما إلزامه من جهد السيد وتصحيح المسمى حتى لا يرجع إلى القيمة فلا ضرورة فيه فأجري على القياس
النظر الثاني في أحكام الكتابة

وحكمها العتق عند براءة الذمة بأداء أو إبراء أو اعتياض واستقلال العبد بالإكتساب عقيب العقد ويتفرع عنه تبعية الكسب والولد ووجوب الأرش والمهر على السيد عند الوطء والجناية والكتابة تقتضي نفوذ تصرفات المكاتب بما لا ينزع فيه وامتناع تصرف السيد في رقبته ومجموع هذه التفاصيل ترجع إلى خمسة أحكام
الحكم الأول فيما لا يحصل به العتق وفيه مسائل
الأولى إذا أبرأ عن بعض النجوم أو قبض بعضه لم يعتق منه شيء بل هو عبد ما بقي عليه درهم وقال علي رضي الله عنه يعتق بكل جزء من النجوم جزء من رقبته وأما الإبراء في الكتابة الفاسدة فلا توجب العتق
الثانية إذا جن السيد فقبض النجوم لم يعتق لأن قبضه فاسد حتى يقبض وليه وللمكاتب استرداده وإن تلف فلا ضمان لأنه المضيع بتسليمه إليه ولو جن المكاتب فقبض السيد منه عتق لأن فعل العبد ليس بشرط بل إذا تعذر فعله فللسيد أخذه هكذا أطلقه الأصحاب وفيه نظر إذ لا يبعد لزوم رفعه إلى القاضي حتى يوفي النجوم إن رأى المصلحة
أما استقلال السيد فمشكل عند إمكان مراجعة القاضي

أما الكتابة الفاسدة فظاهر النص أنها تنفسخ بجنون السيد كما تنفسخ بموته ولا تنفسخ بجنون العبد فاختلفوا في النصين وحاصل ما ذكر نقلا وتخريجا ثلاثة أوجه
أحدها وهو الأقيس أنه لا تنفسخ لأنه وإن كان جائزا فمصيره إلى اللزوم كالبيع في زمان الخيار
والثاني أنه ينفسخ لضعف الفساد الثالث أنه ينفسخ بجنون المولى دون العبد فإن الكتابة أبدا جائزة من جانب العبد فلم يؤثر الفساد في جانبه
ولا خلاف أن موت العبد يوجب فسخ الكتابة الصحيحة أيضا وقال أبو حنيفة رحمه الله إن خلف وفاء فللوارث أداء نجومه وأخذ الفاضل بالوراثة
فإن قلنا لا تنفسخ بجنون العبد فأفاق وأدى عتق وإن قلنا تنفسخ بجنون العبد فأفاق وأدى فهل يحصل العتق بمجرد التعليق فيه وجهان والأظهر أنه لا يحصل كما لو فسخ السيد لأن هذا تعليق في ضمن معاوضة
والثالثة إذا كاتبا عبدا ثم أعتق أحدهما نصيبه نفذ وسرى إلى نصيب شريكه إن كان موسرا لكن يسري في الحال أو يتأخر إلى أن يعجز المكاتب فيه قولان
أحدهما التأخير إلى أن يعجز إذ السيد قد نصب سبب العتق لنفسه بالكتابة فكيف يجوز إبطاله
والثاني أنه يسري في الحال ويقدر انتقاله إلى المعتق من غير انفساخ في الكتابة بل يعتق عن جهة الكتابة عن المعتق حتى يكون الولاء للشريك ولا يؤدي إلى بطلان الكتابة ومنهم من قال ينتقل وتنفسخ الكتابة إذ العتق أقوى من الكتابة فيعتق كله على الشريك المعتق ومن هذا الإشكال حكى صاحب التقري بوجها أن الكتابة تمنع العتق أصلا فلا يسري
فإذا فرعنا على الصحيح وهو أنه يسري فإبراؤه عن نصيبه وقبض نصيبه حيثيجوز القبض على ما سيأتي كإعتاقه في اقتضاء السراية ولا نقول إنه مجبر على القبض فلا يسري لأنه مختار في إنشاء الكتابة التي اقتضت إجباره على القبض نعم إذا مات وخلف مكاتبا فبض أحد الابنين نصيبه عتق نصيبه ولم يسر لأنه مجبر على القبول ولم يصدر العقد منه
أما إذا ادعى العبد على الشريكين أنه وفى نجومهما فصدق أحدهما وكذبه الآخر عتق نصيب المصدق وهل يسري إلى الباقي فيه قولان وجه قولنا إنه لا يسري مع أنه مختار في التصديق أن مقتضى إقراره عتق الكل فكيف يعمل بخلاف موجبه ويقدر عتق البعض حتى يسري
الرابعة أحد الإبنين الوارثين إذا أعتق نصيبه من المكاتب نفذ وهل يقوم عليه الباقي إن قومنا على أحد الشريكين فيه قولان وجه الفرق أن عتقه يقع عن الميت ولذلك يكون الولاء للميت ويمكن بناء القولين على أن الوارث هل يملك المكاتب ويحتمل أن لا يملك بناء على أن الدين المستغرق يمنع الملك وكذا الخلاف في السراية عند إبرائه أما عند قبضه نصيبه فلا سراية لأنه مجبر
التفريع
إن قلنا إنه لا يسري ورق النصيب الآخر بالعجز ففي ولاء النصف الأول وجهان
أحدهما أنه بين الإثنين لأن العتق وقع عن الميت فله الولاء ولهما عصوبته
والثاني أنه للمعتق وكأنا بالآخرة تبينا أن العتق وقع عن المعتق وتضمن انفساخ الكتابة لأن الكتابة لا تقبل التبعيض وقد انفسخ في الباقي وهكذا الخلاف إن فرعنا على أن العتق يسري ولكن يتضمن انفساخ الكتابة في محل السراية لأنه قد انفسخ في البعض
أما الولاء في محل السراية فينبني على انفساخ الكتابة فإن رأينا أنها تنفسخ بالسرايةفالولاء فيه لمن سرى عليه وإن قلنا لا تنفسخ فقد عتق العبد كله عن جهة كتابة الميت فالولاء لهما بعصوبته
فرع إذا خلف ابنين وعبدا فادعى العبد أن المورث كاتبه فصدقه أحدهما وكذبه الآخر وحلف صار نصيب المصدق مكاتبا فيستقل العبد بنصف كسبه ليصرفه إلى النجوم ثم إن عتق نصيب المصدق بقبضه النجوم لم يسر لأنه مجبر عليه وإن عتق بإعتاق سرى ولم يمكن تخريجه على الخلاف في السراية إلى المكاتب لأن الشريك يزعم أن نصيبه رقيق فلا بد وأن يسري إليه وإن عتق بالإبراء لم يسر فإن الشريك المكذب يقول الإبراء لاغ إذ لا كتابة فلا يسري حتى يصرح المصدق بلفظ يوجب الإعتاق ثم الصحيح أن المصدق يشهد مع غيره على المكذب فيجوز لأن نصيبه من النجوم قد سلم بإقرار العبد فلا تهمة فيه
الخامسة إذا قبض النجوم ثم وجدها ناقصة في الوصف فإن رضي استمر العتق ويكون حصول العتق عند القبض أو عند الرضا فيه خلاف ينبني على أن الدين الناقص يملك عند القبض أو عند الرضا وإن أراد الرد فله ذلك ويرتد العتق على معنى أنه يتبين أنه لم يحصل لعدم القبض في المستحق وهو ظاهر إذا قلنا لا يحصل الملك بالقبض وإن قلنا يحصل فيحصل العتق أيضا بحسبه حصولا غير مستقر بل يندفع عند الرد
فلو اطلع على النقصان بعد تلف النجوم فله طلب الأرش ويتبين أن لا عتق حتى يؤدي الأرش فإن عجزه السيد وأرقه جاز كما في نفس النجوم ثم الأرش قدر قيمةنقصان النجوم أو ما يقابله من الرقبة فيه خلاف يجري مثله في المعاوضات المتعلقة بالديون
السادسة إذا خرج النجم مستحقا تبين أن لا عتق وليس هو كما لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت حر فجاء بمغصوب فيحصل العتق أو الطلاق في مثله على وجه لتجرد حكم التعليق ووجوب صورة الإعطاء أما ها هنا إذا صحت المعاملة فلا يعتق إلا ببراءة الذمة نعم يجري الخلاف في الكتابة الفاسدة إذا صرح بالتعليق على أداء الألف
فرع
لو قال له عند أداء النجوم اذهب فإنك حر أو عتقت فله رد العتق ولا يؤاخد به فإنه قال بناء على ظاهر الحال كالمشتري فإنه يرجع بالثمن إذا خرج المبيع مستحقا وإن كان قد قال هو ملكي وملك بائعي وقد ذكرنا فيه وجها أنه لا يرجع ويجري ها هنا أيضا إذ لا فرق أما إذا أقر بعتق أو طلاق ثم قال كنت أطلقت لفظة ظننتها نافذة فراجعت المفتي فأفتى بأنه لا ينفذ قال الصيدلاني يقبل قياسا على هذه المسألة وهذا بعيد لأن الإقرار حجة صريحة وفتح هذا الباب يمنع الأقارير إلا أن قوله بعد قبض النجوم أنت حر أو عتقت هو إقرار ولا فرق بين أن يقوله جوابا إذا سئل عن حريته أو ابتداء وبين أن يقوله متصلا بقبض النجوم أو بعده فإنه معذور في الأحوال كلها لظنه فإذا عذر ها هنا فلا يبعد أن يفتح هذا الباب في كلام يجري مجراه
الحكم الثاني ما يتعلق بأداء النجوم وفيه سبع مسائل
الأولى أنه يجب الإيتاء لقوله تعالى { وآتوهم من مال الله } ولأنه ما كاتب أحد من السلف إلا وضع شيئا ولن المطلقة تنتظر مهرا فإذا لم تسلم تأذت فوجبت المتعة دفعا للأذى فكذا العبد ينتظر العتق مجانا فإذا كان بعوض فيتأذى فلا بد من إمتاعه
ثم النظر في محله ووقته وجنسه وقدره
أما المحل فهو الكتابة الصحيحة وفي الفاسدة وجهان بناء على أن الأصل في الإيتاء حط شيء من واجب النجوم أو بذل شيء مع أنه لا خلاف أن الوجوب يتأدى بكل واحد منهما فإذا قلنا الأصل هو حط الواجب فلا يجب في الفاسد النجوم بل يجب قيمة الرقبة بعد العتق أما لو باع العبد من نفسه أو أعتقه على مال فالمشهور أنه لا يجب الإيتاء وفيه وجه أنه يجب لأجل العوض ولا خلاف أن العتق مجانا لا يوجب شيئا فإنه عين الإيتاء والإمتاع
أما الوقت فلا يجب البدار عقيب العقد وهل يجوز التأخير عن العتق فيه وجهان
أحدهما نعم لأن مقصوده أن يكون بلغة بعد العتق
والثاني لا لأن مقصوده أن يكون معونة على العتق
وأما مقداره فوجهان
أحدهما أنه أقل ما يتمول إذ ينطلق عليه اسم الإيتاء بخلاف المتعة فإنه قدر بالمعروف
والثاني أنه لا يكفي ذلك إذ الحبة لا يحصل بها لا بلغة ولا معونة بل لا بد من قدر يليق بحال السيد والعبد وقدر النجوم
ويظهر له أثر في التيسير والتخفيف وقد كاتب ابن عمر رضي الله عنه عبدا له بخمسةوثلاثين ألف درهم ثم حط عنه خمسة آلاف وهو تسع المال وإن كان السبع إلى العشر لائقا ولكن لا يتقدر به بل يجتهد القاضي عند النزاع فإن شك في مقداره فيتقابل فيه أصلان براءة ذمة السيد وبقاء الأمر بالإيتاء فليرجح
فرع
لو بقي من النجوم قدر لا يقبل في الإيتاء أقل منه فليس للسيد تعجيزه أصلا بل يرفعه إلى القاضي ليرى فيه رأيه
أما الجنس فليبرىء من بعض النجوم أو ليرد عليه مما أخذ منه أو من جنسه فإن عدل إلى غير جنسه فوجهان وجه المنع أنه تعبد فهم من قوله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } وعنى به النجوم فضاهى قوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } والأصح أن هذه معاملة فيتطرق العوض إليها
فرع
لو مات السيد قبل الإيتاء فهو في تركته لكن النص أنه يضارب به الوصايا وهو مشكل لأن حق الدين أن يقدم فلعله أراد به ما إذا قدر زيادة على الواجب فمات ومنهم من قال وجوب الإيتاء ضعيف فينقلب استحبابا بالموت ومنهم من قال أقل ما يتمول دين والزيادة إذا أوجبناها إنما أوجبنا لأنها لائقة بالحال ولا تليق بمابعد الموت فهو الذي أراد به الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه
المسألة الثانية إذا عجل النجوم قبل المحل أجبر السيد على القبول لأجل فك الرقبة كما يجبر في الدين الذي به رهن أما في سائر الديون المؤجلة فوجهان
ثم إنما يجبر على قبول النجم إذا لم يكن على السيد ضرر ومؤنة ولم يكن وقت نهب وغارة فإذا كان عليه ضرر لم يلزمه فإن كان النهب مقرونا بوقت العقد ففي الإجبار وجهان
وحيث يجبر فلو كان غائبا أو امتنع قبض القاضي عنه وعتق ويقبض النجم الأول وإن لم يكن فيه عتق أيضا لأنه تمهيد سبب للعتق
ولو قال لا آخذه فإنه حرام فالقول قول المكاتب ويجب أخذه ويعتق به
ثم يجب عليه رده إلى مالكه إن أضافه إلى مالك فإن لم يضف فهل ينتزع من يده فيه وجهان فإن قلنا لا ينتزع فلو كذب نفسه فالظاهر قبوله ويعود تصرفه فيه
فرع
إذا قال السيد عدل لي بعض النجوم لأبرئك عن البعض فقد نقل المزني رحمه الله في ذلك ترددا وجعل المسألة على قولين ومحل القولين مشكل لأن السيد إن قال إذا عجلت فقد أبرأتك فهو تعليق إبراء فاسد وإن قال العبد خذ هذا بشرط أن تبرئني فأداؤه بالشرط فاسد فلعل محل التردد أن يبتدىء العبد الأداء بالشرط فأداؤه فاسد لكن لو أبرأ السيد واستأنف العبد رضا في دوام القبض صار القبض صحيحا فلو لم يستأنف فهل نقول رضاه الأول كان رضاء بالإضافة إلى حالة الإبراء وقد تحقق فهل يكتفي به يحتمل فيه تردد
المسألة الثالثة في تعذر النجوم وله خمسة أسباب
الأول الإفلاس عند المحل وللسيد مبادرة الفسخ فإن لم يبادر فله الفسخ متى شاء وليس هذا على الفور ولو استمهل المكاتب لم يلزمه إلا بقدر ما يخرج المال من المخزن فإن كان ماله غائبا فله الفسخ ولو كان له عروض لا تشترى إلا بعد زمان فله الفسخ وقال الصيدلاني لا يفسخ وهو بعيد وإذا عجز عن البعض فله الفسخ والباقي سلم للسيد إلا ما كان من الزكوات فإنها ترد إلى أصحابها
الثاني إذا غاب وقت المحل فله الفسخ ولا يحتاج إلى الرفع إلى القاضي على الصحيح ولو كان أذن له في السفر فله أن يرجع ولكن لا يبادر الفسخ حتى يعرفه الرجوع عن الإذن فإن قصر بعد ذلك في الإياب والأداء فسخ
الثالث أن يمنع مع القدرة فله ذلك إذ ليس النجوم لازما على العبد بل الكتابة جائزة في جانبه لكن للسيد الفسخ وقال العراقيون ليس للعبد الفسخ لكن له أن لا يؤدي مع القدرة حتى يفسخ السيد وهو متناقض لأن العقد إن كان لازما فليجب الوفاء به
الرابع إذا جن العبد وقلنا لا ينفسخ على الأصح فالقاضي إن علم له مالا ورأى مصلحته في العتق أدى عنه وإن رأى أنه يضيع إن عتق فله أن لا يؤدي عنه وكلام الأصحاب يشير إلى أن السيد يستقل بالأخذ إذ ذكروا أن القبض من العبد المجنون يوجب العتق وفيه نظر إذ ربما لم يرضى بالعتق والأداء إذا أفاق إلا أن هذا لا فائدة فيه فإن السيد يقدر على إعتاقه بكل حال فأي فرق بين أن يأخذ كسبه عن جهة النجوم أو عن جهة رالرق
الخامس الموت وذلك يوجب انفساخ الكتابة وإن خلف وفاء لتعذر العتق بعد الموت
فرع
لو استسخر المكاتب شهرا وغرم له أجرة المثل فإذا حل النجم وعجز فله الفسخ وفيه وجه أنه يلزمه أن ينظره مثل مدة الإستسخار لأنه كان يتوقع اتفاق فتوح في ذلك الشهر فيعوضه بمثل تلك المدة فلعله يتحقق توقعه
المسألة الرابعة في ازدحام الديون ولها صور
الأولى أن يكون الدين للسيد فإذا كان له عليه دين معاملة ونجوم وفي يده ما يفي بأحدهما فلو تطوع السيد وأخذ عن النجوم عتق ودين المعاملة يبقى في ذمته وله أن يأخذ عن جهة المعاملة ويعجزه ولو أراد تعجيزه قبل أن يأخذ ماله عن جهة الدين ففيه وجهان
أحدهما له ذلك لان له طلبهما جميعا ويتضمن ذلك عجزه عن بعض النجوم لا محالة
والثاني لا لأنه قادر على النجوم وإنما تزول القدرة بإخلاء يده عن المال
فرع
لو قبض المال مطلقا وقصد السيد الدين وقصد العبد النجوم فالإعتبار بأي قصد فيه وجهان وتظهر فائدته في التحليف عند النزاع فإن القول قول من تعتمد نيته
الثانية أن يكون عليه دين معاملة وأرش لأجنبي وليس عليه للسيد إلا النجوم فإن لم يحجر القاضي بعد عليه فله أن يقدم أي دين شاء وإن حجر بالتماس الغير فالنص أنه يوزععلى الديون لأن كل واحد لو انفرد لاستغرق تمام حقه والذي ذهب إليه المحققون أن المقدم دين معاملة الأجنبي لأنه لا يجد متعلقا من الرقبة بخلاف الأرش والنجم ثم أرش الأجنبي يقدم على النجم لأنه يقدم على حق المالك حتى يباع فيه العبد
الثالثة أن يعجز المكاتب نفسه فتسقط عنه النجوم ويبقى للأجانب الأرش ودين المعاملة وفيه ثلاثة أوجه
أحدها وهو الصحيح أنه يقسم ما في يده عليهما بالسوية
والثاني أنه يقدم دين المعاملة لتعلق صاحب الأرش بالرقبة
والثالث وهو غريب أن يقدم الأرش ويقال لصاحب المعاملة قد قنعت بذمية فاتبعه إذا عتق وهذا يلزم طرده في الصورة الثانية وهو بعيد جدا
التفريع
إن قلنا يقدم المعاملة فلو مات المكاتب وخلف شيئا فالصحيح أنه يسوى بينه وبين الأرش إذ لم يبق طمع في الرقبة ليتعلق بها الأرش ومنهم من استصحب دين المعاملة
فرعان
أحدهما أن لمستحق الأرش تعجيز المكاتب حتى يفسخ الكتابة ويبيع الرقبة فلو أراد السيد فداءه لتستمر الكتابة لم يجب على المجني عليه قبوله لأنه إنما يتعلق بالرقبة بعد انفساخ الكتابة وإنما له الفداء عند التعليق وفيه وجه أنه يجب قبوله لغرض السيد في دوام الكتابةوأما صاحب دين المعاملة فليس له التعجيز على المذهب إذ ليس له طمع في الرقبة فلا فائدة له في التعجيز
الفرع الثاني لو كان للسيد دين معاملة ونجم فلا يضارب الغرماء بالنجم ويضارب بدين المعاملة لأنه لا يقضي من الرقبة وفيه وجه أنه لا يضارب لأن حقه على عبده ضعيف وعرضة للسقوط
المسألة الخامسة إذا كاتبا عبدا فليس للعبد أن يقضي نصيب أحدهما وحده لأن كل ما في يده كالمشترك بين السيدين لكن لو وكل أحدهما صاحبه بقبض نصيبه فإذا قبض الجميع عتق العبد ولو استبد بتسليم الجميع إلى أحدهما لم يعتق منه شيء لأن القابض لا يملك منه شيئا ما لم يملك شريكه مثله وفيه وجه أنه يعتق نصيبه إذ ليس عليه رفع اليد إلا عن النصف
ولو رضي أحدهما بتقديم الآخر بنصيبه فهل يصح الأداء فيه وجهان ينبنيان على نفوذ التبرع بإذن السيد وقيل ينبني على أن كتابة أحدهما بإذن صاحبه هل تصح في نصيبه وحده لأن هذا يؤدي إلى أن يعتق البعض وتبقى الكتابة في الباقي
التفريع
إن قضينا بفساد الأداء فهو رقيق ويسترد منه وإن قلنا صحيح فلا نقول بعتق نصيبه ويسري بل إن كان في يده وفاء أدى نصيب الثاني وعتق كله عليهما وإن عجز عن نصيب الثاني قال ابن سريج لا يشارك الأول فيما قبض بإذنه ولكن عتق على الأول نصيبه وهل يقوم عليه الباقي فيه الخلاف المذكور في سراية عتق الشريك في المكاتب وقال غيره بل يشاركه فيما قبض لأنه أذن في التقديم لا في التكميل ثم إذا شارك فلهما التعجيز بسبب الباقي ويرق العبد
فرع
لو ادعى أنه وفاه النجوم فصدقه أحدهما وكذبه الآخر فله أن يشارك المصدق فيما أقر بقبضه وله أن يطالب المكاتب بتمام نصيبه إن شاء ثم لا تراجع بين المكاتب والمصدق فيما يأخذه المكذب منهما إذ موجب قولهما أن المكذب ظالم ولا يرجع المظلوم إلا على ظالم
المسألة السادسة إذا كاتب عبدين فجاء أحدهما بمال ليتبرع بأداء نجوم الثاني وقلنا لا ينفذ تبرعه بالإذن فالمال للمؤدي لكن قد نص الشافعي رضي الله تعالى عنه أن المؤدي لو عتق بمال آخر لم يرجع إلى ذلك المال ونص على أن المكاتب لو عفا عن أرش جناية ثبت له على سيده فإذا عتق رجع فيه فقيل قولان بالنقل والتخريج بناء على أن تصرف المفلس إذا رد للحجر فإذا انقضت ديونه فهل ينفذ بعده

ولا خلاف أنه لو استرد قبل العتق ثم عتق لم يكن للسيد استرداده فإنما إنما ينفذ بعد العتق إذا لم يقبضه قبل العتق
أما إذا تكفل أحد العبدين بنجوم الآخر لم يصح لأن النجوم ليس بلازم على العبد فلا يصح ضمانه ولو شرط ضمان أحدهما للآخر فسد العقد
فرع
لو كانا متفاوتي القيمة وجاء المال ثم ادعى الخسيس أنهما أديا على عدد الرؤس وقال الآخر بل على قدر النجوم ففيه نصان مختلفان فقيل قولان
أحدهما أن القول قول من يدعي الإستواء لأنه كان في يدهما وهو الصحيح
والثاني القول قول الآخر لأن قرينة التفاوت في النجوم تشهد له وقيل بل المسألة على حالين فالقول قول من يدعي الإستواء إلى أن يقتضي ذلك في النجم الأخير استرداد شيء من السيد فالقول قول من ينكره
المسألة السابعة في النزاع وله صور
الأولى إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر النجوم أو في جنسه أو في مقدار الأجل تحالفا وتفاسخا وإن كان بعد حصول العتق بالإتفاق وفائدة الفسخ الرجوع إلى قيمة الرقبةأما رد العتق فغير ممكن وصورته أن يقبض منه ألفين ويدعي العبد أن بعضه وديعة وقال السيد بل النجوم ألفان
الثانية أن يختلفا في أصل الأداء أو في أصل الكتابة فالقول قول السيد فلو قال العبد لي بينة على الأداء أمهل ثلاثة أيام فإن أتى برجل وامرأتين قبل إلا في النجم الأخير ففيه وجهان لتعليق العتق به
الثالثة لو مات المكاتب وله ولد من معتقه كان ولاؤه لموالي المعتقة فلو قال السيد عتق قبل الموت وجر إلي ولاء أولاده فالقول قول مولى الأم إنه مات قبل العتق لأن الأصل عدم القبض واستمرار الولاء
الرابعة كاتب عبدين وأقر بأنه قبض نجوم أحدهما فلكل واحد أن يدعي فإن أقر لأحدهما ونكل عن يمين الآخر حتى حلف المدعي عتق هذا باليمين المردودة وعتق الأول بالإقرار وإن مات قبل البيان فللوارث أن يحلف على نفي العلم بما عناه المورث وإذا حلف استبهم فهل يقرع بينهما فيه قولان
أحدهما نعم لأنه عتق استبهم
والثاني لا لأنه دين استبهم من عليه ولأنه عتق عبد معين من عبدين وإنما تجري القرعة عند إعتاق العبدين جميعا وقصور الثلث عن الوفاء وإبهام العتق بينهما
لكن إذا قلنا لا يقرع فللوارث أن يعجزهما ليحصل تعجيز الرق منهما وبعد ذلك يستبهم عتق بين عبدين فلا تبعد القرعة
الحكم الثالث حكم التصرفات

أما تصرفات السيد ففيها خمس مسائل
الأولى بيع المكاتب كتابة فاسدة صحيح وهو رجوع وإن كانت الكتابة صحيحة فهو باطل على القول الجديد لأن العبد استحق عتقا عليه وفي بيع العبد نقل الولاء إلى غيره والقول القديم أنه يصح ويكون مكاتبا على المشتري إن أدى إليه النجوم عتق وله الولاء وإن عجز رق له
الثانية بيع نجوم الكتابة باطل لأن ضمانه أيضا باطل لعدم لزومه وفي الإستبدال عنه وجهان وخرج ابن سريج قولا أنه يصح بيعه
ثم إذا منعنا بيعه فقبض المشتري النجوم لم يعتق ويرد على المكاتب وفيه وجه أنه يعتق لأنه مأذون في القبض من البائع فكأنه وكيله فعلى هذا ترد النجوم على السيد إذا عتق عليه
الثالثة للسيد معاملته بالبيع والشراء ويأخذ الشفعة منه ويأخذ هو من السيد ويلتزم كل واحد الأرش عند الجناية على صاحبه فلو ثبت له على السيد دين مثل النجوم في قدره وجنسه عتق حيث نوى وقوع التقاص وفي أصل التقاص عند تساوي الدينين أربعة أقوال
أحدها أنه لا يقع مع الرضا لإنه إبدال دين بدين
والثاني يقع إن رضينا جميعا وكأنه يشبه الحوالة
والثالث أنه يقع إن رضي أحدهما كما يجبر أحد الشريكين على القسمة عند طلب أحدهما
والرابع أنه يقع التقاص لأن طلبه منه إذا كان هو مطالبا بمثله عنت ولعله الأصح وقال صاحب التقريب إن أجرينا التقاص في النقدين ففي ذوات الأمثالوجهان فإن أجرينا ففي العروض المتساوية وجهان ولا شك في أنه لا يجوز التقاص بين المكسر والصحيح والحال والمؤجل
الرابعة لو أوصى برقبة المكاتب لم يصح وإن عجز إلا أن يضيف إلى العجز فيقول إن عجز فقد أوصيت به لفلان ففيه وجهان مرتبان على ما لو قال إن ملكت ذلك العبد فقد أوصيت به لفلان وهذا أولى بالصحة لقيام أصل الملك
ولو أوصى بالنجوم لإنسان جاز فيما يخرج من الثلث فإن عجز فللوارث التعجيز وإن أنظر الموصى له وحيث تصح الوصية برقبته إذا عجز فللموصى له تعجيزه وإن أنظر الوارث وإنما يتعاطى القاضي تعجيزه إذا تحقق ذلك عنده
الخامسة إذا قال ضعوا عن المكاتب أكثر ما عليه ومثل نصفه والنجوم ثمانية مثلا فيوضع لأجل الأكثر أربع وشيء ولقوله مثل نصفه نصف الأربعة والشيء فيجوز أن يبقى عليه درهمان إلا شيئين
ولو قال ضعوا عنه ما شاء فشاء الكل لم يوضع بل لا بد من إبقاء شيء وإن قل وفيه وجه أنه يوضع الكل بخلاف ما لو قال ضعوا من نجومه ما شاء فإن من تقتضي التبعيض
أما تصرفات المكاتب فهو فيه كالحر إلا ما فيه تبرع أو خطر فوات
أما التبرع كالهبة والعتق والشراء بالعين والبيع بالمحاباة والضيافة والتوسع في المطاعم والملابس
وأما الخطر فهو كالبيع بالنسيئة وإن استوثق بالرهن فإنه لا يدري عاقبته وقد يجوز مثل ذلك في مال الطفل بالمصلحة ولكن ها هنا لا تطلب مصلحة المكاتب بل مصلحة العتق واليد ولذلك لا ترفع يد السيد عن المبيع قبل قبض الثمن ولا يهب بثواب مجهول ولا يكاتب ولا يتزوج لأنه يتعرض للنفقة والمهر ولا يتسرى إذ تتعرض الجارية للهلاك بالطلقولا يشتري من يعتق عليه ولا يتهب أيضا من يعتق عليه إلا إذا كان كسوبا لا تجب نفقته
وأما إقراره فيقبل كالمريض وكل ما منع إذا استقل فلو أذن فيه السيد فقولان
أحدهما الجواز لأن الحق لا يعدوهما
والثاني المنع لأن حق العتق ملحوظ أيضا وإذن السيد لا أثر له وقد استقل المكاتب بنفسه
فروع

الأول نكاحه بإذنه فيه القولان وقيل إنه يصح قولا واحدا لأنه من حاجته وهو ضعيف إذ لو كان كذلك لاستقل به ولجاز التسري ولأن للكتابة آخرا فإن الصبر إليه ممكن
الثاني في تزويج المكاتبة طريقان
أحدهما التخريج على القولين
والثاني الجواز قطعا إذ تستحق المه روالنفقة ولا يلزمها تسليم نفسها نهارا بل تكتسب كالأمة لا كالحرة وقيل إنه لا يجوز قولا واحدا وهو ضعيف
الثالث ذكر العراقيون في مسافرة المكاتب دون الإذن وجهين ثم منهم من طرد في كل سفر ومنهم من خصص بالسفر الطويل وقال هو انسلال عن لحاظ السيد بالكلية
الرابع لو وهب من السيد شيئا خرج على القولين وقيل يصح قطعا كما يعجل النجم الأول إليه ولا يعجل الدين إلى غيره
الخامس لو اتهب المكاتب نصف من يعتق عليه فكاتب عليه حتى يعتق بعتقه ويرق برقه فإن عتق فعتق النصف قال ابن الحداد يقوم عليه الباقي إن كان موسرا عند العتق لأنه مختار فيه وقال القفال لا يسري لأنه لم يسر عند حصول الملك فلا يسري بعده وهو الأصح
السادس لو اشترى من يعتق على سيده صح ثم إن عجز وانقلب إلى السيد عتق عليه ولو اتهب العبد القن دون إذن السيد ففيه وجهان فإن جوزنا فاتهب من يعتق عليه وهو غير كسوب لم يجز إلا بالإذن لأجل النفقة
وإذا اتهب نصف قريبه ففي وجه يصح ولا يسر وفي وجه لا يصح حذرا من السراية وفي وجه يصح ويسري لأن اختيار العبد كاختياره
ثم إذا صححنا قبول العبد فهل للسيد رده فيه وجهان فإن قلنا له رده فهو دفع لأصل الملك أو قطع من حين الرد فيه وجهان
السابع إعتاق المكاتب عبده بإذن سيده فيه طريقان
أحدهما التخريج على القولين
والثاني القطع بالمنع لما نذكره من إشكال الولاء
فإن قلنا ينفذ ففي الولاء قولان
أحدهما أنه للسيد لأن المكاتب رقيق وفائدة الولاء الميراث والتزويج وتحمل العقل وكل ذلك ينافيه الرق
والثاني أنه موقوف فإن عتق المكاتب يوما ما فهو له وإن مات رقيقا فهو للسيد
فعلى هذا لو مات المعتق بل موت المكاتب وعتقه وهو في مدة التوقف ففي ميراثه وجهان
أحدهما يوقف حتى يتبين أمر الولاء فيصرف إلى من يستقر عليه من السيد أو من المكاتب
والثاني أنه لبيت المال لأن ما يتبين من بعد لا يسند الولاء إلى ما مضى
فإن قلنا يثبت الولاء للسيد في الحال فإذا عتق المكاتب فهل ينجر إليه فيه وجهان
فرع
كتابة المكاتب عبده كإعتاقه فإن قلنا ينفذ فلو عتق والعبد الأول رقيق بعد ففي ولائه القولان المذكوران في الإعتاق
الثامن ليس للمكاتب أن يكفر إلا بالصوم فإن أذن السيد في الإطعام فعلى القولين وقيل يجوز إذا قلنا إن القن لا يملك والمكاتب أيضا لا يملك وإنما تصرفه بحكم الضرورة فلا يصح التكفير بالمال وهو ضعيف بل الصحيح أن المكاتب يملك
التاسع إذا استولد المكاتب جارية فولده مكاتب عليه وهل يثبت للأم علقة أمية الولد حتى تصير مستولدة إذا عتق فيه قولان والأصح أنه لا يثبت لأنها علقت بولد رقيق
الحكم الرابع حكم ولد المكاتبة إذا كان من نكاح أو زنا

وفيه قولان كما في سراية التدبير إلا أن ولد المدبرة لا يعتق بإعتاق الأم وهذا يعتق لأن أمة تعتق عن جهة الكتابة إذا عتقت ولذلك يستتبع الولد
فإن قلنا يسري فلحق الملك في الولد للسيد أو المكاتبة فيه قولان
أحدهما أنه للسيد كالأم
والثاني أنه للأم لأنه من كسبها
ويتفرع على هذا النفقة والكسب ولا شك أنه ينفق عليه من كسبه والفاضل منه يصرف إلى الأم إن قلنا لها الحق وإن قلنا للسيد لم يصرف إليه لأنه كسب مكاتبة فيوقف فإن عتق الولد تعتق الأم فالكسب له وإن رق سلم للسيد وفيه وجه أنه يصرف في الحال إلى السيد
فإن قلنا الكسب للأم فعليها نفقته إذا لم يكن كسب وإن قلنا موقوف للسيد فهي على السيد وقيل إنه على بيت المال لأنه يتضرر إن توقفنا في الكسب إذ يطالبه بالنفقة وكذلك إعتاق السيد ينفذ إن قلنا له حق الملك وإن قلنا للأم فلا كما لا ينفذ في عبد مكاتبه
وأما أرش الجناية عليه فهو كالكسب إلا أن يكون على روحه فإنه لا يمكن التوقف لانتظار العتق ففيه قولان
أحدهما أنه للسيد
والآخر أنه للأم
أما ولد المكاتب من جاريته فهو ككسب المكاتب فلا يتصرف السيد فيه لكن لو جنىالولد لم يكن للمكاتب أن يفديه لأنه لا يتصرف فيه بالبيع ويتصرف في مال الفداء وفيه ضرر وفداؤه كشرائه
إذا وطىء السيد المكاتبة فلا حد ولكن عصى ووجب المهر للشبهة فإن أحبلها وولدت وهي مكاتبة بعد فعليه قيمة الولد لها إن قلنا إن بدل ولدها القتيل يصرف إليها
ثم هي مستولدة ومكاتبة فإن عتقت بأداء النجوم فذاك وإلا بقيت مستولدة فتعتق بموت السيد ومهما أتت بالولد بعد العجز أو بعد العتق فليس لها قيمة الولد قولا واحدا
الحكم الخامس حكم الجناية

وفيه صور
الأول إذا جنى على سيده أو على أجنبي لزمه الأرش فإن زاد على رقبته فهل يطالب بتمام الأرش فيه قولان وجه قولنا لا يطالب أنه يقدر على أن يعجز نفسه فيرد حق الأرش إلى قدر الرقبه
الثانية جنى عبد من عبيد المكاتب فليس له فداؤه بأكثر من قيمته لأنه تبرع
الثالثة جنى المكاتب على أجنبي فأعتقه السيد فعليه فداؤه لأنه فوت الرقبة كما لو قتله ولو عتق بأداء النجوم فلا فداء عليه لأنه يجبر على القبول
الرابعة لو جنى على السيد فأعتقه سقط الأرش إن لم يكن في يده شيء لأنه لا يطالب عبد نفسه بالجناية بعد العتق وقال الإمام ينبغي أن يطالبه بعد العتق لأن المطالبة توجهت عند الجناية بخلاف القن
أما إذا كان في يده شيء فهل يتعلق بما في يده إن قلنا لا يتبع ذمته ذكر الأصحاب وجهين إذ شبه فوات رقبته بالعتق لما عسرت مطالبته بالفوات بالموت
الخامسة لو جنى ابن المكاتب فلا يفديه لأنه في معنى شرائه ولو جنى ابنه على عبده فهل يتبع الابن وجهان
السادسة لو قتل عبد المكاتب عبدا آخر فله أن يقتله قصاصا بغير الإذن للزجل وكذا لوكان القاتل عبدا أجنبي لم يلزمه طلب الدية وخرج الربع قولا أنه لا قصاص إلا بإذن السيد ويتعين طلب الأرش لحق السيد
السابعة لو جنى على سيده بما يوجب القصاص فللسيد استيفاء القصاص ولو قتل المكاتب مات رقيقا وللسيد طلب القيمة من القاتل
كتاب أمهات الأولاد

مذهب العلماء قاطبة في هذه الأعصار أن من استولد جاريته عتقت عليه بموته ولم يجز بيعها قبل الموت وللشافعي رضي الله تعالى عنه قول قديم وهو مذهب علي كرم الله وجهه أنه يجوز البيع فإن لم يتفق عتقت بالموت وقيل معنى قوله القديم أنها لا تعتق بل الإستيلاد كالإستخدام بإرضاع الولد لكن اختلف الأصحاب في أنه لو قضى قاض ببيع أمهات الأولاد هل ينقض قضاؤه وكأنهم يرون الإتفاق بعد الإختلاف قاطعا أثر الاختلاف ثم النظر في أركانه وأحكامه أما أركانه فأربعة
الأول أن يظهر على الولد خلقة الآدمي فإن كان قطعة لحم ففيه كلام مضى في العدة
الثاني أن ينعقد حرا فلو انعقد رقيقا لم يوجب الإستيلاد بعده
الثالث أن يقارن الملك الوطء فلو وطىء بالشبهة أو غر بجارية فولدت منه حرا فإذا ملكها بعد ذلك ففي الإستيلاد قولان
الرابع أن يكون النسب ثابتا منه وقد ذكرنا مظنة لحوق النسب
وأما أحكامه فهي كثيرة ذكرناها في مواضع متفرقة وننبه الآن على أمور أربعة
الأول أن ولد المستولدة من زنا أو نكاح يسري إليه حكمها فيعتق بموت السيد وإن ماتت الأم قبل موت السيد ولا يعتق بإعتاق السيد أمه بل بموته
وإذا فرعنا على أنه لو اشتراها بعد الإستيلاد صارت مستولدة فإنما يسري إلى ولد يحدث بعد الشراء وولدها قبل ذلك قن نعم لو اشتراها وهي حامل فالظاهر أن الإستيلاد يسري إلى الحمل ويجوز أن يخرج على سراية التدبير
الثاني تصرفات السيد كلها نافذة إلا إزالة الملك أو ما يؤدي إليها كالرهن فله الإجارة والإستخدام والتزويج بغير رضاها وفيه وجه أنه لا يزوج إلا برضاها ووجه أنها لا تزوج أصلا ووجه أن القاضي يزوجها برضاها ورضاء السيد والكل ضعيف
الثالث أرش الجناية على طرفها وزوجها للسيد ولو ماتت في يد غاصبها فعليه الضمان للسيد ولو شهد شاهدان على إقراره بالإستيلاد ورجعا بعد الحكم غرما للورثة عند عتقها بموت السيد ولم يغرما في الحال إذ لم يزيلا إلا سلطنة البيع وذلك لا يتقوم
الرابع مستولدة استولدها شريكان معسران فهي مستولدتهما فلو قال كل واحد ولدت مني أولا وهما موسران فهي مستولدة لكنا لا ندري أنها مستولدة من فلو ماتا عتقت ظاهرا وباطنا والولاء موقوف فإن مات أحدهما عتق نصيبه مؤاخذة له بإقراره
ولو كانا معسرين فماتا فلكل واحد منهما نصف الولاء إذ ليس يثبت لكل واحد إلا نصف الإستيلاد وحكى الربيع أن الولاء موقوف ها هنا أيضا وهو غلط والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآبتم الكتاب بحمد الله تعالى ومنه وحسن توفيقه
وقد وقع الفراغ منه على يد الفقير إلى الله تعالى الراجي رحمة ربه المعترف بذنبه إسحاق بن محمود بن ملكويه البشيا ابن خوامني البردجردي في الخامس من ربيع الأول سنة خمس وأربعين وستمائة بالقاهرة المحروسة
رحم الله من طالعه أو نظر فيه أو ترحم على كاتبه
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعترته وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا تم تدقيقه بحمد الله
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11