كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد

الصلاة والسلام من لم يجب الداعي فقد عصى أبا القاسم على أنه عصى في سيرته والاقتداء بمحاسن أخلاقه إذ قال صلى الله عليه وسلم لو أهدي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى قراع لأجبت ثم إن قلنا تجب الإجابة فيسقط الوجوب بأعذار
الأول أن يكون في الدعوة شيئ من المنكرات فإن كان يهاب ويرتفع ذلك بحضوره فليحضر وإلا فليمتنع فإن حضر ورأى ذلك ولم يقدر على التغيير فليخرج إذ الإقامة في مشاهدة المنكرات حرام
الثاني أن يكون في البيت المدعو إليه صورة مصورة للحيوانان أو على الستور والسقوف فإن ذلك حرام ولا بأس بصور الأشجار وأما صورة الحيوانات فلا يعفى عنها إلا على الفرش وما تحت الأقدام لا المنصوبة على صور الأصنام والوسادة الكبيرة في الصدر في حكم المنصوب وقد روت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم رأى في داره سترة عليها صور فكان يدنو منها وينصرف فعل ذلك مرارا ثم قال حطيها واتخذي منها نمارق ولا يجوز لبس الثياب وعليها صور الحيوان لا للرجال ولا للنساء وأما نسج تلك الثياب فجوزه الشيخ أبو محمد لأنه ينتفع به في الفرش إلا أن الظاهر تحريم ذلك لعموم الحديث حيث قال يحشر المصورون يوم القيامة ويقال لهم انفخوا الروح فيما خلقتم وما هم بنافخين ولا يخفف عنهم العذاب نعم لا يبعد أن يقال ما اتخذوه يجوز أن
يوطء بالأقدام وقد قال عليه الصلاة والسلام لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة والظاهر أن الدخول مكروه ومنهم من حرم ذلك
الثالث لو أحضر أكواما من الأراذل والسفلة وكانت مجالستهم تزري بمنصبه ومروءته فالظاهر أنه لا تجب الإجابة
الرابع أن الصوم ليس بعذر بل يحضر فإن صام عن فرض أمسك وإن كان عن نفل أفطر إلا إذا علم أنه لا يعز على الداعي إمساكه فعند ذلك يمسك أيضا
وحيث تجب الإجابة فإنما تجب إذا قصده الداعي فإن قال لغلامه ادع من شئت فلا تجب على من دعاه الغلام الإجابة
ولو دعا جماعة ولم يقصد الآحاد سقط الوجوب بحضور جماعة كرد السلام

الفصل الثاني في الضيافة

وفيه مسائل
الأولى أنه لا يعين طعاما في الضيافة بل الخيرة إلى المضيف لكن في الوليمة ينبغي أن ب 180 يتخذ يتأخذ ما يليق بمنصبه وحاله
الثانية أنه لا يفتقر إلى تصريح بالإباحة بعد إحضار الطعام وقيل لا بد من لفظ كقوله كلوا أو الصلاة
الثالثة الضيف يأكل ملك الغير بطريق الإباحة وله الرجوع وقيل إنه يملك لكن اختلفوا في وقته منهم من قال عند رفع اللقمة وقيل عند الوضع في الفم وقيل عند المضغ وقيل عند الازدراد نتبين أنه يملك مع الازدراد وقيل لا يملك أصلا وإنما هذه الترددات في وقت امتناع الرجوع عن الإباحة والقياس أنه لا يملك ولا يمتنع الرجوع إلا بالفوات
الرابعة زلت الصوفية حرام إلا إذا علم يقينا بقرينة الحال رضا المالك فإن تردد فيه فالظاهر التحريم
الفصل الثالث في نثر السكر والجوز

وفيه مسائل
إحداها أن النثر والالتقاط كلاهما مباحان لما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حضر إملاكا فقال أين أطباقكم فأتي بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت قال جابر فقبضنا أيدينا فقال عليه الصلاة والسلام ما لكم لا تأخذون فقالوا لأنك نهيتنا عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبي العساكر خذوا على اسم الله تعالى فجاذبنا وجاذبناه قال الشافعي رضي الله عنهترك ذلك أحب إلي وإنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للرخصة وبيانها فلا نقول إنه مكروه ولكن ربما يؤثر الناثر بعض الناس دون بعض فتركه أولى
الثانية ما وقع في الأرض فالحاضرون فيه سواء ويملكه من يبتدره ومن تثبت يده على شيء منه فلا يسلب بل هو كالصيد
الثالثة لو وقع في حجر إنسان وقد بسطه لذلك ملكه فإن سقط منه فهل لغيره أخذه فيحتمل أن يقال له ذلك وقرار أمره موقوف على استقراره في يده
أما إذا لم يبسطه لذلك فلغيره أخذه كما إذا عشش الطائر في داره ثم طار أما إذا وقع الصيد في الشبكة ثم أفلت فالظاهر أن ملكه لا يزول وفي وجه أنه في العرف لا يعد مستقرا
كتاب القسم والنشوز
وفيه مقدمة وستة فصول
أما المقدمة

فهي أن الحق في النكاح مشترك بين الزوجين وإن كان بينهما تفاوت قال الله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } إذ لهن النفقة والكسوه والمهر والقسم كما لهم عليهن الاستعداد للاستمتاع والتمكين والطاعة ولزوم قعر البيت حتى يمنعها عن زيارة الوالدين وتشييع جنائزهما وعيادتهما وإن كان الأولى أن يرخص في ذلك كيلا يؤدي إلى الوحشة وقطيعة الرحم
ولكن ليس للمنفردة في النكاح مطالبة الزوج بالمبيت عندها ولا بالوقاع اكتفاء بدواعي الطبع والأولى بالزوج أن لا يخليهن عن الإيناس والوقاع تحصينا لهن عن الفجور وقال أبو حنيفة رحمه الله لا بد وأن يبيت عندها في كل أربع ليال ليلةواحدة لأنه أقصى ما يمكن في حقه أربع نساء وذلك غير سديد بل لو كان له أربع نسوة فأعرض عن جميعهن لم يكن لهن مطالبته نعم إذا بات عند واحدة لزمه مثله في حق الباقيات
ولا قسم بين المستولدات والإماء ولا بينهن وبين المنكوحات بل له أن يفعل فيهن ما شاء وإن كان الأولى الإنصاف بينهن وترك الإيذاء لكن وجوب القسم من خاصية النكاح هذه هي المقدمة
أما الفصل الأول فيمن يستحق القسم ويستحق عليه

فنقول المريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة والتي آلى عنها زوجها أو ظاهرا وجميع أصناف النساء ممن بهن عذر شرعي أو طبعي يثبت لهن استحقاق القسم لأن هذه الأشياء تمنع الوطء ومقصود القسم السكن والأنس والحذر من التخصيص المؤذي
أما الناشزة فلا تستحق حتى لو كان يدعوهن إلى منزله فامتنعت واحدة في نوبتها سقط حقها إذ يجب عليهن الإجابة إلا إذا كان يساكن واحدة ويدعوا الأخرى فامتنعت فيحتمل ألا تجعل ناشزة حتى يجب عليه أن يأتيهن أو يدعوا جميعهن إذ مساكنة واحدة تخصيص موحش ويحتمل أن يترخص في هذا القدر من التخصيص
أما المسافرة بغير إذنه فناشزة وإن سافرت في غرضه بإذنه فحقها قائم وتستحق القضاء وإن كان في غرضها فقولان والجديد الصحيح
أنها لا تستحق القضاء لأنها مشغولة بغرض نفسها
أما من يستحق عليه فهو كل زوج حتى المجنون قال الشافعي رضي الله عنه على الولي أن يطوف به على ويحتمل أن يقال لا يجب على الولي ذلك إذ العاقل لو امتنع عن الكل جاز ذلك وكذا المجنون ولكن العاقل يكتفي بدعايته الباعثة والمجنونبخلافه فلا يبعد أن يجب على الولي ذلك
فإن قلنا يجب فعليه مراعاة البيتوتة وإن قلنا لا يجب على الولي ذلك فلو حمله إلى واحدة ليلة يلزمه مثل ذلك لغيره ويحتمل أن يقال التخصيص إنما يثقل من الزوج وهذا من الولي فلا يعظم ضرره
وأما السفيه فلا شك في وجوب القسم عليه لأنه مكلف
فرع لو كان يجن ويفيق وأمكن الضبط فلا يجوز تخصيص واحدة بالإفاقة وإن لم يمكن فأفاق في نوبة واحدة ففي كلام الشافعي رضي الله عنه ما يدل على أنه يقضي للأخرى يوم الجنون لنقصان حقها
الفصل الثاني في مكان القسم وزمانه وعدده

أما المكان فلا ينبغي أن يجمع بين الضرتين في مسكن واحد إلا أن تنفصل المرافق فإن ذلك ظاهر في الإضرار ولو كن في بيوتهن وكان يستدعي كل واحدة إلى منزله جاز وعليهن الإجابة
وأما الزمان فعماده الليل لأن الله تعالى جعل الليل سكنا إلا في حق الأتوني والحارس فالأصل في حقهما النهار وأما في حق العامة فالنهار تابع وتظهر التبعية في أمرين
أحدهما أنه لا يجوز له أن يدخل في نوبة واحدة على ضرتها إلا لضرورة كمرض مخوف أو مرض يمكن أن يكون مخوف فيستبين حقيقة الحال ليعود فارغ القلب وقيل إذا لم يتحقق أنه مخوف لم يجز الخروج
فإن خرج إليها بغير عذر عصى ويقضي لها من نوبة ضرتها إن بلغ مكثه ثلث الليل هكذا قدره القاضي حسين رحمه الله وهو قريب من التحكم بل وجه أن لا يقدر بل يجب عليه قضاء مثله كيفما كان لكن ظاهر المنقول أنه إذا لم يكن مكث فيقتصر على التعصية ولا يجب القضاء
وأما بالنهار فليس عليه ملازمة النساء إذ يشتغل بالكسب بل إذا أراد أن يعود إلى لوضوء أو طعام فيرجع إلى بيت صاحبة النوبة فإن دخل على ضرتها بالنهار ففيه ثلاث طرق
أحدها أنه كالليل
والثاني أنه أن ذلك لا حجر فيه لأن النهار تبع وهو وقت الانتشار وليس فيه استحقاق ملازمة حتى يفوت بسبب الدخول على الضرة
والثالث أن ذلك يجوز لغرض مهم وإن لم يكن بمرض مخوف ولا يجوز بالليل إلا بمرض مخوف
فإن تعود الانتشار في نوبة واحدة وملازمة الأخرى فيظهر المنع في ذلك
الأمر الثاني لو جامعها في نوبة ضرتها عصى بالاضرار ولكن إن جرى بالليل ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أن يقضي مثل تلك المدة إن طالت ولا يكلف الوطاء
الثاني أنه أفسد تلك الليلة فلو عاد إليها لا يعتد به لأن المقصود قد فات فيقضي تمام الليل وإن عاد إليها
والثالث أنه يلزمه قضاء الوقاع في نوبة الموطوءة فقط وإن جرى بالنهار احتمل الاقتصار على التعصية ويحتمل أن يجعل ذلك كالليل
فأما المقدار فأقله ليلة وإن أراد أن ينصف لم يجز لأنه يتنغص العيش إذا بتر الليل
وأما الأكثر فقد قال الشافعي رضي الله عنه وأكرمه مجاوزة الثلاث أي يجوزأن يبيت ثلاث ليال عند واحدة وثلاث عند أخرى ومنهم من قال لا يجاوز الثلاث إذ لا مرد بعده ومنهم من قال يجوز إلى السبع فإنه مدة ملازمة البكر أولا ومنهم من قال لا تقدير والاختيار إلى الزوج وإنما عليه التسوية فقط
فرع إذا قرر القسم على مقدار فالبداية ينبغي أن تكون بالقرعة وقيل هو إلى خيرة الزوج لأنه ما لم يبت عند واحدة لا يلزمه للأخرى حق
الفصل الثالث في التفاضل

وله سببان
الأول الحرية وللحرة ليلتان وللأمة ليلة لما روى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للحرة ثلثا القسم وللأمة الثلث وقال مالك يسوي بينهما وهو ضعيف للخبر ولأن حق الأمة فيه نقصان وقد يتضرر برق ولدها فله الحذر من ذلك
فرع لو طرأ العتق عليها نظر فإن كان قد بدأ بالحرة فلها ليلتان وللأمة ليلة فإذا عتقت في هذه الأيام الثلاثة إما في نوبة الحرة أو في نوبتها التحقت بالحرة الأصلية حتى تستحق استكمال يومين فإن عتقت بعد تمام يومها اقتصرت على يومها ووجب التسوية بعد ذلك
وإن بدأ بها فعتقت قبل انقضاء يومها صارت كالحرة الأصلية وإن عتقت بعد انقضاء يومها فقد تم استحقاق الحرة ليومين فوجب توفية اليومين ثم بعد ذلك يسوى بينهما
السبب الثاني في تجدد النكاح فإن نكح ثيبا فله أن يبيت عندها ثلاثا ولا يقضي للباقيات بل يسوي بعد ذلك ويبيت عند البكر سبعا ثم يسوي بعد ذلك فإن طلبت الثيب زيادة على الثلاث فأجابها بطل حقها من الثلاث ووجب قضاء الجميع للباقيات لما روي أنه صلى الله عليه وسلم أم سلمة وبات عندها ثلاثا فلما انقضت تعلقت به فقال إنه ليس بك على أهلك هوان وإن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثث عندك ودرت عليهن وشبه الأصحاب هذه المسألة بما لو استحق القصاص من المرفق فقطع من الكوع سقط حقه من أرش الساعد
ولا خلاف في أنه لو أقام باختياره دون التماسها لم يبطل حقها وبالغ الأصحاب في الاقتصار على الخبر وقالوا لا يبطل حقها إلا في صورة ورود الخبر حتى لا يبطل حق البكر من السبع أصلا وإن استزادت ولا حق الثيب إن قام عندها خمسا بالتماسها حتى يقيم السبع
وليس يبعد عندي أن يكون ذلك معللا بحسم باب التحكم والاقتراح عليها فيطرد ذلك في جميع الصور لكن هذا ما وجدته منقولا في المذهب
فرع لو كانت الجديدة أمة فلها مثل حق الحرة في الثلاث أو السبع لأن هذا يرادلحصول الألفة والأنس وذلك يتعلق بالطبع كمدة العنة ليستوي بينهما وفيه وجه أنه ينصف
ثم سبيل التنصيف هاهنا تنصيف الليلة ولا نبالي بذلك بخلاف الأقراء في العدة فإنه لا يقبل التنصيف
الفصل الرابع في الظلم ووجوب القضاء

وفيه ثلاث مسائل
الأولى لو كان تحته ثلاث نسوة فبات عند اثنتين عشرين ليلة بالسوية فقد استحقت الثالثة عشر ليال فيقضيها على الولاء وليس عليه أن يفرق فيبيت عندها ليلتين وعند كل واحدة ليلة لأن هذا حق مجتمع في ذمته فليقضه من غير تأخير ومن ضرورته الولاء
فلو كانت المسألة بحالها فنكح جديدة فلها الثلاث أو السبع ويشتغل بالقضاء بعد ذلك ولكن لو أقام عند المظلومة عشر ليال لصارت الجديدة مظلومة فسبيله أن يبيت عند المظلمومة ثلاث ليال وعند الجديدة ليلة وهكذا حتى تنقضي ثلاث نوب وقد وفاها تسع ليال واعترض إشكال وهو أنه لو بات العاشرة للقضاء ثم استأنف القسم لم تعد النوبة إلى الجديدة إلا في خمس ليال وذلك ظلم عليها قال الشيخ أبو محمد هذا القدر من الظلم ينبغي أن يحتمل للضرورة وقال غيره سبيل العدل إذا بات عندها العاشرة أن يبيت عند الجديدة بعده ثلث ليله ثم يخرج إلى صديق أو مسجد بقية الليل حتى يندفع الظلم إذيثبت بهذه الليلة للجديدة مثل ما يثبت للأوليين وحصة كل واحدة من الأوليين من هذه الليلة الثلث ولها أيضا ثلث الليل فيوفيها في ليلة أخرى ويستقيم الحساب من ليلة وثلث
الثانية إذا بات عند واحدة نصف ليلة فأخرجه السلطان أو خرج قصدا يلزمه أن يبيت عند ضرتها نصف ليلة ثم يخرج في مثل ذلك الوقت إلى صديق ويحتمل التنصيف في القضاء ثم بعد ذلك يستأنف الحساب
الثالثة إذا وهبت واحدة نوبتها صحت الهبة ولها الرجوع متى شاءت في المستقبل فلو بات ليلة بعد الرجوع وقبل بلوغ الخبر لم يلزمه القضاء كما لو أباح تناول ثمار بستان ثم رجع فما تناول قبل بلوغ الخبر فلا ضمان فيه ومنهم من قال مسألة القسم تخرج على القولين في عزل الوكيل
ثم لهبتها ثلاث صيغ

الأولى أن تهب نوبتها من واحدة فليس للزوج أن يقول أسقطت حقك فأنا أصرف الليل إلى من شئت بل هو هبة بشرط فيجب الاتباع وكذلك فعلت سودة ووهبت نوبتها من عائشة رضي الله عنها
فلو أبت الموهوب منها فللزوج أن يقهرها على ذلك إذ ليس هذه هبة منها حتى تفتقر إلى القبول بل هي هبة من الزوج ولذلك يجوز للزوج أن يمتنع ويبيت عند الواهبة قهرا ثم قال العراقيون إن كانت نوبة الموهوب منها متصلة بنوبة الواهبة بات عندها ليلتين وإن لم يكن فهل له أن يوصلها عندها بين ليلتين عندها فيه وجهان
الصيغة الثانية أن تقول وهبت منك مطلقا فقد صارت كالمعدومة فيسوي بين الباقيات
الصيغة الثالثة أن تقول وهبت منك فخصص من شئت منهن فالظاهر أنه ليس له التخصيص فإن هذا يورث الغيظ بخلاف ما إذا وهبت من واحدة
فرع إذا ظلمها بعشر ليال مثلا وجب القضاء فإن طلقها تعذر القضاء وبقيت المظلمة إلى القيمة فإن راجعها وجب القضاء فإن أبانها ثم جدد النكاح ووجب القضاء أيضا وقيل يثنى على عود الحنث وهو ضعيف لأن المظلمة باقية فلا بد من التقضي وإنما يمكن القضاء إذا عادت وعنده تلك النسوة التي ظلمها بهن فإن نكح جديدات فلا يمكن القضاء إلا بظلم الجديدات فقد تعذر القضاء
الفصل الخامس في المسافرة بهن

فنقول من أنشأ سفرا في حاجة على قصد الانصراف عند نجاز حاجته فعليه أن يقرع بينهن فإذا استصحب واحدة بالقرعة لم يلزمه قضاء أيام السفر للمخلفات لما روت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه واستصحب واحدة ثم ظهر أنه كان إذا عاد يدور على النوبة فصار سقوط القضاء من جملة رخص السفر على خلاف القياس وقال أبو حنيفة رحمه الله يجب القضاء
وهذه الرخصة وردت مقرونه بأربعة أوصاف مؤثرة فلا يجوز حذفها
الأول أن عليه السلام أقرع فمن استصحب واحدة بغير قرعة لزمه القضاء وعصى بالتخصيص وهذا كما أنه لو أقام عند واحدة لتمريضها قضى للباقيات إن سلمت وإن ماتت فقد فات القضاء لأنه لم يبقى لها نوبة حتى يقضي منها نعم لا يعصى إن كانالمرض مخوفا ولا ممرض سواه
فإن كان مخوفا ولها ممرض سواه أو لا ممرض ولكن ليس بمخوف ففي جواز الإقامة عندها بهذا العذر وجهان
الثاني أن لا يعزم على النقلة فيحرم أن يعزم على النقلة ويخلف نساءه لأنه لا يطالب بالتحصين اكتفاء بداعية الطبع وإذا انتقل انقطع ذلك فإن استصحب واحدة ولو بالقرعة عصى ولزم القضاء للباقات وعليه الرجوع وهل يلزمه القضاء لأيام الرجوع وهومشتغل بامتثال الأمر فيه وجهان والظاهر وجوبه
الثالث أن يكون السفر طويلا ليكون تعبها ومشقة السفر في مقابلة ما فازت به من الصحبة فأما السفر القصير فهو بالتفرج أشبه فلا يسقط القضاء فلا يكون في معنى مورد الخبر وقال الشيخ أبو محمد يحتمل أن يلحق هذا بالرخص الذي يفيده السفر القصير
الرابع أن لا ينتظر في مقصده لإنجاز حاجته فإن عزم الإقامة بها مدة لزمه قضاء تلك الأيام لأن تعب السفر قد انقطع فيه متودعة فكيف تفوز بالصحبة وإن لم يعزم على الإقامة لكن أقام يوما واحدا مثلا فهذا القدر تابع للسفر فلا قضاء فيه وإن كنا نرى أنه لا يترخص بالفطر وغيره وإن طالت إقامته من غير عزم ولكن في انتظار نجاز الحاجة ففيترخصه خلاف فإن قلنا يترخص فلا قضاء وإن قلنا لا يترخص فيلزمه القضاء
فروع ثلاثة
الأول لو لزمه قضاء أيام الإقامة بالعزم فإذا توجه للرجوع ففي لزوم قضاء أيام الرجوع وجهان
أحدهما أنه لا يجب لأن عزم الإقامة يؤثر في أيام الإقامة
والثاني أنه يجب لأنه إنما سقط قضاء أيام الرجوع رخصة بشرط أن لا يكون له عزم إقامة فإذا عزم فقد أفسد الرخصة فنرجع إلى القياس وقد قيل إنه كما نقض العزم سقط عنه القضاء وإن لم ينهض للرجوع وهو وجه ثالث ضعيف
أما إذا كان عزم على الإقامة ثم أنشأ سفرا آخر مستدبرا وطنه فإن لم يكن عزم عليه في أول السفر لزمه القضاء لأنه سفر بغير قرعة وإن كان عزم عليه ففيه وجهان مرتبان على أيام الرجوع وهاهنا أولى بوجوب القضاء لأنه فيه غير متوجه إلى الامتثال بالرجوع
الثاني لو استصحب اثنتين بالقرعة فعليه التسوية بينهما في السفر فلو ظلم إحداهما بالأخرى قضى لها من نوبتها إما في السفر وإما في الحضر ولو أراد أن يخلف إحداهما في بعض المنازل بالقرعة جاز له ذلك ولو نكح في الطريق جديدة خصصها بثلاث أو سبع ثم عدل بينها وبين المستصحبات ولو خرج وحده ثم نكح في الطريق لم يلزمه القضاء للباقيات لأنه تجدد حقها حيث لم يكن عليه التسوية ولا يظهر الميل بإيثارها
الثالث لو كان تحته امرأتان فنكح جديدتين فخرجت القرعة على إحدهما فسافر بها اندرج حق الجديدة المسافرة في صحبة السفر إذا انقضت أيامها في السفر فإذا عاد إلى الوطن فهل يبقى حق الجديدة المخلفة فيه وجهان
أحدهما لا لأن أيامها قد انقضت
والثاني نعم لأن ذلك لإزالة التوحش والتوحش قائم والتي في السفر قد أنست بصحبة السفر
وهذا فيه إذا زفت إليه الجديدتان ثم سافر أما إذا لم تزف إليه فحق المخلة قائم قطعا
الفصل السادس في الشقاق بين الزوجين

وله ثلاثة أحوال
الأول أن يكون التعدي منها بالنشوز ومعنى نشورها أن لا تمكن الزوج وتعصي عليه في الامتناع عصيانا خارجا عن حد الدلال بأن كان بحيث لا يمكن الزوج حملها على الطاعة إلا بتعب فإن كانت تؤذيه بالشتم وبذاءة اللسان وغير ذلك فليست ناشزة لكنها تستحق التأديب وهل له أن يؤدبها أم يرفع الأمر إلى القاضي فيه تردد
ثم حكم النشوز سقوط النفقة وتسلط الزوج على ضربها لكن قال الله تعالى { فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } فمنهم من حمل على الجمع ومنهم من حمل على الترتيب والصحيح أنه إن غلب على ظنه أنها تنجر بالوعظ ومهاجرة المضطجه لم يجز الضرب وإن علم أن ذلك لا يزجرها جاز الضرب والأولى ترك الضرب بخلاف الولي فإن الأولى به أن لا يترك الضرب فإن مقصوده إصلاح الصبي لأجل الصبي وهذا يصلح زوجته لنفسه ولذلك كان ضرب الزوج مقيدا بشرط سلامةالعاقبة فلو أفضى إلى فساد عضو أو روح فعليه الضمان وله أن يضربها وإن أمكنت من الجماع إذا منعته غير ذلك من الاستمتاعات
وهل تسقط نفقتها مع الوقاع فيه تردد وأقرب مثال فيه تسليم السيد الأمة ليلا واستخدامها نهارا وذكرنا فيه خلافا
الحالة الثانية أن يكون التعدي منه بالضرب وسوء الخلق فلا سبيل إلا الحيلولة حتى يعود إلى حسن المعاشرة وإنما يعول فيه على قولها أو على قرائن أحوال وشهادات تدل عليه كما يستبرأ حال الفاسق إذا أظهر التوبة فأما مجرد قوله فلا يعول عليه
الحالة الثالثة أن يشكل الأمر فلا يدري من المتعدي فقال قال تعالى { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما }ومقصود الحكمين أن يصلحا بينهما إن أنمكن أو يفرقا
وهل هما وكيلان من جهة الزوجين فيوقف تصرفهما على إذنهما أم هما متوليان من جهة القاضي حتى ينفذ تفريقهما بالطلاق على الزوج وبإلزام المال على المرأة عند استصوابها الخلع فيه قولان الأول وهو القياس أنهما وكيلان إذ يتعد دخول الطلاق تحت الولاية
والثاني أنهما متوليان لما روي أن عليا كرم الله وجهه بعث حكمين بين زوجين فقال أتدريان ما عليكما عليكما إن رأيتما أن تفرقا وإن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا فقال الزوج أما الطلاق فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت
ويدل عليه أيضا تسميتهما حكمين فإنه إذا كان مسخرا لا ينفذ حكمه فكيف يسمى حكما فعلى هذ القول إن توافقا لم يجز لهما التفريق
وإن غاب أحدهما أو سكت ففي جواز التفريق وجهان منهم من شرط لنفوذ حكمهما قيام الخصومة في الحال ثم لا بد على هذا القول في الحكمين من العدالة والهداية إلى المصالح ولا يشترطمنصب الاجتهاد وكذلك في كل أمر معين جرى يفوضه القضاة إلى الآحاد
ولا يشترط أن يكونا من أهلهما بل ذلك أولى إذا وجدا فإنهما أعرف ببواطن أحوالهما والله أعلم وأحكم
كتاب الخلع
وفيه أبواب
الباب الأول في حقيقة الخلع ومعناه وفيه فصلان
الأول في أثره في النكاح وألفاظه

أما أثره ففيه قولان
أحدهما أنه طلاق محوج إلى التحليل إذا تكرر ثلاثا وهو مذهب عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومذهب أبي حنيفة والمزني رحمهما الله
والثاني وهو القديم والمنصور في الخلاف أنه فسخ
وحقيقة الخلاف راجع إلى أن النكاح هل يقبل الفسخ تراضيا فعلى قول يقبل قياسا على البيع
ثم ألفاظه ثلاثة الخلع والفسخ والمفاداة
أما لفظ الخلف فصريح في الفسخ على هذا القول ولا يحتاج إلى النية لأن شاع في لسان حملة الشريعة لإرادة الفسخ وتكرر فصار كلفظ الفراق والسراح الذي تكرر في القرآن
وأما الذي شاع في لسان العامة كقوله حلال الله علي حرام فهل يصير صريحا في الطلاق فيه خلاف ظاهر
وأما لفظ الفسخ فالظاهر أنه صريح في مقصود الفسخ لا يحتاج إلى النية وفيه وجه بعيد أنه يحتاج إلى النية بخلاف لفظ الخلع فإن ذلك تداولته ألسنة حملة الشريعة ولفظ الفسخ في النكاح غير مستعمل إلا إذا جرى عيب أو سبب
أما لفظ المفاداة ففيه وجهان مأخذهما أنه ورد به القرآن في قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ولكن لم يتكرر وكذا الخلاف في لفظ الإمساك في الرجعة ولفظ الفك في العتق فإذا الصريح قطعا لفظمتكرر في القرآن أو متكرر على لسان حملة الشريعة أما ما تكرر على لسان العامة أو ورد به القرآن ولم يتكرر ففيه خلاف
ثم إذا جعلنا الخلع صريحا في الفسخ على هذا القول فلو نوى به الطلاق لم ينقلب طلاقا على الأظهر لأنه وجد نفاذا في موضعه صريحا فلا تؤثر فيه النية كما لو نوى الطلاق بلفظ الظهار فإنه لا يصير طلاقا وهذا بخلاف ما لو قال إنها علي حرام ونوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق وإن كان مطلق هذا القول صريحا في التزام الكفارة لكنه لا اختصاص له بالنكاح إذ يجري في الأمة المملوكة ولفظ الخلع يختص بالنكاح
أما إذا قدر الزوج على فسخ النكاح بعيبها مثلا فقال فسخت ونوى به الطلاق فيحتمل أن لا ينصرف إلى الطلاق لأنه وجد نفاذا فيما هو صريح فيه وقال القاضي يقع الطلاق لأنه لا اختصاص للفظ الفسخ بالنكاح فيحتمل أنيصرف إلى الطلاق
أما إذا فرعنا على الصحيح وهو أن النكاح لا يقبل الفسخ فلفظ الفسخ كناية في الطلاق وفي لفظ المفاداة وجهان كما سبق على قول الفسخ وفي لفظ الخلع قولان
أحدهما أنه كناية أيضا لأن صرائح الطلاق ثلاثة وهي التي تكررت في القرآن الفراق والسراح والطلاق
والثاني وهو الذي نص عليه في الإملاء أنه صريح لأنه تكرر في لسان حملة الشرع لإرادة الفراق فالتحق بالمتكرر في القرآن ومنهم من قال مأخذه أن ذكر المال هل ينتهض قرينة في إلحاق الكناية بالصريح حتى لو خلا عن ذكر المال كان كناية قطعا وهذا المأخذ ضعيف إذ قرينة الغضب والسؤال وغيره لا تغير الكنايات عند الشافعي رضي الله عنه فكذلك قرينة المال
أما إذا جرى الخلع من غير ذكر المال فمطلقه هل ينزل على اقتضاء المال فيه وجهان
أحدهما نعم لاقتضاء العرف ذلك
والثاني لا لأن لم يتلفظ به
ويجري الخلاف فيما لو قارض رجلا على أن يتجر ولم يشترط الربح أنه هليستحق أجر المثل واختار القاضي أنه يقتضي المال تشبيها للخلع بالنكاح وتعليله بالعرف أولى من التشبيه بالنكاح المخصوص بالتعبد
فإن قلنا يثبت المال وهو الصحيح فالثابت هو مهر المثل إن جعلناه فسخا أو صريحا في الطلاق وإن جلناه كناية في الطلاق ونوى فهو كالصريح وإن لم ينو لغا ولم يؤثر
أما إذا قلنا لا يثبت المال فإن جعلناه فسخا لغا إذ لا فسخ إلا على عوض وإن جعلناه طلاقا صريحا أو جرت النية فهو طلاق رجعي إذ لا مال ولكن يتصدى أمران
أحدهما أن الرجعي لا يفتقر إلى قبولها فهذا هل يفتقر فيه وجهان
أحدهما لا أنه لا مال
والثاني نعم لأن اللفظ يستدعي القبول ولا يبعد ذلك فإنه لو خالع السفيهة لا ينفذ إلا بقبولها ثم يكون الطلاق رجعيا إذ لا يصح التزامها المال
وهذا إنما يظهر في قوله خالعت فلو قال خلعت فيبعد انتظار القبول وكذا لو قال خالعت ولم يضمر التماس جوابه فيكون كقوله قاطعت وفارقت
الأمر الثاني أنه إن أضمر الرجل المال فيبعد إيقاع طلاق من غير مال ففيه وجهان
أحدهما أنه لا أثر لنية المال فهو كما إذا لم ينو
والثاني أنه يؤثر حتى لا يقع من غير ثبوت المال وإنما يثبت المال إذا نويا جميعا المال فإن لم تنو المرأة فلا يقع الطلاق أصلا
وهذا بيان هذه الاختلافات والأولى في الفتاوى أن نجعل الخلع طلاقا ونجعله صريحا فيه ونجعل الخالي عن العوض مقتضيا للعوض بحكم العرف ونجعله صريحا أيضا ونطرح بقية الاحتمالات وإن كان لها بعض الاتجاه أما جعل الخلع فسخا فبعيد في المذهب والقياس إذ لا خلاف أن الزوح لا يستقل بالفسخ ولو قبل النكاح الفسخ لكان لا يمنع بسببها كما لا يمنع الطلاق وفيه إبطال حقها ولأنه لا خلاف أن الخلع قبل المسيس مشطر وأنه يجوز إيراده على عوض جديد وكل ذلك يناقض معنى الفسخ
الفصل الثاني في معنى نسبة الخلع إلى المعاملات

فنقول إن جعلناه فسخا فهو معاوضة محضة شبيهة بالنكاح وإن جعلناه طلاقا أو جرى الطلاق على مال فهو من جانب الزوج تعليق فيه مشابه المعاوضات ومن جانبها معاوضة محضة فيها فيها مشابه الجعالة ولا نعني بذلك أن الحكم الواحد يتركب من أصلين فإن ذلك متناقض بل تجري بعض الأحكام على قاعدة التعليق وبعضه على قانون المعاوضة وشرح ذلك من جانبه يستدعي تفصيل الصبغ وله صيغ
الأولى صيغة المعاوضة وهو أن يقول طلقتك على ألف أو أنت طالق على ألف فتتمحض في هذه الصيغة قضية المعاوضات ويظهر ذلك في أربعة أمور
أحدها أنه لو رجع قبل قبولها لم يقع الطلاق كما في البيع
والثاني أنه لا بد من قبولها باللفظ
والثالث أنه لا بد من القبول في المجلس على الاتصال
والرابع أنه لو قال طلقتك ثلاثا على ألف فقالت قبلت واحدة على ثلث الألف لم يقع كما إذا قال بعتك هذا العبد بألف فقال قبلت ثلثه بثلث الألف فإنه لا يصح ولو قبلت واحدة على كمال الألف فالأصحأنه يقع لأنها وافقت في العوض وليس إليها عدد الطلاق بخلاف ما لو باع عبدين بألف فقبل أحدهما بالألف فإن الأصح فيه أنه لا يصح لأن الملك مقصود للمشتري والطلاق لا يدخل في ملكها ثم قال ابن الحداد لا يقع إلا واحدة لأنها لم تقبل إلا واحدة وقال القفال يقع الثلاث لأن قبولها يعتبر للعوض فقط
ثم الصحيح أنه يستحق المسمى وعن ابن سريج أنه يستحق مهر المثل
الصيغة الثانية أن يصرح بالتعليق فيقول متى ما أعطيتني ألفا فأنت طالق فهذا تعليق محض من جانبه فلا يحتاج إلى القبول لفظا ولا إلى الإعطاء في المجلس ولا له الرجوع قبل الإعطاء
الثالثة أن يقول إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فلا يصح رجوعه ولا يفتقر إلى قبولها لفظا ولكن يختص الإعطاء بالمجلس لأن قوله متى ما صريح في تجويز التأخير وهذا متردد وقرينه العوض تشعر باستعجاله في المجلس فيختص به ولا تطلق بالإعطاء بعد ذلك
أما جانب المرأة فاختلاعها معاوضة نازعة إلى الجعالة لأن الطلاق ليس إليها حتى يتطرق إلى جانبها مشابة التعليق وإنما إليها بذل المال في مقابلة ما يستقل الزوج به إن شاء
وفائدة هذا أن لها الرجوع في جميع الصور قبل الجواب حتى لو أتت أيضا بصيغة التعليق وقالت إن طلقتني فلك ألف ثم رجعت قبل القبول جاز ويختص الجواب أيضا بالمجلس فلو طلقها بعد ذلك لم يلزمها العوض حتى لو قالت متى ما طلقتني فلك ألف فطلقها بعد مدة حمل ذلك على الاستقلال لا على الجواب لأنه قادر على الابتداء وإنما ينصرف إلى الجواب بقرينة التخاطب المعتاد في المجلسوإنما نزوعها إلى الجعالة يظهر من شيئين
أحدهما أنه احتمل صيغة التعليق منها بأن تقول إن طلقتني فلك ألف كما تقول إن رددت عبدي الآبق لأنها التمست ما يستقل الزوج به ويحتمل التعليق بالأغرار
الثاني أنها لو قالت طلقني ثلاثا على ألف فقال طلقتك واحدة استحق الثلث كما إذا قال إن رددت عبيدي الثلاث فلك ألف فرد واحدا استحق الثلث
وكذلك لو قالتا طلقنا على ألف فطلق واحدة استحق نصفها عليها وهذا بخلاف ما لو قال الرجل طلقتك ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة على ثلث الألف لم يقع الطلاق لأن ما أتى به صيغة المعاوضة فالتحقت بالمعاوضة وما أتت به صيغة ضاهت الجعالة فالتحق بها
ولو قال الزوج ابتداء خالعتكما على ألف وقبلت واحدة منهما لم يصح بلا خلاف لأن الجواب لم يوافق الخطاب بخلاف ما إذا قالتا طلقتنا فأجاب إحداهما نفذ لأن ذلك مأخوذ من الجعالة وكذلك إذا باع عبدا من رجلين فأجاب أحدهما وقبل النصف لم يصح على المذهب وإن شغب أصحاب الخلاف بمنع فيه
ولو قال خالعتك وضرتك فقبلت صح لأنها العاقدة وحدها وإنما المتعدد المعقود عليه فقط ولو تخلل بين إيجاب الخلع وقبوله كلام يسير لم يضر
وقد قال الشافعي رضي الله عنه لو قالتا طلقنا وارتدتا فأجابها ثم عادتا إلى الإسلام صح الخلع وإن تخلل كلمة الردة إلا أن هذا كلام من المخاطب بعد تمام خطابه وإنما النظر في كلام القابل بعد الإيجاب وقبل القبول والله أعلم
الباب الثاني في أركان الخلع

وهي خمسة الصيغة والعاقدان والعوضان وإذا تطرق الخلل إلى واحدة منها فسد الخلع ومعنى فساده أن يمتنع وقوع الطلاق ولفظ البطلان بهذا أحق أو ينقلب الطلاق رجعيا أو تنفذ البونه ويفسد العوض ولفظ الفساد بهذا أحق وتفصله بشرح الأركان
الركن الأول الموجب وشرطه أن يكون مستقلا بالطلاق فخلع الصبي باطل وخلع العبد صحيح والعوض يدخل في ملك سيده قهرا فهذا كالاكتساب
وخلع المحجور بالفلس والسفة صحيح لأن طلاقه ينفذ من غير مال فهو مع المال أولى ولا حجر عليهم في مقدار العوض وإن نقص عن مهر المثل إذ ينفذ طلاقهم مجانا إلا أن المختلعة من السفيه لا تبرأ عن العوض إلا بالتسليم إلى الولي فإن سلمت إلى السفيه لم تبرأ
الركن الثاني العاقد

وشرطه أن يكون أهلا لالتزام المال غير محجور عليه
وأسباب الحجر خمسة

الأول الرق فإذا اختلعت الأمة بإذن سيدها بعين ماله صح واستحق الزوج عين المال وإن اختلعت بدين هل يكون السيد ضامنا بالإذن فيه خلاف كما في نكاح العبد وإن استقلت بالاختلاع فسد الخلع ونفذت البينونة وتعلق مهر المثل بذمتها تطالب به إذا أعتقت وفيه وجه أنه تطالب بالمسمى إذا عتقت ويصح المسمى وهو ملتفت إلى الوجه المذكور في صحة شراء العبد وضمانه وتعلقه بذمته
السبب الثاني حجر المكاتبة والتزامها المال في الخلع تبرع فإن استقلت فهي كالأمة وإن اختلعت بإذن السيد يبنى على أن تبرعها هل ينفذ بإذن السيد وإنما جعل تبرعا لأنه لم يحصل في مقابلته مال
السبب الثالث الحجر بالسفة وإذا اختلعت السفيهة ولو بإذن الولي لم يثبت المال للحجر وامتنع الخلع ونفذ طلاقا رجعيا إذا قبلت لأن لفظها صحيح في القبول ولا بد من القبول لاقتضاء الصيغة ذلك
السبب الرابع الحجر بالصبي فلا يصح اختلاع الصبية لفساد لفظها فيالقبول بخلاف السفيهة ومنهم من قال يقع الطلاق ها هنا أيضا رجعيا ويكون كما لو قال للصبية أنت طالق إن شئت فقالت شئت لأن قبول قول السفيهة أيضا ساقط في الالتزام
السبب الخامس الحجر بالمرض ويجوز اختلاع المريضة بمهر المثل ولا يحتسب من الثلث إذ غايتها أنها صرفت المال إلى أغراضها في حياتها ولها ذلك بخلاف السفيهة والمكاتبة وهو كما لو نكح المريض أبكارا بمهور أمثالهن وهو مستغن عنهن جاز ذلك
وأما الزيادة على مهر المثل فيحسب من الثلث وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه أصل المهر يحسب من الثلث
الركن الثالث المعوض

وهو البضع وشرطه أن يكون مملوكا للزوج فلا يجوز للزوج مخالعة
المختلعة وإن كانت بعد في العدة إذ لا ملك ووافق على هذا أبو حنيفة رحمه الله وإن خالفنا في لحوق الطلاق إياها
وأما المرتدة بعد المسيس إذا خالعها صح إن عادت إلى الإسلام قبل انقضاء العدة وإن أصرت تبين الفساد وله التفات إلى وقف العقود
وأما الرجعية ففي مخالعتها قولان
أحدهما أنه يصح لأن الملك قائم
والثاني لا لأنه لأجل والطلقة الثانية لا تفيد في حقها أمرا جديدا فينفذ طلاقا رجعيا كما في السفيهة
وفيه وجه آخر أنه يصح مخالعتها بالثالثة دون الثانية إذ الثانية لا تفيدها شيئا جديدا وهو بعيد
الركن الرابع العوض

وشرطه أن يكون متمولا معلوما وبالجملة يشترط فيه شرائط المبيع والثمن فإن خالع على مجهول فسد العوض ونفذت البينونة والرجوع إلى مهر المثل
وإن خالع على خمر أو خنزير أو مغصوب أو حر أو شيء مما يقصد وهو غير معلوم فسد العوض والرجوع إلى القيمة أو مهر المثل فيه قولان كما ذكرناه في الصداق ولو خالع على دم وقع طلاق رجعيا لأن ذلك لا يقصد بحال والميتة كالخمر لا كالدم فإنها قد تقصد لطعمة الجوارح والتفصيل في هذا كالتفصيل في الصداق
فرع إذا قال خالعتك على ما في كفك صح الخلع إن صححنا بيع الغائب ونزل على ما في كفها وإن لم نصحح فسد العوض والرجوع إلى مهر المثل ولا يرجع إلى قيمته أصلا لأن مأخذ الرجوع إلى القيمة الرضا بالمالية والرضا بالمجهول لا يتصور وقال أبو حنيفة رحمه الله إن لم يكن في كفها شيئ نزل على ثلاثة دراهم ولعله يقول معناه ما في كفها المقبوض من عقود الحساب وليسفيه إلا ثلاثة إذ لا معنى لقبض الإبهام والسبابة في الحساب ثم يرى تنزيله من الأعداد على النقد أولى ومن النقود على الأدنى وهو الدراهم
والوجه تنفيذه رجعيا فإن ما ذكره وإن تكلفنا له خيالا فهو تعسف ظاهر
ومما يتعلق بالعوض موافقة الوكيل ومخالفته والنظر في وكيله ووكيلها
أما وكيله فإن قال له خالع بمائة فخالع بها أو بما فوقها صح وإن نقص لم ينفذ الطلاق لمخالفته وإن قال خالع مطلقا نفذ خلعه بمهر المثل فما فوقه
فإن نقص فالنص في الإملاء أنه لا يبطل لأنه أذن مطلقا فيتناول ذلك بعمومه وإنما ينزل في البيع على ثمن المثل للعرف الجاري في مقصود الأموال إذ لا مقصود فيها سوى المالية وفيه قول مخرج أنه يبطل كما لو عين المقدار وله اتجاه
وفي مسألة تعيين المقدار قول مخرج من هذه المسألة أنه لا يبطل وإن نقص وهو ضعيف
فإن فرعنا على النص وهو أنه لا يبطل فما الذي يحصل فيه طريقان
أحدهما ذكه الشيخ أبو علي أن للزوج الخيار ولكن في تخيره قولان
أحدهما أن معناه أنه إن رضي بذلك نفذ وقد قنع بالمسمى وإلا امتنع الطلاق ولا ينبغي أن يؤخذ هذا من وقف العقود بل مأخذه أن لفظه عام وله أن يقول اردت به مهر المثل وعلامة ذلك أن لا يرضى بالمسمى فإن رضي بالمسمىفكأنه أراد ذلك بالعموم
والقول الثاني أنه إن شاء قنع بالمسمى وإلا صار الطلاق رجعيا وامتنع العوض أصلا إذ رد الطلاق لخيرته بعيد وتكليفها مهر المثل وما رضيت إلا بالمسمى بعيد
الطريقة الثانية نقل القولين على وجه آخر
أحدهما أنه لا خيار له إلا بين المسمى ومهر المثل فأما الطلاق فلا خيار فيه
والثاني أنه لا خيار له أصلا بل فسد العوض والرجوع إلى مهر المثل وهذه الطريقة أقيس ويحصل من هذه الاختلافات خمسة أقوال إذا جمعت
أما وكيلها بالاختلاع بمائة إن وافق أو نقص صح وإن زاد فالنص وقوع البينونة واختيار المزني أنه لا ينفذ وهو القياس لأنه خالف ولم يجعل اختياره تخريجا مع اتجاهه
ثم فيما يلزمها على النص قولان
أحدهما أنه يفسد المسمى واللازم مهر المثل
والثاني أنه يلزمها ما سمت وزيادة الوكيل أيضا تلزمها إلا ما جاوز من زيادة مهر المثل فإنها لا تلزم
هذا إذا أضاف الوكيل الاختلاع إلى مالها فإن أضاف إلى نفسه نفذ ولزمالوكيل تمام ما سمى وليس عليها شيء لأن اختلاع الأجنبي بنفسه صحيح
وإن أطلق الوكيل ولم يضف إليها ولا إلى نفسه فالبينونة حاصلة على النص وفيما يلزمه قولان
أحدهما أن عليها ما سمت والزيادة على الوكيل كأنه قد افتداها بما سمت وزيادة من عند نفسه
والثاني أن الزيادة عليها أيضا ما لم يجاوز مهر المثل فما جاوز مهر المثل فهو على الوكيل وقياس مذهب المزني صحة الخلع من الأجنبي وانصرافه عنها كالوكيل بالشراء بمائة إذا زاد فإنه يقع عنه إذا لم يصرح بالأضافة إلى الموكل
فأما إذا أضاف الوكيل المال إليها وضمن قال الصيدلاني هو كما لو أطلق الوكيل وهذا ضعيف بل الإضافة إذا فسدت فالضمان المرتب عليه لا يصح ولا يؤثر فيه
هذا كله إذا عينت مائة فإن أذنت مطلقا قطع الأصحاب بأن ذلك كالمقدر بمهر المثل والمصرح به
هذا كله في المخالفة بالمقدار فلو خالف في الجنس بأن قالت اختلعني بالدراهم فاختلع بالدنانير قال القاضي انصرف الخلع عنها لأنه مخالف بخلاف ما إذا زاد فإنه أتى بما أمرت وزيادة وهذا يؤكد اختيار المزني لأن الفساد هاهنا أيضا في العوض
الركن الخامس الصيغة

وفيه مسائل
إحدها أنه لو قال طلقتك بدينار على أن لي الرجعة ففي المسألة قولان
أحدهما وهو الذي نقله المزني أن العوض يسقط وينفذ الطلاق رجعيا إذ لا جمع بين العوض والرجعة والعوض هو المحتاج إلى إثباته دون الرجعة فيندفع بذكر الرجعة
والثاني وهو القياس وقد نقله الربيع واختاره المزني أن العوض يفسد لاقتران الشرط به وتنفذ بينونة على مهر المثل لأن دفع الرجعة أهون من دفع البينونة
الثانية المرأة تتوكل في الاختلاع وهل تتوكل في الخلع فيه وجهان ووجه المنع أنها لا تقدر على الاستقلال بالخلع ويجري الخلاف في توكلها بالتطليق مع أنه لا خلاف أنه لو قال لها زوجها طلقي نفسك فقالت طلقت ينفذ ولكن هو تمليك أو توكيل فيه خلاف
الثالثة الوكيل بالخلع هل يتولى طرفي الخلع فيه وجهان ومن جوز ذلكعلى خلاف البيع والنكاح علل ذلك بأن الخلع يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين فإنه لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطت حصلت البينونة
الرابعة لو خالعها على أن ترضع ولده حولين صح الاستئجار والخلع ولو أضاف إليه الحضانة جاز ولو أضاف إليه نفقة عشر سنين مثلا وقدرها ووصفها بحيث يجوز فيه السلم انبنى على تجويز الجمع بين صفقتين مختلفتين فإن أفسدنا فالرجوع إلى مهر المثل أو إلى بدل هذه الأشياء فعلى قولين
ومنهم من قطع هاهنا بأن الرجوع إلى مهر المثل إذ لو جوزنا الرجوع إلى أبدال مختلفة لصححنا العقد على أبدال مختلفة ومنهم من قال وإن لم نصحح الجمع بين صفقتين مختلفتين جوزنا هاهنا لأن النفقة هاهنا تابع للحضانة غير مقصود
التفريع إن صححنا وعاش الولد واستوفاه فإن كان زهيدا فالزيادة للزوج وإن كان رغيبا فالزيادة على الزوج
ولو مات في وسط المدة فلا يخفى حكم تفريق الصفقة بسبب الانفساخ في البعض ووجه التفريع عليه
الباب الثالث في موجب لفظ الزوج في إلزام العوض وتسليمه

وفيه فصول
الفصل الأول في الألفاظ الملزمة وحكمها

وفيه مسألتان
الأولى أن الملزم الصريح قوله أنت طالق على ألف أو طلقتك على ألف فلو قال أنت طالق ولي عليك ألف وقع الطلاق رجعيا لأنه صيغة إخبار لا صيغة إلزام وقوله أنت طالق مستقل فينفذ ويلغو قوله ولي عليك ألف كما لو قال وعليك حجة ولو قال أردت ما يريده أنه قصد ذلك فمن الأصحاب من قال ينزل عليه وتلزم الألف ومنهم من قال لا أثر للتوافق إذ اللفظ غير صالح له
أما إذا قال أنت طالق على أن لي عليك ألفا فظاهر هذا أنه شرط والطلاقلا يقبل الشرط فيلغو ولكنه لو قال أردت الإلزام فهذا أدل على الإلزام
من الصيغة الأولى ولكن قال صاحب التقريب لا يقبل وفي كلام غيره ما يدل على القبول
وإن قال عنيت أنت طالق إن ضمنت لي ألفا قبل وذلك لو صرح به لاقتضى ضمانا في المجلس كالتعليق بالإعطاء إلا أن يقول أنت طالق متى ضمنت لي ألفا فإن ذلك لا يختص بالمجلس
ولو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فإن جعلنا التفويض تمليكا اختص الجواب بالمجلس وإن جعلناه توكيلا لم يختص ثم سبيلها أن تقول ضمنت الألف وطلقت أو طلقت وضمنت الألف فيقع الطلاق والضمان معا
المسألة الثانية ذكرنا أن الجواب يختص بالمجلس فيما يستدعي الجواب ولو قال إن أعطيتني أو أديت إلي ألفا أو أقبضتنى لم يستدع الجواب باللفظ واختص بالمجلس لقرينة العوض وفيه وجه بعيد أنه لا يختص كالتعليقات كلها وكذلك إذا قال أنت طالق إن شئت اختص الجواب بالمجلس لأنالتعليق بالمشيئة يشبه استدعاء جواب وقبول وكذلك لو قال أنت طالق على ألف إن شئت فقالت شئت وقبلت اختص بالمجلس وصح ويكفي قولها شئت أو قبلت إ ذ أحدهما يؤدي المعنيين جميعا وفيه وجه أنه لا بد منهما جميعا ويلزم عليه تجويز الرجوع قبل القبول لأنه يغلب فيه مشابه المعاوضة
ولو قالت المرأة طلقني على ألف فقال أنت طالق على ألف شئت لم يكن جوابا بل كان كلاما مستأنفا يستدعي منها جوابا مستأنفا
الفصل الثاني في حكم الإعطاء

فنقول إذا قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فالإعطاء هو أن تضع بين يديه وليس يشترط قبضه باليد إلا إذا قال إن أقبضتني فلا بد من قبضه عند ذلك
ثم إذا وضعت بين يديه وقع الطلاق ودخل في ملك الزوج ولم يجز لها الرجوع وفي دخوله في ملك الرجل من غير لفظ منها إشكال يؤيد تجويز المعاطاة لأنها لم تملك ولا سبق منها التزام لقبول إذ لا يشترط القبول
لكن المذهب ما ذكرناه وسببه أن التعليق يقتضي وقوع الطلاق عند الإعطاء ثم لا يمكن إيقاعه مجانا مع قصد العوض فيدخل في ملكه لضرورة وقوع الطلاق وعن هذا الإشكال حكى الشيخ أبو علي وجها أن الطلاق يقع ويرد المعطي عليها ويلزمها مهر المثل وهذا منقاس ولكنه غريب وهذا الوجه يجري في قوله إن ضمنت لي الفا فأنت طالق لأنه إذا قالت ضمنت وقع الطلاق بحكم التعليق ولذلك يتصور تأخره عن المجلس ولزومه بمجرد قولها ضمنت مشكل لدخوله في ملكه بمجرد الإعطاء
أما إذا قال إن أقبضتني ألفا فأنت طالق طلقت بالإقباض طلاقا رجعيا ولم يملكه الزوج لأن بالإعطاء ينبنيء عن الملك دون الإقباض ومنهم من ألحق الإقباض في اقتضاء الملك
ومن حكم التعليق أيضا أنه لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطت ألفين طلقت وملك الزوج ألفا لأن الألفين مشتمل على الألف فقد وجدت الصفة بخلاف ما إذا قال خالعتك بألف فقالت قبلت بألفين لم يصح لأنه جواب لم يوافق الخطاب والله أعلم
الفصل الثالث في التعليق بالنقد

وفيه مسائل
الأولى إن قال إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق وفي البلد نقود مختلفة كلها نقرة خالصة لكن الغالب في المعاملة واحد فأتت بالغالب طلقت وملك الزوج
ولو أتت بغير الغالب طلقت ولم يملك الزوج بل يجب إبداله بالغالب وإنما طلقت لعموم لفظ التعليق والعرف إنما يؤثر في المعاملات
أما التعليق فلا يقع غالبا حتما يؤثر العرف في تعيين العموم وكذلك لا يؤثر في الإقرار حتى لو قال علي ألف فله أن يسلم كل ما ينطلق عليه الاسم لأن الموجب السبب هو المخبر عنه وذلك مجهول فكيف يحكم العرف فيه نعم لو قال أنت طالق على ألف نزل على الغالب لأن هذه معاملة فتفارق التعليق والإقرار وبقي الإشكال في أنه وجب إبداله في الغالب وسببه أن ملك من حكم المعاملة فينزل على الغالب وعند هذا صار وجه الشيخ أبي علي في الرجوع إلى مهر المثل أوجه لأنه إن لم يكن المعطى هو المراد فلم طلقت وإن كان هو المراد فلم يجب الإبدال فإن جاز الإبدال فالرجوع إلى مهر المثل أولى وقد قال الشافعي رضي الله عنه لو كان الألف الغالب معيبا فإذا جاءت به طلقتورجع الزوج عليها بالسليم وهذا يزيد في الإشكال الذي ذكرناه
المسألة الثانية إذا كان في البلد دراهم ناقصة في الوزن عليها التعامل بالعدد وهي نقرة خالصة فلفط الإقرار والتعليق لا ينزل عليها بل على الوازنة الكاملة لأن العرف لا يؤثر فيها نعم مطلق البيع هل ينزل عليه فيه وجهان
أحدهما نعم لعرف المعاملة
والثاني لا لأن اللفظ صريح في الموازنة التامة والفرق لا يغير الصريح إنما يخصص العموم عند شمول اللفظ
نعم لو فسر الإقرار بالناقصة هل يقبل فيها وجهان وكذا في تفسير المعلق بالمعتاد فيه وجهان وإنما يجري الخلاف في التعليق في العددية الزائدة أما الناقصة فيقبل التفسير في المعلق بها لأنه توسيع لباب الطلاق
المسألة الثالثة إذا كان الغالب دراهم مغشوشة فلا ينزل عليها إقرار وتعليق لكن تصح المعاملة عليها إن كان قدر النقرة معلوما وإن كان مجهولا ففي صحة المعاملة على أعيانها وجهان والصحيح أنه يقبل تفسير المقر بها إذا غلبت في المعاملة
الفصل الرابع في التعليق بإعطاء ثوب أو عبد

وفيه مسائل
الأولى إذا قال إن أعطيتني عبدا من صفته كيت وكيت ووصفه إلى حد يجوز السلم فيه فإذا أتت بمثله طلقت ودخل في ملكه
أما إذا قال إن أعطيتني عبدا واقتصر فمهما أتت بعبد سليم أو معيب كيفما كان طلقت والرجوع إلى مهر المثل لأنه مجهول فلا يمكن الرجوع إلى قيمته وإن أتت بعبد مغصوب ففي وقوع الطلاق وجهان
أحدهما يقع لحصول الاسم ولأن الرجوع إلى مهر المثل فلا معنى لاشتراط الملك
والثاني لا يقع لأن لفظ الإعطاء ينبئ عما تقدر المرأة على إعطائه
التفريع إن شرطنا الملك فلو قال إن أعطيتني خمرا فهل تكون الخمر المغصوبة المحترمة كالتي لم تغصب فيه تردد من حيث إن الملك غير متصور فيها لكن الاختصاص الممكن فيه لا يبعد أن يعتبر
المسألة الثانية إذا عين عبدا فقال إن أعطيتني هذا العبد وقع الطلاق بإعطائه وملكه فإن كان معيبا طلقت بحكم التعليق ولكن يرد عليهاورجع إلى قيمة السليم أو إلى مهر المثل على اختلاف قولين وإن خرج مستحقا قال ابن أبي هريرة نتبين أن الطلاق غير واقع لأنه غير قابل للإعطاء
وقال القاضي طلقت والرجوع إلى البدل لأنها أعطت ما عينه الزوج
فلو صرح وقال إن أعطتني هذا العبد المغصوب فوجهان مرتبان وأولى بوقوع الطلاق لتصريحه
ثم إذا صححنا رجع إلى مهر المثل وفيه وجه أنه يقع الطلاق رجعيا لأنه قنع بغير شيء وقيل يطرد هذا فيما لو قال إن أعطيتني خمرا وهو بعيد في المذهب
أما إذا قال إن أعطيتني هذا الحر فالظاهر أن الطلاق يقع بأعطائه رجعيا لأن الصيغة فاسدة لا تصلح لطلب العوض وقيل إن ذلك كالمغصوب والخمر
المسألة الثالثة لو قال إن أعطتني هذا الثوب وهو مروي فسلمت فإذا هو هروي لم تطلق لعدم الشرط
أما إذا قال إن أعطتني هذا الثوب المروي فإذا هو هروي ففيه تردد لأنهمتردد بين صيغة الشرط والإخبار على وجه خطأ فإن لم نجعله شرطا وقع الطلاق بتسليمه
ولو قال خالعتك على هذا الثوب على أنه هروي فإذا هو مروي وقعت البينونة سواء وجد الوصف أو لم يوجد ولكن إن أخلف الوصف ثبت خيار الخلف في العوض وفائدته الرجوع إلى مهر المثل أو بدله
الباب الرابع في سؤال الطلاق

وفيه فصول
الفصل الأول في ألفاظها في الالتماس

وفيه مسائل
الأولى إذا قالت متى طلقتني فلك ألف اختص الجواب بالمجلس
بخلاف قول الزوج متى ما أعطيتني ألفا فأنت طالق فإنها تطلق وإن أعطت في غير المجلس لأن الغالب على جانبه التعلقق وعلى جانبها المعاوضة فلذلك افترقا
الثانية لو قالت إن طلقتني فأنت بريء من الصداق فقال طلقت نفذ رجعيا ولم يبرأ عن الصداق لأن تعليق الإبراء لا يصح وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ صحيح منها في الالتزام لا يوجب شيئا عليها
الثالثة إذا قالت طلقني ولك علي ألف فطلقها لزمها الألف وهذه الصيغة منها تصلح للالتزام بخلاف ما لو قال طلقتك ولي عليك ألف فإن ذلك لا يصلح لإلزامها فيحمل على الإخبار وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يلزمها يالحال بذلك وسوى فيه بين الزوجين
لأصحابنا وجه موافق مذهبه ولا يطرد ذلك الوجه في الجعالة بل هذه الصيغة ملزمة في الجعالة
ولو قال بعني ولك علي ألف فقد قيل إن ذلك كالخلع والجعالة
وقيل إن ذلك لا يحتمل في البيع
الرابعة لو قالت طلقني على ألف فقال طلقتك ولم يذكر المال فإن قال لم أقصد الجواب قبل وفائدته ثبوت الرجعة بخلاف ما إذا قيل له أطلقت زوجتك فقال نعم ثم قال لم أقصد الجواب لم يقبل لأن قوله نعم لا يستقل بنفسه فيتعين للجواب وكذلك مجرد قوله اشتريتدون ذكر المال يتعين للجواب مهما قيل له بعت منك
الخامسة إذا صدر منها كناية كقولها أبني وقوله أبنتك فإن نويا نفذ وإن لم ينويا لغا وإن نوت دونه لم ينفذ لأن اعتماد البينونة على جانبه
وإن نوى دونها نظر
فإن جرى ذكر المال من الجانبين لم ينفذ لأنه لا يصح التزامها من غير نية الفراق
وإن لم يجر من الجانبين نفذ الطلاق رجعيا وإن جرى ذكر العوض في جوابه لافي التماسها لم يقع الطلاق
وإن جرى في التماسها لا في جوابه بأن قالت أبني بألف فقال فلم يصح أبنتك لم يقع الطلاق لأنه إنما رضيا بالبينة نته بعوض ولم يوجد منها نية الفواق التزامها فصار كما إذا ذكر المال من الجانبين وفيه وجه بعيد أن الطلاق يقع رجعيا ويجعل قوله أبنتك كالمستقبل دون الالتماس
فأما إذا جرى من أحدهما صريح ومن الآخر كناية فالكناية مع النية كصريح ودون النية كالمعدوم
ولا خلاففي أنه لو قالت أبني فقال أبنتك ونويا الطلاق ولم يذكر العوض أن هذا لا يقتضي العوض بخلاف لفظ الخلع فإن لفظ الخلع ينبئ عن العوض بخلاف لفظ البينونة
الفصل الثاني في التماسها طلاقا مقيدا بعدد

وفيه أربع مسائل
إحداها أن تقول طلقني ثلاثا بألف فطلقها طلقة واحدة استحق ثلث الألف كما ذكرناه على قياس الجعالة بخلاف جانبه
فإن لم يبق له عليها إلا طلقة فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق طلقة واحدة قال الشافعي رضي الله عنه استحق جميع الألف لأن مرادها البينونة الكبرى وقد حصلت بكمالها
وقال المزني رحمه الله يستحق ثلث الألف اتباعا للحساب وقال أبو إسحاق المروزي إن علمت أنه لم يبق إلا واحدة استحق الجميع وإن لم تعلم استحق الثلث ولا تفريع بعد هذا على مذهبه
أما إذا بقيت له طلقتان فطلق واحدة استحق الثلث عند الشافعي رضيالله عنه والمزني جميعا لأن الشافعي رضي الله عنه أيضا يتبع الحساب إلا إذا حصلت البينونة الكبرى وإن طلقها اثنتين استحق الجميع عند الشافعي رضي الله عنه والثلثين عند المزني
فلو قالت طلقني عشرا بألف استحق بالواحدة العشر وبالثنتين الخمس بالاتفاق وأما بالثلاث استحق الجميع عند الشافعي رضي الله عنه وقياس المزني إنه يستحق ثلاثة أعشار المال وقيل تخريجا على قياسه إنه إنما يوزع على العدد الشرعي ويوافق الشافعي رضي الله عنه في استحقاق الجيمع بالثلاث في هذه الصورة
الثانية إذ قالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا قال جماعة من أئمة المذهب تقع الواحدة بثلث الأف والزيادة لا تلزمها والثنتان بعدها لا تقعان لأنها صارت بائنة بالأولى وهذا لا وجه له بل ينبغي أن لا تقع الأولى لأنه ما رضي بوقوعها إلا بألف وهي ما التزمت على واحدة إلا لثلاث نعم تقع الطلقتان مجانا وهما رجعيتان
أما إذا عكس فقال أنت طالق واحدة مجانا واثنتين بثلثي الاف وقعت واحدة رجعية وتخرج الثنتان على مخالعه الرجعية إن جوزنا نفذنا أيضا بثلثي الأف وإن منعنا وقعت طلقتان أيضا إذا قبلت لأن الرجعية يلحقها الطلاق وبالجملة إذا خالع الرجعية على قولنا لا تصح مخالعتها كان كمخالعة السفيهة حتى يقع طلاق بلا عوض
الثالثة إذ قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق ثلاثا قال الشافعي رضي الله عنه طلقت ثلاثا واستحق الألف لأنه أجابها وزاد وإليه سار أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يستحق شيئا لأنها لم تلتمس البينونة الكبرى وسلم أنها لو قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة إنه استحق ثلث الأف وإن خالف
أما إذا عاد الزوج ذكر المال فقال أنت طالق ثلاثا بألف فأكثر الأصحاب على أنه لا فرق بين أن يعيد أو لا يعيد وحكى الفوراني وجها عن القفال إنه إذا أعاد فقد قابل كل طلقة بثلث الألف فلا يلزمها إلا ثلث الألف ووقع الثلاث
أما إذا لم يعد ذكر المال أمكن أن يقال التمست واحدة فأجابها إلى بينونة أغلظ منه فيرجع إلى زيادة صفة أما هاهنا فيظهر التوزيع ولكن يلزم على قياس القفال أن لا يقع إلا واحدة لأنه قابل طلقتين بثلثي الألف وهي ما قبلت وقد قيل بهذا أيضا ويلزم ألا تقع الأولى أيضا لأنها التمست بألف فأجاب بثلث الألففهو كقوله بعني بألف فقال بعت بخمسمائة فإنه لا يكون جوابا وقد قيل بهذا أيضا وقد قيل في البيع أيضا إنه يصح ويقول أيضا إذا قالت طلقني واحدة بألف فقال طلقت واحدة بخمسمائة إنه يستحق تمام الألف لأن تقدير العوض إليها لا إليه
وعلى الجملة مذهب أبي حنيفة رحمه الله في صورة إعادة المال أوجه
الرابعة إذ قالت طلقني نصف طلقة بألف أو طلق نصفي أو يدي بألف فأجابها نفذ الطلاق وفسد العوض لفساد صيغة المقابلة فيرجع إلى مهر المثل وفيه وجه منقاس أنه يثبت المسمى لأنه خصص العوض بما لا يختص به ولكن كمله الشرع فلا يبعد أن ينزل منزلة المقابلة بالكامل
الفصل الثالث في استدعائها طلاقا معلقا بزمان

وفيه صور
الأولى أن تقول طلقني غدا ولك ألف فإن طلق بعد غد نفذ رجعيا ولا مال له لأنه خالف وإن طلق في الغد وقعت البينونة وفسد العوض لأنه لا يحتمل التعليق فيرجع إلى مهر المثل
ولو طلق في الحال أو قبل الغد فقد أجاب وزاد إذ عجل فيثبت مهر المثل
وفي كل حال لا يستحق المال قبل الطلاق
الثانية أن تقول خذ مني ألف وأنت مخير في تطليقي من اليوم إلى شهر فلك الألف متى لم تؤخر عن الشهر فمهما طلقها في الشهر على قصد الإجابة استحق مهر المثل كالصورة الأولى وهذا بخلاف قولها متى ما طلقتني فلك ألف فإن متى ما وإن كان ظاهرا في التأخير فلا يستحق العوض إلا بطلاق في المجلس لأن قرينة العوض قابل عموم اللفظ فخصصه بالمجلس أما هاهنا فرفعت الاحتمال بالتصريح والتخيير في الشهر ومن الأصحاب من نقل الجواب من كل مسألة إلى أختها وسوى بينهما
الثالثة إذ قال أنت طالق غدا على ألف فقالت قبلت فإذا جاء الغد وقع الطلاق بائنا وفيما يلزمها وجهان
إحدهما مهر المثل لأن المعاوضة لا تقبل التعليق وهذا تعليق معاوضة
والثاني أنه يصح ويجب المسمى لأن مقابلة المعلق بالمال كمقابلة المنجز والمعاوضة إنما صحت بوجود شقي الإيجاب والقبول في الحال من غير تعليق فإذاصح قوله إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق من غير قبول منها فبأن يصح هذا التعليق مع قبولها في الحال أولى وفيه وجه ضعيف أن الطلاق لا يقع أصلا لأنه علق بالعوض ولا سبيل إلى إثبات العوض بالتعليق ولا إلى إيقاع الطلاق وقد علقه بالعوض
ثم إذا أوقعنا الطلاق عند مجيء الغد وجب العوض بعد نفوذ الطلاق ولا يجب بمجرد قبولها في الحال وليس لها الرجوع بعد القبول لأنه قد تم شقا العقد بالقبول
الفصل الرابع في سؤال الأجنبي واختلاعه

واعلم أن اختلاع الأجنبي كاختلاع المرأة في جميع صيغ الالتزام وأحكامه لأن الطلاق مما يستقل به الزوج وإنما يحتاج إلى قبولها لالتزام المال
وللأجنبي أن يلتزم المال على سبيل الافتداء ولكن الأجنبي إن كان وكيلا من جهتها فله أن يعقد لها ولنفسه وينظر إلى لفظه ونيته ومطلقه يقع من جهة الوكالة ولكن إن لم يصرح بالفسادة تعلقت به العهدة وطولب بالعوض كالوكيل في الشراء
وإن قال الأجنبي اختلعت بوكالتها ثم بأن أنه لم يكن وكيلا تبين أن الطلاق لم يقع لأن الخطاب كأنه معها ولم يجر قبولها ولا قبول نائبها
فرع أبوها إذا كان هو المختلع فهو كالأجنبي وإن كانت طفلة فاختلعها بمال نفسه فهو كالأجنبي وإن اختلعها بمالها فله أحوال
الأولى أن يكون اختلعت على سبيل الولاية بمالها أو بهذا العبد من مالها لم يقع الطلاق بل هو كالوكيل الكاذب
الثانية أن يكون اختلعت على سبيل الاستقلال لكن بهذا العبد من مالها فهو كالاختلاع بالمال المغصوب وقد سبق
الثالثة أن يكون اختلعت بهذا العبد الذي هو من مالها ولم يتعرض لما يزيد على هذا من نيابة أو استقلال وقع الطلاق رجعيا كاختلاع السفيهة وكأنه أهل للقبولومحجور عليه في مالها كالسفيهة محجور عليها في مال نفسها وهذا في غموض المختلع بالمغصوب لو أضاف المال إلى المالك وقع الطلاق بائنا
وقيل الفساد في العوض فخرج القاضي وجها هاهنا إنه كالمغصوب وخرج في المغصوب هاهنا وجها إن الطلاق يقع رجعيا
الرابع أن يكون اختلعت بهذا العبد ولم يذكر إنه من مالها فإن الزوج جاهلا به فهو كما لو خرج العوض مستحقا وإن كان عالما فوجهان
أحدهما أن يصير المعلوم كالمذكور لفظا فيقع الطلاق على المشهور رجعيا
والثاني أن يكون كما لو كان جاهلا نظرا إلى مجرد اللفظ
الخامسة أن يختلعها بالبراءة عن الصداق فإن جوزنا له العفو عن صدقها في الاختلاع صح الخلع كما لو اختلعت بنفسها وإن منعنا بذلك وهو الصحيح ففيه ثلاثة أوجه
أحدهما وهو ظاهر النص أن الطلاق يقع رجعيا كالسفيهة
والثاني أنه كالوكيل الكاذب حتى لا يقع الطلاق لأن إضافته إلى الصداق وهو أب يشعر بأنه كالنائب أما إضافته إلى العبد فهو المغصوب أشبه
والثالث أن يقع الطلاق بائنا ويجب مهر المثل كالعبد المغصوب
السادسة أن يقول خلعها وإن ضامن براءتك فالقياس أنه يقع الطلاق رجعيا ولا يلزمه شيء لأن ضمان عين البراءة محال فيلفوا الحال ويصح القبول وإن قال طلقها وإن طولبت بالصداق فأنا ضامن براءتك فتحصل البينونة ويجب مهر المثل لفساد صيغة الالتزام
وضابط النظر في هذه المسائل أن الخلع إنما يختل إما بسبب في نفس القبول فيوجب نفي أقبل الطلاق أو لخلل في نفس الالتزام فيوجب نفي البينونة لا نفي الطلاق أو لخلل في الملتزم إلا في الالتزام كالخمر المقصود فيوجب نفي المسمى لا نفي البينونة ويكون التردد في أصل الطلاق للتردد في صحة القبول والتردد في البينونة للتردد في صحة أصل الالتزام والتردد في المسمى للتردد في صحة الملتزم والله تعالى أعلم بالصواب
الباب الأول في النزاع في الخلع

وهو أنواع
الأول أن يقع في أصل عوض أو جنسه أو قدره
فإن وقع في الأصل فالقول قولها إن أنكرت العوض وإن خلفت وقعت البينونة مؤاخذة للرجل بقوله إني خالعت على عوض
وإن تنازعا في الجنس فقال خالعتك بدراهم وقالت بل بفلوس تحالفا والرجوع إلى مهر المثل كما في الصداق وكذلك في المقدار وإن توافقا على جريان الخلع بألف درهم ولكن قال الزوج أردنا به الدراهم وقالت بل أردنا الفلوس فهذا يستدعي مقدمة وهي أنه لو كانت النقود مختلفة ولا غالب فيها فقال بعت بألف درهم وقال اشتريت بألف درهم ولم يتعرضا للجنس ولكن توافقا على إرادة نوع واحد لم يصح البيع ولم يحتمل هذه الجهالة فيه والمشهور الظاهر في الخلع أنه يحتمل ذلك ويكفل فيه النية أو العلم بالعوض وإن كان شرطا لثبوت المسمى ولكن يحتمل فيه ما لم يحتمل في البيع ولذلك حصل الملك بمجرد الإعطاء من غير لفظ وهذا ليس يخلو عن أشكال
ثم لا خلاف إنه لو قال خالعتك على ألف وقبلت وتوافقا على إرادة نوع واحد لم يحتمل هذا لأن اللفظ صريح في الاحتمال والترديد بين الأنواع وإنما المذكور مجرد العدد وهو عرضي لا ينبئ عن ماهية جنسية ولا نوعية بخلاف ما إذا ذكر الدراهم فإنه لم يبق إلا التفصيل بالصفات فلا يبعد تخصيص عمومهبالنية وفي كلام القاضي دلالة على أن عموم الألف كعموم الدراهم مع أنه قطع بأنه لو قال ألف شيء لم تؤثر النية لأن لفظ الشيء آكد في حقيقة الاحتمال والنية لا تغيره وقال الشيخ أبو محمد النية في الدراهم أيضا إنما تؤثر إذا توافقا قبل العقد على ما يقصد أن به فإن لم يسبق التواطؤ فلا يؤثر توافق النية وكأنه يلتفت على معنى مسألة السر والعلانية ولا يخفى أن يعتبر هذا بالنية أقرب من إرادة الألف بالألفين فإن ذلك تغيير صريح فنعود إلى النزاع وله صور
الأولى أن يقول الزوج أردنا الدراهم جميعا وقالت بل أردنا الفلوس جميعا فهذا نزاع في الجنس فيتحالفان وفيه وجه بعيد أن التحالف لا يجري لأنه نزاع في النية وإنما اختلاف في الجنس يتولد منع تبعا وهو ضعيف
الثاني أن يتوافقا على جانب جانب الزوج وإرادته الدراهم قالت المرأة أردت الفلوس فالقول قولها وإذا حلفت انتفى عنها العوض ووقعت البينونة مؤاخذة له بقوله
الثالثة أن يتوافقا على جانبها وإرادتها الفلوس وإرادته ولكن قال الزوج أردت الدراهم فلا فرق لاختلاف الجواب فحكم هذا إن البينونة واقعة لأننا ننتظر إلى الملفوظ وقد قال خالعتك على ألف فقالت قبلت فلا مطلع على النية ويلزم من هذا أنهما لو توافقا أيضا على اختلاف القصد وقعت البينونة لظاهر اللفظ ولو تصور إطلاع كل واحد منهما على باطن صاحبه حتى تتحقق المخالفة فيالنية فينبغي أن لا يقع الطلاق باطنا ثم قال القاضي للزوج مهر المثل لأن البينونة وقعت ظاهرا ولغا أثر النية فبقي اللفظ مجهولا وكأن النية عنده إنما تؤثر إذا توافقا في واتفقا عليه فإذ لم يتفقا لغت النية ونظر إلى مجرد اللفظ وهو بعيد لأن موجب قول الزوج لأن لا بينونة ولا عوض فالحكم عليه بالبنيونة له وجه أما الحكم له بالعوض وهو لا يدعيه فبعيد
الرابعة توفقا على أنه أراد الدراهم فقالت أردت الدراهم أيضا وحصلت الفرقة وقال بل أردت الفلوس وقال ولا فرقة فالقول قولها في نيتها فإذا حلفت حصلت الفرقة وعند القاضي له مهر المثل وإن كان هو منكرا للفرقة وهو بعيد
الخامسة أن يقول أردت الدراهم وما ادعى عليها شيء وقالت أردت الفلوس وما ادعت عليه شيء فالفرقة أيضا حاصلة وقال القاضي يتحالفان وهذا لا وجه له لأنه ليس يدعي عليها مالا معينا فكيف يحلف
النوع الثاني الاختلاف في العوض

فإذا قالت سألتك ثلاث طلقات بألف فأجبتني فقال بل طلقة بألف فأجبتك فقد اتفقا على الألف وتنازعا في مقدرا المعوض فيتحالفان والرجوع إلى مهر المثل فأما عدد الطلاق فلا يعتبر فيه إلا قوله فلا نزيد على واحدة فإن قيل فإذا كان القول قوله في عدد الطلاق والألف متفق عليه فأي معنى للتحالف ولا فائدة له إلا إبدال الألف المتفق عليه بمهر المثل
قلنا مقتضى التحالف إبطال العوضين لكن الطلاق لا يقبل الإبطال فجرينا على قياس التحالف في تطرق الفسخ إلى ما يتطرق إليه خاصة
النوع الثالث النزاع في المستحق عليه

فإذا ادعى عليها الاختلاع فقالت إنما اختلعني أجنبي فالقول قولها في انكار الاختلاع ولا رجوع له على الأجنبي لاعترافه بأنه لم يختلع
أما إذا قالت أضفت الاختلاع إلى أجنبي وكنت سفيرة له ففيه وجهان
أحدهما أنهما يتحالفان لاتفاقهما على أصل الالتزام واختلافهما في صفة الإضافة
والثاني أن القول قولها لأنها أنكرت أصل الالتزام
كتاب الطلاق
والنظر في شطرين
أحدهما في عموم أحكامه
والثاني في التعليقات خاصة أما الشطر الأول ففيه ستة أبواب
الباب الأول في معنى السنة والبدعة
وفيه فصلان
الفصل الأول في مواقع السنة والبدعة

وقد اتفق العلماء على انقسام الطلاق إلى سني وبدعي فالبدعي هو الطلاق المحرم إيقاعه وإن كان نافذا والسني ما لا تحريم فيه
والبدعي هو الطلاق الواقع بعد المسيس في الحيض دون سؤالها والواقع في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها فهذان أصلان
أما الأول وهو الحيض فيحرم في الطلاق بعد المسيس ولا بدعة في طلاق غير الممسوسة أصلا وأما الممسوسة فيحرم طلاقها في الحيض بغير سؤالها لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأة في الحيض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها فتلك العدةالتي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء وأراد به قوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } أي لقبل عدتهن حتى يشرعن عقيب الطلاق في العدة المحسوبة فإن بقيت الحيض لا تحسب فتطول العدة ثم أمر صلى الله عليه وسلم زوجة ثابت بالافتداء ولم يستفصل أهي حائض أم لا فدل على أن الخلع مستثنى ولا تحريم فيه
فمنهم من فهم ذلك لكونها راضية فكأنه جوز تطويل العدة برضاها وقال لا حرمة في الطلاق بسؤالها وإن لم يكن بمال ويحرم اختلاع الأجنبي لعدم رضاها ومنهم من جعل ذلك من خاصبة الابتداء لأنه لا يبذل إلا لضرورة فجوز اختلاع الأجنبي وحرم الطلاق وإن كان بسؤالها ويشهد بذلك جواز الطلاق للمؤلي إذا طولب به لأن ذلكواجب بنوع ضرورة فاتفقوا على جواز الخلع وطلاق المؤلي وترددوا في اختلاع الأجنبي والطلاق برضاها
وأما قوله إن دخلت الدار فأنت طالق فلا بدعة فيه وإن جرى في الحيض لكن ينظر إن اتفق الدخول في الحيض نفذ الطلاق بدعيا وفائدته أنه يؤمر بالرجعة على سبيل الاستحباب وإذا رجع فهل يجوز أن يطلقها في الطهر الأول بعده فيه وجهان
أحدهما نعم إذ لا معنى للمنع في الطهر وقد ورد في بعض الروايات مرة فليراجعها حتى تطهر
والثاني أنه يصبر على الطهر الثاني لأن ذلك يؤدي إلى أن تكون الرجعة لأجل الطلاق وذلك لا يليق بمحاسن الشرع ويشهد لذالك حديث ابن عمر
وعلى هذا ترددوا في أنه هل يستحب أن يجامعها حتى يظهر مقصود الرجعة
أما إذا طلقها طلاقا غير بدعي ثم راجعها فله أن يطلقها في الحال إذ لا بدعة حتى تستدرك
وأما الجمع بين الثلاث فلا بدعة فيه خلافا لأبي حنيفة رحمه الله نعم الأولى أنيفرق كيلا يلحقه ندم
فرع إذ قال أنت طالق مع آخر جزء من الحيض فهذا طلاق يصادف الحيض ولكن يستعقب العدة فمنهم من نظر إلى المعنى وقال هو سني ومنهم من نظر إلى المظنة وهو الحيض فقال هو بدعي وكذا الخلاف فيما إذا قال أنت طالق مع آخر جزء من الطهر ولعل النظر إلى المظنة أولى
الأصل الثاني في بدعة الطلاق في طهر جامعها فيه وهو بدعة إلا إن يكون عالما بكونها حاملا فيحل الطلاق لأن المحذور لحوق الندم بسبب الجهل بالولد
واستدخالها ماء الزوج في معنى الوطء لأنه يتوقع منه الولد والإتيان في غير المأتى فيه تردد فإنه وإن لم يتوقع منه الولد فالعدة تجب به وترددوا فيما لو وطئها في الحيض ثم طهرت أنه هل يحرم طلاقها لأن بقية الحيض قد تدل على عدم الولد دلالة دون دلالة ابتداء الحيض
والظاهر أنه لا بدعة في خلاعها أيضا كما في حالة الحيض ومنهم من قال السببهاهنا حذار الولد ورضاها لا يؤثر والمحذور ثم طول العدة فلا يبعد أن يؤثر رضاها في حقها
وقد خرج من هذا أن خمسا من النسوة لا بدعة في طلاقهن ولا سنة
غير الممسوسة
والحامل بيقين
والآيسة والصغيرة إذ لاحيض لهما ولا ولد
والمختلعة
الفصل الثاني في إضافة الطلاق إلى السنة والبدعة تنجيزا وتعليقا

وفيه مسائل
الأولى إذا قال للحائض أنت طالق للبدعة وقع في الحال وإذا قال للسنة من يقع حتى تطهر وكذا إن قال للتي طهرت قبل الجماع أنت طالق للسنة وقع الطلاق في الحال وإن قال للبدعة لم تطلق حتى تجامع أو تحيض
والمقصود أن اللام للتأقيت فيما يشبه الأوقات كالسنة والبدعة فهو كقوله أنت طالق لرمضان فإن تأقيت برمضان وأما لا يشبه الأوقات فاللام فيه للتعليل كقوله أنت طالق لرضي فلان فإنه يقع في الحال رضي فلان أو سخط وقوله أنت طالق لدخول الدار فهو تعليق يقع في الحال بخلاف قوله لقدوم زيد فإنه تأقيت بالقدوم لأن القدوم مما ينتظر كالحيض والطهر
وإنما صريح لفظ التعليق إن وإذا وأما اللام فهو للتعليل ظاهرا إلا فيما يشبه الأوقات وحيث حملنا على التعليل فلو قال أردت التأقيت فيدين في الباطن وهل يقبل ظاهرا في وجهان وهذا فيما إذا خاطب متعرضة للسنة والبدعة فإن خاطب صغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها فهو للتعليل حتى يقع الطلاق في الحال سواء قال أنت طالق للسنة أو للبدعة وفيه وجه إنه لو قال للسنة وقع في الحال فإن معناه طلاق لا تحريم فيه ولو قال للبدعة لم يقع حتى تحيض الصغيرة وحتى يدخل بغير المدخول بها
أما إذا قال لمتعرضة للحالتين إذا قدم زيد فأنت طالق للسنة فإن قدم وهي حائض لم يقع حتى تطهر وإن قال للبدعة وقدم وهي في طهر لم يجامع فيه لم تطلق حتى تحيض أو يجامع
وإن علق بمجرد القدوم فقدم وهي حائض نفذ طلاقا بدعيا وإن لم تكن في حالة التعليق من أهل السنة والبدعة نظر إلى حالة الوقوع لا إلى التعليق
فرع لو قال في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق للبدعة فإذا جامع وقع الطلاق كما غابت الحشفة وهل يلزمه بدوام الوطء إن لم ينزع في الحال مهر آخر من حيث يجب المهر بابتداء وطء الرجعية فيه قولان مأخذهما أن دوام الوطء هل هو كابتدائه والأظهر أنه لا يجب لأن مهر النكاح تناول أول هذا الوطء فلا يبعض حكمه وإن تغير الحل في أثنائه
الثانية إن قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة فإن قال أردت إيقاع طلقة ونصف في الحال قبل وكملت طلقتان وإن قال أردت وقوع ثنتين في الحال قبل ولو قال أردت إيقاع ثلاثة أنصاف في الحال وقع الثلاث في الحال وإن قال لم يكن لي نية حمل على التشطير ووقع في الحال طلقة ونصف ولكن تكمل طلقتان وهو كما لو قال هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو حمل مطلقه على التشطير لأن الأكثر لا يسمى بعضا في الظاهر فلو قال أردت واحدة في الحال وثنتين في المستقبل فالظاهر أنه يقبل وفيه وجه أنه لا يقبل لأن تسمية الثنتين من الثلاث بعضا بعيد
وقال المزني قياس قول الشافعي رضي الله عنه أن لا يقع في الحال لا طلقة إذا لم ينوشيئا لأن البعض مجمل فينبغي أن ينزل على الأقل إذ يحتمل الواحد ويحتمل واحدا ونصفا وليجعل هذا تخريجا منه على مذهب الشافعي رضي الله عنه
الثالثة إذا قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أفضله أو أجمله أو غير ذلك من صفات المدح فهو كما لو قال أنت طالق للسنة فلو كانت في حال البدعة لم يقع في الحال وإن كانت في حال سنة وقع في الحال
ولو كانت في حال بدعة فقال أردت بأحسن الطلاق أعجله وقع في الحال لأنه إظهار احتمال في جانب الوقوع
ولو قال أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله أنت طالق للبدعة ولو قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو بدعية سنية وقع فيه الحال سواء كانت متعرضة للحالتين أو لم تكن لأنه وصف متناقض فيلغو ويبقى قوله أنت طالق وهو كقوله أنت طالق طلاقا لا يقع إنه يقع في الحال ولا نبالي بهذيانه
الرابعة إذا قال أنت طالق ثلاثا في كل قرء طلقة فلها أحوال خمس
إحداها أن لا تكون مدخولا بها فإن كانت في الحيض لم يقع شيء لأن القرء عند الشافعي رضي الله عنه طهر محتوش بحيضتين فإذا طهرت أو كانت في الطهر وقعت واحدة وبانت ولا تلحقها الأخرى فإن طهرت طهرين ثم جدد نكاحها فقد انحل اليمين فلا يعود وقوع الطلاق وإن رأينا عود الحنث لأنه معلق على الإقراء وقد انقضت وإن جدد نكاحها قبل الانقضاء ابتنى على عود العنث
الثانية أن تكون صغيرة فهل تقع في الحال واحدة فيه وجهان مأخذهما أن الانتقال من الطهر إلى الحيض هل هو قرء أو القرء طهر محتوش بحيضتين
الثالثة أن تكون آيسة فهل تقع في الحال واحدة فيه أيضا وجهان كما في الصغيرة
الرابعة أن تكون مدخولا بها من ذوات الإقراء وهي حائل فيقع في طهرها طلقة وتشرع في العدة وتلحقها الثانية والثالثة في الطهرين الآخرين وهل يستأنف العدة أو تبني على عدتها فيه خلاف
الخامسة أن تكون حاملا فإن كانت لا ترى الدم أو قلنا دم الحامل دم فاسد وقع في الحال واحدة وتبين بالولادة وإن كانت ترى الدم وقضينا بأنه حيض وقعت واحدة وهل يتكرر الطهر في مدة الحمل فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه طهر بين حيضتين
والثاني لا لأن القرء ما يدل على البراءة وهذا لا دلالة له أصلا
المسألة الخامسة إذا قال أنت طالق ثلاثا للسنة ثم قال أردت التفريق على الإقراء لم يقبل ظاهرا لأنه لا سنة في تفريق الطلاق عندنا واللفظ لا ينبئ عنه وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا ولم يقل للسنة ثم فسرنا بالتفريق فهل يدين باطنا فيه وجهان كما لو قال أنت طالق ثم قال أردت به إن دخلت الدار ومأخذه أن مجرد النية لا تؤثر فإن لو طلق بالنية لم يقع خلافا لمالك رحمه الله وإن ذكر لفظا ونوى معه أمرا ولو صرح به لا نتظممع المذكور فهل يؤثر في الباطن فيه وجهان كقوله أنت طالق ثم قال نويت إن شاء الله تعالى أو نويت إن دخلت الدار والأقيس إنه لا يؤثر لأنه ليس يحتمله اللفظ ولا ذكر ما يدل عليه فهو مجرد نية وليس هذا كما إذ قال أنت طالق ونوى طلاقا عن وفاق فإنه يدين فإن اللفظ كالمجمل من حيث اللغة لولا تخصيص الشرع ولا كقوله نسائي طوالق وعزل بعضهن بالنية فإن يدين لأنه تخصيص عموم وهل يقبل ظاهرا فيه خلاف وما يقاضي إلى أنه يقبل
ولو عاتبت زوجها بنكاح جديدة فقال في جوابها كل امرأة لي فهي طالق فإن لم يعزلها بنيته طلقت وإن عزلها بنيته فقال الشافعي رضي الله عنه لا يقع لأن القرينة دلت على نيته وهذا ينبغي أن يقبل ظاهرا ومن الأصحاب من قال لا يقبل لأنه قوله كل امرأة صريح في الاستغراق وميل القاضي إلى قبول ذلك ظاهرا وكذلك فيقوله نسائي طوالق وإن لم تكن قرينة لأنه تخصيص عموم وكذلك إذا قال وهو يحل عنها وثاقا أنت طالق فقال أردت عن الوثاق فيه خلاف وميل القاضي إلى أنه يقبل ظاهرا وقد قال الشافعي رضي الله عنه لو قال إن كلمت زيدا فأنت طالق ثم قال أردت به شهرا وكلمته بعده لم يقع الطلاق باطنا لأن اللفظ كالعام في الأزمان كلها
ولا خلاف في أنه لو قال أنت طالق ثم قال أردت عن الوفاق لم يقبل ظاهرا ولكن يدين وكأن الموجب للقبول ظاهرا أما قصور في دلالة اللفظ مثل أن تكون دلالته بالعموم أو قرينة ظاهرة كما لو كان يحل الوثاق كان يحل عنها الوثاق أو كانت تنازعه في نكاح جديدة كما ذكرناه وأما الموجب للقبول باطنا فكل احتمال قرب أو بعد
الباب الثاني في بيان أركان الطلاق

ولا بد للطلاق من أهل ومحل ولفظ وقصد إلى اللفظ وولاية على المحل فهذه خمسة أركان
الركن الأول الأهل وهو المطلق وشرطه أن يكون مكلفا فلا يقع طلاق الصبي والمجنون
الركن الثاني اللفظ وما يسد مسده وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في بيان الصريح والكناية

وصرائح الألفاظ ثلاثة الطلاق والفراق والسراح أما الطلاق فلشيوعه وتكرره في القرآن العظيم وأما الفراق والسراح فلتكررهما في القرآن العظيم وقال أبو حنيفة رحمه الله لا صريح إلا الطلاق وقيل هو قول قديم للشافعي رضي الله عنه ولا بأس به
فإن قوله تعالى { أو تسريح بإحسان } لم يرد مورد بيان اللفظ وفي هذه القاعدة مسائل
الأولى إن كل ما يشتق من لفظ الطلاق كقوله أنت مطلقة وطلقتك فكل ذلك صريح وفي قوله أنت الطلاق وجهان والأظهر أنه كناية لأنه ليس بمستعمل على هذا الوجه
وأما قوله أطلقتك فهو كناية لأنه ظاهر في رفع الحبس وحل الوثاق
الثانية الفعل من السراح والفراق كقول سرحتك وفارقتك صريح
أما الاسم كقوله أنت مفارقة ومسرحة ففيه خلاف ومأخذه أن الوارد في القرآن العظيم منه صيغة الفعل فقط
الثالثة معنى هذه الألفاظ سائر اللغات فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنها ليست صريحا وإليه ذهب الإصطخري تغليبا لمعنى التعبد
والثاني هو الأصح أنه صريح لأنه في معناه
ثم معنى قوله أنت طالق توهشته أي
ومعنى قوله طلقتك دشت بازداشتم ترا
ومعنى قوله فارقتك ازتو جدا كردم
ومعنى قوله سرحتك تراكسيل كردم
والثالث قال القاضي كل ذلك غير صريح إلا قوله توهشته أي لأنه لا يستعمل في العادة إلا في الطلاق وأما سائر الألفاظ فشائع الاستعمال في غير الطلاق
الرابعة إذا شاع لفظ في العرف للطلاق كقوله حلال الله علي حرام فهل يصير صريحا فيه وجهان
أحدهما نعم لأن المقصود تعين جهة التفاهم وقد حصل
والثاني لا بل مأخذه القرآن العظيم فقط
وقال القفال إن صدر ذلك من فقيه يعرف الكناية ولم ينو لم يقع طلاقه وإن صدر من عامي يقال له ما الذي يسبق إلى فهمه إذا سمعت هذه الكلمة من غيرك فإن كان يفهم الطلاق جعل منه طلاقا
وهذا إن عنى به القفال الاستدلال على نيته وأنه إذ كان يفهم ذلك فلا يخلو ضميره عن معناه وإن لم يشعر به فله وجه وإن عنى وقوع الطلاق مع خلو قلبه عن النية بينه وبين الله تعالى فلا وجه له إذ لم يجعل صريحا هذا حكم الصرائح
أما الكنايات فهي كل لفظة محتملة إما جلية كقوله أنت خلية وبرية وبتة وبتلة وإما خفية وهي التي لا تنتظم إلا بتقدير استعارة وأضمار كقوله اعتدي واستبرئي رحمه فإن معناه طلقتك فاعتدي وكذا قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا أنده سربكواعزبي واغربي واذهبي
وأخفى منها كقوله تجرعي أي كأس الفراق وذوقي وتزودي وترددوا في قوله اشربي أي كأس الفراق وألحق به بعضهم كلي وهو أبعد وترددوا في قوله أغناك الله أخذا من قوله تعالى { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته }
وحد الكناية ما يحتمل الطلاق ولو على بعد لا الذي لا يحتمل كقوله اقعدي واغزلي وغيره وفيه مسائل
الأولى إذا قال لزوجته أنت حرة ونوى الطلاق وقع وكنايات الطلاق والعتاق متداخلة متناسبة في الأكثر نعم لو قال لعبده اعتد واستبرئ رحمك ونوى العتق لم ينفذ لأن ذلك غير متصور في حقه ولو قال ذلك لأمته ففيه وجهان ولو قال ذلك لزوجته قبل الدخول ففيه وجهان أيضا لأنها ليست بصدد العدة كالأمة
الثانية لفظ الظهار ليس كناية في الطلاق ولا الطلاق في الظهار مع الاحتمال لأن كل واحد منهما وجد نفاذا في موضوعه الصريح فلا يعدل إلى غير موضوعه بالنية ولا يمكن تنفيذهما جميعا لأن اللفظ لم يوضع لهما وضع العموم فصرف إلى ما هو صريح فيه
الثالثة إذا قال لزوجته أنت علي حرام فإن نوى الظهار كان ظهارا وإن نوى التحريمكان يمينا وتلزمه كفارة وإن نوى الطلاق نفذ وإن أطلق فيه ثلاثة أوجه
أظهرها أنه صريح في إيجاب الكفارة
والثاني أنه يلغو لأنه محتمل لوجوه
والثالث أنه في الأمة صريح في الكفارة لأن الآية إنما وردت فيه وفي المنكوحة كناية
قاعدتان

إحداهما إن القرينة عندنا لا تجعل الكناية صريحا وأبو حنيفة رحمه الله جعل الكناية في الغضب وعند التخاصم وسؤال الفراق صريحا وهو ضعيف لأن اللفظ محتمل وعدول الرجل عن لفظ الطلاق مشعر بإضمار غير الطلاق فكيف ينقلب صريحا
الثانية إن النية ينبغي أن تقرن بلفظ الكناية فلو تقدمت أو تأخرت لم تؤثر وإن نوى مع ابتداء اللفظ ولكن انقطعت قبل تمام اللفظ فالظاهر أنه يقع وإن خلا عن النية أول اللفظ ونوى في أثنائه ففيه وجهان مشهوران
الفصل الثاني في الأفعال

اعلم أن اللفظ إنما يراد للتفهيم وقد يحصل التفهيم بالإشارة والكتابة فلنذكرهما
أما الإشارة فهي معتبرة من الأخرس وتنقسم إلى صريح وكناية
فالصريح ما يتفق الكفة على فهمهه والكناية ما يفطن له بعض الناس وإذا أتى بالصريح لم يقبل بعد ذلك تأوليه كما في النطق والصحيح أنه إن أشار بالطلاق في الصلاة نفذ الطلاق ولم تبطل صلاته
وأما كتابة الأخرس فهو طلاق لأنها أظهر من الإشارة ومع ذلك فلا نكلف الأخرس القادر على الكتابة بأن يكتب الطلاق بل نقنع بالإشارة
وأما القادر فإشارته وإن بالغ فيها لا نجعلها صريحا لأن عدوله إليها مع القدرة موهم نعم هل تجعل كناية قال القفال هو فعل مترتب على الكتابة والإشارة أولى بالاحتياط لأن الكتابة معتادة والإشارة من الناطق غير معتادة أما الكتابة فليس بصريح وإن كتب اللفظ الصريح فهل هو كناية اضطربت فيه النصوص وحاصلة ثلاثة أقوال
أحدها أنه كناية لأن الكتابة معتادة والمقصود التفهيم
والثاني أنه لغو لأن الصيغ اللفظية هي الموضوعة للعقود في حق القادر
والثالث أنها تعتبر من الغائب دون الحاضر لأجل العادة
وفي شرح التلخيص وجه أن كتبه صريح الطلاق صريح من غير نية وهو بعيد
أما إذا كتب قوله كل زوجة لي فهي طالق وقرأ ونوى عند القراءة وقع وإن قرأ ولم ينو وقال قصدت القراءة فهل يقبل ظاهرا فيه تردد كما لو حل الوثاق عن زوجته وقال عند ذلك أنت طالق فإن فرعنا على اعتبار الكتابة فيتصدى النظر في أمور ثلاثة
الأول في التصرفات فتعتبر في كل ما يستقل به المتصرف كالعتق والعفو والإبراء أما ما يفتقر إلى القبول ففيه قولان وفي النكاح قولان مرتبان وأولى بألا ينعقد لما فيه من التعبد ولأنه كناية والشاهد لا يطلع على النية ولكن من جوز ذلك ربما احتمله لأجل الحاجة ثم إن كتب زوجت بنتي من فلان وأشهد عليه عدلين وشهدا هما بأعيانهما على قبول الزوج صح وإن شهد آخران فوجهان ثم إذا كتب بعت داري منك فبلغه الكتاب فينبغي أن يقول على الفور اشتريت أو يكتب على الفور لأن الاتصال بين الجواب والخطابشرط وهو الاتصال اللائق بالكتابة وإن تخلل بينهما شهور
الثاني في ألفاظ الكاتب وهو ثلاث
إحداهما أن يكتب أما بعد فأنت طالق ونوى فيحكم بوقوعه في الحال
الثانية أن يكتب إذا بلغك كتابي هذا فأنت طالق فلا يقع إلا بالبلوغ
الثالثة أن يقول إذا قرأت كتابي هذا فأنت طالق فلا يقع ما لم تقرأ
فإن كانت أمية فإذا قرئ عليها طلقت وقيل لا تطلق لأنها ما قرأت وكأنه علق على قراءتها وهو محال فلا يقع وهذا بعيد نعم لو كانت قارئة فقرأ عليها غيرها فالظاهر أنها لا تطلق وقيل إنها تطلق كما إذا قال إذا رأيت الهلال فأنت طالق فإنها تطلق برؤية غيرها وهو بعيد لأن الرؤية قد يراد بها العلم دون القراءة
الثالث في المكتوب عليه وكل ما يثبت عليه الخط من ثوب وحجر وعظم فهو كالبياض أما لو كتب على الماء أو على الهواء لم يكن ذلك كتابة بل هي إشارة من قادر وقد ذكرناه
ولو كتب على البياض ولكن علق الطلاق على البلوغ فبلغ وقد امحت الكتابة لم يقع لأنه بلغ الكاغد دون الكتاب وإن لم ينمح إلا السطر الذي فيه الطلاق أو سقطذلك القدر ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا يقع لأن الكتاب عبارة عن جميع الأجزاء
والثاني أنه يقع لأن الكتاب قد بلغ
والثالث أنه إن قال إن بلغك كتابي هذا لم يقع لأنه يتناول جميع الأجزاء وإن قال إن بلغك الكتاب وقع
أما إذا امحى الجميع إلا سطر الطلاق فالخلاف مرتب وأولى بالوقوع وإن لم ينجح إلا التسمية والصدر وبقيت المقاصد كلها فمرتب وأولى بالوقوع وإن لم يسقط إلا الحواشي فأولى بالوقوع ومنهم من قطع في هذه الصورة بالوقوع لأن الحاشية غير مقصودة ومن منع علل بأن الحاشية من الكتاب ولذلك لا يجوز للمحدث مسه في المصحف
فرع إذا قال إن بلغك نصف كتابي فبلغ الجميع ففيه وجهان
أحدهما يقع لأن في الكل نصفا
والثاني لا لأن مفهومه التخصيص بالنصف
الفصل الثالث في التفويض إلى الزوجة

والنظر في ثلاثة أطراف
الأول ألفاظه فإذا قال طلقي نفسك فقالت طلقت نفذ ولو قال أبيني نفسك فقالت أبنت ونويا وقع وإن لم ينو أحدهما لم يقع وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تعتبر نيتهما بل تكفي نية الرجل وقولها يبنى على قوله
ولو قال طلقي نفسك فقالت أبنت ونوت فالظاهر الوقوع وفيه وجه أنه لا يقع لمخالفة اللفظ وقيل إن ذلك يجري أيضا في توكيل الأجنبي
ولو قال اختاري فقالت اخترت نفسي وقعت طلقة رجعية ولو قالت اخترت زوجي لم يقع شيء وهو مذهب عمر وعائشة وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وقال علي وزيد رضي الله عنهما إن اختارت نفسها فطلقة بائنة وإن اختارت زوجها فرجعية واشتد إنكار عائشة رضي الله عنها فقالت خيرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترته أترى أن ذلك طلاق رجعي
فرع
إذا كان التفويض بالكناية وأنكر الزوج النية فالقول قوله وكذلك إذا إذا أنكرت نيتها فالقول قولها ولو قالت نويت أنا وأنكر الزوج فالقول قولها وفيه وجه بعيد أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وهو ضعيف
الطرف الثاني في حقيقة التفويض وفيه قولان
أحدهما أنه تمليك وكأنه ملكها نفسها
والثاني أنه توكيل كتوكيل الأجنبي
ويبتنى عليه أنها لو طلقت نفسها في مجلس آخر لا على الاتصال لم يجز إن جعلناه تمليكا لأن اتصال القبول لا بد منه وقبولها هو قولها طلقت
وإن جعلناه توكيلا جاز وقال القاضي وإن جعلناه توكيلا يحتمل أن يشترط ذلك في المجلس لأن هذه الصيغة تتاقضى جوابا ناجزا كقوله أنت طالق إن شئت فإنه يختص بمشيئتها في المجلس وأجرى ذلك في قوله وكلتك وفوض إليك طلاقك بالوكالة وعبر المحققون عن هذا بأنا إن جعلنا مطلق التفويض تمليكا فهل للزوج سبيل إلى توكيلها أن ينزل توكيلها أيضا على التمليك فيه تردد
فرع لو رجع عن التفويض قبل قبولها جاز على القولين جميعا وقال ابن خيران لا يجوز على قول التمليك وكأنه يضمن التعليق وهو بعيد لأنه ليس بأبلغ من قوله أنت طالق على ألف وله الرجوع قبل قبولها
الطرف الثالث في حكم العدد فإذا قال طلقي نفسك ونوى الثلاث فإن طلقت ونوت الثلاث نفذ وإن لم تنو لم يقع الثلاث بل وقعت واحدة وفيه وجه أنه يقع لأنالبناء في العدد أقرب من البناء في أصل النية وهذا يقوي مذهب أبي حنيفة رحمه الله نعم لو قال طلقي نفسك ثلاثا فقالت طلقت ولم تذكر العدد ولم تنو فيظهر البناء هاهنا لأنه صرح به لا سيما إن جعلناه تمليكا فإن مجرد قول القائل قبلت يكفي وإن يعد تمام الكلام لأنه كالبناء على الإيجاب
وأما كلام الوكيل فلا يبنى على كلام الموكل نعم إن اشترطنا القبول في المجلس على قول التوكيل فلا يبعد أيضا أن يحتمل البناء
فرع لو قال طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة طلقت بالاتفاق واحدة ولو قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت عندنا واحدة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقع هاهنا شيء أصلا والفرق مشكل عليه بين الصورتين
الركن الثالث القصد إلى لفظ الطلاق ومعناه

ويتوهم اختلال القصد بخمسة أسباب سبق اللسان والهزل والجهل والإكراه واختلال العقل
السبب الأول سبق اللسان

فإذا بدرت منه كلمة الطلاق في محاورته أو في النوم لم يقع طلاقه ولكن يعسر قبول دعواه إذا لم يكن قرينة نعم يدين باطنا وإن شهدت قرينه قبل ظاهرا مثل إن كان اسم امرأته طارق فقال يا طالق وزعم أنه التف بلسانه الكلام من غير قصد قبل قطعا لا كشهادة حل الوثاق فإن فيه خلافا لأن كلمة الطلاق مستنكر في غير النكاح
وإن كان اسم امرأته طالق واسم عبده حر فقال يا طالق ويا حر وقصد النداء لم يقع وإن قصد الإيقاع وقع وإن أطلق من غير قصد فعلى أيهما يحمل فيه وجهان
وقد ظهر أن قصد حروف الطلاق لايكفي بل لابد من قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق
السبب الثاني الهزل فإذا قالت المرأة في ملاعبتها طلقني ثلاثا فقال نعم أنت طالق ثلاثا كاللاعب المستهزىء وقع الطلاق لوجود فصد لفظ الطلاق ولم يعدم إلا القصد إلى الحكم ولا يشترط بدليل أنه لو طلق بشرط الخيار لنفسه نفذ وإن كان ذلك يعدم الرضا بالحكم وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق
ولم يحكم الشافعي رضي الله عنه بانعقاد نكاح الهازل وهو خلاف ظاهر الخبر أماالبيع وسائر التصرفات فتردد بعض الأصحاب في انعقادها من الهازل
السبب الثالث الجهل وهو أن يخاطب امرأة بالطلاق وهو يظن أنها زوجة غيره فإذا هي زوجته وقد رآها في ظلمة أو في جلباب أو كان أبوه زوجها منه في صغره وهو لا يدري فالمشهور أنه يقع طلاقها وهذا فيه احتمال ظاهر لأنه إذا لم يعرف الزوجية لم يقصد إلى قطعها وقد ذكرنا في كتاب الغصب وجها في نظيره من العتق أنه لا يقع وهو منقدح وبيانه أنه الأعجمي إذا لقن كلمة الطلاق وهو لا يفهم لم يقع طلاقه بالاتفاق وأما بيع الجاهل فظاهر صحته وهو إذا ما باع مال أبيه على ظن أنه حي وعلى هذا قالوا نفوذ الطلاق أولى والأقيس في البيع أنه أيضا لا ينعكس ولأن القصد إلى المعنى المجهول محال
السبب الرابع الإكراه وطلاق المكره لا يقع عندنا لأن قصده مختل إذ الإكراه بعث فيه القصد وكأنه فعل المكره وقال أبو حنيفة يقع
ثم نحن أيضا نوقعه مهما زعم المكره أنه كان راضيا أو ظهرت منه مخايل الاختيار وذلك كمخالفته للمكره بزيادة أو نقصان أو تغيير لفظ
مثال الزيادة أن يكرهه على طلاق واحد فطلق ثلاث أو على طلاق زوجة واحدة فطلق زوجتين
والنقصان أن يكلفه طلاق زوجتين فطلق واحدة أو على الثلاث فطلق طلقة أو اثنتين أو قال قل طلقتها فقال فارقتها أو قال طلق إحدى زوجتيك فعين واحدة وطلقها فإن التعليل دليل تبرمه بالمطلقة أما إذا ترك التورية وهو فقيه قادر ومعترف بأن الإكراه لم يدهشه عن ذكر التورية ففيه خلاف والظاهر أنه يقع ويجعل ذلك دليل الاختيار
والنظر بعد هذا في طرفين
أحدهما التصرفات المتأثرة بالإكراه والإكراه يسقط أثر التصرفات عندنا قطعا إلا في خمسة مواضع
الأول الإسلام فإنه يجوز إكراه الحربي عليه فيصح إسلامه وإلا فتبطل فائدة الإكراه وفي إسلام الذمي المكره خلاف والأصح أنه لا يصح
الثاني الإرضاع ولا يخرجه الإكراه عن كونه محرما لأنه منوط بوصول اللبن إلى الجوف لا بالقصد
الثالث القتل على أحد القولين فإنه يوجب القصاص على قول لأن الإكراه لم يرفع الإثم
الرابع المكره على الزنا على أحد القولين يحد لأن حصول الانتشار دلالة الاختيار فإنه لا يحصل بالإكراه ومأخذ القولين تردد في تصور الإكراه
الخامس إذا علق الطلاق على الدخول فأكره على الدخول ففيه قولان مأخذهما أن الصفة لا يشترط فيها القصد بل يكفي الاسم
أما البيع فيبطل بالإكره وقال أبو حنيفة رحمه الله ينعقد ولا يلزم
واعلم أن الاستثناء بالتحقيق يرجع إلا الإسلام فقط وإلى القتل على قول أما ما عداه فسببه عدم تصور الإكراه أو عدم اشتراط القصد
الطرف الثاني في حد الإكراه

وفيه مسلكان للأصحاب متباعدان
أحدهما أن يصير بحيث لا تبقى له طاقة في المخالفة بل يكون مضطرا إلى اختيار الموافقة شاء أم أبى كالذي يفر من أسد ضار فيتخطى النار والشوك ولا يبالي ومثل هذا لا يحصل إلا بسيف مسلول أو تخويف بالإلقاء في النار مثلا والشرط أن يصير كالمدهوش الذي لا تبقى له روية واستصواب
ثم الجبان قد يدهش ويسقط اختياره بما لا يسقط به اختيار الشجاع فالمعتبر سقوط خيرته في هذه الطريقة أما من يخوف بالحبس المخلد أو الجوع وما لا يأخذه في الحال منه أمر لا يطيقه فالطلاق به واقع بناء للأمر على الحزم والاستصواب وذلك عين الاختيار وهذه الطريقة أضم للنشر
المسلك الثاني أن ذلك لا يعتبر بل إذا خير بين الطلاق وبين أمر لا يحتمله العاقل لأجل الطلاق فطلق لم يقع الطلاق به كالحبس المخلد والتهديد بالضرب والجوع ممن يعلم أنه يحقق ذلك وكذلك صفع ذوي المروءة على ملأ من الناس وكذلك التخويف بإتلاف المال وقتل الولد وعند هذا ينشأ النظر في المكره به والمكره عليه
فإذا أكره على القتل بإتلاف المال أو الحبس فليحتمله وإن أكره على الطلاق بذلك فربما لا يحتمله وربما يقال يحتمل إتلاف المال في الطلاق فإن أكره بإتلاف مال على إتلاف مال فيتصدى النظر في القله والكثرة وضبط ذلك عسير ولا تخلو طريقه عن غموض ويحصل منه أن المتفق عليه الإكراه بالقتل أو الجرح الذي يخاف الموت منه كالقطع وما عدا ذلك فيخرج على الخلاف
السبب الخامس زوال العقل وذلك إن كان بإغماء أو جنون أو شرب دواء فيمنع نفوذ الطلاق والتصرفات وإن كان بمسكر تعدى بشربه ولم يصب قهرا في حلقه فنصوص الشافعي رضي الله عنه قديما وحديثا وقوع الطلاق ونص في الظهار قديما على قولين فقال بعض الأصحاب في المسألتين قولان ومعظم العلماء على وقوع طلاق السكران ومذهب عثمان وابن عباس وأبي يوسف وزفر والمزني وابن سريج رضوان الله عليهم أجمعين أنه لا يقع الطلاق وفي سائر تصرفاته طرق منهم من طرد القولين حتى في أفعاله ومنهم من قال أفعاله كأفعال الصاحي وإنما الخلاف في أقواله
ومنهم من قال ما عليه ينفذ والقول فيما له وأشهر الطرق طرد القولين في الكل
ومن شرب البنج متعديا فزال عقله منهم من ألحقه بالسكران لعدوانه ومنهم من ألحقه بالمجنون لأن ذلك لا يشتهى
فإن قيل ما حد السكر قلنا قال الشافعي رضي الله عنه إذا اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم والمقصود أن يصير مثل المجنون الذي لا تنتظم أموره أما ما دام في ابتداء نشاطه فهو كالعاقل وإن سقط كالمغشي عليه فهو كالنائم والمغمى عليه ويبعد طرد الخلاف به وقد قيل به وهو ضعيف لأن ذلك يعدم من أصل القصد
وطلاق المجنون والصبي كطلاق الهازل والجاهل وإنما لا يقع نظرا لهما والسكران لا يستوجب النظر ولذلك لا يسقط عنه انقضاء العبادات بخلاف المجنون والأقيس مذهب المزني وهو إلحاق السكران بالمجنون في التصرفات
الركن الرابع لنفوذ الطلاق المحل وهي المرأة
وفيه فصلان
أحدهما

أنه لو أضاف إلى بعضها نفذ وكمل ولو أضاف إلى عضو معين نفذ عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله ثم له ثلاث درجات
إحداها أن يضيف إلى جزء متصل كاليد والرأس والكبد والظهر وسائر الأعضاء الباطنة ولا خلاف في وقوعه نعم الأذن المنفصلة إذا عادت ملتحمة أو الشعرة الساقطة إذا انغرست في موضع آخر ففي الإضافة إليه فيه خلاف
الثانية أن يضيف إلى فضلات بدنها كالبول واللبن والعرق والدمع والمني فالصحيح أنه لا يقع وفيه وجه بعيد أنه يقع ولم يطرد ذلك الوجه في الجنين لأنه كالمستقل نعم ترددوا في الدم والشحم أنه يلحق بالفضلات أو بالأجزاء من حيث إن الدمكالقوام للروح والشحم يشبه السمن ولو قال سمنك طالق نفذ
الثالثة الإضافة إلى الصفة كقوله حسنك أو لونك أو بياضك طالق وذلك لاغ لأن الصفة تابع لا تقبل الإضافة دون الموصوف نعم لو قال روحك أو حياتك طالق قالوا إنه يقع لأن الروح جوهر وأصل والحياة كذلك ولا يحتمل نظر الفقهاء الخوض في الفرق بين الروح والحياة
فرع لو قال إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطع يمينها ثم دخلت ففي الطلاق وجهان مبينات على أن تنفيذ الطلاق المضاف إلى الجزء بطريق التسرية منه أو بطريق جعل ذكر البعض عبارة عن الكل وفيه خلاف فإن قيل بالتسرية فلم يصادف اليمين حتى تنفذ فيه فلا يقع وإن جعل عبارة عن الكل نفذ
أما إذا قال لمقطوعة اليمين يمينك طالق فالصحيح أنه لا يقع على الوجهين لأنه وإن جعل عبارة الجميع فحيث توجد
ولا خلاف أنه لو قال لها ذكرك أو لحيتك طالق لم يقع لأن المذكور مفقود
الفصل الثاني في إضافة الطلاق إلى الزوج

فإذا قال أنا منك طالق ونوى الطلاق نفذ عندنا خلافا لأبي حنيفة رضي رحمه الله عنه لا من حيث إن الرجل محل الطلاق لكن من حيث إنه قيد عليها والحل تارة يضاف إلى القيد وتارة إلى المقيد لأنه في حجر بسببها عن نكاح أختها وأربع سواها وفي قيد من لوازم النكاح فيصلح ذلك للكناية ومن الأصحاب من زعم أن الرجل محل الطلاق وأنه مقعود عليه كالزوجة وهو ضعيف إذ لو كان كذلك لما افتقر إلى النية ولحرم عليه أن ينكح غيرها نعم إذا نوى الطلاق فهل يشترط مع ذلك أن ينوى الإضافة إليها اختلفوا فيه قال القاضي لا يشترط ذلك لأن الطلاق يرد على العقد فإذا نواه لم يفتقر إلى الإضافة إليها
فرع إذا قال اعتد منك واستبرأ رحمي منك فهذا ليس بكناية لأنه ليس ينتظمإضافته إلى الرجل بخلاف سائر الكنايات كقوله أبنت نفسي منك وأنا خلي وبري عنك وكذلك لا ينتظم أن يقول السيد أنا منك حر إذ ليس عليه حجر قيد بسبب الرق وفيه وجه أن ذلك أيضا كناية
الركن الخامس الولاية على المحل

فإذا قال لأجنبية أنت طالق لم ينقص عدد طلاقه لو نكحها بعد ذلك ولو قال ذلك للرجعية نقص العدد لأن ولاية النكاح باقيه عليها
ولو قال للمختلعة لم يقع وقال أبو حنيفة رحمه الله يقع وينتقص العدد واكتفى ببقاء العدة عليه وولاية على المحل
ولو وقال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فنكحها فدخلت الدار لم يقع اتفاقا لعدم الولاية حالة التلفظ ولو قال إن نكحتك فأنت طالق فنكحها لم تطلق لعدم الولاية وقال أبو حنيفة رحمه الله تطلق لأن الولاية تراد عند النفوذ وقد وجدت نعم اختلف أصحابنا في أصلين
أحدهما أنه لو قال العبد لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتق ودخلت الدار هل تقع الثلاث ولم يكن يملك الثالث عند التعليق فمنهم من قال لا يقع لعدم الملك ومنهم من قال يقع لوجود النكاح المنتج للطلاق الثلاث عند العتق وكأن ملك الأصل يقوم مقام ملك الفرع وكذلك الخلاف فيما لو قال لجاريته إذا ولدت فولدك حر لأنه ملك الأصل المنتج لملك الولد فأشبه التصرف فيه التصرف في منافع الدار عند ملك الدار
الأصل الثاني أن دوام الولاية بين التعليق والصفة هل يشترط بيانه أنه لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم أبانها ثم جدد نكاحها ودخلت ففيه قولان يعبر عنهما بعود الحنث
أحدهما أنه يقع لوجود الولاية عند التعليق والصفة
والثاني لا لأن الواقع في هذا النكاح طلاق يفيده هذا النكاح وذلك لم يملكه عند التعليقولو علق الثلاث على الدخول ثم نجز الثلاث ثم جدد النكاح فالمنصوص أنه لا يعود
وفي القديم قول ضعيف أنه يعود وهو مجرد نظر إلى وجود الولاية في الطرفين
أما إذا علق طلقة واحدة ثم قال نجزت تلك الطلقة المعلقة ثم جدد نكاحها ودخلت فمنهم من ألحق هذا بتنجيز الثلاث ومنهم من قال الطلاق لا يتعين بتعينه فيلتحق هذا بمحل القولين
هذا كله إذا لم توجد الصفة حالة البينونة فلو وجدت انحلت اليمين فلا يعود قولا واحدا
هذا تمام النظر في أركان الطلاق واختتام الباب بذكر أصلين في ملك الطلاق
أحدهما أن من طلق ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلو طلق واحدة أو اثنتين فنكحت زوجا آخر ثم عادت إليه لم تعد إلا ببقية الطلاق وقال أبو حنيفة رحمه الله وطء الزوج الثاني يهدم الطلقات الماضية فتعود إليه بثلاث
ثم التحليل إنما يحصل بوطء تام في نكاح صحيح غير مختل
أما الوطء فيدخل فيه تغييب الحشفة من الخصي وتغييب قدر الحشفة من المجبوب بعضه ونزول المرأة على الزوج واستدخالها بالأصبع من غير انتشار إلا في استدخال ذكر العنين ففيه خلاف والظاهر أنه محلل والصحيح أن وطء الصبي محلل والإيتيان فى غير المأتى غير محلل وكذا تغييب بعض الحشفة
وأما النكاح فيخرج منه الوطء في ملك اليمين فإنه لا يحلل وكذا الوطء في النكاح الفاسد على القول الصحيح وفيه قول وفي الوطء بالشبهة خلاف مرتب وأولى بأن لا يحصل ثم ذلك إذا ظن أنها منكوحته فإن ظن أنها مملوكته فلا يزيد ظن الملك على حقيقته
وأما غير المختل فاحترزنا به عن الوطء بعد طلاق رجعي ثبتت الرجعة فيه باستدخال الماء لا بالوطء فالنص أنه لا يحلل لأنه محرم ويحتمل التحليل إذا لم نوجب المهر به وإن فرعنا على أنه يحلل في النكاح الفاسد فهو أولى ولو وطئها بعد الارتداد فالنص أنه لا يحلل وليس كالنكاح الفاسد فإنه عالم بالتحريم أما في حال الحيض والصوم فمحل لأنه لم يختل النكاح وكذا في حال إحرامها خلافا لمالك رحمه الله
ثم مهما ادعت أن المحلل وطئها كان للزوج تصديقها بغير بينة لأن بناء العقود على قولالعاقد ولكن إن كان غلب على ظنه كذبها لم يحل له وطؤها
فرع لو طلق زوجته الرقيقة ثلاثا ثم اشتراها لم يحل له وطؤها إلى أن يجري التحليل
وفيه وجه أن التحريم يختص بالنكاح ولا يحرم الوطء بملك اليمين بالطلقات الثلاث
الأصل الثاني أن الرق يؤثر في نقصان عدد الطلاق فيملك الحر ثلاثا ويملك العبد طلقتين وقال أبو حنيفه رحمه الله ينظر إلى جانب النساء فيملك الحر والعبد ثلاثا ولكن على الحرة ويملكان ثنتين ولكن على الأمة وهذا يخالف قوله عليه السلام الطلاق بالرجال والعدة بالنساء يعني العبرة في الطلاق بالرجال ثم يتولد من الأصلين فروع ثلاثة
الأول لو طلق الذمي زوجته الذمية طلقتين ثم التحق بدار الحرب فاسترق قال ابن الحداد له أن ينحكها لأنها لم تحرم بالطلقتين فطرآن الرق بعده لا يؤثر وفيه وجه أنه لا ينكحها لأنه في الحال رقيق فكيف يطلقها طلقة ثالثة لو نكحها
ولا خلاف أنه لو طلق طلقة ثم طرأ الرق فنكحها فلا يملك إلا طلقة واحدة ويحسب ما مضى عليه
الثاني لو طلق في الرق طلقة ثم عتق فيملك طلقتين في الحرية لأنه لم يستوف عدد الرق ولو طلق في الرق طلقتين ثم عتق لم يكن له نكاحها لأنها حرمت عليه في الرق وفيه وجه غريب أنه ينكحها
الثالث إذا طلق العبد طلقتين وعتق ولم يذر السابق هو الطلاق أو العتق قال ابن الحداد يحرم نكاحها لأن الرق مستيقن وكذا الطلاق والشك في تقديم العتق على الطلاق وخالفه بعض الأصحاب وهو بعيد
الباب الثالث حكم طلاق المريض

اعلم أن طلاق المريض كطلاق الصحيح في النفوذ وإنما النظر في انقطاع الميراث به لما فيه من الفرار عن التوريث قصدا وفيه قولان
الجديد وهو القياس والمشهور أنه ينقطع الميراث بالطلاق البائن كما في حالة الصحة وعلى هذا ينقطع التفريع
والثاني وهو القديم أنه يجعل فارا فيعارض بقيض قصده ونورث زوجته ويدل عليه قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فنقول الفار على هذا القول من أنشأ تنجيز طلاق زوجته الوارثة بغير رضاها فقد أوردنا في الضابط خمسة قيود
الأول الإنشاء واحترزنا به عن اقرار المريض بطلاق أسنده إلى حال الصحة فهو غير فار لأن الإقرار حجة وكذلك إذا أسند إقرار العتق إلى الصحة لم يحسب من الثلث وكذلك يجوز الإقرار للوارث وإن لم يجز الإنشاء وقال القاضي لا يبعد أن يجعل فارا لأنه محجور على إنشاء القطع وليس محجورا في حق الوارث عن إنشاء استقراضوالتزام فكان له الإقرار
القيد الثاني التنجيز فلو علق طلاق زوجته على قدوم زيد فقدم وهو مريض ففيه قولان يعبر عنهما بأن العبرة بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة والصحيح أنه ليس فارا لأنه ليس يظهر منه قصد الفرار أما إذا علقه بما لا بد من وجوده في المرض كقوله أنت طالق إذا ترددت الروح في شراء سيفي أو قبل موتى بلحظة فالصحيح أن هذا فار ومنهم من طرد الخلاف نظرا إلى حالة التعليق وكذلك لو علق بفعل من أفعال نفسه ثم أتى به في المرض فالظاهر أنه فار وقيل بطرد القولين أما إذا قال أنت طالق قبل موتي بيوم ثم مات فجأة فقد نفذ الطلاق في الصحة ويظهر في ذلك قصد الفرار فقياس التهمة أن يجعل فارا ولكن يحتمل أن ينظر إلى الصحة ونقطع الميراث
القيد الثالث الطلاق فلو فسخ نكاحها بعيب في المرض فلا يكون فارا ولو قذفها في الصحة ولاعن في المرض فليس بفار لأن اللعان ضرورة لدفع الحد والنسب وإن أنشأ القذف واللعان في المرض ففيه تردد للأصحاب والظاهر أنه غير فار
ولو ارتد الزوج ثم عاد فالصحيح أنه ليس بفار لأنه ليس يقصد بالردة ذلك
وذكر العراقيون وجهين وطردوا ذلك في المرأة إذا ارتدت في المرض وجعلوها فارة عن ميراثه وهذا بعيد
القيد الرابع الزوجة الوارثة فلو طلق زوجته الذمية فأسلمت أو الرقيقة فعتقت فلا يكون فارا لأنها لم تكن وارثة عند الطلاق ولا يبعد تخيل خلاف من تبرع الرجل على أخيه في مرضه وهو محجوب بولده ثم مات ولده لأن فيه قولين
القيد الخامس قولنا بغير رضاها فلو خالعها أو طلقها بسؤالها أو علق الطلاق بفعلها الذي لا ضرورة لها فيه ولا حاجة ففعلت فليس فارا ومنهم من طرد القولين ولم يجعل لرضاها أثرا
أما إذا علق الطلاق بأكلها أو ما تحتاج إليه وتتضرر بتركه فهو فار قطعا فإن قيل فلو تمادى المرض بعد الطلاق فإلى متى يتمادى توريثها قلنا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يتمادى أبدا والثاني أنه إلى انقضاء العدة
والثالث إلى أن تنكح زوجا آخر
الباب الرابع في تعديد الطلاق
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في نية العدد

فإذا قال أنت طالق أو طلقتك ونوى عددا وقع ما نوى عندنا لأن المصدر مضمر فيه وهو محتمل للجنس الشامل للعدد وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يقع إلا واحدة وسلم أنه لو قال أنت بائن ونوى ثلاثا نفذ وإن نوى اثنين لا ينفذ
فروع

الأول إذا قال أنت طالق واحدة ونوى الثلاث فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا ينفذ لأن الواحدة تنافى العدد
والثاني أنه يقع وكأنه يصيرها واحدة بالطلاق الثلاث
والثالث وهو اختيار القفال أنه إن بسط النية على جميع اللفظ لم يقع
وإن نوى الثلاث بقوله أنت طالق وذكر الواحدة بعده وقع الثلاث ولم يؤثر ذكر الواحدة وهذا بناء على المذهب الصحيح الذى ادعى الفارسي الإجماع فيه وهو أنه إذا قال أنت طالق ولم يكن في عزمه أن يقول إن شاء الله ثم قال متصلا به أنه لا يؤثر ومن الأصحاب من خالف وقال إذا اتصل الاستثناء وقصده لم يقع الطلاق فعلى هذا لا يتجه قول القفال
الثاني إذا قال أنت واحدة ونوى به توحدها بالطلاق الثلاث وقع الثلاث وإن لم يخطر بباله معنى التوحد ولكن نوى الثلاث ففيه احتمال وتردد
الثالث إذا قال أنت طالق ثلاثا ولكن وقع قوله ثلاثا في حال موتها بأن ماتت مقترنا به ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يقع الثلاث لأن الثلاث كالتفسير والمفسر وجد في الحياة
والثاني أنه يقع واحدة بقوله أنت طالق ويلغو العدد
والثالث أنه لا يقع شيئ لأنها ماتت قبل تمام الكلام
الفصل الثاني في تكرير الطلاق

وفيه مسائل
الأولى إذا قال لمدخول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإن قصد التكرار نفذ الثلاث وإن قصد التأكيد لم يقع إلا واحدة وإن نوى بالثانية الإيقاع وبالثالثة التأكيد للثانية وقع ثنتان وإن نوى بالثالثة تأكيد الأولى لم يقبل ووقع الثلاث لأن تخلل الفصل يمنع قصد التأكيد وإن أطلق فقولان
أحدهما أنه يحمل على التأكيد لأنه معتاد في لسان العرب فلا تقع إلا واحدة
والثاني أنه يقع الثلاث لأنه تلفظ ثلاث مرات وإنما يصرف الطلاق بقصد صحيح عن جهته ولم يقصد صرفه إلى التأكيد
ولو قال أنت طالق طالق طالق فله أن يقصد التأكيد ولو قال أنت طالق وطالق لم يمكن قصد التأكيد لتخلل الواو الفاصلة إذ المؤكد ينبغي أن يساوي المؤكد
ولو قال أنت طالق وطالق وطالق وقصد بالثالثة تأكيد الثانية جاز ولو قصد تأكيد الأولى لم يجز لتخلل الفصل
ولو قال أنت طالق وطالق بل طالق وقع الثلاث وامتنع قصد التأكيد لتغاير الألفاظ وكذلك قوله أنت طالق وطالق فطالق
ولو قال أنت طالق طالق أنت طالق فيجوز أن تجعل الثالثة تأكيد للثانية وإن تخلل قوله أنت لأن إعادة أدوات الضمير تحتمل في التأكيد
الثانية إذا قال لها أنت طالق طلقة وطلقة نص على وقوع ثنتين في المدخول بها وجميع هذه المسائل في المدخول بها إذ لا يتصور تعاقب الطلاق قبل الدخول ولو قال لفلان علي درهم فدرهم نص على أنه يلزمه درهم واحد فقيل قولان بالنقل والتخريج وقيل الفرق أن التكرار يتطرق إلى الأخبار ولذلك لو كرر في المجلس لم يتكرر بخلاف الإنشاء وكذلك لو قال لفلان علي درهم بل درهمان لا يلزمه إلا درهمان
ولو قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع الثلاث لأن الاستدراك لايتطرك إلى ماسبق إنشاؤه ويتطرق إلى الأخبار الثالة إذا قال أنت طالق طلقة مع طلقة أو معها طلقة أو تحت طلقة أو تحتها طلقة أو فوق طلقة أو فوقها طلقة فمقتضى الجميع الجمع بين طلقتين فيقع في المدخول بها طلقتان وفي غير المدخول بها وجهان
أحدهما أنه يقع ثنتان لأن الجمع ممكن كما لو قال أنت طالق طلقتين
والثاني أنه تقع واحدة لأن قوله طلقة كلام تام والباقي ليس تفسيرا له بخلاف قوله أنت طالق ثلاثا فإن الثلاث تفسير لطلاق
ولو قال لها أنت طالق فطالق بانت بالأولى ولغا قوله فطالق أعني قبل الدخول
ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق فهل تقع ثنتان عند الدخول فيه وجهانووجه أن الدخول يجعل كالجامع للطلقتين المذكورتين
الرابعة إذا قال لها أنت طالق طلقة قبل طلقة أو قبلها طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة ينفذ طلقتان في الدخول بها ولكن الواقع أولا مضمون قوله طلقة أو مضمون قوله قبلها طلقة فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى اللفظ واللفظ الأول قوله طلقة وفي الثاني ينظر إلى المعنى وقوله قبلها طلقة وإن ذكره آخرا فقد قدمه بالمعنى والأصل اتباع المعنى فيقع أولا مضون قوله قبلها طلقة وكلاهما يقعان بعد فراغه من تمام لفظه
فعلى هذا إذا خاطب بذالك غير المدخول بها فإن قلنا إن الواقع أولا مضمون قوله طلقة وقعت واحدة ولم تعقبها الثانية وإن قلنا الواقع أولا مضمون قوله قبلها طلقة لم يتصور أن تقع تلك وحدها ولا أن يقع بعدها طلقة فيؤدي إلى الدور فقياس مذهب ابن الحداد أنه لا يقع شيئ وقياس مذهب أبي زيد أنه يلغو قوله قبلها طلقة للبعد ويبقى مضمون قوله أنت طالق طلقة فتنفذ واحدة
الفصل الثالث في الطلاق بالحساب

وهو ثلاثة أقسام
الأول حساب الضرب فإذا قال أنت طالق واحد في اثنتين أو اثنتين في اثنتين وأراد الحساب بطريق الضرب حمل عليه وإن أراد الجمع حمل عليه لأنه قد يراد بها مع والاحتمال البعيد مقبول في الإيقاع وإن لم يقبل في نفي الطلاق وإن أراد الظرف قبل ولم يقع ما جعله ظرفا وإن أطلق فقولان
أحدهما أنه يحمل على الحساب لظهور ذلك في اللسان
والثاني يحمل على الظرف لأنه يحتملها والتنزيل على الأقل المستيقن أولى
وحكي قول ثالث أنه يقع الثلاث لتلفظه به وهو بعيد
ومهما كان جاهلا لا يفهم معنى الحساب قطع المحققون بأنه لا يحمل سياقه على الحساب
فرع الجاهل بالحساب إذا قال أردت بذلك ما يريد الحساب ففيه وجهان
أحدهما أنه يحتمل لإرادته
والثاني لا لأن إرادة ما لا يفهم محال
ويجري هذا الخلاف فيما لو قال طلقت زوجتي مثلما طلق فلان زوجته وهو لا يدري ذلك ومهما احتمل في الإحرام أن يقول أهللت بأهلال كإهلال فلان وهو لا يدري فلا يبعد أن يحتمل في الطلاق
القسم الثاني تجزئة الطلاق وفيه مسائل
إحداها لو قال أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة نقذ وكمل لا بطريق السراية بل بأن يجعل البعض عبارة عن الكل ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة وجهان
أحدهما أنه لا تقع إلا واحدة لأن المضاف إليه واحدة
والثاني أنه تقع طلقتان فكأنه قال طلقة ونصف
وكذا الخلاف في قوله خمسة أرباع أو أربعة أثلاث وما يزيد أجزاؤه على الواحده
الثانية إذا قال أنت طالق نصفي طلقة فالصحيح أنه تقع واحدة ولو قال نصف طلقتين فالصحيح أنه أيضا تقع واحدة لا كما لو كان في يدها عبدان فقال لفلان نصف العبدين ثم فسر بأحدهما لم يقبل إذ نصف الاثنين المتناسبين المطلقين واحد أما المعين فإنه لا يتجه فيه ذلك وقد قيل تقع طلقتان
وإن فسر بواحدة يدين وهل يقبل ظاهرا قالوا فيه وجهان
الثالثة لو قال أنت طالق سدس وربع وثلث طلقة فهي طلقة واحدة ولو كرر الطلقةفقال سدس طلقة وربع طلقة وثلث طلقة فمنهم من أوقع ثلاث ومنهم من رد جميع ذلك إلى طلقة واحدة وجعل تكراره للتأكيد
القسم الثالث في اشتراك نسوة في الطلاق

وفيه مسائل
الأول لو قال لأربع نسوة أوقعت عليكن طلقة واحدة طلقت كل واحدة طلقة إذ يخص كل واحدة ربع طلقة ولو قال طلقتين أو ثلاثا أو أربعا فلا تزيد كل واحدة على طلقة ما لم يزاوج الأربع
فإن قال أوقعت عليكن خمس طلقات طلقت كل واحدة ثنتين ولا تزيد إلى ثمانية
فإذا قال تسع طلقات طلقت كل واحدة ثلاثا أما إذا قال أوقعت بينكن طلقة فهو كقوله أوقعت عليكن إن أطلق وإن أظهر تفسيرا يخالف ذلك فهل يقبل فيه أربعة أوجه
أحدهما أنه يقبل كل ما يبديه من تخصيص وإضمار للاحتمال
والثاني أنه لا يقبل أصلا ما يخالف الاشتراك لأنه يصير الكلام كالمستكره
الثالث يقبل بشرط أن لا تخرج واحدة منهن عن الطلاق حتى لو قال أوقعت بينكن ثلاث طلقات ثم أراد تخصيص زينب بطلقتين ويوزع واحدة على الباقيات صح ولو أراد إخراج واحدة لم يجز
الرابع أنه يقبل التخصيص والإخراج بشرط أن لا يعطل طلاقا حتى لو قال أوقعت بينكن أربع طلقات ثم خصص زينب حتى تتعطل الرابعة لم يجز نعم يقبل في اختصاص ثلاث بها وتبقى الرابعة فتتوزع على البواتي وتطلق كل واحدة طلقة
الثانية إذا قال أوقعت عليكن سدس طلقة وربع طلقة وثلث طلقة فإن قلنا أن هذا في الواحدة محمول على ثلاث طلقات قال العراقيون طلقت كل واحدة ثلاثا إذ يوزع كل جزء على الجميع ويحتمل أن يقال إن ذلك كثلاث طلقات
ولو أوقع بينهن ثلاثا لم تطلق كل واحدة إلا طلقة واحدة
الثالثة إذا قال لثلاث نسوة أوقعت بينكن طلقة ثم قال للرابعة أشركتك معهن فإن لم ينو لم يقع شيء لأنه كناية وإن نوى الطلاق ولكن لم يخطر بباله كيفية الاشتراك قال القفال تقع عليها طلقتان لأن الشركة أن يكون لها نصف ما لهن ولهن ثلاث فنصفه واحدة ونصف فتكمل طلقتين وقال الشيخ أبو علي تقع واحدة لأن مطلق الاشتراك لا ينبأ عن مساواة الشريكين
الباب الخامس في الاستثناء

وله شروط ثلاثة
أحدها أنه لا يستغرق المستثنى عنه
والثاني بأن يتصل بالمستثنى عنه فلو انفصل ولو بزمان يسير فلم يصح وقال ابن عباس يصح الاستثناء المنفصل وهو بعيد
والثالث أن يكون قصد الاستثناء مقرونا بأول الكلام فإن قال أنت طالق ثم بدا له متصلا بالفراغ أن يقول إن شاء الله قال أبو بكر الفارسي هو باطل بالإجماع وخالفه بعض الأصحاب وعزا ذلك إلى الأستاذ أبي إسحاق وقال شرطه اتصال اللفظ أما اقتران النية فليس بشرط وكلام الفارسي أصح وشرح هذه المسائل في فصلين
الفصل الأول في الاستثناء المستغرق

وفيه مسائل
الأولى إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع الثلاث وبطل الاستثناء ولاستغراقه وتناقضه ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة ففيه وجهان
أحدهما أنه يجمع استثناؤه ويجعل مستغرقا فيبطل ووقع الثلاث
والثاني أن الاستغراق وقع بقوله واحدة فيلغى هذا القدر ويعتبر الباقي
وكذا الخلاف في قوله أنت طالق طلقتين وواحدة إلا واحدة فإن جمع المستثنى عنه صح الاستثناء وإن فرق بطل وكذلك لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة ووواحدة ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة وقع الثلاث على الوجهين لأن من جمع جمع من الجانبين ومن فرق فكذلك وهو مستغرق بكل حال
الثانية الاستثناء من الاستثناء صحيح ومعناه نقيض المستثنى عنه فهو من النفي إثبات ومن الإثبات نفي فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة معناه إلا اثنتين لا تقع إلا واحدة من الاثنتين تقع فتقع اثنتان ولو قال أنت طالقا ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه تقع الثلاث لأن الأول مستغرق فلغا والأخير استثناء من لاغ
والثاني وهو الصحيح أنه يقع واحدة لأن الكلام بآخره وقد أخرجه عنالاستغراق بالاستدراك
والثالث أن الاستثناء الأول يلغو ويصير الأخير استثناء عن الأول وهذا تحكم فاسد
الثالثة قال ابن الحداد إذا قال أنت طالق خمسا إلا ثلاثا وقعت ثنتان وكأنه زاد له وسع الاستثناء ومنهم من قال الخمس كالثلاث والاستثناء مستغرق فيبطل ولا نظر إلى الزيادة
ولو قال أنت طالق أربع إلا اثنتين فعلى مذهب ابن الحداد تقع اثنتان وعلى الوجه الآخر تقع واحدة وكأنه قال ثلاثا إلا اثنتين
الرابعة إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة وقعت ثلاث لأنه أبقى النصف فيكمل وفيه وجه أن استثناء النصف كاستثناء الكل كما أن إيقاع النصف كإيقاع الكل
الفصل الثاني في التعليق على بالمشيئة

وفيه مسائل
الأولى إذا قال أنت طالق إن شاء الله أو أنت حرة إن شاء الله لم يقع الطلاق والعتق لأن مشيئة الله غيب لا يدرى فصار الوصف المعلق به مجهولا وقال مالك رحمه الله لا يقع الطلاق ويقع العتق
ونص الشافعي رضي الله عنه أنه لو قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله أنه يكون مظاهرا فمن الأصحاب من طرد هذا في الطلاق وسائر العقود ومنهم من فرق بأن الظهار إخبار وتعليق الإخبار بالمشيئة لا يصح وكذلك لو قال لفلان علي عشرة إن شاء الله تلزمه العشرة والإنشاء يحتمل التعليق ومنهم من سوى بين العقود والإقرار وجوز الاستثناء بالمشيئة في الجميع وعليه التفريع
الثانية إن قال يا طالق إن شاء الله الظاهر أنه يقع لأن الاستثناء عن الاسم لا ينتظم إنما ينتظم الإنشاء وفيه نظر لأن هذا الاسم معناه الإنشاء فلذلك قال بعضهم إنه لا يقع شيء
أما إذا قال يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله انصرف الاستثناء إلى الثلاث ووقعت واحدة بقوله يا طالق
الثالثة لو قال أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله قال الأصحاب لا يقع شيء لأن قوله يا طالق لا يعمل الاستثناء فيه تفريعا على ظهره ويرجع الاستثناء إلى الثلاث وتخلل قوله يا طالق لا يدفع الاستثناء لأنه من جنس الكلام وهو كقوله أنت طالق ثلاثا يا حفصة إن شاء الله
الرابعة إذا قال أنت طالق إن لم يشأ الله أو إلا أن يشاء الله فموجب اللفظين واحد ومعناه التعليق بعدم المشيئة وكما لا تعرف المشيئة لا يعرف عدمها فقياس ذلك أن يقع الطلاق ونص عليه الشافعي رضي الله عنه بل هاهنا أولى لأنه علق على محال إذ يستحيل أن يقع الطلاق بخلاف مشيئة الله فهو كما لو قال أنت طالق إن صعدت السماء وقال صاحب التلخيص يحتمل أن يقال يقع بخلاف التعليق بالصعود لأن الصعود ممكن في نفسه والطلاق بخلاف المشيئة محال فكأنه قال أنت طالق طلاقا لا يقع وحكى عن القاضي أنه اختار وقوع الطلاق هاهنا وهو بعيد لأنه إن قال أنت طالق طلاقا إن اجتمع السواد والبياض لم يقع لأنه تعليق بمحال فكذلك قوله إن خالف طلاقك مشيئة الله فإنه أيضا محال ونعم يحتمل له مأخذ آخر وهو أنه لو قال إنت طالق إن لم يدخل زيد الدار فدخل لم يقع فإن مات زيد قبل الدخول تبين وقوعه وقت الطلاق فإن مات وأشكل الدخول ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يقع لأن الأصل عدم الوقوع
والثاني أنه يقع لأنه نجز الطلاق واستثناه ولم يثبت الاستثناء وهذا الوجه أظهر في
قوله أنت طالق إلا أن يدخل زيد الدار فإن هذه صيغة الاستثناء والصحيح أنه لا فرق بين الصيغتين فعلى هذا لا يبعد أن يقال مشيئة الله مستثنية فيقع الطلاق لذلك فهذا وجهه المتكلف والصحيح أنه لا يقع إذ لو وقع لكان الله قد شاء وقوعه وهو إنما علق الطلاق بعدم المشيئة إلا أنه إذا لم يقع تبين أن الله لم يشأ فقد تحقق الوصف الذي علق عليه فينبغي أن يقع ثم بالوقوع ينتفي الوصف فالشرط والجزاء هاهنا متضادان لا يجتمعان ومنشأ بدو النظر أن التعليق على هذا الوجه هل يصح وليس كما إذا علق باجتماع السواد والبياض لان التضاد بين السواد والبياض لابين الاجتماع وة الطلاق فلا تضاد بين الجزاء والشرط ويستمد هذا من مسألة الدور فإن قوله لغير المدخول بها إن طلقتك فأنت طالق قبله فيه تضاد بين الشرط والجزاء فألغاه أبو زيد لذلك واعتبره ابن الحداد وهذه المسألة تلتفت إليه
فإن قيل إذا قال أنت طالق إن شاء الله ما معنى التردد في مشيئة ومشيئته قديمة لا يتردد فيها فإن أريد تعلقها فلا يخلو إما أن يراد تعلقها بلفظ الطلاق أو بحكمة فإن أريد باللفظ فقد شاء اللفظ لأنه قد جرى وإن أريد الحكم فالحكم قديم والإرادة لا تتعلق بالقديم لأن الحكم كلام الله تعالى
فنقول معناه مشيئة حكم الطلاق والمشيئة قديمة ولكن المراد أن يحدث لها عند الحدوث تعلق بالإرادة القديمة وإن كان لها قبل الحدوث نوع تعلق على وجه آخر وذلك التعلق المتجدد مشكوك فيه وأما قوله الحكم قديم فلا يراد فهو كذلك ولكن مصير المرأة محرمة وصف حادث يستدعي تعلقا جديدا للكلام القديم به فللخطاب القديم تعلقات متجددة كما للإرادة والأحكام تبنى على التعليقات المتجددة لا على الأصل القديم
الباب السادس في الشك وفي الطلاق وفي محله

أما الشك في الطلاق فصورته أن يتردد في أنه هل طلق أم لا فالأصل أن لا طلاق فنأخذ بالاستصحاب كما إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث لأنه لا مجال للاجتهاد في الطلاق والحدث والاستصحاب يكفي وليس ذلك كطلاق يختلف فيه الفقهاء فإنه لا يجعل مشكوكا بل يجب الاعتماد على ما يقتضيه الاجتهاد وكذلك إذا طار طائر فقال إن كان هذا غرابا فامرأتي طالق وشك لم يقع الطلاق إلا إذا تبين أنه غراب فلو قال آخر وإن لم يكن غرابا فامرأتي طالق لم يقع طلاقه أيضا لأنه لو تفرد به لم يقع فتقدم غيره لا يفسر حكمه
أما إذا كان له زوجتان فقال إن كان هذا غرابا فعمرة طالق وإن لم يكن فزينب طالق حرمت واحدة وعليه أن يجتنبها لأنه اتحد الشخص فيحصل اليقين في حقه
فرع لو جرى ذلك في عبدين من رجلين فلكل واحد أن يتصرف في عبده فلو اشترى أحدهم العبد الآخر حتى اجتمعا في ملكه حجر عليه فيما إلى أن يتبين وفيه وجه أنه يختص الحجر بالمشتري لأن الأول كان يتصرف فيه فلا ينقلب حكمه بشراء الآخر والصحيح هو الأول
ولو باع الأول ثم اشترى الثاني فيحتمل أن يقال له التصرف في الثاني لأن تيك واقعة قد انقضت فهو كما لو صلى صلاة إلى جهة ثم تغير اجتهاده إلى جهة أخرى صلى لجهة أخرى ولم يقض الأولى ويحتمل خلافه لأن الاستصحاب ضعيف بالاضافة إلىالاجتهاد
وأما إذا شك في محل الطلاق كما إذا طلق واحدة منهما ثم نسي فعليه التوقف إلى التذكر
ولو قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق ثم قال أردت الأجنبية فهل يقبل فيه وجهان
أحدهما لا لأنها ليست محلا لطلاقه
والثاني نعم وهو الأضهر لأن اللفظ مبهم فعلى هذا يراجع حتى يعين
ولو قال لزوجتين إحداكما طالق طولب بالتعيين فإن كان قد نوى واحدة معينة طولب بالكشف والصحيح أن عدتها من وقت الإبهام وإن لم ينو طولب بتعيين واحدة للوقوع فإذا عين فيقع الطلاق بالتعيين أو يتبين وقوعه بالإبهام فيه وجهان
أحدهما أنه يقع بالإبهام والتعيين أو يتبين وقوعه بالإبهام فيه وجهان
أحدهما أنه يقع بالإبهام والتعيين كالبيان له والتنصيص على محله فتحسب العدة من ذلك الوقت على الصحيح كما إذا نوى
الثاني أنه يقع بالتعيين لأنه لو وقع قبله لوقع على غير محل فإنه بين المحل الآن ولكن لما أوقع من غير بيان محل ألزمناه ببيان المحل
ثم في التعيين نظر في حالة الحياة وبعد الموت
النظر الأول في الحياة وفيه مسائل
الأولى أنه يلزمه التعيين ويطالب به ويجب على الفور كما لو أسلم على عشر نسوة ويعصى بالتأخير ولو أبهم طلقة رجعية ففي وجوب التعيين في الحال وجهان لأن التحريم قد حصل ولكن النجاح لم ينقطع
الثانية أنه يلزمه نقتهما قبل التعيين وإن طالت المدة وكذلك إن نوى واحدة ولكن لم يبين وكذلك في مسألة الغراب إلى أن يتبين لأن حجر النكاح مطرد فلا بد من النفقة
الثالثة إذا وطئ إحداهما فإن قلنا إن الطلاق يقع بالتعيين لم يكن ذلك تعينا وإن قلنا إنه كالبيان فلا يبعد أن يجعل ذلك بيانا للمنكوحة وكذلك الخلاف إذا وطئ إحدى أمتيه وقد أبهم العتق بينهما وحيث جعلنا الوطء تعيينا فلا مهر لها وإن لم نجعله تعيينا فعين الأخرى للنكاح ففي وجوب المهر وجهان يبتنيان على وقت وقوع الطلاق
الرابعة إذا ماتتا أو إحداهما لم تسقط المطالبة بالتعيين لأجل الميراث وهذا يؤيد قولنا إن الطلاق يقع بالإبهام وعلى الوجه الآخر اختلفوا ومنهم من قال هاهنا للضرورة يحمل التعيين على البيان لا على الإيقاع ومنهم من قال نتبين وقوع الطلاق على المعينة قبيل موتها وهذا كما نقول في المبيع إذا تلف فإننا نتبين الانفساخ قبيل التلف للضرورة
الخامسة في صيغ التعيين وفيه صورتان
إحداهما أن يقول نويتهما جميعا فلا يقع عليهما لأن اللفظ لا يحتمله ولكنه إقرار لهما بالطلاق فلكل واحدة مؤاخذته بذلك ولو قال أردت هذه ثم هذه قال القاضي تطلق الأولى دون الثانية لأن لفظه لا يحتمل الجمع وقال الإمام الوجه أن يكون إقرارا للثانية أيضا ويلغى قوله ثم كما إذا قال هذه الدار لزيد ثم لعمرو فإن لعمرو مؤاخذته
ولو قال أردت هذه بعد هذه فعند القاضي يقع على الثانية لأنها مقدمة في المعنى وإن تأخرت في الذكر وعلى مذهب الإمام يؤاخذ بهما
الصورة الثانية أن يبهم طلاقا بين ثلاث نسوة ثم يجلس اثنتين في جانب والثالثة في جانب ثم قال أردت هذه ووقف قليلا ثم قال أو هذه فنقول لم يرفع الإبهام فلو عين الثالثة تعينت الأخيرتان للنكاح ولو عين إحداهما شاركتها صاحبتها لأنه جمعهاإليه في الإقرار بقوله هذه أو هذه وإنما تعين للشركة صاحبتها لوقفته بالصيغة فلو قال على السرد هذه أو هذه وهذه احتمل أن تكون الثالثة شريكة الأولى وشريكة الثانية ويرجع إليه ويقبل في ذلك قوله
هذا كله إذا كان قد نوى أما إذا أبهم الطلاق من غير نية فطالبناه فقال عينت هذه أو هذه فبلغو قوله فلو قال عينت هذه وهذه تعينت الأولى ولغا قوله في الثانية لأنه ليس إقرارا حتى يؤاخذ به هل هو إنشاء ولا يستقل بنفسه إنشاء إذا لم يسبق لفظ صالح للجميع
المسألة السادسة في النزاع ولها ثلاث صور
إحداها لو كان قد نوى فادعت واحدة أنه أرادها وأنكر فالقول قوله فإن نكل حلفت وتعينت للطلاق بيمينها وتعينت الأخرى بإقرار الزوج لها حيث أنكر الثانية
والصورة الثانية أن يكون قد طلق واحدة معينة منهما لكنه نسي فقالت واحدة طلقتنى فلا يقبل قول الزوج نسيت بل عليه أن يحلف على البت أنه ما طلقها فإن نكل حلفت على البت وحكم لها ولو قبلنا يمين الرجل علي نفي العلم والنسيان للزم في الاستقراض وسائر الدعاوى
الصورة الثالثة في مسألة الغراب إذا قالت واحدة أنه إذا كان غرابا فأنا طالق فأنكر الزوج فعليه أن يحلف على البت أنه لم يكن غرابا أو ينكل حتى تحلف على البت أنه كان غرابا
ولو علق دخولها أو دخول غيرها فتنازعا اكتفى منه بيمين على نفي العلم بالدخول هكذا قاله إمامي وليس يتبين لي فرق بينهما أصلا بل ينبغي أن يقال علي يمين جازمة أم نكول في المسألتين جميعا
النظر الثاني فيما بعد الموت

وفيه ثلاث مسائل
إحداها إذا ماتا جميعا فعليه التعيين فإن كان قد نوى بقبله فبين للوارث تحليفه لأجل الميراث وإن لم يكن قد نوى فعين لم يكن لهم التحليف لأنه إنشاء منوط باختياره وقال أبو حنيفة رحمه الله ينحسم التعيين بالموت وللزوج نصف حقه من ميراث كل واحدة
الثانية أن يموت الزوج أيضا فهل للوارث التعيين نظر فإن كانتا في الحياة فيوقف ميراث كل واحدة بينهما حتى يصطلحا وليس لوارث الزوج التعيين
وإن ماتت إحداهما ثم مات الزوج ثم ماتت الأخرى فإن عين الوارث الأولى للطلاق فهو مقر على نفسه إذ حرم مورثه عن الميراث فيقبل وإن عين الأخيرة ليحرمها عن ميراث مورثه وليجوز ميراث الأولى فهذا محل غرضه ففي تعيينه ثلاثة أقوال
أحدث أنه يقبل لأنه خليفة المورث في خيار الشفعة وغيره فكذلك في هذه
والثاني أنه لا أثر له لأن حقوق النكاح لا تورث
والثالث أنه إن قال إن الزوج قد نوى هذه فله ذلك فلعله سمعه أو فهمه بقرينة وإن قال لم ينو ولكنه أراد إنشاء التعيين لم يجز لأن هذا إلى الزوج وكذا الخلاف في تعيين الوارث إذا أبهم العتق بين عبدين ومات لأن للوارث غرضا فيه والعراقيون أرسلوا ذكر قولين في أن الوارث هل يعين حيث يعين الزوج لو كان حيا ولم يفرقوا بين أن يكون له غرض أو لا غرض له وهذا التفصيل ذكره القفال وهو أحسن
الثالثة إذا قال إن كان هذا غرابا فزوجتي طالق وإن لم يكن غرابا فعبدي حر فيحجر عليه فيهما جميعا لأن المالك متحد وإن كان الجنس مختلفا فإن مات قبل التعيين فهل للوارث التعيين فيه طريقان
أحدهما طرد القولين
والثاني القطع بأن لا يعين لأن لللقرعة مدخلا للعتق فهو أولى من التعيين وإن لم يكن لها مدخل في الطلاق
وإذا وقع الإبهام في محض الإرقاق فلا خلاف في أن المحكم للقرعة فعلى هذا لو أقرعنا فخرج على الرقيق عتق وتعينت المرأة للنكاح وورثت وإن خرج على المرأة لم تطلق لأن القرعة لا تؤثر في الطلاق ولكن هل يتعين الرقيق للرق فيه وجهان
أحدهما نعم لأن القرعة إن قصرت عن حكم الطلاق فتستعمل في الرق والعتق
والثاني لا لأن تعيينه للرق فرع تعيين المرأة للطلاق بالقرعة فإذا لم تعمل القرعة في محلها كيف تعمل فيما يثبت ضمنا له فعل هذا يبقى الإبهام إذ كنا نتوقع بالقرعة بيانا فلم يحصل
الشطر االثاني من الكتاب في التعليقات

والنظر فيه في فصول مطولة وفي فروع متعددة موجزة فلنقدم الفصول وهي ستة
الفصل الأول في التعليق بالأوقات

وهي أربعة
النوع الأول في التعليق بمجيء وقت منتظر وصيغة التعليق إن وفي معناه إذا فلا فرق بين أن يقول إن طلعت الشمس أو إذا طلعت الشمس أو إن دخلت الدار أو إذا دخلت الدار فالكل تعليق وقال مالك رحمه الله إذا علق بما يستيقن وقوعه كطلوع الشمس وقع في الحال وهو ضعيف
فنقول لو قال أنت طالق في أول شهر رمضان طلقت كما أهل الهلال مقرونا بأول جزء منه ولا نقول إن في للظرف فيقضي وقتا محتوشا بوقتين من شهر رمضان بل لا يشعر بالانطباق عليه ولو قال أنت طالق في شهر رمضان فكمثل ولو قال أنت طالق في يوم السبت طلقت مع طلوع الفجر ولو قال أبو حنيفة رحمه الله يقع في آخر النهار وآخر الشهر التفاتا إلى أن الوجوب المعلقبوقت موسع يستقر في آخره
ولو قال أنت طالق في آخر شهر رمضان طلقت في آخر جزء منه وفيه وجه آخر أنها تطلق في أول جزء من ليلة السادس عشر لأن النصف الأخير كله آخر الشهر ولو قال أنت طالق في أول آخر الشهر طلقت في أول يوم الأخير على وجه وفي أول نصف الأخير على وجه ولو قال في آخر أول هذا الشهر ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه آخر النصف الأول
والثاني أنه آخر الليلة الأولى
والثالث أنه آخر يوم الأول
ولو قال في سلخ الشهر فثلاثة أوجه
أحدها أنه آخر جزء من الشهر إذ به الانسلاخ
والثاني أنه أول اليوم الأخير
والثالث أنه أول جزء من الشهر لأنه منه يأخذ في الانسلاخ وهذا ركيك
ولو قال عند انسلاخ الشهر لم يتجه إلا في آخر جزء من الشهر
النوع الثاني التعليق بمضي الأوقات فلو قال إذا مضى يوم فأنت طالق وهو با الليل فيقع مع الغروب من الغد وإن كان بالنهار فإلى أن يعود النهار إلى مثل وقته ولو قال إذا مضت السنة فتطلق مع استهلال المحرم وإن لم يكن قد بقي إلا يوم ولو قال إذا مضت سنة فلا بد من اثني عشر شهرا من وقت اليمين ويكفي الأشهر العربية لكن الشهر الذي هو فيه إذا كان في وسطه يكمل ثلاثين من آخر السنة وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا انكسر شهر انكسر جميع الشهور لأنه لا بد من التوالي
النوع الثالث التعليق بالزمان الماضي فإذا قال أنت طالق بالأمس قصدت الآن إيقاع الطلاق بالأمس قلنا هذا محال لأن حكم اللفظ لا يتقدم على اللفظ وهل يقع في الحال فيه وجهان
أحدهما نعم لأن حكم لفظه لو تحقق شمل الوقت الحاضر فينفذ في القدر الممكن
والثاني وهو الأقيس أن هذا لغو من الكلام فلا يقع به شيئ
ولو قال أوقعت الآن طلقة ينتشر حكمها إلى الأمس لأنه محال
والثاني هو اختيار الربيع أنه لا يقع لأنه أوقع ما يتصف بهذه الصفة وما وصفه به فهو محال فلا يقع شيئ
وترجع حقيقة الخلاف إلى أنه إذا وصف الطلاق بوصف جعل محالا يلغى أصل الطلاق أو الوصف واستدل الربيع بقوله أنت طالق إن أحييت ميتا أو صعدت السماء فإنه لا يقع فاختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أوجه
منهم من وافقه
ومنهم من قال يقع في مسألة الصعود والإحياء وهو كقوله أنت طالق طلاقا لا يقع عليك
ومنهم من فرق بين الإحياء والصعود وقال الإحياء محال من المخلوق فهو كقوله طلاقا لا يقع عليك وأما الصعود فممكن في نفسه
والصحيح أن هذه التعليقات صحيحة والمقصود الإبعاد كقوله تعالى { حتى يلج الجمل في سم الخياط } وأما قوله طلاقا لا يقع فهو متناقض في ذاته وقوله طلاقا ينعكس حكمه على ما مضى ليس بمتناقض لكنه مخالف حكم الشرع فينقدح فيه التردد ولا بأس بما ذكره الربيع فيه
ولو قال إذا مات فلان فأنت طالق قبله بشهر صح فإن مات قبل مضي الشهر لم يقع الطلاق لأنه يؤدي إلى التقديم على اللفظ ولو مات بعد شهر تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر وكذلك لو قال قبل قدوم زيد وقبل دخول الدار بشهر وقال أبو حنيفة رحمه الله يستند الطلاق في الموت دون القدوم والدخول وهو تحكم
ولو قال أنت طالق أمس غدا أو غدا أمس وقع في الحال لأن اليوم هو أمس غدا وغدا أمس ولو قال أنت طالق في السنة الماضية ولم يبين فالظاهر الحكم بالطلاق لأن ظاهره الإقرار بوقوع الطلاق ولو قال أردت أو زوجا آخر طلقك أو طلقتك أنا في نكاح آخر ثم جددت فإن أقام بينة قبل وإلا حكم بالطلاق في الوقت ولو قال أردت طلقة رجعية فيقبل لأنه تقرير للطلاق في هذا النكاح
النوع الرابع التعليق بتكرير الأوقات وفيه مسألتان
أحدهما إذا قال أنت طالق ثلاثا في كل سنة طلقة طلقت طلقة واحدة في الحال وواحدة في أول محرم السنة الثانية إن أراد السنين العربية والثالثة في أول محرم السنة الثالثة إن بقيت العدة وإن لم يرد السنة العربية فلا تقع الثانية ما لم تنقض سنة كاملة من الأولى
وإن أطلق فوجهان على حسب الاحتمالين
فلو أبانها ثم جدد النكاح في وسط الثانية وقلنا بعود الحنث طلقت كما نكحها وإن كان أول السنة قد ما فات لأن جميع السنة وقت وإنما عجلنا في أول السنة عند دوام النكاح لمصادفة الوقت
الثانية لو قال أنت طالق ثلاثا في كل يوم طلقة طلقت طلقة في الحال ووقعت الثانية صبيحة اليوم الثاني فلو قال لو أردت أن يتخلل بين كل طلاقين يوم كامل فيدين باطنا وهل يقبل ظاهرا فيه وجهان وهذا يخالف السنة لأن اليوم مقدر محصور لا يوجب الحساب تداخله كما يوجب تداخل السنين
الفصل الثاني في التعليق بالتطليق ونفيه

وفيه ثلاثة صيغ
الأولى أن يقول إن طلقتك فأنت طالق فإذا قال ذلك بعد الدخول فمهما طلقها واحدة طلقت طلقة أخرى بالتعليق ولا يختص ذلك بالمجلس كقوله متى ما و مهما وإذا فكل ذلك لا يقتضي فورا إلا إذا علق على مشيئتها أو بإعطائها مالا فيختص بالمجلس لاقتضاء القرينة لا للفظ
وأما قبل الدخول فلا تقع الطلقة المعلقة لأنها بانت بالأولى ولذلك نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو خالعها لم يقع الطلاق المعلق لأنها بانت بالخلع فلا يلحقها طلاق
وقد ظن أكثر الأصحاب أن هذا يدل على أن الجزاء يترتب على الشرط ويقع بعده لأنه لوقع معه لوقع قبل الدخول ويكون كما لوقال أنت طالق طلقتين ويشهد لهذا أيضا أنه لو قال لغانم مهما أعتقتك فسالم حر ثم أعتق غانما في المرض والثلث لا يفي بهما لم يعتق من سالم شيء بخلاف ما لو أعتقهما جميعا فإنه يقرع بينهما والصحيح أن الجزاء مع الشرط لأن الشرط جعل علة بالوضع فهو كالعلة الحقيقية والمعلول مع العلة وإن كان بينهما ترتيب عقلي في السببية بل هو كحركة الخاتم فإنه مع حركة اليد وإن كان معلولا له وإنما لم يقع قبل الدخول لأن مقتضاه وقوع الطلاق مع أول حال البينونة وأول حال البينونة يضاد الطلاق كما في حال البينونة وكذلك لو قال لها أنت طالق طلقة معها طلقة لم يقع إلا واحدة على أدق الوجهين بخلاف ما لو قال أنت طالق طلقتين لأن البينونة معلول مجموع الطلقتين وقوله طلقتين كالتفسير لقوله طالق وكذا لا يعتق سالم لأن عتقه معلول عتق غانم وربما خرجت القرعة على سالم فيعتق دون عتق غانم فيكون المعلول قد ثبت دون العلة وذلك محال وهذا كلام دقيق عقلي ربما يقصر نظر الفقيه عنه
النظر الثاني في هذه المسألة أن التعليق هل يكون تطليقا فإذا قال إن طلقتك فأنت طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وقعت طلقة بيمين الدخول وأخرى بيمين التعليق لأن التعليق مع الصفة تطليق نعم مجرد التعليق ليس بتطليق وكذلك لو تقدم التعليق ولم يوجد بعد يمينه إلا مجرد الصفة لم يكن تطليقا إلا إذا قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق وكأن التعليق بالدخول مقدم على هذا التعليق فإنه إذا وقع بمجرد الصفة وقعت طلقة أخرى لأنه وقوع وليس بإيقاع وعن العراقيين وجه أن التعليق مع الصفة ليس أيضا بتطليق وهو بعيد لأن سيما فيما إذا علق بفعل نفسه وأتى بالفعل
فرعان

الأول إذا قال إن طلقتك عمره فحفصة طالق ثم قال إن طلقتك حفصة فعمرة طالق ثم بدأ بحفصة فطلقها طلقت حفصة بالتنجيز طلقة وطلقة عمرة بالتعليق طلقة وعادت طلقة إلى حفصة من طلاق عمرة لأنه تعليق طلاق عمرة تراخى عن تعليق طلاق حفصة فكان تطليقا لها وقد علق طلاق حفصة على تعليقها
ولا بدأ بعمرة فطلقها فيرجع الطلاق على حفصة ولم يرجع طلاق إلى عمرة لأن تعليق طلاق حفصة سبق تعليق طلاق عمرة فكان بالنسبة إلى تعليق طلاق عمرة وقوعا محضا لا إيقاعا نعم لو أبدل لفظ الإيقاع بالوقوع وقع على المطلقة طلقة تنجيزا وطلقة أخرى تعليقا ولم يقع على الأخرى إلا طلقة واحدة لأنه إن حل اليمين لأن حرف إن ومهما لا يقتضي التقرار بخلاف كلما فينحل بوجود الصفة مرة واحدة
الفرع الثاني إذا قال وله نسوة وعبيد إذا طلقت واحدة فعبد من عبيدي حر وإذا طلقت اثنتين فعبدان حران وإذا طلقت ثلاثا فثلاثة وإذا طلقت أربعا فأربعة ثمطلق أربعة نسوة عتق عشرة أعبد لأنه حنث في الإيمان الأربعة لأن في الأربعة أربعة وثلاثة واثنتين وواحدة وذلك عشرة
ولو أبدل إذا بكلما عتق خمسة عشر فيعتق بيمين الواحد أربعة لأن فيها أربعة آحاد وبيمين الاثنين أربعة لأن فيها اثنين مرتين وبيمين الثلاثة ثلاثة وبيمين الأربع أربعة وذلك خمسة عشر وقال أبو حنيفة رحمه الله يعتق ستة عشر لأنه حسب الثلاثة مرة فبقي الواحد فحسبه في يمين الواحد مرة أخرى وهو خطأ لأنه قد حسب مرة في يمين الآحاد ومن الأصحاب من ذلك يعتق سبعة عشر وإنما زاد اثنين بيمين الاثنين لأنه زعم أنه في الأربعة اثنين ثلاث مرات لأنه حسب الثاني والثالث مرة وهذا خطأ لأنه لو جاز هذا لجاز أن يصير ثلاثة أيضا مرتين فإن الثاني والثالث والرابع ثلاثة أخر سوى الأول والثاني والثالث ولا قائل بهذا
الصيغة الثانية التعليق بنفي التطليق فإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق في الحال وكذلك إذا قال إن لم أضربك فإنه يتوقع ذلك في الاستقبال ولا يقتضي الفور ولو قال إذا لم أطلقك ومضى زمان يسير يسع التطليق ولم يطلق وقع الطلاق لأن إذا ظرف زمان ومعناه أي وقت أطلقك فيه فأنت طالق
وقوله متى ومتى ما كقوله إذا في اقتضاء الفور وفي الأصحاب من لم يتضح له الفرق فجعل المسألتين على قولين وهذا ضعيف إذ الفرق ظاهر نعم لو قال أردت بإذا ما يريده المريد بقوله إن يدين وهل يقبل ظاهرا فيه وجهان
التفريع إذا قلنا لا يقع في صيغة إن على الفور فإنما يقع عند حصول اليأس بخلو العمر عن الضرب والتطليق ولليأس ثلاث صور
إحداها موت أحد الزوجين فإذا مات قبل الطلاق والضرب تبينا وقوع الطلاق قبيل الموت وكان يحتمل أن نتبين وقوعه عند اللفظ ولكن اللفظ مطلق يحتمل الأمرين وتنزيله على إخلاء العمر محتمل والأصل نفي الطلاق من غير يقين ما يوقعه وإنما يتحقق عدم الضرب لانقضاء العمر ففيه يقع
الصورة الثانية طرآن الجنون على الزوج وذلك لا يوجب اليأس لأنه ربما يفيق فإن اتصل بالموت تبينا وقوع الطلاق قبيل الجنون وإن كان يمكن أن يوقع قبل الموت إذ به يتحقق اليأس ولكن قبل الجنون يثبت اليأس إلا بانتظار الإفاقة فإذا لم تقع الإفاقة فالجنون كالموت في اليأس وهذا في الطلاق أما في الضرب فلا يأس لأن ضرب المجنون في تحقيق الصفة ونفيها كضرب العاقل على الصحيح
الصورة الثالثة انفساخ النكاح وذلك لا يوجب اليأس لأنه ربما ينكحها فيطلقها ولا يشترط النكاح الأول لتحقيق الصفة فإن نكحها وطلقها فقد تحققت الصفة وإن لم يطلقها وكانت في نكاحه عند الموت وقلنا بعود الحنث وقع الطلاق قبيل الموت وإن لم نقل بعود الحنث أو لم تكن في نكاحه تبينا وقوع الطلاق قبيل الفسخ ولتفرض في الطلاق الرجعي حتى لا نقع في الدور ونتصور الجمع بينه وبين الفسخ
الصيغة الثالثة أن يقول أن طلقتك فأنت طالق وأن لم أطلقك فأنت طالق وقع في الحال لأن أن للتعليل معناه أنت اطلقك لأن لم أطلق ويجوز في اللغة الفصيحة حذف اللام واستعمال أن فهو إذا كقوله أنت طالق لرضا فلان فإنه يقع في الحال ولو سخط وهذا في حق من يعرف اللغة ومن لا يعرف اللغة فلا فرق في حقه بين إن وأن
الفصل الثالث في التعليق بالحمل والولادة

وفيه مسائل
الأولى إذا قال لها إن كنت حاملا فأنت طالق فلا يقع في الحال لأن الحمل لا يعلم بيقين فلو أتت بولد لأقل من ستة أشهر تبينا الوقوع عند اليمين وإن كان لأكثر من أربع سنين تبينا أنه لم يقع وإن كان بين المدتين فإن كان يطؤها فلا يقع وإن امتنع عنها فقولان
أحدهما يقع لأن النسب قد ثبت فيدل على وجود الحمل
والثاني لا لأن لحوق النسب يكفي فيه الاحتمال ولا يقع الطلاق بالاحتمال
واختلفوا في أنه هل يحرم الوطء قبل تحقق الحال فقيل أنه لا يحرم بالشك كمسألة الغراب وقيل إنه يحرم لأن استكشافه ممكن على قرب وعلى هذا يجب الاستبراء بالحيض ويتفرع عنه ثلاثة فروع
أحدها أنه هل يكتفي في الحرة بقرء واحد فيه وجهان
أحدهما لا كالعدة
والثاني نعم لأن الغرض مجرد استدلال وقد حصل
الثاني إذا استبرئها ثم وقال مرة أخرى قبل الوطء إن كنت حاملا فأنت طالق فالظاهر أنه لا يجب إعادة الاستبراء وقيل إنه يجب لأن العدة الماضية لا تؤثر فكذلك هذا
الثالث إذا خاطب بذلك صغيرة وهي في سن الحيض فيستبرئها بشهر أو أشهر وإن خاطب آيسة فهل يكفي سن اليأس دلالة أو لا بد من الاستبراء فيه وجهان
المسألة الثانية إذا قال إن كنت حائلا فأنت طالق فهذه كتلك المسألة ولكن حيث يحكم ثم بالوقوع فهاهنا يحكم بخلافه لأن الشرط هو عدم الحمل ويزيد هاهنا أن تحريم الوطء هاهنا أقرب لأن الأصل الحيال وأيضا أثر الاستبراء ثم في نفي الطلاق وهاهنا في الوقوع وقد قطعوا بأنه إذا انقضى ثلاثة أقراء يقع الطلاق وفيه نظر لأنه لا يفيد يقين البراءة والشرط لا بد من استيفائة فإنه لو علق على الاستيقان لم يقع بالاستبراء والمطلق يقتضي الحمل على اليقين وقد مال إليه الشيخ أبو محمد ثم قال الأصحاب إذا أوقعنا بعد الإقراء فأتت بولد لدون ستة أشهر تبينا أنه لم يكن الطلاق واقعا ونقضنا ذلك الحكم قطعا وإن كان وطئها وطئا يمكن الإحالة عليه ففيه نقض ذلك الحكم وجهان
المسألة الثالثة في صيغ التعليق بالحمل فإذا قال فقال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق طلقة وإن كنا حاملا بأنثى فأنت طالق طلقتين فأتت بذكرين وقعت طلقة واحدة ولم نزدوإن أتت بذكر وأنثى وقعت ثلاث لأنه حنث باليمين وإن قال إن كان حملك ذكرا فطلقه وإن كان أنثى فطلقتين لم يقع شيء أصلا فإن لفظه يقتضي حصر الجنس ولو أتت بذكرين قال القاضي تقع طلقة لأن التنكير في لفظه لتنكير الجنس وقال الشيخ أبو محمد لا يقع شيء لأنه لتنكير الواحد فلا يسمى ذلك ذكرا
المسألة الرابعة إذا قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فأتت بولدين طلقت بالأول وانقضت عدتها بالثاني فإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فهل يقع الطلاق بالولد الثاني وبه تنقضي العدة الجديد أنه لا يقع لأنه يصادق أول وقت البينونة وللشافعي رضي الله عنه نص في الإملاء أنه يلحق الثانية وليس له وجه وتكلف القفال توجيهه فقال لو قال للرجعية أنت طالق مع انقضاء العدة فيتجه قولان وزعم أنه يحتمل أن يقع مع الانقضاء لا في العدة ولا في البينونة وشبه ذلك بما لو قال أنت طالق بين الليل والنهار فلا يقع في الليل ولا في النهار بل يقع في الآن الفاصل بينهما والطلاق من جملة ما يقع دفعه في الآن ولا يقع في زمان وهذا له وجه في التحقيق إذ فرق بين الآن وبين الزمان الذي ينقسم ولكن في مسألة الولادة غير منقدح لأن مقتدى اللفظ أن يقع مع الولادة والولادة تقارنها البينونة والبينونة تضاد الطلاق فالصحيح هو القول الجديد
ولو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق واحدة وإن ولدت ذكرا فاثنتين فولدت غلاما طلقت ثلاثا لوجود الصفتين ولو قال إن ولدت أنثى فواحدة وإن ولدت ذكرا فاثنتين فولدت خنثى لم يقع في الحال إلا واحدة لأنه المستيقن
فرع إذا قال وله أربعة نسوة حوامل كلما ولدت واحدة فصويحباتها طوالق فولدن على التعاقب والتقارب طلقن جميعا أما الرابعة فثلاث إذ ولدت قبلها ثلاثنسوة وأما الثالثة فثنتان إذ ولد قبلها اثنتان وانقضت عدتها بولادتها قبل ولادة الرابعة أما الثانية فواحدة إذ طلقت بولادة الأولى وانقضت عدتها بولادتها نفسها فلم يلحقها طلاق بعده وأما الأولى فثلاث طلقات لأنها بقيت في العدة حتى ولدن جميع صواحباتها بعدها
الفصل الرابع في التعليق بالحيض

وفيه صور
إحداها فلو قال إن حضت حيضة فأنت طالق فلا تطلق حتى ينقضي حيض تام
ولو قال إن حضت فأنت طالق فإذا انقضى يوم وليلة وقع الطلاق تبينا في أول الحيض إذ به نتحقق أنه ليس بدم فاسد وفيه وجه مشهور ظاهر إنه يقع في أول الحيض ولذلك يحرم الوطء في أول الحيض بناء على الظاهر ولكن القائل الأول قد يتوقف في التحريم وهو بعيد والفرق أظهر إذ الطلاق لا يقع إلا بيقين والتحريم يثبت بالظاهر ولو قال للحائض إن حضت فأنت طالق لم تطلق إلا بحيضة مستأنفة فإنه للإبتداء إذ لا ابتداء في دوام الحيض
ومهما قالت حضت فالقول قولها مع يمينها بخلاف ما إذا علق على الدخول فقال دخلت فإنها تحتاج إلى البينة لأن الحيض يعصر الاطلاع عليه من غيرها إذ غايت غيرها أن تشاهد الدم وذلك لا يعرف إذا لم تعرف عادتها وأدوارها فعله دم فساد وهو كقوله إن أضمرت بغضي فأنت طالق فقالت أضمرت فالقول قولها لعسر الاطلاع عليه والظاهر أنه تصدق في الزنا وفيه وجه وفي الولادة وجهان أماالمودع فإذا ادعى هلاكا فيصدق كان السبب خفيا أو جليا ولا يطالب بالبينة لأنه ائتمنه فلزمه تصديقه بخلاف الزوج
ولو قال إن حضت فضرتك طالق فلا تصدق في حق الضرة إذ لا تصدق إلا بيمين ولا يتوجه عليها يمين لضرتها ولو قال إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا حضنا فصدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة دون المصدقة لأن المكذبة ثبت حيضها بقولها في حقها وثبت حيض صاحبتها بتصديق الزوج والمصدقة لم يثبت حيض صاحبتها في حقها فإن صاحبتها مكذبة وطلاق كل واحدة معلق على حيضهما جميعا فلا يكفي حيض واحدة
ولو قال لأربع نسوة إن حضتن فأنتن طوالق ثم صدقهن طلقن وإن كذبهن فلا وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة دون المصدقات وإن كذب اثنتين لم تطلق واحدة لأن حيض الواحدة من المكذبتين لم يثبت في حق صاحبتها
ولو قال أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق ثم قلن حضنا وصدقهن طلقت كل واحدة ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث صواحب وإن صدق واحدة طلقت كل واحدة من صواحباتها طلقة واحدة وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأنه ليس لهما إلا صاحبة واحدة مصدقة
الفصل الخامس في التعليق بالمشيئة

فإذا قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت في الحال وقع وإن تأخر عن المجلس لم يقع لأن الخطاب يقتضي جوابا في الحال ولأنه كالتملك للمرأة وينبني على العلتين تردد في انه لو قال لأجنبي زوجتي طالق إن شئت أنه هل يقتضي الفور أو قال إن شاءت زوجتي فهي طالق إذ لا خطاب ولو قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك اختص مشيئتها بالمجلس وهل تختص مشيئة أبيها للاقتران بمشيئتها فيه خلاف
ولو قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال شئت لم يقع لأنها علقت بالمشيئة والمشيئة لا تقبل التعليق ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك واحدة فشاء أبوها واحدة ففيه وجهان
أحدهما أنه لا يقع شيء وكأنه استثناء عن أصل الطلاق
والثاني أنه يقع واحدة ومعناه إلا أن يشاء أبوك واحدة فلا تطلق ثلاثا بل واحدة
وهذا في المطلق أما إذا أراد الاحتمال الذي فيه الإيقاع يقع وإن قال أردت الاحتمال الآخر يدين وهل يقبل ظاهرا على هذا الوجه فيه وجهان
ولو قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت وهي كارهة باطنا نفذ الطلاق ظاهرا وهليقع باطنا قال القفال يقع لأن هذا تعليق بلفظ المشيئة ولو كان باطنا لكان إذا علق بمشيئة زيد لم يصدق زيد في حقها وقال أبو يعقوب الأبيوردي لا يقع كما لو علقت بالحيض وكذبت في الإخبار وإليه مال القاضي وهذا الخلاف يشير إلى تردد فيما لو أرادت باطنا ولم تنطق ظاهرا
ولو قال للصبية إن شئت فقال شئت ففيه وجهان من حيث إنه يوجد منها اللفظ ولكن لا اعتماد على إرادتها الباطنة
ولو قال ذلك لمجنونة لم يقع طلاقها بقولها شئت قولا واحدا فإنه وإن علق باللفظ فلا بد من إعراب عن ضمير صحيح والسكران يخرج على أنه كالصاحي أو المجنون
ولو رجع الزوج قبل مشيئتها لم يجز لأن ظاهره تعليق وإن توهمنا في ضمنه تمليكا
الفصل السادس في التعليق في مسائل الدور

فإذا قال لزوجته إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم طلقها لم يقع عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع الثلاث قبله ولو وقع الثلاث قبله لما وقع هذا ولو لم يقع هذا لما وقع الثلاث قبله لأنه معلق به فيؤدي إثباته إلى نفيه وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق أصلا لأنه علق تعليقا محالا ومن أصحابنا من قال يقع في المدخول بها الثلاث مهما نجز واحدة بالتنجيز واثنتان بالتعليق لأن التعليق إنما صار محالا بقوله قبله فيلغى قوله قبله ويبقى الباقي فكأنه قال إذا طلقتك فأنت طالق ثلاثا والمسألة ذات غور وقد ذكرناه في كتاب غاية الغور في دراية الدور فليطلب منها
ومن صور الدور أن يقول إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبلها طلقتين
وكذلك إن قال إن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق قبله ثلاثا فإذا وطئ لم يقع وأبو زيد لا يقدر على المخالفة في هذا إذ اليمين الدائرة هي الباطل عنده وهاهنا لم توجد اليمين الدائرة
وكذلك إن قال إن أبنتك أو فسخت نكاحك أو ظاهرت منك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات بالكلية
القسم الثاني من التعليقات في فروع متفرقة نذكرها أرسالا

وهي ثلاثة وعشرون
الأول إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن دخلت فأنت طالق طلقت في الحال لأن التعليق بالدخول حلف في الحال ولو قال إذا طلعت الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث أما إذا قال إن طلعت الشمس أو إذا دخلت الدار فهل يكون هذا حلفا فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى صيغة التأقيت وفي الأخرى إلى المعنى واتباع المعنى أولى
الثاني إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق ثم قالت إن بدأتك بالكلام فعبدي حر ثم كلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد لأن الزوج خرج عن كونه مبتدئا بقولها إن بدأتك فعبدي حر وهي خرجت عن البداية بكلامه
الثالث إذا قال إن أكلت رمانة وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة تامة طلقت طلقتين لأن النصف أيضا موجود في الواحدة ولو قال كلما أكلت نصفا فأنت طالق طلقت ثلاثا لأن فيها نصفين
الرابع إذا قال إن بشرتني بقدوم زيد فأنت طالق فأخبره أجنبي ثم أخبرته لم تطلق لأن البشارة هي الأولى وإن قال ان بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على الترتيب طلقت الأولى وإن بشرتاه معا طلقتا وإن بشرت كاذبة لم تطلق وإنقال إن أخبرتني بأن زيدا قدم فأخبرت كاذبة طلقت لأن الكذب خبر ولو قال إن أخبرتني بقدومه فهل تطلق بالكذب فيه وجهان والأظهر التسوية
الخامس إذا قال يا عمرة فقالت حفصة لبيك فقال أنت طالق ثم قال حسبت بأن المجيبة عمرة قال ابن الحداد لا تطلق عمرة لأنه لم يوجد في حقها إلا النداء أما حفصة المخاطبة بالطلاق فهل تطلق ذكروا وجهين
أحدهما نعم لأنه قال أنت طالق
والثاني لا لأنه لم يقصد خطاب حفصة
قال الإمام لو قال حفصة تطلق ظاهرا وهل تطلق عمرة على وجهين لكان أقرب
السادس إذا قال العبد لزوجته إن مات سيدي فأنت طالق طلقتين فقال السيدللعبد إن مت فإنت حر فمات قال ابن الحداد تقع طلقتان وله الرجعة لأنه عتق قبل حصول التحريم بالطلقتين بل مع الطلقتين ومنهم من خالف لأنه لم يتقدم العتق على الطلقتين بل جرى معه
السابع إذا قال من نكح جارية أبيه إذا مات أبي فأنت طالق فمات لم تطلق لأن الملك ينتقل إليه بالموت وينفسخ النكاح فيقارن الطلاق أول وقت الانفساخ فيندفع ومن الأصحاب من قال يقع لأن الملك يترتب على الموت والانفساخ على الملك فيقارن الطلاق وقت الملك لأنه أيضا مرتب على الموت والأول أغوص لأن وقت الطلاق والملك والفسخ واحد إذ المختار أن من اشترى قريبه اندفع ملكه بالعتق لا أنه حصل ثم انقطع وهو اختيار أبي إسحاق المروزي
الثامن إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ضحوة طلقت في الحال على وجه وقيل إنه يتبين وقوع الطلاق أول اليوم وينبني عليه حكم الميراث لو قدم وقت الظهر ومات الزوج ضحوة ولو قدم ليلا لم تطلق وقيل تطلق واليوم كناية عن الوقت
التاسع لو قال أنت طالق أكثر الطلاق وقع الثلاث ولو قال أعظم الطلاق لم يقع إلا واحدة لأنه لا ينبىء عن العدد ولو قال ملء العالم وملء الأرض لم تقع إلا واحدة ولو قال مثل البيوت الثلاثة أو ملء السموات وقع الثلاث
العاشر لو قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث وقع الثلاث وصلح إشارة لتعريف العدد فإنه كتفسير ولو أشار بالأصبع ولم يقل هكذا لم تقع إلا واحدة
الحادي عشر إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيدا ولم يدخل فيهواو العطف فهذا هو تعليق ومعناه إن كلمت زيدا صار طلاقك معلقا بالدخول
الثاني عشر إذا قال أربعكن طوالق إلا فلانة قال القاضي لا يصح هذا الاستثناء لأنه صرح بالأربع وأوقع عليهن ولو قال أربعكن إلا فلانة طوالق قال يصح الاستثناء والمسالة محتملة إذ ليس يلوح الفرق بين عدد المطلقات وبين عدد الطلقات ولا بين التقديم والتأخير ويلزمه أن يقول لو قال لفلان أربعة أعبد إلا واحدا يلزمه الثلاثة ولا شك في أنه لو قال لفلان هؤلاء الأعبد الأربع إلا هذا لم يصح الاستثناء لأن الاستناء في المعين لا يعتاد ويتأيد بذلك كلام القاضي
الثالث عشر إذا قال من يلتمس من غيره أن يطلق زوجته أطلقت زوجتك فقال نعم فإن نوى وقع الطلاق وإن لم ينو فقولان
أحدهما لا لأن قوله نعم ليس فيه لفظ الطلاق فكيف يصير صريحا
والثاني أن الخطاب كالمعاد في الجواب
إما إذا كان في معرض الاستخبار فقوله نعم في صريح الإقرار ولو قالت المرأة طلاق ده مرا فقال دادم قال الأصحاب لا يقع شيء لأن هذه اللفظة لا تصلح للإيقاع
وقال القاضي يقع لأن المبتدأ يصير معادا في الجواب وهو مذهب أبي يوسف
ولو قال الدلال لمالك المتاع أبعت فقال نعم لم يصلح هذا أن يكون إيجابا وقال بعت لم يصلح أيضا أن يكون خطابا للمشتري فإنه خطاب مع الدلال ولو قيل له ألك زوجة فقال لا قال المحققون هذا كناية في الإقرار وقال القاضي هو صريح في الإقرار
ثم إن كان كاذبا لم تطلق زوجته في الباطن
الرابع عشر لو قال إن لم تذكري عدد الجوزات التي في البيت فأنت طالق فطريقها أن تذكر كل عدد يحتمل أن يكون فلا يزال يجرى على لسانها الواحد بعد الآخر
ولو قال إن لم تعرفيني عدد الجوزات لا يكفيها ذلك فإن التعريف لا يحصل بذلك وقيل إنه يكفيها وهو بعيد ولو قال إن لم تميزي نوى ما أكلت عن نوى ما أكلت وقد اختلطت النوى فأنت طالق فسبيلها أن تبدد النوى بحيث لا يتماس اثنتان فيكون قد حصل التمييز هكذا قاله الأصحاب وفيه نظر لأنه لا يظهر إطلاق التمييز المفرق ولكن إذا لم يكن له نية اتبعوا مجرد وضع اللغة
ولو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن بلعتيها أو قذفتيها أو أمسكتيها فطريقها أن تأكل النصف وتقذف النصف وهذا بين
ولو قال وهي على سلم أنت طالق إن مكثت أو صعدت أو نزلت فطريقها أن تطفر طفرة أو تحمل أو يوضع بجنبها سلم فتنتقل إليه ولو قال إن أكلت هذه الرمانة فأنت طالق فلتأكلها إلا حبة ولو حلف على رغيف فلتأكل إلا الفتات
والضابط في هذا الجنس أن ننظر إلى العرف واللغة جميعا فإن تطابقا فذاك وإن اختلفا فميل الأصحاب إلى اللفظ وميل الإمام رحمه الله إلى أن اتباع العرف أولى
الخامس عشر إذا شافهته بما يكره من شتيمة وسب فقال إن كنت كذلك فأنت طالق فإن قصد المكافأة أي إن كنت كذلك فأنت طالق طلقت في الحال كانت تلك الصفة موجودة أو لم تكن فإن قصد التعليق فطلب وجود تلك الصفة وعدمها بالرجوع إلى العرف فإن أطلق وقد ظهر في العرف ذكر ذلك للمكافأة احتمل وجهين لأن اللفظ بالوضع للتعليق وبالعرف للمكافأة ولعل اتباع اللفظ أولى فإنه الأصل الموضوعوالعرف يختلف ويضطرب وقد وقع في الفتاوى أن امرأة قالت لزوجها يا جهود روى فقال إن كنت كذلك فأنت طالق فطلب المفتون تحقيق هذه الصيغة
فقيل إنه يحمل على صفار الوجه وقيل هو ذلة وخساسة وقال الإمام هذه الصفة لا تتصور في المسلم فلا يقع الطلاق وهذا فيه نظر لأن الخيال قد يتصور وصفا لا محالة حتى يصف به المسلم فتارة يصدق وتارة يكذب ووقع أيضا أن قال رجل لزوج ابنته في مخاصمته كم تحرك لحيتك فقد رأيت مثل هذه اللحية كثيرا فقال إن رأيت مثل هذه اللحية كثيرا فابنتك طالق وقد قصد التعليق فقلت لا شك أن اللحية ليست من ذوات الأمثال إن نظر إلى شكلها ولونها وعدد شعورها وذلك هو المثل المحقق ولكن ذكر اللحية في مثل هذا الموضع كناية عن الرجولية والجاه وذلك مما يكثر أمثاله فالبحري أن نميل هاهنا إلى العرف ونوقع الطلاق وليس يبعد أيضا الميل إلى موجب اللفظ ونفي الطلاق
السادس عشر إذا قال إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ولم يطلقها حتى انقضى اليوم قال ابن سريج لا يقع لأنه عند تحقق الصفة فات وقت الطلاق وهذا يرد على قوله إن لم أطلقك فأنت طالق فإنا نتبين عند موته وقوع الطلاق في آخر العمر والعمر في هذا المعنى كاليوم إذ فيه يتحقق الطلاق والصفة جميعا ولا فرق بين المسألتين
السابع عشر إذا قال أنت طالق بمكة وأراد التعليق بدخولها جاز وإن أطلق حمل على التعليق على وجه وحكم بالتنجيز على وجه إذ ليس فيه أداة التعليق
الثامن عشر لو قال إن خالفت أمري فأنت طالق ثم قال لا تكلمي زيدا فكلمتقالوا لا يقع لأنها خالفت النهى دون الأمر لو قال إن خالفت نهيي ثم قال قومي فقعدت قالوا وقع لأن الأمر بالشيء نهي عن أضداده فكأنه قال لا تقعدي فقعدت وهذا فاسد إذ ليس الأمر بالشيء نهيا عن ضدده فيما نختاره وإن كان فاليمين لا يبنى عليه بل على اللغة أو العرف نعم في المسألة الأولى نظر من حيث العرف
التاسع عشر إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال نجزت تلك الطلقة المعلقة ثم دخلت الدار ففي الوقوع وجهان حاصله يرجع إلى أن المعلقة هل يمكن تعجيلها بعينها
العشرون إذا قال أنت طالق إلى حين أو زمان فإذا مضى لحظة طلقت فإن اللحظة حين وزمان ولو قال إذا مضى حقب فأنت طالق أو عصر قال الأصحاب يقع بمضي لحظة وهذا بعيد وتوقف أبو حنيفة رحمه الله في هذه المسألة وهو محل التوقف ولكن إيقاعه بلحظة لا وجه له
ولو قال أنت طالق اليوم إذا جاء الغد قال صاحب التقريب لا يقع غدا لتصرم اليوم ولا اليوم لعدم مجيء الغد قال الإمام يحتمل أن يقال إذا جاء الغد تبين وقوع الطلاق كما إذا قال إذا مات فلان فأنت طالق قبله
الحادي والعشرون قال الشافعي رضي الله عنه إذا قال إن قدم فلان فأنت طالق فقدم به ميتا لم تطلق وهذا يلتفت على أن الصفة إذا حصلت بالإكراه أو مع النسيان فهل يحصل الحنث فيه قولان واختار القفال أن اليمين بالله يؤثر فيه النسيان والإكراه دون الطلاق لأن ذلك تعليق بهتك حرمة وهذا يتعلق بوجود الصورة ولا خلاف في أنه لو قصد منعها عن المخالفة وعلق على فعلها فنسيت لا تطلق وإن أكرهت فيحتمل الخلاف لأنها مختارة وأما مسألة القدوم على كل حال فهو كما قال الشافعي رضي اللهعنه لأن الموت ينافي القدوم
ولو قال إن رأيت فلانا فأنت طالق فرأته ميتا وقع الطلاق ولو رأته في ماء يحكي لونه وقع وإن رأته في المرآة ففيه احتمال ولو قال ذلك لامرأته العمياء فالظاهر أنها لا تطلق بمجالسته ولو قال إن مسسته طلقت بمسه حيا وميتا ولا تطلق بالمس على حائل ولا بمس الشعر والظفر وإذا علق بالضرب لم يحنث بضربه ميتا ولا يحنث بضرب الحي بأنملته حيث لا إيلام فيه أصلا ولو قال إن قذفت فلانا حنث بقذفه ميتا ولو قال إن قذفت في المسجد معناه كون القاذف في المسجد ولو قال إن قتلت في المسجد فمعناه كون المقتول في المسجد
الثاني والعشرون إذا قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته ولكن لم يسمع لعارض لغط وذهول قال الأصحاب طلقت ولو كان المكلم أصم فلم يسمع ففيه وجهان ولا خلاف انه لو كلمته بهمس بحيث لا يسمع لا يكون كلاما نعم لو كان وجهها إلى المتكلم وعلم أنها تكلمه وكان بحيث لو فرضت الإصاحة لسمعها فينبغي أن يقع الطلاق
ولو كلمته على مسافة بعيدة لا يحصل الاستماع بمثله لم يحنث فلو حمل الريح الصوت فالظاهر أنه لا يحنث ولو كلمته في جنونها فذلك كالنسيان والإكراه
الثالث والعشرون إذا قال إذا رأيت الهلال فأنت طالق طلقت برؤية غيرها ولو فسر بالعيان فهل يقبل ظاهرا فيه وجهان قال القفال هذا في اللغة العربية إذ الرؤية يراد به العلم أما في الفارسية فلا وفيه نظر إذ يقال بالفارسية رأينا الهلال ببلدة كذا ولا يراد به العيان
ولنقتصر على هذه الفروع فإن هذا الجنس لا يتناهى إنما ذكرنا هذا القدر ليحصل التنبيه بحسن التصرف في تحقيق الصفات والله أعلمكتاب الرجعة وفيه بابان
كتاب الرجعة

الباب الأول في أركان الرجعة وأحكامها وفيه فصلان
الفصل الأول في الأركان

وهي ثلاثة
المرتجع والمرأة والصيغة
الأول المرتجع ولا يشترط فيه إلا أهلية الاستحلال والعقد كما في أهلية النكاح وقد سبق
الركن الثاني الصيغة فنقول كل منطلق زوجته طلاقا مستعقبا للعدة ولم يكن بعوض ولم يستوف عدد الطلاق ثبتت له الرجعة بنص قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } وبنص قول النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها في حديث ابن عمر وبإجماع الأمة
وصريح صيغة الرجعة بالاتفاق ثلاثة قوله رجعت وراجعت وارتجعت وترددوا في ثلاثة ألفاظ
أحدها قوله رددت أخذا من قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } فمنهم من قال هو صريح لورود القرآن به ومنهم من قال لا لأنه لا يتكرر
ثم إذا جعلناه صريحا فالظاهر أنه لا بد من صلة وهو أن يقول رددتها إلي أو إلى النكاح لأنه من غير صلة يشعر بالرد المضاد للقبول وأما قوله راجعت وارتجعت فلا يحتاج إلى الصلة وكذلك قوله رجعت لأنه يستعمل لازما ومتعديا
الثاني لفظ الإمساك وفيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه صريح لقوله تعالى { فأمسكوهن }
والثاني أنه كناية لأنه لا يتكرر
والثالث أنه ليس بكناية أيضا لأنه يشعر بالاستصحاب لا بالاستدراك
الثالث لفظ التزويج والإنكاح وفيه ثلاثة أوجه

والثاني لا لأنه لم يرد القرآن به في الرجعة وهو مأخذ الصريح فهو كناية
والثالث أنه ليس بكناية أيضا لأنه لا يشعر به
فإن قيل وهل تنحصر صرائح الرجعة بالتعبد كالطلاق والنكاح أم لا تنحصر حتى تحصل بما يدل على المقصود كقوله رفعت التحريم العارض بالطلاق وأعدت الحل الكامل وما يجري مجراه قلنا حكم العراقيون بالانحصار وزعموا أن الخلاف في لفظ الإمساك والرد كالخلاف في لفظ المفاداة في الطلاق والخلاف في لفظالتزويج من حيث الأولى وإلا فإذا كان الطلاق لا يقع بقوله قطعت النكاح ورفعته واستأصلته من غير نية الطلاق فلا تحصل الرجعة أيضا بقوله رفعت التحريم بل أولى لأن الرجعة اجتلاب حل فهو بالتعبد أحرى وميل الشيخ أبي علي إلى أنه لا تنحصر صرائحه بخلاف الطلاق ووجه أن الرجعة حكم ينبىء عنه لفظ من حيث اللسان فيقوم مقامه ما يؤدي معناه وأما النكاح والطلاق فأحكامهما غريبة ليس في اللغة ما يدل عليهما لأن للشرع فيه موضوعات غريبة فلا تؤخذ صرائحهما إلا من الشرع
فإن قيل هل تتطرق الكناية إلى الرجعة قلنا الصحيح الجديد أن الإشهاد لا يشترط في الرجعة وأن الزوج يستقل به فتتطرق إليه الكناية بخلاف النكاح وإن قلنا يشترط الإشهاد فالشاهد لا يطلع على النية فيحتمل أن يقال لا بد من الصريح ويحتمل خلافه أيضا لأن القرينة قد تفهم
فرع فإن قال مهما طلقتك فقد راجعتك فطلقها لم تحصل الرجعة
ولو قال مهما راجعتك فقد طلقتك فراجعها حصل الطلاق لأن الرجعة في حكم الخيار فلا تقبل التعليق وإن كان يستقل به
واعلم أن الفعل لا يقوم مقام اللفظ في الرجعة عند الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة رحمه الله تحصل الرجعة بالوطء وباللمس وبالنظر إلى الفرج بالشهوة وقالمالك رحمه الله إن قصد بالوطء الرجعة حصل وإلا فلا
الركن الثالث المحل وهي المرأة وشرطها أمران أن تكون معتدة وأن تكون محلا للاستحلال
الشرط الأول أن لا تحرم بردتها فإذا ارتدت فراجعها ثم عادت إلى الإسلام فقد نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا بد من استئناف الرجعة لأن المقصود الحل والمحل غير قابل وقال المزني رحمه الله نتبين بعودها صحة الرجعة إذ نتبين به بقاء النكاح ويشهد لمذهبه أن الظاهر أن إحرامها وإحرامه لا يمنع الرجعة بخلاف ابتداء النكاح إلا أن نقول الإحرام عارض منتظر الزوال كالصوم والحيض بخلاف الردة
الشرط الثاني بقاء العدة ومهما انقضت العدة قبل الرجعة انقطعت وإذا رأينا الخلوةموجبة للعدة على المذهب الضعيف ثبتت الرجعة في عدتها وفيه وجه ضعيف أنه لا تثبت نعم إذا أثبتنا العدة بالإتيان في غير المأتى ففي الرجعة وجهان لأن إيجاب العدة به نوع تغليظ
ثم انقضاء العدة يختلف باختلاف أنواع العدة وهي ثلاثة

الأول الحمل وتنقضي العدة بوضع الولد حيا وميتا وناقصا وكاملا إن كانت الصورة والتخطيط قد ظهر عليه فإن كان قطعة لحم ففي انقضاء العدة به قولان والقول قول المرأة إذا ادعت الوضع على أظهر الوجهين وقال أبو إسحاق المروزي يلزمها البينة لأن القوابل يشهدن الولادة وربما صدقها في إجهاض السقط الناقص إذ القوابل لا يشهدن
ثم نحن إذا صدقناها فإنما نصدق في مظنة الإمكان وإن كان الولد الكامل بعد ستة أشهر من وقت إمكان الوطء وإمكان الصورة بعد مائتة وعشرين يوما وإمكان قطعة لحم بعد ثمانين يوما وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بدأ خلق أحدكم في بطن أمه أربعون يوما نطفة وأربعون يوما علقة وأربعون يوما مضغة ثم يبعث إليه ملك فينفخ فيه الروح ويكتب أجله ورزقه ويكتب أشقي هو أم سعيد
النوع الثاني العدة بالأشهر وذلك لا يتصور فيه نزاع فإن فرض النزاع فيرجع إلى وقت الطلاق ويكون القول فيه قول الرجل
النوع الثالث الحيض فإن طلقها في الطهر فأقل مدة تصدق فيها اثنان وثلاثون يوما وساعتان لأنا نقدر كأن لم يبق من الطهر إلا ساعة فيحصل قرء بتلك الساعة وإن قلنا مجرد الإنتقال قرء فلا تعتبر هذه الساعة ونقدر اقتران الطلاق بآخر جزء من الطهر وأما ثلاثون يوما فلطهرين آخرين لأن أقل مدة الطهر خمسة عشر يوما ويومان وليلتان بحيضتين والساعة الثانية للشروع في الحيض حتى نتبين تمام القرء لا من نفس العدة
وإن طلقها في الحيض لم تحسب بقية الحيض فلنقدر أنه وقع في آخر جزء فأقل ما تحتاج إليه ثلاثة أطهار وهي خمسة وأربعون يوما وحيضتان وهي في يومين وليلتين ولا بد من ساعتين كما سبق وجملته سبعة وأربعون يوما ولحظتان وإن طلقها وهي صبية لم تحض بعد وادعت الحيض فأقل مدتها اثنان وثلاثون يوما ولحظتان إلا إذا قلنا إن القرء هو طهر محتوحش بدمين فتكون أقل مدتها ثمانية وأربعون يوما ولحظتين إذ لا بد من ثلاث حيض وثلاثة أطهار
هذا كله في المضطربة العادة أو المستقيمة على الأقل فإن كانت لها عادة مستقيمة علىغير الأقل فهل تصدق فيما ينقص من عادتها فيه وجهان والظاهر أنه يقبل لأن تغير العادة ممكن وهي مؤتمنة على ما في رحمها
فرع

إذا وطئها قبل الرجعة لزمها استئناف عدة وتندرج بقية العدة تحته فإن كان قد بقي قرء واحد فله الرجعة إلى تمام ذلك القرء وإن أحبلها بالوطء ففي اندراج بقية العدة تحت عدة الحمل خلاف فإذا ادرجنا امتدت الرجعة إلى وضع الحمل وإن لم تندرج شرعت في عدة الحمل إذ لم يقبل ذلك تأخيرا فإذا وضعت الحمل شرعت في عدة الرجعة ببقية الأقراء وتثبت فيه الرجعة وهل تثبت في مدة الحمل فيه وجهان
الفصل الثاني في أحكام الرجعية

وهي مترددة بين المنكوحة والبائنة لأن الطلاق أوجب خللا في الملك ولم يوجب زواله فلاختلاله قلنا إنه يحرم وطؤها وقال الشافعي رضي الله عنه يلزما المهر بالوطء راجعها أو لم يراجعها ونص في المرتدة إذا وطئها ثم عادت إلى الإسلام أنه لا مهر
فقيل قولان بالنقل والتخريج والفرق مشكل وغايته أن الرجعة في حكم ابتداء أو استدراك وعودها إلى الإسلام يعيد الحل السابق وليس في حكم الابتداء
والصحيح أنه لا يجب الحد وإن وجب المهر لأن الملك بالكلية لم يزل وشبب بعض الأصحاب بخلاف في وعلى الجملة يحرم الوطء وقطع الشافعي رضي الله عنه بوجوب المهر يدل على اختلال أصل الملك إن لم يدل على زواله ويدل على بقاء أصل الملك صحة الطلاق وصحة الخلع والظهار والإيلاء واللعان وجريان الميراث ولزوم النفقة وفي الخلع قول قديم أنه لا يصح
ولو قال زوجاتي طوالق اندرجت الرجعية تحته وطلقت على الأصح لأنها زوجه في خمس آي من كتاب الله تعالى هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وأراد به آياة الإيلاء والظهار وغيرهما
ولا خلاف في لو أنه اشترى زوجته الرجعية لزمه الاستبراء لأنها كانت محرمة وإن استبرئها في صلب النكاح فلا استبراء على الأظهر وقيل إنه يجب لتبدل جهة الحل وقد قال بعض الأصحاب تردد قول الشافعي رضي الله عنه في الخلع يدل على اختلاف قول الشافعي رضي الله عنه في أن الملك زائل أم لا وقول بعض الأصحاب إنه إن راجع بعد الوطء فلا مهر وإن لم يراجع يجب المهر يدل على أن الملك موقوف فتحصل في زوال الملك ثلاثة أقوال
الباب الثاني في النزاع

وله صور خمس
الأولى أن يتفقا على انقضاء العدة يوم الجمعة لكن الزوج قال راجعت يوم الخميس وقالت بل يوم السبت ففيه ثلاثة أوجه
أحدها وهو الذي ذكره المراوزة من عند آخرهم وهو القياس أن القول قولها لأنهما إذا اتفقا على الطلاق وانقضاء العدة فالأصل انقطاع النكاح والزوج يريد دفعه بدعوى الرجعة فعليه الإثبات
والوجه الثاني ذكره العراقيون أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح والرجعة إلى الزوج وليس لها قول إلا في انقضاء صورة الأقراء والزوج ينكر بقاء العدة بعد يوم الخميس إذ الرجعة تقطع العدة ويحققه أن الزوج لو ادعى الوطء في مدة العنة يصدق مع أن الأصل عدمه لتقرير النكاح فهذا أولى
والثالث ذكره صاحب التقريب أن المصدق هو السابق إلى الدعوى فإذا سبقت بدعوى الإنقضاء الانقضاء فقد حكم الشرع بقولها بالتحريم فلا يرتفع بدعواه من غير بينة وكذلك إذا سبق الزوج فعلى هذا إن تساوقا رجع الوجهين لأنه زال المرجح له
الصورة الثانية ألا يقع التعرض لوقت العدة والرجعة ولكن اتفقا على جريان الأمرين واختلفا في التقدم ففيه وجهان
أحدهما أنه المصدق لأن الأصل بقاء النكاح
والثاني أنها المصدقة لأنها مؤتمنة على ما في رحمها عاجزة عن الإشهاد والزوج على قادر على الإشهاد على الرجعة
الصورة الثالثة أن يقع الوفاق على أن الرجعة جرت يوم الجمعة ولكن قالت كانت العدة قد انقضت يوم الخميس وقال الزوج بل يوم السبت فهذا كصورة الأولى فترجع الوجوه الثلاثة
الصورة الرابعة أن يقع الوفاق من وقت انقضاء العدة ويدعى الزوج رجعة قبلها وأنكرت أصل الرجعة قال صاحب التقريب هي المصدقة بلا خلاف والأظهر جريان الأوجه إذ لم تفارق هذه الصورة ما قبلها إلا أنها أنكرت لفظ الرجعة وهناك إنما أقرت بلفظ الرجعة لا بحقيقة الرجعة
الصورة الخامسة النزاع مع قيام العدة فإذا قال راجعتك أمس فأنكرت فالقول قوله لأنه قادر على الإنشاء فيقبل قوله كقول الوكيل قبل العزل وقيل الأصل عدم الرجعة فالقول قولها فإن أراد الإنشاء فلينشأ والصحيح أن إخباره لا يجعل إنشاء وحكي عن القفال إنه إنشاء وهو بعيد لأن الشافعي رضي الله عنه قال إن من أقر بالطلاق كاذبا لم يكن إن شاء
فرع إذا أنكرت الرجعة ثم أقرت قال الشافعي رضي الله عنه لم تمنع عنه فهو كمن أقر بحق بعد الجحود وهذا فيه إشكال لأنها أقرت بالتحريم على نفسها ثم رجعت
ولو أقرت بتحريم رضاع أو نسب لم تمكن من الرجوع ولكن الفرق أن الرجعة تصح دونهافلعلها أنكرت إذ لم تعرف ولا تقر بالرضاع والنسب وهو إثبات إلا على بصيرة نعم من قال ما أتلف فلان مالي ثم رجع إلى الدعوى لم يمكن لأنه أقر على نفسه وهاهنا جحدت حق الزوج فإذا توافقا لم يبطل حق الزوج ولو قالت ما رضيت في النكاح ثم رجعت فهذا محتمل لأنها تحقق رضا نفسها ولذلك تحلف على البت ولكنها جحدت حق الزوج فالأظهر أنه يغلب جانب الزوج وتمكن المرأة من الرجوع
كتاب الإيلاء

وفيه بابان
أحدهما في أركانه
والثاني في أحكامه
الباب الأول في أركانه

وصورته أن يقول لزوجته والله لا أجامعك ولقد كان هذا طلاقا في الجاهلية ثم غير الشرع حكمه وقضى بأن الزوج بعد مضي أربعة أشهر يجبر على الوطء أو الطلاق
والإيلاء في اللغة مشتق من الألية وهي الحلف ولكن عرف الشرع خصصه باليمين المعقود على الإمتناع من وطء المنكوحة
وأركانه أربعة الحالف والمحلوف به والمحلوف عليه والمدة المحلوف فيها
الركن الأول الحالف

وهو كل زوج يتصور منه الجماع فقولنا زوج يشمل أصناف الأزواج من المسلم والكافر والحر والعبد وأبو حنيفة رحمه الله وإن خالف في ظهار الذمي فقد وافق في صحة إيلاء الذمي
ثم إذا رفع الذمي إلينا حكمنا عليه بحكم الإسلام حتى في إيجاب الكفارة
ويخرج عن الضابط قول الرجل لأجنبية والله لا أجامعك أبدا فإنه إذا نكحها لم يكنمؤليا وإن كان الضرار حاصلا ولكن الإيلاء كان طلاقا وتصرفا في النكاح فغير حكمه دون أصله فلا يصح من الأجنبي وليس كل ضرر يدفع وإنما المدفوع إضرار من الزوج في حالة الزوجية وقد ذكر صاحب التقريب وجها غريبا أن هذا إيلاء ولا يتجه إلا على قول غريب حكاه أيضا في تعليق الطلاق بالملك على موافقة أبي حنيفة رحمه الله وهو غير صحيح
وأما الإيلاء عن الرجعية فصحيح وإنما يفيد إذا راجعها لأن العائد هو حل النكاح الأول فهي في حكم الزوجات
وأما قولنا يتصور منه الجماع فيدخل فيه المريض المدنف والخصي والمجبوب بعض ذكره فيصح إيلاء جميعهم لإمكان الوطء منهم على حال فأما الذي جب تمام ذكره فقد اختلف فيه النصوص وللأصحاب فيه طرق ومنهم من قال قولان ووجه صحته أنه إضرار باللسان فيمكنه الفيئة باللسان والإعتذار بالعجز كما في المريض ومنهم من قطع بالبطلان وقال القولان فيه إذا حلف ثم جب
ومنهم من قطع القول بأنه وإن جب بعد الحلف أنه يبطل الإيلاء لأنه أيضا حصل اليأس من الحنث فهو كما لو قال إن وطئتك فعبدي حر فمات العبد فإنه يبطل الإيلاء لحصول اليأس
ثم إيلاء الرتقاء والقرناء كإيلاء المجبوب فيخرج على الخلاف
الركن الثاني المحلوف به

والنظر فيه في ستة أقسام
القسم الأول الحلف بالله أو بصفة من صفاته وهي الأصل وفيه مسألتان
إحداهما أنه لو وطىء هل يلزمه كفارة اليمين الجديد وهو القياس أنه يلزمه لانه حنث في يمين بالله تعالى وفي القديم قولان ووجهه أن الإيلاء كان طلاق الجاهلية فغيره الشرع وجعله موجبا للطلاق بعد مدة فكان حكمه بضرب المدة وإيجاب الطلاق بدل عن الكفارة ويشهد له قوله تعالى { أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } فإن هذا لا يشعر بلزوم الكفارة بل يشعر بأنه يوجب المغفرة والرحمة نعم لو حلف على أن لا يطأها ثلاثة أشهر تلزمه كفارة اليمين إذا حنث لأن هذا ليس بإيلاء وقيل بطرد القول القديم فيه أيضا وهو بعيد
المسألة الثانية أن صحة الإيلاء هل تختص باليمين بالله تعالى أم يصح بالتزام العبادات وتعليق الطلاق وغيره الجديد أنه لا يختص لأنه منوط بالإضرار والإضرار لانقطاع رجاء المرأة ورجاؤها ينقطع إذا ظهر مانع للزوج وكما أن خوف الكفارة يمنع فكذلك خوف هذه اللوازم وتوجيه القديم أن الإيلاء مأخوذ من عادةالعرب وهي اليمين بالله تعالى عندهم فلا ينبغي أن يتصرف فيه بالمعنى ولا تفريع بعد هذا على هذا القول أصلا
فرع لو كرر الإيلاء بعد تخلل فصل وقال أردت التأكيد قبل على أحد الوجهين لأنه إخبار فأشبه الإقرار دون الإنشاء وكذا في تعليق الطلاق خلاف مرتب وأولى بأن لا يقبل لأنه بالإنشاء أشبه
القسم الثاني في الحلف بالتزام العبادات فإذا قال إذا جامعتك فلله علي صوم أو صلاة أو عتق رقبة أو تصدق بمال فهو مؤل فإذا حنث ففيما يلزمه الأقوال المعروفة في يمين الغضب واللحجاج نعم لو قال إن وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر لم يصح الإيلاء لأن المطالبة تتوجه بعد انقضاء الشهر وانحلال اليمين
القسم الثالث الحلف بالعتق وفيه مسائل
الأولى إذا قال إن جامعتك فعبدي حر فمات العبد أو باعه أو أعتقه انحل الإيلاء بعد انعقاده لأنه خرج عن التعرض لالتزام شيء بالوطء ولو قال إن جامعتك فعبدي حر قبله بشهر صار مؤليا ولكن تحسب مدة الإيلاء بعد مضي شهر فتكون المطالبة في الشهر السادس إذ لو وطىء في الشهر الأول لم يلزمه شيء فإن العتق لا يمكن تقديمه على اللفظ فبعد تمام الشهر يتعرض للالتزام فلو باع العبد في منتصف الخامس طولب فيالسادس لأنه لو وطىء لتبين بطلان البيع وتقدم العتق عليه ولو تركت المطالبة حتى انقضى من وقت البيع شهر كامل سقطت المطالبة إذ سقط التعرض التزام
الثانية إذا قال إن وطئتك فعبد حر عن ظهاري وكان قد ظاهر صار مؤليا وعند الوطء يعتق العبد عن الظهار ويكون الإلتزام الجديد في الإيلاء تعيين العبد وتعجيل العتق فإن ذلك لم يوجبه الظهار وفيه وجه أنه يعتق ولا ينصرف إلى الظهار لأنه يتأدى به حق الحنث فلا يتأدى به حق الظهار وطردوا هذا فيما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر عن ظهاري وهو بعيد فإن التعليق ليس فيه إلا إضافة العتق إلى الزمان فهو كالتنجييز
أما إذا لم يكن قد ظاهر فلا يكون مؤليا بينه وبين الله تعالى ولو وطىء لم يعتق عبده لأنه قال أنت حر عن ظهاري ولا ظهار ولكن في الظاهر يجعل مقرا بالظهار ويعتق عبده عند الوطء ويجعل مؤليا لذلك
الثالثة إذا قال إن جامعتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظهرت فهذا تعليق لعتق العبد بصفتين بالوطء والظهار وحكمه أنه لو وطىء أولا لم يعتق ولكن يتعرض للزوم لو ظاهر فيعتق العبد لا على جهة الظهار لأنه قدم تعليقه على الظهار فلا ينصرف إليه ثم قالوا لا يصير مؤليا في الحال ولكن لو ظاهر أولا صار مؤليا لأنه صار العتق متعلقا بالوطء ثم قالوا إنه يعتق لا من جهة الظهار وهذا فيه نظر لأنه إذا لم ينصرف إلى الظهار فينبغي أن لا يعتق كما إذا قال أنت حر عن ظهاري ولم يكن قد ظاهر فإنه لا يعتق باطنا كما ذكرناه ثم إذا لم يعتق لا يصير مؤليا لأنه لا التزام إلا أن يقال يلغى قوله عن ظهاري لأنه جعل العتق محالا وبقي قوله أنت حر فهذا له احتمال ولكن فيالمسألتين جميعا أعني في التعليق وفي قوله أنت حر عن ظهاري إذا لم يكن قد ظاهر
الرابعة إذا قال إن جامعتك فلله علي أن أعتق هذا العبد عن ظهاري فكونه مؤليا يبني على أن العبد هل يتعين بالنذر ويعتق بعتق سبق لزومه فيه خلاف سيأتي في النذور
القسم الرابع في الحلف بالطلاق وفيه مسائل
إحداها أنه لو قال إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا فهو مؤل على الجديد ثم يطالب بالفيئة أو تنجيز الطلاق ويقال له في الفيئة عليك تغييب الحشفة والنزع في الحال متصلا بالتغييب من غير مكث فإنه يقع به الثلاث وتحرم ويقع النزع في حال التحريم ولكنه كالخروج من المعصية فلا بأس به وقال ابن خيران يحرم الوطء إذ وصل النزع غير ممكن ويتجه مذهبه أيضا فإن النزع أيضا نوع مماسة والخروج عن الملك المغصوب جائز للضرورة ولكن تعريض النفس لمثل ذلك بالاختيار غير جائز
فرع لو قال لغير المدخول بها إن وطئتك فأنت طالق فهو مؤل فإن وطئها وقع الطلاق رجعيا وإن كان الطلاق مقارنا للوطء غير متأخر عنه لأن الوطء مقرر والطلاق مبين فقد اجتمعا فغلب جانب تقرير النكاح
الثاينة إذا قال إن وطئتك فضرتك طالق فهو مؤل فإن أبان الضرة انقطع الإيلاء لزوال الإلتزام فإن جدد نكاحها وقلنا بعود الحنث عاد الإيلاء فتبنى المدة على ما مضى من المدة قبل الطلاق وما تخلل في مدة الإبانة لا يحسب ولا تستأنف المدة بخلاف الردة والرجعة إذا طرءا كما سيأتي
الثالثة إذا قال إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق فهو مؤل قال ابن الحداد إذا مضت المدة وجاءتا إلى القاضي طالبتين طلق القاضي إحداهما على الإبهام ثم إن كانالزوج قد نوى إحداهما نزل على المنوية وعلى الزوج البيان وإن كان قد أبهم بقي مبهما ووجب على الزوج التعيين فلو قال قبل التعيين راجعت التي صادفها الطلاق ففي صحة الرجعة مع الإبهام وجهان والأصح أنها إذا لم تقبل التعليق فلا تقبل الإبهام قال القفال غلط ابن الحداد لأن الدعوى لا تصح مبهما وهما معترفتان بالإشكال وهما كرجلين قالا عند القاضي لأحدنا على فلان ألف فإنه لا يسمع لكن يتجه لابن الحداد أن الضرار قد تحقق بهما ولا بد من الرفع عنهما
القسم الخامس في اليمين التي تقرب الوطء من الإلتزام وفيه صيغ
الأولى إذا آلى عن نسوة فقال والله لا أجامعكن فإنما تلزمه الكفارة إذا جامع جميعهن فلا تتعلق كفارة بوطء واحدة ولكن يتعلق به القرب من الحنث بوطء الباقيات فالجديد أنه لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا منهن فيصير مؤليا في حق الرابعة إذ تتوقف الكفارة على وطئها والقول القديم أنه مؤل لأن القرب من اللزوم محذور كأصل اللزوم فعلى هذا لو وطىء واحدة سقط إيلاؤها دون البواقي وكذلك لو طلق واحدة أما إذا ماتت واحدة سقط إيلاء الكل إذ حصل اليأس عن جماع جميعهن وبه يقع الحنث
الصيغة الثاينة أن يقول والله لا أجامع كل واحدة منكن فهذا إيلاء إذ يتعلق الحنث بكل واحدة ولو قال لا أجامع واحدة منكن فله ثلاثة أحوال
إحداها أن يريد به لزوم الكفارة بواحدة أي واحدة كانت على العموم فهو مؤل إذ ما من واحدة يطؤها إلا وتلزمه الكفارة ولكن إذا وطىء واحدة انقطع إيلاء الباقيات إذاليمين لا يتناول إلا واحدة
الثانية أن يقول أردت واحدة معينة مبهمة وعلي تعيينها او قال نويت واحدة بعينها وعلي بيانها انعقد الإيلاء كذلك ويطالب بالبيان أو التعيين وقال الشيخ أبو علي لا إيلاء لأن كل واحدة ترجو أن لا تكون هي المرادة أو المعينة بالإيلاء فكيف يساوي هذا اليأس المحقق في معينة وهذا متجه إن اعترفت بالإشكال فإن ادعت أنه عناها وجب عليه الجواب لا محالة
ثم إذا لم يكن قد عين فعين فتحسب المدة من وقت التعيين أو من وقت اليمين فيه خلاف ينبني على أن الطلاق المبهم متى وقع كما ذكرناه في الطلاق
الحالة الثالثة أن يطلق هذه الصيغة فعلى أي المعنيين يحمل فيه وجهان لتعارض الإحتمالين
الصيغة الثالثة إذا قال والله لا أجامعك في السنة إلا مرة واحدة فالوطء يقربه من الحنث فيكون مؤليا على القديم دون الجديد وعلى الجديد إذا وطئها صار مؤليا فينظر إلى بقية المدة من السنة فإن كانت دون أربعة أشهر فليس بمؤل وإن زاد صار مؤليا من وقت الوطء ولو قال والله لا أجامعك في السنة إلا مائة مرة أو ألف مرة فحكمه حكم المرة الواحدة لا تختلف بالكثرة والقلة
الصيغة الرابعة إذا قال إن جامعتك مرة فوالله لا أجامعك بعدها فهذا تعليق يمين بالوطء فمنهم من قطع بأنه ليس مؤليا لأنه ليس بحالف 7 في الحال حتى يطأها مرة ومنهم من خرج على القولين لأن الوطء يعرضه لأن يصير حالفا
ولو قال إن وطئتك فأنت طالق إن دخلت الدار قال القاضي هو مؤل قطعا لأن الوطء يصير مانعا لها عن الدخول ومنهم من خرج على القولين إذ لا فرق بين المسألتين
فرع إذا قال إن وطئتك فوالله لا أطؤك فغيب الحشفة ثم عاد إلى الإيلاج ثانيا ففي لزوم الكفارة خلاف والاوجه أن الوطء يتناول جميع الإيلاجات فلا يحنث بالوطأة الأولى ويلتفت إلى خلاف في وجوب المهر إذا كان المعلق به ثلاث طلقات
القسم السادس في شروط لفظ الإيلاء وفيه مسائل
الأولى أن الكناية لا تتطرق إلى لفظ اليمين من الإيلاء فلو آلى عن امرأة ثم قال لأخرى أشركتك معها لم يصر مؤليا لأن عماد الإيلاء ذكر اسم الله تعالى وفي مثله من الظهار خلاف مبني على أن المغلب فيه اليمين أو الطلاق ولا خلاف في جواز الإشراك في نفس الطلاق وأما إذا قال إن دخلت الدار فانت طالق ثم قال لغيرها أشركتك معها وأراد تعليق طلاق الثانية بدخولها في نفسها لا بدخول الأولى ففي ذلك خلاف
ولو قال أنت علي حرام ونوى الإيلاء فالظاهر أنه لا ينعقد كلفظ الإشراك والثانية أنه ينعقد لأن هذا اللفظ ورد في القرآن لإيجاب الكفارة
الثانية في تعليق الإيلاء وهو صحيح كقوله إن دخلت الدار فوالله لا أطؤك ولوقال والله لا أجامعك إن شئت فقالت شئت صار مؤليا وهل تختص المشيئة بالمجلس فيه وجهان
أحدهما نعم كما في الطلاق
والثاني لا كما في التعليق بالدخول
وقال مالك رحمه الله إذا علق بمشيئتها لم يكن مؤليا لأنها التي أضرت بنفسها إلا أن الشافعي رضي الله عنه ليس يعتبر ذلك فإنها لو تركت المطالبة بعد انقضاء المدة فلها العود إلى المطالبة لأنها تترك علي توقع فلذلك تشاء على توقع أن الزوج يخالف مشيئتها ويطؤها
الثالثة أنه لا يتشرط اقتران الغضب بالإيلاء عندنا وقال مالك رحمه الله لا يكون مؤليا إلا في حالة الغضب وهو بعيد إذ الضرار حاصل بكل حال
الركن الثالث في المدة المحلوف عليها

والمطلق منه قوله لا اجامعك والمقيد قوله لا أجامعك سنة فإن حلف على أربعة أشهر فما دونه لا يكون مؤليا لأنه قاصر عن المدة الشرعية ولو حلف على خمسة أشهر فهو مؤل ويطالب في الشهر الخامس ولو حلف على أربعة أشهر ولحظة فهو مؤل على معنى أنه يأثم ولكن لا تظهر فائدته في المطالبة ولو حلف على أربعة أشهر فلما كان في الشهر الرابع حلف على أربعة أخرى ولم يزل كذلك يفعل أبدا فليس مؤليا وإن كان الضرار حاصلا
ولو قال دفعة لا أجامعك أربعة أشهر فإذا انقضت فوالله لا أجامعك أربعة أشهر وهكذا حتى استوفى مدة طويلة فالصحيح أنه ليس بمؤل لأنه إذا انقضى أربعة أشهر فكيف يطالب بحكم اليمين الأولى وقد انحلت أو بحكم اليمين الثانية ولم ينقضي منها إلا لحظة وفيه وجه أنه إذا فعل ذلك مرة واحدة فهو مؤل لأنه يصير ذريعة إلى الإضرار ويلزم عليه ما لو فعل ذلك آخر كل أربعة أشهر وهو بعيد
ولو قال إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أطؤك لا يصير مؤليا حتى تنقضي خمسة أشهر فبعده تستفتح المدة ولو قال والله لا اطؤك خمسة أشهر وإذا انقضت فوالله لا أطؤك سنة فإذا انقضى أربعة أشهر طولب بالفيئة في الشهر الخامس فإن فاء انقطعت الطلبة في الشهر الخامس فإذا انقضى الشهر الخامس استفتحنا مدة أربعة أشهر لليمين الثانيةولو قال لا أطؤك حتى تصعدي السماء أو ينزل عيسى عليه السلام أو يخرج الدجال أو يقدم فلان وهو على مسافة يعلم أنه لا يقدم في أربعة أشهر فهو مؤل قطعا
ولو أقت بدخول دار أو قدوم زيد لم يكن مؤليا في الحال فإذا انقضى أربعة أشهر فهل نطالبه بالفيئة فيه وجهان
أحدهما نعم لأن الوطء في هذه الحال موجب للكفارة
والثاني أنه لا يطالب لأن القدوم والدخول منتظر في كل
حال ولو أقت بموت زيد فمنهم من قال هو كقدوم زيد ومنهم من قطع بأنه مطالب لأنه كالمستبعد في الإعتقادات ولو أقت بموت الزوجين فهو إيلاء لا محالة لأنه حصل اليأس في العمر وصيغته أن يقول لا أطؤك ما عشت أو عشت
الركن الرابع في ألفاظ المحلوف عليه

وهي ثلاثة أقسام الأول ما هو صريح لا يقبل التأويل ولا يدين كلفظ النيك وإيلاج الذكر في الفرج وتغييب الحشفة في الفرج وكذلك قوله للبكر لا افتضتك فلو فسر بالضم والأعناق لم يدين على الأصح
القسم الثاني ما هو صريح في الظاهر ويتطرق إليه التديين وهو الوطء وكذلك الجماع لكثرة الإستعمال وأما الإصابة فألحقه الشيخ أبو علي بالجماع وهو بعيد أما المباشرة والملامسة والمباضعة وما يجري مجراه ففيه قولان
أحدهما أنها صريحة كالجماع لأن العادة في الجماع التحاشي عن الصريح
والثاني أنها كنايات لأنها بالوضع غير صريح وعادة الإستعمال ليس يتضح فيه كما في الجماع
القسم الثالث الكنايات قولا واحدا وهو كقوله لأبعدن عنك ولا يجمع رأسي ورأسك وسادة ولا شئونك وفي لفظ القربان والغشيان وجهان
أحدهما أنهما كنايتان والثاني أنهما في معنى المباشرة والمباضعة
فأما إذا قال ووالله لا أجامعك في دبرك أو في الحيض والنفاس فهو محسن وليس بمؤل
الباب الثاني في حكم الإيلاء الصحيح

ومجموع ما يترتب عليه أحكام
أولها ضرب المدة
والثاني المطالبة بالفيئة
والثالث دفع المطالبة بفيأة أو طلاق
والرابع ما تقع به الفيئة فنشرحها في فصول
الفصل الأول في المدة

وفيه مسائل
الأولى أن المدة تحسب من وقت الإيلاء من غير حاجة إلى القاضي بخلاف مدة العنة فإنها تحسب من وقت ضرب القاضي المدة لأنها متعلقة بالإجتهاد وهذا منصوص في الكتاب وسببه أن النسوة في غالب الأمر لا يصبرن عن الرجال مع اليأس عن الوقاع في أكثر من أربعة أشهر وإنما يشترط زيادة على الأربعة لوقوع المطالبة بعد المدة وأن المدة مهلة للخيرة وأبو حنيفة رحمه الله رأى الطلاق واقعا بمضي المدة فلم يشترط زيادة على أربعة أشهر
الثانية لا تختلف هذه المدة عندنا بالرق والحرية فإنه أمر يتعلق بالشهوة والطبع فهو كمدة العنة وقال أبو حنيفة رحمه الله الحرة تتربص أربعة أشهر والامة شهرين وقالمالك رحمه الله تختلف برق الزوج وحريته
الثالثة في قواطع المدة فإن طلقها طلاقا رجعيا قبل مضي المدة انقطعت فإن راجعها استأنفنا المدة لأنها قد حرمت بالطلاق ولا بد من إصرار على التوالي في المدة
والردة بعد الدخول كالطلاق الرجعي والطلاق الرجعي بعد المدة يقطع المدة فإن جرت رجعة فاستئناف المدة أولى فإن الطلاق إجابة إلى المطالبة فقد اجاب مرة فلا يطالب حتى يمتنع أربعة أشهر أخر وألحقوا الردة أيضا بالطلاق وهو أبعد لأنه ليس إجابة لمطالبته
أما الذي لا يقطع المدة كالصوم والإحرام من جهته فلا يؤثر لا طارئة ولا مقارنة وكذلك الأعذار الطبيعية كمرضه وكونه محبوسا وكما لو طرأ الجنون عليه فلا تمنع تيك الأعذار انعقاد المدة ولا دوامها أما الموانع فيما يمنع احتساب المدة فكإحرامها وصغرها ونشوزها أو كونها محبوسة أو مجنونة أو مريضة لا تحتمل الجماع
ثم هذه الأحوال إذا طرأت قطعت المدة فإن زالت تستأنف المدة أو تبنى على ما مضى فيه وجهان
أحدهما الإستئناف كالطلاق والردة من الزوج والثاني أنه تبنى لأن هذا لم يقطع النكاح حتى تنقطع المدة المبنية عليه وإنما هذه أعذار تمنع المطالبة فإذا زالت عادت المطالبة والمذهب القطع بأنها إذا طرأت بعد المدة لم توجب الإستئناف وقيل بطرد الوجهين وهو ضعيف
وأما صومها فلا يمنع الإحتساب لأن التمكين حاصل بالليل وفي التطوع بالنهار فليس ذلك عذرا مانعا
الرابعة إذا تنازعا في انقضاء المدة فيرجع حاصله إلى النزاع في وقت الإيلاء والقول فيه قوله مع يمينه
الفصل الثاني في المطالبة

وفيه مسائل
إحداها أن لها رفع الامر إلى القاضي فإن تركت المطالبة أو رضيت فلها العود مهما تشاء بخلاف ما إذا رضيت بعيب الزوج أو رضيت بعد مدة العنة لأن ذلك عجز وعيب في حكم خصلة واحدة فرضاؤها به يسقط حقها وأما هذا فيحمل الرضا فيه على توقع الحنث كما يحمل رضاها عند الإعسار بالنفقة على توقع اليسار
الثانية لا مطالبة لغير الزوجة فإذا رضيت لم يكن للولي ولا لسيد الأمة المطالبة ولا لولي المجنونة والصغيرة لأن هذا لا يقبل النيابة
الثالثة لا مطالبة لها إذا كان فيها مانع طبعا كالمرض العظيم والرتق والقرن أو شرعا كالحيض والعجب أن الحيض يمنع المطالبة ولا يقطع المدة لأن ذلك يتكرر في الأشهر مرارا نعم إذا فرعنا على قول بعيد في صحة الإيلاء عن الرتقاء كان لها المطالبة بالفيئة باللسان
الرابعة إذا كان المانع فيه
إن كان طبعا فلها مطالبته ليفيء باللسان ويعتذر ويعد الوطء وذلك يدفع الضرار
فإن كان شرعا كالظهار والصوم والإحرام قطع المراوزة بأنه لا يكفيه الفيئة باللسان وللمرأة المطالبة وعليه أن يطلق فإن وطيء اندفعت المطالبة مع كونه حراما ونقول انت مخير بين أن تعصي بالوطء أو تطلق وأنت قد ورطت نفسك فيه وقالمالك رحمه الله الوطء في الإحرام لا يسقط المطالبة
أما العراقيون فبنوا على جواز التمكين وقالوا إذا كانت محرمة أو حائضا فطالبها بالتمكين لم يحل لها
وإن كان الزوج محرما أو صائما عن فرض فطالبها فهل يحل التمكين فيه وجهان أحدهما لا لأن هذا الوطء معصية فكيف يمكن منه
والثاني نعم لأن المعصية تختص بالزوج والوطء حقه فعليها التوفية وإن كان المستوفي عاصيا
ولا خلاف في أن للرجعية الإمتناع لأن الطلاق متعلق بها واختلفوا في أن الظهار كالإحرام أو كالطلاق ثم قالوا إن قلنا عليها التمكين فلها المطالبة فإن قصد الزوج الوطء وامتنعت سقط طلبها وإن حرمنا التمكين فعليها الإمتناع وهل لها الإرهاق إلى الطلاق فيه وجهان
أحدهما لها ذلك والزوج هو الذي ورط نفسه فيه والثاني لا بل يكتفي بوعد كالمانع الطبعي
الفصل الثالث في دفع المطالبة

ولا يندفع إلا بالطلاق أو الوطء من القادر والفيئة باللسان من العاجز كما سبق فإن رفع إلى القاضي فامتنع من الأمرين طلق القاضي عليه في أصح القولين وفي القول الثاني يلجئه بالحبس والتعزير إلى الطلاق وهو بعيد لأنه إكراه على الطلاق وأنكر المزني هذا وقال لم يصر إليه أحد من العلماء نعم لو استمهل الزوج من القاضي ثلاثة أيام في الفيئة باللسان لم يمهل وفي الوطء وجهان أحدهما لا لأن مدة المهلة أربعة أشهر وقد تم
والثاني نعم لأنه ربما لا يجد قوة ونشطة في الحال فعلى هذا لو بادر القاضي قبل مضي المدة لم تطلق لا كقتل المرتد قبل تمام المهلة فإنه مهدر لأن الطلاق يقبل الرد وفيه وجه بعيد أنه يفنذ
والمهلة ثلاثة أيام تجري في سبعة مواضع المرتد وتارك الصلاة والفسخ بالإعسار وبالعنة وخيار العتق والشفعة والإيلاء أما الرد بالعيب فهو على الفور
ثم إذا استمهل فأمهلناه فادعى العنة فيستأنف مدة العنة ولا يطلق لأن الطلاق كان تغليظا عليه لظننا به القدرة وذكر العراقيون وجها أنه يطلق
فرع إذا غاب الزوج إلى مسافة أربعة أشهر فلوكيلها في الخصومة أن يطالبه بالطلاق أو الإنصراف إلى وطئها وخروجه إلى السفر في الرجوع ابتداء الفيئة فلو صبر حتى انقضت مدة الإمكان ثم قال الآن أبتدىء السفر فلحاكم تلك البلدة أن يطلق
الفصل الرابع فيما به الفيئة وهو الوطء

ويكفي تغييب الحشفة ولو نزلت على زوجها لم تحصل الفيئة إذ لا تنحل به اليمين وليس هذا فيئة منه أما إذا أكره وقلنا يتصور على الوطء إكراه يدرأ الحد ففي لزوم الكفارة به خلاف فإن قلنا يلزم فقد انحل الإيلاء وإن قلنا لا فهل تنحل اليمين فيه خلاف
فإن قلنا تنحل فلا طلبة وإن قلنا لا ينحل فالصحيح أن الطلبة تبقى لبقاء الإيلاء وفيه وجه أنه لا طلبة لاندفاع الضرار بحصول الوطء أما إذا آلى ثم جن فوطىء فالمنصوص فيه أنه تنحل اليمين بفعله ولا كفارة وخرج من الناسي قول في وجوب الكفارة فيلتحق تفصيله بالمكره
فرع لو تنازعا في الوطء في المدة فالأصل عدم الوطء ولكن القول قوله على خلاف قياس الخصومات وقد ذكرنا نظير ذلك في العنة ثم قال ابن الحداد لو طلقها وأراد أن يراجعها وقال صدقتموني في الوطء فلي الرجعة قلنا لا بل نرجع إلى القياس والأصل عدم الوطء والعدة والقول قولها في ذلك وإنما كان كذلك لنوع ضرورة والله أعلم
كتاب الظهار

وفيه بابان الباب الأول في أركانه وموجب ألفاظه
وفيه فصلان
الفصل الأول في أركانه

وهو المظاهر والمظاهر عنها واللفظ والمشبه به
الركن الأول المظاهر وكل من يصح طلاقه يصح ظهاره وقد ذكرناه وذلك لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الشرع محرما للزوجة وموجبا للكفارة عند العود إليها فيصح ظهار المجبوب والخصي والذمي ثم على الذمي الكفارة ويصح منه الإعتاق مهما أسلم في ملكه عبد كافر وكذلك لو قال لمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي جاز على وجه فإن عجز فالصوم غير ممكن في حقه فيعدل إلى الإطعام وقال القاضي لا يعدل فإنه قادر فليسلم وليصم وهو بعيد لأنه مقرر على دينه فلا يكلف تركه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح ظهار الذمي لأنه ليس من أهل الكفارة
الركن الثاني المظاهر عنها وهي كل من يلحقها الطلاق فإن ظاهر عن الرجعية وتركها لم يكن عائدا فإن راجعها تعرض للزوم الكفارة كما سيأتي وإن ارتدت وظاهر عنها فإن رجعت إلى الإسلام انعقد الظهار فالإيلاء والظهار والطلاق متساوية إلا في المجبوب والرتقاء فإن الصحيح أن الإيلاء فيهما لا يصح
الركن الثالث اللفظ وصريحه أن يقول أنت علي كظهر أمي أو مثل ظهر أمي ولا مناقشة في الصلات فلو قال أنت مني أو معي أو عندي مثل ظهر أمي فكل ذلك صريح وكذا لو ترك الصلة وقال أنت كظهر أمي فلو قال أردت الإضافة إلى غيري لم يقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت من غيري لأن الشيوع يمنع هذا التأويل
ثم يتصدى النظر في أجزاء الأم وأجزاء الأم قسمان
أحدهما ما لا يذكر في معرض الكرامة كقوله كبطن أمي وشعرها ورجلها ويدها وفيه قولان
القديم أنه ليس بظهار اتباعا لعادة الجاهلية
والثاني أنه ظهار اتباعا للمعنى لأنه كلمة زور تشعر بالتحريم كالظهر وكذا لو أضاف إلى بعض الزوجة فقال يدك أو رجلك علي كظهر أمي يخرجعلى القولين ومأخذه الإتباع أو النظر إلى المعنى فقد ظهر أن التصرفات القابلة للتعليق كالطلاق والظهار والعتاق تصح إضافتها إلى البعض أما النكاح والرجعة فلا وأما الإيلاء فإذا قال لا أجامع فرجك أو نصفك الأسفل فهو صريح ولو اضاف إلى النصف الشائع فيه احتمال لأن ترك الجماع في النصف من ضرورته تركه في الكل
القسم الثاني ما يذكر في معرض الكرامة كقوله أنت مثل أمي أو كأمي أو كروح أمي فإن أراد الكرامة فليس بظهار وإن قصد الظهار فهو ظهار وإن أطلق فوجهان لتعارض الإحتمالين ولو قال كعين أمي التفت إلى الجديد والقديم لأنه إضافة إلى البعض واختلفوا أن الرأس كالبطن والعين والروح لأنه قد يذكر للكرامة
الركن الرابع في المشبه به فلو شبهها بمحللة أو محرمة تحريما مؤقتا كالأجنبيةأو تحريما لا محرمية فيها كالكملاعن عنها لم يكن ظهارا أما المحرمة على التأييد بقرابة أو مصاهرة أو رضاع ففيه أقوال
أحدها الإقتصار على الأم اتباعا لعادة الجاهلية وهو مأخذ القديم
والثاني أن كل ذلك ظهار اتباعا للمعنى لأن التحريم شامل
والثالث الإقتصار على الأم وإلحاق الجدة بها لأنها في معناها غير دونها
والرابع إلحاق كل محرمة بالنسب بالأم وكذا كل محرمة بالرضاع لم نعهد تحليلها من أول وجودها دون من طرأ التحريم عليها ودون المحرمة بالمصاهرة فإنها كانت محللة ولأن الرضاع يشبه النسب دون المصاهرة
أما إذا قال أنت علي كظهر أبي لم يكن ظهارا لأنه ليس في محل الإستحلال
الفصل الثاني في موجب الألفاظ
وفيه مسائل
الأولى أنه لو قال مهما ظاهرت عن ضرتك فأنت علي كظهر أمي كان كما قال لأن الظهار يقبل التعليق ولو أشار إلى أجنبية وقال مهما ظاهرت عنها فأنت علي كظهر أمي صح وتناول ظهارا عنها بعد نكاحها تنزيلا لموجب اللفظ على الصحيح شرعا فلو أجرى مع الأجنبية لفظ ظهار لم يحنث ولو صرح وقال إن ظاهرت عن فلانة وهي أجنبية فهذا لغو عند الشافعي رضي الله عنه وتعليق بمحال وقال المزني رحمه الله ينزل ذلك على اللفظ وكذا الخلاف فيما لو قال إن بعت الخمر فأنت علي كظهر أمي ثم باع لم يحنث عند الشافعي رضي الله عنه لأنه ليس ببيع وعند المزني يحمل على المسمى بيعا بالعادة أما إذا قال إن ظاهرت عن فلانة الأجنبية فيحتمل التعريف ويحتمل اشتراط كونها أجنبية فعلى أيهما يحمل فيه وجهان
الثانية أن يظاهر عن امرأة ويقل للأخرى أشركتك معها ونوى ففيه خلاف مبني على أن الظهار يغلب فيه مشابه الأيمان أو الطلاق
الثالثة إذا قال أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق بقوله أنت طالق ثم نراجعه فإن أراد بالبقية التأكيد قبل وإن أراد الظهار لغا إن كان بائنا ونفذ إن كان رجعيا
الرابعة أن يقول أنت علي حرام كظهر أمي فله أحوال
إحداها أن ينوي الطلاق دون الظهار وقصد التأكيد فهو كما نوى وكقوله أنت طالق كظهر أمي وفيه وجه أن الظهار هو الحاصل لأنه أتى بصريحه دون صريح الطلاق فهو أولى من الكناية ولا يخفى أنه لو عنى الظهار دون غيره فلا يحصل إلا الظهار
الحالة الثانية أن يقول نويت الطلاق والظهار جميعا مقرونا بقولي أنت علي حرام ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أن الجمع غير ممكن في لفظ واحد والطلاق أقوى فهو الواقع
والثاني أن الظهار أولى إذ أتى بصريحهوالثالث وهو اختيار ابن الحداد أن الرجل يخير حتى يختار أحدهما إذ ليس أحدهما أولى من الآخر
الحالة الثالثة أن يقول أردت بقولي علي حرام طلاقا وبقولى ظهر أمي ظهارا وقع الطلاق ونفذ الظهار إن كان رجعيا وفيه وجه أن الظهار لا يصح لأن قوله كظهر أمي غير مستقل وقد انصرف أول الكلام إلى الطلاق
أما لو عكس وقال أردت الظهار بالأول والطلاق بالآخر نفذ الظهار دون الطلاق لأنه نواه بلفظ الظهار وقال الشيخ أبو محمد ينفذ الطلاق لأن قوله كظهر أمي ليس مستقلا ولم يحصل به ظهار فيحصل به طلاق
الحالة الرابعة أن يقول لم أقصد بالمجموع إلا تحريم عينها فتحرم عليه ولتزمه الكفارة
المسألة الخامسة لو قال أنت علي حرام وقال نويت الطلاق والظهار جميعا مع اللفظة قال ابن الحداد إن نوى الظهار أولا يصح ويقع الطلاق ولم يكن عائدا وإن نوى الطلاق أولا وكان رجعيا صح الظهار
قال الشيخ أبو علي هذا غلط لأن اللفظ واحد فينبغي أن يجعل كما لو نواهما معا فيخرج على الخلاف في أن الأولى أيهما وهذا يلتفت على أن نية الكناية إذا اقترنت ببعض اللفظ ما حكمه وقد ذكرناه في الطلاق
الباب الثاني في حكم الظهار الصحيح

وله حكمان
أحدهما تحريم الجماع على الإقتران به إلى أن يكفر إما بالعتق أو الصيام أو الإطعام وجوز أبو حنيفة رحمه الله الوطء للمكفر بالإطعام لأن الآية مطلقة في حقه
لكن الشافعي رضي الله عنه ينزل المطلق على المقيد في مثل ذلك
ثم اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في أن التحريم هل يقتصر على الجماع فقال في المختصر أحببت أن يمنع القبلة وقال في موضع آخر رأيت أن تمنع القبلة فقيل قولان
أحدهما التريم لقوله تعالى { من قبل أن يتماسا } والقائل الثاني يحمله على الوقاع لقوله { من قبل أن تمسوهن } نعم
مسالك الأشباه متعارضة فنقول كل ما يحرم الوطء لخلل في الملك كالطلاق والردة والإستبراء عن الغير كعدة الوطء بالشبهة أو لإباحة الغير كتزويج السيد أمته فكل ذلك يحرم اللمس وأما الصوم والحيض فلا وقياس الإحرام أن يكون كالصوم ولكنه يحرم اللمس تعبدا وأما الإستبراء في المسبية فيحرم الوطء وفيما دونه خلاف وإن كان من جهة شراء أو تملك فيحرم الإستمتاع مطلقا لأنه لو ظهر الحمل لحرم على الإطلاق بخلاف جهة السبي والظهار مردد بين هذه الأصول فإن لم نحرم إلا الوطء ففي الإستمتاع بما دون السرة والركبة خلاف مبني على أنا إن حرمنا ذلك في الحائض عللنا بانتشار الأذى أو تخوف الوقوع في الوقاع ويظهر تشبيه الظهار بالحيض لأنه يحرم مع دوام النكاح لكن من حيث إنه كان طلاقا فأقت تحريمه بالكفارة فيحتمل أن يشبه بتحريم الرجعية
الحكم الثاني وجوب الكفارة وهو منوط بالعود قال الله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } فاختلف العلماء فيه على خمسة مذاهب
قال الثوري هو بنفس الظهار عائد وهو فاسد لقوله تعالى { ثم يعودون } وقال داود أراد تكرار لفظ الظهار والعود إليه وقال الزهري
ومالك في إحدى الروايتين إنه الوقاع إذ به يعود لنقض كلامه وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله في رواية إنه العزم على الإمساك وقال الشافعي رضي الله عنه هو نفس الإمساك
ومهما لم يطلق عقيب الظهار على الإتصال فهو ممسك ولا يكفيه العزم على الطلاق دون تحقيقه لأن إمساكه عود لنقض كلامه فسبيله أن يقول أنت علي كظهر أمي أنت طالق متصلا حتى لا يلزمه كفارة ويتفرع على هذا الأصل مسائل
الأولى إذا مات عقيب الظهار فلا كفارة إذ لم يتحقق الإمساك فإنه يفتقر إلى زمان القدرة على الطلاق ولو طلقها طلاقا رجعيا فلا عود فإن راجع فنص الشافعي رضي الله عنه أن نفس الرجعة عود ونص أنه لو ارتد وعاد لم يكن نفس الإسلام عودا وكذا لو أبانها وجدد النكاح وقلنا بعود الظهار والحنث لم يكن بمجرده عائدا لأن الإسلام يقصد به تبديل الدين والنكاح يقصد به تجديد الملك والرجعة لا معنى لها إلا إمساك الزوجة ومن أصحابنا من خرج وجها إلىالرجعة من النكاح وإلى النكاح والردة من الرجعة وطرد القولين لكن الفرق وتقرير النص أظهر فإن قيل إذا آلى ثم أبان وجدد النكاح لزمته الكفارة بالوطء وإن لم نقل بعود الحنث فلم لا تعود كفترة الظهار قلنا لأن اليمين يستقل بنفسه دون النكاح والظهار لا يتصور إلا في النكاح والكفارة هاهنا كالمطالبة بالفيئة عن الإيلاء فإنها من الخواص فلا تعود في نكاح ثان
نعم لو ظاهر وعاد حتى حرمت عليه استقرت الكفارة فلو طلق وجدد استمر التحريم إلى الكفارة وأما لو كانت رقيقة فاشتراها ففيه خلاف مبني على أن تحريم الطلاق واللعان هل يتعدى إلى ملك اليمين كما ذكرناه
المسألة الثانية إذا ظاهر عن زوجته الرقيقة ثم اشتراها على الفور ففيه وجهان
أحدهما أن الشراء ينفي العود كالطلاق لأنه قاطع
والثاني لا لأنه نقله من حل إلى حل فهو عائد وهذا يتجه إذا قلنا إنه يتعدى تحريم الظهار إلى ملك اليمين
ثم قال ابن الحداد لا بد وأن يتصل قوله اشتريت بالظهار فلو تشاغل بأسبابه حصل العود وقال الأصحاب إن كانت أسبابه متعذرة فهو كما قال وإن كانت متيسرة على القرب لم يكن عائدا أما إذا علق طلاقها بعد الظهار على الدخول فهو عائد وإن كان الدخول متيسرا إذ لا فائدة في التعليق وهو قادر على التنجيز ولو كان قد علق من قبل فدخل على الإتصال فلا عود إن كان الدخول متيسرا
ولو لاعن عقيب الظهار فظاهر النص أنه يمنع العود ثم اختلف في تصويره فمنهم من قال لو قذف بعد الظهار ولم يقصر في البدار إلى الرفع إلى القاضي على العادة فلا عود ومنهم من قال ينبغي أن تتصل كلمات اللعان بالظهار ويكون القذف والرفع سابقا وقال ابن الحداد ينبغي أن تتصل الكلمة الأخيرة بالظهار فإنه القاطع وألزم عليه كما لو قال عقيب الظهار يا زينب أنت طالق وقيل قوله يا زينب لا يوجب العود لأنه من جملة الكلام فكذا كلمات اللعان
المسألة الثالثة لو علق الظهار بفعل غيره فوجد ولم يعرف فليس بعائد فكما يعرف فينبغي أن يبادر الطلاق ولو علق بفعل نفسه ففعل ونسي الظهار فهو عائد لأنه في نسيان فعل نفسه غير معذور
المسألة الرابعة إذا قال أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر لم يصح على القديم لخروجه عن المعتاد وعلى الجديد يصح إن غلبنا مشابه الأيمان وإن غلبنا مشابه الطلاق فلا لأن الطلاق المؤقت أبد لغلبة الطلاق ولم يظهر ذلك للظهار وقد قيل يصح مؤبدا تشبيها بالطلاق
التفريع إن شبهناه بالأيمان صح مؤقتا ويكون العود بالجماع نص الشافعي رضي الله عنه عليه لأنه ينتظر تحليلا بعد الأشهر وإنما يمسك لذلك فلا يكون مجرد إمساكه مناقضا واعترض المزني رحمه الله على هذا وقال لا فرق بينه وبين المطلق فمن الأصحاب من قال للشافعي رضي الله عنه قول قديم أن العود هو الجماع فيطرد في المطلق والمقيد وهو فساد لأنه نص عليه في الجديد والفرق ما ذكرناه
فعلى النص إذا جامع حرم الجماع فعليه النزع متصلا بتغييب الحشفة وعلى مذهب ابن خيران يحرم الجماع الأول أيضا كذلك قال الصيدلاني إذا جامع نتبين أنه كان عائدا عقيب اللفظ وعليه يحمل إمساكه وفيه فقه يوافق النص ويدفع اعتراض المزني رحمه الله فعلى هذا لا نبيح الوطء الأول إذ هو مبين للتحريم قبله فهو كما لو قال أنت طالق قبل الوطء فإنه يحرم الوطء
المسألة الخامسة إذا قال لأربع نسوة أنتن علي كظهر أمي صار مظاهرا عن جميعهن ولكن في تعدد الكفارة واتحادها خلاف لاتحاد اللفظ وهو كالخلاف فيما لو قذف جماعة بكلمة واحدة أن الحد هل هو متعدد ومشابه الأيمان تقتضي الإتحاد لأن الكلمة واحدة ومشابه الطلاق التعدد لتعدد المحل فإن قلنا يتعدد فلا يخفى وإن قلنا يتحد فلو أمسكهن فعليه كفارة ولو طلق ثلاثا وأمسك واحدة لزمه كفارة لأن مناقضة الظهار بالعود تتحقق بإمساك واحدة وليس كما لو قال والله لا أجامعكن فإنه لا كفارة بجماع واحدة لأن مخالفته تتحقق بجماع الجميع وتحقيقه أن الظهار هاهنا يتعلق بطلاق الجميع
فأما إذا ظاهر عنهن بأربع كلمات على التوالي فتجب أربع كفارات ويكون بالظهار الثاني عائدا إلى الأول وبالثالث عائدا إلى الثاني وبالرابع عائدا إلى الثالث فإن قال عقيب الرابع أنت طالق فعليه ثلاث كفارات فإن لم يقل فأربع كفارات
المسألة السادسة إذا كرر لفظ الظهار على الإتصال وقال قصدت بالثاني تأكيد الأول قبل ولكن هل يكون عائدا فيه وجهان
أحدهما نعم لأن اشتغاله بالتأكيد ترك للطلاق
والثاني لا لأنه لا يكون به ممسكا لأن التأكيد في حكم تمام الكلام
وإن قصد ظهارا آخر ففي تعدد الظهار مع اتحاد المرأة طريقان
أحدهما طرد القولين في تعدد الكفارة
والثاني القطع بالتعدد وتغليبا لجانب اللفظ
ولا خلاف أنه لو قذف شخصا واحدا مرتين فالحد واحد ثم إن طلق عقيب الثاني لم يكن عائدا في الثاني وهل يكون عائدا في الأول لاشتغاله بالثاني فيه وجهان مرتبان على صورة إرادة التأكيد وها هنا أولى بأن يكون عائدا لأنه كلام مستقل بنفسه أما إذا تخلل زمان فهو عائد في الأول والظهار الثاني منعقد إن قلنا بتعدد الكفارة وإلا فلا فائدة فيه
أما إذا قلنا تتعدد فقال أردت التأكيد مع تخلل الفصل هل يقبل ها هنا تردد فيه جواب القفال كما ذكرناه في الإيلاء لأن فيه مشابه الإخبار
المسألة السابعة إذا جن عقيب الظهار فليس بعائد فلو أفاق لم تكن مجرد الإفاقة عودا ولكن إن لم يطلق عقيب الإفاقة صار عائدا ولو قال إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي فلا ظهار في الحال فإن مات قبل التزويج حصل اليأس وصار مظاهرا عائدا قبيل الموت هكذا قاله ابن الحداد وقال بعض الأصحاب الظهار حاصل ولا عود لانه مات عقيب انعقاد الظهار وإنما كان يستقيم ما قاله لو استند انعقاد الظهار إلى الأول وما ذكره ابن الحداد أغوص فليتأمل
فإن قيل الوطء يحرم بنفس الظهار أو بالعود قلنا بالعود إذا لو كان بمجرد الظهار لكان تستقر الكفارة وإن طلق عقيبه حتى لو أراد وطأها بنكاح جديد أو ملك يمين لم يجز إلا بكفارة وليس كذلك لكنه إذا عاد حرم ووجبت الكفارة واستقرت لا لاجل استحلال الوطء فإنه لو أبانها بعد العود لم تسقط الكفارة لأنها استقرت بالعود المناقض للظهار كما يستقر بالحنث في اليمين فالكفارة تجب بالظهار والعود جميعا والظهار أحد سببيها كاليمين ولذلك قال ابن الحداد لو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أعتق عن الظهار ثم دخلت وقع العتق لتأخره عن أحد السببين وخالفه بعض الأصحاب وقالوا وزانه ما لو قال إن دخلت الدار فوالله لا أكلمك ثم أعتق قبل الدخول لا يجزىء لأنه إنما يصير حالفا عند الدخول ولكن يحتمل أن يقال السبب صيرورته حالفا ومظاهرا وقد وجد فيكفي ذلك والله أعلم
كتاب الكفارات

وخصالها ثلاثة العتق والصوم والإطعام والعتق لا يدخل في فدية الحج والإطعام لا يدخل في كفارة القتل على أحد القولين وكفارة الجماع والظهار متساويتان في الترتيب العتق ثم الصيام ثم الإطعام وكذا كفارة القتل إن قلنا يدخلها الإطعام وكفارة الأيمان على الخيرة بين العتق والكسوة والإطعام فإن عجز فالصيام ثلاثة أيام وسيأتي في موضعه والمقصود كفارة الظهار ثم يندرج فيه جمل من أحكام الكفارات
الخصلة الأولى العتق
ولا يجزىء في الكفارات إلا رقبة مسلمة سليمة كاملة الرق تعتق بنية جازمة عتقا خاليا عن شوب العوض فهذه خمسة شروط فلنفصلها
الشرط الأول الإسلام والمسلم كل من ولده مسلم أو مسلمة أو أسلم أحد أبويه في صغره أو التقط في دار الإسلام أو سباه مسلم في صغره وليس معه أبواه أو نطق بكلمتي الشهادة بعد البلوغ فلو نطق وهو صبي مميز ففيه قولان ولو نطق مرها فهو مسلم إلا أن يكون ذميا فلا يحكم بإسلامه على أحد القولين وفيه مسألتان
إحداهما أنه لو نطق بكلمتي الشهادة فالصحيح أنه إسلام وإن لم يصرح بالبراءة عن سائر الملل ومنهم من شرط ذلك نعم لو اقتصر على قوله لا إله إلا الله وكان ذلك على وفق ملته لا يحكم بإسلامه وإن كان على خلافه كالثنوي والنصراني القائل بالتثليث فمنهم من حكم بإسلامه ثم قال يطالب بالشهادة الثانية فإن أبى جعل مرتدا ومنهم من لم يحكم بإسلامه ما لم يأت بكلمتي الشهادة
المسألة الثانية لو أقر بصلاة أو ركن من أركان الإسلام يخالف ملته هل يجعل به مسلما فيه وجهان وضابطه عند من يجعله مسلما أن كل ما يكفر المسلم بإنكاره فيصير الكافر بالإقرار به مسلما لأن التصديق والتكذيب لا يتجزأ ولعلنا قد استقصينا هذه الأحكام في كتاب اللقيط فلا نعيده
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يشترط الإيمان في رقبة كفارة الظهار فإن الوارد في القرآن رقبة مطلقة ولكن عندنا يحمل المطلق على المقيد
الشرط الثاني السلامة من العيوب وعليه تنزل الرقبة المطلقة في القرآن ثم قال أبو حنيفة رحمه الله الأقطع يجزىء والأصم والأبكم لا يجزىء وجعل الضابط فيه زوال جنس من المنفعة لأن العيب المعتبر في البياعات لا يعتبر فاعتبر كمال أجناس الأعضاء والمنافع والشافعي رضي الله عنه اعتبر ما يؤثر في العمل أثرا بينا إذ غرض الإعتاق أن يستقل ويسعى لنفسه
والزمن لا يجزىء في العتق ويجزىء الأصم والأعور إذ يقدر على العمل والكسب وكذلك الأقرع والأعرج والعنين والخصي والأقطع لا يجزىء وقطع الإبهام أو المسبحة أو الوسطى مانع وقطع الخنصر أو البنصر لا يمنع وقطعهما جميعا مانع إن كان من يد واحدة ومن يدين لا يؤثر وقطع أنملة لا يؤثر إلا من الإبهام وفقد أصابع الرجل لا يؤثر
والمجنون لا يجزىء إذا كان جنونه مطبقا والمريض الذي لا يرجى زواله لايجزىء فإن زال على الندور فهل يتبين إجزاؤه فيه خلاف والذي يرجى زواله يجزىء فإن مات فهل نتيقن أنه لم يقع موقعه فيه خلاف وإن كان يجن ويفيق فيجزىء إن كان أيام الإفاقة أكثر وإلا ففيه تردد والهرم العاجز لا يجزىء والصغير وهو ابن يوم يجزىء لأن مصيره إلى الكبر والظاهر أن الجنين لا يجزىء وفيه وجه
وأما الأخرس فالقياس أنه يجزىء وقد اختلف فيه نص الشافعي رضي الله عنه ومنهم من قال قولان وأجراهما في الأصم الأصلخ ومنهم من قطع بالجواز وحمل النص على الذي لا يفهم الإشارة
الشرط الثالث كمال الرق فلا يجزىء عتق المستولدة لأنه يمتنع بيعها ولا عتق المكاتب كتابة صحيحة لنقصان الرق ولوقوع العتق عن جهة الكتابة بدليل استتباع الإكساب والأولاد والمكاتب كتابة فاسدة يبتنى على العلتين إن عللنا بنقصان الرق نفذ وإن عللنا بالاستتباع وقلنا إنه يستتبع لم ينفذ
ولو اشترى عبدا بشرط العتق وأعتقه عن الكفارة ففيه تفصيل ذكرناه في البيع أما عتق العبد المرهون والجاني إن نفذناه فهو يجزىء عن الكفارة لأنه يفك الرهن بخلاف الكتابة
فروع
الأول العبد الغائب الذي تتواصل أخباره يجزىء إعتاقه والمنقطع الخبر نصعلى أنه لا يجزىء ونص أنه يخرج عنه زكاة الفطر فقيل هو ميل إلى الإحتياط في المسألتين وقيل فيهما قولان لأن الأصل بقاؤه والأصل اشتغال الذمة
الثاني العبد المغصوب في يد متغلب يجزىء إعتاقه وفيه وجه أنه لا يجزىء لأنه لا يستفيد استقلالا كاملا كالأطقع وهو أميل
الثالث إذا اشترى قريبه بنية الكفارة لم يجزئه لأن عتقه يستحق من جهة القرابة وقال الأودني إذا اشتراه الخيار وأعتقه عن كفارته جاز
الرابع إذا أعتق نصفين من عبد في دفعتين أجزأه ولو أعتق نصفي عبدين ففيه وجهان
أحدهما يجزىء لأن الأشقاص تجمع أشخاصا في الزكاة كذلك هذا
والثاني لا لأن المقصود إفادة الإستقلال فلا تحصل بالتجزئة نعم لو ملك عبدين وعليه كفارتان فقال أعتقهما عن كفارتي نصف كل واحدمنهما عن كفارة فقد حكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنه يجزىء فمنهم من قال عتق العبدان عن الكفارتين ولا معنى لتجزئته وإضافته
الخامس إذا ملك المعسر نصف عبد فأعتق نصفه عن كفارته ثم اشترى النصف الثاني وأعتق جاز لأنه كمل الخلاص وإن كان موسرا ففي كيفية نفوذ العتق ثلاثة أقوال
فإن فرعنا على تنجز العتق نظر فإن وجه العتق على جملة العبد وقال أعتقك عن الكفارة نفذ وأجزأ وقال القفال لا ينصرف النصف الثاني إليها لأنه عتق بتسرية الشرع لا بإعتاقه إلا أنا نقول حصل بتسببه فصار كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر عن كفارتي فدخل العبد عتق وأجزأه إن وجه على النصف لم ينصرف النصف الباقي إلى الكفارة وهل يجزىء ذلك النصف يبتنى على عتق الأشقاص
وإن فرعنا على أن العتق يتوقف على أداء القيمة فنوى عند اللفظ صرف النصف وعند الأداء صرف النصف الثاني جاز وإن نوى الكل عند اللفظ ففيه وجهان
أحدهما الجواز لأنه السبب المعتق عند الأداء
والثاني أنه لا بد عند العتق من النية
وقال الشيخ أبو حامد يجب أن ينوي الكل عند اللفظ ولا يعتد بالنية عندالأداء
الشرط الرابع أن يكون خاليا عن العوض فلو أعتق على أن يرد العبد إليه دينارا لم يقع عن الكفارة ولو قال لغيره أعتق عبدك عن كفارتك ولك ألف علي فأعتق نفذ لا عن الكفارة وهل يستحق الألف فيه وجهان جاريان في الإلتماس من غير ذكر الكفارة
أحدهما لا لأن العتق وقع منه فكيف يستحق العوض
والثاني يستحق كما لو قال أعتق مستولدتك ولك علي ألف وكأن الخلاف يرجع إلى أن الفداء هل يجوز مع إمكان هذا الشراء
وعند هذا جرت العادة بذكر النظر في التماس العتق وفيه مسائل
الأولى إذا قال أعتق مستولدتك ولك علي ألف نفذ ولزم الألف وهو افتداء ومقابلة للمال بإسقاط الملك كما في اختلاع الأجنبي
ولو قال أعتق مستولدتك عني على ألف فقال أعتقت عنك عتقت ولغا قوله عنك والظاهر أنه لا يستحق العوض لأنه رضي به بشرط الوقوع عنه ولم يقع وفيه وجه أنه يستحق ويلغي قوله عني كما لو قال طلق زوجتك عني فإنه يحمل على أنه أراد طلقها لأجلي فيستحق الزوج العوض
واعلم أن حكم الشافعي رضي الله عنه بنفوذ العتق في المستولدة مع قوله أعتقت عنك يدل على أنه إذا وصف العتق أو الطلاق بوصف محال يلغي الوصف دون الأصل
الثانية إذا قال أعتق عبدك عني فقال أعتقت وقع عن المستدعي ثم إن ذكرعوضا استحقه وإن لم يذكر فهل يستحق فيه وجهان
أحدهما لا يستحق بل يحمل على الهبة
والثاني أنه يستحق كما لو قال اقض ديني فإنه يرجع على رأي ولكن هذا التوجيه إنما يستقيم إذا قال أعتق عن كفارتي فإنه أداء حق مستحق
ولو صرح وقال أعتقه عني مجانا فقال أعتقت نفذ ولا عوض وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ينفذ لأن الملك لا يحصل في الهبة دون القبض ولكن قال بعض الأصحاب إعتاقه تسليط تام أقوى من الإقباض وبنوا عليه أنه لو وهب ثم قال للمتهب أعتقه عن نفسك فأعتق نفذ عتقه من غير قبض
أما إذا أطلق وقال أعتق عبدك ولم يقل عني أو عنك فأعتق فعلى ماذا ينزل فيه وجهان
أحدهما أنه عن المستدعي بقرينة الإستدعاء
والثاني أنه كقوله أعتق عن نفسك حتى يخرج النظر في العوض على ما ذكرناه
الثالثة إذا قال إذا جاء الغد فعبدي حر عنك بألف فقال قبلت فهذا كتعليق الخلع وقد ذكرناه ولو قال أعتق عبدك عني غدا بألف فصبر حتى جاء الغد وقال أعتقت قال صاحب التقريب ها هنا يستحق المسمى لأنه ليس تعليقا وفيه نظر أيضا ذكرناه في الخلع ولو قال أعتقه عني على خمر أو مغصوب فهو كالخلع على المغصوب ويحتمل ها هنا الفساد في العوض وإن كان الملكيحصل للمستدعي لأنه ملك ضمني فلا تعتبر شروطه وينظر إلى صورة الإعتاق ولذلك لم يشترط القبض في الإعتاق مجانا
فإن قيل العتق يحصل متصلا بآخر قوله أعتقت فالملك كيف يحصل قبله فيكون قد حصل قبل اللفظ أو كيف يحصل بعده فيكون متأخرا عن العتق أو معه فيكون مع العتق والكل محال قلنا ذكر فيه خمسة أوجه
أحدها أنا نتبين حصوله بعد الإلتماس وقبل الإجابة
والثاني أنه يتبين حصوله عند الشروع في اللفظ وهما بعيدان لأنه تقديم المسبب على السبب
والثالث أنه يحصل الملك مع آخر أجزاء اللفظ والعتق مرتبا عليه
والرابع أنه يحصل مرتبا على اللفظ والعتق يتأخر لحظة
والخامس وهو اختيار أبي إسحاق رحمه الله أن الملك والعتق يترتب
على اللفظ معا واستبعد ذلك منه ونسب إلى الجمع بين المتضادين ولعله يعني أنه جرى سبب الملك والعتق في حالة واحدة فيندفع الملك في وقت جريان سببه ويكون ذلك في معنى الإنقطاع ولهذا غور ذكرناه من قبل
وبالجملة فقد اختلفوا في أن كل حكم يترتب على لفظ فيكون مع آخر جزء من اللفظ أو متأخرا مترتبا عليه ترتب الضد على زوال الضد والأصح أنه مع آخر جزء من اللفظ لأن المعلول ينبغي أن يكون مع العلة كما ذكرناه
الشرط الخامس النية ولا بد منها لأن الكفارة فيها مشابه العبادات نعمتصح من الذمي والمرتد إذا قلنا لا يزول ملكه أو يستثنى قدر الكفارة عن ملكه الزائل كما نستثني قدر الدين ولا تصح النية منهما ولكن يستقل بمشابه الغرامات فإن فيها شبه الغرامات أما صوم الكفارة فلا يصح منهما لأنه عبادة محضة كالزكاة فلذلك لا يتصور من كافر
فرع لا يشترط تعيين النية في الكفارات عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
فلو كان عليه الكفارات فيكفيه أن ينوي الإعتاق عن الكفارة لأن تعيين النية عندنا يجب قصدا إلى التقرب بالصفات المقصودة في العبادات المختلفة المراتب ومرتبة الظهر تغاير مرتبة الصبح وكذلك صوم رمضان يغاير صوم النذر ولا تفاوت في الكفارات كما لا تفاوت في زكاة أعيان الأموال فالأموال أسباب الزكاة والجنايات أسباب الكفارات وهي متفاوتة وقد طردوا هذا في العتق الملتزم بالنذر معالكفارة وإن كان النذر قربة والكفارة سببها جريمة ولكن لم يلتفت إلى هذا نعم إذا أعتق في الكفارة وأخطأ لم يجزئه فإذا كان عليه كفارة قتل فنوى الظهار لم يقع عن القتل وقد صرفه عنه وعليه الإعادة وهو كتعيين الإمامة في القدوة ولا تشترط ولكن لو أخطأ فسدت القدوة
الخصلة الثانية الصيام

وفيه نظران
الأول فيما يجوز العدول إليه ولا يعتبر عندنا عجز محقق عن الإعتاق بل يكفي أن يعسر ذلك عليه لغرض معتبر معتد به والذي لا يملك شيئا لا يخفى أمره أما إن ملك عبدا أو مسكنا أو مالا ففيه نظر فنقول إن كان زمنا وهو محتاج إلى العبد لخدمته أو كان منصبه يقتضي أن يخدم ولا يباشر الأعمال بنفسه فيجوز له الصوم عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وإن كان عبده نفيسا يمكن إبداله بعبدين يلزمه ذلك إلا إذا كان قد ألف العبد وارتضاه من زمان فإنه يعسر عليه الإبدال فلا يلزمه وفيه وجه أنه يلزمه ذلك ولا يعتبر الإلف
أما المسكن فلا يباع إلا إذا كان فضلا عن مقدار حاجته لاتساع خطته وأمكنهبيع بعضه فإن كان بيتا نفيسا وأمكن إبداله بمثليه فهو كالعبد النفيس المألوف لأن الجلاء عن المسكن أيضا شديد ففيه وجهان
أما المال إذا ملكه زائدا عن المسكن واللباس والأثاث المحتاج إليه فيصرف إلى العتق إلا إذا كان رأس ماله أو ضيعة لو باعها لصار مسكينا يحل له سهم المساكين فالإنتقال إلى حال المسكنة أشد من الإنتقال من دار أو عبد فقياس قول الأصحاب أنه لا يكلف ذلك ويكاد يخالف هذا قوله تعالى { فمن لم يجد فصيام } ولكن توسع الأصحاب في هذا لأن صوم شهرين يكاد يكون أشق من إعتاق عبد وليس بينهما كبير تفاوت وليس كذلك زكاة الفطر فإنه يصرف إليه كل ما فضل عن قوت اليوم لأنه أصل وتركه إبطال لا إبدال
أما إذا كان له مال غائب فلا يجوز له الصوم لأن الكفارة على التراخي ويمكن أداؤها عنه بعد موته بخلاف قضاء الصلاة فإنه تجوز بالتيمم مع توقع الماء في ثاني الحال لأن الموت متوقع في كل حال فإن قيل فيعتبر إعساره عند الوجوب أو الأداء قلنا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يعتبر حالة الوجوب تغليبا لمشابه العقوبات فعلى هذا لو كان معسرا ثم أيسر وأعتق جاز بطريق الأولى وذكر صاحب التقريب وجها أنه لا يجوز لأن هذا الترتيب بعيد وإلا فالصوم أشق وهو بعيد إذ المعسر لو تكلف الإعتاق فلا ينبغي أن يمنع نعم ذكر وجهان في العبد إذا أعتق قبل الصوم وأيسر أنه هل يعتق لأنه لم يكن أهلا لوجوب العتق في الإبتداء وهذا منقدح
القول الثاني أنه يعتبر حالة الأداء تشبيها بالعبادات إذ يعتبر في القعود في الصلاة وفي التيمم حالة الأداء وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله
وعلى هذا لو شرع في الصوم ثم أيسر لا يقطع عليه لأنه إذا شرع في البدل فقد استقر الأمر كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الشروع في الصلاة وقال أبو حنيفة رحمه الله والمزني لا مبالاة بالشروع بل يستقر الأمر بالفراغ لأن وزان الشروع في الصوم الشروع في التيمم دون الصلاة وعندهما تنتقض الصلاة برؤية الماء
ومن اصحابنا من وافق المزني ها هنا فعلى هذا القول نقول الواجب الصوم بشرط أن يستمر الإعسار إلى الفراغ
القول الثالث أنه يعتبر أغلظ الحالتين فإذا أيسر عند الأداء أو عند الوجوب لزم العتق احتياطا وعلى هذا لو كان معسرا في الطرفين وتخلل اليسار لم يؤثر فكأن ما اقتضاه حالة الوجوب لا يغيره إلا حالة الأداء
وأما العبد فمعسر وكفارته بالصوم وأما الإطعام والعتق فيبنى على أنه هل يملك بالتمليك والعتق أولى بأن يمتنع عليه والصحيح أنه لا يملك بالتمليك
ثم إن العبد لا يصوم إلا بإذن السيد إلا إذا حلف وحنث بإذنه فإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه لم يصم وإن حلف بغير إذنه وحنث بإذنه فوجهان وإنما يعتبر إذنه لأن حق السيد على الفور والصوم على التراخي بخلاف شهر رمضان وأما من نصفه حر ونصفه عبد فهو كالأحرار في الكفارة وكالعبيد في الجمعة والشهادة والولاية وصدقة فطره تتوزع على الرق والحرية
النظر الثاني في حكم الصوم
وفيه مسائل
إحداها أنه يجب عليه تبييت النية ولا يجب تعيين جهة الكفارة نعم ينوي صوم الكفارة وهل ينوي التتابع فيه وجهان فإن قلنا ينوي يكفيه ذلك في الليلة الأولى أو يجددها كل ليلة فيه وجهان وإذا مات لم يصمعنه وليه على الصحيح
الثانية يصوم شهرين بالأهلة فإن ابتدأ في أثناء شهر صام الشهر الثاني بالهلال وكمل الشهر الأول ثلاثين من الشهر الثالث خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الثالثة لا بد من التتابع في كفارة الظهار والوقاع والقتل فلو أفسد اليوم الأخير أو نسي النية فيه وجب استئناف الكل وهل يفسد ما مضى أو ينقلب نفلا فيه وفي نظائره قولان
أما إذا وطىء المظاهر ليلا لم يفسد تتابعه ولكنه يعصي إذ التتابع قائم والتقديم على الوطء قد فات وقال أبو حنيفة رحمه الله يستأنف
الرابعة الحيض لا يقطع التتابع والمرض الذي يبيح مثله الإفطار فيه قولان مشهوران
أحدهما أنه لا يقطع التتابع لأنه لا يزيد وصف التتابع على وصف شهر رمضان
والثاني أنه يقطع لأن تدارك التتابع ها هنا ممكن بخلاف وصف رمضان
وفي السفر قولان مرتبان وأولى بأن يقطع لأنه منوط بالإختيار ولو قيل إنه لا يقطع على بعد فلا يبعد أن يجزىء فيما إذا نسي النية ولا قائل به لأنه مقصر بالنسيان ولذلك يلزمه الإمساك دون الحائض والمسافر إذا زال عذرهما
فرع
لو أرادت الحائض أن تفطر ثم بعد الطهر تستأنف شهرين ففيه إحباط لوصف الفرضية من الصوم السابق فهذا فيه احتمال والأظهر جوازه لأنه على التراخي وما مضى لا يفسد وكانت الفرضية موقوفة على الفراغ
الخصلة الثالثة الإطعام

ويعدل إليه العاجز عن الصوم بالهرم والمرض الذي يدوم شهرين وليس توقع الصحة بعده كتوقع رجوع المال الغائب بعد شهرين لأن من له مال غائب يسمى واجدا وهذا يسمى عاجزا في الحال وفي انتقال المسافر إلى الإطعام تردد
وأما الشبق المفرط فالظاهر أنه لا يرخص في العدول إلى الإطعام وهو القياس وفيه وجه يستند إلى حديث الأعرابي وقد ذكرنا إشكاله في الصوم
والنظر بعد هذا في قدر المخرج وجنسه والمخرج إليه والإخراج
أما جنس المخرج فهو كزكاة الفطر وأما قدره فستون مدا
وأما المخرج إليه فالمسكين الذي يجوز صرف الزكاة إليه ولا يجوز عندنا أن يصرف إلى مسكين واحد ستين مدا في ستين يوما خلافا لأبي حنيفةرحمه الله فلا بد من رعاية عدد المساكين لظاهر الآية وأما الإخراج فهو التمليك والتسليط التام فلا يكفي التغدية والتعشية بتقديم التمر إلى المساكين
كتاب اللعان

واللعان عبارة عن أيمان يذكر اللعن فيها من نسب زوجته إلى الزنا فيدرأ الحد والنسب عن نفسه بمجرد يمينه وذلك رخصة لمسيس الحاجة إلى صيانة الأنساب وعسر إقامة البينة على زنا المرأة
وردت أولا في عويمر بن مالك العجلاني قذف زوجته بشريك بن السحماءفقال صلى الله عليه وسلم
لتأتين بأربعة شهداء أو لأجلدن ظهرك فاغتم وقال أرجو أن ينزل الله قرآنا يبرىء ظهري فنزل قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } الآية
ونظر الكتاب في قسمين القذف واللعان
القسم الأول في القذف

وفيه بابان
الباب الأول فيما يكون قذفا من كافة الخلق وفي موجبه

وفيه فصلان
الفصل الأول في ألفاظ القذف

وفيه ثلاثة أقسام صريح وكناية وتعريض
أما الصريح فهو كقوله يا زاني أو زنيت أو زنى فرجك وكذلك ذكر النيك وإيلاج الفرج مع الوصف بالتحريم فهذا لا يقبل فيها تأويل
أما الكناية فكقوله للنبطي يا عربي أو للعربي با نبطي فإن أراد الزنا فهو قذف وإلا فلا ثم إذا أنكر إراد الزنا توجهت اليمين عليه وإنما يتم القذف باعترافه بالنية إذ به يحصل الإيذاء التام ويجب الحد بينه وبين الله تعالى إذا نوى
وإن أنكر النية كاذبا فهل يلزمه إظهار النية فيه نظر من حيث إن فيه إيذاء فيبعد إيجابه وستر ذلك لكف الأذى أولى إلا أن يرهق إليه باليمين فلا يباح له اليمين الغموس فيلزمه الإعتراف وقد قال الأصحاب يجب عليه الإظهار بكل حال كما لو قال في خفية فيلزمه الإظهار وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا قذف بالكناية لأن الإيذاء لا يتم به
وأما التعريض فكقوله يا ابن الحلال وكقوله أما أنا فلست بزان فهذا ليس بقذف وإن نوى لأن اللفظ ليس يشعر به ولقد جاء رجل من فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود معرضا بزناها فلم يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قاذفا ولكن قال
هل لك إبل فقال نعم قال
ما ألوانها قال حمر قال
فهل فيها أسود قال نعم قال
فلم ذلك قال لعل عرقا نزع فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لعل عرقا نزع وقال مالك رحمه الله التعريض قذف والحديث حجة عليه
ويتم النظر في الألفاظ برسم مسائل
إحداها إذا قال لامرأة زنيت بك فهذا إقرار بالزنا وقذف للمرأة فعليه حدان وكان يحتمل أن لا يجعل قاذفا لاحتمال أن يفسر بأنها كانت مستكرهة ولم تكن مختارة ولكن جعل قاذفا اعتمادا على ما يقتضيه الظاهر
ولو قال لامرأته أنت زانية فقالت زنيت بك فراجعناها فإن أرادت الزنا قبل النكاح سقط حد القذف عن الزوج ووجب عليها حدان حد الزنا وحد القذف للزوج فإن رجعت سقط عنها حد الزنا ولا يسقط حد القذف إذ الرجوع لا يسقط حق الآدمي إنما يسقط حدود الله تعالى ولو قالت أردت نفي الزنا كما يقول القائل سرقت فيقول المخاطب سرقت سرقت معك فيقبل قولها مع اليمين ويكون لها طلب حد القذف من الزوج لأن ذلك معتاد في الجواب وقد اختلف أصحابنا فيما لو قال لي عليك دينار فقال زنه أنه هل يكون إقرارا
الثانية لو قال يا زانية فقالت أنت أزنى مني فهو قاذف وليست هي مقرة ولا قاذفة للزوج لأنها لم تنسب لنفسها زنا حتى يكون هو زانيا بكونه أزنى منها ولا نقول إن الترجيح يوجب المشاركة في الأصل فإن عادة المشاتمة لا تنزل على وضع اللسان نعم لو قال فلان زان وأنت أزنى منه فهو قذف للشخصين جميعا ولو قال أنت أزنى من فلان فليس بقذف
وكذا لو قال أنت أزنى من الناس أو أزنى الناس ولو قال في الناس زناة وأنت أزنى منهم كان قذفا ولا نقول إنه يعلم أن في الناس زناة وإن لم يذكر بل ينظر إلى لفظه ولو قال أنت أزنى من فلان وكان قد ثبت زنا فلان بالبينة وكان القائل جاهلا لم يكن قذفا وإن كان عالما كان قذفا
ولو قالت أردت أنك زان ولست أنا زانية فهي قاذفة فلكل واحد على صاحبه حد ولا يتقاصان لأن المقاصة في العقوبات مع تفاوت موقعها في النفوس لا وجه له وقال أبو حنيفة رحمه الله يتقاصان
الثالثة إذا قال للرجل يا زانية أو للمرأة يا زاني فهو قاذف عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله في الصورة الأولى والسبب فيه أن الإشارة تقدم على النحو والتذكير والتأنيث ولا خلاف أنه لو قال للرجل زنيت وللمرأة زنيت أنه قاذف ولو قال زنأت فيالجبل وقال أردت الترقي فيه فليس بقاذف ولو قال زنيت في الجبل وقال أردت الترقي فهل يقبل وجهان ووجه القبول أن حذف الهمزة قد يغلب على اللسان وقرينة ذكر الجبل تشهد له ونص الشافعي رضي الله عنه أنه لو قال يا زانية في الجبل أنه قذف وقيل يفرق بين البصير في العربية والجاهل فلا يقبل حذف الهمزة من البصير
الرابعة إذا قال زنى فرجك فهو قذف ولو قال زنى عينك أو يدك أو رجلك ففيه وجهان وظاهر ما نقله المزني رحمه الله أنه قذف وهو فاسد إذ قال صلى الله عليه وسلم
العينان تزنيان واليد تزنيان
ومن جعله قاذقا قال ذكر صريح الزنا وأضافه إلى البعض ومن ضرورة الإضافة إلى البعض الإضافة إلى الكل ولو خرج ذلك عن كونه صريحا لكان قوله يا زاني غير صريح إذ له أن يفسر فيقول أردت بالزاني العين
الخامسة إذا قال لولده لست مني أو لست ولدي ثم قال أردت أنك لست تشبهني خلقا وخلقا لم يكن قاذفا نص عليه ونص أن الأجنبي إذا قال لست ولد فلان أن ذلك لا يقبل منه ويكون قاذفا فمنهم من قال قولان بالنقل والتخريج وإليه ميل المزني رحمه الله
أحدهما أنه يقبل منه لعرو اللفظ عن ذكر الزنا واحتمال ما قاله
والثاني أن ذلك لا يفهم منه في العادة
ومنهم من فرق بأن الأب يحتمل منه ذلك في معرض التأديب دون الأجنبي والأقيس أنه كناية في الموضعين جميعا إذ ربما ينسبه إلى الوطء بالشبهة أو ينكر ولادته على فراشه ثم إذا فسر بشيء من ذلك فلا يخفى كيفية فصل الخصومة في نفي الولد ولحوقه
السادسة إذا قال للولد المنفي باللعان لست من الملاعن فإن أراد به النفي الشرعيفليس بقاذف وإن كان أراد تصديق الملاعن في نسبة الولد إلى الزنا فهو قاذف
ولو قال لقرشي لست من قريش فإن قال أردت أن واحدة من أمهاته في الجاهلية زنت فليس بقاذف لأنها غير معينة ومن قال واحد من أهل البلد زنى أو الناس زناة فلا يكون قاذفا ما لم يعين
الفصل الثاني في موجب القذف

والقذف يوجب التعزير إلا إذا صادف محصنا فيوجب الحد ثمانين جلدة
وخصال الإحصان التكليف والإسلام والحرية والعفة عن الزنا الموجب للحد فإن من ثبت منه الزنا فكيف يصان عرضه مع أن القاذف صادق نعم يعزر وأما الوطء الحرام الذي لا يوجب الحد لقيام ملك أو شبهة ملك فهل يبطل الإحصان فيه خلاف وله درجات فإذا وطىء مملكوته المحرمة برضاع أو نسب ففيه وجهان وفي الجارية المشتركة أو جارية الإبن وجهان مرتبان وأولى بأن لا يبطل الإحصان وفي مذهب الشافعي رضي الله عنه إذا وطىء في النكاح بلا ولي وجهان مرتبان وأولى بأن لا يبطل وفي الوطء بالشبهة وظن الزوجية وجهان مرتبان وأولى بأن لا يبطل ووجه إبطاله أن ذلك يدل على قلة التحفظ ولو كان قد جرى صورة الفاحشة في الصبي فوجهان مرتبان على الوطء بالشبهة وأولى بأن لا يبطل
أما الوطء في الحيض والصوم والإحرام فلا يبطل وفيه وجه بعيد أنه يبطل أما مقدمات الوقاع من اللمس والقبلة فلا تسقط الإحصان
فروع

الأول لو زنى المقذوف بعد القذف وقبل الحد نص أن الحد يسقط ونص فيالردة أنه لا يسقط وعلل ذلك بأن الزنا لا يقع هجوما بل يتقدمه في الغالب مراودات تقدح في المروءة وهذا ضعيف لأن المراودات السابقة لا تبطل الإحصان ولا يمكن أن يقال الزنا لا يقع هجوما فإنه لا بد وأن يكون له أول والردة أيضا لا تخلو عن تقدم ترددات بل السبب أن من ثبت زناه في الحال يبعد أن يجلد ظهر غيره لصيانة عرضه وهو قد هتك عرضه بخلاف المرتد إذا عاد فإن العرض قائم وقد كان الإسلام موجودا عند القذف وقال المزني رحمه الله لا يسقط بطرآن الزنا كما لا يسقط بطرآن الردة وقيل هو قول قديم للشافعي رضي الله عنه
الثاني من زنى مرة في عمره ثم عاد وحسنت حاله قال القاضي لا حد على قاذفه لبطلان إحصانه فإن اسم الزاني لا يسقط عنه وهذا بعيد فيما إذا صرح بقذفه بزنا جديد ولكن كأن العرض إذا انخرم بالزنا فلا يزايله الخلل بالعفة بعده
الثالث لو أقام القاذف بينة على زنا المقذوف سقط عنه الحد ويكفيه لذلك شاهدان ولو عجز فطلب يمين المقذوف على أنه ما زنى ففيه قولان
أحدهما لا يجب لأن ظاهره الإحصان ولا عهد باليمين على نفي الكبائر
والثاني نعم لأنه لو أقر به لسقط عنه الحد فليحلف أو لينكل حتى يحلف القاذف
الرابع لو مات المقذوف قبل استيفاء حد القذف ثبت الحد والتعزير لوارثه لأن الغالب عندنا في حد القذف حق الآدميين وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يورث
واعترف بأنه لو قذف ميتا فلوارثه طلب الحد ابتداء
ولو قذف مورثه فمات المورث سقط الحد لأنه صار شريكا في استحقاق الحد على نفسه ثم فيمن يرث ثلاثة أوجه
أحدها أنه يوزع على فرائض الله تعالى
والثاني أنه يختص بالنسب إذ لا مدخل للزوج في حماية العرض ودفع العار
والثالث أنه يختص بالعصبات من النسب الذين لهم ولاية التزويج لدفع العار وعلى هذا لا يستحق الإبن ومنهم من قال يستحق لأنه أقوى العصبات في الميراث
ولو عفا أحد الورثة سقط الكل على وجه لأنه لا يتجزأ ولم يسقط على وجه لأنه يستحيل أن يبطل حق الباقين من غير بدل بخلاف القصاص الذي له بدل والثالث أنه يوزعفيسقط نصيبه
الخامس إذا قذف المجنون بزنا قبل الجنون فالحد يجب ونصبر إلى إفاقته وليس للولي الإستيفاء لأنه متعلق بتشفي الغيظ فلو مات ثبت لوارثه
ولو قذف مملوك فحق طلب التعزير له لا لسيده لأنه من خواص حقوقه بل لو قذفه سيده استحق العبد تعزيره على المذهب الظاهر ومنهم من قال يقال له لا تعد فإن عاد يعزر كما يعزر لو زاد في استخدامه على الحد الواجب
ولو مات العبد بعد استحقاق التعزير على أجنبي فهو يستوفيه السيد فيه وجهان ووجهه أنه أولى الناس به إلا أنه لا قرابة
الباب الثاني في قذف الأزواج خاصة

وفيه فصول
الفصل الأول فيما يبيح القذف واللعان أو يوجبه

واعلم أن قذف الزوج في إيجاب الحد والتعزير كقذف الأجانب ولكن يفارق الأجانب في ثلاثة أمور
أحدها في أنه قد يباح له القذف ويجب عليه لضرورة نفي النسب
والثاني أن العقوبة التي تتوجه عليه من حد وتعزير تندفع باللعان
والثالث أن المرأة تتعرض لحد الزنا بلعانه إلا إذا دفعت عن نفسها باللعان لقوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد } الآية
وإنما يباح له القذف إذا استيقن أنها زنت أو غلبت على ظنه ذلك ولكن إذا لم يكن ولد فالأولى أن يطلقها ولا يقذف ولا يلاعن ولكن لو فعل لم يأثم وهذا فيه غموض ولكن كأن القذف واللعان كالإنتقام منها حيث لطخت فراشه
ثم تحصل الغلبة على الظن بقول عدل حكى مشاهدته الزنا وتحصل مهمااستفاض بين الناس أن فلانا يزني بها إذا رأى مع ذلك مخيلة بأن رآها معه في خلوة فإن تجرد أحد المعنيين لم يحل له ذلك لأن الخلوة مرة لا تدل على الزنا نعم لو رآها معه تحت شعار على نعت مكروه حل له القذف وإن كان لا تحل الشهادة بهذا القدر وإن رآها في الخلوة مرارا متكررة فهذا قريب من المرة الواحدة إذا انضمت إليه الشيوع فإن مستند أهل الإستفاضة هو مشاهدة ذلك مرارا
أما نفي الولد باللعان فإنما يجوز بينه وبين الله تعالى إذا تيقن أن الولد ليس منه بأن لم يكن وطئها أو كان يعزل قطعا أو أتت بولد قبل ستة أشهر من وقت الوطء وقال مالك رحمه الله لا مبالاة بالعزل وليس له اللعان إذا اعترف بالوطء وأمكن إحالة الولد عليه
أما إذا استبرأها بحيضة بعد الوطء ثم أتت بولد فهذا هل يبيح النفي فيه ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأن ذلك أمارة شرعية على النفي ولذلك يندفع النسب عن التابع
والثاني أنه إن ظهر مع ذلك أمارة الزنا جاز وإلا فلا يجوز لأن الحيض ليس بقاطع والحامل قد تحيض
والثالث أنه يجوز ولكن حيث يجوز النفي يجب لأن السكوت عن إلحاق الباطل حرام إذ النسب يتعلق بأحكام كثيرة ولكن هاهنا وإن جاز فلا يجبوقال الإمام لا يبعد أن لا يوجب اللعان لأنه إفضاح وقدح في المروءة فنقول إنما يحرم الإستلحاق كاذبا أما إذا ألحق الفراش به وهو ساكت فلا يبعد أن لا يحرم السكوت وهذا غير منقدح في صورة اليقين لأن أمر النسب عظيم فلا يقضي عليه بالرسوم والمروءات
ولا خلاف في أنه لا يحل النفي بمجرد مشابهة الولد لغيره في الخلق والخلق ولمخالفته للولد في الحسن والقبح نعم لو كان الأب في غاية البياض والولد في غاية السواد أو العكس ذكر العراقيون وجهين وهذا ينقدح إن كان مع ذلك تظهر مخيلة الزنا فأما مجرد ذلك فلا فلعل عرقا قد نزع وأبو حنيفة رحمه الله حيث يلحق ولد المشرقي بالمغربي فلا شك في أنه يبيح القذف ويحرمه عند إمكان العلوق بالوطء ونحن لا نلحق النسب إلا بعد ستة أشهر من وقت إمكان الوطء
فرع إذا أتت بولد لمدة الإمكان ولكن الزوج رآها تزني واحتمل أن يكون من الزنا فلو قذف ولاعن انتفى في الظاهر بدليل قصة العجلاني ولكن لا يباح له ذلك مع تعارض الإحتمال ثم قال الأصحاب ليس له القذف واللعان إن ترك نفي النسب وقد صرحوا بجوازالقذف إذا لم يكن ولد لمجرد الإنتقام من الزنا فهذا محتمل وغاية تعليله أنه إذا كان ثم ولد لم يجز نفيه فنسبتها إلى الزنا بغير الولد وتطلق الألسنة في نسبه فلا يقاوم هذا الغرض غرض التشفي فليقتصر على طلاقها إن أراد نظرا لولده والذي لحقه
الفصل الثاني في أركان اللعان ومجاريه

وللعان سبب وهو القذف وثمرة وأهل أعني الملاعن فهذه ثلاثة أركان سوى ألفاظه
الركن الأول الثمرة وثمرته أربعة نفي النسب أو قطع النكاح أو دفع عقوبة القذف أو دفع عار الكذب في القذف
أما نفي النسب في النكاح إن تجرد جاز اللعان لأجله وإن لم تكن عقوبة بعفوها مثلا وكذلك إن لم يكن قطع نكاح بأن كان قد أبانها ولو تجرد غرض الدفع للعقوبة ولم يكن ولد ولا قطع نكاح جاز اللعان كما لو قذفها وأبانها ولم يكن ولد ولا فرق بين أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا بأن تكون الزوجة أمة أو ذمية أو غير محصنة على الجملة وفيه وجه بعيد أن اللعان لدفع التعزير غير جائز وهو ضعيف فإن عقوبة محذورة وقد تنتهي إلى قريب من الحد وهذا إذا كان التعزير لتكذيبه فيكون له غرض في تصديق نفسه وفي دفع العقوبة فيجتمع الغرضان
فإن كان تعزير تأديب لا تعزير تكذيب مثل أن ينسبها إلى زنا قد قامت البينة عليه من قبل أو اعترفت به فيؤدب لإيذائه بتجديد ذكر الفاحشة عليها وقد نقل المزني رحمه الله ها هنا أنها إن طلبت ذلك غزر ولم يلتعن
ونقل الربيع رحمه الله عزر إن لم يلتعن فمنهم من قطع بأنه يلاعن وغلط المزني رحمه الله ومنهم من قطع بأنه لا يلاعن وغلط الربيع ومنهم من قال قولان والأصح أنه لا يلتعن لأن اللعان حجة تصديق فكيف يقام على ما ثبت صدقه وإنما اندفاع العقوبة تابع لظهور صدقه باللعان وهذا معترف به فلا يزيده اللعان وضوحا
فرعان
أحدهما أن طلب العقوبة إليها لا إلى السلطان فإن عفت فهل يلاعن إذا لم يكن غرض آخر من نسب يدفع فيه وجهان
أحدهما نعم لأن دفع عار الكذب مقصود أيضا وإفضاحها أيضا للإنتقام منها مقصود باللعان المؤبد للحرمة فله إقامة الحجة وإنما يندفع هذا باعترافها لا بعفوها
والثاني أنه لا يلاعن لأن هذا غرض ضعيف واللعان حجة ضرورة فلا بد من غرض مهم كدفع النسب أو العقوبة أما قطع النكاح فممكن بالطلاق
أما إذا سكتت عن الطلب فوجهان مرتبان وأولى بجواز اللعان لأن غرضه الطلب وهذا الخلاف يرجع إلى أن طلب العقوبة هل هو شرط اللعان إذا لم يكن ثمة غرض من دفع نسب وقطع نكاح وإن كانت مجنونة فوجهان مرتبان على العفو وأولى بالجواز
الثاني لو قال زنى بك ممسوح أو قال للرتقاء زينب فهو كلام محال وليس فيه إلا التعزير للإيداء ولا سبيل إلى اللعان إذ كيف يمكن من أن يحلف على ما يعلم أنه كاذب فيه وذكر العراقيون فيه وجهين كما في تعزير التأديب وهو بعيد
الركن الثاني الملاعن وشرطه أهلية اليمين مع الزوجية
أما أهلية اليمين فنعني به أنه لا يشترط أهلية الشهادة فيصح لعان العبد والذمي والمحدود في القذف خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ثم الذمي لا يجبر على اللعان إلا إذا رضي بحكمنا فإن طلبت المرأة اللعان وامتنع الزوج فهل يجبر فيه قولان يجريان في كل خصومة تجري بين أهل الذمة إن رضي بحكمنا أحد الخصمين أما إذا لاعن وامتنعت ولم ترض بحكمنا لم نجبرها على اللعان ولا على الحد فإن الحد حق الله تعالى لا حق الزوج فلا غرض للزوج في لعانها وهكذالو قذف المسلم زوجته الذمية فامتنعت فلا نجبرها وإنما عليها حد الزنا وهو حق الله تعالى لا حق الزروج نعم المسلمة إذا امتنعت من اللعان ولم يطلب الزوج لعانها عرضناها لحد الزنا حتى تلاعن إن شاءت الدفع ومن أصحابنا من أجرى القولين في إجبار المرأة الذمية وهو بعيد
الشرط الثاني الزوجية فلو قذف الأجنبي فلا يلاعن والنظر في نكاح ضعيف بالطلاق أو الردة وفي النكاح الفاسد
أما الرجعية فيلاعن عنها ولا يتوقف على الرجعة بخلاف الإيلاء والظهار لأن مقصود اللعان نفي النسب والتحريم المؤبد ودفع الحد وكل ذلك لا ينافيه حال الرجعة
أما إذا ارتد بعد المسيس فقذف أو كان قذفه بزنا قبل الردة فإن لاعن في الردة ثم عاد إلى الإسلام صح لعانه كما صح لعان الذمي فإن أصر تبين فساد لعانه وعند ذلك هل يقضي بوجوب الحد مع جريان لعان فاسد فيه وجهان سنذكر مأخذهما
أما إذا نكح نكاحا فاسدا أو وطىء بالشبهة ثم قذف فإن كان ثم نسب تعرض للحوق وأراد نفيه فيلاعن ويندفع الحد لأن اللعان عندنا يستقل بمقصود نفي النسب خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وإن لم يكن ثم نسب فهو كالأجنبي لا يلاعن وعليه الحد
فإن ظن صحة النكاح فلاعن عند القاضي ثم بان فساده فهل تندفع العقوبة فيه وجهان كما في المرتد المصر
أحدهما لا لأن اللعان فاسد
والثاني نعم لأن الحد يندفع بالشبهة وهذه حجة قامت على ظن الصحة في مجلس القاضي
ثم مهما جرى اللعان في النكاح الفاسد ففي تعلق الحرمة المؤبدة به خلاف مأخذه أنه لم يفد تحريما فكأن التأبيد تابع للحرمة وقد كانت هي محرمة وكذلك في لعانهاخلاف يرجع حاصله إلى أنها هل تتعرض للحد بسبب لعانه فمنهم من قال نعم لقيام حجة صحيحة على زناها ومنهم من قال لا لأن إيجاب الحد عليها بعيد عن القياس فيختص بمقصود الإنتقام من تلطيخ الفراش فلا يجري إلا في نكاح صحيح
أما إذا قذف في نكاح صحيح ثم أبانها فله أن يلاعن لدرء النسب إن كان أو لدفع العقوبة لأنه جرى القذف حيث كان معذورا فكان يجوز له اللعان فلا يتغير بما يطرأ بعد ذلك
أما إذا قذفها في النكاح بزنا قبل النكاح فإن لم يكن نسب ينفيه باللعان لم يلاعن وإن كان فوجهان ووجه المنع أنه قصر إذ ذكر التاريخ فكان ينبغي أن يقتصر على القذف واللعان
أما إذا قذف بعد البينونة فإن كان ثم ولد فله اللعان وإلا فلا لأنه قذف أجنبية وفيه وجه أنه إن أضاف الزنا إلى حالة النكاح لاعن وهذا لا وجه له
فروع

الأول إذا قذفها فلاعن ثم أبانها ثم قذفها فلا لعان لأنه قذف بعد البينونة وأما الحد فينظر فإن قذفها بذلك الزنا الذي لاعن عنه فلا حد ولكن يلزمه التعزير للإيذاء ولو قذفها بزنية أخرى فقولانأحدهما وجوب الحد كما إذا لم يتقدم لعان
والثاني لا لأنه سقطت حصانتها في حقه بحجة اللعان
ومن أصحابنا من قطع بالوجوب وقال اللعان حجة ضرورة وهو حجة قاصرة كيف وقد عارضه لعانها فتساقطا فلا وجه لإسقاط الحصانة نعم إذا حدت ولم تلاعن ففيه وجهان مشهوران
أما إذا قذفها بزنا منسوب إلى ما قبل اللعان سوى الزنا الذي لاعن عنه فقد صادف حالة الحصانة فالظاهر أنه يحد وفيه وجه أن انخرام الحصانة ينعطف حكمه على ما سبق فلا يحد في الحال وهي غير محصنة في حقه
أما إذا كان القذف من أجنبي فهو أولى بالتزام الحد لأن تسرية حكم اللعان إلى غير الزوجين أبعد
الثاني إذا قذف أجنبية ثم نكحها ثم قذفها ففي تعدد الحد مع اتحاد المقذوف قولان فإن قلنا يتعدد فإن لم يلاعن استوفى الحدان وإن لاعن استوفى أحدهما وإن قلنا الحد متحد فيستوفى حد واحد وإن لاعن فإن الحد الأول لا يؤثر فيه اللعان وإنما يندرج تحت الحد الثاني إذا استوفى
الثالث المذهب الصحيح أن النسب في ملك اليمين لا ينفى باللعان لأن اللعان ورد في النكاح فلو اشترى زوجته الرقيقة فأتت بولد لزمان لا يحتمل أن يكون من ملك اليمين فله النفي باللعان كما بعد البينونة بالطلاق وإن احتمل أن يكون من النكاح وملك اليمين جميعا لم يلاعن لأن الفراش الأخير يقطع الفراش الأول وينسخه ولذلك إذا نكحت زوجا آخر وأتت بولد لزمان يحتمل العلوق من الأول والثاني ألحق بالثاني قطعا حتى فرع ابنالحداد على هذا وقال لو ادعى المشتري الإستبراء بعد الوطء لم يلحقه الولد بملك اليمين للإستبراء ولا بملك النكاح لانقطاع ذلك الفراش بفراش ملك يمين وطابقه عليه جماهير الأصحاب وفيه وجه أنه يلحقه وأن ملك اليمين لا يقطع حكم فراش النكاح من كل وجه
الركن الثالث القذف المسلط على اللعان نسبتها إلى الوطء الحرام كالزنا ولو نسبها إلى زنا هي مستكرهة فيه والواطىء زان فوجهان
أحدهما أنه يجري اللعان لنفي النسب
والثاني لا لأن القذف مخصوص في كتاب الله تعالى بالرمي الذي يحتاج فيه إلى الشهادة وهو الزنا لأن اللعان انتقام منها وإفضاح والمستكرهة لا تستحق ذلك
ولو نسبها إلى وطء شبهة تشتمل الشهبة الجانبين فوجهان مرتبان وأولى بان لا يجري وقطع العراقيون بأنه لا يجري لأن الولد يمكن أن يلتحق بالواطىء بالشبهة فيدور بينهما ويعرض على القائف فلعله يلحقه به وإنما اللعان لنفي ولد لا يكون له نسب وهذا إنما يتجه إذا اعترف الواطىء بالشبهة بالوطء فإن لم يعترف فلا بد من تجويز اللعان لأجل النسب
أما إذا قال ليس الولد مني ولم يضف إلى جهة ففيه تردد لأنه دائر بين المستكرهة وبين الشبهة وبين الزنا
ولا يشترط في القذف أن يقول رأيتها تزني ولا أن يدعي الاستبراء خلافا لمالك رحمة الله عليه
الفصل الثالث في فروع متفرقة

وهي خمسة
الأول إذا قذفها بأجنبي تعرض لحد الأجنبي فإن لاعن سقط عنه الحد عند الشافعي رضي الله عنه لأنه أقام حجة على عين تلك الزنية فصدق من وجه والحد يسقط بالشبهة وقال أبو حنيفة رحمه الله أثر اللعان مقصور على الزوجين فلا يتعدى إلى الأجنبي
وهذا إذا ذكره في اللعان فإن لم يذكره في اللعان فقولان
أحدهما السقوط للشبهة ولقصة العجلاني فإنه لم يذكر شريك بن السحماء في اللعان وذكره في القذف
والثاني يجب وهو القياس لأنه لم يقم عليه حجة
وأما ابن السحماء فلعله لم يطلب ونشأ من هذا نظر وهو أنه عليه السلام لم ينبه ابن السحماء على ثبوت حد القذف له فذكر صاحب التقريب وجهين في أن من قذف عند القاضي فهل على القاضي أن ينبه المقذوف
أحدهما لا لقصة شريك بن السحماء
والثاني نعم لقصة العسيف إذ قال صلى الله عليه وسلم
واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها إذ لم يكن الغرض إقرارها للرجم بل إنكارها ليثبت حد القذف
الثاني إذا قذف نسوة بكلمة واحدة ففي تعدد الحد قولان فإن قذف امرأته وأجنبية بكلمة واحدة فقولان مرتبان وأولى بالتعدد لانقسام حكمهما في اللعان ولو قال لزوجته يا زانية بنت الزانية فقد قذفها وأمها بكلمتين فعليه حدان وهل يقدم حد المقذوف أولا فيه وجهان
أحدهما نعم كما لو قتل شخصين
والثاني لا كما لو أتلف مال شخصين
فإن قلنا يقدم ففي مسألتنا المقدم البنت فيقدم الحد أو اللعان وقيل إن الأم ها هنا تقدم لأن حق البنت يعرض للسقوط باللعان دون الأم ثم مهما حددناه بواحدأمهلناه حتى يبرأ جلده ولا نوالي بين الحدود ولو قذف أربع نسوة بكلمة واحدة وقلنا يتحد الحد ففي تعدد اللعان وجهان ينظر في أحدهما إلى اتحاد الصيغة والملاعن وفي الثاني إلى تعدد النسوة مع أن هذه حجة تبعد عن التداخل
فإن قلنا يتحد اللعان فذلك ينفع إذا توافقن في الطلب أو قلنا لا يشترط طلبهن اللعان فإن طلبت واحدة وقلنا يشترط طلبها فلا بد من اللعان عنه ثم يستأنف لعانا للباقيات وحيث قلنا يتعدد فلو رضين بلعان واحد فلا أثر لرضاهن وكذلك لو رضي جماعة من المدعين بيمين واحدة لم يؤثر ذلك في تغيير وصف الحجج
أما إذا قذف امرأة واحدة مرتين بزنيتين ففي تعدد الحد واللعان أيضا خلاف لاتحاد المقذوف وتعدد الصيغة
الثالث إذا ادعت عليه القذف فأنكر فأقامت البينة فأراد اللعان فإن كان قد أنكر بالسكوت أو قال أردت بالإنكار أنه لم يكن قذفا بل كان حقا فله اللعان وإن لم يؤول إنكاره فوجهان
أحدهما لا لأنه أنكر القذف ولا لعان إلا بقذف لينشيء قذفا إن أراد ويستفيد به درء حد القذف الذي ثبت بالبينة أيضا
والثاني أنه يلاعن وإنكاره يحمل على المعتاد في الخصومات كما لو ادعى عليه ملك فقال اشتريته من زيد وكان يملكه فانتزع من يده بالبينة فرجع على زيد بالثمن ولا يؤخذ بإقراره له بالملك
أما إذا قال ما قذفتك وما زنيت فلا يلاعن إلا إذا أنشأ قذفا بالزنا يحتمل أن يكون قدطرأ بعد شهادته لها بالبراءة فإن لم يحتمل فلا يلاعن وأطلق القاضي القول بجواز اللعان
الرابع إذا امتنع الزوج عن اللعان او الزوجة فعرضناهما للحد فرجعا إلى اللعان مكناهما من ذلك وليس هذا كاليمين لا يجوز الرجوع إليها بعد النكول بل يلحق اللعان بالبينة في هذا المعنى ولو قال بعد أن حد ألاعن قال الأصحاب لم يمكن لأنه لا فائدة قال القفال إن كان ثم ولد يمكن منه وإلا فلا
الخامس إذا قال زنيت وأنت مجنونة او أمة أو مشركة وعهد لها تلك الحال فلا يجب إلا التعزير وكان كما لو أضاف إلى الصغر وإن لم يعهد ولم يقم الزوج عليه بينة سقطت الإضافة وعليه الحد وفيه وجه أنه لا حد لأنه إذا انتفى تلك الحال انتفى المضاف إليه
ولو قال زنيت مستكرهة ففي وجوب التعزير خلاف لأن ذلك يعيرها وإن لم يسنبها إلى معصية ثم الصحيح أنه يلاعن لدفع التعزير كما يلاعن لدفع الحد
الركن الرابع في صيغة اللعان

والنظر في أصله وتغليظاته وسننه
النظر الأول في أصل كلماته وهو أن يقول الزوج أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن الولد من الزنا وليس مني إن كان ثم ولد ويقول في الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به وتقابله المرأة فتشهد أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا وتقول في الخامسة غضب الله علي إن كان من الصادقين فيما رماني به ويجب على الزوج إعادة نفي الولد في كل شهادة فإن تركها مرة لم تحسب
ولا يجب على المرأة إعادة أمر الولد إذ لا يتعلق إثباته بلعانها ولا تقوم عندنا معظم الكلمات مقام الكل خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
والصحيح أنه يتعين لفظ الشهادة فلا يجوز إبدالها بالحلف وأنه يتعين لفظ اللعن والغضب من الجانبين ويجب رعاية الترتيب بتأخير اللعن والغضب وتجب الموالاة بينالكلمات وكل ذلك ميل إلى التعبد لخروج الأمر عن القياس وفيه وجه أنه يجوز إبدال الشهادة بالقسم وإبدال اللعن بالغضب وكذا عكسه وأن الترتيب والموالاة لا تشترط وكل ذلك تشوف إلى اتباع المعنى
فروع ثلاثة

الأول يصح عند الشافعي رضي الله عنه لعان الأخرس وقذفه خلافا لأبي حنيفة رحمه الله مع أن الأصح أنه لا تقبل شهادته ولكن يغلب مشابه اليمين في اللعان ولكن لا يمكن فهم اللعن والغضب منه وهو تعبد لفظي فالطريق أن يكلف الكتبة مع الإشارة إن قدر أو يقول له ناطق لعنة الله عليك إن كان كذا فيقول نعم
أما إذا اعتقل لسانه بعد القذف وقال أهل الصناعة إنه سينطلق لسانه على قرب أمهلناه كذلك قال الشافعي رضي الله عنه ومن الأصحاب من قال لا مزيد في مهلته على ثلاثة أيام إذ تأخير حد القذف إضرار بالمقذوف
ومهما لاعن بالإشارة ثم انطلق لسانه فقال لم أرد قذفا ولا لعانا لم يقبل
الثاني الأعجمي العاجز عن العربية يلقن معنى اللعن والغضب بلسانه كما في كلمة التكبير والنكاح
ثم القاضي ينصب ترجمانا ولا بد من العدد لأنه في حكم شهادة وهل يكتفي باثنين أم لا بد من أربع لما فيه من إثبات زناها فيه خلاف
الثالث لو مات الزوج في أثناء كلمات اللعان لم ينقطع النكاح ولحق النسب ولم تقم الورثة مقامه في اللعان أصلا
وإن ماتت المرأة في خلال لعانه استكمل الزوج إن كان ثم ولد فإن لم يكن فلا حاجة إلى لعانه إن قلنا إن الزوج يرث حد القذف ويتضمن سقوط بعضه سقوط الكل
النظر الثاني في التغليطات
وهي بالزمان والمكان والجمع
أما الزمان فبأن يؤخر إلى بعد العصر فإنه وقت شريف وإن لم يكن طلب حثيث فإلى العصر من يوم الجمعة
أما المكان فبأن يلاعن في أشرف المواضع فإن لاعن وهو بمكة فبين الركن والمقام وبالمدينة فبين المنبر والقبر وبالقدس عند الصخرة وفي سائر البلاد في مقصورة الجامع ويلاعن الذمي في أفضل موضع عندهم من بيعة وكنيسة سوى بيوت الأصنام فلا يأتيها أصلا وفي بيوت النيران للمجوس خلاف والظاهر أن الزنديق يغلظ عليه بهذه الجهات ليناله شؤمه وإن لم يعتقده والحائض تلاعن على باب المسجد واعترض المزني رحمه الله وقال جوز للمشركة اللعان في المسجد وربما تكون حائضا
واختلفوا في المشرك الجنب فمنهم من قال لا يؤاخذون بتفصيل شرعنا في الأحكام وإن كانوا يؤاخذون عند الله تعالى
أما الجمع فلا بد من حضور جماعة لقوله تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ولا ينبغي أن ينقصوا عن عدد شهادة الزناوالتغليظ بالمكان مستحب أو مستحق فيه قولان وفي التغليظ بالزمان والجمع طريقان منهم من قطع بالإستحباب ومنهم من قال قولان
أما جريان ذلك في مجلس الحكم فشرط قطعا فلو تلاعنا في البيت لم يصح إلا عند المحكم على قول جواز التحكيم في العقوبات
النظر الثالث في السنن

وهي ثلاثة
الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وزوجته على المنبر فقيل كان العجلاني على المنبر ولعله الأليق للشهرة
وقيل كان الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر فعلى هذا يسن للقاضي صعود المنبر
الثاني أن يهدد كل واحد من الزوجين ويخوفهما بالله فلعلهما يتصادقان فيقول للرجل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين ويروي للمرأة قوله عليه السلام
أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وحديثالمعراج أنه صلى الله عليه وسلم مر بنسوة معلقات بثديهن فقال لجبريل عليه السلام من هؤلاء فقال جبريل عليه السلام هن اللاتي ألحقن بأزواجهن من ليس منهم يأكل حرائبهم وينظر إلى عوراتهم
الثالث أن يأتي الرجل عند الخامسة رجل من ورائه فيضع يده على فيه ويقول صاحب المجلس للملاعن اتق الله فإنها موجبة والمرأة تأتيها امرأة من ورائها ويقال لها كذلك والله أعلم
الباب الثالث في جوامع أحكام اللعان وحكم الولد خاصة

أما أحكام اللعان فخمسة وقوع التفرقة وتأبد الحرمة وسقوط حد القذف وانتفاء النسب ووجوب حد الزنا عليها وجملة ذلك تتعلق بلعان الزوج ولا يتعلق بلعانها إلا سقوط الحد عنها وقال أبو حنيفة رحمه الله الفرقة تتعلق بلعانهما وقضاء القاضي وقال مالك رحمه الله تتعلق بلعانهما
ولا يجب الحد عليها بلعانه عند أبي حنيفة رحمه الله ولا تتأبد الحرمة عنده بل يحل له نكاحها مهما كذب نفسه أو خرج عن أهلية الشهادة بأن يخرس أو يحد فيالقذف نعم اختلف أصحابنا في أن هذه الحرمة هل تشتمل ملك اليمين وهل تتعلق باللعان في النكاح الفاسد وبعد البينونة
أما حكم الولد وانتفائه ولحوقه ففيه ثلاثة فصول
الفصل الأول فيمن يلحقه النسب

وهو كل من يمكن أن يولد له والنظر في الصبي والمجبوب والخصي
أما الصبي فإمكان العلوق منه بعد كمال السنة العاشرة فيلحقه ولد أتت به زوجته لستة أشهر بعد السنة العاشرة وقيل يمكن العلوق في أثناء العاشرة ويلحقه الولد بعد العاشرة
ومهما أتت به قبل الإمكان لم يفتقر إلى اللعان إذ لا يلحقه ومهما لحقه فقال ألاعن وأنا بالغ يمكن منه فلو قال أنا صبي وألاعن لم يمكن ولو قال كذبت وأنا بالغ فألاعن قبل منه لأن الصبي لا يعرف بلوغه إلا بقوله
أما المجبوب الذكر الباقي الأنثيين فالولد يلحقه لبقاء أوعية المني فيحمل انزلاق المني ويحتمل استدخال مائه
أما المنزوع الأنثيين الباقي ذكره فقطع المحققون بلحوق الولد لبقاء اللآلة وقال الفوراني يرجع فيه إلى الأطباء
وأما الممسوح ذكره وأنثياه ففيه وجهان أظهرهما أنه لا يلحقه الولد إذ التجربة تدل على استحالة الإعلاق منه
وحيث قضينا بأنه لا إمكان فلا حاجة إلى اللعان
الفصل الثاني في أحوال الولد

وله ثلاثة أحوال
الحالة الأولى أن يكون حملا وهل يجوز نفيه باللعان قبل الإنفصال فيه قولان
أحدهما لا لأن الحمل لا يتيقن فلعله ريح ينفش
والثاني نعم لأنه يظن ظنا غالبا وفي التأخير خطر موت الزوج ولحوق النسب وهذا بعد البينونة أما في صلب النكاح فالصحيح أنه يلاعن لأن العجلاني لاعن عن الحمل ولأن اللعان دون الولد لمجرد قطع النكاح جائز وقيل بطرد القولين ولا وجه له وقد بنى الأصحاب القولين على أن الحمل هل يعرف بقينا وهو ضعيف بل الصحيح أنه لا يعرف يقينا ولكن الأحكام منها ما يثبت بالنظر ومنها ما لا يثبت ومنها ما يتردد فيه فلأجل ذلك اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في بعض المسائل لا لتردده في أن الحمل لا يتيقن
الحالة الثانية أن يكونا توأمين من بطن واحد فلا يتبعض نفيهما فإن اقتصر على نفي أحدهما لم ينتف مع لحوق الثاني ولو نفاهما واستلحق أحدهما لحقه الثاني ولو نفى الحمل فأتت بتوأمين انتفيا ولو أتت بواحد في النكاح فلاعن فأتت بثان لأكثر من ستة أشهر لحقه الثاني دون الأول لأنه من بطن أخرى ويحتمل العلوق بعد انفصال الأول وقبل اللعان ولو نفى الحمل فأتت بولد ثم أتت بآخر لأكثر من ستة أشهر انتفى من غير لعان لأنه لا يحتمل العلوق به في صلب النكاح
فرعان
أحدهما أنه مهما أراد أن ينفي أولادا عدة يكفيه لعان واحد ولا يحتاج كل واحد إلى لعان
الثاني أن التوأمين المنفيين باللعان أخوان من الأم وهل يتوارثان بأخوة الأب فيه وجهان
أحدهما لا لأن اللعان أبطل الأبوة
والثاني نعم لأن اللعان أثره قاصر عن الملاعن
الحالة الثالثة أن يموت الولد فله أن يلاعن لأن الموت لا يقطع النسب وقال أبو حنيفة رحمه الله ليس له ذلك إلا إذا كان للولد ولد حي
ثم عندنا مهما استلحقه بعد اللعان لحقه فلو نفاه فلما مات استلحقه ليحوز ميراثه لحقه وورث مع التهمة لأن الأصل هو النسب ويلحق بمجرد قوله والميراث تابع وكذلك لو نفاه بعد الموت فلما قسم ميراثه عاد واستلحقه فالظاهر أنه يلحقه ويسترد نصيبه من الميراث نظرا إلى ثبوت النسب وفيه وجه أنه إذا سقط الميراث لم يرجع إليه
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11