كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد

ذا حجرة وجعل فيها تكة فلا بأس لأن اسم الإزار باق فلو شق الإزار من ورائه وجعل له ذيلين ولف كل ذيل على ساق قال العراقيون يمتنع ذلك
هذا كله في غير المعذور فإن كان معذورا بسبب حر أو برد حل اللبس ولكن لزم الفدية فإن كان بسبب من جهة الشرع فلا فدية فيه كما إذا لم يجد إلا سراويل ولو فتقه لم يأت منه إزارا ولبسه فلا فدية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد النعل فليقطع الخفين أسف من الكعبين
والتعويل على الخبر لأنه لو كان لأجل ستر العورة لجاز لبس السراويل مع القدرةعلى الإزار كما في المرأة ولذلك لا يكلفه أن يرفع السراويل إلى الركبة
وأما الخف فساتر محظور والنعل جائز وإحاطة الشراك للاستمساك لا يعد ساترا وفي الجمشتك خلاف منهم من حمل ذلك القدر على الاستمساك كالنعل ويشهد له بسقوط الفدية إذا قطع الخف أسفل من الكعبين
أما القفازان فقد ورد النهي عن لبسهما في اليدين وهو محرم على الرجل وفي المرأة قولان أصحهما الجواز فإن لها ستر سائر بدنها سوى الوجه ووجه المنع عموم النهي
ولو اتخذ للحية خريطة أو لعضو مفرد غلافا محيطا ففي إلحاقه بالقفازين تردد لأنه غير معتاد

النوع الثاني التطيب

ويحرم استعمال الطيب قصدا فلنذكر الاستعمال والطيب والقصد
أما الطيب فكل ما يقصد رائحته وإن كان منه يقصد غيره فالزعفران طيب وفي معناه الورس وهو أشهر طيب اليمن والفواكه الطيبة ليس بطيب كالأترج والسفرجل وكذا الأدوية كالقرنفل والدارصيني إذ لا يظهر منه قصد الرائحة
وأما النبات فالقيصوم والأزهار الطيبة في الوادي ليس طيبا إذ لو ظهر ذلك لا ستنبت قصدا
والورد والبنفسج والنرجس والضيمران وهو الريحان الفارسي طيب وإنما تردد نص الشافعي في الريحان لأنه لا يعد طيبا في بلاده وفي البنفسج وجه أنه ليس بطيب وهو بعيد
وأما دهن الورد ودهن البنفسج فيه وجهان وأما البان ودهنه فليسا طيبين
وقد قيل إنه يعتبر عادة كل ناحية في طيبه وذلك غير بعيد
فرع

إذا تناول الخبيص المزعفر قال الشافعي رضي الله عنه إن انصبغ لسانه فعليه الفدية فعول على اللون
ومنهم من قال استدل به على بقاء الرائحة ومنهم من قال اكتفى ببقاء اللون لدلالته على بقاء جرم الطيب وإن سقطت رائحته
ويبتنى على هذا تردد في جرم الطيب إذا بقى على الثوب دون رائحته بأن كان بحيث لو أصابه الماء لفاحت الرائحة فالرائحة غير ساقطة بل هى راكدة وعليه يخرج ماء الورد إذا مزج بالماء حتى ذهبت رائحته
أما الاستعمال فهو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب فلو ألصق الطيب بعقبه مثلا لزمته الفدية ولزمته المبادرة إلى الإزالة كالنجاسات
وإن عبق به الرائحة دون العين بجلوسه على حانوت عطار أو في بيت يجمر ساكنوه فلا فدية لأن التطيب لا يقصد كذلك ولو احتوى على مجمرة لزمته الفدية لأنه قصد إليه
ولو مس جرم العود والمسك ولم يعبق رائحة فلا فدية وإن عبق به فقولان أحدهما لا يلزم لأنه غير معتاد والثاني يلزم لحصول الرائحة مع المسيس
ولا خلاف أنه لو استروح إلى رائحة طيب موضوع بين يديه لم يلزمه فدية ولو طيب فراشه ونام عليه لزمه وكذلك إذا شد مسكا على طرف إزاره ولو حمل مسكا في قارورة مصممة الرأس فلا فدية وإن حمله في فأرة غير مشقوقة ففيه وجهان
وأما القصد فبيانه بصور

إحدها أن الناسي للإحرام لا فدية عليه كالناسي للصوم وكذا إذا لبس ناسيا وأما الاستهلاكات كقتل الصيد والقلم والحلقفالظاهر أن الناسي فيها كالعامد كما في إتلاف الأموال وقيل فيه قولان ودل عليه نص الشافعي رضي الله عنه أن المغمى عليه لو انقلب على جراد فقتله فلا شئ عليه
الثانية إذا جهل كون الطيب محرما فهو معذور كالناسي ولو علم بحرمة ولم يعلم وجوب الفدية لزمته ولو لم يعلم كونه طيبا فمسه ففيه وجهان ولو علم أنه طيب ولم يعلم أنه رقيق مغبق به فالأصح وجوب الفدية
الثالثة إذا ألقت الريح عليه فلينفض ثوبه أو ليغسله ولا شئ عليه ولو توانى لزمته الفدية ولو لطخه غيره فالفدية على الملطخ وهكذا قاله الأصحاب
فرع

لو وجد ماء لا يكفيه إلا لإزالة الطيب أو الوضوء قدم إزالة الطيب كما يقدم إزالة النجاسة لأن للوضوء بدلا وهو التيمم
النوع الثالث

ترجيل شعر الرأس واللحية بالدهن محرم لقوله عليه السلام الحاج أشعث أغبر تفل
وأما غسيل الشعر بالسدر والخطمي وغيره فجائز لأن ذلك لإزالة الأنتان والترجيل تنمية للشعر وتزيين له في عادة العرب
ولو دهن الأقرع رأسه فلا بأس إذ لا تزيين فيه ولو كان الشعر محلوقا فوجهان لأن فيه إصلاح المنبت وإن لم يكن تزيينا
والاكتحال فلا بأس به إذا لم يكن فيه طيب والغسل جائز وقال في القديم إنه مكروه وهو بعيد إذ دخل ابن عباس رضي الله عنه حمام الجحفة محرما وقال إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا
أما الخصاب في الشعر تردد فيه قول الشافعي رضي الله عنه فقيل إنه تردد في أنه هل يلحق بالترجيل أم لا لما فيه من التزيين وقيل هو تردد في أن الحناء طيب أم لا وهو بعيد وقيل هو تردد في أن الخريطة المحيطة باللحية هل يحرم اتخاذها أم لا لأن الخضاب يحوج إليه
النوع الرابع التنظف بالحلق وفي معناه القلم

وهو حرام ويجب فيه الفدية ويكمل الدم في ثلاث شعرات فصاعدا مهما أبين بإحراق أو نتف أو حلق
وفي الشعرة الواحدة أربعة أقوال أحدها أنه مد وفي الشعرتين مدان لأن المد مرجوع إليه في الشريعة حتى في صوم رمضان والثاني في الواحدة درهم وفي الاثنتين درهمان واستأنس فيه مذهب عطاء
والثالث في الواحدة ثلث دم وفي الاثنتين ثلثان والرابع في الواحد يكمل الدم ولا تزيد بزيادته
وهذا في شعر المحرم فأما إذا حلق المحرم شعر الحلال فلا فدية فيه خلافا لأبي حنيفة ولو قطع يد نفسه وعليها شعيرات فلا فدية عليه لأنه لم يقصد إبانتها
ولو امتشط لحيته فسقطت شعيرات فإن انتتفت بامتشاطه لزمته الفدية
وإن انسلت وكانت قد انفصلت بنفسها فلا فدية وإن شك في ذلك قولان أحدهما لا شئ عليه لأن الأصل براءة الذمة والثاني يجب إحالة على سبب ظاهر كما يحيل موت الجنين على ضرب بطن الأم
هذا إذا حلق بغير عذر فإن كان يؤذيه هوام رأسه جاز له الحلق ولزمته الفدية وإن كان الأذى من نفس الشعر كما إذا نبتت شعرة في داخل الجفن أو انكسر ظفر وظهر منه التأذي فله أخذها ولا فدية عليه كما إذا صال الصيد بنفسه
وقيل فيه وجهان يبتنيان على ما إذا عم البلاد الجراد وتخطاها المحرمون فهل يضمنون فيه قولان ومسألتنا أولى بسقوط الدم لأن أذى الشعر لازم
فرع

إذا حلق الحلال شعر الحرام بإذنه فالفدية على الحرام وإن كان مكرها أو نائما فالفدية لازمة وقراره على الحلال وفي ملاقاة الوجوب للمحرم قولان فإن قلنا يلاقيه فتحمل الصوم غير ممكن وهو أحد خصال الفدية فإن بادر الحرام وصام برئت ذمة الحلال وإن بادر الحلال وفدى بالمال فلا شئ على الحرام وعلى كل قول فللحرام مطالبة الحلال بإخراج الفدية وكأنه ذو حق في أصل الأداء وإن كان الحرام ساكتا فحلق بغير إذنه منهم من ألحق السكوت بالإذن ومنهم من ألحقه بالإكراه
النوع الخامس من المحظورات الجماع

ونتيجته الفساد والقضاء والكفارة
أما الفساد فإن جرى قبل التحللين بعد الوقوف أو قبله فسد وقال أبو حنيفة لا يفسد بعد الوقوف
وإن جرى في العمرة بعد السعي وقلنا الحلق نسك فسد
وإن قلنا الحلق ليس بنسك فقد حصل التحلل بالسعي وليس للعمرةإلا تحلل واحد وإن جامع في الحج بين التحللين لم يفسد حجه لأن تحريم اللبس والطيب قد ارتفع فلم يصادف الجماع إحراما مطلقا وفيه وجه أنه يفسد
وإن قلنا لا يفسد ففي واجبه وجهان أحدهما البدنة كما قبل التحلل والثاني شاة لأنه محظور لم يفسد فأشبه سائر المحظورات
وفيه وجه أنه لا يجب شئ وهو بعيد
ثم مهما فسد لزمه المضي في فاسده وهو أن يأتي بكل عمل كان يأتي به لولا الإفساد ويكون في عقد لازم يلزمه الفدية فيه بارتكاب المحظورات على المذهب فلو جامع ثانيا فالواجب بدنه أو شاة فيه قولان كما في الجماع بين التحللين وفيه قول إنه لا يجب شئ بالتداخل
وواجب الجماع في العمرة واجبها في الحج من غير فرق
أما الكفارة فواجبة على الرجل وفي المرأة قولان كما في الصوم مع الخلاف المذكور في ملاقاة الوجوب لها والتحمل عنها فإن قلنا بالتحمل فإذا لزمها القضاء فهل عليه مؤنة تحصيل القضاء لها ببذل المال فيه وجهان
أما القضاء ففيه أربع مسائل

الأولى قال الشافعي رضي الله عنه إذا عاد في القضاء إلى ذلك المكان فرق بينهما واختلفوا في أنه مستحق أو مستحب فالظاهر الاستحباب حذارا من أن يكون تذكر تلك الواقعة مهيجا لشهوة العود إليها
الثانية إذا أحرم في الأداء من مسافة شاسعة يلزمه في القضاء الإحرام من ذلك المكان لأن تأخير المكان نقصان في الإحرامبخلاف ما لو أحرم في أول الشهر من أشهر الحج فإنه لا يلزمه في القضاء الإحرام في ذلك الوقت
الثالثة إنما يجب القضاء على المتطوع بالحج فإن كان من فروض فما يأتي به قضاء يتأدى به ذلك الفرض الواجب إذ يقوم القضاء مقام الأداء الرابعة قضاء الحج على الفور أم على التراخي فيه وجهان أحدهما على الفور كقضاء صلاة عصى بتركها والثاني لا لأن قضاء الحج لا يزيد على الأداء

وأما الصلاة فيتعين القتل بتركها فلا بد من التضييق فيجري هذا الخلاف في قضاء صوم تعدى بتركه وفي كفارة لزمت بسبب محظور فأما ما لا عدوان بسببه فلا تضييق في واجبه
فرع

القارن إذا جامع هل يلزمه دم القران فيه وجهان أحدهما لا لأنه لم ينتفع بالقران والثاني بلى لأن حكم الفاسد في لوازمه كحكم الصحيح ثم العمرة تفسد بفساد القران قولا واحدا وهل يفوت بفوات الحج فيه وجهان ووجه الفرق أن في الفوات يتحلل بأعمال العمرة فلا معنى لتفويت عمرته
هذا كله في العامد وأما الناسي ففيه قولان يبتنيان على أنه من قبيل الاستمتاعات فيكون النسيان عذرا فيه
فإن قيل وهل يفسد بشئ سوى الجماع قلنا يبطل بالردة طالت أم قصرت
فلو عاد إلى الإسلام فهل يخاطب بالمضي في فاسده فيه وجهان أحدهما نعم كالجماع والثاني لا لأن الردة تحبط ما سبق
ومن أصحابنا من قال لا يفسد بتخلل الردة ولكن لا يعتد بما جرى في حال الردة وذكر هذا في الوضوء والاعتكاف وهو هاهنا أبعد
النوع السادس مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة

وذلك حرم موجب للفدية والضبط فيه كل ملاسة تنقض الطهارة وجد الإنزال أو لم يوجد
وقال مالك لا يجب الدم إلا عند الإنزال
ثم لا تجب البدنة بمقدمات الجماع وإنما تجب الشاة
وفي وجوب الفدية بالاستمناء في الصوم وجهان
ومن مقدمات الجماع النكاح والإنكاح وهما محرمان على المحرم ولكنه لا فدية لأنه لا ينعقد وفي رجعة المحرم وشهادته كلام
فإن قيل لو باشر جميع هذه المحظورات هل يتداخل الواجب أم لا قلنا إن اختلف الجنس لم يتداخل كالاستهلاك مع الاستمتاع وإن اختلف النوع في الاستهلاكات لم يتداخل أيضا كالقلم والحلق لأن الاستهلاك بعيد عن التداخل ولا خلاف في أن جزاء الصيور لا يتداخل وأما الاستمتاعات إن اتحد النوع والزمان والمكان تداخلا كما إذا لبس العمامة والقميص والسراويل والخف على التواتر المعتاد فيكفيه دم واحد وإن استدام جميع الإحرام
ولو تخلل بينهما زمان فاصل فقولان أحدهما لا يتداخل للمنقطع والثاني نعم لاتحاد النوع واتحاد العبادة مع أنه واجب يفرق فيه بين الساهي والعامد فيشبه الحدود بخلاف الجماع في يومين من رمضان لأنه يلاقي عبادتين
فأما إذا اختلف النوع في الاستمتاع كالتطيب واللبس فالظاهر التعدد وفيه وجه أنه يلحق اختلاف النوع باختلاف الزمان
فروع ثلاثة

الأول حيث حكمنا بالتداخل فلو تخلل تكفير منع التداخل كما إذا تخلل حد بين زنيتين إلا إذا قصد بالتكفير الماضي والمستقبل جميعا وقلنا يجوز تقديم الكفارة على محظورات الإحرام ففي امتناع التداخل به وجهان
الثاني إذا حكمنا بتعدد الواجب عند اختلاف نوع واختلاف زمان واتحد العذر الشامل كما إذا تداوى لمرض واحد مرارا أو شج رأسه فاحتاج إلى حلق وستر ومداواة بالطيب فهل يتحد الواجب لاتحاد العذر فيه وجهان
الثالث لو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات متفرقة فإن قلنا متفرق الأزمنة كالمجموع فالواجب دم وإن قلنا لا يجمع فثلاثة دراهم أو ثلاثة أمداد
وأما الوطء إذا تكرر في زمانين فهو كالحلق في زمانين وإن قلنا إنه استهلاك
والتطيب في زمانين إن قلنا إنه استمتاع وأما كثرة الإيلاجات في وطرواحد لا يوجب تعدد الكفارة بحال
النوع السابع من المحظورات إتلاف الصيد

والصيد محرم بشيئين أحدهما الإحرام والآخر الحرم
والنظر في الإحرام يتعلق بأطراف

الأول في الصيد وهو عبارة عن كل متوحش مأكول ليس مائيا فهذه ثلاثة قيود أما الأول فقد دخل فيه الصيد المملوك وغيره والمستأنس لأنه من جنس المتوحش وقال مالك لا جزاء في المستأنس وقال المزني لا جزاء في المملوك ويلتحق بهذا الصيد أجزاؤه وبيضه في التحريم والجزاء
وأما المأكول احترازا عن السباع والحشرات وكل ما لا يؤكل وقد قال صلى الله عليه وسلم خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والحدأة والغراب والعقرب والكلب العقور ويلتحق به كل ما في معناه
وعند أبي حنيفة يجب الجزاء في الأسد والنمر وأشباههما
والمتولد عن المأكول وغير المأكول لما تعارض فيه الأمر أوجب الشافعي فيه الجزاء احتياطا
واحترزنا بغير المائي عن صيد البحر فإنه حلال للمحرم والجراد من صيد البر وإن كان نشوءه من روث السمك على ما قيل
والطرف الثاني في الأفعال الموجبة للضمان
وهي ثلاثة المباشرة والتسبب واليد
ولا تخفى المباشرة وكذا كل سبب يضمن به الآدمي ويزيد في الصيد أسباب ثلاثة
الأول لو حفر المحرم بئرا في ملكه فتردى فيه صيد لم يضمن ولو كان في محل العدوان ضمن وساكن الحرم إذا حفر بئرا في ملكه ففيه وجهان ووجه التضمين أن الملك من الحرم أيضا ولو نصب شبكه في غير ملكه ضمن وفي ملكه وجهان أظهرهما الوجوب لأن الشبكة لا تنصب إلا للصيد وهذا جار في المحرم
الثاني لو نفر صيدا فتطلق وتعثر بتطلقه ضمن إلا أن يقع ذلك بعد سكونه ولو مات بآفة سماوية في وقت النفار ففيه وجهان ووجه إيجاب الجزاء تنزيل النفار منزلة إثبات اليد ولو دل المحرم حلالا على الصيد عصى ولا جزاء لأن مباشرة غيره قطع أثر دلالته
الثالث لو أرسل كلبا ضمن ما يصطاده ولو حل الرباط ولا صيد ثم ظهرصيد ففيه تردد ولو انحل الرباط في صورة نسب إليها إلى التفريط فهو كحله وأما اليد فإذا أثبت على صيد فتلف ضمن إلا إذا أحرم وفي يده صيد ففي لزوم رفع اليد قولان أحدهما لا يلزمه كما لا ينقطع دوام نكاحه وإن امتنع ابتداؤه والثاني يلزمه لأن النهي مطلق
فإن قلنا لا يلزمه فلو قتله ضمن لأنه ابتداء فعل وإن مات فلا وإن قلنا يجب إرساله في زوال ملكه ثلاثة أقوال أحدها أنه يزول بمجرد الإحرام والثاني أنه لا يزول إلا بالإرسال والثالث أنه لا يزول إلا بالإرسال وقصد التحريم
ثم لو أخر الإرسال حتى تحلل فالأمر مستمر بالإرسال وفيه وجه أنه ينقطع
وأما أسباب الملك فما هو قهري كالإرث لا يمنع الملك على الصحيح لكن يجب الإرسال وما هو قصدي كالاصطياد فلا يفيد الملك
وفي الشراء قولان كما في شراء الكافر عبدا مسلما إلا إذا قلنا إن الإحرام بقطع دوام الملك فلا يصح الشراء بحال
فإن صححنا الشراء فباعه حرم البيع ولكن انعقد ووجب على المشتري الإرسال وإذا أرسل فهل يكون من ضمان البائع فيه من الخلاف ما في العبد المرتد هذا كله من العامد والمخطئ والناسي كالعامد في الجزاء إلا في الإثم لأن هذا من قبيل الغرامات
نعم لو صال عليه صيد فلا ضمان عليه في دفعه ولو أكله في مخمصة ضمن ولو عم الجراد المسالك فوطئه المحرم ففيه وجهان وإذا قصد المحرم لص على حمار وحش ولم يتأت دفعه إلا بقتل الحمار ففي الضمان وجهان
فرعان

الأول لو وجد صيدا مجروحا فأخذه ليداويه فمات فالصحيح أنه لا يضمن لأن يده يد أمانة
الثاني لو أمسك محرم صيدا فقتله محل فالضمان على المحرم وإن قتله محرم فقرار الجزاء على القاتل وكل واحد مطالب شرعا
الطرف الثالث في الأكل ويحل للمحرم أكل صيد ذبحه محل إذا لم يصد له بإذنه ولا بدلالته ولا بإعانته فإن جرى شئ من ذلك فهو حرام لقوله عليه السلام للمحرمين لحم الصيد حلال لكم ما لم تصطادوه أو يصاد لكم وذبيحة المحرم من الصيد حرام عليه وهل هو ميتة فيه قولان أحدهما نعم كذبيحة المجوس والثاني أنه مباح ولا تحريم على غيره
وفي صيد الحرم طريقان فهو أولى بأن يجعل ميتة لأن المانع في نفس الذبيح ثم مهما أكل المحرم من صيد لزمه جزاء ولو ذبحه لم يتكرر الجزاء بالأكل خلافا لأبي حنيفة ولو أكل من صيد دل عليه لزمه الجزاء على أحد القولين لأنه لم يضمن أصله
الطرف الرابع في بيان الجزاء وله ثلاث خصال المثل من النعم أو بقدر قيمة النعم من الطعام أو بقدر كل مد من الطعام يوم من الصوم فإن انكسر مد كمل وهو يتخير بين هذه الثلاثة فإن لم يكن الصيد مثليا فالواجب طعام بقدر قيمته أو عدل ذلك صياما
والعبرة في قيمة الصيد محل الإتلاف وفي قيمة النعم بمكة لأنه محل ذبحه
فإن قيل وكيف يجب المثل من النعم قلنا يرعى في المماثلة في الخلقة والكبر والصغر وما وجد للصحابة فيه قضية اتبعت فقد حكموا في النعامة ببدنة وفي حمار الوحش ببقرة وفي الضبع بكبش وفي الأرنب عناق وفي أم حبين وهو من صغار الضب جدي صغير وفي الظبي عنز وفي الكبير كبير وفي الصغير صغير فإن لم يجد نص الصحابة حكم بالاجتهاد ذوا عدل من المسلمين
فإن كان القاتل أحد العدلين وكان مخطئا في القتل كيلا يفسق فيه وجهانأقيسهما المنع إذ لا يكون الواحد حاكما ومحكوما عليه لكن روي أن عمر رضي الله عنه شاور أحد الصحابة في صيد قتله فتوافقا على التعديل بشاة فأما ما ليس مثليا كالعصافير وما دون الحمام وكالجراد والبيص ففيها الطعام بقدر قيمتها أو الصيام وفي الحمام شاة لقضاء الصحابة وفي معناه كل ما عب وهدر من القمري والدمسي والفواخت وفيما فوق الحمام من الطيور قولان أحدهما الشاة إلحاقا بالحمام لأنه أكبر منه والثاني لا إذ لم يحكم الصحابة بالمشابهة شكلا بل لعل ذلك للخلق الجامع وهو الاستئناس
فروع ستة

الأول المعيب يقابل بالنعم المعيب إذا اتحد جنس المعيب فإن اختلف لم يجبر عيب بفصيله وكذا المريض بالمريض وفي مقابلة الذكر بالأنثى ثلاثة أقوال أحدها الجواز لأن الاختلاف فيه لا يقدح في المقصود كالاختلاف في اللون والثاني المنع لأنه اختلاف في الخلفة والثالث أن الأنثى تجزئ عن الذكر لأنها أفضل منه في الزكاة وأما الذكر فلا يجزئ عن الأنثى
وهذا الاختلاف إنما يحتمل إذا لم يظهر أثره في خبث اللحم ونقصان القيمة
والثاني لو قتل ظبية حاملا لا فائدة في ذبح شاة حامل إذ تبطل فضيلة الحمل بالذبح فليرجع إلى تعديل الطعام بقيمة الشاة الحامل وقيل يخرج شاة حاملا تعدل قيمة الحامل
وإن ألقت الظبية جنينا ميتا بجناية فليس فيه إلا ما ينقص من الأم
وقال أو ثور يلزم عشر قيمة الأم
ولو ماتت الأم مات الجنين بعد انفصاله فعليه جزاؤهما جميعا
الثالث إن جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه العشر من ثمن شاة نص عليه وإنما لم يجب عليه العشر من الشاة حذارا من التجزئة وقال المزني عليه عشر شاة فقيل هو الصحيح
الرابع إذا جنى على صيد فأزمته فالظاهر فيه كمال الجزاء كما في قطع يدي العبد وقيل قسط من القيمة أو المثل وهو بعيد فلو أتلف هذا المزمن محرم فعليه جزاؤه معيبا
ولو أبطل من النعامة قوة المشي وقوة الطيران وله امتناعات ففي تعدد الجزاء وجهان
ولو أزمنه ثم قتله اتحد الجزاء كما في النفس
الخامس إذا كسر بيض نعامة وكانت مذرة فلا شئ عليه وإن كانتللقشرة قيمة لأنه لم يبق حرمة الروح ولو نفر طيرا عن بيض حتى فسد ضمن
السادس المحرمون إذا اشتركوا في قتل صيد فعليهم جزاء واحد خلافا لأبي حنيفة فإنه شبه بالكفارة والقارن إذا قتل صيدا فعليه جزاء واحد كالدية ولو قتل المحرم صيدا حرميا لم يتعدد الجزاء نظرا منا إلى اتحاد المتلف
وهذه الفروع جارية في صيود الحرم
السبب الثاني للتحريم الحرم
والنظر في ثلاثة أطراف

الأول السبب كل صيد يضمن بالإحرام يضمن بالحرم وكذا السبب كالسبب ويختص هذا بأمور
الأول لو أدخل الحرم صيدا مملوكا لم يحرم عليه بل كان كالنعم بخلاف ما سبق
الثاني لو كان الصيد في الحرم والواقف في الحل أو كان في الحل والواقف في الحرم فرمى وجب الضمان ولو قطع السهم في مروره هواء طرف الحرم والرامي والصيد كلاهما في الحل ففيه وجهان ولو أرسل في الحل إلى الصيد في الحل كلبا فتخطى الكلب طرف الحرم فلا جزاء إلا إذا لم يكن له طريق سوى الحرم ولو اصطاد حمامة في الحل فهلك لها فرخ في الحرم أو بالعكس ضمن كما في الرمي ولو نفرصيدا حرميا فنكس في طرف الحل قبل سكوت النفار ضمن
الطرف الثاني في الجزاء وحكمه حكم الإحرام وقال أبو حنيفة يفارقه في أن الصوم لا يدخل جزاؤه وعندنا ولا فرق فأما الشجر والحشيش فإنهما يحرمان في الحرم لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى حرم مكة لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاؤها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطها إلا لمنشد قال العباس إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا وسقوفنا فقال إلا الإذخر إلا الإذخر
واختلفوا في أن غير الإذخر لو مست إليه حاجة دواء أو حاجة الإذخر فهل يلحق به
ثم لا يحرم من نبات الحرم إلا ما لا يستنبت في جنسه كالعوسج والطرفا والأراك دون النخيل والصنوبر والخلاف
فلو استنبت ما لا يستنبت أو نبت بنفسه ما يستنبت فالنظر إلى الجنس لا إلى الحال خلافا لصاحب التلخيص وعلى هذا لو نقل أراكا حرميا وعرسه في الحل لم ينقطع حكم المحرم لكونه متعديا
ولا خلاف في أن تسريح البهائم في مراعيها جائز لأنه عليه السلام إنما نهى حفظا على البهائم والصيود فلو اختلى لإعلاف البهائم ففي التحريم وجهان ثم ضمان الحشيش والأشجار الصغيرة كضمان الحيوانات الصغيرة التي لا مثل لها من النعم وأما الشجرة الكبيرة ففيها بقرة وفي الصغيرة شاة فكأنها سبع الكبيرة قاله الشافعي رضي الله عنه تقليدا لابن الزبير وفي القديم قول أن تأثير الحرم في النبات مقصور على التحريم فلا ضمان فيه
الطرف الثالث في مواضع الحرم

والأصل مكة والمدينة ملحقة بها قال صلى الله عليه وسلم حرمت ما بين لابتيها فهي في التحريم كمكة وفي الضمان وجهان أحدهما يجب قياسا عليه والثاني لا إذ ورد فيه سلب ثياب الصائد فكأنه أوجب هذه الجناية
وفي حكم سلبه ثلاثة أوجه أحدها أنه في بيت المال والآخر أنه يفرق على محاويج المدينة القاطنين بها والعابرين كما في الجزاء والثالث أنه للسالب لما روي أن سعدا رحمه الله تعالى طولب هذا السلب فقال ما كنت لأرد شيئاأمرنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الموضع الثالث وج الطائف وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيدها وشجرها وكلأها
قال صاحب التلخيص من فعل ذلك أدبه الحاكم ولم ألزمه شيئا قلته تخريجا
قال الشيخ أبو علي هذا تردد في الكراهية والتحريم فإن ثبت تحريمه لم يبعد الضمان كالمدينة والظاهر نفي الضمان
الرابع النقيع وقد حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصدقات ولا يمنع إلا من كلأه فإن تعرض به ففي ضمانه بالقيمة وجهان ولا سلب وفي أشجاره تردد لترددها بين الصيد والحشيش
فرع

من يسلب بالمدينة فلا يسلب إلا إذا اصطاد أو أرسل الكلب ويحتمل التأخير إلى الإتلاف ولا يفرق في السلب بين الشجر والصيد والمراد بالسلب ثيابه فقط لا كسلب القتيل وإن كان عليه حلي فوجهان
القسم الثالث من الكتاب في التوابع واللواحق

وفيه بابان
الباب الأول في الموانع من إتمام الحج
وهي ستة
الأول الإحصار من جهة العدو وهو مبيح للتحلل في نص القرآن وذلك متى احتاج في دفع الصادين إلى بذل مال ولو درهم أو إلى قتال إلا أن يكونوا كفارا ونقص عددهم عن الضعف فيتعين القتال إن كان معهم أهبة ولا يجوز التحلل
ولو أحاط العدو من الجوانب فقولان ووجه المنع أن التحلل ليس يريح منه فأشبه المرض فإنه لا يبيح التحلل عندنا خلافا لأبي حنيفة
ولو شرط التحلل عند المرض فقولان القياس منع التحلل والثاني الجواز لما روي أنه عليه السلام قال لضباعة الأسلمية لما تعللت بالمرض أهلي واشترطى أن محلي حيث حبستنى
وعلى هذا إذا تحلل بالمرض ففي لزوم الدم وجهان تشبيها له بالإحصار
ولو شرط التحلل بالإحصار ففي سقوط الدم وجهان الظاهر أنه لا يسقط
المانع الثاني حبس السلطان فلو سد على جميعهم جهة الكعبة فهو الحصر العام ولو حبس شخصا أو شرذمة فطريقان أحدهما أنه كالعام
والثاني فيه قولان وجوز العراقيون التحلل وردوا القولين إلى وجوب القضاء وهو أوجه
الثالث الرق فللسيد أن يمنع عبده المحرم من الخروج إذا أحرم بغير إذنه ولا يحلله إن أحرم بإذنه خلافا لأبي حنيفة ثم إذا منعه السيد تحلل تحلل المحصر ولكنه لا دم له فهل يتوقف تحلله على اليسار بالعتق فيه خلاف مرتب على المحصر المعسر
فإن قلنا يتحلل من غير دم فمات وأراق السيد عنه دما وقع عنه لأن المالك امتنع في الحياة لكونه مملوكا مسخرا ولا يسخر بعد الموت
الرابع الزوجية فالمستطيعة لحج الإسلام هل للزوج منعها عن الخروج لأن الحج على التراخي وحق الزوج على الفور فيه قولان فإن أحرمت ففي المنع قولان مرتبان وأولى بأن لا يجوز وإن أحرمت لحجة التطوع ففي المنع قولان وأولى بالجواز وإن كان التطوع أيضا يلزم بالشروع فإن قلنا له المنع من الخروج فعليها أن تحلل تحلل المعسر فإن لم تفعل فالزوج يباشرها والإثم عليها لا على الزوج
وقال أبو حنيفة إذا وطئها على قصد التحلل حصل التحلل بفعله وكذا لو حلقرأس العبد أو طببه
الخامس لمستحق الدين أن يمنع المحرم من الخروج إن كان قادرا موسرا وليس له التحلل وإن كان معسرا فليس له المنع وإن كان الدين مؤجلا فلا يمنعه وإن قرب الأجل بل عليه أن يصاحبه أو يوكل من يطالبه عند حلول الأجل
السادس القرابة وللأبوين منع الولد من التطوع بالحج وعن فرضه طريقان قيل إنه كالزوج وقيل لا ينتهي شفقة القرابة إلى المنع من الفرض
فإن قيل فما حكم التحلل والفوات قلنا أما المحصر فلا قضاء عليه وعليه دم دم يريقه في محل الإحصار
وقال أبو حنيفة يلزمه أن يبعث إلى الحرم ويتوقف عليه تحلله وهو إبطال الرخصة
ثم هل يجوز التحلل قبل إراقته فيه قولان
أحدهما لا لأنه أقيم مقام الطواف الذى هو سبب التحلل وعلى هذا المعسر إن قلنا يعدل إلى الصوم ففي توقفه على الصوم قولان لأن الانتظار فيه طويل
والثاني أن التحلل لا يتوقف عليه بل هو موجب التحلل لا موقعه فيتحلل بالحلق ويكفيه نية التحلل على الصحيح
وأما القضاء فلا يجب على المحصر بل يعود إلى ما كان عليه قبل الإحرام وفي معنى المحصر كل من تحلل بمنع غيره على ما سبق
فأما إذا فات الحج بنوم أو تقصير فلا يحل التحلل إلا بلقاء البيت بطواف وسعي فإنه سبب التحلل في العمرة وقال في موضع يطوف فقيل يكفي الطواف والصحيح هو الأول ولا خلاف في أنه ليس عليه الرمي والمبيت بل يكفيه أعمال العمرة
ثم المذهب أنه لا تحصل به عمرة
وأما العمرة فإذا أحرم بها لم يتصور فواتها
ثم من فاته الحج يلزمه دم ويلزمه القضاء إن كان متطوعا وإن كان في فرض فالرجوع إلى الفرض يكفيه قضاء وأداء بخلاف الإحصار فإنه لا تقصير فيه فإن تركب العذر من الفوات والإحصار ففي القضاء خلاف وذلك إذا وجد طريقا أطول مما صد عنه فعدل إليه وفاته ففي القضاء قولان ولو صابر الإحرام منتظرا لانجلاء الإحصار ففاته الحج فقولان ومنهم من قطع بوجوب القضاء لأنه استجلب الفوات إلى نفسه
فرعان

الأول لو فاته الحج أو فسد الإحرام قصد في بقية إحرامه عن لقاء البيت فيستفيد التحلل بالإحصار ولكن لا يسقط عنه القضاء الذى سبق لزومه وعليه دمان أحدهما للإحصار والآخر للفوات
الثاني إذا صد بعد الوقوف عن لقاء البيت ففي القضاء قولان ووجه الوجوب أن الإحرام تأكد بالوقوف أما العراقيون قطعوا بسقوط القضاء عن كل ممنوع من لقاء البيت وذكروا الخلاف في المتمكن من لقاء البيت إذا منع من عرفة وقالوا في القضاء
الباب الثاني في الدماء وأبدالها

وفيه فصلان
الفصل الأول في بيان التقدير والترتيب في الأبدان والمبدلات
والدماء ثمانية أنواع

الأول دم التمتع قد اجتمع فيه الترتيب والتقدير في نص القرآن وفي معناه دم القران ودم الفوات
الثاني جزاء الصيد وهو على التعديل والتخيير فلا ترتيب ولا تقدير لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما }
والثالث فدية الحلق وفي بدله التقدير والتخيير أما التخيير فمنصوص في القرآن وأما التقدير فمأخوذ من حديث كعب بن عجرة إذ خيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدم وبين ثلاثة آصع كل صاع أربعة أمداد يطعم ستة مساكين وبين صيام ثلاثة أيامفهذه الأصول الثلاثة منصوص عليها في حكم التقدير والترتيب
الرابع الواجبات المجبورة بالدم فيها ترتيب دم إلحاقا لها بالتمتع وتعديل للبدل جريا على القياس لأن التقدير لا يعرف إلا توفيقا وأما الترتيب فله وجه معقول وأدخل العراقيون التقدير في القياس وقالوا بدل هذه الدماء كبدل التمتع
الخامس الاستمتاعات كالطيب واللبس وتغطية الرأس والقبلة والاستمناء ومقدمات الجماع في كل واحد منها دم ترتيب قياسا على التمتع وهو دم تعديل جريا على القياس وفي قول آخر أنها دم تخيير اعتبارا بالحلق والعراقيون اعتبروه بالحلق أيضا بالتقدير وهو أبعد وأما القلم فهو في معنى الحلق فيظهر إلحاقه به
السادس دم الجماع وفي الجماع المفسد بدنة فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فسبع من الغنم فإن عجز قوم البدنة دراهم والدراهم طعاما وصام عن كل مد يوما فهو دم تعديل وترتيب
ونص الشافعي رضي الله عنه على التعديل فيه دليل على أنه ليس يدخل التقدير في القياس إذ لم يلحقه بالحلق وفيه قول آخر أنه دم تخيير وقيل إنا وإن قلنا بالترتيب فلا ترتيب بين البدنة والبقرة والشياه السبعة
السابع الجماع الثاني أو الجماع بين التحللين إن قلنا فيه بدنة فهو كالجماع الأول وإن قلنا شاة فهو كالقبلة واللمس
الثامن دم التحلل بالإحصار وهو شاة في نص الكتاب فإن أعسر أو تعذرفهل له بدل فعلى قولين أحدهما لا لأنه لم ينص على بدله ونص على بدل غيره والثاني أنه يجب قياسا للمسكوت عنه على المنطوق به
فإن قلنا يجب فبأي أصل يلحق فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه مثل دم التمتع ترتيب وتقدير
والثاني أنه كدم الحلق تقدير وتخيير لأنه تخلص من الأذى والثالث أنه مثل دم الواجبات المجبورة تعديل وترتيب لأنه ترك الأفعال الواجبة
الفصل الثاني في محل إراقة الدماء وزمانها

أما الزمان فلا يختص شييء من دماء المحضورات والجبرانات بعد جريان سببها بزمان وإنما يختص بأيام النحر الضحايا وكذا دم التمتع والقران وأما دم الفوات فيراق في الحجة الفائتة أو في الحجة المتقضية فيه قولان أحدهما في الفائتة لأن السبب قد تحقق والثاني لا لمعنيين أحدهما أن هذه حجة ناقصة وكأن الفوات أوجب القضاء والدم فيريق في القضاء ولأنه شبيه بالتمتع لأنه أتى بأفعال عمرة وتمتع بالتحلل ليؤدي حجة في السنة الثانية وعلى هذا المعنى لا يمتنع تقديمه على القضاء إذ جوزنا تقديم دم التمتع على الحج وإنما يمتنع ذلك في الصوم
وأما المكان فيختص جواز الإراقة بالحرم خلافا لأبي حنيفة والأفضل النحر في الحج بمنى في العمرة عند المروة لأنهما محل تحللها وقد قيل لو ذبح على طرف الحرم وفرق غضا طريا على مساكين الحرم جاز وقد قيل من ارتكب محظورا أراقه في محل الارتكاب وقيل ما لزم بسبب مباح بعذر لا يختص بمكان وما عصى بسببه فاختص بالحرم وهذه الوجوه الثلاثة بعيدة وأما الأكل من هذه الدماء فسيأتي حكمه في الضحايا واختتام الكتاب ببيان الأيام المعلومات وهي العشر الأولى من ذي الحجة عندنا وفيها المناسك وأما المعدودات فهي أيام التشريق وفيها الهدايا والضحايا
تم بحمد الله ربع العبادات من كتاب الوسيط في المذهب في الثامن عشر من شهر رمضان المبارك سنة ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة والموافق العاشر من فبراير سنة ألف وتسعمائة وستة وتسعين وذلك يوم الخميس عصرا والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ونسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين0 .
كتاب البيع

{ وأحل الله البيع } واجتمعت الأمة على كونه سببا لإفادة الملك والنظر في أحكامه يتعلق بخمسة أقسام القسم الأول في صحته وفساده والثاني في لزومه وجوازه والثالث في حكمه قبل القبض وبعده والرابع فيما يقتضيه مطلق ألفاظه في الثمار والأشجار واستتباع الأصول الفروع والخامس في مداينة العبيد وتصرفاتهم
القسم الأول في بيان صحته وفساده وفيه أربعة أبواب
الباب الأول في أركان البيع وهي ثلاثة

العاقد والمعقود عليه وصيغة العقد فلا بد منها لوجود صورة العقد
الركن الأول الصيغة وهي الإيجاب والقبول
وسبب اعتبارها الاستدلال بهما على الرضا فإن الأصل هو التراضي ولكن الرضا خفي فيناط الحكم بسبب ظاهر يدل عليه
ويتفرع عن هذا الأصل ثلاث مسائل نذكره في معرض السؤال فإن قيل فليكتف بالمعاطاة فإنها دلالة على الرضا في المحقرات قلنا الأفعال مترددة ما صيغت للدلالة على الضمائر وإنما العبارات هي الموضوعة لهذا الغرض فكان الحكم منوطا بها
وقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى الاكتفاء به في المحقرات وهو قول خرجه ابن سريجفإن قيل فليكتف بقوله بعني وقول المخاطب بعت قلنا فيه وجهان أقيسهما الاكتفاء به كما في النكاح والثاني لا يكتفى به لأنه قد يقول بعني لاستبانة الرغبة فينوب عن قوله هل تبيع وأما النكاح فلا يقدم عليه فجأة في غالب الأمر فتكون الرغبة قد ظهرت من قبلفإن قيل فلينعقد بالكناية مع النية فإنها تدل على الرضا قلنا قطع الأصحاب بذلك في الخلع والكتابة والصلح عن دم العمد والإبراء وكل ما يتصور الاستقلال بمقصوده دون قبول المخاطب في بعض الأحوال لأنه ليس يعتمد فهم المخاطب وقطعوا بالبطلان في النكاح وبيع الوكيل إذا شرط عليه الإشهاد لان الشهود لا يطلعون على النية واختلفوا على الوجهين في المعاوضات المحضة ووجه المنع أن الإيجاب والقبول سبب لقطع النزاع إذا كان صريحا والنيات يطول فيها النزاع فليشترط التصريح للمصلحة كما في النكاح فإن قيل فلو توافرت القرائن حتى أفادت العلم انقطع الاحتمال والنزاع قلنا أما النكاح ففيه تعبد للشرع في اللفظ وأما البيع المقيد بالإشهاد وغيره فالظاهر عندي الانعقاد وان لم يتعرض له الأصحاب
الركن الثاني العاقد
وأهلية المعاملات تستفاد من التكليف فتصرفات الصبي والمجنون بإذن الولي ودون إذنه وبالغبطة والغبينة باطلة خلافا لأبي حنيفة نعم في تدبيره ووصيته وروايته وإسلامه خلاف يأتي في موضعه وفي البيع الذي يختبر به الصبي لإيناس الرشد خلاف والأولى منعه ولا يعتد بقبض الصبي أيضا فإنه سبب ملك أو ضمان فلو قال أد حقي إلى الصبي فأدى لم يبرأ لان ما في الذمة لا يتعين ملكا إلا بقبض صحيح بخلاف ما لو قال رد الوديعة إليه فإن الوديعة متعينة ولو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده له فأخذه دخل في ضمانه فليرده على وليه ولو رد عليه لم يبرأ
وفي إخبار الصبي عن التمليك في إيصال الهدية وعن الإذن عند فتح الباب طريقان منهم من خرجه على الخلاف في روايته ومنهم من قطع بالقبول اقتداء بالأولين وعادة السلف ولا شك في القبول إذا ظهرت القرائن فان العلم إذا حصل سقط اثر إخباره
أما إسلام العاقد فغير مشروط إلا في شراء العبد المسلم وفيه قولان أحدهما أنه لا يصح من الكافر لما فيه من الذل ولأنه يقطع ملكه لا محالة فدفعه أولى والثاني أنه يصح لان الملك متصور له على المسلم في الإرث فسبب الملك صحيح في حقه والأصح المنع خلافا لأبي حنيفة
وفي شراء الكافر المصحف قولان مرتبان وأولى بالمنع لان العبد يدفع الذل عن نفسه
وفي الملك الذي يستعقب العتق كشراء الكافر ولده المسلم أو كشرائه من شهد من قبل بحريته وجهان مرتبان وأولى بالصحة لاستعقابه الحرية ضرورة
ولو قال الكافر اعتق عبدك المسلم علي فأعتق ففي وقوعه عنه وجهان مرتبان وهذا أولى بالنفوذ لان الملك حصل ضمنا فيبعد اعتبار الشرائط فيه
التفريغ إن أبطلنا الشراء فعليه فروع أربعة

أحدها في الارتهان والاستئجار وجهان أحدهما يصح إذ ليس فيهما ملك والثاني المنع لأن الاستيلاء بالانتفاع والحبس إذلال فان صححنا الإجارة فهل يكلف الكافر أن يؤاجره من مسلم فيه وجهان أحدهما يلزمه كما في الشراء والثاني لا إذ المسلم إذا عمل باجرة لم يكن فيه ذل وكأنه يعمل لنفسه والأولى جواز الرهن والإجارة كما في الإيداع والإعارة وأما الإجارة الواردة على الذمة فلا خلاف في جوازها
والثاني المسلم إذا اشترى العبد المسلم لكافر لم يصح وإن اشتراه الكافر لمسلم إن صرح بالإضافة إلى المسلم صح وإن أضمر فوجهان يبتنيان علىتعلق العهدة بالوكيل
الثالث إذا اشترى المسلم عبدا مسلما من كافر بثوب فوجد الكافر عيبا بالثوب ففي رده ليعود العبد إليه وجهان أحدهما لا لأنه توصل إلى جلب الملك بالاختيار والثاني يجوز لان الاختيار في الرد أما عود العوض إليه فيقع ضرورة قهرا وكذلك المسلم إذا وجد عيبا بالعبد ففي رده إليه وجهان لأنه ممنوع عن التمليك كما يمنع الكافر عن التمليك ثم إذا منعنا الرد تعين الارش وكان ذلك عذرا مانعا
الرابع لو كان العبد كافرا فأسلم قبل القبض فينفسخ العقد كما ينفسخ بالموت أو يثبت الخيار كما يثبت بالإباق فيه وجهان وتشبيهه بالاباق أولى هذا إذا اشتراه من مسلم فان اشتراه من كافر ففي الانفساخ وجهان مرتبانوأولى بألا ينفسخ لأنه كيفما تردد انقلب إلى كافر فالاستصحاب أولى فإن قضينا ببقاء العقد فيقبضه الكافر ثم يباع عليه أم يستنيب القاضي عنه من يقبضه كيلا يذل العبد بقبضه فيه وجهان وإن فرعنا على قول الصحة فيباع عليه بعد قبضه أو قبض القاضي عنه على وجه وكذلك متى أسلم في دوام الملك فلو مات قبل البيع بيع على وارثه وينقطع عنه المطالبة بالإعتاق وكل ما يزيل الملك ولا ينقطع بالتزويج والرهن والإجارة وهل ينقطع بالكتابة وان كانت لا تزيل الملك في الحال لإفضائها إلى الزوال ولزوم الحجر في الحال فيه وجهان وأولى بالاكتفاء بها ولو رضي بالحيلولة بينهما لم يكتف به إلا في المستولدة فان بيعها متعذر وإعتاقها تخسير فيستكسبها لأجله في يد غيره وقيل انه تعتق عليه وهو بعيد
الركن الثالث المعقود عليه وهو المبيع

وله خمسة شرائط وهو أن يكون طاهرا منتفعا به مملوكا للعاقد أو لمن يقع العقد له مقدورا على تسليمه معلوما للمتعاقدين
الشرط الأول الطهارة
ولا يجوز بيع السرقين وسائر الأعيان النجسة خلافا لأبي حنيفة ومعتمد المذهب الإجماع على بطلان بيع الخمر والجيفة والعذرة ومنفعة العذرة تسميد الأرض ومنفعة الجيفة إطعامها لجوارح الطيور ومنفعة الخمر مصيرها خلا كما يصير الصغير ابن اليوم منتفعا به في الكبر فلا علة لبطلان بيعها إلا النجاسة
فرع
الودك النجس بوقوع نجاسة فيه أن حكمنا بإمكان غسله جاز بيعه وإلا ابتني على جواز الاستصباح به وفيه قولان ووجه المنع انتشار دخانه النجس مع تعذر الاحتراز عنه وبالنجاسة يعلل عند الشافعي رضي الله عنه امتناع بيع الكلب والخنزير وقد ورد الخبر فيه أيضا
وقال أبو حنيفة ومالك يصح بيعه والخنزير لا يباع وفاقا وما يتولد من الكلب والخنزير أو من أحدهما وحيوان طاهر فله حكمهما في بطلان البيع
الشرط الثاني أن يكون منتفعا به
فبه تتحقق المالية وما لا منفعة له ثلاثة أقسام
أحدها أن تسقط المنفعة للقلة كالحبة من الحنطة وما ليس له منفعة محسوسة في ذاته إلا بضم غيره إليه فبيعه باطل ومن أتلفه فلا شيء عليه إذ لا قيمة له وقال القفال عليه مثله إن كان من ذوات الأمثال وخالفه غيره
الثاني أن تسقط منفعته لخسته كحشرات الأرض من الخنافس والعقارب وأما الهرة والفيل والنحل ففيها منفعة فيجوز بيعها ولا منفعة للأسد والنمر ومالا يصطاد من السباع ولكن فيها وفي الحمار الذي تكسرت قوائمه وجه لا بأس به أنه يصح بيعها لجلودها بخلاف جلد الميتة فانه لا يباع لنجاسته لا لعدم المنفعة
وفي بيع العلق وفيه منفعة المص للدم والسم الذي لا يصلح إلا بالقتل تردد والأولى الصحة ووجه المنع انه لا يحتفل بهذه المنفعة إذ قد ينتفع بحبة واحدة تجعل في فخ الطائر ولا يعتد بمثل ذلك
ويجوز بيع لبن الآدمية خلافا لأبي حنيفة فانه طاهر منتفع به وليس بآدمي ويجوز بيع الماء على شاطئ البحر وبيع الصخرة على الجبال لوجود المنفعة وإنما الاستغناء عنها لكثرة وكذا بيع التراب وقيل الماء لا يملك وهو بعيد
الثالث ما سقطت منفعته شرعا كالمعازف وما هي لغرض محرم لا يصلح لغيره فتيك المنفعة المحرمة شرعا كالمعدومة حسا نعم أن كان رضاضة بكسر بعد تقدير الكسر يتمول ففي صحة بيعه اعتمادا عليه ثلاثة اوجه والأظهر انه إن كان من ذهب أو فضة أو عود أو شيء نفيس صح لأنهمقصود فغلب قصد الصنعة وان كان من خشب فلا لان القصد مرتبط بالصنعة فلا يعتمد البيع غيره وفي بيع القنية والكبش الذي يطلب للنطاح كلام سنذكره
الشرط الثالث أن يكون مملوكا للعاقد
فبيع الفضولي مال الغير عندنا باطل وقال أبو حنيفة يقف على إجازته وهو قول قديم لم يعرفه العراقيون ونص الشافعي رضي الله عنه على قولين فيمن غصب أموالا واتجر فيها وتصرف في أثمانها أحدهما بطلان البياعات وتتبعها بالنقض وهو قياس المذهب والثاني أن المالك بالخيار فان شاء أجاز واخذ الأثمان وتعليله بالمصلحة والحاجة لعسر تتبع التصرفات المتعاقبة
فرع
لو قال اشتريت لزيد وهو ليس بوكيل لم يقع عن زيد وهل يقع عنه وجهان أحدهما نعم لان الفاسد إضافته فتخصص بالإفساد ويبقى قوله اشتريت والثاني لا وهو الأولى لان الكلام يعتبر جملة وهو لم يشتر شيئا لنفسه أصلا
فان قيل لو باع مالا على ظن انه ملك الغير فإذا هو ملكه هل يصح قلنا نقل العراقيون قولين فيما إذا باع مال أبيه على ظن انه حي فإذا هو ميت فالقياس صحته والظن الخطأ لا أثر له ووجه المنع أن مقتضى لفظه من حيث قرينة الحال تعليق البيع على الموت وان أتى بصيغة التنجيز فلا يكون بعبارته معربا عن تنجيز الملك في الحال وهو لا يعتقد لنفسه ملكا
الشرط الرابع أن يكون مقدورا على تسليمه حسا وشرعا
ومستنده النهي عن بيع الغرر والعجز الحسي في الضال والآبق والمغصوب
فروع
ثلاثة الأول بيع السمك في الحوض الواسع المسدودة المنافذ والطير المفلت في دار فيحاء الذي يقدر عليه ولكن بعد عسر وتعب فيه وجهان أحدهما لا لان مثل هذا التعب لا يحتمل في غرض البيع فلا نظر إلى القدرة بعد تحمله والثاني وهو الأولى الصحة لأنه مقدور عليه ومستند هذا الشرط النهي عن بيع الغرر وهذا موثوق به بالا لا غرر فيه الثاني بيع حمام البرج نهارا وعادته أن تأوي إلى البرج ليلا فيه وجهان أحدهما الجواز كالعبد الغائب ثقة بعوده الطبيعي والثاني المنع لان الغرر ظاهر في عوده بخلاف العبد وهو الأولى إذ الاشتغال بأسباب التسليم من طلب العبد ممكن وها هنا لا طريق إلى الانتظار على غرر الثالث المغصوب الذي يقدر المشتري على استرداده دون البائع فيه خلاف لتعارض القدرة والعجز من الجانبين والأولى الصحة إذا المقصود التسليم وهو ممكن في نفسه
نعم لو كان المشتري جاهلا فله الخيار إذا البيع لا يكلفه تعب الانتزاع وان كان عالما فله الخيار أن عجز وإلا فلا أما المعجوز عن تسليمه شرعا فهو المرهون فبيعه باطل وفي بيع الدار المكراة خلاف سيأتي وفي بيع العبد الجاني جناية تعلق الارش برقبته قولان أحدهما المنع كالرهن وأولى فانه أقوى من وثيقة الرهن ولذلك يقدم الأرش إذا جنى العبد المرهون
والثاني الصحة وهو الأولى لأنه لم يحجر على نفسه وجناية العبد لا تحجر عليه في ملكه وتصرفه لكن يثبت متعلقا في رقبته إن رغب السيد عنفدائه ليكون عصمة لحقه بقدر الضرورة أما إذا استوجب العبد القطع بالسرقة أو بالقتل بالردة فيصح بيعه إذ لا ارش وفي القتل الموجب للقصاص خلاف مرتب على أن موجب العمد ماذا وعلى كل حال فهذا أولى بجواز البيع لان الدية غير متعينة للوجوب
التفريع
أن حكمنا بفساد البيع ففي الإعتاق خلاف كما في الرهن وان حكمنا بالصحة فلو كان معسرا بالفداء فالظاهر المنع وفيه وجه منقاس انه يصح ولكن يثبت الخيار للمجني عليه وان كان موسرا مهما امتنع الفداء بسبب من الأسباب أما السيد ففي ثبوت الخيار له وجهان ووجه الإثبات انه لم يصرح بالتزام الفداء فلا يلزمه وله دفع الطلبة عن نفسه بالفسخ
وهذا بعيد عند علمه بجناية العبد فانه بالتزام التسليم إلى المشتري التزم الفداء فليؤاخذ بهما ولكن لو كان جاهلا فيظهر إثبات الخيار له
فرع
إذا باع نصفا من نصل أو سيف أو آنية ينقصها التبعيض فهو باطل لان البيع لا يلزم بنقيض غير المبيع والشرع قد يمنع منه إذا كان فيه إسراف فيتقاعد البيع عن إيجاب التسليم ولو باع ذراعا من كرباس لا تنقص بالقطع قيمته فيه وجهان ذهب صاحب التلخيص إلى المنع لأنه غير ممكن إلا بتغيير عين المبيع والبيع لا يلزمه ولعل التصحيح أولى
الشرط الخامس أن يكون معلوما للمتعاقدين
والعلم يتعلق بعين المبيع وقدره ووصفه مرتبة من مراتب العلم العلم بالعين وهو شرط فلو باع عبدا من عبيده أو ثوبا من ثيابه أو شاة من قطيعه لا على التعيين بطل لما فيه من الغرر الذي يسهل اجتنابه ولان العقد لم يجد موردا يتأثر به في الحال فأشبه النكاح
وقال أبو حنيفة لو قال بعت عبدا من العبيد الثلاثة ولك خيار التعيين صح ولم يصحح في الثياب ولا فيما فوق الثلاثة ولا دون شرط الخياروفساد هذه التحكمات بين
فروع ثلاثة

أحدهما لو قال بعت صاعا من هذه الصبرة وهي معلومة الصيعان صح قطعا وان كانت مجهولة فوجهان يبتنيان على العلتين إن عللنا بان مورد العقد لم يتأثر به في الحال بطل هذا العقد فان الإبهام موجود ههنا
وفي صورة العلم بعدد الصيعان ينزل على الإشاعة حتى لو تلف نصف الصبرة انفسخ العقد بتلفه في ذلك القدر والباقي يخرج على قولي تفريق الصفقة وهذا اختيار القفال وهو الأصح
وان عللنا بان الإبهام منع لأجل الغرر فلا غرر ها هنا لتساوي أجزاء الصبرة بخلاف العبيد وبخلاف ما إذا باع ذراعا من ارض لا على التعيين فان الغرض يختلف فيه باختلاف الجوانب ويلزم عليه التصحيح إذا باع قدر صاع من جملة الصبرة وقد فرقت صيعانها وبه استشهد القفال ويبعد تصحيحه
واستشهد بأنه لو قال بعت منك هذه الصبرة إلا صاعا وهي مجهولة الصيعان بطل
فأي فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم والإبهام يعمهما وفي الفرق غموض
الثاني إذا اشترى قطعة من الأرض محفوفة بملك البائع فان صرح بإثبات الممر ثبت حق الاجتياز من كل جانب إلا إذا كان أحد جوانبها متاخما للشارع أو ملك المشترىفالعرف خصص المرور به
وان خصص بجانب من الجوانب لا على التعيين فسد للإيهام وتفاوت الأغراض
وان صرح بنفي الممر ففي صحة البيع ولا منفعة للمبيع دون الممر وجهان أظهرهما الصحة إذا التوصل إلى الانتفاع بشراء الممر واستعارته واجارته ممكن
وان سكت عن ذكر الممر فطريقان أحدهما انه يقتضي الممر من كل جانب اعتمادا على العرف والثاني انه يخرج على الوجهين كما إذا نفى الممر لأنه ساكت عنه
الثالث لو عين جانبا من الأرض وباع عشرة اذرع ولكن لم يذرع حتى يتبينمقطع الملكين في العيان ففيه وجهان أظهرهما الصحة للتعيين وانتفاء الغرر ووجود العيان
ولو باع الصوف على ظهر الحيوان ولم يعين المقطع فسد لان العادة تتفاوت في مقادير الجز بخلاف الكراث فان العادة في جزه تتقارب
ولو قبض على كتلة وعين المجز صح وفيه احتمال لأنه يتعين به عين المبيع خلاف الأرض والشجر فان الجز والقطع لا يغيرهما
المرتبة الثالثة العلم بالقدر

أما إذا كان في الذمة فلا بد من التقدير سواء كان نقدا أو عرضا
فلو قال بعت بما باع به فلان فرسه أو ثوبه أو بزنة هذه الصنجة لا يصح لأنه غرر مجتنب يسهل دفعه ولا بد من تعريف جنسه
وإذا تعارضت النقود لا بد من التعريف فإن غلب واحد كفى الإطلاق وان غلب في العروض جنس واحد ففي الاكتفاء بالإطلاق اعتبار بالنقد أو اشتراط الوصف نظرا إلى أن الأصل في العروض التفاوت وجهان
فروع ثلاثة

الأول إذا قال بعت منك هذه الصبرة بعشرة دراهم وهيمعاينة غير معلومة الصيعان صح وكذلك إذا باع بصرة معاينة من الدراهم لان العيان هو المنتهي عرفا في العقود
ولو قال بعتك الصبرة كل صاع بدرهم صح وان كانت مجهولة الصيعان ولم يكن مبلغ جملة الثمن معلوما
لأنه إذا رأى جنس المبيع وعرف قدر ثمن كل صاع فقد انتفى الغرر وسلك طريق معرفة الربح والخسران
الثاني إذا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة على أن أزيدك صاعا فان أراد به التبرع بالزيادة فهو شرط هبة في بيع فيفسد
وان أراد إدخاله في المقابلة بالثمن فان كانت معلومة الصيعان صح وان كانت الصبرة عشرة أصيع فمعناه صاع وعشر بدرهم
وان كانت مجهولة لم يصح لأنه لا يدري اشترى بدرهم صاعا وعشرا أو صاعا وتسعا أو ما يتردد فيه فيكون الثمن مجهول الجملة والتفصيل
فان قيل فإذا تردد اللفظ بين الاحتمالات فكيف يصح العقد بمجرد إرادة صورة الصحة
قلنا يلتفت هذا على الأصح في انعقاد البيع بالكناية
الثالث إذا باع سمنا في بستوقة تتفاوت أجزاؤها في الغلظ والدقة او صبرة على ارض فيها حفر متفاوتة فهذا يبطل فائدة العيان في تخمين المقدار لا في معرفة الصفقة ففيه ثلاث طرق
قال الشيخ أبو علي في مجموعه وجهان في أن البيع يصح لان معرفة المقدار بعد العيان لو كانت شرطا لما صح البيع بصبرة من الدراهم مرتبة غير موزونة
وهذا غريب لم يذكره في شرحه
الثانية أن العقد باطل قطع به بعض المحققين لان غرره كغرر الجهل بالصفة وقد تعذر تخريجه على بيع الغائب لان الرؤية حاصلة فمتى يثبت الخيار أو كيف يلزم دون الخيار وهذا هو المشهور
الثالثة وهو المنقاس تخريجه على بيع الغائب فانه لا يتقاصر عما إذا قال بعتك الثوب الذي في كمي فان فيه قولين فكذلك ها هنا وهذا وجه التخريج اختاره الشيخ أبو محمد
ثم قياسه أن يقال معرفة المقدار بالوزن أو برؤية الدكة وقت ثبوت الخيار كما أن معرفة الصفة بالرؤية وقته في بيع الغائب
التفريع

أن أبطلنا العقد فلو نظر إلى صبرة ولم يدر أن تحتها دكة فعقد اعتمادا على اعتقاده فظهرت دكة فهل يتبين بطلان العقد أم يقتصر على الخيار وجهان
اختار الشيخ أبو محمد الأبطال لان معرفة القدر تحقيقا أو تخمينا شرط وقد تبين فقد الشرط والثاني انه يصح اعتمادا على الاعتقاد
المرتبة الثالثة العلم بالصفات بطريق الرؤية

وفي اشتراطه في الشراء قولان وفي الهبة قولان مرتبان وأولى بالا يشترط لأنه ليس من عقود المغايبات ليبعد عن الغرر
وذهب المزني إلى الإبطال لان الغرر المجتنب الذي يسهل إزالته يبطل العقد لنهيه عن بيع الغرر
ولا خلاف أن الشم والذوق في المشموم والمذوق غير مشروط لان الرؤية اعظمطريق يعرف به جميع الأشياء فالصفات المرئية تدل على جميع المقاصد الخفية غالبا واضطرب الأصحاب في مسألتين
إحداهما البائع إذا باع ما لم يره منهم من قال فيه قولان مرتبان وأولى بالبطلان لان الخيار بعيد عن البائع قاله المراوزة وقيل أولى بالصحة لأن المشترى محصل والبائع معرض والمتملك بالاحتياط أجدر قاله العراقيون واصح المذهب البطلان في الشراء والبيع جميعا
ثم أن صححنا بيع الغائب ففي ثبوت الخيار له عند الرؤية وجهان أصحهما الثبوت كالمشتري وقيل لا يثبت لان جانبه بعيد عن الخيار
ولذلك إذا ظن المبيع معيبا فإذا هو سليم لا خيار له وان استضر به
وهذا يبطل بخيار المجلس والشرط فانهما يشتركان فيه وهذا من جنسه
الثانية في شراء الأعمى طريقان ينشآن على أن التوكيل بالرؤية والفسخ هل يجوز وفيه وجهان أحدهما المنع لأنه رأي مجرد فصار كما إذا أسلم على عشر نسوة ووكل بالاختيار والثاني الجواز كالتوكيل بالرؤية والشراء
فان جوزنا بالتوكيل خرج شراؤه على القولين وإلا قطعنا بالبطلان إذ لا سبيل إلى الإلزام ولا إلى خيار لا منتهى له
وفي قبضه بالهبة والدين خلاف مرتب على شرائه وأولى بالصحة لأنه فعل يبعد عن الغرر ولو عمى بعد شراء الغائب فقلنا لا توكيل في الرؤية انفسخ العقد لاستحالة التقييد
وصحح الشافعي رضي الله عنه سلم الأعمى فقال المزني لم يرد به إلا كمه لأنه لا يعرف الصفات
ومن الأصحاب من خالفه لأنه يتخيل فرقا بين صفات الرداءة والجودة
التفريع
أن فرعنا على قول اشتراط الرؤية فعليه ثلاث مسائل
المسألة الأولى أن استقصاء الأوصاف على وجه يفيد الإحاطة بالمقاصد هل يقوم مقام الرؤية فيه وجهان
أحدهما نعم لحصول ثمرتها وهي المعرفة
والثاني لا إذ الرؤية تطلع على دقائق لا تحيط العبارة بها
الثانية رؤية بعض المبيع تقوم مقام رؤية الكل إذا كان المرئي يدل على الباقي كظاهر صبرة الحبوب والمائعات هذا إذا كان متصلا
فان رأى منه أنموذجا ولم يدخل في البيع فهو كاستقصاء وصف المبيع والأصح وهو اختيار الشيخ أبي محمد انه لا يقوم مقام الوصف في السلم لان اللفظ والوصف هو المرجع عند الأشكال في السلم
وان ادخل في البيع صح على اختيار القفال وهو الأصح وفيه وجه
وان كان المرئي لا يماثل الباقي نظر فان كان صلاح الشيء في إبقائه مستورا كحب الرمان ولب الجوز واللوز وأمثاله كفى رؤية الظاهر للحاجة وما ليس كذلك يخرج على بيع الغائب
فروع أربعة

الأول القشرة العليا من الجوز الرطب منهم من جعله مانعا للاستغناء عنه ومنهم من ألحقه بالسفلى ففيه مصلحة إبقاء الرطوبة والظاهر أن النشرة العليا من الباقي تكفي رؤيتها لان الرطوبة فيها مقصودة
والثاني الفأرة من المسك كالمسح من النوري والجلد من اللحم
فلا يكفي النظر إليه إذ لا يتعلق به كثير صلاح والمسك نفيس فلا يحتمل ذلك فيه اعتيادا
وقال صاحب التقريب إذا لم تكن الفأرة مفتوحة يحتمل إلحاقها بقشرة الجوز ثمإذا أدخلت الفأرة في البيع خرج على نجاسة الفأرة والصحيح أنها طاهرة تشبيها بالبيضة فان الطبية تلقي بطبعها في كل سنة واحدة والمسك كان احب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يليق بالشرع تنجيس طرفه وقيل انه نجس لأنه جزء مبان من حي
الثالث الديباج المنقش لا يدل أحد وجهيه على الآخر والأصح أن الكرباس يدل أحد وجهيه على الآخر وفيه وجه اعتبارا لأحد الوجهين بأحد النصفين
المسألة الثالثة الرؤية السابقة كالمقارنة إذا كان الشيء مما لا يتغير غالبا خلافا لأبي القاسم الانماطي لان المقصود المعرفة
فرعان

أحدهما إذا اقدم على العقد على ظن انه لم يتغير على الغالب فكان قد تغير على الندور فيتبين بطلان العقد لتبين انتفاء المعرفة أم يكتفي بالخيار لبناء العقد على ظن فيه خلاف
الثاني إذا قال المشتري تغير ولي الخيار وأنكره البائع قال صاحبالتقريب القول قول البائع إذ الأصل عدم التغيير وقال الخضري بل الأصل عدم لزوم الثمن والأول اصح
التفريع على صحة بيع الغائب أربع مسائل

الأولى إذا اشترى منديلا نصفه في صندوق لم يره قطع المزني بالإبطال فيما نقله نصا ومن الأصحاب من تكلف له وجها وهو أن إثبات الخيار في النصف تخصيصا محال والتعميم إثبات في المرئي فيؤدي إلى تناقض الحكم ومنهم من جعل هذا بيع غائب وهو الاقيس فان موجب الخيار في البعض تسليط على رد كل المبيع كالعيب بأحد العبدين فالتعميم غير ممتنع
الثانية بيع اللبن في الضرع باطل فانه انضم إلى عدم الرؤية العجز عن تمييز المعقود عليه عن غيره إذا اللبن في العروق ينصب إلى الضرع وقت الحلب فيختلط به وكذلك لو رأى منه أنموذجا وغلط الفوراني إذ ذكر في الأنموذج وجهين نعم لو قبض على قدر من الضرع واحكم شده فوجهان منهم من حسم الباب لان الاطلاع على عدم الاختلاط غير ممكن والشد قد يكون سبب حركة الطبيعة وانصباب اللبن
وكذلك إذا باع اللحم في الجلد قبل السلخ فهو باطل لأنه أن باع دون الجلد فلا يمكن تسليمه إلا بتغيير الجلد
وبشقه ثقبه غالبا وان باع مع الجلد قطع الشيخ أبو علي بالبطلان ووجهه اتصال المقصود بما ليس بمقصود على وجه لا يمكن تحصيل المقصود إلا بتغيير وتصرف في الجلد بالسلخ والصحيح تخريجه على القولين
أما بيع الروس والاكارع المسموطة مع النظر إلى الظاهر فجائز على القولين فان الجلد في حكم جزء يؤكل منه
الثالثة إذا صححنا بيع الغائب فقد اتفق الاكثرون على انه لو قال بعت منك ما في كمي ولم يذكر الجنس لا يجوز وهو ظاهر مذهب أبي حنيفة
وفيه وجه منقاس انه يجوز بحصول التعيين بالإشارة ثم للأصحاب طريقان قالت المراوزة لا يشترط شيء سوى ذكر الجنس كقوله بعت العبد الذي في البيت
فلو استقصى الأوصاف فهل يسقط الخيار لقيام الوصف مقام الرؤية فعلى الخلاف السابق
قال العراقيون يشترط ذكر النوع مع الجنس قطعا وهو أن يقول عبدي التركي
وهل يشترط استقصاء الأوصاف حتى ينعقد بيع الغائب على خيار الرؤية فعلى وجهين والطريقتان متباعدتان
الرابعة يثبت الخيار في بيع الغائب بالرؤية وله الفسخ قبل الرؤية وفي الإجازة قبلها وجهان أظهرهما أنها لا تصح لان الرضا قبل حقيقة المعرفة ولو تصور لحصل بقوله اشتريت فليس في قوله أجزت زيادة عليه
فرع

لو رأى ثوبين ثم سرق أحدهما من البيت وهو لا يدري أن المسروق أيهما فاشترى الثوب الباقي فقد اشترى معينا مرئيا وقد وقعت المسألة في الفتاوى فقلت أن تساوى صفة الثوبين وقدرهما وقيمتهما كنصفي كرباس واحد صح العقد
وان اختلف شيء من ذلك خرج على قولي بيع الغائب لأنه ليس يدري أن المشترى خمسة اذرع مثلا أم عشرة ورؤيته السابقة لم تفد العلم بقدر المبيع ووصفه في حالة البيع فلا اثر لها
الباب الثاني في فساد البيع بجهة الربا

المبيع إذا كان ربويا اشترط في عقده وراء ما ذكرناه من الشرائط السابقة في الباب الأول ثلاث شرائط
التماثل بمعيار الشرع والحلول ونعني به منع الأجل والسلم ووجوب التقابض في مجلس العقد
هذا إذا بيع الربوي بجنسه فإن بيع بربوي آخر يشاركه في العلة التي هي قرينة الجنسية يسقط اشتراط التماثل وبقي اشتراط التقابض والحلول
وأنكر أبو حنيفة رحمه الله شرط التقابض إلا في عقد الصرف
وان بيع بما لا يدخل في الربويات سقطت هذه الشرائط كلها
ومعتمد الباب ما روى الشافعي رضي الله عنه بإسناده عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت عن النبي عليه السلام انه قال لا تبيعوا الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يدا بيد
أوجب عند التجانس ثلاثة أمور وعند اختلاف الجنس أوجب التقابض ونفي السلم بقوله يدا بيد
والربا في النقدين عندنا معلل بكونهما جوهري الأثمان فيتعدى إلى الحلي وكل ما يتخذ منهما ولا يتعدى إلى غيرهما وكذلك عند مالك وقال أبو حنيفةمعلل بالوزن والجنسية
وعلة الربا في الأشياء الأربعة عندنا الطعم والجنس
وقال أبو حنيفة العلة مركبة من الكيل والجنسية ومذهب ابن المسيب أن العلة هي الطعم في الجنس والتقدير وهو قول قديم للشافعي رضي الله عنه
والجنسية عندنا محل العلة فهي بمجردها لا تحرم النساء بل يجوز إسلام الثوبفي جنسه خلافا لأبي حنيفة ويجري الربا عندنا في دار الحرب خلافا له
وإذا اشترى الشيء بأقل مما باعه نقدا صح العقدان عندنا
وقال مالك بطل العقدان لأنه ذريعة إلى الربا
وقال أبو حنيفة بطل العقد الثاني
وأدلة هذه المسائل مستقصاة في الخلاف
والنظر الآن إنما يطول في الربا الفضل فان التقابض وتحريم النسيئة فرعان له يجريان في كل عينين جمعتهما قرينة الجنسية من النقدية أو الطعم والكلام يتعلق بأطراف
الطرف الأول فيما يجري الربا فيه بعلة الطعم

وهو كل ما ظهر منه قصد الطعم وان ظهر منه قصد آخر ويدخل فيه الفواكه والأدوية ومنه الطين الأرضي وكذا الطين الذي يؤكل سفها على الصحيح وكذا الزعفران وان قصد منه الصبغ وكذا الماء فانه مطعوم
وفي دهن البنفسج ودهن الكتان وودك السمك خلاف وقطع العراقيون بأن الربا لا يجري فيها لأنها لا تؤكل في حالها على عموم ولا على الندور بل دهن الكتان للاستصباح وودك السمك لطلي السفن
أما دهن البنفسج قال العراقيون القول المنصوص فيه انه يجري فيه الربا لأن الناس لا يتناولونه ضنة به وفيه قول قديم مخرج
ومن أصحابنا من أجرى الربا في الكل نظرا إلى الأصل الذي منه الاستخراج وإعراضا عن الحال
الطرف الثاني في الخلاص من ربا الفضل

والمطعوم ينقسم فالذي يعتاد تقديره تحصل المماثلة فيه بمعيار الشرع والعبرة فيه بعصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يوزن مكيل في عصره ولا يكال موزون فإن فعل فلا أثر له في الصحة
وان وجد شيء لا يعرف له معيار في عصره فخمسة أوجه
أحدهما الوزن لأنه احصر
الثاني الكيل لأنه أعم
الثالث التخيير للتعادل
الرابع يرجع إلى عادة أهل العصر وهو الأفقه
الرابع يرجع إلى معيار اصله أن كان مستخرجا من أصل
ويجوز الكيل بقصعة لا يعتاد الكيل بها كما يجوز التعديل بالوضع في كفتي الميزان وللقفال في الكيل بالقصعة تردد
أما إذا باع صبرة بصيرة جزافا فهو باطل وإن خرجتا متماثلتين خلافا لزفر
أما غير المقدر كالبطيخ والسفرجل والقثاء والبيض والجوز مما له كمال في حالة جفافه فلا يباع بعضه بالبعض في حالة الرطوبة أصلا وإن لم يكن له حالة جفاف فوجهان أحدهما جواز البيع بالوزن متساويا والثاني أنه لا يجوز إذ ليس للشرع فيه معيار ولا للعادة
ثم إن جفف نادرا ففي بيع بعضه بالبعض وزنا وجهان مرتبان على حالة الرطوبة وأولى بالجواز ووجه المنع أن الجفاف نادر فيه غير مقصود فيلحق بحالة الرطوبة كأنه لم يوجد الجفاف والجواز أقيس
الطرف الثالث في الحالة التي تعتبر المماثلة فيها

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقال السائل نعم فقال فلا إذا منع وعلل بتوقع النقصان بالنسبة إلى حالة الجفاف فدل على أن المطلوب التماثل بالإضافة إلى تلك الحالة فلا يباع الرطببالرطب والعنب بالعنب وان تماثلا لان تفاوت النقصان عند الجفاف لا ينضبط
وقال أبو حنيفة رحمه الله يجوز بيع الرطب بالرطب والتمر بالتمر جميعا
وما تختلف حاله من المطعومات ثلاثة الفواكه والحبوب والمعروضات على النار أما الفواكه فكل ما يجفف للادخار يحرم بيعه في حالة الرطوبة
فروع أربعة

أحدها الرطب الذي لا يتهمر فيه وجهان أحدهما منع البيع لأن له حالة جفاف على الجملة والرطوبة توجب تفاوتا والثاني الجواز لأنا فهمنا رعاية المماثلة في أكمل الأحوال وفي أشرف الأشياء والشرف في الطعم وكمال الحال في الرطوبة فيما يفسد بالجفاف وعلى هذا لا يجوز بيع رطبه بالتمر
هذا مدلول كلام الأصحاب وينقدح جوازه كما جاز بالرطب
الثاني المشمش والخوخ وما يجفف على ندور فيه ثلاثة أوجه أحدها المنع لأن له حالة جفاف والثاني الجواز لأن الرطوبة أكمل أحواله والثالث المنع رطبا ويابسا إذا لم يتقرر له حالة كمال وللعنب في الكمال حالتان الزبيب والخل
الثالث يباع الزيتون بالزيتون واللبن باللبن وهي أحوال كمالها فإن الزيت والسمن وما إليه مصيرهما ليس من جنسهما
الرابع يحرم بيع التمر بعد نزع النوى لأنه يفسد كماله وادخاره وللعراقيين فيه وجه واللحم يباع البعض بالبعض في حالة التعدد بعد نزع العظم ومع العظم لا لأن الإصلاح في نزعه
وقيل إنه يجوز بيع اللحم في حالة الرطوبة باللحم لأن التقدير فيه كالنادر وقيل إن نزع العظم غير واجب وهو بعيد
وأما المشمش والخوخ منهم من ألحقهما بالتمر ومنهم من ألحقهما باللحمفي وجوب نزع النوى أو منعه
أما الحبوب فلا خلاص عن الربا فيها بالمماثلة إلا في حالة كمالها وهو أن يكون حبا فكمال البر في حالة كونه برا إلا أن تكون مقلية أو مبلولة أو كشكا مهرسا فان كل ذلك يفسد الادخار والأرز لا يبطل ادخاره بتنحية قشرته
وفي الجاورش تردد فان خرج عن كونه حبا فلا خلاص فيها بالمماثلة كالدقيق والسويق والكعك والخبز وسائر أجزاء البر
وللشافعي نصوص قديمة في أجزاء البر مضطربة ولكن قرار المذهب ما ذكرناه
نعم السمسم وماله دهن من الحبوب يجوز بيع الدهن بالدهن منه متماثلا لأنه أيضا حالة كمال
أما اللبن فكماله أن يكون لبنا ويباع الزبد بالزبد أيضا كما في دهن السمسم بدهن السمسم وكذا المخيض بالمخيض إلا أن يكون فيه ماء
ويباع اللبن بالرائب المنعقد وان كان خاثرا إلا أن يكون معروضا على النار وأجزاء اللبن كالمصل والأقط والجبن لا يباع بعضها ببعض ولا بالمخيض ولا باللبن لمفارقة حالة الكمال وأجزاء اللبن كالدقيق والخبز مع البر
أما المعروضات على النار فهي مفارقة لحالة الكمال ومنه اللحم المشوي والمطبوخ والدبس
أما السكر والفانيذ والقند واللبأ وهو لبن عرض على النار أدنى عرض والعسل المصفى بالنار في كل ذلك خلاف لضعف أثر النار والعسل المصفى بالشمس حاله حال كمال وفاقا
والصحيح جواز بيع العسل بالعسل وان عرض على النار لان ذلك للتمييز فهو كبيع السمن بالسمن فانه جائز وان كان لا يجوز بيع السمن بالزبد لان اثر النار عند ذلك يظهر التفاوت
الطرف الرابع في اتحاد الجنس واختلافه

والنظر في اللحوم والألبان والأدقة والأدهان والخلول والحلاوات
أما اللحوم ففيها قولان أصحهما وهو اختيار المزني أنها أجناسلاختلاف الحيوانات وكيف يجانس لحم العصفور لحم الإبل والثاني أنها جنس لأنها اندرجت تحت اسم واحد لا يتميز بعضها إلا بالإضافة كأنواع التمر والعنب
وعلى هذا في البري مع البحري وجهان لأنا قد لا ندرج الحوت تحت اسم اللحم في التمييز
وان قلنا إنها أجناس فأنواع الغنم من الضأن والمعز جنس واحد وكذا أنواع الحمام من الدبسي والفواخت والبحريات جنس واحد إن أطلقناه أحللنا الكل بتسميتها حوتا وان لم ندرجها تحت اسم الحوت فهي أجناس
فان قيل الكرش والكبد والطحال والرئة والأمعاء وما يختص باسم واحد خاص ما حكمها
إن قلنا إن اللحوم أجناس فهذه مع اختلاف الأسامي أولى وان قلنا أنها جنس فهذا ينبني على اليمين فكل ما يحنث الحالف على تناول اللحم بتناوله فهو جنس اللحم وكل ما لا يحنث به ففيه وجهان لان اليمين يبنى على الاسم لا على حقيقة الجنسية والمذهب أن الحالف على اللحم لا يحنث بشيء من ذلك ويحنث بالروس والأكارع ولا يحنث بالشحم والإلية ويحنث بسمين اللحم
وألحق المراوزة القلب باللحم وألحقه العراقيون بالكبد
فان قيل هل يجوز بيع اللحم بالحيوان
قلنا لا إذ ورد النهي فيه وذلك في بيع لحم الغنم بالغنم
أما البقر وغير الغنم يبنى على اتحاد الجنس إن قلنا اللحوم جنس حرم وان قلنا أجناس فقولان أقيسهما الصحة إذ فهمنا تقدير اللحم بالحيوان إذا قوبل بجنسه إذ لو استرسلنا على العموم انجر إلى منع بيع اللحم بالحمار وبالعبد
ونحن قد نخصص العموم بقرينة معنوية تفهم من اللفظ كتخصيصنا اللمس بغير المحارم وحرمان الميراث بمن ليس مستحقا للقتل حتى لا يحرم المقتص والجلاد أما الأدقة فهي أجناس مختلفة
والمذهب أن الألبان كاللحوم لأنها أجزاؤها انحصرت منها والأدهان مختلفة وقيل يخرج على قولي اللحوم
أما الدهن والكسب فجنسان كالسمن والمخيض والخلول كالأدهان
وفي خل العنب وعصيره وجهان أظهرهما اختلاف الجنس وان كان ذلك بغير الصفة لان تغيير الصفة قد يجعل غير الربوي ربويا والظاهر أن السكر والفانيذ جنسي لان اصلهما القصب والتفاوت يسير
الطرف الخامس في قاعدة مد عجوة

وضبط القاعدة أن الصفقة مهما اشتملت على مال الربا من الجانبين واختلف الجنس من الجانبين أو من أحدهما فالبيع باطل ولأجله يبطل بيع الهروي بالهروي وبالنقرة وبالنيسابوري وكذلك بيع المعجونات والمخلوطات بعضها ببعض وكذلك الشهد فانه عسل وشمع وكذا الجبن ففيه ماء وملح وكذا خل الزبيب ففيه ماء وبيع مد ودرهم بمدين أو درهمين أو مد ودرهم باطل
والأصل فيه ما روى فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقلادة فيها ذهب وخرزتباع بالذهب فأمر بنزع الذهب وقال الذهب بالذهب وزنا بوزن
ولان ما في أحد الجانبين إذا وزع على ما في الجانب الثاني باعتبار القيمة أفضى إلى المفاضلة أو الجهل بالمماثلة
وهذا المعنى يجري في اختلاف النوع فنص الشافعي على انه لو راطل مائة دينار عتق ومائة دينار رديء بمائتي دينار وسط بطل العقد
وهذا مشكل مع تحقق المماثلة في الوزن بين العوضين ولكن التوزيع باعتبار القيمة يفضي إلى المفاضلة
وكان إمام الحرمين يخالف المذهب في مسألة المراطلة ويبطل التعليل بالتوزيع ويعلل بالجهل بالمماثلة وذلك يجري عند اختلاف الجنس
فروع ثلاثة

الأول إذا باع خمسة دراهم مكسرة وخمسة صحاحا بعشرة مكسرة أو صحيحة فيه وجهان ذكرهما الأصحاب أحدهما البطلان كما في مسألةالمراطلة لأن القيمة تختلف بالصحة والتكسر والثاني الصحة إذ الغالب جريان المسامحة باشتمال الدراهم على مكسرات فصفة الصحة في محل المسامحة فهو خارج عن القصد بخلاف العتق والرداءة في الذهب بل هذا كاشتمال الصاع على تميزات رديئة لو ميزت لنقص قيمتها بالإضافة إلي غيرها ولا خلاف أن ذلك غير منظور إليه
الثاني إذا باع الحنطة بالشعير وفي أحدهما حبات من جنس الآخر إن كان مقدارا يقصد اختلاطه أو تحصيله فهو مانع وإلا فلا
وكذلك إن بيع الحنطة بالحنطة وفيهما تراب إن كان يظهر أثره في المكيال فباطل لأنه يتفاوت القدر وتجهل المماثلة ويرعى في الحبات من جنس الآخر ظهور قصد المالية لا النقصان في المكيال
الثالث بيع الشاة اللبون بالشاة اللبون باطل لان اللبن مقصود مع الشاة
وفي بيع دار فيها جمة ماء بمثلها وجهان إذا قلنا الماء ربوي لان الماء لا يقصد عينه مع الدار واللبن مقصود مع الشاة
وسوى أبو الطيب بن سلمة بين اللبون وبين مسألة الدار في المنع
فان قيل ما الفرق بين التمر والشهد وفي التمر نوى كما أن في الشهد شمعا قلنا النوى من صلاح التمر وليس الشمع من صلاح العسل فلم يعد جزءا منه
فان قيل إذا جوزتم بيع اللبن باللبن ولم تقدروه سمنا ومخيضا فلم منعتم بيع السمن باللبن وهلا قلتم لا يقدر السمن في اللبن كما لم يقدر إذا قوبل اللبن باللبن قلنا لان الجنسية معلومة بين اللبنين فلا يحتاج إلى تقدير ولا تمييز بين السمن والمخيض فيه حتى نحكم باجتماع الجنسين وإذا قوبل السمن باللبن لم يمكن إطلاق القول بالجنسية ولا باختلاف الجنس لأن فيه من جنسه فغلب جانب التحريم
الباب الثالث في فساد العقد من جهة نهي الشارع عنه

وعندنا أن مطلق النهي عن العقد يدل على فساد العقد إلا إذا ظهر تعلق النهي بأمر غير العقد اتفق مجاورته للعقد
كقوله تبارك وتعالى { فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } فحكم بصحة البيع في وقت النداء إذ علم قطعا أن النهي عن البيع لا لأمر راجع إلى عينه فانه غير محذور والمحذور ترك الجمعة وقد حصل البيع وهو غير متعلق بمقاصد البيع فلم يتأثر به
فإذن المناهي قسمان
القسم الأول ما لم يدل على الفساد وهي خمسة
الأول نهيه صلى الله عليه وسلم عن النجش

قال الشافعي ليس ذلك من أخلاق ذوي الدين
والنجش هو الرفع والناجش من يطلب سلعة بين يدي الراغب فيها بأكثر من قيمتها وهو لا يريدها ليرغب فيها المستام
فهذه خديعة محرمة ولكن العقد صحيح من العاقدين والإثم يلحق غيرهما ثم لا خيار إن لم تجر مواطأة من البائع وان جرى فوجهان
أحدهما لا كما لا يثبت بالغبن في كل بيع
والثاني نعم لأنه غبن استند إلى تلبيس فضاهى غبن المصراة وصورة تلقي الركبان
الثاني قوله عليه السلام لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه ولا يسومن على سوم أخيه

فإذا كان المتعاقدان في مجلس العقد فطلب طالب السلعة بأكثر من الثمن ليرغب البائع في فسخ العقد فهذا هو البيع على بيع الغير وهو محرم لأنه إضرار بالغير ولكنه منعقد لأن نفس البيع غير مقصودة بالنهي فإنه لا خلل فيه وكذلك إذا رغب المشتري في الفسخ لغرض سلعة أجود منها بمثل ثمنها أو مثلها بدون ذلك الثمن
والسوم على السوم أن يطلب السلعة بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين قبل البيع
وإنما يحرم على من بلغه الخبر فان تحريمه خفي قد لا يعرفه كل واحد بخلاف النجش فان تحريم الخداع جلي في الشرع
ثم قالت المراوزة الخطبة على الخطبة أيضا محرمة كالسوم ولكن سكوت الولي ثم كالإجابة على أحد القولين كما ذكرناه في النكاح والسكوت في البيع لا يحرم السوم
وقال العراقيون لا فرق بل التعويل على فهم الرضا بالقرينة في المسألتين فيحرم ذلك بعد فهم الرضا بالإجابة فيهما وهذا أفقه
الثالث نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يبيع حاضر لباد

وهو أن يأتي البدوي البلدة ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصا فيقول له البلدي اتركه عندي لأغالي في بيعته
فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير والبيع إذا جرى مع المغالاةمنعقد وهذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها فان كانت سلعة مما لا تعم الحاجة إليها وكثرت الأقوات واستغني عنه ففي التحريم وجهان يعول في أحدهما على عموم ظاهر النهي وحسم باب الضرر وفي الثاني على معنى الضرر
الرابع قوله صلى الله عليه وسلم لا تتلقوا الركبان بالبيع فمن تلقي فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق

وصورته أن يستقبل الركبان ويكذب في سعر البلد ويشتري بأقل من ثمن المثل فهو تغرير محرم ولكن الشراء منعقد
ثم إن كذب وظهر الغبن ثبت الخيار وإن صدق فوجهان يعول في أحدهما على عموم النهي وفي الآخر على معنى الضرر
فجامع هذه المناهي يرجع إلى عقد لا خلل فيه ويتضمن إضرارا ولأجله نهى عليه السلام عن الاحتكار وهو ادخار الأقوات للغلاء ونهى عن التسعير لان تصرف الإمام في الأسعار يحرك الرغبات ويفضي إلى القحط وقال العلماء يكره بيع السلاح من قطاع الطريق وبيع العصير من الخمار لأنه إعانة على المعصية والإضرار
الخامس نهى عن التفريق بين الوالدة وولدها في البيع

والظاهر أن الوالد في معنى الوالدة ولا يتعدى إلى غيرهما من الأقارب وفي الجدة احتمال
ثم يختص بما قبل التمييز فلا يجري فيما بعد البلوغ وفيما بين السنين وجهان
وفي فساد هذا البيع قولان أحدهما لا لأن النهي راجع للأضرار فيحرم ولا يفسد البيع إذ لا خلل في نفسه والثاني أنه لا ينعقد لان التسليم تفريق وهو محرم والممنوع شرعا كالممتنع حسا فيلحق بالعجز عن التسليم
ويقرب من هذا بيع السلاح من أهل الحرب قال الأصحاب هو باطل لأنهم لا يعدون إلا لقتالنا فالتسليم إليهم إعانة محرمة وفيه وجه آخر أنه محرم وينعقد كالبيع من قطاع الطريق وهو منقاس ولكنه غير مشهور
القسم الثاني من المناهي ما حمل على الفساد

وذلك إما لتطرق خلل إلى الأركان والشرائط التي سبقت في البابالأول أو لأنه لم يبق للنهي متعلق سوى العقد منفصلا عنه فحمل على الفساد وهي ثمانية
الأول نهيه عن بيع حبل الحبلة وله تأويلان

أحدهما أن يبيع بثمن إلى اجل وهو وضع نتاج الناقة فإنه اجل مجهول يطرق جهلا إلى الثمن
والثاني بيع نتاج النتاج قبل الوجود على عادة العرب وهو بيع ما ليس بمملوك ولا مقدور ولا معلوم
الثاني نهيه عن بيع الملاقيح والمضامين
والملقاح هو ما في بطن الأم
والمضامين ما هو في أصلاب الفحول فهي غير مقدورة ولا معلومة
الثالث نهيه عن بيع الملامسة وله تأويلان

أحدهما أن يقول مهما لمست ثوبي فهو مبيع منك وهو باطل لانه تعليق أو عدول عن الصيغة الشرعية وقيل معناه أن يجعل اللمس بالليل في الظلمة قاطعا للخيار ويرجع ذلك إلى تعليق اللزوم وهو غير نافذ
ونهى عن بيع المنابذة وهو في معنى الملامسة فالنبذ كاللمس
وقيل معناه أن تتنابذ السلع وتكون معاطاة ولا ينعقد بها البيع عندنا
الرابع نهى عن بيع الحصاة

وهو أن يجعل رمي الحصاة بيعا أو يقول بعت منك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت أو بعت من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك فالكل فاسد لما سبق من المعاني
الخامس نهيه عن بيعتين في بيعة ذكر الشافعي رضي الله عنه تأولين
أحدهما أن تقول بعتك بألفين نسيئة أو بألف نقدا أيهما شئت أخذت به فاخذ بأحدهما فهو فاسد لانه إبهام وتعليق
والآخر أن تقول بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك وهو فاسد لانه شرط لا يلزم ويتفاوت بعدمه مقصود العقد وقد نهى مطلقا عن بيع وشرط وكذلك نهى عن بيع وسلف ومعناه أن يشترط فيه قرضا
السادس نهى عن ثمن الكلب والخمر

وهو معلل بالنجاسة فيتعدى إلى كل نجس عندنا
وصحح أبو حنيفة رحمه الله شراء الخمر للمسلم بوكالة الذمي إذا باشره الذمي وهو وكيل
السابع نهى عن بيع ما لم يقبض
وعن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان وعن بيع الكالئ بالكالئ وسيأتي تفصيله ونهى عن بيع الغرر وعن بيع اللحم بالحيوان وقد ذكرناه وقد نهى عن ثمن عسب الفحل وذلك لانه غير مقدور على التسليم
الثامن نهى عن بيع وشرط

فاقتضى مطلقه امتناع كل شرط في البيع والمفهوم من تعليله انه إذا انضم شرط إلى البيع بقيت معه علقة بعد العقد يتصور بسببها منازعة ويفوت بفواتها مقصود العاقد وينعكس على أصل العقد فيحسم الباب ولم يكن محذور هذا النهي منفصلا عن العقد فيدل على فساده أو فساد الشرط لا محالة
ويستثنى من هذا الأصل حال الإطلاق ستة شروط الأول أن يشترط ما يوافق العقد كقوله بعت بشرط أن تنتفع به وتتصرف كما تريد لا يبقى علقة
وكذلك إذا قال ألا يأكل إلا الهريسة ولا تلبس إلا الخز وما لا غرض فيه لانه ليس فيه علقة يتعلق بها نزاع يتغير به غرض فهو هذيان ساقط وهذا استثناء عن صورة اللفظ ولكنه منطبق على المعنى المفهوم الثاني شرط الخيار ثلاثة أيام فما دونه بشرط أن يكون معلوما وان لا يكون زائدا
وسببه الحاجة لكثرة الغبينة وعرف ذلك بنص الأحاديث الثالث شرط المهلة في الثمن إلى ميقات معلوم عرف ذلك بالنص ويتأيد ذلك بالحاجة العامة الرابع شرط الوثيقة في الثمن بالرهن أو الكفيل أو الشهادة عرف ذلك بالنص ويعلل بعموم الحاجة لكي يعرف الكفيل بتعيينه والمرهون بتعيينهأن الغرض يتفاوت به ولا يشترط تعيين الشهود إذ لا يتفاوت الغرض وهل يشترط تعيين من يعدل الرهن على يده فيه وجهان
ولو عين الشهود فهل يتعين فيه وجهان أحدهما يتعين كالكفيل والثاني لا كتعيين الميزان إذا لا أرب فيه
فان قلنا لا يتعين فلا يفسد به العقد بل هو لاغ لا يتأثر العقد به
ولو شرط أن يكون المبيع رهنا بالثمن
قال الشافعي رضي الله عنه البيع مفسوخ قال الأصحاب ذلك يبنى على قولنا البداية في التسليم بالبائع او فان قلنا البداية بالبائع أو يجب التسليم عليهما فيتخيران بالمشتري أو يتساويان ليكون الشرط مغيرا مقتضى العقد
وتعليله أن التسليم إذا وجب عليه بمقتضى العقد فاشترط أن يكون البيع رهنا في يده على الثمن فقد غير مقتضى العقد في إيجاب التسليمفيفسد
وان قلنا البداية بالمشتري فوجهان أحدهما الصحة إذ لا مانع والثاني البطلان لان يد البائع يد ضمان وليس يد المرتهن يد ضمان بل يد أمانة فهما ضدان فلا يجمع بين حكميهما في حال واحدة والأول أظهر
ثم هذه الشروط إذا صححت فلو امتنع المشتري عن الوفاء بالكفيل والرهن والإشهاد ثبت له الخيار في البيع ولو أجاب فامتنع البائع من قبول الرهن مثلا فيجبر أم يخير بين القبول وبطلان الخيار فيه تردد ذكره صاحب التقريب
ويثبت الخيار مهما تلف المرهون قبل التسليم وكذلك إذا خرج العين المعين للرهن معيبا وهو لم يطلع عليه ولو تلف بعد القبض في المرهون فلا خيار
ولو اطلع بعد فواته في يده على عيب ففي ثبوت الخيار في اصل البيع وجهان
أحدهما لا لانه لم يتمكن من الرد
والثاني نعم إذ بان أن ما سبق لم يكن وفاء بالملتزم
فان قيل فهذه الشروط لو فسدت بجهالة أو غيرها أو ذكر شرطا ليس في هذه الأقسام المستثناة وحكم بفسادها فهل يفسد العقد وتبقى علته وذلك في الأجل والخيار وغيره
وفي شرط الوثيقة قولان ووجه الفرق أنها أمور مستقلة منفصلة ففسادها لا يوجب فساد العقد بل يلغو
والاقيس الأول لانه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع وشرط والمقصود بالنهي البيع فليفسد العقد بمطلق النهي ولان ما يستقل بنفسه إذا ضم إلى العقد تأثر به فاشبه الخيار والأجل
وحكى صاحب التقريب والشيخ أبو علي نصا غريبا أن البيع لا يفسد بالشرائط الفاسدة بل يلغو الشرط كما في النكاح وحكاه أبو ثور أيضا عن الشافعي وهو بعيدة الخامس مما استثني عن النهي شرط العتق في المبيع لما روى أن بريرة قالت لها عائشة رضي الله عنها لو باعك أولياؤك لصببت لهم ثمنك صبا فقال السادة لا نفعل ذلك إلا بشرط أن تعتقك ويكون الولاء لنا فذكرت عائشة رضي الله عنها ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام اشتري واشترطي لهم الولاء ثم قام خطيبا فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل في خطبة طويلة فأذن في ذلك ولا يأذن في باطل وأنكر هذا التكليف عليهم مع الإذن في الإجابة
وخرج بعض الأصحاب قولا أن شرط العتق كسائر الشروط الفاسدة وهو القياس وهو مذهب أبي حنيفة ولكنه لا وجه له بتأييد القول الغريب به وهو أن العقد صحيح والشرط فاسد
وتأويل الحديث انه إذن في العقد والشرط أما العقد فصحيح واما الشرط فغير لازم ولكن كان يثق بعائشة أنها تفي بالشرط تكرما وهذا أولى كي لا يكون مناقضا للقياس والتأويل بالقياس غير ممنوع
ونص الشافعي رحمه الله على ما ذكرناه وهو موافقة الحديث في تصحيح الشرط والعقد
أما المصير إلى فساد العقد فلا يعقل له وجه مع الحديث بحال ولو قال به قائلون
والتفريع به على النص في صحة الشرط فعلى هذا لو شرط الولاء للبائع فوجهان أحدهما يصح وله الولاء لقصة بريرة رحمها الله وانه عليه الصلاة والسلام لا يأمر بفساد
والثاني المنع فانه في غاية البعد عن القياس واحتمال تقدير مساهلة من الشارع في هذه المشارطة أهون من تشويش قاعدة القياس
وهذا أيضا يشوش التعلق بالنص في اصل الشرط فليقبل النص جملة وتفصيلا
فان قيل العتق المستحق بعد صحة الشرط لمن هو
قلنا اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال هو حق الله تعالىكأنه التزم العتق بشرطه فاشبه النذر ومنهم من قال هو حق البائع لانه ثبت بشرطه
ويبتنى عليه ثلاثة أمور
أحدهما أنه هل تثبت له المطالبة
فان قلنا حقه فنعم وان قلنا حق الله تعالى فوجهان
أصحهما انه يملك الطلب إذ ثبت بشرطه وتعلق به غرضه وان كان لله تعالى فيه حق الثاني انه هل يسقط اللزوم بعفوه
وان قلنا حق الله تعالى فلا وان قلنا حقه فوجهان إذ رب الحق لا يقبل الإسقاط إفرادا كالأجل ويطرد هذا في عفو مستحق الكفيل والرهن
وعلى الاحتمالين لا يجري إعتاق المشتري إياه عن الكفارة لتعلق استحقاق الغير به
الثالث إذا امتنع المشتري من الإعتاق ذكر صاحب التقريب قولين
أحدهما ثبوت الخيار للبائع كما في الامتناع من الكفيل والرهن
والثاني انه يجبر على العتق كما يجبر المولى على الطلاق
وهذا يلتفت على انه حق الله تعالى فلا وجه لإسقاطه بفسخ البائع ولا بإجازته ورضاه بعدم العتق
فرع

لو مات العبد قبل اتفاق العتق فقد تصدى تفويت حق البائع من العتق إلى غير بدل أو إيجاب بدل بعد زوال ملكه وسلامة الثمن له
فاختلف الأصحاب منهم من قال يفسخ العقد فيسترد الثمن ويضمن المشتري القيمة حذارا عن ارتكاب محال
ومنهم من قال الانفساخ بعد القبض من غير سبب أيضا محال فيغرم المشتري قدر التفاوت بين قيمته مع الشرط وقيمته دون الشرط
والثالث أن الغرم لا بد منه ولكن يغرم مثل نسبة هذا التفاوت من الثمن لا من القيمة بعينها وهذا أعدل الوجوه السادس إذا شرط في البيع وصفا ناجزا ليس يتوقف على إنشاء أمر بعده وذلك ينقسم إلى ما يرجع إلى عين والى ما هو وصف محض
أما الوصف المحض فيصح شرطه كقوله بعت العبد على انه كاتب أو خباز ثم أن اخلف ثبت له الخيار
أما ما يرجع إلى العين كقوله بعت الجارية على أنها حبلى وكذا البهيمة ففيه قولان أحدهما البطلان لانه يرجع إلى شرط إدراج الحمل في البيع فكأنه قال بعت الجارية وحملها بدينار فيلتفت على تفريق الصفقة ووجه الأول أن الحمل كالوصف في الحيوان
أما إذا شرط في الشاة أن تكون لبونا منهم من قال هو كوصف الحرفة والكتابة فانه ليس بشرط وجود اللبن في الحال فاللبن يتحصل بصفة غريزية ناجزة واللبن من ثمرتها
ومنهم من قال هو كالحمل فيخرج على القولين
ولو شرط حشو في الجبة فهو من قبيل الحمل وأولى بالصحة لان الحشو يعلم وجوده والحمل يتردد فيه
ولسنا نشترط رؤية حشو الجبة على قول منع بيع الغائب لان الجبة قد تقصد على هذا الوجه
وكذلك لا نشترط أن يرى من الدار كل ضبة وسلسلة على باب لانه صار وصفا وتبعا
أما إذا قال بعتك هذه الصبرة على أنها ثلاثون صاعا فالشرط صحيح فان خرج كذلك فلا كلام
وان زاد لم يصح في الزائد وفي الباقي يخرج على قولي تفريق الصفقة
وان نقص ففي صحته في ذلك القدر خلاف يلتفت على ما إذا قال بعت منك هذه النعجة فإذا هي رمكة
ففي قول يعول على الإشارة وفي آخر يعول على العبارة وانما صححنا الشرط ولم نفسد العقد في الأصل لان كثرة الصيعان في حكم الوصف للصبرة
فروع ثلاثة

أحدها إذا قال بعتك ولم يذكر الثمن فسد والمبيع مضمون في يد المشتري أن قبضه وان لم يذكر الثمن لان البيع يقتضي بمطلقه طلب عوض
وان قال بعتك بلا ثمن فهل ينعقد هبة ذكر القاضي قولين أحدهما نعم لانه أفاد معناه وهو التمليك مجانا والثاني لا لان اللفظ متهافت فان البيع يقتضي ثمنا
فان قلنا لم ينعقد ففي الضمان على المشترى إذا قبض وجهان أحدهما يجب ككل شراء فاسد والثاني لا لان علة الضمان انه لم ينزل عنه إلا ببدل فليرد إليه او بدله وها هنا نزل عنه مجانا
الثاني إذا استثنى حمل الحيوان عن البيع ففيه وجهان
أحدهما الصحة كما لو كان الولد حرا فان بيع ألام صحيح على الظاهر
والثاني لا لان المبيع معرض لغرر بسبب غير المبيع
الثالث إذا قال اشتريت منك هذا الزرع بدينار على أن تحصده ليمن أصحابنا من قال يفسد لانه شرط فعلا في عقد فكأنه يبغي منه فعلا مع المبيع
ومنهم من قال لا بل معناه اشتريت منك هذا الزرع واستأجرتك على حصاده بدينار فالدينار ثمن واجرة فهو جمع بين الإجارة والبيع فيخرج على قولي تفريق الصفقة في الجمع بين مختلفات الأحكام
فان جوزنا الجمع بين البيع والإجارة على الجملة فهذا يلتفت على اصل آخر وهو أن أحد شقي عقد الإجارة على العمل في الزرع جرى قبل ملك الزرع والاستئجار على العمل في ملك الغير غير جائز فيخرج على وجهين فيما إذا قال لعبده كاتبتك وبعتك ثوبي هذا بألف فقال العبد قبلت واشتريت لانه جرى إيجاب البيع قبل أن صار العبد أهلا للبيع منه ولكن تأخر القبول عنه والمسألة محتملة
هذا تمام القول في الشرائط الفاسدة وما فسد منها وافسد العقد قبل اللزومفان الملك وان لم ينقل ها هنا ألا أن المقابلة بالعقد حاصلة فلا ينقلب صحيحا بالحذف في مدة الخيار ولا في مجلس العقد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وكذلك الجهالة المفسدة إذا رفعت في المجلس لم ينتفع
أما الشرط الصحيح إذا الحق بالعقد في المجلس كالخيار والأجل أو زيادة الثمن والمثمن ففيه وجهان أحدهما المنع كما بعد اللزوم والثاني انه يصح لان المجلس كأنه حريم العقد وأوله وهذا يفسده قولنا أن حذف الجهالة في المجلس لا يغني فيعلل هذا التفريع على قولنا الملك غير منتقلفقبل العوض والزيادة والنقصان وهذا أيضا مشكل على قياس مذهب الشافعي رحمه الله في المنع من إلحاق الزوائد والشروط
الباب الرابع في فساد العقد لانضمام فاسد إليه وهو المعروف بتفريق الصفقة وذلك له ثلاث مراتب
المرتبة الأولى
أن يجري في الابتداء كما لو باع ملكه وملك الغير في صفقة واحدة فسد في ملك الغير وفي ملكه قولان
أحدهما الصحة لان الصحيح لم يتأثر بالفاسد فلا يفسد بمساوقته
والثاني الفساد لعلتين
أصحهما أن الصحيح تأثر به إذ صار ما يخصه من الثمن مجهولا وجميع المستحق ثمنا ينبغي أن يعلم وحصة ملكه من الجميع لم يعرف مبلغه فصار كما إذا قال بعت منك عبدي هذا بما يخصه من الألف لو وزع عليه وعلى قيمة عبد فلان
والثانية أن الصيغة المتحدة إذا فسدت في بعض مسمياتها لم تقبل التبعيض وهذه العلة توجب الفساد بحكم التفريق في النكاح أيضا
وان عللنا بجهالة العوض لم يجز في الرهن والهبة إذ لا عوض فيهما ولا في النكاح فان الجهل فيه بالعوض لا يفسد ولا فيما تتناسب أجزاؤه كعبد مشترك انفرد أحدهما ببيعه فانه يعلم أن النصف مشترى بالنصف والثلث بالثلث وكذا في سائر الأجزاء المتناسبة
وان فرعنا على الصحة ثبت الخيار للمشتري فإن فسخ فذاك وان أجاز فبقسطه من الثمن
وفيه قول آخر انه يخبر بكل الثمن حذارا من أن يكون مبلغ الثمن المستحق غير معلوم وكأن هذه زيادة فاسدة لم تقبل العوض كالعيب وهو بعيد
والصحيح أن البائع لا خيار له وان أجيز بقسط من الثمن لانه سلم له كل بدل ملكه هذا إذا باع مملوكا ومعصوبا فان ضم إلى المملوك حرا فالخلاف مرتب والفساد أولى إذ تقدير قيمة الحر أبعد فإن ضم إليه خمرا أو خنزيرا أو كلبا فمر به على الحر والفساد أولى إذ لا بد من تقدير صفة خلقته لمعرفة القيمة
ثم إن صححنا فقد قيل يقدر الخنزير نعجة والخمر خلا ليمكن تقويمه وهو بعيد
بل الأصح أن تقدر قيمته على حاله عند من له قيمة عنده
أما إذا ضم إلى الصحيح غائب مجهول لا مطمع في معرفة قيمته فيتعين إبطال العقد إلا على القول الضعيف في أن الإجازة تجري بكل الثمن فأما إن أجزنابقسطه لم نعرف مبلغه بحال
فان قيل قطعتم بالبطلان فيما إذا قال بعتك عبدي بما يخصه من الألف لو وزع على قيمته وقيمة عبد آخر عينه وترددتم في هذه المسألة فما الفرق
قلنا إن كان المتعاقدان عالمين بحقيقة الحال عند العقد بطل العقد إذ لا فرق هكذا قاله الشيخ أبو محمد وانما الخلاف عند الجهل إذ قد ظنا أن مبلغ الثمن معلوم حالة العقد وللظن تأثير في أمثاله كما سبق في نظائره في فصول علم المبيع ولا وجه إلا ما ذكره الشيخ أبو محمد رحمه الله
المرتبة الثانية التفريق في الدوام
وذلك بأن يتلف أحد العبدين قبل القبض على وجه ينفسخ فيه ففي الانفساخ في الباقي قولان مرتبان على العلتين
والصحيح انه لا ينفسخ لان الجهل محذور في الابتداء والعقد الآن قد استقر وعلى هذا يأخذ الباقي بقسطه
وقول التكميل ها هنا في نهاية الضعف لأن العقد قد سبق مقتضيا للتوزيع
التفريع

إن جوزنا تفريق الصفقة في الدوام فلو اشترى عبدين ووجد بأحدهما أو بهما عيبا وأراد إفراد واحد بالرد وهو المعيب فله ذلك
ولو أراد ردهما جاز أيضا وان كان المعيب واحدا لانه لم يسلم له كل المشترى
وفيه وجه انه لا يردهما إلا إذا كانا معيبين
ولا خلاف في أنه لو أراد رد نصف عبد لم يجز لان التبعيض عيب في حق البائع وان فرعنا على القول الآخر فليس له إفراد أحد العبدين بالرد أن رضي البائع فوجهان
أقيسهما المنع لان استحالة تفريق الصفقة الواحدة لا تختلف بالتراضي
والثاني الجواز وكأن هذا القائل يعلل بتضرر البائع برجوع بعض المبيع إليه
ولو كان الثاني تالفا فهل يمهل عذره في إفراد القائم فيه وجهان فان منعناه فلو ضم قيمة التالف إليه فهل يتمكن منه فيه خلاف مرتب على ما إذا أراد ضم ارش العيب الحادث إلى المبيع ورده بالعيب القديم
وها هنا أولى بالمنع لان النقصان في حكم تابع والعبد مستقل بنفسه فلا يجعل تابعا للقائم
فرع

لو حكمنا برد قيمة التالف ضما الى القائم فتنازعا في مقداره فالقول قول المشتري لانه الغارم والاصل براءة ذمته
ولو تلف أحد العبدين قبل القبض وقلنا يرد البائع ما يخصه دون الباقي فتنازعا ففيه قولان أحدهما أن القول قول البائع لانه الغارم برد بعض الثمن
والثاني بل القول قول المشتري لانه الذي يسلم بعض الثمن للباقي والمنازع يرجع إلى مزيد فيه يدعيه البائع وينكره المشتري
المرتبة الثالثة أن يجمع بين عقدين مختلفي الحكم في الفسخ والانفساخ

كالإجارة والبيع أو النكاح والبيع أو الصرف والسلم الذي ينفسخ بالتفرق قبلالقبض مع غيره مما لا ينفسخ به أو السلم في جنس واحد إلى آجال أو في أجناس إلى اجل واحد فيه قولان مرتبان على المرتبة الثانية وأولى بالصحة إذ آحاد هذه العقود صحيحة فلا مانع في الجمع في الحكم
ووجه الفساد أن انفساخ العقد في البعض لو جرى لانفسخ الباقي وذلك مترقب فان العقود المتفرقة لا تنتظم أحوالها في المآل فجعل المتوقع كالواقع وهذا بعيد جدا
فان قيل إذا كان سبب الفساد تفرقا واقعا في صفقة متحدة فبم يعرف اتحاد الصفقة وتعددها
قلنا إن اتحد البائع والمشتري والعوض اتحدت الصفقة وتتعدد بتعدد البائع قطعا وكذا بتعدد العوض فإذا قال اشتريت عبدك بدينار واستأجرت جاريتك بدرهم كانت الصفقة متعددة
فإذا قال اشتريت العبد واستأجرت الجارية بدينار فعند ذلك تتحد وفي التعدد بتعدد المشتري مع اتحاد البائع وصيغة العقد والعوض قولان أحدهما القياس على البائع والثاني الفرق فان المشتري كالقائل الثاني على الإيجاب السابق فالنظر إلى من منه الإيجاب أما إذا اتحد الوكيل وتعدد الموكل أو على العكس فثلاثة أوجه
أحدها النظر إلى الوكيل فانه العاقد
والثاني إلى الموكل فانه من يقع العقد له
والثالث أن النظر في الشراء إلى الوكيل لانه الذي يتعلق به العقد ظاهرا وفي البيع إلى الموكل لانه سفير لا يتعلق به حكم
التفريع

إن قلنا يتعدد بتعدد المشتري فلو قال لرجلين بعت منكما فقبل أحدهما دون الآخر ففيه وجهان أحدهما الصحة للتعدد
والثاني المنع لان الجواب غير منطبق على الخطاب وقد التبس جوابهما جميعا وهذا بعيد إذ نص الشافعي رضي الله عنه على انه لو خالع زوجتيه فقبلت إحداهما صح مع أن فيه معنى التعليق والمعلق بصفتين لا يحصل بإحداهما
ولا خلاف أنه لو قال لواحد بعت منك هذين الصاعين بدرهم فقال اشتريت أحدهما بنصف درهم لا يصح وإن فرعنا فعلى جواز تفريق الصفقة للخلل في القبول وعدم مطابقته للخطاب
وقطع الشيخ أبو علي بأنه لو قال لعبده زوجت منك أمتي فقبل إحداهما صح النكاح وفرق بينه وبين البيع ولا ينقدح فيه فرق من حيث انتظام الجواب والخطاب ولكن النكاح أبعد عن قبول الفساد بانضمام فاسد إليه فان غايته أن يكون ضم الفاسد إليه كشرط فاسد والنكاح لا يفسد به ولعله رأى تعدد الصفقة بتعدد الزوجة فان منصبها منصب العاقد لا منصب المبيع
إلا أن هذا التعليل تخدشه مسألة وهي انه لو اصدق امرأتيه عبدا ثم بان الفساد في نكاح إحداهما قال الشيخ أبو علي للزوج الخيار على التي صح نكاحها في نصف العبد حتى ينفسخ ويسلم مهر المثل حتى لا يتبعض عليه العبد قال وعرضت هذا على القفال فارتضاه
ولا تنفك هذه المسألة عن احتمال فإن المرأتين كالمشتريين للعبد فلا يبعد تعدد الصفقة بهما وسنذكر انفراد أحد المشتريين بالرد إن شاء الله تعالى
ولا خلاف أن أحد المشتريين لو وفى نصيبه من الثمن وقلنا الصفقة متعددة تسلم إليه حصته من المبيع
وان قلنا الصفقة متحدة فهما كالمشتري الواحد
وفيه إذا سلم بعض الثمن خلاف والظاهر انه لا يسلم إليه شيء من المبيع وان كان ينقسم كالحنطة مثلا ما لم يسلم تمام الثمن
وفيه وجه أنه يسلم بقدره لأن الثمن متوزع على المبيع لا كالدين في حق المرهون
فأما إذا كان لا ينقسم فلا خلاف في أنا لا نكلفه المهايأة في قدر ما سلم ثمنه لأن حق الجنس ضعيف لا يحتمل التسليم والاسترداد ولذلك يبطل بالإعارة
القسم الثاني في بيان لزوم العقد وجوازه

وهو أهم ما يذكر بعد بيان صحته وفساده والأصل في البيع اللزوم والجواز بأسباب خاصة فنعقد فيها ثلاثة أبواب
الباب الأول في خيار المجلس
الباب الثاني في خيار الشرط
في خيار النقيصة
الباب الأول في خيار المجلس وفيه فصلان
الفصل الأول في مجاريه

والأصل فيه قوله عليه السلام المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار
قيل معناه ألا بيعا شرطا فيه الخيار فلا يلزم بالتفرق
وقيل معناه ألا بيعا شرط فيه نفي خيار المجلس فيلزم بنفسه عند قومه ولما ثبت خيار المجلس بالحديث اختص بالبيع فكل ما يسمى بيعا من الصرف والسلم والإشراك أن شرك بينه وبين غيره بان يقول أشركتك في هذا البيع وهو مستعمل في البيع وكذلك التولية والصلح ثبت فيه الخيار قطعا
ويستثنى أربع مسائل
الأولى بيع شرط فيه نفي خيار المجلس وفيه وفي نفي خيار الرؤية
والعيب ثلاثة أوجه
أحدها لزوم العقد وصحة الشرط
والثاني فساد العقد لفساد الشرط
والثالث أن الشرط لاغ والعقد باق على مقتضاه
الثانية كل بيع يستعقب عتقا كشراء الوالد وشراء العبد نفسه من سيده لا خيار فيه لانه ليس عقد مغابنة
وقال أبو بكر الاودني يثبت الخيار في شراء القريب واستدل بقوله عليه السلام لن يجزي ولد والده حتى يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه فيدل على تعلق العتق باختياره وهو ضعيف
الثالثة إذا باع مال الطفل من نفسه فقد قيل لا خيار لانه لا يعقل في الواحد اجتماع وتفرق والصحيح ثبوت الخيار لانه في معنى شخصين نعم الخلاف يتجه في أن خياره ينقطع بمفارقة مجلس العقد أم لا ينقطع ألا بصريح الإلزام لانه ملازم نفسه أبدا ثم لاشك في انه يثبت له خياران واحد له على طفله وواحد لطفله عليه
الرابعة بيع الغائب وفيه وجهان أحدهما أنه كسائر البيوع
والثاني لا لانه بصدد خيار الرؤية وكل واحد منهما خيار يشتهى فلا يجتمعان في عقد واحد والأول أظهر
فان قلنا يثبت فوجهان أحدهما عند العقد وهو القياس
والثاني عند الرؤية إذ قبلها لا يتصور حقيقة الرضا
أما النكاح والرهن والهبة والكتابة وكل عقد جائز من الجانبين أو من أحدهما فلا خيار فيها لأنها ليست في معنى البيع وكذلك كل ما لا يسمى بيعا إلا في سبعة أمور
أحدها الإجارة وفي ثبوت خيار المجلس والشرط فيها ثلاثة أوجه وجهالإثبات أنها صنف من البيوع ووجه المنع أنه يؤدي إلى تعطيل المنافع فمدة الخيار بخلاف البيع وفي الثالث يثبت فيه خيار المجلس إذ الغالب انه يتصرم على قرب فلا وزن لتلك المنفعة بخلاف خيار الشرط
والمسابقة إذا قلنا إنها لازمة من الجانبين في معنى الإجارة ولكنها أبعد عن البيع قليلا
أما الإجارة الواردة على الذمة فيثبت فيها الخيار إذ لا يحذر فيها فوات منفعة والإجارة بيع تحقيقا
الثاني الإقالة ويثبت فيها الخياران على قولنا أنها ابتداء بيع
الثالث الحوالة وفيها وجهان على قولنا حكم المعاوضة غالب على الاستيفاء ووجه المنع أن وجود معنى الاستيفاء غير منكر وان كان مغلوبا
الرابع الهبة بشرط الثواب إن قلنا تنعقد بيعا ففيها وجهان كالخلاف في أنها هل تفيد الملك قبل القبض
الخامس القسمة ولا يثبت فيها خيار الشرط على الأصح لانه لا مدخل للفظ فيه وفي خيار المجلس على قولنا إنه بيع خلاف وان كان قهريا فلاوجه لإثبات الخيار أصلا
السادس الشفيع إذا بذل عوض المشفوع فما دام في مجلس بذل العوض هل يتخير في الرجوع وهي معاوضة محققة ولكنه قهري لا يتعلق باللفظ فيه وجهان
ولا يثبت خيار الشرط بحال
السابع الصداق والمشهور انه لا يثبت فيه الخياران
وحكى الصيدلاني قولين لانه عقد مستقل بنفسه لا ينفسخ النكاح بفسخه فكل هذه المسائل منشأ التردد فيها التردد في أنها هل هي في معنى البيع لاشتمالها على المعاوضة والمغابنة
فرع

العاقد في الصرف إذا الزم في المجلس ثم فارق قبل القبض انفسخ العقد وعصى أن فارق دون إذن صاحبه فانه ابطل عليه حقا لازما
وقال الشيخ أبو محمد لا يعصى لان علة القبض قائمة فلا يلزم ولا يثبت اللزوم قبل القبض ما دام في المجلس وان جرى صريح الإلزام
والظاهر أنه يلزم وإن كان ينفسخ بفوات القبض
الفصل الثاني في قواطع الخيار وهو قول أو فعل

أما القول فهو كل ما يصرح به كقولهما اخترنا والتزمنا ورفعنا الخيار أو ما يتضمنه كالعتق والبيع على ما سيأتي
وان انفرد أحدهما وقال التزمت لم يسقط خيار صاحبه ويسقط خياره على الأصح وفيه وجه من حيث إنه أثبت هذا الخيار للمتبايعين جميعا فلا يستقل به أحدهما
أما الفعل فهو الافتراق وذلك بالشخص والروح والعقل
أما التفرق بالشخص فهو أن يفارق صاحبه الى حد لو استقر فيه عدا خارجين عن مجلس التخاطب
ثم يبطل خيار القاعد أيضا لانه قادر على مساوقته ولو تساوقا في مشي أو سفينة دام الخيار إلى الافتراق
وفيه لطيف أنه لا يزيد على ثلاثة أيام فانه منتهى أمد الشرع في جواز البيع وتخصيص المجلس ها هنا جرى بناء على الغالب
أما التفرق بالروح فهو بالموت وقد نص الشافعي رضي الله عنه على بقاء الخيار للوارث ونص في المكاتب إذا مات في مجلس العقد أنه وجب العقد فمن الأصحاب من تكلف فرقا وهو أن الخيار للوارث والمكاتب لا وارث له والسيد ليس وارثا تحقيقا فانقطع خيار المجلس بموته إذ لم يمكن نقله
ومنهم من قال في المسألتين قولان منشؤهما أن المفارقة بالروح هل تنزل منزلة المفارقة بالشخص
ومنهم من قطع بالبقاء في المسألتين للوارث وللسيد لأنه حق مقصود فلا يبطل بالموت كخيار الشرط
نعم ينقدح الخلاف في أن الوارث إذا بلغه الخبر يدوم خياره بدوام مجلس بلوغ الخبر أم هو على الفور من حيث إن التفرق بالموت أبطل المجلس وبقي مجرد الحق فثبت اختياره على الفور
والوجه الآخر أن الحق إذا بقي بقي بوصفه ومثل هذا الخلاف جار فيما إذا مات وقد بقي من مدة خيار الشرط يوم وبلغ الوارث الخبر بعد تصرم ذلك اليوم أن بقية المدة هل تبقى في حقه من حيث إ تعين إبقاء الحق فوصف المدة والمجلس بعد جريان الاختصاص فيه قد بطل
أما العاقد الحي فينقطع خياره أيضا إن قطعنا خيار صاحبه وإلا فيبقى ويدوم إلى أن يستوفي الوارث خيار نفس إذا بلغه الخبر فإذا بطل خيار الوارث بطل خياره إذ ذاك وإلا فلا وقيل إن الحي لا يتصرف بالخيار بالفسح والإجارةقبل بلوغ الخبر إلى الوارث كي لا ينفرد أحد العاقدين وهو بعيد
ولو أكره أحدهما على الخروج أو حمل قهرا ففيه وجهان يقربان من الموت
وقيل إنه ينقطع بسقوط خياره إن كان مفتوح الفم فإنه قدر على الفسخ ولا وجه له فإن صدمة الحال قد تدهشه
ثم إذا نفينا خياره فمهما عاد إلى اختياره كان كالوارث يبلغه الخبر ولا فرق بين أن يحمل أو يكره على الخروج وان فرقنا في اليمين على قول لأن هذا حكم منوط بصورة المفارقة وذلك يتعلق بالحنث والمخالفة وللقصد فيه مدخل
وأما المفارقة بالعقل بأن جن أحدهما أو أغمي عليه فالظاهر أن الخيار يبقى للقيم والولي ولا يبطل بمفارقته بعد الجنون وفيه وجه مخرج من الموت أنه ينقطع إذ هذا الخيار بعيد عن قبول النقل وقد تعذر إبقاؤه للعاقد
فرع

إذا تنازع المتعاقدان في التفرق وجاءا متساوقين وقال أحدهما لم أفارقه بعد ولي الخيار فالقول قوله إذا الأصل عدم التفرق ولو تنازعا فقال أحدهما فسخت في المجلس وأنكر الآخر قال صاحب التقريب القول قول مدعي الفسخ لأنه تصرف يستبد به وقال غيره القول قول الآخر لأن العقد والتفرق معلومان وهو يدعي فسخا فعليه إثباته
الباب الثاني في خيار الشرط وفيه فصلان
الأول في حكمه في نفسه ومدته وفيه مسائل خمسة
الأولى في آخر مدته

ولا يزيد على ثلاثة أيام عندنا لأنه ثبت على خلاف القياس لحاجة دفع الغبينة إذ كان حبان بن منقذ يخدع في البيعات فشكا أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام
وقال أبو سيف لا حصر فيه أصلا
وقال مالك يتعذر به إلا فيما لا يطلع عليه في ثلاثة أيام مما تغمض معرفته
الثانية أول مدته وفيه وجهان

أظهرهما أنه يحسب من وقت العقد والثاني أنه يحتسب من وقت التفرق لأن الجمع بين خيارين متجانسين لا يعقل ولأن الشارط يبغي الإثبات لنفسه في وقت يقتضي العقد لزومه وعلى هذا فلو صرح بشرط ابتدائه من وقت العقد انبنى على المعنيين
فإن عللنا بمطلق إرادته ظاهرا فقد تغير بالتصريح وإن عللنا بأن اجتماع المتماثلين لا يعقل لم يثبت هذا الشرط
وعلى الأول لو صرح باشتراط ابتدائه من وقت التفرق فالظاهر البطلان لأنه يصير مجهول الأول
ثم إذا اجتمع الخياران فيرتفعان بقولهما ألزمنا وأسقطنا الخيار الجواز ولو خصصا أحد الخيارين بالإسقاط لم يسقط الآخر
والوجهان وهو أن يعتبر من وقت العقد في أول مدة الأجل في الثمنجاريان لان الخيار أيضا يفيد قطع المطالبة وهو أولى بأن يحتسب من أول العقد لما بينهما من الاختلاف وأما مدة الإجازة أن حكمنا بثبوت خيار الشرط فيها ففي ابتدائها أيضا هذان الوجهان والأصح أنه من وقت العقد
الثالثة معرفة قدر المدة التي لا بد منها
فلو أجل الخيار بمجهول فسد ولم ينقلب صحيحا بالحذف بعده وكذلك لو أبهم بأن أثبت الخيار في أحد العبدين لا بعينه
ولو شرط الخيار في واحد معين من عبدين فيخرج على تفريق الصفقة في الجمع بين مختلفي الحكم
الرابعة من أثره إفادة سلطة الفسخ دون حضور الخصم وقضاء القاضي خلافا لأبي حنيفة

وهل يؤثر في دفع الملك وبقائه للبائع فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا يزول ملك البائع وهو مذهب أبي حنيفة لأن الرضا لم يتكامل مع الشرط الخيار
والثاني يزول إذ ثبت الخيار على خلاف القياس دفع الغبينة فيثبت بقدر الضرورة ولا حاجة إلى إخراج البيع عن كونه مفيدا بسببه
والثالث التوقف فمن استقر الأمر عليه بينا ملكه في الابتداء
الخامسة إذا شرط الخيار لثالث ثبت له وهل يثبت لهما وفيه وجهان

أحدهما لا اتباعا للشرط
والثاني بلى لعلتين إحداهما أن مطلق الشرط يبنى على الثبوت للثالث بطريق النيابة فعلى هذا فلو صرح بالنفي انتفى والثانية أن ثبوته للغير لا يعقل استقلالا بل هو بطريق النيابة ضرورة فعلى هذا لو صرحا بالنفي لم يعقل الثبوتللثالث دون الثبوت لهما أما الوكيل المأذون في العقد بشرط الخيار إذا أطلق شرط الخيار ففيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يثبت للموكل لانه وقع العقد له والثاني للوكيل لانه العاقد والثالث لهما جميعا
وأما خيار المجلس فيختص بالوكيل قطعا لانه الحاضر فلو كان الموكل في المجلس حجر على الوكيل في الخيار فإن قلنا عليه الامتثال رجع حقيقة الخيار إلى الموكل وإن قلنا لا يمتثل فإنه من لوازم السبب السابق وهذا وإن كان بعيدا أيضا ففيه تأمل للناظر
الفصل الثاني في حكم الخيار في الطوارئ في مدته

والنظر في الزيادات والتصرفات والوطء والتلف
فالمتصلة منها تابعة والمنفصلة كالولد والكسب يسلم لمن حكمنا له بالملك في حالة الحصول في آخر الأمر
فإن اقتضى تفريع أقوال الملك الحكم بالملك في حالة الحصول دون آخر الأمر أو على العكس فوجهان منشؤهما تعارض النظر إلى الحال والمآل
أما التصرفات

فالعتق إن صدر من المنفرد بالخيار نفذ وإن كان الخيار لهما وصدر من البائع نفذ لأن عتقه فسخ وهو مستبد به وإن صدر من المشتري لا بإذن البائع فإن قلنا لا ملك له لم ينفذ وان قلنا الملك له فوجهان يقربان من القولين في عتق الراهن إذ للبائع حق متعلق بالعين لازم فان قلنا ينفذ فالظاهر أنه لا يبطل خيار البائع ولكن في فائدته وجهان
أحدهما أنه يفسخ العقد ويرجع إلى القيمة إذ العتق لا مرد له
والثاني انه يرد العتق وكأنه نفذ بشرط ألا يرد
وقيل إن خيار البائع يبطل لانه لا يقاوم قوة العتق كحق المرتهن من الاختصاص والبيع كالعتق
وفي صورة الخلاف وجه مرتب عليه وأولى بأن لا ينفذ وإن نفذ فلا يتجه إبطال خيار البائع بل يتعين أن يسلط على فسخ البيع الثاني والأول إن شاء إذ البيع يحتمل الرد وان قلنا لا ينفذ العتق والبيع فهل ينفذ بإجازة البائع أما البيع فلا فإنه لا يقبل الوقت وفي العتق خلاف
وإن قلنا ينفذ فيستند إلى وقت العتق أو من وقت الإجازة ينفذ فيه وجهان وهل يجعل التصرف المردود إجازة من المتصرف في جانبه فيه وجهان إذا فهمنا انه إجازة لانه واقع من ضرورته والرد جرى لحق الغير
فرع

لو اشترى عبدا بجارية والخيار للمشتري فله أن يستبد بعتق أيهماشاء على البدل لانه مستبد بالفسخ والإجازة
فلو أعتقهما جميعا قال أبو حنيفة يعتقان وهو متناقض لأنه جمع بين الفسخ والإجازة فالوجه الترجيح
وحكى الشيخ أبو علي وجها أنهما يتدافعان كالجمع بين أختين في النكاح
واختار ابن الحداد وهو الأصح انه يرجح جانب العبد لانه إجازة للعقد فهو أولى من الفسخ ولان الصحيح أن العبد ملكه
ومنهم من قال الجارية أولى لان الفسخ أقوى من الإجازة
ولو فرعنا على أن الملك في زمان الخيار للبائع وهو بعيد في هذه الصورة فتكون الجارية معتقة أولى لاجتماع الملك وسلطان الفسخ
أما الوطء إن صدر من البائع وله خيار فلا حد ولا مهر ولا تحريم لانه فسخ نص الشافعي رضي الله عنه عليه
وخرج بعض أصحاب الخلاف وجها من إبهام العتق بين أمتين وانه لا يكون فسخا كما لو وطئ إحدى الأمتين
ومن أصحابنا من قال تعرض بالوطء للتحريم وان جعلناه فسخا إذ كان من حقه أن يفسخ ثم يطأ
وقطع الشيخ أبو محمد بنفي التحريم لجريان الملك مع الوطء غير متأخر عنه وقال لو رأينا الوطء رجعة لأحللناه في الرجعية
أما المشتري فهو كالبائع في الإباحة وكونه إجازة إن لم يكن للبائع خيار وان كان له خيار حرم الوطء وحصلت الإجازة من جانبه على الأصح
وقيل انه يحمل من جانبه على الامتحان كالخدمة
ولو وطئ بإذن البائع لزم من جانب البائع أيضا وان كان بمرأى منه وهو ساكت فوجهان إذ السكوت عليه مع خطره حضور دليل على الرضا
وأما الحد فساقط للشبهة والمهر حكمه حكم الكسب
فإن جرى الإحبال مع الوطء فحرية الولد ونسبه ثابت للشبهة وقيمة الولد لها حكم الكسب والمهر وأمية الولد لها حكم العتق وأولى بالتنفيذ لأنه فعل وقيل خلافه لأن العتق حرية منجزة والترتيب متقادم
وأما تلف المبيع فان كان في يد البائع انفسخ العقد وان كان في يد المشتري وقلنا الملك للبائع انفسخ العقد لان بقاء الملك أقوى من بقاء علقة اليد
وان قلنا أن الملك للمشتري فوجهان ووجه الانفساخ بقاء علقه الخيار للبائع
وحيث قلنا لا ينفسخ ففي بقاء الخيار وجهان
أحدهما أنه لا يبقى لفوات المعقود عليه فيضاهي فوات الرد بالعيب عند فوات المبيع
والثاني يبقى لأن الرد يعتمد المردود وها هنا الخيار يقوم بالعقد والعقد قائم
وان قلنا ينفسخ وجبت القيمة على المشتري ويعتبر يوم القبض أو التلف حكمه حكم المستعار إن قلنا الملك للبائع وان قلنا الملك للمشتري يعتبر حالة التلف وان كان قبله ملكا له فإن قيل بماذا ينقطع الخيار
قلنا بما يدل على الرضا من البيع والعتق والهبة مع القبض وكل تصرف مزيل للملك وكذلك بالهبة والتسليم مع الولد وان كان خيار الرجوع ثابتا لان ذلك استدراك بعد ثبات الملك
ولا ينقطع الخيار بالهبة قبل القبض ولا بالبيع بشرط الخيار إن قلنا انه لا يزيل الملك ولا بالعرض على البيع والإذن في البيع فانه هم دون الإتمام بخلا ف الوصية فإنها تنقطع بالعرض على البيع لغاية الضعف
ولا ينقطع الخيار بالتسليم والتسلم ولا بالاستخدام وركوب الدابة وينقطع بالوطء على الصحيح
والأظهر أنه ينقطع بالإجارة والتزويج وقد تنخل منه أن الوصية أضعف من البيع بشرط الخيار وحق الشفعة والرد بالعيب أضعف من الوصية لانقطاعها بالتأخير
وأما الرجوع عن الهبة فلا يحصل إلا بالتصريح وفي حصوله بالإعتاق خلاف
فهذه مراتب الحقوق والله أعلم وأحكم
الباب الثالث في خيار النقيصة

وما سبق كان ثابتا على طريق التشهي وهذا الخيار لا يثبت إلا بفوات أمر مظنون ينشأ الظن فيه من التزام شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلي
والنظر فيه ينقسم إلى بيان الأسباب المثبتة والموانع المبطلة
السبب الأول الالتزام الشرطي

وهو الأصل وما عداه ملحق به فمهما شرط وصفا يتعلق بفوات نقصان مالية لكونه خبازا أو كاتبا أو متجعد الشعر وغيره فإذا فقد ثبت الخيار للمشتري
وان شرط ما لا غرض فيه ولا مالية فيه ككونه مشوه الخلق ألغى الشرط ولزم العقد كأن شرط ما فيه غرض ولا مالية كالثيابة في الجارية والكفر في العبد وهو في بلادنا ففيه تردد ووجه ظاهر
السبب الثاني العيب

وهو كل وصف مذموم اقتضى العرف سلامة المبيع عنه غالبا وقد يكون ذلكبنقصان وصف أو زيادته وقد يكون نقصان عين كالخصي أو زيادته كالإصبع الزائدة
والخصي وإن زادت قيمته ولكن ما فات منه مقصود ويتعلق به مالية وإنها الزيادة الجب بالخبر لغرض آخر حصل به فلم ينفك عن نقصان
والبول في الفراش والبخر الذي ينشأ من تغيير المعدة والصنان الذي يخالف العادة ولا يقبل العلاج عيب في العبيد والإماء خالف أبو حنيفة في العبيد
واعتياد الأباق والسرقة والزنا عيب فيهما
وقال أبو حنيفة الزنا هو عيب في الإماء دون العبيد واحتباس الحيض عيب في الجواري
وكون الجارية أختا للمشتري أو ولده ليس بعيب وإن اقتضى ذلك تحريم الوطء أو حصول عتق لأنه نقص في نفس الجارية
وثقل الخراج في الضيعة واعتياد الجند النزول في الدار عيب فيهما لقلة الرغبات بسببه
وشق الأذن في الشاة ليس بعيب إن لم يمنع الأجزاء في الأضحية وحيث يمنع ألحقه صاحب التقريب بالخصي لأن فيه فوات غرض
هذا كله في عيب تقدم وجوده على العقد أو على القبض فأما ما حدث بعد القبض فلا يرد به إلا إذا استند إلى سبب قديم كما إذا اشترى عبدا مرتدا فقيل إن كان في يد البائع فهو من ضمانه وإن قتل في يد المشتري فهل هو من ضمان البائع فيه وجهان
وان كان عالما حال العقد بردته فوجهان مرتبان وأولى بألا يكون من ضمان البائع ووجه كونه من ضمان البائع قيام علقة الردة السابقة في الوجود على العقد أو القبض
فإن قلنا لا ينفسخ فله أرش التفاوت بين المرتد والمسلم إن كان جاهلا عند العقد
فان قيل هلا أبطلتم بيع المرتد وهو هالك حكما
قلنا حكى الشيخ أبو علي وجها أنه باطل ولكنه بعيد لأن المالية في الحال محققة والعود إلى الإسلام ممكن
نعم في العبد المستحق قتله في قطع الطريق وجه نظر أظهر منه أنه يمتنع بيعه إذ لا محيص من القتل والظاهر صحة بيعه أيضا نظرا إلى الحال أما إذا مات العبد بمرض تقدم على البيع ففيه طريقان منهم من ألحقه بالردة في كونه من ضمان البائع ومنهم من قطع بأنه من ضمان المشتري إذ المرض يتزايد والردة في حكم الشيء الواحد
فأما إذا استحق قطع يده في السرقة فقطع بعد القبض
إن قلنا إن المرتد من ضمان البائع فهذا أيضا من ضمانه حتى يطالب بأرش التفاوت بين الأقطع والسليم عند تعذر الرد وإلا فله الرد وان قلنا ليس المرتد من ضمان البائع فليس له ها هنا إلا التفاوت بين عبد استحق قطعه وبين المنفك عن هذا الاستحقاق
والاقتراع بعد القبض بتزويج سابق على العقد حكمه حكم القطع
السبب الثالث التصرية وفيه فصلان
الأول في حد السبب

قال عليه السلام لا تصروا الإبل ولا الغنم ومن اشتراها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثة إن رضيها أمسكها وان سخطها ردها ورد معها صاعا من التمر
ومعنى التصرية أن يشد إخلاف الناقة ليجتمع فيها اللبن فيظن المشتري غزارة اللبن
ولو تخلفت الناقة بنفسها ففيه وجهان مستندهما أن سبب الخيار فوات ظن استند إلى قرينة حالية حتى ينزله منزلة ظن السلامة إذا استند إلى العرف أومستنده تغرير العاقد بفعله ونزوله منزلة التزامه حتى ينزل منزلة شرط الغزارة
وكل قائل يتشوف إلى التقريب من اصل متفق عليه من خيار العيب أو خيار الحلف والأخير أولى
وقد اختلف الأصحاب فيما لو لطخ ثوب العبد بالمداد مخيلا انه كاتب أو صرى ثدي الجارية أو حفل الأتان أو علف الدابة حتى ربا بطنها وخيل أنها حامل
ووجه التردد أن اعتقاد صفة الكتابة بمجرد المداد كاعتقاد الحمل بكبر البطن لقصور في العقل
وأما الأتان فلبنها نجس وان قصد لاجل الجحش والجارية لا يرى ثديها غالبا فلا يقصد بها التغرير
الفصل الثاني في حكم السبب

وفيه مسائل ثلاثة
إحداها أن الخيار على الفور أن عرف التصرية بعد ثلاثة أيام وان اطلع قبله فوجهان أفقههما أنه على الفور
والتقدير في الحديث محمول على مهلة النظر للمعرفة إذ لا يتحقق عرفان جريان التصرية قبله غالبا
الثانية الواجب صاع من التمر بدلا عن اللبن الذي كان في الضرع لدى العقد فان قيل هلا وجب رد العين أو المثل أو القيمة قلنا لا لان عين اللبن لا تبقى غالبا وان بقى فيمزج بأجزاء اجتمعت في الضرع بعد جريان العقد إلى تمام الحلب وإنما لم يكلف رد المثل لان القدر إذا لم يكن معلوما بمعيار الشرع كانت المقابلة من باب الربا وإنما قدر بالتمر لا من جنس النقد لفقد النقد غالبا ولان التمر يشارك اللبن في المالية وكونه قوتا وهو قريب منه إذ يؤكل معه في بلادهم
نعم ولفهمهم هذا المعنى نص الشافعي رحمه الله على انه لو رد الشاة المصراة بعيب آخر سوى التصرية رد صاعا من التمر لأجل اللبن
نعم قال قائلون يجب صاع من التمر أبدا وان زادت قيمته على قيمة الشاة مثلا بعيدا
ومنهم من قال أن زادت على الشاة أو على نصفها لم توجب كمال الصاع فأنا نعلم انه عليه السلام قدر به لانه وقع في ذلك الوقت قريبا من قيمةاللبن المجمع في الضرع فعلى هذا يعدل بالقيمة فيقدر قيمة شاة وسط وقيمة صاع وسط في أكثر الأحوال
فإذا قيل هو عشر الشاة مثلا أوجبنا من التمر ما قيمته عشر الشاة
الثالثة لو أخرج بدل التمر زبيبا أو قوتا آخر ففيه تردد
منهم من اتبع التوفيق ومنهم من رآه في معناه سواء كما في صدقة الفطر وقد ورد في بعض ألفاظ المصراة لفظة الحنطة وترددوا أيضا في أن صاعا من التمر هل يجب في رد الجارية المصراة إذا رأينا ردها فمن صائر إليه تعبدا وممن قائل إن لبنها على حاله غير مقصود
فإن قيل إذا فات اللبن الكائن في الضرع وهو بعض المعقود عليه فهلا خرج رد الشاة دونه على تفريق الصفقة
قلنا لا لانه لا يقابله قسط من الثمن على رأي فهو في حكم وصف لا يوجب زواله عيب الباقي بخلاف العيب الحادث
وان قلنا يقابله قسط من الثمن فلا وجه لمخالفة الحديث فليؤيد به قول جواز تفريق الصفقة فإنه المختار سيما في الدوام
القسم الثاني في مبطلات الخيار ودوافعه وهي خمسة
المانع الأول شرط البراءة من العيوب

وقد قضى عثمان رضي الله عنه ببراءة البائع عن كل عيب لم يعلمه دون ما علمه وكتمه
وكلام الشافعي رضي الله عنه يدل في ابتداء الباب على موافقته وقال في آخر الباب لولا أثر عثمان رضي الله عنه لكان القياس أن يبرأ عن الجميع أولا يبرأ عن الجميع فقال الأصحاب كلام الشافعي رضي الله عنه مردد بين ثلاث احتمالات فهي ثلاثة أقوال
أحدها أنه يبرأ لأن مستند الخيار أنه ملتزم للسلامة بمطلق العقد عرفا وقدرا وقد انتفى موجب الإطلاق بالتصريح
ومنهم من علل ذلك بالحاجة لخفاء العيوب حتى خصص فريق بالحيوان لكثرة عيوبه وقطعوا في غيره ببطلان الشرط ومنهم من سوى
والثاني أنه لا يبرأ لان هذا خيار ثبت شرعا فلا ينتفي شرطا ولأنه إبراء عن مجهول لا يدرى وعلى العلتين انبنى خلاف فيما إذا عين عيبا وابرأ عنه
والثالث انه يبرأ عما لم يعلمه لان الحاجة متحققة فيه دون ما كتمه واختلفوا على هذا في أن ما تيسر الاطلاع عليه هل يلحق بما علمه لتقصيره في عدم البحث
واختلفوا في أن قول صحة الشرط هل يجري في عيب يحدث بعد العقد وقبل القبض من حيث انه بعد لم يوجد سببه ثم مهما فسد هذا الشرط ففي فساد العقد به قولان نبهنا عليهما فيما قبل
المانع الثاني من الرد التقصير

وذلك بالتأخير والانتفاع
فان كان العاقد حاضرا فليرد عليه كما اطلع على العيب في الحال
وان كان غائبا فليشهد على الرد اثنين فان عجز فليحضر مجلس القاضي مبادرا وليخبره بالرد
فان رفع إلى القاضي والخصم حاضر فمقصر
وان كان الشهود حضورا فرفع إلى القاضي فوجهان إذ في الرفع إلى القاضي مزيد تأكيد
ولو كان المعيب دابة فركبها في طريقه إلى القاضي أو عبدا فاستخدمه بطل حقه وكذلك إن حمل الدابة إكافا أو سرجا فليحطمها كما عثر على العيب ولا يجب حل العذار فهو في محل التسامح وكذلك لو عسر سوق دابة وقودها جاز الركوب وعلى الجملة مدرك التقصير العرف وذلك ظاهر
فرع

إذا بطل حقه بالتقصير فلا أرش له بخلاف ما لو تعذر الرد بسبب ولكن لو تراضيا على الأرش مع إمكان الرد ففيه وجهان أحدهما أن ذلك جائز إذ الحق لا يعدوهما والثاني لا إذ لا تقابل سلطنته الخيار بعوض وما فات بالعيب قوبل بغرامة عند عسر الرد لضرورة العجز عن تدارك الحق بطريق أقرب منه والمعنى بالأرش حيث نوجب أن يعرف قدر النقصان بسبب العيب وينسب إلى تمام القيمة فإن كان عشر القيمة رجع إلى عشر الثمن والقيمة معتبرة لمعرفة النسبة لا لإيجاب عينها
المانع الثالث هلاك المعقود عليه

حسيا بالتلف أو حكما بالعتق والاستيلاد فإذا اطلع بعد الفوات فلا رد إذلا مردود وتعين الحق في الأرش وهو جزء من الثمن كما سبق وهل يبرأ عن ذلك الجزء من الثمن بمجرد الاطلاع أم يتوقف على طلبه فيه تردد
وميل القاضي إلى انه لا يتوقف على الطلب بخلاف ما لو قدر على الرد فان الفسخ لا يحصل دون طلبه ومن الأصحاب من قال كما بقي له طريق الرضا بالمعيب بكل الثمن مع البقاء يبقى له ذلك بعد الفوات فلا بد من الطلب
فان قيل لو كان قد استوفى الثمن وطلب المشتري الأرش فهل يتعين حقه في عين الثمن أم يجوز للبائع الإبدال
قلنا فيه تردد للأصحاب إذ يحتمل أن يقال المعيب في مقابلة كل الثمن إن رضي به وإلا فهو في مقابلة بعضه فيخرج ذلك البعض عن المقابلة وتعين لاستحقاقه وهو ظاهر كلام الأصحاب وكأن المقابلة تغيرت ولكن جوز ذلك مهما استند إلى سبب في اصل العقد وان كان لا يجوز ذلك بالتراضي عند إلحاق زيادة بالثمن بعد اللزوم
ويحتمل أن يقال هذه غرامة وكأن البائع جعل معيبا لملك المشتري إذ العقد الواحد لا يقتضي مقابلتين في حالتين ويشهد له أن مشتري الجارية بعبد معيب يعلم عيبه يستحل وطأها ولو كان جزء منه لغرض العود إلى بائع الجارية لو اطلع على عيب العبد لا ورث توقعه شبهة وهذه المباحثة من دقيق الفقه فلتفهم
فرع
لو تلف أحد العوضين في بيع العبد بالجارية فمن وجد عيبا بالقائم رده ورجع إلى قيمة المعوض الفائت اعتمادا في الرد على قيام المردود
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما وقلنا يمتنع إفراد أحد العبدين بالرد لتفريق الصفقة رجع بالأرش والقيمة المعرفة لنسبة الارش حيث يرجع إلى الارش قيمة يوم العقد أو قيمة يوم القبض فيه ثلاثة أقوال
أحدها يوم العقد فانه يوم الاستحقاق
والثاني يوم القبض لانه يوم الضمان
والثالث اقل القيمتين نظرا لجانب المشتري
المانع الرابع زوال الملك عن البيع

يمنعه من الرد في الحال فلو عاد إليه بان باع فرد إليه بالعيب فله الرد على الأول لان العائد هو الملك الأول
وان عاد إليه ببيع مستأنف فإن رد على الأخير حتى إذا رد عليه على الأولجاز وان ابتدأ بالأول ورد عليه فوجهان وكذلك لو عاد إليه بهبة فوجهان مرتبان وأولى بالجواز إذ في البيع قدر على الرد على الثاني حتى يرد على الأول بعد العود إليه بالرد
ومنشأ الوجهين أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ويجري ذلك في رجوع شطر الصداق بالطلاق وفي رجوع البائع إلى السلعة بعد إفلاس المشتري بالثمن فمن قائل رد ما اشترى كما اشترى ومن قائل ليس هذا الملك الذي ينقصه ما استفاد منه بل استفاده بالهبة وإنما ذلك الملك قد زال ولم يعد فصار كما إذا فات ثم إذا منعناه من الرد ثبت له الارش وان كان ذلك في ملك الغير وامتنع الرد في الحال ولكن قلنا لو عاد لقدر على الرد ففي جواز المطالبة بالارش في الحال لوقوع الحيلولة وجهان يقربان من القولين في شهود الأموال إذا رجعوا لان الحيلولة واقعة في المسألتين وتوقع الوصول إلى أصل الحق مرجو فيهما والأصح جواز طلب البدل في الحال
فرعان

أحدهما لو رضي المشتري الثاني بالعيب فالأصح أن للأول المطالبةبالارش فان تبرع غيره عليه لا يلزمه التبرع على غيره
الثاني إذا كان عوض المردود خارجا عن الملك وعائدا فالأصح أن ذلك لا يضر وجها واحدا لان عود ذلك يجري قهرا فيرجع إلى عينه ولأنه لو تلف لرجع إلى قيمته جبرا له والآن هو بعينه قائم فهو أولى بأن يكون جائزا
المانع الخامس العيب الحادث

يمنع من الرد بالعيب القديم لان جانب البائع أيضا يصان عن الضرر الحادث كما صين جانب المشتري عن القديم فمسلك التدارك أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إليه ويرد أو يغرم البائع أرش العيب القديم حتى لا يرد فإن اتفقا على أحد المسلكين فذاك وان تنازعا في التعيين فثلاثة أوجه
أحدها أن البائع متبوع لان الأصل ألا يلحقه درك أصلا إلا إذا لم يتضرر
والثاني المشتري متبوع لان الأصل إن تمام الثمن لا يلزمه إلا بمبيع سليم
والثالث أن من يدعو إلى ارش العيب القديم أولى لأن استرداده يستند إلى اصل العقد أما ملك الارش عن العيب الحادث فجديد لا مدخل له في العقد
فان قيل لو زال العيب الحادث بعد اخذ الارش عن القديم هل يعود حقه في الرد
قلنا فيه وجهان أحدهما بلى إذ الارش مأخوذة للحيلولة الناجزة
والثاني لا لوقوع الرضا بالعيب فان لم يقبض بعد ولكن قضى القاضي بالارش فوجهان مرتبان وأولى بأن يعود الحق
أما إذا لم يطلع حتى زال العيب الحادث فالمذهب جواز الرد بالعيب القديم
هذا إذا لم يكن للعيب الحادث أمد ينتظر زواله
فإن كان له أمد كعدة الوطء بالشبهة إذا طرأت على الجارية فانه عيب
فلو اطلع على العيب ولم يرد في الحال منتظرا زواله ففيه وجهان
أحدهما أنه يبطل حقه إذ قدر على طلب الارش
والثاني لا لكونه معذورا في الانتظار
فروع ثلاثة

أحدها لو أنعل الدابة ثم اطلع على العيب فلينزع النعل وليرده إن كان لا يتعيب بالنزع وليس يلزم البائع قبول النعل وان كان يعيبه فله الرد وعلى البائعقبول النعل فانه تابعا ولو قال المشتري لا اسمح بالنعل وأطلب الارش لم يكن له ذلك فإنه كالمحتقر في مؤنة الرد
نعم تردد الأصحاب في أن ذلك إعراض عن النعل أو تمليك حتى لو سقط فهو للبائع أو المشتري وهو محتمل أما إذا صبغ الثوب وزادت قيمته فله الرد بالعيب القديم إن لم يطلب قيمة الصبغ وليس للبائع الامتناع
وان طلب قيمة الصبغ فهل يجب على البائع ذلك مع رد الثمن وجهان والفرق إن النعل تابع والصبغ مقصود ولا يسمح به
فإن قلنا لا نكلفه قيمته فهو كعيب حادث فتعود الأوجه الثلاثة في أن تمليك أرش عيب حادث أولى أم غرم أرش العيب القديم
ولم يذهب أحد إلى أن المشتري يبقى شريكا بالصبغ لأن المشتري يتضرر بذلك بخلاف الغاصب إذا صبغ فإنا نبقيه شريكا ولا نلتفت إلى تضرره لعدوانه
أما إذ اشترى رجلان عبدين ففي انفراد أحدهما برد نصيبه قولان
ووجه المنع تفريق الصفقة إن قلنا إنها تتحد مع تعدد المشتري أو عيب التبعيض على البائع إذا عاد إليه النصف وإذا عللنا بهذا جوزنا الرد فيما لا ينقصه التبعيض
والمقصود أنا لو منعناه من الأفراد فاشترى نصيب شريكه واخذ برد الكل دافعا عنه ضرر التبعيض ويطالب بقيمة النصف فهل يجبر البائع عليه فيه وجهان كما في الصبغ
الثاني اشترى حليا وزنه ألف درهم بألف حدث به عيب انكسار واطلع على عيب قديم فلو ضم إليه أرش العيب الحادث لاسترد ألفا ورد ما يزيد عليه وهو عين الربا
ولو كلف البائع أرش العيب القديم لصار الألف بعد حط الارش في مقابلة الألف فهو ربا فقال ابن سريج هذا عقد تعذر إمضاؤه فينفسخ ويسترد الثمن ولا ترد الحلي بل يغرم قيمته غير معيب بالعيب الحادث بالذهب إن كان الحلي من الفضةأو بالفضة إن كان من الذهب فرارا من ربا الفضل
وهذا يستمد مما نفرد من أن الارش يتعين في الثمن ويتعين المقابلة بأخذه
وقال صاحب التقريب بل يغرم البائع أرش العيب القديم فإن ذلك الأرش غرم في مقابلة العيب وكأن البائع هو المعيب وهذا إشارة إلى أنه لا يتعين في الثمن
وقال العراقيون بل يغرم المشتري أرش العيب الحادث ويرد ولا مقابلة إلا بين الثمن والحلي وهما متوازيان وهذه غرامة عيب حدث في يد المشتري مضمونا
وهذا أيضا بعيد لان الارش كالبدل عن ذلك الجزء من المعقود عليه الذي فات بالعيب حتى يرد الفسخ عليه فتتناوله المقابلة فتحصلنا على احتمالين في حقيقة كل واحد من الأرشين وأنه غرم مبتدأ أم هو من مقابلة المعقود عليه والمشهور ما أشار إليه ابن سريج فيهما جميعا
الثالث إذا قور البطيخ وكسر الجوز والرمان والبيض واطلع على عيب باطن فإن زاد في الكسر على حاجة المعرفة فعيب حادث وإن اقتصر فثلاثة أوجه
أحدها أنه عيب حادث وهو ظاهر النص
والثاني أنه يرد من غير أرش إذ يستحيل أن يبطل رده بطريق الاطلاع والاطلاع سبب الرد
والثالث وهو الأعدل أن استقلاله بالرد لا يبطل ولكن يضم أرش الكسر حتى لا يتضرر البائع أيضا
أما إذا لم يبق له بعد الكسر قيمة كالبيضة المذرة قال الشافعي رضي الله عنه يسترد كمال الثمن
فقال الأصحاب معناه انه يسترد أرش النقصان ولكن أرش النقصان كمال الثمن إذا لم يبق له قيمة وفائدته أن القشرة تبقى مختصة بالمشتري فتبقى الطريق عنهما
والوجه أن يقال تبين أن العقد باطل إذ ورد على غير متمول وهو تأويل كلام الشافعي رضي الله عنه والقشرة مختصة بالبائع فإن فرض له قيمة قبل الكسر للنقش ولعب الصبيان فقد بطلت المالية الآن
فإن قلنا إن طريق الاطلاع من عهدة البائع حتى لا يجب به أرش فها هنا أيضا ينقدح معه استرداد تمام الثمن ويجعل كأنه لم يشتر إلا ما بقي بعد الإطلاع
وإن جعل ذلك من ضمان المشتري فلا ينقدح معه استرداد تمام الثمن
هذا تمام القول في لزوم العقد وجوازه واختتام القسم بثلاثة فصول
الفصل الأول في حقيقة الرد والفسخ

وهو عندنا رفع العقد من وقته ولذلك لم يمتنع الرد بالعيب بالزوائد المنفصلة ولا بوطء الثيب
وقال أبو حنيفة رحمه الله هو رفع للعقد من أصله ولأجله خالف في وطء الثيب والزوائد المنفصلة
أما الفسخ قبل القبض ففيه وجهان
أحدهما أنه رفع من أصله لأن العقد بعد ضعيف لم يتكامل وعلى هذا نقول الزوائد الحاصلة قبل القبض تنقلب بالفسخ إلى البائع
والثاني انه رفع من وقته كما بعد القبض وعلى هذا فالزوائد تبقى للمشتري
فإن قلنا تنقلب بالفسخ إلى البائع فله حبس الزوائد للثمن إذا قلنا له حبس المبيع لانه يتوقع التعلق به
وان قلنا تسلم للمشتري فليس له فيه حق الحبس
فان قيل وما وجه رجوع الزوائد إلى ملك البائع وقد حدثت في ملك المشتري كما بعد القبض
قلنا لأجله قال فريق لا يرجع إليه والقائل الآخر يتعلق بما روي انه عليه السلام سئل عن غلة المبيع تسلم للمشتري بعد الفسخ وبعد القبض فقال الخراج بالضمان أي هو على خطر الضمانبالقبض فالغنم بالغرم ومفهومه أنه لا يسلم قبل القبض له
والقائل الأول يتبع القياس ويقول ذلك علة لمنع الرجوع ذكره لقطع استبعاد السائل وقبل القبض لا يرجع لعلة أخرى وهو أنه حدث من ملكه والحكم قد يعلل بعلتين
الفصل الثاني في حقيقة الإقالة وفيه قولان

الجديد أنه فسخ لان اللفظ ينبئ عنه ولأنه جائز قبل القبض وفي المسلم فيه والبيع لا يجوز
والقديم أنه بيع جديد وليس له وجه وان تكلفنا له تقريرا في كتاب البسيط في المذهب
فرع

لو كان المبيع تالفا ففي جواز الإقالة على الجديد وجهان
أحدهما المنع كالرد بالعيب فانه يمتنع بعد الفوات والثاني الجواز فإن العقد معتمد الفسخ وهو قائم والرد يعتمد المردود وهو هالك
فإن كان الهالك أحد العبدين ففي جواز الإقالة وجهان مرتبان وأولى بالجواز إذ القائم يستتبع الهالك وإن كانا قائمين فأراد إفراد أحدها بالفسخ فليلتفت على تفريق الصفقة
والمذهب جوازه لا سيما في الدوام
الفصل الثالث في النزاع في الرد بالعيب

فإذا قال المشتري هذا العيب قديم وقال البائع بل هو حادث فالقول قول البائع لان الأصل السلامة ولزوم العقد
فلو حلف ثم جرى الفسخ بعده بتحالف فأخذ يطالب المشتري بأرشه وزعم أني أثبت حدوثه بيميني لم نمكنه لان يمينه صلحت للدفع عنه فلا يصلح لشغل ذمة المشتري بل للمشتري أن يحلف الآن على أنه ليس بحادث
ثم قال الشافعي رضي الله عنه يحلف أني بعته وما به عيب فقال المزني بل يزيد ويقول بعته وأقبضته وما به عيب فقال الأصحاب أراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا لم يدع المشتري إلا عيبا قبل العبد فيكفيه يمين على مطابقة ضد الدعوى
قال ابن أبي ليلي كيف يحلف على البت ما به عيب فلعله كان ولم يعرفه فليحلف على نفي العلم
قال الأصحاب بل يحلف على البت كما قال الشافعي رحمه الله كما يشهد على الملك والإعسار ونفي وارث سوى الحاضر وكل ذلك على النفي يعرف بطول الخبرة بل أمر اليمين أسهل ولذلك ثبت الحلف على اعتماد حظ أبيه فلا يشهد به
فإذا لم يعرف عيبا جاز له أن يطلق اليمين لأجل الحاجة
فرع

لو توافقا على وجود بياضين بالعبد أحدهما قديم والآخر حادث وقد زال أحدهما وتنازعا في أن الزائل هو القديم أو الحادث فدعواهما على التعارض والقول قول البائع لأن الأصل هو اللزوم
القسم الثالث من كتاب البيع في حكمه قبل القبض وبعده
والنظر في القبض يتعلق بثمرته وحكمه ثم بصورته وكيفيته ثم بصفته في الوجوب والإجبار عليه
النظر الأول في ثمرته وحكمه وله حكمان
الحكم الأول نقل الضمان

إذ المبيع عندنا وعند أبي حنيفة رحمه الله في ضمان البائع قبل القبض على معنى أنه ينفسخ العقد بتلفه ويسترد الثمن
وقال أبو ثور هو من ضمان المشتري بمجرد العقد واليه ذهب مالك رحمه الله ولكن فيما يشترى جزافا لا تقديرا
هذا إذا تلف بآفة سماوية فإن أتلفه المشتري فهو قبض من جهته مقرر للعقدوإن أتلفه أجنبي فطريقان
قطع العراقيون بأنه لا ينفسخ لأن المالية باقية ببقاء القيمة
وقال المراوزة قولان ووجه الانفساخ أن متعلق العقد العين وقد فاتت فإن قلنا لا ينفسخ فالبائع هل يحبس القيمة لتسليم الثمن كما يحبس المرتهن قيمة المرهون أم يقال هذا حق ضعيف ولا يسري إلى البدل فيه وجهان
فلو أثبتا له حبس القيمة ففي الانفساخ بتلف القيمة أيضا وجهان أماإتلاف البائع فمنهم من نزله منزلة إتلاف الأجنبي لأنه متعرض وها هنا يبعد إثبات الحبس له من القيمة وهو المعتدي بالإتلاف ومنهم من قال هو كالآفة السماوية إذ هو عاقد فلا يتعرض لضمان الأجانب ولذلك لم نطالب المرضعة بمهر المثل مطالبة الأجنبية إذا فوتت النكاح بالرضاع
فإن قيل فلو فات بعض المعقود عليه قلنا ينفسخ في ذلك القدر وفي الباقي قولا تفريق الصفقة
فإن قيل فلو نقصت صفة بالعيب قبل القبض
قلنا فائدته إثبات الخيار فإن أجاز يخير بكل الثمن ولا يطالب بأرش أصلا إلا إذا كان بجناية أجنبي فيطالب الأجنبي بالارش إن أجاز وإن فسخ فالبائع يطالبه وجناية البائع في إيجاب الارش مترددة بين الآفة السماوية وبين جناية الأجنبي كما سبق في الإتلاف
فإن قيل احتراق سقف الدار قبل القبض ما حكمه قلنا فيه وجهان
أحدهما أنه عيب كسقوط يد العبد لأنه تابع للدار وليس كموت أحد العبدين
والثاني أنه كأحد العبدين لأنه مستقل بالمالية عند تقدير الانفصال بخلاف اليد من العبد
فرع

لو اغتصب المشتري المبيع حيث أثبتا للبائع الحبس فللبائع استرداده فلو أتلفه البائع قبل الاسترداد ذكر صاحب التقريب قولين
أحدهما أنه بالإتلاف قابض ومتلف فيكون كالإتلاف قبل القبض
والثاني أنه كالأجنبي لوقوعه بعد جريان صورة القبض وقبل عود صورة اليد إليه
الحكم الثاني للقبض تسلط المشتري على التصرف

فليس للمشتري بيع ما اشتراه قبل القبض لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فنشأ من الحديث تصرف في ثلاث مراتب
الأولى فيما يلحق بالبيع من التصرفات

فكل تمليك بعوض فهو بيع والعتق لا يلحق به لأن منع البيع إما أن يعللبضعف الملك أو بتوالي الضامنين ولا تأثير للعلتين في العتق
نعم لو كان قبل توفية الثمن فهو كعتق المرهون وأولى بالنفوذ لضعف حق الحبس
أما الإجارة ففيها وجهان إن عللنا بضعف الملك منعناها وإن عللنا بتوالي الضامنين فالإجارة لا توجب ضمان العين فلا يتواليان والتزويج كالإجارة إلا أنه ينقبض فقد يمنع منه قبل توفية الثمن وأما الهيبة والرهن فيجريان مجرى العتق
قال صاحب التقريب رهن ما لا يصح بيعه باطل وهذا لا يصح بيعه فيتجه بطريق الدلالة منعه
وفي الهبة أيضا وجه أنه ينزل منزلة هبة المرهون
المرتبة الثانية فيما يلحق بيد البائع من الأيدي

فكل يد ثابتة لمملك عن جهة معاوضة محضة فهي يد بائع كما في الصرف والسلم والتولية والاشتراك
وما لا يستند إلى معاوضة كيد الأمانة والرهن والهبة والعارية والغصب والسوم ويد المشتري في المبيع بعد الانفساخ لا يلحق له لأنه ليس عن معاوضة وتمليك
ويد تمليك الصداق والبدل في الخلع والصلح عن دم العمد يخرج على أنها مضمونة ضمان العقد أم ضمان اليد فإن فرعنا على ضمان العقد ألحقناه بيد البائع وإلا فلا
المرتبة الثالثة النظر في أنواع المبيع

وهو منقسم إلى عين ودين
أما العين فلا تباع قبل القبض منقولا كان أو عقارا وجوز أبو حنيفة بيع العقار قبل القبض
وأما الدين والمثمن منه كالمسلم فيه والحنطة المبيعة وصفا في الذمة فلا يجوز بيعه قبل القبض ولا الاعتياض عنه
وفي جواز الحوالة في المسلم فيه ثلاثة أوجه
أحدها المنع هو الأصح لأن فيه معنى المعاوضة
والثاني الجواز تغليبا لمعنى الاستيفاء
والثالث أنه تجوز الحوالة عليه فإن لا يتبدل عين المستحق ولا تجوز الحوالة به فإنه تبديل وتحويل إلى ذمة أخرى
أما الثمن فإن عين فتعين عندنا بالتعيين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وينفسخ العقد عندنا بتلفه
ولكن إذا كان في الذمة ففي جواز الاستبدال ثلاثة أوجه
أحدها المنع قياسا على الثمن
والثاني الجواز لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال كنا نبيع الإبل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدنانير فنأخذ بها الدراهم وبالدراهم فنأخذ بها الدنانير فقال عليه السلام لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما لبس
والقائل الأول يحمل الحديث على جريانه في مجلس العقد فيكون تغييرا للعقد في حالة الجواز
والثالث أنه يستبدل أحد النقدين عن الآخر للحديث ولا يستبدل سائر الأجناس عنها للقياس وهذا أعدل ويتأيد باتحاد مقصود النقدية منهما
فإن قيل وبم يتميز الثمن عن المثمن
قلنا فيه ثلاثة أوجه أحدها أنه لا ثمن إلا النقدان والثاني أن الثمن ما يتصل به باء الثمينة والثالث أن الصفقة إن اشتملت على نقد فهو الثمن وإلا فما اتصل به باء الثمينة وهو الأعدل
فإن قلنا إنه لا ثمن إلا لنقد فلو قال بعت هذه الدراهم بالعبد ففي صحة العقد خلاف لتغيير نظم العقد والصحيح الصحة
وكذلك نقول الأصح جواز السلم في الدراهم فإن الشافعي رضي الله عنه جعل الثمن كالمثمن في التعيين بالتعيين
فإن قلنا حكم الثمينة غير مقصود على النقدين فجواز الاستبدال هل يتعدى إلى غير النقدين فيه وجهان
ومن يلاحظ الحديث ومعنى النقدية لم يجوز الاستبدال في غير النقدين بحال ولعله الأولى
أما الفلوس إن راجت رواج النقود فالصحيح أنها كالعروض
فإن قيل الدين الثابت بالقرض أو بالإتلاف أو بسبب غير المعاوضة ما حكمه
قلنا بيعه من غير من عليه الدين فيه قولان والمنع غير مأخوذ من قاعدة القبض ولكنه من ضعف الملك لعدم التعيين ولعل الأصح المنع فإنه ليس مالا حاضرا وإنكان له حكم المال من بعض الوجوه وإن باعه ممن عليه الدين فإن استبدل عنه عينا وقبض في المجلس جاز
وإن استبدل دينا لم يجز لأنه منطبق على بيع الكالئ بالكالئ وهو منهي عنه والكالئ هو الدين
وإن استبدل عينا ولم يقبض في المجلس فإن جوزنا بيع الدين فلا مأخذ لاشتراط القبض وإن لم نجوز فلا بد من القبض إذ يجوز الاستبدال على تقدير كونه استيفاء للمالية فيختص بمجلس الاستيفاء إذ الأصل فيه الفعل دون القول
النظر الثاني في صورة القبض وكيفيته

والمقبوض إن عقارا فمجرد التخلية كاف إلا إذا كان غائبا ففي نظر يذكر في الرهن واما المنقول هل يكفي فيه التخلية المجردة فيه ثلاثة أوجه
الأصح أنه لا بد من النقل لان الاعتماد فيما نيط باسم القبض على العرف والعرف يفرق بين المنقول والعقار
ونقل حرملة قولا للشافعي رضي الله عنه أنه يكتفى بالتخلية وهو مذهب مالك لأن المقصود استيلاء المشتري وقد حصل
والثالث أن التخلية تكفي لنقل الضمان لأنه حق البائع وقد أدى ما عليه ولا يكفي التسليط على التصرف فإنه حق المشتري وقد قصر إذ لم يقبض ولم ينقل وهذا يعضده أن ركوب الدابة والجلوس على الباسط قد يجعله سببا لضمان الغصب دون النقل
التفريع

إذا قلنا لا بد من النقل فإن وجد من المشتري فهو الكامل وذلك بأن ينتقل إلى محل يختص به ولا اختصاص للبائع به
فلو نقل إلى زاوية من دار البائع فلا يكفي لأن الدار وما فيها في يد البائع إلا أن يأذن البائع في القبض والنقل إليه فيكون إعادة لتلك الزاوية فيحصل القبض هذا إذا قبض برضا البائع
فإن أخذه قهرا إن كان بعد توفية الثمن فهو صحيح وإن قبله وأثبتا حق الحبس فهو فاسد يصلح لنقل الضمان وهل يفيد التصرف فيه وجهان
أما البائع إذا نقله إلى دار المشتري أو وضعه بين يديه أو في جحره أو في محل قريب منه والمشتري راض حصل القبض وان كان كارها فوجهان
هذا في منقول بيع جزافا فإن بيع مكايلة كصبرة الحنطة إذ قال بعتها كل صاع بدرهم فتمام القبض بالكيل على المشتري فلو قبضه المشتري ولم يكل فالضمان انتقل إليه وهل يتسلط على البيع فيه وجهان
أحدهما أنه لا يتسلط وهذا قبض فاسد إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري إذ من عادة العرب في المواسم شراء صبرة من الحنطة مكايلة وبيعها بزيادة ربح مكايلة فلا بد من إجراء الصاع قبل البيع حتى يكون الحديث مفيدا وهو الذي قطع به المحققون والشيخأبو محمد إذ مثل هذا النهي لا يحمل إلا على الفساد ولو حمل على اصل القبض كان إلغاء لفائدة خصوص هذا الحديث
والأصح أنه لو اشترى الطعام مكايلة وأبقاه في المكاييل وباعاها مكايلة ثم صبه على المشتري للمشتري جاز فصورة أجزاء الصاع لا يراد لعينه
ومنهم من قال لا بد من التفريع أولا ليبني صحة البيع الثاني عليه لظاهر الحديث وهو ضعيف إذ دوام الكيل في معنى ابتدائه
ولما كان قرار العقد موقوفا على التقابض في المجلس في بيع الطعام بالطعام اختلفوا في أنه لو باع الحنطة بالشعير مكايلة وتقاضيا جزافا فإن العقد هل ينفسخ
وهذا مرتب على حكم البيع وأولى بألا يستدعي قرار العقد جريان الكيل
فرع

القبض يجري فيه النيابة ولكن لو قال لمستحق الحنطة في ذمته اكتل على نفسك من صبرتي هذه قدر حقك ففعل ففي تعين حقه به وجهان من حيث إنه من وجه اتحد القابض والمقبض لأنه مقبض بالإذن وقابض لنفسه وإنما يسلم ذلك للأب يقبض لنفسه من طفله ولطفله من نفسه كما يسلم له في تولي طرفي البيع ولو قال لمستحق الدين اقبض حقك مما لي على فلان فقبض لميصح لأنه لا بد وأن يقبض للمستحق ثم يقبض لنفسه فلو قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح قبضه له وفي قبضه لنفسه الوجهان
ولو ألقى إليه كيسا وقال خذ منه قدر حقك فلا يملك بمجرد الأخذ دون الوزن قطعا
وإنما الخلاف بعد الوزن في تعيين حقه لكونه قابضا قبضا ولكن هو مضمون عليه لو تلف لأنه أخذه ليتملكه فضاهى اخذ المستام والكيس ليس مضمونا لأن يده فيه يد الوكيل ولم يأخذ الكيس ليتملكه
ولو دفع إليه دراهم وقال اشتر بها قدر حقك لم يصح الشراء له والقبض له وفي قبضه لنفسه الوجهان
النظر الثالث في وجوب البداية بالقبض وفيه أربعة أقوال

أحدها أنه يجب على البائع البداية بتسليم المبيع لانه متسلط على التصرف في الثمن فليتسلط المشتري على المبيع
والثاني أن البداية بالمشتري لأن حقه متعين فليغير حق البائع وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله
والثالث أنهما يتساويان فيجبر كل واحد منهما من غير تقديم
والرابع أنهما لا يجبران بل إن تبرع أحدهما بالبدار أجبر الثاني
التفريع

المشتري إذا بادر قبل القبض وسلم الثمن فيجب تسليم المبيع فلو كان آبقا فليس له الاسترداد بل له الفسخ إن شاء والاسترداد بعده وإن علم إباقة فلا يلزمه تسليم الثمن قولا واحدا
وأما البائع إذا بدأ فيجبر المشتري على القبول ولم يكن كالدين فإنه قد لا يجبر مستحقه على القبض لأن حقه غير متعين فيه
فإن أبى ولم يقبض فتلف في يد البائع فهو من ضمانه لدوام صورة اليد
وقال صاحب التقريب إذا أبى المشتري فللبائع أن يقبض له من نفسه لتصير يده يد أمانة أو يرفع يده الى القاضي حتى يودعه عنده وهو بعيد وقبض القاضي عنه وإيداعه له أقرب قليلا
وإن قبل المشتري وقبض طولب بالثمن من ساعته فإن تحقق إفلاسه ولم يكن له شيء سوى المبيع أو كان وزادت الديون عليه فللبائع الرجوع إلى عين السلعة
وإن كان غنيا ولكن ماله غائب قال الشافعي رضي الله عنه يجبر المشتري على دفع الثمن ساعته فإن كان ماله غائبا أشهد على وقف ماله فإن وفى أطلق الوقف عنه وهذا حجر غريب يراه الشافعي من حيث إن البائع على خطر من إنفاقه جميع أمواله واستهلاك الثمن بالإفلاس فالحجر أقرب من حبسه أو فسخ البيع أو إهمال الحق
ومن أصحابنا من قال لا يحجر عليه وهذا لتخريجه وجه ولكنه مخالف للنص ثم اتفقوا على أنه لا حجر عند إمكان الفسخ بالفلس فإنه لا حاجة إلى الحجر
ولكن قال العراقيون إن كان المال غائبا فوق مسافة القصر فهو كالفلس لأنه عجز في الحال وإن كان دون مسافة القصر فوجهان وإن كان في البلد فلا فسخ بل يحجر عليه
والصحيح ما قاله ابن سريج من أن الغيبة ليس كالعدم بل الإعدام يوجب الفسخ والغيبة توجب الحجر فأما إذا كان في البلد فلا فسخ ولا حجر بل يطالب به
القسم الرابع

كتاب البيع
في موجب الألفاظ المطلقة في البيع وبيان ما يزاد فيها على موجب اللغة أو ينقص ويستثنى بحكم اقتران العرف وهي ثلاثة أقسام القسم الأول الألفاظ المطلقة في العقد القسم الثاني ما يطلق في الثمن القسم الثالث ما يطلق في البيع
الأول الألفاظ المطلقة في العقد وهي مشهورة والغرض بيان لفظين
الأولى التولية

فإذا اشترى شيئا وقال لغيره وليتك هذا العقد فقال قبلت صح البيع بهذا اللفظ ونزل على ثمن العقد الأول وهو ملك متجدد يتجدد بسببه حق الشفعة وتسلم الزوائد للمشتري الأول أعني ما حصل قبل التولية
ولو حط عن الثمن الأول شيء انحط عن الثاني لأن التولية توجب نزوله في الثمن منزلة الأول حتى لا يطالب إلا بما يطالب الأول فهو في حق الثمن كالبناء وفي حق نقل الملك كالابتداء
ولما عسر الفرق بين هذا وبين سلامة الزوائد والشفعة ذكر القاضي في المسألتين وجهين ورد التردد إلى أن هذا ملك بناء أو ابتداء وهو ضعيف فلا وجه للتردد في الشفعة والزوائد
نعم ينقدح وجه أن الحط لا يلحق كما لا يلحق الشفيع إلا أن يكون الحط في مجلس العقد فإن ذاك فيه خلاف في حق الشفيع أيضا
فرع

في التولية قبل القبض وجهان
ووجه التجويز الاستمداد من حكم البناء حتى كان المطرد هو الملك الأولويتأيد ذلك بلحوق الحط
وفي تولية البائع خلاف مرتب على البيع من البائع الأول وأولى بالصحة
اللفظ الثاني الإشراك
فلو قال أشركتك في هذا العقد على المناصفة كان حكمه التولية في النصف من غير فرق
ولو أطلق ولم يذكر المناصفة ففي الصحة وجهان
أحدهما المنع لأنه لم يبين المقدار فكان مجهولا
والثاني الجواز وينزل المطلق على التشطير
القسم الثاني ما يطلق في الثمن وهو ألفاظ المرابحة

فإذا قال بعت بما اشتريت وربح ده يازده نزل على ما قاله إن كان ما اشتراه معلوما للمشتري الثاني
وكذلك في صورة التولية يشترط أن يكون ثمن الأول معلوما للمشتري فإن لم يعلمه فليقل بعت بما اشتريت وهو مائة فإن لم يذكر بطل كما لو قال بعت بما باع به فلان فرسه
وفيه وجه أن هذا يصح لارتباط العقد الأول بالعاقد وسهولة الاطلاع عليه ثم تردد هؤلاء في انه هل يشترط زوال الجهالة في المجلس
أما إذا قال بعت بما قال علي دخل فيه الثمن وأجرة الدلال والكيال وكذا البيت الذي تحفظ فيه الأقمشة وكل ما يعد من خرج التجارة بخلاف قولنا بعت بما اشتريت
ولو تعاطى الكيل بنفسه أو كان البيت مملوكا له لم يقدر له أجرة
وكذلك علف الدابة لا يضم إليها والمحكم العرف فإن ذلك لا يعد من خرج التجارة عرفا
فرعان

أحدهما إذا اشترى شيئا بعشرة وباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة ثم قال بعت بما قال علي فالظاهر أنه ينزل على العشرة
وقال ابن سريج يحسب الربح عليه فتكون السلعة قد قامت بخمسة فينزل عليها
ولا خلاف في أنه لو كان يدل ربح الخمسة خسران خمسة لم ينزل هذا اللفظ على خمسة عشر وهذا يضعف توجيه مذهبه
الثاني إذا قال بعت بما اشتريت بحط ده يازده وكان قد اشترى بمائة وعشرة مثلا فالظاهر هو مذهب أبي يوسف وابن أبي ليلى أنه ينزل على المائة وتحط العشرة فيكون قد حط من كل أحد عشر درهما واحدا لتبقى نسبة ده يازده بين الأصل والمحطوط
وفيه وجه آخر غامض أنه ينزل على مائة درهم إلا درهما فيحط عن كل عشرة درهم واحد كما كان يزاد على عشرة واحد في ربح ده يازده
فإن قيل لو لم يصدق المشتري في قدر الثمن وزاد أو كان قد طرأ بعد الشراء عيب فلم يذكره فهل يحط عن الثاني بقدر العيب قلنا ليعلم أن هذا العقد عقدأمانة فإن المشتري لا يوطن نفسه على ذلك الثمن وعلم أن المشتري لم يسمع بالثمن الذي ذكره البائع وشترى به إلا تعويلا على مماكسته واستقصائه في طلب الغبطة فيرضى لنفسه ما ارتضاه الأول لنفسه فيجب عليه الأخبار بكل ما طرأ من عيب أو جناية منقصة للعين كالإحصاء أو للقيمة
وإن اشترى بأجل وجب ذكره ولا يجب ذكر الزيادات الحادثة ولا ذكر ما اشترى معه إذا قوم هذا القدر بحصته ولا ذكر البائع إذا اشترى من ولده
وقال أبو حنيفة رحمه الله يجب ذكر ذلك كله ولو اشترى بغبن وهو عالم به فالأظهر أنه لا يجب ذكره وفيه وجه أنه يجب لأن الثاني اعتمد على أنه لا يحتمل الغبن وهذا القائل يوجب أن يذكر إذا اشترى من ولده الطفل وكذلك إذا اشترى بدين غير مؤجل ولكن الرجل مطول لأن ذلك سبب احتمال غبن على الجملة
ثم إن كذب المشتري فزاد في الثمن أو لم يخبر عما طرأ من العيب فهل يحط عن الثاني قدر التفاوت
فيه قولان أحدهما أنه لا يحط لأنه جزم العقد بمائة مثلا وكذب في قوله اشتريت به نعم له الخيار إن شاء لتلبيسه فإن أجاز فليجر لكل الثمن
والثاني أنه يحط لأنه لم يقتصر على ذكر المائة بل ربط وقال بعت بمائة وهو الذي اشتريت به فلا تلزمه المائة
التفريع

إن قلنا يحط ففي ثبوت الخيار للمشتري قولان ووجه الإثبات أنه ربما يكون له غرض في الشراء بمائة لتحلة قسم أو وفاء بموعود
فإن قلنا له الخيار مع ذلك فأجاز أو قلنا لا خيار له ففي ثبوته للبائع وجهان ووجه الإثبات أنه طمع في سلامة المائة له ولم تسلم وإن قلنا لا يحط عن المائة فللمشتري الخيار قطعا لأنه مظلوم بالتلبيس إلا أن يكون التفاوت من جهةالعيب وكان قد علم طرآن العيب فيكون راضيا مع ذلك لما اشترى
فإن هم بالفسخ فقال البائع لا تفسخ فإني أحط لأجلك فهل يبطل خياره
فيه وجهان ووجه بقاء الخيار أنه ربما يكون له غرض في الشراء بالمائة كما سبق هذا إذا تبين خطؤه بتذكر المشتري أمرا مشاهدا أو بقوله أخطأت إقرارا على نفسه أو بقيام بينة على مقدار ما اشترى به
فأما إذا قال تعمدت الكذب وإنما اشتريت بكذا وكذا فحكمه ما سبق ولكن حيث ترددنا ثم في ثبوت الخيار فها هنا الإثبات أولى إذ أظهر بقوله خيانته فربما يكذب فيما يخبر عنه الآن من البقية أيضا
وإن علم المشتري كذبه حالة الشراء فلا خيار له إلا أن يقول كنت أظن أنه يحط مع علمي بالنقصان ففي ثبوت الخيار بهذا الظن وجهان
هذا إذا كذب بالزيادة فلو كذب بالنقصان فكان اشترى بمائة فقال اشتريت بسبعين فميل الأصحاب ها هنا إلى البطلان لانه لا بد من الزيادة ولا سبيل إليها إذ الزيادة لا تلحق الثمن أما الحط فيلحقه
وقال الشيخ أبو محمد رحمه الله لا فرق بين المسألتين إذ ليست المائة عبارة عن تسعين كما ليست التسعون عبارة عن المائة فليبطل في المسألتين أو ليصح في المسألتين تنزيلا على الصدق لا على ما كذب به
وقد حكى صاحب التقريب قولا أنه يبطل العقد في صورة الزيادة أيضا وما ذكره الشيخ أبو محمد يشير الى أن الحط ليس بطريق الإبراء بل هو بطريق تبين نزول العقد عليه ابتداء وما ذكره الأصحاب يشير الى أنه نزل العقد على اقدر المسمى والحط يضاهي حط أرش العيب وهذا أولى فإنه لا يمنع من الإجازة والرضا بالمائة ولأنه طرد بذلك في صورة ظهور النقصان بعيب طارئ مع أنه صادق في إخباره عما اشترى به والخلاف في كل واحد
فرع

إذ ادعى البائع أنه اشترى بزيادة وكذبه المشتري فلا تسمع الدعوى البائع وبينته لأنه على نقيض قوله السابق وهل أن يحلفه على نفي العلم فيه وجهان يبنيان على أن يمين الرد كالبينة أو كإقرار المدعى عليه
فإن جعلنا كإقراره فله ذلك على رجاء النكول ورد اليمين ليكون ذلككالتصديق
وإن قلنا كالبينة فلا وذكر صاحب التقريب أنه إن قال غلطت وذكر وجها محتملا بأن قال عولت على قول الوكيل والآن طالعت الجريدة وتذكرت فله التحليف قطعا
وهذا متجه حسن ويجب طرد هذا في قبول دعواه وبينته أيضا والله أعلم
القسم الثالث من الألفاظ ما يطلق في البيع وهي في غرضنا ستة ألفاظ
اللفظ الأول الأرض

وفي معناه لفظ الساحة والعرصة والبقعة
فإن قال بعتك هذه الأرض فالنظر في اندراج الشجر والبناء والزرع والدفائن
فأما الشجر والبناء فنص الشافعي رحمه الله في البيع يدل على الاندراج وفي الرهن يدل على أنه لا يندرج فاختلف الأصحاب على ثلاثة طرق
الأصح أنها لا تندرج إذ اللفظ لا يتناوله وضعا ولم يكن دعوى عرف مطرد فيه فينزل منزلة التصريح
وهذا القائل نسب المزني رضي الله عنه إلى إخلاف في النقل وقال أراد الشافعي رحمه الله إذا قال بعت الأرض بحقوقها
ومن هؤلاء من قال ولو قال بحقوقها أيضا لم يندرج لأن الحقوق عبارة عنالممر ومجرى الماء وأمثاله
الطريقة الثانية ذكر قولين بالنقل والتخريج
والثالثة الفرق بأن الرهن ضعيف لا يستتبع بخلاف البيع
أما الزرع فلا يندرج قطعا تحت اسم الأرض لأنه لم يثبت للدوام بخلاف البناء والشجر
والبقل له حكم الشجر أعنى أصوله لا ما ظهر منه فإنه للدوام كالشجر وقطع الشيخ أبو محمد بأنها كالزرع
ثم إذا بقي الزرع لصاحب الأرض ففي صحة بيع الأرض طريقان
أحدهما أنه فيه قولان كما في الأرض المكراة إذ تقع المنفعة مستثناة في مدة ومنهم من قطع بالصحة إذ المانع في الإجارة عسر التسليم وها هنا تسليم الأرض ممكن في الحال ولعله الأصح تشبيها له بالدار المشحونة بالأمتعة
التفريع

إن حكمنا بالصحة فتسليم الأرض مزروعة هل يوجب إثبات يد المشتري فيه وجهان ووجه الامتناع أنه لا يقدر على الانتفاع ومن الأصحاب من طرد هذا في تسليم الدار المشحونة بالأمتعة
ومنهم من فرق إذ التشاغل بالتفريع ثم ممكن في الحال بخلاف الزرع ثم المشتريإن لم يعلم بالزرع فله الخيار فإن أجاز فهل له طلب أجرة تيك المدة فيه وجهان
أحدهما لا كما لا يطالب بارش العيب عند الإجارة
والثاني نعم لأن المنفعة متميزة عما قابله الثمن
أما الدفائن فلا تندرج تحت البيع حتى الحجارة المدفونة إلا أن تكون مركبة في أساس البنيان والجدار فيندرج حيث يندرج الجدار وان كانت الحجارة مخلوقة في الأرض اندرجت تحت اسم الأرض ثم المشتري إن كان عالما باشتمال الأرض على الحجارة المدفونة فلا خيار له وللبائع النقل وان أضر بالمشتري ولو أبى فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه وان كان لا يتضرر المشتري ببقائها
وفيه وجه أنه إذا لم يتضرر لم يجبره على النقل
أما إذا كان جاهلا فان لم يكن في النقل ضرر فلا خيار
وإن كان ضرر في حصول وهاد في الأرض أمكن تسوية الأرض على قرب فلا خيار أيضا كما إذا عرض في السقف عارض قبل القبض يمكن إزالته على قرب
ويجب تسوية الأرض على البائع ولا يلزمه أرش النقصان بالحفر بخلاف هدم الجدار لان الجدار يتفاوت بناؤه وإعادته قد لا تماثل الأول فأما هذا فمن قبيل ذوات الأمثال في المضمونات
أما إذا تضرر بسبب تعطل المنفعة في مدة أو كان الحفر يحدث عيبا بأن كان يمنع عروق الأشجار من الإنبتات فله الخيار فإن فسخ فذاك وإن أجاز ففيالمطالبة بأجرة المثل خلاف منشؤه تمييز الأجرة عن ارش العيب
وفي طلب ارش النقصان بتعيب الأرض خلاف منشؤه أن جناية البائع هل تكون كجناية الأجنبي
فرعان

أحدهما لو كانت الأرض تتضرر بالنقل دون الترك واثبتا للمشتري الخيار فقال له البائع لا انقل بطل خيار المشتري ولزم تركه أبدا كالنعل على الداية
ثم ينظر فان قال وهبت منك الحجارة وقبل وكان بحيث يقبل الهبة لوجود الشرائط من الرؤية والتسليم وغيره ملكه المشتري على الظاهر
وفيه وجهان أنه لا يملك وان وجدت الشرائط لانه ليس متبرعا وانما يبتغي به نفي الخيار فحقيقته إعراض
وفيه وجه آخر أنه يملك وان لم توجد شرائط الهبة لأنه كالمستفاد ضمنا وتبعاوليس مقصودا فيحصل للضرورة وأما إذا قال تركت الحجارة فالظاهر انه لا يملك بهذا اللفظ بل هو إعراض
وفيه وجه أنه يجعل تمليكا لانه فات به حق الخيار فليحصل في مقابلته ملك وهذا التفصيل يجري في مسألة النعل وان لم نذكره
ثم الثاني إذا كان في الأرض حجارة خلقية تمنع عروق الأشجار من الإنبتات فهل يكون هذا عيبا مثبتا للخيار فيه وجهان
ووجه المنع أن الانتفاع بالبناء ممكن فان تعذر الغراس فهذا فوات كمال المقاصد فلا يعد عيبا مذموما منقصا
وعندي أن هذا يختلف باختلاف المواضع والمقصود في الاعتياد
اللفظ الثاني الباغ

وفي معناه البستان والكرم ويندرج تحتها الأشجار والقضبان وفي اندراج العريش الذي توضع عليه القضبان تحت لفظ الكرم تردد للشيخ أبي محمد والأصح الاندراج للعرف
ولو كان في طرف البستان بناء ففي اندراجه تحت مطلق الاسم خلاف كما في اسم الأرض
وأما اسم القرية والدسكرة فيستتبع الأبنية والأشجار جميعا لان العبارة موضوعة لها وكل ذلك لا يستتبع الزرع الظاهر ولا البذر وان كان كامنا إلا أصول البقل كما سبق
اللفظ الثالث الدار

ولا يندرج تحتها المنقولات كالرفوف المنقولة والسلاليم والسرر والحاصل من ماء البئر منقول لا يندرج وقيل إنه يندرج كالثمار التي لم تؤبر والنفط الحاصل من المعدن لا يندرج
واستثنى صاحب التلخيص عن المنقولات مفتاح باب الدار فأنه يندرج تبعا للمغلاق ونوزع فيه وما ذكره أولى
واما الثوابت وهو ما أثبت للدوام من تتمة الدار كالأبنية والأبواب والمغاليق وما عليها من السلاسل والضبات فيندرج وكذا المراقي الثابتة من الآجر والرفوف المثبتة من نفس البناء وحمام الدار إن كان لا يستقل دون الدار اندرج وإن استقل فهو من الدار كالبناء من البستان
وترددوا في ثلاثة أمور
أحدها الاشجار وفيها ثلاثة اوجه احدها انها لا تندرج تحت اسم الدار فانها ليست من اجزاء الدار والثاني انها تندرج لأن الدار قد تشتمل على الاشجار والثالث وهو الأعدل أنه إن كان بحيث يمكن تسمية الدار بستانا لم تندرج تحت اسم الدار وإلا يندرج
الثاني حجر الرحي وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه يتبع لانه مثبت للبقاء والثاني لا لانه ليس من مرافق الدار وانما اثبت لتيسر الانتفاع والثالث أن الاسفل يندرج دون الاعلى ولا خلاف في اندراجها تحت اسم الطاحونة
والثالث الإجانات المثبتة للصبغ تنزل منزلة الحجر الاسفل من الرحى الا اذا باع باسم المدبغة أو المصبغة
والسلاليم والرفوف المثبتة بالمسامير في معنى الاجانات
اللفظ الرابع اسم العبد

في بيع العبد لا يتناول مال العبد وان قلنا انه يملك بالتمليك وفي ثيابه التي عليه ثلاثة أوجه
أحدها لا لقصور اللفظ مع أن الثوب ليس جزءا منه والثاني نعم لقضاء العرف به والثالث أنه يدخل ما يستر به العورة دون غيره
ولعل العذار من الفرس كساتر العورة من العبد لأن للعرف فيه حكما ظاهرا
اللفظ الخامس الشجر

وهو في جانب العلو يتناول الاغصان والاوراق وكذا ورق الفرصاد الا على رأي بعض الاصحاب في تشبيهها بالثمار المؤبرة
وفي جانب السفل يتناول العروق ويوجب استحقاق الابقاء في ارض البائع فيصبر المغرس مستحقا للابقاء وهل نقول أنه صار ملكا فيه قولان
أحدهما نعم لانه استحق ابقاؤه فيها على التأييد واللزوم فلا يمكن أن يجعل إعارة ولا إجارة فلا بد وأن يجعل ملكا تابعا
والثاني وهو الاصح انه يملك إذ اللفظ قاصر عنه والمغرس أصل فكيف يكون تبعا نعم استحق الابقاء على العادة كما يستحق إبقاء الثمار على الاشجار على العادة من غير ملك الاشجار ومن غير تقدير إعارة وإجارة هذا إذا لم يكن على الاشجار ثمار فان اثمرت وكانت الثمار غير مؤبرة دخل في العقد كما يدخل الحمل من الجارية في البيع بلفظ الجارية لاجتنانه بجزء منها
وان كانت مؤبرة بقيت على ملك البائع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلة بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع
وأبو حنيفة رحمه الله لما أنكر القول بالمفهوم حكم بان غير المؤبرة ايضا تبقى على ملك البائع فانه ليس جزءا من نفس الشجرة
والمراد بالتأبير ان يتشقق الكمام حتى تبدو عناقيد الثمر من الطلع ومناط انقطاع التبعية ظهور الثمار فيلتحق به الظهور في كل ما يظهر في ابتداء الوجود كالتين
وكذلك ما يبدو بالتشقق كالورد يتشقق كمامه وكالمشمش والخوخ إذا تشققت أنوارها وتصلبت الحبات وما دامت لا تنعقد ثمرة لصغرها تندرج تحت البيع
والاصح ان القشرة العليا على الجوز ليس ساترا وان كان أكمة الفحول قبل التشقق تندرج تحت البيع كالإناث
فان قيل كيف يشترط البدو في كل عنقود وثمرة للحكم بالبقاء على ملك البائع
قلنا لما عسر ذلك اقام الفقهاء وقت التأبير حتى إذا تأبرت واحدة صارت وغير المؤبر في البقاء متحد النوع وداخلا تحت صفقة واحدة
ولو وجد اتحاد النوع ولكن اقتصر العقد على غير مؤبر أو شملها العقد ولكن اختلف النوع فوجهان
أحدهما أنه لا اتباع لأن التفصيل لا عشر فيه مع هذا الاختلاف
والثاني الاتباع حسما للباب فان النوع الواحد ايضا قد يتفاوت ويهون تفصيله في بعض الصور
وشرط أبو علي بن ابي هريرة شرطا ثالثا وهو ان تكون التي لم تؤبر مطلعة حتى تبقى تبعا للمؤبرة وخالفه كافة الاصحاب وهو قريب من اختلاف النوع وبين الفحول والاناث اختلاف النوع
فان قيل فاذا بقيت على ملكه فهل يجب القطع في الحال تفريعا للاشجار وان لم يجب فكيف يفرض القيام بسقي الثمار والاشجار
قلنا الابقاء مستحق للبائع الى اوان القطاف وهذا موجب العرف لا كتفريع الدار عن الاقمشة فان ذلك مما يقتضيه العرف ايضا فلم يجز الابقاء بل هذا كالزرع وقد ذكرنا ان الابقاء مستحق فيه ثم من يحتاج الى السقي فله ان يستقل به إذا لم يضر بالاخر ولم يكن للاخر منعه
ولو كان السقي يضر بواحد وتركه يضر بالاخر وتنازعا ففيه ثلاثة أوجه
أحدها ان المشتري اولى بالاجابة اذ التزم له البائع سلامة الاشجار
والثاني البائع اولى فانه استحق إبقاء الثمار
والثالث انهما يتساويان فان اصطلحا فذاك والا فقد تعذر إمضاء العقد فينفسخ
فروع ثلاثة

الاول اذا كانت الثمار لو سقيت لم ياضرر ولو تركت تضررت الاشجار بامتصاصها رطوبتها فعلى البائع السقي او القطع فان لم يجد ماء ففي تكليفه القطع وجهان
الثاني لو كان السقي يضر بجانبه وتركه يمنع حصول زيادة في الجانب الآخر ففوت الزيادة هل يلحق بالضرر حتى يتقابل الجانبان فيه وجهان
الثالث لو أصابت الثمار آفة ولم يكن في تبقيتها فائدة فهل يجب الآن تفريع الاشجار ذكر صاحب التقريب قولين
وهذه التوجيهات بينة وتعارض الاحتمالات ظاهر
اللفظ السادس أسامي الثمار

ومطلق بيعها يقتضي استحقاق الابقاء الى اوان القطاف وان لم يصرح به لعموم العرف اذ القرينة العرفية كاللفظية ولذلك نزل العرف في المنازل والات الدابة في باب الاجارة منزلة التصريح
ولو جرى عرف بقطع العنب حصرما لانه لا تتناهى نهايته او جرى العرف بالانتفاع بالمرهون من المرتهن فقد منع القفال المسألتين وقال هو كالتصريح وخالفه غيره لان المتبع ها هنا هو العرف العام لا عرف اقوام على الخصوص
وهذا يلتفت على ما لو اصطلح العاقدان في النكاح على ان يعبروا بالالفين عن ألف تخييلا لكثرة المهر ان اللازم الالف أم الالفان لان مثاره ان الاصطلاح الخاص هل يلتحق بالاصطلاح العام في اللغات وكذا في العرف
ثم لا بد من التنبيه لثلاث شرائط في بيع الثمار الشرط الاول انه لا بد من شرط القطع إن بيع قبل الصلاح فان شرط التبقية بطل وان أطلق لكان كشرط التبقية خلافا لأبي حنيفة في المسألتين
والمعتمد ما روي أنه عليه السلام نهى عن بيع الثمار حتى تزهي وروي حتى أن تنجو من العاهة
وسببه ان التسليم لا يتم الا بالقطاف والجوائح غالبة في الابتداء فلم تكن القدرة على التسليم موثوقا بها
ومنهم من علل تضرر الاشجار بكثرة امتصاص الثمار رطوبتها في الابتداء وهو فاسد على ما تبين فساده في التفريع
وإذا شرط القطع صح ولم تندرج تحت النهي لفقد العلة وتخصيص النهي بما يعتاد اما القطع قبل بدو الصلاح فغير معتاد وكذلك لو اشترى البطيخ قبل بدو الصلاح لا بد من شرط القطع وان اشترى مع اصوله اذ لا ثبات لأصوله وهو مع الأصول متعرض للآفات ولو باع الثمار مع الأشجار لم يشترط القطع لفقد العلة إذ تم التسليم بتسليم الاشجار وامن من العاهة فوازنه ان يبيع البطيخ مع الارض
والاصح ان الثمار لو كانت لغير من له الاشجار فاشتراها صاحب الاشجار لا يشرط القطع لفقد العلة وحصول تمام التسليم وفيه وجه للنظر الى عموم النهي وهو بعيد إذا لو شرطه لم يجب عليه ان يقطع ثمار نفسه عن اشجار نفسه
وكذلك لو باع الاشجار وبقيت الثمار على ملكه فلا يشترط القطع وان انقسم الملك لان المبيع هو الشجر وهو آمن من العاهة والثمر مملوك بحكم الدوام فلا ينقطع بالتعرض للعاهة
نعم لو كانت الثمار بحيث تندرج لو أطلق العقد فاستثناها فالبقاء على هذاالوجه ملحق بختلاف المبتدأ أو بالاستدامة فيه اختلاف للاصحاب
ثم اتفق الاصحاب على ان بدو الصلاح كاف في البعض لسقوط هذا الشرط إقامة لوقت الصلاة مقام نفسه دفعا للمعسر كما في التأبير
هذا بشرط اتحاد البستان وشمول الصفقة واتحاد الملك فان اختلف البستان او الملك او تعددت الصفقة ففي كل ذلك وجهان بعد الاتفاق على اشتراطه اتحاد الجنس واما النوع فهو كما سبق في التأبير فمسل العراقيين الى مراعاة اتحاد البستان ولم يتعرض الاصحاب للبستان في التأبير نعم ثم المراد ببدو الصلاح في الثمار بان يطيب أكلها وذلك في البطيخ لظهور مبادئ الحلاوة وفي العنب الابيض بالتموه وفي غيره بالتلون وفي الزرع بزوال الخضرة
واما البقل فان بيع مع الاصول فلا يشترط القطع فانه لا يتعرض لعاهة وان بيع دون الاصول نزل على القطع فانه يحذر من التأخير النمو واختلاط ما دخل تحت العقد بما لم يدخل الشرط الثاني ان تكون الثمار قد انكشفت من أكمتها على قول بطلان بيع الغائب إلا ما في إبقائه فيه صلاح كالرمان
واختلفوا في الباقلاء والجوز ان ابقاءها في القشرة العليا هل فيه صلاح والظاهر في الباقلاء انه صلاح وقد صح ان الشافعي رضي الله عنه أمر بأن يشترى له الباقلاء الرطب
واما الحنطة في سنبلها والارز في القشرة ففيه ثلاث أوجه
أحدها أن فيها صلاحا والثاني أنه لا صلاح والثالث أن صلاح الأرز فيه دون صلاح الحنطةواما الشعير فهو بادئ الحب من السنابل فيجوز بيعه
وقد ذكرنا احكام بيع الغائب والذي نزيده قطع بعض الاصحاب ببطلان بيع الذهب في تراب المعدن ولا يستقيم ذلك الا بالتفريع على ابطال بيع الغائب اذ لو باعه في الكم لجاز فما الفرق بينه وبين التراب ولو بيع اللحم في الجلد قبل السلخ مع الجلد فهو خارج على بيع الغائب وقد نقلنا في بابه عن الشيخ أبي على القطع بالبطلان أيضا والاظهر ما نقلناه الان
الشرط الثالث ان يحذر بيع الربا فلا تباع الثمار بجنسها فان باع الحنطة في سنبلها بالحنطة فهي المحاقلة وقد نهى عليه السلام عنها وهي مشتقة من
الحقل وهي ساحة يزرع فيها سمي الزرع بها للاتصال
ولو باع الرطب بالتمرة فهو باطل وهي المزابنة المنهي عنها وهو مشتق من الزبن وهو الدفع لان هذه المعاملة في الغالب تفضي الى المدافع والمنازعة
وقد استثني عنها العرايا وهي بيع الرطب خرصا بمثل ما يرجع اليه الرطب عند التتمر من التمر فيما دون خمسة أوسق لما روى زيد بن ثابت أن محاويج الانصار جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الرطب ليأتينا وفي أيدينا فضول منقوت فأرخص لهم في العرايا فيما دون خمسة أوسق او في خمسة أوسق والشك من الراوي ووجه الخروج عن قياس الربا إقامة الخرص مقام الكيل
وقد وردت الرخصة مقيدة بأربعة قيود يتطرق النظر الى كلها
الاول التقدير فلا زيادة على خمسة أوسق وفي خمسة أوسق قولان لتردد الراوية منهم من يرجح جانب المنع الا بيقين ومنهم يرجح جانب الجواز وتقدير الخرص أصلا إلا في محل تيقنا فيه المنع
وقد يتخيل ان الغالب تقدير خمسة أوسق للجواز فيه لا لربط الجواز بقدر دونه وعلى هذا لو اشترى في صفقات ألف وسق فلا حجر وانما الحجر في صفقة واحدة
ولو اشترى رجلان من واحد تسعة أوسق من الرطب جاز قطعا إذ لم يدخل في ملك أحدهما إلا ما دون القدر وإن اشترى رجل من رجلين فوجهان
ووجه الفرق مشير الى الالتفات على جانب من يدخل الرطب في ملكه لان الرطب خرج التقدير فيه بالخرص عن القياس
ولم يبن الاصحاب ذلك على تعدد حكم الصفقة بتعدد البائع والمشتري لما نبهنا عليه من قبل مع أن الربا يتعلق بجانب التمر والرطب جميعا
الثاني ان العنب في معنى الرطب وسائر الثمار تبنى على جريان الخرص فيها وفيه قولان مذكوران في الزكاة
الثالث أنه ورد في بيع الرطب بالتمر فلو باع الرطب بالرطب ففيه ثلاثة أوجه
أحدها المنع اتباعا للقيد والتفاتا الى الغرض التفكه والحاجة اليه
والثاني الجواز إذ قد يختلف الغرض باختلاف الرطب
والثالث إن كان أحدهما موضوعا على الارض جاز ليستبقي الباقي للتفكه والرطوبة وإن كانعلى الشجر فلا
الرابع أنه ورد في المحاويج فمن يرى الخرص أصلا يلحق الأغنياء به ومنلا يراه أصلا تردد ولأن الرخص لا تقصر بعد مهدها على أربابها
والآن فبعد معرفة شرائط صحة البيع فلا بد من معرفة أحكام الطوارئ على الثمار قبل القطاف من الاجتياح والاختلاط أما الاختلاط فبالتلاحق وذلك إن كان مما يغلب فالبيع باطل وان كان بعد بدو الصلاح لان ذلك يعسر به التسليم أيضا كوقوع الجوائح
وذكر العراقيون وجها أنه موقوف لان هذا العسر يمكن دفعه بهبة البائع ثماره فان لم يهب حكمنا بالبطلان أما إذا كان التلاحق نادرا حكم في الحال بالصحة فان اتفق التلاحق قبل تسليم الأشجار ففي الانفساخ قولان
أحدهما ينفسخ لوقوع اليأس عن التسليم فهو كما لو وقعت درة في لجة بحر قبل التسليم
والثاني لا لان دفع هذا العسر بهبة الثمار الجديدة مقدور للبائع وعلى هذا فله الخيار أن لم يهب وان وهب بطل خياره كما ذكرنا في هبة الاحجار في الارض والنعل في الدابة وحكم التمليك والاعراض على ما سبق
وذكر صاحب التقريب قولا آخر أنه لا خيار له ولا انفساخولكنهما ملكان اختلطا فصار كصبرة حنطة
الثالث على حنطة الغير وهو بعيد لانه أورث عسر التسليم في مبيع ها هنا فلو فرض ذلك في حنطة مبيعة اطرد الخلاف وهذا اذا كان قبل القبض فان تلاحق بعد القبض فهو مبني على ان الجوائح من ضمان من فان قلنا من ضمان البائع كان كما قبل القبض والا فيتفاضلان بالخصومة او الاصلاح وكذلك إذا باع الاشجار وبقيت له الثمار فتلاحقت فلا فسخ فان الثمار الجديدة ليست مبيع ولا مختلطا بالمبيع والمزني نقل تردد القولين في هذه الصورة واتفق المحققون على تخطئته ومنهم من صوبه وجعل الثمار المملوكة ملك الشجر المبيع كالمبيع وهو ضعيف فان قيل وكيف نفصل الخصومة قلنا يدعي أحدهما مقدارا وينكره الاخر ففي قدر الانكار القول قول صاحب اليد وهذا في الحنطة
واما في الثمار على الشجر فان قلنا انه من ضمان البائع فهو في يده وان قلنا من ضمان المشتري فهو في يده وقيل إنه في يدهما لان بائع الثمار له مداخلة بوجوب السقي عليه والمشتري صاحب اليد حسا
العارض الثاني الاجتياح

فان وقع قبل تسليم الثمار بتسليم الاشجار فهو في ضمان البائع وان كانبعد التسليم فالمنصوص جديدا أنه من ضمان المشتري لانه تسلط على التصرف بإثبات اليد
والقول القديم أنه من ضمان البائع إذ لا خلاف أن السقي واجب على البائع لتنمية الثمار وتربيتها فكأنه في عهدة التسليم الى القطاف
وقد نقل في بعض الروايات والامر بوضع الجوائح ولكن قال الراوي كان قبله كلام فنسيته
فقال الشافعي رضي الله عنه في الجديد لعله كان قبله ما يدل على استحباب الوضع
واختلفوا في أن القول القديم هل يجري في الفوات بآفة السرقة وما ليس من الجوائح السماوية
وعلى الصحيح الجديد لو فسدت الثمار بترك السقي وتعيبت فللمشتري الخيار قطعا لان السقي واجب بحكم العقد واقتضاء العرف ولو فات الكل بترك السقي ففي الانفساخ طريقان كما في موت العبد المريض بمرض قبل القبض لأنالثمار لضعف البنية قبل القبض متعرضة للفساد بعده إن لم تعالج بالسقي
فإن قلنا لا ينفسخ فله الخيار فإن فسخ فذاك وإن أجاز فيطالب بالمثل أو بالقيمة لان الاتلاف من جهته
وان كان قد تعيب ففي المطالبة بالارش وجهان نبهنا على نظيرهما في الاستئجار
القسم الخامس من كتاب البيع وفيه بابان
الباب الأول في مداينة العبيد الباب الثاني في الاختلاف الموجب للتحالف
الباب الأول في مداينة العبيد

والنظر فيه في المأذون وغير المأذون أما المأذون فالنظر فيه ثلاثة أمور
الأول فيما يجوز من التصرفات وليس للعبد المأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه ولا ان يأذن عبدا من عبيده في التجارة وان كان يوكل في احاد التصرفات ولا ان يتخذ دعوة للمجهزين ولا ان يعامل سيده بالبيع والشراء ولا ان يتصرف فيما يكتسبه بالاحتطاب والاحتشاش ولا ان يتعدى جنسا من التصرف الذي عين له ولا يشتري من يعتق على سيده لأن العبد متصرف للسيد بتفويضه فيقتصر على موجب الإذن والإذن بمطلقه لا يدل على جميع ذلك
ولما رأى أبو حنيفة رحمه الله أن العبد متصرف لنفسه واستدل على ذلك بتعلق العهدة به خالفنا في جميع المسائل
واختلف أصحابنا في إجارة عبيده ودوابه من حيث إن ذلك مما قد يعتادهالتجار أحيانا بخلاف إجارة نفسه
وكذلك لو أبق المأذون لم ينعزل ولو رأى السيد عبده يتصرف فسكت لم يكن سكوته إذنا في التصرفات وإذا ركبته الديون لم يزل ملك السيد عما في يده ولو أقر في المعاملة بدين لأبيه وابنه قبل ولو أذن لعبده في أن يأذن لعبده في التجارة ففعل جاز وفاقا
ولو حجر على الأول استمر على الثاني ولو حجر على الثاني جاز
وخالف أبو حنيفة رحمه الله في الكل وشرط في الحجر على العبد الثاني أعني مأذون المأذون أن يأخذ ما في يده لينفذ عزله
فإن قيل وبم يعلم المعامل كونه العبد مأذونا
قلنا بسماع إذن السيد أو ببينة عادلة
وفي جواز اعتماد الشيوع وجهان ولا يكتفى بمجرد قول العبد خلافا لأبي حنيفة رحمه اللهفإنه رآه عاقدا لنفسه فاكتفى بقوله ومن عرف كونه مأذونا وأقر به فله أن يمتنع عن تسليم عوض ما اشتراه منه إليه احترازا من إنكار السيد الى ان تقوم بينة على كونه مأذونا
وكذلك المقر بالوكالة في استيفاء الحق له الامتناع عن التسليم الى اقامة البينة ولو قال العبد حجر علي السيد وقال السيد لم أحجر فالصحيح أنه لا تجوز معاملته فإنه يباشر صورة العقد وفيه وجه أنه يجوز نظرا إلى جانب السيد وهو مذهب أبي حنيفة
النظر الثاني في لزوم العهدة

وما لزم العبد من أثمان وما اشتراه اقر به فهو مطالب به قطعا
وفيه وجه لا يعتد به أنه لا يطالب
أما السيد ففي مطالبته وتعلقه بذمته ثلاثة اوجه
الأظهر انه يطالب لانه وقع العقد له والعبد طولب لانه مباشر للعقد
والثاني لا لانه قصر أطماع المعاملين على ما سلمه إلى العبد المأذون ومثل هذا الخلاف جار في رب المال مع العامل في القراض ومنهم من طرده في الوكيل إذا سلم إليه ألف معين
والثالث انه لا يطالب أن كان ما في يد العبد وفي به وإلا فيطالب
فإن قيل قطعتم بمطالبة العبد وهذا يدل على أن العقد واقع له
قلنا قد اختلف أصحابنا في الوكيل إذا اشترى لا بصيغة السفارة في انه هل يطالب مع القطع بأنه وكيل
ووجه الفرق أن العبد وان كان وكيلا فهو مأمور وأمر السيد نافذ عليه وله أن يعرضه لمطالبات لا يتضرر بها وليس له أن يعرض الوكيل للمطالبة ولما وجب عليه أداء الدين مما في يده بحكم الأمر كانت المطالبة من ضرورته ثم استقل حتى طولب به بعد العتق
وفي رجوعه بما يغرم وجهان ووجه المنع أنه في حالة الرق قد علقه السيد بإكسابه حتى كان يلزمه الاكتساب لقضاء الدين فبقي ذلك كالمستثنى عن العتق وهو مثل الخلاف في انه لو أجره ثم أعتقه فعمل بعد العتق هل يرجع بالأجرة
فرع

إذا سلم إلى العبد ألف ليتجر فيه فاشترى بعينه شيئا فتلف قبل التسليم انفسخ العقد
وان اشترى في الذمة ففي الانفساخ ثلاثة أوجه
أحدها أنه ينفسخ لان الإذن محصور فيه وقد فات وهو اختيار القفال
والثاني لا ينفسخ ويجب على السيد ألف آخر خروجا من عهدة ما جرى بإذنه
والثالث أن السيد يتخير بين الفسخ وبين تسليم ألف آخر إليه وهو اختيار الشيخ أبي محمد وهو قريب
ومثل هذا الخلاف جار فيما إذا سلم إلى عامل القراض فتلف
التفريع

إذا قلنا لا ينفسخ فادى إليه السيد الألف فلو ارتفع العقد بسبب وعاد الألف إلى العبد فهل يتصرف فيه أم يفتقر إلى إذن جديد فيه وجهان فمنهم من قال هو جبر للأول فنزل منزلة الألف الأول فيتصرف فيه ومنهم من قال لم يجر فيه صريح إذن
ومثل هذا الخلاف جار في القراض في أن رأس المال مجموع الألفين أو هو ألف واحد
النظر الثالث في المال الذي تقضى منه ديون التجارة

ولا يتعلق عندنا برقبته خلافا لأبي حنيفة رحمه الله ولكن إذا ركبته الديون تتعلق ببضاعته ديون الأربح ورأس المال ولا يتعلق بسائر أموال السيد وفي تعلقه بإكساب العبد من الاحتطاب والاحتشاش أو ما يسلم إليه من مال آخر بعد المعاملة للاتجار وجهان
أحدهما انه يتعلق به بخلاف لوازم النكاح لان المأذون في النكاح مأذون في الأداء ولا محل للأداء سوى إكسابه وأما ها هنا فالمال هو المرصد له فالإذن لا يدل على التعلق إلا به ولذلك لم يعلقه برقبته
والثاني انه يتعلق به ويستكسب فيه أن لم يبق شيء من المال لان السيد نزله منزلة الأحرار المستقلين فيطمع فيه كما يطمع في الأحرار فليتعلق بكسبه
وعلى هذا الخلاف ينبغي أن يبنى رجوع العبد بما يغرمه بعد العتق على السيد لانه أن لم يتعلق بكسبه في الحال فلا وجه لقطع رجوعه
فرع
لو باع قبل قضاء الديون وقلنا لا يتعلق بكسبه فلا خيار للمشتري إذ لا ضرر عليه من تعلقه بذمته
وان قلنا يتعلق بكسبه فله الخيار لانه تبقى إكسابه مستحقة كما في العبد الناكح إذا بيع
القسم الثاني من الباب في غير المأذون

وكل ما يجر ضررا على المالك لا يملكه قطعا كالنكاح والمأذون في التجارة ايضا لا يملكه لانه ليس من التجارة
وان كان يمكن أن يقال ينعقد للسيد الاعتراض ولكن قطعوا بأنه لا ينعقد إذ يستحيل أن يختلف الحل عن النكاح وفي التحليل تسليط وإضرار ناجز وفي هبته وقبوله الوصية وجهان والقياس هو الجواز ووجه المنع انه جلب ملك إلى السيد في جهة مقصودة قابلة للرد بغير إذنه احترازا عن الاحتطاب والاصطياد فانه فعل لا يقبل الرد وعن عوض خلعه زوجته فانه غير مقصود
وفي ضمانه وجهان ووجه المنع انه التزام ممن لا يتصور منه في الحال التشاغل به لمنع ناجز بخلاف المفلس
وفي شرائه طريقان نزله العراقيون منزلة شراء المفلس فإنه محجور عليه لحق السيد كما أن المفلس محجور عليه لحق الغرماء وهذا تفريع على صحة هبته
وقطع صاحب التقريب والشيخ أبو محمد بالبطلان لان السيد اخذ المبيع منه فيفوت الثمن بالكلية فهو عجز محقق بخلاف المفلس فان حق البائع يتعلق بعين المبيع ولا يتعلق حق من سبق الغرماء بما تجدد ثم على الصحيح اختلفوا فيانه لو أخذه السيد منه فيجعل ذلك كزوال ملك المفلس حتى يمنع البائع من التعلق به أم يقال كان الملك مستمرا فيتعلق به حق البائع
فان قيل الملك واقع للعبد أم للسيد
قلنا هو واقع للسيد ابتداء فان في ملك العبد بتمليك السيد قولين ولا خلاف في انه لا يملك بتمليك غير السيد
والقول القديم انه يملك بتمليك السيد لانه يتصور له ملك النكاح بإذن السيد فكذا ملك اليمين
والجديد الذي عليه الفتوى انه لا يملك لتناقض فوائده إذ لا خلاف انه لا يملك من غير جهة السيد حتى قالوا لو احتطب أو أتهب على هذا القول أيضا فانه لا يملكه ولا يملك البيع والعتق وإزالة الملك فيما ملكه وفاقا وللسيد أن يزيل ملكه ويرجع فيه بل يكون ببيع ملكه وإعتاقه وهبته راجعا
وهذه أمور متفق عليها لو لم يقل بها كان غضا من كمال مالكية السيد ولو قيل به لم يبق لملك العبد حقيقة بخلاف ملك النكاح فان مقصوده الخاص متصور في حقه من غير تناقض ولا معنى للتفريع على القول القديم ولا فتوى عليه
الباب الثاني في الاختلاف الموجب للتحالف وفيه فصول
الأول في وجوه الاختلاف

والأصل في الباقي قوله عليه السلام إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا وصورته أن يقول البائع بعت بألف فيقول المشتري اشتريت بخمسمائة فقياس الخصومات تحليف المشتري لان الملك مسلم له وقد ادعى عليه زيادة وهو ينكرها
ولكن لما كثر الاختلاف في العقود ومبنى المعاوضات على تساوي المتعارضين كان تخصيص أحدهما بالتصديق إضرارا بالآخر فلما عقلنا هذا المعنى حكمنا بالتحالف وان كانت السلعة هالكة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وحكمنابإجرائه مع وارث العاقد وقال أبو حنيفة رحمه الله يجري معه قبل القبض ولا يجري بعد قبل المبيع وكذلك حكمنا به في الاختلاف في جنس المبيع وصفته وفي سائر الشرائط من الأجل والخيار والكفيل والرهن وكل شرط يقبله العقد
والضابط فيه أن يتفقا على بيع ومبيع معينا ويقع الاختلاف فيما وراءه مما يقع وصفا للبيع المتفق عليه كما إذا قال بعتك هذه الدار بهذا الثوب أو بألف درهم فقال لا بل بهذا العبد أو بمائة دينار أو ما يجري مجراه
ولو لم يتفقا على العقد بان قال بعتك بألف فقال بل وهبتنيه لم يكن من صورة التحالف بل نفصل الخصومة بطريقها وكذلك لو تنازعا في شرط مفسد لأنهما لم يتفقا على عقد صحيح بل يدعي أحدهما العقد والآخر ينكره
فقال صاحب التقريب القول قول من يدعي الشرط الفاسد لانه منكر للعقد وقال غيره بل القول قول الآخر لانه وافق على جريان العقد بصورته ويدعي مفسدا له
ولو اتفقا على قدر في الثمن واختلفا في المبيع بان قال بعتك هذا الثوب بألف فقال الآخر بل بعتني العبد بألف ففي التحالف وجهان
منهم من جعل الاتفاق على الألف كالاتفاق على المبيع
ومنهم من قال ليس الألف معينا ليتحد موردا للعقد بل هي في الذمة فكل واحد يدعي عقدا آخر يتماثل فيه الثمن ولا يتحد وهذا يلتفت على أن من اقر لإنسان بألف من جهة قرض فأنكر المقر له الجهة وقال بل هو من جهة إتلاف فهل له أن يطالبه به
ولما عقل المعنى أيضا طردنا التحالف في كل معاوضة كالصلح عن دم العمد والخلع والإجارة والمساقاة والكتابة والصداق والقراض والجهالة وكل ما فيه معنى المقابلة
ثم ما لا يقبل الفسخ بسبب العوض يقتصر اثر التحالف فيه على العوض كالصلح عن دم العمد والخلع والنكاح فيسقط ما فيه النزاع ويرجع إلى قيمة المثل
فان قيل وأي فائدة للتحالف في القراض والجهالة وكل واحد قادر على الفسخ دون التحالف وقد قطع القاضي حسين بأنه لا تحالف في البيع في مدة الخيار وقلنا الوجه منع ذلك في الجعالة والقراض أيضا قبل الشروع في العمل إذ لا معنى للتحالف وكل واحد منهما قادر على الخلاص والامتناع إذ لا لزوم أما بعد الخوض في العمل فالفسخ لا يغير مقدار المستحق وقد لزم الاستحقاق لما مضى
فرع

إذا رد العبد المبيع بالعيب فقال البائع ليس هذا ما اشتريته مني فالقول قوله لانه
يبغي استيفاء العقد ولو قال المسلم إلى ليس هذا ما قبضته مني ففيه ثلاثة أوجه أحدها القول قوله كالبائع
والثاني لا لان المسلم إليه يدعي انه قبض المستحق منه والآخر ينكره
وقال ابن سريج أن كان زيوفا فهو كذلك وان كان كعيبا فقد اعترف خصمه له بقبض لو رضي به لجاز كما في البيع فلا فرق عند ذلك
الفصل الثاني في كيفية التحالف والنظر في البداية والعدد والصيغة

أما البداية فقد نص الشافعي رضي الله عنه انه يبدأ في البيع بالبائع وفي السلم بالمسلم إليه وهو بائع وفي الكتابة بالسيد وهو في رتبة البائع ونص في النكاح انه يبدأ بالزوج وهو في رتبة المشتري فاختلف الأصحاب فمنهم من قال في الكل قولان والقول المخرج أنه يبدأ بالمشتري كما يبدأ بالزوج
ومنهم من اقر النصوص وقال اثر التحالف يظهر في النكاح في الصداق والزوج فيه في رتبة البائع وهو واقع
وذكر صاحب التقريب طريقتين إحداهما انه يقرع بينهما والأخرى أن القاضي يتخير فيبدأ بمن شاء بخلاف المتساوقين فيخصومتين إذ ليس يتفضل هاهنا غرض أحدهما دون الآخر
وما ذكره قياس حسن وهو متعين في بيع العبد بالجارية إذ لا يتميز بائع عن مشتري ولكنه في غير هذه الصورة كالإعراض عن نص الشافعي رضي الله عنه
أما العدد والصيغة فقد نص الشافعي رضي الله عنه أن البائع يحلف يمينا واحدة يبدأ فيها بالنفي ويقول والله إني ما بعته بخمسمائة وإنما بعته بألف ويقول المشتري والله ما اشتريته بألف وإنما اشتريته بخمسمائة فيجمع بين النفي والإثبات ويستحق تقديم لان البداية بالإثبات في اليمين بعيد احتمل تابعا للنفي
وقال الاصطخري يتعين البداية بالإثبات لانه المقصود وهذا بعيد
فرع

لو حلف البائع على النفي والإثبات فحلف المشتري على النفي ونكل عن الإثبات قضي عليه بيمين البائع وان لم يسلم عن معارضة في طرق النفيولكن لما اتصل النفي بالإثبات في هذه المسألة جعل النكول عن البعض كالنكول عن الكل
والقول الثاني انه لا يجمع في يمين واحدة بين النفي والإثبات لان يمين الإثبات لا يبتدأ بها إلا في القسامة على خلاف القياس فيحلف البائع على النفي ثم يحلف المشتري على النفي ثم يحلف البائع على الإثبات ثم يحلف المشتري على الإثبات فيتعدد اليمين وهو بعيد إذ لو اتبعنا قياس الخصومات لصدقنا المشتري مع يمينه وقضي له أن حلف لما سبق
ولكن خرج هذا القول من نص الشافعي رضي الله عنه فيما لو تنازع رجلان في دار في يدهما ادعى كل واحد منهما أن جميعها له إذ قال يحلف أحدهما على النفي أولا في النصف الذي في يده ويعرض على صاحبه فإن نكل حلف على الإثبات وهذه المسألة متفق عليها
التفريع

أن قلنا بتعدد اليمين فللمسألة أحوال إحداها انه لو نكل الأول عن النفي عرض على الثاني يمين واحدة جامعة للنفي والإثبات لانه الآن قد تقدم نكول فلا بأس بالإثبات
الثانية أن يتحالفا على النفي
قال الشيخ أبو محمد قد تم التضاد والتعاند فيفسخ العقد
ومنهم من قال تعود إلى الأول ويعرض عليه يمين فان حلف عرضنا على الثاني فان حلف فقد تم الآن التحالف
فعلى هذا لو حلف الأول يمين الإثبات فعدنا إلى الثاني فنكل قضينا لأول لا محالة وان لم تسلم يمينه عن المعارضة بالنفي ولعل ما ذكره الشيخ أبو محمد أولى
الثالثة أن يتناكلا جميعا في الابتداء ففيه وجهان
أحدهما أن تناكلاهما كتحالفهما لحصول التضاد وهذا كما أن تداعي اثنين مولودا كتناكرهما
وكذلك نص الأصحاب انه لو حلف الأول على النفي ونكل الثاني فرد على الأول فنكل عن الإثبات كان نكوله كحلف صاحبه
والثاني انه يتوقف لان مأخذ التفاسخ الحديث وهو منوط بالتحالف وليس في معناه التناكل
الفصل الثالث في حكم التحالف

وحكمه جواز إنشاء الفسخ هذا هو النص الانفساخ
وذكر أبو بكر الفارسي قولا مخرجا انه ينفسخ فكأنه صدق كل واحد منهما في يمينه وصار كأن البائع قال بعت بألف فقال المشتري اشتريت بخمسمائة فلم ينعقد أصلا حتى فرع الشيخ أبو علي على هذا وحكم برد الزوائد المنفصلة وتتبع التصرفات بالنقض وهو بعيد
نعم اختلف الأصحاب في أن إنشاء الفسخ هل يختص بالقاضي من حيث إنه منوط بتعذر الإمضاء وذلك عند اليأس عن التصادق بعد التحالف وهو متعلق بنظره
والاقيس أن العاقد يستقل به إذا قطعوا بان البائع هو الذي يفسخ بإفلاس المشتري والمرأة تفسخ بإعسار الزوج بالنفقة
وقالوا القاضي هو الذي يفسخ بعذر العنة كذا نقله إمامي رحمه الله والفرق بينه وبين الإعسار بالنفقة عسير
فان قيل وهل ينفسخ باطنا
قلنا إن فوضناه إلى القاضي فالظاهر انه ينفسخ باطنا لينتفع به المحق المعذور
وان جوزنا للعاقدين فان تطابقا عليه انفسخ باطنا كما لو تقابلا وان اقدم عليه من هو صادق فكمثل وان بادر الكاذب فلا ينفسخ بينه وبين الله وطرق الصادق أن ينشئ الفسخ إن أراد
فرع

في جواز وطء الجارية بعد التنازع وقبل التحالف وجهان وبعد التحالف وقبل التفاسخ وجهان مرتبان لأنه جرى سبب الزوال وأشرف عليه فهو كالزائل من وجه والوطء يحرم بالشبهة
والقياس الجواز لاستمرار الملك
الفصل الرابع في أحوال المبيع عند التفاسخ وفيه خمس مسائل
الأولى أن المبيع أن كان تالفا ثبت التفاسخ عندنا ويغرم المشتري قيمة المبيع بأي اعتبار
فيه أقوال الأصح انه يعتبر يوم التلف
والثاني انه يعتبر أقصى قيمة من يوم القبض إلى يوم التلف وهذا ضعيف
والثالث انه يعتبر يوم القبض لانه وقت دخوله في ضمانه فما زاد بعده فهو له وما نقص فهو عليه
والرابع انه يعتبر اقل قيمة من يوم العقد إلى القبض لانه إن زاد فقد زاد في ملكه وان نقص وقع في ضمان البائع لكونه في يده وكذلك يجري هذا الخلاف إذا رد أحد العوضين بالعيب وقد تلف الآخر أو اشترى عبدين وتلف أحدهما وتحالفا وقلنا نضم قيمة التالف إلى القائم
ولو اشترى عبدين فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا وقلنا لا يرد بل يطالب بالارش فالأصح انه يعتبر في تقويمه يوم العقد لان القيمة مطلوبة لتعرفالتوزيع عند المقابلة لا ليعزم بخلاف ما نحن فيه فانه يطلب القيمة ليغرمه الثانية إذا كان المبيع معيبا ضم إليه ارش العيب لان كل يد أوجبت ضمان الكل أوجبت ارش النقصان وحيث نص الشافعي رضي الله عنه على أن الزكاة المعجلة إذا استردت لتلف النصاب وقد تعيبت في يد القابض غرم الإمام ارش النقصان ولو تلف غرم المسكين القيمه حمل ذلك على الأستحباب لأن أرش النقصان قد يخف فيحمله بيت المال فان احتمل اصل القيمة فيستحب ذلك أيضا الثالثة أن يكون آبقا فيغرم قيمته ولكن يرد الفسخ على القيمة كما في التلف أو على الآبق والقيمة للحيلولة فيه وجهان
ووجه المنع أن الفسخ مملك فلا يرد على الآبق كالعقد وفائدته انه لو عاد يوما من الدهر لم يلزمه الرد في الحال
ولو آخر المطالبة إلى رجوع العبد لم يجز لان حقه في القيمة لا في العبد الرابعة أن كان كاتبا أو مرهونا غرم القيمة وهل يرد الفسخ على القيمة فيه وجهان مرتبان على الآبق وهاهنا أولى بان نجعل القيمة أصلا لان الرهن والكتابة تمنع ملك الغير فانه إبطال له وهو لازم
وكذلك إذا وجد البائع متاعه مرهونا لم يفسخ بالإفلاس وان وجده آبقا فسخ الخامسة لو كان مكرى وقلنا يصح بيعه ورد الفسخ عليه وإلا فهو مردد بين الآبق والمرهون
هذا تمام النظر في كتاب البيع والله أعلم بالصواب
كتاب الحوالة
وفيه بابان
الباب الأول في أركانه

وهي خمسة اللفظ والمحيل والمحال عليه والمحتال والدين المحال به
وأصل صحة المعاملة قوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم فإذا أحيل أحدكم على غني فليحل
وفي حقيقته مشابه الاعتياض كأنه اعتاض دينا على دين ومشابه الاستيفاء فكأنه استوفى ما عليه باستحقاق الدين على غيره
أما لفظ الحوالة فلا بد منه ولا بد من القبول فإنه معاقدة بين المحيل والمحتال
وأما المحال عليه فلا يشترط رضاه عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله والاصطخري لأن ذمته محلالتصرف فلا يعتبر رضاه وهل يشترط أن يكون عليه دين
فيه وجهان يرجع حاصلهما إلى أن الضمان بشرط براءة الأصيل هل يصح وفيه خلاف وعليه ترجع الحوالة على من لا دين عليه ولذلك يقطع باشتراط رضاه والتزامه إذا لم يكن عليه دين
ثم تردد العراقيون في أن هذه الحوالة هل تلزم قبل القبض والأصح لزومها فانه حقيقة الحوالة
أما الدين فيشترط فيه أن يكون مجانسا لما على المحال عليه قدرا وجنسا ووصفا فان كان بينهما من التفاوت ما يمنع الاستيفاء إلا بالمعاوضة امتنعت الحوالة وان كان لا يمنع الاستيفاء بل يجب القبول ولا يشترط فيه رضا لمستحق كتسليم الصحيح على المكسر والأجود عن الأردأ والحال عن المؤجل وفي بعض الأحوال جازت الحوالة
فان كان يفتقر إلى الرضا المجرد دون المعاوضة ففيه وجهان
الشرط الثاني للدين أن يكون لازما أو مصيره إلى اللزوم فتجوز الحوالةبالثمن وعلى الثمن في مدة الخيار على الصحيح ثم أن فسخ انقطعت الحوالة
وفي نجوم الكتبة ثلاثة أوجه أحدها المنع لانه ليس بلازم عليه
والثاني نقل عن ابن سريج جواز الحوالة به وعليه جميعا لثبوته وتأكده
والثالث انه لا تجوز الحوالة عليه إذ لو صح لعتق العبد ولصار الدين لازما على العبد وتصح حوالة العبد به فيبرأ العبد ويعتق ويلزم الدين في ذمة المحال عليه فلا بعد فيه
فرعان

أحدهما إذا أفلس المحال عليه أو جحد لم يثبت الرجوع على المحيل بالدين خلافا لأبي حنيفة
أما إذا كان الإفلاس مقارنا وجهله المحتال ففي ثبوت الخيار ثلاثة أوجه
أحدها لا يرجع كما إذا كان طارئا
والأظهر الثبوت فان اخذ استيفاء أو عوضا معيبا فله الرد
والثالث انه لا يثبت الخيار إلا إذا شرط كونه مليا وهذا يلتفت على أن الخيار الشرط هل يتطرق إلى الحوالة بتغليب مشابه المعاوضة فيه
الثاني إذا حال المشتري البائع بالثمن على إنسان فرد عليه المبيع بالعيبفالذي ذكره المزني رحمه الله تحريا أن الحوالة تنفسخ وتخريج المزني معدود من مذهب الشافعي رضي الله عنه
ونص في المختصر الكبير على أنها لا تبطل فقال للأصحاب قولان مأخذهما تغليب مشابه الاستيفاء أو الاعتياض وموجب الاعتياض انه لا ينقض
والأصح انه ينفسخ كما لو استحق مكسرا فاستوفى الصحيح وفسخ البيع رد الصحاح وان كان فيه شبه المعاوضة
ولو جرى ذلك قبل قبض المبيع فمنهم من قطع بفسخ الحوالة لانه رد المبيع من أصله على رأي
ولو جرى بعد قبض المحتال منهم من قطع بأنه لا ينفسخ لانه تأكد بالقبض ولو جرى في الصداق ثم عاد النصف بالطلاق منهم من قطع بأنه لا ينفسخ لانه في حكم رد مبتدأ بخلاف ما لو فسخ النكاح بسبب ولذلك تمتنع بالزيادة المتصلة
ولو أحال البائع على المشتري بالدين منهم من قطع بأنه لا ينفسخ لانه تعلق الحق بالثالث فلا سبيل إلى إبطاله
ومن الأصحاب من طرد الخلاف في كل هذه السورة من غير فرق
التفريع

أن قلنا لا ينفسخ فليس عليه رد عين ما أخذه من المحال عليه وان لم يكن استوفى بعد فهل يغرم المشتري في الحال وجهان
أن قلنا لا يغرم فالظاهر انه يطالبه المشتري لتحصيله من جهة المحال عليه حتى يغرم له فانه لا سبيل إلى قطع مطالبته بالتأخير إلى غير نهاية
وان قلنا ينفسخ فلو قبض لم يقع عن جهة المحتال وهل يقع عن جهة المشتري المحيل فيه وجهان
ووجه وقوعه أن الفسخ قد ورد على خصوص جهة الحوالة لا على ما تضمنه من الإذن في الأخذ فيضاهي تردد العلماء في أن الوجوب إذا نسخ هل يبقى الجواز وان من يحرم بالظهر قبل الزوال هل ينعقد نفلا
الباب الثاني في التنازع وفيه مسائل
الاولى إذا باع عبدا واحال بثمنه على المشتري فقال العبد انا حر الاصل وصدقه المتبايعان والمحتال فقد بطل البيع والحوالة فلو كذبه المحتال بطل البيع في حقهما ولم تبطل الحوالة إذ ثبت له حق لازم وقولهما ليس بحجة عليه الثانية إذا قال مستحق الدين أحلتني على فلان وقال لا بل وكلتكباستيفاء ديني منه فالقول قول الامر في نفي لحوالة ثم ان لم يكن قد قبض فليس له القبض لانه أنكر الوكالة فانعزل
وفي مطالبة منكر الحوالة بأصل الدين وجهان
أحدهما لا لانه اعترف ببراءته بما ادعاه من الحوالة
والثاني بلى لانه لم يسلم له ذلك فليرجع حتى لا يتعطل حقه بمجرد إنكاره
أما إذا كان قد قبض وهو قائم فللموكل اخذه الا اذا منعه حقه فله ان يتملكه لانه من جنس حقه وان كان تالفا فلا مطالبة باصل الدين لانه بزعمه قد استوفى وتلف في يده من ضمانه وبرئ المحال عليه على كل تقدير
أما إذا قال المستحق وكلتني وقال من عليه لا بل أحلتك وما وكلتك فان كان قبل القبض فلا يستوفي لان المالك أنكر الوكالة وللمستحق مطالبته إذ لا يسقط حقه بدعوى من عليه الدين الحوالة مع إنكار المستحق
وإن كان بعد القبض ففيه وجهان
أحدهما انه يملكه الان لانه من جنس حقه والمستحق يزعم أنه ملكه
والثاني أنه لا بد من مطالبته بالحق ورد هذا عليه الى ان يجري تمليك صحيح
وان جرى النزاع بعد التلف ففي ضمانه وجهان
أحدهما لا ضمان لانه مصدق في نفي الحوالة فقد تلف في يده أمانة بحكم الوكالة والثاني أنه يضمن لأن مصدق في نفي الحواله لا في اثبات الوكالة فينفعه في بقاء دينه ولا ينفعه في اسقاط الضمان
والاصل ان ما تلف في يده من ملك غيره فهو مضمون وهذا كالبائع اذا انكر قدم العيب صدق فيه ولا يثبت به حدوثه ولذلك لا يطالب بارشه اذا رد اليه بسبب آخر
فان قيل فلو اتفق على جريان لفظ الحوالة فقال اللافظ أردت به الوكالة دون الحوالة أو قال القابل قبلت الوكالة دون الحوالة
قلنا فيه قولان أحدهما أن النظر الى ظاهر اللفظ
والثاني أن المتبع قول اللافظ ونيته
كتاب الضمان
وفيه ثلاثة أبواب
والضمان معاملة صحيحة دل عليه الخبر والاجماع ومعناه تضمين الدين في ذمة الضامن حتى يصير مطالبا به مع الاصيل
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركانه وهي ستة
الأول المضمون عنه

ولا يشترط رضاه لان لغيره ان يقضي دينه بغير اذنه فكذا له ان يضمن ولا يشترط حياته ويساره بل يصح الضمان عن الميت المفلس خلافا لأبي حنيفة
وهل يشترط كونه معلوما عند الضامن فيه وجهان
أحدهما لا إذ لا تعلق لمعاملته به ولذلك لم نشترط رضاه
والثاني نعم فان الضامن قد يعول على كونه المضمون عنه مليا او متشمرا للاداء ففي الضمان عن المجهول غرر
الركن الثاني المضمون له

وفي شرط معرفته وجهان مرتبان على المضمون عنه واولى بالا يعتبر لان المطالبة تتجدد له فيختلف الغرض باختلاف المطالبين في المساهلة والمضايقة
ان قلنا يشترط معرفته ففي اشتراط رضاه وجهان
أحدهما بلى اذ تجدد له ملك مطالبة لم تكن وليس له ان يملك غيره بغير رضاه
والثاني لا لان الدين ليس يزيد انما هذه امكان مطالبة مع بقاء الدين على ما كان عليه
فان قلنا يشترط رضاه ففي اشتراط قبوله وجهان يقربان من الوجهين في اشتراط قبول الوكيل لان التوكيل اثبات سلطنة لم تكن للوكيل كما ان الضمان اثبات سلطنة للمضمون له
فان قلنا لا يشترط قبوله اكنفي بالرضا وان تقدم على الضمان
الركن الثالث الضامن

ولا يشترط فيه الا صحة العبارة وكونه من اهل التبرع فان الضمان تبرع فضمان المكاتب كتبرعه وضمان الرقيق دون اذن السيد فيه وجهان ذكرناه في شرائه وفائدة صحته ان يطالب به إذا اعتق وان ضمن بالاذن صح وفي تعلقه بكسبه ثلاثة أوجه
أحدها انه يتعلق به كالمهر ونفقة النكاح فان الاذن في الالتزام اذن في الاداء والكسب متعين لادائه
والثاني لا بل اذنه رضا بما للعبد الاستقلال به على أحد الوجهين
والثالث انه يتعلق بكسبه ان كان ماذونا في التجارة والا فلا
هذا اذا لم يكن عليه دين فان كان عليه دين وحجر عليه فلا يتعلق بكسبه وان اذن فيه السيد إذ ليس للسيد التبرع بما في يده وان لم يحجر عليه فثلاثة أوجه
أحدها لا لانه في حكم المرهون بالدين
والثاني يتعلق لانه لم يجر حجر ورهن
والثالث ان قدر الدين يستثنى فان فضل شيء تعلق به الضمان
الركن الرابع المضمون به

وشرطه ان يكون حقا ثابتا لازما معلوما
القيد الأول الثبوت
احترزنا به عما إذا قال ضمنت لك من فلان ما تقرضه منه أو ثمن هذا المبيع إذا بعته فهو باطل على القول الجديد وصحيح على القديم وفي ضمان نفقة الغد للمرأة وكذا كل ما لم يجب وجرى سبب وجوبه قولان مشهوران في الجديد أحدهما لا لانه لم يلزم
والثاني نعم لان السبب متقدم وكأن هذا تأخير يضاهي التأجيل
وضمان العهدة صحيح في ظاهر المذهب على الجديد والقديم وان كان يخالف قياس الجديد من حيث انه لم يعلم لزومه فان البائع إن باع ملك نفسه فما اخذه من الثمن ليس بدين عليه حتى يضمن ولكنه احتمل ذلك فجوز بعد جريان البيع وقبض الثمن الضمان لمصلحة العقود فإنه لا يرغب في معاملة الغرماء الا به وعليه اشتملت الصكوك في الاعصار الخالية
وخرج ابن سريج قولا انه لا يصح أصلا
وفيه قول آخر انه يصح قبل قبض الثمن وبعده ومهما جرى البيع والاعدل انه لا يصح قبل قبض الثمن حتى يكون سبب اللزوم على تقدير ثبوتالعهدة جاريا هذا فيه إذا خاف المشتري كون المبيع مستحقا فلو كان يخاف فساد العقد من جهة اخرى أو كون البيع معيبا فضمن له هذه العهدة صريحا فوجهان
أحدهما بلى كما إذا خاف خروجه مستحقا
والثاني لا لان التعلق بالمبيع ممكن هاهنا الى رد الثمن والتحرز عن المفسدات والعيوب ممكن وما بني على الحاجة والمصلحة يتبع فيه مراتب الحاجة
فان قلنا إنه يصح ضمانه صريحا ففي اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة وجهان
ولو كان يشك في كمال الصنجة او في جودة جنس الثمن قال ابن سريج صح هذا الضمان تخريجا على ضمان العهدة فهذا يقرب من مخافة العيوب فيعتضد به ذلك الوجه
ثم مهما ادعى نقصان الصنجة فالقول قول البائع لان الاصل عدم استيفاء الكمال فان حلف طالب المشتري
وهل يطالب الضامن بمجرد حلفه دون بينة يقيمها على النقصان فيه وجهان ووجه المنع ان الاصل في حقه البراءة فلا ينتهض يمينه حجة عليه
القيد الثاني كون الحق لازما
فكل دين لازم يصح ضمانه ولا يصح ضمان نجوم الكتابة لانه لا مصير لها الى اللزوم والاصح صحة ضمان الثمن في مدة الخيار لان مصيره الى اللزوم والجواز عارض وفي ضمان الجعل في الجعالة وجهان
القيد الثالث كونه معلوما
فلا يصح ضمان المجهول على الجديد كما لا يصح الابراء عنه
وفي القديم يصح ضمان المجهول والابراء عنه
ولا خلاف في جواز ضمان إبل الدية وان كان فيه ضرب جهالة وكذا الابراء
وفي طريقة العراق وجه ان ضمانه لا يصح للجهل به
ولو قال ضمنت من عشرة الى مائة ففي الجديد قولان الاشهر الصحة لان الاقصى معلوم وقد وطن نفسه عليه
والاقيس الفساد لان الغرر حاصل بجهل المقدار بين العشرة والمائة
الركن الخامس

ويتشعب عن المضمون به النظر في الكفالة بالبدن
والصحيح الذي عليه الفتوى صحته وعليه جرى الصحابة والسلف
قال المزني ضعف الشافعي رضي الله عنه كفالة البدن فمنهم من جعل ذلك ترديد قول وعلى هذا يصح ضمان عين المغصوب والمبيع وكل ما يجب تسليمه ولا يصح ضمان عين الودائع والامانات اذ لا يجب تسليمها فكأنا نكتفي بان يكون المضمون به حقا لازما ولا يشترط كونه دينا فيصح الكفالة ببدن كل من يجب عليه الحضور مجلس القضاء باستدعاء المدعي وكذلك تصح الكفالة بالبدن قبل قيام البينة على الدين لانا معتمده الحضور وهو واجب والاصح صحته بعد حضور المدعى عليه وإنكاره إذا لم يقم المدعي البينة لانه بقي له متعلق في إحضاره
ويصح الضمان ببدن الزوجة وقال ابن سريج يصح الضمان ببدن العبد الآبق ويجب السعي في احضاره ورده وتصح الكفالة ببدن الميت إذ قد يستحق إحضاره ليشاهد الشهود صورته فيشهدون عليه ولو تكفل ببدن شخص فمات ففي انقطاعه بالموت وجهان ووجه القطع ان مطلق التصرفات تحمل علىحالة الحياة وفي الكفالة ببدن من عليه عقوبة ثلاثة أوجه
أحدها بلى لانها من الحقوق
والثاني لا لانها تعرض السقوط بالشبهات
والثالث انها تصح فيما للادميين بخلاف ما يثبت لله تعالى ولو تكفل بإحضار شخص ببغداد والمكفول ببدنه بنيسابور لما يجز لانه لا يلزمه الحضور على هذا الوجه
فان قيل بماذا يخرج عن عهدة هذه الكفالة قلنا بإحضاره في المكان الذي التزمه وبتعين المكان الذي عين فان سلم فقال لا اريده الآن فقد خرج عن العهدة الا اذا كان عاجزا عن التعلق به لاستناده الى ركن وثيق فان غاب حيث يعرف خبره فعلى الكفيل السعي في إحضاره ويمهل مدة الذهاب والمجيء فان لم يحضره حبس فان حضر الاصيل وسلم نفسه برئ الكفيل كما لو أدى المضمون عنه برئ الضامن من الدين فان عجز عن إحضارن بموته او هروبه فالاصح انه لا يلزمه شيء وهو معنى تضعيف الشافعي رضي الله عنه كفالة البدن
والثاني انه يلزمه بدل الحضور الذي عجز عنه ثم فيه وجهان أحدهما أنهيلزمه الدين بالغا ما بلغ فهو الاصل مهما قامت البينة عليه والثاني يلزمه دية المكفول ببدنه فانه بدل بدنه الا اذا كان الدين اقل منه
واشتراط رضا المكفول ببدنه يبتنى على هذا فان قلنا الالتزام مقصور على الحضور فلا يجوز دون رضاه لانه ليس يقدر على استبداد بالنقض عنه وان قلنا يلزم المال فله الانفراد بهذه الكفالة كما يلزمه بضمان المال فلو أنكر المكفول به الرضا فهل له تكليفه الحضور فيه وجهان
ووجه التجويز أن الحضور مستحق والكفيل لا يتقاعد عن الوكيل
قال صاحب التقريب فعلى هذا ينبغي أن تصح الكفالة بغير إذنه ويقدر علىتكليفه الحضور لانه لا يتقاعد عن الوكيل
فروع أربعة

الأول اذا مات المكفول له هل ينتقل حقه الى ورثته فيه ثلاثة أوجه ذكرها ابن سريج أحدها لا لانه حق ضعيف ولم يلزم الا له
والثاني بلى كسائر الحقوق وهو الأقيس
والثالث إذا كان في التركة دين أو وصي يثبت وكأنه نائب عن جهته
الثاني إذا كفل ثلاثة ببدن انسان فأحضره واحد برئ هو
قال المزني وبرئ صاحباه كما في ضمان الدين
قال ابن سريج لا يبرأ صاحباه بخلاف أداء الدين فان المقصود قد حصل ثم وهاهنا لا يحصل بمجرد الحضور
الثالث لو تكفل ببدن الكفيل جاز ولو ضمن الضامن بالمال جاز
وإذا تكفل ثلاثة ببدن انسان وكل واحد تكفل ببدن صاحبه جاز فان احضر واحد برئ هو عن كفالته وبرئ من تكفل ببدن الذي أحضره وأمر الباقين في إحضار الخصم يخرج على مذهب المزني وابن سريج
الرابع لو ضمن تسليم عين المبيع فتلف قبل القبض انفسخ البيع فان قلناالكفيل عند العجز لا يغرم شيئا فكذلك هذا وان قلنا انه يغرم فهذبا على وجه يغرم الثمن وعلى وجه اقل الامرين من الثمن او القيمة يوم التلف
وقيل يعتبر اقصى القيم كما في الغاصب
الركن السادس في الصيغة وما يقترن بها من شرط ومن تقييد وفيه مسائل

الاولى ان الضمان يصح بكل لفظ يدل على الالتزام كقوله تقلدت والتزمت وضمنت وتكفلت وتحملت ولا يصح بقوله أؤدي وأحضره لانه وعد
الثانية تعليق الضمان باطل على الجديد وهو ان يقول ضمنت اذا جاء رأس الشهر او اذا بعت من فلان أما تعليق الكفالة بالبدن على مجيء رأس الشهر ذكر ابن سريج وجهين
وفي التعليق على الحصاد وجهان مرتبان واولى بالمنع
وعلى قدوم زيد وجهان مرتبان واولى بالمنع ولو نجز الكفالة وشرط تأخير الطلب الى مجيء الشهر فهي أولى بالجواز
وهذا الخلاف ليس يجري في ضمان المال ولا في الابراء لان كفالة البدن تنبني على المصلحة فاتبعت فيه الحاجات
اما اذا قال الق متاعك في البحر وعلي الف لزمه كما اذا قال طلق زوجتك واعتق عبدك وعلي الف لانه التزام لغرض صحيح
ولو قال بع عبدك من فلان بمائة وعلي ائة اخرى فوجهان الاصح انه لا يلزمه إذ لا يظهر له فيه غرض
الثالثة لو شرط في ضمان الدين الحال لم يثبت الاجل لانه يضمن ما عليه فهو تابع فلا يغير وصفه
وفي طريقة العراق جواز ذلك لانه نوع رفق فجاز إثباته ويشهد له قطع ابن سريج بانه لو نجز كفالة البدن وشرط تأخير التسليم شهرا جاز ولكن احتمل في كفالة البدن ما لم يحتمل في الضمان
ثم قال المزني لو أحضره قبل الشهر برئ عن العهدة
وقال ابن سريح ينظر ان كان الدين مؤجلا او كانت البينة غائبة فلا يبرأ وان لم يكن له غرض فيخرج على ان الحق المؤجل اذا عجل هل يجبر على قبوله وفيه قولان
ثم اذا أفسدنا شرط الاجل في ضمان الدين الحال ففي فساد الضمان بفساد الشرط وجهانولو ضمن الدين المؤجل حالا ففي فساد الشرط وجهان
وان فسد ففي فساد الضمان وجهان
الرابعة لو شرط الضامن ان يعطي المضمون عنه ضامنا ففي صحة شرطه وجهان فان فسد ففي فساد الضمان وجهان وان صح فعليه الوفاء فان لم يف فله الفسخ
الخامسة لو تكفل بعضو من بدنه فيه ثلاثة أوجه
أحدها يصح لان في تسليمه تسليم الباقي
والثاني لا إذ ليس هو من التصرفات المبنية على السراية
والثالث انه ان عين عضوا لا يقبل التسليم الا بتسليم البدن كالقلب والبطن والظهر لزم وان كان كاليد والرجل لم يلزم
الباب الثاني في حكم الضمان الصحيح وله أحكام
الحكم الأول

أنه يتجدد لمستحق الدين مطالبة الضامن ولا ينقطع مطالبته عن المضمون عنه لان معناه ضم ذمة الى ذمة
وقال مالك لا يطالب البضامن ما لم يعجز عن الممضمون عنه
وقال ابن أبي ليلى لا يطالب المضمون عنه ما لم يعجز عن الضامن
فروع ثلاثة

الاول لو ابرأ الضامن لم يبرأ الاصيل ولو ابرأ الاصيل برئ الكفيل وقوله للضامن وهبت منك او تصدقت عليك كالابراء لا كالتوفية ثم استئناف الهبة حتى لا يثبت الرجوع خلافا لابي حنيفة رحمه الله فانه قال كالتوفيةفله الرجوع
الثاني لو كان الدين مؤجلا ومات الأصيل وحل الدين لم يطالب الكفيل لانه حي ولم يلتزم ذلك أصلا
الثالث لو قضى الضامن ثم وهب منه بعد القبض ففي الرجوع خلاف كما في هبة الصداق
الحكم الثاني

يجوز للضامن إجبار المضمون له على قبول الدين مهما أداه لانه صار ملتزما بخلاف ما إذا أدى دين غيره متبرعا فانه لا يجبر على القبول بل له ذلك إن أراد
ومن أصحابنا من قال إن كان الضمان في صورة لا يرجع إذا ضمن لا يلزمه القبول لان في قبوله إدخال المال في ملك المضمون عنه ضمنا ثم وقوعه عن جهته وهو ضعيف
الحكم الثالث

يتجدد للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه بقضاء الحق اتفق الأصحاب عليه سوى القفال فانه قال ليس له ذلك في وجه حكاه ولو حبس فهل له أن يقول احبسوا المضمون عنه معي فيه وجهان أما المطالبة بتسليم الدين إلى الضامن قبل أن يغرم الضامن ففيه وجهان أحدهما لا لانه رجوع قبل الأداء والثاني نعم لانه ملتزم له فله الاستيفاء منه وينبني على هذا انه إذا صار مستحق دين عليه فله أن يشترط كفيلا عليه في اصل الضمان وله الإبراء عنه والمصالحة
وفي طريقة العراق انه لو سلم إلى الضامن ما يستحب له بقضاء الدين هل يملكه وجهان ووجه التمليك انه يستحق بسببين الضمان والقضاء وقد جرى أحدهما فكان كاليمين مع الحنث ومأخذ الخلاف مما ذكرناه أولى
الحكم الرابع الرجوع بعد الأداء

ونقدم عليه انه لو أدى دين غيره من غير ضمان بغير إذنه لم يرجع بإذنه مع شرط الرجوع رجع عليه
وان أطلق الإذن فوجهان يقربان من القولين في أن الهبة المطلقة هل تقتضي ثوابا بالعرف
ولو قال أد دين فلان لم يرجع على الأمر قطعا ولو قال أد دين الضامن عني فهو كما لو قال أد ديني لان له فيه غرضا
فرع

ولو صالح المأذون على غير جنسه فثلاثة أوجه
أحدها لا يرجع لان ما أداه غير مأذون فيه فبطل اثر الإذن
والثاني يرجع لانه مأذون له في أصل الأداء وهذه مراضاة في التفصيل جرى بينهما
والثالث أنه إن قال أد ديني رجع وان قال اقض ما علي لم يرجع فان خالفه رجعنا إلى الضمان فإذا ضمن بإذنه وأدى بإذنه رجع وان لم يشترط الرجوع هذا هو المذهب لانه أذن في الالتزام والأداء بخلاف مجرد الإذن في الأداء وان ضمن بغير إذنه وغرم بغير إذنه فلا رجوع وإن ضمن بإذنه وأدى بغير إذنه فثلاثة أوجه
أحدها انه يرجع لان موجب الرجوع هو الأداء وهو غير مأذون
والثاني بلى وهو المنصوص لان الإذن في الالتزام أذن في الأداء
والثالث انه ان طولب فغرم رجع وان ابتدأ مبادرا إليه لم يرجع
وان ضمن بغير أذن وغرم بالإذن فوجهان مرتبان على من لم يضمن إذا أدى بالإذن فأولى بان لا يرجع لانه سبق التزامه فأداؤه خروج عن التزام نفسه وهو الأصح هذا كله إذا شهد على الأداء فلو لم يشهد فلا رجوع له إلا إذا صدقه المضمون له والمضمون عنه جميعا فان صدقه المضمون عنه دون المضمون له فوجهان
أحدهما برجع مؤاخذة له بتصديقه
والثاني لا لانه لم ينفعه بأدائه فلا يرجع به وإن صدقه المضمون له وكذبه المضمون عنه فوجهان
أحدهما بلى لأن البراءة حصلت باعتراف المضمون له
والثاني لا لان الأصل براءة ذمته وقول غيره ليس حجة عليه ولو كان بمرأى من المضمون عنه رجع لأن التقصير منسوب إليه في ترك الإشهاد لا إلى الضامن
ولو أشهد فماتوا أو غابوا لم يمتنع الرجوع ولو ادعى موت الشهود وأنكرالمرجوع عليه اصل الإشهاد فالقول قول من فيه وجهان
أحدهما يرجع إذ الاحتراز عنه غير ممكن والأصل عدم التقصير
والثاني لا لان الأصل عدم الإشهاد
ولو قال أشهدت زيدا وعمرا فقالا كذب فهو كترك الإشهاد ولو قالا لا ندري لعلنا نسينا فوجهان
ولو أشهد رجلا وامرأتين رجع ولو أشهد مستورين فعدلا رجع وان لم يعدلا فوجهان يقربان من الخلاف في انعقاد النكاح بشهادتها
ولو أشهد واحدا ليحلف معه فوجهان
ووجه التقصير أن القاضي ربما يكون حنفيا ثم لو كذبه المضمون له وطالبه مرة أخرى فأشهد على الأداء الثاني فالصحيح أنه يرجع الآن
وقيل إنه إذا ثلاثة رجع بالأول فهو مظلوم بالثاني بزعمه فلا يرجع أيضا به
فروع ثلاثة

الأول لو صالح الضامن المضمون له نظر فان سومح بمقدار أو بصفة فيه لم يرجع إلا بما بذل ولو صالح على عوض يساوي تسعمائة عن دين مبلغه ألف فوجهان أحدهما يرجع بتمام الألف فان المسامحة معه في شراء ماله بالغبن مخصوص به والثاني لا بل فانه لم يبذل إلا قدر تسعمائة
ولو صالح الضامن المضمون له على خمر وكانا ذميين والمضمون عنه مسلم ففي صحة الصلح وجهان
فان صححنا وقلنا الرجوع بما بذله فهاهنا لا يطمع فيه وان قلنا الرجوع بالدين رجع
الثاني إذا ضمن العبد من سيده بإذنه فأداه بعد الحرية من كسبه ففي رجوعه وجهان يقربان من الخلاف في استمرار الإجارة بعد العتق
الثالث لو ضمن السيد عن عبده بإذنه وأداه بعد عتقه رجع عليه وإن أداه قبلالعتق رأيت للأصحاب انه يرجع وفيه نظر من حيث أن فيه إثبات دين السيد على عبده في دوام الرق وان ضمن السيد عن العبد المأذون دين التجارة فهل يرجع بعد العتق فإن قلنا إن العبد لو أداه رجع على السيد فالسيد لا يرجع عليه وان قلنا لا يرجع فوجهان ووجه المنع أن السيد إنما يرجع لانه يقول ضمنت بإذنك فللعبد أن يقول وأنا التزمت دين التجارة بإذنك فيقاوم الأمران فلا رجوع
الباب الثالث في الاختلاف وفيه مسألتان

إحداهما فيما يسمع من تناقض قول المدعي
مثاله أن من باع شيئا من رجلين بألف بشرط أن يكون كل واحد ضامنا عن صاحبه بطل البيع لانه شرط على المشتري التزام غير الثمن
ولكن لو جرى الضمان من غير شرط صح من كل جانب وكان له أن يطالب من شاء منهما بألف فلو أخذ من أحدهما خمسمائة وقال أديته عن جهة الضمان وحصتك باقية فالقول قول المؤدي
وان حلف انه أدى عن جهة نفسه فهل له أن يطالبه عن جهة الضمان فيه وجهان
أحدهما لا لانه يناقض قوله الأول إذا اعترف في دعواه ببراءته عن جهة الضمان
والثاني قطع به القفال وهو الصحيح انه يجوز إذ بني ذلك على خيال وانكشف بيمينه فلا يبطل حقه هو كما لو ادعى على المشتري أن المشترى غصب فقال منكرا بل هو ملكي وملك من اشتريته منه فأقيمت البينة فانه يرجع على البائع بالثمن وان كان قد اعترف له بالصدق وانه ملكه ولكن قيل هو بناء على ظاهر وقد ظهر بالبينة نقيضه ومن الأصحاب من طرد وجها انه لا يرجع إذ كان حقه أن يقول لا يلزمني تسليمه إليك ولا يقر للبائع بالملك وهو بعيد
ولو ادعى على شخص ضمانا عن غائب فأنكر فأقيمت البينة فغرم فأراد الرجوع على الغائب نقل المزني أن له ذلك وهذا بعيد لانه قطع بنفي الضمان وهو فعله الذي ينفيه فالرجوع مناقض له
فمن الأصحاب من قال لا يرجع وهو الأصح وحمل كلام المزني على ما إذا سكت أو أنكر وكيله ولم ينكر هو بنفسه
ولو قال الكفيل أبرأت الأصيل فبرئت فحلف المستحق فهل للكفيل مطالبة الأصيل وهو مناقض لما تقدم منه فيه وجهان الأسد الجواز لانه قد يدعي ذلك عن سماع وظن فيتبين بالحلف نقيضه
وكذلك لو تكفل ثم قال كنت أبرأت قبل كفالتي ولو أعرف فهل يسمع دعواه للتحليف فيه وجهان يجري في كل دعوى محتمل مناقضة عقد سابق
المسألة الثانية ادعى ضمانا بألف وأقام شاهدا انه ضمن ألفا وآخر أنه ضمن خمسمائة ففي ثبوت الخمسمائة وجهان
أحدهما نعم كما لو أطلق دعوى الألف من غير إسناد إلى الضمان والثاني لا لأنهما لم يتفقا على شيء واحد وضمان الألف يخالف ضمان الخمسمائة بخلاف الدين المطلق
ولو شهد الآخر أيضا على الألف ولكن قال قد قضى منه خمسمائة ففي ثبوت تمام الألف وجهان
أحدهما نعم لأنهما اتفقا عليه وانفرد أحدهما بشهادة قضاء الدين فيلغو
والثاني لا لأنه وصل بشهادته ذلك فكأنه لم يشهد إلا على خمسمائة ثم لا شك أنه لو حلف مع شاهد على قضاء الخمسمائة يقضى له به بشرط أن تعاد الشهادة فإنها جرت قبل الاستشهاد والله أعلم
كتاب الشركة

الشركة معاملة صحيحة وليس عقدا برأسها وإنما هو وكالة على التحقيق وإذن كل واحد من الشريكين صاحبه في التصرف في المال المشترك وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في أركانه وهي ثلاثة الأول المال الذي فيه الشركة

والشركة أنواع والصحيح واحدة من الشريكين لصاحبه وهي شركة العنان اشتقت من عنان الدابة لتساوي جانبيه فكأنهما يتساويان في العمل والمال كعنان الدابة وله شروط
الأول أن تجري في نقد فإن جرت في عروض مشتركة فالأصح الجواز إذ لا معنى للشركة إلا الإذن في التصرف والربح متوزع على قدر المالين
والثاني المنع لأن مقصودهما الاتجار فأشبه القراض
الشرط الثاني الاختلاط يمتنع معه التمييز حتى يقوم مقام الشركة فإن كان المال مشتركا على الشيوع فهو الغرض وإلا فلابد من اختلاط
فلو اختلفا في النوع أو في الصنجة أو في الصكة لم يصح لأنه متميز بملكه وكذلك لو تعذر التمييز كما لو خلط السمسم بالكتان ولو خلط الحنطة الحمراء بالبيضاء ففيه وجهان لأن اتحاد الجنس مع معسر التمييز قد يجعلهما بحكم العرف كالشيء الواحد
فروع

الأول شركة المفاوضة باطلة خلافا لأبي حنيفة وهو أن لا يخلطا ماليهما ولكن يتفاوضان في الاشتراك في الغنم والغرم في كل ما يفيد ويوجب غرما وهو فاسد لأن كل واحد متميز بملكه وجنايته فكان متميزا بثمرته وغرمته
الثاني شركة الأبدان باطلة خلافا لأبي حنيفة وهو اشتراك الدلالين والحمالين في أجرة أعمالهم لأن كل واحد متميز باستحقاق منفعته فاختص باستحقاق بدله
الثالث شركة الوجوه باطلة وهو أن يبيع الوجيه المقبول اللهجة في البيع مال الخامل بربح على أن يكون بعض الربح له فالربح كله لصاحب المال وله أجره تعبه إن عمل وإن لم يصدر منه إلا كلمة لا تعب فيها فلا قيمة لها
الرابع إذا كان لواحد بغلة وللآخر راوية وشاركهما ثالث ليستقي الماء بنفسه ويكون مشتركا بينهما فإن استقى ناويا نفسه اختص بالملك ولهما عليه أجرة المثل وإن قصد الشركة في الماء ففيه وجهان مأخذهما أن الاستنابة هل تؤثر في إحراز المباحات حتى يتصرف الملك عن المحرز بالقصد وسنذكره في الوكالة
فإن قلنا تؤثر فالتوزيع هاهنا على عدد الرءوس أو على قدر أجرة المثل فيه وجهان
فإن قلنا يتوزع على عدد الرءوس فيتراجعون بما يتفاوت من أجرة المثل لا محالة
ولو استأجرت بغلة وراوية ورجلا للاستقاء وأفرد كل إجارة بصفقة فلا شك في الصحة وأن الملك في الماء يقع للمستأجر
وإن فسدت الإجارة بسبب قال الشيخ أبو علي وقع الماء أيضا للمستأجر إن قصد الأجير أيضا الماء نفسه لتأثير العوض وفيما إذا قصد نفسه الإجارة نظر لأنه لا استحقاق ولا قصد من جهة المستقي إلا لنفسه فينبغي ان يقع له
وهكذا إذا كان من واحد بذر ومن آخر آلة الحراثة ومن ثالث العمل علىالاشتراك في الزرع فالزرع لصاحب البذر ولهما عليه أجرة المثل ولا طريق للاشتراك في الزرع إلا الاشتراك في البذر الشرط الثالث اقتران الخلط بالشركة
فلو عقد الشركة لفظا ثم جرى الخلط بعده قال للأصحاب لا يصح وفيه نظر محتمل إذ لا معنى للشركة إلا الإذن ولا ينقطع الإذن بالخلط الطارئ ولا يمتنع في حالة الإفراد الشرط الرابع استواء المالين
شرطه أبو القاسم الأنماطي وهو هفوة فلا مستند لاشترط ذلك أصلا الشرط الخامس معرفة مقدار النصيب حالة الشركة
وفيه وجهان ومأخذه أن الإذن في التصرف مع الجهل بقدر المتصرف فيه على هذا الوجه هل يصح
ولعل الأظهر الصحة فالمتفق عليه من جملة الشرائط الخمسة واحد وهو اختلاط المالين حتى ينزل منزلة المشترك وما عداه مختلف فيه الركن الثاني صيغة العقد
وهو أن يقولا اشتركنا على أن يتصرف كل واحد منا في مال صاحبه فيرجع حاصل العقد إلى إذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرففلو اقتصر على لفظ الاشتراك ففيه وجهان من حيث إن بمجرده يحكم العرف إشعارا بالمقصود وإن لم يصرح به الركن الثالث العاقدان
ويشترط فيهما ما يشترط في الوكيل والموكل وسيأتي في الوكالة نعم يكره مشاركة أهل الذمة والفساق لأنهم لا يحترزون عن الربا
الفصل الثاني في حكم الشركة الصحيحة ولها ثلاثة أحكام

الأول أن يتسلط كل واحد على التصرف بشرط الغبطة سواء انفرد باليد أو كان المال في يدهما ولا يشترط أيضا كون المال في يدهما لصحة العقد بل يصح كيف ما كان
فما يشتريه أحد الشريكين بعين مال الشركة يقع مشتركا وما يشتريه في الذمة على قصد الشركة أيضا يقع مشتركا
الثاني أن الربح والخسران موزع على نسبة المالين فلو شرط اختصاص أحدهما بمزيد ربح بطل الشرط ويوزع على قدر الملك خلافا لأبي حنيفة
هذا إذا شرط لمن لا يختص بمزيد عمل فإن شرط للمنفرد بكل العمل أو ببعض فثلاثة أوجه
أحدها الجواز لأنه انضم القراض إلى الشركة فعلى هذا يشترط انفراد العامل باليد
والثاني لا لأن المال إذا كان مشتركا كان هو الركن والعلة وعليه حوالة الربح والعمل ساقط العبرة بخلاف القراض فإنه لا سبب من جهة العامل إلا عمله
والثالث أنه إن انفرد بكل عمل جاز أن يشترط له فإن انفرد بمزيد بعد التعاون في الأصل فلا فإنه لا يدرى الربح حصل بأي عمل فتعينت الإحالة على المال
الحكم الثالث أن الشركة جائزة ينفسخ بالموت والجنون والفسخ
فلو قال أحدهما لصاحبه عزلتك انعزل المخاطب دون العازل ولو قال فسخت الشركة انعزل كل واحد منهما وسببه ظاهر
فإن قيل ما معنى فساد الشركة إذا لم يكن عقدا برأسها
قلنا نعني بالفساد مرة فساد الإذن ومرة فساد الشرط وذلك عند شرط التفاوت في الربح ومرة فواد المقصود وذلك عند تمييز الملكين إذ العرض لا يقع مشتركا على حسب المراد وقد يظهر فائدته في طلب أجرة المثل في العمل الذي صادف نصيب شريكه إذا كان مختصا بمزيد عمل
وأما إذا صحت الشركة فالأصح أنه لا يطالب بأجرة المثل وإن اختصبمزيد عمل لأن التبرع يتفاوت والعمل في الشركة الصحيحة معتاد
الفصل الثالث في الاختلاف وفيه مسألتان

إحداهما أنه لو ادعى عليه أحد الشريكين الجناية لم يسمع الدعوى مطلقا حتى يفصل فإذا فصلها فالقول قوله مع يمينه إذا أنكر
ولو ادعى أن ما في يده مال شركة فأنكره فالقول قوله مع يمينه لأنه صاحب اليد
ولو قال كان من مال الشركة ثم خلص لي بالإفراز والقسمة فأنكر المدعى عليه القسمة فالقول قوله في إنكار القسمة وإن اشترى شيئا ظهر فيه ربح أو خسران أو تنازعا في أنه اشتراه لنفسه أو للشركة فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أعرف بنيته ويد الشريك يد أمانة ما لم تخن فلا ضمان عليه إذا هلك
فإن ادعى هلاكا بسبب خفي فالقول قوله لأن إقامة البينة عليه عسير وإن كان السبب ظاهرا من حريق أوة غارة فلا بد من إثبات السبب ثم القول قوله مع يمينه في الهلاك بذلك السبب هكذا نقل في طريقة العراق
الثانية إذا كان بين اثنين عبد مشترك فوكل أحدهما صاحبه ببيعه فباع ثم ادعى الموكل والمشتري أن الوكيل قبض تمام الثمن وأنكر الوكيل فلا خصومة بين الموكل والمشتري إذا اعترف له بتسليم نصيبه إلى الوكيل ولكن الخصومة بين الموكلوالوكيل وبين الوكيل البائع والمشتري
فإن تخاصم البائع والمشتري فالقول قول البائع أنه لم يقبض فإن حلف أخذ نصيبه ولم يأخذ نصيب الموكل لأنه معزول بقول الموكل أنه أخذ من قبل ولا يساهمه الموكل فيما أخذه لأنه ظالم فيما أخذه الآن بزعمه
ولو شهد الموكل للمشتري على البائع بالقبض ليحلف معه فشهادته في نصيبه مردودة وفي نصيب شريكه قولان سيأتي نظائرهما في الشهادات
أما إذا تحاكم الوكيل و الموكل فالقول قول الوكيل أنه لم يقبض و ليس للمشترى أن يشهد الموكل على البائع فإنه يشهد به على نفسه فإن نكل الوكيل و حلف الموكل و أستحق نصيبه فللوكيل مطالبة المشتري بحصته و لا يسقط ذلك بنكوله و بيمين الموكل
و حكي وجه أنه إذا قيل إن اليمين المردودة كالبينة سقطت مطالبته و هو فاسد المسألة بحالها أدعي البائع و المشتري أن الوكيل قبض تمام الثمن و أنكر فالمشتري لا يبرأ عن حصة الوكيل البائع و إن صدق في التسليم لأن الموكل لم يكن وكيله فلا يبرأ بالتسليم إليه ثم إذا أخذ حصته فهل للموكل مساهمته
قال المزني نعم لأنه وكيله وقد أخذ خمسمائة مثلا من جملة الألف فيتخير بين أن يطالب البائع بمائتين وخمسين والمشتري بمائتين وخمسين وبين أن يأخذخمسمائة دفعة واحدة من المشتري بعد أن لم يقم بينة على أخذه كما إذا ادعى عليه
وقال ابن سريج لا يرجع لأن الوكيل لما ادعى أن الموكل أخذ الكل فقد عزل نفسه فلا يقع قبضه محسوبا من جهته وهو كما قال
ويبقى لكلام المزني وجه في أن أحد الشريكين وإن لم وكيلا في الاستيفاء إذا استوفى جزءا من الثمن لنفسه هل يختص به أن يقع مشتركا أخذا من المكاتب المشترك إذا أدى بعض النجوم و فيه خلاف
فإن قلنا بقول المزني فلا تقبل شهادة البائع للمشتري على قبض بالموكل نصيبه لأنه يدفع عن نفسه الرجوع والمشاركة
وعلى قول ابن سريج له ذلك لأنه لا يجر به نفعا ولا يدفع به ضرا والله أعلم
كتاب الوكالة
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركانها وهي أربعة
الركن الأول ما فيه التوكيل
وله ثلاثة شرائط الأول أن يكون قابلا للنيابة وهو ما لا يتعين بحكمه مباشرة فقد وكل صلى الله عليه وسلم في الشراء ووكل عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة ووكل الجباة في أخذ الجزية والصدقات فكان في معنى الشراء البيع والإجارة والسلم والرهن والصلح والحوالة والضمان والكفالة والشركة والوكالة والوديعة والإعارة والمضاربة والجعالة والمساقاة والقرض والهبة والوقف والصدقة لأنها أسباب شرعت ذرائع إلى المقاصد تكثر الحاجة إلى التوكيل فيها
وفي معنى النكاح الخلع والطلاق والفسوخ في العقود والرجعة على الصحيح
وفي معنى استيفاء الجزى والصدقات قبض الحقوق في الرهن والبيع وقبض الديون المستحقة
ولا تجوز النيابة فيما يتعلق القصد بعينه كالعبادات فإنها بأعيانها مقصودة في المتعاطين امتحانا وتكليفا فكيف تقبل التحويل بالتوكيل وكذا المعاصي كالسرقة والقتل والزنا والغصب فهي واقعة من الوكيل لأنه مقصود بالزجر عن عينه فيثبت حكمه في حقه فلا يتحول عنه
وألحق بفن العبادات الإيمان والشهادات فإن حكم اليمين يتعلق بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم وليس في التوكيل ذلك وكذلك حكم الشهادات يتعلق بلفظ الشهادة حتى لا يقوم غيره مقامه فكيف يتعلق بالساكت عن كلمة أداء الشهادة
ويلتحق باليمين اللعان والإيلاء وكذا الظهار إن قلنا إن المغلب عليه شوائب الإيمان لا شوائب الطلاقواختلفوا في ثلاث مسائل
الأولى الإقرار وظاهر النص جواز التوكيل فيه لأنه سبب ملزم لمال فأشبه الضمان وغيره
والثاني وهو قول ابن سريج واختياره أنه لا يصح لأن الإقرار لا يلزم وإنما هو حجة وإخبار كالشهادة فإن لم يجوز التوكيل به فهل نجعله مقرا يالتوكيل فيه وجهان أحدهما نعم حملا لقوله على الصدق والثاني لا فإنه لم يقر
الثانية التوكيل في تملك المباحات بإثبات اليد كالإحتطاب والاصطياد واستقاء الماء
وفيه وجهان منشؤهما التردد بين قبض الحقوق فإنها قابلة للتوكيل وقبض المحظورات كالسرقة والغصب فإنه لا يقبل الوكالة
الثالثة أن التوكيل بالخصومة لإثبات الأموال والعقوبات للآدميين كحد القذف في القصاص جائز برضا الخصم ودون رضاه عندنا خلافا لأبي حنيفة
ولا يجوز التوكيل بإثبات الحدود لله تعالى فإن الحق لله تعالى وهو على الدراء مبناه وهل يجوز التوكيل باستيفاء القصاص وحد القذف لا شك في جوازه في حضور الموكل وفي غيبته نص الشافعي رضي الله عنه في الوكالة أنه لا يستوفى وقال في الجنايات ولو وكل فتنحى به فعفا الموكل فقتله الوكيل قبل العلم بالعفو ففي الضمان قولان فمنهم من قطع بالجواز كما في حضرته ومنهم من قطع بالمنع لأنه إذا حضر ربما رحمه فعفا ومنهم من قال قولان مأخذهما أن الإبدال هل يتطرق إليها كالإثباتبالشهادة على الشهادة لأن الوكيل بدل وهو باطل بحال الحضور الشرط الثاني أن يكون ما به التوكيل مملوكا لموكله فلو وكله بطلاق زوجة سينكحها أو بيع عبد سيملكه فالوكالة في الحال باطلة لأنه فوض إليه ما لا يملكه الشرط الثالث أن يكون الموكل به مضبوط الجنس معلوما وفيه أربع مسائل
الأولى إذا وكل على العموم فلو قال وكلتك بكل قليل وكثير لم يجز لأنه يعظم فيه الغرر ولو قال وكلتك بما إلي من تطليق زوجاتي وعتق عبيدي واستيفاء حقوقي وقضاء ديوني فهو جائز لأنه فصل وقيد بما إليه فانتفى الغرر
ولو قال وكلتك بكل قليل وكثير مما إلي من التصرفات ففيه وجهانلتردده بين المرتبين
الثانية إذا وكل بتصرف خاص وقال اشتر لي عبدا تركيا بمائة صح ولم يشترط وراءه وصفا قطعا لأن هذا القدر ينفى الغرر عرفا
وإن اقتصر على قوله اشتر عبدا فالمذهب المنع لأنه يعظم فيه الغرر
وإن قال عبدا تركيا ولم يذكر الثمن ففيه وجهان لتردده بين المرتبتين
واختار ابن سريج صحته لأنه يكون قد وطن نفسه على أعلى الجنس المذكور
الثالثة إذا جوزنا التوكيل بالإقرار فلا يصح حتى يتبين قدر المقر به وجنسه لأن الغرر يعظم فيه
وإن وكله بالإبراء فليذكر مقداره فإن قال أبرئه من مالي عما لي عليه وعرفه الموكل دون الوكيل والمبرأ عنه جاز فلا يشترط إلا معرفة المستحق
ولو قال بع عبدي بما باع به فلان فرسه والموكل عالم بذلك القدر والوكيل جاهل لم يجز فيعتبر في العقد علم الوكيل لأنه متعلق العهدة بخلاف الإبراء
الرابعة لو قال وكلتك بمخاصمة خصمي فيه وجهان
أحدهما الجواز لأن الخصومة جنس واحد
والثاني لا لما فيه من الاختلاف والأولى تصحيحه
الركن الثاني الموكل

وشرطه أن يكون قادرا على التصرف بنفسه فلا يصح توكيل المحنون والصبي والمرأة في عقد النكاح والفاسق في نكاح ابنته إذا قلنا إنه لا يلي والعبد في نكاحه لنفسه وللأب والجد ذلك التوكيل
وهل للأخ والعم ومن يفتقر إلى الإذن في ذلك فيه وجهان منهم من ألحقهم بالوكيل والعبد المأذون وهما لا يملكان التوكيل في التصرف المعين إلا بالإذن
ومنهم من ألحق بالجد والأب
الركن الثالث الوكيل

وشرطه أن يكون صحيح العبارة فالمرأة مسلوبة العبارة في النكاح إيجابا وقبولا وكذا المحرم عندنا والصبي والمجنون مسلوبا العبارة مطلقا
والأصح أن المحجور عليه بالتبذير صحيح العبارة وكذا المحجور عليه بالفلس فيصح توكيلهم
وذكروا في توكيل العبد بقبول النكاح وتوكيل المرأة بتطليق غيرها وتوكيل الفاسق بالإيجاب في النكاح وجهين إذا قلنا إنه لا يلي مع القطع بأنه يتوكل في القبول وينبغي أن يطرد الوجهان أيضا في إيجاب العبد في النكاح
والأسد الجواز في الكل إذ لا خلل في نفس العبارة وإنما امتنع الاستقلال لمعنى لا يقتضي منع الوكالة
الركن الرابع الصيغة

وفيه مسألتان
إحداهما أن الإيجاب لا بد منه وهو قوله وكلتك أو أذنت لك أو ما يقوم مقامه
وفي القبول ثلاثة أوجه
أحدها لا يشترط لأنه تسليط وإباحة فأشبه إباحة الطعام وفي طريقة العراق أنه لابد من القبول ثم يكفي التراضي والقبول بالفعل وهذا عين إسقاط القبول بتنزيله منزلة الإباحة والثاني أنه يشترط لأنه عقد كالعقود
والثالث قال القاضي إن قال بع وطلق وأتى بصيغة الأمر فهو كالإباحة وإن قال وكلتك أو أنبتك فهذا من حيث الصيغة يستدعي قبولا لينتظم
وقد أطلق الأصحاب أن الوكيل لو عزل نفسه ينعزل
وعلى رأي القاضي يحتمل أن يقال لا تأثير لرد الوكالة كما لا تأثر لرد الإباحة ويحتمل أن يقال الإباحة تبطل بالرد فيحتاج إلى استئنافها بعد ذلك إن قلنا لا يشترط قبوله ففي اشتراط علمه وجهان مرتبان على انعزالهبالعزل دون علمه وأولى بأن يشترط
فإن قلنا يشترط علمه ففي اشتراط اتصاله بالوكالة مقترنا وجهان
الثانية تعليق الوكالة بالشروط فيه خلاف مشهور
منهم من بناه على اشتراط القبول فإن التعليق معه لا ينتظم
قال الشيخ أبو محمد إن لم يشترط القبول جاز التعليق لأن الحاجة قد تمس إليه وإن شرطنا القبول فوجهان فإنا نجوز تعليق الخلع وقد شرط فيه القبول فإن أفسدنا التعليق فوجد الشرط
قال العراقيون جاز التصرف بحكم الإذن وفائدة فساد الوكالة سقوط المسمى إن سمى له أجرة وقطع الشيخ أبو محمد بأن الإذن ليس منفصلا عن الوكالة فمعنى فسادها بطلان الإذن فرعان
أحدهما لو قال وكلتك الآن ولكن لا تباشر التصرف إلا بعد شهر أو بعد قدوم فلان
قطع العراقيون بالجواز وقالوا ليس هذا تعليقا إنما هو تأخير فيجب عليه الامتثال وبه قطع الشيخ أبو محمد
الثاني إذا قال كلما عزلتك فأنت وكيلي وجوزنا التعليق عاد وكيلا فطريقه في العزل أن يقول كلما عدت وكيلي فأنت معزول حتى يتقاوم العزل والوكالة ويكون الأصل منع التصرف
الباب الثاني في حكم الوكالة الصحيحة
ولها أربعة أحكام
الحكم الأول وجوب الموافقة والامتثال

ويعرف ذلك من موافقة اللفظ ولا يعرف بمجرده بل قد يوافق اللفظ و لا يصح لمخالفة المقصود وقد يخالف اللفظ فيصح لموافقة المقصود فأما ما يوافق اللفظ في عمومه ويمتنع بمخالفة المقصود فذلك في الوكيل المطلق وفيه صور
الأولى أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يبيع بالعرض ولا النسيئة ولا بما دون ثمن المثل ولا بثمن المثل إن قدر على ما فوقه فإن فعل شيئا من ذلك لم يصح تصرفه عند الشافعي رضي الله عته لأن قرينة العرف عرفت هذه المقاصد فنزل منزلة اللفظ فهو كما إذا أمره بشراء الجمد في الصيف فلا يشتريه في الشتاء وإذا أمره بشراء الفحم في الشتاء فلا يشتريه في الصيف تركا لعموم اللفظ بقرينة الحال فيجب أن يبيع بالنقد الغالب وثمن المثل فإن باع بثمن المثل فطلب في مجلس الخيار بزيادة ففي وجوب الفسخ وجهان فصلناهما في كتاب الرهن
الثانية أن يبيع ممن شاء من أقاربه ولا يبيع من نفسه عند الإطلاق
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يبيع ممن ترد شهادته لهوذلك وجه لأصحابنا مشهور في طريقة العراق
والصحيح أنه ينفذ مهما راعى الغبطة وبيعه من نفسه خارج عنه بقرينة العرف
نعم لو صرح بالإذن في بيعه من نفسه فقد ذكر ابن سريج وجهين القياس الظاهر صحته
ووجه المنع أنه يتحد البائع والمشتري والبيع فعل شرعي متعد إلى مبتاع ومبيع فلا يقوم إلا بمفعولين
وطرد ابن سريج هذا في ابن العم أنه هل يتولى طرفي النكاح لنفسه وكذا الوكيل في النكاح
وطرد هذا في قطع اليد بإذن الإمام سرقة وقصاصا وإقامة الحد إذا تعاطاها من عليه بالإذن وكذلك من عليه الدين إذا قال له المستحق اقبض لي مننفسك وقال لو وكله من عليه الدين بإبراء نفسه جاز
وطرد العراقيون الوجهين فيه ولعل منشأه أنه إذا قيل هل يفتقر إلى القبول يلتحق بسائر التصرفات وإلا فما ذكره ابن سريج ظاهر
وكذا الخلاف في الوكيل بالخصومة من الجانبين أنه هل يصح
ولا خلاف أن الأب يتولى طرفي البيع في مال ولده وذلك من خاصية الأبوة وفي تولي الجد طرفي النكاح على حفدته الوجهان ولو كان وكيلا بالبيع والشراء من الطرفين فينبغي أن يخرج على الوجهين فإن التناقض فيه لا يزيد على بيعه من نفسه
ولو وكل عبدا ليشتري له نفسه من مولاه صح وفي طريقة العراق وجه أنه لا يصح لأن توكيل العبد كتوكيل المولى فإن يده بيده ولو وكله ليشتري له من نفسه لا يجوز على أحد الوجهين وهو ضعيف
نعم قال صاحب التقريب لو أضاف العبد الشراء إلى موكله وقع عنه ولو أطلق وقع عن العبد وعتق لأن قوله اشتريت صريح في اقتضاء العتق فلا يتحول إلى الملك بمجرد النية
ولو وكل العبد أجنبيا ليشتري له نفسه من سيده فإن صرح بالإضافة إلى العبد صح وإن أضمر وقع عنه لأن السيد لم يرض بالعتق والنقل إلى العبد كالإعتاق
الثالثة الوكيل بالبيع إلى أجل إن فصل له الأجل لم يزد و إن أذنمطلقا في الأصل فوجهان أحدهما البطلان لأنه مجهول
والأصح الصحة ثم يتقيد بشرط الغبطة
وقيل لا يزيد على سنة فإنه أجل الشرع في الجزية و الزكاة وهو ضعيف
الرابعة الوكيل بالبيع مطلقا لا يملك تسليم المبيع قبل توفير الثمن لأنه لم يؤذن له فيه فإن وفر على المالك جاز التسليم لأنه مستحق فعليه الأداء أن لا يمنع من الحق لأنه ملكه بالتوكيل
وكذلك التوكيل بالشراء يملك تسليم الثمن ويملك قبض المشتري لأن العرف يدل عليه وهو يملك قبض ثمن المبيع المعين فيه وجهان
أحدهما لا لأنه لم يأذن وتعيين ملكه بالقبض يستدعي أمرا مجددا
والثاني نعم لأنه من توابع البيع كقبض المشتري المعين فكذلك الخلاف في أن الوكيل بالخصومة في إثبات حق هل يملك استيفاءه الوكيل بالاستيفاء هل يملك الخصومة فيه ثلاثة أوجهالثالث أن الوكيل بإثبات الحق لا يملك الاستيفاء أما الوكيل بالاستيفاء فيملك الخصومة لأنه من جملة الاستيفاء
وكذا الخلاف في أن الوكيل بالشراء إذا توجه الدرك بالثمن عند خروج المبيع مستحقا هل يخاصم في استرداد الثمن لأنه من التوابع
ولا خلاف في أنه لا يملك الإبراء عن الثمن خلافا لأبي حنيفة ويقرب من هذا الأصل الخلاف في أنه هل يملك إثبات الخيار وشرطه فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا لأن لم يؤذن له فيه
والثاني نعم لأنه من توابع العقد ومصالحه
والثالث أنه يملك في الشراء للحاجة إلى التروي ولا يملك في البيع
الخامسة الوكيل المطلق بالشراء إن اشترى عبدا معيبا يساوي ما اشتراه به فإن جهل العيب وقع عن الموكل وإن علمه فثلاثة أوجه
لأحدها نعم لأن صيغة العبد عام
والثاني لا لأن لعرف يخصص بالتسليم
والثالث أن ما لا يجزئ في الكفارة لا يقع عن جهته فقوله اشتر رقبة كقول الله تعالى { فتحرير رقبة }
أما إذا كان لا يساوي ما اشترى به فإن علم العيب لم يقع عن الموكل لأنه مخالف وإن جهل فوجهان
أحدهما لا كما لو كان يغبن ولم يعرف
والثاني نعم لأن الغبن لا تدارك له وإيقاع هذا عنه ووقوعه على رضا الموكل ممكن
التفريع

إذا اشترى المبيع المعيب بثمن المثل وقلنا يقع عنه فللموكل الرد وهل للوكيل الرد بالعيب
نظر إن لم يكن العبد معيبا من جهة الموكل فالظاهر أن له ذلك ليخرج عن العهدة فيكون من توابع العقد ومصالحه وفيه وجه حكاه صاحب التقريب عن ابن سريج أنه لا يملك وهو متجه قياسا بل يرجع إلى الموكل
أما إذا كان العبد معينا من جهة الموكل فوجهان مشهوران ووجه الفرق أنه قطع بالتعيين نظره فلعل له فيه غرضا يجبر العيب إذا علمهفإذا أثبتنا الخيار للوكيل فإذا رضي الموكل سقط خيار الوكيل فإن رضي الوكيل لم يسقط خيار الموكل فلو عاد الوكيل بعد الرضا جاز على أحد الوجهين لأن رضاه كان ساقطا
وفيه وجه أنه لم يجز له الرد فلو أراد الوكيل الرد فادعى البائع رضا الموكل فعليه البينة أو يحلف الوكيل أنه لا يعلم رضا الموكل ويرد ليخرج عن العهدة أما إذا كان الوكيل عالما بالعيب وقلنا يقع عن الموكل فلا رد له وهل للموكل الرد فيه وجهان
ووجه المنع أن علم الوكيل كعلم الموكل كما أن رؤيته تمنع الموكل من خيار الرؤية فإن قلنا له الرد فإذا رد هل يتحول العقد الآن إلى المشتري فيه وجهان
ووجه المنع أنه وقع في الابتداء عن الموكل فلا يعقل انتقاله
السادسة الوكيل المطلق بتصرف معين لا توكل فيه
ولو فوض إليه تصرفات لا يطيقها فثلاثة أوجه
أحدها لا لأنه لم يؤذن له فليفعل ما يقدر عليه وليترك الباقي
والثاني نعم لأن قرينة الحال يدل على أنه أراد تحصيله منه بطريقة
والثالث أنه لا يوكل في القدر الميسور ويوكل في الباقي
آما إذا أذن له في التوكيل بان قال بع أو وكل عني فله أن يوكل أمينا فلو وكل خائنا لم يصح لأنه خلاف الغبطة
فان كان أمينا فخان فهل للوكيل عزله فيه وجهان
ثم إذا قال وكل عني فوكل أمينا فالوكيل الثاني وكيل الموكل لا ينعزل بعزل الوكيل فان قال وكل عن نفسك فيه وجهان
أحدهما ان الوكيل الثاني وكيل الوكيل كما صرح به
والثاني وكيل الموكل لأن الوكيل لا يملك فكيف يكون له وكيل
ان قلنا انه وكيل الوكيل فله عزله وسبيل الموكل إلي عزله بعزل الوكيل الأول فان خصصه بالعزل فوجهان
وان قلنا وكيل الموكل فلا ينعزل الوكيل الأول وهل ينعزل بموته وجهان ووجه الانعزال أنه فرع على الجملة
ولو قال بع أو وكل ولم يقل عن نفسك أو عني فعلى أيهما يحمل على وجهين
هذا كله في الوكيل المطلق أما الوكيل المقيد فيجب عليه أن يتبع قيود التوكيل ولا يخالف وفيه صور
الأولى لو قال بع من شخص مخصوص أو في مكان مخصوص أو بنقد مخصوص أو وقت مخصوص أو أجل مخصوص لم يجز له ان يتعدى الى ما نهاه ولا الى ما سكت عنه اذ 1 تصور ان يكون له في المخصوص غرض
وفي تخصيص المكان الذي لا يظهر فيه تفاوت ثمن وجه
آخر أنه لا يجب اتباعه ويحمل التخصيص على وفاق
فلو قال بع بمائة ولا تبع بما فوقه لا يبيع بما فوقه ولو قال بع بمائة واقتصر عليه لا يبيع منا دونه ويبيع بما فوقه ألانه امتثل ما آمر وزاد خيرا فلم تكن مخالفة كذلك إذا قال اشتر بالفين فاشتراه بآلف صح لأنه زاده خيرا آلا إذا نهاه عما دون الآلفين
ولو قال بع بآلف درهم فباع بآلف دينار لم يصح قطعا لانه مخالفة في الجنس واللفظ لم يدل عليه فيبق ميله طبعا إليه فهو كما قبل التوكيل
ولو قال بع بالنسيئة بمائة فباع بمئه نقدا فوجهان
أحدهما أنه اختلاف جنس فلا يحتمل
والثاني أنه يصح لأنه زاده مكان المطالبة في الحال فهذا زيادة قدر
الثانية إذا سلم إليه دينارا وقال اشتر به شاة فاشترى بهشاتين وكل واحدة تساوي دينارا أو دينارا ونصفا لم يجز لأنه ربما يبغي شاة تساوي دينارا فلو اشترى شاتين كل واحدة يساوي دينارا فقولان أصحهما الصحة لما روي أنه عليه السلام دفع دينارا إلى عروة ليشتري لبه شاة فاشتري شاتين وباع إحديهما بدينار وجاء بدينار والشاة فقال عليه السلام بارك الله لك في صفقة يمينك
فان قيل فما قولكم في بيع الشاة الثانية
قلنا ذكر ابن سريج قولين ووجه الفساد يخرج الى تأويل الحديث وحمله الى أنه كان وكيلا مطلقا في التصرفات ووجه الصحة يعضد قول وقف العقود
ويمكن أن يقال جرى هاهنا لفظ يدل على أن الذي جرى يوافق الرضا فلم يكن كوقف العقود بل يصح في الحال
والقول الثاني أنه لا يصح وهذا لا وجه له مع الخبرولو قال بع هذا العبد بمائة فباع بمائة وعبد آخر يساوي مائة فقولان مرتبان وأولى بالمنع لانه جمع بين جنسين
فان قلنا لا يقع عنه فوجهان أحدهما انه يفسد
والثاني انه يصح في نصف العبد فكانه قال بع العبد بآلف فباع نصفه بإلف صح لانه زاده خير
الثالثة لو كله بشراء عبد بألف فاشترى نصفه باربعمائة لم يقع عنه فلو اشترى النصف الباقي باربعمائة أخرى لم ينقلب إليه الكل بعد انصرافه عند ابتداء وفيه وجه لا يعتد به
أما إذا قال اشتر لي عشرة اعبد بصفقة واحدة فليشتر من شخص واحد فلو اشترى من أشخاص في صفقة واحدة فوجهانأحدهما لالان الصفقة تتعدد بتعدد البائع
والثاني نعم لان المقصود ان يكون الكل مجموعا في ملكه
أما إذا قال اشتر لي عشرة اعبد مطلقا فله ان يشتري في صفقات وفي صفقة كيف شاء
الربعة إذا وكله بشراء فاسد لم يصح الوكالة ولا يستفيد بها الشراء الصحيح
ولو قال خالع زوجتي على خمر ففعل وقع الخلع كما لو تعاطاه بنفسه فلو خالع على خنزير فوجهان أحدهما لا يصح لانه مخالف
والثاني نعم لان قوله في التعيين فاسد إنما الصحيح اصل الخلع حتى لو خالع على عوض صحيح نفذ الخلع وفسد العوض وكذا في الصلح عن الدم
الخامسة الوكيل بالخصومة لا يقر على موكله لان اللفظ لا يتناوله وضعتا وعرفا خلافا لأبى حنيفة رحمه الله ولا تقبل شهادته لموكله فانه متهم فان شهد بعد العزل وكان قد انتصب مخاصما في الوكالة لم تقبل لانه صار ذا غرض طبعي في تصديق نفسه وتمشية قوله وان لم ينتصب فعزل سمعت شهادته
وقال الأصحاب ليس له أن يعدل شهود خصم الموكل كما لا يملك الإقرار وهذا ضعيف لأنه لم يستفد التعديل من الوكالة فإنه يعدل من غير وكالة
نعم لا يجعل تعديله وحده كإقرار الموكل بعد التهم ولا وجه لما أطلقه الأصحاب إلا أنه بتعديل الشهود مقصر في الوكالة وتارك حق النصح والغبطة له
السادسة إذا قال خذ مالي من فلان فمات لم يأخذه من ورثته لأنه قد رضي بيد ورثته ولو قال خذ مالي من الحق على فلان جاز أن يأخذ من ورثته لأن قصده استيفاء الحق وكذلك لو وكل العدل في بيع المرهون وهو حنطة فأتلفها أجنبي فأخذ مثلها لم يكن له بيعها لأن الإذن لا يتناول البدل
السابعة لو وكل رجلين بالخصومة فهل لكل واحد الاستبداد فيه وجهان
أحدهما لا كالوصيين والوكيلين في التصرف
والثاني نعم لأن العرف في الخصومة يجوز ذلك
الثامنة إذا سلم إليه ألفا وقال اشتر بعينها عبدا فاشترى في الذمة لم يقع عن الموكل لمخالفته
ولو قال اشتر في الذمة واصرف الألف فيه فاشترى بعينها فوجهان
ووجه التصحيح أنه لم يتفاوت إلا أنه ينفسخ العقد بتلفه فلا يلزمه الألف عندالتلف ولو اشترى في الذمة للزمه في التلف والبقاء فقد زاده خيرا
ولو سلم للألف وقال اشتر عبدا مطلقا فعلى ماذا يحمل فيه وجهان فإن حملنا على الشراء بعينه لم يجز الشراء في الذمة
التاسعة إذا قال بع من زيد بألف فباع بألفين لم يجز لأن له في مسامحته غرضا بعد التعيين إلا إذا علم خلافه بالقرينة
وإن وكله في بيع عبد بألف فباع نصفه بألف جاز ولو كان بما دون الألف لم يجز لأن الباقي ربما لا يشترى بما يكمل الألف ولو قال بع ثلاثة أعبد بألف فباع واحدا بما دون الألف لم يجز لأن الباقي ربما لا يشتري بما لايكمل الألف ولو باع بألف جاز وهل يبقى وكيلا في بيع الباقي وجهان أحدهما لا لحصول المقصود
والثاني نعم كما إذا باع دفعة واحدة بألفين مع القدرة على بيع واحد بألف فإن قال اشتر العبد بمائة ولا تشتره بخمسين لم يشتر بالخمسين ولا بما فوق المائة ويشتري بما بين الخمسين والمائة وهل يشتري بما دون الخمسين وجهان ولو قال اشتر العبد بمائة فاشترى بمائة وعشرة لم يقع عن الموكلوقال ابن سريج يقع ويلتزم الوكيل من عنده عشرة وهو باطل بما لو باع العبد المأذون في بيعه بمائة بتسعين فإنه لا يصح البيع اعتمادا على ضمان العشرة
وقال الإمام ما ذكره ابن سريج له وجه فإن من قال لغيره بع دارك من فلان ولك علي عشرة جاز على أحد الوجهين فكذلك فعله ينزل على هذا إذ ليس يرد عليه إذا قال بع بمائة فباع بتسعين لأن الوكيل والموكل في التزامه المال بأن يبيع بتسعين
فإن قيل فحيث خالف الوكيل ما حكمه
قلنا إن خالف في البيع لبطل أصلا وإن خالف في الشراء واشترى بعين مال الموكل أيضا بطل وإن كان في الذمة وقع عن الوكيل إلا إذا صرح بالإضافة إلى الموكل ففيه وجهان أحدهما أنه يلغي إضافته
والثاني أنه يبطل من أصله لأنه لا يحتمل كلامه مع التصريح بإضافته إليه بخلاف المطلق
الحكم الثاني للوكالة ثبوت حكم الأمانة للوكيل

حتى أن ما يتلف في يده من المبيع والثمن والمشتري لا يضمنه إذا لم يتعد فلو طولب بالرد فامتنع عصى وصار ضامنا ولو انتفع بالمبيع أيضا صار ضامنا فلو باع بعد التعدي صح ولم يضمن الثمن وإن قبضه لأنه لم يتعد في عيبه ولو وكل ببيع شيء يساوي عشرة فباع بتسعة يجوز لأن هذا القدر يتغابن الناس بمثله والاحتراز عنه عسير فلو باع بثمانية لم يصح العقد ولا يضمن إذا لم يسلم لأنه هذيان صدر منه ولم يتعلق بالعين فيصح بيعه بعد ذلك بالعشرة فلو باع بثمانية وسلم فقد تعدى والموكل يسترد المبيع إن كان باقيا وإن تلف في يد المشتري ضمن المشتري عشرة وله أن يطالب الوكيل أيضا ولكن بكم يطالبه فيه ثلاثة أقوال أحدها بالعشرة وهو الأظهر
والثاني بتسعة إذ لو باع بتسعة وسلم إليه لبرئ عنه
والثالث أنه يطالبه بدرهم والباقي يتعين المشتري وبمطالبته إذ كان تنقطع المطالبة بأن يبيع بتسعة فإذا باع بثمانية فقد نقص درهم والصحيح هو الأول
ثم كل ما ضمنه الوكيل يرجع به على المشتري لأنه تلف في يد المشتري فالقرار عليه
والوكيل في السلم إذا أبرأ المسلم إليه عن المسلم في ولم يعترف بكونه وكيلا نفذ الإبراء ظاهرا ولا ينفذ باطنا وضمن الوكيل للموكل إن قلنا إنالحيلولة بالقول سبب الضمان ثم يضمن له قيمة رأس المال فإن الاعتياض عن المسلم فيه قبل القبض لا يجوز بخلاف ما لو باع عينا وأبرأ عن الثمن فإنه يضمن مبلغ الثمن لا قيمة المبيع
ومهما طولب الوكيل أو المودع بالرد فكان في الحمام أو مشغولا بالطعام لم يعص بهذا القدر من التأخير وهو ظاهر بالعرف ولكن قال الأصحاب لو تلف في هذه المدة ضمن وإنما جاز له التأخير لغرض نفسه بشرط سلامة العاقبة
وهذا منقدح إذا كان التلف بسبب التأخير وبعيد إذا لم يكن التأخير سببا فيه
الحكم الثالث العهدة والمطالبة

ولها ثلاث مواضع
الأول في الشراء فالوكيل بالشراء إن سلم إليه الثمن كان مطالبا بتسليم ما سلم إليه وإن لم يسلم الموكل إليه شيئا وأنكر البائع كونه وكيلا فله مطالبته وإن اعترف بكونه وكيلا فثلاثة أوجه ذكرها ابن سريج
أحدها أنه المطالب فإنه العاقد
والثاني أنه لا يطالب إلا الموكل فإنه المتملك والوكيل سفير
والثالث أنه يطالب أيهما شاء ثم إن طالب الوكيل فالأصح أنه يرجع على الموكل
وفيه وجه أن قوله اشتر لي اقتراح هبة فهو كقوله أد ديني وفي الرجوع ثم خلاف
الموضع الثاني إذا خرج المبيع مستحقا وقد تلف الثمن في يد الوكيل فالمشتري يطالب من فيه الأوجه الثلاثة
أحدها الوكيل فقط فإنه تلف في يده
والثاني الموكل فإنه سفير من جهته
والثالث يطالبهما جميعا
ثم قرار الضمان على من فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه على الوكيل إذا تلف في يده فالموكل يرجع عليه
والثاني على الموكل لأن الوكيل كان مأمورا من جهته
والثالث لا يرجع أحدهما على صاحبه بل كل من طولب استقر عليه
الموضع الثالث الوكيل بشراء العبد إذا قبض العبد المشترى وتلف في يده وخرج مستحقا فالمستحق يطالب البائع لا محالة وفي مطالبته للوكيل والموكل الأوجه الثلاثة
وكذا الخلاف في القرار وتقرير الضمان على الموكل هاهنا أبعد لأنه لم يسبق منه تغرير بخلاف التوكيل في البيع
الحكم الرابع للوكالة الجواز

فهو جائز من الجانبين وينعزل الوكيل بثلاثة أسباب
الأول عزول الموكل إياه بمشهد منه وإن كان في غيبته فينعزل مهما بلغه الخبر وقيل بلوغ الخبر قولان
المنصوص أنه ينعزل لأنه لا يفتقر إلى رضاه فلا يفتقر إلى حضوره وعلمه
والثاني لا لأنه لا يوثق بتصرفه لتصور عزله دون معرفته فصار كالقاضي
وفي القاضي وجه أنه ينعزل في الغيبة وهو بعيد فإن عزل القاضي بغير سبب لا يجوز وعزل الوكيل جائز ولا خلاف في أن الموكل لو باع ما وكل في بيعه أو أعتق انعزل الوكيل ضمنا فإن قلنا ينفذ عزله في الغيبة فليشهد الموكل عليه فإنه لا يسمع مجرد قوله بعد تصرف الوكيل
السبب الثاني عزل الوكيل نفسه وتعديه في مال الوكالة ليس ردا للوكالة بل يبقى وكيلا على الأصح وإن صار ضامنا بإنكاره الوكالة هل يجعل إنشاء للرد فيه ثلاثة أوجه والأصح هو الثالث وهو أنه إن قال ذلك عن نسيانأو لغرض في إخفاء الوكالة فلا يكون عزلا وإن أنكر مع العلم فهو رد للوكالة من جهته
الثالث أن يخرج الموكل بالجنون أو الموت عن أهلية التوكيل أو الوكيل عن أهلية التوكيل أو الوكيل عن أهلية الامتثال بالجنون والموت والأصح أنه لا ينعزل بالإغماء وينعزل بالجنون وإن قل وقيل لا ينعزل بهما وقيل ينعزل بهما جميعا
فلو وكل عبده ثم أعتقه أو باعه أو كاتبه ففي انعزاله ثلاثة أوجه
أحدها لا لعموم الإذن و بقاء الأهلية
والثاني نعم لأن أمره محمول على الاستخدام وقد بطل محلية الاستخدام في حقه
والثالث أنه ينظر إلى لفظه فإن قال وكلتك بقي بعد زوال سلطنته وإن قال بع و اشتر بصيغة الأمر فهو محمول على الاستخدام
الباب الثالث في تنازع الوكيل والموكل

وتنازعهما في ثلاثة مواضع
الأول التنازع في أصل الوكالة أو صفتها

كقول الوكيل وكلتني فقال ما وكلتك أو قال وكلتني ببيع الكل فقال بل بالبعض أو قال أذنت لي في البيع بالنسيئة فقال بل بالنقد أو قال أذنت في الشراء بعشرين فقال بل بالعشرة فالقول في جميع ذلك قول الموكل لأن الأصل عدمه
فرعان
أحدهما إذا باع الوكيل بالنسيئة وأنكر البائع الإذن في الأجل فإن كان المبيع قائما استرد والقول قوله ولو أنكر المشتري كونه وكيلا لم يقبل قول الموكل عليه بل يحلفه على أنه لا يعلم كونه وكيلا من جهته فإذا حلف فللموكل مطالبة الوكيل بقيمة السلعة ثم إذا انقضى الأجل فللوكيل أن يطالب المشتري بالثمن ويأخذه بما غرمه فإن زاد على ما غرمه فالزيادة لا يدعيها لنفسه ولا البائع ولا المشتري فماذا يصنع به وفي مثله خلاف مشهور
فإن كذب الوكيل نفسه أيضا وقال صدق الموكل لم يكن له أن يطالب إلا بأقل الأمرين من الثمن أو القيمة ليجبر حق نفسه مما غرم
الثاني إذا اشترى جارية عشرين فقال الموكل ما أذنت إلا في عشرة فالقول قوله فإن كان اشترى بعين ماله فهو باطل وإن اشترى في الذمة واعترف البائع بالوكالة فكمثل فإن أنكر الوكالة لم يقبل قوله على البائع ويغرم الوكيل للموكل ماله مهما حلف على أنه لم يأذن وتبقى الجارية في يد الوكيل فيتلطف الحاكم بالموكل ويقول له لا يضرك أن تقول للوكيل بعتك الجارية بعشرين حتى تسلم لك العشرون فإن قال ذلك حصل الغرض
فإن قال إن كنت قد أذنت لك فلو بعتك ففي هذه الصيغة وجهان أصحهما وهو ظاهر كلام المزني الصحة لأن هذا من مقتضى الشرع وإن لم يصرح
وإن أبى الموكل ذلك قال المزني يبيع الوكيل الجارية ويأخذ ما غرم من ثمنها
وقال الإصطخري وجهان
أحدهما ما قاله المزني والثاني أنه يملك ظاهرا وباطنا بناء على ما إذا ادعى على غيره أنك اشتريت داري فأنكر وحلف فيستحب للمشتري أن يقول إن كنت اشتريته فقد فسخت فإن لم يقل فالبائع على قول يبيع الدار ويأخذ ثمنها وعلى قول يملكه ويكون إنكاره كإفلاسه فهو أحق بعين ماله
قال أبو إسحاق لا يملك الجارية قولا واحدا وهو الصحيح بخلاف مسالةالدار فإن تعذر الثمن ثبت الرجوع إلى المبيع وهاهنا لا معاملة بين الوكيل والموكل فعلى هذا الوجه أن يقال قد ظفر بغير جنس حقه فيأخذه بحقه ويقطع بهذا القول هاهنا لأن من له الحق لا يدعيه لنفسه بخلاف ما إذا ظفر بغير جنس حقه من مال من يدعي المال لنفسه
النزاع الثاني في التصرف المأذون فيه


فإذا قال الوكيل بعت أو أعتقت أو اشتريت وأنكر الموكل فقولان
أحدهما القول قول الوكيل لأنه مأذون أمين قادر على الإنشاء وهو أعرف به
والثاني أن القول قول الموكل إذا الأصل عدمه وقوله بعت إقرار على الموكل فلا يلزمه وكذا الخلاف إذا وكله بقضاء الدين فقال قضيت
أما إذا ادعى الوكيل تلف المال في يده فالقول قوله لأنه أمين فإقامة البينة عليه غير ممكن
ولو ادعى الرد على الموكل فكذلك القول قوله لأنه يبغي دفع العهدة عن نفسه لا إلزام الموكل شيئا وطرد المراوزة هذا في كل يد هي أمانة في حق من صدر منه إثبات اليد كيد الرهن والإجارة والوكيل بالجعل وذكر العراقيون في كل ذلك وجهين
هذا مع القطع بأن الوكيل لو مات فادعى وارثة الرد لم يصدق لأنه ليس مؤتمنا من جهته وكذا الولي والوصي إذا ادعيا رد المال إلى الطفل بعد البلوغ وفي الولي وجه أنه يصدق
نعم أشهر بالخلاف في أن ما صرفه إلى نفقته في صغره هل يطالب بالإشهاد عليه أم يصدق بمجرد يمينه لأن في إقامة البينة عليه نوع عسر والملتقط ومن طير الريح ثوبا في داره هؤلاء لا يصدقون في دعوى الرد
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11