كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد


أحدهما أنه بالظهور فإن موجب الشرط أن ما يحصل من ربح فهو لهما وقد حصل
والثاني لا لأن العمل مجهول ولم يتم فأشبه الجعالة ولأنه لو ملك لصار شريكا ولم يكن نصيبه وقاية الخسران وهو اختيار المزني

التفريع

إن قلنا لا يملك فلو أتلف المالك المال غرم حصته لأن الإتلاف كالقسمة والاستيفاء وكذا إذا أتلف العامل شيئا غرم نصيبه
ولو أراد العامل التنضيض لتحصيل نصيبه لم يمنع
ولو مات قام ذريته مقامه لأن الحق متأكد حتى لو كان في مال القراض جارية لم يجر للمالك وطؤها لتأكد حقه
وكذا إذا لم يكن له ربح لأن الربح بارتفاع السوق لا يوقف عليه والوطء يحرم بالشبهة
وإن قلنا يملك بالظهور فلا يستقر بل هو وقاية رأس المال ما دام العقد باقيا فإن فسخ وقسم استقر وإن فسخ والمال ناض ولم يقسم بعدفالصحيح الاستقرار فإن فسخ والمال عروض فإن قلنا العامل يجبر على البيع فلا استقرار وإن قلنا لا يجبر كما سيأتي فوجهان
السادسة في الزيادة والنقصان العينية
أما الزيادة فهي من مال القراض كما إذا نتجت شاة أو أثمرت حديقة أو ولدت جارية فهو من مال القراض ويعد ذلك من الربح
وكذا أجرة المنافع إذا آجر دواب المال أو تعدى غيره باستعمالها
وكذا مهر الجارية إذا وطئت حتى لو وطئها السيد جعل مستردا مقدار العقر ولو استولدها كان مستردا قدر الجارية وهل يضاف إليه العقد أيضا فيه تردد
وأما النقصان فما يقع بانخفاض الأسعار فهو خسران عليه جبره وكذلك ما يقع يتعيب المال ومرض الدواب
فأما ما يقع بتلف المال أو سرقة ففيه وجهان أظهرهما أن عليه جبره لأن التاجر بصدد ذلك وقد حسبنا له الزيادة العينية فيحسب عليه النقصان العيني أيضا وكما حسبنا عليه التعييب في الصفات هذا إذا كان بعد التصرف الثاني
فإن كان قبل التصرف بأن سلم إليه ألفين فتلف ألف وبقي ألف فرأس المال ألف أم ألفان فيه وجهان
ووجه قولنا ألف أن ذلك فات قبل الخوض في التجارة فلا تكون التجارة متناولة له فلا يجبر
وإن اشترى بألفين عبدين فقبل بيعهما تلف أحدهما فوجهان مرتبان وأولى بأن يجبر لأنه خاض في التصرف
ووجه الآخر أن التجارة هو البيع وتحصيل الربح ببيعه أما الشراء فإنه تهيئة محل التجارة
فرع

إذا سلم إليه ألفا فاشترى عبدا فتلف الألف نظر إن اشترى بعينه انفسخ وإن اشترى في الذمة لا ينفسخ وفي انصراف العقد إلى العامل وجهان
فإن قلنا لا ينصرف فعلى المالك تسليم ألف آخر ثم إذا سلم فرأس المال ألفأم ألفان فيه وجهان مرتبان وهاهنا أولى بأن يكون رأس المال ألفا لأنه لم يبق مما يتناوله العقد الأول شئ هذا إذا تلف بآفة سماوية
أما إذا تلف رأس المال أو بعضه بإتلاف أجنبي فالقراض مستمر والبدل ثابت في ذمته
وإن أتلفه المالك فهو مسترد وعليه حصة العامل
وإن كان بإتلاف العامل انفسخ إذ لا يدخل البدل في ملك المالك إلا بقبضه منه
الباب الثالث في حكم التفاسخ والتنازع
وفيه أربع مسائل
المسألة الأولى إذا انفسخ القراض بفسخ أحد المتعاقدين فإنه جائز من الجانبين فللمال ثلاثة أحوال
الأولى أن يكون ناضا من جنس رأس المال فاز به المالك إن لم يكن ربح ولم يكن للعامل منعه ليستربح وإن كان ربح عمل بموجب الشرط
الحالة الثانية أن يكون عروضا فإن لم يكن ربح فهل للمالك إجبار العامل على الرد إلى النضوض وجهان
أحدهما لا لأن العقد قد انفسخ وهو لم يلتزم أمرا
والثاني نعم لأنه ملتزم أن يرد جنس ما أخذ منه ليخرج عن العهدة
فإن رضي المالك بأن لا يباع فأبى العامل إلا البيع فهو ممنوع منه إلا إذا صادف زبونا يشتري بزيادة يستفيد به ربحا على رأس المال فعند ذلك يمكن
فلو لم يبع ورد العروض فارتفعت الأسواق وظهر ربح بعد الرد فوجهان
أحدهما له طلب نصيبه فإنه رد على ظن أنه لا ربح فيه وقد ظهر الآن
والثاني لا لأنه ظهور بعد الفسخ
وإن كان في المال ربح وجب على العامل أن ينض رأس المال فيبقى الباقيمشتركا وليس عليه بيعه فإنه لم يلتزمه
وإن امتنع العامل من البيع أجبر فإن الربح لا يظهر إلا بظهور قدر رأس المال بالتنضيض
فإن قال دعوني فقد تركت ربحي فإن قلنا ملك بالظهور فلا يسقط بالإسقاط وإن قلنا لا يملك فوجهان
أحدهما يسقط كالغنيمة قبل القسمة
والثاني لا لأن الغنيمة غير مقصودة في الجهاد الذى هو إعلاء كلمة الله تعالى والربح مقصود وقد تأكد سببه
فإن قلنا لا يسقط فعليه البيع وإن قلنا يسقط فهو كما إذا لم يكن ربح ففيه وجهان
فرع
ليس لأحدهما أن يطلب قسمة الربح لأنه يعرض جبر الخسران فيتضرر العامل برده إن طلب المالك والمالك بخروجه عن جبر الخسران إن طلب العامل
الحالة الثالثة أن يرد المال إلى نقد لا من جنس رأس المال
فيلزمه الرد إلى ذلك الجنس وإن كان هو النقد الغالب لأن الربح لا يظهر إلا به
فإن كان مكسرا ورأس المال صحاح فيشتري بها مثله إن وجد وإلا فيحذر من الربا ويشتري به الذهب إذا كان رأس المال فضة غير مكسرة وبالذهب الصحاح
فلو اشترى به عرضا ليبيعه بالذهب فهل يمكن فيه وجهان
ووجه المنع أن العرض قد يصير معوقا عليه
المسألة الثانية إذا تفاسخا وكان المالك قد استرد من قبل طائفة من المال فإن لم يكن وقت الاسترداد لا ربح ولا خسران فلا إشكال إذ رأس المال هو الباقي وإن كان فيه ربح فما استرده وقع شائعا فالقدر الذى يخص الربح يستقر للعامل نصيبه منه فلا يضيع بعد ذلك بخسران
وإن كان في المال خسران فما استرده بحصة جزء من الخسران فلا يجب على العامل جبر القدر الذى يخص المسترد من الربح الذى بعده بيانه صورتان
إحداهما المال مائة وربح عشرين فاسترد المالك عشرين ثم خسر عشرين فعاد إلى ثمانين فليس للمالك أن يأخذ الكل ويزعم أن رأس المال كان مائة لأنه إذا استرد عشرين وهو سدس جملة المال فسدس العشرين ربح وهو ثلاثة وثلث فقد استقر للعامل نصفه وهو درهم وثلثان فلا يلزمه جبر ذلك بل يأخذ هذا القدر من الثمانين ويرد الباقي
الثانية المال مائة وخسر عشرين واسترد المالك عشرين فصار ستين ثم ربح عشرين فترقى إلى ثمانين فليس للمالك أن يقول ربح عشرين بخسران عشرين والكل لي لأنه خسر أولا عشرين فتوزع على الباقي وهو ثمانون فيخص كل واحد من عشرين خمسة فلا يلزمه جبر تيك الخمسة فكأنه بقي المال خمسة وسبعين وإذا صار الآن ثمانين تكون الخمسة فضلا فيقسم بينهما نصفينحتى يفوز المالك بسبعة وسبعين ونصف من جملة الثمانين الباقية
المسألة الثالثة القراض ينفسخ بالجنون والموت
فلو مات المالك فلوارثه مطالبة العامل بالتنضيض حيث كان يجوز للمالك لو فسخه بنفسه وهو حي ثم يقدر ربح العامل ولا يصرف إلى ديون المالك لأن حقه وإن لم يملك بالظهور لا يتقاعد عن حق المرتهن فيقدم على الديون فلو أراد وارث المالك تقريره فقال قررتك على ما مضى فقال قبلت ففيه وجهان يجري مثلهما في الوارث إذا قال أجزت الوصية وقلنا إنها ابتداء عطية ووجه المنع ظاهر لأن ما مضى قد بطل فلا معنى للتقرير
ووجه الجواز أن التقرير يبنى على إعادة مثل ما سبق حتى طردوا هذا فيما إذا قال البائع للمشتري بعد فسخ البيع قررتك على ما مضى ولم يسمح بهذا في النكاح بحال لما فيه من التعبد
هذا إذا كان المال ناضا فإن كان عرضا فوجهان ووجه الجواز أنه عرض هو اشتراه فلا يضيق عليه وقد تعين جنس رأس المال من قبل فأمكن الرجوع إليه بخلاف العقد على العروض ابتداء
أما إذا مات العامل فقد انفسخ العقد فإن قرر المالك وارثه فالخلاف الواقع في لفظ التقرير كما مضى
أما إذا كان المال عروضا لم يجز لأن وارث العامل لم يشتر المال بنفسه فيكون العروض كلا عليه وإن لم يكن على العامل المشتري
وعلى الأحوال كلها فلوارثه طلب نصيب العامل من الربح وقطع الأصحاب يتجويز استئناف القراض معه وإن كان في المال ربح إذا كان المال ناضا وهذا يدل على أن القراض مع الشريك جائز إذا كان العامل مستبدا باليد فيقسم الربح على نسبة الملك ثم يقسم الباقي بالشرط
فأما إذا كان الشريكان متعاونين على العمل والمال في يدهما لا يجوز تغيير نسبة الملك بالشرط ولو اختص أحدهما بمزيد عمل ففي جواز ذلك وجهان
المسألة الرابعة في التنازع وله صور
الأولى إذا تنازعا في تلف المال فالقول قول العامل لأنه أمين ما لم يتعد كالمودع وإن تنازعا في الرد فكذلك
وقال العراقيون في الرد وجهان وزعموا أنه لا يلحق في هذا بالمودع على أحد الوجهين
الثانية لو اختلفا في قدر الربح المشروط فيتحالفان لأنه نزاع في قدر العوض فإذا تحالفا سلم كل الربح للمالك وليس للعامل إلا أجرة المثل
الثالثة إذا اختلفا في قدر رأس المال ولا ربح فالقول قول العامل لأنه نزاع في القبض والأصل عدمه
وإن كان فيه ربح فهو كذلك على الأصح وقيل إنهما يتحالفان لأنقدر الريح يتفاوت به
الرابعة في المال عبد فقال المالك اشتريته للقراض وقال العامل بل لنفسي أو بالعكس فالقول قول العامل لأنه أعرف بنيته
الخامسة لو قال كنت نهيتك عن شراء العبد فأنكر فالقول قوله إذ الأصل عدم النهي
السادسة تنازعا في الربح ووجوده فالقول قول العامل فإن أقر بالربح ثم قال غلطت أو كذبت خيفة أن ينتزع المال من يدي لم يسمع رجوعه
وإن قال صدقت ولكن خسرت بعده فالقول قوله
السابعة سلم رجلان كل واحد ألفا إلى رجل فاشترى لكل واحد عبدا والتبس واعترفوا بالإشكال فقد نص الشافعي رضي الله عنه على قولين
أحدهما أنه يباع العبدان ويقسم الثمن عليهما بالسوية
والثاني أنهما ينقلبان إلى الوكيل ويغرم هو لهما قيمتهما بالسوية
فإن زاد فذاك وإن نقص غرم قدر النقصان وكأنه مقصر بالنسيان وهذا فيه مزيد نظر ذكرناه في المذهب البسيط والله أعلم بالصواب
كتاب المساقاة
وفيه بابان
الباب الأول في أركانه
وهي أربعة
الركن الأول في الأصل الذى يعقد عليه العقد وله شرائط

الأول أن يكون شجرا والنخيل هو الأصل إذ ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على النصف مما يخرج من تمر وزرع وهذه المعاملة قريبة من القراض ولكن تخالفها في اللزوم والتأقيت فإنهما لا يليقان بالقراض وفي أن الثمار تملك بمجرد الظهور فإنه ليس وقاية للنخيل بخلاف القراض وفي طريقة العراق وجه أنه كالربح حتى يخرج على القولين ثم لا خلاف في أن الكرم بمعنى النخيل لأن العمل عليهما يتقارب والزكاة تجب فيهما وفي سائر الأشجار المثرة قولان
أحدهما أنها في معناهما للحاجة إليه
والثاني لا لأن العمل عليهما يقل فيمكن الاستئجار عليه
ونعني بالشجر كل ما يثبت أصله في الأرض ويفصل ثمره
أما المزارع وقصب السكر والبطيخ والقثاء والباذنجان فلا يعقد عليها هذه المعاملة لأن جميعها في معنى المخابرة والمزارعة
والمخابرة هي صورة هذه المعاملة على الأرض والبذر من العامل
والمزارعة هى بعينها والبذر من المالك
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وساقى
فقال الشافعي رضي الله عنه لا يرد إحدى السنتين بالأخرى خلافا لأبي حنيفة رحمه الله حيث أبطل المساقاة قياسا على المزارعةثم البقل من قبيل الزرع وإن ثبتت أصوله
فإن قيل فقد ساقى عليه السلام على الزرع والتمر جميعا قلنا لا جرم بقول تصح المزارعة تبعا للمساقاة في الأرض المتحللة بين النخيل بخمسة شرائط اثنان متفق عليهما
وهو أن يكون العامل على النخيل والزرع واحدا
والثاني أن تكون الأراضي بحيث لا يمكن إفرادها بالعمل إذ بسقيها وتقليبها ينتفع النخيل
واختلفوا في ثلاث شرائط
أحدها اتحاد الصفقة فلو عقدها في صفقتين فثلاثة أوجه
أحدها أنه يصح ثم إن أخرت المزارعة تبعت المساقاة السابقة وإن قدمت كانت موقوفة الصحة على المساقاة بعدها
والثاني لا يصح مطلقا لانعدام التبعية بالتمييز
والثالث إن قدمت المزارعة فسدت إذ لا متبوع وإن أخرت صحت ثم لو جمعهما في صفقة واحدة ولكن جعل للعامل من الثمار النصف ومن الزرع جزءا آخر أقل أو أكثر ففيه أيضا تردد لأن التغير يكاد يقطع حكم التبعية
والثاني أن لا تكثر الأراضي فإن كثرت إما بكثرة الارتفاع بالإضافة إلى النخيل أو باتساع الساحة بالإضافة إلى مغارس النخيل فوجهان والأصح الصحة مهما لم يمكن إفرادها بالعمل مع الكثرة
الثالث أن يكون البذر من رب النخيل فإن كان من العامل فقد حصل نوع مغايرة بين الجنسين ففي انقطاع التبعية وجهان
الشرط الثاني أن يكون شجرا غير بارزة الثمار عند المساقاة فإن برزت الثمار نص في القديم أنها فاسدة إذ لم تخرج الثمار بعمله وهو موضوع العقد ونص فيالجديد على أنه إذا جاز قبل البروز فبعده أجوز وعن الغرر أبعد لأنه بقي العمل والثمر صار موثوقا به
الشرط الثالث أن تكون الحديقة مرئية

فإن ساقاه على ما لم ير فطريقان
أحدهما فيه قولان كبيع الغائب
والثاني البطلان لأنه عقد غرر فلا يحتمل فيه هذا الجهل
الركن الثاني في المشروط للعامل وهو الثمار

فليكن مشروطا على الاستهام ومخصوصا بهما ومعلوما بالجزئية لا بالتقدير كما ذكرناه في الربح في القراض وننبه هاهنا على أمور ثلاثة
الأول أنه لو ساقى على ودي نظر فإن لم يكن مغروسا فقال خذه واغرسه فإن علق فهو بيننا فهو فاسد لأنه تسليم بذر فهو في معنى المزارعة
فإن قال اغرسه ونمه وما حصل من الثمار فهو بيننا فهو أيضا فاسد إذ الغرس ليس من أعمال المساقاة وقد ضم إليها فكان كما إذا ضم غير التجارة إليها في القراض
وفي الصورتين وجه أنه لا يصح حكاه صاحب التقريب
أما إذا كان مغروسا نظر فإن ساقاه عليه مدة لا يثمر فيها إلا بثمرة تحصل بعد المدة فهو باطل إذ ما يحصل بعد مضي المدة لا يتعلق به العقد
وإن كان يعلم حصوله في المدة ولو في آخر السنين وساقاه على عشر سنين مثلا فهو صحيح وخلو أول المدة عن الثمار كخلو أول السنة الواحدة
وإن كان يتوهم الثمرة ولا يعلم قال القاضي إن غلب الوجود صح وإن غلب العدم بطل وإن تساوى الاحتمال فوجهان
وقيل إن غلب العدم بطل وإن غلب الوجود فوجهان وقيل عكسه أيضا
أما إذا كان بحيث يثمر كل سنة فساقاه عشر سنين على جزء من ثمرة السنة الأخيرة فوجهان
أحدهما أنه يجوز وليقدر ما سبق معدوما
والثاني لا لأنه تعرية العمل عن العوض في مدة وجود ما حقه أن يكون عوضا في هذا العقد
وفي أصل زيادة مدة المساقاة على سنة كلام يجري مثله في كل إجارة وسيأتي في كتاب الإجارة
الأمر الثاني لو كان في البستان عجوة وصيحاني فقال ساقيتك على أن لك من الصيحاني نصفه ومن العجوة ربعه لا يصح ما لم يعرف قدر العجوة والصيحاني أعني الأشجار نظرا أو تخمينا
وإن شرط النصف منهما فلا يشترط هذه المعرفة وكذلك إذا ساقي رجلان واحدا على أن له النصف من نصيبهما ولا يشترط معرفته بقدر النصيبين وإن تفاوت الشرط وجبت المعرفة
ولو قال ساقيتك على النصف إن سقيت بالنضح أو الربع إن سقيت بالسماء فهو فاسد لأنه مردد بين جهتين
الأمر الثالث أن أحد الشريكين في النخيل لو ساقى شريكه على أن يتعاونا على العمل فهو فاسد إذ رب النخيل لا ينبغي أن يخوض في العمل
ولو كان الشريك العامل يستبد بجميع العمل صحت المساقاة بشرط أن يشترط له مزيدا على ما تقتضيه نسبة الملك
فلو كان بينهما نصفين فشرط له النصف فلم يشرط له شئ فتفسد المساقاة ولا يستحق أجرة المثل عند المزني ويستحق عند ابن سريج
ولو شرط له الكل فيفسد وفي أجرة المثل وجهان مأخذهما أنه لم ينوبعمله مستأجره فضاهى الأجير في الحج إذا نوى بعد التلبية صرف الحج إلى نفسه فلا ينصرف إليه وهل تسقط أجرته فيه وجهان
الركن الثالث العمل الموظف على العامل

وله شرائط ينبه عنها ما ذكرناه في القراض
الأول أن يكون لا يشترط عليه عمل ليس من المساقاة
الثاني أن يستبد باليد في الحديقة ليتمكن من العمل ليلا ونهارا فلو شرط المالك اليد لنفسه فسد ولو سلم المفتاح إليه ولكن بشرط أن يدخل هو أيضا ففيه خلاف والأصح الجواز
الثالث أن يعرف بتأقيت مدة العقد لا بتعيين العمل ثم يجوز التعريف بالسنة العربية وهل يجوز التعريف بإدراك الثمار فيه وجهان
أحدهما لا لأنه يتفاوت بالبرد والحر
والثاني نعم لأنه المقصود وهو متقارب
وإن عرف بالأشهر فجائز
فرع

لو ساقى سنتين فهو شريك في كل سنة فلو برز شئ في آخر السنة الأخيرة من الثمار وانقضت المدة قبل الإدراك فالعامل شريك فيما برز في مدة عمله
الشرط الرابع أن ينفرد العامل بعمله وأن لا يشترط مشاركة المالك في العمل فإن شرط فهو فاسد لأنه تغيير الموضع كما في القراض
وإن شرط أن يعمل غلام المالك معه فقد نص الشافعي رضي الله عنه على الجواز وذكر الأصحاب ثلاثة أوجه
أحدها المنع هاهنا وفي القراض لأن يد العبد يد المالك فيبطل الاستبداد باليد
والثاني الجواز لأن العبد يكون مستعارا على التحقيق فالإعانة به كالإعانة بالثيران ولا خلاف في جوازها شرطا
والثالث أنه يصح في المساقاة إذ من الأعمال ما يجب على المالك كبناء الجدران وحفظ الأصول كما سيأتي بخلاف القراض فلا عمل فيه على المالك
التقريع إذا حكمنا بالجواز فنفقه الغلام على من
إن شرط على المالك أو أطلق فهو عليه لأنه شرط إعانة
وإن شرط على العامل ففي جواز ذلك وجهان
أحدهما لا لأنه قطع لنفقة الملك عن المالك
والثاني نعم لأن الأصل أن العمل عليه فلا يبعد أن ينفق على من يعينه وفي طريقة العراق أنه يتبع فيه الشرط قطعا
وإن أطلق فثلاثة أوجه أحدها أنه على المالك والثاني أنه على العامل
والثالث أنه من الثمرة وهو بعيد إذ رد الشافعي رضي الله عنه على مالك رحمه الله حيث أوجب نفقة العبيد على العامل عند الإطلاق فقال أوجب أجرة مثل أجرة العبيد إن كنت توجب النفقة

فرع لو شرط أن يستأجر العامل أجيرا والأجرة على المالك لم يجز إن لم يبق للعامل عمل وإن بقي له الدهقنة والتحذق في الاستعمال فوجهان
الركن الرابع في الصيغة

وهي أن يقول ساقيتك على أن لك نصف الثمار أو عاملتك فيقول قبلت أو أن يقول اعمل على هذه النخيل من الثمار فقبل فلا بد من القبول فإن هذا العقد لازم بخلاف القراض والوكالة ففيهما وجه تقدم
ولو قال استأجرتك على العمل بالنصف فالظاهر البطلان لأنه يستدعى شروطا
وفيه وجه أنه يجوز لأنه مساقاة ولكن بلفظ الإجارة
نعم لو كانت الثمار بارزة وعين العمل واستأجره بجزء من الثمر جاز بعد بدو الصلاح وقبله غير جائز لأنه شرط القطع ايضا فقطع الشائع غير ممكن إلا بتغيير عين المبيع فيكون كبيع بعض النصل
الباب الثاني في حكم المساقاة الصحيحة
ولها أحكام ستة
الحكم الأول أن العامل يلزمه كل ما يتعلق به صلاح الثمار مما يتكرر في كل سنة كالسقي وتقليب الأرض وقطع القضبان وتنحية الحشيش وكنس البئر والنهر وتصريف الجريد ونقل الثمار إليه
وما لا يتكرر في كل سنة بل تبقى فائدته سنين كبناء الحيطان وشراء الثيران ونضب الدولاب وحفر الأنهار والقنى الجديدة فهو على المالك وترددوا في حفظ الثمار بالناظور وفي جذاذها وفي ردم ثلم يتفق في أطراف الجدران فمنهم من رأى ذلك على العامل في العرف
ومن هذا ذكر خلاف في صحة المساقاة المطلقة دون تفصيل الأعمال لاضطراب العرف في هذه الأمور والصحيح الصحة عند الإطلاق ثم يحكم كل فريق بما يراه لائقا بالعامل
الحكم الثاني إذا هرب العامل قبل تمام العمل فالقاضي يستأجر من يعمل ويقترض عليه
فإن عمل المالك بنفسه أو استأجر عليه أو استقرض فهو متبرع ولا رجوع له وكل الثمار للعامل
هذا إن قدر على الرجوع إلى القاضي فإن لم يقدر وعمل بنفسه أو استأجر عليه فثلاثة أوجه
أحدها لا يرجع لأنه يؤدي إلى أن يكون حاكما لنفسه على غيره
والثاني نعم للضرورة
والثالث إن أشهد يرجع وإلا فلا
ثم له أن يفسخ عند هرب العامل
فإن عجز عن استيفاء المعقود عليه فلو قال الأجنبي لا تفسخ حتى أنوب عنه جاز له الفسخ فربما لا يرضى بدخوله بستانه
فلو عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك فالثمرة للعامل والأجنبي متبرع عليه لا على المالك
ثم إذا فسخ فإن كان قد مضى شئ من العمل فللعامل أجرة مثل ذلك المقدار ولا نقول توزع الثمار على نسبة أجرة المثل إذ الثمار ليس معلوم المقدار في أولالعقد حتى يقتضي العقد فيه توزيعا
الحكم الثالث إذا ادعى المالك عليه خيانة أو سرقة فالقول قوله فإنه أمين
فإن أقام حجة نصب عليه مشرف إن أمكن أن يحفظ به وألا تزال يده ويستأجر عليه ثم أجرة المشرف على العامل إن ثبت خيانته بإقراره أو ببينة وإلا فعلى المالك
الحكم الرابع إذا مات المالك لم ينفسخ العقد وبقي مع الورثة وإن مات العامل لم ينفسخ أيضا قطع به المزني وهو المذهب وفيه وجه
ثم على الوارث إتمام العمل من تركته وله حصة من الثمار إذا تمم وإن لم يكن له تركة فله أن يتمم لأجل الثمار فإن أبى لم يجبر عليه إذ لا تركة ولا يلزمه عمل غيره هذا إذا أوردت المساقاة على الذمة وهو شرطها فإن أوردت على العين ففي صحتها نظر لأن فيه نوع تضييق فإن صحح فينفسخ بموت العامل
الحكم الخامس إذا خرجت الأشجار مستحقة بعد تمام العمل يرجع العامل بأجرة مثله على الغاصب
وقيل إنه يخرج على قولي الغرور
وأما الثمار إن بقيت فكلها للمالك
وإن تلفت بعد أن قسم فما قبضه العامل لنفسه مضمون عليه ويستقر عليه الضمان لأنه أخذه عوضا كالمشتري
وأما حصة الغاصب إن تلف قبل القسمة أو على الأشجار أو تلف شئ من الأشجار ففي مطالبة العامل به وجهان
أحدهما نعم لأن أقل درجاته أن يكون كالمودع فيه
والثاني لا لأن يده تثبت على الأشجار ونصيب المالك تحقيقا وإنما هو عامل عليها ويد المالك مستدامة حكما وهو ضعيف
الحكم السادس إذا تنازع العاقدان في القدر المشروط من الثمار تحالفا وتفاسخا وحكم تنازعهما ما ذكرناه في القراض
كتاب الإجارة

كتاب الإجارة

والإجارة صنف من البيوع موردها المنفعة
وصحتها مجمع عليها ولا مبالاة بخلاف ابن كيسان والقاساني
ويدل على صحتها قصة شعيب واستئجاره موسى عليهما السلام وقوله تبارك تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقوله صلى الله عليه وسلم
أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وقوله
حكاية عن ربه تبارك وتعالى ثلاثة أنا خصمهم ومن كنت خصمه فقد خصمته رجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منفعته ولم يؤد أجره ورجل أعطاني صفقة يمينه ثم غدر
ومقصود الكتاب تحصره ثلاثة أبواب
الباب الأول في أركان الإجارة

وهى ثلاثة الصيغة والأجرة والمنفعة
أما العاقدان فلا يخفى أمرهما
الركن الأول الصيغة

وهي ثلاثة
إحداها الإجارة والإكراه فإذا قال أجرتك الدار أو أكريتكها فقال قبلت صح وشرطها الإضافة إلى عين الدار لا إلى المنفعة
الثانية لفظ التمليك فإذا قال ملكتك منافع الدار شهرا صح وشرطها الإضافة إلى المنفعة لا إلى الدار
الثالثة لفظ البيع فإن قال بعتك الدار شهرا فهو بيع مؤقت فاسد وإن قال بعتك منفعة الدار فوجهان
أحدهما الجواز كلفظ التمليك وهو اختيار ابن سريج
الثاني المنع وهو الأظهر لأن البيع مخصوص بالأعيان عرفا
الركن الثاني الأجرة

وحكمها إن كانت في الذمة حكم الثمن وإن كانت معينة حكم البيع وقد سبق شرائطهما وننبه الآن على ثلاثة أمور
الأول أن الإعلام شرط فلو أجر الدار بعمارتها لم يجز فإن العمارة مجهولة ولو أجر بدراهم معلومة ليصرفها إلى العمارة لم يصح لأن العمل في الصرف إلى العمارة مجهول فتصير الأجرة مجهولة
ولو أشار إلى جبره من الدراهم أو من الحنطة جزافا وجعلها أجرة منهم من ألحق بالمبيع فجوز ومنهم من ألحق برأس المال في السلم لأنه عقد غرر فخرج على القولين
الثاني إذا استأجر السلاخ بالجلد بعد السلخ وحمال الجيفة بجلد الجيفة والطحان بالنخالة فهو فاسد لنهيه عليه الصلاة والسلام عن قفيز الطحان
ولأنه باع جزءا متصلا بعين المبيع قبل الفصل فهو كبيع نصف من الفصل
ولو استأجر المرضعة بجزء من المرتضع الرقيق بعد الفطام ومجتني الثمار بجزء من الثمار بعد القطاف فهو أيضا فاسد لما سبق
أما إذا جعل الأجرة جزءا من الرقيق في الحال وجزءا من الثمار قبل القطاف فقد أطلق الأصحاب إفساده تخريجا على ما سبق
وزادوا فقالوا المرتضع المشترك بين امرأة مرضعة ورجل لا يجوز للرجل استئجارها على الرضاع لأن عملها لا يصادف خاص ملك المستأجر
وهذا فيه نظر واحتمال إذ قطعوا في كتاب المساقاة بأن أحد الشريكين لو ساقى صاحبه وشرط له جزاءا من الثمار جاز وهو عمل على مشترك
ولكن قبل ما يخص المستأجر يستحق به الأجرة فهو محتمل هاهنا أيضا
الثالث الأجرة إن أجلت تأجلت وإن أطلقت تعجلت عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ثم إذا أجلت وتغير النقد عند الأجل فالعبرة بحالة العقد ولو تغير النقد في الجعالة عند العمل فوجهان الأظهر أنها كلا إجارة
الركن الثالث في المنفعة

ولها شرائط
الأول أن تكون متقومة فلو استأجر تقاحة للشم أو طعاما لتزيين الحانوت لم يصح إذ القيمة لهذه المنفعة
وكذا إذا استأجر بياعا على كلمة لا تعب فيها لترويج سلعته فإن ذلك أخذ مال على الحشمة لا على العمل
واختلفوا في مسألتين
إحداهما استئجار الدراهم والدنانير للتزيين وكذا استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها أو للسكون في ظلها وكذا استعارتها وفيه ثلاثة أوجه
أحدها الجواز لأن هذا قد يقصد
والثاني لا لأنه لا يقصد بعقد
والثالث أنه يصح الإعارة دون الإجارة لأنه لا يقصد بمال ويقصد بالمسامحة
الثانية استئجار الكلب وفيه وجهان ووجه المنع أن إباحته لضرورة فهو كالميتة
الشرط الثاني أن لا يتضمن استيفاء عين قصدا
وفيه ثلاث مسائل
الأولى لا يصح استئجار الأشجار لثمارها ولا المواشي للبن والصوف والنتاج لأنها أعيان بيعت قبل الوجود
الثانية استئجار امرأة للحضانة والإرضاع جائز واللبن تابع وهو كالماء في إجارة الأرض
ولو استأجر على مجرد الإرضاع دون الحضانة فوجهان
أحدهما لا كاستئجار الشاة بلبنها لإرضاع السخلة
والثاني يجوز لأن لبن الآدمية لا يقصد منفصلا فهو في معنى المنفعة والحاجة تمس إليه
الثالثة استئجار الفحل للضراب فيه وجهان والأصح المنع لأنه نهي عن ثمن عسب الفحل ولأنه غرر لا يقدر عليه
الشرط الثالث أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها حسا وشرعا
وفيه أربع مسائل
الأولى إذا استأجر أخرس على التعليم أو أعمى على الحفظ فسد وكذا لو استأجر من لا يحسن القرآن على التعليم إلا إذا وسع عليه وقتا يقدر فيه على التعلم أولا ثم على التعليم ففيه وجهان
أحدهما لا لأن العجز محقق والتعلم قد لا يتفق
والثاني نعم وكأنه يضاهي سلم المفلس
الثانية استأجر قطعة أرض لا ماء لها في الحال نظر
فإن لم يتوقع لها ماء أصلا فإن استأجر للزراعة فسد وإن استأجر للسكون جاز
وإن أطلق فكان على قلة جبل لا يطمع في الزراعة ينزل على السكون
وإن كان يطمع في الزراعة فمطلقة للزراعة فيفسد إلا إذا صرح بنفي الماء
وهل يقوم علم المستأجر بعدم الماء مقام صريح النفي حتى يصح عند الإطلاق فيه وجهان
ووجه المنع أن مفهوم اللفظ مطلقا في مثل هذه الأرض للزراعة ما لميصرح بنفي الماء
أما إذا كان يتوقع إن كان نادرا فالعقد في الحال للزراعة فاسد وهو كبيع الآبق لتوقع عوده
وإن كان يغلب وفاء المطر والسيل بما يحصل المقصود ويتوهم خلافة فظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه وهو اختيار القفال فساده لأن العدم في الحال معلوم والوجود موهوم من بعد بخلاف ما لو كان للأرض ماء غد وشرب معلوم فإن الانقطاع موهوم ولكن الوجود مستصحب
وقال القاضي يجوز لأن الماء الموجود في النهر لا يبقى بعينه إلى وقت الزراعة ولكن يغلب تجدد مثله فكذلك هاهنا يغلب وفاء المطر والسيل فلا فرق
أما إذا استأجر قطعة أرض على شط دجلة والماء زائد وقد استولى عليها وانحساره عنها موهوم فالعقد باطل
وإن كان ناقصا والزيادة موهومة فالعقد في الحال صحيح
وإن كانت الزيادة متيقنة فلا
وإن كان الماء مستويا عليها ولكن الانحسار معلوم قال الشافعي رضي الله عنه العقد صحيح
فإن قيل فالأرض غير مرئية
قلنا لعله فرع على قول صحة شراء الغائب أو فرض فيما إذا تقدمت الرؤية أو كان الماء صافيا لا يمنع الرؤية
فإن فرض خلاف ذلك كله لم يصح
فإن قيل وإن تقدمت الرؤية ففي الحال لا يمكن الانتفاع بها
قلنا هو كاستئجار دار مشحونة بالأقمشة واستئجار أرض في الشتاء فإنه في الحال لا يزرع ولكن يتسلط عليها المستأجر بالإجارة والتصرف الممكن
وذكر الشيخ أبو محمد وجها في إجارة الدار المشغولة بالأمتعة بخلاف بيعها لأن المنفعة تتراخى فيصير كإجارة السنة القابلة
الثالثة إجارة الدار للسنة القابلة فاسدة خلافا لأبي حنيفة رحمهالله لان التشاغل بالاستيفاء في الحال غير ممكن فيتراخى التسليط على العقد الوارد على منفعة عين
فرعان

أحدهما لو أجره شهرا ثم أجر الشهر الثاني منه لا من غيره فوجهان
أصحهما المنع لأن العقد الأول قد ينفسخ بسبب فشرط العقد الثاني لا يتحقق بالأول
والثاني الجواز لتواصل الاتصال فهو كما لو أجر شهرين في صفقة واحدة
الثاني إذا قال استأجرت هذه الدابة لأركبها نصف الطريق وأترك إليك النصف
قال المزني هو فاسد إذ لا يتعين له النصف الأول فينقطع بحكم المناوبة ويصير كالإجارة للزمان القابل
ومن الأصحاب من صحح ونزل على استئجار نصف الدابة وأحال التقطع على موجب المهايأة والقسمة لا على العقد
ولو صرح باستئجار نصف الدابة فالظاهر صحته فهو كما لو استأجر نصف دار وفيه وجه آخر أنه يفسد لأن الجمع غير ممكن فيؤدي إلى التقطع بخلاف الدار الواحدة ومحمل الدابة إذ يحتمل عليه الشريكان فلا ينقطع
الرابعة العجز الشرعي كالعجز الحسي في الإبطال
فلو استأجر على قلع سن سليمة أو قطع يد سليمة أو الحائض على كنس المسجد أو المسلم على تعليم القرآن لذمي لا يرجى رغبته في الإسلام أو على تعلم السحر أو الفحش والخنا أو تعلم التوراة والكتب المنسوخة فكل ذلك حرام والعقد عليه فاسد لأنه معجوز شرعا عن تسليمه
أما إذا كانت السن وجعة أو اليد متآكلة فالأصح جواز القلع والقطع وصحة الاستئجار
فرع إذا استأجر منكوحة الغير على عمل دون رضا الزوج فسد فإنها مستحقة التعطيل لحق الزوج وبإذنه يصح
ولو استأجرها الزوج لإرضاع ولده جاز وذكر العراقيون وجها أنه ممنوع لأنه مستحق له وهو ضعيف
أما إذا التزمت عملا في الذمة صحت الإجارة دون إذن الزوج ثم إن وجدت فرصة وعملت بنفسها استحقت الأجرة
وفي إجارة الحائض لكنس المسجد احتمال مأخذه صحة الصلاة في الدار المغصوبة ولكن المنقول ما ذكرناه
الشرط الرابع حصول المنفعة للمستأجر
وفيه مسائل
الأولى لا يصح استئجار دابة ليركبها المكرى فإن العوضين يجتمعان له
وكذا لا يجوز استئجاره على العبادات التى لا تجري النيابة فيها فإنها تحصل له بخلاف الحج وغسل الميت وحفر القبور ودفن الموتى وحمل الجنائز فإن الاستئجار على جميع ذلك يجوز لدخول النيابة
أما الجهاد فلا يجوز استئجار المسلم عليه لأنه داخل تحت الخطاب فيقع عنهويجوز للإمام استئجار أهل الذمة على الجهاد لأنهم لم يدخلوا تحت خطاب الجهاد
وكذلك لا يجوز الاستئجار على الإمامة في فرائض الصلوات
أما الاستئجار على الأذان فثلاثة أوجه
أحدها لا كالجهاد فإنه من الشعائر
والثاني نعم لأن فائدته تحصل للناس في طلب وقت الصلاة
والثالث يجوز للقاضي والإمام ولا يجوز لآحاد الناس
وفي الاستئجار على إمامة التراويح خلاف والأصح المنع إذ لا يتميز المستأجر بفائدة مقصودة عن الأجير
أما الاستئجار على التدريس في جنسه وكذا استئجار المقرئ على هذا الوجه متردد بين الجهاد لأنه من فروض الكفايات وبين الأذان لأن فائدته تختص بالآحاد
أما الاستئجار على تعليم مسألة معينة من شخص معين فلا خلاف في جوازه فلا يتعين كامرأة أسلمت ولزمها تعلم الفاتحة فنكحها رجل على التعليم ولم يحضر سوى ذلك الرجل ففيه خلاف والأصح الصحة إذ ليس يتعين عليه التعب مجانا بل يجب ببذل كما في بذل المال في صورة المخمصة
وعلى الجملة فكل عمل معلوم مباح يلحق العامل فيه كلفة ويتطوع به الغير عنالغير فيجوز الاستئجار عليه ويجوز جعله صداقا
الشرط الخامس كون المنفعة معلومة
وتفصيلها ببيان أقسام الإجارة وهي ثلاثة أقسام
الأول استصناع الآدمي
وذلك يعرف إما بالزمان أو بمحل العمل كما إذا استأجر على الخياطة فيعين الثوب أو يقول استأجرتك يوما للخياطة ولو جمع بينهما وقال استأجرتك لتخيط هذا الثوب في هذا اليوم فيه وجهان
أصحهما المنع لأن تفريع الجواز يفضي إلى خبط إن تم العمل قبل مضي اليوم أو على العكس
ولو استأجر على تعليم القرآن إما أن يعرف بالزمان أو بمقدار السور وتعينها ولا يشترط أن يجبر فهم المتعلم ولا فائدة أيضا في شرط رؤيته
ولو استأجر على قدر عشر آيات ولم يعين السورة فوجهان
ووجه المنع تضادتها أيضا في عسر الحفظ ويسره
ووجه الجواز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال زوجتكها بما معك من القرآن
ولم يعين السورة وقيل إنه كان عشر آيات من أول البقرة
والاستئجار على الرضاع يعرف فيه المدة والصبي لأن الغرض يختلف به اختلافا ظاهرا والموضع الذى فيه الرضاع
ولا يبالى بما يتطرق إليه من جهالة بسبب تعرض الصبي للأمراض وزيادة حاجته ونقصانها وهذا يدل على نوع من التساهل في الإجارة للحاجة
القسم الثاني في استئجار الأراضي

وفيه صور
الأولى أن يستأجر للسكون فيشترط أن يعرف من الدار والحانوت والحمام كل ما تختلف به المنفعة فيرى في الحمام البيوت وبئر الماء والقدر ومطرح الرماد ومبسط القماش وموضع الوقود والأتون ومجمع فضلات الماء كما يراه المشتري ويعرف قدر المنفعة بالمدة
فإن استأجر سنة فذاك وإن زاد فثلاثة أقوال
والأصح أنه لا يتقدر بمدة بل يتبع التراضي إذ لا توقيف في التقدير
والثاني أنه لا يزيد على سنة فإنه أثبت للحاجة
والثالث أنه ينتهي إلى ثلاثين سنة ولا يزاد عليه لأنه يصير في معنى البيع
التفريع

إذا جوزنا الزيادة وهو الصحيح فلو أجر سنين فهل يشترط بيان حصة كل سنة في الأجرة فوجهان
أحدهما لا كبيان الأشهر في سنة واحدة
والثاني نعم إذا يغلب تفاوت أجرة المثل وربما تمس الحاجة إلى معرفته في التفاسخ إن اتفق
فرع

لو قال أجرتك سنة فالأظهر أنه يصح وينزل على السنة الأولى بالعرف
وقيل إنه فاسد لأنه لم يصرح بالتعيين
ولو قال أجرتك كل شهر بدينار ولم يقدر عدد الأشهر فهو فاسد إذ لا مرد له
وقال ابن سريج يصح في الشهر الأول لأنه معلوم والباقي يبطل فيه وهو ضعيف لأن نظيره من الصبرة قوله بعتك كل صاع بدرهم ولم يقل بعتك الصبرة
الثانية إذا استأجر الأرض للزراعة فلو قال أكريتك لتنتفع كيف شئت صح وجاز البناء والغراس والزراعة وكل ما أمكن من المنفعة
ولو اقتصر على قوله أكريتك فسد لأنه لم يعين منفعة ولا فوض إلى مشيئته
ولو قال أكريتك للزراعة ولم يعين جنس الزرع فوجهان
أحدهما لا لأن الذرة أضر من القمح
والثاني نعم ويحمل الإطلاق بعد التعرض لجنس الزرع على ما يشاء
الثالثة إذا قال أكريتك إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها فالظاهر الصحة كما إذا قال انتفع كيف شئت وقيل إنه فاسد كما لو قال بعتك بألف إن شئت مكسرة وإن شئت صحيحة
أما إذا قال أكريتك فازرعها واغرسها ولم يبين قدر ما يزرع فيه اختيارالمزني وابن سريج بطلانه لجهالة القدر
وقال أبو الطيب بن سلمة يصح وينزل على النصف
الرابعة إذا أكرى الأرض للبناء وجب بيان عرض البناء و في التعرض للارتفاع والقدر خلاف والأظهر أنه لا يشترط
القسم الثالث استئجار الدواب

وهي تستأجر لأربع جهات
الأولى الركوب فيشترط أن يعرف المستأجر الدابة بأن يراها وإلا فهو إجارة غائب
والآخر يعرف قدر الراكب برؤيته أو بسماع وصفه في الطول والضخامة حتى يعرف وزنه تخمينا ولا يشترط التحقيق بالوزن
ويعرف المحمل بالصفة في السعة والضيق وبالوزن فإن ذكر الوزن دون الصفة أو الصفة دون الوزن فوجهان
وقال أبو إسحاق المروزي إن كانت محامل بغداد فالإطلاق يكفى لأنها متقاربة وتنزل منزلة السرج والإكاف فإنها لا توصف لتساويها
ويذكر تفصيل المعاليق فإن ذكرت من غير تفصيل قال الشافعي رضي الله عنه القياس أنه فاسد للتفاوت قال ومن الناس من ينزله على وسط مقتصد
فمن الأصحاب من جعل هذا أيضا قولا له
وأما تقدير الطعام في السفرة ففيه وجهان مرتبان وأولى بوجوب التعريف بل الصحيح وجوبه لأنه يتفاوت تفاوتا لا ينضبط ويجب ذكر تفصيل السير أو السرى ومقدار المنازل إن لم يكن مضبوطا بالعادة وإن انضبط بالعادة نزل عليهما
هذا إذا كانت الإجارة على عين الدابة فإن أورد على الذمة فيشترط وصف الدابة أفرس أم بغل أم جمل وهل يشترط التعرض لكيفية السير مثل كونه مهملجا أو بحرا أو قطوفا فيه وجهان
ويدخل التأجيل فيه فيقول في المحرم ألزمتك أن تركبني غرة المحرم لأنه في الذمة فأشبه السلم ولفظ الإجارة في الذمة أن تقول ألزمت ذمتك إركابي كذا فرسخا أو ألزمت ذمتك تسليم مركوب إلي أركبه كذا فرسخا فيقول التزمت
الجهة الثانية استئجار الدابة للحمل
وحكمه حكم الركوب إلا في أمرين
أحدهما أن معرفة وزن المحمول تحقيقا شرط إن كان غائبا بخلاف تحقيق وزن الراكب
وإن كان الحمل حاضرا فشاله باليد وعرف قدره تخمينا كفى
والثاني أنه إن كان في الذمة لا يشترط ذكر جنس الدابة أبغل أم فرس إلا إذا استأجر لحمل زجاج فقد يختلف الغرض به
الجهة الثالثة الاستقاء
وهو كالحمل فيعرف قدر الماء ويريد أنه يتكرر فيعرف قدر كل كرة ويعرف عمق البئر أو الدولاب وقد تحتاج فيه إلى التعيين إذا كان لا ينضبط بالوصف
الجهة الرابعة الحراثة
فإن قدر بالزمان لم يجب تعريف الدابة ورؤيتها وإن ضبط بقدر الأرض وجب معرفة الدابة على المكتري ومعرفة الأرض على المكري أهي سهلية أم جبلية فإن كانت مستورة بالتراب فلا يكفي النظر إلى وجهتها ما لم يعرف جنسها هذا تفصيل العلم والعرض إنما يتفاوت المقصود به تفاوتا لا يتسامح بمثله في المعاملة وجب بيتنه هذا جملته وتفصيله فليعتبر بما ذكرنا ما لم نذكر قياسا عليه
الباب الثاني في بيان حكم الإجارة الصحيحة
وفيه فصلان
الفصل الأول في موجب الألفاظ المطلقة لغة وعرفا

ويرتبط النظر فيه بأقسام الإجارة وهي ثلاثة
القسم الأول في الاستصناع وفيه مسألتان
إحداهما الاستتباع واستئجار الأرض للزراعة يستتبع استحقاق الشرب قطعا وإن لم يذكر للعرف
واستئجار الخياط لا يوجب عليه الخيط إذ العرف لا يقتضيه
واستئجار الحاضنة للحضانة هل يستتبع الإرضاع وكذا الاستئجار للإرضاع هل يستتبع الحضانة فيه ثلاثة أوجه أحدها لا إذ كل واحد يمكن إفراده بنفسه على ظاهر المذهب كما سبق فإفراد أحدهما بالذكر يدل على تخصيصه وعلى هذا ليس على المرضعة إلا وضع الثدي في فم الصبي وباقي الأعمال في تعهد الصبي على الحاضنة والثاني أن كل واحد يتبع صاحبه لأن العرف قاض بأن ذلك لا يتولاه شخصان بل يتلازمان والثالث وهو اختيار القاضي أنه إن استؤجرت للإرضاع استتبعالحضانة كي لا تبقى الإجارة في مقابلة مجرد العين فإن الأصل في الإجارة المنفعة وإن استؤجرت للحضانة لم يستتبع الإرضاع
وأما الحبر في حق الوراق والصبغ في حق الصباغ فيه طريقان
منهم من قال هو كاللبن في حق الحاضنة فيخرج عل الخلاف في اتباعه وإن لم نحكم بالتبعية فإن شرط فيه وهو مجهول جاز كما في اللبن
ومنهم من قطع بأن الحبر والصبغ مستقل وهو مستتبع لا تبيع فإن شرط فلا بد وأن يذكر ويعرف ثم يكون جمعا بين بيع وإجارة بخلاف اللبن فإنه لا يفرد اعتيادا
فرع لو انقطع لبن المرضعة ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه ينفسخ لأن اللبن كل المقصود والباقي تابع
والثاني يثبت الخيار لأن الأصل عمل الحضانة وهذا عيب
والثالث أن كل واحد مقصود فهو كما لو استأجر عبدين فتلف أحدهما
المسألة الثانية إذا نسي المتعلم ما حفظ
قيل إن كان ما دون سورة يجب على المعلم إعادته
وقيل ما كان دون آية وهو تحكم
ولعل الأصح أنا ما نسي في مجلس التعلم يجب إعادته وكأنه لم يثبت فينفسه بعد وما نسي بعد مجلس التعلم فهو من تقصير الصبي
القسم الثاني في استئجار الأراضي والدور
أما الدور ففيها مسألتان
إحداهما إقامة جدار مائل وإصلاح جذع منكسر وما يجري مجراه من مرمة لا يحتاج فيها إلى تجديد عين يجب على المكري إدامته لتوفير المنفعة
فإن افتقر إلى إعادة جدار مائل أو جذع فإن فعل استمرت الإجارة ولا خيار وإن أبى فللمكتري الخيار وهل له إجباره على إعادته
قال العراقيون لا وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه إلزام عين جديدة لم يتناولها العقد
وقال القاضي والشيخ أبو محمد يجبر عليه وفاء بتوفير المنفعة
وكذا الخلاف إذا غصبت الدار وقدر المكري على انتزاعها هل يلزمه وكذا الخلاف إذا ضاع المفتاح هل يجب عليه إبدالهولا خلاف في أن تسليم المفتاح واجب ولو ضاع في يد المكتري فهو أمانة وليس على المكري إبداله
والدعامة التى تمنع من الانهدام إذا احتيج إليها في معنى جذع جديد أو في معنى إقامة مائل فيه تردد
فرع لو أجر دارا ليس لها باب ومرزاب لم يلزمه إحداثه قطعا إذ لم يلتزمه أصلا
نعم إن جهله المكترى فله الخيار
المسألة الثانية تطهير الدار عن الكناسة والأتون عن الرماد وعرصة الموضع عن الثلج الخفيف على المكتري
وتطهير السطوح على الثلج ليس على المكتري بل إن فعله المكتري فذاك وإن تركه فهو المستضر به فإن انهدمت به الدار فللمكتري الخيار
وأما تنقية البالوعة والحش ففيه وجهان
أحدهما أنه على المكتري ككنس العرصة
والثاني على المكري إذ به يتهيأ للانتفاع
ولا خلاف في أنه إذا انقضت المدة لا يطالب المكتري بالتنقية عند الخروج من الدار ويطالب بتنقية العرصة من الكناسات
وقولنا في دوام المدة عليه أردنا به إن أراد الانتفاع لنفسه
فرع لو طرح في البيت ما يتسارع إليه الفساد هل يمنع منه فيه وجهان والصحيح أنه لا يمنع فإنه معتاد في الدور
أما الأراضي ففيها ثلاث مسائل
الأولى إذا استأجر أرضا للزراعة ولها شرب اتبع موجب الشرط في الشرب وإن لم يكن شرط فالعرف فإن لم يكن عرف فاستؤجرت للزراعة فوجهان
أحدهما الاتباع لأن لفظ الزراعة كالشرط للشرب إذ لا يستغنى عنه
والثاني وهو الصحيح أنه لا اتباع إذ موجب اللفظ يزاد عليه بعرف غير مضطرب فإذا اضطرب اقتصر على موجب اللفظ
ومنهم من قال تفسد هذه الإجارة لأن المقصود صار مجهولا بتعارضهذين الوجهين
المسألة الثانية إذا مضت مدة الإجارة والزرع باق نظر
فإن كان السبب تقصير المكتري وتأخيره فللمكري قلعه مجانا وله إبقاؤه بأجرة
وإن كان السبب برد الهواء وإفراطه فلما يقلعه مجانا بل يتركه بأجرة لأنه غير مقصر
وفيه وجه أنه يقلع مجانا كالتقصير
وإن كان السبب كثرة الأمطار المانعة من المبادرة إلى الزراعة فهذا متردد بين التأخير وبين برد الهواء
وإن كان السبب قصر المدة المشروطة كما إذا استأجر الأرض لزراعة القمح شهرين فإن شرط القلع مجانا فله ذلك فلعله ليس يبغي إلا القصيل
وإن شرط الإبقاء فالإجارة فاسدة لتناقض التأقيت وشرط الإبقاء
وإن سكت قال الشيخ أبو محمد ينزل على شرط الإبقاء فيفسد لأن الزرع يقصد ليبقى في العادة فهو كما إذا استأجر دابة يوما ليسافر بها إلى مكة من بغداد وإليه يشير نص الشافعي رضي الله عنه
ومنهم من قال إنه يصح لأن المدة معلومة وقد يقصد القصيل
ثم في جواز القلع وجهان
أحدهما لا يقلع مجانا كالإعارة المؤقتة
والثاني يقلع لأن فائدة تأقيت الإعارة طلب الأجرة بعد المدة وهاهناالأجرة في المدة لازمة فلا تظهر فائدة سوى القلع
وعلى الجملة نقل وجه من هاهنا إلى تأقيت الإعارة متجه وكذلك في إجارة الأرض للبناء والغراس في جواز القلع بعد المدة هذه الخلاف مع القطع في العارية المؤقتة بأنه لا يجوز القلع بعد المدة والتسوية متجهة
ثم إذا فرعنا على أن الإجارة المؤقتة كالعارية المؤقتة وأن القلع مجانا بعده لا يجوز فيتخير بين القلع بأرش أو الإبقاء بأجرة أو التملك بعوض كما في العارية
فإن اختار القلع فمباشرة القلع أو بدل مؤنته على من
في كلام الأصحاب فيه تردد يحتمل أن يقال على المكتري فإنه تفريغ الملك وهو الذى شغله وإنما على المالك أرش النقصان
ويحتمل أن يقال إن أراد المالك القلع فليباشره وعلى هذا لو أبى المكتري القلع أو التمكين منه ذكرنا في العارية أنه يقلع مجانا وذكر هاهنا وجه يطرد أيضا في العارية أنه يقلع ويغرم له كالمالك إذا منع المضطر الطعام لا يبطل حقه لكن يؤخذ قهرا بعوض
المسألة الثالثة لو استلجرها للقمح فليس له زراعة الذرة
ولو استأجر للذرة فله زراعة القمح لأن ضرره دونه
ولو شرط المالك المنع عن القمح فثلاثة أوجه
أحدها أنه يتبع الشرط فهو المالك
والثاني يفسد الشرط فهو كقوله أجرت بشرط أن لا تلبس إلا الحرير
والثالث أن العقد يفسد كما لو شرط أن لا يؤاجر الأرض المستأجرة
ولو نفى الذرة فزرعها فللمكري المبادرة إلى القلع في الحال
ولو زرع ما ضرره دون ضرر المشروط ولكن يطول بقاؤه فهل له في الحال قلعه وجهان
أحدهما لا إذ لا ضرر في الحال
والثاني نعم لأنه مضر في جنسه بطول البقاء

فرع لو شرط القمح فزرع الذرة فلم يقلع حتى مضت المدة
قال الشافعي رضي الله عنه يتخير بين أن يطالب بأجرة المثل أو يطالب بالمسمى وأرش نقصان الأرض
قال المزني الأولى بقوله المسمى وأرش النقص
فمن الأصحاب من قال هذا يدل على اضطراب قول وحاصل ما فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يتعين المسمى وأرش النقص إذ صحت الإجارة ولم يعدل عن جنس الزراعة فهو كما لو استأجر دابة لحمل خمسين فحمل مائة يثبت المسمى وزيادة
والثاني تتعين أجرة المثل إذ ترك المعقود عليه فصار كما لو استأجر للزراعة فبنى
والثالث أنه ليتخير كما قال الشافعي رضي الله عنه لأن الذرة يضاهي القمح من وجه ويخالفه من وجه فالخيار للمالك
ومن الأصحاب من طرد الأقوال في العدول عن الزرع إلى البناء والغراس
القسم الثالث في استئجار الدواب

وفيه سبع مسائل
الأولى يجب على مكري الدابة تسليم الحزام والثغر والإكاف وفي الإبل البرة والخطام والبرذعة
وفي السرج خلاف في إكراء الفرس والمتبع في كل ذلك العرف
أما المحمل والمظلة والغطاء والحبل الذى يشد به أحد المحملين إلى الآخر على المكتري
أما آلات النقل كالوعاء فعلى المكتري إن وردت الإجارة على عين الدابة وإن التزم في الذمة نقل متاعه فعلى المكري
والدلو والرشأ في الاستقاء كالوعاء والمتبع في كل ذلك العرف
الثانية إذا استأجر للركوب ولم يتعرض للمعاليق في اقتضائه تعليق المعاليق وجهان
أحدهما يقتضيه للعادة
والثاني لا إذ رب راكب لا معلاق له
فإن قلنا إنه يقتضيه فهو كما لو ذكر المعلاق ولم يفصله وقد ذكرنا خلافا في أنه مجهول أم يحكم فيه العرف
فرع
الصحيح أن الطعام يجب تقديره فلو قدر عشرين منا فإذا فني هل يجوز إبداله فيه ثلاثة أوجه
أحدها نعم كسائر المحمولات
والثاني لا لأن العادة في الطعام أن تنزفه الدابة إذ لم يبق
والثالث أنه يبدل إن فني الكل وإن فني شئ منه فلا يبدل كل ساعة
الثالثة كيفية السير والسرى ينزل فيه على العادة أو الشرط وكذا النزول على العقبات يقتضيه مطلق الإجارة
فلو تنازعا في المنزل فإن كان في صيف فالصحراء وإن كان في شتاء ففي القرى وقد يختلف بالأمن والخوف فينزل في وقت الخوف في القرى وفي الأمن في الصحراء
فإن لم يكن عرف فسدت الإجارة إن لم يشترط
والنزول عن الدابة والمشي رواحا معتاد فإن أبى فهل يجبر عليه
فيه وجهان ووجه المنع أن العادة التبرع به لمن أراد لا كالنزول على العقبة
الرابعة يجب على المكري إعانة الراكب في النزول والركوب إن كان الراكب مريضا أو شيخا أو امرأة
هذا إذا التزم بتبليغ الراكب المنزل في الذمة
فإن أورد على عين الدابة وسلم ففيه خلاف ولعله يختلف باختلاف أحوالالمكتري في العادة
أما الإعانة على الحمل فالصحيح أنه يجب إذ العرف فيه غير مختلف والاستقلال بالحمل غير ممكن بخلاف الركوب
ورفع المحمل وحطه أيضا على المكري كالإعانة على الحمل
وشد أحد المحملين إلى الآخر في الابتداء على من فيه وجهان من حيث إنه مردد بين تنضيد الأقمشة وهو على المكري وبين الخط والرفع
ثم قال الشافعي رضي الله عنه إن تنازعا في كيفية الركوب في المحمل جلس لا مكبوتا ولا مستلقيا أي مستويا غير مخفوض أحد الجانبين من أسفل أو من قدام
الخامسة إذا استأجر للحمل مطلقا فله أن يحمل ما شاء
والأظهر أن اختلاف الحديد والقطن والشعير كاختلاف القمح والذرة حتى يشترط التعرض له في وجه ثم إن شرط الشعير حمل الحنطة إذ لا فرق ولا يحمل الحديد ولو شرط الحديد حمل الرصاص والنحاس للتقارب ولا يحمل القطن وكذا إذا شرط القطن لا يحمل الحديد لاختلاف جنس الضرر
وأما الوعاء هل يحتسب إن قال التزمت حمل مائة منا من الحنطة فالوعاء وراءه فإن تماثلت الغراير في العرف حمل عليه وإلا شرط ذكر وزند الظرف
فإن قال احمل مائة من فالظاهر أنه مع الظرف وفيه وجه أنه كالصورة الأولى
ولو قال أحمل عشرة آصع بدرهم وما زاد فبحسابه فهو في عشرة آصع صحيح وفي الباقي فاسد لأنه لا مرد له
السادسة إذا تلفت الدابة المعينة انفسخت الإجارة وإن وردت على الذمة وسلمت الدابة فتلفت جاز للمكري إبدالها ولم تنفسخ وكذا إذا وجد بها عيبا لم يكن له الفسخ كما إذا وجد بالمسلم فيه عيبا نعم يفيد القبض في الدابة وإن لم يعين في العقد تسلط المستأجر على إجارتها والاختصاص بها إن أفلس المكري حتى يقدم على الغرماء بمنافعها
ولو أراد المالك إبدالها في الطريق دون رضاه فيه تردد
والأصح أنه إن قال أجرتك دابة من صفتها كذا وكذا ثم عين لم بجز له الإبدال وإن قال التزمت إركابك إلى البلد الفلاني جاز الإبدال
السابعة في إبدال متعلقات الإجارة
أما المستوفي وهو الراكب فيجوز إبداله بمثله
وأما المستوفى منه وهو الأجير والدابة والدار فلا يجوز الإبدال بعد ورود الإجارة على العين
وأما المستوفى فيه وهو الثوب في الخياطة والصبي في التعليم والمسافة في البلاد والطرق ففيه ثلاثة أوجه
أحدها الجواز لأن الإجارة لا تتعلق بهذه الأشياء كالمستوفي
والثاني لا كالمستوفى منه
والثالث أنه لا إجبار فيه ولكن بالتراضي يجوز من غير تصريح بمعاوضة وشرطها
فرع

إذا استأجر ثوبا للبس فلا يبيت فيه ليلا وكذا في وقت القيلولة وفي وقت القيلولة وجه وليس له الاتزار به لأن ضرره فوق اللبس
وفي الارتداء به وجهان لأن ضرر جنس آخر
الفصل الثاني في الضمان

والنظر في المستأجر والأجير
أما المستأجر فيده يد أمانة في مدة الانتفاع ولو انهدمت الدار المستأجرة أو تلف الثوب المستأجر للبس أو الدابة المتسأجرة للركوب بغير عدوان فلا ضمان لأن توفيه المنفعة واجبة على الآجر ولا يتوصل إليه إلا بإثبات يد المستأجر فكأنه يمسكه لغرض الآجر
أما إذا تعدى بضرب الدابة من غير حاجة أو سبب آخر فتلف ضمن ضمان العدوان
أما إذا انقضت المدة قال الشافعي رضي الله عنه ولو حبسه بعد المدة فتلف ضمن
واختلف الأصحاب فمنهم من قطع بأن يده يد أمانة بعد المدة كما في المدة وأنه لا يلزمه مؤنة الرد وإذا تلف فلا ضمان وأراد الشافعي رضي الله عنه ما إذا حبس بعد المطالبة
ومنهم من قال يده بعد المدة كيد المستعير فعليه مؤونة الرد والضمان
فأما قبل الانتفاع إذا سلم إليه الدابة فربطها في الإصطبل فماتت فلا ضمان قبل مضي مدة الانتفاع
فإن انهدم عليها والإصطبل قال الأصحاب يجب الضمان إذ لو ركب في الطريق لكان آمنا من هذه الآفة
أما الأجير على الدابة للرياضة وعلى الثوب للخياطة وعلى الخبز للخبز فضامن إن تلف المال بتقصيره في العمل
وإن لم يقصر وتلف بآفة نظر إن كان في دار المالك وفي حضوره والشئ في يد المالك فلا ضمان
وإن كان في يد الأجير ودكانه ففيه ثلاثة أقوال
الأصح أنه لا ضمان
قال الربيع اعتقد الشافعي رضي الله عنه أن لا ضمان على الأجير وأن القاضي يقضي بعلمه ولكن كان لا يبوح به خيفة القضاة السوء والآجر السوء
ويتأيد ذلك بأن الراعي إذا نلفت الأغنام تحت يده بالموت بآفة سماوية لا يضمن إجماعا وعامل القراض لا يضمن إجماعا والمستأجر لا يضمن إجماعا
والثاني أنه يضمن
ويتأيد ذلك بآثار من الصحابة وفيه مصلحة للناس صيانة للمال من الأجراء السوء ولأن العمل وجب عليه وإنما هو مستعير للثوب لغرض نفسه حتى يوفي عمله بواسطته بخلاف المتسأجر
والثالث أن الأجير المشترك الذى يقدر على أن يحصله بنفسه وغيره يضمن
والمنفرد المعين شخصه للعمل لا يضمن والفرق ضعيف
فروع أربعة

الأول إذا غسل ثوب غيره أو حلق رأسه أو دلكه من غير جريان لفظ في الإجارة فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يستحق شيئا وهو قياس مذهبه لأن الأجرة تجب بعقد ومجرد القرينة عند الشافعي رضي الله عنه لا تقوم مقام العقد ولأجله لم تكن المعاطاة بيعا أو تجب بالإتلاف والغسال والدلال والحلاق هم الذين أتلفوا منافع أنفسهم ولم يجر منه إلا سكوت أو إذن
ولو أتلف ملك غيره بإذنه لم يضمن فكيف إذا أتلف المالك منفعة نفسه
واختار المزني أنه يضمن له إذا كان مثله يعمل بأجرة ويكون بالإذن مستوفيا للمنفعة وفعله لا يدل على المسامحة فيبقى مضمونا كما أن من دخل الحمام جعل مستوفيا للمنفعة ضامنا
ومن أصحابنا من قال إن كان الالتماس من صاحب الثوب ضمن وإن كان من الغسال لم يستحق
فإن قيل وما يستحقه الحمامي عوض ماذا
قلنا من أصحابنا من قال هو ثمن الماء وإلا فهو متبرع بالسطل والإزار إعارة له ومتبرع بحفظ الثياب وهو ضعيف لأن الماء تابع في مقصود الاستحمام ولو كان مقصودا لكان يضمن بالمثل إن كان متقوما
بل ما يستحقه أجره منفعة السطل والإزار والحمام وحفظ الثياب فهو في حق الثوب كأجير مشترك حتى يخرج ضمانه على القولين
والداخل لا يضمن السطل والإزار ضمان المستعير بل هو كالمستأجر
الفرع الثاني إذا قصر الثوب فتلف بعد القصارة
إن كان يغسل في يد المالك وداره فيستحق الأجرة ولا ضمان
وإن كان في يد الغسال ففي الضمان القولان وفي الأجرة قولان مأخذهما أن القصارة عين أو أثر
وفائدته أن القصار هل له حق الحبس كما للصباغ
فإن قلنا له حق الحبس فقد تلف قبل التسليم فلا أجرة له
وإن قلنا أثر ولا حبس فقد صار بمجرد الفراغ مسلما فله الأجرة
والصحيح أنه لا أجرة له ولا ضمان
وفي طريقة العراق أنا إن ضمناه فله الأجرة وإن جعلناه أمينا فلا أجرة له
وقدمناه من البناء أظهر
الفرع الثالث إذا استأجر دابة ليحملها عشرة آصع فأخذ الدابة وحملها أحد عشر صاعا وتلف تحت يده ضمن كلها لأنه غاصب
ولو أسلم أحد عشر صاعا إلى المكري وليس عليه فظن أنه عشرة فحملها فتلفت الدابة بآفة أخرى فلا ضمان عليه وإنما عليه أجرة المثل للزيادة وإن تلفت بثقل الحمل فالأظهر أن الغار يطالب بالضمان وإن كان مباشرة الحمل من مالك الدابة
وفي قدر الضمان قولان
أحدهما النصف لأنه تلف بمضمون وغير مضمون فهو كالجراحات
والثاني يوزع على قدر الحمل فيلزمه جزء من أحد عشر جزءا من الضمان بخلاف الجراحات فإن آثارها لا ينضبط
ومثل هذا الخلاف جار في الجلاد إذ زاد على الحد واحدة أنه يوزع على العدد أو ينصف
ولو استأجر رجلان ظهرا فارتدفهما ثالث بغير إذنهما وهلكت الدابةففيما على الرديف ثلاثة أوجه
أحدها النصف إذ هلك بمضمون وغير مضمون
والثاني أنهم يوزنون ويقسط الضمان على وزنه بحصته
والثالث أن عليه الثلث فإن وزن الرجال بعيد
الفرع الرابع سلم ثوبا إلى خياط فخاطه قباء فقال المالك ما أذنت لك إلا في خياطته قميصا وتنازعا
قال ابن أبي ليلى القول قول الخياط لأن الإذن في أصله متفق عليه وهو أمين فالقول قوله في التفصيل وقال أبو حنيفة رحمه الله القول قول المالك لأنه الآذن فيرجع إله ف تفصيل إذنه
قال الشافعي رضي الله عنه و قول أبي حنيفة رحمه الله أولى
ثم ذكر قولا ثالثا وهو أنهما يتحالفان إذ المالك يدعي عليه خيانة وهو ينكرها والخياط يدعي على المالك إذنا في خياطة القباء وهو ينكره
فمن الأصحاب من قال للشافعي رضي الله عنه ثلاثة أقوال إذ لا يرجح فاسد على فاسد فدل على أنه رأى مذهبهما رأيا
ومنهم من قال مذهبه التحالف وذاك حكاية عن مذهب الغير وهو الأصح
التفريع إن قلنا يحلف الأجير فحلف سقط عنه الأرش
وهل يستحق الأجرة وجهان
أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي لا لأن يمينه نافية فلا تصلح للإثبات
والثاني أنه يستحق لأنا نحلفه على أنه أذن له في خياطته قباء لا قميصا فليستفد بيمينه استحقاق الأجرة
فإن قلنا يستحق فأجرة المثل أو المسمى فيه وجهان
أحدهما المسمى تصديقا له كما قال فإن كان من إشكال فهو من ضعف هذا القول ولزومه عليه
والثاني أجرة المثل إذ ربما يكثر المسمى ويبعد إثباته بيمين النفي
فإن قلنا لا يستحق فيدعي على المالك الأجرة فإن حلف سقط وإن نكل فهل تجدد اليمين عليه
قال القاضي حسين رحمه الله لا إذ لا فائدة في التكرير فكأن يمينه السابقة كانت موقوفة على النكول لتصير حجة
والثاني أنه يكرر اليمين إذ لا عهد بتقديم اليمين على النكول في الإثبات
وإن فرعنا على أن القول قول المالك فيحلف له أنه أذن له في القميص لا في القباء وتسقط عنه الأجرة ويستحق الضمان لأنه إذا انتفى الإذن فالأصل الضمان
وفي قدر الضمان قولان
أحدهما التفاوت بين المقطوع وغير المقطوع
والثاني التفاوت بين المقطوع قميصا وقباء لأن هذا القدر مأذون فيه
وهذا يلتفت على أن الوكيل إذا ضمن في البيع هل يحط عنه ما يتغابن الناس به فإنه كالمأذون فيه لو تم البيع ثم مهما لم يأخذ الأجير الأجرة فله نزع الخيط إذا كانملكا له
وإن فرعنا على التخالف فإذا تحالفا سقطت الأجرة وهل يسقط الضمان قولان
أحدهما لا إذ فائدة التحالف رفع العقد والرجوع إلى ما قبله
والثاني وهو الأصح أنه يسقط لأنه حلف على نفي العدوان أعني الخياطة ولو نكل لكان لا يلزمه إلا الضمان فليكن ليمينه فائدة
الباب الثالث في الطوارئ الموجبة للفسخ
وهو ثلاثة أقسام
الأول ما ينقص المنفعة من العيوب فهي سبب للخيار قبل القبض وبعد القبض لأنه وإن قبض الدار والدابة فالمنافع غير مقبوضة بعد
نعم أقيم قبض محل المنافع مقام قبض المبيع في التسليط على الإجارة وفي لزوم تسليم البضع إن كانت المنفعة صداقا وحصول العتق إن كانت المنفعة نجوم كتابة وذلك لأجل الضرورة ولا ضرورة في نفي خيار العيب
والعيب كل ما يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت الأجرة ما لا يظهر به تفاوت قيمة الرقبة فإن مورد العقد المنفعة
فروع أربعة

أحدها أن عذر المستأجر في نفسه لا يسلط على الفسخ كما إذا استأجر دابة لسفر فمرض أو حماما فتعذر عليه الوقود أو حانوتا فاحترف بحرفة أخرى فإنه لا خلل في المعقود عليه
وقال أبو حنيفة يثبت الفسخ بهذه المعاذير
الثاني لو استرم الجدار فهو عيب
فلو بادر المكري إلى الإصلاح لم يثبت الفسخ وإنما الخيار إذا امتنع عن العمارة أو افتقر إلى تعطيل مدة فإن رضي المكتري دون الإصلاح فالصحيح أنه يلزمه تمام الأجرة
الثالث إذا أكرى أرضا للزراعة ففسد الزرع يحائحة من برد أو صاعقة لم يثبت بالفسخ ولا ينقص شئ من الأجرة لأن الأرض لم تتعيب وإنما النازلة نزلت بملكه
وإن أفسدت الجائحة الأرض وأبطلت فيها قوة الإنبات ثم فسد الزرع بعده فيفسخ العقد فيما بقي من الزمان
والظاهر أنه يسترد أجرة ما سبق إذ كان موقوفا على الآجر فإن أول الزراعة غير مقصود ولم يسلم له الآجر
وإن أفسد الأرض بعد إفساد الزرع فالظاهر أنه لا يسترد شيئا لأنه لو بقيت صلاحية الأرض وقوتها لم يكن للمستأجر فيها فائدة بعد فوات زرعه
الرابع مهما أثبتنا له الخيار فإن رضي فالصحيح أنه مأخوذ بتمام الأجرة
وإن فسخ فالصحيح أنه لا ينفسخ فيما مضى وتوزع الأجرة المسماةعلى قدر أجرة المثل في المدتين لا على المدة
القسم الثاني فوات المنفعة الكلية

فموت الدابة المعينة والعبد المعين للعمل يوجب انفساخ الإجارة إن وقع عقب العقد
وإن مضت مدة انفسخ بالإضافة إلى الباقي
وبالإضافة إلى الماضي يخرج على نظيره في تفريق الصفقة
فروع

الأول إذا انهدمت الدار نص الشافعي رضي الله عنه أن الإجارة تنفسخ وإذا انقطع شرب الأرض المستأجرة للزراعة نص أن يثبت الخيار
فقال الأصحاب فيه قولان بالنقل والتخريج
أحدهما الانفساخ إذ فاتت المنفعة المقصودة
والثاني ثبوت الخيار إذ الأرض على الجملة تبقى منتفعا بها بوجه ما ومنهم من قرر النصين وفرق بأن الدار لم تبق دارا بعد الانهدام والأرض بقيت أرضا
فإن قلنا له الخيار فأجاز فهل يجيز بكل الأجرة أم يحط قسط لأجل الشرب فيه وجهان
وهذا أيضا يضاهي التردد في أن اللبن مقصود مع الحضانة أو هو تابع
ولو كان عود الماء متوقعا فلم يفسخ ثم بعد ذلك أراد الفسخ إذا لم يعد فله ذلك وهو كالمرأة إذا أخرت الفسخ بعد ثبوت إعسار الزوج ومضي مدة الإيلاء
الثاني إذا مات الصبي الذى استؤجر على إرضاعه أو العبد الذى استؤجر على تعليمه أو تلف الثوب الذى استؤجر على خياطته ففي الانفساخ وجهان ذكرناهما
أحدهما أنه لا ينفسخ لأنه كالمستوفي فأشبه موت العاقدين فإنه لا يوجب الفسخ عندنا
والثاني نعم بل هو كموت الأجير لأن الغرض يختلف به
وقد نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لو أصدقها خياطة ثوب فتلف الثوب رجعت إلى مهر المثل وهو حكم بالانفساخ
وفيه وجه ثالث وهو الأعدل وهو أنهما إن لم يتشاحا في الإبدال استمر العقد وإلا ثبت الفسخ
الثالث إذا غصبت الدار المستأجرة حتى مضت مدة الإجارة قال المراوزة ينفسخ العقد
وذكر العراقيون قولين أحدهما أنه ينفسخ والثاني للمستأجر الخيار
فإن أجاز طالب الغاصب بالأجرة كالبيع إذا أتلفه أجنبي قبل القبض
وهذا بخلاف المنكوحة إذا وطئت بشبهة فإن البدل لا يصرف إلىالزوج لأن النكاح لا يوجب حقا في المال بخلاف منفعة الإجارة هذا إذا مضت المدة
وأما في ابتداء الغصب فكما جرى يثبت الخيار للمكتري لأنه تأخر حقه بعد التعيين
ولو ادعى الغاصب ملك الرقبة لنفسه فاللمكري حق المخاصمة
قال الشافعي رضي الله عنه وليس للمكتري حق المخاصمة لأنه لو أقر ما كنت أقبل إقراره
وذكر المراوزة وجها منقاسا أنه يخاصم لطلب المنفعة وإن كان لا يقبل إقراره في الرقبة
فلو أقر المكري بالدار للغاصب فإن قلنا يصح بيعه نفذ إقراره
وإن قلنا لا يصح بيعه ففي إقراره من الخلاف ما في إقرار الراهن
فإن قبلنا إقراره ففي سقوط استحقاق المستأجر من المنفعة ثلاثة أوجه
أحدها يسقط تابعا للرقبة
والثاني لا لأنه التزم حقه في المنفعة فلا يقدر على إبطاله
والثالث إن كانت الدار في يد المكتري لا تزايل يده إلى مضي المدة وإنكانت في يد المقر له فلا تنزع من يده أيضا
الرابع إذا هرب الجمال بجماله فقد تعذرت المنفعة
فإن ورد العقد على العين فله الفسخ وإذا مضت المدة انفسخ
وإن ورد على الذمة فللقاضي أن يستأجر عليه استقراضا إلى أن يرجع وإن كان له مال باع فيه
وإن ترك جماله استوفيت منفعتها والقاضي ينفق عليها
فإن انفق المكتري بنفسه ففي رجوعه عند العجز عن القاضي خلاف ذكرناه في المساقاة
وحيث قضينا بالانفساخ في موت الدابة والعبد والغصب أردنا به ما إذا وردت الإجارة على العين
فإن وردت على الذمة فلا تنفسخ ولكن يطالب بالتوفية من عين أخرى
الخامس إذا حبس المكتري الدابة التى استأجرها استقرت عليه الأجرة وإن لم يستعملها مهما مضت المدة في حبسه سواء كانت الإجارة وردت على عين الدابة أو على الذمة وسلمت الدابة
فأما المكري إذا حبس ولم يسلم انفسخت الإجارة إن كان قد عين مدة وإن لم تكن المدة معينة فوجهانأحدهما نعم ينفسخ كما تستقر به الأجرة في حبس المكتري
والثاني لا ينفسخ بل يقال تأخر حقه فله الخيار إن شاء لأن الوقت غير متعين
السادس التلف الموجب للانفساخ أو للخيار موجب حكمه وإن صدر من المكتري ولكنه ضامن
وهو كما لو جبت المرأة زوجها ضمنت وثبت لها فسخ النكاح
القسم الثالث ما يمنع من استيفاء المنفعة شرعا

فهو أيضا موجب للانفساخ كما لو استأجر على قلع سن فسكن الألم أو قطع يد فسلمت اليد أو ليقطع يد من عليه القصاص فعفا انفسخت الإجارة في الكل لأن الفوات شرعا كالفوات حسا إلا عند من يرى الإبدال في مثل هذه الأمور وتيسر الإبدال
فروع أربعة

الأول إذا أجر الوقف المرتب على البطون ومات ففي انفساخ الإجارة وجهان
أحدهما لا لأنه عاقد والإجارة لا تنفسخ بموت العاقد فعلى هذا البطنالثاني يرجع في تركته بأجرة المدة الباقية
والثاني وهو الأظهر أنه ينفسخ إذ بان أن بإجارته تناول ما لا حق فيه
وفي إلزام إجارته على من بعده من البطون ضرر ظاهر بخلاف الوارث
فإنه يلزمه تسليم الدار المكراة لأنه يأخذ الملك من المورث ولم يملك إلا دارا لا منفعة لها
الثاني إذا آجر الصبي أو ماله على وفق الغبطة مدة تزيد على مدة الصبى فهو باطل في القدر الفاضل وفي القدر الباقي ينبني على تفريق الصفقة وإن كان متقاصرا عن سن بلوغه صحت الإجارة
فإن بلغ قبل السن بالاحتلام ففي انفساخ الإجارة وجهان
الأظهر أنه لا ينفسخ لأنه وليه وقد نظر له والأجرة قد سلمت له
والثاني أنه ينفسخ إذ بان أنه تناول يعقدة ما خرج عن محل ولايته
الثالث إذا آجر عبدا ثم أعتقه قبل مضي المدة صح العتق كما لو زوج جارية ثم أعتقها إذ لا يناقض الإجارة العتق
والمذهب المقطوع به أنه لا تنفسخ الإجارة
وفيه وجه ذكره صاحب التقريب أنه ينفسخ كموت البطن الأول
نعم اختلفوا فيما للعبد فمنهم من قال له الخيار وهو أيضا بعيد في المذهب بل الصحيح استمرار الإجارة على اللزوم
وفي رجوع العبد بأجرة مثله على السيد وجهان
أحدهما نعم لأنه فوته بعد الحرية والمنفعة حدثت على ملك العبد
والثاني لا وكأنه كالمستوفى في حالة الرق
فإن قلنا لا يرجع بالأجرة ففي نفقته وجهان
أحدهما على السيد وكأنه استبقى حبسه مع العتق
والثاني على بيت المال فإن الملك قد زال وهو فقير في نفسه
الرابع إذا باع الدار المستأجرة من أجنبي قبل مضي مدة الإجارة ففيه قولان أظهرهما الصحة وكأن المنافع مستثناة
ولو استثنى المنافع لنفسه مدة فهو على هذا الخلاف ويشهد لجواز الاستثناء حديث ورد فيه وإن كان القياس يقتضي البطلان
ولو انفسخت الإجارة بعذر في بقية المدة فالمنفعة الباقية للمشتري أو للبائع فيه وجهان
أحدهما للمشتري فإنه يحدث على ملكه بعد انفساخ الإجارة
والثاني لا لأنه كان للمستأجر فيعود بفسخه إلى العاقد للإجارة لا غير أما إذا باعها من المستأجر فالظاهر الصحة وتستوفى المنفعة في بقية المدة بحكم الإجارة
وفيه وجه آخر أنه تنفسخ الإجارة كما لو اشترى زوجته فإن ملك العين أقوى في إفادة المنفعة من الإجارة فيدفع الأضعف
أما إذا أجر المستأجر الدار المستأجرة من المالك صح على الظاهر
وعلى قولنا ملك العين والإجارة لا يجتمعان لا يصح أصلا
كتاب الجعالة

وهي معاملة صحيحة لقوله سبحانه وتعالى { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم }
ولما روي أن قوما من أصحابه صلى الله عليه وسلم نزلوا بحي من أحياء العرب فلدغ سيدهم فالتمسوا منهم رقية فأبوا إلا بجعل فجعلوا لهم قطيعا من الشاة ومضى إليهم واحد وقرأ أم القرآن وتفل فيه بلعابه فبرئ فسلم القطيع فقالوا لا نأخذ حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكي ذلك له فضحك وقال
ما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي فيها بسهم
ويتأيد ذلك بالحاجة إذ قد تمس الحاجة إلى ذلك في رد عبد آبق أو ضالة وما لا يدرى من الذى تعذر عليه
والنظر في أحكامها وأركانها أما الأركان فأربعة

الركن الأول الصيغة وهي قول المستعمل من رد عبدي الآبق أو ضالتي أو عمل العمل الذى يريده مما يجوز فعله ويستباح فله دينار أو ما يريد صح العقد ولم يشترط القبول لفظا بل اكل من سمعه اشترك في حكمه فمن قام بالعمل استحق
ولو لم يصدر منه لفظ فرد إنسان عبده الآبق أو عمل له عملا لم يستحق شيئا لأنه متبرع
ولو قال رد عبدي ولم يقطع له أجرة فرد ففي استحقاقه ما ذكرناه في استعمال القصار والدلاك والمزين
وكذا إذا نادى ولكن رد العبد من لم يسمع نداءه فلا يستحق شيئا لأن النداء يتناول من سمع وهو قصد التبرع به
وكذا الفضولي إذا كذب وقال قال فلان من رد عبدي فله دينار فرده إنسان لا يستحق لا على المالك ولا على الفضولي
ولو قال من رد عبد فلان فله دينار وجب على الفضولي لأنه ضمنه بقوله
الركن الثاني العاقد

ولا يشترط في الجاعل إلا أهلية الاستئجار ولا في المجعول له إلا أهلية العمل ولا يشترط التعيين إذ يخالف اشتراط تعيين الشخص مصلحة العقد
الركن الثالث العمل

وهو كل ما يجوز الاستئجار عليه ولكن لا يشترط كونه معلوما فإن رد الآبق لا ينضبط العمل فيه وكان ينقدح أن يشترط كون العمل مجهولا ولا يتقدر كالمضاربة ولكن قطع العراقيون بأنه لو قال من بني حائطي أو خاط ثوبي فله كذا أن ذلك لا يجوز
وكذا إذا قال أول من يحج عني فله دينار استحق الدينار هذا رواه المزني عن الشافعي رضي الله عنه في المنثور ثم قال المزني ينبغي أن يستحق أجرة المثل لأنه إجارة فلا يصح بغير تعيين
وهذا يدل على أن المزني اعتقد اختصاص الجعالة بالمجهول الذى لا يستأجر عليه
وقد نسب العراقيون المزني إلى الغلط فيه وقالوا هذه جعالة
الركن الرابع الجعل

وشرطه أن يكون مالا معلوما فلو شرط مجهولا فسد واستحق العاملأجرة المثل كما في المضاربة الفاسدة
فروع ثلاثة

أحدها لو قال من رد عبدي من البصرة فله دينار وهو ببغداد فرده من نصف الطريق استحق نصف الدينار
ومن الثلث الثلث لأنه قدر المسافة
وإن رد من مكان أبعد لم يستحق للزيادة شيئا لأنه لم يشترط عليه شيئا
الثاني إذا قال من رد عبدي فله دينار فاشترك في رده اثنان اشتركا في الجعل
وإن عين شخصا وقال إن رددت فلك دينار فشاركه غيره وقال قصدت معاونه العامل استحق العامل الدينار وإن قال قصدت المساهمة فللعامل نصف الدينار ولا شئ للمعين فإنه لم يشرط له شئ
الثالث إذا قال لأحدهما إن رددت عبدي فلله دينار وقال لآخر إن رددت فلك دينار فاشتركا فلكل واحد نصف ما شرط له وإن شرط لأحدهما دينارا وللآخر ثوبا مجهولا فاشتركا استحق من شرط له الدينار نصفه وللآخر نصف أجرة المثل
أما أحكامها فأربعة

الأول أنه جائز من الجانبين كالمضاربة إذ لا يليق بها اللزوم ثم إن فسخه المالك قبل العمل انفسخ
وإن كان بعد الشروع في العمل وقبل الفراغ انفسخ ولزمه أجرة المثل
وإن كان بعد الفراغ من العمل فلا معنى للفسخ
الثاني جواز الزيادة والنقصان
فلو قال من رد عبدي فله عشرة ثم قال من رد عبدي فله دينار فمن رده استحق الدينار وكذا على العكس والاعتبار بالأخير
فإن لم يسمع العامل النداء الناقص الأخير فينقدح أن يقال يرجع إلى أجرة المثل
الثالث أن العامل لا يستحق شيئا إلا بالفراغ من العمل فلو رد العبد إلى باب داره فهرب أو مات قبل التسليم لم يستحق شيئا لأن المقصود قد فات وهو الرد
الرابع لو تنازعا في أصل شرط الجعل فأنكره المالك أو في عين عبد فأنكر المالك الشرط فيه وقال إنه شرط في عبد غيره أو أنكر المالك سعيه في الرد وقال رجع العبد بنفسه فالقول في ذلك كله قول المالك فإن العامل مدع فليثبت
وإن اختلفا في مقدار المشروط تحالفا ورجع إلى أجرة المثل كما في الإجارة
كتاب إحياء الموات
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول في تملك الأراضي
وفيه فصلان
الأول فيما يملك من الأراضي بالإحياء وهي الموات
قال صلى الله عليه وسلم
من أحيا أرضا ميتة فهي له
والموات هى الأرض المنفكة عن الاختصاصات
والاختصاصات ستة أنواع
النوع الأول العمارة
فكل أرض معمورة فهي محياة فلا تتملك بالإحياء سواء كان ذلك من دار الإسلام أو دار الحرب
وإن اندرست العمارة وبقي أثرها فإن كان من عمارة الإسلام فلا تملك لأنه موروث عمن ملكه فينتظر صاحبه أو يحفظ لبيت المال ويتصرف الإمام فيهكما يتصرف في مال ضائع لا يتعين مالكه
وإن كان من عمارات الجاهلية وعلم وجه دخولها في يد المسلمين إما بطريق الاغتنام أو الفئ استصحب ذلك الحكم ولم تتملك بالإحياء وإن وقع اليأس عن معرفته فقولان
أحدهما يتملك إذ لا حرمة لعمارة الكفار فصار كركازهم
والثاني لا لأنه دخل في يد أهل الإسلام فالأصل سبق ملك عليه وأما الركاز فحكمه حكم لقطة معرضة للضياع
هذا حكم دار الإسلام أما دار الحرب فمعمورها كسائر أموالهم يملك بالاغتنام
وأما مواتها فما لا يدفعون المسلمين عنها فهو كموات دار الإسلام يتملك بالإحياء ويفارقها في أمر وهو أن الكافر لو أحياها ملكها
ولو أحيا موات دار الإسلام لم يملكها عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن لأهل الإسلام اختصاصا بحكم الإضافة إلى الدار
أما ما يدفعون المسلمين عنه فلو أحياها مسلم وقدر على الإقامة ملكه وإن استولى عليها بعض الغانمين وقصدوا الاختصاص بها فثلاثة أوجه
أحدها انه يفيدهم الاختصاص بالاستيلاء ما يفيد التحجر كما سيأتي
والثاني أنه يفيدهم الملك في الحال لأن مال الكفار يملك بالاستيلاء
والثالث أنه لا يفيد الملك لأنه ليس ملك الكفار وإنما هو موات ولا اختصاص لأنه لا يحجر وإنما هو مجرد يد فهو كمجرد الاستيلاء على موات دار الإسلام
النوع الثاني من الاختصاص أن يكون حريم عمارة
فيختص به صاحب العمارة ولا يملك بالإحياء
فإن قيل وما حد الحريم
قلنا أما البلدة التى قررنا الكفار عليها بالمصالحة فلما حواليها من الموات التى يدفعون المسلمين عنها لا تحيا وفاء بالصلح فإنها حريم البلدة
وأما القرية المعمورة في الإسلام فما يتصل بها من مرتكض الخيل وملعب الصبيان ومناخ الإبل ومجتمع النادي فهو حريمها فليس لغيرهم إحياؤها
وما ينتشر إليه البهائم للرعي في وقت الخوف وهو على قرب القرية فيه تردد
أما الدار فحريمها إذا كانت محفوفة بالموات مطرح التراب والثلجومصب ماء الميزاب وفناء الدار وحق الاجتياز في جهة فتح الباب
وإن كانت محفوفة بالأملاك فلا حريم لها لأن الأملاك متعارضة فليس بعضهما بأن يجعل حريما لها أولى من الآخر ولكل واحد أن ينتفع في ملكه بما جرت به العادة
وإن تضرر به صاحبه فلا يمنع إلا إذا كانت العادة السكون
ولو اتخذ أحدهما داره مدبغة أو حماما أو حانوت قصار أو حداد
قال المراوزة يمنع نظرا إلى العادة القديمة
وقال العراقيون إذا أحكم الجدران واحتاط على العادة لا يمنع
وتردد الشيخ أبو محمد فيما إذا كان يؤذي بدخان الخبز وجعله مخبزا على خلاف العادة لأن هذا إيذاء المالك لا إيذاء الملك وحاصله ولا يمنع لا تمنع ومع
أما البئر فإن حفرها في الموات للنزح فموقف النازح حواليها حريمها وإن كان النزح بالدواب فموضع تردد الدواب وعلى الجملة ما يتم الانتفاع
ولو حفر آخر بئرا بجنبه بحيث ينقص ماؤها لم يجز بل حريمها القدر الذى يصون ماءها وكأنه استحق بالحفر
وفي طريقة العراق القطع بأنه يجوز
والأول أظهر فإنه لو أحيا دارا في موات فليس لآخر أن يحفر بجنب جداره بئرا يتوهم الإضرار بجداره وإن كان ذلك يجوز للجار المالك ولكن وضع البناء في الموات أوجب حريما لصيانة الملك فكذلك لصيانة ماء البئر
النوع الثالث اختصاص المسلمين بعرفة لأجل الوقوف
وفي امتناع إحياء عرفة به ثلاثة أوجه
أحدها لا يمتنع إذ لا تضييق به
والثاني يمتنع إذ فتح بابه يؤدي إلى التضييق
والثالث يجوز وإن ضيق ثم يبقى في الدور حق الوقوف
النوع الرابع اختصاص المتحجر

ومن تقدم إلى موضع ونصب حجارة وعلامات للعمارة اختص به بحق السبق بشرط أن يشتغل بالعمارة
فلو تحجر ليعمر في السنة الثانية لم يجز ومهما جاز التحجر ومنع غيره من الإحياء فإن أحيا فهل يملك ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأنه سبب قوي والتحجر ضعيف فكان كالبيع سوما على سوم غيره
والثاني لا لأنه اختصاص مؤكد
والثالث أن التحجر إن كان مع الإقطاع منع وإلا فلا
وهل يجوز للمتحجر بيع حقه من الاختصاص والاعتياض عنه فعلى وجهين
أحدهما يجوز كالملك
والثاني لا كحق الشفعة وحق الرهن
النوع الخامس من الاختصاص الإقطاع

ويجوز للإمام أن يقطع مواتا على قدر ما يقدر المقطع على عمارته وينزل الإقطاع منزلة التحجر في الاختصاص
النوع السادس الحمى

وهو كان جائزا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن يحمي الكلأ ببقعة لإبل الصدقة
وكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين
وهل يجوز للإمام بعده فيه خلاف
والصحيح الجواز إذ حمى عمر رضي الله عنه لإبل المسلمين
ولكن لا يجوز أن يحمى الإمام لنفسه وإنما كان ذلك خاصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا صح الحمى فإحياؤه كالإحياء بعد التحجر
فرع
ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة أو حماه غيره فزالت الحاجة فهل لأحد بعد ذلك نقضه فيه ثلاثة أوجه
أحدها لا لأنها بقعة أرصدت لخير فأشبه المسجد
والثاني نعم لأنه بني على مصلحة حالية ظنية
والثالث أن حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يغير وهو حماه بالبقيع وهو بلد ليس بالواسع لأن حماه كالنص وحمى غيره كالاجتهاد
الفصل الثاني في كيفية الإحياء

والرجوع في حده إلى العرف ويختلف ذلك باختلاف الغرض فإن أحيا بقعة للزريبة فيكفيه التحويط وتغليق الباب ولا يملك قبله إذ به تصير زريبة
وإن أراد السكون فبالبناء وتسقيف البعض إذ به يتهيأ للسكون
وإن أراد بستانا فبسوق الماء إليه وتسوية الأنهار والتحويط وتغليق الباب
وإن كان من البطائح فيحبس الماء عنه فإنه العادة
وإن أراد مزرعة فيقلب الأرض ويسويها ويجمع حواليها التراب ويسوق إليها الماء وهل يفتقر إلى الزراعة ليملك فيه وجهان
ظاهر ما نقله المزني أنه يشترط كالتسقيف في البناء
والثاني لا لأن هذا انتفاع ووزانه من الدار السكون ولا يحتاج إلى بناء الجدار للمزرعة
قال إمامي رضي الله عنه يحتمل أن يقال ما تملك به الأرض إذا قصد الزراعة فيملك أيضا وإن قصد البستان وما تملك به الزريبة يملك به المسكن وإن القصد لا يغير أمره
ومن أحيا أرضا ميتة بغير إذن الإمام ملكها عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الباب الثاني في المنافع المشتركة في البقاع

وهي كالشوارع والمساجد والرباطات والمدارس فإن هذه الأرضي لا تملك أصلا إذا ثبت في كل واحد منها نوع اختصاص
فالشوارع للاستطراق وهو مستحق لكافة الخلق في الصحاري والبلاد
نعم يجوز الجلوس فيها بشرط أن لا يضيق الطريق على المجتازين
ومن سبق إلى موضع فجلس فيه إن لم يجلس لغرض فكما قام انقطع حقه
وإن جلس لبيع كالمقاعد في الأسواق اختص السابق به ولو انصرف إلى بيته ليلا وتخلف بعذر يوما ويومين ولم ينقطع اختصاصه إذ ألافه في المعاملة لا ينقطعون بهذا القدر
ولو طال سفره أو مرضه أو جلس في موضع آخر أو غير ذلك مما يقطع ألافه عن مكانه فينقطع به اختصاصه
ولو جلس في غيبته في المدة القصيرة من عزم على التسليم له إذا عاد فقد قيل إنه يمنع إذ يتخيل به ألافه تركه الحرفة
وقيل إنه لا يمنع لأن الموضع فارغ في الحال فلا يعطل منفعته ولا يحتاج إلى إذن الإمام في هذا الاختصاص
وهل للإقطاع فيه مدخل كما في الموات فعلى وجهين
والفرق أنه إذا كان لا يبغي به ملكا فلا وزن له كالسبق في المساجد
وأما المساجد فمن سبق إلى موضع للصلاة لا يثبت له حق الاختصاص في صلاة أخرى إذ لا غرض فيه
ولو غاب في صلاة واحدة بعذر رعاف أو ريح أو تجديد وضوء في متسع الوقت وعاد ففي بقاء اختصاصه وجهان
ووجه البقاء قوله عليه السلام
إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحق به إذا عاد إليه
وإن جلس ليقرأ عليه القرآن أو يتعلم منه العلم وألفه أصحابه ثم فارقهفهذا يظهر إلحاقه بمقاعد الأسواق
وأما الرباطات والمدارس فالسابق إلى بيت أولى به
وإن غاب بعذر فإذا عاد فهو أولى به لوقوع الإلف بوجه الارتفاق بالبقعة بخلاف المساجد
ولو طال مقام واحد إن كان له غرض كما في المدارس فلا يزعج إلى تمام الغرض
وإن لم يكن للغرض مرد كرباط الصوفية ففي إزعاجه وجهان
ووجه الجواز أنه يؤدي إلى أن يتملك الرباط ويبطل الاشتراك منه فيتقدم إليهما جماعة ويقيمون فيها على الدوام وإن جوزنا ذلك فالرأي في تفصيل مدة الإقامة إلى المتولي وهو جار في العكوف على المعادن ومقاعد الأسواق
الباب الثالث في الأعيان المستفادة من الأرض كالمعادن والمياه

أما المعادن فظاهرة وباطنة
أما الظاهرة كالملح المائي والجبلي والنفظ والمومياء والمياه العدة في الأودية والعيون وأحجار الأرجبة والقدور وكل ما العمل في تحصيله لا في إظهاره فهذا لا يتطرق إليه اختصاص لا يتحجر ولا يملك بإحياء ولا إقطاع لما روي أن أبيض ابن حمال المأربي استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملح مأرب فهم بإقطاعه فقيل له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كالماء العد فقال فلا إذا
فلو سبق واحد وحوط مثل هذا المعدن وبنى وزعم أنه أراد مسكنا فالظاهر أنه لا يملكه فإنه احتيال إذ لا يقصد من هذه البقعة المسكن
نعم لكل سابق أن يأخذ قدر حاجته لا يزعج قبل قضاء وطره إلا إذا طال عكوفه ففيه الخلاف السابق
فلو تسابق رجلان فتزاحما قيل إنه يقرع بينهما
وقيل للقاضي أن يقدم منهما من يراه أحوج وهو جار في مقاعد الأسواق
فرع
لو حفر بجنب المملحة حفيرة يملك تلك الحفيرة
فلو اجتمع فيها ماء وانعقد ملحا فهو مخصوص به وكأنه أخذه بيده ووضعه في ظرف مملوك له
أما المعادن الباطانه فهي التى تظهر بالعمل عليها كالذهب والفضة والفيروزج وما هو مثبوت في طبقات الأرض ففي تملك ذلك بإحيائه بالإظهار بالعمل أو بعمارة أخرى قولان
أحدهما نعم لأن إحياءه إظهار فهو كعمارة الموات
والثاني لا إذ تبقى حياة العمارة بالبناء وهذا يحتاج إلى عمل في كل ساعة لينتفع به
التفريع إن قلنا يملك فهو كالموات على ما سبق وفيه فروع
الأول لو حفر حفيرة وظهر النيل في طرفها لا يقصر ملكه على محلالنيل بل ما حواليه على ما يليق بحريمه فلو باع الأرض فالظاهر المنع إذ الرغبة فيه بالنيل وهو غرر
والثاني الجواز تعويلا على الرقبة والنيل كدر الشاة وثمرة الشجرة
ولو جمع تراب المعدن وفيه الذهب لم يجز البيع لأن التراب لا يقصد بخلاف الرقبة
الثاني لو قال لغيره اعمل وكل النيل لك
فإن استعمل صيغة الإجارة فالظاهر أنه يستحق أجرة المثل لأنه إجارة فاسدة إذ النيل يكون للمالك ولا يصلح أن يجعل أجرة
وإن قال أذنت لك أن تعمل لنفسك كان النيل للمالك ولم يستحق الأجرة على الظاهر
وفيه عن ابن سريج وجه أنه يستحق كما لو شرط في المضاربة كل الربح للعامل
وإن قال اعمل ولك النيل فوجهان مشهوران لتردده بين صيغة الإذن والإجارة
أما إذا قال اعمل على أن لك نصف النيل فيستحق أجرة المثل هاهنا إذ وجد قصد العمل لغيرهولكن قيل إنه يستحق أجرة نصف العمل لأنه قصد غيره بالنصف وقيل إنه يستحق أجرة نصف العمل للكل
أما إذا فرعنا على أنه لا يملك المعادن بالإظهار
فلو أحيا مواتا بالبناء ثم ظهر بعد ذلك معدن فلا خلاف في أنه ملكه
فإنه من أجزاء الأرض المملوكة إلى تخوم الأرضين
وعلى قولي الملك ينبني جواز الإقطاع فإن قلنا يملك بالإظهار تطرق إليه الإقطاع كالموات وإلا فلا كالمعادن الظاهرة
أما المياه فهي ثلاثة أقسام

الأول المياه العامة المنفكة عن كل اختصاص وهي التى لم تظهر بالعمل ولا حفر نهرها كدجلة والفرات وسائر أودية العالم فحكمه أن من سبق إليه واقتطع منه ساقية إلى أرضه وانتفع به جاز
فإن تنازعا وجب على الأسفل الصبر إلى أن يسرح إليه الأعلى فضل مائه فقد ورد فيه الحديث
فإن استوعب جماعة الماء بأراضيهم المحياة
فمن سفل منهم لاحق له إلا بتبرعهم بالتسريح إليه فإذا سقى كل واحد أرضه إلى الكعب كانت الزيادة ممنوعة لأنه فوق الحاجة كذلك ورد الحديث
فإن أراد واحد أن يعلو عليهم ويحبس عنهم الماء إلى أرض يستجد إحياؤها منع لأنهم بالإحياء على شاطئ النهر استحقوا مرافق الأرض والماء من مرافقها ولو فتح هذا الباب لأبطل سعيهم في الإحياء وفاتت أملاكهم فهي كالحريم المستحق بالعمارة
القسم الثاني المياه المختص بالملك بالإحراز في الأواني والروايا فهو كسائر الأملاك لا يجب بذله لأحد ولا لمضطر إلا بقيمة والماء مملوك على الأظهر وبيعه صحيح
القسم الثالث متوسط بين الرتبتين وهو ما ظهر اختصاص بمنعه كالمياه في الآبار والقنوات ولها صورتان
إحداهما أن يحفر المنتجع حفرة ليسقى بها ما شيته ولم يقصد ملك الحفرة فهو أحق بذلك الماء
فإن فضل عن حاجته ومست إليه حاجة ماشية غيره حرم عليه المنع لقوله صلى الله عليه وسلم
من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته
والمعنى أنه يمتنع عن ماشية غيره بسبب منع الماء
وهذا مخصوص بالماشية ولا يجري في الزرع وإنما هو لحرمة الروح ولا يجري في الكلأ في الحال لا يستخلف فقد يتضرر به والماء يستخلف
ولا يجري في الدلو والرشاء فلا يجب إعارته إلا بعوض لأن الملك فيه ثابت بخلاف الماء إذ ليس فيه إلا حق سبق به
الصورة الثانية أن يقصد ملك البئر
فالماء الحاصل منه مملوك وكذلك ماء القنوات
وفي تحريم منع الشرب فيما يفضل من حاجته بغير عوض خلاف منهم من نظر إلى عموم الخبر ومنهم من خصص بما لم يملك وألحق هذا بالمحرز في الأواني
فرع

إذا اشترك جماعة في حفرة قناة اشتركوا في الملك بحسب العمل أو بحسب التزام المؤنة وقسموا الماء بنصب خشبة مستوية فيها ثقب متساوية كما جرت العادة
فإن قسموا بالمهاياة فالظاهر جوازها فإنها لا تلزم وفيه وجه أنها تلزم وفيه وجه أنها لا تصح لأن القيمة تختلف باختلاف الأوقوات
كتاب الوقف

والوقف قربة مندوب إليها لما روي أن عمر رضي الله عنه قال أصبت أموالا لم أصب مثلها وفيها حدائق ونخيل فراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
حبس الأصل وسبل الثمرة
ولقوله صلى الله عليه وسلم
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا في ثلاث ولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به وصدقة جارية وليس ذلك إلا الوقف وفي تفصيله بابان
الباب الأول في أركانه

وهي أربعة الموقوف والموقوف عليه وصيغة الوقف وشرطه
الركن الأول في الموقوف

وشرطه أن يكون مملوكا معينا تحصل منه فائدة أو منفعة مقصودة دائمة مع بقاء الأصل
أما قولنا مملوكا عممنا به العقار والمنقول والحيوان والشائع والمفرز
فكل ذلك ما يجوز وقفه وعه أبو حنيفة رحمه الله وقف الحيوان
ومنع بعض العلماء وقف المنقول إلا تحبيس فرس في سبيل الله
وعندنا كل وقف في معنى ما اتفقوا عليه
واحترزنا به عن
العبد الموصى بخدمته والعين المستأجرة فإن الموصى له لو وقف لا يصح لأنه تصرف في الرقبة على الجملة إما بالحبس أو إزالة الملك ولا ملك له
ولهذا لا يقف الحر نفسه وإن صحت إجارته نفسه
وأما الكلب ففي وقفه خلاف كما في إجارته وكما في هبته لأنه مملوك منتفع به ومن منع علل بأن الملك في غير متقوم فإنه لا يقبل الاعتياض فهو كالمعدوم
ووقف المستولدة مرتب على الكلب وأولى بالصحة لأن الملك فيها مضمون وإنما البيع ممتنع فيها لعارض الاستيلاد
أما قولنا تحصل منه فائدة أشرنا به إلى ثمار الأشجار ووقف الحيوانات التي لها صوف ووبر ولبن تقوم مقام المنافع
ولو وقف ثورا على النزوان على بهائم قريبة ينبغي أن يصح كما لو وقف جارية على الإرضاع نعم لا يستأجر الفحل للنزوان لأنه لا يقدر على تسليمه كما لا يستأجر الشجرة لثمارها
أما قولنا منفعة دائمة احترزنا به عن الوقف الرياضيين التى لا تبقى
وقولنا مقصودة احترزنا به عن وقف الدراهم والدنانير للتزين وفيه خلاف كما في إجارته لأن ذلك لا قصد منها
نعم وقف الحلي للبس أو النقرة ليتخذ منها الحلي جائز
وقولنا مع بقاء أصلها احترزنا به عن الطعام فإن منفعته في استهلاكه فلا يجوز وقفه
وقولنا معين احترزنا به عما إذا وقف إحدى داريه وفيه وجهان
أظهرهما المنع كما في الهبة ومنهم من جوز كما في العتق
الركن الثاني الموقوف عليه

فإن كان وقف قربة على جهة عامة فيشترط أن يكون فيه ثواب
وإن كان معصية كالوقف على بناء البيع والكنائس وكتبة التوراة وإعانة قطاع الطريق فهو فاسد
وإن كان على الفقراء والمساكين فهو صحيح وإن كان على الأغنياء فليس فيه ثواب ولا عقاب ففيه وجهان منهم من شرط القربة ومنهم من اكتفى بانتقاء المعصية
وكذلك لو وقف على اليهود والنصارى والفسقة فيخرج على الوجهين
أما إذا كان الوقف على شخص معين فيشترط أن يكون أهلا للملك
فمن صحت الهبة منه الوقف عليه فيصح على اليهودي والفاسق المعينين لأنه تمليك
وهل يصح على الحربي والمرتد وفيه وجهان
ووجه المنع أنه يراد للبقاء وهو مستحق القتل لا بقاء له
ولا يجوز على الجنين لأنه تمليك في الحال أو إثبات حق في الحال فضاهى الهبة بخلاف الوصية فإنها تقبل الإضافة
ولا يصح على العبد بل الوقف عليه وفق على سيده ولا على البهيمة وهل يكون الوقف وقفا على صاحبها كما في العبد فيه وجهان
فرعان

أحدهما لو وقف على أحد رجلين على الإبهام فهو فاسد كما يفسد مثله في الهبة وفيه وجه على قولنا إن الوقف لا يفتقر إلى القبول مخرج من وقف أحد العبدين
الثاني لو وقف على نفسه فالظاهر منعه لأنه لم يجدد إلا منع التصرف ولم يوضع العقد لمنع التصرف فقط
وذهب أبو عبد الله الزبيري إلى جوازه لما روي أن عثمان رضي الله عنه وقف بئرا وقال دلوي فيه كدلاء المسلمين وهذا ضعيف لأن إلقاء الدلو فيها لا يفتقر إلى شرط بحكم العموم في الصلاة في المسجد
نعم لو وقف على الفقراء وافتقر ففيه خلاف والظاهر المنع لأن الظاهر أن مطلق الوقف ينصرف إلى غير الواقف
ولو شرط لنفسه التولية وأجرة وقلنا يمتنع الوقف على نفسه فيبنى على جواز صرف سهم العاملين إلى بني هاشم وفيه خلافولو شرط أن تقضى من ريعه ديونه وزكاته فقد بعضه على نفسه فيخرج على ما ذكرناه
الركن الثالث الصيغة فلا بد منها فلو صلى في موضع أو أذن في الصلاة ولم يصر مسجدا إلا بصيغة دالة عليه وهي ثلاثة مراتب الرتبة الأولى وهي المرتبة العليا
قوله وقفت البقعة أوحبستها أو سبلتها على المساكين فالكل صريح
فلو قال وقفت البقعة على صلاة المصلين فهل يصير مسجدا فيه خلاف
وذكر الإصطخري أن لفظ التحبيس والتسبيل كناية عن الوقف وهو بعيد إذ ثبت بعرف لسان الشرع إذ قال عليه السلام
حبس الأصل وسبل الثمرة
الرتبة الثانية قوله حرمت هذه البقعة وأبدتها على المساكين فإن نوى الوقف حصل وإن أطلق فوجهان
أحدهما أنه صريح لعرف الاستعمال في الوقف
والثاني أنه كناية لأنهما لا يستعملان إلا تابعا مؤكدا
الرتبة الثالثة قوله تصدقت وهو ليس بصريح للوقف فإن أضاف إليه قرينة قاطعة كقوله تصدقت صدقة محرمة مؤبدة لاتباع ولا توهب تعين له وإن لم يتعرض لمنع البيع والهبة ففيه خلاف
وإن لم يذكر قرينة ولكن نوى الوقف فإن جرى مع شخص معين لم يكن وقفا لأنه وجد نفاذا فيما هو صريح فيه وهو التمليك
وإن أضاف إلى قوم ففيه خلاف لتعارض الاحتمال مع ظهور جهة التمليك من اللفظ
هذا في الإيجاب وأما القبول فلا يمكن شرطه في الوقف المضاف إلى الجهات العامة وإن وقف على شخص معين فوجهان ووجه الاشتراط أنه يبعد إدخال شئ في ملك غيره قهرا من غير قبوله مع تعينه
فإن قلنا يشترط القبول فلا شك أنه رد امتنع برده كما نقول في الوكالة
أما البطن الثاني فلا يشترط قبولهم لأنهم كالفروع ولا يتقبل استحقاقهم بالإيجاب وهل يرتد عنهم بردهم فيه خلاف
الركن الرابع في الشرائط وهي أربعة التأبيد والتنجيز والإلزام وإعلام المصرف
الأول التأبيد ونعني به أن لا يقف على جهة ينقطع آخرها كما إذا وقف على أولاده ولم يذكر المصرف بعدهم فإن فعل ذلك فهو وقف منقطع الآخر وفي صحته قولان
الأصح الذى به الفتوى بطلانه لأنه مائل عن موضوعه في التأبيد ويبقى أمره مشكلا بعد انقراضهم فليضف بعده إلى جهة لا تنقطع كالمساكين والعلماء ومن يجري مجراهم
وذكر صاحب التقريب قولا أن ذلك يمتنع في العقار دون الحيوان فإن الحيوان أيضا يعرض للانقطاع
فإن فرعنا على الجواز ففي انقطاع الوقف بانقراضهم قولان
أحدهما أنه يعود ملكا فيصرف إلى ورثة الواقف
والثاني أنه يبقى وقفا ويصرف إلى أهم الخيرات وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يصرف إلى أقرب الأقارب لورود أخبار فيه
وعلى هذا هل يشترك فيه الأغنياء والفقراء وجهان
وهل يقدم من قدم في الإرث أو يراعى قرب الدرجة وجهان
والثاني أنه يصرف إلى المساكين لأنه أعم جهات الخير
والثالث أنه يصرف إلى مصالح الإسلام فإنه الأعم
أما إذا قال وقفت على الفقراء سنة أو سنتين وقطع آخره بالتأقيت فالمذهب فساد هذا الشرط وفيه وجه مخرج من المسألة السابقة
ثم إذا فسد الشرط فهل يفسد الوقف إذ كان من قبيل التحرير كجعل البقعة مسجدا فلا يفسد بل يتأبد كالعتق لأنه فك عن اختصاص الآدميين كالتحرير
وإن كان وقفا على شخص معين وقلنا يفتقر إلى قبوله فيفسد كسائر المعاملات
وإن كان وقفا على جهة الفقر والمسكنة فوجهان لتردده بين التحرير والتمليك
الشرط الثاني التنجيز في الحال فلو قال وقفت على من سيولد من أولادي فهو وقف منقطع الأول ففيه طريقان
أحدهما أن فيه الأقوال كما في المنقطع الآخر فيعود ما فضلناه
والثاني البطلان لأنه لم يجد في الحال مقرا ينزل فيه
فلو قال وقفت على عبدي أو كان مريضا فقال وقفت على وارثي ثم بعده على المساكين فهو وقف منقطع الأول فإن صححنا فلا يصرف إلى المساكين ما لم يمت العبد والوارث لأنه لم يدخل أول الوقف إلا أن يقول وقفت على رجل ثم بعده على المساكين فإنه لا يمكن ترقب انقراض من لا يتعين فيصرف في الحال إلى المساكين
وكذلك إذا وقف على معين فرده أو لم يقبل إذا شرطنا قبوله فقد صار منقطع الأول
أما إذا صرح بالتعليق وقال إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت على المساكين قطع العراقيون بالبطلان لأنه لا يوافق مصلحة الوقف بخلاف الوقف على من يوجد من الأولاد وذكر المراوزة خلافا وهو متجه فيما لا يحتاج إلى القبول
فقد ذكر ابن سريج وجها في تعليق الضمان فينقدح أيضا طرده في الإبراء وكل ما يستقل الإنسان به تشبيها له بالعنق
الشرط الثالث الإلزام فلو قال وقفت بشرط أن أرجع متى شئت أو أحرم المستحق وأحوله إلى غيره متى شئت فهو فاسد لأنه يناقض موضوعه في اللزوم
فأما إذا قال وقفت على أني بالخيار لأغير مقادير الاستحقاق بحكم المصلحة فله ذلك
ولو قال على أني أبقي أصل الوقف ولكن أغير تفصيله فوجهان
أحدهما المنع للزوم الأصل والوصف
والثاني الجواز لأن شرطه متبع
فإذا شرط التغيير بتغير رأيه فيكون ذلك أيضا من الشرائط
فرعان

أحدهما لو شرط أن لا يؤاجر الوقف أصلا ففيه ثلاثة أوجه
أظهرها أنه يتبع
والثاني لا لأنه حجر على من ثبت ملك المنفعة
والثالث أنه يجوز في قدر سنة فيتبع لأنه يليق بمصلحة الوقف ولو شرط المنع من أصل الإجارة ولم يتبع
الثاني لو جعل البقعة مسجدا وخصصه بأصحاب الحديث أو الرأي لايختص بهم لأنه من قبيل التحرير فلا يثبت الشرط فيه كالعتق
وفيه وجه أنه يتبع للمصلحة وقطع المنازعة في إقامة الشعائر
أما إذا جعل البقعة مقبرة ففي تخصيصه بقوم خلاف ظاهر لتردده بين المسجد وبين مساكن الأحياء
الشرط الرابع بيان المصرف فلو قال وقفت هذه البقعة ولم يذكر التفصيل ففيه قولان أظهرهما الفساد للإجمال
والثاني أنه يصح ثم في مصرفه من الكلام ما في منقطع الآخر إذا صححناه
فرعان

أحدهما لو وقف على شخصين وبعدهما على المساكين فمات أحدهما فنصيبه لصاحبه أو للمساكين فيه وجهان
الثاني لو رد البطن الثاني وقلنا يرتد عنهم بردهم فقد صار الوقف منقطع الوسط فيعود في مصرفه إلى أن ينقضي البطن الثاني ما ذكرناه من الأقوال وقولان آخران
أحدهما الصرف إلى البطن الثالث ويلتحقون بالمعدومين عند الرد
والثاني الصرف إلى الجهة العامة المذكورة في شرط الوقف عند انقراض الجميع لأنه أقرب إلى مقصود الواقف من غيره
الباب الثاني في حكم الوقف الصحيح
وفيه فصلان
الفصل الأول في أمور لفظية
وفيه مسائل
الأولى إذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي فمعناه التشريك دون الترتيب إذ التقديم يفتقر إلى زيادة دلالة وليس في اللفظ عليه دليل إلا أن يقول بطنا بعد بطن وما يجري مجراه
الثانية إذا قال وقفت على أولادي وبعدهم على المساكين فالظاهر أن أولاد الأولاد لا يستحقون لأنهم يسمون أحفادا
فلو قال وعلى أولاد أولادي دخل فيه أولاد البنين والبنات
وكذلك إذا قال على ذريتي أو عقبي أو نسلي فأولاد البنات يدخلون فيه
ولو قال على من ينتسب إلي من أولاد أولادي لم يدخل فيه أولاد البنات
قال الشاعر ** بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ** بنوهن أبناء الرجال الأباعد **
الثالثة إذا قال على البنين أو البنات لم يدخل الخناثى لأنه مشكل ولو قال على البنين والبنات ففيه وجهان لأنه وإن كان لا يعدهما فلا يعد منهما
ولو قال على الأولاد دخل فيهم
والظاهر أن الولد المنفي باللعان لا يستحق إذ اللعان لا يظهر أثره إلا في حق الزوج الملاعن للضرورة
والجنين لا يستحق لأنه ليس بولد فإذا ولد لم يستحق الريع الحاصل في مدة اجتنانه وإنما يستحق من وقت الولادة
الرابعة لو قال على عترتي قال ابن الأعرابي وثعلب هم ذريته
وقال القتيبي هم عشيرته
الخامسة لو وقف على بني تميم ففي دخول البنات وجهان
أحدهما لا لخصوص اللفظ
والثاني نعم لأنه إذا ذكر في القبيلة أريد كل من ينتسب إليها ثم يغلب التذكير في اللفظ
السادسة إذا قال وقفت على أولادي فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى المساكين
فمنهم من قال هذا منقطع الوسط إذ لا دخول لأولاد الأولاد في الوقف
ومنهم من قال جعل اشتراط انقراضهم قرينة دالة أيضا على دخولهم في الاستحقاق
السابعة لو وقف على الموالي وليس له إلا على الأعلى أو الأسفل تعين له
ولو كان له كلاهما فثلاثة أوجه
أحدها البطلان للإجمال وهو الأصح
والثاني التوزيع على الأعلى والأسفل لاشتراك اللفظ
والثالث تقديم الأعلى لاختصاصه بالعصوبة
الفصل الثاني في الأحكام المعنوية
وفيه مسائل
الأولى أن الوقف حكمه اللزوم في الحال خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فإن قال لا يلزم إلا إذا أضيف إلى ما بعد الموت
ثم لزومه في منع المالك من التصرفات وهل يوجب زوال ملكه
نظر فإن جعل البقعة مسجدا زال ملكه وكأنه تحرير وفك عن الاختصاصات ولذلك لا يتبع فيه شروطه
وإن وقف على معين أو على جهة القربات فالظاهر أنه يزول ملكه ولكنإلى الموقوف عليه أو إلى الله تبارك وتعالى فيه قولان
أحدهما إلى الله تبارك وتعالى فإنه قربة وتصرف الموقوف عليه غير نافذ
والثاني إلى الموقوف عليه فإنه يقول وقفت عليك ولا يبعد ملك لا ينفذ فيه التصرف
وعلى الجملة إن كان الموقوف عليه معينا فيبعد قول نقل الملك إلى الله تبارك وتعالى فإنه ليس من القربات
وإن كان على المساكين وجهات القربات فيبعد نقل الملك إلى المساكين كيف وقد يقف على الرباطات والقناطر وحمامات مكة ومن لا ينسب إليه ملك
ومن أصحابنا من خرج قولا ثالثا أنه لا يزول ملك الواقف لأن الشرط لا يتبع في الملك الزائل إلا أنه تضمن الحجر في التصرفات وإثبات الاستحقاق في الثمرات
الثانية لا خلاف في أن الموقوف عليه يملك الغلة وثمار الشجرة واللبن والوبر والصوف من الصوف من الحيوان ولا يقطع أغصان الشجرة إلا إذا كان هو المقصود كما في شجرة الخلاف وهل يملك ولد الموقوفة فيه وجهان
أحدهما نعم كاللبن
والثاني لا بل ولده وقف كما أن ولد الضحية ضحية وولد المستولدة مستولد
ولا يملك وطء الجارية الموقوفة لأنه وإن قدر ملكه فيها فهو ضعيف نعم يصرف إليه مهرها إذا وطئت بالشبهة لأنه في حكم بدل المنفعة فيشبه أجرة المنفعة
وهل يملك تزويج الجارية فيه وجهان
أحدهما لا لأنه ينقص الوقف فيخالف غرض الواقف
والثاني نعم لأنه نوع انتفاع
فإن قلنا تزوج فيزوجها الموقوف عليه إن قلنا إن الملك له ويزوجها السلطان إن قلنا إن الملك لله تبارك وتعالى
وهل يستشير الواقف والموقوف عليه لتعلقه بغرضهما فيه خلاف
وإن قلنا للواقف فلا يستشير السلطان وهل يستشير الموقوف عليه فيه خلاف من حيث إنه نقص عن انتفاعه فيكاد يكون إبطالا لما أثبت له
فإن قلنا يجوز تزويجها فلو تزوج بها الموقوف عليه وقلنا إنه لا ملك له صح وإن قلنا له الملك فلا
الثالثة تولية أمر الوقف والنظر في مصالحة إلى من شرطه الواقف فإن سكت عنه فطريقان
أحدهما للواقف لأنه كان له ولم يشرط صرفه إلى غيره
والثاني أنه نبني على أقوال الملك فيكون لمن له الملك
فإن قلنا لله فهو للسلطان
ثم يشترط في المتولي خصلتان الأمانة والكفاية
فإن أخلت إحداهما نزع السلطان من يده ذلك وفيه وجه أن العدالة لا تشترط إن كان الموقوف عليه معينا ولم يكن فيه طفل ولكنه يستعدي عليه المستحق إن خان وهو بعيد
ثم إلى المتولي العمارة وتحصيل الريع بالزرع والإجارة ومصرفه إلى المستحق
وله إثبات اليد على الوقف إذا شرط التصرف وشرط اليد لغيره وله من الأجرة ما شرط له فإن لم يشترط فهو مبني على أن مطلق الاستعمال هل يقتضي أجرة وفيه خلاف
الرابعة نفقة الموقوف من الموضع المشروط فإن سكت فهو من الارتفاع
فإن كان للعبد كسب فهو من كسبه فإن بطل كسبه فهو على من يحكم بأن الملك فيه له على موجب الأقوال هذا في الحيوان الذى لا يجوز تعطيله لحرمة الروح فأما العقار فلا تجب عمارته إلا على من يريد الانتفاع فيعمره باختياره
الخامسة إذا تعطل مال الوقف فله أحوال
الحالة الأولى أن يتلفه متلف فيجب الضمان عليه وماذا يفعل به في طريقان
أحدهما أنه يصرف ملكا خالصا إلى من يقال إن الملك له
فإن قلنا لله تبارك وتعالى فيشترى به مثله ويجعل وقفا
والثاني وهو الأصح أنه يشترى به مثله إن كان عبدا فعبد أو شقص عبد إن لم يوجد عبد لأن علقة الوقف آكد من الرهن الذى لا يتعدى إلى الولد قطعا فبأن يسري إلى البدل ولا يفوت بفوات العين أولى
وإن كانت الجناية على الطرف فيشتري به أيضا شقص عبد وهاهنا يحتمل أن يسلك به مسلك الفوائد فيصرف إلى الموقوف عليه ملكا وهذا ذكره صاحب التقريب
الحالة الثانية أن لا يكون مضمونا
فإن لم يبق منه بقية كالعبد إذا مات فقد فات الوقف
وإن بقى متمولة كالشجرة إذا جفت وبقي الحطب ففي انقطاع الوقف وجهان
أحدهما أنه ينقطع كالعبد إذا مات والحطب وإن كان يتمول فالوقت معلق باسم الشجرة فعلى هذا ينقلب الحطب ملكا إلى الواقف
والثاني أنه يبقى أثر الوقف فإن إبقاءه ممكن ثم فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يشتري بثمنه شجرة أو شقص شجرة ويجعل وقفا
والثاني أنه يستوفي منفعته بإجارته جذعا
والثالث أنه يستوفي الموقوف عليه عينه فيصير ملكا له
الحالة الثالثة حصير المسجد إذا بلي وجذعه إذا انكسر أو انفصلت نحاتة منه في النخر فيه وجهان
أحدهما وهو الأصح أنه يباع ويصرف إلى مصالح المسجد كيلا يضيق المكان أولا يتعطل
والثاني أنه يبقى كذلك فإنه وقف لا يمكن بيعه وليس يمكن استيفاء عينه فيترك أبدا
أما إذا أشرف جذعه على الانكسار وداره على الانهدام وعلم أنه لو أفرج لخرج عن أن يكون منتفعا به وبطلت ماليته أيضا ففي جواز بيعه وجهان مشهوران
أحدهما يميل إلى الاحتياط والآخر إلى المصلحة
فإن قلنا إنه يباع فالأصح أنه يصرف الثمن إلى جهة الوقف ويحصل مثل ما بيع
الحالة الرابعة أن يتفرق الناس عن البلدة وتخرب البلدة ويتعطل المسجد أو يخرب المسجد فهاهنا لا يعود المسجد ملكا ولا يباع ولا يتصرف في عمارته لأن عود الناس متوقع بخلاف الموت والجفاف
وكذلك إذا وقف شيئا على بعض الثغور كطرسوس فبطل واتسعت خطة الإسلام حواليها
قال الأصحاب يحفظ ارتفاع الوقف فإنه يتوقع أن يعود ثغرا كما كان فلم يحصل على اليأس
المسألة السادسة الجارية الموقوفة إذا وطئت بالشبهة إن كان الواطئ أجنبيا وأحبل لزمه المهر للموقوف عليه وتلزمه قيمة الولد لأن الولد حر ويشترى بقيمة الولدمثله وإن قلنا يسرى الوقف إلى الولد وإلا فيصرف إلى الموقوف عليه ملكا كالمهر
وإن كان الواقف هو الواطئ فهذا حكمه ويزيد أمر الاستيلاد ولا ينفذ إن قلنا لا ملك له وإن قلنا الملك له فوجهان
ووجه المنع تأكد حق الموقوف عليه فيه وإن كان الواطئ هو الموقوف عليه فلا مهر إذ هو مصرفه والولد حر ولا قيمة إن قلنا إن مصرفه هو وإن قلنا يشتري به مثله فيلزمه والاستيلاد لا ينفذ إن قلنا لا ملك له وإن قلنا له الملك فينفذ على الأصح إذ اجتمع له ملك الرقبة والمنفعة بخلاف الواقف
السابعة إذا أجر الموقوف عليه الوقف فطلب بزيادة فلا فسخ له وإن أجر المتولي ما هو للخيرات ففيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه لا أثر له إذ صح العقد الموافق للغبطة أولا فلا نظر إلى ما يطرأ وهو الأصح
والثاني أنه يفسخ لأنه يخالف الغبطة في المستقبل
الثالث أنه إن زاد على السنة في العقد فله أن يمنع ما زاد على السنة
الثامنة أنه إن تعذر العثور على شرط الواقف يقسم على الأرباب بالسوية فإن لم يعرف الأرباب جعلناه كوقف مطلق لم يذكر مصرفه فيصرف إلى تلك المصارف التى ذكرناها
كتاب الهبة
وفيه بابان
الباب الأول في أركانها
وهي ثلاثة الأول صيغة العقد
فلا بد من الإيجاب والقبول
وعن ابن سريج أنه يجوز تراخي القبول وهو بعيد
والصحيح أنه في الإبراء لا يفتقر إلى قبول من عليه إلا أن يكون بلفظ الهبة ففيه تردد
والفعل لا يقوم مقام اللفظ كالمعاطاة في البيع
وذكر الفوراني أنه يكتفى في الهدايا بالفعل فلا يعتبر اللفظ فإن العادة كانت مستمرة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما ذكره محتمل في الأطعمة أما ما عداه فلا يمكن دعوى اطراد العادة فيه ويتصل بالصيغة حكم الرقبى والعمرى
أما العمرى فلها ثلاث صور
الأولى أن يقول أعمرتك هذه الدار حياتك أي جعلتها لك في عمرك فإذا مت فهي لورثتك فهذا صحيح لأنه عبر به عن مقتضى الهبة وإن طول فيه
الثانية أن يقول أعمرتك حياتك أي جعلتها لك في عمرك ولم يتعرض لما بعد موته فقولان
القديم بطلانه وهو الأقيس لأنه هبة مؤقتة فيضاهي البيع المؤقت
والجديد أنه يصح ويبقى لورثته لقوله عليه السلام
لا تعمروا ولا ترقبوا ومن أعمر شيئا أو أرقب فسبيله الميراث
وفيه قول ثالث ضعيف أنه يصح كما شرط
الثالثة أن يقول فإذا مت عاد إلي ففيه قولان مرتبان
أحدهما البطلان وهو القياس لتصريحه بما يناقص الموضوع فهو أولى بالبطلان من المطلق
ووجه الصحة إلغاء شرطه وتقرير الهبة على موضوعها
ومن هذا استنبط بعض الأصحاب قولا أن الهبة لا تفسد بالشرئط الفاسدةبخلاف البيع لأن الشرط في البيع يطرق جهلا إلى العوض إذ يصير المشروط مقصودا مع العوض
أما إذا أضاف إلى عمر غير المتهب أو إلى وقت معلوم فالظاهر فساده وإن فرعنا على الجديد
وفيه وجه مخرج أنه تلغى الإضافة وتصح الهبة مطلقا أما الرقبى
هو أن يقول أرقبتك داري أو داري لك رقبى أي هى لك فإن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقر ملكك
فحكمه حكم الصورة الثالثة من العمرى لأنه ما زاد إلا قوله إن مت قبلك استقر ملكك وهذا يوافق موضوع العقد الركن الثاني في الموهوب
وكل ما جاز بيعه جاز هبته وإن كان شائعا قبل القسمة أو لم يقبل
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح هبة شائع قابل للقسمة
وما لا يجوز بيعه من المجهول وما لا يقدر على تسليمه كالآبق لا تصح هبته
وفي هبه الكلب خلاف من حيث إنه تصح الوصية به وهو نقل اختصاص وإنما الخبيث ثمنه بحكم الحديث
واختلفوا في أن هبة المرهون هل تفيد الملك عند فك الرهن أم يفتقر إلى إعادته مع أن القطع بأن تعليق الهبة لا يجوز وأن بيع المرهون باطل لأن الهبة لا توجب الملك بنفسها بخلاف البيع
واختلفوا في هبة الدين إن قلنا يصح بيعه من غير من عليه الدين
والأصح المنع لأن القبض في الدين غير ممكن
ومن صح اكتفى بقبض الدين بتعيينه
وقيل يطرد هذا الوجه في رهن الدين وهو فيه أبعد إذ الوثيقة متعلقة بالقبض فيه فأمر القبض فيه آكد الركن الثالث القبض
والهبة لا تفسير الملك عندنا إلا بعد القبض خلافا لمالك رحمة الله وذلك لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة رضي الله عنها جداد عشرين وسقا من التمر ثم مرض وقال وددت لو كنت حزته والآن هو مال الوارث
ومن أصحابنا من قال إذا قبض تبينا حصول الملك عند العقد
وتسلم للمتهب الزوائد الحاصلة قبل القبض وأخذ ذلك من نص الشافعي رضي اللهعنه على أن من وهب عبدا قبل هلال شوال وقبض بعد الاستهلال فالفطرة على المتهب
وقد قيل إن هذا من الشافعي رضي الله عنه تفريع على مذهب مالك
فرعان

أحدهما لو قبض المتهب دون إذن الواهب لم يجز يحصل الملك
وقال أبو حنيفة رحمه الله يحصل
الثاني إذا مات الواهب قبل القبض فالأظهر أن الوارث يتخير في الإقباض كالبيع في زمان الخيار
ومنهم من قال ينفسخ العقد لأن هذا عقد جائز فينفسخ بالموت كالوكالة والجعالة وكأن هذا القائل يجعل القبض كجزء من السبب مثل القبول
الباب الثاني في حكم الهبة الصحيحة
وفيه فصلان الأول في الرجوع
والأصل أن الهبة مندوب إليها قال عليه السلام
تهادوا تحابوا وهو مع الأقارب أحب لأن فيه صلة الرحم
وإذا وهب من أولاده فليسو بينهم لأنه قال عليه السلام لنعمان ابن بشير وقد وهب بعض أولاده شيئا
أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء فقال نعم فقال فارجعوسو بينهم
وإن خصص فالهبة تنعقد ولكنه يكون تاركا للأحب
وهل يستحب التسوية بين الابن والبنت فيه تردد
وحكم الهبة إذا صحت إزالة الملك ولزومه إلا فيما يهب لولده قال عليه السلام
لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد فيما يهب لولده
وقال أبو حنيفة يرجع كل واهب إلا الوالد
ثم النظر فيمن يرجع وما به الرجوع وما يرجع فيه
أما الراجع فهو الأب وفي معناه الجد في ظاهر المذهب
وقيل إنه يختص بالأب
وقيل يتعدى إلى الجد من قبل الأب وولي لأن هذا احتكام والظاهر أن الوالدة في معنى الوالد وفيه وجه بخلافه
فروع

أحدها إن تصدق على ولده عند حاجته فالظاهر أنه يرجع لأنه هبة وفيهوجه أنه لا يرجع لأنه فقد طلب الثواب لا لإصلاح حال الولد وقد حصل الثواب
الثاني صبي تداعاه رجلان ووهبه كل واحد منهما فلا رجوع لأحدهما إذ لم يثبت أبوته
فإن قامت له البنية ففي رجوعه خلاف لأنه لم يكن له حال العقد أبوة ظاهرة
الثالث لو وهب من ولده فوهب هو من ولده أو مات وانتقل إلى ولده وقلنا للجد الرجوع ففي الرجوع هاهنا وجهان
والظاهر المنع لأن الرجوع للواهب وهو الآن ليس واهبا
أما ما به الرجوع فهو كل لفظ صريح
وفي إقدامه على البيع والعتق ثلاثة أوجه
الأصح أنه ليس برجوع ولا ينفذ فإنه صادف ملك غيره وهو لازم
والثاني أنه ينفذ ويكون رجوعا لأنه قادر عليه ونهو من ضرورته
والثالث أنه رجوع لدلالته عليه ولا ينفذ لأنه لم يلاق الملك
أما الوطء فالظاهر أنه لا يكون رجوعا بل يجب عليه المهر وكذا القيمة إن أحبلها
أما ما فيه الرجوع فهو عين الموهوب ما دام باقيا في سلطنة الملك فإن تلف فلا رجوع بقيمه
وإن نقص فيرجع إلى الناقص
وإن زاد زيادة متصلة رجع إليها زائدة وإن كانت منفصلة سلمت الزيادة للمتهب
وإن خرج عن ملكه بموت أو تصرف انقطع الرجوع
إن عاد إلى ملكه ففي عود الرجوع قولان بناء على أن الزائل العائد كالذى لم يزل أو كالذى لم يعد ولا خلاف في أنه لو كان عصيرا خمرا ثم عاد خلا عاد الرجوع لأن العائد هو الملك الأول
وكذلك إذا كان مرهونا أو مكاتبا فيمتنع الرجوع
فإن انفك عاد الرجوع ولا يمتنع الرجوع بإجارة الموهوب وفي امتناعه بإباقه تردد
وإن تلعق حق غرماء المتهب بماله لإفلاسه ففي الرجوع وجهان
أحدهما لا كالمرهون
والثاني نعم ولذلك منع الرهن رجوع البائع بخلاف الإفلاس
الفصل الثاني في الهبة بشرط الثواب
والهبة ثلاثة أقسام
مقيد بشرط نفي الثواب فلا يقتضي ثوابا
ووطلق فإن كان من كبير مع صغير فلا تقضى ثوابا وإن كان من صغير مع كبير فقولان
الجديد أنه لا يلزم الثواب موضوع اللفظ التبرع
وفي القديم يلزمه لقرينة العادة وإن وهب من مثله فطريقان
قطع العراقيون بنفي الثواب وطرد المراوزة القولين
التفريع

إن قلنا يقتضي الثواب ففيه أربعة أقوال
أحدها إن قدر الثواب قدر قيمة والثاني ما يتمول
والثالث ما يعد ثوابا في العادة والرابع ما يرضى به المواهب
أما الهبة المقيدة بشرط الثواب إن فرعنا على الجديد وكان الثواب مجهولا فهوباطل وإن كان معلوما فقولان
أحدهما أنه ينعقد بيعا ولكنه بلفظ الهبة
والثاني أنه يفسد لأنه متناقض
وهو قريب من الخلاف في أنه لو قال بعت بلا ثمن هل ينعقد هبة وإن فرعنا على القديم فالثواب المجهول كالمطلق
وإذا قلنا ينعقد بيعا فيثبت الشفعة وسائر أحكام البيع على الظاهر من المذهب
التفريع

إذا فرعنا على القديم في الهبة المطلقة فما رأيناه ثوابا إذا لم يسلم جاز الرجوع عند بقاء العين وإن تلفت رجع بقيمتها لأنه مضمون بالعوض وكذا إذا غاب طلب الأرش
وفيه وجه أنه لا يرجع بالقيمة لأن الرجوع يتعلق بالعين في الهبة وهذه ليست هبة
فروع

أحدها لو وجد بالثواب عيبا ورد ورجع إلى العين
وإن كان تالفا والثواب في الذمة فيطالب به
وإن كان معينا فهو بيع يرجع إلى قيمته
الثاني لو وهب حليا فأثابه في المجلس نقدا من جنسه زائدا أو ناقصا فممنوع لأنه ربا
وفيه وجه أنه يجوز لأنه لا مقابلة ولكنه إنشاء تبرع في مقابلة تبرع
الثالث إذا قدرنا الثواب بالقيمة فيعتبر يوم القبض
وفيه وجه آخر أنه يعتبر يوم بذل القيمة
الرابع إذا تنازعا فقال المالك بعتك وقال الآخذ بل وهبتني
فقولان
أحدهما القول قول الآخذ لأنه وافقه صاحبه على الملك ويدعي عليه عوضا الأصل عدمه
والثاني أنهما يتحالفان لتساويهما إذ هذا يعارضه أن الرجوع في وجه الزوال إلى المزيل
وحكي في طريقة العراق بدل هذا الوجه أن القول قول الواهب فإنه المزيل
كتاب اللقطة
وفيه بابان
الباب الأول في أركانها
وهي ثلاثة الأول الالتقاط
وهو عبارة عن أخذ مال ضائع ليعرفها الآخذ سنة ثم يتملكها بعد مضي السنة ويضمنها لمالكها إن ظهر وفيه أخبار
وفيه مسألتان
إحداهما في وجوب الالتقاط
نقل المزني أنه قال لا أحب تركه وقال في الأم لا يجوز تركه
فمنهم من أطلق قولين ومنهم من نزل على حالتين فأوجب إن كان يضيع لو لم يأخذه ولم يوجب إذا كان لا يضيع
والأصح القطع بأنه لا يجب لأنه بين أن يكون كسبا أو أمانة فلا معنى لوجوبه وأراد الشافعي رضي الله عنه بقوله تأكيد الندب
نعم يستحب إن كان يثق بأمانة نفسه وإن خاف على نفسه ففي جواز الأخذ وجهان يجري مثله فيمن يتولى القضاء وهو يخاف الخيانة
ووجه الجواز أنه لم يعرف الخيانة فنأمره بالاحتراز
الثانية في وجوب الإشهاد على اللقطة وجهان لقوله صلى الله عليه وسلم
من التقط لقطة فليشهد عليها فاحتمل أن يكون إيجابا أو استحبابا وإرشادا لقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم }
فإذا أشهد فليعرف الشاهد بعض الأوصاف ليكون فيه فائدة ولا ينبغي أن يستوعب فإنه ربما يشيع فيعتمده المدعي الكاذب ويتوسل به
الركن الثاني في الملتقط

وأهلية الالتقاط لمن له أهلية الأمانة والكسب والولاية فإن هذه المشابه ظاهرة في اللقطة فإنها أمانة في الحال وولاية بإثبات اليد وكسب بالإضافة إلى ثاني الحال فيثبت جواز الالتقاط لكل مسلم حر مكلف عدل
والنظر في الكافر والرقيق والصبي والفاسق
أما الكافر فهو من أهل الالتقاط قطع به المراوزة
وذكر العراقيون وجهين وكأنهم رأوا بذلك تسلطا في دار الإسلام كالإحياء إذ لم يروه من أهل الأمانة
أما الفاسق فلا يجوز له أخذه فإن أخذه فهل يصح التقاطه لإفادة الإحكام فيه قولان
أحدهما لا لأنه أمانة في الحال وفيه شبهة الولاية والفاسق لا يليه الشرع الأمانات
والثاني نعم لأن ماله التملك وهو مقصوده والفاسق من أهل الاكتساب
التفريع
إن قلنا إنه ليس أهلا فلو التقطه فهو غاصب ولو عرف لم يمتلك ولو تلف في يده ضمن
وفي انتزاع القاضي من يده وجهان كما في انتزاعه من يد الغاصب
ووجه المنع أنه مضمون في يده ويكون في يد القاضي أمانة
ثم في براءته عن الضمان عند الانتزاع وجهان
وفي جواز الانتزاع لآحاد الناس احتسابا وفي براءة الغاصب به وجهان مرتبان وأولى بالمنع لأن النظر للغائب يليق للقضاة
وإن فرعنا على أنه أهله فهو كالعدل حتى يملك بعد المدة ويتلف أمانة في يده
ولكن القاضي ينزع من يده أو ينصب عليه رقيبا فيه وجهان لأن النظر للمالك في أن لا يهمل إلا بانتزاع أو مراقبة
أما الرقيق ففيه أيضا قولان لأنه أهل الكسب لا من أهل الأمانة والولاية فإن قلنا ليس من أهله فهي في يده مضمونة إن تلف تعلقت القيمة برقبتهوإن فضلت قيمته فلا يطالب السيد به إن لم يعلم وإن علم ولم ينزع من يده
نقل المزني أنه يطالب وكأن يده يد السيد بعد علمه ونقل الربيع أنه لا يطالب وهو الأصح كما أو أذن له في الإتلاف وكما لو لم يعلم
و أما الانتزاع من يده فللسيد أن يطالب القاضي بإزالة يده ليخرج عن ضمان عبده فجواز الانتزاع والبراءة من الضمان هاهنا مرتب على الفاسق وأولى بالجواز لغرض السيد
أما السيد لو أراد أن يأخذه على قصد الالتقاط أو الأجنبي أراد ذلك قال العراقيون هو جائز وكأنه يعد في مضيعة إذ هو ليس أهلا فكأنه لم يلتقط بعد
وفيه نظر لأنه وقع في محل مضمون والالتقاط هو الأخذ من محل مضيع ولكنه ينقدح خلاف في أنه هل تحصل البراءة بانتزاعه كما في الأجنبي وهاهنا أولى بالمنع لأنه ليس يتمحض حسبه إذ له فيه غرض
فرع لو عق العبد بعد الالتقاط فقد تردد الشيخ أبو محمد في أن طرآن الحرية على دوام اللقطة هل يصح اللقطة حتى يفيد حكمها وهو محتمل
أما إذا قلنا هو أهل الالتقاط فإن عرف وتملك بإذن السيد صح وحصل الملك للسيد وإن استقل به ففيه وجهان كما في شرائه لأنه تملك بعوض وأولى بالفساد لأن البائع راض بذمته فلا يطالب السيد وهاهنا الملتقط يتبع من له الملك فيعرضه للمطالبة
فأما الضمان فإن تلف قبل مضي المدة فأمانة وإن تلف بعد مضي المدة والتملك فمضمون على السيد إن أذن في التملك وكذلك إذا أذن في قصد التملك وبعد لم يجز التملك لأنه مأخوذ على جهة التملك ويتلعق بذمة العبد أيضا لكونه في يده
وفيه وجه أنه لا يتعلق بالسيد كما لو أذن في الغصب وهو ضعيف بل تشبيهه بالإذن في الشراء أولى
وإن لم يكن أذن السيد فيه فيتعلق بذمة العبد ولا يتعلق برقبته لأنه لا جناية منه وهو أمانة وقد تلف بآفة سماوية
وفيه وجه أنه يتعلق برقبته لأنه وجب بغير رضا مستحقه
أما إذا أتلفه العبد بعد المدة فالظاهر أنه يتعلق برقبته وذكر صاحب التقريب وجها أنه يتعلق بذمته كما لو أتلف المبيع كأن ذلك تسليط من المالك وهذا تسليط على المالك من الشرع
فرعان

أحدهما المكاتب نص أنه كالحر فمنهم من قطع به لأنه أهل الاستقلال ومنهم من طرد القولين فإن قلنا إنه أهله فإن عرف ملك بنفسه وإن قلنا ليس أهلا فالسلطان ينتزعه من يده وليس للسيد ولاية الانتزاع إلا كما للآحاد لأنه لا يد له على كسبه
الثاني من نصفه حر ونصفه رقيق نص أنه كالحر ومنهم من طرد القولين فإن قلنا إنه أهل كالحر ولم يكن مهايأة فهو مشترك بينهما كسائرأكسابه وكما لو اشترك رجلان في اللقطة
وإن كان بينهما مهايأة وقلنا إن الكسب النادر لا يدخل في المهايأة فمشترك
وإن قلنا يدخل فهو لمن وقع في نوبته ويرعى قيمة فيه يوم الالتقاط أو مضي مدة التعريف فيه احتمال
أما الصبي ففي التقاطه قولان كما في العبد
وقطع العراقيون بأنه أهل الالتقاط وطردوا ذلك في المجنون وكل محجور عليه لأنه أهل الاكتساب
فإن قلنا إنه أهله انتزعه الولي من يده ثم يتملك له بعد مضي المدة
وإن قلنا ليس أهلا فهو في يده في غير حق فلينتزع من يده
فإن أتلفه الصبي ضمنه وإن تلف بآفة سماوية فيلزمه الضمان أيضا
وإن قلنا إنه أهله وتلف بآفة سماوية في يده فوجهان لأنه ليس أهلا للأمانةولو أودع عند الصبي شيئا فتلف لم يضمن
وإن أتلف فوجهان بالعكس من اللقطة لأنه تسليط من المالك ثم لو علم الولي بذلك ولم ينتزع من يده حتى تلف ضمن الولي بتقصيره فإنه ملتزم حفظه عن مثل ذلك
الركن الثالث فيما يلتقط

وهو كل مال معرض للضياع وجد في عامر من الأرض أو غامرها فإن كان حيوانا نظر فما يمتنع عن صغار السباع كالإبل وفي معناه البقر والحمار لا يجوز التقاطه وما لا يمتنع كالشاة والفصيل والجحش جاز التقاطه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال
أعرف غفاصها ووكائها وعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك فسئل عن ضالة الشاة فقال
هى لك أو لأخيك أو للذئب فسئل عن الإبل فغضب حتى احمرت وجنتاه وقال
مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ذرها حتى يلقاها ربها هذا إن وجد في الصحراء
فإن وجد الحيوان في العمران فثلاثة أوجه
أحدها أنه كالصحاري لعموم الخبر فيفرق بين الصغير والكبير
والثاني أنه يلتقط الكل إذا تتناولها أيدي الناس بخلاف ما في الصحراء
والثالث أنه لا يلتقط لا الصغير ولا الكبير فإنه لا يخاف الصغير هاهنا من السباع بخلاف الصحراء
فإذا قلنا لا يلتقط البعير فإذا أخذه ثم تركه على مكانه لم يخرج من ضمانه
فرعان

أحدهما استثنى صاحب التلخيص البعير الذى وجد في أيام منى وقد قلد الهدى وقال جاز أخذه وذبحه اعتمادا على العلامة
ومن أصحابنا من خرج ذلك على أن البعير إذا وجد مذبوحا وقد غمس منسمه في دمه هل يجوز أن يؤكل اعتمادا على هذه العلامة وهاهنا أولى بالمنع إذ لا يبعد شرود البعير من صاحبه فلا يرضى صاحبه بنحر غيره
الثاني إذا وجد كلبا التقطه واختص بالانتفاع به بعد التعريف فإن الانتفاع به كالملك في غيره
وفيه احتمال من حيث إنه اختصاص بغير ضمان فيكاد يخالف موضوع اللقطة
الباب الثاني في أحكام اللقطة
وهي أربعة الأول الضمان
وذلك يختلف بقصده فإن التقط على قصد أن يحفظه لمالكه أبدا فهو أمانة في يده أبدا وإن قصد أن يختزل في الحال فهو مضمون عليه أبدا
وإن قصد أن يتملكها بعد السنة فهو في السنة أمانة لو تلف لا ضمان فإذا مضت السنة فهو مضمون عليه وإن لم يتملك لأنه صار ممسكا لنفسه بالقصد السابق فهو كالمأخوذ على جهة السوم
وإن لم يقصد شيئا من ذلك وأطلق الأخذ فإن غلب مشابع الأمانة فلا ضمان وإن غلبنا مشابه الكسب ضمناه
فرع

إذا قصد الأمانة أولا ثم تعدى بالفعل فيه ضمن وهل يضمن بمجرد قصد الخيانة فيه وجهان
أحدهما لا كالمودع لا يضمن بمجرد القصد
والثاني يضمن لأن المودع مسلط عليه من جهة المالك
والأصل أن إثبات اليد على مال الغير بغير إذنه مضمن إلا عند قصد الأمانة
ولهذا قطعنا بأن الملتقط على قصد الخيانة في الابتداء يضمن وفي المودع إذا قصد الخيانة عند الأخذ وجهان
ثم مهما صار ضامنا فلو أنفق التعريف لم يكن له التملك فإنه جوز ذلك عند وجود الأمانة وفيه وجه آخر أن يتملك إذ العدوان لم يكن في عين السبب وإنما كان في قصده ولم يتصل به تحقيق
الحكم الثاني التعريف
وفيه طرفان
الأول فيما يعرف ويجب ذلك سنة في كل ملتقط إلا ما قل أو تسارع الفساد إليه
أما القليل فما لا يتمول كالزبيبة الواحدة لا تعرف أصلا وما يتمول يعرف ولكن لا يجب تعريفه سنة
والأصح أنه لا حد له بتقدير بل ما يعرف أنه يفتر صاحبه عن طلبه على القرب
ومنهم من قدر بنصاب السرقة لأن ما دونه تافه شرعا
ومنهم من قال الدينار فما دونه قليل لما روي أن عليا رضي الله عنه وجددينارا فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره باستنفاقه
ثم ما رأيناه قليلا ففي قدر التعريف ثلاثة أوجه
أحدها مرة واحدة إذ لا ضبط للزيادة ويدل عليه أثر علي رضي الله عنه فإن إظهاره لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان كافيا
والثاني أنه القدر الذى يوازي طلب المالك ومداومته عليه
الثالث أنه يقدر بثلاثة أيام حذارا من الجهالة
أما ما يتسارع إليه الفساد كالطعام وأمثاله فإن وجده في الصحراء جاز له أن يتملكه أو يأكله قبل التعريف لقوله عليه السلام
من التقط طعاما فليأكله
وتلحق الشاة بالطعام فإنها مطعومة ولا تبقى بغير نفقته له ولا نفقة لها
ولقوله صلى الله عليه وسلم
هى لك أو لأخيك أو للذئب ولم يأمر بالتعريف
وفي إلحاق الجحش وصغار الحيوانات التى لا تؤكل بالشاة وجهان
أحدهما نعم لأنه لا تبقى دون العلف
والثاني لا لأن حكم المطعوم أسهل وقد ورد الخبر في الطعام والشاة
ثم إذا أكل أو تملك ففي وجوب التعريف بعده وجهان
أحدهما يجب حذارا من الكتمان
والثاني لا لعموم الخبر ولبعد وجود المالك فيما التقط من الصحراء
أما إذا وجد الطعام في عمران ففيه وجهان
أحدهما أنه كالصحراء لعموم الخبر
والثاني أنه يلزمه أن يبيعه فإن ثمنه قابل للبقاء فيكون بدلا عنه وفي الصحراء يعجز عنه
فإن قلنا يبيع فيتولاه بنفسه إن لم يجد قاضيا
وإن وجد ففي جواز استقلاله بالبيع وجهان
وجه الجواز أنه لو نوع ولاية بسبب الالتقاط ثم مهما حصل الثمن سلك به مسلك عين اللقطة في الضمان والتملك وغيره
وإن قلنا يأكل ثم يعرف بعده فهل يلزمه تمييز قيمته ليعتمد التعريف موجودا
فيه وجهان
فإن قلنا يميز فلا يتعين له إلا بقبض القاضي ثم لا يصير ملكا لرب اللقطة ولكن فائدته إن يقدم المالك به على الغرماء عند إفلاسه ويمتنع فيه تصرف الملتقط ويتلف في يده أمانة
وإذا لم يظهر حتى مضت المدة فالأشهر أنه لا يرتفع الحجر بل يحفظه أبدا لمالكه لأنه لا عينها ويحتمل أن يرتفع الحجر كما لم يميز
الطرف الثاني في كيفية التعريف
وفيه مسائل
الأولى وقت التعريف عقب الالتقاط وإن عزم على التملك بعد سنة وإن لم يعزم على التملك أصلا أو عزم بعد سنتين فهل يلزمه التعريف في الحال فوجهان
أحدهما لا لأن التعريف تعب في مقابلة ثمرة الملك
والثاني يجب لأن المقصود وصول الحق إلى مستحقه وفي تأخيره إضرارا بالكتمان
فإن قلنا يجب البدار فالبالتأجير يصير ضامنا
ثم ينبغي أن يعرف في الابتداء في كل يوم ثم في كل جمعة ثم في كل شهر والمقصود أن يعرف أن الأخير تكرار الأول
الثانية مكان التعريف مكان الالتقاط إن كان في عمارة فإن سافر فليوكل غيره بالتعريف
وإن التقط في صحراء فلا يتعين عليه بلد ولكن ليعرفه في البلد الذى ينتهي إليه ويقصده فإن الإمكان في سائر البلاد على وتيرة واحدة
الثالثة ينبغي أن يذكر بعض أوصاف اللقطة في التعريف كالغطاص والوكاء ليكون تنبيها للمالك وهو استحباب أو وجوب فيه خلاف
الرابعة مؤنة التعريف لا تلزمه أعني أجرة المعرف إن قصد حفظه أمانةأبدا وإن قصد التملك ولم يظهر المالك فالمؤنة عليه وإن ظهر المالك فقد أطلق العراقيون أنه على الملتقط لأنه يسعى لنفسه وفيه احتمال لأن التعريف طلب المالك فهو سعي في الحال له لا سيما إذا ظهر
وإذا قلنا ليس عليه فالقاضي يسلم من بيت المال أو من عين اللقطة
فرع

إذا كانت اللقطة جحشا وقلنا يجب تعريفه بخلاف الشاة فليس ذلك على الملتقط قطعا وإنما هو كنفقة الجمال عند هرب الجمال فإن مست الحاجة إلى بيع جزء منه فعلى ذلك
قال الشيخ أبو محمد إن كان كذلك فسيأكل نفسه فيلحق بقبيل ما يتسارع الفساد إليه
الحكم الثالث التملك بعد مضي المدة

وهو جائز إذ لم يقصد الخيانة وفيه أربعة أوجه
أحدها أنه يحصل بمجرد مضي السنة فإنه قصد بالالتقاط الملك عنده
الثاني أنه لا بد من لفظ فمجرد القصد فقط لا يؤثر وما مضي عزم لا قصد
والثالث أنه يكفي تجديد قصد عند مضي السنة
والرابع أنه لا بد من تصرف يزيل الملك فإن فعله وقوله لا يزيد على الاستقراض وثم لا يملك إلا بالتصرف على قول
فرع

إذا وجد لقطة في مكة ففيها وجهان
أحدهما أنه لا يتملك كسائر البلاد
والثاني لا لقوله صلى الله عليه وسلم
إن الله حرم مكة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا تحل لقطها إلا لمنشد والمراد به منشد على الدوام وإلا فأي فائدة لتخصيص مكة
الحكم الرابع وجوب الرد إذا ظهر مالكه

ويعرف ذلك بالبينة فإن أطنب في الوصف وغلب على الظن صدقه جاز التسليم إليه
وفي وجوب ردها دون إقامة البينة خلاف
منهم من أوجب إذ تكليف البينة عسر
ومنهم من قال ربما يكون قد عرف الوصف بوصف المالك الفاقد
ولعل الأولى الاكتفاء بقول عدل واحد لحصول الثقة
فرعان

أحدهما إذا سلمه إلى الواصف فظهر المالك فيطالب الواصف أو الملتقط من شاء منهم ويرجع الملتقط على الواصف إلا إذا كان اعترف له بالملك فلا يقدر على الرجوع
الثاني إذا ظهر المالك بعد أن تملكه فإن تلف رد قيمته يوم التملك
وإن كانت قائمة ففي لزوم رد العين وجهان كمثله في رجوع المستقرض
وإن كانت معيبة فأراد أن يردها ويضم الأرش إليها وامتنع المالك وقال أريد القيمة فأيهما يجاب فيه وجهان
أحدهما المالك لأن العين بعد التملك تزاد للتقريب في حصول الجبر وقد فات بالعيب وجه الجبر
والثاني الملتقط لأنه لا يزيد على الغاصب وللغاصب رد العين من الأرش
ثم إذا رد فلو طالب من المالك أجرت الرد لم يكن له ذلك إلا إذا كان قد نادى المالك بأن من رد لقطتي فله كذا فيستحق ما سمي على ما فصلناه في كتاب الجعالة عقيب الإجارة والله أعلم
كتاب اللقيط
وفيه بابان
الباب الأول في أركان الالتقاط وأحكامه
فأما الأركان فثلاثة
الأول نفس الالتقاط

وهو عبارة عن أخذ صبي ضائع لا كافل له
وهو في نفسه فرض على الكفاية لأنه تعاون على البر وإنقاذ عن الهلاك وفي وجوب الإشهاد عليه خلاف مرتب على الإشهاد على اللقطة وأولى بالوجوب لأن الاسترقاق مخوف فيه
ومن الأصحاب من أوجب ذلك على المستور على العدل
ثم إذا شرطناه فمهما تركه لم يثبت له ولاية الحضانة وجائز الانتزاع من يده وكأنها ولاية لا تثبت إلا بعد الشهادة
الركن الثاني اللقيط

ولا يشترط فيه إلا الحاجة إلى كافل
فإن كان له ملتقط سبق إليه أو أب أو أم أو قريب فلا معنى لالتقاطه وكذا إن كان بالغا وإن كان دون سن التمييز فيجب التقاطه
وفيما بعد التمييز إلى البلوغ تردد فإنه قريب الشبهة من الإبل من جملة اللقطة إذ له نوع استقلال
الركن الثالث الملتقط

وأهلية الالتقاط ثابتة لكل حر مكلف مسلم عدل رشيد
أما العبد والمكاتب فلا يتفرعان للالتقاط فإن التقطا انتزع من أيديهما ولا ولاية لهما على الحضانة إلا أن يأذن السيد فيكون هو الملتقط والعبد نائب في الأخذ
وأما الكافر فهو أهل الالتقاط للكافر لا المسلم فإنه نوع ولاية
نعم للمسلم التقاط الكافر
وأما الفاسق فلا يأتمنه الشرع
والمستور له الالتقاط
ثم لو قصد المسافرة به منعه القاضي إلا أن تعرف عدالته
وأما المبذر وإن لم يكن فاسقا فليس أهلا لأمانات الشرع
وأما الفقير وهو على الله رزقهم
وذكر العراقيون وجها آخر أنه ينتزع من يده نظرا للصبي
فإن قيل فلو ازدحم ملتقطان
قلنا أما غير الأهل فلا يزاحم الأهل كما سبق
وإن كان لو واحد أهلا فيقدم الغني على الفقير نظرا للصبي والبلدي علىالقروي ويقدم القروي على البدوي لما فيه من النظر للصبي في اتساع معيشة البلاد وحسن الأخلاق فيها
ولا تقدم المرأة على الرجل وإن قدمت الأم على الأب في الحضانة لأن الأم أرفق من أجنبية يستأجرها الأب وها هنا الأجنبية تشتمل الجانبين
وفي تقديم الظاهر العدالة على المستور خلاف
منهم من قال لا يقدم الظاهر الثروة على المتوسط لأن المستور يزعم أن التقصير ممن لم يطلع على عدالته
ومنهم من قال يقدم لأن أصل العدالة شرط للأهلية فظهورها يوجب الترجيح فإن تساويا في الصفات قدم السابق على الآخذ
وهل يقدم السابق إلى الوقوف على رأسه قبل الآخذ فيه تردد فإن تساويا أقرع بينهما إذ لا سبيل إلى القسمة ولا إلى المهايأة إذ يستضر الصبي بتبديل اليد بعد الألف
وقال ابن أبن أبي هريرة يقره القاضي في يد من يراه منهما
ولو اختار الصبي أحدهما فلا نظر إليه إذ لا مستند لميله بخلاف اختيار الصبي أحد الأبوين فإن ذلك يستند إلى تجربة وامتحان
فرع

إذا مست الحاجة إلى القرعة فأعرض أحدهما يسلم إلى الآخر
وفيه وجه آخر أنه لا يجوز ذلك بل يخرج القاضي القرعة باسمه فإن خرج عليه ألزم فإنه وجب عليه الوفاء بالحفظ بعد الأخذ وهو بعيد ها هنا
نعم في الدوام لو أراد المنفرد باللقيط أن يرده إلى موضعه لم يجز
وإن سلمه إلى القاضي لعجزه جاز وإن تبرم به مع القدرة ففيه وجهان
ووجه المنع أنه فرض كفاية وقد شرع فيه وقدر عليه فصار متعينا
أما حكم الالتقاط فهو الحضانة والإنفاق

أما الحضانة فواجبه وكيفيتها لا تخفى
ومهما التقط في بلد لم يجز أن يحول إلى بادية ولا إلى قرية لأن فيه تضييق المعيشة ولو التقط في بادية أو قبيلة فنقل إلى البلد جاز لأنه أرفق به وفيه وجه أنه لا يجوز لأن ظهور نسبه في محل التقاطه متوقع ولو نقل من بلد مثله فوجهان
أحدهما الجواز لتساوي المعاش
والثاني المنع لتوقع ظهور النسب في محل الالتقاط مع اتساع المعيشة في محل الالتقاط
لو وجده في صحراء خال فله أن ينقله إلى أي موضع شاء إذ سائر المواضع إما مثله أو أصلح منه
أما الإنفاق فإن كان له مال فهو من ماله
وماله بالوصية للقيط والوقوف عليه والهبة منه ويقبلها القاضي ويقبضها أو بأن يوجد معه مال مشدود على ثوبه أو فرس مربوط عليه أو يوجد في دار فتكون الدار له لأن أصل اللقيط على الحرية ومعنى اليد الاختصاص
وإن كان بالقرب منه مال موضوع أو بهيمة مشدودة بشجرة ففيها وجهان وهو تردد في هذا القدر هل يعد اختصاصا
وإن كان المال مدفونا تحته فلا اختصاص له به فإن وجد معه رقعة فيها أن المال المدفون تحته له فالأظهر أنه له وفيه وجه أنه لا تعويل على الرقعة
ثم الملتقط ليس له أن ينفق ماله عليه بغير إذن القاضي فإن فعل ضمن إذ لا ولاية له إلا على نفسه بالحفظ وهل له حفظ ماله دون إذن القاضي وفيه وجهان
ووجه الجواز أنه تابع للمالك وله حفظ المالك
وإن أنفق بغير إذن القاضي لأنه لم يجد قاضيا وأشهد فالظاهر أنه لا يضمن وإن لم يشهد فقولان ذكرنا نظيرهما في هرب الجمال
أما إذا لم يكن له مال فلا يجب على الملتقط من ماله بحال ولكن ينفق عليه من بيت المال فإن لم يكن فيجمع من أهل اليسار من المسلمين لأنه عيال عليهم ثم لا رجوع عليه بعده
ومن الأصحاب من قال إن القاضي يستقرض إما من بيت المال أو من موسر ينفق عليه فإن ظهر أن اللقيط عبد رجع على مولاه وإن ظهر حرا موسرا أو مكتسبا رجع عليه في كسبه ويساره وإن كان عاجزا قضاه من سهم المساكين والفقراء من الصدقات إذ لا معنى لإلزامه من غير هذه الجهة
الباب الثاني في معرفة حال اللقيط في الإسلام والنسب والحرية وغيرها وفيه أربعة أحكام
الحكم الأول الإسلام

وهو ينقسم إلى ما يعرف بمباشرة وإلى ما يعرف بتبعية
أما المباشرة فيصح من البالغ العاقل ولا يصح من الصبي في الظاهر المذهب نعم نص الشافعي رضي الله عنه أن صبي الكافر إذا وصف الإسلام حيل بينه وبين أبويه
فمنهم من قال هذا محتوم وهو حكم بصحة الإسلام فخرجوا منه قولا مثل مذهب أبي حنيفة رحمه الله
ومنهم من قال هو استحباب بعد استعطاف الوالدين فإن أبيا لم نجبرهما عليه
وقال الأستاذ أبو إسحاق إذا أضمر الصبي الإسلام كما أظهره حكمنا له بالفوز في الآخرة وإن كنا لا نحكم به لصبيان الكفار بسبب تعارض الأخبار وعبر عن هذا بأن إسلامه صحيح باطنا لا ظاهرا
ومنهم من قال إن إسلامه موقوف فإن أعرب بعد البلوغ عن الإسلام تبينا صحته من أصله أما التبعية فلها ثلاث وجهات
الجهة الأولى تبعية الوالدين فإن حصل العلوق من مسلم أو الولادة من مسلمة فالولد مسلم قطعا
فإن أظهر الكفر بعد البلوغ فهو مرتد أما إذا انفصل على الكفر فأسلم أحدأبويه حكم بإسلامه في الحال
وكذا إسلام الأجداد والجدات عند عدم من هو أقرب منه ومع وجود الأقرب فيه خلاف وأحكام الإسلام جارية على هذا الصبي في الحال
فإن بلغ وأعرب عن الإسلام استقر أمره وإن أظهر الكفر فقولان مرتبان
أحدهما أنه مرتد لا يقر عليه فلا ينقض ما سبق من الأحكام المبينة على الإسلام كالمنفصل من المسلمين
والثاني أنه كافر أصلي يقرر بالجزية ولا يجبر على الإسلام لأن التبعية في الإسلام بعد الانفصال ضعيف وإنما حكم به في الحال بشرط أن يستمر
فإذا استقل فالنظر إلى استقلاله أولى
فعلى هذا ما سبق من أحكام الإسلام بعد البلوغ وقبل الإعراب من إجزاء عتقه عن كفارة أو توريثه من مسلم أو نكاحه مسلمة كل ذلك منقوض
وما سبق في حالة الصبي هل يتبين إنتقاضه فيه وجهان
أحدهما نعم كما بعد البلوغ
والثاني لا إذ لو حكمنا به لأوجب ذلك الوقف في الأحكام للتوقف في الإسلام بل الحكم بالإسلام مجزوم ما دام سبب التبعية قائما وهو الصبيوإنما ينقطع بالبلوغ فبعد البلوغ يتوقف إلى إعرابه
فروع على هذا القول

أحدها إذا بلغ وجرى تصرف يستدعي الإسلام كعتق عن كفارة أو موت قريب مسلم فمات اللقيط قبل أن يعرب بالكفر أو الإسلام ففي نقض التصرف وجهان
أحدهما ينقض إذ الأصل بعد البلوغ الاستقلال ولم يستقل بالإسلام فكيف يقدر إسلامه
والثاني أنه لم يعرب أيضا بالكفر والإسلام غالب وقد سبق الحكم به فيستصحب إلى أن يظهر الإعراب عن الكفر
والثاني لو قتله مسلم قبل البلوغ فالقصاص لا يمتنع بسبب توهم الكفر بعد البلوغ
ولو قتل بعد البلوغ وقبل الإعراب
فإن قلنا لو أعرب بالكفر لنقض الأحكام فلا قصاص
وإن قلنا لا ينقض ففيه تردد وميل النص إلى سقوطه للشبهة
ونص مع هذا على أن الواجب دية مسلم وهذا يدل على أن الإسلام مستصحب في سائر الأحكام وإنما سقط القصاص للشبهة
الثالث قال القاضي حسين إن مات هو قبل الإعراب يرثه حميمه المسلم وإن مات حميمه المسلم فإرثه موقوف
ومعناه أن يقال له أعرب فإن مات قبل الإعراب فينبغي أن نقضي بتقدير الأولعليه بناء على استصحاب حكم الإسلام
الرابع المجنون إذا بلغ مجنونا فهو كالصبي في جملة هذه الأحكام
وإن بلغ عاقلا كافرا ثم جن ثم أسلم أحد أبويه ففي التبعية خلاف كما في عود ولاية المال
الجهة الثانية تبعية السابي

فالمسلم إذا استرق صبيا حكم بإسلامه تبعا له فإن الاسترقاق كأنه إيجاد مستأنف
وإن كان معه أبواه لم يحكم به لأن تبعية الأبوين أقوى من تبعية السابي
فلو مات بعد ذلك أبواه اطرد كفره لأن النظر إلى الابتداء في تبعية السابي ولو استرقه ذمي فالظاهر أنه لا يحكم بإسلامه
ثم لو باعه بعد ذلك من مسلم لا يحكم بإسلامه لفوات الابتداء
وفيه وجه أنه يحكم بإسلامه لأنا نجعل وقوع الصبي في يد المسترقى كوقوعه في دار الإسلام والذمي كالمسلم في كونه من دار الإسلام ثم مهما حكم بإسلامه تبعا للسابي فبلغ وأعرض بالكفر فحكمه ما سبق في تبعية الأبوين
الجهة الثالثة تبعية الدار

وكل لقيط يوجد في دار الإسلام فهو محكوم بإسلامه لغلبة الإسلام إلا فيبلدة كثر الكفار فيها وانجلي المسلمون عنه حتى لم يبق منهم واحد
وقال أبو إسحاق المروزي يحكم الإسلام إذ لا يخلو عن مسلم مستسر بالإسلام أما ما يوجد في دار الكفر فهو كافر وإن كانوا مسلمون يجتازون بها مسافرين
وإن كان فيها سكان من الأسارى والتجار ففيه وجهان لتعارض غلبة نسبة الدار مع تغليب الإسلام
ثم هذا الصبي إذا بلغ وأظهر الكفر
منهم من قال قولان كما في تبعية المسترق والوالدين
ومنهم من قطع هاهنا بأنه كافر أصلي لأن تبعية الدار في غاية الضعف ثم هؤلاء ترددوا في تنفيذ أحكام الإسلام عليه في الصبي ومال صاحب التقريب إلى التوقف وهذا يعكر على إطلاق القول بالإسلام
وأيد صاحب التقريب هذا باختلاف القول في وجوب القصاص على قاتله المسلم وقال لا مأخذ له إلا هذا التوقف
فرع

المحكوم بإسلامه تابعا للدار لو أقام ذمي بينة على نسبه ألحق به وتبعه في الكفر وتغير ما ظنناه من الإسلام وإن استلحق من غير بينة ثبت النسب وفي الحكم بكفره وجهان
أحدهما نعم لأن تبعية الأب أقوى من تبعية الدار والدين يتبع النسب هاهنا
والثاني أن ذلك أقوى إذا لم يسبق الحكم وأما تسليط الذمي على الاستقلال بإبطال حكمنا فبعيد
الحكم الثاني في اللقيط

جنايته في الصبي وأرش خطئه على بيت المال وإن جنى عليه خطأ فالأرش له وإن كان موجبا للقود نظر فإن كان في النفس فقد اختلف نص الشافعي رضي الله عنه في القصاص أما وجوبه فظاهر لأنه معصوم مسلم وأما إسقاطه فاختلف في تقليه فقال الأكثرون سببه أن لا وارث له وأنه يثبت للمجانين والصبيان وسائر المسلمين فكيف يستوفى وعلى هاذ لو قتل من لا وارث له فلا قصاص وكذا كلقصاص خلفه من لا وارث له فلا قصاص عليه
وزيف صاحب التقريب هذا لأن الاستحقاق لا ينسب إلى آحاد المجانين والصبيان بل إلى جهة الإسلام وعلل بأن نص الشافعي رضي الله عنه يدل على توقفه في الإسلام بتبعية الدار لانتظار تغيره بعد البلوغ
و أما إذا قطع طرفه فعلى طرقة الأصحاب يجب القصاص لتعين المستحق وعلى طريقة صاحب التقريب يتوقف فإن أعرب عن نفسه بالإسلام إذا بلغ تبين الوجوب وإلا فلا
هذا إذا كان القاطع مسلما فإن كان ذميا فلا توقف من جهة الإسلام
فإن قيل والإمام هل يستوفي القصاص
قلنا إن كان في النفس فيستوفيه إن رآه أو يأخذ الدية لبيت المال إذ لا معنى للتوقف ولو منع من أخذ البدل لصار القصاص حدا
وإن كان في طرف فالمستحق هو اللقيط فلا يستوفيه لأن الولي عند الشافعي رضي الله عنه لا يستوفي القصاص
وحكي عن القفال وجه أن السلطان يستوفي القصاص في طرف المجنون لأنه لا ينتظر لإفاقته وقت مخصوصوهل للإمام أن يأخذ الأرش في الحال
نظر فإن وجب لصبي غني فلا وإن وجب لمجنون فقير فيأخذ للحاجة وعدم الانتظار فإن وجب لصبي فقير أو لمجنون غني فوجهان لوجود أحد المعنيين
فإن قلنا لا يأخذ فيحبس من عليه القصاص إلى الإفاقة والبلوغ ولا يبالي بطول الحبس فإن تفويت الحق غير ممكن
وإن قلنا يأخذ فبلغ الصبي وانتهض لطلب القصاص ففيه وجهان منشؤهما أن الأخذ للحيلولة أم هو إسقاط للقصاص بحكم ظهور المصالح
ثم قال الأصحاب ولاية أخذ المال إن جعلناه إسقاطا فلا يثبت للوصي وإن جعل للحيلولة فيثب له
الحكم الثالث نسب اللقيط
وفيه مسائل
الأولى إن ظهر إنسان وزعم أنه والده الحق بمجرد الدعوى إذ لا منازع وإقامة البينة على النسب عسير
نعم إن بلغ الصبي وأنكر فهل ينقطع وجهان
أحدهما لا إذ تم الحكم به
والثاني نعم كما إذا استلحق بالغا فأنكره فإنه لا يثبت وإن كان المستلحق هو الملتقط نفسه يثبت النسب
وقال مالك رحمه الله لا يثبت لأنه لا ينبذ ولد نفسه ثم يلتقطه إلا إذا كان لا يعين أولاده فقد يفعل ذلك تفاؤلا
الثانية لو جاء عبد واستلحقه نص هاهنا على أنه يلحقه ونص في الدعاوى على أنه ليس أهلا فقال الأصحاب قولين الصحيح أنه أهل إذ إمكان النسب للرقيق حاصل
والثاني لا لأنه يقطع ولاء السيد به عن نفسه
ثم الصحيح على هذا أن الحر لو استلحق صبيا رقيقا لحقه
ومنهم من منع لهذه العلة وهو قطع الحر بدعواه ولاء السيد
الثالثة المرأة إذا استلحقت فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يلحق بها كالرجل
والثاني لا لأنه لو ألحق بها للحق زوجها وقبول قولها على زوجها محال والإلحاق بها دونه محال
والثالث أنه يلحق الخلية دون ذوات الزوج لما ذكرناه
الرابعة إذا تداعى رجلان نسب مولود فلا يقدم حر على عبد ولا مسلم على كافر بل يتساويان نعم صاحب اليد يقدم بشرطين
أحدهما أن لا تكون يده يد التقاط فإن يد الالتقاط لا تدل على النسب نعم تدل على الحضانة
والثاني أن يكون صاحب اليد قد استلحق من قبل
فإن لم يسمع استلحاقه إلا عند دعوى الثاني فوجهان
أحدهما لا يقدم إذا لا دلالة لليد إذ لم يقارنه استلحاق
والثاني نعم لأن اليد على الجملة دالة ولعل الاستلحاق كان ولم يبلغنا
فرعان

أحدهما إذا أقام كل واحد بينة على أنه ولده تعارضتا وتهاترتا إذ لا سبيل إلى قول القسمة ولا إلى قول الوقف فإنه لا يزيد فائدة
ولا يجري قول الإقراع أيضا إذ النسب لا يثبت بالقرعة
ولو تنازعا في الحضانة وأقام كل واحد منهما بينة على الالتقاط فإن شهدت لأحدهما بالسبق في الالتقاط فهو مقدم في الحضانة وإن كنا نتردد في مثله في الإملاك لأن حق الحضانة لا ينتقل والملك قد ينتقل وكذلك لو كان أحدهما صاحب يد قدمت بينته لأنها دلالة الالتقاط كبينة الداخل
وإن تعارضا من كل وجه فإما قول التهاتر وإما قول القرعة ولا سبيل إلى التوقف والقسمة
الثاني إذا بلغ الغلام وقد تعارضت الدعاوى أو البينات خيرناه بينهما وأمرناه بالتعويل على حركة الباطن من جهة الجبلة لا على محض التشهي
فإن التحق بأحدهما ثم رجع لم يمكن بخلاف الصبي المخير بين الأبوين لأن ذلك يعتمد الشهوة
فلو ظهر قائف فيقدم قول الفاسق على التحاقه لأنه أقوى
وإن القائف بينة على خلافة قدمت البينة لأنها أقوى من قول القائف
وفي حكم اختيار اللقيط بعد التمييز وقبل البلوغ خلاف
الحكم الرابع رقه وحريته
وللقيط أربعة أحوال
الحالة الأولى إذا لم يدع أحد رقه

فالأصل فيه الحرية في كل ما يخصه ولا يتعلق بغيره فينبني فيه الأمر على الأصل إذ يحكم له بالملك ويصرف ماله إلى بيت المال إذا مات
ولو جنى فالأرش على بيت المال لأنه لم يتوقف في توريث بيت المال منه فكذا في تغريمه لأنه بإزائه
أما ما يتعلق بالغير فإن أتلف متلف ماله وغرمه له إذا الغرم لا بد منه ولا أرب للغارم في مصرفه وإن قتله عبد قتل به
وإن قتله حر فحاصل الخلاف ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجب القصاص أو الدية فإن الأصل الحرية إلى أن يظهر نقيضه ولم يظهر
والثاني أنه تجب الدية دون القصاص لأن القصاص يسقط بالشبهة وهذه شبهة ظاهرة
والثالث أنه يجب أقل الأمرين من الدية أو القيمة إذ لا تشغل الذمة البرئية إلا بيقين وقد ذكرنا قولا في سقوط قصاص من لا وارث له على التعيين فذلك القول عائد هاهنا
وإنما الأوجه الثلاثة تفريع على القول الآخر
الحالة الثانية أن يدعي مدع نرقة بغير بينة

فإن لم يكن في يده فلا تقبل دعواه وكذا إن كان في يده واليد يد الالتقاط لأنا عرفنا مستنده
وفيه وجه أنه يحكم له بالرق بيد الالتقاط كمن وجد ثوبا في طريق فادعى ملكه
وهو ضعيف لأنه لا حق للثوب في الانفكاك عن الملك وللصبي حق فيه
وإن لم تكن يد الالتقاط بل وجدناه في يده وهو يزعم أنه رقيقه فهو مصدق فإن بلغ الصبي فأنكر ففي احتياج السيد إلى البينة وجهان سبق نظيرهما في النسب
الحالة الثالثة أن يقيم المدعي بينة على الرق مطلقا
فحاصل المذهب ثلاثة أقوال
أحدها أنها تسمع كالبينة على الملك
والثاني لا بد من ذكر السبب لأن أمر الرق خطير وربما عولت البينة على ظاهراليد
والثالث وهو الأصح أن يد المدعي إن كانت عن جهة الالتقاط
فلا بد من ذكر السبب لأن البينة ربما استندت إلى هذه اليد التى لا دلالة لها
وإن لم يكن للمدعي يد أو لم يكن له يد التقاط سمعت البينة
التفريع

إن قلنا لا بد من التقيد فالقيد أن يقول هذا رقيقي ولدته جاريتي المملوكة في ملكي وعلى ملكي
فلو اقتصر على أنها ولدته جاريته المملوكة فوجهان
أحدهما لا إذ قد تلد الجارية المملوكة ولدا حرا عن وطء بشبهة
والثاني نعم إذ غرض التقيد أن يأمن استناد البينة إلى ظاهر اليدثم لو قيدت البينة الرق بالسبي أو الشراء أو الإرث كان كما لو قيدته بالولادة إذ المقصود دفع حيال الإطلاق
الحالة الرابعة أن يبلغ اللقيط ويقر على نفسه بالرق للمدعي

نظر فإن لم يسبق منه ما يناقض هذا الإقرار قبل قوله على الصحيح إذ لم تكن الحرية مجزومة بل كان بناء على الظاهر
وذكر صاحب التقريب قولا أنه لا تقبل تفريعا على أنه لو أعرب بالكفر لم يجعل كافرا أصليا مراعاة لاستصحاب حكم الإسلام وكذا استصحاب أصل الحرية وهو بعيد
أما إذا سبق منه ما يناقضه نظر فإن سبق إقرار بالحرية قطع العراقيون والقاضي حسين بأنه لا يقبل إقراره إذ لله عز وجل حق في حرية العباد وقد ثبت بإقراره فليس له إبطاله
وقطع الصيدلاني بالقبول كما لو أنكر حق الغير ثم أقر وكالمرأة إذا أنكرت الرجعة ثم أقرت
ولو كان يرعي حق الشرع لما قبل إقرار اللقيط ابتداءا وقد حكم بحريته بناء على الظاهر
أما إذا سبق إقرار بالرق لإنسان فأنكر المقر له فأقر بالرق لغيره حكى العراقيون من نص الشافعي رضي الله عنه أنه لا يقبل إقراره الثاني لأنه إذا رد إقراره الأول عاد إلى يد نفسه فكأنه قد تم الحكم بحريته والثاني نقض
وخرج ابن سريج قولا أنه يقبل إذ الإقراران متوافقان على الرق وإنما الاختلاف في الإضافة إلى السيد
أما إذا لم يسبق إقرار ولكن سبق تصرفات تستدعي الحرية من نكاح وبيع وغيره فهذا لا يمنعه من أن يقر على نفسه فيقبل إقراره بالرق
ويظهر أثره في كل ما قدر عليه كما إذا لم يسبق التصرف وهل يقبل فيما يقر بغيره فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يقبل لأن الأمر فيه لا يتجزأ فيصير إقراره كقيام البينة
ولو قامت البينة على رقة لقبل مطلقا فيما له وعليه وسلك بتصرفاته السابقة مسلك الصادر من الرقيق بغير إذنه
فذلك لا يخفى حكمه والتفريع عليه فكذلك هذا
والثاني انه لا يقبل فيما يضر بغيره إذ سبق منه تصرف هو التزام لحقوق الأعيان فلا تقبل مناقضته
و الثالث أنه لا يقبل فيما مضي لأن الالتزام مقصور عليه وفي المستقبل هو رقيق مطلق فيما له وعليه
ويتفرع على القولين الآخرين فروع

الأول لقيطة نكحت ثم أقرت بالرق فالناكح دائم لأن في قطعه إضرارابالزوج والوطء وإن كان مستقبلا فهو في حكم الماضي وولدها الذى انفصل منها قبل الإقرار حر ولا قيمة على الزوج إذ فيه إضرار
وفي المستقبل ترق الأولاد إن فرقنا بين الماضي والمستقبل
ولا يجعل الولد كالمستوفى بالنكاح لأنه موهوم بخلاف استحقاق الوطء
وأما المهر فللسيد المطالبة بأقل الأمرين من المسمى أو من المثل
فإن كان المسمى أقل ففي الزيادة إضرار بالزوج وإن كان مهر المثل أقل فالسيد لا يدعي أكثر منه
أما العدة فإذا طلقها الزوج طلاقا رجعيا اعتدت بثلاثة أقراء لأنه استحق الرجعة في الثالثة وفيه إضرار به
وكذا إن كان الطلاق بائنا لأن نفس العدة حق للزوج وإلا إذا قبلنا إقرارها فيما يضر بالغير في المستقبل
ويحتمل أن يقال هذا كالمستحق بالعقد السابق كما في الوطء
فإن مات الزوج قال الشافعي رضي الله عنه تعتد بشهرين وخمسة أيام إذ حق الزوج إنما يحسن مراعاته في حياته
فمن أصحابنا من قال إن سقط حقه فلا عدة لأنها تدعي بطلان النكاح من الأصل بل عليها الاستبراء إن وطئت وإلا فلا شئ عليها والنص ما ذكرناه وكأن الشافعي رضي الله عنه ينظر في أصل العدة إلى حق الشرع وفي تفصيله إلى حق الزوج
أما تسلميها إلى الزوج نهارا فيجب لأنه مستحق بالعقد السابق ففي المنع إضرار
الفرع الثاني لقيط نكح ثم أقر بالرق

فإن قبلنا الإقرار مطلقا فقد بان بطلان النكاح من أصله ولا يخفى حكم وطء الرقيق في مهر المثل إن جرى
وإن لم نقبل فيما مضي فقد بطل حقه من بضعها في المستقبل في الحال فكأنه طلاق فيجب نصف المهر متعلقا بذمته وكسبه إن لم يكن وطئ وإن كان وطئ فتمام المسمى لأن الوطء جرى في نكاح لم يتبعه بالإبطال فيما مضى فلا يجب إلا مهر المثل
الفرع الثالث لقيط باع واشترى ثم أقر
فهذا أمر قد مضى فإن لم يقبل قوله في الماضي لم يتبع ما مضى وإن قبل قوله عموما قدرنا أن تيك التصرفات صدرت من عبد غير مأذون فيسترد أعيان الأموال ويرد الأثمان
وما تلف في يدهم مضمونة للسيد وما تلف في يد العبد فيتعلق بذمة العبد لا برقبته وكسبه كديون معاملة العبد ولا ينفع العامل ظنه حريته عند التصرف
الفرع الرابع جنى اللقيط ثم أقر بالرق

اقتص منه أو تعلق الأرش برقته
وإن جني عليه اقتص إن كان الجاني رقيقا وإن كان حرا عدل إلى الأرش
فإن قطع إحدى يديه وتساوت القيمة ونصف الدية فذاك
وإن كان نصف القيمة أقل فليس للسيد إلا ذاك فإنه لا يطلب مزيدا
وإن كان نصف القيمة أكثر فرع على الأقوال
فإن قلنا الإقرار مطلقا لزم
وإن بعضنا اقتصر على نصف الدية فإنه إضرار بالجاني
وفيه وجه أن التغليظ على الجاني أولى
فرع به الاختتام

إذا قذف لقيطا بالغا وادعى رقه فادعى اللقيط حرية نفسه فقولان
أحدهما القول قول القاذف لأن الأصل براءة ذمته
والثاني القول قول اللقيط لأن الأصل الحرية وهو من تقابل الأصلين
وإن قطع حر طرفه وجرى هذا النزاع فطريقان
أحدهما طرد القولين
والثاني القطع بالقصاص إذ لو لم نوجب لعدلنا إلى القيمة وهي أيضا مشكوك فيها
أما الحد إذا ترك فالتعزيز مستيقن بكل حال والله تعالى أعلم وأحكم
كتاب الفرائض

والأصل فيها قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } وقال صلى الله عليه وسلم
إن الله تعالى لم يكل قسم مواريثكم إلى ملك مقرب ولا إلى نبي مرسل ولكن تولى بيانها فقسمها أبين قسم
وقال عليه السلام
تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم وإني امرؤ مقبوض وسينزع العلم من أمتي حتى يختلف رجلان في فريضة فلا يجدان من يعرف حكم الله فيها
وقد اختلف الصحابة في تفصيل الورثة واختار الشافعي رضي الله عنه مذهب زيد لأنه أقرب إلى القياس ولقوله عليه السلام أفرضكم زيد
فنقتصر على ذكر مذهبه
فالوراثة تارة تكون بسبب عام كجهة الإسلام وأخرى بسبب خاص كالنكاحوالولاء وتارة النسب
والوارثون من الرجال عندنا عشرة
من جانب العلو الأب وأب الأب وإن علا
ومن جانب السفل الابن وابن الابن وإن سفل
ومن الطرف الأخ وابنه إلا أن يكون ابن أخ لأم والعم وابنه إلا أن يكون عما لأم فإنه لا يرث ولا ولده
فيبقى اثنان وهما المعتق والزوج
والوارثات من النساء سبع
الأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت والزوجة ومولدة المعتقة
ومن عدا هؤلاء كأب الأم وأولاد البنات وأولاد الإخوة من الأم وأولاد الأخوات والعمات والخالات والأخوال وأولادهم فهم من ذوي الأرحام لا ميراث لهم عندنا بل الفاضل من المستحقين المذكورين لبيت المال
وتفصيل النظر في الوارث المذكورين تحصره أبواب
الباب الأول في مقادير أنصباء ذوي الفروض

والورثة قسمان ذو فرض وعصبة
وذو الفرض من له سهم مقدر شرعا لا يزيد وهم أصناف
الصنف الأول الزوج الزوجة

وللزوج النصف وللزوجة الربع إذ لم يكن للميت ولد وارث ولا ولد ابن وارث فإن كان فللزوج الربع وللزوجة الثمن
وإن اجتمعت نسوة فلهن الثمن أو الربع يشركن فيه ولا يزيد بزيادة العدد
الصنف الثاني الأم والجدة

وللأم الثلث إلا في أربع مسائل
إحداها زوج وأبوان
والثانية زوجة وأبوان
فلها في المسألتين ثلث ما يبقى بعد نصيب الزوج والزوجة
الثالثة إذا كان للميت ولد وارث أو ولد ابن وارث فإنه يرد الأم من الثلث إلى السدس
الرابعة إذا كان للميت اثنان من الإخوة أو الأخوات فصاعدا فلها السدس
وأما الجدة فلها السدس أبدا
وإن اشتركت جماعة في درجة اشتركن في السدس وإن كانت واحدة جدة من جهتين لم يزد نصيبها
والجدة الوارثة هى التى تدلي بوارث وهل كل جدة تدلي بمحض الذكور كأم أب الأب أو بمحض الإناث كأم أم الأم أو بمحض الإناث إلى محض الذكور كأم أم أب الأب
فأما إذا أدلت بذكر بين أنثيين فلا ترث لأن الذى تدلي به هو أب أم أو أب جدة وهو من ذوي الأرحام
وقال مالك رحمه الله كل جدة تدلي بذكر فهي لا ترث إلا أم الأب وأمهاتها من قبل الأم فأما من تدلي بذكر آخر سوى الأب فلا ترث
وهو قول للشافعي رضي الله عنه والصحيح هو الأول
الصنف الثالث الأب والجد

أما الأب فيرث بالفرضية المحضة السدس إن كان الميت ابن أو ابن ابن وتكون العصوبة للابن
ويرث بالتعصيب المحض إذا لم يكن للميت إلا زوج أو زوجة أو لم يكن وارث أصلا
ويجمع بين الفرض والتعصيب إن كان للميت بنت أو بنت ابن فله السدس وللبنت أو بنت الابن نصيبها وما فضل يصرف إلى الأب بالعصوبة
والجد عند عدم الأب يقوم مقام الأب إلا في أربع مسائل
الأولى زوج وأبوان
والثانية زوجة وأبوان
للأم في الصورتين ثلث ما يبقى فإن كان بدله جد فللأم الثلث كاملا
الثالثة الأب يحجب الإخوة والجد لا يحجب إلا الأخ للأم ويقاسم الباقين
الرابعة الأب يحجب أم نفسه والجد أيضا يحجب أم نفسه ولكن لا يحجب أم الأب لأنها زوجته وهذا أوضح
الصنف الرابع الأولاد

فإن تمحض أولاد الصلب فالذكر الواحد يستغرق المال بالعصوبة
وإن كان فيهم ذكور وإناث فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
وإن كان بنت واحدة فلها النصف وإن كانتا اثنتين فصاعدا فلها الثلثان لا يزيد بزيادة عددهن
وأما أولاد الابن فإن تمحضوا فحكمهم حكم أولاد الصلب إذا تمحضوا
فأما إذا اجتمع البطنان نظر فإن كان في أولاد الصلب ذكر فقد حجب من تحته واستغرق وإن لم يكن نظر فإن لم يكن إلا بنت واحدة فلها النصف
ثم ينظر في أولاد الابن فإن كان فيهم ذكر فالباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يكن ذكر فللواحدة منهم وللعدد السدس تكملة للثلثين فإن الثلثين فرض البنات وقد بقي منه السدس
أما إذا كان في أولاد الصلب بنتان فلهما الثلثان
ثم ينظر في أولاد الابن فإن كان فيهم ذكر فباقي المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
وإن لم يكن ذكر فيهن ولا أسفل منهن فلا شئ لهن إذ لم يبق من نصيب البنات شئ فقد استغرق بنات الصلب جميع الثلثين
فإن كان أسفل منهما ابن ابن ابن وإن بعد يعصبها ويكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين مثاله
بنت وبنت ابن وبنت ابن ابن
لبنت الصلب النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ولا شئ لبنت ابن الابن إلا أن يكون معها أو أسفل منها ذكر يعصبها
بنتان من الصلب وبنت ابن
لبنتين الثلثان ولا شئ لبنت الابن
بنت وبنت ابن وابن ابن ابن
للبنت من الصلب النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي لابن ابن الابن ولا يعصبها هاهنا لأنها أخذت تكملة الثلثين
الصنف الخامس الإخوة والأخوات
أما الإخوة من الأم
فللواحد منهم السدس وللاثنين فصاعدا الثلث لا يزيد حقهم بزيادة العدد ويتساوى ذكرهم وأنثاهم في قدر الاستحقاق أما الإخوة من الأب والأم
فحكمهم عند الانفراد كحكم أولاد الصلب من غير فرق وأما الأخوة من الأب
فحكمهم أيضا عند الانفراد كحكم الإخوة من الأب والأم من غير فرق إلا في مسالة المشركة
فإن اجتمع إخوة الأب والأم وإخوة الأب فحكمهم حكم أولاد الصلب وأولاد الابن إذا اجتمعوا فالأخ من الأب والأم يسقط أولاد الأب وللأخت الواحدة من الأب والأم والنصف وللأخت من الأب معها السدس تكملة الثلثين وكذلك إن كن جمعا فلهن السدس تكملة الثلثين
فإن كان في المسألة أختان من الأب والأم فلهما الثلثان وقد استغرقتا فلا شئ لأخوات الأب إلا إذا كان في درجتها ذكر يعصبها فيكون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين
ولا يعصبها من هو أسفل منها كأولاد الابن وفي هذا تخالف أولاد الابن فإن بنت الابن يعصبها من هو أسفل منها
فرع ثلاث أخوات متفرقات
للأخت من الأب والأم النصف وللأخت للأب السدس تكملة الثلثين وللأخت للأم السدس فرضا
ولو كان في المسألة أختان للأب والأم بدل أخت واحدة فلها الثلثان ولا شئ للأخت للأب إذ لم يبق تكملة الثلثين وللأخت للأم السدس فإن ذلك فرض مستقل في حقها
فإن قيل وما مسألة المشركة التى فيها يفارق إخوة الأب إخوة الأب والأم
قلنا صورتها زوج وأم وأخوان لأم وأخوان لأم وأب
فللزوج النصف وللأم السدس ولإخوة الأم الثلث فلا يبقى مال
فالإخوة من جهة الأب والأم يشاركون أولاد الأم في نصيبهم ولو كان بدلهم إخوة للأب لسقطوا
ووقعت المسألة في زمان عمر رضي الله عنه وأرضاه فأسقط إخوة الأب والأم فقال أخ الأب والأم هب أن أبانا كان حمارا ألسنا من أم واحدة فشرك عمر رضي الله عنه بينهم وإليه ذهب زيد وعثمان رضي الله عنهما
وقال أبو حنيفة رحمه الله يسقطون لأنهم عصبة كأولاد الأب ثم للتشريك شرطان
أحدهما أن يكونوا أولاد الأب والأم ليقع التشريك بقرابة الأم فإن كانوا أولاد الأب فلا تشريك
والثاني أن يكون ولد الأم زائدا على واحد فإنه إن كان واحدا فله السدس ويبقي سدس العصبة فلا حاجة إلى التشريك
هذا حكم الإخوة أما أولادهم
فالإناث منهم لا يرثون والذكور منهم بمنزلتهم إلا في خمس مسائل
الأولى أن ولد إخوة الأم لا يرثون فليسوا بمنزلتهم
والثانية أن اثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ولو كان بدلهم أولادهم لا يحجبون
الثالثة في مسألة الشركة لو كان بدل إخوة الأب والأم أولادهم فلا تشريك في حقهم
الرابعة الجد لا يحجب الإخوة ويحجب بني الإخوة
الخامسة الأخ يعصب أخته وابن الأخ لا يعصب أخته إذ لا ميراث لأخته أحولا
فرع

الأخوات من جهة الأب والأم أو من جهة الأب مع البنات عصبة أما الأخت من الأم فتسقط بالبنت
فإن كان في المسألة بنت وأخوات فلها النصف والباقي لهن
ولو كان بنت وأخت لأب وأم وأخت لأب فللبنت النصف والباقي لأخت الأب والأم وهي عصبة فتسقط أخت الأب
الباب الثاني في العصبات

والعصبة الذى يستغرق المال إذا انفرد ويأخذ ما بقي من ذوي الفرائض إذا كان معه ذو فرض
قال صلى الله عليه وسلم
ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر
والعصبة كل ذكر يدلي إلى الميت بنفسه أو بذكر
والمعتق أيضا والمعتقة من المعصبيات والأخوات أيضا مع بنات الصلبأو بنات الابن عصبات كما سبق
هذا تفصيلهم أما ترتبيهم
فأولادهم البنون ثم بنوهم ثم الآباء ثم آباؤهم وهم الأجداد من قبل الأب والإخوة في درجة الجد يقاسمونه إلا إخوة الأم فإنهم يسقطون به ويسقط بنو الإخوة بالجد وفاقا
وقال أبو حنيفة رحمه الله يسقط الإخوة أيضا بالجد
ثم ليعم أن التقدم للأخ من الأب والأم ثم للأخ من الأب ثم ابن الأخ من الأب والأم ثم ابن الأخ من الأب ثم العم للأب والأم ثم العم للأب ثم بنوهم على ترتيبهم ثم عم الأب للأب والأم ثم عم الأب للأب ثم بنوهم على ترتيبهم ثم عم الجد على هذا الترتيب إلى حيث ينتهي
فإن لم يكن واحد من هؤلاء فالمال لمعتق الميت فإن لم يكن فلعصبات المعتق فإن لم يكن فلمعتق المعتق ثم لعصباته ثم لمعتقه على هذا الترتيب
هذا ترتيبهم وفيه فروع أربعة
الأول ابن الأخ وإن سفل مقدم على العم لأن الجهة هاهنا مقدمة ومختلفة فلا نظر إلى القرب
وأما بان الأخ للأب يقدم على ابن ابن الأخ للأب والأم إذا سفل للقرب مع أن جهة الأخوة جنس واحد فإنما يقوم هاهنا بالقوة عند تساوي الدرجة فليتنبه لهذه الدقيقة
الثاني ابنا عم أحدهما أخ لأم فله بأخوة الأم السدس والباقي بينهما نصفين ولا ترجح قرابته فتقدمه بخلاف الأخ للأب والأم حيث قدم على الأخ للأب لأن القرابة ثم متجانسة فامتزجت فأوجبت ترجيحا
والثالث بنت وابنا عم أحدهما أخ لأم النصف للبنت والباقي بينهما بالسوية وأخوة الأم سقطت بالبنت
وقال ابن الحداد المال كله للذي هو أخ لأم لأنه لا يمكن استعمال قرابته في التوريث فيستعمل مرجحا وهو ضعيف
الرابع في عصبات المعتق ولا يستحق صاحب فرض بالولاء فلا مدخل لأنثى فيه إلا إذا كانت معتقة وإنما يستحق بالولاء الذكور كما سبق في العصبات
فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالمال للابن لأن العصوبة له هاهنا
والأخ للأب والأم يقدم على الأخ للأب وإن لم تؤثر الأمومة هاهنا ولكن تصلح للترجيح
ومن الأصحاب من طرد قولين كما في التقديم في ولاية النكاح
ولو اجتمع الجد والأخ فقولان
أحدهما الأخ أولى لأن إدلاءه بالنبوة وهي أقوى من العصوبة والولاء يدور على محض العصوبة
والثاني أنهما يستويان لاستوائهما في القرب والعصوبة
فعلى هذا يقدم الجد على ابن الأخ وعلى الأول يقدم ابن الأخ على الجد لقوة النبوة
بإن قيل وما طريق مقاسمة الجد والإخوة في الوراثة بالنسب
قلنا مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إذا لم يكن معهما ذو فرض جعل الجد كأحد الإخوة ويقسم المال عليه وعلى الإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين ما دام الثلث لا ينقص بالقسمة كما إذا كان معه أخ أو أخوان أو أخ وأخت أو أخ وأختان أو أربع أخوات
فأما إذا نقص الثلث بأن كانوا أكثر من هذا ويسلم إليه الثلث كاملا وقسم الباقي على الإخوة للأب والأم
وإن كان معه ذو فرض أعطي صاحب الفرض سهمه فإن لم يبق شئ فرض للجد السدس واعتلت المسألة
وإن بقي سدس سلم وإن بقي أقل من السدس اعتلت المسألة وسلم به السدس
وإن كان الباقي أكثر من السدس قسم المال وسلم إلى الجد إما ثلث ما يبقى بعد سهم ذوي الفروض أو سدس جميع المال أو ما يخصه بالقسمة أيها كان خيرا له من الأقسام الثلاثة خص به
مسائله مع الجد زوج وأخ
للزوج النصف والباقي بينهما نصفين لأنه خير من السدس وثلث ما يبقى
فلو كانا أخوين استوى القسمة وسدس الجملة وثلث ما يبقى
فلو كانوا ثلاثة استوى السدس وثلث ما يبقى وهما خير من القسمة فله السدس وهو ثلث ما يبقى
زوج وأم وأخ مع الجد
فللزوج النصف وللأم الثلث لا يبقى إلا سدس فهو للجد وسقط الأخ
ولو كان بدل الأخ أخت فظاهر القياس أنها تسقط أيضا لأنها عصبة مع الجد كالأخ
والصحيح من مذهب زيد أنه يفرض لها النصف لأن الجد صاحب فرض الآن فهي أيضا تنقلب إلى فرضها ثم يقسم مجموع حصتهما للذكر مثل حظ الأنثيين
وأما الأخ فليس له حال فرضية وإسقاط الأخت أيضا نقل عن زيد في رواية
زوج وبنت وأم وإخوة مع الجد
للبنت النصف وللأم السدس وللزوج الربع ويبقى نصف سدس فتعال المسألة حتى يتم السدس للجد وتسقط الإخوة
هذا كله حكمه مع إخوة الأب والأم وجدهم
فإن كان معه أخوة الأم فهم مسقطون
وإن كان معه إخوة الأب وحدهم فهم عند عدمهم بمنزلتهم أعني بمنزلة إخوة الأب والأم
فأما إذا اجتمع معه إخوة الأب والأم وإخوة الأب فيجعل الجد كواحد منهم ويعد إخوة للأم عليه
والحكم ما سبق يعينه ولا يتغير حكم الجد معهم هاهنا وإنما الذى يتجدد أن إخوة الأب يدخلون أيضا عليه في الحساب وما يخصهم لا يبقى عليهم بل يسترد منهم أولاد الأب والأم إما على الكمال إن كان فيهم ذكر أو ما يكمل به النصيب إن تمحض الإناث فيهن أعني إخوة الأب والأم
وعلته أن سقوطهم بإخوة الأب والأم فلا يظهر فائدته إلا في حقهم أما في حق الجد فلا يظهر مثاله إذا لم يكن ذو فرض
أخ لأب وأم وأخ لأب مع الجد
فالثلث والقسمة سيان فله الثلث والباقي لأخ الأب والأم ويسقط أخ الأب به وإن دخل في حساب القسمةوإن كان بدل الأخ للأب أخت لأب فالقسمة خير إذ يصح المسألة من خمسة ويخص الجد منها سهمان فيبقى ثلاثة أسهم فتستقر على الأخ من الأب والأم
أخت لأب وأم وأخ لأب مع الجد
فالمسألة من خمسة والقسمة خير للجد فإن له سهمين يبقي ثلاثة واحدة لها واثنان للأخ من الأب فيسترد منه ما يكمل لها النصف ويبقى الباقي لأخ من الأب
أختان لأب وأم وأخت لأب مع الجد
فالمسألة من خمسة ويخص الأختين سهمان وهو ناقص عن الثلثين فيسترد ما في يد الأخت للأب فلا يكمل الثلثين فيقتصر على استرداد ذلك
أما إذا كان في صورة المعادة صاحب فرض فيقدم صاحب الفرض كما سبق في غير صورة المعادة على ذلك التفصيل ويعتبر بالباقي القسمة أو ثلث ما يبقى أو السدس فأي ذلك كان خيرا خص الجد به
فإن كان الخير في القسمة روعي في المعادة ما ذكرناه من حرمان أولاد الأب إن كان في أولاد الأب والأم ذكر واسترداد ما يكمل به نصيب الإناث إن لم يكن فيهن ذكر
الباب الثالث في الحجب

فنعود إلى عد الأصناف المذكورين في الباب الأول ونقول
أما الزوج والزوجة فلا يحجبان بوارث لأنهما يدليان بأنفسهما
وأما الأم فلا تحجب أيضا
والجدة تحجبها الأم فلا ترث مع الأم جدة وأم الأب يحجبها الأب
وذلك القربى من كل جهة من الجدات تحجب البعدى من تلك الجهة
والقربى من جهة الأم تحجب البعدي من جهة الأب
والقربى من جهة الأب هل تحجب البعدى من جهة الأم
فيه قولان أظهرهما أنها لا تحجب بل تشارك لقوة جدودة الأم
وأما الأب فلا يحجبه أحد والجد لا يحجبه إلا الأب
هذا حكم من يدلي من جهة العلو أما من يدلي من جهة السفل
فالابن والبنت لا يحجبان
فأما ابن الابن فلا يحجبه إلا الابن
وبنت الابن يحجبها الابن وابنتان فصاعدا من بنات الصلب وكذا الترتيب فيمن سفل منهم على اختلاف درجاتهم
وأما المدلون على الأطراف
فالأخ للأب والأم يحجبه ثلاث الأب والابن وابن الابن
وكذا الأخت للأب والأم
وأما الأخ للأب يحجبه هؤلاء الثلاثة والأخ للأب والأم
وأما الأخت للأب يحجبها هؤلاء الأربع واثنتان فصاعدا من الأخوات للأب والأم
وأما الأخ للأم فيحجبه ستة الأب والجد والابن والبنت وابن الابن وبنت الابن
وأما العم فيحجبه من يحجب الأخ للأب والأم والأخ للأب كذا بنو الأخوة وقد نبهنا على ترتيب العصبات من قبل فلا حاجة إلى الإعادة
فروع

الأول أن من لا يرث كالقاتل والكافر والرقيق لا يحجب
ويستثنى عن هذا مسألة وهي أبوان وأخوان
فإن الأخوين يسقطان بالأب ويحجبان الأم من الثلث إلى السدس لأن سقوطهما بالأب لا بالأم فيرجع فائدتهما إلى الأب لا إلى الأم
ومثله جدتان إحداهما أم الأب والأخرى أم الأم ومعها الأب
فلأم الأم السدس ولا يقال ان أم الأب تشارك لولا الأب وإنما سقوطها بالأب فترجع الفائدة إليه لأن استحقاقها بالفرضية فلا يناسب استحقاق الأب وهو بالعصوبة
وأما الأخ والأب في تلك الصورة كلاهما يرثان بالعصوبة فأمكن رد الفائدة إليه
ومن أصحابنا من طرد القياس وقال ليس لأم الأم إلا نصف السدس
الثاني مهما اجتمعت قرابتان من قرابة المجوس على وجه لا يجوز الجمع بينهما في الإسلام سواء حصل بنكاح المجوس أو بالوطء بالشبهة
فلا يورث بهما عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله بل يورث بأقواهما ويصرف الأقوى بأمرين
أحدهما أن تكون إحداهما مسقطة للأخرى كبنت هى أخت لأم ترث بالبنوة وتسقط أخوة الأم
الثاني أن يقل حجاب إحديهما كأخت لأب هى أم الأم فترثبالجدودة لأنها أثبت إذ لا تسقط إلا بالأم فقط والأخت تسقط بثلاث بالأب والابن وابن الابن
فإذا تزوج المجوسي بابنته فأولد بنتا
فمات المجوسي فقد خلف بنتين إحداهما زوجته فلا شيء لها بالزوجية فإنها فاسدة والأخرى بنت بنت ولا توريث بهما فلهما الثلثان بالبنوة
فلو ماتت العليا بعد موت الواطئ فقد خلفت بنتا هى أخت لأب فلها بالبنوة النصف
فلو ماتت السفلى أولا فقد خلفت أما هى أخت لأب فلها الثلث بالأمومة ولا شيء لها بالأخوة
المسألة بحالتها لو وطئ البنت السفلي فأولدها بنتا أخرى
ومات الواطئ فقد خلف ثلاث بنات فلهن الثلثان ولا نظر إلى الزوجة ولا إلى بنوة البنت
فلو ماتت العليا بعده فقد خلفت بنتا وبنت بنت هما أختان لأب فللبنت العليا النصف والباقي للسفلى بأخوة الأب فإن الأخت مع البنت عصبة
فلو ماتت الوسطى أولا فقد خلفت أما وبنتا هما أختا أب فللأم السدس وللبنت النصف وسقط أخوة الأب من الطرفين بالبنوة والأمومة
فلو ماتت السفلى أولا فقد خلفت أما وجدة هما أختا أب فللأم الثلث وللجدة الباقي بأخوة الأب لأن الجدودة سقطت بالأمومة
فأما إذا وطئ المجوسي أمه فولدت له بنتا
فمات فقد خلف أما وبنتا هى أخت لأم فللأم السدس وللبنت النصف وسقط أخوة الأم
ولو ماتت البنت فقد خلفت أما هى أم لأب فلها الثلث بالأمومة وتسقط أمومة الأب
وعلى هذا الترتيب جميع المسائل والله أعلم
الباب الرابع في موانع الميراث

وهي ستة
الأول اختلاف الدين

فلا يرث كافر من مسلم ولا مسلم من كافر لقوله عليه السلام
لا يتوارث أهل ملتين شتى
ويرث اليهود من النصارى المجوس لأن جميع الملل في البطلان كالملة الواحدة
وفي هذا المعنى قال الله تعالى { لكم دينكم ولي دين }
فرعان

أحدهما الذمي هل يرث من الحربي فيه قولان
أحدهما نعم لاتحاد الدين
والثاني لا لأن حكمنا لا يجري على أهل الحرب والتوريث حكم شرعي
وأما المعاهد فهو في حكم الذمي لأمانه
وقال ابن سريج قياس قول الشافعي رضي الله عنه أنه في حكم الحربي لأنه لم يستوطئ دارنا والصحيح الأول
الثاني المرتد لا يرث ولا يرثه لا قريبة الكافر ولا قريبة المسلم ولا قربة المرتد بل ماله فيء
ولا فرق بين ما اكتسب بعد الردة وبين ما اكتسبه قبله
والزنديق حكمه حكم المرتد
هذا إذا قتل أو مات فإن عاد إلى الإسلام استقر ملكه
المانع الثاني الرقيق

وهو لا يرث ولا يورث سواء كان قنا أو أم ولد أو مكاتبا لأنه لا يملك ومن يراه أهلا للملك على قول فهو ملك بإذن السيد لا قرار له ولا مدخل للإذن في الميراث
فرع من نصفه حر ونصفه رقيق لا يرث
وإذا مات فهل ترثه أقاربه
قال في القديم لا يرث كما لا يورث
وقال في الجديد يورث لأنه تحقق الملك والقريب أولى الناس به
فإن قلنا لا يورث فماله للسيد أو لبيت المال أو أيهما أولى به فيه خلاف
المانع الثالث القتل

قال صلى الله عليه وسلم
ليس للقاتل من الميراث شئ
والقتل قسمان مضمون وغير مضمون
أما المضمون فيوجب الحرمان سواء ضمن بالدية أو الكفارة أو القصاص
وسواء كان عمدا أو خطأ بسبب كحفر البئر أو بمباشرة من مكلف أو مجنون أو صبي
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يحرم الصبي ولا من قتل بحفر البئر
فأما الذى ليس بمضمون كالقتل المستحق حدا لله تعالى
فالإمام إذا قتل حدا ففي حرمانه ثلاثة أقوال
حدها المنع لعموم الحديث
والثاني أنه لا يحرم لأن المفهوم السابق من اللفظ قتل بغير حق ولأن الإمام كالنائب والقاتل هو الله عز وجل
والثالث أنه إن ثبت بإقراره فلا حرمان إذ لا تهمة وإن ثبت ببينة فربما يتطرق تهمته إلى القاضي فيه
أما المستحق الذى يجوز تركه كالقتل قصاصا ودفع الصائل وقتل العادل الباغي فيه خلاف مرتب وأولى بالحرمان لأنه مختار فيه وقد قتل لنفسه
والمكره محروم لأنه آثم وإن قلنا إن الضمان على المكره وفيه وجه على هذا القول
المانع الرابع استبهام تاريخ الموت

فإذا مات جماعة من الأقارب تحت هدم أو غرق أو في سفر واستبهم المتقدم والمتأخر فيقدر في حق كل واحد منهم كأنه لم يخلف الآخرين فلا يتوارثون ويوزع مال كل واحد منهم على من هو حي من جملة الأقارب إذ ليس التقدم بأولى من التأخر
وكذلك إذا علمنا أنهم تلاحقوا في الموت ولكن لم نطلع على الترتيب وكذلك لو اطلعنا ولكن نسيناه
وفي هذه الصورة الأخيرة احتمال وقد ذكرنا في مثل هذه الصورة في النكاحين والجمعتين خلافا لأن إعادة الجمعة وفسخ النكاح له وجه وهاهنا لا حيلة فيه ولا معنى للتوقف أبدا
المانع الخامس اللعان

فإنه يقطع ميراث الولد وكان في هذا ليس مانعا بل هو دافع للنسب إلا أنه يقتصر أثره على الأب ومن يدلي به
أما الأم فالولد يرثها وهي ترث الولد ولها من ماله الثلث
وقال ابن مسعود أمه عصبة فلها الجميع
ولو نفى توأمين فهل يرث أحدهما الآخر بالعصوبة
المذهب أنه لا يرث لأنه لا يدلي إلا بقرابة الأمومة أما الأبوة فقد انتفت فهو أخ لأم فقط
وقال مالك رحمه الله هو عصبة والأبوة انتفت في حق الأب بحجة ضرورية وهو وجه لأصحابنا بعيد
وإذا ولدت المرأة من الزنا فهي ترثه والولد يرثها والتوأمان يتوارثان بأخوة الأم
ومن ينسب إلى الزنا فلا أبوة له ولا ميراث
المانع السادس الشك في الاستحقاق

وسببه أربعة أمور
الأول التردد في الوجود
وذلك في المفقود والأسير الذى انقطع خبره فلا يرث عنه أحد ما لم تقم بينة على موته أو لم تمض مدة يقضي الحاكم في مثلها بأن ذلك الشخص لا يحيا أكثر من ذلك وتعتبر المدة من وقت ولادة المفقود لا من وقت غيبته
فإذا قضى بموته ورثه أقاربه الموجودون وقت الحكم لا وقت الغيبة
فأما ميراثه من الحاضرين فيجب التوقف في نصيبه إذا مات له قريب فإن حكم القاضي بموته بعد ذلك فيقدر كأنه لم يكن موجودا عند موت قريبه ويصرف الموقوف إلى الورثة الموجودين من حال موت قريب المفقود
وأما الحاضرون فإن كان المفقود ممن يتصور حجب الحاضر به فلا يصرف إليهم شئ وإن تصور أن يحجب عن البعض فيتوقف في قدر الاحتمال ولا يصرف إليهم إلا المستقين ونأخذ بأسوأ الأحوال في حق كل واحد
فإن كان النقصان في تقدير الحياة قدرناها وإن كان في تقدير الموت قدرنا الموت حتى إذا خلفت المرأة زوجا وأختين لأب حاضرتين وأخا لأب مفقودا فإن كانالأخ ميتا فللزوج النصف وللأختين الثلثان والمسألة تعول إلى سبعة من ستة
وإن كان حيا فللزوج نصف غير عائل والربع للأختين فلا يصرف إلى الزوج إلا ثلاثة أسباع المال وهو النصف العائل ويقدر موت المفقود في حقه لأنه أسوأ الأحوال وللأختين الربع على تقدير الحياة فإنه الأسوأ والباقي موقوف إلى البيان
ومن أصحابنا من قال تقدر الحياة في حق كل واحد منهم في الحال فإن ظهر نقيضه غيرنا الحكم
ومنهم من قال نأخذ بالموت لأن استحقاق هؤلاء مستيقن فإن ظهر نقيضه غيرنا الحكم
وهذان وجهان متقابلان إذ يقابل الأخير قول الأول إن الأصل بقاء الحياة فالصحيح التوقف عند الإشكال
السبب الثاني الشك في النسب
حيث يحتاج إلى القائف فحكمه في مدة الإشكال حكم المفقود فنأخذ بأسوأ الأحوال في حق الجميع
السبب الثالث الشك بسبب الحمل
فإن الحمل يرث بشرطين
أحدهما أن ينفصل حيا فلو انفصل ميتا ولو بجناية جان كان كما لوانعدم من أصله
والثاني أن يكون موجودا عند الموت وهو أن يؤتى به لأقل من ستة أشهر من وقت الموت فإن كان لأكثر من أربع سنين فلا يرث وإن كان بين المدتين ورث لأن النسب يثبت والإرث يتبع النسب
ولو انفصل الجنين وصرخ ثم مات ورث
وكذا إذا فتح الطرف وامتص الثدي وأمارات الحياة ظاهرة
ولو تحرك فإن كان من قبيل اختلاج وتقلص عصب وعضلة فلا أثر له وإن كان اختياريا كقبض الأصابع وبسطها فهو دليل الحياة وإن تردد بين الجهتين فقولان
أحدهما لا يرث لعدم اليقين
والثاني يرث اعتمادا على غالب الظن بالعلامة
ولو برز نصف الجنين وصرخ ثم مات وانفصل ففيه وجهان محتملان
هذا إذا انفصل فأما قبل الانفصال فهو وقت الإشكال فيقدر أضر الأحوال على بقية الورثة وأقصى الممكن تقديرا أربعة من الأولاد في البطن والأنوثة والذكورة محتملة فنقدر ما هو الأضر بكل حال مثاله
مات رجل وخلف امرأة حاملا وأخا
لا شئ للأخ في الحال لاحتمال أن الحمل ذكر فيحجب
ولو خلف أبوين وامرأة حاملا
أعطي كل واحد من الأبوين السدس عائلا من سبعة وعشرين لاحتمال أن يكون الحمل بنتين فتقول المسألة من أربع وعشرين إلى سبعة وعشرين يكون للأم أربعة وللأبأربعة وللمرأة ثلاثة ولكل واحد من البنتين ثمانية فهذا أضر التقديرات فنقدره في الحال
فإن قيل وهل يتسلط الحاضرون على ما سلم إليهم
قلنا قال القفال لا إذ لا تصح القسمة عن الحمل إلا بالقاضي وليس للقاضي التصرف في مال الأجنة بخلاف الغائبين
والصحيح أنهم يتسلطون وأنه يجب على القاضي أن ينوب في القسمة كيلا تتعطل الحقوق
فإن قيل فلو ادعت المرأة الحمل فربما تكون معاندة فكيف ينتظر بقولها أربع سنين
قلنا إن ظهر مخايل الحمل أو كانت قريبة العهد بوطء يحتمل العلوق فلا بد من التوقف
وإن لم يظهر مثل هذه العلامات فالمسألة محتملة والأولى الاعتماد عليها فإنها أعلم بالعلامات الخفية وهي مؤتمنة في رحمها
السبب الرابع الخنوثة

والخنثى مشكل الذكورة والأنوثة
وقال بعض أهل العلم لا يرث لأنه ليس بذكر ولا أنثى وليس في الكتاب إلا ميراث الذكور والإناث
وقيل أيضا يأخذ نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى
وإنما مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إما ذكر وإما أنثى وهو مشكل فيأخذ في الحال بأضر التقديرات إلى البيان كما في الحمل والمفقود
مسائله

إذا مات وخلف أخا لأب وولدا خنثى
فلا شئ للأخ لاحتمال أنه ابن للخنثى النصف في الحال لأنه أضر أحواله
ولو كانا ولدين خنثيين فلهما الثلثان في الحال لأنه الأضر والباقي موقوف بينهما وبين الأخ إلى البيان والاصطلاح منهم على شئ
ولو كانوا ثلاثة خناثى يدفع إلى كل واحد خمس المال في الحال لاحتمال أنه أنثى وصاحباه ذكران ويوقف بين الخناثى ما بين ثلاثة أخماس إلى تمام الثلثين لاحق فيه للأخ ويوقف الثلث الباقي بينهم وبين الأخ
الباب الخامس في حساب الفرائض

وفيه فصول
الفصل الأول

في مقدرات الفرائض ومستحقيها ومخارجها وعولها أما المقدرات
فستة النصف ونصفه وهو الربع ونصف نصفه وهو الثمن والثلثان ونصفهما وهو الثلث ونصف نصفهما وهو السدس أما مستحقوها
فالنصف فرض خمسة الزوج في حالة والبنت وبنت الابن والأخت للأب والأم والأخت للأب على ما سبق
والربع فرض الزوج في حالة والزوجة في حالة
والثمن فرض الزوجة فقط
والثلثان فرض أربعة بنتي الصلب وبنتي الابن والأختين للأب والأم والأختين للأب
والثلث فرض اثنتين فرض الأم في حالة وأولاد الأم إذا زادوا على واحد
والسدس فرض سبعة الأم والأب والجد والجدة وبنت الابن تكملة الثلثين والأخت للأب تكملة الثلثين والواحد من أولاد الأم أما مخارج هذه المقدرات سبعة
فإن كانوا عصبات فالمسألة من عدد رءوسهم وإن كان فيهم إناث فيقدر كل ذكر مكان أنثيين
وإن كان في المسألة أصحاب السهام فالمخارج سبعة اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون
وكل فريضة احتجت فيها إلى نصفين أو إلى نصف وما بقي فهو من اثنين
وإن احتجت إلى ثلث وما بقي أو إلى ثلثين وما بقي أو إلى ثلث وثلثين فأصلها من ثلاثة
وإن احتجت إلى ربع وما بقي أو إلى ربع ونصف وما بقي فمن أربعة
وإن احتجت إلى سدس وما بقي أو إلى سدس وثلث أو سدس ونصف أو سدس وثلثين فمن ستة
وإن احتجت إلى ثمن وما بقي أو ثمن ونصف وما بقي فمن ثمانية
وإن احتجت إلى سدس وربع فمن اثني عشر
وإن احتجت إلى ثمن وسدس أو ثمن وثلثين فمن أربع وعشرين
وزاد زائدون على الأصول السبعة ثمانية عشر وستا وثلاثين وهذا يحتاج إليهفي مسائل الجد إذا افتقر إلى مقدر وثلث ما يبقى بعد المقدر فأما عول هذه الأصول
فلا يدخل العول إلا على ثلاثة من الأصول السبعة وهي الستة والاثنا عشر والأربع والعشرون ولا يوجد العول في الباقي
فالستة تعول بسدسها إلى سبعة وبثلثها إلى ثمانية وبنصفها إلى تسعة وبثلثيها إلى عشرة ولا يزيد عليه
والاثنا عشر تعول بنصف سدسها إلى ثلاثة عشر وبريعها إلى خمسة عشر وبربعها وسدسها إلى سبعة عشر ولا تعول إلى الشفع وهو أربعة عشر وستة عشر ولا تزيد عليه
وأما الأربع وعشرون فيعول بثمنها إلى سبعة وعشرين
فإذا خلف الميت زوجا وأختين فتعول من الستة إلى سبعة للزوج ثلاثة وللأختين أربعة
أما الأربع والعشرون فلا تعول إلا إلى سبعة وعشرين فقط
والعول عبارة عن الرفع ومعناه رفع الحساب حتى يدخل النقصان على الكل على نسبة الواحد لما ضاق المال عن الوفاء بالمقدرات
وقد اتفقت الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه على العول وإليه أشار ابن عباس رضي الله عنه فلما توفي عمر خالف وقال من شاء باهلته أن الذى أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في المال نصف وثلثين فقيل هلا قلت ذلك في عهد عمر رضي الله عنه فاقل كان رجلا مهيبا فهبته
الفصل الثاني في طريق تصحيح الحساب

وتقدم عليه مقدمة وهو أن كل عددين فينسب أحدهما إلى الآخر إما بالتداخل أو بالتوافق أو بالتباين
ومعنى التباين انتفاء الموافقة والمداخلة
والمتداخلان كل عددين مختلفين أقلهما هو جزء من الأكثر ولا يزيد على نصفه كالثلاثة من التسعة فإنها ثلثها والخمسة من العشرة فإنه نصفها والاثنين من الثمانية فإنها ربعها
والمتوافقان كل عددين مختلفين لا يدخل الأقل في الأكثر ولكن يفنيهما جميعا عدد آخر أكبر من الواحد كالستة والعشرة يغنيهما جميعا الاثنان فهما موافقان بالنصف والتسعة مع خمسة عشر تغنيهما جميعا الثلاثة فهما متوافقان بالثلث
والمتباينان ما ليس بينهما موافقة ولا مداخلة
فإذا أردت أن تعرف المداخلة والموافقة فأسقط الأقل من الأكثر مرتين أو أكثر على حسب الإمكان فإن فني به فهما متداخلان
فإذا سقطت مرة فبقي شئ أو مرارا فبقي شيء فلا مداخلة فاطلبالآن الموافقة وطريقه
أن تسقط الباقي من العدد الأقل مرارا على حسب الإمكان فإن بقي شئ فأسقط تلك البقية من الباق من الأول مرارا فلا تزال تفعل ذلك إلى أن يفنى فإن فنيا بالواحد فهما متباينان وإن فنيا بعدد فهما متوافقان بالجزء المشتق من ذلك العدد
فإن فنيا باثنين فبالنصف أو بثلاثة فبالثلث أو بتسعة فبالتسع أو بأحد عشر فيجزء من أحد عشر جزءا وعلى هذا القياس مثاله
إذا أردت أن تعرف نسبة سبعة من ثمانية وعشرين فأسقط السبعة منه مرارا فتضني بأربع مرات فهما متداخلان
فإن أدرت أن تعرف اثنى عشر من اثنين وعشرين فتسقط مرة فلا يبقى إلا عشرة فلا مداخلة فأسقط الآن العشرة من اثني عشر فيبقى اثنان فأسقط الاثنين من العشرة فيفنى به فهما متوافقان بالنصف أعني اثني عشرة واثنين وعشرين
وإن أردت أن تعرف ثلاثة عشر من ثلاثين فتسقط منه مرتين فيبقى أربعة فتسقط من ثلاثة عشر ثلاث مرات فبقي واحد فتسقط من الأربعةأربع مرات فتفنى به فهما متباينان وإذ فنيا بالواحد رجعنا إلى المقصود
فإذا عرفت أصل المسألة بعولها فانظر
فإن انقسم على الورثة ولم ينكسر فقد صحت المسألة من أصلها وإن انكسر فلا يخلو إما أن ينكسر على فريق واحد أو على فريقين أو على ثلاثة أو أربعة لا يزيد على الأربعة
القسم الأول أن ينكسر على فريق واحد

فطريقة أن ينسب النصيب إلى عدد الفريق الذى انكسر عليهم فإن لم يوافقه بجزء فيضرب عدد رءوسهم في أصل المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة وإن وافق بجزء فاضرب جزء الوفق من عدد الرءوس في أصل المسألة فلما بلغ فمنه تصح المسألة مثاله
زوج وبنت وابن ابن
للزوج الربع وللبنت النصف والباقي لابن الابن وقد صحت المسألة من أربعة وانقسم
ولو خلف بنتا وابني ابن
فالمسألة من اثنين للبنت النصف ويبقى واحد لا ينقسم على اثنين فتضرب عدد الاثنين في أصل المسألة فتصير أربعة فمنها تصح كان للبنت واحد مضروب في اثنين فلها اثنان وكان للابنتين واحد مضروب في اثنين فلهما اثنان لكل واحد واحد
ولو خلف أما وأربعة أعمام
المسألة من ثلاثة للأم واحد يبقى اثنان لا ينقسم على أربعة ولكن يوافق بالنصف فيضرب جزء الوفق من عدد الفريقين وهو اثنان في أصل المسألة هو ثلاثة فتصير ستة
كان للأم واحد ضرب في اثنين فلها من الستة اثنان وهو الثلث وكان للأعمام من الأصل اثنان مضروبان في اثنين فهو أربعة فينقسم عليهم
القسم الثاني أن ينكسر على فريقين

ولها أحوال ثلاث
إحداها أن توافق سهام كل فريق عدد رءوس الفريقين بجزء فإن كان كذلك فرد عدد كل فريق إلى جزء الوفق
الثانية أن لا يوافق أصلا فاترك عدد كل فريق بحاله
الثالثة أن يوافق واحد دون الآخر فما وافق يرد عدد ذلك الفريق إلى الوفق وما لم يوافق فاتركه بحاله ثم إذا فرغت من ذلك فانظر إلى ما حصل ممن عدد الفريقين فإن كانا متماثلين فاطرح أحدهما واكتف بالآخر واضربه في أصل المسألة بعولها فمنه تصح المسألة
وإن لم يكونا متماثلين فانظر فإن كانا متداخلين وهو أن يكون الأقل جزءا من الأكثر لا يزيد على نصفه فاطرح الأقل واضرب الأكثر في أصل المسألة بعولها إن عالت فما بلغ فمنه تصح المسألة وإن كان متباينين فاضرب أحدهما في الآخر فما بلغ فاضربه في أصل المسألة فما بلغ صحت منه المسألة
وإن كانا متباينين فاضرب جزء الوفق من أحدهما في جملة الآخر ثم اضرب المجموع في أصل المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة مثاله
أخوان لأم وثلاثة إخوة لأب
أصل المسألة من ثلاثة لأخوي الأم واحد ينكسر عليهما ولا موافقة
ولإخوة الأب اثنان ينكسر عليهم ولا موافقة فاضرب عدد ولد الأم وهواثنان في عدد ولد الأب وهو ثلاثة فبلغ ستة فاضربها في أصل المسألة وهو ثلاثة فيبلغ ثمانية عشر فمنه تصح المسألة
كان لولد الأم من الأصل سهم في ستة يكون لهما ستة لكل واحد منهما ثلاثة وكان لولد الأب سهمان في ستة يكون اثني عشر لكل واحد أربعة
ثلاث بنات وبنت ابن وابن ابن
أصلها من ثلاثة للبنات الثلثان سهمان على ثلاثة لا يصح ولا يوافق ولأولاد الابن واحد على ثلاثة لا يصح ولا يوافق فقد وقع الكسر على جنسين إلا أنهما متماثلان فإن كل واحد من عدد الرءوس ثلاثة فتكتفي بأحدهما وتضرب في أصل المسألة وهي أيضا ثلاثة فيصير تسعة فمنها تصح
كان للبنات سهمان في ثلاثة يكون لهن ستة لكل واحدة سهمان وكان لأولاد الابن من الأصل سهم وقد ضرب في ثلاثة فيكون ثلاثة للابن اثنان وللبنت واحد
ثلاث بنات وستة إخوة لأب
أصلها من ثلاثة للبنات الثلثان سهمان على ثلاثة لا يصح ولا يوافق
الباقي للإخوة وهم ستة منهم على ستة لا يصح ولا يوافق وأحد الجنسين يدخل في الآخر أعني الثلاثة في الستة فيكتفي بالستة ويضرب في أصل المسألة وهي ستة فيبلغ ثمانية عشر فمنها تصح وطريق القسمة ما مضى
زوج وثمانية إخوة لأم وتسع أخوات لأب
أصلها من ستة وتعول إلى تسعة للزوج النصف ثلاثة وللإخوة للأم سهمان على ثمانية لا يصح ولكن يوافق بالنصف فيرد عدد رءوسهم إلى الوفق فتعود إلى أربعة
وللأخوات الثلثان أربعة على تسعة لا تصح ولا توافق فقد انكسر على جنسين أحدهما أربعة والآخر تسعة لا مداخلة فيضرب أحدهما في الآخر فيبلغ ستة وثلاثين فنضربهما في المسألة بعولها وهي تسعة فيبلغ ثلثمائة وأربعة وعشرين
كان للزوج من الأصل ثلاثة مضروبة في ستة وثلاثين فله مائة وثمانية وكان للإخوة من الأم سهمان في ستة وثلاثين يكون لهم اثنان وسبعون بينهم على ثمانية لكل واحد تسعة وكان للأخوات أربعة في ستة وثلاثين يكون لهم مائةوأربعة وأربعون لكل واحد ستة عشر
القسم الثالث أن ينكسر على ثلاث فرق

وطريق ما سبق في الفريقين فإن وافق جميع السهام عدد الرءوس يرد عدد الرءوس إلى جزء الوفق وإن وافق البعض ترد ذلك إلى الوفق دون الباقي وإن لم يوافق بشئ فيترك بحاله
ثم ينظر بين الأعداد الثلاثة فما تماثل منها يكتفى بالواحد وما تداخل يسقط الأقل ويكتفى بالأكثر وما توافق فيضرب جزء الوفق من أحدهما في مجموع الآخر وما تباين فنضرب أحد الأعداد في الثاني فما بلغ فيضرب في الثالث فما بلغ فهو المبلغ الذى يضرب فيه أصل المسألة
وهكذا القياس في الانكسار على أربع فرق وهو القسم الرابع ومعرفته من القياس الذى ذكرناه واضح
الفصل الثالث في حساب الخناثى

وطريقه أن تصحح الفريضة بتقدير الأنوثة ثم بتقدير الذكورة ثم تطلب المماثلة والمداخلة والموافقة
فإن تماثلا فيكتفي بأحدهما وإن تداخلا فيكتفي بالأكثر فإن توافق فترده مثاله
ولدان خنثيان وعم
فالاحتمالات أربعة
أن يكونا ذكرين فالمسألة من اثنين
أو يكونا أنثيين فالمسألة من ثلاثة
أو يكون الأكبر ذكرا والأصغر أنثى فالمسألة من ثلاثة
أو بالعكس فالمسألة من ثلاثة
فقد تحصلنا على اثنين وعلى ثلاث مرات فيكتفي بواحدة ويضرب الاثنين في الثلاثة فيصير ستة فيصح المسألة
فيصرف أربعة إليهما لكل واحد سهمان ويتوقف في سهمين بينهما وبين العم فإن ظهر ذكورة واحد سلمنا واحدا من السهمين إليه فإن بان أنوثة الثاني يسلم الباقي إلى الأخ وإن بان ذكورته سلم إليه
أما إذا كانوا ثلاثة فيتضاعف الاحتمال بكل واحد يزيد فإن كان الاحتمال في اثنين أربعا ففي الثلاثة ثمانية ولكن لا يختلف الحكم بأربعة منها ينشأ من الأصغر والأكبر
فالاحتمالات المعتبرة أربعة
أو يكونوا ذكورا فالمسألة من ثلاثة
أو يكونوا إناثا فالمسألة أيضا من ثلاثة وتصح من تسعة
أن يكون ذكر وأنثيان فتصح من أربعة
أو أنثى وذكران فيصح من خمسة
فقد تحصلنا على أربعة أعداد ثلاثة وأربعة وخمسة وتسعة إلا أن الثلاثة داخلة في التسعة فنسقطها فيبقى ثلاثة أعداد فنضرب خمسة في أربعة فيصير عشرين فنضرب العشرين في التسعة التي هى العدد الثالثفيصير مائة وثمانين فمنها تصح المسألة بكل تقدير يفرض
ولو كان خنثى وولد ابن خنثى وعصبة
فالأحوال أربعة
أن يكونا ذكرين فالمسألة من واحد
أو أنثيين فالمسألة من ستة
أو الأعلى ذكرا والأسفل أنثى فالمسألة من واحد إذا المال للأعلى
أو بالعكس فالمسألة من اثنين
فقد تحصلنا على اثنين وستة وعلى واحد مرتين فيكتفي بأحدهما والاثنان داخل في الستة وكذا الواحد فتصح الفريضة من ستة يصرف إلى ولد الصلب النصف وهو ثلاثة فإنه أضر أحواله
فإن بان ذكورته صرف إليه الباقي وإن بان ذكورة الأسفل دون الأعلى لم نصرف إليه شيئا لاحتمال أن الأعلى ذكر
وإن بان أنوثة الأعلى دون الأسفل صرف إلى الأسفل في الحال سهم لأن أضر أحواله أن يكون أنثى فيستحق الواحد ولا يصرف إلى العصبة شئ مادام يمكن أن يكون أحدهما ذكرا
الفصل الرابع في حساب المناسخات

وصورة هذا الباب أن يموت إنسان فلا يقسم ميراثه حتى يموت بعض ورثته وربما لا يقسم حتى يموت ثالث ورابع وخامس
ومطلوب الباب تصحيح مسألة الميت الأول من عدد ينقسم نصيب كل ميت منه بعده على مسألته
ولو أفرد مفرد كل مسألة بحسابها لم يكن وافيا بمقصود المسائل فإن فرضه قسمة المسائل على حساب واحد من جهة أن التركة واحدة في غرض السؤال
فالأصل في حساب الباب أن تنظر فإن كان ورثة الميت الثاني والثالث ومن بعدهم ورثة الميت الأول وكان ميراثهم من كل واحد على سبيل في ميراثهم الميت الأول وذلك بأن يكونوا عصبة لكل واحد منهم فاقسم مال الميت الأول بين الباقين من الموتى كأنه ما خلف غيرهم وإن كانوا ذكورا فبالسوية وإن كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين مثاله
خلف الميت أربع إخوة وأختين ثم مات أخ ثم مات أخ آخر ثم ماتت أخت وكل ذلك قبل قسمة التركة
فينقسم المال للأول والثاني والثالث والرابع على أخوين وأخت بينهم على خمسة أسهم كأن كل واحد منهم ما خلف إلا أخوين وأختا
فإن كان ورثة الميت الثاني يرثون منه خلاف ميراثهم من الأول أو ورثوا من الثاني ولم يرثوا من الأول فصحح مسألة كل واحد من الميتين واستخرج نصيب الميت الثاني من مسألة الميت الأول والنظر فإن كان نصيبه يصح على مسألته فقد صحت المسألتان مما صحت منه مسألة الميت الأول مثاله
امرأة ماتت وخلفت زوجا وأخوين من أم ثم مات الزوج وخلف ابنا وبنتا
فإن المسألة الميت الأول تصح من ستة للزوج النصف ثلاثة ولأخويها الثلث سهمان
ثم مات الزوج عن ابن وبنت ومسألته من ثلاثة ونصيبه من المرأة ثلاثة وهي صحيحة على مسألته فاقسم مال الميت الأول على ستة سهمان لأخويها وسهمان لابن زوجها وسهم لبنت زوجها وما يبقى منهم للعصبة
وإن كان نصيب الميت الثاني من مسألة الميت الأول لا يصح على مسألته فانظر فإن لم يوافقها بجزء فاضرب مسألة الميت الثاني في مسألة الميتالأول فما بلغ فمنه تصح المسألتان
فمن كان له من المسألة الأولى شئ أخذه مضروبا في المسألة الثانية ومن كان له من المسألة الثانية شئ أخذه مضروبا في نصيب مورثه عن الميت الأول ومثاله
زوج وأخوان لأم وواحد من العصبات ثم مات الزوج وخلف خمس بنين
فمسألة الميت الأول من ستة ومسألة الميت الثاني من خمسة ونصيبه من الأول ثلاثة فلا تصح على خمسة ولا توافق فتضرب المسألة الثانية وهي خمسة في المسألة الأولى وهي ستة فيبلغ ثلاثين ومنها تصح المسألتان
كان لأخوين من الأول سهمان في خمسة فيكون لهما عشرة وكان لبني الزوج من الثانية خمسة مضروبة فيما مات عنه الزوج وهو ثلاثة يكون لهم خمسة عشر لكل واحد منهم ثلاثة وكان للعصبة من الأولى سهم في خمسة ففي المسألة الثانية يكون لهما خمسة وقد تمت القسمة
وإن كان نصيب الميت الثاني من المسألة الأولى لا يصح على مسألته ولكن يوافق بجزء فاضرب وفق المسألة الثانية لا وفق النصيب في المسألة الأولى فما بلغ فمنه تصح المسألتان
ومن له من المسألة الأولى شئ أخذه مضروبا في وفق المسألة الثانية ومن لهمن المسألة الثانية شئ أخذه مضروبا في وفق نصيب مورثه من الميت الأول
مثاله زوج وجد وأم وثلاث إخوة لأب ثم مات الزوج وخلف ستة بنين
فمسألة الميت الأول تصح من ثمانية عشر ونصيب الزوج منها تسعة ومسألته من ستة والتسعة لا تصح على ستة ولكن يوافقها بالثلث فاضرب ثلث الستة لا ثلث التسعة وهو اثنان في المسألة الأولى وهي ثمانية عشر فتبلغ ستة وثلاثين فمنها تصح المسألتان
للأم من المسألة الأولى ثلاثة مضروبة في اثنين وهو وفق الستة فيكون لها ستة وكان للجد من الأولى ثلاثة مضروبة في اثنين فله ستة وللإخوة من الأولى ثلاثة مضروبة في اثنين فيكون لهم ستة لكل واحد منهم اثنان
وكان لبني الزوج تسعة مضروبة في اثنين فلهم ثمانية شعر ولكل واحد من البنين من المسألة الثانية واحد مضروب في جزء وفق نصيب مورثه من الميت الأول وهي ثلاثة فيكون المبلغ ثمانية عشر لكل واحد ثلاثة
وعلى هذا فقس إن مات ثالث ورابع وخامس قبل قسمة مال الميت الأولفصحح مسألة كل واحد منهم فإن كان نصيب كل واحد منهم يصح على مسألته فقد صحت المسائل كلها مما صحت منه المسألة الأولى
وإن لم يصح ولم يوافق فاضرب المسألة الثالثة فيما صحت منه المسألتان الأوليان وإن كان في الثالثة وفق فاضرب وفق المسألة فيما صح منه الأوليان وهكذا فافعل بالرابع والخامس وما زاد عليه فما بلغ منه تصح المسائل كلها
فإذا أردت القسمة فتعرف ما يتحصل لكل واحد بعد كثرة الضرب وتكرره
فطريقه أن تضرب سهام ورثة الميت الأول في مسائل المتوفين بعده مسألة بعد مسألة إن لم تكن سهامهم انقسمت عليهم ولا وافقها
وإن انقسمت سهام بعضهم على مسألته فلا تضربه في تلك المسألة واضربه في بقايا المسائل وإن وافقت سهام بعضهم مسألته فاضربه في وفق تلك المسألة فما بلغ فهو نصيبه
ومن له من المسألة الثانية أو الثالثة أو الرابعة شئ فاضربه فيما مات عنه مورثه
أو في وفقه أعني وفق النصيب ثم ما بلغ فاضربه في مسائل المتوفين بعده مسألة بعد مسألة أو في وفقها أعني وفق المسألة إن كان من جملتها ما وافق السهام فيه المسألة على الشرط المذكور في الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه من الميت الأول مثاله امرأة وأم وثلاث أخوات متفرقات
المسألة من خمسة عشر عائلا
ماتت الأم وخلفت زوجا وعما وبنتين وهما الأختان من الأخوات المتفرقة في المسألة الأولى ومسألتها من اثني عشر وفي يدها سهمان وافق مسألتها بالنصف فاضربه نصف مسألتها وهي ستة في المسألة الأولى تكون تسعين
ثم ماتت الأخت من الأب وخلفت زوجا وأما وبنتا وأختا لأب هى واحدة الأخوات في أصل المسألة ومسألتها من اثني عشر ولها من المسألة سهمان مضروبان في وفق الثانية وهي ستة يكون اثني عشر وذلك منقسم على مسألتها فصحت المسائل الثلاثة من تسعين
للمرأة من الأولى ثلاثة مضروبة في ستة يكون ثمانية عشر
وللأخت للأم من الأولى سهمان في ستة يكون اثني عشر ولها أيضا من الثانية أربعة في واحد فجميع ما لها ستة عشر
وللأخت من الأب والأم من الأولى ستة في ستة ومن الثانية أربعة في واحد وواحد وهو ما يخرج من قسمته من سهام الثالث على مسألتها فجميع مالها واحد وأربعون
ولزوج الثانية ثلاثة في واحد ولعمها سهم في واحد
ولزوج الثالثة ثلاثة في واحد ولبنتها ستة في واحد ولأمها سهمان في واحد مثال آخر
امرأة وابن وبنت وأخ من أب فمات الابن وخلف من خلف أبوه وهم أمه وأخته وعمه ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا ومن خلفت ثم ماتت المرأة وخلفت زوجا وأخا
فالمسائل الأربعة كلها تصح من مائة وأربعة وأربعين على ما ذكرنا في مراسم الحساب فلا نطول بتفصيله
الفصل الخامس في قسمة التركات

ومضمون هذا الباب قسمة التركات إذا كانت التركة مقدرة بكيل أو وزن فإن لم تكن التركة كذلك فما نحاوله في الباب يجري في تقديره قيمة التركة
وهذا الباب كثير الفائدة وكأنه ثمرة الحساب في الفرائض فإن المفتي قد يصحح المسألة من الألف والتركة مقدار نزر فكيف يفيد كلامه بيانا ونحن نذكر مثالين
أحدهما أن لا يكون في التركة المخلفة كسر
والثاني أن يكون فيها كسر
فإن لم يكن فيها كسر فالوجه أن تبين سهام الفريضة أولا وتعرف العدد الذى منه تصح المسألة كما تمهد ذلك فيما سبق ثم تنظر إلى التركة وتأخذ سهام كل واحد من الورثة من جملة العدد الذى صحت المسألة منه وتضربها في التركة فما بلغ قسم على العدد الذى تصح منه المسألة فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث
ولا فرق بين أن يكون في المسألة عول وبين أن لا يكون فيما عول مثال ذلك
أربع زوجات وثلاث جدات وست أخوان لأب والتركة خمسة وستون دينارا
أصل المسألة من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشر وتصح من مائة وستة وخمسين
فنقول حصة كل زوجة من العدد الذى صحت فيه المسألة منه تسعة فاضرب تسعة في التركة وهي خمسة وستون فبلغ خمسمائة وخمسة وثمانين فنقسمهما على الأصل الذى منه تصح المسألة وهو مائة وستة وخمسون فيخرج ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار فهو نصيب كل واحدة من الزوجات من جملة التركة
ونصيب كل جدة من الأصل ثمانية فاضربها في التركة فما بلغ فاقسمها على الأصل فيخرج لكل واحدة منهن ثلاثة دنانير وثلث فهو نصيب كل جدة
فكان لكل أخت من الأصل ستة عشر فاضربها في التركة فما بلغ فاقسمها على الأصل فيخرج لكل واحدة منهن ستة دنانير وثلثان
وهذه الطريقة كافية في الباب
هذا إذا لم يكن في التركة كسر فأما إذا كان فيها كسر فنبسط التركة حتى تصيرمن جنس كسرها وذلك بأن تضرب الصحيح في مخرج كسره وتزيد عليه كسره فما بلغ فكأنه هو التركة صحاحا فيقسم كما بيناه فيما تقدم
فما خرج لكل واحد منهم من القسمة والضرب نقسمه على مخرج ذلك الكسر الذى جعلناه الكل من جنسه فما خرج فهو نصيبه مثاله في الصورة التى ذكرناها
كانت التركة خمسة وستين دينارا وثلثا فابسطها أثلاثا تكون مائة وستة وتسعين دينارا فكأن التركة مائة وستة وتسعون دينارا فاقسمها بين أربع زوجات وثلاث جدات وست أخوات فما خرج لكل واحد من الورثة من العدد المبسوط فاقسمه على ثلاثة فما خرج نصيبا للواحد فهو نصيب الواحد من الجنس الذى تريد
وقد أكثر الأصحاب في ذكر الطرق فيه وفيما ذكرناه كفاية والله أعلم وأحكم
كتاب الوصايا

الوصية عبارة عن التبرع بجزء من المال مضاف إلى ما بعد الموت
وقد كانت واجبة في ابتداء الإسلام فنسخ بآية المواريث
وهي الآن جائزة في الثلث لما روي أنه صلى الله عليه وسلم عاد سعدا وهو مريض فقال
أوصي بجميع مالي فقال لا فقال بالشطر فقال لا فقال بالثلث فقال الناس والثلث كثير لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون وجوه الناس
فأفاد الحديث المنع مع الزيادة واستحباب النقصان من الثلث إن كانت الورثة فقراء
ثم الأحب في الصدقات التعجيل في الحياة
ثم سئل عليه السلام عن أفضل الصدقة فقال
أن تتصدق وأنت صحيحشحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا
فإن اختار الوصية فالأولى المبادرة قال صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم عنده شئ يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده
هذا تمهيد الكتاب ومقاصده تحصرها أبواب أربعة
الباب الأول في أركان الوصية
وهي أربعة
الركن الأول الموصي

والوصية تصح من كل مكلف حر لأنه تبرع فلا يعتبر فيه إلا ما يعتبر في التبرعات فلا تصح من المجنون والصغير الذى لا يميز
وتصح من السفيه المحجور عليه بسبب التبذير لأن عبارته نافذة في الطلاق والأقارير
وفي وصية الصبي وتدبيره قولان
أحدهما وهو مذهب عمر رضي الله عنه صحته لأنه تصرف لا يضر به في الحال والمآل ولها شبه بالقربات
والثاني لا يصح لفساد عبارته ولذلك بطل بيعه وإن وافق العطية
والوصية تمليك فشبهه بالتصرفات أكثر
وفي طريقة العراق طرد القولين في المبذر أيضا
أما الرقيق فكيف يوصى ولا مال له
ولكن لو أوصى ثم عتق وتمول فالأظهر أنه لا ينفذ إذ لم يكن أهلا له حالة العقد
وفيه وجه آخر أنه ينفذ إذ كانت عبارته صحيحة وقد تيسر الوفاء بها عند الحاجة
أما الكافر فيصح وصيته كالمسلم ولكن لو أوصى بما هو معصية عندنا كبناء الكنائس البيع أو الخمر والخنزير لإنسان ورفع البناء رددناها عندنا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم نفذناه لأن كل قبر يزار فعمارته إحياء زيارته ويجوز ذلك في قبور مشايخ الإسلام أيضا
الركن الثاني الموصى له

والنظر في العبد والدابة والحربي والقاتل والحمل والوارث أما العبد
فالوصية له صحيحة فإن كان حرا حال القبول ملك وإن كان رقيقا انصرف إلى سيده
وفي افتقار قبوله إلى إذن السيد خلاف كما في اتهابه
فإن قلنا يعتبر رضاه فلو قبله السيد بنفسه ففيه خلاف
ووجه المنع أن اللفظ تعلق بالعبد فلا ينتظم قبول غيره
فرعان

أحدهما أوصى لعبد وارثه
فإن عتق قبل موته صح قبوله وإن كان رقيقا لم يصح لأنه يصير ذريعة إلى الوصية إلى الوارث
وإن عتق بعد الموت وقبل القبول وقلنا إنه يملك الوصية بالقبول صح وإن قلنا بالموت فلا
وكذا إذا كان الوارث قد باعه من أجنبي بعد الموت وقبل القبول يخرج عليه
هذا ما يظهر لي في القياس
وأطلق الأصحاب القول بأن الوصية لعبد الوارث باطلة من غير هذا التفصيل لأن وصية لوارث
الثاني إذا أوصى لأم ولده جاز لأنها حرة بعد موته
وكذا إن أوصى لمدبره إن عتق من الثلث وإلا فهو وصية لعبد الوارث فلا يصح
وإن أوصى لمكاتبة صح إذ يتصور منه الاستقلال بالملك وكذا الوصية لمكاتب الوارث إلا إذا رق المكاتب فترجع الوصية إلى الوارث فيبطل أما الدابة
فإذا أوصى لها ثم فسر بإرادة التمليك فهي باطلة
وكذا إن أطلق لأن الإطلاق يقتضي التمليك ولا يتصور ذلك للدابة بخلاف العبد فإنه أهل لأسباب الملك وإن لم يستقر عليه الملك وإن قال أردت صرفه في علفها فصحيح وهل يفتقر إلى قبول المالك فوجهان
أحدهما أنه لا يفتقر وهو اختيار أبي زيد المروزي وكأنها وصية للدابة ولكل كبد حرى أجر
وقال صاحب التلخيص لا بد من القبول إذ يبعد أن يوقف على عبيد الإنسان ودوابه دون رضاه
فإن قلنا لا بد من القبول فإذا قبل فهل يسلم إليه وجهان
أحدهما نعم لأنه لا يتعين على المالك صرفه إلى الدابة وهو اختيار القفال وكأنه جعل الدابة كالعبد
والثاني أنه يتعين على الوصي صرفه إلى دابته فإن لم يكن وصي فالقاضي يصرف أو يكلف المالك بعد قبوله ذلك
فرعان

أحدهما أنه لو قال خذ هذا الثوب وكفن فيه مورثك
قال القفال للوارث إبداله تفريعا على أن الكفن للمالك والإضافة إلى المورث تمليك له وهذا أبعد مما ذكره في الدابة وذلك أيضا بعيد بل الصحيح هاهنا أن هذه عارية في حق الميت
الثاني لو قال وقفت على المسجد أو أوصيت للمسجد وقال أردتتمليك المسجد فباطل
وإن قال أردت صرفه إلى مصلحته فصحيح
وإن أطلق قال الشيخ أبو علي هو باطل لأن المسجد لا يملك كالبهيمة وهذا في المسجد بعيد لأن العرف ينزل المطلق على صرف المنافع إلى مصلحته أما الحربي
فتصح الوصية له كما يصح البيع منه والهبة
وكذا المرتد والذمي
ونقل صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضي الله عنه بطلان الوصية للحربي وعلل بانقطاع الموالاة وهو ضعيف إذ لا معنى لشرط الموالاة في الوصية وإن روعيت في الإرث
ولو أوصى المسلم أو الذمي لسلاح أهل الحرب أو البيعة أو للكنيسة فهو فاسد لأنها معصية بخلاف الوصية لحربي معين فإن الهبة منه ليس بمعصية أما القاتل
ففي الوصية له ثلاثة أقوال
أحدها المنع قياسا على الإرث فإنه لما عصى بالتوصل إلى السبب عوقب بنقيض قصده وقطع عنه ثمرته والوصية أيضا ثمرة الموت
والثاني الصحة لان السبب هو التمليك دون الموت وهو اختيار من جهته فأشبه المستولدة إذا قتلت سيدها ومستحق الدين إذا قتل من عليه الدين فإنها تعتق إذ عتقها باختيار الاستيلاد
والثالث أنه إن أوصى أولا ثم قتل انقطعت الوصية لأنه استعجال وإن خرج ثم أوصى له جاز
أما المدبر إذا قتل سيده
فإن قلنا التدبير وصية فيخرج على الأقوال
وإن قلنا إنه تعليق عتق نصفه فتشبيهه بالمستولدة أولى
فإن قلنا الوصية للقاتل باطل فهل تنفذ بإجازة الورثة فيه خلاف كما في إجازة الوصية للورثة
ولو أوصى لعبد القاتل كان كما لو أوصى لعبد الوارث
ولو أوصى لعبد وهو قاتل صح لأن مصب الملك غيره أما الحمل
فالوصية له صحيح بشرطين
أحدهما أن ينفصل حيا فلو انفصل ميتا ولو بجناية جان فلا يستحق إذ كنا نعطيه حكم الأحياء لتوقع مصيره إلى الحياة
الثاني أن يكون موجودا حالة الوصية وذلك بأن ينفصل لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية
فإن انفصل لأكثر من أربع سنين فلم يستحق
وإن كان لما بينهما نظر إن كان للمرأة زوج يغشاها لم يستحق لأن الطريان ظاهر
وإن لم يكن زوج فوجهان
ووجه الاستحقاق أن تقدير الوطء بالشبهة بعيد والزنا فلا نقدره تحسنا للظن بالمسلم
أما إذا صرح بالوصية بحمل سيكون فالظاهر المنع لأنه لا متعلق للاستحقاق في الحال وبه قطع العراقيون بخلاف الوصية بحمل سيكون
وقال أبو إسحاق المروزي يجوز كالوصية بالحمل المنتظر
ويتأيد بجواز الوقف على ولد الولد أما الوارث
فالوصية له باطلة لقوله صلى الله عليه وسلم
لا وصية لوارث
ونعني به إذا رده بقية الورثة فإن أجازوا وقلنا إجازة الورثة تنفيذ لا ابتداء عطية ففي صحة هذه الوصية بالإجازة وكذا الوصية للقاتل قولان
أحدهما لا للنهي المطلق والثاني ينفذ والنهي منزل على خلاف مراد الورثة
وروى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال
لا تجوز لوارث وصية إلا أن يشاء الورثة
فروع ستة
الأول إذا أوصى لكل واحد بمقدار حصته فهو لغو لا فائدة لا
فأما إذا خصصه بعين على مقدار حصته ففي الحاجة إلى الإجازة وجهان
أحدهما لا إذ لا وصية بزيادة مال
والثاني وهو الأصح أنه يحتاج لأن في أعيان الأموال أغراضا
وكذلك لو أوصى بأن تباع داره من إنسان تنفذ عندنا وصيته خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الثاني إذا وقف على كل واحد قدر حصته
فإن قلنا الوصية للوارث أصلا باطل ولا يتأثر بالإجازة فأصل الوقف باطل
وإن قلنا ينفذ بالإجازة فله أن يرد بقدر الزائد على الثلث وليس له إبطال الثلث فإنه لم يخصص بعض الورثة به
ومن وقف عليه لا يمكنه أن يرد نصيب نفسه فيقول خصصني فإن التخصيص يستدعي تعددا
ويظهر فهم هذا إذا كان الوارث واحدا فليقس عليه العدد أيضا
الثالث إذا أوصى بالثلث لأجنبي ووارث فرد ما للوارث فللأجنبي سدس المال لأنه أوصى لهما على صيغة التشريك
بخلاف ما إذا أوصى للوارث بالثلث ثم أوصى للأجنبي بالثلث فإنه إن رد ما للوارث سلم الثلث للأجنبي
وقال أبو حنيفة رحمه الله يسلم الثلث للأجنبي في الصورتين
الرابع أوصى للأجنبي بالثلث ولكل واحد من ابنيه بالثلث فرد ما لابنه
سلم الثلث للأجنبي إذ لا مدخل لإجازة الورثة في قدر الثلث
وعن القفال وجه أنه يسلم للأجنبي ثلث الثلث لأن ثلثه شائع في الأثلاث وهو مزيف
الخامس لو أوصى للأجنبي بالثلث ولبعض الورثة بالكل وأجبزت الوصايا فللأجنبي الثلث كاملا لا يزاحمه الوارث والثلثان للوارث الموصى به هكذا حكي عن ابن سريج
ولا يبعد أن يقال إن الوارث يزاحم في الثلث بكونه موصى له لا بكونهوارثا كما لو أوصى لأجنبي بالكل ولأجنبي آخر بالثلث إذ لا يسلم الثلث لصاحب الثلث بل يزاحمه فيه
السادس أوصى لأجنبي بالنصف ولأحد ابنيه بالنصف وأجيز الكل
سئل القفال عنه ببخارى فأجاب بأن الأجنبي يفوز بالنصف والابن بالنصف فنقل له عن ابن سريج أن للأجنبي النصف وللابن الموصى له ربعا وسدسا يبقى نصف سدس للابن الذى ليس بموصى له قال القفال فتأملت حتى خرجت وجهه بالبناء على الوجهين في مسألة وهي أنه لو أوصى لأحد ابنيه بالنصف وأجيز شاطر في النصف الثاني لأنه التركة
ولو أوصى له بالثلثين فهل يشاطر في الثلث الباقي وجهان
أحدهما نعم كالصورة الأولى لأن ما أخذ بالوصية كأنه لم يكن والتركة هو الباقي فكان كما لو أوصى بالثلثين لأجنبي وأجيز
والثاني لا لأن المفهوم من الوصية له بالثلثين التخصيص له بالسدس الزائد على النصف الذى هو قدر حقه فكأنه قال لا تنازعوه في ثلثي الدار ليكون له النصف بالإرث والباقي بالوصية
فعلى هذا يستقيم مذهب ابن سريج فإن الأجنبي الموصى له بالنصف سلم له الثلث من رأس المال من غير حاجة إلى إجازة
بقي الثلثان التوريث يقتضي للابن الموصى له الثلث وقد أوصى له بالنصففخصص بمزيد فانقطع حقه عن السدس الباقي وبقي السدس خالصا للابن الذى لم يوص له
إلا أن الأجنبي بعد يطلب سدسا وقد أجازاه فيكون نصيب الابن الذى لم يوص له في ذلك إجازة نصف السدس فيأخذ منه نصف سدسه من هذا السدس ويبقى له نصف سدس ويأخذ النصف الآخر من نصيب الابن الموصى له فيكمل له النصف وينقص نصيب الموصى له بنصف سدس
وإن فرعنا على أنه يشاطر الموصى له في الباقي فالباقي سدس مشترك بين الابنين وقد أجازاه للأجنبي فيصح منه جواب القفال
الركن الثالث في الموصى به

ولا يشترط فيه أن يكون مالا فيصح الوصية بالزبل والكلب والخمر المحرمة
ولا كونه معلوما فيصح الوصية بالمجهول
ولا كونه مقدورا على تسليمه فيصح الوصية بالآبق والمغصوب والحمل وهو مجهول وغير مقدور عليه
ولا كونه معينا فتصح الوصية بأحد العبدين والأظهر أنه لا يصح الوصية لأحد الشخصين فلا يحتمل ذلك في الموصى له وإن احتمل في الموصى به وقد ذكرناه نظيره في الوقف
نعم يشترط أربعة أمور
الأول أن يكون موجودا فإن كان مفقودا كالمنافع جازت الوصية لأنها كالموجود شرعا في المعاوضة
وفي الوصية بالحمل الذى سيوجد وجهان مشهوران
أحدهما المنع إذ لا متعلق للوصية فكان كالوصية للحمل الذى سيكون فإنه ممنوع على الأظهر
والثاني الجواز كما في المنافع
وفي الثمار الذى ستحدث طريقان
منهم من ألحق بالمنافع لتكرر وجودها في العادة
ومنهم من ألحقها بالحمل الثاني أن يكون مخصوصا بالموصي
فلو أوصى بمال الغير فسد وإن ملكه بعد ذلك لبطلان الإضافة في الحال الثالث أن يكون منتفعا به
فلا تجوز الوصية بالكلب الذى لا ينتفع به ولا بالخمر المستحقة الإراقة التى اتخذت للخمرية
وتصح الوصية بالجرو إذ مصيره إلى الانتفاع
وفي هبة الكلب وجهان
أحدهما الجواز كالوصية وكأن المحرم أخذ ثمنه لقوله صلى الله عليه وسلم
الكلب خبيث وخبيث ثمنه
والثاني المنع لأن الوصية في حكم خلافه يضاهى الإرث بخلاف الهبة
نعم يجرى الإرث في حد القذف والقصاص دون الوصية لأنه لا ينتفع الموصى له به
فروع

الأول من لا كلب له إذا أوصى بكلب لا يصح لأنا نحتاج إلى شرائه وهو غير ممكن
وإن كان له كلاب ففي كيفية خروجه من الثلث خلاف
قال الشيخ أبو علي إن ملك شيئا آخر ولو دانقا يصح الوصية لأنه خير من كل الكلاب إذ لا قيمة للكلب
وقال العراقيون لا ينفذ إلا في ثلث الكلاب وكأنه كل ماله إذ لا يمكن نسبتهإلى سائر الأموال
ثم إذا لم يكن له إلا كلاب وأوصى بالكلب فثلاثة أوجه
أحدها أنه ينظر إلى العدد فإن ملك ثلاثة كلاب نفذت وصيته بواحدة
ومنهم من قدر قيمة الكلب
ومنه من قدر الثلث بتقدير المنفعة فإنه منتفع به
وإذا كان له خمر وكلب وطبل لهو فأوصى بواحد فلا يمكن إلا تقدير القيمة إذ لا مناسبة في العدد والمنفعة
الثاني إذا أوصى بطبل لهو وكان يصلح للحرب بأدنى تغيير مع بقاء اسم الطبل صحت الوصية
ولو كان لا ينتفع به إلا برضاضه لا يصح لأنه لا يقصد منه الرضاض إلا إذا كان من ذهب أو عود أو شئ نفيس فيصح لأنه المقصود
ولو قال أوصيت برضاض هذا الطبل صح وتقديره أنه له بعد الكسر
والوصية تقبل التعليق بخلاف البيع
الشرط الرابع أن لا يكون الموصى به زائدا على الثلث لقصة سعد

فإن زاد على الثلث ولم يكن له وارث فالوصية بالزيادة باطلة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لأن الزيادة للمسلمين ولا مجيز له
نعم لو رأى القاضي مصلحة في تلك الجهة جاز له تقريرها فيها
وإن كان له وارث ففي بطلان الوصية من أصلها قولان كما في أصل الوصية للوارث
فإن قلنا إنها باطلة فالإجازة إن فرضت فهي ابتداء عطية تفتقر إلى القبض والقبول
وهل ينفذ بلفظ الإجازة فيه وجهان
أحدهما لا لأنه ينبني على تقرير ما سبق ولا ثبات لما سبق
والثاني أنه يصح ومعناه تقرير مقصود ما سبق بإثبات مثله
وعلى هذا إذا كان الوصية عتقا كان الولاء للوارث
وإن قلنا إنها صحيحة فالإجازة يتقيد والولاء للمورث
وكل تبرع منجز في مرض الموت فهو أيضا محسوب من الثلث
وكذا إذا وهب في الصحة ولكن أقبض في المرض
وهذا يستدعي بيان ثلاثة أمور الأول مرض الموت
وهو كل مرض مخوف يستعد الإنسان بسببه لما بعد الموت كالطاعون والقولنج وذات الجنب والرعاف الدائم والإسهال المتواتر وقيام الدم والسل في انتهائه والفالج الحادث في ابتدائه والحمى المطبقة لأن هذه الأمراض يظهر معها خوف الموت
أما السل في ابتدائه والفالج في انتهائه والجرب ووجع الضرس والصداع اليسير وحمى يوم ويومين فكل ذلك ليس بمخوف
فإذا هجم المرض المخوف حجرنا عليه في التصرف فيما يزيد على الثلث وتوقفنا في تبرعاته
فإن زال نفذناه وتبينا صحته
وإن كان غير مخوف كوجع الضرس وآخر الفالج فالتصرف نافذ
وإن مات عند ذلك فجأة أو بسب آخر لا بذلك السبب فلا يمتنع به التبرعات المنجزة
فأما حمى يوم ويومين وإسهال يوم ويومين فهو إذا دام صار مخوفا وابتداؤه مشكل فلا يحجر عليه فإن دام ومات تبينا فساد التصرف إذ بان أن الأول كان مخوفا
وما أشكل من ذلك يتعرف من طبيبين مسلمين لا من أهل الذمة
فأما إذا كان في الصف وقد التحم الفريقان أو كان في البحر وقد تموج أو في أسر كفار عادتهم قتل الأسارى أو قدم للقتل في قطع الطريق أو الرجم للزنا أو ظهر الطاعون في بلد ولكن بعد لم يظهر في بدنه شئ ففي تبرعه في هذه الأحوال قولان
أحدهما أنه كالمريض المخوف لأنه سبب ظاهر في الاستعداد لما بعد الموت
والثاني أنه كالصحيح إذ لا يمس بدنه شئ ولا ضبط لما قبل تغير البدن للأسباب
أما إذا قدم للقصاص فالمنصوص أنه لا تعتبر عطيته من الثلث ما لم يخرج
وقال أبو إسحاق المروزي هو كالأسير وقع في يد قوم عادتهم القتل
وفهم من فرق بأن المسلم الغالب عليه الرحمة والعفو في القصاص
وأما الحامل فليس بمخوف قبل أن يضربها الطلق فإن ضربها الطلق فهو مخوف
ومنهم من قال لا لأن السلامة منه أكثر الأمر الثاني حد التبرع
وهو إزالة الملك عن مال مجانا من غير وجوب
فالعتق والصدقات تبرع
والزكاة والكفارة الواجبة والحج الواجب ليس بتبرع فما أوصى به لها فهو من رأس المال
وكذا قضاء الديون لأن ذلك يستند إلى وجوب
فرعان

أحدهما إذا باع بثمن المثل نفذ وإن كان من الوارث
وكذلك إذا قضى دين بعض الغرماء لم يكن للباقي المنع
وخالف أبو حنيفة رحمه الله فيه وفي البيع من الوارث
أما إذا كان في البيع محاباة فقدر المحاباة حكمه حكم التبرعات
وكذلك إذا نكح امرأة بأكثر من مهر المثل فالزيادة تبرع محسوب من الثلث
الثاني إذا نكحت المرأة بأقل من مهر المثل لم يحسب من الثلث لأنها لم تنزل إلا عن البضع والبضع ليس بمال لو أجر عبيده ودوابه مع المحاباة فهو تبرع لأنه مال
ولو أجر نفسه وحابى فيه وجهان
أحدهما أنه تبرع كمنافع العبيد فإن منفعته مال
والثاني لا لأنه لا يعد مالا يطمع فيه الوارث فيشبه بضع المرأة من هذا الوجه وكان ذلك يعد امتناعا عن الاكتساب لا تفويتا الأمر الثالث في كيفية الاحتساب من الثلث
ووجهه أنه إن كانت التبرعات كلها منجزة في المرض فيقدم الأول فالأول
فإن كان الأول هبة والثاني عتقا قدمت الهبة لأنه استوفى الثلث بها فسقط العتق بعده
وقال أبو حنيفة رحمه الله إنهما يتساويان إذ لهذا قوة العتق ولذاك قوة التقدم
أما إذا كانت متساوية فإن كان الكل هبة ومحاباة فتوزع عليهم الثلث على نسبة أقدارها
وإن كان الكل عتقا أقرع بين العبيد ولم يوزع حذارا من التشقيص بخلاف الهبة ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم أقرع بين ستة أعبد أعنقهم مريض وجزاهم ثلاثة أجزاء فأرق أربعا وأعتق اثنين
وإن اجتمع الهبة والعتق في حالة واحدة بقول وكيل أو بإضافة الكل إلى ما بعد الموت ففي تقديم العتق قولان
أحدهما لا للتساوي في وقت الاستحقاق
والثاني نعم لأن العتق يزحم ملك الغير بالسراية
وفي إلحاق الكتابة بالعتق في استحقاق تقديمها على المحاباة خلاف
أما إذا أضيف الكل إلى ما بعد الموت فلا ينظر إلى ما تقدم في بعض الوصايا لأن وقت اللزوم واحد في الكل وإنما يبقى النظر في تقديم العتق على غيره
ولو أوصى بعتق عبد وعلق عتق آخر على الموت فلا تقديم لأحدهما بحال
فروع

الأول إذا كان له عبدان غانم وسالم فقال لغانم إن أعتقتك فسالم حر ثم أعتق غانما والثلث لا يفي إلا بأحدهما يعتق غانم ولا يقرع بينهما إذ ربما تخرج القرعة على سالم فيؤدي إلى أن يعتق دون عتق عانم ويكون ذلك تحصيلا للمسبب دون السبب وهو محال
أما إذا كان له سوى غانم عبدان فعلق عتقهما بعتق غانم ووفى الثلث بغانم وبأحدهما عتق غانم وأقرع بينهما فمن خرجت قرعته عتق
الثاني إذا ملك جارية حاملا ومجموع ماله ثلثمائة والولد من الجملة مائة والأم خمسون
فقال إن أعتقت نصف الحمل فالأم حرة ثم أعتق نصف الحمل عتقخمسون وبقي لنا خمسون إلى تمام الثلث مردد بين النصف الآخر من الولد بالسراية أو الأم بالتعليق فيقرع بينهما فإن خرجت على الولد عتق كله ورق الأم
وإن خرج على الأم لا يمكن إعتاق كلها إذا يبقى بعض الولد رقيقا مع عتق كل الأم والولد في حكم عضو من أعضائها لا يقبل عتقه الانفصال عن عتقها فيعتق بقدر خمسين منها على نسبة واحدة ويحكم بعتق نصف الأم وهو خمس وعشرون ليقتضي ذلك عتق نصف الولد وهو خمسون
ولكن يخص النصف الحر منه النصف فيبقى للنصف الرقيق النصف وهو قدر خمس وعشرين فيعتق إذا من الأم نصفها ومن الولد ثلاثة أرباعه نصف بالمباشرة وربع بسراية عتق الأم
الثالث إذا أوصى بعبد لإنسان وهو ثلث ماله وثلثا ماله غائب فلا نسلم العبد إذ المال ربما يتلف فيكون العبد كل المال
وهل يسلم ثلث العبد ليتسلط عليه فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه أقل أحواله
والثاني لا فإن حق الشرع أن لا يتسلط الموصى له على شئ إلا ويتسلط الوارث على مثليه وهاهنا ليس يمكن تسليط الوارث على الثلثين من العبد فإنه ربما يسلم للموصى له
فإن استبهم خبر المال الغائب وتواطئا على إشاعة الوصية في جميع المال حتى يصير العبد مثلثا بينهم لم يكن لهما ذلك لأنه نقل الوصية من عين إلى غيره
وقال مالك يجوز ذلك للمصلحة
ولو أعتق عبدا وهو ثلث ماله أو دبره وثلثا ماله غائب ففي تنفيذ العتق في ثلث العبد الخلاف الذى ذكرناه بعينه في الوصية
الركن الرابع الصيغة

وهو الإيجاب والقبول
أما الإيجاب فقوله أوصيت له أو أعطوه أو جعلت هذا له أو ملكته بعد الموت
ولو قال عينت هذا له فكناية والوصية تنعقد بها عند النية فإنه إذا قبل التعليق بالإغرار فبأن يقبل الكناية أولى
ولو قال وهبت هذا منه ونوى الوصية ففي كونه كناية وجهان ووجه المنع أنه صريح في اقتضاء ملك ناجز
ولو قال هذا لفلان ثم قال أردت الوصية لم يقبل لأنه صيغة إقرار إلا أن يقول هذا من مالي لفلان
أما القبول فلا بد منه ولكن بعد الموت فلا أثر لقبوله ورده قبل موت الموصى
وإن مات الموصى له قبل القبول قام وارثه مقامه لأنه حق التملك فهو بالإرث أولى من الشفعة
وإن قبل الموصى له ثم رده قبل القبض ففي نفوذ رده وجهان
أحدهما لا إذ تم ملكه بالقبول بعد الموت
والثاني نعم لأنه ملك بغير عوض فيتطرق الرد إليه
هذا إذا أوصى لمعينين أما إذا أوصى للفقراء أو لجهة عامة لزم بالموت إذ لا يتصور شرط القبول فيه
ثم اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في وقت حصول الملك على ثلاثة أقوال
الأول أنه يحصل بالموت لأنه أضاف إلى الموت
والثاني بالقبول إذ يبعد أن يدخل الشئ في ملكه قهرا
والثالث وهو الأصح أنه موقوف فإن قبل تبين حصوله بالموت وإن رد تبين أنه لم يحصل من أصله
فإن فرعنا على أنه يحصل بالقبول فهو قبل القبول ملك الوارث أو ملك الميت فيه وجهان
ومنشأ التردد أن في إضافته إلى كل واحد منهما نوع استحالة إذ لا ملك لميت ولا ميراث إلا بعد الوصية
ويتفرع على الأقوال مسائل خمسة

الأولى إذا حدثت زيادة قبل القبول فهي للموصى له على كل قول إن قبل الوصية إلا إذا فرعنا على أن الملك يحصل بالقبول ففيه وجهان
أحدهما أنه له نظرا إلى القرار
والثاني لا إذ حدث قبل قبوله وملكه
وعلى هذا إن قلنا إن الملك للميت فتقضى منه الديون وإن قلنا للوارث فلا إذ الصحيح أن وثيقة الدين لا يتعدى إلى الزيادة كوثيقة الرهن
أما إذا رد فالزيادة من التركة بكل حال إلا إذا فرعنا على أن الملك يحصل بالموت ففيه وجهان أحدهما أنه يتبع الأصل في الرد
والثاني أنه يبقى على ملك الموصى له لأنه حصل على ملكه فهو كزيادة المبيع
الثانية النفقة والمؤن وزكاة الفطر بين الموت والقبول على الموصى له إن قبل عل كل قول وعلى الوارث إن رد على كل قول
ولا يعود الوجه المذكور في الزيادات وإن كان يحتمل أن يقال الغرم في مقابلة الغنم ولكن إدخال شئ في الملك قهرا أهون من إلزام مؤنة قهرا
فرع

مهما توقف في القبول والرد مع الحاجة إلى النفقة كلف النفقة قهرا فإن أراد الخلاص فليرد
وإن لم يكن إلى النفقة حاجة ولكن أراد الوارث أن يستقر الأمر معه فيطالب بالقبول أو الرد
فإن توقف حكم عليه بالرد لأجل المصلحة فيقال إما أن تقبل أو نحكم عليك بالرد إن توقفت
الثالثة إذا كان الموصى به زوجة الموصى له
فإن قبل انفسخ النكاح
وإن رأينا الوقف كان بطريق التبين من وقت الموت
وإن رد لم ينفسخ إلا إذا فرعنا على أنه يملك بالموت فيفسخ وإن كان الملك ضعيفا لأن ملك اليمين يضاد ملك النكاح
وإن كانت زوجة الوارث
فإن قبل الموصى له لم ينفسخ نكاحه إلا إذا فرعنا على أنه يملك بالقبول وأنه قبل القبول للوارث ففيه وجهان
ووجه بقاء النكاح ضعف الملك مع أن الاختيار إلى غيره بخلاف الموصى له فإن الاختيار إليه
وإن رد فينفسخ النكاح وهل يستند إلى حالة الموت فيه خلاف منشؤه ضعف ذلك الملك
ولو كان الموصى به قريبا للموصى له أو الوارث قرابة يعتق بالملك فتخريجه على الأقوال كتخريج انفساخ نكاح الزوجة
الرابعة إذا أوصى بأمة لزوجها الحر وولدت قبل القبول بعد الموت قال الشافعي رضي الله عنه عتق الأولاد ولم تكن أمهم أم ولد له
هذا نقل المزني وهو خطأ إذ لا وجه للفرق بين الأم والولد على كل قول أثبتنا الملك أو نفينا أو توقفنا
نعم قال بعد ذلك ولو مات الموصى له فقبل الوارث عتق الأولاد وهو صحيح يخرج على قولنا يحصل الملك بالموت للموصى له وعلى قول الوقف أيضا
الخامسة أوصى له بولده فمات فقبل وارثه
فعتقه يبنى على أن الملك بماذا يحصل
فإن قلنا بالموت أو قلنا بالوقف تبين العتق على الموصى له قبل موته
وإن قلنا بالقبول ففي قبول الوارث وجهان
أحدهما أنه يترتب على قبوله كقبول المورث
والثاني أنا نسنده إلى ألطف حين قبل موت الموصى له
فعلى هذا هو تركة يقضى منه الديون ونتبين عتقه
وإن قلنا يترتب على القبول فلا يعتق لأن الميت لا يعتق القريب عليه بحال إذ ملكه وإن قدر لا قرار له
نعم هل تقضى الديون مما قبله الوارث فيه وجهان
أحدهما أنه لا يقضى إذ لم يملكه الميت وإنما ورث هذا حق التمليك ابتداء
وذكر هذا الوجه في الصيد المتعلق بشبكة نصبها قبل موته ولكنه أبعد فيه
والوجه الثاني أنه يقضى منه الديون وكأنا نقدر حصول الملك للميت مختطفا ثم نقدر انتقاله إلى الوارث تلقيا منه
التفريع

إذا قلنا يعتق الولد بقبول الوارث فلا يرث لأن القابل إن كان أخا يصير محجوبا به فيسقط حقه عن القبول فيمتنع العتق فيؤدي توريثه إلى منع توريثه فهو دور فقهي
وإن كان له ابن آخر فشركته تمنع كمال حقه في القبول لا يبقى له إلا قبول النصف
ومن نصفه حر لا يرث ولا يمكن أن يقبل نصيب نفسه لأن صحة قبوله موقوف على توريثه وتوريثه موقوف على صحة قبوله فيتمانعان
الباب الثاني في أحكام الوصية الصحيحة
والنظر في أقسام
القسم الأول في الأحكام اللفظية
وفيه فصلان
الفصل الأول فيما يتعلق بالموصى به

والكلام في أطراف
الطرف الأول في الحمل

والوصية بالحمل صحيحة بشرط أن يكون موجودا حالة الوصية
ويعرف تاريخ ذلك في الحيوانات من أهل الخبرة فإنها مختلفة
فإن انفصل حمل الجارية ميتا بجناية جان صرف الأرش إلى الموصى له ولم يتبين فساد الوصية بخلاف ما إذا أوصى لحمل فانفصل ميتا بجنابة جان لا يصرف إلى ورثته لأن كونه مالكا يستدعي حياة مستقرة وكونه مملوكا لا يستدعي إلا التقوم وقد يقوم بالأرش
ولو أوصى بجارية دون حملها جاز
ولو أطلق الوصية ففي اندراج الحمل تحت مطلق اللفظ تردد
فإن قلنا يندرج لم تبطل الوصية فيه بانفصاله قبل موت الموصي لأنه زيادة في الموصى به
الطرف الثاني
إذا أوصى بطبل من طبوله وله طبل لهو وحرب
نزل على طبل الحرب تصحيحا له
وإذا أوصى بعود من عيدانه وعنده عود اللهو وعود القوس وعود البناء فوجهان
أحدهما أنه فاسد لأنه لا يفهم منه إلا عود اللهو
والثاني أنه يعطى عود البناء أو القوس لأنه يسمى عودا فيتكلف تصحيحه كما في الطبل
أما إذا لم يكن عنده إلا عود القوس أو البناء أعطي ذلك لأنه متعين
الثالث إذا أوصى بقوس

حمل على القوس الذي يرمي منه النبل والنشاب دون قوس الندف والجلاهق وهو قوس البندق
ويدخل تحته الحسبان فإنه يرمى منه الناوك وهو نشاب
وهل يعطى الوتر مع القوس فيه وجهان
فإن قال أعطوه قوسا من قسي ولم يكن عنده إلا قوس ندف أعطى لأنه تعين
وإن كان عنده قوس ندف وحلاهق أعطى الجلاهق لأنه أسبق إلى الفهم
الطرف الرابع إذا قال أعطوه شاة

جاز أن يدفع إليه الكبير والصغير والظأن والمعز لأن الاسم شامل
وقال الصيدلاني لا يعطى السخلة وقال أراد الشافعي رضي الله عنهبالصغير الجذعة
والمنصوص أنه لا يعطى الكبش
ومنهم من قال يعطى لأن الشاة اسم جنس كالإنسان والتاء فيه ليس للتأنيث وأصله الشاهة وتصغيره شويهة
ولو قال أعطوه بقرة لم يعط ثورا
ولو قال أعطوه جملا لم يعط ناقة
ولو قال أعطوه بعيرا فالمنصوص أنه لا يعطى ناقة
ومن أصحابنا من قال يعطى لأن البعير كالإنسان للرجال والنساء
ولو قال أعطوه رأسا من الإبل أو الغنم أو البقر جاز الذكر والأنثى
فإن قال أعطوه كلبا أو حمارا لم يعط الكلبة والحمارة فإن الأنثى مميزةفيهما بالتاء
ولو قال أعطوه دابة فالمنصوص أنه يعطى من الخيل أو البغال أو الحمير ولا يعطى من الإبل قطعا
قال بعض الأصحاب أطلق الشافعي رضي الله عنه ذلك على لغة مغر وفي غيره لا يفهم منه إلا الفرس
ومنهم من قال الوضع الأصلي أولى بالمراعاة من العرف الخاص المخصص
ولو قال أعطوه دابة ليقاتل عليه لم يعط إلا الفرس
فإن قال ليحمل عليه لم يعط إلا بغلا أو حمارا
ولو قال لينتفع بنسله لم يعط إلا فرسا أو حمارا
الخامس في العبد

فإن قال أعطوه رأسا من رقيقي جاز أن يعطى السليم والمعيب والصغير والكبير والذكر والأنثى والخنثى
وإن لم يكن عند موته إلا رقيق واحد تعين ذلك الواحد
فإن مات أرقاؤه او قتلوه قبل موته انفسخت الوصية
وإن قتلوا بعد موته يخير الوارث في صرف قيمة واحد إليه لأن حقه المتأكد أو ملكه متعلق به بعد موته فينتقل إلى القيمة
فلو قتل كلهم إلا واحدا لم يتعين ذلك الواحد بل يخير الوارث بين تسليمه وتسليم قيمة واحد
وفيه وجه أنه يتعين ذلك الواحد حذرا من العدول إلى القيمة مع الإمكان
وإن قال أعتقوه عني عبدا جاز المعيب والسليم
وفيه وجه أنه ينزل على ما يجزئ في الكفارة لأن الشرع عادة في العتق لا في الهبة والوصية فينزل على عرف الشرع
فإن أوصى أن يعتق عنه رقاب فأقله ثلاثة إن وفى الثلث به فإن لم يف إلا باثنين اقتصر عليه
فإن وفى باثنين وبعض الثالث فوجهان
أحدهما الاقتصار على اثنين لأن البعض ليس رقبة
والثاني أنه يشتري الفضل لأنه أقرب إلى مقصود الموصي
وعلى هذا لو وجدنا نفيسين أو خسيسين وشقصا فأيهما أولى فيه وجهان
أحدهما النفيس أولى لقوله عليه السلام
لما سئل عن أفضل الرقاب فقال أكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها
والثاني الزيادة في عدد الرقبة أولى لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار
ولو قال أعتقوا عبدا من عبيدي وله خنثى حكم بكونه رجلا ففي إعتاقه وجهان
ووجه المنع أن اسم البعد مطلقا لا ينصرف إليه
ولو قال أعتقوا أحد رقيقي وفيهم خنثى مشكل
روى الربيع فيمن أوصى بكتابة أحد رقيقه أنه لا يجوز الخنثى المكشل
وروى المزني أنه يجوز
واختلف الأصحاب والأولى ما قاله المزني
الفصل الثاني فيما يتعلق بالموصى له

وله أطراف
الطرف الأول إذا قال أعطوا حمل فلانة كذا فأتت بولدين

صرف إليهما بالسوية وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى
ولو خرج أحدهما حيا والآخر ميتا فالكل للحي
وفيه وجه آخر أن له النصف ونصف الميت يعود إلى الورثة وهو ضعيف
ولو قال إن كان حملها غلاما فأعطوه كذا فولدت غلامين لم يستحقا شيئا فإن الصيغة للتوحيد في النكرة
وكذا إن جاءت بغلام وجارية
ولو قال إن كان في بطنها غلام فأعطوه كذا فجاءت بغلام وجارية أعطي الغلام
وإن جاءت بغلامين فأيهما يعطى فيه ثلاث أقوال
أحدها أنه يصرف الوارث إلى أيهما شاء وله خيار التعيين فإن رأيه يصلح للترجيح
والثاني يوزع عليهما لتساويهما
والثالث أنه موقوف بينهما إلى أن يبلغا ويصطلحا
ولو قال أوصيت لأحد هذين الشخصين ففي صحتها خلاف ذكرنا نظيره في الوقف
فإن صح ومات قبل التعيين خرج على الأوجه الثلاثة
الطرف الثاني إذا أوصى لجيرانه

صرف إلى أربعين دارا من كل جانب لما روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال
حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وأشار يمينا وشمالا وقداما وخلفا
ولو أوصى لقراء القرآن صرف إلى من يحفظ جميع القرآن
وهل يصرف إلى من يقرأ ولا يحفظ عن ظهر القلب فيه وجهان
أحدهما نعم للعموم
والثاني لا إذ العرف يخصص بالحفاظ
ولو أوصى للعلماء صرف إلى العلماء بعلوم الشرع دون الأطباء والمنجمين والمعبرين والأدباء لأن العرف يخصص
ولا يصرف إلى من يسمع الأحاديث فقط ولا علم له بطرق الحديث
ولو أوصى للأيتام لم يدخل فيه من له أب ولا بالغ لقوله صلى الله عليه وسلم
لا يتم بعد البلوغ وفي الغني وجهان
وإن أوصى للأرامل دخل فيه من لا زوج لها من النساء وهل يدخل فيه من لا زوجة له من الرجال فيه وجهان
أحدهما لا للعرف
والثاني نعم للوضع إذ قد يسمى الرجل أرمل
قال الشاعر ** كل الأرامل قد قضت حاجته ** فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر **
وهل يدخل الغني فيه وجهان كما في اليتيم
ولو أوصى للشيوخ أعطي من جاوز الأربعين
وإن أوصى للفتيان والشبان أعطي من جاوز البلوغ إلى الثلاثين
وإن أوصى للصبيان والغلمان صرف إلى من لم يبلغ اتباعا للعرف في هذه الألفاظ
الطرف الثالث فيما إذا أوصى للفقراء

جاز أن يصرف إلى المساكين
وللمساكين جاز أن يصرف إلى الفقراء لأن كلا الاسمين يطلق على الفريقين
وإن قال للفقراء والمساكين جمع بينهما
وإن أوصى لسبيل الله فهو للغزاة أو للرقاب
وإن أوصى للرقاب فهو للمكاتبين
ثم لا أقل من استيعاب ثلاثة من كل نفر ولا يجب التسوية بين الثلاثة
ولو أوصى لثلاثة معنين يجب التسويه بينهم
ولو أوصى لزيد وللفقراء قال الشافعي رضي الله عنه القياس أنه كأحدهم
فمنهم من قال معناه أنه لو أعطى خمسة من المساكين فيعطيه السدس أو أعطى ستة فيعطيه السبع ليكون كأحدهم
ومنهم من قال يكفيه أن يعطيه أقل ما يتمول إذ ما من أحد إلا وله أن يعطيه أقل ما يتمول
ومنهم من قال يعطيه الربع لأن أقل عدد المساكين الثلاثة فالقصر عليه وعلى ثلاثة يقتضي له الربع
ومنهم من قال يصرف إليه النصف وإلى الفقراء النصف لأنه قابله بهم
ولو قال لزيد دينار وللفقراء ثلاثة لم يعط زيدا شيئا آخر وإن كان فقيرا لأنه قطع الخيرة بتنصيصه
أما إذا أوصى للعلويين والهاشميين أو بنى طيء وبالجملة قبيلة عظيمة ففي الصحة قولان
أحدهما نعم ثم أقل الأمر أن يعطي ثلاثة كما للفقراء
والثاني لا إذ هم محصورون ولا يمكن استيعابهم ولا عرف للشرع في تخصيصهم بثلاثة بخلاف الفقراء
الطرف الرابع لو أوصى لزيد ولجبريل

كان لزيد النصف ويبطل الباقي
ولو قال لزيد وللريح أو للرياح فوجهان
أحدهما أنه له النصف كما سبق في جبريل
والثاني له الكل إذ الإضافة إلى الرياح لغو
وإن أوصى لزيد ولله تعالى فوجهان
أحدهما له الكل وكان ذكر الله تعالى تأكيدا لقربته كقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى }
والثاني أن النصف له والباقي للفقراء لأن عامة ما يجب لله تعالى يصرف إلى الفقراء
ولو قال لزيد وللملائكة أو لزيد وللعلوية وقلنا لا يصح المعلوية
ففي قدر ما يصرف إلى زيد الخلاف الذي ذكرناه في قوله لزيد وللفقراء ويبطل في الباقي
الطرف الخامس لو أوصى لأقارب زيد

دخل فيه الذكور والإناث والغني والفقير والمحرم وغير المحرم وقرابة الأب وقرابة الأم بألا إذا كان الرجل غريبا فلا تدخل قرابة الأم لأنهم لا يعدون ذلك قرابة
ولو قال لأرحام فلان دخل فيه قرابة الأم مع قرابة الأب إذ لا تخصيص لهذا الاسم
ومن الأصحاب من قال لفظ القرابة كلفظ الرحم في حق العربي كما في حق العجمي ولم يثبت من العرب هذا التخصيص
واختلفوا في ثلاثة أمور
أحدها في دخول الأصول والفروع وفيه ثلاثة أوجه
أحدها لا يدخلون إذ الوصية للأقارب والأب والابن لا يسمى قرابة
والثاني نعم لأنهم من الأقارب وإن كان لهم اسم أخص
والثالث أنه لا يدخل الأب والابن ويدخل الأحفاد والأجداد
الأمر الثاني أن الوارث لا يدخل إذا أوصى لأقارب نفسه إذ لا وصية لوارث وكأنهم خارجون بحكم القرينة
ومنهم من قال يدخلون ثم تبطل الوصية في نصيبهم وتبقى في الباقي
الأمر الثالث أن قبائل العرب تتسع فتكثر فيها القرابات إن ارتقينا إلى أولاد الأجداد العالية
فقال أبو يوسف يرتقي إلى أجداد الإسلام ولا يزيد عليه وهو بعيد
وقال الشافعي رحمه الله يرتقي إلى الأقرب جد ينسب هو إليه ويعرف به
وذكر الأصحاب في مثاله أنه لو أوصى هو لقرابة الشافعي رضي الله عنه صرفنا إلى بني شافع لا إلى بني عبد مناف وبني عبد المطلب وإن كانوا أقارب
وهذا في زمانه أما في زماننا لا يصرف إلا إلى أولاد الشافعي ولا يرتقي إلى بني شافع لأنه أقرب من عرف به
الطرف السادس إذا أوصى لأقربهم قرابة لفلان صرف إلى الأقرب

وفيه مسألتان
إحداهما أن الأب والأم والابن والبنت يدخلون لأنه لا يبعد تسميتهم أقرب الأقارب
ثم لا تفضيل بذكورة وأنوثة بل يستوي فيه الأب والأم والابن والبنت
ولا يتبع الوراثة بل أولاد البنات يقدمون على أحفاد البنين لمزيد القرب إلا إذا اختلف الجهة كالأحفاد وإن سفلوا يقدمون على الإخوة وبنو الإخوة وإن سفلوا يقدمون على الأعمام لأن العرف يقضي بأنهم أقرب وابن الأخ من الأب والأم مقدم على ابن ابن الأخ من الأب والأم لأن جهة الأخوة واحدة
ولا شك في أن الأخ المدلي بجهتين مقدم على المدلي بجهة واحدة
ولا فرق بين الأخ للأم والأخ للأب ولا بين الأخ والأخت
الثانية الجد أب أب مع الأخ فيه قولان أحدهما يستويان للاستواء في القرب والثاني الأخ أولى لأن قرابة البنوة أقوى
وكذا الخلاف في أب الأم مع الأخ للأم وأب الأب من مع ابن الأخ للأب فيه قولان أحدهما الجد أولى لقربه والثاني ابن الأخ أولى لقوة البنوة
القسم الثاني من الباب في الأحكام المعنوية

وفيه فصول
الفصل الأول في الوصية بمنافع الدار والعبد وغلة البستان وثمرته

وهي صحيحة نص الشافعي رضي الله عنه عليه وسوى بين الثمار والمنافع
وحقيقة هذه الوصية عندنا تمليك المنافع بعد الموت حتى يورث عن الموصى له إذا مات ويملك الإجارة ولا يضمن إذا تلف في يده العبد كما لا يضمن المستأجر وعند أبي حنيفة رحمه الله هى عارية لازمة لا ملك فيها
وفيه مسائل
الأولى فيما يملكه الوارث

ولا شك في أنه ينفذ عتقه ولا لا يجزئه عن الكفارة إن لم تكن الوصية مؤقتة
وفيه وجه آخر أنه يجزئ
ثم إذا نفذ العتق بقي حق المصوى له في الانتفاع ولا يجد العبد مرجعا على الوارث بخلاف عتق العبد المستأجر لأن البدل ثم رجع إلى المعتق وهاهنا لم يوجد بدل هذه المنفعة
وأما الكتابة ففيه وجهان أحدهما لا إذ لا كسب له
والثاني نعم تعويلا على الصدقات
وأما البيع فإن كان الوصية مؤقتة خرج على بيع العبد المستأجر
وإن كانت مؤبدة فالظاهر المنع لأنه معجوز عن التسليم أبدا إلا أن يبيع من الموصى له
وفيه وجه آخر أنه ينفذ البيع لنقل ما يملكه ويتسلط المشتري على إعتاقه وجلب الولاء فيه
أما إذا أوصى بنتاج الشاة صح بيع الشاة لبقاء منفعة الصوف والوبر للمالك
وإنما الخلاف إذا لم يبق منفعة أصلا فيضاهي مالا منفعة له حسا
المسألة الثانية في منافعها

وهي للموصى له أبدا ويدخل فيه أكساب العبد باحتطاب واصطياد
ولا تدخل منفعة البضع بل يصرف بدله إلى المالك لأن مطلق اسم المنفعة لا ينصرف إليه مع أنه لو أوصى بها صريحا لم يدخل
وقال العراقيون البدل له فإنه من المنافع
ولا خلاف في امتناع الوطء على الموصى به لعدم ملك الرقبة وعلى الوارث إلى هلاك حق الموصى له بالطلق كما في الراهن
فإن كاتب وإن كانت صغيرة أو آيسة فقد قيل يجوز في الرهن فهو جار هاهنا أيضا
وأما تزويجها فهو جائز لكسب المهر وفي مصرف المهر ما ذكرناه
وفي من يتولى العقد ثلاثة أوجه
أحدها الوارث لملكه الرقبة ثم لا بد من رضا الموصى له فإن فيه نقصان حقه وضرره وهذا هو الصحيح
والثاني أن الموصى له يستقل به وهو مذهب من يقول المهر له
والثالث يستقل به المالك
وأما التزويج من العبد فيظهر استقلال الموصى له لأن حق منع العبد لا لقصور في أهليته ولكن لضرر تعلق الحقوق بالأكساب والموصى له هو المتضرر
وأما ولد الجارية فالصحيح أنه لاحق للموصى له فيه لأنه يتبع الملك
ومنهم من قال هو ملك الموصى له لأنه أيضا من المنافع وهو بعيد
ومنهم من قال هو أسوة الأم ملك الرقبة للوارث وملك المنفعة للموصى له
وهو أيضا بعيد لأن استحقاق المنفعة لا يسري إلى الولد كما في الإجارة
وأما ما يكتسبه بالاتهاب ففي مصرفه وجهان
أحدهما أنه للموصى له كما في الاحتطاب
والثاني للمالك فإنه لم ينصرف إليه عمل متقوم والسبب انعقد للعبد والمالك يتلقى الملك لملك الرقبة
الثالثة في نفقته ثلاثة أوجه

القياس أنه على الوارث نظرا إلى الملك فإن أراد الخلاص فليعتق
و الثاني أنه على الموصى له لأنه يستحق المنافع على الدوام فكان كزوج الأمة
والثالث أنه في كسبه فإن لم يف فعلى بيت المال وإليه ذهب الإصطخرى
وقد اختلفوا في أن الموصى له هل ينفرد بالمسافرة به
والظاهر أنه يملك إذ به كمال الانتفاع ولذلك يمتنع على الوارث المسافرة قطعا بخلاف سيد الأمة المزوجة
والثاني أنه لا يملك كما لا يملك بملك زوج الجارية مراعاة لحق المالك فلا يجوز إلا بالتراضي كالتزويج على ظاهر المذهب
الرابعة إذا قتل فللوارث استيفاء القصاص ويحبط حق الموصى له

وإن وقع الرجوع إلى القيمة ففيه وجهان
أحدهما أنه للوارث فإنه بدل ملكه وقد انقضى عمره فانقطع حق الموصى له
والثاني أنه يشتري به عبد ويجعل بمثابتة بينهما في الملك والمنفعة
وفيه وجه آخر أنه يختص به الموصى له وكأن ماليته مستغرقة بحقه إذ لم يبق له قيمة في حق المالك وهو بعيد
وفيه وجه رابع أنه يوزع على قيمة المنفعة وقيمة الرقبة مسلوبة المنفعة ويقسم بينهما
أما إذا وقطع طرفه فالذي قطع به الأصحاب وذكره الأكثرون أنه للوارث وجها واحدا
أما إذا جنى هو على غيره فيباع من أرش الجناية فإن فداه السيد استمر حق الموصى له
وإن فداه الموصى له فهل يجب على المجني عليه قبوله فيه وجهان
أحدهما لا لأنه أجنبي عن الرقبة ومتعلق الحق الرقبة
والثاني نعم لأن له غرضا في بقاء الرقبة كما للسيد
الخامسة في كيفية احتسابه من الثلث وجهان
أحدهما أنه يعتبر جملة قيمة العبد إذ لم يبق له قيمة فكأنه أوصى بالعبد
والصحيح أنه يعتبر ما نقص من قيمته إذ لا بد وأن يبقى له قيمة طمعا في إعتاقه وولائه
أما إذا كانت المنفعة الموصى بها مؤقتة فطريقان
أحدهما طرد الوجهين
والثاني أنه يعتبر أجرة المثل وهو بعيد لأن المنفعة التي تحدث بعد الموت فليس مفوتا لها من ملكه بل لا يتجه إلا اعتبار ما ينقص من قيمته بسبب الوصية
التفريع

إذا اقتضى الحال أن يرد بعض الوصية كسدسها مثلا لزيادتها على الثلث فينقص من المدة المقدرة بسدسها من أجرها أو يخرج سدس العبد في جملة المدة عن الوصية
فيه وجهان الأسد أنه يخرج سدس العبد لأن الأجرة تختلف باختلاف المواقيت
الفصل الثاني في الوصية بالحج

والحج ثلاثة أنواع
الأول التطوع

وفي صحة الوصية به وجهان يبتنيان على أن النيابة هل تتطرق إليها
والصحيح أنها تتطرق إليه اقتداء بالأولين في فعلهم فتحسب الوصية به من الثلث
وفيه فرعان

أحدهما أن مطلقه يقتضي حجة من الميقات أم من دويرة أهله اختلفوا فيه لتردد اللفظ بين أقل الدرجات وبين العادة
الثاني أنه هل تقدم الوصية بحج التطوع على سائر الوصايا
حكي فيه قولان ولا وجه للتقديم إلا أن حق الله تعالى على رأي يقدم على حق الآدمي حتى إن أوصى بالصدقة مع حج التطوع لم يحتمل التقديم
نعم لو أوصى بحجة منذورة احتمل التقديم على الوصايا لتأكدها باللزوم
الثاني حجة الإسلام

ولا حاجة فيها إلى الوصية إذ كانت قد لزمت في الحياة بل يخرج عندنا من رأس ماله وإن لم يوص خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وهو عندنا كالزكاة فإنها لا تسقط بالموت
فروع ثلاثة

الأول إذا أوصى بحجة الإسلام فلا فائدة له إلا إذا قال حجوا عني من الثلث
فائدته مزاحمة الوصايا من الثلث به ثم إن لم يخص الحج بعد المضاربة ما بفي به كمل من راس المال
ومنهم من قال إذا لم يفضل من حجة الإسلام شيء من الثلث فلا شيء للوصايا بل فائدته الإضافة إلى الثلث
الفرع الثاني إذا قال أوصيت بأن تحجوا عني ولم يضف إلى الثلث
ففي مزاحمة الوصايا به في الثلث وجهان ووجهه أن لفظ الوصية مشعر به
ولو زاد وقال وأعتقوا عني وتصدقوا فوجهان مرتبان وأولى بالمزاحمة لأنه قربة بما ينحصر في الثلث
الثالث إذا قال أحجوا عني فلانا بألف وهو زائد على أجر المثل فوجهان
أحدهما أنه يحج بأجر المثل لأن مقصوده الحج والزائد لا حاجة إليه
والثاني أن الزيادة وصية لمن يحج ليحسن الحج فيصرف إليه إن وفى به الثلث
أما إذا قال اشتروا بمائة درهم عشرة أقفزة حنطة وتصدقوا بها فوجدنا أجود الحنطة بثمانين فثلاثة أوجه
أحدها أن الزيادة وصية لبائع الحنطة وهو بعيد فإن ذلك لا يقصد بخلاف الإحسان إلى من يحج
والثاني أنه يشتري به حنطة زائدة لأن مقصوده التصدق بمائة وصرفه إلى الحنطة
والثالث أنه يرد على الورثة لأن مقصوده عشرة أقفزة من الحنطة وقد تصدق بها
الثالث الحجة المنذورة والصدقة المنذورة والكفارات

وفيها ثلاثة أوجه
أحدهما أنه يخرج من رأس المال لأنها لزمته كحجة الإسلام فلا حاجة إلى الوصية
والثاني أنها كالتطوعات فإن أوصى بها أخرج من الثلث لأنه لو فتح هذاالباب لاستغرق بالنذور جميع أمواله ثم يؤخره إلى ما بعد الموت
والثالث أنها تؤدي من الثلث وإن لم يوص وكأن نذره تبرع به وقد أخر أداءه إلى الموت فصار النذر نفسه كالوصية
فإن قيل ما الذى يقع عن الميت بعد موته دون إذنه
قلنا الدعاء والصدقة وقضاء دينه
أما الدعاء فقد قال عليه السلام
إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا في ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له
وأما الصدقة فقد قال سعد بن أبي وقاص يا رسول الله إن أمي أصمتت ولو نطقت لتصدقت أفينفعها إن تصدقت عنها قال عليه السلام
نعم
وقد قال بعض الأصحاب إنه يرجى أن يناله بركته ولكن لا يلتحق بصدقاته التى أداها
أما إذا أعتق عنه لا يقع عنه ويكون الولاء للمعتق سواء كان المعتق وارثا أو لم يكن لأن إلحاق الولاء قهرا لا وجه له
أما الديون اللازمة إذا قضيت وقعت عنه وإن قضاها الأجنبي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما قضى دين ميت
الآن بردت جلدته على النار
أما الكفارات فإن أخرجها الوارث عنه ولم يكن أوصى به وقعت موقعهاوإن أخرجها أجنبي فوجهان
أحدهما لا إذ لا خلافة له وهذه عبادة فلا بد من نيته أو نية من هو خليفته شرعا
والثاني نعم لأنه دين لازم غلب فيه معنى الديون ولذلك يستقل به أحد الورثة وإن لم يستقل بجملة الخلافة
أما العتق في كفارة اليمين حيث لا يتعين ففي إخراج الوارث وجهان
وفي إخراج الأجنبي وجهان مرتبان وأولى بأن لا يقع عنه لأنه يضاهي التبرع من وجه وقد ذكرنا منع التبرع عن الميت بالإعتاق
ولو أوصى بالعتق والكفارة مخيرة ولم يف الثلث بالزيادة لا ينفذ لأنه مستغنى عنه فكان متبرعا
أما الصوم فلا يقع عنه لأنه عبادة بدنية كالصلاة
وقال الشافعي رضي الله عنه في القديم يصوم عنه وليه
الفصل الثالث في فروع متفرقة

الأول المريض إذا ملك قريبة في مرض الموت نظر
فإن ملك بالإرث عتق عليه من رأس المال وإن ملك بالشراء عتق عليه من الثلث فإن كان عليه دين مستغرق لم يعتق أصلا
وإن ملك بوصية أو اتهاب فوجهان
أحدهما من رأس المال لأنه حصل مجانا كالإرث فكأنه لم يحصل
والثاني من الثلث لأنه حصل بالاختيار
التفريع

لو اشترى ابنه الذى يساوي ألفا بخمسمائة
فالقدر الذى يقابل المحاباة كالموهوب لأنه حصل مجانا ومهما عتق من الثلث لم يرث إذ لو ورث لانقلب العتق له وصية لوارث وبطل
وإذا أعتق من رأس المال في صورة الإرث ورث لأنه وقع مستحقا
وقال الإصطخري لا يرث كما لو نكحت بأقل من مهر المثل فإنه يقال إن المحاباة وصية للزوج الوارث إلا إذا كان الزوج رقيقا أو مسلما
وهذا الاستشهاد غير صحيح بل تنفذ المحاباة بالبضع سواء كان الزوج وارثا أو لم يكن لأنه ليس بمال
الثاني لو قال أعتقوا عبدي بعد موتي
لم يفتقر إلى قبول العبد لأن حق الله تعالى غالب في العتق
ولو قال أوصيت لعبدي برقبته ففي الافتقار إلى قبوله وجهان
ولو أعتق ثلث عبده بعد موته وفي المال متسع لم يسر العتق لأنه بعد الموت معسر والمال لغيره
وهذا لا يخلو عن احتمال ولكن النقل ما ذكرته
أما إذا أعتق جاريته بعد موته وهي حامل سرى إلى الجنين لأنه في حكم عضو لا يتفصل
ولو استثنى وقال أنت حرة إلا جنينك ففي صحة الاستثناء وجهان وخرج وجه من صحة الاستثناء أنه إذا أطلق لا يسري لأنه تصور الانفصال وعتق الميت لا يسري
الثالث أوصى بعبد لرجلين يعتق على أحدهما بالقرابة
فإن قبلاه معا عتق على القريب وغرم للثاني نصيبه إن كان موسرا وسرى
وإن قبل القريب أولا سرى ثم يغرم للوارث إن رد الأجنبي ويغرم للأجنبي أن قبل الأجنبي
وإن قبله الأجنبي أولا وأعتقه فإن لم يقبل القريب استمر عتقه
وإن قبل فإن قلنا ملك الموصى له يحصل بموت الموصي فقد بان أنه كان قد عتق وسرى وعتق الأجنبي صادق حرا فيغرم القريب للأجنبي
وإن قلنا يحصل بالقبول فقد عتق الكل على الأجنبي فيغرم الأجنبي للقريب
الرابع أوصى له بثلث دار فاستحق ثلثها فوجهان
أحدهما يسلم له كل ثلثه ميلا إلى تصحيح الوصية
والثاني وهو اختيار ابن سريج أنه يصح في ثلث ذلك الثلث لأن أصل الوصية شاع في الأثلاث الثلاثة
الخامس إذا منعنا نقل الصدقات ففي نقل ما أوصى للمساكين إلى بلدة أخرى وجهان
ووجه الفرق أن الزكوات دارة متكررة تمتد إليها أطماع الحاضرين بخلاف الوصايا
القسم الثالث من الباب في الأحكام الحسابية

وفيه مسائل الأولى إذا أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد صرف إلى الموصى له النصف حتى يكونا متماثلين
وإن كان له ابنان فأوصى بمثل نصيب أحدهما صرف إليه الثلث وإن كانوا ثلاثة فالربع
وبالجملة تراعى المماثلة عندنا بعد القسمة
وقال مالك رحمه الله هو وصية بحصة الابن قبل القسمة فإن كانوا اثنين فهو وصية بالنصف وإن كانوا ثلاثة فهو وصية بالثلث
وهو ضعيف لأن ما ذكرناه محتمل وهو الأقل فيؤخذ به
ولو أوصى بنصيب ولده كان كما لو أوصى بمثل نصيب ولده
وقال أبو حنيفة رحمه الله هو باطل لأنه وصية بالمستحق
وهو ضعيف لأنه إذا قال بعت بما باع به فلان فرسه صح وكان معناه بمثله
ولو كان له ابنان فقال أوصيت لك بمثل نصيب ابن ثالث لو كانلا يعطى إلا الربع وكأن ذلك الابن المقدر كائن
وفيه وجه أنه يعطى الثلث وكأنه قدره مكانه
الثانية إذا أوصى بضعف نصيب أحد ولديه أعطي مثله مرتين
فلو كان له ابنان قسم المال من أربعة لكل ابن واحد وله سهمان
ولو أوصى بضعفيه أعطي مثله ثلاث مرات
وقال أبو حنيفة رحمه الله أعطي مثله أربع مرات
والحاصل أنا نضعف الزيادة دون المزيد عليه فإذا كان الضعف أن يزاد على سهمه مثله كان الضعفان أن يزاد عليه مثلاه وهو محتمل وهو الأقل فينزل عليه
الثالثة إذا أوصى بمثل نصيب أحد ورثته أعطي مثل أقلهم نصيبا بعد العول إن كانت المسألة عائلة
الرابعة إذا أوصى بخط أو سهم أو قليل أو كثير جاز التنزيل على أقل ما يتمول والرجوع به إلى الموصي
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11