كتاب : الوسيط في المذهب
المؤلف : محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد


فقال أبو حنيفة رحمه الله ينزل السهم على السدس وهو تحكم
وكذلك إذا أوصى بالثلث للأشياء جاز التنزيل على أقل ما يتمول
وقال الأستاذ أبو منصور ينزل على النصف وزيادة إذ الاستثناء ينبغي أن ينقص عن النصف
وهو خلاف نص الشافعي رضي الله عنه في الإقرار إذا قال لفلان علي عشرة إلا شيئا
الخامسة إذا أوصى بثلث ماله ومات عن ابنين وبنتين
فلتصحيح المسألة بالحساب طريقان
أحدهما أن تصحح مسألة الوصية وينظر إلى ما بقي بعد إخراج سهم الوصية فإن انقسم على الورثة فقد صحت المسألتان وإن لم ينقسم ولم يوافق فضربت مسألة الورثة في مسألة الوصية ومنها تصح
وإن وافق ضربت جزء الوفق من مسألة الورثة في مسألة الوصية ومنها تصح

بيانه في مسألتنا

أن مسألة الوصية من ثلاثة أسهم سهم للموصى له بقي سهمان و لاينقسم على ستة إذ مسألة الفريضة من ستة ولكن توافق بالنصف فيضرب نصف الستة في الثلاثة فتصير تسعة وقد صحت المسألتان
الطريقة الثانية أن تصحح مسألة الوصية وينسب جزء الوصية منها إلى ما يبقى منها بعد إخراج الجزء وتزيد مثل نسبته على مسألة الورثة
بيانه أن مسألة الوصية من ثلاثة فيما فرضناه والجزء الموصى به الثلث وهو سهم ونسبته إلى الباقي أنه مثل نصفه فيزيد على مسألة الورثة مثل نصفها وهي من ستة ونصفها ثلاثة فتصير تسعة وتصح المسألتان
السادسة إذا أوصى بما يزيد على الثلث وردت الوصايا قسم الثلث بين أصحاب الوصية على نسبة تفاوتهم حالة الإجارة
فلو أوصى لإنسان بالنصف ولآخر بالثلث فالمسألة من ستة لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث سهمان ومجموع مالهما خمسة والتفاوت بينهما بالأخماس فإذا أردت قسمة الثلث على نسبة الأخماس فاطلب مالا لثلثه خمس وذلك بأن تضرب ثلاثة في خمسة فتصير خمسة عشر
فالثلث خمسة يعطى صاحب النصف منها ثلاثة وصاحب الثلث سهمان ليحصل التفاوت
وقال أبو حنيفة رحمه الله يختص بالرد السدس الزائد على الثلث مننصيب صاحب النصف ويبقى التساوي بينهما في الثلث
أما إذا أجيز بعض الوصايا ورد البعض فطريق تصحيحه ما ذكرناه في المذهب البسيط مع الحساب في الوصية بجزء من المال بعد إخراج نصيب أحد الأولاد
والحساب في الاستثناء على أكمل وجه فليراجعه من رغب فيه فإن هذا الكتاب لا يحتمل استقصاءه
الباب الثالث في الرجوع عن الوصية

وهو جائز لأنه عقد تبرع ولا قبض فيه فإذا لم تلزمه الهبة قبل القبض فهذا قبل الموت والقبض أولى والرجوع بأربعة أسباب السبب الأول صريح الرجوع
كقوله نقضت وفسخت وما يضاهيه
ومن الصريح قوله هذا لورثتي أو هو ميراث عني أو حرام على الموصى له
ولو قال هو تركتي فالأصح أنه ليس برجوع لأن الوصية من التركة أيضا
السبب الثاني التصرفات المتضمنة للرجوع

كالبيع والهبة مع القبض والعتق والكتابة والتدبير فإن من ضرورة تنفيذها الرجوع عن الوصية
فرعان

أحدهما إذا أوصى لزيد ثم أوصى لعمرو بعين ذلك الشئ
لم يكن ذلك رجوعا بل احتمل التشريك فينزل عليه أخذا بالأقل واستصحابا لما سبق فهو كما لو قال أوصيت لهما على الجمع
ولو قال ما أوصيت به لزيد فقد أوصيت به لعمرو فهذا رجوع في ظاهر المذهب
ولو أوصى بأن يكاتب أو يعتق أو يباع بعد موته فهو رجوع لأنه ليس من جنس الأول حتى يحمل على التشريك ولذلك لا ينتظم الجمع بينهما في صيغة التشريك بأن يقول أوصيت به وأعتقته
الثاني إذا أوصى بثلث ماله ثم باع جميع ماله
لم يكن رجوعا لأن الثلث المطلق لا ينحصر في الأعيان والبيع يتناول العين ولذلك لو هلك جميع ما ملك حال الوصية وتجدد من بعده شئ استحقه الموصى له
السبب الثالث مقدمات الأمور المنذرة بالرجوع

كالعرض على البيع والرهن قبل القبض والقبول والهبة قبل القبض والقبول
الظاهر أنه رجوع لدلالته على قصد الرجوع
وفيه وجه أنه ما لم يتم لا يتم الرجوع
أما إذا زوج العبد الموصى به أو الأمة الموصى بها أو أحدهما أو علمهما صنعة أو ختنهما لم يكن ذلك رجوعا
فرعان

أحدهما أنه إذا وطئ وعزل لم يكن رجوعا وإن أنزل
قال ابن الحداد هو رجوع لأن التسري يناقض قصد الوصية
ولو حلف أن لا يتسرى لا يحنث إلا بالإنزال فلو وطئ وعزل لم يحنث
ومنهم من قال ما لم يحصل العلوق لا يتم الرجوع فهو كالعرض على البيع ونظائره
الثاني أوصى له بمنفعة داره سنة ثم أجرها سنة وانقضت مدة الإجارة قبل موته صرف إليه سنة
فإن مات وصارت السنة الأولى مستغرقة بالإجارة فوجهان
أحدهما أنه لا حق للموصى له لأنه أوصى له بالسنة الأولى وقد استوفاها المستأجر
والثاني أنه يسلم إليه لأن السنة الأولى لم تشترط للموصى له وإنما تعين بحكم البدار إلى التوفية فإذا منع مانع من البدار تسلم إليه بعده
السبب الرابع التصرفات المبطلة اسم الموصى به

كما لو أوصى بقطن فعزله أو بغزل فنسجه أو بحنطة فطحنها أو دقيق فعجنه أو عجين فخبزه فالكل رجوع لدلالة قصده وزوال الاسم
فروع

الأول إذا أوصى بخبز فجعله فتيتا أو بلحم فقدره أو برطب فجففه أو بثوب فقطع منه قميصا أو بخشب فاتخذ منه بابا
ففي الكل وجهان ووجه بقاء الوصية أن الاسم الأول يجوز إطلاقه بوجه ما
الثاني إذا أوصى بدار فهدمها
إن لم يبق اسم الدار فهو رجوع
وإن انهدمت ولم يبق اسم الدار فوجهان ووجه البقاء أنه لم يوجد من جهته قصد الرجوع وما يدل عليه
وقياس هذا أنه لو طحنت الحنطة وغزل القطن بغير إذنه لا تنفسخ الوصية
وحيث لا تنفسخ ففي بقاء الحق في النقص خلاف ذكرناه
الثالث لو بنى أو غرس في العرصة الموصى بها فثلاثة أوجه
أحدها أنه رجوع لأن البناء غير داخل في الوصية وهو للتخليد
والثاني لا فإنه انتفاع مجرد
والثالث أنه رجوع عن المغرس وأس الجدار حتى لو تجنى لم يرجع أيضا إلى الموصى له وليس رجوعا عما عداه
والرابع إذا أوصى بصاع حنطة وخلطه بغيره فرجع إذا تعذر به التسليم
وإن أوصى بصاع من صبرة وخلطة بمثله فليس برجوع لأن الغرض لا يختلف
وإن خلط بالأجود فرجوع لأنه حدث زيادة لم يتناولها الاستحقاق
وإن خلط بالأردأ فوجهان أحدهما أنه رجوع كالأجود
والثاني لا فإنه تعييب فينزل منزلة تعيب الموصى به
الخامس لو نقل الموصى به إلى موضع بعيد عن الموصى له ففيهوجهان
السادس لو أوصى بقطن ثم حشى به فرشه ففي كونه رجوعا وجهان
ووجه التردد في هذه المسائل لا يخفى مأخذها والله أعلم
الباب الرابع في الأوصياء والنظر في أركان الوصاية وأحكامها
النظر الأول في الأركان
وهي أربعة
الركن الأول الوصي
وله ستة شرائط الأول التكليف
فلا يصح الوصاية إلى مجنون وصبي فإنهما محتاجان إلى الوصي يفوض إليهما الثاني الحرية
فلا يفوض إلى عبد لأنها ولاية والرق ينافيها ولأنها تستدعي فراغا لاهتمام بها والعبد مشغول
والمكاتب ومن نصفه حر ونصفه رقيق في حكم القن
وقال مالك رحمه الله يفوض إلى العبد
وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا خلف أولادا كلهم صغار ففوض إلى عبد نفسه جاز
فرع

إذا أوصى إلى مستولدته أو مدبره ففيه ثلاثة أوجه منشؤها أن النظر إلى مراعاة الشرط حال العقد أو حال الموت
وفي الوجه الثالث يراعى الأحوال من العقد إلى الموت حتى لو تخلل خلل بين العقد والموت فسد أيضا
والأقيس وهو اختيار ابن سريج الصحة نظرا إلى حال الموت الشرط الثالث العدالة
فلا يفوض إلى فاسق لأنه تصرف على الطفل فيتقيد بشرط الغبطة ولا غبطة في الفساق
فرع

لو طرأ الفسق انعزل فإن عاد أمينا لم يعد وصيا
وكذا القاضي ينعزل على الأظهر ثم لا يعود قاضيا بالتوبة
والأب ينعزل ولكن يعود وليا بالتوبة فإن الأبوة قائمة
وفي رجوع ولاية القاضي والوصي بالإفاقة بعد الجنون وجهان
والإمام لا ينعزل بالفسق على الأصح للمصلحة ولكن إن أمكن الاستبدال به من غير فتنة فعله أهل الحل والعقد الرابع الإسلام
فلا يفوض إلى كافر إذ لا ولاية لكفار على مسلم
ولو أوصى كافر إلى كافر في ولده الكافر صح إن كان عدلا في دينه بناء على الأظهر في أن ولي الكافرة في النكاح كافر الخامس الكفاية والهداية للتصرف
فلا غبطة في التفويض إلى العاجز عن التصرف
فرع

لو ضعف نظره وعجز عن حفظ الحساب بعد أن كان قادرا بنصب القاضي معه من يحفظ الحساب ولا ينعزل به بخلاف الفسق فإنه يفوت أصل الغرض وبخلاف ما لو نصب الحاكم قيما فضعف نظره في الحساب فإن القاضي يعزله لأنه مولى من جهته والإبدال أصلح والوصي منصوب الأب فيحفظ ما أمكن السادس البصر
وفى تفويضها إلى الأعمى وجهان ومنشؤه التردد في أنه هل يخالف الغبطة أم لا
فرع

يجوز التفويض إلى النساء والأم أولى من ينصب قيما
وإن لم يوص إليها الأب فلا ولاية لها
وقال الإصطخري هى ولية في المال مقدمة على وصي الأب لأنها أحد الأصلين
الركن الثاني الموصي

وهو كل من له ولاية على الأطفال لو بقي حيا كالأب والجد
فلا يجوز للوصي الإيصاء لأنه لا ولاية له وإنما هو نائب خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
ولا يجوز نصب الوصي على الأولاد البالغين إذ لا ولاية عليهم
نعم لو نصب وصي لقضاء ديونه وتنفيذ وصاياه
ولا يجوز للأب نصب الوصي في حياة الجد فإن الجد بدل الأب شرعا فهو أولى من نائبه لفظا
وقال أبو حنيفة رحمه الله وصي الأب أولى من الجد وهو وجه لأصحابنا
فروع

الأول إذا أوصى بثلاثة وخلف جدا لأطفاله
فليس للجد التصرف في الثلث لأنه ليس وصيا ولا قيما وإنما التصرف فيه إلى القاضي يصرفه إلى مصارفه
إذا أذن للموصي في الإيصاء عند موته إلى غيره ففيه قولان أحدهما لا يجوز لأن ولايته زائلة بعد موته فلا يؤثر إذنه وليس للموصي رتبة الإيصاء
الثاني هو الأقيس الجواز لأن الشرع فوض للأطفال بعد الموت
وكذلك لو قال أنت وصي إلى أن يبلغ هذا الصبي فإذا بلغ فهو الوصي صح وهو تفويض بعد الموت
وكذلك إذا أوصى إلى رجلين وقال إن مات أحدهما انفرد الآخر جاز
أما إذا قال إن أوصيت إلى شخص فذلك الشخص وصي لي وعين شخصا فقال أذنت لك في الإيصاء إليه ففيه طريقان
منهم من قطع بالجواز كما إذا علق ببلوغ الصبي
ومنهم من خرج على القولين
الركن الثالث الموصى فيه

وهو التصرفات المالية المباحة التى يتولاها القاضي لولا الوصي
فأما بناء البيعة وكتبة التوراة وما هو معصية فلا يصح الإيصاء فيه ولا يجوز الإيصاء فيه
ولا يجوز الإيصاء في تزويج الأولاد إذ لا غبطة في أن يعقد عليهم من لا يتغير بضررهم
وقال مالك رحمه الله يجوز الإيصاء في ذلك
الركن الرابع الصيغة

وهو أن يقول أوصيت إليك وفوضت إليك أمور أولادي وما يجري مجراه
ولا بد من القبول والأظهر أنه بعد الموت أعني القبول
فروع

الأول هل يكفي قوله أوصيت إليك في أمر أطفالي أم يشترط أن يقول معه فوضت إليك التصرف في المال فيه وجهان
منهم من قال مطلق الإيصاء لا يقتضي إلا حفظ المال فلا بد من التصريح بالتصرف
ومنهم من قال العرف يغني عن التعرض له
الثاني إذا اعتقل لسانه وقرئ عليه الكتاب فأشار برأسه جاز لأنه عاجز كالأخرس
والثالث لو أوصى إليه في جنس من التصرف معين لا يتعدى إلى غيره خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
الرابع إذا أوصى إلى رجلين
إن صرح بتسليط كل واحد على الاستقلال أو بالمنع من الاستقلال فهو كما لو صرح
وإن أطلق نزل على نفي الاستقلال وأن لا يتصرف واحد دون إذن صاحبه تنزيلا على الأقل
نعم ما لا يحتاج فيه إلى الموصي كالتمكين من أخذ المغصوب والوديعة وأعيان الحقوق لا يحتاج فيه إليهما لأنه لا يحتاج أصلا إلى الوصي بل للمستحق الأخذ إذا ظفر به
ويتفرع على نصب الوصيين صور
الأولى إذا مات أحدهما
فإن كان قد أثبت لكل واحد منهما استقلالا فيكتفى بالثاني
وإن لم يثبت إلا الشركة فللقاضي أن ينصب قيما معه بدلا عن الميت فإنه ما رضي الأب إلا برأي شخصين
فلو جعل الثاني وصيا ونائبا عن الموصى وحده ففي جوازه وجهان
الثانية لو أوصى إلى زيد ثم أوصى إلى عمرو
فإن لم يقبل عمرو انفرد زيد بالتصرف
وإن قبل كان هذا تشريكا ولم يكن فسخا للأول بل ينزل منزلة الوحيدين
وإن أوصى إلى زيد ثم قال له ضممت إليك عمرا فإن قبل فهما شريكان
وإن قبل زيد دون عمرو فزيد مستقل به
وإن قبل عمرو دون زيد فلا يستقل لأن لفظ الضم لا يبنى إلا عن الشركة ورد زيد كموته فيفتقر إلى بدل عنه
الثالثة إذا اختلفا في تعيين من يصرف إليه الوصية من الفقراء والمساكين وشلا فالحاكم يتولى التعيين
ولو اختلفا في حفظ المال فيطلب موضعا مشتركا يكون محفوظا فيه عن جهتهما أو يتفقان على ثالث أو يقسم ما يقبل القسمة فينفرد كل واحد بحفظ البعض وما لا يقبل القسمة يتولى القاضي حفظه
ومن الأصحاب من قال الشافعي رحمه الله ذكر القسمة وأراد به ما إذا أثبت لكل واحد الاستقلال في الوصاية وإلا فكيف يتفرد بحفظ البعض وموجب الوصاية الاشتراك في الكل
النظر الثاني في أحكام الوصاية
وهي ستة
الأول أن يقضي الديون اللازمة في مال الصبي من أرش الجنابة والأعواض والكفارة عند القتل وينفق عليه بالمعروف
فلو تنازعا بعد البلوغ في مقدار الحاجة في النفقة فالقول قول الوصي لأنه أمين والإشهاد على النفقة متعذر في كل يوم
وكذا إذا تنازعا في كون البيع موافقا للغبطة فالقول قول الولي والوصي إذ الأصل عدم الخيانة
وإن تنازعا في دفع المال بعد البلوغ إليه فالظاهر أن القول قول الصبي إذ الأصل عدم الرد والإشهاد مأمور به عليه في كتاب الله تعالى
وكذلك إذا تنازعا في تاريخ موت الوالد إذ تكثر النفقة بطول المدة فالبينة على الوصى إذا الأصل عدم الموت وإقامة البينة على الموت ممكن
الحكم الثاني لا يزوج الوصي الأطفال وقد ذكرناه
الثالث لا يتولى الوصي طرفي العقد ولا يبيع ماله من نفسه بخلاف الأب فإنه جوز له ذلك لقوة الأبوة
نعم لو أن يوكل في التصرفات الجزئية كما للأب وليس له الإيصاء بخلاف الأب
الرابع الوصاية عقد جائز وللوصي عزل نفسه مهما شاء
قال أبو حنيفة رحمه الله ليس له عزل نفسه بعد موت الموصي
الخامس إذا لم يملك إلا عبدا وأوصى بثلث ماله فليس للوصي إلا بيع ثلث العبد
وقال أبو حنيفة رحمه الله له بيع الكل فإن التشقيص بنقص من الثلث
السادس للوصي أن يشهد على الأطفال وله أن يشهد لهم بما لا يستفيد بشهادته سلطنة واتساع تصرف حتى لو كان وصيا بالتصرف في الثلث وشهد لهم بمال لا يجوز إذ يتسع به الثلث فيتسع تصرفه
كتاب الوديعة

وهي مشتقة من قولهم ودع الشئ إذا سكن واستقر أي أنها مستقرة عند المودع
وقيل إنها مشتقة من قولهم فلان في دعة أي في خفض من العيش أي أن الوديعة في دعة غير متبلاة بالانتفاع
والنظر في أركان الوديعة وأحكامها
أما الأركان فالمودع والمودع والوديعة والصيغة
أما الوديعة
فهو كل مال تثبت عليه اليد الحافظة
أما المودع والمودع فلا يعتبر فيهما إلا ما يعتبر في الوكيل والموكل لأن الإيداع استنابة في الحفظ فلا يستدعي إلا التكليف من الجانبين
فرعان

أحدهما لو أخذ الوديعة من صبي ضمن إلا أن يخاف من الصبي الإهلاك فأخذه على قصد الحسبة
ففي ضمانه وجهان كما لو خلص طيرا من فم جارحة ليحفظه على صاحبه
الثاني لو أودع صبيا فأتلفه الصبي ففي الضمان قولان
أحدهما أنه لا يجب لأنه مسلط عليه فصار كما لو استقرض أو ابتاع فأتلف
والثاني أنه يجب لأنه متسلط على الحفظ لا على الإتلاف
وأما البائع والمقرض فقد سلطا على الإتلاف وشرطا عليه عوضا فقد الشرط وبقي التسليط
وهذا الخلاف جار في تعلق الضمان برقبة العبد إذا تلف بعد أن أودع ولا خلاف في تعلق الضمان بذمته فأما الصيغة
فهي أن يقول احفظ هذا المال أو استودعتك أو ما يفيد معناه
وفي اشتراط القبول لفظا ما ذكرناه في الوكالة وهاهنا أولى بأن يشترط لأنها أبعد عن مشابهة العقود
فإذا لم يشترط القبول لفظا فإذا أخذ الوديعة أو وضع بين يديه فرفعه كان ذلك قبولا
ولو قام من المجلس ولم يأخذ كان ذلك ردا للوديعة
ولو قام المالك أولا وخلى بينه وبين المودع لم تنعقد الوديعة فإن التخلية قد تقوم مقام القبض ولكن إذا استحق القبض
فإن قيل الوديعة عقد أو إذن مجرد
قلنا قد ذكر القاضي حسين فيه خلافا وبنى عليه التردد في أن المودع إذا عزل نفسه هل ينفسخ العقد وذكر فيه وجهين
أحدهما نعم لأنه عقد جائز
والثاني لا لأنه تسليط مجرد فيضاهي إباحة الأكل للضيف فلا معنى للفسخ فيه
فإن قلنا انفسخ بقيت الوديعة أمانة شرعية كما لو طير الريح ثوبا وألقاه في داره حتى لو تمكن من الرد على المالك ولم يرد ضمن على أحد الوجهين
أما حكم الوديعة

فهو أنه عقد جائز من الجانبين ينفسخ بالجنون والإغماء والموت
وموجب العقد التسلط على الحفظ بالمعروف وأنه إن تلف بغير تقصيره فلا ضمان وأنه مهما طلب المالك وجب التمكين من الأخذ
فالنظر إذا في الضمان ورد العين
أما الضمان فسببه التقصر وللتقصير ثمانية أسباب
السبب الأول أن يودع عند غيره من غير عذر

فيضمن لأنه لم يرض المالك بيد غيره
ولا فرق بين أو يودع زوجته أو عبده أو أجنبيا إلا أن يسلم إلى عبده وزوجته ليوصله إلى حرزه أعني حرز المودع
وإن أودع القاضي وقبله القاضي فلا ضمان لأنه ربما يتبرم الحفظ فلا يلزمه المداومة عليه ولا شبهة في أمانة القاضي
وإن أبي القاضي أن يأخذ هل يجوز له ذلك فيه وجهان
أحدهما لا يجوز لأنه نائب عن كل غائب فلقبض عنه
والثاني لا يلزمه لأنه التزم الحفظ فيكف به
وفي وجوب قبول المغصوب من الغاصب وجهان مرتبان وأولى بأن لا يلزم لأنه في يد الغاصب مضمون
وفي وجوب قبول الدين ممن عليه وجهان مرتبان على المغصوب وأولى بأن لا يلزم لأن الدين غير معرض للتلف في ذمته ولا يثقل عليه حفظه هذا إذا أودع غيره بغير عذر
فإن حضره سفر فليرده على المالك فإن عجز فإلى القاضي فإن عجز فإلى أمين فإذا فعل شيئا من ذلك لم يضمن
وإن عجز عن الكل فوجهان
أحدهما أنه يسافر ولا ضمان للضرورة
والثاني أنه يضمن فإنه التزم الحفظ فاليتعرض لخطر الضمان أو ليترك السفر
السبب الثاني السفر بالوديعة

وهو سبب للضمان إذا لم يكن عذرلأن المسافر وماله لعلى قلت إلا ما وقى الله تعالى إلا إذا أخذه في السفر فله استدامة السفر
وقال أبو حنيفة رحمه الله يسافر به إذا كان الطريق آمنا
أما إذا كان بعذر مثل حريق أو نهب أو غارة في البلد فلا ضمان في السفر به
وإن كان العذر حاجته إلى السفر فقد ذكرنا حكمه
فرع

لو حضره الوفاة فحكمه حكم من حضره سفر فليودع الحاكم أو أمينا إن عجز عن الحاكم أو ليوص إلى وارثه وليشهد عليه صيانة عن الإنكار
فإن سكت ولم يخبر به أحدا ضمن إلا إذا مات فجأة
ولو أوصى إلى فاسق ضمن
وإن أوصى إلى عدل فلم توجد الوديعة في تركته فلا ضمان ويحمل على أنها ضاعت قبل موته
وإن قال عندي ثوب وله أثواب ضمن لأنه صيغة بالخلط
ولو لم يوص فوجد في تركته كيس مختوم مكتوب عليه أنه وديعة فلان فلا يجب تسليمه بمجرد ذلك فلعله كتبه تلبيسا أو بملك بعد الكتيبة ولم يغير المكتوب
السبب الثالث نقل الوديعة من قرية إلى قرية

فإن نقلها من قرية آهلة إلى قرية غير آهلة ضمن لأن قرية آهلة أحرز في حقه
وإن كان بالعكس وبينهما مسافة تسمى سفرا ضمن لأنه سافر به
وإن لم تكن فإن كانت قرية غير آهلة مثل الأولى أو أحرز فلا ضمان لأنه زاد خيرا
وإن كان دونه ضمن لأنه نقص الأحزار فكان كما لو سافر به
وإن نقلها من بيت في داره إلى بيت آخر وهو مثل الآخر أو فوقه لم يضمنوإن كان دونه ضمن مهما كان البيت الأول معينا من المالك
وإن قال مالك احفظ في هذا البيت ولا تنقل فنقل إلى ما هو فوقه أو مثله ضمن لمخالفته صريح الشرط إلا إذا نقل بعذر حريق أو نهب أو غارة
فروع أربعة

الأول حيث جوزنا النقل إلى مثله فانهدم البيت المنقول إليه فتلفت الوديعة ضمن لأن ذلك جوز بشرط سلامة العاقبة
وإنما لا يضمن إذا جاء التلف من ناحية أخرى
وكذا إذا قال احفظ في هذا البيت ولا تدخل عليها أحدا فأدخل إنسانا وتلف لا من ناحية الداخل لم يضمن وإن تلف من جهة الداخل ضمن
وكذلك مكتري الدابة للركوب إذا ركبها في الإصطبل فماتت لم يضمن وإن انهدم عليها الإصطبل ضمن
الثاني إذا قال احفظ في هذا البيت ولا تنقل وإن وقعت ضرورة
فإن نقل بغير ضرورة ضمن من أي جهة كان التلف لأنه تصرف في ماله مع نهيه عنه
وإن وقعت ضرورة فتركها لم يضمن لأنه مأذون في التضييع ولكن الأولى أن ينقل لأن التضييع مكروه
ثم إذا نقل ففي الضمان وجهان كما في المحتسب مع الغاصب بإخراج المغصوب من يده
ووجه الضمان أنه أثبت اليد على ماله بغير إذنه فكان الاحتساب جائزا بشرط إيصاله إليه أو ركوب غرر الضمان
الثالث لو نقل من ظرف إلى ظرف كصندوق أو كيس فإن كان الظروف للمالك فتصرفه فيها بالنقل المجرد ليس بمضمن إلا إذا فض الختم أو حمل القفل
هذا ما دل عليه مطلق كلام الشافعي رضي الله عنه
وإن كان الظرف للمودع فحكمه حكم البيت في النقل إلى الأحرز أو المثل أو الأضعف
الرابع لو قال له لا تنقل فادعى أنه نقل لضرورة فإن كان سبب الضرورة مشهورا فالقول قوله إلا فالقول قول المالك فإن الأصل عدم السبب وكونه مخالفا للفظ بظاهره
السبب الرابع التقصير في دفع المهلكات

وفيه مسألتان
إحداهما إذا أودعه دابة فترك العلف والسقي ضمن إلا إذا كان مأذونا في تركه فيعصي ولا يضمن
ثم العلف لا يلزمه من ماله بل يرفع الأمر إلى القاضي حتى يستقرض على المالك فإن عجز وأنفق من ماله وأشهد ففي الرجوع خلاف
فإن قلنا إنه يرجع فقد نزلناه منزلة الحاكم فله أن يبيع جزءا من الدابة إن لم يجد طريقا إلى النفقة سواه
فرع
لو أمر غلامه بالعلف والسقي وكان عادته ذلك جاز
وإن كان عادته المباشرة بنفسه فاستناب في الوديعة غيره حتى ثبت يده عليها في السقي ضمن
وقال ابن سريج لا يضمن لأن يد خادمه وصاحبه كيده في العادة
والأظهر أنه إن أخرجه بنفسه للسقي والطريق آمن لم يضمن
قال الإصطخري يضمن لأنه أخرج الوديعة من الحرز من غير حاجة إلا إذا عجز عن السقي في المنزل
المسألة الثانية الثوب الذي يفسده الدود من الخز والصوف ولو ترك صيانتهبالنشر والتعريض للرياح ضمن
وإن كان لا ينتفي الدود إلا بأن يلبسه ويعبق به ريح الآدمي فله لبسه
السبب الخامس الانتفاع

فإذا لبس الثوب أو ركب الدابة ضمن إلا أن يلبس الثوب لدفع الدود أو ركب الدابة ليدفع الجموح عند السقي
وكذلك إذا أخذ الدراهم ليصرفها إلى حاجته ضمن بالأخذ وإن لم يصرفه إلى حاجته
وقال أبو حنيفة لا يضمن بمجرد الأخذ
ونحن نزيد على هذا فنقول لو حل ختم الكيس ضمن ما في الكيس لأنه يعد خيانة على الكيس
وهل يضمن الكيس في نفسه فيه وجهان
أما إذا حل عقدا على الكيس من نفس الكيس أو من خيط وأعاده لم يضمن لأن ذلك لا يعد خيانة
ولو أخرج الدابة ليركبها فلم يركبها ضمن
ولو نوى إخراج الدابة وأخذ الدراهم فلم يأخذ ولم يخرج لا يضمن
بخلاف الملتقط فإنه يضمن بالنية لأن سبب أمانته نيته فتغيرت الأمانة بتغير النية وهاهنا سبب الأمانة إثبات المالك يده فلا تتغير إلا بعد وأن في عين المال
وقال ابن سريج يضمن كالملتقط
ومن الأصحاب من قال لو نوى أن لا يرد على المالك ضمن بمجرد النية لأنه صار به ممسكا على نفسه
فرعان

أحدهما لو ضمن الدرهم بالأخذ فرده إلى الكيس
فإن لم يختلط فالضمان مقصود عليه وإن اختلط فوجهان
أحدهما أنه يضمن لأنه خلط بالمضمون فهو كما لو خلط درهما لنفسه به فإنه يضمن الكل
والثاني لا يضمن لأنه خلط ملكه بملكه بخلاف ما إذا خلط به ملك نفسه فإنه تعذر به تسليم ملك المالك
الثاني إذا أتلف بعض الوديعة لم يضمن الباقي إذا كان المتلف منفصلا كما لو أتلف أحد الثوبين
وإن كان متصلا كما لو قطع ذراعا من الثوب أو طرفا من الدابة فإن كان عامدا ضمن لأنه خيانة على الكل
وإن كان خطأ ضمن المفوت وفي الباقي وجهان أظهرهما أنه لا يضمن لأنه لا يعد خائنا في السهو
السبب السادس التقصير بكيفية الحفظ
وفيه ثلاث صور
الأولى إذا سلم إليه صندوقا وقال لا ترقد عليه فرقد
قال الشافعي رضي الله عنه فقد زاده خيرا فلا يضمن
وقال مالك رحمه الله يضمن لأنه أغرى اللص به
وما ذكره متجه إذا أخذ السارق من جنب الصندوق في الصحراء فإن هذا من قبيل المخالفة الجائزة بشرط سلامة العاقبة
الثانية سلم إليه دراهم وقال اربطه في كمك فأمسكها في يده
فإن أخذه غاصب فلا ضمان لأن اليد أحرز في هذه الحالة
وإن استرخى بنوم أو نسيان ضمن لأن الربط أحرز هاهنا
ولو ربط في كمه قال الشافعي رضي الله عنه إن جعل الخيط الرابط خارج الكم ضمن لأنه أغرى للطرار به وإن جعله داخل الكم لم يضمن
فقال المحققون هذا إنما يستقيم إذا ضاع من جهة الطرار فإن ضاع بالاسترسال فينبغي أن يكون الحكم بالعكس من هذا
الثالثة أودعه خاتما
قال أبو حنيفة رحمه الله إن جعله في خنصره ضمن لأنه مستعمل وفي إصبع آخر لا يضمن لأنه إحراز
وما ذكره غير بعيد عن القياس إلا إذا كان تضيق الحلقة عن غير الخنصر فالحفظ فيه محمول على قصد الإحراز
السبب السابع التضييع
وله صور
الأولى أن يلقيه في مضيعة فيضمن
ويلتحق به ما لو دل سارقا عليه أو دل من يصادر المالك عليه فإنه يضمن لأنه خالف الحفظ الملتزم بخلاف من لا يد له على المال فإنه إذا دل لم يضمن لأنه لم يلتزم الحفظ ولم يتصرف في المال
الثانية إذا ضيع بالنسيان
فقد سئل الخضري عن زوجة سلمت خلخالا إلى زوجها ليسلمه إلى صائغ فتسلم ونسي الصائغ
فقال إن لم يشهد يضمن بالتقصير في الإشهاد وإن أشهد فلا يضمن وإن مات الشهود أو نسوه
وهذا مصير إلى أن النسيان ليس بتقصير وهو غير بعيد ومن أصحابنا من قال يضمن بالنسيان فإن حق المودع التحفظ والنسيان لا يؤثر في دفع الضمان
الثالثة إذا أكرهه ظالم على التسليم فقرار الضمان على الظالم وفي توجه المطالبة على المكره وجهان جاريان في المكره على إتلاف مال الغير هذا إذا لم يقدر على دفع الظالم
فإن قدر على دفعه بإخفاء الوديعة فلم يفعل ضمن
فإن حلفه الظالم فليحلف وليكفر ولا بأس بأن يحلف كاذبا إذا كان مقصوده حفظ حق الغير وقد جوز الشرع كلمة الردة لحفظ النفس
ولو حلف بالطلاق فإن حلف طلقت زوجته لأنه قدر على الخلاص بتسليم الوديعة وإن سلم الوديعة ضمن لأنه قدر على أن لا يسلم بالحلف
وهو كما لو خير بين أن يطلق إحدى زوجتيه لا على التعيين إكراها فعين إحداهما للطلاق وقع الطلاق
السبب الثامن للضمان الجحود

وجحود الوديعة مع غير المالك ليس بمضمن إذ عادة الوديعة الإخفاء وأما مع المالك فبعد المطالبة بالرد مضمن
وإن لم يطالب ولكن قال لي عندك شئ فسكت لم يضمن وإن أنكر فوجهان
أحدهما لا لأن الجحود بعد الطلب
والثاني أنه يضمن لأنه جحود إذا وقع بعد السؤال
فرع

إذا جحد فالقول قوله مع يمينه
فإن أقام المودع بينة على الإيداع فادعى الرد أو التلف قبل الجحود نظر إلى صبغة جحوده
فإن قال ليس لك عندي شئ فقوله مقبول في الرد والتلف لأنه لا مناقضة بين كلاميه
وإن أنكر أصل الوديعة فقوله في الرد والتلف لا يقبل
فلو أقام عليه بينة ففيه وجهان
أحدهما لا يمكن لأن البينة تنبني على الدعوى ودعواه باطلة بما سبق من قوله المناقض لها
والثاني أنه يقبل لأنه كاذب في أحد قوليه لا محالة والبينة تبين أن الكذب في الأول لا في الثاني
هذا ما أردنا أن نذكره من أسباب الضمان ومهما جرى سبب الضمان فعاد أمينا وترك الخيانة لم يبرأ عن الضمان عندنا خلافا لأبي حنيفة
فلو استأنف المالك إيداعه فالظاهر أنه يزول الضمان
وفيه وجه أنه لا يزول إلا بإزالة يده كضمان يد البائع
النظر الثاني في رد العين إذا كانت باقية

وهو واجب مهما طلب المالك فإن أخر بغير عذر ضمن
وإن كان في جنح الليل وتعذر عليه الوصول إليه لم يضمن
وإن كان في جماع أو على طعام لم يعص بالتأخير في هذا القدر ولكنه جائز بشرط سلامة العاقبة فإن تلف بهذا التأخير ضمن
وإن عين وكيلا ليرد عليه لزمه الرد مهما طالبه
فإن تمكن ولم يطالبه الوكيل ففي الضمان كنظيره في الثوب إذا طيره الريح في داره
وحقيقة الوجهين أن الأمانة الشرعية تتمادى إلى التمكن من الرد أو إلى المطالبة بالرد وبعد أن أمره بالرد على الوكيل فقد عزله وصارت أمانة شرعية
فرعان

أحدهما لو طالبه بالرد فادعى التلف فالقول قوله مع يمينه إلا أن يدعى التلف بحريق أو نهب أو غارة فإنه لا يصدق ما لم يستفض أو لم تقم عليه البينة لأنإقامة البنية عليه سهل
ولو أطلق دعوى التلف وطالبه المالك بتفصيل السبب فلا يلزمه البيان وليس عليه إلا يمين على التلف
فأما إذا ادعى الرد نظر فإن ادعى الرد على من ائتمنه فالقول قوله مع يمينه فإنه اعترف بأمانته فلزمه قبول يمينه
وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه كما إذا ادعى الرد على وارث المالك بعد أن مات المالك أو ادعى وارث المودع الرد على المالك أو ادعى المتلقط أو من طير الريح ثوبا في داره ردا على المالك فهؤلاء لا يصدقون إلا ببينة
وكذلك إذا ادعى الرد على وكيل المالك وأنكر الوكيل فالقول قول الوكيل ولا يجب على المالك تصديق الموجع لأن الخصومة أولا مع الوكيل
وقال أبو حنيفة رحمه الله يلزمه تصديقه لأن وكيله بمنزلته
وإن اعترف بالتسليم ولكن نسب المودع إلى التقصير بترك الإشهاد أو أنكر وكيله فهل يتضمن بهذا التقصير فيه وجهان
أحدهما نعم كما إذا وكله بقضاء دين فلم يشهد
والثاني لا لأن الوديعة عادتها الإخفاء ولا ينفع الإشهاد مع الوكيل فإنه إن كان يستجيز الخيانة فيدعي التلف أو الرد ويكون مصدقا بيمينه بخلاف مستحقالدين فإنه لا حيلة له مع الإشهاد
والخلاف في وجوب الإشهاد جار في الوصي إذا رد المال على اليتيم بعد بلوغه
فإن قلنا يجب الإشهاد فتنازعا في جريانه فالأصل عدمه والقول قول المالك في عدمه
فإن قيل فلو أودع المودع عند إنسان آخر لإذن المالك عند سفره فهل يصدق المودع الثاني في دعوى الرد
قلنا ينظر فإن عينه المالك صدق في دعوى الرد على المالك لأنه مودع من جهته
وإن لم يعينه ولكن قال أودع أمينا فعينه المودع الأول فلا يصدق إلا في دعوى الرد على المودع الأول فأما على المالك فلا
الثاني إذا ادعى رجلان وديعة عند إنسان فقال هو لأحدكما وقد نسيت عينه
فإن اعترفا له بعدم العلم فلا خصومة لهما معه وفي الوديعة قولان
أحدهما أنه تنقل إلى يد أمين وتوقف إلى أن تفصل الخصومة بطريقها لأن هذا الأمين انعزل بمطالبتها بالرد
والثاني أنه يترك في يده فإنه أمين حاضر فلا معنى لاستئناف أمين آخر
ثم هذا المال يجعل كأنه في يدهما وقد تنازعاه أو يجعل كمال في يد ثالث تداعاه أجنبيان فيه وجهان قال القاضي حسين يجعل الشئ في يدهما لأن الحق لا يعدوهما باتفاق الجميع
وقال المحاملي لا يجعل في يدهما فإنه لم يثبت لأحدهما يد
أما إذا ادعيا العلم على المودع فيكفيه أن يحلف لهما يمينا واحدة على النفي
وقال أبو حنيفة رحمه الله يحلف لكل واحد منهما يمينا
فإذا حلفناه فإن حلف عاد الأمر كما كان في الصورة الأولى
فإن نكل حلفا يمين الرد فإذا حلفا ضمن المودع القيمة وجعلت القيمة أيضا في يدهما فيحصل كل واحد منهما على نصف الوديعة ونصف القيمة
فإن سلم العين لأحدهما دون الآخر ببينة أو يمين مردودة رد من سلم العين له نصف القيمة التى في يده إلى المودع إذ وصل إليه المبدل
وأما الآخر فلا يرد النصف الذى في يده لأنه استحقها بيمين مردودة من جهة المودع وما رجع إليه مبدله
هذا كله تفريع من الأصحاب على أن المودع لا يضمن بالنسيان وقد ذكرنا وجها في تضمينه فعلى هذا يضمن بمجرد النسيان ولا يحتاج إلى النكول واليمين والله أعلم
كتاب قسم الفيء والغنائم
وفيه بابان
الباب الأول في الفيء

وهو كل مال لكافر فاء إلى المسلمين من غير إيجاف خيل ولا ركاب
كما إذا انجلوا عنه خوفا من المسلمين من غير قتال أو بذلوه للكف عن قتالهم وهو مخمس كما سيأتي تفصيله
وكذلك ما أخذ بغير تخويف كالجزية والخراج عن أراضيهم والعشر من تجارتهم
ومال المرتد ومال من مات منهم ولا وارث له فالصحيح أن هذا أيضا يخمس لعموم قوله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله }
الطرف الأول في الخمس

وهو مقسوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أسهم إذ كان الفيء كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم
السهم الأول لله ولرسوله

فهو مصروف إلى مصالح المسلمين لأنه صلى الله عليه وسلم تناول من الأرض وبرة من بعير فقال
والذى نفسي بيده ما لي مما أفاء الله إلا الخمس والخمس مردود عليكم
وأراد به ما بعد الوفاة
والرد على الجملة بالصرف إلى المصالح العامة كسد الثغور وعمارة القناطر وأرزاق القضاة وغيرها
ومن الأصحاب من قال يصرف سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإمام فإنه خليفته
السهم الثاني لذوي القربى

وهم المدلون بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبني هاشم وبني المطلب دون غرهم منبني عبد شمس وبني نوفل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم على هؤلاء ومنع أولئك
وقال أبو حنيفة رحمه الله الخمس يقسم بثلاثة أسهم فأما سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسم ذوي القربى فقد سقطا بوفاته صلى الله عليه وسلم
وقال بعض العلماء يقسم بستة أسهم وسهم الله تعالى يتميز عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصرف إلى زينة الكعبة ومصالحها
وهو باطل لقوله عليه السلام
الخمس مردود عليكم
ولو صح ذلك لكان نصيبه سدسا
وإذا ثبت أنه لذوي القربى فيشترك في استحقاقه أغنياؤهم وفقراؤهم لأن العباس كان يأخذ منه وكان من أغنيائهم ويشترك فيه الصغير والكبير والنساء والرجال والحاضر في ذلك الإقليم والغائب تعلقا بعموم القرابة ويفضلالذكر على الأنثى لأنه مستحق بالقرابة فيشبه الميراث هذا نص الشافعي رضي الله عنه
وقال المزني يسوى كالوصية للأقارب وهو القياس
فرع

قال العراقيون أولاد البنات لا يستحقون فإنه لا نسب من جهة الأمهات وهذا مستحق بالنسب
وذكر القاضي حسين أن من يدلي بجهتين يفضل على من يدلي بجهة واحدة كما يقدم الأخ من الأب والأم على الأخ للأب
وهذا يدل على أن الإدلاء بالأم له أثر في الاستحقاق عند الاجتماع فلا يبعد عن القياس أن يؤثر عند الانفراد مع شمول اسم القرابة
السهم الثالث لليتامى

وهو كل طفل لم يبلغ الحلم ولا كافل له من أولاد المرتزقة وغيرهم
وقال القفال يختص بأولاد المرتزقة وهو بعيد
نعم هل يشترط كونه فقيرا فعلى وجهين
أحدهما لا كما لا يشترط في ذوي القربى لأنه زيادة شرط على الوصف المذكور
والثاني نعم لأن لفظ اليتيم ينبئ عن الحاجة إلى التعهد والغني الذى يتعهد غيره من ماله بالزكاة والنفقة يبعد فهمه عن الآية
السهم الرابع سهم المساكين

ويجوز صرفه إلى الفقير فإنه أشد حاجة منه
السهم الخامس لأبناء السبيل وسيأتي بيان الصنفين في تفريق الصدقات

فإن قيل فهل يجب التسوية بينهم
قلنا أما الأسهم الخمس فلا بد وأن تتساوى في الأصل
وأما سهم ذوي القربى فيقسم على السوية إلا بسبب الذكورة والأنوثة
وأما المستحق باليتم والمسكنة والسفر فيتفاوت بتفاوت الحاجة
الطرف الثاني في الأخماس الأربعة

وقد كان ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الخمس وبعده فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه مردود إلى المصالح كالخمس من الخمس المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثاني أنه يقسم على الجهات كما يقسم الخمس فعلى هذا يقسم جملة الفيء بخمسة أقسام وعليه يدل ظاهر قوله تبارك وتعالى { ما أفاء الله على رسوله }
والثالث وهو الأظهر أنه للمرتزقة المقاتلين كأربعة أخماس الغنيمة فإنها للحاضرين في القتال إذ كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الكفار كانوا يحذرون منه والآن يحذرون من جند الإسلام
وذهب بعض الشيعة إلى أنه موروث منه لأقاربه وهو باطل لقوله عليه الصلاة والسلام
نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
وإذا ثبت أنه للمقاتلين فليراع الإمام في القسمة سبعة أمور
الأول أن يضع ديوانا يحصي فيه المرتزقة بأسمائهم وينصب لكل عشرة منهم عريفا يجمعهم في وقت العطاء ليكون أسهل عليه
الثاني أن يسوي ولا يفضل أحدا بسبق في الإسلام ولا سن نسب بل يعطي كل واحد على قدر حاجته فيزيد بزيادة الحاجة ولا يعطيه ما يقصر عن كفايته وكفاية زوجته وأولاده لأنهم كفوا المسلمين أمر الجهاد فليكفوا أمر النفقة
فلو كان لواحد أربع زوجات أنفق على الكل ويبفق على عبده وفرسه فإن لم يكن له عبد وفرس واحتاج إليه اشتراه له
ولو كان له عبيد للخدمة لا ينفق على أكثر من واحد لأنه لا حصر لهم بخلاف الزوجات
ويعطي الولد الصغير كما يعطي الكبير وكلما كبر فزادت حاجته زاد في جرايته
وكان عمر رضي الله عنه يفضل البعض على البعض وأبو بكر رضي الله عنه كان يسوي بينهم فرأى الشافعي رضي الله عنه الاقتداء بالصديق رضوان الله عليه تشبيها بالغنيمة فيسوي فيها بين الشجاع والضعيف
الثالث أن يقدم في الإعطاء الأولى بالتقديم
فيقدم قريشا ويقدم من جملتهم بني هاشم وبني عبد المطلب فيسوي بينهم لأنه عليه الصلاة والسلام شبك بين أصابعه في تمثيلهم تنبيها على التسوية
نعم إن كان فيهم مسن قدم الأسن ثم يعطي بعدهم بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد مناف ويقدم بني عبد شمس لأن عبد شمس أخوها هاشم من أبيه وأمه ونوفل أخوه من أبيه لا من أمه ثم يعطى بنو عبد العزى وبنو عبد الدار ويقدم بنو عبد العزى على بني عبد الدار لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكذلك يعطى الأقرب حتى تنقضي قريش ثم يقدم الأنصار على سائر العرب
ويعطى بعد ذلك العجم
وإذا تساوت الرتب قدم بالسن أو بالسبق إلى الإسلام ولم يقدم بسبب سوى ما ذكرناه
الرابع لا يثبت ابتداء في الديوان اسم صبي ولا مجنون ولا عبد ولا ضعيف إذ لا كفاية فيهم بل يثبت اسم الأقوياء البالغين المستعدين للغزو إذا أمروا
فإن طرأ الضعف والجنون
فإن طرأ الضعف والجنون فإن كان يرجى زواله فلا يسقط الاسم وإن كان لا يرجى فيسقط اسمه وإذا مات فما كان يعطي زوجته وأولاده في حياته هل يبقى عليه بعد موته وجهان
أحدهما أنه يسقط إذا كان ذلك بطريق التبعية والآن فقد مات المتبوع وليس في أنفسهم قوة الجهاد
والثاني أنه يستصحب إذ المجاهد إذا علم أن ذريته مضيعون بعد وفاته اشتغل بالكسب في أنفسهم قوة الجهاد
فعلى هذا يعطي للزوجة إلى أن تتزوج فإذا استغنت بزوجها سقط حقها ويبقى حق الصبيان إلى البلوغ فإن بلغوا عاجزين بجنون أو ضعف أو أنوثة استمر ما كان وكأنهم لم يبلغوا
وإن صلحوا للقتال خيروا فإن اختاروا الجهاد استقلو باثبات الاسم وإن أعرضوا التحقوا بالمكتسبين انقطع حقهم
الخامس ينبغي أن تفرق أرزاقهم في أول كل سنة ولا يكرر القسمة في كل أسبوع وشهر فإن الحاجة في المال تتكرر بتكرر السنة إلا أن تقتضي المصلحة ذلك فله اتباعها
فلو مات واحد بعد أن جمع المال ومضت السنة كان نصيبه لورثته والحول فلا حق لورته
وإن كان بعد الجمع وإن مات قبل الجمع وقبل انقضاء السنة فقولان
ينظر في أحدهما إلى حصول المال وفي الثاني إلى أن النصرة لم تكمل بالسنة وهي لا تجزأ
السادس إن كان من جملة الفيء أراض فخمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها يكون وقفا هكذا قاله الشافعي رضي الله عنه
فمن الأصحاب من قال هو تفريع منه على أنه للمصالح والمصلحة في الوقف لتبقى الغلة على المسلمين في الدوام وعلى القول الآخر يقسم على المرتزقة كالمنقول
ومنهم من قال وإن قلنا إنها للمرتزقة فنجعلها وقفا لتكون رزقا مؤبدا عليهم بخلاف الغنيمة إذ لا مدخل للاجتهاد فيها فلذلك لا يفضل أحد على غيره لحاجة ومصلحة
فإن قلنا بالوقف فمنهم من قال أراد الشافعي رضي الله عنه الوقف الشرعي الذي يحرم به البيع والقسمة
ومنهم من قال أراد التوقف عن قسمة الرقبة وقسمة الغلة دون الوقف الشرعي
السابع إذا فضل شيء من الأخماس الأربعة عن قدر حاجتهم فيرد عليهم ويوزع وإن زاد على كفايتهم
إلا إذا فرعنا على أنه للمصالح وأنه يصرف إليهم لأنه أهم المصالح فحينئذ إن ظهرت مصلحة أهم منه لم ترد الزيادة عليهم والله أعلم
الباب الثاني في قسم الغنائم

والغنيمة كل مال تأخذه الفئة المقاتلة على سبيل القهر والغلبة من الكفار
فخمسها يقسم بخمسة أقسام كخمس الفيء وأربعة أخماسها للغانمين فيتطرق إليها النفل والرضخ والسلب ثم القسمة بعده
النظر الأول في النفل

وهو زيادة مال يشترطه أمير الجيش لمن يتعاطى فعلا مخاطرا يفضي إلى الظفر بالعدو كتقدمه طليعة أو تهجمه على قلعة أو دلالته على طريق بلد والنظر في قدره ومحله
أما محله فيجوز أن يكون من بيت مال المسلمين لأنه من المصالح فإن شرط منه فليكن قدر المال معلوما لأنه جعالة
ويجوز أن يكون مما يتوقع أخذه من مال المشركين من خمس الخمس وعند ذلك لا يشترط كونه معلوما فقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث في الرجعة والربع في البدأة
وحكى القاضي عن القديم قولا أنه لا يختص بخمس الخمس والمصالح بل يعطون الثلث والربع مما أخذوا من أصل المال لا من خمس الخمس والباقي يكون غنيمة مشتركة
وعلى هذا فهل يخمس ما اختصوا به فيه قولان كما سيأتي في الرضخ
فرع

لو قال الأمير من أخذ شيئا فهو له وأراد أن يجعل كل ما أخذه نفلا
فقد قال الشافعي رضي الله عنه لو قال قائل بذلك كان ذلك مذهبا وقد قال به أبو حينفة رضي الله عنه
فقال الأصحاب هو ترديد قول
فعلى قول يجوز لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال يوم بدر من أخذ شيئا فهو له
والأصح أنه لا يجوز والحديث غير صحيح
وقد قيل إن غنائم بدر كانت له عليه الصلاة والسلام خاصة يفعل فيها ما يشاء
أما قدره فباجتهاد الإمام وليكن على قدر خطره في العمل ولذلك زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجعة لأن خطر التخلف عن العسكر في آخر القتال أعظم من خطر التقدم قبل القتال
والأظهر أن ذلك كان ثلث خمس الخمس وربع خمس الخمس
وقيل معناه إن يزاد لكل واحد مثل ثلث حصته أو مثل ربعه
النظر الثاني في الرضخ

وهو قدر من المال تقديره إلى رأي الإمام بشرط أن لا يزيد على سهم رجل من الغانمين بل ينقص كما ينقص التعزير من الحد
ومصرفه العبيد والصبيان المراهقون والنساء
والكفار الذين حضروا الواقعة فليس لهم رتبة الكمال حتى يدخلوا في القسمة
وفي المحل الذي يخرج منه ثلاثة أقوال
أحدها أنه من أصل الغنيمة تقديما على الكل كأجرة النقل والحمل
والثاني أنه من خمس الخمس كالنقل على الرأي الأصح
والثالث وهو الأقيس أنه من الأخماس الأربعة لأنه سهم من الغنيمة استحقاقه بشهود الوقعة لكنه دون سائر السهام
فرع

الكافر إذا حضر بغير إذن الإمام أو حضر بأجرة قدرها الإمام فلا شيء له من الرضخ وللأمام أن يستأجر أهل الذمة بشيء من المال
فأما العبد إذا حضر استحق الرضخ مأذونا كان من جهة السيد أو الإمام أو لم يكن قاتل أو لم يقاتل
وكذا النساء والصبيان واعتبار الإذن في حق الكافر لأنه متهم
النظر الثالث في السلب

وهو القاتل نادى الإمام أو لم يناد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله لعموم قوله عليه الصلاة والسلام
من قتل قتيلا فله سلبه
ثم النظر في أربعة أركان
الركن الأول في سبب الاستحقاق

وهو ركوب الغرر في قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي بالكلية شره فالحد مقيد بثلاث شرائط
الأول ركوب الغرر فلو رمى من حصن أو من وراء الصف وقتل لم يستحق لأن السلب حث على الهجوم على الخطر
والثاني أنه إن قهر الكافر بالإثخان وإن لم يقتلهاستحق وإن قتله غيره لم يستحق قتل ابن مسعود أبا جهل فلم يعط سلبه إذ كان أثخنه غيره
ولو اشترك رجلان في القتل اشتركا في السلب
وقطع اليدين والرجلين جميعا إثخان وقطع اليدين دون الرجلين أو الرجلين دون اليدين فيه قولان لأنه يعدو برجله عند فقد اليد فيجمع العسكر ويقاتل بيده راكبا عند فقد الرجل
أما إذا أسر كافرا وسلمه إلى الإمام فقولان
الأصح أنه يستحق سلبه لأنه قهر تام بما يكفي شره
والثاني لا لأنه لم يقتل ولا مهد سبيل القتل بالجراحة
وعلى الصحيح لو فاداه الإمام أو استرقه ففي رقبته ومال الفداء قولان في أنه هل يكون من جملة السلب
الشرط الثالث كون القتيل مقبلا على القتال فلو قتل منهزما أو نائما أو مشغولا بالأكل لم يستحق
الركن الثاني في المستحق

وهو كل من يستحق السهم الكامل من الغانمين
ومستحق الرضخ هل يستحق السلب إذا قتل فيه وجهان
أحدهما نعم لعموم قوله عليه الصلاة والسلام
من قتل قتيلا فله سلبه
والثاني لا لأنهم كما استثنوا عن عموم آية الغنيمة يستثنون عن عموم الحديث
أما الذمي إذا قتل فلا يستحق السلب قطع به القاضي وذكر وجهين فيمن قتل امرأة كافرة أو مراهقا كافرا في أنه هل يستحق سلبه
ومنشأ التردد تعلق التحريم بالقتل
الركن الثالث في حد السلب

وهو كل ما تثبت يد القتيل عليه مما هو عدة القتال وزينة المقاتل كثيابه وسلاحه وفرسه
وما خلفه في خيمته من كراع وسلاح لا يستحقه القاتل
والصحيح أنه يستحق ما معه من الخاتم والسوار والمنطقة
وما معه من الدنانير التي استصحبها للنفقة فقولان مشهوران
أقيسهما أنه يستحق لأن جملة ما معه مطمع المقاتل
والثاني لا يستحق كالحقيبة المشدودة على فرسه وفيها أقمشة ودنانير فإنه لا يملك اتفق عليه الأصحاب
وقال القاضي لا بد من أجراء الخلاف فيه والقياس ما قاله
وأما الدابة التي معه ففيه قولان
أحدهما لا يستحق لأنه ليس مقاتلا عليها
والثاني نعم لأنه قد يعجز الواحد فيقاتل على الثاني فهو كما لو كان يقاتل راجلا وهو قابض للجام فرسه فإنه يستحق سهم الفرس
الركن الرابع في حكم السلب

وحكمه أنه يفرز من رأس المال الغنيمة لصاحبه ثم تقسم الغنيمة بعده ولا ينحصر في خمس الخمس بخلاف الرضخ والنفل على رأي
وهل يخرج الخمس من السلب
ذكر الفوراني قولين والقياس
أنه يخرج ولكن نقل عن خالد بن الوليد أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس فاتباع الحديث أولى
النظر الرابع في قسمة الغنيمة
وفيه مسائل
الأولى إذا ميز الإمام الخمس والسلب والرضخ والنفل على التفضيل الذي تقدم قسم الباقي على الغانمين بالسوية وقسم العقار كما يقسم المنقول ويعطي الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما واحدا ولا يؤخر القسمة إلى دار السلام هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز القسمة في دار الحرب ولا يعطى الفارس إلا سهمين ويتخير الإمام في العقار بين الرد على الكفار أو الوقوف على المسلمين أو القسمة على الغانمين
والكل مردود عليه بالأحاديث
الثانية مستحق الغنيمة من شهد الوقعة مع تجريد القصد لنصرة المسلمين فلو لم يحضر في الابتداء ولحق بعد حيازة الغنيمة وانقضاء الحرب لميشترك في الاستحقاق
وقال أبو حنيفة رحمه الله يشترك في الاستحقاق إذا لحق في دار الحرب
وإن لحق قبل انقضاء الحرب شارك في الاستحقاق لشهود الوقعة وحصول الغناء
وإن كان بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة فقولان ينظر في أحدهما إلى سبب الحيازة وهو القتال وفي الثاني إلى نفس الحيازة
أما الثاني إذا حضر في الابتداء ثم مات فإن كان بعد انقضاء القتال انتقل سهمه إلى ورثته لأنه ملك بتمام القتال
وإن كان قبل الشروع في القتال فلا حق لورثته
وإن كان في أثناء القتال نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لا حق لورثته ولكن نص في موت الفرس في أثناء القتال أنه يستحق سهمه
فمن الأصحاب من قال قولان بالنقل والتخريج إذ لا فرق بين الفرس والفارس
ففي قول يستحق بشهوده بعض الوقعة
وفي قول لا يستحق نظرا إلى آخر الأمر فإنه محل الخطر
ومنهم من قرر النصين وقال إذا مات الفرس فالمتبوع قائم بخلاف ما إذا مات الفارس
ومهما مرض مرضا لا يرجي زواله قال العراقيون هو كالموت
وذكر الفوراني قولين ووجه القول الآخر المصلحة في حاجة المريض إلى المعالجة ونفقة الإياب بخلاف الميت وإن كان المرض مما يرجى زواله فلا يمتنع الاستحقاق لا في ابتداء القتال ولا في دوامه
أما إذا هرب عن القتال سقط سهمه إلى إذا هرب متحيزا إلى فئة أخرى أو متحرفا لقتال ومهما ادعى ذلك فالقول قوله مع يمينه
وأما المخذل للجيش والمضعف لقلوبهم ينبغي أن يخرج من الصف فإن حضر لم يستحق لا السلب ولا الغنيمة ولا الرضخ فإنه أسوأ حالا من المنهزم
المسألة الثالثة إذا وجه الإمام سرية من جملة الجيش فغنمت شيئا شارك في استحقاقها جيش الإمام إذا كانوا بالقرب مترصدين لنصرتهم
وحد القرب ما يتصور فيه الإمداد عند الحاجة
وقال القفال القرب بالاجتماع في دار الحرب وإن تباعدوا وهو بعيد
ولو بعث سريتين فما أخذ كل واحد منها مقسوم على جميع الجيش وعلى السريتين عند التقارب
وذكر القاضي وجها أن إحدى السريتين لا تشارك الأخرى ولكن الجيش يشاركهما جميعا
المسألة الرابعة الذين حضروا لا لقصد الجهاد كالأجير والتاجر والأسيرففي الأجير على سياسة الدواب وغيره ثلاثة أقوال
أحدها لا يستحق شيئا لأنه لم يخرج القصد للنصرة
والثاني يستحق لأنه قاتل فجمع بين القصدين فإن لم يقاتل فلا يستحق قطعا
والثالث أن قصده مردود فيخير بين إسقاط الأجرة وبين طلبها فإن أعرض عن الأجرة استحق السهم وإلا فلا
ومن أي وقت تسقط أجرته إذا أعرض فيه وجهان
أحدهما من وقت دخول دار الحرب
والثاني من وقت ابتداء القتال إذ هو السبب الخاص في الملك
هذا في أجير استؤجر لا لأجل الجهاد فإن استؤجر للجهاد وهو مسلم فالإجارة فاسدة إذ يجب عليه الصبر عند الوقوف في الصف
وإذا سقطت أجرته فهل يستحق السهم وجهان ووجه المنع أنه أعرضعنه طمعا في الأجرة
وإن كان كافرا واستأجره الإمام صحت الإجارة وإن استأجره أحاد الرعايا فلا
وأما التاجر إذا قاتل فقولان كما في الأجير إذ القول الثالث بإسقاط مال الإجارة غير ممكن
أما الأسير إذا كان من هذا الجيش وعاد استحق قاتل أو لم يقاتل لأنه في مقاساة أمر الكفار
وإن كان من جيش آخر وأسر من قبل فإن التحق بالصف وقاتل استحق وإلا فقولان
وإن كان كافرا وأسلم والتحق بجند الإسلام استحق السهم قاتل أو لم يقاتل لأنه قصد إعزاز الإسلام والأسير دونه فإن قصده الخلاص والأجير دون الأسير لأن قصده الإفلات وقهر الكفار بخلاف قصد الأجير
المسألة الخامسة لا يعطي سهم الفرس إلا لراكب الخيل دون راكب الفيل والناقة والبغلة لأن الكر والفر من خاصية الخيل
ثم يستوي فيه العتيق وهو الذي أبواه عربيان والبرذون وهو الذي أبواه أعجميان والمقرف وهو الذي أمه عربية وأبوه غير عربي والهجين وهو عكس ذلك
ثم لا يدخل الإمام في الصف من الخيل إلا شديدا أما الفرس الضعيف والأعجف قال الشافعي رحمه الله في الأم قد قيل يسهم له وقيل لا يسهم له
فقال الأصحاب قولان ينظر في أحدهما إلى الجيش ويعرض عن الأحوال وينظر في الثاني إلى تعذر القتال عليه
ولا شك أنه إذا أمكن القتال عليه استحق سهمه
فروع

الأول لو أحضر فرسين لم يستحق إلا لفرس واحد
قال الشافعي رحمه الله لو أعطى للثاني أعطى للثالث أي لا ضبط بعده
الثاني أن القتال إذا كان على خندق أو على حصن واستغنى عن الفرس فللفارس سهمه لأنه ربما يحتاج إليه
الثالث لو كان الفرس مستعارا أو مستأجرا فسهمه لراكبه
وإن كان مغصوبا فقولان على أن سهمه للمالك أو للغاصب يقربان من القولين في أن ما ربحه التاجر على المال المغصوب بالتجارة للغاصب أم لا
كتاب قسم الصدقات
وفيه بابان
الباب الأول في المستحقين
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في بيان الأصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله تعالى
الصنف الأول الفقير

وهو الذي لا يملك شيئا أصلا ولا يقدر على الكسب
والظاهر أنه لا يشترط الزمانة ولا التعفف عن السؤال وللشافعي رضي الله عنه قولان قديم في اشتراطهما
فروع

أحدها أن الفقير القادر على الكسب إذا لم يقدر إلا بآلة جاز أن يعطى الآلة من سهم الفقراء حتى لو لم يعرف إلا التجارة وافتقر إلى ألف درهم يجعله رأس المال يجوز أن يعطي
فكذلك من يقدر أن يكتسب كسبا لا يليق بمروءته يجوز أن يعطى
وكذا المتفقه إذا كان يتشوش عليه التفقه إن اشتغل بالكسب يعطى سهم الفقراء
والمتصرف الذي يمنعه الكسب عن استغراق الوقت بالعبادات لا يعطى سهم الفقراء لأن الكسب أولى منه قال عليه الصلاة والسلام
الكسب فريضة بعد الفريضة
وقال عمر رضي الله عنه كسب في شبهة خير من مسألة الناس
الثاني المكفي بنفقة أبيه فيه وجهان
أحدها لا يعطى سهم الفقراء لاستغنائه به
والثاني يعطى لأنه استحق النفقة لفقره فتزال بالصدقة حاجته إلى الأب
لأنه يدفع به استحقاق النفقة عن نفسه




وعلى هذا لا يجوز للأب أن يصرف إليه زكاته لأنه يدفع به استحقاق النفقة عن نفسه وله أن يصرف إليه سهم الغارمين لأن قضاء دينه غير واجب عليه
الثالث الفقيرة التى لها زوج غني
وفي صرف سهم الفقراء والمساكين إليها وجهان قريبان على المكفي بالأب وأول بالمنع لأن استحقاها النفقة ليس بالحاجة بل عوضا عن الحبس فكان كما لو استغنت باستحقاق المهر
فإن جوزهما فلا فرق بين الزوج والأجنبي إذ لا تندفع النفقة عن الزوج بزوال فقرها
الصنف الثاني المساكين

وهو كل من ملك ما يقع من كفايته موفقا ولكن لا يفي بكفايته ويدخل فيه كل من له كسب ولكن لا يفي دخله بخرجه
والقادر على كسب يفي بخرجه لم يعط
وقال مالك من ملك نصابا لم يعط بحال وإن لم يملك أعطي وإن كان كسوبا
والفقير عندنا أشد حالا من المسكين خلافا لأبي حنيفة إذ قال المسكين من لا شيء له
وقد قال الله تبارك وتعالى { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر }
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر ويقول
اللهم أحيني مسكيناوأمتني مسكينا
فتدل الآية على أن المسكين له شيء والخبر دل على أن الفقير أشد حالا
الصنف الثالث العاملون على الزكاة

وهم السعاة والحساب والكتاب والقسامون والحاشر والعريف
وأما القاضي والإمام فلا ورزقهم في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة لأن عملهم عام
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرصد لنفسه ناقة من الفيء يفطر على لبنها فأبطأت ليلة في المرعى فحلب له من نعم الصدقة فأعجبه ذلك فسأل عنه فقيل له إنه من نعم الصدقة فأدخل أصبعه في حلقه واستقاءه وغرم قيمته من المصالح
فرعان

أحدهما في أجرة الكيال وجهان
أحدهما أنه من سهم العاملين إذ به يتم العمل وإيجابه على المالكإيجاب زيادة على العشر وهو اختيار أبي إسحاق
وقال ابن أبي هريرة على المالك لأنه للإيفاء وهو واجب عليه
الثاني إن فضل الثمن عن أجرة مثل العامل صرف إلى بقية الأصناف ولا يزاد على أجرة المثل لأنه عوض العمل
وإن نقص عن أجرة عملهم فقد قال الشافعي رضي الله عنه يتمم من بيت المال ولو قيل يتمم من بقية الأصناف فلا بأس
فمن الأصحاب من قال قولان ومنهم من قال يتخير الإمام وينظر إلى سعة الصدقات وسعة بيت المال ويتبع فيه المصلحة
الصنف الرابع المؤلفة قلوبهم

ومن ينطلق عليهم هذا الاسم ثلاثة أقسام
الأول كافر يتألف قلبه لارتقاب إسلامه وإما لاتقاء شره وإما لأنه رجل مطاع يسلم بإسلامه جماعة منهم
فهذا لا يعطى أصلا أما من الصدقات فلأنه لا صدقة لكافر وأما من المصالح فلانا لا تعطي على الإسلام شيئا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر هكذا قال عمررضي الله عنه
وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية لهذا التأليف ولكن أعطى من خمس الخمس فكان خاص ملكه
القسم الثاني مسلم له شرف وله نظراء في الكفر يتوقع بإعطائه رغبة نظرائه في الإسلام
أعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم الطائي ثلاثين بعيرا
ويلتحق به من غير صادق في الإسلام فيخشى عليه التغير فيعطى تقريرا على الإسلام
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل واحد منهما مائة من الإبل
وفي الإعطاء بهذين الشيئين لهذا القسم قولان
أحدهما لا لأن الإسلام غني عن التأليف بعد أن أعزه الله تعالى بالظهور
والثاني نعم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا قولان
أحدهما يعطى من المصالح لأن هذه مصلحة الإسلام
والثاني من الزكوات إذا ثبت سهم المؤلفة وهؤلاء أقرب قوم إلى موجب اللفظ إذ تنزيله على الكفار غير ممكن
القسم الثالث قوم لا يأخذون شيئا من الفيء وهم بالقرب من الكفار ونيتهم غير صادقة في الجهاد وتألف قلبهم بإعطاء شيء للجهاد أهون من بعث سرية إلى تلك الجهة
ويلتحق بهؤلاء قوم لا تصدق نيتهم في أخذ الزكاة ممن يقربون منهم وتألفهم لطلب الزكوات من الأغنياء بأنفسهم حتى يستعين سعاة الإمام عن التوجه إليهم أيسر من بعث سرية السعادة
فهؤلاء يعطون بهذين الشيئين قولا واحدا ولكن في محل العطاء أربعة أوجه
أحدها أنه من المصالح إذ المصلحة عامة
والثاني من الصدقات وهو سهم المؤلفة
والثالث من سهم سبيل الله فإنه تألف على الجهاد والغزو
والرابع إن رأى الإمام أن يجمع بين سهم المؤلفة وسهم سبيل الله تعالى فعل لاجتماع المعنيين
الصنف الخامس الرقاب

ويصرف من الصدقات إلى المكاتبين الذين عجزوا عن أداء النجوم
وقال مالك رحمه الله يشتري به عبيدا ويعتقون
فروع أربعة

الأول ليس للسيد صرف زكاته إلى مكاتب نفسه لأنه عبده ما بقي عليه درهم
الثاني يعطى المكاتب قدر دينه بعد حلول النجم وهل يعطى قبله فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى الوجوب وفي الآخر إلى عدم المطالبة
الثالث إذا سلم إليه فأعتقه السيد متبرعا أو أبرأه عن النجوم أو تبرع غيره بإعطائه وبالجملة استغنى عما أخذه
فإن كان ذلك قد تلف في يده قبل العتق ولو بإتلافه فلا غرم عليه
وإن كان باقيا في يده فالظاهر أنه يسترد منه لانتفاء الحاجة وقيل فيه قولان
وإن كان قد سلم إلى السيد ثم عجزه السيد ببقية النجوم والعين قائمة في يد السيد فالظاهر أنه يسترد ومنهم من طرد القولين
الرابع الأولى أن يدفع إلى السيد لإذن المكاتب فلو سلم بغير إذنه لم يجز ولو سلم إلى المكاتب بغي إذن السيد جاز لأنه الأصل في الاستحقاق
الصنف السادس الغارمون
والديون ثلاثة
الأول دين لزمه بسبب نفسه فيقضى من الصدقات بثلاث شرائط
أن يكون الدين حالا والسبب الذي فيه الاستقراض مباحا وأن يكون هو معسرا
فإن كان موسرا فلا يعطى
وإن كان مؤجلا وله صنيعة وقف يدخل منها قدر الدين فلا يعطى وإن لم يكن فوجهان كالمكاتب
إن كان السبب معصية كثمن الخمر أو السرف في الإنفاق فإن كان مصرا لا يعطى وإن كان تائبا فوجهان ينظر في أحدهما إلى الحال وفي الثاني إلى أول الدين
الثاني ما لزمه بسبب حمالة تبرع بها تطفية لثائرة فتنة بين شخصين في قتيل أو في أمر تعظم الفتنة فيه
فإن كان معسرا يقضى دينه وكذا إن كان يساره بالضباع والعروض
وإن كان غنيا بالنقد فوجهان
أحدهما يقضى كالغني بالعقار لأن سبب قضائه كونه مصروفا إلى مصلحة
والثاني لا لأن في تكليف بيع العقار هتكا لمروءته
الدين الثالث دين لزمه بطريق الضمان عن شخص فإن كانا معسرين أغني الضامن والمضمون عنه قضي من سهم الغارمين
وإن كانا موسرين أو كان المضمون عنه موسرا فلا يقضى لأنه فائدته ترجع إلى الموسر
وإن كان الضامن موسرا والمضمون عنه معسرا فوجهان
أحدهما يقضى كما في الحمالة لأن الضمان أيضا من المروءات
والثاني لا إذ صرفه إلى المضمون عنه المعسر ممكن وفيه إسقاط للضمان
أما إذا كان المضمون عنه موسرا ولكن امتنع الرجوع بسبب فمطالبته الموسر بقضاء الدين حتى يبرأ الضامن ممكن بخلاف مسألة الحملة
و قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يقضى دين غني قط
وهو مخالف لقول صلى الله عليه وسلم
لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة غاز في سبيل اللهأو عامل أو غارم أو رجل اشتراها بماله أو رجل له جار مسكين فتصدق عليه فأهداها إليه
الصنف السابع المجاهدون في سبيل الله

وهم المطوعة من الغزاة الذين لا يأخذون من الفيء ولا اسم لهم في الديوان
يعطون هذا السهم للصرف إلى السلاح والفرس والنفقة إعانة على الغزو وإن كانوا أغنياء
فأما من له اسم في الديوان فلا يعطى من الصدقة لأن حقهم في الفيء إلا إذا قاتلوا مانعي الزكاة وكان قتالهم كالعمل على تحصيل الزكاة فلا يبعد أن يعطوا سهم العاملين
الصنف الثامن ابن السبيل

وهو الذي شخص من بلده أو اجتاز به يصرف إليه سهم وإن كان معسرا وإن كان له ببلد آخر مال أعطي قدر بلغته إليه
وهذا بشرط أن يكون السفر طاعة فإن كان معصية فلا وإن كان مباحا فيعطى
وفي طريقة العراق وجه أنه يشترط كونه طاعة
فرع

إذا منعنا نقل الصدقة فالشاخص من بلد من أبناء سبيل ذلك البلد قولا واحدا
وكذا المجتاز به على الأظهر
وفي المجتاز وجه أنه ليس من أبناء سبيل ذلك البلد
وقال أبو حنيفة المجتاز هو من أبناء سبيل ذلك البلد دون الشاخص
الفصل الثاني في موانع الصرف مع الاتصاف بهذه الصفات

وهي ستة الأول الكفر
فلا تصرف زكاة إلى كافر وإن وجد الفقر والمسكنة
الثاني أن يكون مستحقا للنفقة على من يخرج الزكاة كالابن مع الأب
الثالث أن يكون المال غائبا عن بلد الآخذ فيمتنع على رأي من جهة نقل الصدقة
الرابع أن يكون الآخذ من المرتزقة ثابت الاسم في الديوان فلا تصرف إليهم الصدقات كما لا يصرف خمس الخمس إلى أهل الصدقات لأن لكل حزب مالا مخصوصا بهم بنص الكتاب
فإن لم يكن في بيت المال شيء للمرتزقة واتسع مال الصدقات ذكر العراقيون قولين
أحدهما يصرف إليهم لتحقق صفة الاستحقاق مع عجزهم عن مالهم
والثاني لا لأن مالهم هو الفيء بنص الكتاب
فعلى هذا إن خفت الضرورة ولم يستغن الإمام عن المرتزقة وجب على أغنياء المسلمين إعانتهم من رءوس أموالهم
فإن قلنا يعطون من الصدقات فإنما يعطون من سهم سبيل الله تعالى
الخامس أن يكون من بني هاشم وبني المطلب فقد حرم عليهم أوساخ أموال الناس بما أعطوا من خمس الخمس
فأما سهم العاملين هل يجوز أن يصرف إليهم إذا عملوا وجهان وكذا في المرتزقة إذا عملوا بناء على أنه أجرة أو صدقة
وهو مركب من الشيئين إذ لا تصرف إلى كافر قطعا ولا يستعمل الكافر ولا يزاد على أجر المثل في حق المسلم فهذا يدل على اجتماع المعنيين
وهل يصرف إلى مولى ذوي القربي فيه وجهان
أحدهما نعم إذ لا نسب له
والثاني لا لأنه روي أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال
إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة وإنما مولى القوم منهم
السادس أن يكون قد أخذ سهم الصدقات بجهة واتصف بجهة أخرى كالفقير الغارم إذا أخذ سهم الفقراء وطالب سهم الغارمين ففيه طرق ثلاثة
أحدها أنه لا يجمع بل يقال له اختر أيهما شئت لأن عدد الأصناف مقصود
وعلى هذا سهم العاملين يجوز أن يجمع إلى غيره إذا غلبنا مشابه الأجرة
الثاني أن فيه قولين ينظر في أحدهما إلى اتحاد الشخص وفي الآخر إلى تعدد الصفة
الثالث أنه إن تجانس السببان مثل أن يستحق الكل لحاجته كالفقر وغرم لزمه لغرض نفسه فلا يجمع
وكذا الغازي الغارم لإصلاح ذات البين فإن كل واحد لحاجة المسلمين لا لحاجته
وإن اختلف السبب بأن استحق أحدهما لحاجته والآخر لحاجة غيره فيجمع
الفصل الثالث فيما يعرف به وجود الصفات
وهي منقسمة إلى خفية وجلية
أما الخفية كالفقر والمسكنة فلا يطالب بالبينة لتعذرها إلا إذا ادعى المسكين عيالا فيطالب لإظهاره لإمكانه
وهل يحلف الفقير إذا اتهم فيه وجهان
فإن قلنا يحلف فاستحباب أم إيجاب فوجهان
أما ما يظهر فإن كان يأخذ لغرض مرتب كالغازي وابن السبيل فيعطى بغير يمين ثم إن لم يغز ولم يسافر استرد
ومن يأخذ لغرض ناجز كالمكاتب والغارم فيطالب بالبينة لإمكانها وإقراره مع حضور مستحق الدين كالبينة
وفيه وجه أنه لا يقبل لتهمة المواطأة
وإن استفاض كونه مديونا أو مكاتبا وحصل غلبة الظن فلا بأس بترك الاستقصاء في البينة
أما المؤلف قلبه إن قال أنا شريف مطاع طولب بالبينة لإمكانها
وإن قال نيتي في الإسلام ضعيفة صدق لأن كلامه برهان كلامه
الباب الثاني في كيفية الصرف إلى المستحقين

وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في القدر المصروف إلى كل واحد منهم
وفيه مسائل
الأولى استيعاب الأصناف الثمانية واجب إن كانوا موجودين
وقال أبو حنيفة رحمه الله يجوز صرفه إلى صنف واحد
أما آحاد كل صنف فلا يجب استيعابهم إذ لا حصر لهم ثم يقتصر على أقل الدراجات وهو ثلاثة لأنه أقل الجميع فإن أمكن الاستيعاب لانحصارهم فهو أولى
ويحتمل أن يقال يجب الاستيعاب عند الإمكان
الثانية يجب التسوية بين سهام الأصناف الثمانية فلكل صنف ثمن الصدقة فإن عدم صنف وزع الكل على الباقي فلكل سبع وعلى هذا الحساب وإنما هو على المالك
فأما الساعي فيجوز له أن يصرف صدقة واحد إلى شخص واحد لأنه إذا وصلإليه فكأنه وصل إلى المستحقين
فالنظر إلى الإمام في التعيين فجميع الزكوات في يده كزكاة رجل واحد في يد نفسه
أما آحاد الصنف فلا يجب التسوية بينهم بل المتبع مقادير الحاجة فإن تساوت أحوالهم فالتسوية أولى وقيل بالوجوب
فإن صرف إلى اثنين غرم للثالث أقل ما يتمول على أقيس الوجهين لأنه يكفيه ذلك القدر لو سلمه إليه ابتداء وعلى الوجه الثاني يغرم الثلث
الثالثة يعطى الغارم والمكاتب قدر دينهما ولا يزاد ويعطى الفقير والمسكين ما بلغ به أدنى الغنى ولا يزيد وهو كفاية سنة
ويعطى المسافر ما يبلغه إلى المقصد أو إلى موضع ماله ويعطى الغازي الفرس والسلاح وإن شاء أعاره أو استأجر له أو اشترى بهذا السهم أفراسا وأرصدها لسبيل الله وفقا عليهم
ويعطيهم من النفقة ما زاد بسبب السفر وهل يعطي أصل النفقة وجهان
أحدهما لا لأنه لا ضرورة بينة وإن لم يسافر فلا يعطى ما يزيده بسفره
والثاني أنه يعطي الكل فإنه متجرد للغزو
الفصل الثاني في نقل الصدقات إلى بلدة أخرى
وفيه ثلاثة أقوال
أحدهما الجواز لعموم الآية
والثاني المنع لمذهب معاذ ولقوله عليه الصلاة والسلام أنبئهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فيدل على الحصر في البلد ولأن أعين المساكين ممدودة إلى المال وفي النقل إضرار
والثالث أنه لا يجوز النقل ولكن تبرأ ذمته كما لا يجوز التأخير في الزكاة ولكن تبرأ ذمته
ومن الأصحاب من طرد هذا الخلاف في مال الوصية والكفارات والنذور وهو بعيد لأنه لا تمتد إليه الأعين فإنها غير متكررة
فأما صدقة الفطر فحكمها حكم الزكاة في منع النقل ووجوب الاستيعاب
وقال الإصطخري يجوز صرفها إلى صنف واحد لقلته
فإن منعنا النقل ففيه مسائل
الأولى تعتبر بلدة المال ويفرق بها لا بلدة المالك
وفي صدقة الفطر وجهان والأظهر رعاية بلدة المالك لأن ذلك صدقة الرءوس وهذه صدقة الأموال
ثم لو كان المال في الحول في بلدتين فالنظر إلى وقت الوجوب والبلدي هو الحاضر في البلد وقت أخذ الصدقة وإن كان غريبا
الثانية لو امتد طول البلدة فرسخا محكمها واحد
نعم الصرف إلى الجيران أولى كما أنه إلى الأقارب أولى والقريب الذى ليس بجار أولى من الجار الأجنبي أما القرية فلا تنقل منها الصدقة إلى قرية أخرى بخلاف المحلتين
فأما أهل الخيام فإن كانوا مجتازين لا مقام لهم فصدقتهم لمن يدور معهم من الأصناف فإن لم يكن معهم فلأقرب بلدة إليهم وقت تمام الحول
وإن كانوا ساكنين مجتمعين على التقارب فيحل النقل إلى مادون مسافة القصر وفوقها إذ لا فاصل سواه
وإن كان كل حلة بعيدة عن الأخري فوجهان
أحدهما أنها كالقرى
الثاني أنها كالخيام المتواصلة فيضبط بمسافة القصر
الثالثة إن عدم بعض الأصناف في بلد
فإن عدم العامل فقد سقط سهمه للاستغناء عنه
وإن عدم غيره ووجد في مكان آخر فوجهان
أحدهما ينقل لأن استيعاب الأصناف أهم من ترك النقل
والثاني هو اختيار القاضي أنه يرد الباقين لأن من عدا أهل البلد كالمعدوم في حقه
فعلى هذا إن رددنا عليهم ففضل عن حاجتهم فالفاضل لا بد من نقله لأنه فقد مستحقه فهو كما إذا عدم كل الأصناف إذ يتعين النقل
الرابعة للمالك إيصال الصدقة بنفسه سواء كان المال ظاهرا كالنعم والزروع أو باطنا كالنقد
وللشافعي رضي الله عنه قول قديم أن زكاة الأموال الظاهرة يجب صرفها إلى الأمام
ففي الأفضل خلاف إن كان الإمام عادلا فإن كان جائزا فالأصح أن مباشرته بنفسه أولى
ولا خلاف في أن يد الإمام لو طلب وجبت الطاعة لأنه في محل الاجتهاد
وهل له المطالبة بمال النذور والكفارة فيه وجهان
الخامسة إن نصب الإمام ساعيا فليكن مسلما مكلفا حرا عدلا فقيها بأبواب الزكاة غير هاشمي ولا من المرتزقة إلا على أحد الوجهين
وليعلم الساعي في السنة شهرا يأخذ فيه صدقة الأموال فيسم الصدقات فيكتب على نعم الصدقة لله وعلى نعم الفيء صغار
وفائدته تمييز أحد المالين عن الآخر
ثم موضع وسم الغنم آذانها لكثرة الشعر على غيره وللبقر والإبل أفخاذها وليكن ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر والإبل
الفصل الثالث في صدقة التطوع
وفيه مسائل
الأولى لا تحرم صدقة التطوع على الهاشمي والمطلبي
وهل كان يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خلاف مأخذه أن امتناعه عن القبول كان ترفعا أو تورعا
الثانية صدقة السر أفضل قال الله تعالى { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } الآية
وقال عليه الصلاة والسلام
صلة الرحم تزيد من العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصنائع المعروف تقي مصارع السوء
الثالثة صرفها إلى الأقارب أولى لقوله عليه الصلاة والسلام لزينبامرأة عبد الله بن مسعود
زوجك وولدك أحق من تصدقت عليه
الرابعة الإكثار منها في شهر رمضان مستحب
قال ابن عباس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان
الخامسة من احتاج إلى المال لعياله فلا يستحب له الصدقة لأن نفقة العيال كالدين قال عليه الصلاة والسلام
كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوته
فإن فضل عنهم فإن كان يثق بالصبر على الإضاقة فيستحب له التصدق بالجميع بعد فراغه من قوت يومه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف مالي فقال لي ماذا أبقيت لأهلكقلت مثله فجاء أبو بكر رضي الله عنه بجميع ماله فقال له
ماذا أبقيت لأهلك فقال الله ورسوله فقال عليه الصلاة والسلام
بينكما ما بين كلمتيكما فقلت لا أسابقك إلى شئ أبدا
فأما من لا يصبر على الإضافة كره له التصدق بجميع المال
قال جابر بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب أصابها من بعض المعدن فقال يا رسول الله خذها صدقة فوالله ما أصبحت أملك مالا غيرها فأعرض عنه حتى جاء من جوانبه وأعاد عليه فقال عليه الصلاة والسلام
هاتها مغضبا ورمى رميته لو أصابته لأوجعته أو عقرته ثم قال
يأتي أحدكم بماله كله ويتصدق به ثم يجلس بعد ذلك يتكفف وجوه الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى والله أعم بالصواب
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
كتاب النكاح

اعلم أن النظر في أحكام النكاح تحصره خمسة أقسام
الأول في المقدمات
والثاني في مصححات العقد من الأركان والشرائط
والثالث في موانع العقد من النسب والمصاهرة والكفر والرق وغيره
والرابع في موجبات الخيار فيه
والخامس في لواحق النكاح وتوابعه
القسم الأول في المقدمات

وهي خمسة
الأولى في بيان خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وله اختصاص بواجبات ومحرمات ومباحات ومخففات لم تشاركه أمته فيها
أما الواجبات فكالضحى والأضحى والوتر
قال صلى الله عليه وسلم كتب علي ثلاث لم تكتب عليكم الضحى والأضحى والوتروكالتهجد قال الله سبحانه وتعالى { فتهجد به نافلة لك } أي زيادة لك على درجاتك وقال تعالى { وشاورهم في الأمر } فظاهره للإيجابوقيل إنه استحباب لاستمالة القلوب وترددوا في وجوب السواك عليه
وإنما اختص في أمر النكاح بوجوب التخيير لنسائه بين التسريح والإمساك ولعل سره فيه أن الجمع بين عدد منهن يوغر صدورهن بالغيرة التي هي أعظم الآلام وهو إيذاء يكاد ينفر القلب ويوهن الاعتقاد وكذلك إلزامهن الصبر على الضر والفقر يؤذيهن
ومهما ألقي زمام الأمر إليهن خرج عن أن يكون بصدد التأذي والإيذاء فنزه عن ذلك منصبه العلي وقيل له { يا أيها النبي قل لأزواجك } ونزل ذلك عليه حين ضاق صدره عليه الصلاة والسلام من كثرة خصامهن واقتراحهن زينة الدنيا حتى آلى عنهن ومكث في غرفته شهرا فابتدأ صلى الله عليه وسلم بتخيير عائشة رضي الله عنها وقال إني ملق إليك أمرا فلا تبادريني بالجواب حتى تؤامري أبويك وتلا الآية فقالت أفيكأؤامر أبوي اخترت الله ورسوله والدار الآخرة ثم قالت لا تخبر زوجاتك باختياري إياك وأرادت أن يختار سائر أزواجه الفراق فطاف على نسائه وكان يخبرهن باختيار عائشة إياه فاخترن الله ورسوله بأجمعهن
والصحيح أن واحدة لو اختارت الفراق لما بانت بنفس الاختيار لقوله تعالى { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } وأن الجواب لم يجب عليهن على الفور بدليل قوله حتى تؤامري أبويك
وهل كان يحرم طلاق من اختارته منهن فيه خلاف ودليل التحريم قوله تعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه حرم عليه الزيادة عليهن ثم نسخ ذلك وعند أبي حنيفة رحمه الله دام التحريم ولم ينسخ
وأما المحرمات فقد حرم عليه الزكاة والصدقة صيانة له ولمنصبه عنأوساخ الأموال التي تعطى على سبيل الترحم وتنبئ عن ذل الآخذ وأبدل بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة المنبيء عن عز الآخذ وذل المأخوذ عنه وشاركه في هذا الفيء ذوو القربى وقيل إنهم لم يشاركوه في تحريم الصدقة بل في الزكاة فقط
وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم وقال لا آكل متكئا
فقيل إنه حرم عليه ذلك وقيل كان ذلك منه تنزها وترفعا
ونكح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فعلمتها نساؤه أن تقول عند لقائه أعوذ باللهمنك وقلن هذه كلمة تعجبه فقالت ذلك لما دخل عليه الصلاة والسلام عليها فقال لقد استعذت بمعاذ فالحقي بأهلك ففهم منه أنه حرم عليه نكاح امرأة تكره صحبته وجدير أن يكون ذلك محرما عليه لأنه نوع من الإيذاء ويشهد لذلك إيجاب التخيير
واختلفوا في أنه هل كان يحرم عليه نكاح الكتابية الحرة ونكاح الأمة وأنه لو جاز له نكاح الأمة هل كان ينعقد ولده على الرق
ونحن لا نرى الخوض في تصحيح أدلة ذلك وتزييفها لأنها أمور تخمينية إذ لا قاطعفيها وتخمين الظن فيما لا حاجة فيه إلى العمل في الحال تضييع زمان واقتحام خطر
وأما المباحات والتخفيفات فقد أبيح له الوصال في الصوم وصفيةالمغنم والاستبداد بخمس الخمسودخول مكة بغير إحرام وحرم ميراثه فقال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
وفي النكاح أبيح له الزيادة على أربع وفي الزيادة على التسع خلاف وكذلك في انحصار الطلاق في الثلاث خلاف وكان ينعقد نكاحه بلفظ الهيه وقالوا إذا وقع بصره على امرأة فوقعت منه موقعا وجب على الزوج تطليقها لقصة زيد ولعل السرفيه من جانب الزوج امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله ومن جانبه صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه ببلية البشرية ومنعه من خائنة الأعين ومن إضمار ما يخالف الإظهار ولذلك قال تعالى { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } ولا شيء أدعى إلى غض البصر وحفظه عن لمحاته الاتفاقية من هذا التكليف
وهذا مما يورده الفقهاء في صنف التخفيف وعندي أن ذلك في حقه غاية التشديد إذ لو كلف بذلك آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات خوفا من ذلك ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لو كان رسول الله يخفي آية لأخفى هذه الآية
واختلفوا في انعقاد نكاحه بغير ولي وشهود وفي حالة الإحرام وهل كان يجب عليه القسم أو كان يقسم تبرعا وتكرما فيه خلاف
ولا خلاف في تحريم نسائه بعد وفاته على غيره فإنهن أمهات المؤمنين ولا نقول بناتهن أخوات المؤمنين ولا إخوانهن أخوال المؤمنين بل يقتصر على ما ورد من الأمومة ويقتصر التحريم عليهن
وفي تحريم مطلقاته على غيره ثلاثة أوجه
أعدلها أنها إن كانت مدخولا بها حرم لما روي أن ألأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمان عمر رضي الله عنه فهم عمر رضي الله عنه برجم الأشعث فذكر له أنها لم تكن مدخولا بها فكف عنه
ولا شك في أن المخيرات لو اختارت واحدة منهن الفراق لحل لها النكاح إذ بذلك يتم التمكن من زينة الدنيا
وقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسعه عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وميمونة وصفية والجويرة وسودة وزينب وهي امرأة زيد رضي الله عنهن
وأعتق صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها وفيه خاصية له بالاتفاق منهم من قال خاصيته أن قيمتها كانت مجهولة والصداق المجهول لا يجوز لغيره وقيل إنه وجب عليه الوفاء بالنكاح بعد الإعتاق ولا يجب على غيرها إذا أعتقت بشرط النكاح الإجابة
المقدمة الثانية في الترغيب في النكاح

وقد قال الله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } وقال
تناكحوا تكثروا فأني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط وقال
معاشر الشبان عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء وقال عليهالسلام
من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه ألا فليتق الله في الثلث الباقي وقال عمر رضي الله عنه لرجل أتزوجت فقال لا فقال لن يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور
ولما حضرت معاذا الوفاة قال زوجوني كي لا ألقى الله عزبا
وهذه الأحاديث ربما توهم أن النكاح أفضل من التخلي لعبادة الله تعالى كما ظنه أبو حنيفة رحمه الله لكن الصحيح أن من لا تتوق نفسه إلى الوقاع فالتخلي للعبادة أولى به ولذلك تفصيل وغور استقصيناه في كتاب آداب النكاح منربع العادات من كتب إحياء علوم الدين فليطلب منه
وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح إلى أربعة أمور
أحدها طلب الحسيبة فقال عليه السلام
تخيروا لنطفكم فلا تضعوها في غير الأكفاء وقال
إياكم وخضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء كذلك فسره عليه السلام
الثاني الندب إلى البكر فإنها أحرى بالمؤالفة وقال لجابر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وكان تزوج ثيبا
الثالث الندب إلى الولود قال صلى الله عليه وسلم
انكحوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم وقال
لحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد
الرابع الندب إلى الاجنبية قال صلى الله عليه وسلم
لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا أي نحيفا ولعل ذلك لنقصان الشهوة بسبب القرابة
الخامس الندب إلى الصالحة قال عليه السلام
عليك بذات الدين تربت يداك
المقدمة الثالثة في النظر إليها بعد الرغبة في نكاحها

وذلك مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم
من أراد نكاح امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما وينبغي أن يقتصر على النظر إلى الوجه وذلك بعد العزم على النكاح إن ارتضاها ولا يشترط استئذانها في هذا النظر بل يكفي فيه إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافالمالك وقد رخص في هذا النظر للحاجة وإلا فالأصل تحريم النظر إلى الأجنبيات
وقد جرت العادة ها هنا بذكر ما يحل النظر إليه والكلام فيه في أربعة مواضع
الأول نظر الرجل إلى الرجل وهو مباح إلا إلى العورة وذلك ما بين السرة والركبة ويحرم اللمس كما يحرم النظر ولا يحرم نظر الإنسان إلى فرج نفسه ولكن يكره من غير حاجة
فرعان


أحدهما أنه يحرم النظر إلى المرد بالشهوة ويحل بغير شهوه عند الأمن من الفتنةوعند خوف الفتنة وجهان أحدهما التحريم لأنهم في معنى المرأة
والثاني الحل لما روي أن قوما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام حسن فأجلسه وراءه وقال
ألا أخاف على نفسي ما أصاب أخي داود ولم يأمره بالاحتجاب عن الناس بخلاف النساء
ولم يزل الصبيان بين الناس مكشوفين فالوجه الإباحة إلا في حق من أحس في نفسه بالفتنة فعند ذلك يحرم عليه بينه وبين الله تعالى إعادة النظر
الثاني أن يكره للرجلين الاضطجاع في ثوب واحد قال صلى الله عليه وسلم لا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد
الموضع الثاني نظر المرأة إلى المرأة وهو مباح إلا فيما بين السرة والركبة وقيل إنه كالنظر إلى المحارم وسيأتي والصحيح أن الذمية كالمسلمة وقيل إنه لا يحل للمسلمة التكشفللذمية
الموضع الثالث نظر الرجل إلى المرأة فإن كانت منكوحة أو مملوكة حل النظر إلى جميع بدنها وفي النظر إلى فرجها فيه تردد وحمل الأصحاب النهي على أنه أراد به كراهية والكراهية في باطن الفرج أشد
وإن كانت محرما نظر إلى ما يبدو في حالة المهنة كالوجه والأطراف ولا ينظر إلى العورة وفيما بين ذلك وجهان وقيل إن الثدي قد يلتحق بالوجه لأنه قد يبدو كثيرا فأمره أخف
وإن كانت أجنبية حرم النظر إليها مطلقا ومنهم من جوز النظر إلى الوجه حيث تؤمن الفتنة وهذا يؤدي إلى التسوية بين النساء والمرد وهو بعيد لأن الشهوة وخوف الفتنة أمر باطن فالضبط بالأنوثة التي هي من الأسباب الظاهرة أقرب إلى المصلحة وكذلك لا يجوز للمخنثوالعنين والشيخ الهم النظر حسما للباب ونظرا إلى الفحولة الظاهرة دون الشهوة الباطنة نعم يجوز للممسوح عند الأكثرين لأن الجب سبب ظاهر في قطع غائلة الفحولة وعليه يحملقوله تعالى { غير أولي الإربة من الرجال } وكذلك الطفولة سبب ظاهر فلا يجب الاحتجاب عنهم نعم تستر العورة عن الذي ظهر فيه داعية الحكاية فإذا قارب البلوغ وظهر مبادئ الشهوة وجب الاحتجاب
وقال القفال ثبت الحل فلا يرتفع إلا بسبب ظاهر وهو البلوغ
ولا يستثنى عن هذه القاعدة إلا نظر الغلام إلى سيدته فإنه مباح لقوله تعالى { أو ما ملكت أيمانهن }ولعل السبب فيه الحاجة وقد قيل بتحريم ذلك لما فيه من الخطر
ولكن ذلك يحوج إلى تعسف في تأويل الآية
ومن المستثنيات النظر إلى الإماء حتى روي أن عمر رضي الله عنه قال لجارية متقنعة أتتشبهين بالحرائر يا لكعاء ولعل السبب فيه أن الرقيقة تحتاج إلى التردد في المهمات ومنهم من قال إنها كالحرة لا ينظر إليها إلا لحاجة الشراء وهو القياس
فرعان

أحدهما ما أبين من المرأة يجوز النظر إليه إن لم يتميز بصورته عما للرجال كالقلامة وما ينتف من الشعر والجلدة المتكشطة وإن تميز كالعضو المبان والعقيصة فلا يحل النظر إليه
الثاني الصبية لا يحل النظر إلى فرجها وفي النظر إلى وجهها وجهان
أحدهما الجواز لأنها خرجت عن مظنة الشهوة بسبب ظاهر
والثاني التحريم نظرا إلى جنس الأنوثة وعلى الجملة أمرها أهون من أمر العجوز فإنها محل للوطء والشهوات لا تنضبط
الموضع الرابع نظر المرأة إلى الرجل أما نظرها إلى زوجها فكنظره إليها ونظرها إلى الأجانب فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه كنظر الرجل إليها
والثاني أنه كنظره إلى المحارم
والثالث وهو الأصح أنها تنظر إلى ما وراء العورة وتحترز عند خوف الفتنة كما يحترز الرجل من النظر إلى الأمرد إذ لو استوى النظران لأمر الرجال أيضا بالتنقب كما أمر النساء
هذا كله في النظر بغير حاجة فإن مست الحاجة لتحمل شهادة أو رغبة نكاح جاز النظر إلى الوجه ولا يحل النظر إلى العورة إلا لحاجة مؤكدة كمعالجة مرض شديد يخاف عليه فوت العضو أو طول الضنى ولتكن الحاجة في السوأتين آكد وهو أن تكون بحيث لا يعد التكشف لأجله هتكا للمروءة وتعذر فيه في العادة فإن ستر العورة من المروءات الواجبة
ولم يجوز الإصطخري النظر إلى الفرج لتحمل شهادة الزنا وخالف فيه الأصحاب
وما ذكره غير بعيد لأن ستر العورة وستر الفواحش كلاهما مقصودان فيختص تحمل الشهادة بما إذا وقع البصر عليه وفاقا
المقدمة الرابعة في الخطبة وآدابها

وينبغي أن يقدم النظر عليها إذ في الرد بعد الخطبة إيحاش والتصريح بخطبة المعتدة حرام والتعريض جائز في عدة الوفاة وحرام في عدة الرجعية وفي عدة البائنة وجهان
وسبب التحريم أنها مستوحشة بالطلاق فربما كذبت في انقضاء العدة مسارعة إلى مكافأة الزوج
والتعريض هو أن يقول رب راغب فيك وإذا حللت فآذنيني كما قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم ولا تجوز الخطبة على خطبة الغير بعد الإجابة وتجوز قبل الإجابة وهل يكون السكوت كالإجابة فيه قولان وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس إذا حللت فآذنيني فلما حلت قال انكحي أسامة فقالت خطبني أبو جهم ومعاوية قال أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقة أي يداوم الضرب وقيل يدوام السفر وذلك يدل على جواز ذكر الغائب بما يكرهه إذا كان فيه مصلحة لغيره ولذلك قال عليه السلاماذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس
المقدمة الخامسة في الخطبة

ويستحب ذلك عند الخطبة وعند إنشاء العقد وسواء يخطب العاقدان أو غيرهما فهو حسن وإن قال الولي الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك فلانه فقال الزوج الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت صح النكاح وكان أحسن وتخلل هذه الكلمة اليسيرة وهي متعلقة بغرض العقد لا يقطع الجواب عن الخطاب وفيه وجهبعيد أنه يقطع
هذا هو الكلام في قسم المقدمات جرينا فيه على ترتيب الوجود إذ البداية بالرغبة ثم بالنظر ثم بالخطبة ثم بالخطبة فنشرع في شرح العقد
القسم الثاني من الكتاب في الأركان والشرائط

وهي أربعة الصيغة والمحل والشاهد والولي
الأول الصيغة وهي الإيجاب والقبول الدالان على جزم الرضا دلالة صريحة قاطعة وفيه مسائل ستة
الأولى أن الصريح هو كلمة الإنكاح والتزويج فلا يقوم لفظ آخر مقامهما لأن النكاح يشتمل على أحكام غريبة لا يحيط بجميعها لفظ من حيث اللغة فيتعين اللفظ المحيط بها شرعا ولذلك لا نزيد أيضا في صرائح الطلاق على ما ورد في القرآن
وقال أبو حنيفة رحمه الله ينعقد النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك وكل ما يفيد معنى التمليك
فرع
الصحيح أن ترجمتها بالفارسية وسائر اللغات يقوم مقامها لأنها في معناها
وقيل يقوم مقامها عند العجز فقط وقيل لا يجوز ذلك أيضا وعلى العاجز أن يستنيب القادر
الثانية لا ينعقد النكاح بالكنايات مع النية لأنها تتعلق بتفهيم الشاهد ولا مطلع له على النية ويصح بها الإبراء والفسخ والطلاق وما يستقل به الإنسان
وأما البيع وما ليفتقر إلى القبول ففيه وجهان مأخذهما أن القائل هل يكون كالشاهد حتى لا يكفي تفهيمه بقرينة الحال
فرع
إذا قال زوجتكها فينبغي أن يقول الزوج قبلت نكاحها أو قبلت هذا النكاح فلو اقتصر على قوله قبلت ففيه وجهان مأخذهما أن قوله قبلت ليس صريحا لنفسه ما لم ينضم فيه الإيجاب السابق
الثالثة نص الشافعي رضي الله عنه على أن النكاح ينعقد بالاستيجاب والإيجاب وهو قوله زوجنيها وقول الولي وزجتكها ونص في البيع على قولين وقطع الأصحاب بأن ذلك يكفي في الخلع والعتق على المال والصلح عن دم العمد لأن العوض غير مقصود فيها وإنما لا ينعقد البيع على قول لأنه قد يقول بعني على سبيل استبانة الرغبة من غير بت الرضا في الحال لأنه قد يقع بعته بخلاف النكاح ومن الأصحاب من طرد القولين في النكاح ومنهم من طرد القولين في الخلع والصلح وغير هذا وهو غريب لكنه منقاس جدا
الرابعة النكاح لا يقبل حقيقة التعليق مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك ولا يحتمل أيضا لفظه مثل أن يقول إن كان قد ولد لي بنت فقد زوجتكهاثم بان أنه كان قد ولدت فلا يصح النكاح بصيغة التعليق وكذلك لو قال إن انقضت عدتها فقد زوجتك وكان قد انقضت وفيه وجه أنه يصح مأخوذ من الوجهين فيما إذا قال إن كان أبي مات فقد بعت منك ماله
الخامسة نكاح الشغار باطل للنهي الوارد فيه وصورته الكاملة أن يقول زوجتك ابتني على أن نزوجني ابنتك أو أختك على أن يكون بضع كل واحد منهما صداق الأخرى ومهما انعقد لك نكاح ابنتي انعقد لي نكاح ابنتك وهذا يشتمل على ثلاثة أمور تعليق وشرط عقد واشتراك في البضع بجعله صداقا وقد قال القفال إنما يبطل العقد بالتعليق وهو المراد بالشغار مأخوذا من قولهم شغر الكلب برجله أيلا ترفع رجل ابنتي ما لم أرفع رجل ابنتك وكان ذلك من عادة العرب لأنفتها من التزويج فقال لو اقتصر على شرط التزويج في العقد وعلى إصداق البضع صح العقد لأن النكاح لا يفسد بالشرائط الفاسدة وجماهير الأصحاب عللوا بالاشتراك في البضع بجعله صداقا وقالوا يشبه ذلك ما لو نكحت الحرة عبدا على أن تكون رقبته صداقا لها فإن ذلك يبطله ومنهم من قال لو قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك واقتصر عليه بطل أيضا لما فيه من الخلو عن المهر
وأخذ الشغار من قولهم شغر البلد إذا خلا من الوالي وما ذكره القفال أقيس وما ذكره الجماهير إلى الخبر أقرب وأما الإبطال بمجرد اشتراط العقد والخلو عن المهر فبعيد
السادسة تأقيت النكاح باطل وهو أن يقول زوجتك شهرا وذلك هو نكاحالمتعة سمي بها لأن مقصوده مجرد التمتع
الركن الثاني المحل

وهي المنكوحة وشرطها أن تكون خلية من الموانع وهي قريب من عشرين ألا تكون منكوحة الغير أو في عدة الغير أو مرتدة أو مجوسية أو زنديقة لا تنسب إلى ملة أو كتابية دانت بدينهم بعد التبديل أو بعد المبعث وليست مع ذلك من بني إسرائيل أو تكون رقيقة والناكح حر واجد طول حرة أو غير خائف من العنت أو مملوكة للناكح بعضها أو كلها أو كانت من المحارم إما من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو تكون خامسة بأن يكون تحته أربع أو يكون تحت الزوج أختها أو عمتها أو خالتها فيكون بالنكاح جامعا بينهما أو يكون الناكح قد طلقها ثلاثا ولم يطأها بعده زوج أخر أو يكون الناكح قد لاعن عنها أو تكون محرمة بحج أو عمرة أو تكون ثيبا صغيرة أو يتيمة أوكانت من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لا يوجد في هذا الزمان فهذه مجامع الموانع وسيأتي شرحها في القسم الثالث من الكتاب
الركن الثالث الشهود

وهو شرط ولكن تساهلنا بتسميته ركنا ولا ينعقد النكاح إلا بحضور عدلين ولا ينعقد بحضور رجل وامرأتين خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وقال داود لا حاجة إلى الشهادة وقال مالك يكفي الإعلان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلابولي وشاهدي عدل فنقول لا بد من حضور من هو أهل للشهادة فلا يكفي حضور الصبي والذمي والرقيق والأصم والفاسق وفي حضور الأعمى خلافلأنه أهل لبعض الشهادات
ولو حضر ابن الزوجين أو أبو الزوجين ففيه أربعة أوجه
أحدها الانعقاد لأنه أهل على الجملة
والثاني لا لأنه ليس أهلا في هذا النكاح
والثالث أنه إن حضر ابن الزوج وابن الزوجة لم يكتف لأنه لا يتصور الإثبات وإن حضر ابنان لأحدهما جاز لأنه يمكن الإثبات على والدها
والرابع أنهما إن كانا ابنيها صح وإن كانا ابني الزوج لم يصح لأن الحاجة إلى الإثبات عليها عند الجحود لا على الزوج فيقبل عليها قول ابنيها
وتجري هذه الزوجه في عدوي الزوجين
ولو حضر من حاله في الفسق مستور على الزوجين جميعا صح العقد على الأصح وذكر المحاملي فيه خلافا ويعضده أن مستور الحرية لا يكفي حضوره على الأظهرلكن الحرية مكشوفة في الغالب والفسق خفي وفي المنع من المستور حرج وتضييق
فإن صححنا فبان بينه عادلة فسقهما حالة العقد ففي تبين بطلان العقد قولان كالقولين في نقض القضاء المبني على قولهما
ولا التفات إلى قولهما كنا فاسقين ولو قال الزوج كنت أعرف فسقه حالة العقد وأنكرت المرأة قال الصيدلاني ينزل منزلة الطلاق حتى يتشطر المهر قبل الدخول وبعده يجب جميع المهر وتعود إليه بطلقتين إن نكحها ونص الشافعي رضي الله عنه على أن الحر إذا نكح أمة ثم قال كنت واجدا طول الحرة بانت منه بطلقة
أما تشطير المهر فمعقول لأنه فراق حصل بجهته لا بزعم المرأة وأما جعله طلاقا ولم يجر عقد فليس يتبين لي وجهه إلا أن يجعل طلاقا في حق المرأة المنكرة خاصة أو يجعل في حق الزوج طلاقا في الظاهر لجريان الشهادة على ظاهر النكاح لا بينه وبين الله تعالى
فرع تردد الشيخ أبو محمد في أن المعلن بالفسق إذا تاب في مجلس العقد هل يلتحق بالمستور وكان عادته استتابة الحاضرين ووجهه أنه يمكن أن يكون صادقا في توبته
ولا خلاف في أنه لا يشترط الإشهاد على رضاء المرأة
الركن الرابع العاقدان

وهو الزوج والولي لأن المرأة مسلوبة العبارة عند الشافعي رضي الله عنه في عقد النكاح فلا تصح عبارتها بالنيابة ولا بالوكالة ولا بالاستقلال لا في التزويج ولا في القبول ويصح إقرارها بالنكاح على الجديد لأن شرط الولي إنما ورد في الإنشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي إلا أنها لو أقرت وكذبها الولي قال القفال لا تقبل لأنها أقرت على الولي بالتزويج ومنهم من قال تقبل لأنها مقرة على نفسها بالرق
ثم إن اعتبرنا تصديق الولي فكان غائبا سلمناها في الحال إلى الزوج بإقرارها للضرورةإذ يعسر ملازمة الولي حضرا وسفرا لكن لو رجع وكذب فالظاهر أنه يحال بينهما لزوال الضرورة
وصيغة الإقرار أن تقول زوجني الولي منه فلو أقرت بالزوجيه ولم تضف إلى الولي ففيه خلاف مبني على أن دعوى النكاح مطلقا من غير التقييد بالشرط هل تسمع
فأما إقرار الولي المجبر فنافذ إن أقر في حالة القدرة على الإجبار وأما أبو حنيفة رحمه الله فقد قضى بأنها تزوج نفسهالكن الولي يفسخ العقد إن وضعت نفسها تحت غير كفؤ وقال مالك تزوج الدنية نفسها دون الشريفة
وعندنا أن الوطء في النكاح بغير ولي يوجب المهر للشبهة ولا يوجب الحد وقال الصيرفي يجب الحد وقال بعض الأصحاب ينقض قضاء الحنفي بصحة نكاح بلا ولي لمخالفته الحديث الظاهر وتفاصيل أحكام الولاية يستوفيه بابان باب في الولي باب في المولي عليه
الباب الأول في الأولياء وفيه فصول
الفصل الأول في أسباب الولاية
وهي أربعة
الأبوة والجدودة في معناها
والعصوبة بالنسب
والولاء
والسلطنة أما الأب والجد أب الأب فلهما منصب الإجبار في حالة البكارة ولو بعد البلوغ وفي البنين في الصغر دون الكبر وقال أبو حنيفة رضي الله عنه البكر البالغة لا تجبر على النكاح والثيب الصغيرة يجوز أجبارها عنده
ونظر الشافعي رضي الله عنه إلى الثيابة والبكارة لقوله عليه السلام الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها
ومعنى إجبارها أن الأب لو زوجها من كفؤ وهي ساخطة نفذ ولو التمست التزويج من الولي وجبت الإجابة وإن كانت مجبرة كالصبي الذي يلتمس الطعام
ولو عينت كفؤا وعين الولي كفؤا فمنهم من قال يجب رعاية حقها في الأعيانوإنما حظ الولي في الكفاءة فقط ومنهم من قال تعيين الولي أولى
ومهما ثابت ولو بالزنا لم تجبر ولو انفتق جلد العذرة بوثبة أو طفرة فالأظهر أنها بكر لأن واطئها مبتكر
ولم ير أبو حنيفة للزنا أثرا في إزالة حكم البكارة
فأما العصبات من جهة النسب كالإخوة والأعمام وأولادهم فليس لهم الإجبار بحال وإنما لهم تزويج البكر والثيب بعد البلوغ برضاهها وهل لهم الاكتفاء بصمت البكر وجهان
أحدهما نعم لظاهر الحديث
والثاني لا لأن السكوت مردد ومعنى الحديث حث المجبر على مراجعتها من غير تكليف نطق
وأما الولي المعتق فولايته كولاية العصبات وأما السلطان فولي في أربعة مواضع عند عدم الولي وغيبته وعضله وإذا أراد الولي أن يزوج من نفسه وليس للسلطان ولاية الإجبار خلافا لأبي حنيفة رحمه الله
وليس للوصي ولاية التزويج وإن فوض إليه الموصي إذ ليس له قرابة تدعوه إلى الشفقة والنظر ولا حظ له في الكفاءة
الفصل الثاني في ترتيب الأولياء من القرابة والولاء والسلطنه

وجهة القرابة مقدمة على الولاء والولاء مقدم على السلطنة والازدحام يفرض في النسب والولاء
أما النسب فالأب ثم الجد ولهما ولاية الإجبار ثم ترتيب باقي العصبات كترتيبهم في الميراث إلا في ثلاث مسائل
إحداها أن الابن عصبة في الميراث ولا يزوج بحكم النبوة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله نعم إن كان قاضيا أو عصبة أو ابن عم أو معتقا زوج بهذه الأسباب فالبنوة لا تمنع ولا تفيد
الثانية الجد في الميراث يقاسم الإخوة وهاهنا يقدم الجد لأنه على عمود النسبوشفقته أكمل
الثالثة أن الأخ من الأب والأم مقدم على الأخ من الأب في الميراث وكذلك في الصلاة على الجنازة وفي الولاية قولان لأن جهة الأمومة لا مدخل لها في الولاية فيجوز أن لا توجب ترجيحا واختار المزني التقديم في التزويج أيضا
ويجري القولان في العم من الأب والأم والعم من الأب وابنيهما ولا يجري في ابني عم أحدهما أخ لأم لأن أخوة الأم هاهنا لا تفيد عصوبة في الميراث وكذلك إذا كان لها ابنا ابن عم أحدهما ابنها أو ابنا معتق أحدهما منها فلا ترجيح ونص ابن الحداد على أن ابنها من المعتق مقدم على سائر البنين وهو بعيد
أما ترتيب الولاء فالمتعق أولى فإن لم يكن فعصباته فإن لم يكونوا فمعتق المعتق ثم عصباته وترتيب عصبات المعتق كترتيب عصبات النسب إلا في مسائل
إحداها إذا اجتمع جد المعتق وأخوه من الأب ففيه قولان
أحدهما أن الأخ أولى لأنه يدلي ببنوة الأب وهي أقوى من الأبوة في العصوبة
والثاني يتساويان لأن أحدهما أب الأب والآخر ابن الأب وليس الجد هاهنا أصل الزوجة حتى يقدم
الثانية ابن المعتق مقدم على أبيه لأنه العصبة دون الأب هنا لقوة البنوة
الثالثة الجد وابن الأخ إن قلنا إن الجد مع الإخوة يتساويان فهاهنا الجد يقدم وإنقلنا يقدم الأخ على الجد فهاهنا يتساويان وقيل الجد مقدم لقربه وقيل ابن الأخ لقوة البنوة
الرابعة أخ المعتق من الأب والأم وأخوه من الأب قيل لا ترجيح إذ الولاء يجري بمحض العصوبة وقيل بطرد القولين
فرعان

أحدهما المرأة إذا أعتقت فلها الولاء ولكن يزوج العتيقة من يزوج السيدة برضا العتيقة ولا يحتاج إلى رضا المعتقة لأنها لا تلي العقد على نفسها ولا غيرها وليس لها الإجبار
وفيه وجه أنه لا بد من رضاها فإن عضلت يزوجها وليها برضا السلطان ويكون السلطان نائبا عنها في الرضا الواجب عليها
وإن كان للمعتقة أب وابن فيزوجها في حياتها الأب فإن ماتت يزوج الابن لأنه العصبة الآن وقيل باستصحاب ولاية الأب وهو بعيد وقيل يزوجها ابنها في حال حياتها كما يزوجها بعد مماتها وهو بعيد
الثاني جارية أعتق نصفها يزوجها المالك وعصبتها إن قلنا إن مثل هذه الجارية تورث وإن قلنا لا تورث فيزوجها المالك والقضاي وقد قيل يزوجها المعتق والمالك
وقيل لا تزوج لعسر الأمر وهو بعيد والأحوط التزويج باتفاق الجميع
الفصل الثالث في سوالب الولاية
وهي سبعة
الأول الرق فلا ولاية للرقيق على نفسه فكيف على غيره نعم تصح عبارته في شقي عقد النكاح بالوكالة وإن لم يأذن له سيده إذ لا ضرر على سيده فيه ومنهم من منع عبارته في شق التزويج وزعم أن نائب الولي ينبغي أن يكون بصفة الولاة بخلاف نائب الزوج
الثاني كل ما يقدح في النظر كالصبي والجنون والإغماء والعتة والسفه الموجب للحجر والمرض المؤلم الملهي عن النظر لشدته فجميع ذلك يسلب الولاية وينقلها إلى الأبعد إلا في الإغماء والجنون المتقطع ففيهما ثلاثة أوجه
أحدها أنها تنتقل إلى السلطان لأن زوالها منتظر كالغيبة
والثاني أنها تنتقل إلى الأبعد لأن الغيبة لا تخل بالنظر والجنون والإغماء يخلان بالنظر
والثالث أن الإغماء ينتقل إلى القاضي والجنون إلى الأبعد
ثم المغمى عليه ينتظر مقدار مدة سفر العدوى أو سفر القصر كما في مدة الغائب وعندي أن تقدير الانتظار هاهنا بثلاثة أيام أولى
الثالث العمى وفيه وجهان
أحدهما أنه لا يلي الأعمى لاختلال نظره
والثاني يلي لأن مقاصد النكاح لا ترتبط بالبصر
الرابع الفسق وظاهر نصوص الشافعي رضي الله عنه قديما وجديدا أنه يلي وقال لا يلي السفيه قال القفال أراد به الذي لا ينظر لنفسه ويدل على ولاية الفاسق الناظر لدنياه ترك الأولين النكير على سلاطين الظلمة والفساق في التزويج ولأنه ناظر لنفسه فكذلك لولده فإنه من أهم أموره الخاصة به ولأن عود الفسق بعد البلوغ لا يعيد الحجر وفاقا وإن كان عود السفه يعيده على وجه مع أن اتصال الفسق بالبلوغ يمنعارتفاع الحجر لأنه ثبت بيقين فلا يرتفع بالشك في الرشد واتصال الفسق يوجب الشك فإذا ارتفع بيقين لم يعد أيضا بالشك بسبب الفسق والمشهور تخريج ولاية الفاسق على قولين وقيل شارب الخمر لا يلي خاصة وقيل ولاية الإجبار تسقط بالفسق دون غيره وقيل عكسه فهذه خمسة طرق
ولا خلاف في أن المستور يلي لترك الأولين النكير وتوكيل الفاسق في العقد كتوكيل العبد وفيه خلاف على قولنا لا يلي الفاسق
فأما السكران المختل العقل فلا يصح تزويجه قولا واحدا ولا وجه لبناء ذلك على أنه يسلك به مسلك الصاحي أم لا فإن هذا يتعلق بالنظر للغير
الخامس اختلاف الدين يسلب النظر فيسلب الولاية الخاصة حتى لا يزوج المسلم ابنته الكافرة وأما الكافر فيزوج ابنته الكافرة من مسلم قال الشافعي رضي الله عنه وولي الكافرة كافر لأنه ينظر لولده بخلاف الفاسق المسلم على رأي وقال الحليمي لا يزوج الكافر إذا قلنا لا يزوج الفاسق وهذا خلاف النص
ولا يقبل المسلم نكاح الكافرة من قاضي الكفار لأنه لا وقع لقضائهم وفي كلام صاحب التقريب إشارة إلى خلافه
السادس غيبة الولي وهي لا تسلب الولاية عندنا لأن النظر قائم ولكن ينوب السلطان عنه لتعذر الأمر لغيبته ولذلك لا ينعزل الوكيل بطرآن الغيبة على الموكلوينعزل بطرآن الجنون
ثم السلطان يزوج إن كان السفر فوق مسافة القصر ولا يزوج إن كان دون مسافة العدوى وهو الذي يرجع عنه المبكر إليه قبل الليل وفيما بينهما وجهان يجريان في قبول شهادة الفرع عند غيبة الأصل وفي الاستعداء عند القاضي
ثم إذا طلبت من السلطان التزويج قال الشافعي رضي الله عنه لا يزوجها ما لم يشهد عدلان أنه ليس له ولي حاضر وليست في زوجية ولا عدة فمنهم من قال ذلك واجب احتياطا للنكاح خاصة ومنهم من قال هو استحباب لأن اعتماد العقود على قول أربابها وكذلك يحلفها القاضي على أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى ذلك
ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى استحباب أو إيجاب فيه خلاف
السابع الإحرام والمحرم مسلوب العبارة في عقد النكاح بالوكالة والنيابة والاستقلال في شقي القبول والإيجاب وهل يمنع الرجعة فيه وجهان
وهل ينعقد النكاح بشهادة المحرم فيه خلاف للتردد في الرواية إذ ورد في بعضها لا ينكح المحرم ولا يشهد
وهل تنقطع هذه التحريمات بالتحلل الأول فيه وجهان والأظهر أنه لا تنقطع لبقاء اسم الإحرام
ثم اختلفوا في أن الولاية تنتقل إلى السلطان أو إلى الأبعد ومأخذه أنه كالغيبة أو مناف للولاية فإن قلنا إنه مناف فلو أحرم الموكل انعزل وكيله وإن قلنا لا فلا ينعزل ولكن قال الصيدلاني يصبر الوكيل إلى تحلل الموكل إذ يبعد أن يتعاطى عنه فعلا في وقت يعجز عنه هو في نفسه
الفصل الرابع في تولي طرفي العقد

أعلم أن الأب يتولى طرفي البيع في مال ولده وكذا الجد لقوة الولاية ولكثرة الحاجة في البيع وعسر مراجعة السلطان وهل يتولى الجد طرفي النكاح في حفدته فيه وجهان مبنيان على أن العلة في البيع قوة الولاية وحدها أم مع كثرة الحاجة إلى البيع فإن النكاح نادر
فإن قلنا يتولى فهل يكفيه النطق بأحد الشقين فيه وفي البيع ثلاثة أوجه
أحدها يكفي لأن رضاه بأحد الطرفين رضا بالآخر فلا معنى لجوابه نفسه
والثاني لا لأن معنى التحصيل غير معنى الإزالة فلا بد من لفظين
والثالث أنه لا يكفي في النكاح للتعبد في صيغته بخلاف البيع
وإن قلنا لا يتولى فيفوض إلى السلطان أحد الطرفين وقيل إنه يوكل لأن الجهة قوية وإنما يحتاج إلى الغير لنظم التخاطب وللتعبد
فأما الجهة التي لا تفيد الإجبار فلا تفيد تولي الطرفين للعقد فلا يزوج ابن العم من نفسه بل يزوجه من في درجته أو السلطان ولا يكفيه التوكيل فإن وكيله بمثابته وكذا المعتق والقاضي والحاكم المنصوب عن جهة القاضي يزوج منه لأن حكمه نافذ عليه وكأنه من جهة السلطان لا كالوكيل ومنهم من استثنى الإمام الأعظم وقال له تولي الطرفين لقوة الإمامة
والصحيح أن الوكيل من الجانبين في النكاح لا يتولى طرفي العقد وكذا في البيع وقال أبو حنيفة رحمه الله يجوز للولي والوكيل تولي طرفي النكاح دون البيع
الفصل الخامس في توكيل الولي وإذنه

أما الولي المجبر فله التوكيل قطعا وهل عليه تعيين الزوج قولان
احدهما لا لكن على الوكيل طلب الكفؤ فإن الإذن يتقيد بالغبطة
والثاني يلي لأن النظر في أعيان الأكفاء دقيق والنكاح مخطر فينبغي أن يتولاه الولي
أما المرأة إن أذنت للولي الذي لا يجبر ولم تعين ففيه قولان مرتبات وأولى بالجواز لأن الولي ذو خط فينظر بخلاف الويكل
وإن صرحت بإسقاط الكفاءة تخير الولي وهل يجب التعين مع ذلك فيه طريقان وإن قالت زوجني ممن شئت فالصحيح أنه لا يزوج إلا من كفؤ ومعناه ممن شئت من الأكفاء وليس لغير المجبر التوكيل إن منعت من ذلك وإن رضيت جاز وإن أطلقت الإذن فوجهان
أحدهما لا كالوكيل بالبيع
والثاني نعم لأنه على الجملة ذو ولاية وحظ
فرع

لو عينت زوجا ورضيت بالتوكيل فعين الولي في التوكيل ذلك جاز وإن اطلق فاتفق أن زوج الوكيل من المعين ففي الصحة وجهان ووجه الفساد صيغة التوكيل كما لو قال الولي بع مال الطفل بالغبن فباع بالفبطة فإنه لا يصح ويتصل هذا النظر في كيفية تعاطي الوكيل وليقل الولي للوكيل في القبول زوجت فلانة من فلان ولا يقل منك ويقول الوكيل قبلت لفلان فلو اقتصر على قوله قبلت ففيه وجهان لتردده بينه وبين الموكل ولو قال قبلت لنفسي لم يصح له ولا للموكل لأنه مخالف للخطاب
ولو قال زوجت منك فقال قبلت ونوى موكله لم يقع للموكل وفي البيع يقع مثله للموكل لأن معقود البيع قابل للنقل بخلاف معقود النكاح
الفصل السادس فيما يجب على الولي

فنقول أما غير المجبر فتجب عليه الإجابة إذا طلبت إن لم يكن في درجته غيره فإن كان فهو كشاهد لا يتعين وفيه خلاف فإن تعين وعضل وأحوجها إلى السلطان عصى لما فيه من الإضرار وخرق المروءة والنهي عن العضل
وأما المجبر فيجب عليه تزويج المجنونة إذا تاقت ولا يجب التزويج من الابن الصغير لأنه لا يلزمه المهر والنفقه ولا يجب تزويج البنت إلا إذا ظهرت الغبطة فيحتمل الإيجاب كما إذا طلب مال الطفل بزيادة فإنه يجب عليه البيع ويحتمل تجويز التأخير إلى بلوغها
وأما مال الطفل فلا يجب على الولي أن يكد نفسه بالتجارة والاستنماء ولكن يجبصونه عن الضياع وقدر من الاستمناء المعتاد الذي يصونه عن أن تأكله النفقة ولو طلب ماله بزيادة وجب البيع ولو بيع شيء بأقل فله أن يشتري لنفسه فإن لم يرد فليشتر لطفله وإن قبل نكاح ابنه لم يلزمه الصداق في الجديد لأنه لم يضمن وفي القديم يصير بالعقد ضامنا وهل يرجع به بعد البلوغ فيه احتمال على القديم وإن تبرم بحفظ مال الطفل فله أن يستأجر من مال الطفل من يعمل له أو يطالب السلطان بأجرة يقدرها له من مال الطفل إن لم يجد متبراعا وإن وجد متبرعا فالظاهر أنه لا يعطي الأجرة بخلاف الأم فإن إرضاعها بالأجرة أولى من إرضاع متبرعة أجنبية لما فيه من التفاوت الظاهر
الفصل السابع في الكفاءة وخصالها

واعلم أن الكفاءة حق المرأة والأولياء فلو رضوا بغير كفؤ جاز خلافا للشيعة فإنهم حرموا العلويات على غيرهم وكيف يحرمن ولم تحرم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان وعلي وأبي العاص وأين كفؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالم قال الشافعي رضي الله عنهكيف كان علي كفؤ فاطمة وأبوه كافر وأبوها سيد البشر ولو كان يكفي النسب في الكفاءة فالناس كلهم إولاد آدم عليه السلام فلم تفاوتوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس وهي قرشيه أن تنكح أسامة وهو مولى
والصحيح أن التي لا ولي لها يزوجها السلطان من غير كفؤ برضاها إذ لا حظ للمسلمين في الكفاءة وذكر الصيدلاني خلافه
ثم الكفاءة ترجع إلى مناقبوالمعتبر منها خمس التنقي من العيوب المثتبة للخيار والحرية والنسب والصلاح في الدين والتنقي من الحرف الدنية والجمال لا يعتبر لأنه يرجع إلى ميل النفس واليسار يعتبر في أضعف الوجهين ولعل ذلك قدر البلاغ دون التساوي في المقادير ولا مبالاة بالانتساب إلى الظلمة بل إلى أرومة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى العلماء لأنهم ورثة الأنبياء وإلى الصلحاء المشهورينالذين لا ينسى أمرهم بعد الموت فإنه الموجب للتفاوت
وأما صلاح الزوج فيكفي فيه التنقي من الفسق ولا تعتبر المساواة في درجة الصلاح والاشتهار
والحرف الدنية هي التي تدل على سقوط النفس وأكثرها يرجع إلى ملابسة القاذورات والرجوع في تفصيل جميع ذلك إلى العادات
وتمام هذا النظر بثلاث مسائل

إحداها أن هذه الخصال تعتبر في تزويج البنت لا في الابن إذ لا عار على الرجال في غشيان خسيسة نعم لا تزوج منه معيبة بالعيوب المثبتة للخيار ولا يتصور تزويج الرقيقة منه لأنه لا يخاف العنت وفي اعتبار الكفاءة بجانبه أيضا وجه بعيد
الثانية هذه الخصال هل تجبر بالفضائل
ينظر فإن كان الفائت نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يوازيها الانتساب إلى غيره من العلماء والصلحاء وهل يوازيه الصلاح الظاهر المشهور في الخطاب الأصح أنه لا يوازيه وقيل تجبر به واعتمد فيه هم عمر رضي الله عنه بتزويج ابنته سلمان الفارسي وبأمثال ذلك
وأما العيوب فلا يجبرها غيرها وأما اليسار فيجبر بغيره والحرفة لا تعارض النسب وربما يعارضه الصلاح والمحكم في جميع ذلك العادات ونفي العار
الثالثة إذا زوجها من غير كفؤ بطل العقد على الصحيح وذكر العراقيون في تزويج السليمة من المعيب قولين وهو أجرى في سائر الخصال ثم قالوا إن قلنا ينعقد العقد فهل يثبت للولي الفسخ قولان وأجروا ذلك وإن كان عالما به لأن الحق للطفل فلا يسقط بعلمه وإن بلغت فهل يثبت لها الخيار ففيه تردد وكل ذلك بعيد ووجهه أن في النكاح مصالح خفية والأب مؤتمن غير متهم فربما يتعاطى تحصيل مصلحة خفية قد تتقاضى ترك الكفاءة إلا أنه إذا روعي ذلك فلا يتجه إثبات الخيار
الفصل الثامن في اجتماع الأولياء في درجة واحدة

وإذا اجتمعوا فكل واحد يستقل لكن الأحب تقديم الأسن والأفضل فإن تزاحموا فالعقد إلى من تعين المرأة فإن أذنت للكل أقرع بينهم فإن عقد من لم تخرج له القرعة مبادرا انعقد وإن زوج أحدهم من غير كفؤ برضاها قال الشافعي رضي الله عنه النكاح مفسوخ فقيل إن معناه أن للآخرين فسخ العقد اعتراضا وقيل معناه أنه لا ينعقد لأنه يؤدي إلى لحوق العار بالولي قبل أن يتدارك وقيل المسألة على قولين
فرع إذا أذنت لوليين ولم تعين الزوج وجوزنا ذلك فعقد كل واحد منهما مع شخص فإن اتحد الوقت تدافعا وإن لم يعلم السبق وأمكن التوافق تدافعا أيضا إذ ليس نستيقن صحة نكاح أحدهما فإن سبق أحدهما وتعين ولكن نسيناه وتعذر بيانه فالنكاح بينهما موقوف ولا نبالي بتضررها طول العمر كما لو غاب زوجها ولم تعرف حياته وكما لو انقطع دم الشابة بمرض فإن عليها انتظار سن اليائس من الضرار فيه وإن علم السبق ولكن لم يتعين السابق منهما أصلا وحصل اليأس من البيان فقولان مبنيان على القولين في جمعتين عقدتا في بلدة واحدة على هذا الوجه وهاهنا أولى بالفسخ لأن الصلاة لا تحتمل الفسخ ففي قول يتوقف كما لو تعين ثم نسي وفي قول يفسخ لدوام الضرار وإطباق الإشكال من أول الأمر إلى آخره ويشكل على هذا إذا تعين ثم نسي وقد قيل بطرد القولين فيه لكنه غريب
التفريع حيث رأينا الفسخ فقد حكى الصيدلاني عن القفال أنه ينفسخ ولا حاجة إلى إنشاء الفسخ والأصح أنه يحتاج إلى إنشاء الفسخ ثم فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه يتعين بتعيين القاضي لأنه محل التباس
والثاني لها الإنشاء لتضررها كما في الجب والعنة فإن الزوج يقدر على الطلاق
والثالث أن للزوجين أيضا الفسخ
وإن تأخر الفسخ فنفقتها تقسم على الزوجين لأنها محبوسة بسببهما ولا مهر عليهما إذ النفقة قد تجب بعلة الحبس دون المهر وفي النفقة وجه منقدح أنه تجب لأنه ليس الحبس بتقصير منهما ولا النكاح مستيقن في حق واحد منهما
هذا كله عند الاعتراف بالإشكال فإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق قال الصيدلاني ليس لأحد الزوجين أن يدعي على الآخر إذ ليس في يده شيء وليس أحدهما بأن يكون مدعيا أولى من أن يكون مدعى عليه
وإن ادعى على الولي وهو غير مجبر لم يجز وإن كان مجبرا فوجهان لااختصاص لهما بمحل التنازع
أحدهما أنه لا يتوجه عليه أصلا إذ لا حظ له في الملك وإنما هو عاقد كالوكيل
والثاني يتوجه لأن إقراره يقبل بخلاف الوكيل والذي لا يجبر
قال الإمام إذا لم يمكن دعوى العلم على المرأة فلا يبعد أن يدعي أحدهما على صاحبه وتجعل المرأة كمال في يد ثالث تداعاه رجلان ثم ذكر القاضي في البداية بالتحليف أنه يقرع بينهما
أما إن ادعى عليهما العلم بالسبق فلها ثلاثة أحوال
إحداها أن تقر لواحد وفرعنا على الصحيح في صحة إقرارها ثبتت زوجيته في الحال لكن هل للثاني أن يحلفها فيه قولان مبنيان على أن من أقر بشيء لزيد ثم أقر به لعمرو هل يغرم للثاني بالحيلولة فإن قلنا يغرم فهاهنا أيضا يتوقع إقرارها فيحلفها حتى تقر فتغرم أو تنكل فيستفيد الثاني باليمين المردودة تغريمها
وإن قلنا لا تغرم فلا يحلفها إذ لا فائدة له في نكولها ولا في إقرارها وفي القديم قول أنه يحلفها حتى يستفيد باليمين المردودة إن نكلت ثبوت الزوجية له وكأن إقرارها الأول لم يثبت زوجية الأول إلا بشرط الحلف للثاني فأما مع النكول فلا وهذا بعيد إذ نكولها كيف يرد إقرارها ويزاحمه
الحالة الثانية أن تنكر العلم بالسبق وتحلف على نفي العلم فيبقى التداعي بين الزوجين وذلك جائز وإن منعناه في الابتداء قبل توجيه الدعوى عليها فإن الدعوى الآن وجد متعلقا ثم لم يفد قطع الخصومة وقيل إنه لا يسمع تداعيهما كما في الابتداء ويكفيها يمين واحدة على نفي العلم إن حضر الزوجان معا وإن بادر أحدهما فهل للثاني تحليفها مرة أخرى فيه وجهان يجريان في كل شريكين يدعيان شيئا واحدا
الحالة الثالثة أن تنكر وتنكل حلف المدعي على السبق ولا يتعرض لعلمهما فإن ذلك شرط في الدعوى لترتبط بها الدعوى
هذا كله إذا ادعي عليها العلم فإن أطلق دعوى الزوجيه ففي سماع الدعوى المطلقة خلاف والله تعالى أعلم
الباب الثاني في المولي عليه وفيه فصول ثلاثة
الأول في المولي عليه بالجنون

وفيه مسائل ثلاثة
الأولى البكر المجنونة لا شك في أن الأب يزوجها لكن الثيب إن كانت كبيرة يزوجها بمجرد المصلحة من غير حاجة على الأصح وقيل لا يزوجها لأن الأب في حق الثيب كالأخ وهو لا يزوجها
وأما الثيب الصغيرة المجنونة ففيه وجهان أحدهما لا يزوجها كالعاقلة وبخلاف البالغة فإنها في مظنة الشهوة على الجملة وإن لم يشترط ظهور حاجة الشهوة في حق الأب
والصحيح أنها إذا بلغت عاقلة ثم عاد الجنون عاد ولاية البضع وإن كان في عود ولاية المال خلاف لأن تفويض البضع إلى السلطان مع حياة الأب قبيح
الثانية للأب التزويج من الابن الكبير المجنون وفي الصغير وجهان ووجه المنع أنه تكثر عليه المؤن وخرج بالجنون عن مظنة الاستصلاح وبالجملة تزويج البنتالصغيرة أولى من التزويج من الابن
ثم لا ينبغي أن يزاد في التزويج من المجنون على واحدة وظاهر المذهب أنه يزوج من الصغير العاقل أربع لأنه في مظنة الاستصلاح وفيه وجه أنه لا يزيد على واحدة أيضا
الثالثة إذا لم يكن للمجنونة أب ولا جد يزوجها السلطان أو العصبات فيه وجهان
أحدهما العصبات لأنهم على الجملة ذو حظ وشفقتهم أكمل نعم السلطان ينوب عنها في الرضا
والثاني أن السلطان يزوجها كما أنه يلي مالها نعم قال الشافعي رضي الله عنه يراجع أهل الرأي من أقاربها ويشاورهم واختلفوا في أن ذلك إيجاب أو استحباب فإن جعلناه إيجابا رجع الأمر إلى أنه لا بد من رضا الولي والسلطان ويرجع الخلاف إلى تعيين من يتعاطى العقد
ثم هل يشترط في تزويجهم حكم الأطباء بظهور حاجتها إلى الوطء وجهان
أحدهما لا يشترط بل يجوز بالاستصلاح كما يجوز للأب
والثاني نعم إذ ليس لهؤلاء رتبة الإجبار فلا يقدمون عليه إلا عن ضرورة
الفصل الثاني في المولي عليه بالسفه

فإذا بلغ الصبي سفيها لم يجبره الولي على النكاح لأنه بالغ ولا يستقل هو بالنكاح لأنه سفيه لكن ينكح بإذن الولي وعبارته صحيحة ويستقل بالطلاق لأنه لا يندرج تحت الحجر ومهما التمس النكاح بعلة الحاجة وجب الإسعاف لأنه أعرف بحاجته فإن التمس بعلة المصلحة ففي وجوب إسعافه تردد ولأنه بين الصبي والمجنون وهو أولى بالاستصلاح من المجنون وإذا وجب الإجابة فامتنع الولي فليراجع السلطان فإن لم يجد السلطان ففي صحة استقلاله تردد بخلاف ما إذا استقل بشراء الطعام في مثل هذه الصورة لأن الطعام في محل الضرورة دون الوقاع ولذلك يجب على الأب الإنفاق على الابن دون الإعفاف
ومهما استقل دون مراجعة الولي لم ينعقد النكاح فإن وطئ ففي المهر ثلاثة أوجه
أحدها لا يجب كما إذا اشترى وأتلف فإن البائع هو الذي قصر وسلط
والثاني يجب إذ تعرية الوطء عن المهر غير ممكن تعبدا
والثالث يكتفي بأقل ما يتمول لحق التعبد وحق السفيه وأما السفه في جانبها فلا يظهر له أثر
فرع ينبغي للولي أن يعين المهر والمرأة جميعا إذا أذن فإن عين المرأة دون المهر جاز وتعين مهر المثل إنه زاد سقطت الزيادة وصح العقد وإن عين المهر وزاد ثم يثبت وصح العقد بخلاف الوكيل إذا زاد لأنه عاقد لنفسه ومقصود الإذن رفع الحجر ثم الغبطة تعين مقدار المهر

أما إذا عين امرأة فنكح غيرها لم يصح لأنه حاد عن الأصل والمصلحة تتفاوت به كما أن الزيادة أيضا لا تصح وإن صح العقد دونها
أما إذا أذن مطلقا ولم يعين المرأة ففي صحة هذا الإذن وجهان لمخالفته للمصلحة غالبا فإن قلنا يصح فله أن ينكح من شاء بمهر المثل بشرط أن لا ينكح شريفة يستغرق مهرها جميع ماله فإن ذلك يخالف الغبطة والإذن المطلق ينزل على الغبطة أما المرأة فالشفة في حقها لا يؤثر في تغيير أمر الولاية
الفصل الثالث في المولي عليه بالرق

و للسيد إجبار الأمة على النكاح وهل له إجبار العبد فيه ثلاثة أقوال
أحدها نعم كالأمة
والثاني لا لأن مستمتعه غير مملوك له ولا هو أهل للنظر له
والثالث أنه يجبر نظرا إليه دون الكبير وهل للعبد إجبار السيد على التزويج منه فيه وجهان
أحدهما نعم لأن منعه يورطه في الفجور والرق لا آخر له ولا بد من التحصن
والثاني لا لأن ذلك يشوش مقاصد الرق
ولعل الأصح أن كل واحد منهما لا يجبر الاخر بل لا بد من تراضيهما وهذا خلاف جار في أنه هل يجب تزويج الأمة إذا طلبت وهو أبعد لأن لها مطمعا في الاستمتاع بالسيد
ثم تزويج المالك رقيقة حيث قلنا به طريقة الولاية أو الملك فيه وجهان
أحدهما أنه الملك إذ لا قرابة له حتى ينظر له وإن نظر فينظر لمصالح ملكه وقد لا تكون مصلحة ملكه مصلحة للرقيق في نفسه
والثاني أنه بطريق الولاية لأن مستمتع العبد لا يملكه ومستمتع الأمة وإن ملكه فليس المنقول إلى الزوج ملكه ولذلك يملك الزوج ما لا يملكه من طلاق وظهار ولا يقدر الزوج على نقل البضع من نفسه ولا هو واطئ بملك اليمين ولذلك لا يجوز له تزويجها من معيب بالعيوب الخمسة فإن فعل فلها الخيار ولا خيار للسيد إذا جهل ذلك لأنه مأخوذ من دفع ضرار الاستمتاع ولو باعها من معيب فليس لها الخيار
فإن قلنا إنه بالولاية فلا يزوج الفاسق أمته وعبده إن قلنا لا يلي الفاسق
ولا يزوج المسلم رقيقه الكافر أمة كانت أو عبدا ولا الكافر يجبر رقيقه المسلم لكن يرضى فيسقط حقه وينكح العبد انفسه
فروع ثلاثة

الأول الولي هل يزوج رقيق طفله فيه ثلاثة أوجه
أحدها نعم لأنه من مصالح المال
والثاني لا لأن مصلحة المال لا تقتضي النكاح
والثالث أنه يزوج الأمة لحظ المؤنة دون العبد
الثاني أمة المرأة يزوجها وليها برضاها وقال صاحب التلخيص يزوجها السلطان برضاها إذ وليها ليس مالكها ولا ولاء لها وهذا له وجه على قولنا إن تزويج الرقيقبالملك لا بالولاية ثم لا يجبر الولي أمة البكر البالغة وإن أجبرها فلا يكتفي بسكوتها في أمتها وإن اكتفي بذلك في نفسها
الثالث قال ابن الحداد المعتقة في المرض لا يزوجها قريبها لأنه ربما ينقص المال ويموت المريض وتعود رقيقة فمن الأصحاب من خالفه وقال ينبني التصرف على الحال كما لو وهب المريض جاز للمتهب وطؤها مع هذا الاحتمال لكن قياس ابن الحداد يقتضي المنع في هذا أيضا ويحسن هذا الاحتياط للبضع إذا كان المرض مخطرا أولا مال له سواه إذ يظهر هذا الاحتمال
القسم الثالث من الكتاب في الموانع للنكاح في الناكح والمنكوحة

وهي أربعة أجناس
الأول ما يوجب المحرمية
والثاني ما يتعلق بعدد ولا يوجب حرمة مؤبدة
والثالث الرق والملك
والرابع الكفر
الجنس الأول المحرمية

وذلك يحصل بنسب أو رضاع أو مصاهرة
المانع الأول النسب ويحرم جميع الأقارب إلا أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأصناف المحرمات سبعة ذكرهن الله تعالى في قوله { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية
أما الأم فهي كل أنثى انتهيت إليها بالولادة بواسطة أو غير واسطة كانت الواسطة ذكرا أو أنثى واندرجت تحته الجدات
وأما البنت فهي كل أنثى تنتهي إليك بالولادة بواسطة وغير واسطة كما سبق واندرج فيه الأحفاد
وأما الأخت فهي كل أنثى ولدها أبوك وأمك أو أحدهما وبنات الأخ وبنات الأخت كبناتك منك
والعمة كل امرأة ولدها أجدادك أو جداتك من قبل الأب ولا يحرم أولادها
والخالة كل امرأة ولدها أجدادك أو جداتك من قبل الأم
والفظ الجامع أنه يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعده أصل
فرع
إذا ولدت من الزنا لم يحل لها نكاح ولدها والمخلوقة من ماء الزنا لا يحرم نكاحها على الزاني لأنها تنفصل عن الأم وهي إنسان وبعض منها وتنفصل عن الفحل وهو نطفة فعلة تحريمه النسب الشرعي وقد انتفى ولو كان بعضا حقيقيا منه لما انعقد ولد الحر رقيقا في منكوحة رقيقة كما لا تلد الحرة رقيقا من زوج رقيق
أما المنفية باللعان فهل تحرم على النافي فيه وجهان وجه التحريم أنها عرضة اللحوق بسبب الفراش إن كذب نفسه
المانع الثاني الرضاع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فتحرم منه الأم والبنت والأخ والأخت وبناتهما والعمة والخالة
وأمك كل امرأة أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من جهة أبيك أو أمك وكذلك كل امرأة يرجع نسب المرضعة إليها
وكل امرأة يرجع نسبها إلى هذه المرضعة من قبل أبيها أو أمها فهي أختك وكذلك كلامرأة أرضعتها أمك بلبان أبيك فهي أختك من الأب والأم وإن أرضعتها أمك بلبان غير أبيك فهي أختك من الأم وإن أرضعتها أجنيبة بلبان أبيك فهي أختك من الأب وكذلك قياس العمات وسيأتي في كتاب الرضاع شرحه
فرع لو اختلطت أخته من الرضاع بأهل بلد أو قرية لا ينحصرون في العادة فله أن ينكح من شاء كما لو غصب شاة في بلدة فلا يحرم عليه اللحم
ولو اختلطت بعشر أو عشرين أو عدد محصور على الجملة فيلزمه اجتناب الكل لأن يقين التحريم عارض يقيت الحل في عدد وقيل يجوز الهجوم وهو بعيد
المانع الثالث المصاهرة والمحرمات بالمصاهرة أربع
أم الزوجة وجداتها من الرضاع والنسب
وبنتها وحفدتها من الرضاع والنسب
وزوجة الابن والحفدة
وزوجة الأب والجد
ويحرم الجميع بمجرد النكاح إلا بنت الزوجة فلا تحرم إلا بالدخول قال الله تعالى { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن }
والوطء الحلال بملك اليمين والوطء بالشبهة يحرم الأربع كالوطء في النكاحبخلاف الزنا فإنه لا يحرم خلافا لأبي حنيفة إذ الشبهة كالحقيقة في جلب المحرمات كالعدة والمهر والنسب وسقوط الحد لكن يرجع في وجوب المهر إلى الاشتباه عليها فقط وينظر في ثبوت النسب والعدة إلى الاشتباه عليه وقيل في المصاهرة إنه تكفي الشبهة من أحد الجانبين وقيل لا بد من الاشتباه على الرجل لأنه قرينة النسب في كتاب الله تعالى وقيل لا بد فيه من الاشتباه عليهما جميعا
والصحيح أن مجرد الملامسة لا يقوم مقام الوطء في تحريم المصاهرة كانت بالشبهة أو في النكاح وفيه قول آخر أنه يلتحق به وقيل يطرد ذلك القول في النظر بالشبهة أيضا
الجنس الثاني ما يتعلق بتعبد عددي ولا تتأبد به الحرمة

وهي ثلاث
المانع الأول نكاح الأخت في عدة الأخت

قال الله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } فقيل أراد ما سلف قبل التحريم فلا يرد وقيل ما سلف في الجاهلية
ثم ألحق به رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع المحارم فقال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها والضابط أن كل شخصين بينهما قرابة أو رضاع لو كان أحدهما ذكرا والأخرى أنثى حرم النكاح بينهما فلا يجوز الجمع بينهما
واحترزنا بالقرابة والرضاع عن الجمع بين المرأة وأم زوجها أو ابنة زوجها فإن ذلك جائز وإن كان النكاح يحرم بينهما لو كان أحدهما ذكرا
ثم ألحق الفقهاء ملك اليمين بالنكاح حتى قالوا لو اشترى أمة ووطئها حرمت عليه أختها وخالتها وعمتها فإن ملك الجميع فما لم يحرم الموطوءة على نفسه ببيع أو عتق أو تزويج أو كتابة فلا يحل له وطء الباقيات ولا تقوم العوارض المحرمة مقام البيع كالحيض والعدة بالشبهة والردة والإحرام وفي الرهن والبيع بشرط الخيار خلاف وتحل الأخت بالطلاق البائن ولا تحل بالطلاق الرجعي وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تحل أيضا بالبائن وكذا الخلاف في نكاح الخامسة
فرع لو وطئ أمة ثم نكح أختها الحرة صح النكاح وحرمت الأمة وليس كما لونكحها ثم نكح عليها أختها فإن الطارئ لا يصح لأن ملك اليمين ضعيف في مقصود الوطء فلا يدفع النكاح المقصود بل يدفع به حله
ولو اشترى الرجل منكوحته صح الشراء وانفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى في نفسه
المانع الثاني

الزيادة على الأربع ممتنع على الحر والثالثة في حق العبد كالخامسة في حق الحر فلا يزيد العبد على اثنتين وقال مالك ينكح العبد أربعة
فرع لو نكح خمسا في عقد فالعقد باطل فيهن ولو كان فيهن أختان بطل فيهما وفي الباقيات قولا تفريق الصفقة وكذا لو جمع بين معتدة وخلية من العدة ففي الخلية القولان
المانع الثالث استيفاء عدد الطلاق

فلا تحل المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره ويطأ في نكاح صحيح ثم يطلقها وتنقضي عدتها ولا يحصل بالوطء في ملك اليمين والمذهب أنه لا يحصل بالوطء في نكاح فاسد ويحصل بوطء الصبي ونزولها على الزوج وهو نائم وبالاستدخال خال من غير انتشار وفيه وجه بعيد ويحصل بمجرد تغييب الحشفة أو مقدار الحشفة من مقطوع الحشفة ومنهم من قال لا بد من تغييب الجميع إذا زالت الحشفة
ومن لطائف الحيل للفرار من الغيظ أن يشتري عبدا صغيرا ويزوجها منه ثم يستدخل زبيبة الصغير ولو مع حائل من ثوب ثم يبيع العبد منها حتى ينفسخ النكاح فيحصل التحليل إلا إذا قلنا لا يجوز إجبار الصغير
فإن قيل فما معنى قوله عليه السلام لعن الله المحلل والمحلل له
قلنا قيل أراد به طالب الحل من نكاح المتعة وهو المؤقت رسما وسمي محللا وإن لم يحلل له لأنه يعتقده ويطلب الحل منه وأما طالب الحل من طريقه فلا يستوجب اللعن وقيل إنما لعن مع حصول التحليل لأن التماس ذلك هتك للمروءة والملتمس هو المحلل له وإعارة النفس في الوطء لعرض الغير أيضا رذيلة فإنه إنما يطؤها ليعرضها لوطء الغير وهو قلة حمية ولذلك قال عليه السلام ذلك هو التيس المستعاروإنما يكون ذلك مستعارا إذا سبق منه التماس من المطلق ومن عرض الوطء الغير من هي منكوحته أو من كانت منكوحته أو ستكون منكوحته فهو مزموم جدا فلا يبعد أن يلعن ولا يقتضي هذا اللعن بطلان العقد لأنه سماه مع ذلك محللا إلا أنه إذا شرط الطلاق في نفس العقد فإنه يفسد على وجه كالتأقيت ولا يفسد على وجه لأنه شرط فاسد كما لو شرط أن لا يتسرى عليها ولا يسافر بها وكسائر الشرائط المفسدة للمهر
وأما التأقيت فإنه وضع للعقد قاصرا على مدة ولا يمكن الاقتصار ولا التسرية
أما إذا قال بشرط أن لا تحل لك فينبغي أن يفسد لأنه يجعل اللفظ متناقضا ولو قال بشرط أن لا تطأها ففيه وجهان
وهذه الشروط إذا لم تقارن العقد لا تضر وفيه وجه بعيد أن المقدم كالمقارن أخذا من مهر السر والعلانية كما سيأتي وعلى هذا لا يصح التحليل بالالتماس إلا إذا زوج مطلقا ثم التمس الطلاق بعد العقد
الجنس الثالث من الموانع الرق والملك

أما الرق فمانع على الجملة عند الشافعي رضي الله عنه في بعض الأحوال فلا يجوز للحر المسلم أن ينكح الأمة إلا بخمسة شرائط
ثلاثة فيه وهو فقد الحرة تحته وفقد طول الحرة وخوف العنت
واثنان في الأمة وهي أن تكون مسلمة ومملوكة لمسلم
الشرط الأول ألا يكون تحته حرة فإن كانت تحته رتقاء أو هرمة أو غائبة أو كتابية لم يجز أيضا نكاح الأمة بل يجب عليه طلاقها بخلاف ما إذا وجد مالا ولكنهغائب فإنه كالفاقد للطول
الشرط الثاني فقد طول الحرة فمن ليس تحته حرة ولكنه قادر عليها لم يجز له نكاح الأمة لقوله تعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات } الآية
ويجوز للمفلس نكاح الأمة وإن وجد حرة ترضى بمهر مؤجل جاز لأن الأجل سيحل وهو معسر وكذلك إذا كان له مال غائب وهو يخاف العنت في الحال قبل القدرة على المال وكذلك إذا رضيت الحرة بدون مهر المثل وملك ذلك القدر لأنه لا يلزمه تحمل المنة وفيه وجه آخر اختاره الصيدلاني أنه لا يجوز له نكاح الأمة لأن المنة بالمهر مستحقر في النكاح بخلاف المنة في بيع الماء والثوب الساتر للعورة في الصلاة
ولو وجد مالا ولم يجد حرة ينكحها جاز له نكاح الأمة ولو لم يجد إلا حرة تغاليه في المهر مغالاة يعد احتمال ذلك سرفا بالإضافة إلى مقاصد النكاح فله نكاح الأمة وإن كان ذلك قدرا قريبا لم يرخص بسببه
وكذلك الولي إذا نقص من مهر المثل قدرا يحتمل ذلك لأغراض النكاح فلا ينبغي أن يثبت الإعراض للمرأة بل إذا أفرط في النقصان فإن مقاصد النكاح تغطي على هذه المحقرات وكذلك لو لم يجد إلا حرة غائبة غيبة قريبة يحتمل مثلها في مقاصد النكاح لم ينكح الأمة وإن كانت بعيدا نكح الأمة
ولو لم يجد إلا حرة كتابية جاز له نكاح الأمة على أحسن الوجهين لأن الحذرمن مخالطة المشركات مهم ويشهد له ظاهر قوله { المحصنات المؤمنات }
الشرط الثالث خوف العنت وإنما يتم ذلك بغلبة الشهوة وضعف عصام التقوى ولا يشترط في الخوف غلبة وقوع الزنا بل توقع وقوعه كما أن الطريق المخوف هو الذي يتوقع فيه الهلاك وإن لم يغلب والأمن هو أن لا يتوقع وإن كان ذلك ممكنا على الندور
ومن ضعفت شهوته وقوي تقواه فهو آمن ومن غلب عليه شهوته ولكنه راسخ التقوى فإن كان يفضي به الصبر إلى مرض فلينكح الأمة وإلا فالصبر أحسن من إرقاق الولد ولا يبعد أن يترخص ولا يكلف المشقة في مصابرة الشهوة
ومن قدر على التسري فالظاهر أنه لا ينكح الأمة لأنه لا يخاف العنت وفيه وجه أنه ينكح لأن ملك اليمين لا يقصد به التحصن
الشرط الرابع في الأمة وهي أن تكون مسلمة فلا يحل عند الشافعي رضي الله عنه للمسلم نكاح الأمة الكتابية بحال لقوله تعالى { من فتياتكم المؤمنات } وكأن الأصل في المشركات والإماء التحريم وهذا مستثنى مع التقييد
الشرط الخامس أن تكون مملوكة لمسلم حتى لا يرق ولد المسلم لكافر وفي هذا الشرط خلاف ولعل الظاهر أنه لا يشترط لأنه إن رق لكافر فيباع عليه في الحال واختتام الشرائط بأمرين
أحدهما أن العبد لا تعتبر فيه الشرائط كلها إلا الشرط الرابع والخامس بل الأمة في حقه كالحرة حتى يجوز له الجمع بين الأمتين ولا يجوز للحر الجمع بين أمتين بحال وهذا لأن المحذور من نكاح الإماء إرقاق الولد والعبد رقيق ليس عليه النظر لولده الموجود فلا يؤمر بالنظر لولده المفقود
والمكاتب ومن نصفه رقيق في هذا كالعبد كما أن من نصفها رقيق كالأمة حتى تفتقر إلى الشرائط في نكاح الحر إياها نعم يحتمل تردد في أن من قدر على مثلثها هل يجوز له نكاح أمة كاملة الرق لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق جميعه
وأما الحر الكتابي فهو كالمسلم في شرائط النكاح إلا في نكاح الأمة الكتابية إذ نص الشافعي رضي الله عنه على أن الكافر يزوج أمته وذلك يدل على أن تزويجها ممكن ويتجه ذلك من حيث إن الكفر ليس نقصا في حق الكافر ولكن هذا ينقضه نص الشافعي رضي الله عنه أن العبد المسلم لا ينكح الأمة الكتابية والرق ليس نقصا بالإضافة إليه لما اعتورها نقصان في حقه فمن الأصحاب من جعل المسألتين على قولين ويرجع الخلاف إلى أن الأمة الكتابية هل هي محرمة في عينها كالوثنيات أو هي محرمة لاجتماع النقصين
الأمر الثاني أن شرط فقد الحرة وطولها وخوف العنت يعتبر في ابتداء النكاح دون دوامه فلو نكح حره على أمة يجوز وقال المزني ينقطع نكاحها بوجدان طول الحرة والقدرة عليها فضلا عن وجودها ولم يطرد ذلك في زوال خوف العنت
وأما إسلام المالك إن شرطناه فلا شك في أنه لا يعتبر في الدوام
فرع لو جمع بين حرة وأمة في عقد واحد بطل نكاح الأمة وفي نكاح الحرة قولا تفريق الصفقة الأصح وهو نص القديم صحة نكاح الحرة لأن النكاح لا يفسد بفساد المهر فكيف يفسد بفساد القرينة المباينة له
ولو جمع بينهما من يحل له نكاح الأمة مع القدرة على الحرة وهي أن تكون هذه الحرة رضيت بدون مهر المثل وقلنا لا يلزمه تقلد المنة فلا يصح هاهنا نكاح الأمة لأن الأمة لا تضام الحرة فلا يصح إلا إذا سبق نكاحها وها هنا لم يسبق وأما نكاح الحرة فطريقان
أحدهما طرد القولين
والاخر القطع بالفساد كما لو جمع بين أختين فإنه الآن قادر عليهما جميعا وهذا بعيد لأن إحدى الأختين ليست أولى بالدفع وهاهنا الأمة أولى بالدفع
المانع الثاني الملك

وهو وراء الرق فإن من يحل له نكاح الأمة لا يحل له أن ينكح أمة نفسه وإن قلنا إن القدرة على التسري لا تمنع نكاح الأمة بل لو اشترى زوجته أو ورثها انفسخ النكاح
وكذلك لا تنكح الحرة عبد نفسها ولو اشترت زوجها العبد أو ورثته انفسخ النكاح
الجنس الرابع من الموانع
الكفر وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في أصناف الكفار

وهي ثلاثة
الصنف الأول أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وكفرهم أخف فتحل مناكحتهم وذبائحهم وحكمهم في حقوق النكاح كالمسلمات إلا في الميراث إذ لا إرث مع اختلاف الدين ولا كراهية في نكاحهن فإن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك
وقال مالك يكره نكاحهن نعم الحربية الكتابية يكره نكاحها فإن صحبة الكفار في ديارهم توجب الافتتان وربما تسبى الحربية وهي حامل بولد مسلم والكراهية تثبت بأقل من هذا
الصنف الثاني عبدة الأوثان والمعطلة والدهرية ومن لا يقر بالجزية فلا يحل نكاحهم وذبائحهم وتدخل فيهم المرتدة
الصنف الثالث المجوس ويسلك بهم مسلك أهل الكتاب في التقرير بالجزية دون المناكحة والذبيحة وحكي في مناكحتهم قول بعيد للشافعي رضي الله عنه ولا وجه له وقيل كان لهم كتاب فأسري به
ثم حق الكتابية في القسم والنفقة وسائر الحقوق كالمسلمة وللمسلم منعها من الخروج إلى الكنائس كما له منع المسلمة من المساجد وله أن أن يلزمها الغسل من الحيض حتى تحل له
وهل يلزمها الغسل من الجنابة لأجل العيافة فيه قولان وكذلك في إلزام الاستحداد الذي يكسرالشهوة تركه وكذلك في المنع من تناول الخنزير والمستقذرات وأكل الثوم وكل ذلك في المسلمة أيضا
الفصل الثاني في أقسام أهل الكتاب

فنقول من آمن أول آبائه قبل التحريف أو بعده ولكن علم المحرف ولم يؤمن به وكانت من نسب بني إسرائيل فقد اجتمع لهما الشرفان فيصح نكاحها قطعا وإن لم تكن من بني إسرائيل ففي جواز نكاحها قولان وإن كان أول آبائها آمن بعد التحريف ففي جواز نكاحها أيضا قولان وإن شككنا في ذلك فقولان مرتبان وأولى بالجواز
ولا خلاف في أن من آمن أول آبائه بعد المبعث أو شككنا في ذلك لم تحل مناكحته
وإذا آمن أول آباء اليهودية بعد نزول عيسى عليه السلام فهل يكون كما بعد المبعث فيه وجهان والأقيس ألا يعتبر نسب بني إسرائيل ولا يقدم إيمان الآباء على التحريف
وأما الصابئون والسامرة وهم من طوائف اليهود والنصارى وبينهم خلاف في الاعتقاد نص الشافعي رضي الله عنه في موضع على جواز مناكحتهم ونص في موضع على خلافه واتفق جماهير الأصحاب على أن المسألة ليست على قولين ولكن ظنالشافعي رضي الله عنه مرة أنهم يخالفون القوم فيما يوجب التكفير فتلتحق بالزنادقة وظن مرة أنهم يخالفون فيما يوجب البدعة ونكاح المبتدعة صحيح وأطلق الشيخ أبو علي طرد القولين
الفصل الثالث في تبديل الدين

وله صور
إحداها أن يتنصر يهودي أو يتهود نصراني ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يقرر عليه لأنهما دينان متساويان الآن
والثاني أنه لا يقنع منه إلا بالإسلام ولو عاد إلى تنصره لم يكفه لأنه أبطل تلك العصمة فلا يستحدثه بعد المبعث عصمة
والثالث أنه لا يقنع منه إلا بالإسلام أو بالعود إلى التنصر فإن أصر وقلنا لا يقر عليه فيلتحق بمأمنه أو يقتل قتل المرتد فيه قولان
الصورة الثانية أن يتنصر وثني فلا يقر عليه أصلا لأنه لم يكن معصوما ويريد استحداث عصمة بدين باطل وإن توثن النصراني فلا يقر أصلا ولكن في قول لا يقنع إلا بالإسلام وفي قول يقنع بالإسلام أو بالعود إلى التنصر وفي قول يقنع وإن عاد إلى التهود
الصورة الثالثة أن يرتد مسلم والعياذ بالله فالأديان في حقه سواء ولا يقنع منه إلا بالسيف أو الإسلام
ويمتنع نكاح المرتد والمرتدة وإن طرأ على دوام النكاح تنجزت الفرقه قبل المسيس وإن جرى بعد المسيس توقف على انقضاء العدة عند الشافعي رضي الله عنه فإن عاد إلىالإسلام استمر العقد وإلا تبين بطلان النكاح بنفس الردة وكذلك لو ارتدا معا فهو كما لو ارتد أحدهما وكذلك لو أسلم أحد الزوجين المجوسيين أو الوثنيين أو أسلمت الكتابية تحت كافر تنجزت الفرقة قبل المسيس وتوقف على العدة بعد المسيس ولو أسلما معا استمر النكاح
فرع متولد من يهودي ومجوسي ففي حل مناكحته قولان
أحدهما التحريم تغليبا لجانب الحرمة
والثاني النظر إلى جانب الأب اعتبارا للنسب
ثم قال القفال هذا في الصغير فإن بلغ وتمجس فله ذلك وهو مجوسي ويحتمل أن يقال إذا كان أبوه يهوديا لم يمكن من التمجس بعد البلوغ وجعل كاليهودي يمجس
هذا باب نكاح المشركات

وهذا أوان ذكره لانشعاب مسائله عن الموانع السابقة وفيه فصول
الفصل الأول في حكم أنكحة الكفار في الصحة والفساد

وكان مقتضى قياس الشرع وعموم خطابه أن لا يخالف نكاح الكافر نكاح المسلم ويرعى فيه جميع الشرائط حتى لا يحتاج إلى إفراد نكاحهن بنظر لكن روي أن فيروز الديلمي أسلم على أختين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختر إحداهما وفارق الأخرى وأسلم غيلان على عشر نسوة فقال صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق سائرهن فحمل أبوحنيفة قوله اختر على الاستئناف ووفى برعاية تمام الشروط وقضى بأن من أسلم على أختين تعينت السابقة واندفعت الثانية وإن نكحها في عقدة اندفعتا جميعا كما لو أرضعت امرأة صغيرتين نكحهما واحد فإنهما يندفعان إلا أن التأويل الذي ذكره باطل لقوله صلى الله عليه وسلم أمسك ولأنه لم يعلمهم شرائط النكاح ولم ينقل إنشاء العقد وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استفصال نكاح الأختين مع أن الغالب أن تسبق إحداهما ففهم منهم أنهم إذا أسلموا لم يؤاخذوا بشرائط الإسلام ولكن ولكن إن كان المفسد مقارنا دفعناه ولذلك أمرناه باختيار إحداهما إذ الجمع مفسد مقارن فتحصل من هذا أنه لو نكح بغير ولي وشهود أو في عدة وأسلم بعد انقضاء العدة قررناه على النكاح
وأما إن كان المفسد مقارنا لحال الإسلام لم يقرر كما لو أسلم على محرمنكحها من أم أو بنت أو غيرهما أو نكحها معتدة وأسلما أو أحدهما قبل انقضاء العدة وكذلك لو نكح مؤقتا واعتقدوا صحته مؤقتا وأسلما قبل انقضاء الوقت لا يقرر عليه لأن التأبيد على خلاف اعتقادهم وتقريره مؤقتا فاسد في الإسلام وإن اعتقدوه مأبدا قرروا عليه
ولو اغتصب كافر امرأة واعتقدوه نكاحا قال القفال لا نقررهم عليه إذ لا أقل من عقد وقال الصيدلاني يقرورن إذ اقامة الفعل مقام العقد ليس فيه الا إخلال بشروط وهو متجه
ولو نكحوا نكاحا واعتقدوه فاسدا وهو صحيح عندنا قررناهم على الصحيح وإن كان فاسدا عندنا لم نقررهم لأن الرخصة بالتقرير إنما ورد فيما اعتقدوه نكاحا أما المفسد الطارئ بعد العقد كالعدة بالشبهة فلا يدفع النكاح وإن اقترن بالإسلام لأن طارئها لا يقدح في نكاح المسلم فكيف يقدح في نكاح الكافر
ولو نكح أمة ثم حرة وأسلم عليهما اندفع نكاح الأمة لأن إذا لم ننظر إلى التقدم والتأخر في العقد على أختين فكذا لا ننظر في العقد على حرة وأمة ويجعل ذلك كمفسد لنكاح الأمة قارن العقد والإسلام واليسار الطارئ بعد نكاح الامة إذا دام إلى إسلامهما يدفع نكاح الأمة وهذا يخالف ما ذكرناه في العدة الطارئة والفرق غامض ووجهه أن فقد قدرة الطول أحد شرطي نكاح الأمة فكان بطرآن الحرة أشبه ولأن إرقاق الولد مفسد نكاح القادر وهو مقارن للإسلام دائما فيشبه المحرميةالمقارنة وأما العدة الطارئة فينتظر زوالها على قرب وكذلك لو أسلم أحد الزوجين وأحرم فأسلم الثاني لم يندفع النكاح كما في العدة الطارئة وبخلاف وجود الحرة وحكي عن القفال أنه ألحق العدة والإحرام بالحرة وقضى باندفاع النكاح واستشهد على ذلك بنص الشافعي رضي الله عنه أنه لو أسلم أحدهما بعد المسيس وارتد ثم أسلم الثاني اندفع نكاحها وهذا فيه نظر لأن الردة تضاد النكاح ولذلك نتبين بعد انقضاء العدة من وقت الردة إذا أصر والعدة والإحرام لا يضادهما ولذلك لا تصح رجعة المرتدة وتصح رجعة المحرمة والمعتدة عن الشبة على الصحيح ثم قطع الصيدلاني والجماهير بأن المفسد إن قارن إسلام أحدهما كفى إلا في اليسار فإنه لم يلتفت إلى وجوده إلا حالة اجتماعهما في الإسلام
ولو نكح معتدة فأسلم أحدهما قبل تمام العدة والآخر بعد تمام العدة لم يقرر
وكذلك لو أسلم على حرة وأمة فاسلمت الحرة وماتت ثم أسلمت الأمة اندفعت الأمة بوجود الحرة عند إسلام الزوج
ولو أسلم موسرا على أمة ثم أعسر فأسلمت قرر عليها وغاية الفرق أن تأثير اليسار في دفع الأمة أضعف لأنه مأخوذ من ظاهر الخطاب الوارد مع المؤمنين فلا يظهر أثره في حق الكافر إلا عند الاجتماع في الإسلام بخلاف العدة والحرة ولضعف هذا الفرق طرد أبو يحيى البلخي القياس وقضى بأنه إذا أسلم موسرا وتخلف ثم أسلمت بعدإعساره لم يقرر عليها وزاد فقال لو أسلم معسرا ثم أيسر فأسلمت قرر لأنه إذا اعتبر تلك الحالة فما بعد ذلك طارئ لا يؤثر
وقد ثار الخلاف بين الأصحاب في أصلين
أحدهما أن التقرير عند الإسلام في حكم ابتداء نكاح أو في حكم الإدامة فقالوا فيه قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه وهو غير سديد إذ كيف يجعل في حكم الابتداء والصحيح أنه لا تمنعه عدة الشبهة والإحرام وكيف يجعل إدامة واليسار المقارن وإن كان طارئا بعد النكاح يدفعه بل الصحيح أنه مردد بينهما لا يتمحض فيه أحد الحكمين وكأنه بالرجعة أشبه فإنه أيضا كالمردد
الثاني أن أنكحه الكفار يحكم بصحتها أو فسادها أو يتوقف إلى الإسلام ذكروا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها فاسدة لأنها تخالف الشرع ولكنا نصححها بعد الإسلام رخصة
والثاني أنها صحيحة بدليل التقرير فإن القول بالفساد مع التقرير محال ولأنه يحصل التحليل بوطء الذمي ويرجم الذمي لكونه محصنا وإذا ترافعوا إلينا قضينا بالمهر والنفقه من غير بحث عن شروطهم
والثالث أنا نتوقف فإن أسلموا بان الصحة فيما يقرر عليه في الإسلام حتى لو نكح أختين فاختار في الإسلام إحداهما بان صحة نكاحها وفساد نكاح الأخرى وميل ابنالحداد إلى التوقف وهذا أقرب أما الإفساد مع إيقاع طلاقهم ومع التحليل والإحصان والتقرير بعد الإسلام فلا وجه له
التفريع
إن قضينا بالفساد من الأصل أو التوقف فلا مهر للتي اندفع نكاحها بالإسلام إذ بان الفساد من الأصل ولذلك إذا طلق الكافر زوجته ثلاثا ثم أسلم لم يفتقر إلى المحلل إن قضينا بفساد نكاحه وإن صححنا افتقر إليه وقال ابن الحداد لو نكح أختين وطلق كل واحدة ثلاثا ثم أسلموا خيرناه فإن اختار واحدة تعينت للنكاح ونفذ الطلاق الثلاث فيها وافتقر فيها إلى محلل وللأخرى نصف المهر إذا جرى الإسلام قبل المسيس قال الشيخ أبو علي إن حكمنا بصحة أنكحتهم فلا حاجة إلى الاختيار بل نفذ الطلاق فيهما جميعا ويفتقر إلى محلل فيهما وإن حكمنا بالفساد لم ينفذ الطلاق ويختار واحدة ولا مهر للثانية وإن توقفنا فهو كما قاله ابن الحداد إلا في المهر لأن على قول التوقف نتبين فساد نكاح المندفعة بالإسلام فلا مهر لها لأنها اندفعت باختيار الثانية والثانية لما تعينت للنكاح نفذ الطلاق الثلاث فيها وافتقر إلى المحلل
فإن قيل فما حكم صداقهن الفاسد بعد الإسلام قلنا إذا أصدقها خمرا أو خنزيرا وقبضت ثم أسلما فلا مهر لها وإن كان الإسلام قبل المسيس
وإن أسلما قبل القبض وبعد المسيس فلها مهر المثل ولا سبيل إلى قبض الخمروكذلك في تقابضهم ثمن الخمر وقيمتها عند الإتلاف لم نتعرض لما سبق استيفاؤه ولا ننشئ في الإسلام حكما لأجل اعتقادهم فلو قبض البعض دون البعض رجع إلى بعض مهر المثل فلو أصدقها ثلاثة من الكلاب وخنزيرين ورزق خمر فقبضت الكلاب فالصحيح أنه يقوم الجميع فإن كان ما قبضته قدر الثلث رجع إلى ثلثي المهر ومنهم من قال لا قيمة لهذه الأشياء فيوزع على العدد وترجع إلى نصف المهر ومنهم من قال يوزع على الأجناس وصورته أن الكلاب كلها تجعل كلبا واحدا وكذلك الزقاق وكذلك الخنازير
ولو نحكت بغير مهر واعتقدوا أن لا مهر للمفوضة فلا مهر لها بعد الإسلام وإن أسلم قبل المسيس فلا مهر لأنا لا نتعرض لما سبق وقد سبق استحقاق وطء بلا مهر
هذا كله إذا أسلموا فإن ترافعوا إلينا في أنكحتهم أو في غيرها قبل الإسلام فيجوز لحاكمنا أن يحكم بينهم بالحق ويستتبعهم
وهل يجب عليه الحكم إن كان أحد الخصمين مسلما وجب وإن لم يكن فقولان
أحدهما لا يجب لقوله تعالى { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم }
والثاني وهو الأصح أنه يجب إذا التزمنا الذب عنهم ودفع الظلم من جملة الذب والآية لم تنزل في أهل الذمة
وكذلك إذا كانا مختلفي الملة وجب الحكم قطعا وقيل بطرد القولين
وأما المعاهدون فلا يلزمنا الحكم بينهم وإن كانوا مختلفي الملة لأنا شرطنا الكف عنهم ولم نلتزم لهم شيئا إذ لم يلتزموا لنا شيئا
ثم إذا أوجبنا الإجابة فمهما استعدى أحد الخصمين فحضر الآخر ولم يرض بحكمنا لم نحكم لأنا إنما نحكم عليهم إذا رضوا بحكمنا فإن أبوا فلا نكلفهم موجبات شرعنا
ثم مهما طلبوا تقدير النفقة واستيفاء المهر في انكحتهم حكمنا بها وإن عقدوها بغير ولي ولا شهود وهذا يقوي قول التصحيح لكن لو كان المفسد قائما لم نحكم كما لو طلبت نفقة في نكاح المحارم
ولو طلبت المجوسية النفقة فيه وجهان
أحدهما لا كالمحرم فإنها محرمة في عينها
والثاني نعم لأنه لا بد للمجوس من الأنكحة وهذا يشير إلى أنها محرمة على المسلم خاصة
ولو طلبت نفقة أختين في نكاح واجد فينبغي أن لا نحكم لأن المانع قائم مقارن وهو مخالفة ظاهرة للشرع بل القدر المسامح به أن لا يبحث عما سبق من شروط أنكحتهم
وإذا لم نحكم في هذه المسألة فهل يفرق بينهم فيه وجهان
أحدهما لا تركا للتعرض
والثاني نعم لأنهم أظهروا ذلك عندنا فصار كما لو أظهروا خمورهم أرقناها
الفصل الثاني في أن يسلم الكافر على عدد من النسوة لا يمكن الجمع بينهن

كما لو أسلم على أختين أو على خمس نسوة أو على امرأة وابنتها أو على حرة وأمة أو على إماء كثيرة فهذه خمس صور
الأولى أن يسلم على أختين فيختار إحداهما وتندفع الأخرى سواء نكحها في عقد واحد أو في عقدين فإن أسلمت معه واحدة وتخلفت الأخرى اندفع نكاح المتخلفة إلا إذا كان بعد المسيس فإنه ينتظر إسلامها قبل مضي العدة فإن أسلمت اختار إحداهما وإن أصرت اندفعت المصرة وهذا فيه إذا كانت المتخلفة وثنية أو مجوسية فإن كانت كتابية فلا يندفع نكاحها بالإصرار بل يجري الاختيار وإن أصررن على الكفر
الثانية إذا أسلم على خمس نسوة فصاعدا اختار أربعا واندفعت الأخرى سواء نكحهن في عقد واحد أو في عقود وحكم انتظار إسلام المتخلفة منهن كانتظار الأخت
الثالثة أن يسلم على امرأة وابنتها فإن كان قد دخل بهما فهما محرمان ومحرمتان فلا تقرير عليهما إذ وطء كل واحدة بالشبهة يحرم الثانية بالمصاهرة فإنلم يدخل بهما فقولان
أحدهما أنه يتخير بينهما كالأختين
والثاني وهو الأصح واختيار المزني أن الأم تندفع ويبقى نكاح البنت لأن مجرد نكاح البنت يدفع نكاح الأم ومجرد نكاح الأم لا يدفعها وأما الأختان فلا ترجيح لإحداهما على الأخرى
وينبني هذا الخلاف على قولين في صحة أنكحتهم وفسادها وقول التخيير يستمد من قول الإفساد فإنه إذا انتفت الصحة لم يعهد نكاح البنت صحيحا قبل الإسلام حتى يدفع نكاح الأم لكن الخلاف محتمل دون هذا البناء بل هو محتمل فيما لو نكح المسلم امرأة وأمها في عقد واحد إذ يحتمل أن ينعقد على البنت بهذا الترجيح كما لو جمع بين حرة مسامحة بالمهر وأمة وقد ذكرنا خلافا في أنه هل ينعقد نكاح الحرة لترجيح جانبها بأن نكاحها يدفع نكاح الأمة ونكاح الأمة لا يدفعها
ثم قال ابن الحداد وإن قلنا بالتخيير فللمفارقة نصف المهر لأنها بانت باختياره
قال القفال هذا بالعكس أولى فإن التخيير بناء على القول بفساد أنكحتهم قبل الإسلام فتبين بإختيارها أن نكاح الأخرى لم ينعقد فلا مهر لها
وإن عينا البنت فالأم قد اندفعت بالإسلام فلها المهر ويمكن أن يقال إنها اندفعت بالمحرمية ولا مهر للمحرم إنما المهر على قول صحة أنكحتهم للزائدات على العدد الشرعي ومن لا يتصف بصفة تنافي النكاح كالأخت والخامسة
أما إذا وطئ إحداهما نظر فإن وطئ البنت حرمت الأم فصارت محرمة وتعينت البنت عند الإسلام وإن وطئ الأم صارت البنت محرحه واندفعت وهل يبقى نكاح الأم إذا أسلمتا إن قلنا يصح نكاح الكفار فهي أيضا صارت محرما بنكاح البنت فلا يبقى وإلا دام نكاحها
الرابعة أن يسلم الحر على إماء فإن كان عاجزا عند الالتقاء في الإسلام اختار واحدة ولو أسلم على ثلاث إماء فأسلمت معه واحدة وهو معسر ثم أسلمت الثانية وهو موسر ثم أسلمت الثالثة وهو معسر وكل ذلك قبل انقضاء عدتهن اختار واحدة من الأولى والثالثة واندفعت الثانية وهذا بناء على المذهب الصحيح في أن اقتران اليسار بإسلام إحداهما لا يدفع بخلاف العدة المقارنة للنكاح وهذا على مخالفة البلخي
الخامسة أن يسلم على حرة وإماء فإن أسلمن معه اندفع نكاح الإماء وتعينت الحرة وإن أسلمن معه وتخلفت الحرة وأصرت أو ماتت قبل العدة اختار واحدة من الإماء إن كان عاجزا عند الإسلام ولا يعتبر عجزه عند الاختيارلأنه كالبيان لما قرره الإسلام فالنظر إلى حالة الإسلام وإن أسلمت قبل انقضاء عدتها اندفع نكاح الإماء لأنه أسلم وتحته حرةاستقر نكاحها ولا تجتمع الأمة مع حرة في النكاح وإن كانت كافرة
ولو أسلم مع الحر وبقيت أو ماتت وتخلفت الإماء اندفع نكاحهن ولا ينتظرن لأنه استقر نكاح الحرة بإسلامها فلا معنى للانتظار وكل من ينتظر إسلامه فمات ولم يسلم قبل القضاء العدة فهو كما لو أصر وكذلك لو أسلم على واحدة ومات قبل إسلام الباقيات فالميراث للمسلمة ولا شيئ للباقيات لأن التخلف إلى موته كالتخلف إلى انقضاء العدة إذ لا انتظار بعد الموت وانتهاء النكاح
فرع ما ذكرناه من أن الحرة إذا تقدمت مع الزوج في الإسلام اندفع نكاح الإماء ولا ينتظرن وذلك فيه إذا بقين على الرق فإن عتقن ثم أسلمن قبل العدة التحقن بالحرائر الأصليات حتى لو لم يكن تحته حرة فأسلم على إماء وتخلفن ثم عتقن وأسلمن اختار أربعا منهن ولو أسلم على إماء وتخلفت واحدة وعتقت وأسلمت قبل انقضاء العدة تعينت للنكاح
والمقصود أن طرآن الحرية قبل الاجتماع في الإسلام يلحقها بالحرائر الأصليات
ولو أسلم على أمتين وتخلفت أمتان فعتقت واحدة من المتقدمين ثم أسلمت المتخلفتان رقيقتين اندفع نكاحهما إذ تحت زوجهما عتيقة أما المتقدمة الرقيقة فلا تندفع لأن عتق الأخرى كان بعد اجتماعهم فى الإسلام فلا يؤثر في دفعها بل يختار إحدى المتقدمين
الفصل الثالث في حكم العبيد والإماء وطرآن العتق عليهم

وله طرفان
الأول في العبيد

ومهما أسلم العبد على إماء أو حرائر أو إماء وحرائر اختار اثنتين لأن الحرة في حقه كالأمة نعم إذا أسلم مع حرة فهل لها الخيار لرقه القياس أنه لا يثبت لأنها رضيت برقه أولا واختار المزني ثبوت الخيار كما إذا عتقت تحت عبد وكأن حكم حريتها إنما يثبت بالإسلام فيكون كالحرية الطارئة والمقصود بيان طرآن العتق عليه وذلك لا يؤثران إن كان بعد الإسلام وإن كان بين الإسلام مين يؤثر حتى لو أسلمن وتخلف وعتق ثم أسلم فيختار من الحرائر أربعا ويرجع في الإماء إلى واحدة وإن أسلم وأسلمت معه حرتان ثم عتق فأسلمت الباقيات من الحرائر فلا يزيد على اثنتين لأنه صادف كمال عدد العبد قبل الحرية
ولو أسلم مع واحدة وعتق وأسلمت الباقيات اختار أربعا لطرآن العتق قبل كمال عدد العبيد وشبهوا هذا بمسألتيتنإحداهما العبد لو استوفى طلقتين من زوجته ثم عتق لم ينكحها ولو استوفى طلقة ثم عتق نكحها وملك عليه طلقتين
الثانية الأمة لو عتقت في يوم قسمها استوفت مدة الحرائر ولو عتقت متصلا بآخر مدتها اقتصرت
فرع
لو أسلم على أربع إماء فأسلمت معه ثنتان فعتق ثم أسلمت الأخريان جاز له اختيار ثنتين لأنه تم له عدد العبيد قبل العتق فلا يجب عليه الرجوع إلى واحدة ولكنه هل تتعين الأوليان أم لا قال الإمام لا تتعين بل هو كما أسلم حر على أربع إماء فأسلمن على التوالي وطرآن الحرية لا يزيد على الحرية الأصلية وقال الفوراني لا يجوز له اختيار الأخريين لأنه اجتمع بهن في الإسلام وهو حر فكيف يجمع بينهما ويختار الأوليين
وهل يختار واحدة من الأوليين وواحدة من الأخريين فيه وجهان وتوجيه الجواز أن الحرية تمنعه من الجمع بين الأخريين ولا تمنعه من أصل العدد فيختار واحدة منهما وواحدةمن الأوليين وقد قال القاضي حسين لو أسلم على اثنتين فأسلمت معه واحدة ثم عتق فأسلمت الثانية لا يختار إلا واحدة لأنه عتق قبل كمال العدد ولكن قال تتعين الأولى وهذا لا وجه له أصلا
الطرف الثاني في عتقهن

وتأثيره في إلحاقها بالحرائر مهما تقدم على الاجتماع في الإسلام ويطهر أثره في إثبات الخيار لها إذا كانت تحت عبد ويكون خيار العتق على الفور لكنها لو أسلمت وعتقت فلها ألا تبادر الفسخ فإن الزوج ربما يصر فتستغني عن هذا الفسخ وكذلك الرجعية إذا عتقت لها التأخير إلى انقضاء المدة فإن هذا عذر في التأخير ولو فسخت قبل إسلام الزوج نفذ ولا فائدة له إن أصر الزوج وفائدته إن أسلم الزوج تظهر في قصور مدة العدة إذ لو أخرت وأسلم الزوج وفسخت طال عليها الانتظار ولا نقول فسخها موقوف على إصرار الزوج فلا ينفذ فإن الفسخ جنس واحد فلا يمتنع بإمكان فسخ آخر بخلاف ما إذا كان تحته حرة وإماء فأسلمن وتخلفت الحرة واختار واحدة من الإماء ثم ماتتالمتخلفة أو أصرت فإن صحة الاختيار تنبني على وقف العقود لأنها لو أسملت لبطل اختياره لاندفاع نكاح الإماء وهو أولى بالصحة من العقود لأنه ليس ابتداء عقد
نعم لو أسلمت امرأة وتخلف الزوج ونكح أختها ثم أسلم وأسلمت يخير بينهما لأنه جرى في حالة الشرك
ولو أسلم أولا ونكح أخت المتخلفة وأسلمت المتخلفة بطل النكاح الذي جرى في الإسلام لأنها طارئة بعد الإسلام فلو أصرت المتخلفة انبنى صحة نكاح الأخرى على القولين فيما لو باع مال أبيه ولم يدر أنه ميت فإذا هو ميت
فأما إذا أسلمت وعتقت وأجازت قبل إسلام الزوج بطلت الإجازة وبقي حقها في الفسخ إذ ليس لها المقام تحت كافر فلا حكم لإجازتها في الحال
ولو عتقت الرجعية وفسخت نفذ وإن أجازت فوجهان والفرق أن إجازتها تفيد الزوج سلطان الرجعة وهو من مقاصد النكاح ولا يمكن أن يقال إجازتها تحت الكافر تفيده سلطان الإسلام فإن ذلك لا يستفاد من الغير
الفصل الرابع في الاختيار وحكمه

والكلام في طرفين
أحدهما في وجوب الاختيار فإذا أسلم على ثمانية مثلا فعليه تعيين أربعة فإن امتنع فعليه الإنفاق على الجميع في مدة الحبس وللقاضي أن يحبسه ليعين فإن أصر عزره وكذا كل قادر على أداء حق إذا أصر ولم ينجع فيه الحبس فينبغي أن يعزر
ويمهل الزوج ثلاثة أيام للنظر والتأمل ولا يختار القاضي عنه إذا أصر وإن قلنا في قول إن القاضي يطلق زوجة المؤلي لأن هذا أمر منوط بالرؤية ولا يقبل النيابة
ولو مات قبل التعين فعلى كل واحدة الاعتداد بأقصى الأجلين للاحتياطويوقف لهن من الميراث الربع أو الثمن كاملا إلى أن يصطلحن وإن كان فيهن طفلة لم يرض وليها إلا بربع الموقوف
ولو جاءت أربع منهن لم نسلم إليهن شيئا فلعلهن المفارقات وإن جاءت خمسة سلمنا إليهن ربع الموقوف لأنه المستيقن ولا نزيد في التسليم على المستيقن وحكي عن ابن سريج أنه قال يوزع على جميعهن بالسوية إذ التوقف عند انتظار البيان أو عند اختصاص البعض بفرقة اشتبهت علينا كما إذا قال إن كان هذا غرابا فعمره طالق وإن لم يكن فزينب طالق فإن المطلقة في علم الله واحدة واشتبهت علينا وهاهنا هن متماثلات قطعا وهذا متجه جدا
فرع لو أسلم على ثمان كتابيات وأسلمت أربع فيختار من شاء من الكتابيات أوالمسلمات فلو مات قبل البيان لا نقف لهن شيئا من الميراث إذ كان يحتمل أن يختار الكتابيات فلا يرثن ولا يرث الجميع فلم يحصل حق الزوجية بتعيين
ولو نكح مسلمة وكتابية وقال إحداكما طالق ومات قبل البيان لا نقف أيضا شيئا للشك في أصل الحق
الطرف الثاني في ألفاظ الاختيار وفيه مسائل

الأولى إذا قال اخترت هذه الأربعة للزوجية تعينت الباقيات للفسخ ولو قال اخترت هذه للفسخ أو هذه للفسخ دون لفظ الاختيار نفذ ولو كن ثمانية فطلق أربعا منهن فهو تعيين للنكاح ونفذ الطلاق واندفعت الأخريات بالفسخ وليس لفظ الإيلاء والظهار كلفظ الطلاق فإن ذلك مما يخاطب به الأجنبيات والأزواج جميعا
ولو قال فسخت نكاح هذه الأربعة وفسر التعيين بالفراق نفذ ولو فسر بالطلاق قبل ومطلقه يحمل على التعيين للفراق
الثانية لو قال من دخل الدار فقد اخترتها للنكاح لم يصح لأن الاختيار لا يقبل التعليق ولو قال هي طالق نفذ الطلاق وحصل الاختيار ضمنا ولو قال فهي مفسوخة النكاح وأراد الفراق لم ينفذ وإن فسر بالطلاق نفذ الطلاق وحصل التعيين ضمنا
الثالثة لو وطئ واحدة هل يكون تعيينا للنكاح فيه خلاف كما لو قال إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما
الرابعة إذا أسلمت أربع وتخلفت أربع فاختار المسلمات نفذ واندفعت المتخلفات وإن فسخ نكاح المسلمات والمتخلفات وثنيات لم ينفذ لأن من ضرورته تقرير نكاح الوثنيات وربما أصررن فيتعذر ذلك وفائدته أنهن إذا أسلمن استأنف اختيار من شاء منهن وفيه وجه أنه يبنى على الوقف فإن أصررن تبين بطلان فسخه وإن أسلمن نفذ وليس هذا كما لو باع خمرا فإنه لا يصير موقوفا على أن يصير خلا لأن الخمر لا يقبل العقد ومهما أسلمت الوثنيات كان العقد مستندا إلى ما سبق وإن اختار المتخلفات للفسخ نفذ قطعا لأن التقرير يلائم المسلمات وإن اختار المتخلفات للنكاح لم ينفذ إلا على وجه الوقف وهو بعيد
نعم لو طلقهن ثم أسلمن فهل نتبين نفوذ الطلاق فيه خلاف ظاهر لأن الطلاق يقبل التعليق فلا يبعد فيه الوقف أيضا
الخامسة لو قال حصرت المختارات في ست صح وتعين الباقيات للفسخ إلى أن يتمم الاختيار
السادسة لو أسلمت الثمانية على ترادف وكان يخاطب كل مسلمة بالفسخ تعين للفراق الأربعة الأخيرة فإن المسلمات السابقات يمكن فيهن التقرير وعلى الوجه البعيد يتعين للفراق الأربعة الأولى بطريق الوقف
الفصل الخامس في النفقة والمهر

فنقول إن أسلم الزوج أولا وتخلفت وأصرت فلا نفقة لها في مدة العدة لأنها بائنة وقد أساءت بالتخلف ولو أسلمت قبل انقضاء العدة فالجديد أنها لا تستحق النفقة لمدة التخلف لأنها ناشزة بالتخلف وفي القديم تستحق لأنها ما أحدثت شيئا إنما الزوج أحدث تبديل الدين وهذا ضعيف إذ لو ابتدأ الرجل سفرا فتخلفت تسقط نفقتها إذ يجب عليها الموافقة فكذلك في الإسلام لكن هذه مؤاخذة بحكم الإسلام فيجوز أن لا تؤاخذ به هاهنا
فإما إذا سبقت المرأة ثم أسلم قبل انقضاء العدة فالمذهب أنها تستحق النفقة لأنها أحسنت بالإسلام وفيه وجه بعيد أنها لا تستحق لأنها أحدثت شيئا مانعا من الاستمتاع ولو أصر الزوج فوجهان والقياس أنها لا تستحق لأنها بائنة
قال القاضي مأخذ التردد أنها هل هي كالرجعية إذ الزوج قادر على تقرير النكاحعليها وهذا بعيد لأنا نتبين بينونتها وكذلك لو طلقها وأصر لم ينفذ بخلاف الرجعية
ثم إن صح هذا القياس فلو سبق الرجل وتخلفت المرأة فلم يبق للزوج عليها قدرة فينبغي أن تلحق بالبائنة قطعا
فرعان في الاختلاف

أحدهما إذا قضينا بأنها لا تستحق النفقة في مدة التخلف فلو تنازعا فقال تخلفت عني عشرين يوما وقالت بل عشرة فالقول قوله إذ ثبت النشوز فعليها إثبات الزوال
ولو تنازعا في السبق فقال سبقت وسقط حقك مدة التخلف وقالت بل سبقت أنا فالقول قولها لأن النفقة ثابتة فعليه إثبات المسقط إلا إذا اتفقا على أن إسلامه كان أول الاثنين فقال الرجل أسلمت بعدي وقالت بل قبلك فالقول قوله لأن الأصل استمرارها على الكفر
الثاني لو قالت أسلمت أنت أولا قبل المسيس ولي نصف المهر وقال بل أسلمت أنت أولا ولا مهر لك فالقول قولها لأن الأصل ثبوت المهر
ولو تنازعا في بقاء النكاح فقال أسلمنا معا والنكاح باق وقالت بل على التعاقب فالأصل بقاء النكاح ولكن التوافق في الإسلام نادر فيبنى على أن المدعى من الظاهر معه وهي المرأة هاهنا أو من لا يخلى وسكوته وهو الرجلوفيه قولان
القسم الرابع من الكتاب في موجبات الخيار

وأسباب الخيار أربعة
العيب
والغرور
والعتق
والعنة
السبب الأول العيوب

والنظر في الموجب والموجب
النظر الأول في الموجب والعيوب المتفق على ثبوت الخيار بها خمسة
اثنان يختص بهما الزوج وهو الجب والعنة واثنان تختص بهما المرأة وهو الرتق والقرن وثلاثة مشتركة بينهما وهو البرص المستحكم الذي لا يقبل الإصلاح دون أوائل الوضح والجذام المستحكم الذي سود العضو وأخذ في التقطيع والجنون ولا يعتبر في الجنون أنه لا يقبل العلاج
والجب المثبت للخيار هو الاستئصال بحيث يكون الباقي أقل من الحشفة فلا يثبت الخيار بقطع البعض
واختلفوا في ثلاثة أمور
أحدها أن البخر والصنان والعذيوط الذي لا يقبل العلاج هل يرد بالعيب المشهور أنه لا يدر ولا يزاد على الخمس وعن زاهر السرخسي أنه أثبت بهذه الثلاث وزاد القاضي حسين على هذا وقال لا توقيف ولا حصر والمتبع كل عيب يكسر شهوة التواق فيتعذر الاستمتاع به إذ لو اعتبر امتناع الاستمتاع لاقتصر على الرتقوالقرن وقال قد تجتمع عيوب آحادها لا يثبت ولكن مجموعها ينفر فيثبت الخيار به
ولعل ذلك يجري في كل ما يؤثر في التنفير تأثير الجذام والبرص
الثاني لو كان أحد الزوجين خنثى ففي ثبوت الخيار أربعة أوجه
أحدهما نعم لأنه عيب ضفر فاحش
والثاني لا إذ ليس فيه زيادة ثقبة في الرجل وزيادة سلعة في المرأة
والثالث أنه إن انكشف الحال بعلامة محسوسة تورث اليقين فلا يرد وإن كان بعلامة منظنونة يرد لما فيه من الخطر
والرابع أنه لا يرد ما يثبت بعلامة أيضا بل ما لم يثبت إلا بالإقرار
الثالث أن العيب المثبت للخيار إنما يثبت من الجانبين لو كان مقارنا للعقد فلو طرأ قبل المسيس ثبت الخيار لها فإن كان بعده فوجهان إلا في العنة فإنها إن طرأت بعد الوطء لم يثبت الخيار لأن اليأس لا يحصلوهل يثبت الخيار له إذا طرأ العيب عليها فيه قولان
أحدهما وهو اختيار المزني أنه يثبت إذ لا يفارقها إلا في التمكن من الطلاق وهو جار في المقارن أيضا ثم استويا
والثاني لا يثبت لأن العقد سلم أولا وهو قادر على الطلاق والمرأة مضطرة لأجل التحصن
وأما أولياء المرأة فلا يثبت لهم الخيار بالعيوب الطارئة وهل يثبت بالمقارن ينظر إن كان فيه عار ثبت كالجنون فإن العار فيه لا يتقاصر عن عار الحرفة الدنية
والفسق وإن لم يكن عار فلا يثبت كالجب والعنة وهل يثبت بالبرص والجذام فيه وجهان ومنهم من أثبت في الجميع وقال في الجميع عار عليهم
النظر الثاني في حكم الخيار وهو على الفور ثم إن فسخت قبل المسيس سقط المهر وكذلك إن فسخ الزوج بعيبها بخلاف ما إذا ارتد فإنه يتشطر المهر لأن الفسخ وإن كان من جهته فسببه عيب من جهتها فيحال عليها وإن فسخت بعد المسيس فعليها العدة
والنظر في المهر والرجوع به والنفقة في العدة

أما المهر فساقط والرجوع إلى مهر المثل لأن مقتضى الفسخ تراد العوضين لكن نص الشافعي رضي الله عنه في الردة بعد المسيس أن المسمى يتقرر لأن الفسخ به لا يستند إلى أصل العقد فلا يدفع المهر المسمى عند العقد ونص فيما إذا كان العيب مقارنا أنه يسقط المسمى فقيل قولان في المسألتين بالنقل مقتضى والتخريج
أحدهما أنه يسقط المسمى فيهما لأنه مقتضى الفسخ
والثاني يتقرر لأنه إذا لم يكن بد من مهر المثل فالمسمى أولى
فإن فرعنا على النص وأسقطنا المسمى وكان العيب طارئا ففيه ثلاثة أوجه
أحدها السقوط كالمقارن
والثاني التقرير لأن الخلل لم يستند إلى أول العقد
والثالث أنه يسقط إلا إذ طرأ بعد المسيس لأن الوطء إذا جرى على السلامة فينبغي أن يقررالمهر
أما الرجوع بالمهر على الولي فغير ثابت قطعا إن كان العيب طارئا وإن كان مقارنا فقولان
أقيسهما أنه لا رجوع إذ هو كوكيل عاقد سكت عن ذكر العيب إذ ليس يقع العقد له
والثاني وهو مذهب عمر رضي الله عنه أنه يرجع لأنه كالغار
ثم اختلفوا هل يشترط أن يكون الولي محرما حتى يكون خبيرا بالتواطؤ فلا يعذر في الإخفاء
وهل يشترط علمه حالة العقد لثبوت تقصيره فمنهم من شرط ذلك ومنهم من رآه مقصرا بكل حال
فإذا جعلناه مغرورا وكانت هي الغارة ففائدته سقوط المهر إذ كيف يغرم لها ثم يرجع عليها ولكن قيل لا بد وأن يسلم إليها أقل ما يتمول تعبدا وقيل إن ذلك القدر هي الغارة به فيسقط إذ لا معنى للتسليم إليها ثم الاسترداد منها
أما النفقة والسكنى فلا تثبت لها إن كانت حائلا وسقوط السكنى كسقوط المهر وإن كانت حاملا فلها النفقة على قولنا النفقة للحمل فإن لوازم النكاح ساقطة عند الفسخ
السبب الثاني للخيار الفرور

وفيه نظران
الأول في حكم الغرور وصورته فنقول إذا قال العاقد زوجتك هذه المسلمة فإذا هي كتابية أو هذه القرشية فإذا هي نبطية أو هذه الحرة فإذا هي أمة أو ما يجري مجراه مما يقصد في النكاح ففى انعقاد العقد قولان كقولين فيما إذا قال بعتك هذه الرمك فإذا هي نعجة الأصح ها هنا الصحة لأن هذا تفاوت في الصفة بعد تعيين المقصود وذلك تفاوت في الجنس
فإن قلنا يصح فهل يثبت خيار الخلف كما في البيع فيه قولان
أحدهما القياس على البيع
والثاني الفرق لافتراقهما في خيار الرؤية والشرط وغيره وكذلك إذا غرت المرأة بنسبه أو حريته جرى الخلاف في انعقاد العقد ثم في ثبوت خيار الخلف لكن إن قلنا لا يثبت خيار الخلف فلها الخيار بسبب فوات النسب إذا لم يكن الزوج كفؤها وكذلك للأولياء الخيار إن رضيت بمن هو دونها وكأن للشرط مدخلا أيضا في التأثير لأنه لو زوجها الولي برضاها من مجهول فإذا هو غير كفؤ فلا خيار لأن هذا ليس بعيب وإنما هو فوات منقبة ولم يجر شرط والولي هو المقصر إذ لم يقدم البحث فكأنه إذا جرى شرط أثر في نفي التقصير من جهة الولي والتحق عدم الكفاءة بالعيب في إثبات الخيار لها وللولي
ولو نكح مجهولة ظنها مسلمة فإذا هي كتابية قال الشافعي رضي الله عنه له الخيار ولو ظنها حرة فإذا هي رقيقة قال لا خيار له فقيل قولان بالنقل والتخريجمأخذهما أن الكفر والرق هل يلتحق بالعيوب الخمس ومنهم من فرق وقال الكفر منفر فهو عيب وإن لم يجر شرط والرق غير منفر فهذا تقرير النصين ومنهم من قرر النص ولكن قال مأخذه أن الكتابية تتميز عن المسلمة إذ وليها كافر فلا تشتبه إلا بتلبيس فمأخذه الغرور وكأنه حصل الغرور بمجرد الفعل من غير قول
وأنا أقول إن أمكن أن يجعل هذا تغريرا مثبتا للخيار فلو نكحها وظن بكارتها فإذا هي ثيب ثم يبعد إثبات الخيار لأن النفرة ها هنا أعظم وكثيرا ما يقع هذا في الفتاوي
أما إذا شرط بكارتها في العقد فيجري قولا الإنعقاد وقولا خيار الخلف
وكل تغرير سابق على العقد فلا يؤثر في صحة العقد ويؤثر في إثبات الرجوع بالمهر لأن قول الرجوع بالمهر على الغار قوي ها هنا بخلاف مذهب عمر رضي الله عنه في الرجوع بسبب عدم ذكر العيوب
النظر الثاني في حكم الولد إذا جرى التغرير بالرق

وله أحكام
الأول أنه إذا غر بحرية أمة فأحبلها انعقد الولد على الحرية لظنه الحرية سواء كان الزوج حرا أو عبدا لأن العبد يساوي الحر في الظن وقال أبو حنيفة رحمه الله ينعقد ولد العبد رقيقا دون الحر
الثاني يجب أنه قيمة الولد على الزوج لسيد الأمة لأن الرق في الأم يوجب رق الولد واندفاعه بظنه فهو المتسبب في عتقه وإنما تجب قيمته إذا انفصل حيا باعتبار يوم الإنفصال ولو انفصل ميتا لا بجناية جان فلا شيأ عليه لأنه لا يمكن اعتبار قيمته قبل الإنفصال وهو في الحال لا قيمة له
الثالث أنه إذا غرم رجع به على الغار قولا واحدا قضى بالرجوع بقيمة الولد عمر رضي الله عنه ووافقه العلماء
وأما المهر ففي الرجوع به قولان لأن البضع فات بالمباشرة فلا يبعد أن يقدم على سبب الغرور وأما رق الولد ففات بظنه وهو سبب منشأه قول الغار فكان السبب الأول أولى بالاعتبار
الرابع أنه لا يرجع ما لم يغرم كالضامن لا يرجع على المضمون عنه ما لم يغرم وكذلك الدية المضروبة على العاقلة بشهادة الشهود إذا رجعوا يغرمونها ثم يرجعون على الشهود
الخامس في محل الغرم ومتعلقه وهو الذمة إن كان الزوج حرا وإن كان عبدا فثلاثة أقوال
أحدها أنه يتعلق بكسبه لأنه من لوازم النكاح كالنفقة والمهر
والثاني برقبته لأن النكاح لا يقتضي قيمة الولد وهو نتيجة اتلافه
والثالث يتعلق بذمته فإنه ليس جانيا ولا وجوبه مقتضي النكاح بل هو مقتضى ظنه فسار كما لو لزم بضمانه
وعلى هذا يرجع على الغار بعد العتق لأنه يغرم بعد العتق وعلى القولين الآخرين يرجع السيد مهما غرم من كسبه أو رقبته
وأما المهر فيتعلق بكسبه مهما جرى الفسخ بخيار الغرور إن أوجبنا المسمى وإن رجعنا إلى مهر المثل ففيه الأقوال الثلاثة المذكورة فيما إذا أذن له في النكاح فنكح نكاحا فاسدا ووطأ فتعلق مهر المثل ها هنا بكسبه أظهر لأنه وجب بحكم نكاح صحيح
السادس في المرجوع عليه وهو وكيل السيد إذا زوجه لأنه لا يتصور الغرور من السيد لأنه لو قال زوجتك هذه الحرة عتقتأما إذا كانت الغارة هي الأمة نفسها تعلق العهدة بذمتها لا بكسرها ورقبتها لأنها ليست مأذونه ولا جانية بل تلطفت بلفظ فيلزمها العهدة
فإن كانت مكاتبة فارقت الأمة في شييئى
أحدهما أنه لا مهر لها لأنها مستحقة المهر فكيف يغرم لها ويرجع عليها نعم تعطى قدر ما يتمول على وجه كما سبق
والثاني أنا إذا قلنا ولده المكاتبة قن فتجب قيمته كما في الأمة وإن قلنا مكاتب فهي مستحقة القيمة فلا يغرم لها إذ عليها الرجوع فإنها الغارة
وإن كان الغرور من الأمة ومن وكيل السيد جميعا فوجهان
أحدهما أنه يرجع على أيهما شاء إذ كل واحد باشر سببا كاملا من الغرور لو انفرد به
والثاني أنه يرجع على كل واحد بالنصف لاشتراكهما في السبب
فرع إذا انفصل الولد ميتا بجناية جان فعلى الجانى غرة عبد أو أمة تصرف إلى أب الجنين وجدته بطريق الإرث ولا يمكن للجنين وارث مع الأب سوى الجدة أم الأم
وما الذي يغرم للسيد فيه وجهان
أحدهما وهو اختيار القاضي أنه يغرم للسيد عشر قيمة الأم فإن هذا القدر هو الذي فات عليه بظنه
والثاني أنه يغرم أقل الأمرين من قيمة الغرة التي سلمت له أو عشر قيمة الأم فإنه إن كان قيمة الغرة أقل فكيف يضمن زيادة والولد الميت لا ضمان له وإنما لزم الضمان لسبب حصول هذا القدر بسبب الجناية ولو زادت الغرة فالزيادة للمغرور فإنه زاد بسبب حرية الولد
التفريع إن أوجبنا العشر فهو واجب من غير تفصيل وإن أوجبنا الأقل فينظر إلى قدر ما سلم له فإن كان معه جدة لم يحسب عليه إلا خمسة أسداس الغرة ولا يغرم أيضا ما لم يسلم إليه
وهذا إن كان الجاني أجنبيا ووراءه أحوال وهو أن يكون الجاني هو السيد أو المغرور أو عبد المغرور
فإن كان هو السيد غرم عاقلته لورثة الجنين الغرة وغرم المغرور له العشر أو أقل الأمرين على ما سبق ويحتمل أن يقال لا يغرم المغرور شيئا إذ كان سبب غرمه أنه فات بظنه والآن قد فات بجناية السيد ولكن يمكن أن يقال لما غرم العاقلة انمحى أثر جنايته وقد انفصل مضمونافلا يهدر في حقه
وإن كان الجاني هو المغرور وجب الدية على عاقلته لبقية الورثة دونه فإنه حجب نفسه عن الإرث بجنايته ووجب عليه الغرم للسيد إن أوجبنا العشر وإن لاحظنا الغرة فكيف نلزمه شيئا ولا نسلم له الغرة قال الأصحاب الوجه أن يقال قدر العشر من الغرة للسيد والباقي للورثة فإن تفريمه من غير تسليم شيئ إليه على المذهب الذي يلاحظ الغرة بعيد
وعندي أن ذلك غير بعيد لأن ما صرف عن نفسه بجانيته كأنه استوفاها وهو كما لو أخذ الغرة وأتلفها
وإن كان الجاني عبد المغرور تعلق حصة بقية الورثة برقبته وأما حصته فلا يمكن أن تتعلق برقبة عبده فكأنه استوفاها ولا يجعل ذلك كالساقط بحرمانه عن الميراث لأن حقه كالثابت ها هنا تقديرا
السبب الثالث للخيار العتق

وفيه مسائل
الأولى أنها إن عتقت تحت حر فلا خيار لها وإن عتقت تحت عبد فلها الخيار لما روي أن بريرة عتقت تحت عبد فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يثبت لها الخيار إذا عتقجميعها فلو عتق بعضها لم تتخير ولو عتقت بكمالها تحت من نصفه حر ونصفه رقيق تخيرت لحصول الضرار
ولا خيار بسبب طرآن الاستيلاد والكتابة قبل حصول العتق
الثانية لو عتقت ثم عتق الزوج قبل علمها ففي ثبوت الخيار وجهان كالوجهين فيما إذا علم بالعيب بعد زواله
الثالثة إذا طلقها الزوج قبل الفسخ طلاقا رجعيا فلها الفسخ فإن فسخت فهل تستأنف عدة أخرى فيه خلاف وإن أجازت لم تصح إجازتها لأنها لا تفيد حلا وهي صائرة إلى البينونة ولا يخرج على وقف العقود بل هو كما لو باع خمرا فصار خلا وفيه وجه بعيد أنه يخرج على الوقف
وإن كان الطلاق بائنا فلا معنى لإجارتها ولا لفسخها ونقل المزني أنه ينفذ فسخها ونتبين بطلان الطلاق وكأن حقها كان قويا في الفسخ فليس للزوج إبطاله بالطلاق
الرابعة إذا عتق الزوج وتحته أمة فلا خيار له لأن الخبر ورد فيها وليست المرأة كالرجل في هذا المعنى وذكر العراقيون وجها أنه يثبت الخيار له قياسا لأنا ألحقنا رقالزوج بالعيوب حتى يثبت لها الخيار وقد ثبت استواء الزوجين في العيوب
الخامسة أن هذا الخيار على الفور أم لا فيه ثلاثة أقوال
أحدهما أنه على الفور كخيار العيب في البيع
والثاني على التراخي حتى لا يسقط إلا بإسقاط أو تمكين من الوطء مع جريان الوطء لأن البيع لا يقصد منه إلا المالية ويدرك على الفور فواته بالعيب ومقاصد النكاح كثيرة تفتقر إلى التروي ثم لا يمكن إدامته مع جريان الوطء وعلى التأبيد فيسقط بالإسقاط أو الوطء
والثالث أنه يتمادى ثلاثة أيام ويكفي ذلك مهلة للتروي
والظاهر أن خيار العيب في النكاح على الفور وقد حكى وجه في طرد الأقوال فيه وهو غريب ومنقاس إذ الفرق عسير وغايته أن الأمة لم تطلع من حال أمر الزوج على أمر جديد حتى تدرك على الفور مصلحته فيفتقر إلى التروي بخلاف ما إذا اطلع على عيب لم يعرفه
التفريع
لو وطئها العبد فادعت الجهل نقل المزني قولين فمنهم من قال يقبل ومنهم من قال لا يقبل
فمنهم من قال أراد ما إذا ادعت الجهل بعتقها أما إذا ادعت الجهل بثبوت الخيار فيقبل ومنهم من قال إراد إذا ادعت الجهل بثبوت الخيار شرعا لأنها لا تعذر على قولكما لو ادعى المشتري الجهل بخيار العيب وتعذر على قول لأن ذلك شائع وهذا قد يخفى
أما إذا ادعت الجهل بعتقها فيقبل لأنه لا تقصير منها أصلا
وأما إذا ادعت الجهل بأن الخيار على الفور فلا تعذر ولو ادعت الجهل بخيار البرص والعيوب فينبغي أن يخرج على القولين لأنه في مظنة الالتباس
السادسة إذا عتقت قبل المسيس وفسخت سقط كمال المهر لأن الفسخ حصل بسببها ولن يستند إلى عيب في الزوج
وإن فسخت بعد المسيس قطعوا بأن المسمي لا يسقط ولم يطردوا القول المخرج ها هنا ووجهه أن المهر ها هنا للسيد وقد استقر بالوطء فلا يظهر أثر فسخها في استرداد المهر منه وقد أحسن إليها إذ أعتقها
السبب الرابع العنة

والنظر في أربعة أمور
الأول السبب وهو امتناع الوقاع وحصول اليأس منه يجب أو عنة ومعنى العنة سقوط القوة الناشرة للآلة ولو حصل ذلك بمرض مزمن يدوم ثبت الخيار أيضا إذ العنة مرض في عضو مخصوص وهذا في جميع البدن
والخصي هل يلتحق بالمجبوب فيه قولان ولعل مأخذه أنه يفوت به الولد دون المباشرة والعنة الطارئة بعد الوطء لا تؤثر قولا واحدا
ولو عن عن امرأة دون أخرى ثبت الخيار ولو عن المأتى وقدر على غير المأتى ثبت الخيار ولو امتنع مع القدرة فلا يثبت الخيار ولكن هل يثبت للمرأة المطالبة بوطأة واحدة فيه وجهان
أحدهما لا يثبت لأن داعيته كافية في الاستحثاث
والثاني تثبت المطالبة لعلتين
إحداهما حصول أصل التحصن
والثانية تقرير المهر
وإنما لا تثبت المطالبة بكل حال لأنه قد يفتر عن الوفاء بمطالبتها لو سلطت عليه والمرأة لا تعجز عن التمكين
فإن عللنا بتقرير المهر لم تثبت المطالبة بعد الإبراء وثبت لسيد الأمة المطالبة دون الأمة لأن المهر له
ومهما غيب مقدار الحشفة سقطت المطالبة فإنه وطء كامل في التحليل والإحصان والعدة والغسل والحد وغيرها
النظر الثاني في المدة عنته إما بإقراره أو يمينها بعد نكوله ضربت المدة سنة حتى تتكرر عليه الفصول الأربعة فربما يتغير الطبع فلو قال مارست نفسي وأنا عنين فلا تضربوا لي المدة فلا نبالي بقوله بل لا بد من المدة
ولا يتصور أن تثبت العنة بشهادة لأنه لا مطلع عليها نعم القول قوله إذا أنكر العنة فإن نكل حلفت لأنها بقرائن الأحوال بعد طول الممارسة تعلم وقال أبو إسحاق لا تحلف لأنها لا تعلم كما لا يشهد الشاهد وهو بعيد بل إذا تنازعا في نية الطلاق فنكل قضى الشافعي رضي الله عنه برد اليمين عليها مع أن النية غيب فهذا أولى
وإذا حلف الرجل على أنه ليس بعنين تركناه ولم نطالبه بإقامة البرهان بالإقدام علىالوطء إلا إذا قلنا لها المطالبة بوطأة واحدة فذلك يثبت أيضا في حق غير العنين
والعنة بعد الوطء لا توجب الخيار لأنه إذا قدر مرة فربما تعود القدرة
ثم إذا أقر أو حلفت لم تضرب المدة إلا بالتماسها فإن سكتت لم تضرب وتستوي مدة الحر والعبد لأن هذا أمر يتعلق بالطبع
فإن مضت المدة ولم يجر وطء بالاتفاق رفعت الأمر إلى القاضي فإن له نظرا في دعواه الإصابة فإذا قضى عليه بالعنة فسخت كما في الجب وسائر العيوب وفيه وجه أن القاضي هو الذي يتعاطى الفسخ لأن ظهور ذلك في محل الاجتهاد
ولا خلاف في أن القاضي لا يطلق عليه كما يفعل في المؤلي على قول لأن الإيلاء كان طلاقا في الجاهلية فجعل موجبا للطلاق وأما هذا ففسخ كخيار العيوب
فرع إنما تحسب المدة إذا لم تعتزل عنه فإن اعتزلت لم تحسب ولو انعزل الزوج قصداحسب لأنه لا يعجز عن المدافعة بذلك ولو سافر فوجهان الظاهر أنه يحسب
النظر الثالث في استيفاء الخيار وهذا الفسخ في الأحكام كالفسخ بالعيب في أنه على الفور وأنه إن رضيت فلا اعتراض للولي ولو رضيت فلا عود إلى الطلب بخلاف رضاها بالزوج المؤلي فإن القدرة حاصلة والتوقع ثم دائم وأما ها هنا فحصل اليأس
وإن فسخت في أثناء المدة لم ينفذ وإن رضيت فهل ينفذ حتى يسقط حقها قولان
أحدهما لا لأنه لم يثبت الفسخ والرضا في مقابلته فلا يثبت قبله
والثاني نعم لأنها تدعي المعرفة بالعنة
ولو رضيت بعد المدة فطلقها زوجها ثم راجعها وكانت العدة وجبت باستدخال مائة لم يثبت لها المطالبة ثانيا وإن أبانها ثم جدد نكاحها فقولان
أحدهما لا يعود لأنها رضيت مرة
الثاني نعم لأنها ربما توقعت عود قوته ولذلك لو وطئها في النكاح الأول وعن عنها في النكاح الثاني ثبت لها المطالبة ولو عن عنها في ذلك النكاح بعد الوطء لم تطالب
النظر الرابع في النزاع في الإصابة ومهما تنازعا فالقول قول من ينكر الإصابة إلا فيثلاثة مواضع
أحدها إذا تنازعا في مدة العنة والإيلاء فالقول قوله وإن كان الأصل عدم الإصابة لأنه يعسر عليه إقامة البينة فإن أقامت البية على بكارتها رجعنا إلى تصديقها وحلفناها لاحتمال رجوع البكارة
الثاني إذا قالت طلقتني بعد المسيس ولي كمال المهر فأنكر فالقول قوله إلا إذا أتت بولد لزمان يحتمل أن يكون العلوق في النكاح فإنا نثبت النسب بالاحتمال ونقوي به جانب المرأة فنجعل القول قولها
فإن لاعن عن الولد استقر الظاهر في جانبه فنرجع إلى القياس وتصديقه بيمينه
الثالث إذا تنازعا في الوطء مع التوافق على جريان الخلوة قال بعض الأصحاب الخلوة تصدق من يدعي الوطء والأصح أن ذلك لا يؤثر في تغيير قانون التصديق
القسم الخامس من الكتاب
في فصول متفرقة شذت عن هذه الضوابط وهي ستة فصول
الفصل الأول فيما يستباح من الاستمتاع بالنكاح

فنقول يحل للرجل جميع فنون الاستمتاع ولا يستثنى عنه إلا كراهة في النظر إلى الفرج وتحريم مؤكد في الإتيان في الدبر ونهي عن العزل على وجه والصحيح أن العزل جائز مطلقا ومنهم من منع مطلقا وقال هو الوأد الأصغر ومنهم من أباح في المنكوحة الرقيقة دون الحرة خوفا من إرقاق الولد ومنهم من جوز برضى المرأة كأنه يحذر من تضررها وكل ذلك ضعيف بل القياس أن الإمتناع عن إرسال الماء في الرحم كالإمتناع عن أصل الإنزال وتحقيق هذه المسألة ذكرناها على الإستقصاء في كتاب النكاح من كتب إحياء علوم الدين في ربع العادات فليطلب منه
ولا خلاف في جواز العزل من السرية والمملوكة حفظا للملك واختلفوا في أن المستولدة كالسرية أو كالمنكوحة
وأما الإتيان في الدبر فمحرم في المملوك والمملوكة والمنكوحة وما يحكى عن بعض الأئمة من تجويزه في المنكوحة فهو اختراع بل النص عن في النهي عن اتيان النساء في المحيضوتعليله بأنه أذا منبه على تحريمه بطريق الأولى فإن الأذى في ذلك الموضع دائم
ثم اتفق الأصحاب على أنه في معنى الوطء في إفساد العبادات ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة ووجوب مهر المثل في النكاح الفاسد وبالشبهة ووجوب العدة وحرمة المصاهرة
واتفقوا على أنه لا يتعلق به التحليل والإحصان إحتياطا للتحليل ولسقوط الحد وترددوا في أربعة أمور
أحدها النسب والظاهر أنه يثبت أن الماء قد يسبق ويتجه هذا عند من يثبت النسب في السرية بمجرد الوطء مع العزل
الثاني تقرير المسمى في النكاح والظاهر أنه يتعلق به وإنما ذكر العراقيون فيه ترددا مع قطعهم بوجوب مهر المثل في النكاح الفاسد
والثالث الرجم والجلد ثم إذا أوجبنا به الحد لم نوجبه في المملوكة والمنكوحة بل ذلك كإتيانهما في الحيض ونوجب في المملوك لأن الملك هاهنا لا ينتهض شبهة بخلاف وطء الأخت المملوكة فإن الصحيح ثم سقوط الحد لقيام المبيح
الرابع في الاستنطاق في النكاح والظاهر أنها لا تستنطق وفيه وجه أنها كالثيب
الفصل الثاني في وطء الأب جارية الابن

وهو حرام ولكن له في مال ابنه شبهة الإعفاف وبمثل هذه الشبهة يسقط عنه حد السرقة فتؤثر هذه الشبهة أيضا في درء الحد عنه ووجوب المهر عليه وفي تحريم الجارية على الابن أبدا بحكم المصاهرة وفي ثبوت النسب وانعقاد الولد على الحرية وهل تصير مستولدة له إذا أحبلها فيه قولان
المنصوص وهو مذهب أبي حنيفة أنها تصير مستولدة إذ لا وجه للحكم بحرية الولد إلا نقل الملك إليه رعاية لحرمة الأبوة
والثاني وهو مذهب المزني أنه لا يثبت لأنه لا سبب لنقل الملك إليه وليس من ضرورة حرية الولد نقل الملك إليه فإن الوطء بالشبهة يوجب حرية الولد ولا يوجب أمية الولد وكذلك المغرور بحرية الجارية يخلق الولد حرا ولا تحصل أمية الولد للجارية ولا ينقل الملك إليه وحكي عن صاحب التقريب قول ثالث في الفرق بين المعسر والموسر كما فيسراية العتق فإن قلنا لا تحصل فلا يجوز بيع الجارية وهي حامل بولد حر وهل تجب قيمة الجارية على الأب لهذه الحيلولة إلى وقت الولادة فيه وجهان والظاهر أنه لا يجب لأن يده مستمرة وانتفاعه دائم وإنما هذا تأخير بيع أما قيمة الولد فتجب على هذا القول باعتبار يوم والانفصال إن انفصل حيا
وإن قلنا يثبت الاستيلاد ففي وجوب قيمة الولد وجهان ينبنيان على أن الملك يقدر انتقاله بعد العلوق أو مع العلوق منهم من قال بعد العلوق فتجب القيمة لأن المعلول يترتب على العلة والصحيح ان لا قيمة والملك ينتقل مع العلوق والمعلول مع العلة وإن كان بينهما ترتيب فهو عقلي لا زماني وإذا قارنه فقد صادف العلوق ملك الأب فلا تجب القيمة وقد قيل يقع قبل العلوق وهو ضعيف يضاهي قول أبي حنيفة إنه يقع قبل الوطء حتى يسقط المهر أيضا وتقديم المعلول على العلة من غيرضرورة ممتنع في الأحكام ومستحيل على الإطلاق في العقليات
هذا كله إذا لم تكن الجارية موطوءة الابن فإن كانت موطوءة الابن فقد حرمت على الأب على التأبيد وإن أثبتنا الاستيلاد لم يبح للأب غشيانها لأن التحريم المؤبد لا يرتفع بالطورئ
الفصل الثالث في إعفاف الأب

وفي وجوبه قولان
أحدهما وهو المذهب المشهور أنه يجب لأن تعريضه للزنا مع القدرة على تحصينه عن الحد في الدينا والعذاب في الآخرة لا يليق بحرمة الأبوة
والثاني وهو مذهب أبي حنيفة والمزني وهو القياس أنه لا يجب كما لا يجب إعفاف الابن وكما لا يجب إعفاف المحتاجين من بيت المال
فإن قلنا يجب فإنما يجب إعفاف الأب المحتاج إلى النكاح الفاقد للمهر فهذه ثلاثة قيود
الأول الأب ويدخل تحته الجد وإن علا من جهة الأب ومن جهة الأم وهو كل من يستحق النفقة
ولو اجتمع اثنان منهم في درجة واقتضى الحال توزيع النفقة إذا لم يقدر الابن إلا على نفقة أحدهما كما سنذكره في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى فهاهنا لا يمكن التوزيع ففيه وجهان
أحدهما أنه يقرع بينهما
والثاني أن القاضي يجتهد ويقدم من يرى في مخايله أنه أحوج إلى النكاح
وأما قولنا محتاج إلى النكاح فأردنا به صدق الشهوة فإذا ادعي الشهوة وجب قبوله من غير تحليف فإن ذلك لا يليق بالاحترام نعم هو بينه وبين الله تعالى لا يحل له اقتراح ذلك إلا إذا صدقت بشهوته بحيث يعسر عليه مصابرتها ويحتمل أن يعتبر مع ذلك خوف العنت كما في نكاح الأمة
وأما قولنا الفاقد للمهر فأردنا به أنه لو وجد مالا هو بلغة نفقته أياما لكنه لا يفي بالمهر فيجب إعفافه لأنه مستغن عن النفقة دون الإعفاف وفيه وجه بعيد أنه لا يستحق لأنه لا يستحق النفقة وهو ضعيف
وأما قولنا يجب الإعفاف فنعني به ما تحصل به عفته عن الزنا ويحصل ذلك بأن يزوج منه امرأة مسلمة أو كتابية أو يملكه جارية أو يسلم إلى صداق امرأة أو ثمن جارية ثم يلزم مؤنة الزوجة في دوام النكاح
وليس للأب أن يعين امرأة رفيعة المهر ومهما تعين مقدار المهر فتعيين الزوجة إلى الأب لا إلى الابن
ولا يكفيه أن يزوجه عجوزا شوهاء أو معيبة ببعض العيوب فإن ذلك لا يعف ويكونذلك كطعام فاسد لا ينساغ فإنه لا يقبل في النفقة
ولا يلزمه تسليم الصداق إلى الأب بل له أن لا يسوق الصداق إلا بعد العقد
فرعان

أحدهما أنه تكفيه زوجة واحدة فلو ماتت لزمه الأخرى وفيه وجه بعيد أنه لا يلزمه لأن النكاح وظيفة العمر فيكفي مرة واحدة
ومهما فسخ نكاحها ببعض العيوب أو انفسخ لا باختياره فيجب التجديد كما في الموت أما إذا طلقها ففي التجديد ثلاثة أوجه
أحدها أنه يجب لأن تكليفه إمساك زوجة واحدة فيه عسر
والثاني لا يجب إذ هو الذي قطع النكاح بنفسه
والثالث أنه إن طلق بعذر ظاهر من ريبة أو غيرها كان كالرد بالعيب فيجب التجديد وإلا فلا أما إذا كان مطلاقا بحيث ينسب في العرف إليه فلا يجب التجديد
الثاني لو ملك الابن جارية فإذا أراد أن يزوجها منه فهذا يبتنى على أصلين
أحدهما أن الأب هل يعد موسرا بمال ولده حتى يمتنع عليه نكاح الأمة وفيه خلاف
فإن قلنا لا يعد موسرا فيبتني على أن وطء جارية الابن هل يوجب الاستيلاد
فإن قلنا يوجب لم يصح النكاح لأنه يؤدي إلى انفساخ النكاح بحصول الولد الذي هو مقصود العقد
أما إذا كان الأب عبدا ونكح جارية ابنه جاز لأن الاستيلاد في حقه غير ممكن لا يتصور له الملك فكيف ينتقل الملك إليه
ولو نكح الحر أمة أجنبي فملكها ابنه لم ينفسخ النكاح لأن هذه الشروط والتوهمات إنما تعتبر في ابتداء العقد لا في دوامه نعم إذا حصل ولد في ملك الابنانفسخ النكاح إذ ذلك وانعقد الولد على الحرية وقال الشيخ أبو علي لا ينعقد على الحرية فإن وطء في ملك النكاح لا يقتضي حرية الولد فلا يحصل الاستيلاد وهو بعيد ولو أمكن هذا لحكمنا بصحة النكاح ابتداء كما قاله أبو حنيفة
ولا خلاف بين الأصحاب أنه لو نكح جارية مكاتبه لم يصح لتوقع الاستيلاد و انقلاب الملك إليه كما في جارية الابن لكن لو طرأ ملك المكاتب على زوجة سيده ففي الانفساخ وجهان
أحدهما لا كطرآن ملك الابن
والثاني ينفسخ لأن المكاتب وماله كالملك للسيد فلا يفرق في ذلك بين الطارئ والمقارن كما في ملك الزوج زوجته
الفصل الرابع في تزويج الإماء وحكمه في الاستخدام والنفقة والمهر

أما الاستخدام فلا يبطل بالتزويج وإنما يحرم الاستمتاع لأن تعطيل منفعتها على السيد ينفره من الرغبة في التزويج بخلاف الحرة فإنه صاحبة الحظ فيرغب مع تعطيل المنافع
ثم السيد يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا فلو عكس لم يجز لأن الليل هو وقت الاستمتاع ولذلك يعتمد عليه في القسم نعم هل للسيد أن يقول أبوئها بيتا في داري ليلقاها زوجها ولا أسلمها إليه فقولان
أحدهما لا لأنه يناقض تمام التمكين
والثاني له ذلك لأن اليد حقه ولا ضرورة إلى إبطاله كيف ولا خلاف أن له أن يسافر بها وعلى الزوج إن أراد صحبتها أن يصحبها ولينفرد بها ليلا فإذا جاز ذلك فهذا أولى
فإن قلنا ليس له أن يبوئها بيتا فلو كانت محترفة فقال سلموها نهارا إليلتحترف في بيتي وأستأنس بمشاهدتها قال أبو إسحاق المروزي يجب إسعافه جمعا بين الجانبين وقال الأكثرون لا يجب تسليمها في مدة العمل فإن ذلك نقص في حق السيد
أما النفقة فتجب على الزوج بكمالها إن تسلم إليه ليلا ونهارا وإن لم تسلم إليه إلا بالليل فثلاثة أوجه
أحدها أن لها النفقة على السيد لأن النفقة إنما تجب بكمال التمكين على الزوج ولم يجر
والثاني أنه يجب كمال النفقة على الزوج لأنه يسلم له كمال التمكين المستحق بالنكاح
والثالث أنه يتشطر لتشطر الزمان
أما إذا نشزت الحرة نهارا وسلمت ليلا فعلى وجه تسقط جميع النفقة وعلى وجه يسقط الشطر لأنه لم تسلم كمال المستحق بالنكاح
ولا خلاف في أنه لو سافر السيد بها سقطت النفقة ولم يلزم الزوج مصاحبتها والإنفاق عليها
وأما المهر فإنما يجب للسيد ولا يسقط بإسقاطها
والنظر في السقوط بالقتل والبيع

أما القتل فقد نص الشافعي رضي الله عنه أن السيد لو قتلها قبل المسيس فلا مهر له مع أنه لا خلاف في أن الحرة لو ماتت أو قتلها أجنبي قبل المسيس استقر المهر لأن ذلك نهاية النكاح ولذلك يتعلق به الإرث فمنهم من خرج قولا في الأمة من الحرة ومنهم من قرر النص وعلل بعلتين
إحداهما أن السيد زوج بحكم ملك اليمين فيسقط حقه بإتلافه قبل القبض كما في البيع
والثانية أن العاقد هو الذي فوت المعقود عليه فيمتنع منه المطالبة
وينبني على العلتين قتل الحرة نفسها لأنها عاقدة وليست مملوكة وفيه وجهان
وكذلك قتل الأجنبي الأمة يخرج على العلتينفأما موت الأمة فلا يخرج على العلتين ولا خلاف أنه يقرر الماء أما إذا باع الأمة لم ينفسخ النكاح خلافا لابن عباس رضي الله عنه ويسلم المهر للبائع لأنه وجب بالعقد إلا في صورة التفويض على قولنا يجب المهر بالمسيس غير مستند إلى العقد فعند ذلك إذا جرى المسيس في ملك المشتري كان له المهر نعم لو باع قبل تسليم المسمى لم يكن له منع الأمة وحبسها لسوق الصداق إليه إذ لم يبق له تصرف في الأمة ولم يكن أيضا للمشتري الحبس لأنه لا يستحق المهر فيستفيد الزوج بالبيع سقوط حق المنع ومهما أعتق الجارية كان حكم المهر ما ذكرناه لكن المعتقة تقوم مقام المشتري
فرعان

أحدهما لو زوج أمته من عبده فلا يستحق السيد المهر إذ لا يستحق السيد على عبده دينا والرق المقارن للعقد دفع المهر بعد جريان موجبه ولو يكن هذا تعرية للعقد عن المهر بل جرى الموجب واقترن به الدافع فاندفع والاندفاع في معنى الانقطاع لا في معنى الامتناع
الثاني إذا قال لأمته أعتقتك على أن تنكحيني فلا ينفذ العتق إلا بقبولها لأنه علق بعوض مقصود ثم إذا قبلت عتقت وفسد العوض ولو يلزمها الوفاء بالنكاح والرجوع عليها بقيمتها للسيد كما لو أعتقها على خمر ثم لو نكحها بعد ذلك بالقيمة التي عليها وهي مجهولة ففي صحة الصداق وجهان
أحدهما وهو اختيار المزني أنه لا يصح
والثاني أنه يصح إذ الاستيفاء غير مقصود بخلاف ما لو أتلفت الحرة على إنسان شيئا ولزمتها قيمة مجهولة فنكحها بتلك القيمة فالصحيح فساد الصداق هاهنا ويتجه طرد القولين لعسر الفرق
ولو قالت السيدة لعبدها أعتقتك على أن تنكحني فالصحيح أنه ينفذ من غير قبول وكأنها قالت أعتقتك على أن أعطيك بعده شيئا ومنهم من قال يفتقر إلى القبول لأنه مقصود في العادة وهو ضعيف إذ لا خلاف أنه لو قال طلقتك على أن لا تحتجبي مني وقع الطلاق من غير قبول
ثم قال صاحب التقريب من أعتق أمة لينكحها ولم يأمن مخالفتها فسبيله أن يقول إن يسر الله بيننا نكاحا صحيحا فأنت حرة قبله ثم ينكحها فيبين وقوع العتق قبله ويصح النكاح ومنهم من خالف في هذا وبنى على ما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي فإذا هو ميت وهذا البناء ضعيف لأنه لا يدري أن موت الأب مع تقرير العقد وهاهنا نتيقن مصادفة صحة النكاح للعتق ويمكن أن يقال جعل العتق معلول الصحة إذعلق بها والصحة معلول العتق فتكون الصحة علة نفسها بواسطة العتق فإنها علة العتق الذي هو علتها ولا يكون الشيئ علة نفسه ولا معلول معلوله وليس هذا كدور الطلاق فإن المعلق يكون معلول المنجز والمنجز ر يكون معلول المعلق أصلا لأنالمنجز لا يستدعي وقوع طلاق قبله وصحة النكاح تستدعي وقوع عتق قبله وفي المسألة زيادة غور لا يحتمل هذا الموضع كشفه
الفصل الخامس في تزويج العبيد

والنظر فيه في المهر والنفقة وهما لازمان متعلقان بأكساب العبد مهما نكح بالإذن وإن كان في يده مال التجارة تعلق بالأرباح وهل يتعلق برأس المال فيه وجهان
أحدهما لا لأنه ليس من كسبه فصار كرقبته وسائر أموال السيد
والثاني أنه يتعلق لأن الأطماع تمتد إلى ما في يده
والقول الجديد أن السيد لا يصير ضامنا للمهر بمجرد الإذن في العقد إذ الإذن لا يقتضي إلا تمكينه من أداء لوازم النكاح فيجب عليه ترك الاستخدام وتمكن العبد حتى يكسب مقدار المهر أولا ثم يكسب للنفقة والقول القديم في العبد الذي ليس بكسوب أوجه وهو مستمد من قولنا إن عهدة عقود المأذون ترجع إلى السيد وإن لم يصرح بالضمان نعم اختلفوا على الجديد في أنه هل يمتنع على السيد المسافرة به واستخدامه
فقال المراوزة له ذلك ثم عليه لوازمالنكاح وقال العراقيون لا بل تعلقت اللوازم بكسبه فليس له استيفاءه
ثم مهما استخدم يوما واحدا مثلا محقا أو مبطلا ففيما يلزمه قلولان
أحدهما أقل الأمرين من أجرة المثل أو لوازم النكاح
والثاني أنه يلزمه جميع لوازم النكاح لأنه ربما كان يكتسب بالاتفاق في هذا اليوم ما يفي بالجميع
ثم على هذا القول ترددوا في أنه هل يجب كمال النفقة إلى آخر العمر أم يقتصر على المهر ونفقة مدة الاستخدام لأن العمر مجهول الآخر
ولا خلاف في أنه لو استخدمه أجنبي لم يلزمه إلا أجرة المثل لأنه ليس عاقدا حتى يخاطب بلوازم العقد والسيد كالعاقد
فرع إذا نكح العبد حرة فاشترته انفسخ النكاح وكذلك إذا اتهبت ولكن يضاف الفسخ إلى قبولها أو إلى ايجاب السيد حتى يظهر أثره في التشطير قبل المسيس إن أضيف إلىالسيد وإسقاط الجميع إن أضيف إليها فيه قولان مأخذهما طلب الترجيح بين الإيجاب والقبول في السببية مع أن السبب واحد وهو مركب فيهما جميعا
ويمكن أن يقال أصل الفسخ إسقاط جميع المهر إلا إذا كان السبب من جانب من يستحق عليه المهر خاصة وهذا ليس من جانبه خاصة فسقط الجميع وهذا هو الأوجه
فعلى هذا لو اشترته بالصداق الذي ملكته عن السيد بصريح ضمانه فإن كان قبل المسيس قال الشافعي رضي الله عنه لا يصح الشراء إذ لو صح لسقط المهر ولعري الشراء عن العوض فيؤدي إثباته إلى نفيه فيبطل من أصله إذ يعود المهر إلى السيد بحكم الفسخ لا بحكم البيع وهذا من قبيل الدور الحكمي
وإن فرعنا على قول التشطير بطل الدور في النصف ويخرج في الباقي على قولي تفريق الصفقة
فإن رأينا تفريق الصفقة أو اشترته بعد المسيس حيث يتقرر المسمى كله فيبتنى على أن من استحق دينا على عبد ثم اشتراه هل يسقط دينه بالملك الطارئ كما يسقط بالمقارن وفيه وجهان
فإن قلنا إنه يسقط فيؤدي براءته إلى براءة الكفيل وهو السيد فيؤدي إلى خلو الشراء عن العوض ويعود إلى الدور الحكمي
وإن قلنا لا يسقط بقي السيد ضامنا فيصح الشراء وينفسخ النكاح
ولنذكر ها هنا مسائل خمسا في الدور الحكمي

إحداها أنه لو أعتق أمته في مرضه وتزوجها وكانت ثلث ماله ومات ولو يزد ماله لم يكن لها طلب المهر لأن ذلك يلحق دينا بالتركة ويوجب در العتق والنكاح والمهر من أصله فطلب المهر يؤدي إلى إبطال أصل المهر
الثانية المريض إذا زوج أمته عبدا ثم قبض صداقها وأتلفه ثم أعتقها فلا خيار لها إذ لو فسخت لارتد المهر ولما خرجت من الثلث فيبطل العتق ويبطل الخيار
الثالثة لو مات وخلف أخا وعبدين فأعتقهما الأخ ثم شهدا على أن للميت ابنا من زوجته فلانة ثبتت الزوجية والنسب ولا يثبت الميراث للولد بقولهما إذ لو ثبت لحجب الأخ وبطل إعتاقه وشهادتهما
وإن شهدا بأن له بنتا لم يثبت الإرث لها لأن في توريثها رد عتق الأخ في البعض وإرقاق بعض العبدين وذلك يبطل الشهادة هذا إذا كان معسرا فإن كان موسرا يثبت الإرث إذ ليس من ضرورة الإرث إرقاق العبد بل ينفذ في نصيب الأخ ويسري إلى الباقي
الرابعة لو أوصى له بابنه فمات وخلف أخا فله القبول فإذا قبل عتق الابن ولم يرث لأنه ورث لحجب الأخ وأبطل قبوله فإنه قبل لكونه وارثا
الخامسة لو اشترى المريض ابنه أو أباه عتق من ثلثه ثم لا يرث أنه لو ورث لصار التسبب إلى عتقه بالشراء وصية له فيبطل العتق ولا يرث وها هنا دقيقة في طريق قطع الدور فإنه تارة يقطع من أوله كما ذكرناه في إبطال شراء الزوجة زوجها وتارة من وسطه كما ذكرنا في إثبات النسب ونفي الميراث وإنما ذكرنا ذلك لأجل تأكد بعض الأسباب وبعدها عن قبول الدفع كالنسب وضعف بعضها وقبولها للدفع كالبيع وسر ذلك قد حققناه في كتاب غاية الغور في دراية الدور فليطلب منه
الفصل السادس في التنازع في النكاح

والدعوى إما أن تكون منه أو منها فأما دعواه فصحيحه لأنه مستحق الحق وعليها تتوجه الدعوى بناء على الصحيح في قبول إقرارها
أما المرأة إذا ادعت فإن ادعت المهر صحت الدعوى وإن ادعت الزوجية ولم تتعرض للوازم الدعوى فالظاهر قبول دعواها فإن الزوجية وإن كان حقا عليها ولكنها مناط حقوق لها وفيه وجه أنه لا يقبل لفساد صيغة الدعوى إذ تدعي أنها رقيقة لغيرها وهو ضعيف بدليل أنه تفيد دعواها إذا سكت الزوج إذ لو أقر بعد ذلك أو ادعى الزوجية قبل لأنه ما ثبت التحريم فلو أنكر وجعلنا إنكاره طلاقا على أحد المذهبينسقط دعواها وإن لم نجعله طلاقا كان إنكاره كسكوته
فروع خمسة

الأول إذا ادعى زيد زوجية امرأة وادعت المرأة أنها زوجة عمرو وأقام كل واحد بينة قال ابن الحداد بينة زيد أولى لأنها استندت إلى صيغة صحيحة في الدعوى بخلاف دعوى المرأة فاستحسن منه بعض الأصحاب وخالفه بعضهم وقال كيف تسلم لزيد وقد كذبته البينة الأخرى المقابلة لها والمسألة المفروضة فيما إذا كان عمرو ساكتا فإنه لو أنكر ربما جعل إنكاره طلاقا
الثاني إذا زوج إحدى ابنتيه ومات ووقع النزاع في عين الزوجة فللمسألة حالتان
إحداهما أن يعين الزوج إحداهما وكل واحدة تدعي أن المزوجة صاحبتها فالتي عينها الزوج توجه الدعوى عليها فتجري على منهاج الخصومات والثانية لا خصومة معها
الثانية أن تزعم كل واحدة منهما أنها المزوجة فالتي عينها الزوج منكوحة باتفاق الزوجين وبقيت الأخرى تدعي الزوجية وقد سبق حكم دعواها
وقال بعض الأصحاب ليس من شرط المسألة تقدير موت الأب كما فرضه ابن الحداد فإنالأب و إن كان حيا فإقرار المرأة يقبل على الصحيح وهذا متجه إذا كانتا ثيبين إذ لا يقبل إقرار الأب فهو كالميت
وأما إذا كانتا بكرين فإقرار الأب مقبول عليها ويجر قبول إقرارها مع قبول إقراره عسرا لأنه ربما يختلف فكيف يحكم بها فيمكن أن يقال يرعى السابق من الإقرارين أو يسقط إقرارها إلا إذا يكذبها الولي وهو الأوجه
الثالث إذا ادعت زوجية ومهرا وشهد الشهود وقضى بالمهر فرجع الشهود ففي تغريمهم قولان مبنيان على شهود المال إذا رجعوا أنهم هل يغرمون بالحيلولة وها هنا أولى بأن لا يغرم لأن الشهود أثبتوا البضع له في مقابلة المهر وهو الذي فوت بإنكاره
التفريع
إن قلنا يغرمون فإنما يغرمون ما أخذ من الزوج وإن قلنا لا يغرمون فإنما لا يغرمون فإن زاد المأخوذ على قدر مهر في مقابلته حقا
التفريع إن قلنا يغرمون فإنما يغرمون ما أخذ من الزوج وإن قلنا لا يغرمون فإنما لا يغرمون فإنما لا يغرمون ما هو قدر مهر المثل فإن زاد المأخوذ على قدر مهر المثل غرموا الزائد لأنهم لم يثبتوا في مقابلته حقا
المسألة بحالها ولو شهد الشهود على النكاح وآخرون على الإصابة وآخرون علىالطلاق قال ابن الحداد الغرم على شهود الطلاق لأنهم المفوتون وأما شهود النكاح فإنهم أثبتوا حقا والآخرون أثبتوا استمتاعا واتفق الأصحاب على تغليطه لأن شهود الطلاق وافقوه إذ نفوا زوجية هو منكر لها بل الغرم موزع على شهود النكاح وشهود الإصابة إن شهد شهود الإصابة على الإصابة في نكاح وإن شهدوا على أصابة مطلقة فذلك لا يؤثر لأنه يظهر كونه في نكاح حتى يتعلق بها الحكم
الرابع إذا ادعت المرأة محرمية أو رضاعا بعد العقد وكانت مجبرة تسمع دعواها
وقال ابن الحداد القول قولها لأن هذا من الأمور الخفية فربما انفردت به وقال ابن سريج القول قوله وهو الأصح لأن النكاح معلوم والأصل عدم المحرمية وفتح هذا الباب للنساء طريق عظيم في الخلاص للفاسقات من ربقة النكاح
أما إذا كانت تزوجت برضاها فظاهر المذهب أنه لا يقبل دعواها لأنه يناقض رضاها إلا إذا أظهرت عذرا من نسيان أو غلط فيحتمل أن يقبل دعواها ويحلف الزوج كما إذا ادعى الراهن قبل الرهن وزعم أنه اعتمد على كتاب وكيله أنه لم يبيع ثم بان أنه مزور فإنه تقبل دعواه في وجه
الخامس إذا زوج أمته ثم قال زوجتها وكنت مجنونا أو محجورا علي وأنكر الزوج فإن لم يعهد له جنون بيقين فالقول قول الزوج
وإن ادعى الصبى أو أمرا معهودا فوجهان
أحدهما أن القول قوله إذ الأصل بقاء تلك الحالة
والثاني أن القول قول الزوج فإنه اعترف بالعقد فيحمل على الصحة فعليه بينة الإبطال
وقد نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو أحرم الولي بعد التوكيل بالنكاح ثم ادعى أن الوكيل زوج بعد الانعزال بالإحرام أن القول قول الزوج لأن العقد معترف به فيحمل على الصحة ولكن هذا يفارق مسألة الوجهين لأنه أقر بسبق التوكيل على الإحرام والله تعالى أعلم بالصواب
كتاب الصداق
وفيه خمسة أبواب
الباب الأول في حكم الصداق الصحيح في الضمان والتسليم والتقرير

الحكم الأول في الضمان فنقول كل عين مملوكة يصح بيعها أو منفعة متقومة تصح الإجارة عليها فيصح تسميتها في الصداق حتى تعليم القرآن فلا يتعين للصداق مقدار ولا جنس
وقال أبو حنيفة رحمه الله أقل الصداق نصاب السرقة وقال لا يصدقها منفعةحر لكن يصدقها منفعة العبد
ويستحب ترك المغالاة في الصداق لقوله عليه الصلاة والسلام خير النساء أرخصهن مهورا وأحسنهن وجوها
ثم مهما صح الإصداق فالصداق في يد الزوج مضمون ضمان العقد أو ضمان اليد ففيه قولان مشهوران
أحدهما أنه مضمون ضمان العقد لأنه عوض في معاوضة كاليبع فعلى هذا لو تلف قبل القبض انفسخ الصداق وقدرنا انتقال الملك إلى الزوج قبل التلف حتى لو كان الصداق عبدا ومات كان مئونة التجهيز على الزوج وترجع المرأة إلى مهر المثل وهو عوض البضع إذ كان قياس الفسخ رجوع البضع إليها لكن الصداق ليس ركنا في النكاح فتعذر رد البضع وفسخ النكاح به يضاهي ما لو تلف العوض في البيع والمعوض جارية تعذر ردها باستيلاد متملكها فإنه يرجع إلى قيمة الجارية
والقول الثاني أنه مضمون ضمان اليد كما في المستام والمستعار حتى يخرج على وجهين في أنه يضمن بأقصى القيمة من يوم الإصداق إلى التلف أو يضمن بقيمة يوم الإصداق
ومنشأ القولين التردد في أن الغالب على الصداق مشابه العوض أو مشابه النحلة ويدل على كونه نحلة قوله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وأنه لا يفسد النكاح بفساده ولا ينفسخ برده اتفاقا وكأنه تحفة عجلت إليها لتهيئ بها أسبابها
ويدل على كونه عوضا أنه تقابل به المرأة في العقد كما في البيع وأنه يتقرر بتسليم المعوض ويرجع عند فساده إلى بدله وهذا هو الأصح وكأنه عوض إذا ثبت ولكن إثباته ودوامه ليس ركنا في النكاح
ويتفرع على القولين النظر في التصرف في الصداق قبل القبض وحكم الزوائدوحكم التعييب والتلف وبيانه بخمس مسائل
الأولى بيع الصداق قبل القبض ممتنع عن قول ضمان العقد جائز على ضمان اليد وكذلك الإستبدال عنه إذا كان دينا يجري مجرى الإستبدال عن الثمن على قول ضمان العقد لا مجرى المسلم فيه
الثانية منافع الصداق إذا فات لم يضمنه الزوج على القولين إلا إذا قلنا إنه مضمون ضمان المغصوب نعم لو استخدم الزوج فاستوفى المنفعة ضمن على قول ضمان اليد وعلى قول ضمان العقد ينزل منزلة البائع إذا انتفع وفي ضمانه وجهان ينبنيان على أن جناية البائع كجناية الأجنبي أو كآفة سماوية
وأما الزوائد كالولد والثمار لا تدخل في ضمان الزوج على القولين إلا إذا الحقناه بضمان المغصوب
الثالثة إذا تعيب الصداق قبل القبض فلها خيار فسخ الصداق على القولين إلا على وجه حكي عن أبي حفص بن الوكيل أنه لا خيار لها على ضمان قول الغصب واتفاق الجمهور على إثبات الفسخ يؤيد قول ضمان العقد لكن القائل الآخر يقول هو وإن كان مضمونا ضمان اليد فقد التزم تسليمه في عقد
ثم إن فسخت فعلى ضمان قول العقد رجعت إلى مهر المثل وإن أجازت لم تطالب بالأرش وعلى الثاني ترجع إلى قيمة الصداق وإن أجازت طالبت بالأرش
أما إذا اطعلت على عيب قديم فلها الخيار ولكن على قول ضمان اليد هل تطالب بالأرش إن أجازت فيه تردد الأصحاب وتبعد المطالبة بأرش ما لم يدخل تحت يده بحكم ضمان اليد ولكن له وجه من حيث إن الأصحاب اتفقوا على طرد القولين فيما إذا أصدقها عبدا فخرج مغصوبا أو حرا وقالوا على قول ضمان اليد ترجع إلى قيمة العبد وتقدر قيمة الحر وزادوا عليه فقالوا لو أصدقها خمرا أو خنزيرا قدرنا الخمر عصيرا والخنزير شاة ورجعنا إلى قيمتهما على هذا القول ثم قال الصيدلاني هذا إذا قال أصدقتك هذا العبد فإذا هو حر أو هذا العصير فإذا هو خمر أو قال أصدقتك هذا ولم يسم فإن قال أصدقتك هذا الحر أو هذا الخمر والخنزير فسدت التسمية قطعا وكان الرجوع إلى مهر المثل قولا واحدا وهذا ينبه على مأخذ آخر سوى ضمان اليد وهو أن تعيين الصداق له فائدتان
إحداهما التعيين
والأخرى التقدير بقدر ماليته
وكأن التسمية إن فسدت في حق التعيين فلا تفسد في حق تقدير تعيين المالية فكأنهما رضيا بهذه العين وبهذا القدر والشرع قد منع من عين الحر والغصب والخمر فبقيالمعين معيارا للقدر فترجع إليه فكذلك في العيب القديم يمكن أن يقال معيار المقدار مظن حالة العقد وهو سليم فيجب إكماله
الرابعة إذا تعيب الصداق بجنايتها فذلك كقبضها وإن تعيب بجناية أجنبي فلها الخيار ولكنها على قول ضمان العقد إن فسخت طالبة الزوج بمهر المثل ولم تطالب الأجنبي بالأرش وإن أجازت طالبت الأجنبي بالأرش إذ جنى على ملكها وعلى قول ضمان اليد إن فسخت طالبت الزوج بقيمة الصداق سالما وإن أجازت تخيرت بين مطالبة الزوج والأجنبي والقرار على الأجنبي
الخامسة إذا تلف بعض الصداق ارتبط النظر على قول ضمان العقد بتفريق الصفقة وإن تلف كله لم يخف تفريع ضمان العقد لكن على قول ضمان اليد لا فسخ لها بخلاف ما إذا تعين فإنها تستفيد بالفسخ الخلاص بالعيب والرجوع بالقيمة
وأما ها هنا إن أجازت أو فسخت فرجوعها إلى قيمة يوم الإصداق فأي معنى لفسخ لا فائدة له وقد تضرر به إذ تسقط مطالبته عن الأجنبي
وإذ قلنا إنه يضمن ضمان المغصوب وكان قيمته يوم التلف أكثر فإن أجازت أخذت قيمته يوم التلف وإن فسخت رجعت إلى قيمة يوم الإصداق فينقص حقها وتتضرر بالفسخ وهذا بخلاف ما لو وجد بالمبيع عيبا وهو مع ذلك يساوي أضعاف الثمن فإن له الرد لأن له فائدة في الخروج من العهدة
الحكم الثاني في التسليم

ومهما تنازعا في البداية بالتسليم ففيه ثلاثة أقوال كما في البيع
أحداها أنهما يجبران معا من غير تقديم أحدهما وطريقه أن يكلف الزوج تسليم الصداق على عدل وتكلف المرأة التمكين فإذا وطئها أخذت الصداق
والثاني أنهما لا يجبران بل من أراد استيفاء ماله بادر إلى تسليم ما عليه حتى يجبر صاحبه على التسليم
والثالث أن البداية بالزوج لأن استرداد الصداق ممكن دون البضع وهذا بشرط أن تكون مهيأة للاستمتاع فإن كانت صغيرة ففي المهر قولان كما في النفقة وإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر آخر لم يجب تسليم الصداق إليها
والقول الرابع وهو أن البداية بالمرأة وإن كانت في رتبة البائع فإن ذلك لا يجري ها هنا أصلا لأن البضع يفوت بالتسليم بخلاف المبيع
ثم إن البداية لا تخلوا إما أن تكون منها أو منه فإن كان منها التمكين ثبت لها طلب الصداق على الأقوال كلها وطئت أو لم توطأ إذ بذلت ما في وسعها فإن رجعت إلىالامتناع لم يكن لها طلب الصداق لأن شرط استمرار الطلب على قولنا الابتداء بالزوج استمرار التمكين وإن وطئها استقر الطلب فإن لم يسلم لها الصداق لم يكن لها العود إلى المنع إذ سقط حق حبسها بالوطء ولا يسقط حق حبسها بتمكين عار عن الوطء
وهل يسقط بوطء أكرهت عليه فيه وجهان ووجه سقوطه أن العوض قد تقرر وقال أبو حنيفة رحمه الله لها الامتناع بعد الوطء مهما منع الصداق
أما إذا بادر الزوج إلى تسليم الصداق فامتنعت فهل له الاسترداد إن قلنا إنه يجبر الزوج على البداية فيسترد لأن ذلك بشرط تسليم المعوض وإن قلنا لا يجبر فقد تبرع وأبطل حق الحبس فلا يسترد وقال القاضي إن كانت معذورة عند التسليم ثم زال العذر وامتنعت فله الاسترداد لأنه سلم على رجاء التمكين عند زوال العذر والأظهر أنه لا يسترد كيفما كان
ثم مهما سلم الصداق فليس له أن يرهقها بل يمهلها ريثما تستعد بالتنظف والاستحداد وقيل إنه يمهل ثلاثة أيام
ولا خلاف في أن الإمهال لأجل تهيئة الجهاز لا يجب نعم لو كانت صغيرة لا تطيق الوقاع لم يجب تسليمها وكذا إن كانت مريضة فلو كانت حائضا وجب التسلم إذ يستمتع بها فوق الإزار ويكفي الدين وازعا عن الوطء
فإن قال أنا أمتنع عن وطء الصبية والمريضة لم يوثق بقوله فيه وذلك إضرار بهما ولا ضرر على الحائض نعم لو علمت من عادته أنه يتغشاها في الحيض فلها الامتناع من المضاجعة
الحكم الثالث التقرير

ولا يتقرر كمال المهر إلا بالوطء أو موت أحد الزوجين فأما الخلوة فلا تقرر على الجديد من القولين ومنهم من قطع بأن الخلوة لا تقرر وجها واحدا وحمل نص القديم على أن الخلوة تؤثر في جعل القول قولها إذا تنازعا في الوطء لأجل التقرير
ثم قال المفرعون على القديم يتعلق بالخلوة أيضا العدة والرجعة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا تثبت الرجعة وقال أبو حنيفة الخلوة بالنفساء والحائض والصائمة صوم الفرض لا تقرر المهر ووافقه المحققون على القديموقال الخلوة بالرتقاء والقرناء تقرر المهر وخالفه المحققون
الباب الثاني في أحكام الصداق الفاسد

وقاعدة الباب أن النكاح لا يفسد بفساد الصداق لأن المذهب الصحيح أن النكاح الخالي عن ذكر الصداق ينعقد موجبا للصداق تعبدا فلا يؤثر ذكر الصداق إلا في التعيين والتقدير فيفسد التعيين والتقدير ويبقى وجوب مهر المثل أو يبقى التقدير ويسقط التعيين حتى يرجع إلى قيمة الصداق إذا كان حرا أو مغصوبا وقال مالك رحمة الله عليه يفسد النكاح بفساد الصداق وقيل هو قول الشافعي رضي الله عنه ولا تفريع عليه
ثم لفساد الصداق أسباب ومدارك

الأول أن لا يكون قابلا للتمليك كالخمر والمغصوب والحر وحكمه بالرجوع إلىالقيمة على قول وإلى مهر المثل على قول
الثاني الشروط والأصل أن النكاح لا يفسد بكل شرط يوافق مقصوده كقوله بشرط أن أنفق عليك أو أجامعك ويفسد بكل شرط يخل بمقصود البضع كقوله نكحت بشرط أن أطلق أو لا أجامع وفيه وجه بعيد أنه لا يفسد به وأما الذي لا يخل بالمقصود ولكن يتعلق به غرض مقصود ويؤثر فيه كشرط أن لا يتسرى عليها وأن يمكنها من الخروج متى شاءت أو لا يجمع بينها وبين ضراتها في مسكن أو لا يقسم لها فهذه أغراض مقصودة وكل غرض مقصود فهو عوض مضاف إلى الصداق أو مقابل له فيؤثر في إفساد الصداق لا في إفساد النكاح وكذلك الشروط الفاسدة الخاصة بالصداق تفسد الصداق دون النكاح
ولو شرط الخيار ثلاثة أيام في الصداق فحاصل المنقول فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يصح الشرط ويثبت الخيار لأن الصداق في حكم عقد مستقل ولذلك لا ينفسخ النكاح بفسخه فيفرد بالخيار كالبيع
والثاني أنه يفسد ويفسد النكاح لأن إثبات الخيار في أحد العوضين يتداعى إلى الثاني
وهو ضعيف يلزم في سائر شروطه
والثالث أنه يفسد به الصداق دون النكاح لأن إثبات الخيار في الصداق بعيد وإذا لم يصح أفسد الصداق
فرع نقل المزني لفظين متقاربين وحكمين مختلفين فقال لو عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد لأن الألف الثاني ليس بمهر وقد اشترطه
ولو نكح امرأة بألف على أن تعطي أباها ألفا كان جائزا ولها منعه وأخذها منه لأنها هبة لم تقبض أو وكالة وكأن المزني جعل هذا كأنهعقد بألفين على أن توصل إلى أبيها من مالها ألفا فالتزم عملا لا يلزمه فيلغوه لكن اللفظ يكاد ينبو عنه فمن الأصحاب من قال المهر فاسد هاهنا أيضا لأنه عقد بألف بلا فرق بين الإضافة وبين الإعطاء ومنهم من قال في المسألتين قولان بالنقل والتخريج إذ الإضافة إلى أبيها أيضا مشعر بأنه يسلم له من جهتها الفا فهو كالإعطاء والصحيح الفرق وتقرير النصين
المدرك الثالث الفساد بتفريق الصفقة وفيه مسألتان
إحداهما أن يصدقها عبدا على أن ترد ألفا فقد جعل العبد مبيعا وصداقها فجمعبين صفقتين مختلفتين فيخرج على قولي تفريق الصفقة فإن أفسدنا كان تأثيره في إفساد الصداق وذكر الفوراني القولين في صحة النكاح وربما يعتضد ذلك بطرد الأصحاب القولين فيما لو جمع بين أجنبية ومحرم في صفقة واحدة إذ أفسدوا نكاح الأجنبية على قول لكنه ضعيف لأن الفساد تطرق هاهنا إلى بعض صيغة التزويج والصيغة لا تتبعض وهناك تطرق الفساد إلى لفظ الصداق
وإن فرعنا على صحة الصداق فلو تلف العبد قبل القبض استردت الألف ورجعت إلى مهر المثل على قول وعلى قول ترجع إلى قيمة الباقي باعتبار توزيع العبد على الألف ومهر المثل
ولو قبضت العبد فوجدت به عيبا وأرادت أن تفرد القدر المبيع أو الصداق بالرد ففيه قولا تفريق الصفقة ووجه جوازه أن جهة الصداق تباين جهة البيع فلم يكن كما لو اشترى عبدا ورد بعضه بالعيب فإن ذلك ممتنع لما فيه من الإضرار بالتوزيع
الثانية لو جمع بين نسوة في عقد واحد على صداق واحد فالنكاح صحيح وفي صحة الصداق قولان نص عليهما الشافعي رضي الله عنه وكذلك في الخلع
ونص على أنه لو اشترى عبدين من رجلين لكل واحد عبد بثمن واحد فالبيع باطل لجهالة الثمن ونص على أنه لو كاتب عبيده على عوض واحد فالكتابة صحيحة
فمن الأصحاب من قرر النصوص وقال البيع باطل لجهالة الثمن في حق كل واحد والكتابة صحيحة تشوفا إلى العتق إذ احتمل فيه مقابلة الملك بالملك فهذا أولى والصداق والخلع دائر بين الرتبتين ففيه قولان ومنهم من طرد القولين في الجميع وهو القياس ووجه قول الفساد الجهل بحق كل واحد ووجه الصحة معرفة الجملة وتيسير الوصول إلى التفصيل بالتوزيع لكنه لا خلاف أنه لو قال بعتك هذا العبد بما يقتضيه التوزيع من الألف إذا قسم على قيمته وعلى قيمة ذلك العبد الآخر لم يجز ذلك فأي فرق بين أن يدخل العبد الآخر في العقد أو لا يدخل والصفقة تعددت بتعدد البائع فالتصحيح بعيد في الجميع
التفريع إن قضينا بالصحة وزع الصداق على مهور أمثالهن وفيه وجه بعيد أنه يوزع على عدد الرءوس
وإن فرعنا على الفساد يرجع كل واحد منهم إلى مهر المثل على قول وإلى قيمة الصداق كما يقتضيه التوزيع على قول لأن هذا مجهول أمكن معرفته بخلاف ما لو أصدقها مجهولا لا يمكن معرفته فإنه يرجع إلى مهر المثل قولا واحدا
المدرك الرابع أن يكون الصداق بحيث لو قدر ثبوته لارتفع النكاح كما إذا قبل نكاح عبده وجعلرقبته صداقا فلو ملكت رقبته لانفسخ النكاح فيفسد الصداق ويفسد النكاح أيضا لأنه قرن النكاح بما يضاده لو ثبت بخلاف ما لو أصدق خمرا فضاهى هذا شرط الطلاق والفسخ وكان يحتمل تصحيح النكاح ولكن لا صائر إليه
المدرك الخامس أن يتضمن إثبات الصداق رفع الصداق كما لو زوج من إبنه امرأة وأصدقها أم ابنه فإنه لا بد من تقدير دخول الأم في ملك الابن حتى ينتقل إلى الزوجة صداقا ولو دخل في ملكه لعتق عليه ولما صار صداقا ففي إثباته نفيه ففسد بطريق الدور ولكن يصح النكاح
المدرك السادس أن يضمن إضرارا بالطفل كما لو قبل لابنه الصغير نكاحا بأكثر من مهر المثل أو زوج ابنته باقل من مهر المثل فيفسد الصداق وفي صحة النكاح قولان
أحدهما الصحة كسائر أسباب الفساد
والثاني الفساد لأنها إذا لم ترض إلا بأكثر من مهر المثل فكيف ترد إلى مهر المثل وكيف يصح العقد دون رضاها وكذلك إذا لم يرض زوج ابنته إلا بأقل من مهر المثل فكيف يلزمه مهر المثل هذا إذا زوج من ابنه بمال الابن فإن زوج وأصدق من ماله بزيادة على مهر المثل صح ولا نقول هذا يدخل في ملك الطفل ويصير تبرعا منماله لأنه لا مصلحة للطفل في إفساد هذا الصداق إذ يفوت عليه الكل فإذا كان يحصل ذلك ضمنا فلا نبالي بالزيادة
واختتام الباب بمسالة السر والعلانية فإذا تواطأ أولياء الزوجين على ذكر ألفين في العقد ظاهرا وعلى الاكتفاء بألف باطنا فقد نقل المزني قولين في أن الواجب مهر السر أو مهر العلانية واختار المزني أن الواجب مهر العلانية لأن ما جرى قبله وعد محض وما ذكره صحيح إذ لم يجز إلا الوعد فأما إذا تواطئوا على إرادة الألف بعبارة الألفين فيحتمل قولين مأخذهما أن الاصطلاح الخاص هل يؤثر في الاصطلاح العام وبغيره أم لا وفيه نظر
المدرك السابع مخالفة الآمر وذلك أن يقول للوكيل زوجني بألف فزوج بخمسمائة لا يصح النكاح لأنه لا يملك الوكيل إلا ما أذن له فيه ولم يؤذن له في هذا العقد بخمسمائة
فأما إذا قالت للوكيل زوجني مطلقا بزوج بأقل من مهر المثل فالصحيح فساد النكاح أيضا لأن المطلق في العرف يقتضي مهر المثل
ولو زوجها من غير المهر ففي الصحة قولان
أحدهما لا يصح لأن المطلق ينزل على النكاح بالمهر
والثاني الصحة لأنه طابق فعله إذنها
أما إذا زوج الوكيل أيضا مطلقا ولم يتعرض للمهر فيحتمل التصحيح والرجوع إلى مهر المثل لأنه طابق فعله إذنها ويحتمل الإفساد إذا كان مفهوم قولها في العرف ذكر المهر
وأما إذا ذكر خمرا أو خنزيرا ظهرت المخالفة فيظهر الإفساد وأما إذا أذنت للولي فالصحيح أن الولي في هذا المعنى كالوكيل لأنه غير مجبر وقيل إن الإذن يلحقه بالمجبر
ثم في تزويج المجبر بأقل من مهر المثل قولان وإنما ذكروا القولين أيضا في الوكيل حيث فوضت إليه مطلقا
أما إذا قدرت المهر وخالف فقطعوا بفساد النكاح وقيل بطرد القولين أيضا في الوكيل إذا فوض إليه مطلقا
فرع لو قالت زوجني بما شاء الخاطب فقال زوجتك بما شئت فالمهر مجهول والرجوع إلى مهر المثل إلا إذا عرف المزوج ما شاء الخاطب وقال القاضي وإن عرف فالصداق فاسد فإنه لم يتلفظ به
الباب الثالث في إخلاء النكاح عن المهر وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول فيما تستحقه المفوضة

ونعني بالتفويض تخلية النكاح عن المهر بأمر من إليه الأمر كما إذا قالت البالغة للولي زوجني بغير مهر فزوجها ونفى المهر أو سكت عن ذكره وكما لو زوج السيد أمته ونفي المهر أو سكت عنه ولا يتصور ذلك في صبية ولا مجنونة ولا سفيهة إذ ليس لأحد إسقاط مهورهن نعم إذا قالت السفيهة للولي زوجني بغير مهر تسلط الولي على التزويج بإذنها لكن عليه تزويجها بمهر المثل ولا يعتبر قولها في إسقاط المهر
ثم فيما تستحقه المفوضة طريقان
قال العراقيون لا تستحق بالعقد شيئا وتستحق بالوطء مهر المثل وهل تستحقبالموت قولان
أحدهما نعم لأن الموت مقرر كالوطء ولأن ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن المفوضة وقد مات زوجها فاجتهد شهرا ثم قال إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان أرى لها مهر نسائها والميراث فقام معقل بن سنان وقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في تزويج بروع بنت واشق الأشجعية بمثل قضائك هذا فسر به سرورا عظيما
والثاني أنها لا تستحق لأن تشبيه الموت بالطلاق أولى
ولا خلاف أنها لا تستحق الشطر عند الطلاق قبل المسيس وأما حديث معقل بن سنان فلم يقبله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقال كيف نقبل في ديننا قول أعرابي بوال على عقبيه
هذه طريقة العراقيين أما المراوزة ذكروا قولين في أنها هل تستحق بالعقد ووجه الاستحقاق أنها إذا استحقت عند الموت والموت لا يوجب بل يقرر فقد دل على أنه وجب بالعقد فكذلك الوطء وإن كان موجبا فإنما يوجب إذا لم يكن مستحقا أعني الوطء والوطء هاهنا مستحق بالعقد فلا يوجب شيئا وهذا بخلاف الوطء بالشبهة ولذلك لا يجب على السيد بوطء أمته شيء فوجوبه بالوطء يدل على وجوبه بالعقد
واتفق الأصحاب على أنها لا تستحق بالطلاق قبل المسيس لأن القياس سقوط الكلبالطلاق ولكن قال الله تعالى { فنصف ما فرضتم } فخصص بالمفروض
ولو أصدقها خمرا ورجعنا إلى مهر المثل تشطر ذلك في الطلاق لأنه مفروض صحيح في إثيات الأصل دون التعيين وذكر الشيخ أبو محمد أن مهر المثل في صورة التفويض أيضا يتشطر كذكر الخمر
واتفقوا على أنها تستحق بالوطء أيضا إلا القاضي حسين فأنه ذكر وجها انها لا تستحق مخرجا من قول الشافعي رضي الله عنه في المرتهن إذا وطء الجارية المرهونة بإذن الراهن على ظن أنه مباح إن المهر لا يجب مع ثبوت النسب والعدة وسقوط المهر لا مأخذ له إلا إسقاط من له الحق
فرع إذا قلنا تستحق المهر بالوطء فيجب باعتبار حالها يوم الوطء أو يوم العقد فيه وجهان ووجه اعتبار يوم يومئ إلى أن الأمر كان موقوفا فكأنا نقول العقد الخالي عن الوطء لا يوجب المهر والمفضي إلى الوطء يوجب ولكن لا يتبين إلابالآخرة فتحصل بالعقد ثلاثة أقوال
يجب
لا يجب
هو موقوف إلى أن يخلو عن المسيس أو يفضي إليه
الفصل الثاني في الفرض ومعناه وحكمه

اعلم أن المفوضة إذا قلنا إنها تستحق المهر إما بالعقد أو بالمسيس فمعناه أنها تستحق إما مهر المثل أو ما تراضى به الزوجان وما يتراضيان به فهو أولى فإن عجزنا عن ذلك رجعنا إلى مهر المثل لأن إيجاب المهر مع التصريح بنفيه تعبد والتعبد في أصل المهر لا في مبلغه لكن طلب ما لا يتعين مبلغه غير ممكن فلذلك يجب على الرجل تعيين المبلغ بالفرض ويحوز للمرأة أن تمنع نفسها في طلب الفرض على القولين جميعا
فأما إن قلنا إنها تستحق بالعقد فلها غرض في الفرض وهو تقرير الشطر عند الطلاق
وإن قلنا لا يجب فتستحق عند المسيس فلها أن لا تسلم نفسها إلا على ثبت نعم ليس لها حبس نفسها لتسليم المفروض في صورة التفويض لأنها أبطلت حقها إذ رضيت بغير مهر وإنما لها الفرض لنفي الجهالة عما أثبته الشرع أو تثبته ومن أصحابنا من ذكر وجها أن لها حبس نفسها لتسليم المفروض كما لها طلب الفرض وهو متجه
ثم لا خلاف في أن لهما فرض غير جنس الصداق وما يزيد على مهر المثل وما ينقص إذا لم يكن من جنس مهر المثل والصحيح أنه يجوز فرض الزيادة على مهر المثل وإن كان من جنسه ويجوز فرض المؤجل ولا يشترط علمهما بمهر المثل عند الفرض
ومن أصحابنا من ذكر في هذه المسائل الثلاث وجهين فكأنه يجعل مهر المثل أصلا والفرض بيانا له وتقديرا فيقول لا يمكن إثبات الأجل ابتداء ولا التزام زيادة على مهر المثل فإنه لا أصل له كما أنه لا تجوز المصالحة في دم العمد على ما تبين من الإبل إذا قلنا الواجب أحدهما لا بعينه وكأن مثل ذلك التردد جار هاهنا وهو أن الواجب مهر المثل أو المفروض أحدهما لا بعينه أو مهر المثل هو الأصل والفرض بناء عليه وتابع له والأصح أن الواجب أحدهما لا بعينه ولذلك جاز تعيين ما تزيد قيمته من غير جنس المهر لا على منهاج الاستبدال إذ لا يفتقر إلى إيجاب وقبول
فروع أربعة

الأول لو أبرأت قبل الفرض عن المهر صح على قولنا يجب بالعقد إن كان مهر المثل معلوما وإن كان مجهولا لم يصح في الزيادة على المستيقن وفي القدر المستيقن قولا تفريق الصفقة وإن قلنا لا يجب إلا بالوطء فهو كالإبراء عما لم يجب وجرى سبب وجوبه وفيه قولان ولا يكون إبراؤه مضادا للتعبد فإنه في حكم الاستيفاء
أما إذا قالت أسقطت حقي عن طلب الفرض فهذا يلغو لأن أصل الحق باق والفرض تابع له فصار ذلك كرضى التي آلى عنها زوجها فإن ذلك لا يسقط حقها
الثاني لو فرض لها خمرا أو خنزيرا لغا ولم يتشطر بسببه مهر المثل لأن المؤثر فرض صحيح أو مقرون بحال العقد فما لا يفيد تعيينا بعد العقد لم يؤثر في تغير العقد
الثالث لو امتنع من الفرض مع طلبها فللقاضي أن يفرض ولكن عليه أن لا يزيد على مهر المثل كيلا يتضرر الزوج وكأنه نائب عنه نيابة قهرية
الرابع لو فرض الأجنبي متبرعا ففي صحته وجهان
أحدهما يجوز وعليه المفروض كما له التبرع بأداء الصداق عنه دون إذنه
والثاني لا يجوز لأن هذا إظهار لمراد الطلب الذي يقتضيه العقد فلا يليق إلا بالعاقدين
الفصل الثالث في تعرف مهر المثل

والحاجة تمس إلى معرفة ذلك في المفوضة إذ لم يتفق فرض وفي الوطء بالشبهة وفي أخذ المهور بالشفعة وفي توزيع عند جمع نسوة في عقد واحد وفي مواضع
والأصل العظيم في مهر المثل النسب وينظر إلى مهر الأخوات للأب والعمات للأب ولا ينظر إلى البنات والأمهات إذ يختلف ذلك بنسب الآباء ويعتبر مع ذلك الكمال والعفة وسلامة الخلق وسائر الخصال إذا كانت الرغبة تزيد بذلك وتنقص فإن لم تكون نسيبة فمجرد النظر إلى هذه الخصال فإن هذا يجري مجرى معرفة القيم فينظر إلى الرغبات
فروع

الأول لو سمحت واحدة من العشيرة لم يلزم الباقيات ذلك إلا إذا شاع التسامح فيهن فيدل ذلك على قلة الرغبات
الثاني لو كن ينكحن بألف مؤجل فلا يمكن التأجيل في قيم المتلفات فالوجه أن ينقص من الألف ما يقتضيه العدول إلى النقض
الثالث لو كن يسامحن من يواصلهن من العشيرة فيلزم ذلك في العشيرة لا في غيرهم
وقال الشيخ أبو محمد رحمه الله لا يلزم ذلك لأن القيم لا تختلف بالأشخاص
الرابع الوطء بالشبهة يوجب المهر باعتبار يوم الوطء وكذلك في النكاح الفاسد لأنالعقد باطل فلا معنى لاعتباره نعم إن وطئها في العقد الواحد مرارا لا يلزم إلا مهر واحد لأن الشبهة شاملة وكذلك لو ظنها منكوحة ووطئها مرارا
ومهما تعددت الشبهة تعدد المهر
ولو أكره الغاصب الجارية على الوطء ووطئها مرارا لزمه بكل وطء مهر إذ لا شبهة حتى يعتبر شمولها
والأب إذا وطئ جارية الابن مرارا ولم تحبل فهل يقال شبهة الاعفاف شاملة فيكتفى بمهر واحد ففيه وجهان
ثم إذا اكتفينا بمهر واحد فلو كانت هزيلة في حال وسمينة في حال اعتبرنا حال زيادة المهر واكتفينا به والله أعلم
الباب الرابع في حكم تشطر الصداق بالطلاق قبل المسيس وفيه خمسة فصول
الفصل الأول في محله وحكمه

فنقول ارتفاع النكاح قبل المسيس لا بسبب من جهتها يوجب تشطر الصداق الثابت بتسمية مقرونة بالعقد صحيح أو فاسد أو يفرض بعد العقد في صورة التفويض ويستوي فيه الطلاق والفسخ والانفساخ إلا إذا كان الفسخ منها أو بعيب فيها أو بسبب من جهتها
وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يتشطر إلا مسمى صحيح في نفس العقد فأما المفروض بعد العقد الواجب في العقد بتسمية فاسدة فلا يتشطر ثم المذهب الصحيح أن معنى التشطير رجوع النصف إلى الزوج بمجرد الطلاق من غير اختيار وفيه وجه مشهور أن معناه ثبوت خيار الرجوع في الشطر بالطلاق مضاهيا لخيار الرجوع في الهبة ومن أصحابنا من قال يفتقر إلى قضاء القاضي وهو ضعيف جدا
ويتفرع على وجه الخيار أن الزيادة حادثة بعد الطلاق وقبل الاختبار تسلم للزوجة وأنه لو طلقها على أن لها كمال المهر يكون ذلك كإسقاط الخيار ويسلم لها كمال المهر وعلى الوجه الآخر ولا يؤثر الشرط في إسقاط الشطر ويحتمل ترددا في تصرفالمرأة بين الطلاق والاختيار وفي أنه لو أسقط الزوج خياره هل يسقط لتردد هذا الخيار بين خيار الواهب وبين خيار البيع وتشبيبه بخيار الواهب أولى
فرع لو تلف الصداق قبل الطلاق يرجع الزوج بنصف القيمة ولو تلف بعد الإقلاب إلى الزوج بآفة سماوية
قال المراوزة لا ضمان عليها وهو كما لو تلف الموهوب في يد المتهب بعد رجوع الواهب
وقال العراقيون هو مضمون عليها لأنه عوض عن البضع الذي رجع إليها بالطلاق فصار كالمبيع إذا تلف بعد الفسخ
والمراوزة يقولون إن الطلاق كالإعتاق وهو تصرف معناه تقرير النكاح وقطع موجبه فليس يعود الشطر لعود البضع بخلاف البيع ومساق الطريقين يقتضي أن يكون الصداق مضمونا في يدها لو تلف بعد الفسخ بالعيب وكل فسخ يستند إلى أصل العقد والانفساخ بردته بالطلاق أشبه إذ لو كان رجوع المهر بطريق تراد العوضين لرجع جميع الصداق إليه لا شطره ولو انفسخ بردتها أو بسبب آخر لا يستند إلى العقد ولا يتشطر وهو في محل الاحتمال والتردد والله تعالى أعلم
الفصل الثاني في تغييرات الصداق التي توجب رد الحق إلى القيمة أو الخيار

والتغير إما أن يكون بنقصان محض أو بزيادة محضة أو نقصان من وجه وزيادة من وجه
أما النقصان المحض فكالتعيب الحاصل في يدها قبل الطلاق فلذلك يوجب الخيار بعد الطلاق فللزوج أن يطالب بنصف قيمة السليم فإن رجع إلى عين الصداق فعليه أن يقنع بالمعيب بخلاف ما لو اشترى عبدا بثوب فرد الثوب بالعيب والثوب معيب فإنه يطالب بالأرش ويأخذ الثوب وهذا الفرق يمكن على طريق المراوزة حيث لم يجعلوا الصداق مضمونا في يدها ولكن مع ذلك يشكل فإنه لو تلف قبل الطلاق ضمنة القيمة فمن هذا خرج بعض الأصحاب وجها أنه يطالب بأرش العيب ويأخذ العين إن شاء
هذا إذا تعيب في يدها فإن تعيب في يد الزوج فعليه أن يقنع بالمعيب لأنه تلف من ضمانه إلا إذا كان بجناية أجنبي وأخذت الأرش فإن له أن يسترد نصف الأرش لأنه خلف عن الفائت وقال القاضي حسين لا يرجع بالأرش لأنه كزيادة منفصلة في حق المرأة والفوات كان من ضمان الزوج فلا يعتبر في حقه لإقامة الأرش مقامه
أما الزيادة المحضة فالمنفصلة منها كالولد واللبن والثمر فتسلم لها ولا حق للزوج فيها
والمتصلة تبطل حق الرجوع بالعين إلا برضاها فإن منعت غرمت قيمة النصف قبل ظهورالزيادة وإن سمحت أجبر الزوج على القبول ولم يكن له الامتناع حظرا من المنة لأنه في حكم البائع والمشكل أن الزيادة المتصلة لا تمنع الرجوع في الرد بالعيب وكذلك ينبغي أن يكون في فسخ النكاح بالعيب ولعل السبب فيه أن الفسخ يرفع العقد من أصله بالإضافة إلى حينه فلا يبقى حق في الزيادة وأما هاهنا فالزيادة حصلت على ملكها والطلاق سبب مستأنف لا استناد له إلى العقد فإبطال حقها من الزيادة غير ممكن وعند هذا ينبغي أن تلحق ردته بالطلاق وفي الانفساخ بردتها تردد العراقيون لأنه غير مستند إلى سبب في العقد
أما إذا زاد من وجه ونقص من وجه فلكل واحد منهما الخيار فإن أبى الزوج قبول العين فله نصف القيمة وإن أبت المرأة التسليم كان على الزوج قبول نصف القيمة ومثاله أن يكون الصداق عبدا صغيرا فكبر وترعرع فالزيادة لقوته وكبره والنقصان لزوال طراوته وكذا النخل إذا أرقلت وبسقت لكن قل ثمرها فهي زيادة في الجرم ونقصان في الفائدة ولسنا نشترط في هذه الزيادة ما يزيد في القيمة بل ما يرتبط به غرض صحيح فإن العبد الكبير وإن لم تزد قيمته فإنه يصلح لأغراض لا يصلح له الصغير
ولتعلم أن الثمار في الأشجار زيادة محضة والحمل في الجارية زيادة من وجه ونقصان من وجه وفي البهائم زيادة من وجه وهل فيها نقصان ترددوا فيه والظاهر أنه إن كان مأكولا كان نقصانا لأنه يظهر أثره في اللحم لا سيما إذا تكرر والزرع في الأرض نقصان محض إذ يبقى الزرع لها وتكون الأرض ناقصة القوة والحراثة في المزارع زيادةمحضة وفي مواضع البناء نقصان محض والغرس في معنى الزرع
هذه قاعدة الفصل ويتهذب مقصوده برسم مسائل
المسألة الأولى لو أصدقها نخيلا فأثمرت في يدها وطلقها قبل الجذاذ فيعسر في هذه الصورة التشطير إذ تبقى الثمار خالصة لها وتصير الأشجار مشتركة وإن ترك السقي تضرر الثمر والشجر لامتصاص الثمرة رطوبة الشجرة وإن سقى انتفع الثمر والشجر وليس الكل مشتركا حتى يشتركا في السقي فلا يمكن فصل هذه الواقعة إلا بمسامحة أحد الجانبين أو موافقة فإنه لو أراد أن يأخذ نصف الأشجار ويكلفها قطع الثمار في الحال لم يلزمها لأنها تستحق إبقاء الثمرة إلى الجذاذ وكذلك لو كلفها هبة شطر الثمار منه ليكون الكل مشتركا وكذلك لا يمكنه أن يكلفها السقي إذ ليس عليها أن تنفع نصيبه من الشجر ولا ترك السقي إذ يضر ثمرتها وكذلك ليس لها أن تكلفه تأخير الملك إلى أوان الجذاذ ولا أن يسقي ولا أن يترك السقي لما ذكرناه
أما المسامحة فلها صور

إحداها أن يقول الزوج أرجع إلى نصف الشجر ولا أسقي وإليك الخيرة إن شئت فاسقي وإن شئت فاتركي السقي فلا تلزمها الإجابة لأنها تتضرر بترك السقي وتنفع شجره بالسقي وكذلك مسامحتها على هذا الوجه لا تقتضي لزوم الإجابة
الثانية أن يقول الزوج آخذ نصف الشجر وأسقي بنفسي أو قالت المرأة ارجع إلى النصف وأنا التزم السقي ففي وجوب الإسعاف وجهان
أحدهما نعم لأنه اندفع العسر بالمسامحة والالتزام
والثاني لا لأنه وعد لا يلزم الوفاء به ولأن المرأة ربما خافت على ثمارها بدخوله البستان أو خاف على الشجر بدخولها
فإن قلنا يجاب فلو رجع وترك السقي نتبين أن الملك لم ينقلب إليه في النصف لأنه كان موقوفا على الوفاء بالوعد وإن قلنا لا يجاب فتسلم القيمة ثم إن وفى بالوعد ففي رد القيمة والرجوع إلى العين تردد والظاهر أنه لا يرد إذ يبعد منع الحكم بعد إثباته
الثالثة أن تبادر إلى قطع ثمارها وذلك يقطع العسر فإن وهبت نصف الثمار منه حتى يصير الكل مشتركا ففي وجوب الإجابة وجهان وجه المنع ما فيه المنة ووجه الإيجاب الضرورة وهذه الضرورة لا تجري في الأرض المزروعة إذ الأرض لا تنتفع بالسقي فإذا رجع في نصف الأرض كان عليها السقي لخاص زرعها
ويجري هذا العسر فيما لو أصدقها جارية فولدت فطلقها والولد رضيع لأنه لو رجع إلى نصف الجارية تضرر الولد بقطع الرضاع فإن قال رضيت بأن تبقى مرضعة إلى الفطام فهذا وجه المسامحة ففي وجوب الإجابة وجهان
وأما الموافقة فلها صورتان

إحداهما أن يلتزم أحدهما السقي برضا صاحبه فهذا تواعد منهما فإن وفيا فذاك وإلا تبين أن الملك لم يحصل في الشطر
الثانية أن يتراضيا على أن يأخذ الزوج نصف النخل ولا يلتزم واحد منهما سقيا بل يترك السقي أو يسقي من شاء متبرعا فلو ندم أحدهما وقال أريد السقي لم يمكن منه بخلاف ما إذا التزم السقي ثم ندم لأن هذا إسقاط حق والتزام ضرار فيلزم
وأما التزام السقي فوعد لا يلزم قبل التسليم
المسألة الثانية إذا أصدقها جارية حاملا فولدت ثم طلقها فيرجع إلى نصف الولد إن قلنا إنه يقابل بقسط من الثمن وقيل لا يرجح لأن أكثر القيمة حصل بالانفصال في ملكها وهذه الزيادة حصلت في يدها وهي لها ولا يمكن تمييز قيمة الجنين عن المنفصل إذ لا قيمة للجنين وإن قلنا لا يقابله قسط من الثمن فنسلم الولد لها
المسألة الثالثة لو أصدقها حليا وكسرته وأعادته صنعة أخرى فهو زيادة من وجه ونقصان من وجه فلها الخيار فإن أعادت تلك الصنعة بعينها فهل لها الامتناع من تسليم النصف فيه وجهان
أحدهما لا كما إذا كانت سمينة فهزلت ثم عادت سمينة
والثاني لها المنع وهو اختيار ابن الحداد لأنها زيادة حدثت باختيارها
التفريع إن قلنا يرجع بنصف القيمة فالصحيح أنه يرجع بنصف القيمة مع الصنعة
وقيل إنه يرجع إلى مثل نصف تبر من الحلي وزنا بوزن ثم تغرم المرأة نصف أجرة الصنعة من نقد البلد
المسألة الرابعة لو أصدق الذمي زوجته خمرا فقبضت ثم أسلما فانقلب خلا فطلقها ففيه وجهان
أحدهما وهو قول ابن حداد أنه يرجع بنصف الخل
والثاني أنه لا يرجع لأن هذا مالية جديدة ومالية الخمر قبلها لا تعتبر في الإسلام فكيف يرجع فيها وهو لا يرجع في زيادة منفصلة
التفريع إن قلنا يرجع فلو أتلفت الخل ثم طلقها قال الخضري يرجع بمثل بنصف الخل لأنه من ذوات الأمثال
وقال ابن الحداد لايرجع بشيئ لأنه في التلف ينظر إلى قيمة يوم الإصداق أو القبض ولم يكن خلا ذلك اليوم حتى يجب مثله ولا هو موجود في الحال حتى يرد عينه
ولو أصدقها جلد ميتة فدبغته فمنع الرجوع هاهنا أولى إذ حصلت المالية باختيارها
فإن قلنا يرجع فقول ابن الحداد في أنه لا يرجع عند التلف هاهنا أظهر لأنه لا مثل له فتتعين قيمته يوم القبض ولا قيمة له إذ ذاك
المسألة الخامسة لو أصدقها دينا ثم سلم فطلق فليس لها منعه من عين ما سلم وإن لميكن متعينا في العقد لأنه أقرب إلى حقه لا محالة وقيل إن لها الإبدال فإن العقد لم يرد عليه بعينه
المسألة السادسة لو أصدقها تعليم القرآن فلم يتفق حتى طلقها فقد عسر التعليم وبقي في ذمته الشطر وتعسر تعيين شطر القرآن إذ سوره تختلف في العسر واليسر وكذلك خياطة نصف الثوب تعسر إذا أصدقها الخياطة فلها نصف مهر المثل على قول ضمان العقد وعلى القول الثاني نصف أجرة الخياطة أو التعليم
قاعدتان ينعطف حكمهما على المسائل

الأولى أنا حيث أثبتنا الخيار من الجانبين فلا نحكم بالملك قبل الاختبار وإن فرعنا على الأصح في أن الصداق يتشطر بنفس الطلاق ولكن ننتظر ما يجري من اختيار أو توافق ولا يكون هذا الخيار على الفور بل هو كخيار الرجوع في الهبة وإذا ثبت لها الخيار لم يسقط بالتأخير بل للزوج المطالبة بحقه إما القيمة وإما العين فإن أبت حبس القاضي عين الصداق عنهما وامتنع تصرفها كما في الرهن
وإذا ثبت الخيار لها في صورة الزيادة المتصلة وأصرت على المنع باع القاضي من نصف الصداق ما بقي بنصف القيمة دون تقدير الزيادة فإن كان لا يشتري النصف بأكثر من نصف القيمة فلا فائدة في البيع فالصحيح أنه يسلم إليه ولكن لا يملكه ما لم يقض له القاضي به لأنه يدرك بالاجتهاد وفي نص الشافعي رضي الله عنه على هذا غلط من غلط حيث اعتبر القضاء في أصل التشطير
والثانية إذا مست الحاجة إلى القيمة فأي قيمة تعتبر
ينظر إن تلف في يدها بعد الطلاق وقلنا إنه مضمون عليها فيعتبر يوم التلف أما إذا تلف من قبل أو امتنع الرد إليه لعيب أو زيادة فالواجب عليها أقل قيمة من يوم الإصداق إلى الإقباض لأنه إن نقص قبل الإقباض فهو من ضمان الزوج فلا يحسب عليها وإن كان يحتمل أن يقال إن كان المانع هو الزيادة والعين قائمة تعتبر حالة التقويم لكن قدرت الزيادة كالمفوت للرجوع
الفصل الثالث في التصرفات المانعة من الرجوع

وفيه مسائل
إحداها إذا زال ملكها بجهة لازمة من بيع أو هبة أو عتق امتنع الرجوع وتقرر القيمة
وإن تعلق به حق لازم من غير زوال ملك كرهن أو إجارة فليس له الفسخ وله طلب القيمة في الحال فإن قال أنتظر الفكاك للرجوع فلها إجباره على قبول القيمة خيفة من غرر الضمان إن قلنا إن الصداق بعد الطلاق مضمون في يدها
وإن قلنا لا ضمان أو أبرأها من الضمان حيث نصحح الإبراء عن ضمان ما لم يجب فهل تلزمها الإجابة فيه وجهان ومنشؤهما أن هذا وعد وربما يبدو له المطالبة بالقيمة وتخلو يدها في ذلك الوقت عن النقد وإن قلنا لا يلزمها الإجابة فلو لم تتفق المطالبة حتى انفك فهل له الآن التعلق بالعين فيه وجهان
أحدهما نعم لأنه لا مانع

والثاني لا إذ المانع نقل حقه إلى القيمة فلا ينقض بعده
الثانية لو أصدقها عبدا فدبرته ثم طلقها نقل المزني أنه تتعين القيمة فاختلفالأصحاب على ثلاث طرق
منهم من قطع بأنه غلط لأن التدبير لا يمنع إزالة الملك اختيارا فكيف يمنع الرجوع قهرا ومنهم من قرر النص وقال التدبير قربة مقصودة فلا يتقاعد عن زيادة متصلة مقصودة لا تؤثر في زيادة القيمة فإنها تمنع الرجوع قهرا ومنهم من قال المسألة على قولين ينبنيان على أن التدبير وصية أو تعليق
فإن قلنا تعليق فيمتنع الرجوع لأن إبطال التعليق بالتصريح به ممتنع وهذا البناء ضعيف فإن التعليق لا يمنع البيع فكيف يمنع التشطير
ثم اختلف المقررون للنص في أن صريح تعليق العتق هل يكون كالتدبير وأن الوصية بالعتق للعبد هل تكون كالتدبير وأن التدبير هل يمنع الرجوع في الهبه ورجوع البائع في العوض المتسرد عن رد المعوض بالعيب والأظهر أنه لا يمنع
الثالثة إذا أصدقها صيدا والزوج محرم عند الطلاق فإن قلنا إنه يحتاج إلى الاختيار فهو كشراء المحرم للصيد وفيه خلاف وإن قلنا ينقلب إليه فهاهنا وجهان
أحدهما أنه ينقلب إليه لأنه ملك قهري فهو كالإرث
والثاني أنه كالشراء لأن الطلاق إلى اختياره
فإن قلنا لا ينقلب فيرجع إلى نصف القيمة وإن كان المانع من جهته وإن قلنا ينقلب فكيف يجب إرسال نصف الصيد أو كيف يمسك ونصفه لمحرم وفيه خلاف يبنى على أن المقدم عند التزاحم حق الله تعالى أو حق الآدمي أم يتساويان فإن قدمنا حق الله وجب على الزوج الإرسال وغرم قيمة نصيبها وإن قلنا حق الآدمي بقي ملكا للمحرم للضرورة وإن قلنا يتساويان فإليهما الخيرة فإن أرسله الرجل برضاها غرم لها وإلا بقي مشتركا
الرابعة إذا زال ملكها بغيب أو هبة لازمة ثم عاد فهل يمتنع الرجوع فيه قولان مأخذهما أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد وإن كان الطارئ هو الرهن والإجارة فإذا زال لم يمتنع الرجوع

وترددوا في الكتابة والتدبير والصحيح أنهما بعد الانقطاع لا يمنعان الرجوع عند الطلاق
الفصل الرابع فيما لو وهبت الصداق من زوجها ثم طلقها

ونقدم عليه مقدمتين
إحداهما أن الله تعالى قال { فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح }
أما عفوهن فمعلوم أنه يوجب سقوط حقهن عن النصف الباقي إذا كان الصداق في الذمة
أما الذي بيده عقدة النكاح فقد اختلفوا فيه
فمذهب ابن عباس وهو القول القديم أن المراد به الولي دون الزوج لأنه ذكر الأزواجبصيغة المخاطبة فقال { فنصف ما فرضتم } وهذا بصيغة المغايبة ولأنه عطف على عفوها فليحمل على من يوجب عفوه سلامة الصداق له
ومذهب علي وابن جريج وابن المسيب رضي الله عنهم أن المراد به الزوج وهو الجديد لأنه ذكر عفوها الموجب لخلوص الجميع له ثم ذكر عفوه الموجب لخلوص الجميع لها وهذا يؤيد قول الحاجة إلى الاختيار ولأنه قال { أقرب للتقوى }
وعفو الولي لا يوصف بذلك
التفريع
إن منعنا عفو الولي وهو القياس فلا كلام وإن أثبتنا عفوه فهو مقيد بخمس شرائط
أن يكون الولي مجبرا كالأب والجد
وأن لا تكون مالكة أمر نفسها
وأن يكون قبل المسيس فأما ما بعده تعطيل لحقها
وأن يكون بعد الطلاق لا قبله فإن كان معه بأن اختلعها بالمهر ففيه تردد والأظهر أنه كالمتأخر
وأن يكون الصداق دينا إذ لفظ العفو إنما يستعمل فيه لا في العين وقال الشيخ أبو محمد العين في معنى الدين في حكم القياس والمصلحة لأنه جوز رخصة لتخليصها إذا مست الحاجة إليه ثم اختلف الأصحاب في ثلاث مسائل
إحداها أنه هل يعفو مهر الصغيرة المجنونة فقيل نعم للعموم وقيل لا لأن الغرض تخليصها لتنكح غيره وهذه لا يرغب فيها
الثانية البكر البالغ قيل يعفو عن مهرها للعموم وقيل لا لأنها مالكة أمر نفسها وعلى هذا ينبني أن الولي هل يستقل بقبض صداقها وكأن من جوز ذلك سحب ولايته على عوض البضع لتعلقه بالبضع
الثالثة البكر الصغيرة إذا زوجت وثابت في صلب النكاح بوطء شبهة فالظاهر أنه ليس للولي العفو لأن عقدة النكاح ليست بيده الآن
المقدمة الثانية في ألفاظ العفو إذا كان الصداق دينا يسقط بلفظ العفو والإبراء ولا يحتاج إلى القبول على الصحيح ولو قالت وهبت فهل يفتقر إلى القبول فيه وجهان وإن كان عينا لم يسقط بلفظ الإبراء وإن قبل وفي لفظ العفو تردد والأشهر أنه كلفظ الإبراء وقال القاضي يكفي ذلك في الصداق خاصة لعموم الآية
رجعنا إلى المقصود فنقول في رجوع الصداق إلى الزوج قبل الطلاق خمس صور
إحداها أن يكون بمعاوضة فإذا طلق رجع إلى القيمة سواء كان محاباة أو بثمن المثل
الثانية أن يرجع بهبة وهل يمنع الرجوع بالقيمة عليها فيه قولان
الثالثة أن يكون دينا ورجع بالإبراء فطريقان
منهم من قطع بأنه لا يرجع بالقيمة
ومنهم من قال قولان
الرابعة أن يكون بهبة الدين وفيه قولان مرتبان وأولى بالرجوع
الخامسة أن يكون بهبة الدين المقبوض وفيه قولان مرتبان وأولى بأن يرجع
توجيه أصل القولين

من قال لا يرجع جعل هبة الصداق كتعجيل رده إليه قبل الطلاق ومن قال يرجع أنكر أن تكون الهبة تعجيلا إذ لو صرح بالتعجيل لم يصح بل الهبة سبب مستأنف لا يغير حكم الطلاق وترتيب الإبراء على الهبة سببه أن الإبراء يضاهي الإسقاط من وجه ولكن لا يشترط فيه القبول في ظاهر المذهب ويجري القولان في الفسوخ وكل جهة تقتضي الرجوع إلى عوض حتى لو باع عبدا بجارية فوهب منه العبد ثم أراد رد الجارية بالعيب لم يجز له طلب قيمة العبد على هذا القول ويمتنع بسببه رد الجارية عند بعضهم لعروه عن الفائدة
فرعان

أحدهما لو وهبت من الزوج نصف الصداق ثم طلقها فإن قلنا الهبة لا تمنع الرجوع فله الرجوع بالنصف وفي كيفيته ثلاثة أقوال
أحدها أنه يرجع إلى النصف الباقي ليخلص له الكل وانحصر هبتها في نصيبها وهو المستيقن وهذا يعرف بقول الحصر
والثاني أنه يرجع إلى نصف الباقي وربع قيمة الجملة إذ لا بد من الإشاعة فإن الحصر تحكم
والثالث أن الإشاعة حق ولكن تؤدي إلى تبعيض حق الزوج فله الخيار إن شاء طلب قيمة النصف وإن شاء رجع إلى نصف الباقي وربع قيمة الجملة
وتجري الأقوال فيما لو أصدقها أربعين من الغنم فأخرجت واحدة للزكاة ثم طلقها ففي قول يرجع إلى عشرين من الباقي وتنحصر زكاتها في نصيبها وفي قول يرجع إلى نصف الباقي وبقية القيمة
وفي قول يتخير بين ذلك وبين قيمة العشرين وكذلك تجري فيما لو وهبت النصف من الأجنبي
أما إذا فرعنا على أن الهبة تمنع الرجوع فإن قلنا بالحصر
فمنهم من حصر الهبة في جانبها وأثبت للزوج الرجوع بالنصف الباقي ليخلص له الكل
ومنهم من حصر الهبة في جانبه وجعل الموهوب كأنه المعجل فلا يبقى له حق في التشطير فكأنه عجل ما يستحق من النصف بالطلاق قبل المسيس
وإذ قلنا بالإشاعة رجع إلى النصف الباقي وهو ربع الجملة ولا يجري قول الخيار لأناعلى هذا القول نعني على قول منع الرجوع جعلناها معجلة للربع فيضاف الربع الباقي إليه
الفرع الثاني إذا اختلعت المرأة قبل المسيس بعين الصداق فينبغي أن تقول اختلعت بالنصف الذي يبقى لي فإن قالت اختلعت بالنصف مطلقا فعلى قول الحصر ينحصر في نصفها ويصير كما لو صرحت بما يبقى لها وعلى قول الشيوع يفسد نصف العوض وفي الباقي قولا تفريق الصفقة فإن جوزنا تفريق الصفقة سلم للزوج من الصداق ثلاثة أرباعه نصف بحكم التشطير وربع بحكم الخلع ويرجع إلى قيمة الربع الباقي أو إلى نصف مهر المثل لأن ربع الصداق هو نصف عوض الخلع وفيه القولان المذكوران في فساد الصداق
الفصل الخامس في المتعة

وقد قال الله تعالى { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } فهي واجبة عندنا وعند أبي حنيفة رحمه الله وقال مالك إنها مستحبة
والنظر في محل وجوبها وقدرها أما المحل فالنظر في المطلقات وأنواع الفراق أما المطلقات فثلاثه ثلاثة أقسام
إحداها المطلقة المفوضة وهي تستحق المتعة مهما طلقت قبل الفرض والمسيس إذ ليس لها نصف مهر وفيها ورد القرآن
الثانية مطلقة استحقت شطر المهر قبل المسيس فلا تستحق المتعة لأنهما كالمتعاقبين في نص القرآن
الثالثة وهي التي استقر مهرها بالمسيس ففيها قولان
أحدهما لا تستحق إذ سلم لها جميع المهر
والثاني تستحق لأن جميع المهر في مقابلة البضع فكأنها لم تستحق للإبتذال شيئا
وأما أنواع الفراق ففي معنى الطلاق فراق العان لأنه يتعلق بمجرد لعانه وكذا ردته وكل فراق مشطر للمهر فيوجب المتعة إذا لم يشطر
وأما ما يستند إليها كفسخها بعيبه أو فسخه بعيبها فلا يوجب المتعة
ونقل المزني في فسخها بجبه أنه يثبت المتعة واتفقوا على تغليطه
وأما الخلع فقد ترددوا فيه من حيث إنه مشطر ولكنه يتعلق برضاها وجانبها
وأما ما لا يتعلق بالجانبين كالانفساخ برضاع محرم فيوجب المتعة لأنها تأذت بالفراق وإن لم يؤذها الزوج وكأن المتعة جبر لأذى الفراق إذا لم يجبر بالمهر
وأما المتوفى عنها زوجها فلا خلاف في أنها لا متعة لها لأنها متفجعة لا مستوحشة
النظر الثاني في قدرها وفيه وجهان

أحدهما أن أقل ما يتمول به يعني فلا تقدير فيه
والثاني أنه يجتهد فيه القاضي فما يراه لائقا بالحال يقدره وقيل ينظر القاضي الى حاله في اليسار والإعسار وقيل بل إلى حالها ومنصبها
والصحيح أنه ينظر إليهما جميعا وقال الشافعي رضي الله عنه يفرض القاضي لها مقنعتا أو خاتما أو ثوبا والأصل أنه لا ضابط فيه إلا الاجتهاد كما في التعزيزان فإنها على قدر الجنايات وعلىقدر أخلاق الجناة في الغرامة والسلامة
ثم لا يزاد في المتعة على نصف المهر كما لا يزاد التعزير على الحد ثم إن لم يكن في النكاح مهر فمرد المتعة إلى نصف مهر المثل فلتنقص عنه
الباب الخامس في النزاع في الصداق

وفيه مسائل خمس
الأولى إذا تنازعا في مقدار الصداق أو جنسه أوصفته كما وصفانه في البيع تحالفا وإن كان بعد الموت جرى التحالف مع الوارث لكن الوارث النافي يحلف على نفي العلم والمثبت يحلف على البت وكذلك يجري التحالف بعد ارتفاع النكاح لأن الصداق مستقل بنفسه وفائدة التحالف فيه انفساخ الصداق والرجوع على مهر المثل إلى الأقوال كلها لأن منشأ التحالف الجهل بمقدار الصداق فلا يمكن الرجوع إلى القيمة
وقال ابن خيران إذا كان ما تدعيه المرأة أقل من مهر المثل فلا ترجع إلى مهر المثل بل يكفيها ما تدعيه وهو بعيد لأن رجوعها إلى المهر بجهة الفسخ يخالف جهة الدعوة
ولو ادعت المرأة التسمية وأنكر الزوج أصل التسمية تحالفا وإنما يفيد ذلك إذا ادعت زيادة على مهر المثل وفيه وجه أن القول قوله لأن الأصل عدم التسمية وهو ضعيف لأن حاصل النزاع يرجع إلى أن الثابت مهر المثل أو أكثر
الثانية لو اعترف الزوج بالنكاح وأنكر أصل المهر أو سكت عنه قال القاضي لها مهر المثل ولكن نحلفها لأن الظاهر معها وزاد فقال لو قال هذا الصبي ابني من فلانة فلها مهر المثل إن حلفت لأن الظاهر أن الولد يكون من وطء محترم فإن استدخال الماء بعيد وما ذكره فيه نظر لأن هذا يدل على أصل المهر فأما مقداره فلا يدل عليه فإن إنكاره أصل المهر أبلغ من إنكاره بعض المهر وذلك يوجب التحالف نعم ما ذكره يستمد من مذهب أبي حنيفة رحمه الله حيث قال لو تنازعا وكان ما تدعيه المرأة مقدار مهر المثل فالقول قولها ولا تحالف ونحن لا ننظر إلى ذلك
الثالثة لو تنازع الزوج وولي الصبية في مقدار المهر هل يتحالفان فيه وجهان ووجه تحليف الولي أنه مقبول الإقرار فيه فلا يبعد أن يحلف وحيث لا يقبل إقراره فلا يحلف
ويجري هذا الخلاف في الوصي والقيم والوكيل فيما يتعلق بإنشائهم أما إذا ادعى الولي على إنسان أنه أتلف مال طفل فنكل المدعي عليه فالظاهر أنه لا ترد اليمين على الولي لأنه لا يتعلق بإنشائه ولكن لا يقضى بنكوله عليه ويتوقف إلى بلوغ الصبي حتى يحلف وعن هذا قال بعضهم لا تعرض اليمين عليه بل يتوقف في أصل الخصومة لأنه لا يعجز عن النكول ومن أصحابنا من قال ترد اليمين على الولي هاهنا أيضا فلو نكل هل يقضى على الطفل بنكوله أم له أن يحلف بعد البلوغ فيه وجهان
الرابعة لو ادعت ألفين في عقدين أحدهما يوم الخميس والآخر يوم الجمعة وأقامت البينة استقحت وحمل على تخلل الطلاق فإن ادعى الرجل أن الطلاق قبل المسيس ليسقط النصف وما أقامت بينة على المسيس قلنا له النكاح مثبت للكل وعليك بيان المسقط
الخامسة لو كان في ملك الرجل أبوها وأمها فأصدقها أحدهما على التعيين لكن تنازعا فقالت المرأة أصدقتني الأم وقال الزوج أصدقتك الأب تحالفا وفيه وجه أنهما لا يتحالفان لأن الصداق عقد مستقل بنفسه ولم يتفقا على صداق واحد فهو كما لو قال بعتني الجارية بدينار فقال بل بعتك العبد بدرهم فإنهما لا يتحالفان وهذا ضعيف لأن الصداق له حكم الأعواض
ثم لو تحالفا رجعت إلى مهر المثل ورقت الأم وعتق الأب على الزوج بإقراره ولا يرجع إليها بقيمته لأنها منكرة وولاؤه موقوف إذ لا مدعي له
ولو حلف الزوج ونكلت المرأة رقت الأم وحكم بأن الصداق هو الأب وعتق ولا ولاء لها لإنكارها
أما إذا قال الزوج أصدقتك الأب ونصف الأم وقالت بل أصدقتهما جميعا فإذا تحالفا رجعت إلى مهر المثل وعتق الأب لأنه متفق عليه وعليها قيمته وعتق نصف الأم والباقي يعتق بالسراية إن كانت موسرة
وقد تم كتاب الصداق ونردفه بباب في الوليمة والنثر على ترتيب الشافعي رضي الله عنه وفيه فصول ثلاثة
الوليمة والنثر
الفصل الأول في وجوبها ووجوب الإجابة

فنقول الوليمة عبارة في اللغة عن مأدبة سببها سرور من ختان أو قدوم أو إملاك لكنا نريد به مأدبة العرس فإن الأمر فيه مؤكد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك الوليمة في حضر ولا سفر وأولم على صفية بسويق وتمر في السفر وقال لعبد الرحمنابن عوف أولم ولو بشاة
وقال الشافعي رضي الله عنه في سائر الدعوات من تركها لم يبن لي أنه عاص كما تبين لي في وليمة العرس فاختلف الأصحاب فمنهم من قال فيه قولان ومنهم من قطع بأنه لا تجب وحمل الأمر على الاستحباب وحمل كلام الشافعي رضي الله عنه على ترك الإجابة إلى الوليمة ومنهم من قطع بأن الإجابة أيضا لا تجب وحمل قوله عليه
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11