كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

2 - ( باب ابتداء الوضوء )

5 - أخبرنا مالك أخبرنا عمرو ( 1 ) بن يحيى بن عمارة ( 2 ) بن أبي حسن المازني ( 3 ) عن أبيه يحيى ( 4 ) أنه سمع ( 5 ) جده أبا حسن ( 6 ) يسأل ( 7 ) عبد الله بن زيد بن عاصم ( 8 ) وكان ( 9 ) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هل تستطيع ( 10 ) أن تريني ( 11 ) كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ قال عبد الله بن زيد : نعم ( 12 ) فدعا بوضوء ( 13 ) فأفرغ ( 14 ) على يديه فغسل يديه مرتين ( 15 ) ثم مضمض ( 16 ) ( 17 ) ( 18 ) ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين ( 19 ) مرتين ( 20 ) ثم مسح ( 21 ) من مقدم رأسه حتى ذهب بهما ( 22 ) إلى قفاه ( 23 ) ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ ثم غسل رجليه ( 24 )
قال محمد : هذا حسن ( 25 ) والوضوء ثلاثا ثلاثا ( 26 ) أفضل ( 27 ) والاثنان يجزيان والواحدة إذا أسبغت ( 28 ) تجزئ أيضا ( 29 ) وهو ( 30 ) قول أبي حنيفة
_________
( 1 ) بفتح العين وثقه النسائي وأبو حاتم قاله السيوطي
( 2 ) بضم العين وخفة الميم
( 3 ) بكسر الزاي من بنى مازن صفة لعمرو
( 4 ) وثقه النسائي قاله السيوطي
( 5 ) قوله : سمع وقع في رواية يحيى الأندلسي عن مالك أنه - أي : يحيى بن عمارة - قال لعبد الله بن زيد فنسب السؤال إليه وهو على المجاز
( 6 ) قوله : جده أبا حسن قيل : اسمه كنيته لا اسم له غير ذلك وقيل اسمه تميم بن عبد عمرو وهو جد يحيى بن عمارة والد عمرو بن يحيى شيخ مالك مدني له صحبة يقال : إنه ممن شهد العقبة وبدرا كذا في " الاستيعاب في أحوال الأصحاب " لابن عبد البر ( الاستيعاب 7 / 43 )
( 7 ) قوله : يسأل ... . إلخ كذا ساقه سحنون في " المدونة " ولأبي مصعب وأكثر رواة الموطأ أن رجلا قال لعبد الله ولمعن بن عيسى عن عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع أبا حسن وهو جد عمرو بن يحيى وعند البخاري من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال : شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد وعنده أيضا من طريق سليمان بن ( كذا في الأصل والصواب " عن " ) عمرو بن يحيى عن أبيه قال : كان عمرو يكثر الوضوء فقال لعبد الله وفي المستخرج لأبي نعيم من طريق الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن . قال الحافظ ابن حجر : الذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال : اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى فسألوه عن صفة الوضوء وتولى السؤال منهم عمرو بن أبي حسن فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة وحيث نسب إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه أكبر وحيث نسب ليحيى فعلى المجاز أيضا كذا في " تنوير الحوالك " ( 1 / 39 ، 40 وفي " أوجز المسالك " 1 / 189 : والأوجه عندي أن يرجع الضمير إلى جد عمرو المذكور إذ كون عبد الله بن زيد من الصحابة ظاهر وكون السائل من الصحابة في حيز الخفاء بعد مع أنه قريب لفظا وكونه سائلا لصفة وضوئه صلى الله عليه و سلم أيضا يوهم عدم صحبته فإذا التنبيه على كونه صحابيا أشد احتياجا من التنبيه على بيان صحبة عبد الله والله أعلم )
( 8 ) قوله : عبد الله بن زيد بن عاصم وقع في رواية يحيى الأندلسي عن مالك ها هنا : وهو جد عمرو بن يحيى فظنوا أن الضمير يعود إلى عبد الله وبناء عليه قال صاحب الكمال وتهذيب الكمال في ترجمة عمرو بن يحيى بن عمارة أنه ابن بنت عبد الله بن زيد بن عاصم وليس كذلك بل الضمير يعود إلى السائل عن عبد الله كذا في " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر
( 9 ) قوله : وكان أي : عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان ووهم من قال باتحادهما وذكر السيوطي أن عبد الله المازني هذا مات سنة 63 هـ
( 10 ) قوله : هل تستطيع أن تريني أي : أرني قال الحافظ : فيه ملاطفة الطالب للشيخ وكأنه أراد الإراءة بالفعل ليكون أبلغ في التعليم وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون نسي ذلك لبعد العهد قاله الزرقاني ( 1 / 43 )
( 11 ) من الإراءة أي : تبصرني وتعلمني
( 12 ) أي : أستطيع
( 13 ) قوله : بوضوء هو بالفتح الماء الذي يتوضأ به وبالضم إذا أردت الفعل . وقال الخليل : الفتح في الوجهين ولم يعرف الضم وكذا عندهم الطهور والطهور والغسل والغسل وحكى غسلا وغسلا بمعنى وقال ابن الأنباري : الأوجه هو الأول أي : التفريق بينهما وهو المعروف الذي عليه أهل اللغة كذا في " مشارق الأنوار على صحاح الآثار " للقاضي عياض
( 14 ) أي : صب
( 15 ) قوله : مرتين قال الحافظ : كذا لمالك ووقع في رواية وهيب عند التخاري وخالد بن عبد الله عند مسلم والدراوردي عند أبي نعيم : " ثلاثا " فهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا ورواياتهم مقدمة على رواية الحافظ الواحد وفي رواية أبي مصعب " يده " بالإفراد على إرادة الجنس كذا في " التنوير " ( 1 / 40 وانظر منتقى الباجي : 1 / 64 )
( 16 ) المضمضة تحريك الماء وفي الاصطلاح استيعاب الماء في الفم ( قال النووي : وأقلها أن يجعل الماء في فيه ولا يشترط الإدارة على المشهور عند الجمهور . شرح صحيح مسلم 1 / 505 باب صفة الوضوء )
( 17 ) يحتمل مرتين نظرا لما قبله ويحتمل ثلاثا اعتبارا بما بعده
( 18 ) قوله : ثم مضمض واستنثر كذا في رواية يحيى وفي رواية أبي مصعب بدله استنشق . قال الشيخ ولي الدين : فيه إطلاق الاستنثار على الاستنشاق وفي " شرح مسلم " للنووي : الذي عليه الجمهور من أهل اللغة وغيرهم أن الاستننثار غير الاستنثاق وأنه إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وأما الاستنشاق : فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه كذا في " التنوير " ( 1 / 40 )
( 19 ) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس : العظم الناتئ في آخر الذراع
( 20 ) قوله : مرتين مرتين قال الشيخ ولي الدين : المنقول في علم العربية أن أسماء الأعداد والمصادر والأجناس إذا كررت كان المراد حصولها مكررة لا التوكيد اللفظي فإنه قليل الفائدة . مثال ذلك : جاء القوم اثنين اثنين أو رجلا رجلا وهذا الموضع منه أي : غسلهما مرتين بعد مرتين أي : أفرد كل واحدة منهما بالغسل مرتين وقال الحافظ : لم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين ولكن في مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم توضأ وفيه وغسل يده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد كذا في " تنوير الحوالك " ( 1 / 41 )
( 21 ) قوله : ثم مسح ... . إلخ قال ابن عبد البر : روى سفيان هذا الحديث فذكر فيه مسح الرأس مرتين ( قال النووي : مسح جميع الرأس مستحب باتفاق العلماء . شرح مسلم 1 / 520 . والمشهور عند المالكية أن الاستيعاب واجب وبعض الرأس عند الشافعي وهما روايتان عن أحمد وقال الموفق : ظاهر مذهب أحمد الاستيعاب في حق الرجل ويكفي المرأة أن تمسح مقدم رأسها وربع الرأس أو مقدار الناصية عند الحنفية . أوجز المسالك 1 / 193 ) وهو خطأ لم يذكره أحد غيره وقال القرطبي : لم يجيء في حديث عبد الله بن زيد للأذنين ذكر ويمكن أن يكون ذلك لأن اسم الرأس يضمهما وتعقبه الشيخ ولي الدين بأن الحاكم والبيهقي أخرجا من حديثه : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي مسح به رأسه
وقالا صحيح كذا في " التنوير " ( 1 / 42 )
( 22 ) أي : اليدين
( 23 ) بالفتح منتهى الرأس من المؤخر
( 24 ) زاد وهيب في روايته عند البخاري إلى الكعبين
( 25 ) قوله : هذا حسن إشارة إلى ما ورد في رواية عبد الله بن زيد من تثليث غسل بعض الأعضاء وتثنية غسل بعضها وقد اختلفت الروايات عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك باختلاف الأحوال : ففي بعضها تثليث غسل الكل وفي بعضها تثنية غسل الكل وفي بعضها إفراد غسل الكل وفي بعضها تثليث البعض وتثنية البعض وكذا مسح الرأس ورد في بعضها الإفراد وفي بعضها التعدد والكل جائز ثابت غاية ما في الباب أن يكون بعضها أقوى ثبوتا من بعض
( 26 ) أي : في المغسولات دون المسح
( 27 ) قوله : أفضل لما روي أنه صلى الله عليه و سلم توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وتوضأ مرتين مرتين وقال : هذا وضوء من يضاعف له الأجر مرتين وتوضأ ثلاثا وقال : هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي أخرجه الدار قطني والبيهقي وروى نحوه ابن ماجه وأحمد والطبراني وابن حبان وغيرهم بأسانيد يقوي بعضها بعضا والمتكفل لبسطه شرحي شرح الوقاية المسمى " بالسعاية في كشف ما في شرح الوقاية " ( 1 / 49 )
( 28 ) قوله : أسبغت بصيغة الخطاب أو بالتأنيث مجهولا أي : إذا استوعبت كذا في " شرح الموطأ " لعلي القارئ
( 29 ) قوله : تجزئ أيضا ( والكل جائز إذا استوعب ولا إثم عليه لأن الإثم بترك الواجب دون السنة واختاره صاحب الهداية 1 / 6 وقال القاري : إن الواجب هو المرة الواحدة وتثليث الغسل سنة مرقاة المفاتيح 2 / 15 ) أي : بلا كراهة كما في " جامع المضمرات " عن شرح الطحاوي أو مع كراهة كما هو ظاهر كلام الجمهور حيث عدوا التثليث من السنن المؤكدة وذكر في " البناية " و " جامع المضمرات " و " المجتبى " و " الخلاصة " وغيرها أنه إ اعتاد الاكتفاء بالواحدة أو الاثنين أثم وإلا لا
( 30 ) قوله وهو كون الثلاث أفضل وجواز الاكتفاء بالواحدة والثنتين

6 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد ( 1 ) عن عبد الرحمن ( 2 ) الأعرج ( 3 ) عن أبي هريرة قال : إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ( 4 ) ثم ليستنثر ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : أبو الزناد بكسر الزاي هو عبد الله بن ذكوان وأبو الزناد لقبه وكان يغضب منه لما فيه من معنى يلازم النار ولكنه اشتهر به لجودة ذهنه قال البخاري : أصح أسانيد أبي هريرة : أبو الزناد عن الأعرج عنه قال الواقدي : مات سنة 130 هـ كذا قال السيوطي وغيره ( إسعاف المبطأ ص 22 )
( 2 ) هو عبد الرحمن بن هرمز اشتهر بالأعرج وثقه يحيى والعجلي مات سنة 117 هـ بالإسكندرية كذا قال السيوطي وغيره ( إسعاف المبطأ ص 27 )
( 3 ) قوله : الأعرج : قال السمعاني في " الأنساب " : الأعرج بفتح الألف وسكون العين المهملة وفتح الراء في آخره جيم هذه النسبة إلى العرج والمشهور بها أبو حازم عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب يروي عن أبي هريرة روى عنه الزهري وأبو الزناد
( 4 ) رواه القعنبي وابن بكير وأكثر الرواة فقالوا : في أنفه ماء قاله السيوطي
( 5 ) في نسخة : لينتثر . قال الفراء : يقال نثر وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة وهي طرف الأنف

7 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن أبي إدريس ( 1 ) الخولاني ( 2 ) عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " من توضأ فليستنثر ( 3 ) ومن استجمر ( 4 ) فليوتر ( 5 ) "
قال محمد : وبهذا ( 6 ) نأخذ ينبغي ( 7 ) للمتوضئ أن يتمضمض ويستنثر وينبغي له أيضا أن يستجمر ( 8 ) . والاستجمار : الاستنجاء ( 9 ) وهو قول أبي حنيفة ( 10 )
_________
( 1 ) قوله : أبي إدريس اسمه عائذ الله بن عمرو القاري العابد أبوه صحابي ولد هو في العهد النبوي ثقة حجة مات سنة 80 هـ قاله السيوطي وغيره
( 2 ) نسبة إلى قبيلة بالشام
( 3 ) أي فليبالغ في استنشاقه فإن الشيطان يبيت على خياشيمه
استنبطوا منه أن الاستنثار سنة على حدة غير الاستنشاق
وليس في الموطأ في حديث مسند لفظ الاستنشاق ولا يكون الاستنثار إلا بعد الاستنشاق كذا في " الاستذكار "
( 4 ) الاستجمار المسح بالجمار وهي الأحجار الصغار
( 5 ) قوله : فليوتر أي ندبا لزيادة أبي داود وابن ماجة بإسناد حسن : من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج . وبهذا أخذ مالك وأبو حنيفة في أن الإيتار مستحب لا شرط كذا قال الزرقاني
( 6 ) أي بما أفاده هذا الخبر
( 7 ) قوله : ينبغي ... . إلخ المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء فرضان في الجنابة عند أبي حنيفة وأصحابه والثوري وعند الشافعي ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والطبري سنتان فيهما وعند ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه فرضان فيهما وعند أبي ثور وأبي عبيد المضمضة سنة والاستنشاق واجب كذا في " الاستذكار " ( 1 / 159 ) وذكر ابن حجر في " فتح الباري " : أن ظاهر أمر الاستنثار للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به القول بوجوبه وهو ظاهر كلام " المغني " من الحنابلة . وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوبه . انتهى . إذا عرفت هذا فنقول : استعمال محمد " ينبغي " هاهنا مبني على أنه أراد به المعنى الأعم لا الذي شاع في المتأخرين من كونه بمعنى " يستحب " . القدماء في ما هو أعلم من الاستحباب والاستنان والوجوب وقس عليه أكثر المواضع التي استعمل فيها محمد " ينبغي " فتفسير ينبغي ها هنا بيستحب كما صدر عن القارئ ليس كما ينبغي
( 8 ) قبل أن يشرع في التوضؤ
( 9 ) قوله : الاستنجاء هو إزالة النجو أي الأذى من المخرج بالماء أو الأحجار
وقال ابن القصار : يجوز أن نقول : إنه مأخوذ من الاستجمار ( أو المراد بالاستجمار التبخر كما يكون في الأكفان وكان مالك يقوله أولا ثم رجع عنه انظر هامش " بذل المجهود " 1 / 85 ) بالبخور الذي به يطيب الرائحة . وقد اختلف قول مالك في معنى الاستجمار المذكور في الحديث فقيل : الاستنجاء وقيل : المراد به في البخور أن يأخذ منه ثلاث قطع أو يأخذ ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد الأخرى . قال عياض : والأول أظهر وقال النووي : إنه الصحيح المعروف كذا في " التنوير "
( 10 ) وهو قول أبي حنيفة اختلف الفقهاء في الاستنجاء : هل هو واجب أم سنة ؟ فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن ذلك ليس بواجب وأنه سنة لا ينبغي تركها فإن صلى كذلك فلا إعادة عليه إلا أن مالكا يستحب الإعادة في الوقت وأبو حنيفة يراعي ما خرج على فم المخرج مقدار الدرهم على أصله وقال الشافعي وأحمد : الاستنجاء واجب لا يجزئ صلاة من صلى من دون أن يستنجي بالاحجار أو بالماء كذا في " الاستذكار " ( 1 / 173 )

8 - أخبرنا مالك أخبرنا نعيم ( 1 ) بن عبد الله المجمر ( 2 ) أنه سمع أبا هريرة يقول ( 3 ) : من توضأ فأحسن ( 4 ) وضوءه ثم خرج ( 5 ) عامدا ( 6 ) إلى الصلاة ( 7 ) فهو في صلاة ( 8 ) ما كان يعمد ( 9 ) وأنه ( 10 ) تكتب ( 11 ) له بإحدى ( 12 ) خطوتيه ( 13 ) حسنة وتمحى ( 14 ) عنه بالأخرى ( 15 ) سيئة فإن سمع أحدكم ( 16 ) الإقامة فلا يسع ( 17 ) ( 18 ) فإن أعظمكم أجرا ( 19 ) أبعدكم دارا ( 20 ) قالوا ( 21 ) : لم ( 22 ) يا أبا هريرة ؟ قال : من أجل كثرة ( 23 ) الخطا ( 24 )
_________
( 1 ) هو أبو عبد الله المدني وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما قاله السيوطي
( 2 ) قوله : المجمر بضم الميم وسكون الجيم وكسر الميم صفة لنعيم بضم النون لأنه كان يأخذ المجمر قدام عمر رضي الله عنه إذا خرج إلى الصلاة في رمضان قاله ابن حبان وقال ابن ماكولا : كان يجمر المسجد لزم نعيم أبا هريرة عشرين سنة وروى عنه كثيرا كذا في " أنساب السمعاني " وفي " فتح الباري " : وصف ( في الأصل : " وصنف " وهو خطأ والصواب : " وصف " ) هو وأبوه عبد الله بذلك لأنهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه و سلم وزعم بعض العلماء أنه وصف أبيه حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز وفيه نظر
( 3 ) قوله : يقول أي موقوفا قال ابن عبد البر : كان نعيم يوقف كثيرا من حديث أبي هريرة ومثل هذا لا يقال بالرأي فهو مسند وقد ورد معناه من حديث أبي هريرة وغيره بأسانيد صحاح كذا قال علي ( في الأصل : " العلي القاري " وهو تحريف ) القاري
( 4 ) قوله : فأحسن وضوءه بإتيانه بفرائضه وسننه وفضائله وتجنب منهياته
( 5 ) أي من بيته وفيه دلالة على فضل الوضوء قبل الخروج
( 6 ) أي قاصدا لها دون غيرها
( 7 ) قوله : إلى الصلاة فإن قلت : لو أراد الاعتكاف هل يدخل في هذا الحكم أم لا ؟ قلت : نعم إذ المراد أنه لا يريد إلا العبادة ولما كان الغالب منها الصلاة فيه ذكر لفظ الصلاة كذا في " الكواكب الدراري "
( 8 ) قوله : فهو في صلاة أي في حكمها من جهة كونه مأمورا بترك العبث وفي استعمال الخشوع وللوسائل حكم المقاصد وهذا الحكم مستمر " ما دام يعمد " بكسر الميم يقصد وزنا ومعنى وما ضيه عمد كقصد وفي لغة قليلة من باب فرح ثم المراد أن يكون باعث خروجه قصد الصلاة وإن عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه والمدار على الإخلاص وفي معناه ما روى الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا : إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه . وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن كعب بن عجرة مرفوعا : إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة كذا قال الزرقاني
( 9 ) قوله : ما كان يعمد أي ما دام مستمرا على ما يريده وفيه إشارة إلى ما ورد أن الحسنة تكتب بقصدها ونيتها وإن لم يفعلها فإذا خرج عامدا إلى الصلاة فهو في صلاة حيث الثواب ما لم يبطل قصدها بعمل آخر مناف له
( 10 ) بفتح الهمزة وكسرها
( 11 ) مجهول من الكتابة
( 12 ) هي اليمنى
( 13 ) قوله : خطوتيه بضم الخاء ما بين القدمين وبالفتح المرة الواحدة قاله الجوهري وجزم اليعمري أنها ها هنا بالفتح والقرطبي والحافظ بالضم كذا قال الزرقاني
( 14 ) قوله : وتمحي عنه ... . إلخ قال الباجي : يحتمل أن يريد أن لخطاه حكمين فيكتب له ببعضها حسنات ويمحى عنه ببعضها سيآت وأن حكم زيادة الحسنات غير حكم محو السيآت وهذا ظاهر اللفظ ولذلك فرق بينهما وقد ذكر قوم أن معنى ذلك واحد وأن كتابة الحسنات بعينه محو السيآت كذا في " التنوير "
( 15 ) قوله : بالأخرى فيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب أي بلا عذر وروى الطبراني والحاكم وصححه البيهقي عن ابن عمر رفعه : إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا ينزعه إلا الصلاة لم تزل رجله اليسرى تمحو عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة حتى يدخل المسجد كذا قال الزرقاني
( 16 ) وهو ماش إليها
( 17 ) أي لا يسرع بل يمشي على هيئته
( 18 ) قوله : فلا يسع فإن قلت قال الله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } وهو يشعر بالإسراع قلت : المراد بالسعي الذهاب يقال : سعيت إلى كذا أي ذهبت إليه كذا في " الكواكب "
( 19 ) قوله : فإن أعظمكم ... . إلخ تعليل لما حكم به من عدم السعي لما يستبعد ذلك من أجل أن الإسراع والرغبة إلى العبادة أحسن وحاصله أن أعظمكم أجرا من كان داره بعيدة من المسجد وما ذلك إلا لكثرة خطاه الباعثة لكثرة الثواب فلهذا الوجه بعينه يحكم بعدم السعي لئلا تقل خطاه فيقل ثوابه وقد ورد في " صحيح مسلم " من طريق جابر قال : خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد ؟ قالوا : نعم قال : يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم . وورد مثله من حديث أنس في " صحيح البخاري " وغيره . وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعا : إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم بأتموا . هذا لفظ البخاري
( 20 ) قوله : أبعدكم دارا ولا ينافيه ما ورد من قوله عليه السلام : " شؤم الدار بعدها عن المسجد " لأن شؤمها من حيث أنه قد يؤدي إلى تفويث الصلاة بالمسجد وفضلها بالنسبة إلى من يتحمل المشقة ويتكلف المسافة فشؤمها وفضلها أمران اعتباريان قاله علي القاري
( 21 ) أي الحاضرون في مجلسه
( 22 ) أي لأي شيء بعد الدار أعظم أجرا ؟
( 23 ) أي بسبب كثرة الأقدام في المشي
( 24 ) بضم الخاء وفتح الطاء جمع خطوة بالضم

3 - ( باب غسل اليدين ( 1 ) في الوضوء ) ( 2 )
9 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ( 3 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا استيقظ أحدكم ( 4 ) من نومه ( 5 ) فليغسل يده ( 6 ) قبل أن يدخلها ( 7 ) في وضوئه ( 8 ) فإن أحدكم ( 9 ) لا يدري ( 10 ) أين باتت يده ( 11 )
قال محمد : هذا ( 12 ) حسن ( 13 ) وهكذا ينبغي أن يفعل ( 14 ) وليس من الأمر الواجب الذي إن تركه تارك أثم ( 15 ) وهو ( 16 ) قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله غسل اليدين بفتح الغين بمعنى إزالة الوسخ ونحوه بإمرار الماء عليه وأما بالضم فهو اسم للاغتسال وهو غسل تمام الجسد واسم للماء الذي يغتسل به وبالكسر اسم لما يغسل به الرأس كذا في " المغرب "
( 2 ) أي : في اتبدائه وهو غسلهما إلى الرسغين
( 3 ) قوله : عن أبي هريرة هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة الطحاوي وأحمد وغيرهم من حديثه بألفاظ متقاربة وأخرج بنحوه ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر وجابر . وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث استنان تقديم غسل اليدين إلى الرسغين عند بداية الوضوء وقالوا : قيد الاستيقاظ من النوم اتفاقي
( 4 ) فيه رمز إلى أن نوم النبي صلى الله عليه و سلم غير ناقض للوضوء
( 5 ) قوله : من نومه أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقيب كل نوم وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث : " باتت يده " لأن حقيقة المبيت تكون بالليل وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها : " إذا قام أحدكم من الليل " وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا : " إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح " . لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة قال الرافعي في " شرح المسند " : يمكن أن يقال : الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة
ثم الأمر عند الجمهور للندب وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار
واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء وقال إسحاق وداود والطبري : ينجس . واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته . لكنه حديث أخرجه ابن عدي والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب للجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك لأن الشك لا يقتضي وجوبا في الحكم استصحابا لأصل الطهارة . واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه و سلم من الشن المعلق بعد قيامه من النوم . وتعقب بأن قوله : " أحدكم " يقتضي اختصاصه بغيره صلى الله عليه و سلم . وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء في حال اليقظة فاستحبابه بعدم النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز . وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات مسلم وأبي داود وغيرهما : " فليغسلها ثلاثا " وفي رواية : " ثلاث مرات " والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على الندبية . ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد : " فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها " والنهي فيه للتنزيه . والمراد باليد ها هنا الكف دون مازاد عليها كذا في " فتح الباري "
( 6 ) قوله : فليغسل يده في هذا الحديث من الفقه إيجاب الوضوء من النوم لقوله : " فليغسل يده قبل أن يدخلها " . وهذا أمر مجمع عليه في النائم والمضطجع إذا غلب عليه النوم واستثقل نوما أن الوضوء عليه واجب كذا في " الاستذكار "
( 7 ) قوله : قبل أن يدخلها لمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق : " فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها " وهو أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن يلامس يده الماء كذا في " فتح الباري "
( 8 ) قوله : في وضوئه أي : الماء الذي أعد للوضوء وفي رواية مسلم : " في الإناء " ولابن خزيمة : " في إنائه أو وضوئه " على الشك . والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلتحق به إناء الغسل وكذا باقي الآنية قياسا وخرج بذكر الإناء الحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها . كذا في " الفتح "
( 9 ) قوله : فإن أحدكم قال البيضاوي : فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات " فإنه يبعث ملبيا " بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي . وعبارة الشيخ أكمل الدين : إذا ذكر الشارع حكما وعقبه أمرا مصدرا بالفاء كان ذلك إيماء إلى أن ثبوت الحكم لأجله . نظيره الهرة ليست بنجسة فإنها من الطوافين عليكم والطوافات
وقال الشافعي : كانوا يستجمرون وبلارهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر أو غير ذلك . وذكر غير واحد أن " باتت " في هذا الحديث بمعنى صارت منهم ابن عصفور كذا في التنوير
( 10 ) أي : لا يدري تعيين الموضع الذي باتت يده فيه فلعلها أصابتها نجاسة
( 11 ) زاد ابن خزيمة والدار قطني " منه " أي : من جسده
( 12 ) قوله : هذا حسن أي : تقديم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء عند الاستيقاظ على ما دل عليه الحديث ( وذكر العيني في عمدة القاري ( 1 / 755 إلى 761 ) عشرين فائدة مستنبطة من هذا الحديث )
( 13 ) أي : مستحسن
( 14 ) قوله : وهكذا ينبغي أن يفعل إشارة إلى أن الأمر محمول على الندب كما صرح به بقوله : وليس من الأمر الواجب ولذا روى سعيد بن منصور في " سننه " عن ابن عمر : أنه أدخل يده في الإناء قبل أن يغسل . وروى ابن أبي شيبة عن البراء : أنه أدخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها . وروى عن الشعبي : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخلون أيديهم في الماء قبل أن يغسلوها . وهذا عند عدم تيقن النجاسة على يده وظنها وأما عند ذلك فلا يجوز إدخال اليد قبل الغسل لئلا يتنجس الماء
( 15 ) قوله : الذي إن تركه تارك أثم قد زعم بعض من في عصرنا بأن الإثم منوط بترك الواجب وما فوقه ولا يلحق الإثم بترك السنة المؤكدة واغتر بهذه العبارة وأمثالها وليس كذلك فقد صرح الأصوليون كما في " كشف أصول البزدوي " وغيره أن تارك السنة المؤكدة يلحقه إثم دون إثم تارك الواجب وصرح صاحب " التلويح " وغيره بأن ترك السنة قريب من الحرام . وهذا هو الصحيح لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : " من رغب عن سنتي فليس مني " وأخرج الطبراني في " المعجم الكبير " وابن حبان والحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ستة لعنتهم : الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط على أمتي بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من أذله الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي والتارك لسنتي " وأخرج مسلم عن ابن مسعود : ( من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ... الحديث وفيه ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا الرجل المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ) وأخرج أبو نعيم في " حلية الأولياء " عن معاذ بن جبل : ( لا تقل إن لي مصلى في بيتي فأصلي فيه فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم )
والأخبار المفيدة لهذا المطلب كثيرة شهيرة وقد سلك ابن الهمام في " فتح القدير " على أن الإثم منوط بترك الواجب ورده صاحب " البحر الرائق " وغيره بأحسن رد
وإذا عرفت هذا كله فنقول : المراد من الواجب في الكتاب اللازم أعم من أن يكون لزوم سنة أو لزوم وجوب أو لزوم افتراض فإن اللزوم مختلف فلزوم الفرض أعلى ولزوم الواجب أوسط ولزوم السنة أدنى وعلى هذا الترتيت ترتيب الإثم لا الوجوب الاصطلاحي الذي جعلوه قسيما للافتراض والاستنان وحينئذ فلا دلالة لكلام محمد على قصر الإثم على الواجب
أو نقول : بعد تسليم أن المراد بالواجب في كلامه هذا مايشمل الفرض والواجب دون السنة إن التنوين في قوله " تارك " للتنكير فلا يستفاد منه إلا أن الواجب يلحق تاركه أي تارك كان ولو تركه مرة : إثم وهو أمر لا ريب فيه فإن الفرض والواجب يلزم من تركهما ولو مرة بشرط أن يكون لغير عذر إثم ولا كذلك السنة فإنه لو تركها ( في الأصل : " تركه " والظاهر : " تركها " ) مرة أو مرتين لا بأس به لكن إن اعتاد ذلك أو جعل الفعل وعدمه متساويين أثم كما صرح به في " شرح تحرير الأصول " لابن أمير الحاج . فلا يفيد حينئذ كلامه إلا قصر الإثم على سبيل العموم والإطلاق على الواجب لا قصر مطلق الإثم عليه
أو نقول : المراد بالإثم مقابل الملامة التي تلزم بترك السنة المؤكدة فلا يفيد كلامه حينئذ إلا قصر الإثم العظيم على الواجب لا مطلق الإثم
وهذا كله إذا سلم دلالة كلامه على القصر وإلا فالافتراض ( في الأصل : " فالاغترار " وهو تحريف والصواب : " فالافتراض " ) ساقط من أصله وقد استدل من لم يوجب بترك السنة إثما بأحاديث لا تفيد مدعاه عند الماهر ولولا خشية التطويل لطولت الكلام في ما له وما عليه
( 16 ) أي : كونه حسنا لا واجبا

4 - ( باب الوضوء ( 1 ) في الاستنجاء )
10 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى ( 2 ) بن محمد بن طحلاء ( 3 ) عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه ( 4 ) أخبره : أنه سمع عمر بن الخطاب ( 5 ) رضي الله عنه يتوضأ ( 6 ) ( 7 ) وضوء ( 8 ) لما تحت إزاره ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ والاستنجاء بالماء أحب ( 10 ) إلينا من غيره ( 11 ) وهو ( 12 ) قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : الوضوء بالفتح قد يراد به غسل بعض الأعضاء من الوضاءة وهي الحسن كذا في " النهاية " وهو المراد ها هنا والمقصود به غسل موضع الاستنجاء بالماء
( 2 ) قوله : يحيى ... إلخ هو يحيى بن محمد بن طحلاء المدني التيمي روى عن أبيه وعثمان وعنه مالك والدراوردي وآخرون ذكره ابن حبان في ثقات التابعين كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) بفتح الطاء ممدودا
( 4 ) قوله : أن أباه هو عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي المدني صحابي قتل مع ابن الزبير وابنه عثمان من الخامسة ثقة كذا في " التقريب "
( 5 ) قوله : عمر بن الخطاب هو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي أحد العشرة وأحد الخلفاء الراشدين الملقب بالفاروق أسلم سنة ست من النبوة وقيل سنة خمس وظهر الإسلام بإسلامه قال ابن مسعود : والله إني لأحسب لو أن علم عمر وضع في كفة الميزان ووضع علم سائر أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر . له فضائل كثيرة استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين . كذا في " أسماء رجال المشكاة " لصاحب المشكاة
( 6 ) أي : يتطهر
( 7 ) قوله يتوضأ أدخل مالك هذا الحديث في " الموطأ " ردا على من قال : إن عمر كان لا يستنجي بالماء وإنما كان استنجاؤه وسائر المهاجرين بالأحجار وذكر قول سعيد بن المسيب في الاستنجاء بالماء : إنما ذلك وضوء النساء وذكر أبو بكر بن أبي شيبة : نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة : أنه سئل عن الاستنجاء بالماء ؟ فقال : إذا لا يزال في يدي نتن . وهو مذهب معروف عند المهاجرين
وأما الأنصار فالمشهور عنهم أنهم كانوا يتوضؤون بالماء ومنهم من كان يجمع بين الطهارتين فيستنجي بالأحجار ثم يتبع بالماء كذا في " الاستذكار "
( 8 ) زاد يحيى " بالماء "
( 9 ) كناية عن موضع الاستنجاء أي : إنه بالماء أفضل منه بالحجر
( 10 ) والجمع بينهما أفضل إجماعا خلافا للشيعة حيث لم يكتفوا بغير الماء
( 11 ) قوله : من غيره أي من الاكتفاء بالأحجار خلافا للبعض أخذا مما أخرجه ابن أبي شيبة عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء ؟ فقال : إذن لا يزال في يدي نتن . وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء . وعن ابن الزبير : ما كنا نفعله
ووجه كون الاستنجاء بالماء أفضل كونه أكمل في التطهير وثبوته عن النبي صلى الله عليه و سلم ففي صحيح البخاري عن أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به . وللبخاري أيضا عن أنس : كان صلى الله عليه و سلم إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به . ولابن خزيمة عن جرير : أنه صلى الله عليه و سلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بأداوة فاستنجى بها . وللترمدي عن عائشة قال : مرن أزواجكن أن يغسلوا أثر البول والغائط : فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعله . ولابن حبان من حديث عائشة : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من غائط قط إلا استنجى من ماء
وبهذه الأحاديث يرد على من أنكر وقوع الاستنجاء بالماء من النبي صلى الله عليه و سلم كذا في " فتح الباري " و " إرشاد الساري "
وأما الجمع بين الماء والحجر فهو أفضل الأحوال وفيه نزلت { فيه } أي في مسجد قبا { رجال يحبون أن يتطهروا } وكان أهل قبا يجمعون بينهما . أخرجه ابن خزيمة والبزار وغيرهما . وقد سقت الأخبار فيه في رسالتي " مذيلة الدراية لمقدمة الهداية " والمعلوم من الأحاديث المروية في الصحاح أن الجمع كان غالب أحواله صلى الله عليه و سلم وهذا كله في الاستنجاء من الغائط وأما الاستنجاء من البول فلم نعلم فيه خبرا يدل على الإنقاء بالحجر إلا ما يحكىعن عمر أنه بال ومسح ذكره على التراب وقد فصلته في رسالتي المذكورة
( 12 ) أي كونه أحب

5 - ( باب الوضوء من مس الذكر )

11 - أخبرنا مالك حدثنا إسماعيل ( 1 ) بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مصعب ( 2 ) بن سعد ( 3 ) قال : كنت أمسك ( 4 ) ( 5 ) المصحف على سعد ( 6 ) فاحتككت ( 7 ) فقال : لعلك مسست ( 8 ) ذكرك فقلت : نعم قال : قم فتوضأ ( 9 ) قال : فقمت فتوضأت ( 10 ) ثم رجعت
_________
( 1 ) قال ابن معين : ثقة حجة مات سنة 134 هـ كذا قال السيوطي
( 2 ) قوله عن مصعب بن سعد هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو زرارة المدني ثقة مات سنة 103 هـ وأبوه سعد بن أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أبو إسحاق أحج العشرة المبشرة بالجنة مناقبه كثيرة وهو آخر العشرة وفاة مات على المشهور سنة 55 هـ وابن ابنه إسماعيل بن محمد بن سعد أبو محمد المدني ثقة حجة من التابعين مات سنة 134 هـ كذا في " تقريب التهذيب "
( 3 ) ابن أبي وقاص
( 4 ) أي آخذه
( 5 ) قوله : قال كنت أمسك ... . إلخ هذا الأثر أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن أبي بكرة عن أبي داود ثنا شعبة عن الحكم قال : سمعت مصعب بن سعد بن أبي وقاص يقول : كنت أمسك المصحف على أبي فمسست فرجي فأمرني أن أتوضأ ثم روى عن إبراهيم بن مرزوق . نا أبو عامر نا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن مصعب بن سعد : كنت أمسك المصحف على أبي فاحتككت فأصبت فرجي فقال : أصبت فرجك ؟ قلت : نعم قال : اغمس يدك بالتراب ولم يأمرني أن أتوضأ . ثم روى عن خزيمة نا عبد الله بن رجاء نا زائدة عن إسماعيل عن أبي خالد عن الزبير ابن عدي عن مصعب بن سعد مثله غير أنه قال : قم فاغسل يدك ثم قال الطحاوي : فقد يجوز أن يكون الوضوء الذي رواه الحكم في حديثه عن مصعب هو غسل اليد على ما بينه عنه الزبير حتى لا تتضاد الروايتان
( 6 ) أي لأجله حال قراءته
( 7 ) أي تحت إزاري
( 8 ) بكسر السين الأولى وفتحها أي لمست بكف يدك
( 9 ) لأنه لا يمس القرآن إلا طاهر
( 10 ) قوله : فتوضأت يحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي دفعا لشبهة ملاقاة النجاسة قاله القاري وهو مستبعد

12 - أخبرنا مالك أخبرني ابن شهاب عن سالم ( 1 ) بن عبد الله ( 2 ) عن أبيه ( 3 ) أنه كان يغتسل ثم يتوضأ فقال ( 4 ) له : أما يجزيك الغسل من الوضوء ( 5 ) ؟ قال : بلى ( 6 ) ولكني أحيانا ( 7 ) أمس ذكري فأتوضأ ( 8 )
قال محمد : لا وضوء في مس الذكر ( 9 ) وهو ( 10 ) قول أبي حنيفة ( 11 ) وفي ذلك آثار ( 12 ) كثيرة
_________
( 1 ) قوله : عن سالم هو سالم بن عبد الله بن عمر أبو عمرو أو أبو عبد الله المدني الفقيه قال مالك : لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل منه وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه : أصح الأسانيد ابن شهاب الزهري عن سالم عن أبيه وقال العجلي : مدني تابعي ثقة مات سنة 106 هـ على الأصح . وأبوه علد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي أبو عبد الرحمن أسلم قديما وهو صغير وهاجر مع أبيه وشهد الخندق والمشاهد كلها وسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعبد الصالح وله مناقب جمة مات سنة 73 هـ وقيل 74 هـ كذا في " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر
( 2 ) ابن عمر
( 3 ) قوله : عن أبيه هذا الأثر يكشف أن ابن عمر كان يرى الوضوء من مس الذكر ويشيده ما رواه مالك في " الموطأ " عن نافع عن سالم قال : كنت مع ابن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى فقلت له : إن هذه الصلاة ما كنت تصليها قال : إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي ثم نسيت أن أتوضأ فتوضأت وعدت لصلاتي . وقال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " : لم نعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أفتى بالوضوء منه غير ابن عمر وقد خالفه في ذلك أكثر الصحابة . انتهى
أقول : ليس كذلك فقد علمنا أن جمعا من الصحابة أفتى بمثله منهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة على اختلاف عنه وزيد بن خالد الجهني والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص في رواية أهل المدينة عنه كذا في " الاستذكار " وفيه أيضا : ذهب إليه من التابعين سعيد بن المسيب في رواية عبد الرحمن بن حرملة رواه عنه ابن أبي ذئب وحاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن عنه : أن الوضوء واجب على من مس ذكره وروى ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب : أنه كان لا يتوضأ منه . وهذا أصح عندي من حديث ابن حرملة لأنه ليس بالحافظ عندهم كثيرا . وكان عطاء بن أبي رباح وطاووس وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وأبان بن عثمان ومجاهد ومكحول الشعبي وجابر بن زيد والحسن وعكرمة وجماعة من أهل الشام والمغرب كانو يرون الوضوء من مس الذكر وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد الشافعي وأحمد وإسحاق واضطرب قول مالك والذي تقرر عنه عند أهل المغرب من أصحابه أن من مس ذكره أمره بالوضوء ما لم يصل فإن صلى أمره بالإعادة في الوقت فإن خرج فلا إعادة عليه . انتهى
( 4 ) أي ابنه سالم
( 5 ) أي أما يكفيك لا سيما مع سبق الوضوء الذي هو السنة
( 6 ) أي يجزي
( 7 ) أي في بعض الأوقات بعد الغسل
( 8 ) لا لأن الغسل لا يجزي
( 9 ) أي لا يجب نعم يستحب اعتبارا لموضع الخلاف
( 10 ) أي عدم الوضوء
( 11 ) قوله : قول أبي حنيفة وإليه ذهب أصحابه وجمهور علماء العراق وروي ذلك عن علي وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وأبي الدرداء وعمران بن حصين لم يختلف عنهم في ذلك واختلف في ذلك عن أبي هريرة وسعد وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وسفيان الثوري وشريك والحسن بن صالح بن حي كذا في الاستذكار . وفي جعله ابن عباس ممن لم يختلف عنه نظر فقد روى الطحاوي عن سليمان بن شعيب نا عبد الرحمن بن زياد نا شعبة عن قتادة كان ابن مسعود وابن عباس يقولا في الرجل يمس ذكره يتوضأ فقلت لقتادة : عمن هذا ؟ قال : عن عطاء ابن أبي رباح . ثم روى بإسناده عن ابن عباس : أنه كان لا الوضوء منه . فثبت الاختلاف عنه . وروى الطحاوي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أيضا أنهما كانا لا يريان الوضوء
( 12 ) المراد بالأثر أعم من المرفوع والموقوف كما مر

13 - قال محمد : أخبرنا أيوب ( 1 ) بن عتبة التيمي قاضي اليمامة ( 2 ) عن قيس بن طلق ( 3 ) أن أباه ( 4 ) حدثه : أن رجلا ( 5 ) سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل مس ذكره أيتوضأ ؟ قال : هل هو إلا بضعة ( 6 ) من جسدك ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : أيوب هو أيوب بن عتبة - بضم العين - أبو يحيى قاضي اليمامة من بني قيس بن ثعلبة مختلف في توثيقه وتضعيفه قال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " : روى عن يحيى بن أبي كثير وعطاء وقيس بن طلث الحنفي وجماعة وعنه أبو داود الطيالسي وأسود بن عامر ومحمد بن الحسن وأحمد بن يونس وغيرهم قال حنبل عن أحمد : ضعيف وقال في موضع آخر : ثقة إلا أنه لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير وقال الدوري عن ابن معين : قال أبو كامل : ليس بشيء وقال ابن المديني والجوزجاني وعمرو بن على ومسلم : ضعيف زاد عمرو : وكان سيئ الحفظ وهو من أهل الصدق وقال العجلي : يكتب حديثه وليس بالقوي وقال البخاري : هو عندهم لين . انتهى ملخصا . وشيخ أيوب قيس بن طلق من التابعين صدوق وأبوه طلق بن علي بن المنذر الحنفي نسبة إلى قبيلة بني حنيفة أبو على اليمامي معدود في الصحابة ذكره ابن حجر في " التقريب " وغيره
( 2 ) بالفتح اسم بلدة
( 3 ) ابن علي
( 4 ) أي : طلق
( 5 ) قوله : أن رجلا ... . إلخ قال محيي السنة البغوي في " المصابيح " : حديث طلق منسوخ لأن طلقا قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يبني المسجد النبوي وذلك في السنة الأولى وقد روى أبو هريرة وهو أسلم سنة سبع أنه صلى الله عليه و سلم قال : " إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ . انتهى . وتعقبه شارح " المصابيح " فضل الله التوربشتي على ما نقله الطيبي في " شرح المشكاة " بأن ادعاء النسخ فيه مبني على الاحتمال وهو خارج عن الاحتياط إلا أن يثبت أن طلقا توفي قبل إسلام أبي هريرة أو رجع إلى أرضه ولم يبق له صحبة بعد ذلك وما يدري أن طلقا سمع هذا الحديث بعد إسلام أبي هريرة . وقد ذكر الخطابي أن أحمد بن حنبل كان يرى الوضوء من مس الذكر وكان ابن معين يرى خلاف ذلك وفي ذلك دليل ظاهر على أن لا سبيل إلى معرفة الناسخ والمنسوخ منهما . انتهى . قلت : فيه ما فيه فإن احتمال أن يكون طلقا سمع هذا الحديث بعد إسلام أبي هريرة مردود بما جاء في رواية النسائي عن هناد عن ملازم نا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه قال : خرجنا وفدا حتى قدمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعناه وصلينا معه فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة ؟ قال : " وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك " . ومثله في رواية ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما . فظاهر هذه الروايات أن سماع طلق هذا الحديث كان عند قدومه في المجلس النبوي ومن المعلوم أن قدومه كان في السنة الأولى من الهجرة ولم يثبت أنه قدم مرة ثانية أيضا وسمع الحديث عند ذلك
وتعقب العيني في " البناية " كلام محيي السنة بأن دعوى النسخ إنما يصح بعد ثبوت صحة حديث أبي هريرة ونحن لا نسلم صحته . انتهى
وفيه أيضا ما فيه فإن حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في " المستدرك " وصححه وأحمد في " مسنده " والطبراني والبيهقي والدارقطني وفي سنده يزيد بن عبد الملك متكلم فيه لكن ليس بحيث يترك حديثه مع أن حديث النقض مروي من طرق عن جماعة الصحابة منهم أم حبيبة وعائشة وعبد الله بن عمر وبسرة وأبو أيوب بل قد روي عن طلق بن علي راوي عدم النقض قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من مس ذكره فليتوضأ " . أخرجه الطبراني في " معجمه " عن الحسن بن على عن حماد بن محمد الحنفي عن أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه والأولى أن يتعقب كلام محيي السنة بما في " فتح المنان " وغيره أن رواية الصحابي المتأخر الإسلام لا يستلزم تأخر حديثه فيجوز أن يكون المتأخر سمعه من صحابي متقدم فرواه بعد ذلك وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال
والإنصاف في هذا البحث أن يقال : لا سبيل إلى الجزم بالنسخ في هذا البحث في طرف من الطرفين لكن الذي يقرب أنه إن كان هناك نسخ فهو لحديث طلق لا بالعكس
( 6 ) هو بالفتح : القطعة من اللحم . وقد تكسر ومنه " فاطمة بضعة مني " ومنه : " وهل هو إلا بضعة " كذا في " مجمع البحار "
( 7 ) قوله : من جسدك هذا الحديث رواه عن قيس بن طلق الحنفي جماعة منهم أيوب بن عتبة كما أخرجه محمد ها هنا وأخرجه الطحاوي أيضا عن محمد بن العباس اللؤلؤي نا أسد نا أيوب . ومنهم محمد بن جابر أخرجه ابن ماجه عن على بن محمد نا وكيع نا محمد بن جابر سمعت قيس بن طلق الحنفي عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن نس الذكر " قال : " ليس فيه وضوء إنما هو منك " . وأخرج الطحاوي عن يونس نا سفيان عن محمد بن جابر عن قيس وعن أبي بكرة نا مسدد نا محمد بن جابر . ومنهم الأسود أخرجه الطحاوي عن أبي أمية نا الأسود عن عامر وخلف بن الوليد وأحمد بن يونس وسعيد بن سليمان عن أسود عن قيس . وذكر أبو داود أنه قد رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس . ومنهم عبد الله بن بدر أخرجه النسائي عن هناد عن ملازم عنه عن قيس عن أبيه : خرجنا وفدا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعناه وصلينا معه فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال : يا رسول الله ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة ؟ قال : " وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك " . وأخرج الترمذي عن هناد بإساند النسائي وقال : هذا الحديث أحسن شيء في الباب . وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة ومحمد بن جابر عن جابر . وقد تكلم أهل الحديث في أيوب ومحمد وحديث ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس عن أبيه : أصح وأحسن . انتهى . ورواه أبو داود عن مسدد عن ملازم بالسند المذكور ولفظه : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال : يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ؟ فقال : " هل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك ؟ " وقال الطحاوي : حديث ملازم مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه . انتهى
وفي رواية ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن طلق : خرجنا وفدا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعناه وصلينا معه فجاء رجل فقال : يا رسول الله ماترى في مس الذكر في الصلاة ؟ فقال : " وهل هو إلا بضعة منك " . وفي رواية ابن حبان عنه أن رجلا قال : يا رسول الله إن أحدنا يكون في الصلاة فيحك فيصيب بيده ذكره قال لا بأس به إنه كبعض جسدك فهذه طرق حديث طلق وألفاظه ومما يشيده ما أخرجه ابن منده من طريق سلام بن الطويل عن إسماعيل بن رافع عن حكيم بن سلمة عن رجل من بني حنيفة يقال له خريسة : أن رجلا أتيى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني أكون في صلاتي فتقع يدي على فرجي فقال : " امض في صلاتك " . قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة في أحوال الصحابة " : سلام ضعيف وكذا إسماعيل . انتهى . وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن مس الذكر ؟ فقال : " إنما هو جزء منك " . وفي طريقه جعفر بن الزبير الراوي عن القاسم الراوي عن أبي أمامة . قال شعبة : كذاب وقال النسائي والدارقطني متروك الحديث كذا في تهذيب التهذيب وأخرج الدارقطني عن عصمة بن مالك الخطمي ( في الأصل : " الحطمي " وهو تحريف ) رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إني احتككت في الصلاة فأصابت يدي فرجي فقال : وأنا أفعل ذلك وفي سنده الفضل بن مختار قال ابن عدي : أحاديثه منكرة كذا قال الزيلعي وأخرج أبو يعلى في مسنده عن سيف بن عبد الله قال : دخلت أنا ورجل معي على عائشة فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة ؟ فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " ما أبالي إياه مسست أو أنفي "

14 - قال محمد : أخبرنا طلحة بن عمرو المكي ( 1 ) أخبرنا عطاء بن أبي رباح ( 2 ) عن ابن عباس ( 3 ) قال : في مس الذكر وأنت ( 4 ) في الصلاة قال : ما أبالي ( 5 ) مسسته أو مسست أنفي
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا طلحة بن عمرو ... . إلخ هو طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي متكلم فيه قال في " تهذيب التهذيب " : روى عن عطاء بن أبي رباح ومحمد بن عمرو بن علقمة وابن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهم وعنه جرير بن حازم والثوري وأبو داود الطيالسي ووكيع وغيرهم قال أحمد : لا شيء متروك الحديث وقال ابن معين : ليس بشيء ضعيف وقال الجوزجاني : غير مرضي في حديثه وروى له ابن عدي أحاديث وقال : روى عنه قوم ثقات وعامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال عبد الرزاق : سمعت معمرا يقول : اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريح فقدم علينا شيخ فأملى علينا أربعة آلاف حديث عن ظهر قلب فما أخطأ إلا في موضعين ونحن ننظر الكتاب ولم يكن الخطأ منا ولا منه إنما كان من فوق وكان الرجل طلحة بن عمرو . انتهى ملخصا . وهذا الضعف لا يضر في أصل المقصود فقد تابعه عن عطاء وعكرمة بن عمار وتابع عطاء سعيد بن جبير في رواية الطحاوي
( 2 ) قوله : عطاء بن أبي رباح بفتح الراء المهملة هو عطاء بن أبي رباح أسلم أبو محمد القرشي المكي روى عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وخلق وعنه الأوزاعي وابن جريج وأبو حنيفة والليث وغيرهم ثقة فقيه فاضل مات سنة 114 هـ على المشهور كذا في " كاشف " الذهبي و " تقريب " ابن حجر
( 3 ) قوله : عن ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه وله فضائل شهيرة مذكورة في كتب الصحابة " كأسد الغابة " و " الإصابة " وغيرهما مات سنة 68 هـ وقيل سنة 69 هـ وقيل سنة سبعين ذكره في " التهذيب " . قال العيني في " البناية شرح الهداية " في كتاب الحج في بحث الوقوف بمزدلفة : إذا أطلق ابن عباس لا يراد به إلا عبد الله بن عباس . انتهى . وذكر أيضا في " البناية " في كتاب " الحظر والإباحة " : أن المحدثين اصطلحوا على أنهم إذا ذكروا عبد الله من غير نسبة يريدون به عبد الله بن مسعود وإن كان يتناول غيره بحسب الظاهر وكذلك يقولون : قال ابن عمر ويريدون به عبد الله بن عمر مع أن عمر له أولاد غير عبد الله . انتهى . وقال علي القاري المكي في " جمع الوسائل بشرح الشمائل " أي : شمائل الترمذي : اصطلاح المحدثين على أنه إذا أطلق علي في آخر الأسماء فهو علي بن أبي طالب وإذا أطلق عبد الله فهو ابن مسعود وإذا أطلق الحسن فهو الحسن البصري ونظيره إطلاق أبي بكر وعمر وعثمان انتهى
وقال القاري أيضا في كتابه " الأثمار الجنية في طبقات الحنفية " : إذا أطلق ابن عباس لا يراد به إلا عبد الله وكذا إذا أطلق ابن عمر وابن الزبير وأما إذا أطلق عبد الله فهو ابن مسعود في اصطلاح العلماء من الفقهاء والمحدثين . انتهى . فليحفظ هذا فإنه نافع
( 4 ) خطاب عام
( 5 ) قوله : ما أبالي متكلم من المبالاة أي : لا أخاف يعني مس الذكر ومس الأنف متساويان في عدم انتقاض الوضوء به فلا أبالي مسست ذكري أو أنفي . وبمثله أخرج الطحاوي عن أبي بكرة نا يعقوب بن إسحاق . نا عكرمة بن عمار نا عطاء عن ابن عباس أنه قال : ما أبالي إياه مسست أو أنفي وأخرج أيضا عن صالح بن عبد الرحمن نا سعيد بن منصور نا هشيم أنبأنا الاعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه كان لا يرى في مس الذكر وضوء

15 - قال محمد : أخبرنا إبراهيم ( 1 ) ابن محمد المدني ( 2 ) ( 3 ) أخبرنا صالح ( 4 ) مولى التوأمة ( 5 ) عن ابن عباس قال : ليس ( 6 ) في مس الذكر وضوء
_________
( 1 ) قوله : إبراهيم بن محمد هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى واسمه سمعان الأسلمي أبو إسحاق المدني مختلف في توثيقه وتضعيفه . قال في " تهذيب الكمال " و " تهذيب التهذيب " : روى عن الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وصالح مولى التوأمة ومحمد بن المنكدر وغيرهم وعنه الثوري والشافعي وأبو نعيم قال أبو طالب عن أحمد : لا يكتب حديثه كان يروي أحاديث منكرة لا أصل لها وقال الشافعي : ثقة في الحديث وقال ابن عدي : سألت أحمد بن محمد بن سعيد يعني ابن عقدة : هل تعلم أحدا أحسن القول في إبراهيم غير الشافعي فقال : نعم نا أحمد بن يحيى سمعت حمدان بن الأصبهاني قلت : أتدين بحديث إبراهيم ؟ قال : نعم قال لي أحمد بن محمد بن سعيد : نظرت في حديث إبراهيم كثيرا وليس بمنكر الحديث قال ابن عدي : وهذا الذي قاله كما قال وقد نظرت أنا أيضا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا إلا عن شيوخ يحتملون وهو في جملة من يكتب حديثه وله " الموطأ " أضعاف " موطأ مالك " مات سنة 184 هـ وقيل : سنة 191 هـ . انتهى ملخصا
( 2 ) وفي نسخة محمد بن المدني
( 3 ) هو بفتحتين نسبة إلى المدينة السكنية
( 4 ) قوله : صالح هو صالح بن أبي صالح نبهان المديني روى عن ابن عباس وعائشة وأبي هريرة وغيرهم وعنه ابن أبي ذئب وابن جريج والسفيانان وغيرهم قال بشر بن عمر : سألت مالكا عنه فقال : ليس بثقة وقال أحمد بن حنبل : كأن مالكا أدركه وقد اختلط فمن سمع منه قديما فذاك وقد روى عنه أكابر أهل المدينة وهو صالح الحديث ما أعلم به بأسا وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم : سمعت ابن معين يقول : صالح مولى التوأمة ثقة حجة قلت إن مالكا ترك السماع منه فقال : إن مالكا إنما أدركه بعد أن كبر وخرف وقال الجوزجاني : تغير أخيرا فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسماعه القديم والثوري جالسه بعد التغير وقال ابن عدي : لا بأس به إذا روى القدماء عنه مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد وقال العجلي : تابعي ثقة مات سنة 125 هـ . كذا في " تهذيب التهذيب "
( 5 ) قوله : مولى التوأمة بفتح التاء المثناة الفوقية ثم الواو الساكنة بعدها همزة بعدها ميم ثم تاء هي بنت أمية بن خلف المدني أخت ربيعة بن أمية بن خلف وكانت معها أخت لها في بطنها فسميت تلك باسم التوأمة وإليها ينسب صالح نبهان المدني كذا قال أبو سعد السمعاني في كتاب " الأنساب "
( 6 ) أي : لا يجب

16 - قال محمد : أخبرنا إبراهيم بن محمد المدني أخبرنا الحارث ( 1 ) بن أبي ذباب ( 2 ) أنه سمع سعيد ( 3 ) بن المسيب ( 4 ) يقول : ليس في مس الذكر وضوء
_________
( 1 ) قوله : الحارث بن أبي ذباب هو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد وقيل المغيرة بن أبي ذباب الدوسي المدني روى عن أبيه وعمه وسعيد بن المسيب ومجاهد وغيرهم وعنه ابن جريج وإسماعيل بن أمية وغيرهم قال أبو زرعة : ليس به بأس . وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان من المتقنين مات سنة 126 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) بضم الذال المعجمة كذا في " التقريب "
( 3 ) قوله : سعيد بن المسيب هو أبو محمد القرشي المدني من سادات التابعين قال مكحول : طفت الأرض كلها فلم ألق أعلم من ابن المسيب ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر ومات سنة 93 هـ كذا ذكره صاحب المشكاة في " أسماء رجال المشكاة "
( 4 ) بفتح الياء أشهر من كسرها

17 - قال محمد : أخبرنا أبو العوام البصري ( 1 ) قال : سأل رجل عطاء بن أبي رباح قال : يا أبا محمد ( 2 ) رجل مس فرجه ( 3 ) بعد ما توضأ ؟ قال رجل من القوم ( 4 ) : إن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول : إن كنت تستنجسه ( 5 ) ( 6 ) فاقطعه قال عطاء ( 7 ) بن أبي رباح : هذا والله قول ابن عباس
_________
( 1 ) قوله : ابو العوام البصري قال ابن حجر في " التقريب " : عبد العزيز بن الربيع - بالتشديد - الباهلي أبو العوام البصري ثقة من السابعة وفي " تهذيب التهذيب " : عبد العزيز بن الربيع الباهلي أبو العوام البصري روى عن أبي الزبير المكي وعطاء وعنه الثوري والنضر بن شميل ووكيع وروح بن عبادة قال ابن معين : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " . انتهى
وظن بعض أفاضل عصرنا أن أبا العوام البصري المذكور في هذه الرواية هو عمران بن داور أبو العوام القطان البصري قال في " تهذيب التهذيب " في ترجمته : روى عن قتادة ومحمد بن سيرين وأبي إسحاق الشيباني وحميد الطويل وعنه ابن مهدي وأبو داود الطيالسي وأبو علي الحنفي وغيرهم قال عبد الله عن أبيه أحمد : أرجو أنه صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال البخاري : صدوق يهم وقال العجلي : بصري ثقة . انتهى ملخصا
( 2 ) كنية لعطاء
( 3 ) قوله : مس فرجه بفتح الفاء وسكون الراء قال النووي في " التهذيب " قال أصحابنا : الفرج يطلق على القبل والدبر من الرجل والمرأة ومما يستدل به لإطلاق الفرج على قبل الرجل حديث علي قال : أرسلنا المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأله عن المذي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " توضأ وانضح فرجك " رواه مسلم
( 4 ) أي الحاضرين في ذلك المجلس
( 5 ) أي الفرج
( 6 ) أي تعتقده نجسا ذاته
( 7 ) لما سمع من الرجل هذا الكلام

18 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة - رحمه الله - عن حماد ( 1 ) عن إبراهيم ( 2 ) النخعي عن علي ( 3 ) بن أبي طالب رضي الله عنه في مس الذكر قال : ما أبالي ( 4 ) مسسته أو طرف أنفي ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : عن حماد هو حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسماعيل الكوفي الفقيه قال معمر : ما رأيت أحدا أفقه من هؤلاء الزهري وحماد وقتادة وقال ابن معين : حماد ثقة وقال أبو حاتم : صدوق وقال العجلي : كوفي ثقة كان أفقه أصحاب إبراهيم وقال النسائي : ثقة إلا أنه مرجئ مات سنة 120 هـ وقيل سنة 119 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله إبراهيم النخعي بفتح النون والخاء المعجمة بعدها عين مهملة نسبة إلى نخع قبيلة من العرب نزلت الكوفة ومنها انتشر ذكرهم قال ابن ماكولا : من هذه القبيلة علقمة والأسود وإبراهيم كذا في " أنساب " السمعاني وذكر في " تهذيب التهذيب " : إن إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو أبو عمران النخعي الكوفي مفتي أهل الكوفة كان رجلا صالحا فقيها قال الأعمش : كان خيرا في الحديث وقال الشعبي : ما ترك أحدا أعلم منه وقال أبو سعيد العلائي : وهو مكثر من الإرسال وجماعة من الأئمة صححو ا مراسيله وقال الأعمش قلت لإبراهيم : أسند لي عن ابن مسعود فقال : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهر الذي سمعت وإذا قلت : قال عبد الله فهو عن غير واحج وقا لا
حاتم : لم يلق النخعي أحدا من الصحابة إلا عائشة ولم يسمع منها وأدرك أنسا ولم يسمع منه مات سنة 96 هـ وولادته سنة 55 هـ
( 3 ) قوله : عن علي هو ابن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوج بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم له مناقب كثيرة استشهد سنة 40 هـ كما في " أسد الغابة " وغيره وبه يعلم أن رواية إبراهيم النخعي عنه مرسلة لأنه لم يدرك زمانه
( 4 ) قوله : ما أبالي هكذا رواه محمد في كتاب " الآثار " أيضا . وأخرج الطحاوي بسنده عن قابوس عن أبي ظبيان عن علي أنه قال : ما أبالي أنفي مسست أو أذني أو ذكري . وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن قيس بن السكن أن عليا وابن مسعود وحذيفة وأبا هريرة لا يرون من مس الذكر وضوء
( 5 ) أي حيث هما عضوان طاهران وفي حق المس متساويان

19 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم : أن ابن مسعود ( 1 ) سئل عن الوضوء من مس الذكر ؟ فقال : إن كان نجسا ( 2 ) فاقطعه
_________
( 1 ) قوله : أن ابن مسعود . . إلخ وكذا أخرجه الطحاوي عن قيس بن السكن قال : قال ابن مسعود : ما أبالي ذكري مسست في الصلاة أم أذني أم أنفي . وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هذيل أن أخاه سأل ابن مسعود فقا : إني أحك بيدي إلى فرجي فقال : إن علمت أن منك بضعة نجسة فاقطعها . وأخرج عن قيس بي السكن قال : قال عبد الله : ما أبالي مسست ذكري أو أذني أو إبهامي أو أنفي . وابن مسعود هو عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي من خواص أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحب نعليه وسواكه هاجر الحبشة وشهد بدرا وما بعدها وولي قضاء الكوفة في خلافة عمر إلى صدر خلافة عثمان ثم صار إلى المدينة فمات بها سنة 32 هـ كذا في " أسماء رجال المشكاة "
( 2 ) قوله : نجسا بفتح الجيم هو المشهور عند الفقهاء ويراد به عين النجاسة بخلاف كسرها فإنه المتنجس عندهم وهما مصدران في أصل اللغة

20 - قال محمد : أخبرنا محل ( 1 ) الضبي ( 2 ) عن إبراهيم النخعي في مس الذكر في الصلاة قال : إنما هو بضعة منك ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : محل الضبي قال القاري في " شرحه " بكسر الميم والحاء المهملة كسجل اسم جماعة من المحدثين . انتهى . وهذا القدر لا يكفي في هذا المقام وفي " التقريب " محل - بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد اللام - ابن خليفة الطائي الكوفي ثقة من الرابعة ومحل بن محرز الضبي الكوفي لابأس به من السادسة سنة 53 هـ أي بعد المائة . انتهى . وهو يؤذن أن محل الضبي بضم أوله وكسر الثاني وتشديد الثالث وبه صرح محمد طاهر الفتني حيث قال في " المغني " : محل بن خليفة بمضمومه وكسر حاء مهملة وقيل بفتحها وشدة لام وكذا محل بن محرز . انتهى . وبه ظهر خطأ القاري والعلم عند الباري وفي " كاشف " الذهبي : محل بن خليفة الطائي عن جده عدي بن حاتم وأبي السمح وعنه شعبة وسعد أبو مجاهد فأما محل بن محرز الضبي عن الشعبي فإنه أصغر منه . انتهى
( 2 ) بتشديد الموحدة
( 3 ) قوله : إنما هو بضعة منك هذه الآثار كلها تشهد بصحة حديث طلق وتوافقه وهناك أحاديث مرفوعة معارضة لها . فمن ذلك ما أخرجه ابن ماجة عن أم حبيبة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من مس فرجه فليتوضأ . ونقل الترمذي عن أبي زرعة أنه قال : إن حديث أم حبيبة أصح في هذا الباب وهو حديث العلاء عن مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة ونقل صاحب " الاستذكار " عن أحمد بن حنبل أنه قال : هو حسن الإسناد وأعله الطحاوي بأن فيه انقطاعا فإن مكحولا لم يسمعه عن عنبسة بل سمع أبا مسهر عنه
ومنها ما أخرجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " وصححه وأحمد والطبراني والدارقطني من حديث أبي حريرة مرفوعا " من أفضى ( هكذا في الأصل وفي " المستدرك " ( 1 / 136 ) : إذا أفضى . . إلخ ) أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ . ولفظ البيهقي : من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فعليه وضوء الصلاة . وفي سنده يزيد بن عبد الملك قال البيهقي : تكلموا فيه وقال أحمد : لا بأس به وقال الطحاوي : هو منكر الحديث لا يساوي حديثه شيئا
ومنها ما أخرجه ابن ماجة عن أبي أيوب مرفوعا : من مس فرجه فليتوضأ . وفيه إسحاق بن أبي فروة قال أحمد لا تحل الرواية عنه وقال النسائي : متروك الحديث كذا في " تهذيب التهذيب "
ومنها ما أخرجه ابن ماجة عن جابر مرفوعا : إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء . ولفظ البيهقي : إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ
ومنها ما أخرجه أبو نعيم وابن منده والدار قطني عن أروى بنت أنيس مرفوعا : من مس فرجه فليتوضأ وفي سنده هشام بن زياد ضعيف كذا في " الإصابة "
ومنها ما أخرجه الدار قطني عن عائشة مرفوعا : ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون قالت بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء ؟ قال : إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة . وفي سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري قال النسائي : متروك كذا في " ميزان الاعتدال "
ومنها ما أخرجه الدارقطني والطحاوي عن ابن عمر مرفوعا : من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة . وفي سنده صدقة بن عبد الله ضعيف قاله الطحاوي
ومنها ما أخرجه أحمد والبزار والطبراني عن زيد بن خالد مرفوعا : من مس فرجه فليتوضأ
ومنها ما أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " عن طلق بن علي مرفوعا : من مس ذكره فليتوضأ . وفيه حماد بن محمد الحنفي ضعيف
ومنها ما أخرجه أحمد والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ
وقد أخرج ابن عدي من حديث ابن عباس والحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة . وأحاديثهم لا تخلو من علة ذكره العيني
ومنها - وهو أجودها - ما أخرجه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول : دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء فقال مروان : ومن مس الذكر الوضوء قال عروة " ما علمت بهذا فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ . وأخرجه ابن ماجة عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة ( في الأصل : " البسرة " وهو تحريف ) بنت صفوان مثله وأخرجه الترمذي بلفظ : من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ . وقال هذا حديث حسن صحيح ونقل عن البخاري أنه قال : أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة . وأخرج حديث بسرة أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني وابن حبان والبيهقي وغيرهم بألفاظ متقاربة وذكر ابن عبد البر في " الاستذكار " أن أحمد كان يصحح حديث بسرة وأن يحيى بن معين صححه أيضا
وفي الباب أخبار أخر توافق هذه الأحاديث لولا قصد الاختصار لأتيت بها وقد طال الكلام في هذا المبحث من الجانبين والنزاع من الفريقين أما الكلام من القائلين بعدم الانتقاض على قائلين الانتقاض فمن وجوه :
منها : أن أحاديث النقض ضعيفة . وفيه أن ضعف أكثرها لا يضر بعد صحة بعضه وضعف الكل ممنوع
ومنها أن حديث بسرة الذي صححوه مروي من طريق مروان ومعاذ الله أن نحتج به . وفيه أنه صرح ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " أنه كان لا يتهم ( في الأصل : " لا يهتم في الحديث " وهو خطأ ) في الحديث
ومنها : أن بسرة مجهولة . وفيه أنها بسرة بنت صفوان بن نوفل القرشية الأسدية لها سابقة قديمة وهجرة وروى عنها جماعة من الصحابة وغيرهم كما لا يخفى على من طالع " الإصابة " وغيره من الكتب المصنفة في أحوال الصحابة
ومنها : أن خبر الآحاد فيما يعم به البلوى غير مقبول . وفيه أنه قد رواه جمع من الصحابة مع أن في ثبوت هذه القاعدة نظرا
ومنها : أن الحكم بالنقض منسوخ بحديث طلق وفيه أن النسخ لا يحكم به بالاحتمال بل إذا ثبت أن حديث طلق مؤخر وليس كذلك بل الأمر بالعكس لأن قدوم طلق كان أول سنة من الهجرة كما صرح به ابن حبان وغيره وكان سماعه الحديث في عدم النقض في ذلك المجلس وحديث النقض رواه أبو هريرة الذي أسلم سنة سبع وغيره من أحداث الصحابة
ومنها : أن النقض خلاف القياس . وفيه أنه لا دخل له بعد ورود الأخبار
أما الكلام من القائلين بالنقض فمن وجوه أيضا :
منها : تضعيف رواة أخبار عدم النقض كأيوب ومحمد بن جابر وفيه أنه لا عبرة به بعد ثبوت طريق عبد الله بن بدر
ومنها : كثرة طرق أحاديث النقض وهي من وجوه الترجيح
ومنها : كون حديث طلق منسوخا . وفيه أن رواية الصحابي المتأخر الإسلام لا تدل على النسخ لجواز أن يكون سمع من متقدم الإسلام فيجوز أن تكون أحاديث النقض . مقدمة على حديث العدم . هذا ملخص الكلام فيما بينهم وقد سلك جماعة مسلك الجمع :
فمنهم : من حمل الوضوء في أحاديث النقض على غسل اليدين وفيه أنه يأباه صريح ألفاظ بعض الروايات
ومنهم من قال : مس الذكر كناية عن البول . وفيه أنه ينكره صريح كثير من الروايات
ومنهم من قال : أمر التوضؤ للاستحباب وفيه أيضا ما فيه
وسلك جماعة أخرى مسلك التعارض وقالوا : إذا تعارضت الأخبار المرفوعة تركناها ورجعنا إلى آثار الصحابة وفيه أن آثار الصحابة أيضا مختلفة والإنصاف في هذا المبحث أنه إن اختير طريق النسخ فالظاهر انتساخ حديث طلق لا العكس وإن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة وقوة وإن اختير طريق الجمع فالأولى أن يحمل الأمر على العزيمة وعدم النقض على الضرورة ( ويمكن التطبيق بينهما بأن الأمر للاستحباب تنظيفا والنفي لنفي الوجوب فلا حاجة إلى النسخ كما قال في الدر المختار ( 1 - 152 ) ولكن يندب للخروج من الخلاف لا سيما للإمام )

21 - قال محمد : أخبرنا سلام بن سليم الحنفي ( 1 ) عن منصور بن المعتمر ( 2 ) عن أبي قيس ( 3 ) عن أرقم ( 4 ) بن شرحبيل قال : قلت : لعبد الله بن مسعود : إني أحك جسدي و ( 5 ) أنا في الصلاة فأمس ذكري فقال : إنما هو بضعة ( 6 ) منك
_________
( 1 ) قوله : سلام بن سليم الحنفي الاسم الأول بتشديد اللام وفتح السين والثاني بضم السين وفتح اللام والنسبة إلى بني حنيفة قبيلة قال السمعاني في " الأنساب " : الحنفي بفتح الحاء المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة هم قوم أكثرهم نزلوا اليمامة وكانوا تبعوا مسيلمة الكذاب المتنبئ ثم أسلموا زمن أبي بكر والمشهور بالنسبة إليها جماعة كثيرة . انتهى . وفي " تهذيب التهذيب " : سلام بن سليم الحنفي مولاهم أبو الأحوص الكوفي روى عن أبي إسحاق السبيعي وسماك بن حرب وزياد بن علاقة والأسود بن قيس ومنصور وغيرهم وعنه وكيع وابن مهدي وأبو نعيم وسعيد بن منصور وغيرهم قال العجلي : كان ثقة صاحب سنة واتباع وقال أبو زرعة والنسائي : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات "
قال البخاري : حدثني عبد الله بن أبي الأسود قال : مات سنة 79 هـ يعني ومائة . انتهى ملخصا . وفي " مغني " الفتني : سلام كله بالتشديد إلا عبد الله بن سلام وأبو عبد الله محمد بن سلام شيخ البخاري وشدده جماعة وفي غير الصحيحين ثلاثة أيضا : سلام بن محمد ومحمد بن عبد الوهاب بن سلام وسلام بن أبي الحقيق . انتهى . وفيه أيضا : سليم كله بالضم إلا سليم بن حيان . انتهى
ورأيت في " شرح القاري " أنه وجه نسبة الحنفي بقوله : منسوب إلى أبي حنيفة بحذف الزوائد كالفرضي . انتهى . وهو خطأ واضح الظن أنه من نساخ كتابه لامنه
( 2 ) قوله : عن منصور بن المعتمر بضم الميم وسكون العين وفتح التاء وكسر الميم الثانية هو أبو عتاب بفتح العين وتشديد التاء السلمي الكوفي ثقة ثبت مات سنة 132 هـ روى عنه الثوري وشعبة وسليمان التيمي وغيرهم كذا في " جامع الاصول " لابن الأثير الجزري " وتقريب " ابن حجر
( 3 ) قوله : عن أبي قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو في آخرها دال مهملة نسبة إلى أود قبيلة من مذحج كذا في " الأنساب " وفي " كاشف " الذهبي : عبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي عن شريح وعنه شعبة وسفيان ثقة . انتهى . وفي " التقريب " : عبد الرحمن بن ثروان بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة أبو قيس الأودي الكوفي صدوق مات سنة عشرين ومائة
( 4 ) قوله : عن أرقم بن شرحبيل الاسم الأول بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح القاف والثاني بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الباء وسكون الياء بعدها لام كذا ضبطه الفتني وغيره وقال في " تهذيب التهذيب " : أرقم بن شرحبيل الكوفي الأودي روى عن ابن عباس وابن مسعود وعنه أبو إسحاق وأخوه هذيل بن شرحبيل قال أبو زرعة : ثقة واحتج أحمد بن حنبل بحديثه وقال ابن عبد البر : هو حديث صحيح وأرقم ثقة جليل وأورد العقيلي بسند صحيح عن أبي إسحاق السبيعي قال : كان هذيل وأرقم ابنا شرحبيل من خيار أصحاب ابن مسعود . انتهى ملخصا
( 5 ) الواو حالية
( 6 ) بفتح الباء

22 - قال محمد : أخبرنا سلام بن سليم عن منصور بن المعتمر عن السدوسي ( 1 ) عن البراء ( 2 ) بن قيس قال : سألت حذيفة ( 3 ) ابن اليمان ( 4 ) عن الرجل مس ذكره فقال : إنما هو كمسه رأسه
_________
( 1 ) قوله : عن السدوسي هو بالفتح فضم نسبة إلى سدوس بن شيبان وبضمتين إلى سدوس بن أصبغ بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد الطائي وليس في العرب سدوس بالضم غيره كذا ذكره السيوطي في كتابه " لب اللباب في تحرير الأنساب " والمراد به ههنا هو إياد بن لقيط كما صرح به في الرواية الآتية ضبطه الفتني في " المغني " بكسر الهمزة وفتح الياء المثناة التحتية في آخره دال مهملة واسم أبيه بفتح اللام وقال في " تهذيب التهذيب " : إياد ين لقيط السدوسي روى عن البراء بن عازب والحارث بن حسان العامري وأبي رمثة وغيرهم وعنه ابنه عبيد الله والثوري ومسعر وغيرهم قال ابن معين والنسائي : ثقة وقال أبو حاتم : صالح الحديث وقال يعقوب بن سفيان : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " . انتهى
( 2 ) قوله : عن البراء بن قيس قال ابن حبان في ثقات التابعين : البراء بن قيس أبو كبشة الكوفي عداده في أهل الكوفة يروي عن حذيفة وسعد وروى عنه الناس
( 3 ) قوله : حذيفة بن اليمان بضم الحاء المهملة بعدها ذال مفتوحة واسم اليمان حسل بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين ويقال حسيل - بالتصغير - بن جابر بن عمرو بن ربيعة العبسي حليف بني عبد الأشهل من الانصار ولقب والده باليمان لأنه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة وحالف الأنصار فسماه قومه اليمان لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن أسلم حذيفة وأبوه وشهدا أحدا وقتل اليمان في غزوة أحد قتله المسلمون خطأ فوهب حذيفة لهم دمه وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه و سلم وله مناقب كثيرة مات بالمدائن سنة ست وثلاثين كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي
( 4 ) كذا أخرجه عنه الطحاوي وابن أبي شيبة أيضا

23 - قال محمد : أخبرنا مسعر ( 1 ) بن كدام عن عمير بن سعد ( 2 ) النخعي قال : كنت في مجلس فيه عمار بن ياسر ( 3 ) فذكر مس الذكر فقال : إنما هو بضعة منك ( 4 ) وإن لكفك لموضعا غيره ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : مسعر بن كدام بكسر الميم وسكون السين وفتح العين بعدها راء وبكسر الكاف وفتح الدال ابن ظهير الهلالي أبو سلمة الكوفي ثقة ثبت فاضل مات سنة 153 هـ وقيل سنة 155 هـ كذا في " التقريب " وغيره
( 2 ) قوله : عن عمير بن سعد وقيل سعيد النخعي الصهباني - بضم الصاد المهملة وسكون الهاء - نسبة إلى صهبان بطن من النخع كنيته أبو يحيى ثقة ثبت مات سنة سبع وقيل خمس عشرة ومائة كذا في " الأنساب " و " التقريب "
( 3 ) قوله : عمار بن ياسر هو أبو اليقظان عمار - بفتح العين وتشديد الميم - ابن ياسر - بكسر السين - ابن عامر بن مالك بن كنانة أسلم وهاجر إلى الحبشة والمدينة وشهد بدرا والمشاهد كلها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تقتلك الفئة الباغية فقتل بالصفين مع علي رضي الله عنه قتله أصحاب معاوية سنة سبع ثلاثين كذا في " جامع الأصول " لابن الأثير ( في الأصل : " أثير " ) الجزري
( 4 ) وفي رواية الطحاوي : إنما هو بضعة منك مثل أنفي وأنفك
( 5 ) يعني الأولى أن لا يمس من غير ضرورة

24 - قال محمد : أخبرنا مسعر بن كدام عن إياد بن لقيط ( 1 ) عن البراء بن قيس قال : قال حذيفة بن اليمان في مس الذكر مثل أنفك
_________
( 1 ) على وزن كريم

25 - قال محمد : أخبرنا مسعر بن كدام حدثنا قابوس ( 1 ) عن أبي ظبيان ( 2 ) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما أبالي إياه ( 3 ) مسست أو أنفي أو أذني
_________
( 1 ) قوله : حدثنا قابوس قال الحافظ ابن حجر في " التقريب " : قابوس بن أبي ظبيان - بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية - الجنبي - بفتح الجيم وسكون النون بعدها باء موحدة - الكوفي فيه لين . انتهى . وفي " أنساب " السمعاني : الجنبي بفتح الجيم وسكون النون في آخرها الباء المنقوطة بواحدة نسبة إلى جنب عدة قبائل وقيل قبيلة من مذحج والمنتسب إليه أبو ظبيان الجنبي واسمه حصين بن جندب يروي عن علي رضي الله عنه وابن مسعود وابنه قابوس بن أبي ظبيان الجنبي انتهى ملخصا
( 2 ) قوله : عن أبي ظبيان قال عبد الغني وابن ماكولا : هو بكسر الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها ياء تحتانية مثناة . وقال الحازمي : أكثر أهل الحديث واللغة يقولونه بفتح الظاء وسكون الباء اسمه حصين - بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة - ابن جندب بن عمرو بن الحارث بن وحشي بن مالك بن ربيعة الجنبي المذحجي - بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة - نسبة إلى مذحج قبيلة من أهل الكوفة تابعي مشهور سمع عليا وعمارا وأسامة بن زيد وروى عنه ابنه قابوس والأعمش مات بالكوفة سنة 90 هـ كذا ذكره ابن الأثير الجزري في " جامع الأصول " وفي " تهذيب التهذيب " : روى عن عمر وعلي وابن مسعود وسلمان وأسامة بن زيد وعمار وحذيفة وأبي موسى وابن عباس وابن عمر وعائشة ومن التابعين عن علقمة وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم وعنه ابنه قابوس وأبو إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل والأعمش وسماك بن حرب قال ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي والدارقطني : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " وسئل الدارقطني : " ألقي أبو ظبيان عمر وعليا ؟ قال : نعم قال ابن أبي عاصم : مات سنة 89 هـ وقال ابن سعد وغيره : مات سنة 90 هـ وقيل غير ذلك انتهى
( 3 ) أي الذكر

26 - قال محمد : أخبرنا أو كدينة ( 1 ) يحيى بن المهلب عن أبي إسحاق الشيباني ( 2 ) عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان ( 3 ) عن علقمة ( 4 ) عن قيس قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود قال : إني مسست ذكري وأنا في الصلاة فقال عبد الله : أفلا قطعته ؟ ( 5 ) ثم قال : وهل ذكرك إلا كسائر ( 6 ) جسدك ( 7 ) ؟
_________
( 1 ) قوله : أبو كدينة بضم الكاف وفتح الدال المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها نون يحيى بن المهلب بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام المفتوحة كذا ضبطه الفتني في " المغني " قال في " التقريب " : يحيى بن المهلب أبو كدينة البجلي الكوفي ثقة صدوق من أثبات التابعين
( 2 ) قوله : عن أبي إسحاق الشيباني نسبة إلى شيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الباء المثناة التحتية بعدها باء موحدة قبيلة في بكر بن وائل ذكره السمعاني في " الأنساب " وهو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني مولاهم الكوفي روى عن عبد الله بن أبي أوفى وزر بن حبيش وأبي بردة بن أبي موسى وعبد الله بن شداد بن الهاد وعبد العزيز بن رفيع وعكرمة وإبراهيم النخعي وغيرهم وعنه ابنه إسحاق وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم بن طهمان وابن عيينة وغيرهم . قال ابن معين : ثقة حجة وقال ابن أبي حاتم : صدوق صالح الحديث وقال العجلي : كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي قال يحيى بن بكير : مات سنة 129 هـ وقال ابن نمير : مات سنة 139 هـ واسم أبيه فيروز ويقال : خاقان وقيل : مهران كذا في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) بفتح الثاء المثلثة وسكون الراء المهملة بعدها واو ثم ألف ثم نون كذا ضبطه الحافظ عبد الغني في كتاب " مشتبه النسبة "
( 4 ) عن علقمة قال القاري في " شرحه " : هو علقمة بن أبي علقمة بلال مولى عائشة أم المؤمنين روى عن أنس بن مالك عن أمه وعنه مالك بن أنس وغيره . انتهى . والذي في ظني أنه غيره لأن علقمة بن بلال عداده في أهل المدينة والرواة في هذا السند من تقدم ومن تأخر كلهم من أهل الكوفة فالظن أن علقمة هذا أيضا من أهل الكوفة وقد ذكر في " تهذيب التهذيب " و " تقريب التهذيب " رجالا من أهل الكوفة مسمون بعلقمة أحدهم : علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكندي الكوفي روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وعنه أخوه عبد الجبار وابن أخيه سعيد وعبد الملك بن عمير وعمر بن مرة وسماك بن حرب وسلمة بن كهيل ... وغيرهم ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث . وثانيهم : علقمة بن مرثد الحضرمي أبو الحارث الكوفي روى عن سعد بن عبيدة وزر بن حبيش وكارق بن شهاب والمستورد بن الأحنف وسليمان بن بريدة وحفص بن عبد الله بن أنيس والقاسم بن مخيمرة . . وغيرهم . وروى عنه شعبة والثوري ومسعر المسعودي وإدريس بن يزيد الأودي والحكم بن ظهير وأبو حنيفة وحفص بن سليمان القاري . . وغيرهم . قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ثبت في الحديث وقال أبو حاتم : صالح في الحديث وقال النسائي : ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " . وثالثهم : علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة أبو شبيل النخعي الكوفي عم الأسود النخعي ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى عن عمر وعثمان وعلي وسعد وحذيفة وأبي الدرداء وابن مسعود وأبي موسى وخالد بن الوليد وسلمة بن يزيد الجعفي وعائشة . . وغيرهم . وعنه ابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي وابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعي وابراهيم بن سويد النخعي وعامر الشعبي وأبو وائل شقيق بن سلمة وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم قال ابن المديني : أعلم الناس بعبد الله بن مسعود علقمة والأسود وعبيدة والحارث وثقه ابن معين وشعبة وابن سيرين وغيرهم وأثثوا عليه خيرا وهو من أجل أصحاب ابن مسعود . مات سنة 161 هـ وقيل سنة 162 هـ وقيل سنة 163 هـ وقيل سنة 165 هـ وقيل سنة 172 هـ وقيل بعده
هذا فلينظر في أن علقمة المذكور في هذه الرواية أيهم ولم يظهر لي إلى الآن تشخيصه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا والظاهر أنه علقمة بن قيس وإن " عن " في الكتاب من النساخ وعبارته علقمة بن قيس كما هو في بعض النسخ وإن كان عن قيس كما وجدنا في أكثر النسخ فالظاهر أن المراد بقيس هو قيس ابن السكن الكوفي بدليل ما في " شرح معاني الآثار " : حدثنا أبو بكرة ثنا يحيى بن حماد نا أبو عوانة عن سليمان عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن قال عبد الله بن مسعود : ما أبالي مسست في الصلاة ذكري أم أذني أم أنفي
حدثنا بكر بن إدريس قال نا آدم بن أبي إياس نا شعبة نا أبو قيس قال : سمعت هذيلا يحدث عن عبد الله نحوه
حدثنا صالح نا سعيد نا هشيم أنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله مثله . انتهى
قال في " التهذيب " و " تهذيبه " : قيس بن السكن الأسدي الكوفي روى عن ابن مسعود والأشعث بن قيس وعنه ابن النعمان وأبو إسحاق السبيعي وعمارة بن عمير وسعد بن عبيدة والمنهال بن عمرو وأبو الشعثاء المحاربي قال ابن معين : ثقة وعده أبو الشعثاء في الفقهاء من أصحاب ابن مسعود وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال أبو حاتم : توفي في زمن مصعب بن الزبير له عندهما حديث واحد في صوم عاشوراء وقال ابن سعد : توفي في زمن مصعب بالكوفة وله أحاديث وكان ثقة . انتهى
قوله : عن علقمة بعدما كتبت ما كتبت سالفا من الله علي بمطالعة كتاب الحج فإذا فيه هذا الأثر بعينه سندا ومتنا وفيه : عن علقمة بن قيس فظهر قطعا صحة ما في بعض النسخ وأن المراد بعلقمة هو ثالث الثلاثة الذين ذكرناهم وتيقن أن ما فسره به القاري خطأ بلا شبهة . ولله الحمد على إظهاره ما تمنيت ظهوره
( 5 ) أي إن كنت تزعم أنه نجس العين فإن وجوده مانع لصحة الصلاة
( 6 ) قوله : إلا كسائر جسدك قد يعارض ما يفيده هذا الأثر وغيره من الآثار المتقدمة من تسوية الذكر مع سائر الأعضاء وكونه كسائر الجسد بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه . أخرجه البخاري وأبو داود وغيرهما . فلو كان الذكر بمنزلة الإبهام والأنف والأذن وسائر الجسد بكان لا بأس علينا أن نمسه بأيماننا . ويجاب عنه بأن النهي عن مس الذكر باليمين ليس مطلقا بل إذا بال بناء على أن مجاور الشيء يعطى حكمه وما ورد من الأحاديث المطلقة في النهي محمول على ذلك كذا حققه ابن أبي جمرة في " بهجة النفوس " شرح مختصر صحيح البخاري واستدل على الإباحة في غير حالة البول بحديث طلق " إنما هو بضعة منك " . لكن قد ذهب جماعة من العلماء إلى أن النهي عنه مطلق غير مقيد بحالة البول
( 7 ) لا بأس بمسه

27 - قال محمد : أخبرنا يحيى بن المهلب عن إسماعيل بن أبي خالد ( 1 ) عن قيس بن أبي حازم ( 2 ) قال : جاء رجل إلى سعد بن أبي وقاص قال : أيحل لي أن أمس ذكري وأنا في الصلاة ؟ فقال : إن علمت أن منك ( 3 ) بضعة نجسة فاقطعها ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : عن إسماعيل هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي مولاهم الكوفي نسبة إلى أحمس - بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة - طائفة من بجلة نزلوا الكوفة كما ذكره السمعاني روى عن أبيه وأبي جحيفة وعبد الله بن أبي أوفى وقيس بن أبي حازم - وأكثر عنه - وغيرهم وعنه شعبة والسفيانان وابن المبارك ويحيى القطان وغيرهم . قال ابن معين وابن مهدي والنسائي : ثقة وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة وقال أبو حاتم : لا أقدم عليه أحدا من أصحاب الشعبي وهو ثقة مات سنة 126 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عن قيس بن أبي حازم هو أبو عبد الله البجلي الكوفي تابعي كبير هاجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم وفاتته الصحبة بليال وروى عن أبي بكر وعمر وغيرهما وعنه بيان بن بشر وإسماعيل بن أبي خالد وخلق وثقوه . ويقال : إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة المبشرة مات بعد التسعين أو قبلها وجاوز المائة كذا في " التقريب والكاشف " وذكر ابن الأثير في " جامع الأصول " أنه روى عن العشرة المبشرة إلا عن عبد الرحمن بن عوف قال ابن عيينة : ما كان بالكوفة أروى عن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من قيس بن أبي حازم واسم أبي حازم - بكسر الزاي - حصين بن عون ويقال عبد عوف بن الحارث وقيل عوف بن الحارث من بني أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار الأحمسي البجلي
( 4 ) أي : من جملة أعضائك
( 5 ) وفي رواية الطحاوي عن إسماعيل بن قيس سئل سعد عن مس الذكر فقال : أن كان نجسا فاقطعه

28 - قال محمد : أخبرنا إسماعيل بن عياش ( 1 ) قال : حدثني جرير بن عثمان ( 2 ) عن حبيب ( 3 ) عن عبيد ( 4 ) عن أبي الدرداء ( 5 ) أنه سئل عن مس الذكر فقال : إنما هو بضعة منك
_________
( 1 ) قوله إسماعيل بن عياش هو إسماعيل بن عياش - بفتح العين وتشديد الياء - العنبسي أبو عتبة الحمصي قال يعقوب بن سفيان : تكلم فيه قوم وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث أهل الشام ( في الأصل : " الشام " والظاهر : " أهل الشام " ) وأكثر ما قالوا : يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين وقال يزيد بن هارون : ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش ما أدري ما سفيان الثوري وقال عثمان الدارمي : أرجو أن لا يكون به بأس وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين : ثقة فيما روى عن الشاميين وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم مات سنة 181 هـ وقيل سنة 182 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : حدثني جرير بن عثمان بفتح الجيم وكسر الراء المهملة الأولى ذكره السمعاني في " الأنساب " في نسبة الرحبي - بفتحتين - نسبة إلى بني رحبة بطن من حمير فقال : ومن المنتسبين إليه أبو عثمان جرير بن عثمان بن جبر بن أحمر بن أسعد الرحبي الحمصي ويقال أبو عون سمع عبد الله بن بسر الصحابي وراشد بن سعد وعبد الرحمن بن ميسرة وغيرهم وروى عنه بقية وإسماعيل بن عياش وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ العنبري والحكم بن نافع وجماعة سواهم كان ثقة ثبتا قال العجلي : جرير شامي ثقة وحكى عنه أنه كان يشتم علي بن أبي طالب : وحكى رجوعه عنه ولد سنة 80 هـ ومات سنة 163 هـ . انتهى ملخصا
( 3 ) قوله : عن حبيب قال في " تهذيب التهذيب " : حبيب بن عبيد الرحبي أبو حفص الحمصي روى عن العرباض بن سارية والمقدام بن معديكرب وجبير بن نفير وبلال بن أبي الدرداء وغيرهم وعنه جرير بن عثمان وثور بن يزيد ومعاوية بن صالح قال النسائي : ثقة وقال حبيب بن عبيد أركت سبعين رجلا من الصحابة وقال العجلي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات . انتهى ملخصا
( 4 ) قوله : عن عبيد بضم العين لعله والد حبيب أو غيره وفي كتاب " ثقات التابعين " لابن حبان كثير من الكوفيين والشاميين ممن اسمه عبيد ولم أدر إلى الآن تعيينه ها هنا ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا . وهذا على ما وجدنا في بعض النسخ ولا أظنه صحيحا والصحيح ما في بعض النسخ المعتمدة " عن حبيب بن عبيد " فالراوي عن أبي الدرداء هو حبيب بلا واسطة
( 5 ) قوله : عن أبي الدرداء بفتح الدالين المهملتين بينهما راء مهملة ساكنة عويمر بن عامر وقيل عامر من بني كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي وقد اختلفوا كثيرا في اسمه ونسبه واشتهر بكنيته والدرداء بنته كان فقيها عالما شهد ما بعد أحد وسكن الشام ومات بدمشق سنة 32 هـ وقيل 31 هـ وقيل سنة 34 هـ كذا في " جامع الأصول "

6 - ( باب الوضوء ( 1 ) مما غيرت النار ) ( 2 )
29 - أخبرنا مالك حدثنا وهب ( 3 ) بن كيسان قال : سمعت جابر ( 4 ) بن عبد الله يقول : رأيت ( 5 ) أبا بكر ( 6 ) الصديق أكل لحما ( 7 ) ثم صلى ولم يتوضأ
_________
( 1 ) قوله : الوضوء مما غيرت النار قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار وممن ذهب إلى ذلك : ابن عمر وأبو طلحة وأنس وأبو موسى وعائشة وزيد بن ثابت وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن البصري والزهري . وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار ورأوه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم وممن لم بر منه وضوءا : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبي بن كعب وأبو أمامة وأبو الدرداء والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله ومن التابعين : عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومالك والشافعي وأهل الحجاز عامتهم والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق كذا في " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار " للحازمي
( 2 ) أي : طعام غيرته النار ووصل فيه أثره
( 3 ) قوله : وهب بن كيسان بفتح الكاف قال في " الإسعاف " : وهب بن كيسان القرشي مولاهم أبو نعيم المدني وثقه النسائي وابن سعد مات سنة 127 هـ
( 4 ) قوله : جابر هو أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن عمرو بن سواد بن سلمة الأنصاري من مشاهير الصحابة شهد بدرا - على ما قيل - وما بعدها وأبوه أحد النقباء الاثني عشر وكف بصر جابر آخر عمره مات بالمدينة سنة 74 هـ وقيل سنة 77 هـ وقيل سنة 78 هـ وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة كذا في " جامع الأصول "
( 5 ) قوله : رأيت ... . إلخ أعلم مالك الناظر في موطئه أن عمل الخلفاء الراشدين بترك الوضوء مما مسته النار دليل على أنه منسوخ وقد جاء هذا المعنى عن مالك نصا : روى محمد بن الحسن عن مالك أنه سمعه يقول : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر كان ذلك دليلا على أن الحق في ما عملا به كذا في " الاستذكار "
( 6 ) قوله : أبا بكر الصديق هو أبو بكر عبد الله بن عثمان أبي قحافة - بضم القاف - ابن عامر بن عمرو بن كعب الملقب بالعتيق رفيق النبي صلى الله عليه و سلم في الغار الشاهد معه المشاهد كلها وهو أول من أسلم من الرجال وله مناقب مشهورة مات سنة 13 هـ كذا في " أسماء رجال المشكاة "
( 7 ) أي : مطبوخا

30 - أخبرنا مالك حدثنا زيد ( 1 ) بن أسلم عن عطاء ( 2 ) بن يسار عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل ( 3 ) جنب ( 4 ) شاة ثم صلى ولم يتوضأ ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : زيد بن أسلم هو أبو أسامة وقيل أبو عبد الله زيد بن أسلم المدني الفقيه مولى عمر قال أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وابن خراش : ثقة وقال يعقوب بن شيبة : ثقة من أهل الفقه والعلم وكان عالما بالتفسير مات سنة 136 هـ وقيل غير ذلك كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عطار بن يسار بفتح الياء أبو محمد الهلالي المدني مولى ميمونة أم المؤمنين ثقة فاضل صاحب عبادة ومواعظ من التابعين مات سنة 94 هـ وقيل بعد ذلك كذا في " التقريب "
( 3 ) قوله : أكل جنب شاة أي : لحمه وللبخاري في الأطعمة " تعرق " أي : أكل ما على العرق - بفتح العين وسكون الراء - هو العظم وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه و سلم ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما عند البخاري من حديثها أنه صلى الله عليه و سلم أكل عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ وهو خالة ابن عباس كما أن ضباعة بنت عمه كذا في " فتح الباري "
( 4 ) بفتح الجيم : القطعة من الشيء
( 5 ) قوله : ولم يتوضأ كان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة والإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر : " كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار " رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره : إن المراد بالأمر ههنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وإن هذا الحديث مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه و سلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوء الظهر كان لأجل حدث لا لأكل الشاة . وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال : لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون فرجحنا به أحد الجانبين . وجمع الخطابي بأن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب كذا في " الفتح "

31 - أخبرنا مالك أخبرنا محمد بن المنكدر ( 1 ) عن محمد ( 2 ) بن إبراهيم التيمي عن ربيعة ( 3 ) عن عبد الله ( 4 ) : أنه تعشى ( 5 ) ( 6 ) مع عمر بن الخطاب ( 7 ) ثم صلى ( 8 ) ولم يتوضأ
_________
( 1 ) قوله : محمد بن المنكدر بضم الميم وسكون النون وفتح الكاف وكسر الدال المهملة ابن عبد الله بن الهدير - بالتصغير - التيمي المدني ثقة فاضل مات سنة 130 هـ أو بعدها كذا في " التقريب "
( 2 ) قوله : عن محمد بن إبراهيم ابن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني ثقة مات سنة 120 هـ على الصحيح كذا في " التقريب "
( 3 ) قوله : عن ربيعة هو ربيعة بن عبد الله بن الهدير - بالتصغير - التيمي المدني روى عن عمر وطلحة وأبي سعيد الخدري وعنه ابنا أخيه محمد وأبو بكر ابنا المنكدر بن عبد الله وابن أبي مليكة ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن سعد : ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان ثقة قليل الحديث وقال العجلي : تابعي مدني ثقة مات سنة 93 هـ كذا في " تهذيب التهذيب " والدليل على أن المراد بربيعة المذكور ههنا هو هذا كلام الطحاوي في " شرح معاني الآثار " : نا يونس قال : نا ابن وهب أن مالكا حدثه عن محمد بن المنكدر وصفوان بن سليم أنهما أخبراه عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه تعشى مع عمر بن الخطاب ثم صلى ولم يتوضأ انتهى
وقد أخطأ القاري حيث فسره بربيعة الرأي شيخ مالك حيث قال عن ربيعة أي ابن أبي عبد الرحمن تابعي جليل القدر أحد فقهاء المدينة سمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه الثوري ومالك مات سنة 136 هـ انتهى
( 4 ) عن عبد الله هكذا في بعض النسخ وعليه كتب القاري : " إذا أطلق عبد الله عند المحدثين فهو عبد الله بن مسعود . انتهى . فأشار إلى أن المتعشي مع عمر بن الخطاب هو ابن مسعود وأن ربيعة روى عنه ذلك وفي بعض النسخ الصحيحة ربيعة بن عبد الله أنه تعشى مع عمر وهو الموافق لما ذكره الطحاوي من رواية مالك فحينئذ يكون المتعشي مع عمر هو ربيعة بن عبد الله بن الهدير
( 5 ) أي : أكل العشاء وهو بفتح العين الطعام الذي يؤكل في المساء كذا في " النهاية "
( 6 ) طعاما مسته النار
( 7 ) قوله : مع عمر بن الخطاب ... إلخ قد أخرج الطحاوي عن جابر : أكلنا مع أبي بكر خبزا ولحما ثم صلى ولم يتوضأ وأكلنا مع عمر خبزا ولحما ثم قام إلى الصلاة ولم يمس ماءا وأخرج عن إبراهيم أن ابن مسعود وعلقمة خرجا من بيت عبد الله بن مسعود يريدان الصلاة فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد ولحم فأكلا فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه ثم قام إلى الصلاة
وأخرج عن عبيد قال : رأيت عثمان أتي بثريد فأكل ثم تمضمض ثم غسل يديه ثم قام فصلى بالناس ولم يتوضأ . أخرج عن أبي نوفل : رأيت ابن عباس أكل خبزا ولحما حتى سال الودك على أصابعه فغسل يديه وصلى المغرب . وأخرج عن سعيد بن جبير أن ابن عباس أتي بجفنة من ثريد ولحم عند العصر فأكل فغسل أطراف أصابعه ثم صلى ولم يتوضأ . أخرج عنه : دخل قوم على ابن عباس فأطعمهم طعاما ثم صلى بهم على طنفسة فوضعوا عليها وجوههم وجباههم وما توضؤوا . وأخرج عن مجاهد عن ابن عمر قال : لا نتوضأ من شيء نأكله . وأخرج عن أبي أمامة : أنه أكل خبزا ولحما فصلى ولم يتوضأ وقال : الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل . وأخرج عن أنس : أكلنا أنا وأبو طلحة وأبو أيوب طعاما قد مسته النار فقمت لأتوضأ فقال : أتتوضأ من الطيبات لقد جئت بها عراقية . وأخرج عن ابن مسعود قال : لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة
فهذه الآثار ونحوها تشيد عدم انتقاض الوضوء مما مسته النار
( 8 ) أي : عمر

32 - أخبرنا مالك أخبرني ضمرة ( 1 ) بن سعيد المازني عن أبان ( 2 ) ابن عثمان : أن عثمان بن عفان أكل لحما وخبزا ( 3 ) فتمضمض وغسل يديه ( 4 ) ثم مسحهما ( 5 ) بوجهه ثم صلى ولم يتوضأ
_________
( 1 ) قوله : ضمرة بن سعيد بفتح الضاد المعجمية ابن أبي حنة بالفتح والنون المشددة عمرو بن غزية الأنصاري المازني نسبة إلى مازن بكسر الزاي قبيلة من الأنصار وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي وذكره ابن حبان في " الثقات " كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عن أبان بفتح الهمزة وخفة الباء الوحدة هو ابن عثمان بن عفان أمير المؤمنين ثالث الخلفاء المهديين أبو عبد الله المدني تابعي له روايات كثيرة ثقة مات سنة 105 هـ . وأبوه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ذو النورين له مناقب جمة استشهد في ذي الحجة 35 هـ كذا في " التقريب " و " جامع الأصول "
( 3 ) بالضم
( 4 ) قوله : غسل يديه في استحباب غسل اليدين بعد الفراغ من الأكل وورد استحبابه أيضا عند بدء الأكل في عدة روايات وأخطأ من أنكر استحبابه
( 5 ) قوله : ثم مسحهما بوجهه لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام

33 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى ( 1 ) بن سعيد قال : سألت عبد الله بن عامر ( 2 ) بن ربيعة العدوي ( 3 ) عن الرجل يتوضأ ثم يصيب الطعام ( 4 ) قد مسته النار ( 5 ) أيتوضأ ( 6 ) منه ؟ قال : قد رأيت أبي ( 7 ) يفعل ذلك ( 8 ) ثم لا يتوضأ
_________
( 1 ) قوله أخبرنا يحيى بن سعيد هو شيخ الإسلام أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني قاضي المدينة حدث عن أنس والسائب بن يزيد وأبي أمامة وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وغيرهم وعنه شعبة ومالك والسفيانان والحمادان وابن المبارك وخلق سواهم قال أيوب السختياني : ما تركت بالمدينة أفقه منه وقال يحيى القطان : هو مقدم على الزهري وقال أبو حاتم : ثقة يوازي الزهرن وقال العجلي : ثقة فقيه فاضل مات بالهاشمية سنة 143 هـ كذا في " تذكرة الحفاظ " للذهبي
( 2 ) قوله : عبد الله بن عامر بن ربيعة هو عبد الله بن عامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة بن حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة - بالضم مصغرا - بن عنز - بالفتح ثم السكون - بن وائل بن قاسط العنزي وفي نسبه خلاف أبو محمد توفي النبي صلى الله عليه و سلم وله أربع أو خمس سنين وله أخ أكبر منه يسمى بعبد الله واستشهد الأكبر يوم الطائف ومات الأصغر سنة 85 هـ وقيل سنة 70 هـ وأبوهما عامر كان حليفا لبني عدي بن كعب ولذلك يقال له العدوي هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعده مات سنة 32 هـ وقيل سنة 33 هـ وقيل سنة 35 هـ كذا في " جامع الأصول " لابن الأثير الجزري
( 3 ) بفتحتين نسبة إلى بني عدي
( 4 ) أي : يأكله
( 5 ) صفة للطعام بجعل لامه للعهد الذهني
( 6 ) بهمزة الاستفهام
( 7 ) أي : عامر بن ربيعة وهو ممن هاجر الهجرتين
( 8 ) أي : يأكل ما مسته النار

34 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ( 1 ) مولى بني حارثة ( 2 ) أن سويد ( 3 ) ابن نعمان أخبره : أنه ( 4 ) خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام خيبر ( 5 ) ( 6 ) حتى إذا كانوا بالصهباء ( 7 ) - وهي ( 8 ) أدنى خيبر - صلوا العصر ثم دعا ( 9 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأزواد ( 10 ) فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به ( 11 ) فثري ( 12 ) لهم بالماء فأكل ( 13 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ( 14 ) ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ ( 15 )
قال محمد : وبهذا ( 16 ) نأخذ لا وضوء مما مسته النار ولا مما دخل ( 17 ) ( 18 ) إنما الوضوء ( 19 ) مما خرج من الحدث ( 20 ) فأما ما دخل من الطعام مما مسته النار أو لم تمسسه فلا وضوء فيه ( 21 ) وهو ( 22 ) قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عن بشير هو بشير - بالضم - بن يسار - بالفتح - الحارثي الأنصاري مولاهم المدني قال ابن معين : ثقة وقال ابن سعد : كان شيخا كبيرا فقيها قد أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث وقال النسائي : ثقة كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) من الأنصار
( 3 ) قوله : سويد هو بالضم ابن نعمان بن مالك بن عائد بن مجدعة بن حشم بن حارثة الأنصاري الأوسي شهد بيعة الرضوان وقيل أحدا وما بعدها يعد في أهل المدينة وحديثه فيهم كذا في " جامع الأصول "
( 4 ) أي : سويد
( 5 ) أي : عام غزوة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي سنة سبع من الهجرة
( 6 ) قوله : خيبر بخاء معجمية مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء غير منصرف مدينة كبيرة على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام
( 7 ) بفتح المهملة والمد
( 8 ) قوله : وهي أدنى خيبر أي : طرفها مما يلي المدينة وقال أبو عبيد البكري في " معجم البلدان " : هي على بريدين من خيبر وبين البخاري من حديث ابن عبيد أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت كذا في " فتح الباري "
( 9 ) فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلا
( 10 ) جمع زاد : وهو ما يؤكل في السفر
( 11 ) أي : بالسويق
( 12 ) قوله : فثري بلفظ مجهول الماضي من التثرية أي : بل يقال : ثريت السويق إذا بللته والسويق : ما يؤخذ من الشعير والحنطة وغيرها للزاد كذا في " الكواكب الدراري "
( 13 ) أي : منه
( 14 ) قوله : فمضمض أي : قبل الدخول في الصلاة وفائدة المضمضة من السويق وإن كان لا دسم له أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله كذا في " الفتح "
( 15 ) قوله : ولم يتوضأ : قال الخطابي : فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم . وخيبر كانت سنة سبع قلت : لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في " صحيح مسلم " وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه و سلم كذا في " الفتح "
( 16 ) أي بما أفادته ( في الأصل : " أفاده " والظاهر : " أفادته " ) هذه الأخبار
( 17 ) في جوف الآدمي
( 18 ) من غير ما مسته النار
( 19 ) قوله : إنما الوضوء مما خرج كأنه يشير إلى ماروي عن عباس أنه قال : الوضوء مما خرج وليس مما دخل أخرجه الدار قطني وأخرج أيضا في كتاب " غرائب مالك " عن ابن عمر مرفوعا : لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من قبل أو دبر . قال ابن الهمام في " فتح القدير " : ضعف بشعبة مولى ابن عباس وقال في الكمال : بل بالفضل بن المختار وقال سعيد بن منصور : إنما يحفظ هذا من قول ابن عباس وقال البيهقي : روي عن علي من قوله . انتهى
( 20 ) قوله : من الحدث كالغائط والبول والدم السائل والمذي والقيء وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه
( 21 ) قوله : فلا وضوء فيه لما مر من الأخبار المرفوعة والآثار الموقوفة ويعارضها أحاديث الأمر بالوضوء مما مسته النار فروى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا : توضؤوا مما غيرت النار فقال ابن عباس : أتوضأ من الحميم ؟ فقال : يا ابن أخي إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا فلا تضرب له الأمثال
وروي عن عائشة مرفوعا : توضؤوا مما مست النار
وروى أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا : الوضوء مما أنضجت النار
وروي عن سعيد بن المغيرة : أنه دخل على أم حبيبة فسقته قدحا من سويق فدعا بماء فمضمض فقالت : يا ابن أختي ألا توضأ ؟ إن النبي عليه الصلاة و السلام قال : توضؤوا مما غيرت النار
وروى الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعا : الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط . فقال له ابن عباس : أنتوضأ من الدهن أنتوضأ من الحميم ؟ فقال : يا ابن أخي إذا سمعت حديثا فلا تضرب له مثلا
وروى النسائي عن المطلب بن عبد الله قال : قال ابن عباس : أنتوصأ من طعام أجده حلالا في كتاب الله لأن النار مسته ؟ فجمع أبو هريرة حصى وقال : أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " توضؤوا مما مست النار "
وروى النسائي عن أبي أيوب مرفوعا : توضؤوا مما غيرت النار
وعن أبي طلحة مرفوعا مثله
وعن زيد بن ثابت مرفوعا : توضؤوا مما مست النار
وروى الطحاوي عن أبي طلحة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل ثور أقط فتوضأ منه
وروى عن زيد بن ثابت مرفوعا : توضؤوا مما غيرت النار
وعن أم حبيبة مرفوعا : توضؤوا مما مست النار
وعن القاسم مولى معاوية : أتيت المسجد فرأيت الناس مجتمعين على شيخ يحدثهم قلت : من هذا ؟ قالوا : سهل بن الحنظلة فسمعته يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أكل لحما فليتوضأ "
وعن أبي قلابة عن رجل من الصحابة قال : كنا نتوضأ مما غيرت النار ونمضمض من اللبن
وعن أبي هريرة بأسانيد متعددة نحو ما مر
وعن جابر أن رجلا قال : يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : " إن شئت فعلت وإن شئت لا تفعل " قال : يا رسول أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : " نعم "
وروى ابن ماجه عن البراء : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ فقال : " توضؤوا منها "
وروي عن جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم
ومثله في سنن أبي داود وغيره عن البراء وغيره
ولاختلاف الأخبار في هذا الباب اختلف العلماء فيه فمنهم من جعله ناقضا بل جعله الزهري ناسخا لعدم النقض ومنهم من لم يجعله ناقضا وحكموا بأن الأمر منسوخ بحديث جابر وغيره وعليه الأكثر ومنهم من قال : من أكل لحم الإبل خاصة وجب عليه الوضوء وليس عليه الوضوء في غيره أخذا من حديث البراء وغيره وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وهو مذهب قوي من حيث الدليل وقد رجحه النووي وغيره
وقد سلك بعض العلماء مسلك الجمع فاختار بعضهم أن الأمر للاستحباب واختار بعضهم أن الأمر عزيمة والترك رخصة واختار بعضهم أن الوضوء في أحاديث الأمر محمول على غسل اليدين . وهو قول باطل أبطله ابن عبد البر وغيره والكلام في هذا المبحث طويل ( انظر السعاية في كشف ما في " شرح الوقاية " 1 / 268 )
( 22 ) أي : عدم الوضوء فيه

7 - ( باب الرجل والمرأة يتوضأان ( 1 ) من إناء واحد )
35 - أخبرنا مالك حدثنا نافع ( 2 ) عن ابن عمر ( 3 ) : كان الرجال ( 4 ) والنساء يتوضؤون ( 5 ) جميعا ( 6 ) في زمن ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 8 )
قال محمد : لا بأس ( 9 ) بأن تتوضأ المرأة وتغتسل مع الرجل من إناء ( 10 ) واحد ( 11 ) إن بدأت قبله أو بدأ قبلها ( 12 ) وهو قول أبي حنيفة ( 13 ) رحمه الله
_________
( 1 ) بأن يكون الماء موضوعا في إناء واحد ويغترفان منه
( 2 ) قوله : حدثنا نافع قال شيخ الإسلام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : نافع أبو عبد الله العدوي المدني حدث عن مولاه ابن عمر وعن عائشة وأبي هريرة وأم سلمة ورافع بن خديج وطائفة وعنه أيوب وعبيد الله وابن جريج والأوزاعي ومالك والليث وخلق قال البخاري وغيره : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر قال ابن وهب : حدثني مالك قال : كنت آتي نافعا وأنا غلام حديث السن فيحدثني وكان يجلس بعد الصبح في المسجد لا يكاد يأتيه أحد قال حماد بن زيد ومحمد بن سعد : مات نافع سنة 117 هـ وقال يحيى بن معين : نافع ديلمي وعن نافع قال : خدمت ابن عمر ثلاثين سنة فأعطي ابن عمر في ثلاثين ألفا فقال : إني أخاف أن تفتني دراهم فأعتقني . انتهى ملخصا
وفي " جامع الأصول " : نافع بن سرجس - بفتح السن المهملة الأولى وسكون الراء المهملة وكسر الجيم - مولى ابن عمر كان ديلميا من كبار التابعين المدنيين من المشهورين بالحديث ومن الثقات الذي يجمع على حديثهم ويعمل به ومعظم حديث ابن عمر عليه دار قال مالك : كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي أن لا أسمعه من أحد مات سنة 117 هـ وقيل سنة 120 هـ . انتهى . ومثله في " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " للسيوطي فإنه قال : نافع بن سرجس الديلمي مولى ابن عمر المدني عن مولاه ورافع بن خديج وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وطائفة وعنه بنوه عبد الله وأبو بكر وعمر والزهري وموسى بن عقبة وأبو حنيفة ومالك والليث وخلق
قال البخاري : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر مات سنة 117 هـ . انتهى . والذي يعلم من ثقات ابن حبان أن نافعا مولى ابن عمر ليس بابن سرجس بل هو غيره فإنه قال أولا في حرف النون نافع مولى ابن عمر أصابه ابن عمر في بعض غزواته كنيته أبو عبد الله اختلف في نسبه ولم يصح فيه عندي شيء فأذكره يروي عن ابن عمر وأبي سعيد روى عنه الناس مات سنة 117 هـ . انتهى . ثم قال : نافع بن سرجس الحجازي مولى بني سباع كنيته أبو سعيد يروي عن أبي واقد الليثي روى عنه عبد الله بن عثمان بن خشيم . انتهى وذكر صاحب المشكاة في " أسماء رجال المشكاة " في نسبه مثل ما في " جامع الأصول " حيث قال : نافع بن سرجس - بفتح السين الأولى وسكون الراء وكسر الجيم - كان ديلميا من كبار التابعين سمع ابن عمر وأبا سعيد وعنه خلق كثير منهم مالك والزهري . انتهى . وذكر في " التقريب " و " التهذيب " و " تهذيبه " و " الكاشف " : نافع أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر مات سنة 117 هـ من غير ذكر نسبه
( 3 ) قوله : عن ابن عمر المراد به حيث أطلق عبد الله بن عمر بن الخطاب وإن كان له أبناء آخرون أيضا كما أنه يراد بابن عباس وابن مسعود وابن الزبير عند الإطلاق هو عبد الله . ترجمته مبسوطة في " تذكرة الحفاظ " للذهبي وغيره وفي " الإسعاف " عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المكي أسلم قديما مع أبيه وهو صغير بل روي أنه أول مولود ولد في الإسلام واستصغر يوم أحد وشهد الخندق وما بعدها وقال فيه النبي صلى الله عليه و سلم : " أنه رجل صالح " ورى عنه بنوه : سالم وحمزة وعبد الله وبلال وعبيد الله وعمر وزيد وحفيده محمد بن زيد وأبو بكر بن عبيد ومولاه نافع وزيد بن أسلم وعطاء وخلق ومسنده عند بقي بن مخلد ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثا توفي سنة 73 هـ وقيل سنة 74 هـ . انتهى
( 4 ) قوله : كان الرجال ... . إلخ فإن قلت : يعارضه ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قلت : حديث الإباحة أصح كذا في " الكواكب الدراري "
( 5 ) قوله : يتوضؤون قال الرافعي : يريد كل رجل مع امرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد وكذلك ورد في بعض الروايات . قلت : ما تكلم على هذا الحديث أحسن من الرافعي فلقد خلط فيه جماعة كذا في " التنوير "
( 6 ) زاد ابن ماجه عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث : من إناء واحد . وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : ندلي فيه أيدينا . وظاهر قوله " جميعا " أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حده وهؤلاء على حده والزيادة المتقدمة في قوله : من إناء واحد ترد عليه . وإن كان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب فقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه : كان الرجال يتوضؤون فيذهبون ثم تأتي النساء فتتوضأن . وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طرق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أنه أبصر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه والأولى في الجواب أن يقال : لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب وأما بعده بالزوجات والمحارم كذا في " فتح الباري "
( 7 ) قوله : في زمن ... إلخ يستفاد منه أن الصحابي إذا أضاف فعلا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح كذا في " الفتح "
( 8 ) وفي نسخة زيادة " من إناء واحد "
( 9 ) قوله : لا بأس . . إلخ قد وردت بذلك أخبار كثيرة : فمن ذلك ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت : أجنبت فاغتسلت من جفنة فبقيت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه و سلم يغتسل منه فقت له فقال : الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه . هذا لفظ الدارقطني وقد أعله قوم بأن فيه سماك بن حرب الراوي عن عكرمة وكان يقبل التلقين . ورده ابن حجر في " فتح الباري " بأنه قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم
وروى الشيخان وغيرهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم وميمونه كانا يغتسلان من إناء واحد
وأخرج الطحاوي عن عائشة : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد
وعن أم سلمة : كنت إغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من مركن واحد نفيض على أيدينا حتى ننقيها ثم نفيض علينا الماء
وعن عائشة : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد يبدأ قبلي وفي رواية : من إناء واحد تختلف فيه أيدينا من الجنابة
وعن عروة : أن عائشة والنبي صلى الله عليه و سلم كانا يغتسلان من إناء واحد يغترف قبلها وتغترف قبله
وعن ابن عباس عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم : اغتسلت من جنابة فجاء النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ فقالت له فقال : " إن الماء لا ينجسه شيء "
وهناك أخبار وردت بالمنع عن الوضوء بفضل المرأة : ففي سنن أبي داود والنسائي عن داود بن عبد الله قالت : لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه و سلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا
وفي سنن أبي داود عن الحكم عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة
ولابن ماجه عن علي : كان النبي صلى الله عليه و سلم وأهله يغتسلون من إناء واحد ولا يغتسل أحدهما بفضل صاحبه
وله عن عبد الله بن سرجس : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل وضوء الرجل ( وفي الأصل : " الرجل " والظاهر : " وضوء الرجل " ) ولكن يشرعان جميعا
ولاختلاف الأخبار اختلفت الآراء على خمسة أقوال :
الأول : كراهة تطهر المرأة بفضل الرجل وبالعكس
والثاني : كراهة تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وجواز العكس
والثالث : جواز التطهر إذا اغترفا جميعا وإذا خلت المرأة فلا خير في الوضوء بفضلها
والرابع : أنه لا بأس بتطهر كل منهما بفضل الآخر شرعا ( في الأصل : " شرعا " وهو خطأ والصواب : " شرعا " ) جميعا أو تقدم أحدهما وعليه عامة الفقهاء
والخامس : جواز ذلك ما لم يكن الرجل جنبا والمرأة حائضا
وقد روي عن ابن عباس وزيد وجمهور الصحابة والتابعين جواز الوضوء بفضل المرأة إلا ابن عمر فإنه كره فضل وضوء الجنب والحائض كذا في " الاستذكار "
والجواب للجمهور عن أحاديث النهي بوجوه : أحدها : أنها ضعيفة بالنسبة إلى أحاديث الإباحة والثاني : أن المراد النهي عن فضل أعضائها أي : المتساقط منها . والثالث : أن النهي للاستحباب والأفضل كذا قال النووي في شرح صحيح مسلم
( 10 ) بأن يأخذا الماء منه لا أنهما يتوضأان فيه
( 11 ) قوله : من إناء واحد نقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال المرأة والرجل من الإناء الواحد وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كان جنبا وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا عن التطهير بفضل المرأة وبه قال أحمد وإسحاق لكن قيده بما إذا خلت به كذا في " الفتح "
( 12 ) أي : سواء كانت بداية المرأة قبل الرجل أو بالعكس
( 13 ) وأبي يوسف ذكره الطحاوي

8 - ( باب الوضوء من الرعاف ) ( 1 )
36 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا رعف ( 2 ) رجع فتوضأ ( 3 ) ولم يتكلم ثم رجع ( 4 ) فبنى على ما صلى
_________
( 1 ) قوله : الرعاف قال المجد : رعف كنصر ومنع وكرم وعني وسمع وخرج من أنفه الدم رعفا ورعافا كغراب والرعاف أيضا الدم بعينه
( 2 ) بفتح العين وضمها
( 3 ) حالية ولو تكلم بال عذر بطلت صلاته
( 4 ) إلى مصلاه

37 - أخبرنا مالك حدثنا يزيد ( 1 ) بن عبد الله بن قسيط أنه رأى سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة ( 2 ) أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فأتي ( 3 ) بوضوء ( 4 ) فتوضأ ثم رجع فبنى على ما قد صلى
_________
( 1 ) قوله : يزيد قال في " التقريب " : يزيد بن عبد الله بن قسيط - بقاف وسين مهملتين مصغرا - ابن أسامة الليثي أبو عبد الله المدني الأعرج ثقة مات سنة 122 هـ . انتهى
( 2 ) لأنها أقرب موضع إلى المسجد ليقل المشي
( 3 ) أي : أتاه آت بالماء
( 4 ) بالفتح ماء الوضوء

38 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن الذي يرعف فيكثر ( 1 ) عليه الدم كيف يصلي ؟ قال : يومئ إيماء برأسه ( 2 ) في الصلاة
_________
( 1 ) أي : يكثر سيلانه ولا يحتبس
( 2 ) مخافة تلويث ثيابه وتنجيس موضع سجوده

39 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن المجبر ( 1 ) بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب : أنه رأى سالم بن عبد الله بن عمر يدخل إصبعه في أنفه أو ( 2 ) إصبعيه ثم يخرجها وفيها ( 3 ) شيء من دم ( 4 ) فيفتله ( 5 ) ثم يصلي ولا يتوضأ ( 6 )
قال محمد : وبهذا كله ( 7 ) نأخذ فأما الرعاف فإن مالك بن أنس كان لا يأخذ بذلك ( 8 ) ويرى ( 9 ) إذا رعف الرجل في صلاته أن يغسل ( 10 ) الدم ويستقبل الصلاة ( 11 )
فأما أبو حنيفة فإنه يقول بما روى ( 12 ) مالك عن ابن عمر وعن سعيد بن المسيب إنه ( 13 ) ينصرف فيتوضأ ( 14 ) ثم يبني ( 15 ) على ما صلى إن لم يتكلم ( 16 ) ( 17 ) وهو ( 18 ) قولنا ( 19 )
وأما إذا كثر ( 20 ) الرعاف ( 21 ) على الرجل فكان إن أومأ ( 22 ) برأسه إيماء لم يرعـف وإن سجد رعف . أومأ ( 23 ) ( 24 ) برأسه إيماء وأجزاه ( 25 ) وإن كان يرعـف كل حال ( 26 ) سجد
وأما إذا أدخل الرجل إصبعه في أنفه فأخرج عليها شيئا من دم فهذا لا وضوء فيه ( 27 ) لأنه غير سائل ( 28 ) ولا قاطر وإنما الوضوء في الدم مما سال أو قطر وهو قول أبي حنيفة ( 29 )
_________
( 1 ) قوله : المجبر بضم الميم وفتح الجيم وتشديد موحدة مفتوحة فراء وإنما قيل له المجبر لأنه سقط فتكسر فجبر كذا قاله ابن عبد البر وفي " جامع الأصول " : المجبر بن عبد الرحمن الأصغر بن عمر يقال اسمه عبد الرحمن . انتهى . وفي " مشتبه النسبة " للحافظ عبد الغني : مجبر بالجيم والباء والمجبر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب روى مالك عن ابنه عبد الرحمن . وفي " شرح الموطأ " للزرقاني : عبد الرحمن بن المجبر القرشي العدوي روى عن أبيه وسالم وعنه ابنه محمد ومالك وغيرهما ووثقه الفلاس وغيره وقال ابن ماكولا : لا يعرف في الرواة عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن ثلاثة في نسق واحد إلا هذا فإن اسم المجبر عبد الرحمن وأبوه عبد الرحمن الأصغر . قال الزبير بن بكار : إنه مات وهو حمل فلما ولد سمته حفصة باسم أبيه وقالت : لعل الله يجبره . وقال في " الاستيعاب " : كان لعمر ثلاثة أولاد كلهم عبد الرحمن أكبرهم صحابي وأوسطهم يكنى أبا شحمة وهو الذي ضربه أبوه عمر في الخمر والثالث والد المجبر بالجيم والموحدة الثقيلة . انتهى ملتقطا
( 2 ) شك من الراوي
( 3 ) أي : في الأصبع
( 4 ) خرج من أنفه
( 5 ) بكسر التاء أي : يحركه
( 6 ) قوله : ولا يتوضأ لأنه دم غير سائل . ونظيره ما ذكره البخاري تعليقا أن عبد الله بن أبي أوفى بزق دما فمضى في صلاته وذكر أيضا عن الحسن أنه قال : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن يونس عن الحسن : أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلا . قال العيني في " عمدة القاري " : وإسناده صحيح وهو مذهب الحنفية وحجة لهم على الخصم
( 7 ) من انتقاض الوضوء بالرعاف والبناء به إذا حدث في الصلاة والاكتفاء بالإيماء إذا كثر وعدم نقض غير السائل
( 8 ) قوله : بذلك أي : بانتقاض الوضوء بالرعاف فإن عنده لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح يسيل من الجسد ولا يجب الوضوء إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو قبل ومن نوم وعليه جماعة أصحابه . وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه لأنه يشترط الخروج المعتاد وقول الشافعي في الرعاف وسائر الدماء الخارجة من الجسد كقوله إلا ما يخرج من المخرجين سواء كان دما أو حصاة أو دودا أو غير ذلك وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين الوضوء طاووس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو ثور كذا قال ابن عبد البر في " الاستذكار " . وذكر العيني في " البناية شرح الهداية " أنه قول ابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وجابر وأبي هريرة وعائشة
( 9 ) أي : يعتقد ويظن مالك
( 10 ) قوله : إن يغسل الدم وحمل الآثار الواردة في ذلك على أن المراد بالوضوء غسل الدم فإنه يسمى وضوءا لكونه مشتقا من الوضاءة بمعنى النظافة . وأيده أصحابه بأنه نقل عن ابن عباس أنه غسل الدم وصلى فحمل أفعالهم على الاتفاق منهم أولى كذا قال ابن عبد البر . ثم قال : وخالفهم أهل العراق في هذا التأويل فقالوا : إن الوضوء إذا أطلق ولم يقيد بغسل دم أو غيره فهو الوضوء المعلوم للصلاة وهو الظاهر من إطلاق اللفظ مع أنه معروف من مذهب ابن عمر وأبيه عمر إيجاب الوضوء من الرعاف وأنه كان عندهما حدثا من الاحداث الناقضة للوضوء إذا كان سائلا وكذلك كل دم سائل من الجسد . انتهى ( " الاستذكار " 1 / 287 )
( 11 ) قوله : ويستقبل الصلاة ظاهره أنه لا يجوز مالك البناء مطلقا وليس كذلك لما يظهر من كلام ابن عبد البر حيث قال : أما بناء الراعف على ما قد صلى ما لم يتكلم فقد ثبت ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وروي عن أبي بكر أيضا ولا يخالف لهم من الصحابة إلا المسور بن مخرمة وحده وروي أيضا البناء للراعف على ما قد صلى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام ولا أعلم بينهم خلافا إلا الحسن البصري فإنه يذهب في ذلك مذهب المسور أنه لا يبني من استدبر القبلة في الرعاف ولا في غيره وهو أحد قولي الشافعي وقال مالك : من رعف في صلاته قبل أن يصلي بها ركعة تامة فإنه ينصرف فيغسل عنه الدم فيرجع فيبتدئ الإقامة والتكبير والقراءة ومن أصابه الرعاف في وسط صلاته أو بعد أن يركع منها ركعة بسجدتيها انصرف فغسل الدم وبنى على ما صلى حيث شاء إلا الجمعة فإنه لا يصليها إلا في الجامع قال مالك : ولولا خلاف من مضى لكان أحب إلي للراعف أن يتكلم ويبتدئ صلاته من أولها قال مالك : ولا يبني أحد في القيء ولا في شيء من الأحداث ولا يبني إلا الراعف وحده وعلى ذلك جمهور أصحابه . وعن الشافعي في الراعف روايتان : إحداهما يبني والأخرى لا يبني . انتهى كلامه فهذا يوضح أن مالك بن أنس يجوز البناء للراعف في بعض الصور
( 12 ) أي : مستندا بما روى
( 13 ) فاعل يقول
( 14 ) قوله فيتوضأ بناء على أن الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء إذا كان سائلا وبه قال العشرة المبشرة وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء وثوبان كذا ذكر العيني في " البناية " وهو قول الزهري وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير والنخعي وقتادة والحكم بن عيينة وحماد والثوري والحسن بن صالح بن حي وعبيد الله بن الحسين والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كذا ذكره ابن عبد البر
ويشهد له من الأخبار ما أخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي الدرداء : أن النبي صلى الله عليه و سلم قاء فتوضأ قال معدان بن أبي طلحة الراوي عن أبي الدرداء : فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال : صدق وأنا صببت له وضوءا . قال الترمذي : هو أصح شيء في الباب وحمل الوضوء في هذا الحديث على غسل الفم كما نقل البيهقي عن الشافعي غير مسموع إذ الظاهر من الوضوء الوضوء الشرعي ولا يصرف عنه الكلام إلا عن ضرورة وهي مفقودة ههنا
ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة مرفوعا : من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم . وفي سنده إسماعيل بن عياش متكلم فيه ( وأجاب عنه الحافظ الزيلعي بأن إسماعيل بن عياش قد وثقه ابن معين وزاد في الإسناد " عن عائشة " والزيادة من الثقة مقبولة . نصب الراية ( 1 / 37 ) )
ومن ذلك ما أخرجه الدارقطني عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : إذا قاء أحدكم أو رعف وهو في الصلاة فلينصرف فليتوضأ ثم ليجئ فليبن على ما مضى وفي طريقه ضعف ( قال الحافظ في " التلخيص الحبير " ( 1 / 275 ، رقم 430 ) : رواه الدارقطني وإسناده حسن ) حققه ابن الجوزي في " التحقيق "
ومن ذلك ما أخرجه الدار قطني عن علي مرفوعا : القلس حدث . وفي سنده سوار بن مصعب متروك
ومن ذلك ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن زيد مرفوعا : الوضوء من كل دم سائل وأعله بأحمد بن الفرج الحمصي ( قال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " : أحمد بن الفرج كتبنا عنه ومحله عندنا الصدق . نصب الراية ( 1 / 37 ) )
وفي الباب أحاديث كثيرة أكثرها ضعيفة السند لكن بجمعها تحصل القوة كما حققه ابن الهمام في " فتح القدير " والعيني في " البناية " والمتكفل للبسط في ذلك شرحي لشرح الوقاية المسى بالسعاية
( 15 ) قوله : ثم يبني وكذلك في سائر الأحداث العارضة في أثناء الصلاة وبه قال ابن أبي ليلى وداود والزهري وغيرهم ذكره ابن عبد البر
( 16 ) قوله : إن لم يتكلم وأما إذا تكلم فسدت صلاته لما مر من حديث عائشة . وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال : من رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ فإن لم يتكلم بنى على صلاته وإن تكلم استأنف وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر مثله وذكر عن سعيد بن المسيب أنه قال : إن رعفت في الصلاة فاشدد منخريك وصل كما أنت فإن خرج من الدم شيء فتوضأ وأتم على مامضى ما لم تتكلم
( 17 ) ولو قرأ القرآن في طريقه فسدت صلاته أيضا كذا في " الذخائر الأشرفية "
( 18 ) أي : قول أبي حنيفة
( 19 ) أي : أصحاب أبي حنيفة
( 20 ) شرط
( 21 ) بحيث لم يمكنه دفعه
( 22 ) أي : إن أشار
( 23 ) جزاء
( 24 ) قوله : أومأ برأسه هذه المسألة من فروع قاعدة من ابتلي ببليتين يختار أهونهما فمن كثر رعافه وصار بحال لا ينقطع رعافه إذا سجد فلو سجد يلزم انتقاض الوضوء به من غير خلف ولو أومأ يلزم ترك السجدة لكن بخلف وهو الإيماء فيختار الأهون وهو الإيماء فإن في اختيار السجدة انتقاض الوضوء وتلويث الثياب والمكان وفي اختيار الإيماء نجاة من كل ذلك وقد وافقنا مالك في هذه المسألة كما قال ابن عبد البر في شرح أثر سعيد بن المسيب إذ أجاز لمن في الطين والماء الميحط به أن يصلي إيماء من أجل الطين فالدم أولى بذلك . ولا أعلم مالكا اختلف قوله في الراعف الذي لا ينقطع رعافه أنه يصلي بالإيماء واختلف قوله في الصلاة في الطين والماء الغالب وفي الصلاة في الطين حديث مرفوع من حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم وحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤذن فإذن وأقام وتقدمهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بهم على راحلته وهم على رواحلهم يومئ إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد . وعن أنس بن مالك وجابر بن زيد وطاووس أنهم صلوا في الماء والطين بالإيماء . والدم أحرى بذلك وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : إذا غلبه الرعاف فلم يقدر على القيام والركوع والسجود أومأ برأسه إيماء . انتهى
( 25 ) أي : الإيماء
( 26 ) في نسخة : على كل . أي : سواء أومأ أو سجد
( 27 ) قوله : فهذا لا وضوء فيه وكذا إذا عرض شيئا بأسنانه فرأي أثر الدم فيه أو استنثر فخرج من أنفه الدم علقا علقا وكذا إذا بزق ورأى في بزاقه أثر الدم بشرط أن لا يكون الدم غالبا إلى غير ذلك من الفروع المذكورة في كتب الفقه وفيه خلاف زفر فإنه يوجب الوضوء من غير السائل أيضا لظاهر بعض الأحاديث وقد رده الحنفية في كتبهم بأحسن رد
( 28 ) من مخرجه
( 29 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة بل هو قول الكل إلا مجاهدا كما قال ابن عبد البر فإن كان الدم يسيرا غير خارج ولا سائل فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم وما أعلم أحدا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدا وحده واحتج أحمد بن حنبل في ذلك بأن عبد الله بن عمر عصر بثرة فخرج منها دم ففتله بإصبعه ثم صلى ولم يتوضأ قال : وقال ابن عباس : إذا فحش وعبد الله بن أبي أوفى بصق دما ثم صلى ولم يتوضأ

9 - ( باب الغسل ( 1 ) من بول الصبي ) ( 2 )
40 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبيد الله ( 3 ) بن عبد الله عن أم قيس ( 4 ) بنت محصن ( 5 ) : أنها جاءت بابن لها ( 6 ) صغير لم يأكل الطعام ( 7 ) إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره ( 8 ) فبال على ثوبه ( 9 ) فدعا بماء فنضح ( 10 ) ( 11 ) عليه ( 12 ) ولم يغسله ( 13 )
قال محمد : قد جاءت رخصة ( 14 ) في بول الغلام إذا كان لم يأكل الطعام وأمر بغسل بول الجارية وغسلهما ( 15 ) جميعا أحب إلينا وهو قول أبي حنيفة ( 16 )
_________
( 1 ) بفتح الغين أي غسل ما أصابه بوله
( 2 ) قوله : بول الصبي قال ابن عبد البر : أجمع المسلمون على أن بول كل صبي يأكل الطعام ولا يرضع نجس كبول أبيه واختلفوا في بول الصبي والصبية إذا كانا يرضعان ولا يأكلان الطعام فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : بول الصبي والصبية كبول الرجلين مرضعين كانا أو غير مرضعين وقال الأوزاعي : لا بأس ببول الصبي ما دام يشرب اللبن وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك . وقال الشافعي : بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ليس بنجس حتى يأكل الطعام وقال الطبري : بول الصبية يغسل غسلا وبول الصبي يتبع ماء وهو قول الحسن البصري وذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن شهاب قال : مضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية وقد أجمع المسلمون على أنه لا فرق بين بول المرأة والرجل في القياس فكذلك بول الغلام والجارية وقد رويت التفرقة بينهما في أن بول الصبي لا يغسل وبول الصبية يغسل في آثار ليست بالقوية وقد ذكرتها في التمهيد . انتهى . وفيه ما فيه
( 3 ) قوله : عن عبيد الله بن عبد الله هو عبيد الله بن عبد الله بن عبتة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله أحد الفقهاء السبعة بالمدينة روى عن أبيه وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وعنه الزهري وسالم أبو النضر وطائفة وثقه أبو زرعة والعجلي وغير واحد مات سنة أربع أو خمس وتسعين وقيل ثمان وتسعين كذا في " إسعاف المبطأ برجال الموطأ "
( 4 ) قوله : أم قيس هو أخت عكاشة أسلمت قديما وهاجرت إلى المدينة روى عنها مولاها عدي بن دينار ووابصة بن معبد وغيرهما كذا في " الإسعاف " وقال الزرقاني : اسمها جذامة وقيل : آمنة
( 5 ) بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن حرثان الأسدي
( 6 ) قوله : بابن لها صغير قال الحافظ ابن حجر : لم أقف على تسميته قال : وروى النسائي أن ابنها هذا مات في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وهو صغير
( 7 ) قوله : لم يأكل الطعام المراد بالطعام ماعدا اللبن التي ترضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها فكأن المراد لم يحصل له الإغتذاؤ بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى كلام النووي في شرح صحيح مسلم وشرح المهذب وقال ابن التين : يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن عن الرضاع
( 8 ) بفتح الحاء على الأشهر تكسر وتضم : الحضن
( 9 ) قوله : ثوبة أي ثوب النبي صلى الله عليه و سلم وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال : المراب به ثوب الصبي والصواب الأول قاله ابن حجر
( 10 ) النضح هو رش الماء من غير دلك والغسل إنما يكون بصب الماء من غير مبالغة
( 11 ) قوله : فنضح قال النووي في شرح صحيح مسلم : قد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح في بول الصبي ولا يكفي في بول الجارية بل لا بد من غسله كسائر النجاسات والثاني أنه يكفي النضح فيهما والثالث لا يكفي النضح فيهما وهذان الوجهان حكاهما صاحب " التتمة " من أصحابنا وهما شاذان وممن قال بالفرق : علي وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة من السلف وأصحاب الحديث وابن وهب من أصحاب مالك وروي عن أبي حنيفة وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما
واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي ولا خلاف في نجاسته ونقل بعض العلماء الإجماع على نجاسة بول الصبي وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري قال الخطابي وغيره : وليس تجويز في جوز النضح في الصبي من أجل أن بوله ليس بنجس ولكنه من أجل التخفيف في إزالته فهذا هو الصواب وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعية وغيرهم أنهم قالوا بطهارة بول الصبي فينضح فحكاية باطلة وأما حقيقة النضح ههنا فقد اختلف أصحابنا فيها فذهب الشيخ أبو محمد الجويني والبغوي إلى أن معناه أن الشيء الذي أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عصر لا يعصر قالوا : وإنما يخالف هذا غيره في أن غيره يشترط عصره على أحد الوجهين وهذا لا يشترط وذهب إمام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أني غمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتقاطره وهذا هو الصحيح المختار ويدل عليه " فنضحه ولم يغسله " ( انظر " شرح مسلم " للنووي ( باب حكم بول الرضيع ) ( 1 / 139 ) )
( 12 ) قوله : عليه لمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب : فرشه وزاد أو عوانة ( في الأصل : " ابن عوانة " وهو خطأ ) في صحيحه : " عليه "
( 13 ) قوله : ولم يغسله قال ابن حجر : ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب وأن الحديث انتهى عند قوله : " فنضحه " قال : وكذلك روى معمر عن ابن شهاب وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال : فرشه ولم يزد على ذلك . انتهى . وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل : ولم يغسله وقد قالهما مع مالك : الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق ورواه الوليد بن مسلم عن مالك وقال أصحابه : هي رواية شاذة . والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكي عن مالك والشافعي . والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية : قال ابن دقيق العيد : اتبعوا في ذلك القياس وقالوا : المراد بقولها : لم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر . ويبعده ورود الأحاديث الأخر في التفرقة وقال الخطابي : ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبيان غير نجس وأثبت الطحاوي الخلاف وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم وأصحاب المذهب أعلم بمرادهم من غيرهم
( 14 ) قوله : قد جاءت رخصة أي بالنضح في بول الغلام ما لم يطعم الطعام دون الجارية كما في حديث أم قيس : " فنضحه ولم يغسله " وفي سنن ابن ماجة من حديث علي مرفوعا : ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وفيه عن لبابة قالت : بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره فقال : إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى وفي سنن أبي داود عن علي ولبابة مثل ما مر وعن أبي السمح قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه و سلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال : ولني قفاك فأستره به فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال : يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وللنسائي من حديث أبي السمح مثله
فهذه الأحاديث وأمثالها تشهد بالرخصة في بول الغلام بالنضح والفرق ( في الأصل : و " الرق " وهو خطأ ) بينه وبين بول الجارية وحمل أصحابنا النضح والرش على الصب الخفيف بغير مبالغة ودلك والغسل على الغسل مبالغة فاستويا في الغسل . وقالوا : النضح يستعمل في الغسل كما في حديث علي في المذي من قوله صلى الله عليه و سلم : " فينضح فرجه " أي يغسله ويؤيده ما روى أبو داود عن الحسن عن أمه أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل من بول الجارية
( 15 ) قوله : وغسلهما جميعا أحب إلينا لأنه يحتمل أن يكون المراد بالنضح صب الماء عليه فقد يسمى ذلك نضحا وإنما فرق بينهما لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لمخرجه وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه فأمر في الغلام بالنضح أي صب الماء عليه في موضع واحد وأراد بغسل بول الجارية أن ينقع في الماء لأنه يقع في مواضع متفرقة كذا ذكره الطحاوي وأيده بما أخرجه عن سعيد بن المسيب أنه قال : الرش بالرش والصب بالصب ثم أخرج حديث عائشة وفيه : فأتبعه الماء وقال : وإتباع الماء حكمه حكم الغسل ألا يرى أن رجلا لو أصاب ثوبه نجاسة فأتبعه الماء طهر ثوبه ثم أخرج عن أم الفضل قالت : لما ولد الحسين أتيت ( في الأصل : " أتيته به " والظاهر " أتيت " ) به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فوضعته على صدره فبال عليه فأصاب إزاره فقلت : يا رسول الله أعطني إزارك أغسله فقال : إنما يصب من بول الغلام ويغسل من بول الجارية ثم قال : فثبت أن النضح أراد به الصب حتى لا يتضاد الحديثان المختلفان ( انظر : " عمدة القاري " للعيني ( 1 / 893 ) )
( 15 ) وكذا أبي يوسف ذكره الطحاوي

41 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام ( 1 ) بن عروة عن أبيه ( 2 ) عن عائشة ( 3 ) رضي الله عنها أنها قالت : أتي ( 4 ) النبي صلى الله عليه و سلم بصبي ( 5 ) فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه ( 6 ) ( 7 ) إياه ( 8 )
قال محمد : وبهذا نأخذ : تتبعه ( 9 ) إياه غسلا ( 10 ) حتى تنقيه ( 11 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : هشام بن عروة هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني عن أبيه وعمه عبد الله بن الزبير وعنه مالك وأبو حنيفة وشعبة وثقه أبو حاتم وغيره مات سنة خمس وأربعين ومائة كذا في " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " للسيوطي
( 2 ) قوله : عن أبيه عروة بن الزبير أبو عبد الله عن أبيه وأخيه عبد الله وعلي وابنيه وعائشة وعنه بنوه عبد الله ومحمد وعثمان وهشام مات سنة أربع وتسعين كذا في " الإسعاف "
( 3 ) قوله : عن عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه و سلم أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة بسنتين هذا قول أبي عبيدة : بثلاث سنين وابتنى بها بالمدينة وهي بنت تسع وقال أبو الضحى عن مسروق : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الأكابر يسألونها عن الفرائض وقال عطاء : كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس توفيت سنة سبع وخمسين وقيل سنة ثمانية وخمسين لسبع عشرة خلت من رمضان كذا في " الاستيعاب في أحوال الأصحاب " لابن عبد البر
( 4 ) مجهول
( 5 ) قوله : بصبي يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين كذا في " الفتح "
( 6 ) بإسكان المثناة
( 7 ) الضمير المتصل للبول والمنفصل للماء ويجوز العكس
( 8 ) قوله : إياه زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام : " ولم يغسله " . ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام : " فصب عليه الماء " . وللطحاوي " فنضحه عليه "
( 9 ) بصيغة الخطاب وكذا قرينه والخطاب عام وفي بعض النسخ ننقيه ونتبعه بصيغة المتكلم
( 10 ) أي غسلا خفيفا
( 11 ) من الإنتقاء أو التنقية

10 - ( باب الوضوء من المذي ) ( 1 )
42 - أخبرنا مالك أخبرني سالم ( 2 ) ( 3 ) أبو النضر ( 4 ) مولى عمر ( 5 ) بن عبيد بن معمر التيمي ( 6 ) عن سليمان ( 7 ) بن يسار عن المقداد ( 8 ) بن الأسود أن علي ( 9 ) بن أبي طالب رضي الله عنه أمره ( 10 ) أن يسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل إذا دنا ( 11 ) من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه ( 12 ) ؟ فإن عندي ( 13 ) ابنته ( 14 ) ( 15 ) وأنا أستحي ( 16 ) أن أسأله فقال المقداد : فسألته فقال : إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح ( 17 ) فرجه وليتوضأ وضوءه ( 18 ) للصلاة ( 19 )
_________
( 1 ) قوله : من المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء على الأفصح ثم بكسر الذال وشد الياء ثم الكسر مع التخفيف ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته
( 2 ) ابن أبي أمية القرشي
( 3 ) قوله : سالم أبو النضر المدني روى عن أنس والسائب بن يزيد وعنه مالك والليث والسفيانان وثقه أحمد وغيره مات سنة 129 هـ كذا في " الإسعاف "
( 4 ) بالضاد المعجمة
( 5 ) بضم العين
( 6 ) قوله : ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم القرشي كان أحد وجوه قريش وأشرافها مات بدمشق سنة اثنين وثمانين وجده معمر صحابي ابن عم أبي قحافة والد أبي بكر الصديق قاله الزرقاني
( 7 ) قوله : سليمان بن يسار أحد الأعلام قال النسائي : كان أحد الأئمة وقال أبو زرعة : ثقة مأمون فاضل مات سنة 107 هـ كذا في " الإسعاف "
( 8 ) قوله : عن المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي المعروف بابن الأسود كان الأسود بن عبد يغوث قد تبناه وهو صغير فعرف به شهد بدرا والمشاهد كلها مات سنة 33 هـ كذا في " الإسعاف " . وقال ابن عبد البر : هذا الإسناد ليس بمتصل لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد ولا من علي ولم ير واحدا منهما فإنه ولد سنة أربع وثلاثين ولا خلاف أن المقداد توفي سنة ثلاث وثلاثين وبين سليمان وعلي في هذا الحديث ابن عباس أخرجه مسلم كذا في " التنوير "
( 9 ) قوله : أن علي بن أبي طالب اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب نشأ علي عن النبي صلى الله عليه و سلم وصلى معه أول الناس وشهد المشاهد كلها سوى تبوك ومناقبه كثيرة قتل ليلة الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان سنة 40 هـ بالكوفة كذا في " الإسعاف "
( 10 ) قوله : أمره وللنسائي أن عليا أمر عمارا أن يسأل ولابن حبان أن عليا قال : سألت ( وبسط العيني اختلاف الروايات في ذلك ( عمدة القاري 2 / 36 ) . واختلف العلماء في الجمع بينها بأقوال : فجمع ابن حبان بأن عليا رضي الله عنه أمر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه قال الحافظ في الفتح ( 1 / 263 ) وهو جمع جيد إلا آخره فيخالفه قوله : " وأنا أستحيي " فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأله لكونه الآمر بذلك وبه جزم الإسماعيلي والنووي
وجمع بعضهم بأن السؤال بالواسطة كان لخصوص نفسه وباشر بنفسه عن مطلق حكم المذي وقيل غير ذلك . انظر " الكوكب الدري على جامع الترمذي 1 / 146 " )
( 11 ) أي قرب
( 12 ) أي ما يجب عليه
( 13 ) أي تحت عقدي
( 14 ) فاطمة
( 15 ) علة لأمره بالسؤال وعدم سؤاله بنفسه
( 16 ) قوله : وأنا أستحيي ... إلخ ذكر اليافعي في " الإرشاد والتطريز بفضل تلاوة القرآن العزيز " أن الحياء على أقسام : حياء جناية كآدم لما قيل له أفرارا منا ؟ قال : بل حياء منك وحياء التقصير كحياء الملائكة يقولون : ما عبدناك حق ؟ ؟ عبادتك وحياء الإجلال كإسرافيل تسربل بجناحه حياء من الله وحياء الكرم كحياء النبي عليه السلام كان يستحيي من أمته أن يقول : اخرجوا فقال الله : { ولا مستأنسين لحديث } . وحياء حشمة كحياء علي حين أمر المقداد بالسؤال عن المذي لمكان فاطمة . وحياء الاستحقار كموسى قال : لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحيي أن أسألك يارب . فقال له : سلني حتى ملح عجينك وعلف شاتك . وحياء هو حياء الرب جل جلاله حين يستر على عبده يوم القيامة . هذا ما نقله اليافعي عن " رساله " القشيري
( 17 ) قوله : فلينضح ضبطه النووي بكسر الضاد وقال الزركشي : كلام الجوهري يشهد له ( في الأصل : " يشهده " والظاهر : " يشهد له " ) لكن نقل عن صاحب الجامع أن الكسر لغة والأفصح الفتح
( 18 ) أي مثل وضوئه
( 18 ) قوله : للصلاة قال الرافعي : لقطع احتمال حمل التوضؤ على الوضاءة الحاصلة بغسل الفرج

43 - أخبرنا مالك أخبرني زيد ( 1 ) بن أسلم عن أبيه ( 2 ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إني لأجده ( 3 ) يتحدر ( 4 ) مني مثل الخريزة ( 5 ) فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة
قال محمد : وبهذا نأخذ : يغسل موضع ( 6 ) المذي ( 7 ) ويتوضأ ( 8 ) وضوءه للصلاة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : زيد أبو عبد الله قال يعقوب بن شيبة : ثقة من أهل الفقه والعلم كان عالما بالتفسير له فيه كتاب توفي سنة 136 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) أسلم مولى عمر ثقة مخضرم مات سنة 87 هـ كذا في " الإسعاف " وغيره
( 3 ) أي المذي
( 4 ) من الحدور ضد الصعود
( 5 ) تصغير الخرزة وهو الجوهرة وفي رواية عنه مثل الجمانة وهي اللؤلؤة
( 6 ) الذي خرج منه المذي
( 7 ) قوله : موضع المذي يشير إلى أن المراد بغسل الفرج هو موضع المذي لا غسل الفرج كاملا ( قد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إلى غسل موضع النجاسة من الذكر وعن مالك وأحمد رواية غسل كل الذكر وعن أحمد رواية ودوب غسل الذكر والإنثيين كما في " المغني " ( 1 / 166 ) و " شرح المهذب " ( 2 / 144 ) ) وإنما أطلق بناء على أنه غالبا يتفرق في مواضع من الذكر فيغسل كله احتياطا وأما إذا علم موضعه فيكتفي بغسله
( 8 ) قوله : ويتوضأ لا رخصة لأحد من علماء المسلمين في المذي الخارج على الصحة وكلهم يوجب الوضوء منه وهي سنة مجمع عليها بلا خلاف فإذا كان خروجه لفساد أو علة فلا وضوء فيه عند مالك ( خلافا للأئمة الثلاثة إذ قالوا بنقض الوضوء إلا أن الشافعي يقول : يتوضأ لكل صلاة وقالت الحنفية : يتوضأ لوقت كل صلاة . انظر ( أوجز المسالك 1 / 267 ) ) ولا عند سلفه وعلماء بلده لأن ما لا يرقأ ولا ينقطع فلا وجه للوضوء منه كذا في " الاستذكار "

44 - أخبرنا مالك أخبرنا الصلت ( 1 ) بن زييد أنه سأل سليمان ( 2 ) بن يسار عن بلل ( 3 ) يجده فقال : انضح ( 4 ) ما تحت ثوبك ( 5 ) واله ( 6 ) عنه
قال محمد : وبهذا ( 7 ) نأخذ إذا كثر ذلك ( 8 ) من الإنسان وأدخل الشيطان عليه في الشك وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) الصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام ابن زييد مصغر زيد أو زياد الكندي وثقه العجلي وغيره . قاله الزرقاني
( 2 ) أبو أيوب الهلالي المدني
( 3 ) أراد به المذي . وفي نسخة : البلل
( 4 ) أي اغسل
( 5 ) أي إزارك أو سروالك
( 6 ) قوله : واله أمر من لهي يلهى كرضي يرضى : اشتغل عنه بغيره دفعا للوسواس وقد قال صلى الله عليه و سلم : " إذا توضأت فانتضح " . رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أي لدفع الوسواس حتى إذا أحس ببلل قدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكره ويتسلط عليه بالوسوسة
( 7 ) أي بنضح الماء والإعراض عنه
( 8 ) أي خروج المذي

11 - ( باب الوضوء مما يشرب منه السباع ( 1 ) وتلغ فيه ) ( 2 )
45 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد ( 3 ) عن محمد بن إبراهيم ( 4 ) بن الحارث التيمي عن يحيى ( 5 ) بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة ( 6 ) أن عمر ( 7 ) بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب ( 8 ) فيهم عمرو ( 9 ) بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض هل ترد ( 10 ) حوضك السباع ( 11 ) ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا صاحب الحوض لا تخبرنا ( 12 ) فإنا نرد على السباع ( 13 ) وترد علينا ( 14 )
قال محمد : إذا كان الحوض عظيما إن ( 15 ) حركت ( 16 ) منه ناحية ( 17 ) لم تتحرك به الناحية الأخرى لم يفسد ( 18 ) ذلك الماء ما ولغ فيه من سبع ولا ما وقع فيه من قذر ( 19 ) إلا أن يغلب على ريح أو طعم ( 20 ) فإذا كان حوضا صغيرا إن حركت منه ناحية تحركت الناحية الأخرى فولغ ( 21 ) فيه السباع أو وقع فيه القذر لا يتوضأ ( 22 ) منه ألا يرى ( 23 ) ( 24 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كره أن يخبره ونهاه عن ذلك ( 25 ) وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله ( 26 )
_________
( 1 ) قوله : السباع هي ما يفترس الحيوان ويأكله قهرا كالأسد والنمر والذئب ونحوها كذا في " النهاية "
( 2 ) يقال : ولغ يلغ ولغا وولوغا أي شرب منه بلسانه وأكثر ما يكون الولوغ في السباع كذا في " النهاية "
( 3 ) قوله : يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري أبو سعيد المدني قاضيها عن أنس وعدي بن ثابت وعلى بن الحسين وعنه وأبو حنيفة ومالك وشعبة قال ابن سعد : ثقة كثير الحديث حجة ثبت مات سنة 143 هـ كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : محمد بن إبراهيم وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم وقال أحمد : في حديثه شيء يروي مناكير مات سنة 120 هـ وهو راوي حديث : " إنما الأعمال بالنيات " في رواية محمد بن الحسن كذا في " الإسعاف "
( 5 ) ثقة من التابعين مات سنة 104 هـ روى له مسلم والأربعة قاله الزرقاني
( 6 ) قوله : بلتعة بفتح الباء وسكون اللام بعده تاء فوقية مثناة مفتوحة ثم عين مهملة
( 7 ) منقطع فإن يحيى لم يدرك عمر
( 8 ) الركب اسم جمع كنفر ورهط وقيل هو جمع راكب كصاحب وصحب
( 9 ) قوله : فيهم عمرو بن العاص هو عمرو - بالفتح - ابن العاص بن وائل السهمي الصحابي أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين ومات بها سنة نيف وأربعين وقيل : بعد الخمسين كذا ذكره الزرقاني في " شرح المرطأ " وقال هو في " شرح المواهب اللدنية " : العاص بالياء وحذفها والصحيح الأول عند أهل العربية وهو قول الجمهور كما قال النووي وغيره
وفي " تبصير المنتبه " : قال النحاس : سمعت الأخفش يقول : سمعت المبرد يقول : هو بالياء لا يجوز حذفها وقد لهجت العامة بحذفها قال النحاس : هذا مخالف لجميع النحاة يعني أنه من الأسماء المنقوصة فيجوز فيه إثبات الياء وحذفها والمبرد لم يخالف النحويين في هذا وإنما زعم أنه سمي العاصي لأنه أعيص بالسيف أي : أقام السيف مقام العصا وليس هو من العصيان كذا حكاه الآمدي هنا قلت : وهذا إن مشى في العاصي بن وائل لكنه لا يطرد لأن النبي صلى الله عليه و سلم غير اسم العاصي بن الأسود والد عبد الله فسماه مطيعا فهذا يدل على أنه من العصيان وقال جماعة : لم يسلم من عصاة قريش غيره فهذا يدل لذلك أيضا
( 10 ) قوله : هل ترد أي : هل تأتي إليه فتشرب منه سباع البهائم كالذئب والضبع والثعلب ونحوها فإن سؤرها نجس كسؤر الكلب لاختلاطه بلعاب نجس متولد من لحم حرام أكله ولعله كان حوضا صغيرا يتنجس بملاقاة النجاسة وإلا فلو كان كبيرا لما سأل ومعنى قوله " لا تخبرنا " أي : ولو كنت تعلم أنه ترده السباع لأنا نحن لا نعلم ذلك فالماء طاهر عندنا فلو استعملناه استعملنا ماء طاهرا كذا في " الحديقة الندية " لعبد الغني النابلسي شرح " الطريقة المحمدية " للبركلي
( 11 ) لأجل الشرب حتى تمتنع منه
( 12 ) قوله : لا تخبرنا الأظهر أن يحمل على إرادة عدم التنجيس وبقاء الماء على طهارته الأصلية ويدل عليه سؤال الصحابي وإلا فيكون عبثا ثم تعليله بقوله : " فإنا " إشارة إلى أن هذا الحال من ضرورات السفر وما كلفنا بالتحقيق فلو فتحنا هذا الباب على أنفسنا لوقعنا في مشقة عظيمة كذا في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " لعلي القاري رحمه الله
( 13 ) هذا بظاهره يؤيد مذهب مالك أن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه
( 14 ) قوله : وترد ... . إلخ قال ابن الأثير في " جامع الأصول " : زاد رزين قال : زاد بعض الرواة في قول عمر : " وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لها ما أخذت في بطونها وما بقي فهو لنا طهور وشراب . انتهى . ونظيره ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها فقال : " لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر ( معناه : " بقي " . انظر مجمع بحار الأنوار 4 / 3 ) طهور " . وروى الدار قطني في سننه عن جابر قيل : يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : " نعم وبما أفضلت السباع " . وفي سندهما متكلم فيه
وبهذه الأحاديث ذهب الشافعية والمالكية إلى أن سؤر السباع طاهر لا يضر مخالطته بالماء وأما أصحابنا الحنفية فقالوا بنجاسته ( سؤر السباع طاهر عند مالك وكذلك عند الشافعي وسؤر سباع الوحش نجس عند الإمام وهما روايتان عن الحنابلة ( أوجز المسالك : 1 / 211 ) ) وحملو أثر عمر على أن غرضه من قوله : " لا تخبرنا " أنك لو أخبرتنا لضاق الحال فلا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا ولا يضرنا ورودها عند عدم علمنا ولا يلزمنا الاستفسار عن ذلك . ولو كان سؤر السبع طاهرا لما منع صاحب الحوض عن الإخبار لأن إخباره حينئذ لا يضر وأما حمله على أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك كما ذكره المالكية والشافعية فهو وإن كان محتملا لكن ظاهر سياق الكلام يأباه
وأما قول ابن عبد البر : المعروف عن عمر في احتياطه في الدين أنه لو كان ولوغ السباع والحمير والكلب يفسد ماء الغدير لسأل عنه ولكنه رأى أنه لا يضر الماء . انتهى . فمنظور فيه بأن مقتضى الاحتياط ليس أن يسأل عن كل أمر عن نجاسته وطهارته فإن في الدين سعة ( قلت : وإذا كان الغدير عظيما فولوغ السباع لا يفسده اتفاقا فلا حجة فيه لهم ما لم يثبت كون الغدير صغيرا )
( 15 ) الجملة صفة مبينة لمعنى العظم
( 16 ) بصيغة الخطاب العام وما بعده مفعول أو بصيغة المجهول وما بعده فاعل
( 17 ) أي : جانبا
( 18 ) قوله : لم يفسد أي : لم ينجسه شيء من النجاسات الواقعة فيه لأنه كالماء الجاري لعدم وصول النجاسة من جانب وقع فيه إلى جانب آخر فيجوز الوضوء من الجانب الآخر ووسع متأخرو أصحابنا فجوزوا الوضوء من كل جوانبه إلحاقا له بالجاري
( 19 ) بفتحتين أي : عين النجاسة
( 20 ) قوله : أو طعم وكذا لون لحديث : " الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه " أخرجه الدارقطني والطحاوي وغيرهما من طريق راشد بن سعد مرسلا فإن هذا الحديث محمول عند أصحابنا على الماء الجاري أو ما في حكمه
( 21 ) أي : شربت منه بلسانها
( 22 ) قوله : لا يتوضأ منه لاختلاط النجاسة به وقد قال الله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } ( الأعراف : آية 157 ) والنجاسة من الخبائث ولم يفرق بين حالتي انفرادها واختلاطها فوجب تحريم استعمال كل ما تيقنا فيه اختلاط النجاسة وورد في السنة : " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه " ومعلوم أن البول في الماء الكثير لا يغير طعمه ولونه وريحه كذا في " البحر الرائق "
( 23 ) في نسخة " ألا ترى "
( 24 ) قوله : ألا يرى ... إلخ سند لعدم جواز التوضؤ من الحوض الصغير عند وقوع النجاسة فيه بأن عمر منع صاحب الحوض عن الإخبار لئلا يشكل عليه الأمر وما ذلك إلا لأنه لو أخبر به للزمه ( في الأصل : " لزمه " والظاهر " للزمه " ) تركه
( 25 ) أي : عن الإخبار
( 26 ) قوله : قول أبي حنيفة المذاهب في هذا الباب خمسة عشر :
الأول : مذهب الظاهرية : أن الماء لا يتنجس مطلقا وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه لحديث : " الماء طهور لا ينجسه شيء " . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم
والثاني : مذهب المالكية : أنه لا يتنجس إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه لما مر من حديث فيه الاستثناء
والثالث : مذهب الشافعية : أنه إن كان قلتين لا يتنجس وإلا يتنجس لحديث : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث . أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما
هذه ثلاثة مذهب والباقية لأصحابنا
الأول : ما ذكره محمد ههنا وهو التحديد بالتحريك وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه القدماء وغلط من نسب إليه غيره
والثاني : التحديد بالكدرة
والثالث : التحديد بالصبغ
والرابع : التحديد بالسبع في السبع
والخامس : التحديد بالثمانية في الثمانية
والسادس : عشرين في عشرين
والسابع : العشر في العشر وهو مذهب جمهور أصحابنا المتأخرين
والثامن : خمسة عشر في خمسة عشر
والتاسع : اثنا عشر في اثنا عشر
وفي المذهب الأول ثلاث روايات : التحريك باليد والتحريك بالغسل والتحريك بالوضوء
فالمجموع اثنا عشر مذهبا لأصحابنا فإذا ضممته إلى ما تقدم صار المجموع خمسة عشر ولقد خضت في بحار هذه المباحث وطالعت لتحقيقها كتب أصحابنا المبسوطة وكتب غيرهم المعتمدة فوضع لنا ما هو الأرجح منها وهو الثاني ثم الثالث ثم الرباع وهو مذهب قدماء أصحابنا وأئمتنا والباقية مذاهب ضعيفة وقد أشبعنا الكلام فيها في السعاية ( ص 280 )

12 - ( باب الوضوء بماء البحر ) ( 1 )
46 - أخبرنا مالك حدثنا صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة بن ( 2 ) الأزرق عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة ( 3 ) : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنا نركب البحر ( 4 ) ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا ( 5 ) ( 6 ) أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو ( 7 ) الطهور ( 8 ) ماؤه الحلال ميتته ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ : ماء البحر طهور كغيره ( 10 ) من المياه وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة ( 11 )
_________
( 1 ) قوله : بماء البحر قد جاء عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو كراهة الوضوء بماء البحر وليس فيه لأحد حجة مع خلاف السنة وقد روى قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي : سألت ابن عباس عن الوضوء بماء البحر قال : هما البحران لا تبالي بأيهما توضأت . كذا في " الاستذكار "
( 2 ) في نسخة آل بني
( 3 ) قوله : عن أبي هريرة هذا الحديث أخرجه الشافعي من طريق مالك وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه البخاري وتعقبه ابن عبد البر بأنه لو كان صحيحا لأخرجه في صحيحه ورده ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يلتزم استيعاب كل الصحيح ثم حكم ابن عبد البر بصحته لتلقي العلماء له بالقبول . فقبله من حيث المعنى ورده من حيث الإسناد وقد حكم بصحة جملة من الأحاديث التي لا تبلغ درجة هذا ورحج ابن منده صحته وصححه الضياء وابن المنذر والبغوي ومداره على صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة . قال الشافعي : في إسناده من لا أعرفه قال البيهقي : يحتمل أنه يريد سعيدا أو المغيرة أو كليهما مع أنه لم يتفرد به سعيد فقد رواه عن المغيرة يحيى بن سعيد الأنصاري إلا أنه اختلف عليه فرواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن رجل من العرب يقال له المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة أن ناسا من بني مدلج أتوا النبي صلى الله عليه و سلم فذكره وقيل : عنه عن المغيرة عن رجل من بني مدلج وقيل : عنه عن المغيرة عن أبيه وقيل : عنه عن المغيرة بن عبد الله أو عبد الله بن المغيرة وقيل عنه عن عبد الله بن المغيرة عن أبيه عن رجل من بني مدلج اسمه عبد الله وقيل عنه عن المغيرة عن عبد الله بن المغيرة عن أبي بردة مرفوعا وقيل : عنه عن المغيرة عن عبد الله المدلجي ذكر هذا كله الدراقطني وقال : أشبهها بالصواب قول مالك فأما المغيرة فقد روى عن أبي داود أنه قال : المغيرة عن أبي بردة معروف وقال ابن عبد البر : وجدت اسمه في مغازي موسى بن نصير ووثقه النسائي فمن قال : إنه مجهول لا يعرف فقد غلط . واما سعيد بن سلمة - بفتحتين - فقد تابع صفوان على روايته له عنه أبو كثير الجلاح رواه عنه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث وغيرهما ومن طريق الليث رواه أحمد والحاكم والبيهقي وسياقه أتم واختلف في اسم السائل في هذا الحديث فوقع في بعض الطرق التي ذكرها الدارقطني أن اسمه عبد الله المدلجي وأورده الطبراني في من اسمه عبد وتبعه أبو موسى فقال : اسمه عبد بن زمعة البلوي وقال ابن منيع : بلغني أن اسمه عبد وقيل : عبيد - مصغرا - وقال السمعاني في الأنساب إن اسمه العركي وهو غلط فإنما العركي وصف له وهو ملاح السفينة وقال البغوي : اسمه حميد بن صخر . هذا ملخص ما في : " التلخيص الحبير ( في الأصل : " تلخيص الحبير " وهو تحريف ) في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير " للحافظ ابن حجر العسقلاني . وفي " إسعاف المبطأ " : صفوان بن سليم - بالضم - المدني الزهري مولاهم الفقيه روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وابن عمر وأنس وجماعة وعنه مالك وزيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر والليث والسفيانان قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث عابدا وقال : هو رجل يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره مات سنة 184 هـ وسعيد بن سلمة - بفتحتين - المخزومي روى عنه صفوان والجلاح وثقه النسائي والمغيرة بن أبي بردة حجازي من بني عبد الدار وثقه النسائي . انتهى . وقال الترمذي في جامعه : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : صحيح فقلت . إن هشيما يقول : فيه المغيرة بن برزة - أي : بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة ثم زاي معجمة - فقال : وهم فيه إنما هو المغيرة بن أبي بردة - أي بضم الباء وسكون الراء المهلمة بعدها دال مهملة . انتهى . وفي الإكمال : سئل أبو زرعة عن اسم والد المغيرة فقال : لا أعرفه . انتهى . وفي " الإلمام بأحاديث الأحكام " لابن دقيق العيد : ذكرنا في كتاب " الإمام " وجوه التعليل التي يعلل بها هذا الحديث وحاصلها راجع إلى الاضطراب في الإسناد . والاختلاف في بعض الرواة ودعوى الجهالة في سعيد بن سلمة لكونه لم يرو عنه إلا صفوان فيما زعم بعضهم وفي المغيرة بن أبي بردة وأيضا فمن العلل الاختلاف في الإسناد والإرسال . ويقدم الأحفظ المرسل على المسند الأقل حفظا
وهذا الأخير إذا ثبتت عدالة المسند غير قادح على المختار عند أهل الأصول وأما الجهالة المذكورة في سعيد فقد قدمنا من كلام ابن منده ما يقتضي رواية الجلاح عنه مع صفوان وذلك - على المشهور عند المحدثين - يرفع الجهالة عن الراوي وأما المغيرة فقد ذكرنا من كلام ابن منده أيضا موافقة يحيى بن سعيد لسعيد بن سلمة في الرواية عن المغيرة أيضا ووقع لنا ثالث يروي عن المغيرة وهو يزيد بن يحيى القرشي وأما الاختلاف والاضطراب فقد ذكرنا ما قيل في الجواب عنه في " الإمام "
( 4 ) الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح وريحه منتن
( 5 ) بكسر الطاء
( 6 ) أي : نحن ورفقاؤنا
( 7 ) قوله : هو الطهور ... إلخ كذا أخرجه النسائي والترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حبان وفي رواية الدارمي في سننه من حديثه : أتى رجال من بني مدلج فقالوا : يا رسول الله إنا أصحاب هذا البحر نعالج الصيد على رمث فنغرب فيه الليلة والليلتين والثلاث والأربع ونحمل معنا من العذب لشفاهنا فإن نحن توضأنا خشينا على أنفسنا وإن نحن آثرنا بأنفسنا وتوضأنا من البحر وجدنا في أنفسنا من ذلك فقال : " توضؤوا منه فإنه الطاهر ماؤه الحلال ميتته " أخرج نحوه ابن ماجة والحاكم وابن حبان والدارقطني وأحمد وأبو نعيم من حديث جابر والحاكم من حديث علي وعبد الرزاق من حديث أنس والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس وابن عبد البر من حديث الفراسي والدارقطني والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وابن حبان والدارقطني من حديث أبي بكر
( 8 ) أي : الطاهر في ذاته المطهر لغيره
( 9 ) قوله : الحلال ميتته قال الرافعي : لما عرف النبي صلى الله عليه و سلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلى بها راكب البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة كذا في " التنوير "
( 10 ) قوله : كغيره من المياه من ماء السماء والثلج والبرد وغير ذلك وأما كراهة التوضؤ به كما هو منقول عن ابن عمر وابن عمرو فليس لأمر في طهارته بل لأن تحت البحر نارا البحار تسجر يوم القيامة نارا كما ذكره عبد الوهاب الشعراني في " اليواقيت "
( 11 ) أي : عامة العلماء

13 - ( باب المسح ( 1 ) على الخفين )
47 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب الزهري عن عباد بن زياد ( 2 ) من ولد ( 3 ) المغيرة ( 4 ) بن شعبة : أن النبي صلى الله عليه و سلم ذهب لحاجته ( 5 ) في غزوة تبوك ( 6 ) قال ( 7 ) : فذهبت معه بماء ( 8 ) قال : فجاء النبي صلى الله عليه و سلم ( 9 ) فسكبت ( 10 ) عليه ( 11 ) قال : فغسل وجهه ثم ذهب يخرج ( 12 ) يديه فلم يستطع ( 13 ) من ضيق كمي ( 14 ) جبته ( 15 ) فأخرجهما ( 16 ) من تحت ( 17 ) جبته فغسل يديه ومسح برأسه ( 18 ) ومسح على الخفين ثم جاء ( 19 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم ( 20 ) قد صلى بهم سجدة ( 21 ) فصلى معهم ( 22 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 23 ) ثم صلى الركعة ( 24 ) التي بقيت ففزع الناس ( 25 ) له ثم قال لهم : قد أحسنتم ( 26 )
_________
( 1 ) قوله : المسح على الخفين نقل ابن المنذر عن ابن المبارك : ليس في مسح الخفين عن الصحابة اختلاف فإن كل من روي عنه إنكاره روي عنه إثباته وقال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا أنكره إلا مالكا في رواية أنكرها أكثر أصحابه والروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته وموطؤه يشهد للمسح وعليها جمع أصحابه وجميع أهل السنة كذا قال الزرقاني
( 2 ) أبو حرب وثقه ابن حبان ولاه معاوية سجستان ومات سنة 100 هـ كذا في " الإسعاف "
( 3 ) قوله : من ولد ... إلخ وهم من مالك وإنما هو مولى المغيرة قاله الشافعي ومصعب الزبيري وأبو حاتم والدار قطني وابن عبد البر قال : وانفرد يحيى وعبد الرحمن بن مهدي بوهم ثان فقالا " عن أبيه " ولم يقله من رواة الموطأ غيرهما . وإنما يقولون عن المغيرة بن شعبة ثم هو منقطع فعباد لم يسمع المغيرة ولا رآه وإنما يرويه الزهري عن عباد عن عروة حمزة ابني المغيرة عن المغيرة وربما حدث الزهري عن عرو وحده . قال الدارقطني : فوهم مالك في إسناده في موضعين أحدهما قوله عباد من ولد المغيرة والثاني إسقاطه عروة وحمزة كذا في " تنوير الحوالك "
وههنا وهم آخر من صاحب هذا الكتاب أو من نساخه وهو إسقاط المغيرة بن شعبة فإن هذا الحديث معروف من حديثه ومروي كذلك في جميع كتب الحديث ونسخ هذا الكتاب على ما رأينا ست نسخ والسابعة التي عليها شرح القاري ليس فيها ذكر المغيرة بل عبارتها عن عباد بن زيد من ولد المغيرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم ... . الحديث مع أن نفس عبارة الحديث تشهد بأن القصة مع صحابي لا مع عباد كما يستفاد بسبب سقوط ذكر المغيرة
( 4 ) قوله : المغيرة : هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي يكنى أبا عبد الله أو أبا عيسى أسلم عام الخندق وقدم مهاجرا وقيل : أول مشاهده الخندق توفي سنة خمسين بالكوفة كذا في " الاستيعاب "
( 5 ) أي : لقضاء حاجة الإنسان
( 6 ) قوله : في غزوة تبوك زاد مسلم وأبو داود " قبل الفجر " وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة وهي آخر غزواته صلى الله عليه و سلم وهي من أطراف الشام المقاربة للمدينة وقيل : سميت بذلك لأنه عليه السلام رأى أصحابه يبوكون عين تبوك أي يدخلون فيها القدح ويحركون ليخرج الماء فقال : ما زلتم تبوكونها بوكا
( 7 ) أي : الراوي وهو المغيرة
( 8 ) قوله : بماء وللبخاري في الجهاد : أنه صلى الله عليه و سلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة وأنه انطلق حتى توارى عني فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ وعند أحمد عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية من قربة كانت جلد ميتة وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : سلها إن كانت دبغتها فهو طهورها وأنها قالت : والله دبغتها كذا في " ضياء الساري " شرح " صحيح البخاري " لعبد الله بن سالم البصري المكي
( 9 ) بعد قضاء حاجته
( 10 ) سكب الماء يسكبه : صبه
( 11 ) فيه جواز الاستعانة في الوضوء
( 12 ) أي : من كميه
( 13 ) قوله : فلم يستطع فيه لبس الضيق من الثياب بل ينبغي أن يكون ذلك في الغزو مستحبا لما في ذلك من التأهب والتأسي برسول الله صلى الله عليه و سلم في لباسه مثل ذلك في السفر وليس به بأس في الحضر وفيه أن العمل الذي لا طول فيه جائز في أثناء الوضوء ولا يلزم من ذلك استئناف الوضوء
( 14 ) بضم الكاف
( 15 ) هي ما قطع من الثياب مشمرا
( 16 ) زاد مسلم : وألقى الجبة على منكبيه
( 17 ) أي : من داخلها من طرف الذيل
( 18 ) في رواية مسلم : بناصيته
( 19 ) قوله : جاء لابن سعد : فأسفر الناس بصلاتهم حتى خافوا الشمس فقدموا عبد الرحمن
( 20 ) قوله : يؤمهم فيه أنه إذا خيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار لم ينتظر الإمام وإن كان فاضلا جدا وقد احتج الشافعي بأن أول الوقت أفضل بهذا الحديث
( 21 ) أي : ركعة زاد مسلم وأبو داود : " من صلاة الفجر "
( 22 ) زاد مسلم وأبو داود وراء عبد الرحمن بن عوف . قوله : فصلى معهم أخرج ابن سعد في " الطبقات " بسند صحيح عن المغيرة أنه سئل : هل أم النبي صلى الله عليه و سلم أحد من الأمة غير أبي بكر قال : نعم كنا في سفر فلما كان من السحر انطلق وانطلقت معه حتى تبرزنا عن الناس . فنزل عن راحلته فتغيب عني حتى ما أراه فمكث طويلا ثم جاء فصببت عليه فتوضأ ومسح على خفيه ثم ركبنا فأدركنا الناس وقد أقيمت الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه فيها فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سبقنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم حين صلى خلف عبد الرحمن : " ماقبض نبي قط حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته " كذا في " التنوير "
( 23 ) فيه جواز صلاة الفاضل خلف المفضول
( 24 ) قوله : ثم صلى الركعة ... إلخ كان فعله هذا كقوله : " إنما الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه "
( 25 ) قوله : ففزع الناس لسبقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة وأكثروا التسبيح رجاء أن يشير إليهم ( في الأصل : " بهم " وهو خطأ ) هل يعيدونها أم لا
( 26 ) فيه دليل على أنه ينبغي أن يحمد ويشكر كل من بدر إلى أداء فرضه

48 - أخبرنا مالك : حدثنا سعيد ( 1 ) بن عبد الرحمن بن رقيش ( 2 ) أنه قال : رأيت أنس ( 3 ) بن مالك أتى قباء فبال ثم أتى بماء فتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ثم مسح على الخفين ( 4 ) ثم صلى
_________
( 1 ) الأشعري المدني ثقة من صغار التابعين قاله الزرقاني
( 2 ) بضم الراء وبالقاف والشين
( 3 ) قوله : رأيت ... إلخ لم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة أما ابن عباس وأبو هريرة فقد جاء عنهما بالأحاديث الحسان خلاف ذلك وموافقة سائر الصحابة ولا أعلم أحدا من الصحابة جاء عنه إنكار المسح على الخفين ممن لم يختلف عنه فيه إلا عائشة ( ولا يثبت عنها أيضا . انظر ( معارف السنن 1 / 332 ) . وقال القاري في ( المرقاة 2 / 78 ) : أما عائشة ففي صحيح مسلم أنها أحالت ذلك على علم علي رضي الله عنه . وفي رواية قالت - وسئلت عنه أعني المسح - : مالي بهذا علم ) كذا في " الاستذكار "
( 4 ) في الاستدلال بفعل الصحابة بعده عليه السلام إيماء إلى أن المسح على الخفين ليس من منسوخ الأحكام

49 - أخبرنا مالك حدثنا نافع وعبد الله بن دينار ( 1 ) : أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد ( 2 ) بن أبي وقاص ( 3 ) وهو أميرها ( 4 ) فرآه عبد الله وهو يمسح على الخفين فأنكر ( 5 ) ذلك عليه فقال له : سل أباك إذا قدمت ( 6 ) عليه فنسي عبد الله أن يسأله حتى قدم ( 7 ) سعد فقال ( 8 ) : أسألت أباك ؟ فقال : لا ( 9 ) فسأله عبد الله فقال ( 10 ) : إذا أدخلت ( 11 ) رجليك في الخفين وهما ( 12 ) طاهرتان ( 13 ) فامسح عليهما قال عبد الله ( 14 ) : وإن جاء أحد من الغائط ( 15 ) ؟ قال : وإن جاء أحدكم من الغائط
_________
( 1 ) أبو عبد الرحمن المدني مولى عبد الله بن عمر وثقه أحمد مات سنة 127 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) أبو إسحاق أحد العشرة المبشرة مات سنة خمس وخمسين وقيل سنة ست وقيل : سبع وقيل : ثمان وقيل أربع
( 3 ) مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
( 4 ) من قبل عمر
( 5 ) قوله : فأنكر ذلك عليه فيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية في الشرع ما يطلع عليه غيره لأن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته قال الحافظ : ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر ومع ذلك فالفائدة بحالها زاد القسطلاني : وأما السفر فقد كان ابن عمر يعلمه كما رواه ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " وابن أبي شيبة في " مصنفه " من رواية عاصم عن سالم عنه : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يمسح على الخفين في السفر كذا في " ضياء الساري "
( 6 ) المدينة
( 7 ) أي : المدينة
( 8 ) لابن عمر
( 9 ) قوله : فقال لا وفي رواية لأحمد من وجه آخر : فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد : سل أباك
( 10 ) ولابن خزيمة فقال عمر : كنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه و سلم نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا
( 11 ) قوله : إذا أدخلت ... إلخ قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم رواه عن الشعبي يونس وابن أبي إسحاق وزكريا بن أبي زائدة وقال الشعبي : شهد لي عروة على أبيه وشهد أبوه على النبي صلى الله عليه و سلم وأجمع الفقهاء على أنه لا يجوز المسح على الخفين إلا لمن لبسهما على طهارة إلا أنهم اختلفوا في من قدم في وضوئه غسل رجليه ولبس خفيه ثم أتم وضوءه هل يمسح عليهما أم لا وهذا إنما يصح على قول من أجاز تقديم أعضاء الوضوء بعضهما على بعض ولم يوجب النسق ولا الترتيب كذا في " الاستذكار "
( 12 ) قوله : وهما طاهرتان استدل الشافعية على اشتراط اللبس على طهارة كاملة بأحاديث منها ما في الصحيحين من حديث المغيرة " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " . ومحل الخلاف يظهر في مسألتين : إحداهما : إذا أحدث ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين ثم مسح عليهما ثم أكمل وضوءه . الثانية : إذا أحدث ثم توضأ فلما غسل إحدى رجليه لبس عليها الخف ثم غسل الأخرى ثم لبس الخف فإن هذا المسح جائز عندنا في الصورتين خلافا لهم وهم يطلقون النقل عن مذهبنا ويقولون : الحنفية لا يشترطون كمال الطهارة في المسح كذا في " نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية " للزيلعي رحمه الله
( 13 ) أي : عند وجود الحدث بعد المسح
( 14 ) قوله : قال عبد الله وإن جاء أحدنا ... إلخ وفي البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر عن سعد : أن النبي صلى الله عليه و سلم مسح على الخفين وابن عمر سأل أباه عن ذلك فقال : نعم إذا حدثك شيئا سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم فلا تسأل عنه غيره
( 15 ) قوله : من الغائط الغوط عمق الأرض الأبعد ومنه قيل للمطمئن من الأرض غائط ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة الغائط لأن العادة أن تقضى في المنخفض من الأرض حيث هو أستر له ثم اتسع فيه حتى صار يطلق على النجو نفسه وقد تكرر في الحديث بمعنى الحدث والمكان كذا في " النهاية "

50 - أخبرنا مالك أخبرني نافع : أن ابن عمر بال بالسوق ( 1 ) ( 2 ) ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي لجنازة ( 3 ) حين دخل المسجد ( 4 ) ليصلي عليه ( ... ) فمسح ( 5 ) على خفيه ( 6 ) ثم صلى ( 7 ) ( 8 )
_________
( 1 ) لعله في موضع أعد هناك لذلك
( 2 ) سمي السوق به لأن الناس يساقون إليه وقيل : هو بالفتح اسم موضع
( 3 ) أي : للصلاة على جنازة
( 4 ) النبوي
( ... ) هكذا في الأصل والصواب : " عليها " كما في نسخ الموطأ . انظر ( الأوجز : 1 / 249 )
( 5 ) قوله : فمسح على خفيه قال أبو عمر : تأخير مسح الخفين محمول عند أصحابنا أنه نسي وقال غيره : لأنه كان برجليه علة فلم يمكنه الجلوس حتى أتى المسجد فجلس ومسح والمسجد قريب من السوق وقال الباجي : يحتمل أنه نسي وأنه اعتقد جواز تفريق الطهارة وأنه لعجز الماء عن الكفاية وقد قال ابن القاسم في " المجموعة " : لم يأخذ مالك ابن عمر في تأخير المسح كذا قال الزرقاني وفيه ما لا يخفى
( 6 ) فيه جواز تفريق فرائض الوضوء خلافا للمالكية فإن الولاء عندهم ضروري وقد أولوا هذا الأثر بتأويلات ركيكة
( 7 ) على الجنازة
( 8 ) ومن المعلوم أنه لا فرق بين صلاة الجنازة وغيرها في اعتبار شرائطها

51 - أخبرنا مالك أخبرني هشام بن عروة عن أبيه : أنه رأى ( 1 ) أباه يمسح على الخفين على ظهورهما ( 2 ) لا يمسح بطونهما قال : ثم يرفع العمامة فيمسح برأسه
قال محمد : وبهذا كله ( 3 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة ونرى ( 4 ) المسح للمقيم يوما وليلة ( 5 ) وثلاثة أيام ولياليها للمسافر
وقال مالك بن أنس ( 6 ) : لا يمسح المقيم على الخفين
وعامة هذه الآثار ( 7 ) التي روى مالك في المسح إنما هي في المقيم ثم ( 8 ) قال : لا يمسح المقيم ( 9 ) على الخفين
_________
( 1 ) قوله : أنه رأى أباه قال القاري : أي الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة . انتهى . وهو مبني على أن ضمير " أباه " راجع إلى عروة المذكور في قوله عن أبيه وكذا ضمير أنه لكن في موطأ يحيى وشرحه للزرقاني مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه يمسح على الخفين قال هشام وكان عروة لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهورهما ولا يمسح بطونهما . انتهى . ومثله في " استذكار " ابن عبد البر فعلى هذا الضميران راجعان إلى هشام والمراد بالأب في كلا الموضعين هو عروة بن الزبير والد هشام لا الزبير والد عروة ويكون قوله : " أنه رأى أباه " بيانا لقوله : " عن أبيه " والمعنى : أخبرني هشام عن حال أبيه عروة وهو أنه أي هشام رآه يمسح على الخفين ... إلخ
( 2 ) قوله : على ظهورهما ... إلخ لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب وصفه ابن شهاب أنه يدخل إحدى يديه تحت الخف والأخرى تحته ( هكذا في الأصل والصواب فوقه . انظر ( الاستذكار 1 / 284 ) ) إلا أنه لا يرى الإعادة على من اقتصر على مسح ظهور الخفين إلا في الوقت . وأما الشافعي فقد نص أنه لا يجزئه المسح على أسفل الخف ويجزئه على ظهره فقط ويستحب أن لا يقصر أحد عن مسح ظهور الخفين وبطونهما معا كقول مالك . وهو قول عبد الله بن عمر ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما والحجة لمالك والشافعي حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله رواه ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يسمعه ثور من رجاء وقد ذكر علته في " التمهيد : وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : يمسح ظهور ( قال أبو حنيفة : يجزئه قدر ثلاثة أصابع وقال مالك بالاستيعاب وقال الشافعي : ما يقع عليه اسم المسح وقال أحمد : الأكثر " أوجز المسالك 1 / 254 ) الخفين دون بطونهما وبه قال أحمد وإسحاق وداود وهو قول علي بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة والحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وجماعة والحجة لهم ما ذكره أبو داود عن علي قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح على ظاهره . وروى ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح ظهور الخفين . وهذان الحديثان يدلان على بطلان قول أشهب ومن تابعه أنه يجوز الاقتصار في المسح على باطن الخف كذا في " الاستذكار "
( 3 ) من نفس المسح وكونه على الظهر وجواز التفريق بينه وبين باقي الفرائض وجوازه في الحضر والسفر بعد لبسه على طهارة كاملة وغير ذلك
( 4 ) أي : نعتقد
( 5 ) قوله : يوما وليلة هكذا ورد في حديث علي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه جعل المسح ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم . أخرجه مسلم وأبو داود وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن صفوان : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا عن جنابة وأخرج أبو داود والترمذي عن خزيمة مرفوعا : المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة . وأخرج نحوه أحمد وإسحاق والبزار والطبراني من حديث عوف بن مالك وابن خزيمة والطبراني من حديث أبي بكرة
فبهذه الأخبار وأمثالها قال أصحابنا بالتوقيت وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي وأحمد وداود كذا في " الاستذكار " . وفيه أيضا " ثبت التوقيت عن علي وابن مسعود وابن عباس وسعد بن أبي وقاص على اختلاف عنه وعمار بن ياسر وحذيفة وأبي مسعود والمغيرة وهو الاحتياط عندي . انتهى
وقالت طائفة : لا توقيت في المسح يروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك كذا ذكره العيني . وذكر ابن عبد البر أنه روي مثله عن عمر وسعد وعقبة بن عامر وابن عمر والحسن البصري . والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة قلت : يا رسول الله أمسح على الخفين ؟ قال : نعم قلت : يوما قال : نعم قلت : ويومين قال : نعم قلت : وثلاثة قال : نعم وما شئت . أخرجه أبو داود وابن ماجة والدارقطني وهو حديث ضعيف ضعفه البخاري وقال أبو داود : اختلف في إسناده وليس بالقوي وقال أبو زرعة : رجاله لا يعرفون وقال ابن حبان : لست أعتمد على إسناد خبره وقال ابن عبد البر : لا يثبت وليس إسناده بقائم كذا ذكره الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث شرح الوجيز للرافعي ( ونقل النووي في شرح المهذب ( 1 / 484 ) اتفاق الأئمة على ضعفه . وانظر أحاديث عدم التوقيت في نصب الراية ( 1 / 175 ) وما بعدها )
( 6 ) قوله : وقال مالك بن أنس ... إلخ هذا الذي حكاه عنه إنما هو رواية عنه غير معتمدة فقد روي عنه في ذلك ثلاث روايات : إحداها : وهي أشد نكارة من إنكار المسح في الحضر والسفر والثانية : كراهة المسح في الحضر وجوازه في السفر والثالثة : إجازة المسح في الحضر والسفر كذا ذكره ابن عبد البر . وذكر العيني نقلا عن النووي أنه روي عنه ست روايات : إحداها : لا يجوز المسح أصلا ثانيها : يكره ثالثها : يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه ورابعها : يجوز مؤقتا وخامسها : يجوز للمسافر دون المقيم وسادسها : يجوز لهما . وقال ابن عبد البر : موطأ مالك يشهد للمسح في الحضر والسفر
( 7 ) قوله : وعامة هذه الآثار ... إلخ رد عل مالك بأن أثر ابن عمر وسعد وأنس وعمر التي ذكرها في الموطأ دالة عل جواز المسح في الحضر فكيف يجوز إنكاره مع ورودها . واحتج بعض أصحابه بأن المسح شرع لمشقة السفر وهي مفقودة في الحضر ورده ابن عبد البر بأن القياس والنظر لا يعرج عليه مع صحة الأثر . ومنهم من قال : أحاديث المسح في الحضر لا يثبت شيء منها وفيه مبالغة واضحة
( 8 ) أي بعدما رواها
( 9 ) قوله : المقيم قال عبد الله بن سالم المكي في " ضياء الساري " : المعروف عن المالكية الآن قولان : الجواز مطلقا والجواز للمسافر دون المقيم وجزم بهذا ابن الحاجب وصحح الباجي الأول ونقل أن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع إفتائه بالجواز

14 - ( باب المسح على العمامة ( 1 ) والخمار ) ( 2 )
52 - أخبرنا مالك قال : بلغني ( 3 ) عن جابر ( 4 ) بن عبد الله ( 5 ) أنه سئل عن العمامة ( 6 ) ؟ فقال : لا حتى يمس ( 7 ) الشعر الماء
قال محمد : وبهذا ( 8 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) بكسر العين ما يعتم به الرجل رأسه
( 2 ) بالكسر ما تقنع به المرأة رأسها
( 3 ) قوله : بلغني قال سفيان : إذا قال مالك بلغني فهو إسناد قوي كذا قال القاري
( 4 ) قوله : عن جابر أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو محمد غزا مع النبي صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة ولم يشهد بدرا ومات بالمدينة وقيل بمكة سنة ثمان وسبعين وقيل تسع وقيل أربع كذا في " الإسعاف "
( 5 ) ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة الأنصاري المدني
( 6 ) أي عن المسح عليها
( 7 ) قوله : حتى يمس من الإمساس أو المس أي يصيب ( الشعر ) بالنصب على أنه مفعول مقدم ( الماء ) بالرفع أو النصب
( 8 ) أي بعدم جواز المسح على العمامة

53 - أخبرنا مالك حدثنا نافع قال : رأيت صفية ( 1 ) ابنة أبي عبيد ( 2 ) تتوضأ وتنزع خمارها ( 3 ) ثم تمسح برأسها
قال نافع : وأنا يومئذ صغير ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا يمسح على الخمار ولا العمامة ( 5 ) بلغنا ( 6 ) أن المسح على العمامة كان ( 7 ) فترك وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : صفية امرأة عبد الله بن عمر تزوجها في حياة أبيه وأصدقها عمر عنه أربع مائة درهم وولدت له واقدا وأبا بكر وأبا عبيدة وعبيد الله وعمر وحفصة وسودة قال ابن منده : أدركت النبي صلى الله عليه و سلم ولم تسمع منه وأنكره الدارقطني وذكرها العجلي وابن حبان في ثقات التابعين كذا قال الزرقاني
( 2 ) ابن مسعود الثقفية
( 3 ) بكسر المعجمة : ما تغطي به المرأة رأسها
( 4 ) لم يبلغ فلذلك رآها
( 5 ) قوله : لا يمسح على الخمار ولا العمامة اختلفت فيه الآثار فروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه مسح على عمامته من حديث عمرو بن أمية الضمري وبلال بن المغيرة بن شعبة وأنس وكلها معلولة وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ذكرهم المصنفون : ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم . وبه قال الأوزاعي وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وإسحاق وللآثار الواردة في ذلك وقياسا على الخفين ؟ وقالت طائفة من هؤلاء بجواز مسح المرأة على الخمار ورووا عن ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها كانت تمسح على خمارها
وأما الذين لم يروا المسح على العمامة والخمار فعروة بن الزبير والقاسم بن محمد والشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان . وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والحجة ظاهر قوله تعالى : { ومسحوا برؤوسكم } ومن مسح على العمامة لم يمسح برأسه . كذا في " الاستذكار " ( وقال في بذل المجهود في حل أبي داود ( 1 / 359 ) والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس . انظر تفصيل أطراف هذا البحث في فتح الملهم ( 1 / 434 ) وما بعدها )
( 6 ) قوله : بلغنا ... إلخ لم نجد إلى الآن ما يدل على كون مسح العمامة منسوخا لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة فلعل عنده وصل بإسناده
( 7 ) أي في بدء الأمر
( 8 ) قوله : والعامة من فقهائنا إلى عدم الاقتصار على المسح على العمامة ذهب الجمهور وقال الخطابي : فرض الله المسح بالرأس والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل قال : وقياسه على الخف بعيد لأنه يشق نزعها . وتعقب بأن الذين أجازوا شرطوا فيه المشقة في نزعها وقالوا : الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه إلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري - في رواية عنه - وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وقال ابن المنذر : ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر . وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا " . كذا في " فتح الباري "

15 - ( باب الاغتسال من الجنابة )

54 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان إذا اغتسل من الجنابة أفرغ ( 1 ) على يده اليمنى فغسلها ثم غسل فرجه ( 2 ) ومضمض ( 3 ) واستنشق وغسل وجهه ونضح ( 4 ) في عينيه ثم غسل يده اليمنى ثم اليسرى ثم غسل رأسه ثم اغتسل و ( 5 ) أفاض الماء على جلده
قال محمد : وبهذا ( 6 ) كله نأخذ إلا النضح في العينين فإن ذلك ليس بواجب ( 7 ) على الناس في الجنابة وهو قول أبي حنيفة ومالك بن أنس والعامة
_________
( 1 ) أي صب الماء
( 2 ) بشماله
( 3 ) بيمينه
( 4 ) قوله : ونضح أي رش في عينيه هذا شيء لم يتابع عليه لأن الذي عليه غسل ما ظهر لا ما بطن وله رحمه الله شدائد شذ فيها حمله الورع عليها وفي أكثر الموطآت : سئل مالك عن نضح ابن عمر الماء في عينيه ؟ فقال : ليس على ذلك العمل عندنا كذا في " الاستذكار "
( 5 ) عطف تفسير
( 6 ) قوله : وبهذا كله نأخذ أي بما أفاده هذا الحديث من الأفعال فبعضها فرائض عندنا كالمضمضة والاستنشاق وغسل سائر البدن وباقيها من تقديم غسل اليدين وتعقيبه بغسل الفرج وإن لم يكن عليه نجاسة والتوضئ غير ذلك سنن
( 7 ) قوله : ليس بواجب بل ليس بسنة أيضا ( قال الطحطاوي على " المراقي " : ولا يجب إيصال الماء إلى باطن العينين ولو في الغسل للضرر هذه العلة تنتج الحرمة وبه صرح بعضهم وقالوا : لا يجب غسلها من كحل نجس ولو أعمى لأنه مضر مطلقا وفي ابن أمير الحاج : يجب إيصال الماء إلى أهداب العينين وموقيهما . قلت : وما يخطر في البال - والله أعلم - أن ابن عمر رضي الله عنه استنبطه من قوله صلى الله عليه و سلم : " أشربوا الماء أعينكم " . أخرجه الدارقطني بسند ضعيف كما ذكره ابن رسلان وكأن معنى قوله صلى الله عليه و سلم عند العامة هو تعاهد الماقين لكن ابن عمر رضي الله عنه حمله على ظاهره فكان ينضح في عينيه فتأمل وتشكر ( أوجز المسالك 1 / 283 ) )

16 - ( باب الرجل تصيبه ( 1 ) الجنابة من الليل )
55 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 2 ) بن دينار ( 3 ) عن ابن عمر أن عمر ( 4 ) رضي الله عنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ( 5 ) تصيبه الجنابة من الليل قال : توضأ ( 6 ) واغسل ذكرك ( 7 ) ونم
قال محمد : وإن لم يوضأ ولم يغسل ذكره حتى ينام فلا بأس ( 8 ) بذلك أيضا
_________
( 1 ) بالاحتلام أو غيره
( 2 ) مولى عبد الله بن عمر
( 3 ) قوله : عبد الله بن دينار هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق من روات الموطأ ورواه خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار قال أبو علي : والحديث لمالك عنهما جميعا وقال ابن عبد البر : الحديث لمالك عنهما جميعا لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار وحديث نافع غريب . انتهى . وقد رواه عنه كذلك خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني فمراده خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة إلى رواية الموطأ كذا في " الفتح "
( 4 ) قوله : أن عمر ذكر مقتضاه أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر وقد بين النسائي سبب ذلك في روايته من طريق ابن عون عن نافع قال : أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له . فأتى عمر النبي صلى الله عليه و سلم فاستأمره فقال : " ليتوضأ ويرقد " وعلى هذا فالضمير في قوله في حديث الباب " أنه يصيبه " يعود إلى ابن عمر لا على عمر وقوله في الجواب " توضأ " يحتمل أن يكون ابن عمر حاضرا فوجه الخطاب إليه كذا قال الزرقاني
( 5 ) روى ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي : إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة كذا في " الفتح "
( 6 ) قوله : توضأ قال ابن الجوزي : الحكمة فيه أن الملائكة تبتعد عن الوسخ والريح الكريهة وأن الشياطين تقرب من ذلك
وقال النووي : اختلف في حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا : لأنه يخفف الحدث وقيل : لعله أن ينشط إلى الغسل إذا بل أعضاءه وقيل : ليبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه وأخرج الطبراني في " الكبير " بسند لا بأس به عن ميمونة بنت سعد قلت : يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب ؟ قال : لا حتى يتوضأ قلت : هل يرقد الجنب ؟ قال : ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ فإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل . وقال الباجي : لا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط قلت : يخرج من هذا لغز لطيف فيقال : لنا وضوء لا يبطله الحدث وإنما يبطله الجماع . كذا في " التنوير "
( 7 ) قوله : اغسل ذكرك في رواية أبي نوح : ذكرك ثم توضأ ثم نم وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال : يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء ينقض بالحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشد من مس الذكر وقال ابن دقيق العيد : جاء الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوبه وقال ابن عبد البر : ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وهو شذوذ وقال ابن العربي : قال مالك والشافعي : لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال : لم يقل الشافعي بوجوبه ولا يعرف ذلك أصحابه وهو كما قال لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب أو أراد وجوب سنة أي متأكد الاستحباب ونقل الطحاوي عن أبي يوسف أنه ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أنه عليه السلام كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره وتعقب بأن الحفاظ قالوا : إن أبا إسحاق غلط فيه وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتمد وجوبه أو أن معنى قولها ( في الأصل : " قوله " وهو تحريف ) : " لم يمس ماء " أي للغسل وأورد الطحاوي ما يدل على ذلك ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث : كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع . وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من رواية عائشة فيعتمد ويحمل ترك ابن عمر غسل رجليه على أنه كان لعذر . وقال جمهور العلماء : المراد بالوضوء ههنا الوضوء الشرعي كذا في " الفتح "
( 8 ) قوله : فلا بأس بذلك أيضا يشير إلى أنه ليس بضروري حتى لو ترك لزمه إثم بل هو أمر مستحب من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وهذا هو قول الثوري كما قال ابن عبد البر . قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء وأحب إليهم أن يتوضأ وقال الليث : لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلا كان أو امرأة ولا أعلم أحدا أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر وسائر الفقهاء لا يوجبونه وأكثرهم يأمرون به ويستحبونه وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين . انتهى ملخصا . فظهر من ههنا أنه لا خلاف في هذه المسألة بين أصحابنا وبين الشافعية وغيرهم ما عدا الظاهرية إلا أن يكون الاستحباب عندهم متأكدا وعند أصحابنا غير متأكد

56 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن أبي إسحاق السبيعي ( 1 ) عن الأسود ( 2 ) بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصيب ( 3 ) من أهله ثم ينام ولا يمس ماء ( 4 ) فإن استيقظ من آخر الليل عاد ( 5 ) واغتسل
قال محمد : هذا الحديث أرفق بالناس ( 6 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عن أبي إسحاق السبيعي هو عمرو بن عبد الله بن عبيد ويقال علي السبيعي نسبه إلى سبيع بالفتح قبيلة من همدان الكوفي ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان وروى عن علي بن أبي طالب والمغيرة بن شعبة وقد رآهما ولم يسمع منهما وعن سليمان بن صرد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وجابر بن سمرة والنعمان بن بشير والأسود بن يزيد النخعي وأخيه عبد الرحمن بن يزيد وابنه عبد الرحمن بن الأسود وسعيد بن جبير والحارث الأعور وغيرهم وعنه ابنه يونس وابن ابنه إسرائيل بن يونس وابن ابنه الآخر يوسف بن اسحق وقتادة وسليمان التيمي ومسعر والثوري وسفيان بن عيينة وآخرون قال أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم : ثقة وله مناقب جمة مبسوطة في " تهذيب التهذيب " وكانت وفاته سنة 128 هـ أو سنة 129 هـ أو سنة 126 هـ أو سنة 127 هـ قاله غير واحد
( 2 ) قوله : عن الأسود بن يزيد هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي . نسبة إلى نخع قبيلة بالكوفة روى عن أبي بكر وعمر وحذيفة وبلال وعائشة وأبي محذورة وأبي موسى وابن مسعود وكان فقيها زاهدا مفتيا من أصحابه روى عنه أبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي وهو ابن أخته وأبو بردة بن أبي موسى وجماعة وثقه أحمد ويحيى وابن سعد والعجلي توفي بالكوفة سنة 75 هـ وقيل سنة 74 هـ قاله ابن أبي شيبة كذا في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) أي يجامع
( 4 ) ولا يمس ماء ( في نسخة سقطت هذه العبارة ) قال يزيد بن هارون : هذا الحديث خطأ . وقال الترمذي : يريد أن قوله من غير أن يمس ماء خطأ من السبيعي . وقال البيهقي : طعن الحفاظ في هذه اللفظة وتوهموها مأخوة من غير الأسود وأن السبيعي دلس . قال البيهقي : وحديث السبيعي بهذه الزيادة صحيح من جهة الرواية لأنه بين سماعه من الأسود والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لرده . قال النووي : فالحديث صحيح وجوابه من وجهين أحدهما : ما رواه البيهقي عن ابن شريح واستحسنه أن معناه لا يمس ماء للغسل والثاني : أن المراد كان يترك الوضوء في بعض الأحوال لبيان الجواز وهذا عندي حسن أو أحسن كذا في مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي
( 5 ) إلى الوطء
( 6 ) لكن الحديث الأول أصح وأرجح

17 - ( باب الاغتسال يوم الجمعة ) ( 1 )
57 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أتى ( 2 ) أحدكم ( 3 ) الجمعة ( 4 ) فليغتسل ( 5 )
_________
( 1 ) بضم الجيم والميم لغة الحجاز وفتح الميم لغة تميم وإسكانها لغة عقيل
( 2 ) أي أراد أن يجيء كما في رواية الليث عن نافع عند مسلم : إذا أراد أحدكم أن يأتي
( 3 ) قوله : أحدكم بإضافة أحد إلى ضمير الجمع وذلك يعم الرجال والنساء والصبيان
( 4 ) قوله : الجمعة أي الصلاة أو المكان الذي تقام فيه وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مقيما بالجامع
( 5 ) قوله : فليغتسل قال الحافظ ابن حجر : رواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهور ( هكذا في الأصل : والصواب : " مشهورة " ) جدا قد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسا رووه عن نافع وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرون نفسا

58 - أخبرنا مالك حدثنا صفوان ( 1 ) بن سليم ( 2 ) عن عطاء ( 3 ) بن يسار عن أبي سعيد ( 4 ) الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : غسل يوم الجمعة ( 5 ) واجب ( 6 ) على كل محتلم ( 7 )
_________
( 1 ) المدني أبو عبد الله الزهري
( 2 ) بضم السين
( 3 ) قوله : عطاء بن يسار الهلالي أبو محمد المدني عن ابن مسعود وزيد وابن عمر وعنه أبو حنيفة وزيد بن أسلم وآخرون وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم مات سنة أربع وتسعين وقيل سنة ثلاث ومائة كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : أبي سعيد اسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة الأنصاري الخدري وخدره وخداره بطنان من الأنصار كان من الحفاظ المكثرين الفضلاء العقلاء مات سنة 74 هـ كذا في " الاستيعاب "
( 5 ) قوله : غسل يوم الجمعة ظاهر إضافته لليوم حجة لأن الغسل لليوم لا للجمعة وهو قول جماعة ومذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه للصلاة لا لليوم وقد روى مسلم هذا الحديث بلفظ : " الغسل يوم الجمعة " وكذا رواه الشيخان من وجه آخر عن أبي سعيد قاله الزرقاني
( 6 ) قوله : واجب أي متأكد قال ابن عبد البر : ليس المراد أنه واجب فرضا بل هو مؤول أي واجب في السنة أو في المروءة أو في الأخلاق الجميلة كما تقول العرب : وجب حقك
( 7 ) قوله : محتلم أي بالغ وهو مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة المانعة عن الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه الإنزال موجب للغسل سواء كان يوم الجمعة أم لا كذا في " الكواكب الدراري "

59 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن ابن ( 1 ) السباق ( 2 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( 4 ) : يا معشر المسلمين ( 5 ) هذا يوم جعله الله تعالى ( 6 ) عيدا للمسلمين فاغتسلوا ( 7 ) ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه ( 8 ) وعليكم ( 9 ) بالسواك ( 10 ) ( 11 )
_________
( 1 ) عبيد المدني الثقفي وثقه ابن حبان
( 2 ) بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة
( 3 ) قوله : أن قال السيوطي : وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن السباق عن ابن عباس به . واسم ابن السباق عبيد وهو من ثقات التابعين بالمدينة كذا قاله القاري
( 4 ) في جمعة من الجمع
( 5 ) قوله : يا معشر المسلمين قال النووي في شرح مسلم : المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف فالشباب معشر والشيوخ معشر والنساء معشر والأنبياء معشر وكذا ما أشبهه
( 6 ) أي لهذه الأمة خاصة جزم به أبو سعد في " شرف المصطفى " وابن سراقة
( 7 ) قوله : فاغتسلوا الأمر عندنا محمول على الندب والفضل بدليل قول عائشة : كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يشهدون الجمعة بهيآتهم فقيل لهم : لو اغتسلتم لئلا يؤذي بعضهم بعضا بريحه كذا في " الاستذكار "
( 8 ) قوله : أن يمس منه فيه استحباب مس الطيب لمن قدر عليه يوم الجمعة والعيدين وذلك مندوب إليه حسن مرغوب فيه وقد كان أبو هريرة يوجب الطيب ولعله وجوب سنة أو أدب كذا في " الاستذكار "
( 9 ) أي الزموه
( 10 ) قوله : وعليكم بالسواك العلماء كلهم يندبون إليه ويستحبونه وليس بواجب عندهم قال الشافعي : لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق وقد قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك "
( 11 ) قوله : بالسواك قال الرافعي في شرح المسند : السواك فيما حكى ابن دريد من قولهم : سكت الشيء إذا دلكته سوكا

60 - أخبرنا مالك أخبرني المقبري ( 1 ) عن أبي هريرة أنه قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة ( 2 )
_________
( 1 ) قوله : المقبري هو بضم الموحدة وفتحها كان مجاورا للمقبرة فنسب إليها اختلط قبل موته بأربع سنين وكان سماع مالك ونحوه قبله قاله الزرقاني واسمه سعيد بن أبي سعيد كيسان المدني اتفقوا على توثيقه مات سنة ثلاث وعشرين ومائة كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : كغسل الجنابة قد حكى ابن المنذر عن أبي هريرة وعن عمار بن ياسر وغيرهما الوجوب الحقيقي وهو قول الظاهرية ورواية عن أحمد فلا يؤول قول أبي هريرة بأنه في الصفة لا في الوجوب لأنه مذهبه كذا قال الزرقاني

61 - أخبرنا مالك أخبرني نافع : أن ابن عمر كان لا يروح ( 1 ) إلى الجمعة إلا اغتسل ( 2 )
_________
( 1 ) أي لا يذهب
( 2 ) قوله : إلا اغتسل اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه كان يغتسل يوم الجمعة والعيدين ويوم عرفة أخرجه أحمد والطبراني من حديث الفاكه ولأبي داود من حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغتسل من أربع : من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت . وبهذه الأخبار ذهب محققو أصحابنا إلى الاستنان

62 - أخبرنا مالك أخبرني الزهري عن سالم بن عبد الله ( 1 ) عن أبيه : أن رجلا ( 2 ) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل المسجد يوم الجمعة و ( 3 ) عمر بن الخطاب يخطب الناس فقال : أية ( 4 ) ساعة هذه ؟ فقال الرجل : انقلبت ( 5 ) من السوق فسمعت النداء ( 6 ) فما زدت ( 7 ) على أن توضأت ثم أقبلت قال عمر : والوضوء ( 8 ) أيضا ( 9 ) وقد علمت ( 10 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر ( 11 ) بالغسل
قال محمد : الغسل أفضل ( 12 ) يوم الجمعة وليس بواجب ( 13 )
وفي هذا ( 14 ) آثار كثيرة
_________
( 1 ) ابن عمر بن الخطاب أبو عمر أحد الأئمة الفقهاء السبعة بالمدينة قال مالك : لم يكن أحد في زمن سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل مات سنة 106 هـ وقيل سنة سبع
( 2 ) قوله : أن رجلا سماه ابن وهب وابن القاسم في روايتهما للموطأ : عثمان بن عفان وقال ابن عبد البر : لا أعلم فيه خلافا قال : وكذا وقع في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر ورواية معمر عن الزهري عن عبد الرزاق وفي حديث أبي هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم كذا في " التنوير "
( 3 ) الواو حالية
( 4 ) بتشديد الياء تأنيث أي استفهام إنكار وتوبيخ على تأخره إلى هذه الساعة ( كان غرض عمر رضي الله عنه التنبيه على ساعات التبكير التي وقع فيها الترغيب لأنها إذا انقصت طوت الملائكة الصحف ولذا بادر عثمان رضي الله عنه إلى الاعتذار )
( 5 ) قوله : انقلتب أي رجعت روى أشهب عن مالك قال : إن الصحابة كانوا يكرهون ترك العمل يوم الجمعة على نحو تعظيم اليهود السبت والنصارى الأحد كذا في " التنوير "
( 6 ) أي الأذان بين يدي الخطيب
( 7 ) أي لم أشتغل بشيء إلا بالوضوء
( 8 ) قوله : والوضوء قال النووي : أي توضأت الوضوء فقط قاله الأزهري وقال الحافظ ابن حجر : أي الوضوء أيضا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل . والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء . وجوز القرطبي الرفع على أن خبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه
( 9 ) فيه دليل على عربية " أيضا " وقد توقف فيه جمال الدين بن هشام كذا في " مرقاة الصعود "
( 10 ) ومع علمك تركت الغسل واكتفيت ( في الأصل : " على الوضوء " وهو تحريف ) بالوضوء
( 11 ) قوله : كان يأمر بالغسل استدل بهذا اللفظ وبزجر عمر لعثمان في أثناء الخطبة على ترك الغسل من قال بوجوبه . وأجاب عنه الطحاوي بأن عمر لم يأمر عثمان بالرجوع للغسل وذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان ذلك إجماعا على نفي وجوب الغسل ولولا ذلك ما تركه عثمان ولما سكت عمر من أمره إياه بالرجوع وذكره نحوه ابن خزيمة وابن عبد البر والطبري والخطابي وغيرهم وارتضاه كثير من شراح صحيح البخاري وغيرهم . ولا يخفى ما فيه فإنه إنما ينهض دليلا على من قال باشتراط الغسل لصحة صلاة الجمعة وهم قوم من الظاهرية وأما من قال بوجوبه مستقلا بدون الاشتراط فلا لأن له أن يقول الغسل وإن كان واجبا لكن تركه عثمان لشغله بأمر وضيق وقت فهو معذور في تركه ولا يلزم من تركه أن لا يكون واجبا وإنما لم يأمره عمر بالرجوع لأنه قد وجب عليه أمر آخر وهو سماع الخطبة فلو أمر بالرجوع لزم اختيار الأدنى وترك الأعلى
وبالجملة وجوب الغسل مقيد بسعة الوقت وعند ضيقه وخوف فوت واجب آخر يسقط وجوبه فالأولى أن يمنع دلالة قصة عمر على الوجوب بأن زجره عثمان على ترك الغسل وترك الخطبة لأجله يحتمل أن يكون لتركه سنة مؤكدة فإن الصحابة كانوا يبالغون في الاهتمام بالسنن
( 12 ) قوله : أفضل هذا يشمل الاستنان والاستحباب والأول مختار كثير من أصحابنا والثاني رأي بعض أصحابنا والأول أرجح
( 13 ) قوله : وليس بواجب وذهب الظاهرية إلى وجوبه أخذا من ظاهر الأحاديث المارة وبه قال الحسن وعطاء بن أبي رباح والمسيب بن رافع ذكره العيني وهو المروي عن أحمد في رواية والمحكي عن أبي هريرة وعمار بن ياسر كذا قال القسطلاني . وذكر النووي في شرح صحيح مسلم أن ابن المنذر حكى الوجوب عن مالك وكلام مالك في الموطأ وأكثر الروايات عنه ترده . وقال ابن حجر : حكى ابن حزم الوجوب عن عمر وجم غفير من الصحابة ومن بعدهم ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا وإنما اعتمد ابن حزم في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد : ما كنت أظن مسلما يدع الغسل يوم الجمعة
( 14 ) أي عدم الوجوب

63 - قال محمد : أخبرنا الربيع بن صبيح ( 1 ) عن سعيد الرقاشي ( 2 ) عن أنس بن مالك وعن الحسن البصري ( 3 ) كلاهما يرفعه ( 4 ) إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ( 5 ) ومن اغتسل فالغسل أفضل
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا الربيع هو الربيع بن صبيح - بفتح أولهما - السعدي البصري صدوق سيئ الحفظ وكان عابدا مجاهدا قال الرامهرمزي : هو أول من صنف الكتب بالبصرة مات سنة ستين بعد المائة كذا في " التقريب " . وذكر في " تهذيب التهذيب " أنه روى عن الحسن البصري وحميد الطويل ويزيد الرقاشي وأبي الزبير وأبي غالب وغيرهم وعنه الثوري وابن المبارك ووكيع وغيرهم قال العجلي وابن عدي : لا بأس به
( 2 ) قوله : عن سعيد الرقاشي بفتح الراء المهملة وخفة القاف وآخره شين معجمة نسبة إلى رقاش اسم امرأة كثر ( في الأصل : " كثرت " وهو تحريف ) أولادها حتى صاروا قبيلة وهو بنت سبيعة بن قيس بن ثعلبة وذكره السمعاني وابن الأثير وسعيد هذا لعله سعيد بن عبد الرحمن الرقاشي ذكره الذهبي في " ميزان الاعتدال " وقال : لينه يحيى القطان ووثقه جماعة وقال ابن عدي : توقف فيه ابن القطان ولا أرى به بأسا وقد روي عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب قال : أتقوا الله واتقوا الناس . انتهى فليحرر
والذي أظن أن هذا من النساخ فإن هذه الرواية بعينها وجدتها في كتاب الحج وفيه : محمد أخبرنا الربيع بن صبيح البصري عن يزيد الرقاشي عن أنس وعن الحسن البصري كلاهما يرفعه ... إلخ وقال الذهبي في " الكاشف " في ترجمته : يزيد بن أبان الرقاشي العابد عن أنس والحسن وعنه صالح المري وحماد بن سلمة ضعيف . انتهى . وذكر في " تهذيب التهذيب " في ترجمة الربيع : يزيد الرقاشي من شيوخه وليس لسعيد فيه ذكر ( زاد في نسخة ) [ وقال أبو عيسى الترمذي في آخر شمائله - عندما روى حديثا من طريق يزيد الفارسي عن ابن عباس - : يزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز وهو أقدم من يزيد الرقاشي وروى يزيد الفارسي عن ابن عباس أحاديث ويزيد الرقاشي لم يدرك ابن عباس وهو يزيد بن أبان الرقاشي وهو يروي عن أنس بن مالك ويزيد الفارسي ويزيد الرقاشي كلاهما من أهل البصرة انتهى ]
( 3 ) قوله : وعن الحسن البصري هو من أجلة التابعين الحسن بن أبي الحسن يسار أمه مولاة لأم سلمة ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وقدم من المدينة إلى البصرة بعد مقتل ( في الأصل : " قتل " والصواب : " مقتل " ) عثمان روى عن جماعة من الصحابة وروى عنه جمع من التابعين كان إماما ثقة ذا علم وزهد وورع وعبادة مات في رجب سنة 110 هـ كذا في " جامع الأصول " وله ترجمة طويلة في " تهذيب التهذيب " وغيره
( 4 ) وفي نسخة يرفعانه . قوله : كلاهما يرفعه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الترمذي : حسن صحيح وقد روي عن الحسن مرسلا وأخرجه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه وأعله بعض المحدثين بأن الحسن لم يسمع من سمرة كما قال ابن حبان في النوع الرابع من القسم الخامس : الحسن لم يسمع من سمرة شيئا وكذا قال ابن معين وشعبة وقال الدارقطني : الحسن اختلف في سماعه عن سمرة والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة
والجواب عنه أنه نقل البخاري في أول " تاريخه الوسط " عن على بن المديني أن سماع الحسن من سمرة صحيح . ونقله الترمذي عن البخاري وسكت عليه . واختاره الحاكم في المستدرك والبزار فيقدم إثبات هؤلاء على نفي أولئك وأما مرسله فهو مقبول فإن مراسيل الحسن معتمدة وقد روى هذا الحديث جمع من الصحابة غير سمرة أخرجه أصحاب الكتب المعتمدة وضعف بعضها ينجبر بالبعض منهم أنس أخرجه ابن ماجه عنه مرفوعا : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت تجزئ عنه الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل : وأخرجه الطحاوي والبزار والطبراني في " المعجم الوسط " . ومنهم أبو سعيد الخدري أخرج حديثه البيهقي والبزار . ومنهم أبو هريرة أخرج حديثه البزار وابن عدي ومنهم جابر أخرجه عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن عدي ومنهم عبد الرحمن بن سمرة أخرجه الطبراني والعقيلي . ومنهم ابن عباس أخرجه البيهقي
وبالجملة هذا الحديث له أصل أصيل وهو دال على أن الغسل ليس بواجب وإلا فكيف يكون مجرد الوضوء حسنا واستدل به بعضهم على الاستحباب وهو كذلك لولا ثبوت مواظبة النبي صلى الله عليه و سلم على الغسل يوم الجمعة فإنها دالة على الاستنان
( 5 ) قوله : فبها ونعمت قال الأصمعي : معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة وقال أبو حامد : معناه فبالرخصة أخذ لأن السنة الغسل وقال الحافظ أبو الفضل العراقي : أي فبطهارة الوضوء حصل الواجب في التطهير للجمعة ونعمت الخصلة هي أي الطهارة وهو بكسر النون وسكون العين في المشهور وروي بفتح النون وكسر العين وهو الأصل في هذه اللفظة وروي نعمت بفتح النون وكسر العين وفتح التاء أي نعمك الله قال النووي في " شرح المهذب " : هذا تصحيف نبهت عليه لئلا يغتر به كذا في " زهر ( في الأصل : " زهرة الربى " وهو تحريف ) الربى على المجتبى " للسيوطي

64 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان ( 1 ) بن صالح عن حماد ( 2 ) عن إبراهيم النخعي قال : سألته عن الغسل يوم الجمعة والغسل من الحجامة والغسل في العيدين ؟ قال : إن اغتسلت فحسن وإن تركت فليس عليك ( 3 ) فقلت له : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم : من راح ( 4 ) إلى الجمعة فليغتسل ( 5 ) ؟ قال : بلى ولكن ليس من الأمور الواجبة وإنما ( 6 ) وهو كقوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } فمن أشهد فقد أحسن ومن ترك ( 7 ) فليس عليه وكقوله تعالى ( 8 ) : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } فمن انتشر فلا بأس ومن جلس فلا بأس
قال حماد ( 9 ) : ولقد رأيت إبراهيم النخعي يأتي العيدين ( 10 ) وما يغتسل ( 11 )
_________
( 1 ) قوله : محمد بن أبان بن صالح بفتح الألف وخفة الباء الموحدة هو ممن ضعفه جمع من النقاد ففي " ميزان الاعتدال " للذهبي : محمد بن أبان بن صالح القرشي ويقال له الجعفي الكوفي حدث عن زيد بن أسلم وغيره ضعفه أبو داود وابن معين وقال البخاري : ليس بالقوي وقيل كان مرجئا انتهى . وفي " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر : قال النسائي : محمد بن صالح القرشي كوفي ليس بثقة . وقال ابن حيان : ضعيف . وقال أحمد : لم يكن ممن يكذب . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال البخاري في " التاريخ " : يتكلمون في حفظه لا يعتمد عليه
( 2 ) ابن أبي سليمان
( 3 ) أي : لا يلزم عليك من تركه شيء
( 4 ) أي : ذهب
( 5 ) فإنه أمر وظاهر الأمر للوجوب
( 6 ) يريد أنه ليس كل أمر في الشرع فهو للزوم والوجوب بل قد يكون الأمر للاستحسان والإباحة
( 7 ) قوله : ومن ترك فليس عليه أي : من ترك الإشهاد على المبايعة فليس عليه شيء فإن الأمر للندب والاستحباب لا للإلزام والإيجاب هذا هو قول الجمهور . وقال الضحاك : هو عزم من الله تعالى والإشهاد واجب في صغير الحق وكبيره . كذا نقله البغوي في " معالم التنزيل "
( 8 ) قوله : وكقوله تعالى : { فإذا قضيت ... } أي : أديت فإن القضاء يستعمل لمعنى الأداء { الصلاة } أي : صلاة الجمعة { فانتشروا في الأرض } للتجارة والتصرف في حوائجكم { وابتغوا من فضل الله } يعني الرزق وهذا أمر إباحة كقوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } . وقال ابن عباس : إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر . كذا قال البغوي
( 9 ) يريد تأييد قول النخعي بفعل
( 10 ) أي : إلى المصلى لصلاة العيدين
( 11 ) ظنا منه أنه من الأمور المستحبة فمن ترك فلا حرج

65 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان عن ابن جريج ( 1 ) عن عطاء بن أبي رباح قال : كنا جلوسا ( 2 ) عند عبد الله بن عباس فحضرت الصلاة ( 3 ) أي الجمعة فدعا بوضوء ( 4 ) فتوضأ ( 5 ) فقال له بعض أصحابه : ألا تعتسل ؟ قال : اليوم يوم بارد ( 6 ) فتوضأ ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : عن ابن جريج بضم الجيم مصغرا آخره جيم أيضا هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي الفقيه ثقة فاضل توفي سنة خمسين بعد المائة أو بعدها كذا في " التقريب " و " الكاشف "
( 2 ) أي : جالسين
( 3 ) أي : جاء وقتها
( 4 ) أي : ماء يتوضأ به
( 5 ) أي : أراد أن يتوضأ
( 6 ) يورث الغسل فيه الكلفة
( 7 ) قوله : فتوضأ تأكيد لتوضأ الأول إن كان الأول على معناه وإن كان على معنى الإرادة فهو تأسيس ويمكن أن يكون معناه فثبت على وضوئه ولم يتوجه إلى الغسل

66 - قال محمد : أخبرنا سلام ( 1 ) بن سليم ( 2 ) الحنفي ( 3 ) عن منصور عن إبراهيم ( 4 ) قال : كان علقمة بن قيس إذا سافر لم يصل الضحى ( 5 ) ولم يغتسل يوم الجمعة ( 6 )
_________
( 1 ) بفتح الأول وتشديد الثاني
( 2 ) بصيغة التصغير
( 3 ) نسبة إلى قبيلة بني حنيفة لا إلى الإمام أبي حنيفة كما ظنه القاري
( 4 ) أي : النخعي
( 5 ) قوله : لم يصل قال القاري : أي : لم يصل الضحى فإنها مستحبة وقد تصدق الله عن المسافر ببعض الفرائض فكيف بالسنة
( 6 ) قوله : ولم يغتسل يوم الجمعة فيه دلالة على أن غسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة لا لنفس اليوم فيسقط استنانه عمن تسقط عنه صلاة الجمعة كالمسافر وقد اختلف فيه فقيل : إنه لليوم ونسبة إلى الحسن بن زياد صاحب " الهداية " وغيره ونسبة العيني في " شرحه " إلى محمد وداود الظاهري . والثاني وهو الصحيح عند الجمهور أنه للصلاة لظاهر الأحاديث : " إذا جاء أحدكم الجمعة ... " ونحو ذلك . ومنشأ الخلاف أن من لا تجب عليه الجمعة ليس لهم الغسل على القول الأول دون الثاني

67 - قال محمد : أخبرنا سفيان الثوري ( 1 ) حدثنا منصور ( 2 ) عن مجاهد ( 3 ) قال : من اغتسل يوم الجمعة بعد طلوع الفجر ( 4 ) أجزأه ( 5 ) عن غسل يوم الجمعة
_________
( 1 ) قوله : سفيان الثوري هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي نسبة إلى ثور - بالفتح - بن عبد مناة بن أد بن طانجة قبيلة روى عن جماعة كثير وعنه جماعة غفيرة كما بسطه المزي في " تهذيب الكمال " وذكر في ترجمته : قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين : هو أمير المؤمنين في الحديث وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان وقال شعبة : سفيان أحفظ مني وقال ابن مهدي : كان وهب يقدم سفيان في الحفظ على مالك وقال الدوري : رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه أحدا في الفقه والحديث والزهد وكل شيء مولده سنه 97 هـ وتوفي بالبصرة سنة 161 هـ . انتهى ملخصا
( 2 ) أي : ابن المعتمر الكوفي
( 3 ) قوله : عن مجاهد هو ابن جبر - بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة - أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر الحافظ سمع سعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس ولزمه مدة وقرأ عليه القرآن وروى عنه الأعمش ومنصور وابن عون وقتادة وغيرهم قال قتادة : أعلم من بقي بالتفسير مجاهد وقال ابن جريج : لأن أكون سمعت من مجاهد أحب إلي من أهلي ومالي وكان من أعيان الثقات كذا في " تذكرة الحفاظ للذهبي وذكر في التقريب وغيره أن وفاته كانت سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة
( 4 ) وأما إن اغتسل قبل طلوع الفجر فظاهر الأخبار أنه لا يكفي في إحراز الفضيلة
( 5 ) قوله : أجزأه يشير إلى أنه لا يشترط اتصال الغسل بذهبه إلى المسجد بل لو اغتسل بعد طلوع الفجر الصادق من الجمعة كفى ذلك وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " : استدل مالك بالحديث في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا : يجزئ من بعد الفجر وقال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل سئل عمن اغتسل ثم أحدث هل يكفيه الوضوء ؟ فقال : نعم ولم أر فيه أعلى من حديث ان أبزى . يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه وله صحبة : أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحديث فيتوضأ ولا يعيد الغسل . انتهى . وذكر صاحب " خلاصة الفتاوى " و " البناية " وغيرهما : أنه لو اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث وصلى بوضوء مستحدث لا ينال ثواب غسل الجمعة عند أبي يوسف وعند الحسن ينال . وفيه نظر بأن هذا الغسل كما هو مقتضى الأحاديث للنظافة ودفع الرائحة لا للطهارة فلا يضر تخلل الحدث وذكر في " الخلاصة " أيضا أنه لو اغتسل قبل الصبح ودام على ذلك حتى صلى به الجمعة ينال فضل الغسل عند أبي يوسف وعند الحسن لا . وفيه نظر ذكره الزيلعي في " شرح الكنز " وهو أنه لا يشترط وجود الاغتسال في ما سن الاغتسال لأجله وإنما يشترط أن يكون متطهرا فينبغي الإجزاء في الصورة المذكورة عند الحسن أيضا . وقد صرح به قاضي خان في " فتاواه "

68 - قال محمد : أخبرنا عباد بن العوام ( 1 ) أخبرنا يحيى بن سعيد عن عمرة ( 2 ) عن عائشة قالت ( 3 ) : كان الناس عمال أنفسهم ( 4 ) فكانوا يروحون إلى الجمعة ( 5 ) بهيآتهم فكان يقال لهم ( 6 ) : لواغتسلتم ( 7 ) ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عباد ( في نسخة قال محمد : أخبرنا سفيان الثوري عن عباد بن العوام ) بن العوام بتشديد الباء الموحدة والواو قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " : عباد بن العوام الإمام المحدث أبو سهل الواسطي . وثقه أبو داود وغيره قال ابن سعد : كان من نبلاء الرجال في كل أمر وكان يتشيع فحبسه الرشيد زمانا ثم خلى عنه فأقام ببغداد واختلف في وفاته بعد سنة ثمانين ومائة على أقوال : سنة ثلاث أو خمس أو ست أو سبع وهو متفق على الاحتجاج به . انتهى ملخصا
( 2 ) قوله : عن عمرة بالفتح . بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة كانت في حجر عائشة وربتها وروت عنها كثيرا من حديثها وعن غيرها ( في الأصل : " وغيرها " والظاهر : " عن غيرها " ) وروى عنها جماعة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وابنه أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة وأبو بكر محمد بن عمرو بن حزم ماتت سنة ثلاث ومائة وهي من التابعيات المشهورات كذا قال ابن الأثير الجزري في " جامع الأصول "
( 3 ) قوله : قالت ... إلخ أخرجه أبو داود عنها بلفظ : كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيآتهم فقيل لهم : لو اغتسلتم . وروي عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاؤوا إلى ابن عباس فقالوا : أترى الغسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال : لا ولكنه أطهر وسأخبركم كيف بدء الغسل : كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا فلما وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الريح قال : أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه قال ابن عباس : ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق . وفي رواية النسائي عن عائشة : إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ فإذا أصابهم الريح سطعت أرواحهم فيتأذى به الناس فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أولا : يغتسلون ؟ وفي لفظ مسلم : كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم إنسان منهم وهو عندي فقال : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا . وقال الطحاوي بعد ما روى عن ابن عباس نحو ما مر : فهذا ابن عباس يخبر أن الأمر الذي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم به لم يكن للوجوب عليهم وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل هو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يأمر بالغسل وقال بعد رواية قول عائشة : فهذه عائشة تخبر بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما ندبهم إلى الغسل للعلة كما أخبر بها ابن عباس وأنه لم يجعل ذلك عليهم حتما . انتهى
( 4 ) أي يعملون بأيديهم لأنفسهم بالمزارعة وغيرها ولم يكن لهم خوادم
( 5 ) قوله : إلى الجمعة أي : يذهبون لصلاة الجمعة على هيآتهم ولباسهم المعتاد من غير غسل ولا استعمال طيب ولا تغيير لباس
( 6 ) أي : من حضرة الرسالة ( أي من رسول الله صلى الله عليه و سلم )
( 7 ) أي : لكان أولى
( 8 ) قوله : لو اغتسلتم دل هذا الخبر على أن الغسل إنما يعتد به إذا كان قبل الصلاة فإن اغتسل بعد الصلاة لا يعتد به وقد حكى ابن عبد البر الإجماع عليه وذهب ابن حزم الظاهري ومن تبعه إلى أنه يكتفى بالغسل يوم الجمعة سواء كان قبل الصلاة أو بعدها وهو خلاف الأحاديث الواردة في شرعية الغسل وقد رده ابن حجر في " فتح الباري " بأحسن رد

18 - ( باب الاغتسال يوم العيدين )

69 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يغتسل قبل أن يغدو ( 1 ) ( 2 ) إلى العيد
_________
( 1 ) أي : يذهب بالغداء
( 2 ) قوله : قبل أن يغدو استنبط منه صاحب " البحر الرائق " أن غسل العيد للصلاة لا لليوم وذكر الياس زاده في " شرح النقاية " : لم ينقل في هذا الغسل أنه لليوم أو للصلاة . وينبغي أن يكون مثل الجمعة لأن في العيدين أيضا الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للرائحة الكريهة . انتهى

70 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) نافع عن ابن عمر : أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو
قال محمد : الغسل يوم العيد حسن ( 1 ) وليس بواجب وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) وفي نسخة : أخبرني
( 2 ) قوله : حسن هذا يشتمل الاستنان والاستحباب فمن قال باستنان غسل يوم الجمعة قال باستنان غسل العيدين ومن قال باستحبابه قال باستحبابه . والأرجح هو الأول لما روى ابن ماجه عن الفاكه بن سعد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى . قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث شرح الوجيز " للرافعي : رواه البزار والبغوي وابن قانع وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند من حديث الفاكه وإسناده ضعيف ورواه البزار من حديث أبي رافع وإسناده ضعيف أيضا وفي باب من الموقوف عن علي رواه الشافعي . وعن ابن عمر رواه مالك وروى البيهقي عن عروة بن الزبير أنه اغتسل للعيد وقال : إنه السنة

19 - ( باب التيمم ( 1 ) بالصعيد )
71 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف ( 2 ) حتى إذا كان بالمربد ( 3 ) نزل عبد الله بن عمر فتيمم ( 4 ) صعيدا طيبا فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين ( 5 ) ثم صلى ( 6 )
_________
( 1 ) قوله : التيمم هو في اللغة القصد وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة وغيرها
( 2 ) بضم فسكون أو بضمتين : موضع على ثلاثة أميال من المدينة
( 3 ) قوله : المربد بكسر الميم وسكون الراء وموحدة مفتوحة ودال مهملة على ميل ( قلت : لعله أزيد من ميل وأقل من ميلين فحذف الكسر مرة واعتبر به أخرى لأن المربد مجلس الإبل وفضاء وراء البيوت ترتفق به كذا في " عمدة القاري " وهو لا يكون إلا بقرب المدينة متصلا بها جزم الحافظ في " الفتح " بأنه من المدينة على ميل ( 1 / 374 ) . والميل : هو ثلاث فراسخ بغلبة الظن وفي " الطحطاوي على مراقي الفلاح " ( ص 66 ) : الميل في اللغة منتهى مد البصر ) أو ميلين من المدينة قاله الباجي
( 4 ) قوله : فتيمم قال الباجي : فيه التيمم في الحضر لعدم الماء إذ ليس بين الجرف والمدينة مسافة القصر قال محمد بن مسلمة : وإنما تيمم بالمربد لأنه خاف فوات الوقت يعني المستحب وروى في البخاري أنه دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد وإلى جوازه في الحضر ذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة والشافعي وقال زفر وأبو يوسف : لا يجوز التيمم في الحضر بحال كذا قال الزرقاني
( 5 ) أي : معهما
( 6 ) حفظا للوقت

72 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن ( 1 ) بن القاسم عن أبيه ( 2 ) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره ( 3 ) حتى إذا كنا بالبيداء أو ( 4 ) بذات الجيش انقطع ( 5 ) عقدي ( 6 ) فأقام ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم على التماسه ( 8 ) وأقام الناس وليسوا على ماء ( 9 ) وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر ( 10 ) فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ أقامت ( 11 ) برسول الله صلى الله عليه و سلم وبالناس وليسوا على ماء ( 12 ) وليس معهم ماء قالت : فجاء أبو بكر ( 13 ) رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه و سلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست ( 14 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت : فعاتبني وقال ما شاء الله ( 15 ) أن يقول وجعل يطعنني ( 16 ) بيده في خاصرتي ( 17 ) فلا يمنعني من التحرك إلا رأس ( 18 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أصبح ( 19 ) على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم ( 20 ) فتيمموا ( 21 ) فقال أسيد ( 22 ) ( 23 ) ( 24 ) بن حضير ( 25 ) : ما هي بأول بركتكم ( 26 ) يا آل أبي بكر ( 27 ) قالت : وبعثنا البعير التي كنت عليه ( 28 ) فوجدنا ( 29 ) العقد تحته
قال محمد : وبهذا نأخذ والتيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وهو قول أبي حنيفة ( 30 ) رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عبد الرحمن هو ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق المدني الفقيه وثقه أحمد وغير واحد مات بالشام سنة 126 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : عن أبيه هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق المدني قال ابن سعد : ثقة رفيع عالم فقيه ورع مات سنة ست ومائة على الصحيح كذا قال السيوطي وغيره
( 3 ) في نسخة " الأسفار " قوله : في بعض أسفاره قال ابن حجر في " فتح الباري " : قال ابن عبد البر في " التمهيد " : يقال إنه كان في غزاة بني المصطلق وجزم بذلك في " الاستذكار " وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان وغزاة بني المصطلق هي غزاة المريسيع وفيها ( في الأصل : " وفيه " والظاهر : " وفيها " ) وقعت قصة الإفك لعائشة وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها فإن كان ما صرحوا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين . لاختلاف القصتين كما هو بين في سياقهما واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال : لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث : حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش وهما بين المدينة وخيبر . جزم به النووي
قلت : وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فإنه قال : البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء ذي الحليفة وقال أبو عبيد البكري في " معجمه " : البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة ثم ساق حديث عائشة ثم ساق حديث ابن عمر قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها : ما أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا من عند المسجد ... الحديث . قال : والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة وذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قاله ابن التين
( 4 ) الشك من عائشة
( 5 ) قوله : انقطع في التفسير من رواية عمرو بن الحارث : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزل وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة كذا في الفتح
( 6 ) قوله عقد بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة ولأبي داود من حديث عمار أنه كان من جزع ظفار وفي رواية عمرو بن الحارث : سقطت قلادة لي وفي رواية عروة عنها : أنها استعارت قلادة من أسماء فهلكت أي : ضاعت . والجمع بيهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها وإلى أسماء لكونها ملكها كذا في " الفتح "
( 7 ) قوله : فأقام فيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت فقد نقل ابن بطال أن ثمن العقد كان اثني عشر درهما قاله في " الفتح "
( 8 ) أي : لأجل طلبه
( 9 ) استدل بذلك على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه
( 10 ) فيه شكوى المرأة إلى أبيها وأن كان لها زوج
( 11 ) أسند الفعل إليها لأنه كان بسببها
( 12 ) جملة حالية
( 13 ) فيه جواز دخول الرجل على بنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك
( 14 ) منعت
( 15 ) أي : من كلمات الزجر والعتاب
( 16 ) قوله يطعنني بضم العين وكذا جميع ما هو حسي وأما المعنوي فيقال : يطعن بالفتح هذا هو المشهور فيهما وحكي فيهما معا الفتح والضم كذا في " التنوير "
( 17 ) خصر الإنسان بفتح المعجمة وسكون المهملة : وسط الإنسان
( 18 ) أي كونه واستقراره
( 19 ) قوله : حتى أصبح قال بعضهم : ليس معناه بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح لأنه قيد قوله " حتى أصبح " بقوله : " على غير ماء " أي : آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء . وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها : ثم إن النبي صلى الله عليه و سلم استيقظ وحضرت الصبح فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر واستدل به على أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمر بعد قوله حضرت الصبح : فالتمس الماء فلم يوجد وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء كذا في " الفتح "
( 20 ) قوله : آية التيمم قال ابن العربي : هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت وقال ابن بطال : هي آية النساء أو آية المائدة وقال القرطبي : هي آية النساء ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وأورد الواحدي في " أسباب النزول " الحديث عند ذكر آية النساء أيضا وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله : " فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ... } الآية كذا في " الفتح "
( 21 ) يحتمل أن يكون حكاية عن فعل الصحابة ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية
( 22 ) بالتصغير
( 23 ) أبو يحيى الأنصاري الصحابي الجليل مات سنة عشرين أو إحدى وعشرين
( 24 ) قوله : فقال أسيد إنما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع كذا في " الفتح "
( 25 ) بمهملة ثم معجمة مصغرا
( 26 ) قوله ما هي بأول بركتكم أي : بل هي مسبوقة بغيرها من البركات وفي رواية هشام بن عروة : فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا . وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباري فقال : سقط عقد عائشة في عزوة ذات الرقاع وغزوة بني المصطلق . وقد اختلف أهل المغازي في أن أي هاتين الغزوتين كانت أولا وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة : لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع . فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع ومما يدل على تأخر القصة عن قصة الإفك أيضا ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت : لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه فقال لي أبو بكر : يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس . فأنزل الله الرخصة في التيمم فقال أبو بكر : إنك لمباركة . وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال : كذا في " الفتح "
( 27 ) المراد به نفسه وأهله وأتباعه
( 28 ) حالة السير
( 29 ) ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه
( 30 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال الثوري والليث بن سعد والشافعي وابن أبي سلمة وغيرهم أنه لا يجزيه إلا ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين . وبه قال مالك إلا أنه لا يرى البلوغ إلى المرفقين فرضا ( روي عن مالك أنه يجعل مسح الكفين مفروضا وما زاد إلى المرفقين سنة عمدة القاري 2 / 172 ) وممن روي عنه التيمم إلى المرفقين : عبد الله بن عمر والشعبي والحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر وقال الأوزاعي : ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين وبه قال أحمد وإسحاق بن راهويه وداود والطبراني وقال ابن أبي ليلى والحسن بن حي : التيمم ضربتان يمسح بكل ضربة وجهه وذراعيه . وقال الزهري : يبلغ بالمسح إلا الآباط وروي عنه إلى الكوعين وروي عنه ضربة واحدة كذا ذكره ابن عبد البر . وقد اختلفت الأخبار والآثار في كيفية التيمم : هل هي ضربة أم ضربتان ؟ وهل ضربة اليدين إلى الآباط أو إلى المرفقين أو إلى الكوعين ؟ وباختلافه تفرقت الفقهاء وصار كل إلى ما رواه أو أدى الاجتهاد في نظره ترجيحه والذي يتحقق بعد غموض الفكر وغوص النظر ترجيح تعدد الضربة على توحدها وترجيح افتراض بلوغ مسح اليدين إلى الكوعين واستحباب ما عدا ذلك إلى المرفقين كما حققه ابن حجر في " فتح الباري " والنووي في " شرح صحيح مسلم " وغيرهما والكلام ههنا طويل لا يسعه هذا المقام

20 - ( باب الرجل يصيب من امرأته أو يباشرها ( 1 ) وهي حائض )
73 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر ( 2 ) أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر ( 3 ) الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت ( 4 ) : لتشد ( 5 ) إزارها على أسفلها ( 6 ) ثم يباشرها إن شاء ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس بذلك ( 8 ) وهو قول أبي حنيفة ( 9 ) والعامة من فقهائنا ( 10 )
_________
( 1 ) مباشرة الرجل امرأته التقاء بشرتيهما إلا الجماع كذا في " إرشاد الساري "
( 2 ) قوله : أن عبد الله بن عمر هكذا في أكثر نسخ موطأ محمد وفي رواية يحيى للموطأ : أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل . . الحديث . وهو بضم العين شقيق سالم ثقة مات سنة ست ومائة
( 3 ) أي : بالعناق ونحوه
( 4 ) قوله : فقالت أفتته بفعله صلى الله عليه و سلم مع أزواجه كما في الصحيحين عنها وعن ميمونة أيضا
( 5 ) بكسر اللام وشد الدال المفتوحة أي : لتربط
( 6 ) أي : ما بين سرتها وركبتيها
( 7 ) أي : أراد
( 8 ) أي : بالمباشرة بما فوق الإزار
( 9 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف : له منها ما فوق الإزار وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وحجتهم تواطؤ الآثار عن عائشة وميمونة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يأمر إحداهن إذا كانت حائضا أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها . وقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي : يجتنب موضع الدم . وممن روي عنه هذا المعنى ابن عباس ومسروق بن الأجدع وإبراهيم النخعي وعكرمة وهو قول داود بن علي وحجتهم حديث ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح " وفي رواية ما خلا الجماع كذا في " الاستذكار " وفي " فتح الباري " : ذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية . ورجحه الطحاوي وهو اختيار أصبغ من المالكية وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر وقال النووي : هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم : اصنعوا كل شيء إلا النكاح . وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة ( انظر فتح الملهم ( 1 / 457 ) ففيه بحث نفيس حول هذه المسألة )
( 10 ) أي : فقهاء الكوفة

74 - أخبرنا مالك أخبرني الثقة عندي عن سالم ( 1 ) بن عبد الله وسليمان ( 2 ) بن يسار : أنهما سئلا عن الحائض هل يصيبها ( 3 ) زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل ؟ فقالا : لا حتى تغتسل ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 5 ) لا تباشر حائض عندنا حتى تحل لها الصلاة ( 6 ) أو تجب عليها ( 7 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أحد الفقهاء السبعة
( 2 ) أحد السبعة
( 3 ) أي يجامعها
( 4 ) قوله : لا حتى تغتسل فإن قيل : إن في قول الله عز و جل : { ولا تقربوهن حتى يطهرن } دليلا على أنهن إذا طهرن من المحيض حل ما حرم عليهن من المحيض ( هكذا في الأصل : وفي الاستذكار : ( 2 / 26 ) : " ما حرم منهن من أجل المحيض " ) لأن حتى غاية فما بعدها بخلاف ما قبلها فالجواب أن في قوله تعالى : { فإذا تطهرن } دليلا على تحريم الوطء بعد الطهر حتى يتطهرن بالماء لأن تطهرن تفعلن من الطهارة كذا في " الاستذكار "
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ قال مالك وأكثر أهل المدينة : إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطيها حتى تغتسل وبه قال الشافعي والطبري وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام كان له أن يطأها قبل الغسل وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة
قال أبو عمر : هذا تحكم لا وجه له كذا في " الاستذكار " وظاهر إطلاق محمد ههنا عدم التفصيل لكن المشهور في كتب أصحابنا التفصيل بين ما إذا انقطع الدم لعشرة أيام فيحل وطيها قبل الاغتسال وبين ما إذا انقطع لأقل منه فلا يحل قبل أن تتطهر أو يمضي عليه وقت ذلك ووجهوه بأنه قد قرئ قوله تعالى : { حتى يطهرن } بالتخفيف وبالتشديد والقراءتان كالآيتين فيحمل الأولى على الأول والثاني على الثاني وههنا مذهب آخر وهو أنه يحل الوطئ بمجرد الانقطاع مطلقا لكن بعد إصابة الماء بالوضوء أخرجه ابن جرير عن طاووس ومجاهد قالا : إذا طهرت أمرها بالوضوء وأصاب منها وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وعطاء قالا : إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل
( 6 ) بأن تطهر وتغتسل
( 7 ) بأن يمضي وقت تقدر فيه أن تغتسل وتشرع في الصلاة

75 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم ( 1 ) ( 2 ) : أن رجلا ( 3 ) سأل النبي صلى الله عليه و سلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : تشد ( 4 ) عليها ( 5 ) إزارها ثم شأنك ( 6 ) بأعلاها
قال محمد : هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وقد جاء ما هو أرخص ( 7 ) من هذا ( 8 ) عن عائشة أنها قالت ( 9 ) : يجتنب ( 10 ) شعار ( 11 ) الدم وله ما سوى ذلك
_________
( 1 ) كذا أخرجه البيهقي أيضا عن زيد بن أسلم ذكره السيوطي في " الدر المنثور " وكذلك أخرجه الدارمي مرسلا
( 2 ) قوله : أخبرنا زيد بن أسلم قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا روى هذا مسندا بهذا اللفظ ومعناه صحيح ثابت
( 3 ) قوله : أن رجلا قد روى أبو داود عن عبد الله بن سعد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : لك ما فوق الإزار
وأخرجه أحمد وابن ماجه كذلك وأخرج أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قال : " ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل " . وبه علم اسم السائل
( 4 ) في نسخة : لتشد ( بفتح التاء وضم الشين المعجمة آخره دال معناه الأمر أوجز المسالك : 1 / 226 )
( 5 ) قوله : تشد عليها بفتح التاء وضم الشين والدال خبر معناه الأمر أو أريد به الحدث مجازا أو بتقدير أنه مؤول بالمصدر فإن قلت : كيف يستقيم هذا جوابا عن قوله ما يحل لي ؟ قلت : يستقيم مع قوله : " ثم شأنك بأعلاها " كأنه قيل له : يحل لك ما فوق الإزار وشأنك منصوب بإضمار فعل ويجوز على الابتداء والخبر محذوف تقديره مباح أو جائز كذا في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " لعلي القاري
( 6 ) بالنصب أي : دونك
( 7 ) أي : أيسر وأسهل
( 8 ) أي : مما ذكر من حل ما فوق الإزار
( 9 ) قوله : أنها قالت يؤيده ما أخرجه أبو داود والبيهقي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم : أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم صنع ما أراد . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن عائشة : أنها سئلت ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت ( وفي الأصل : " فقال " وهو تحريف ) : " كل شيء إلا فرجها " وأخرج ابن جرير عن مسروق : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع . وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي وابن حبان عن أنس : أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت . فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله : { ويسألونك عن المحيض ... } الآية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح ... " الحديث
( 10 ) مجهول أو معروف
( 11 ) قوله : شعار بالكسر بمعنى العلامة وبمعنى الثوب الذي يلي الجسد ذكره في " النهاية " والمراد موضع الدم أو الكرسف

21 - ( باب إذا التقى الختانان ( 1 ) هل يجب الغسل ؟ )
76 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سعيد ( 2 ) بن المسيب ( 3 ) : أن عمر وعثمان ( 4 ) وعائشة كانوا يقولون ( 5 ) : إذا مس ( 6 ) الختان ( 7 ) الختان ( 8 ) فقد وجب الغسل ( 9 )
_________
( 1 ) قوله : الختانان المراد به ختان الرجل وهو مقطع جلدته وخفاض المرأة . وهو مقطع جليدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة
( 2 ) قوله : عن سعيد بن المسيب أبو محمد المخزومي المدني سيد فقهاء التابعين . قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه مات سنة ثلاث وتسعين كذا في " الإسعاف "
( 3 ) ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم
( 4 ) قوله : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي أمير المؤمنين ذو النورين قتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة 35 هـ كذا في " الإسعاف "
( 5 ) قوله : كانوا يقولون ... إلخ هذا حديث صحيح عن عثمان بأن الغسل يوجبه التقاء الختانين وهو يدفع حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان قال : قلت : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن ؟ قال عثمان : يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : وسأل ذلك عليا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فأمروه بذلك . هذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان ولا من مذهب علي ولا مذهب المهاجرين انفرد به يحيى بن أبي كثير وهو ثقة إلا أنه جاء بما شذ فيه وأنكر عليه كذا في " الاستذكار "
( 6 ) قوله : إذا مس المراد بالمس والالتقاء في خبر : " إذا التقى ... " المجاوزة كرواية الترمذي : " إذا جاوز " وليس المراد حقيقة المس لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة فلو وقع مس بلا إيلاج لم يجب الغسل بالإجماع
( 7 ) أي : موضع القطع من الذكر
( 8 ) أي : موضع القطع من فرج الأنثى
( 9 ) وإن لم ينزل

77 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر ( 1 ) مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة ( 2 ) بن عبد الرحمن : أنه سأل عائشة ما يوجب الغسل ؟ فقالت ( 3 ) : أتدري ما مثلك ( 4 ) يا أبا سلمة ( 5 ) ؟ مثل ( 6 ) الفروج ( 7 ) يسمع الديكة ( 8 ) تصرخ ( 9 ) فيصرخ معها إذا جاوز ( 10 ) الختان الختان فقد وجب الغسل
_________
( 1 ) سالم بن أبي أمية
( 2 ) قوله : أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل وقيل اسمه كنيته وثقه ابن سعد وغيره مات بالمدينة سنة 94 هـ كذا في " الإسعاف "
( 3 ) تلاطفه وتعاتبه
( 4 ) قوله : ما مثلك ... إلخ فيه دليل على أن أبا سلمة كان عندها ممن لا يقول بذلك وأنه قلد فيه من لا علم له به فعاتبته بذلك لأنها كانت أعلم الناس بذلك المعنى وقد تقدم عن أبي سلمة روايته عن عطاء بن يسار وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " الماء من الماء " وأن أبا سلمة كان يفعل ذلك فلذلك نفرته عنه قاله ابن عبد البر
( 5 ) وكأنه قال : لا فقالت : مثل ...
( 6 ) قوله : مثل الفروج قال الباجي : يحتمل معنيين أحدهما أنه كان صبيا قبل البلوغ فسأل عن مسائل الجماع الذي لا يعرفه ولم يبلغ حده والثاني أنه لم يبلغ مبلغ الكلام في العلم
( 7 ) قال المجد : كتنور ويضم كسبوح فرخ الدجاج
( 8 ) بوزن عنبة جمع ديك ويجمع أيضا على ديوك ذكر الدجاج
( 9 ) تصيح
( 10 ) بينت الحكم بعد ما زجرته

78 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد ( 1 ) عن عبد الله بن كعب ( 2 ) مولى عثمان بن عفان : أن محمود ( 3 ) بن لبيد ( 4 ) : سأل زيد ( 5 ) بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ( 6 ) ؟ فقال زيد بن ثابت : يغتسل ( 7 ) فقال له محمود بن لبيد : فإن أبي بن كعب لا يرى الغسل فقال زيد بن ثابت : نزع ( 8 ) قبل أن يموت ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ إذا التقى الختانان و ( 10 ) توارت ( 11 ) الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل وهو قول أبي حنيفة ( 12 ) رحمه الله
_________
( 1 ) ابن قيس الأنصاري . ولقيس صحبة
( 2 ) الحميري المدني صدوق روى له مسلم والنسائي قاله الزرقاني
( 3 ) قوله : أن محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي من بني عبد الأشهل ولد على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم بأحاديث وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين فلم يصنع شيئا ولا علم منه ما علم غيره مات سنة ست وتسعين كذا في " الاستيعاب "
( 4 ) بفتح اللام وكسر الموحدة ابن عقبة بن رافع
( 5 ) النجاري المدني أبو سعيد وقيل : أبو خارجة كاتب الوحي أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مات سنة 45 هـ وقيل : سنة 48 هـ وقيل : سنة 51 هـ كذا في " الإسعاف "
( 6 ) أكسل الرجل إذا جامع ثم أدركه فتور فلم ينزل
( 7 ) قوله : يغتسل روى ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن عن رفاعة بن رافع قال : كنت عند عمر فقيل له : إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد بأنه لا غسل على من يجامع ولم ينزل فقال عمر : علي به فأتي به فقال : يا عدو نفسه أوبلغ من أمرك أن تفتي برأيك ؟ قال : ما فعلت وإنما حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أي عمومتك ؟ قال : أبي بن كعب وأبو أيوب ورفاعة فالتفت عمر إلي قلت : كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجمع عمر الناس فاتفقوا على أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا علي ومعاذ فقالا : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقال عمر : قد اختلفتم وأنتم أهل بدر فقال علي لعمر : سل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فأرسل إلى حفصة فقالت : لا أعلم فأرسل إلى عائشة فقالت : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل . فتحطم عمر - أي : تغيظ - وقال : لا أوتى بأحد فعله ولم يغتسل إلا أنهكته عقوبة فلعل إفتاء زيد لمحمود بن لبيد كان بعد هذه القصة كذا في شرح الزرقاني
( 8 ) أي : أقلع ورجع عنه
( 9 ) في رجوعه دليل على أنه قد صح ( في الأصل : " صح " والظاهر : " قد صح " ) عنده أنه منسوخ
( 10 ) عطف بياني للالتقاء
( 11 ) أي غابت
( 12 ) رأس الذكر المختون
( 13 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وأبو عبيد وغيرهم من علماء الأمصار وإليه ذهب جمهور أصحاب داود وبعضهم قالوا : لا غسل ما لم ينزل تمسكا بحديث " الماء من الماء " وغيره . واختلف الصحابة فيه فذهب جمع كثير إلى وجوب الغسل وإن لم ينزل . وبعضهم قالوا بالوضوء عند عدم الإنزال ومنهم من رجع عنه فممن قال بوجوب الغسل عائشة وعمر وعثمان وعلي وزيد كما ذكره مالك . وابن عباس وابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عنهما . وأبو بكر أخرجه عبد الرزاق والنعمان بن بشير وسهل بن سعد وعامة الصحابة والتابعين ذكره ابن عبد البر ولم يختلف في ذلك عن أبي بكر وعمر واختلف فيه عن علي وعثمان وزيد وقد صح عن أبي بن كعب أنه قال : كان ذلك - أي وجوب الوضوء فقط بالإكسال - رخصة في بدء الإسلام ثم نسخ ولذلك رجع عنه أبي بعد ما أفتى به وروى عائشة وأبو هريرة وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم مرفوعا : " إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل " ( انظر نصب الراية 1 / 84 أيضا
قد اتفق الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب على وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل وكان فيه خلاف في الصدر الأول فقد روي عن جماعة من الصحابة ومن الأنصار أنهم لم يروا غسلا إلا من الإنزال ثم روي أنهم رجعوا عن ذلك وصح عن عمر أنه قال : من خالف في ذلك جعلته نكالا فانعقد الإجماع في عهده وخالف فيه داود الظاهري ولا عبرة بخلافه عند المحققين كما تجد تحقيقه في " شرح التقريب " للسبكي . وقد وقعت عبارة البخاري في صحيحه موهمة للخلاف حيث قال : قال أبو عبد الله : الغسل أحوط . فأوهم أنه يقول باستحباب الغسل دون الوجوب وهذا مخالف لما أجمع عليه جمهور الأئمة ويحتمل قول البخاري : " الغسل أحوط " يعني في الدين من حديثين تعارضا فقدم الذي يقتضي الاحتياط في الدين وهو باب مشهور في أصول الدين وهو الأشبه لا أنه ذهب إلى الاستحباب والندب . هذا ملخص ما قاله القاضي في " العارضة " . فهكذا وجه القاضي في " العارضة " وقال : والعجيب من البخاري أن يساوي بين حديث عائشة في إيجاب الغسل ... وبين حديث عثمان وأبي في نفي الغسل ... إلخ ثم علل عدم صحة التعلق بحديثهما . وراجع " عمدة القاري " 2 / 77
والذي اختاره ابن حجر في " فتح الباري " 1 / 275 أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب والله أعلم . انتهى كلامه . ولكنه يقول في " التلخيص " ص 49 : لكن انعقد الإجماع أخيرا على إيجاب الغسل قاله القاضي وغيره . اهـ فكأنه هنا غير ما اختاره في " الفتح " وانظر " عمدة القاري " من 2 / 69 ، 2 / 72 ، و 76 و 77 ) ذكر كل ذلك مع زيادات نفيسة ابن عبد البر في " التمهيد " و " الاستذكار " وقد بسط الكلام فيه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " وأثبت وجوب الغسل بالالتقاء بالأخبار المرفوعة والآثار الموقوفة فليراجع

22 - ( باب الرجل ( 1 ) ينام هل ينقض ذلك وضوءه ؟ )
79 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد ( 2 ) بن أسلم قال : إذا نام ( 3 ) أحدكم وهو مضطجع فليتوضأ
_________
( 1 ) قيد اتفاقي فإن الرجل والمرأة في ذلك سواء
( 2 ) العدوي وكان من العلماء بالتفسير وله كتاب فيه
( 3 ) قوله : قال إذا نام ... إلخ ليحيى : مالك بن زيد بن أسلم : أن عمر بن الخطاب قال : إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ

80 - أخبرنا مالك أخبرني نافع عن ابن عمر : أنه كان ينام وهو قاعد فلا يتوضأ ( 1 )
قال محمد : وبقول ابن عمر ( 2 ) في الوجهين جميعا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ( 3 )
_________
( 1 ) لأن النوم ليس بحدث وإنما هو سبب وقد كان نومه خفيفا
( 2 ) قوله : وبقول ابن عمر ... إلخ فيه أنه لم يذكر قول ابن عمر في الوجه الأول فتأمل كذا قال القاري
( 3 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة اختلف العلماء فيه فقال مالك : من نام مضطجعا أو ساجدا فليتوضأ ومن نام جالسا فلا إلا أن يطول نومه وهو قول الزهري وربيعة والأوزاعي وأحمد . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا وضوء إلا على من نام مضطجعا أو متوركا وقال أبو يوسف : إن تعمد النوم في السجود فعليه الوضوء . وقال الثوري والحسن بن حي وحماد بن أبي سليمان والنخعي : إنه لا وضوء إلا على من اضطجع وقال الشافعي : على كل نائم الوضوء إلا الجالس وحده . وروي عن أبي موسى الأشعري ما يدل على أن النوم عنده ليس بحدث على أي حال كان كذا ذكره ابن عبد البر
وقد أجمل في بيان مذهب الحنفية والذي يفهم من كتب أصحابنا أن كل نوم يسترخي فيه المفاصل كالاضطجاع والاستلقاء والنوم على الوجه والبطن ومتكئا على أحد وركيه فهو ناقض وما ليس كذلك فليس بناقض وكذلك النوم قاعدا وساجدا وراكعا وقائما ومن الأخبار المرفوعة المؤيدة لكون النوم من النواقض قوله صلى الله عليه و سلم : " وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ " أخرجه أبو داود وأحمد من حديث علي والطبراني والدارمي من حديث معاوية بألفاظ متقاربة

23 - ( باب المرأة ترى ( 1 ) في منامها ما يرى الرجل )
81 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن ( 2 ) أم سليم قالت ( 3 ) لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ( 4 ) المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل أتغتسل ( 5 ) ؟ فقال ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم ( 7 ) فلتغتسل فقالت ( 8 ) لها عائشة ( 9 ) : أف لك ( 10 ) وهل ترى ( 11 ) ذلك ( 12 ) المرأة ؟ قال ( 13 ) : فالتفت إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : تربت يمينك ( 14 ) ومن أين يكون الشبه ( 15 ) ؟
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 16 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي في حكم احتلامها
( 2 ) قوله : أن أم سليم قال ابن عبد البر : كذا هو في الموطأ وقال فيه : ابن أبي أويس عن عروة عن أم سليم وكل من روى هذا الحديث عن مالك لم يذكر فيه " عن عائشة " في ما علمت إلا ابن أبي الوزير وعبد الله بن نافع فإنهما روياه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم انتهى . وقد وصله مسلم وأبو داود من طريق عروة عن عائشة وأم سليم هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل مليكة وقيل الغميضاء كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنسا فلما أسلمت عرض الإسلام على زوجها فغضب وهلك هناك وخلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري فولدت له عبد الله بن أبي طلحة كذا في " الاستيعاب "
( 3 ) ولمسلم عن أنس جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت له وعائشة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 4 ) ولأحمد قالت : يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام
( 5 ) أي أيجب عليها الغسل ؟ وفيه استحباب عدم الحياء في المسائل الشرعية
( 6 ) قوله : فقال ... إلخ وعند ابن أبي شيبة فقال : هل تجد شهوة ؟ قالت : لعله قال : هل تجد بللا ؟ قالت : لعله قال : فلتغتسل فلقيتها النسوة فقلن : فضحتينا عند رسول الله قالت : ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام ففيه وجوب الغسل على المرأة بالإنزال ونفى ابن بطال الخلاف فيه لكن رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي وإسناده جيد فيدفع استبعاد النووي صحته عنه كذا في شرح الزرقاني
( 7 ) إذا رأت ماءا
( 8 ) قوله : فقالت قال الولي العراقي : أنكرت مع جواب المصطفى لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحققه
( 9 ) قوله : عائشة في حديث آخر أن أم سلمة هي القائلة ذلك قال القاضي عياض : يحتمل أن كلتيهما أنكرتا عليها وإن كان أهل الحديث يقولون : إن الصحيح ههنا أم سلمة لا عائشة قال ابن حجر : وهذا جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور عائشة وأم سلمة عند النبي صلى الله عليه و سلم في مجلس واحد
( 10 ) قوله : أف لك قال عياض : أي استحقارا لك وهي كلمة تستعمل في الاستحقار وأصل الأف وسخ الأظافير وفيه عشر لغات : أف بالكسر والضم والفتح دون تنوين وبالتنوين أيضا وذلك مع ضم الهمزة فهذه ستة . وأفه بالهاء . وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأف بضم الهمزة وتسكين الفاء وأفى بضم الهمزة والقصر قلت : فيه نحو أربعين لغة حكاها أبو حيان في " الارتشاف " كذا في " التنوير "
( 11 ) قوله : وهل ترى قال ابن عبد البر : فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت ذلك عائشة وأم سلمة قال : وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال قلت : وأي مانع من أن يكون ذلك خصيصة لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم أنهن لا يحتلمن كما أن الأنبياء لا يحتلمون لأن الاحتلام من الشيطان فلم يسلط عليهم وكذلك على أزواجه تكريما له كذا في " التنوير "
( 12 ) بكسر الكاف
( 13 ) في نسخة : قالت
( 14 ) قوله : تربت يمينك قال النووي : في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر للسلف والخلف والأصح الأقوى الذي عليه المحققون أنها كلمة معناها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ولا أم لك وثكلته أمه وويل أمه وما أشبهه يقولونها عند إنكارهم الشيء أو الزجر عنه كذا في " زهر الربى على المجتبى " للسيوطي
( 15 ) قوله : الشبه بكسر الشين وسكون الباء وشبه بفتحهما لغتان مشهورتان قال النووي : معناه أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه ( في الأصل : " فإنزالها وخروجها " وهو خطأ والصواب : " فإنزاله وخروجه " كما في " زهر الربى " 1 / 131 ) منها ممكن كذا في " زهر الربى "
( 16 ) قوله : وبهذا نأخذ أي بوجوب الغسل على المرأة إذا رأت مثل ما يرى الرجل ورأت بللا وروي عنه في غير رواية الأصول أنها إذا تذكرت الاحتلام والإنزال والتلذل [ لعله " والتلذذ " فليراجع ؟ ؟ ] ولم تر البلل كان عليها الغسل ( قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه العلم أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللا أن لا غسل عليه واختلفوا فيمن رأى بللا ولم يتذكر احتلاما فقالت طائفة : يغتسل روينا ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقال أحمد : أحب إلي أن يغتسل إلا رجل به أبردة : وقال أكثر أهل العلم : لا يجب عليه الاغتسال حتى يعلم أنه بلل الماء الدافق وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو يوسف وظاهر الباب يؤيد الفريق الأول هذا ملخص ما في " العمدة " 2 / 56 و 57 و " معالم السنن " 1 / 79 ، وراجع " المغني " لابن قدامة 1 / 205 ، فقد قيد البلل بالمني في وجوب الغسل ونسب ذلك إلى مالك والشافعي وهذا خلاف ما في " المعالم " و " العمدة " وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني ) لكن قال شمس الأئمة الحلواني : لا تؤخذ بهذه الرواية ذكره صدر الشريعة وقد عول على تلك الرواية صاحب " الهداية " في مختارات النوازل وفي التجنيس والمزيد لكنه تعويل ضعيف لأن سياق النصوص الواردة في هذه المسألة شاهد على أن وجوب الغسل برؤية البلل لا بمجرد التذكر

24 - ( باب المستحاضة ( 1 ) )
82 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة ( 2 ) زوج النبي صلى الله عليه و سلم : أن امرأة ( 3 ) كانت تهراق ( 4 ) الدم ( 5 ) على عهد رسول الله ( 6 ) صلى الله عليه و سلم فاستفتت ( 7 ) لها أم سلمة ( 8 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لتنظر الليالي ( 9 ) والأيام ( 10 ) التي كانت تحيض ( 11 ) من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ( 12 ) فلتترك ( 13 ) الصلاة ( 14 ) قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ( 15 ) ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر ( 16 ) بثوب فلتصل
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 17 ) وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ( 18 ) إلى الوقت الآخر وإن سال دمها وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قال الجوهري : استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ( إن الروايات في المستحاضة مختلفة جدا . يشكل الجمع بينها وقد جمع بينها شيخنا في " أوجز المسالك " 1 / 240 ، فارجع إليه )
( 2 ) قوله : عن أم سلمة قال ابن عبد البر : هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان أن رجلا أخبره عن أم سلمة وقال النووي في الخلاصة : حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم فلم يعرج على دعوى الانقطاع
( 3 ) قوله : أن امرأة قال الباجي : يقال هي فاطمة بنت أبي حبيش وقد بين ذلك حماد بن زيد وسفيان بن عيينة في حديثهما عن أيوب عن سليمان بن يسار قلت : وكذا هو مبين في " سنن أبي داود " من رواية وهيب عن أيوب كذا في " التنوير "
( 4 ) قوله : تهراق قال الباجي : الهاء في " هراق " بدل من همزة " أراق " يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه هراقة كذا في " التنوير "
( 5 ) منصوب أي تهراق هي الدم وهي منصوبة على التمييز قال الباجي : ويجوز رفعه على تقدير تهراق دماؤها
( 6 ) أي في زمانه
( 7 ) بأمرها لذلك ففي رواية الدارقطني : فأمرت فاطمة أن تسأل لها
( 8 ) وإنما لم تستفت بنفسها للحياء
( 9 ) قوله : لتنظر الليالي والأيام ... إلخ احتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أم لا وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد . وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله صلى الله عليه و سلم في حديث فاطمة : " إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف " رواه أبو داود . وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه و سلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك ولعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست بمميزة كذا قال الزرقاني
( 10 ) قوله : والأيام قد يستنبط منه أن أقل مدة الحيض ثلاثة وأكثرة عشرة لأن أقل ما يطلق عليه لفظ الأيام ثلاثة وأكثره عشرة وأما ما دون ثلاثة فيقال يومان وفوق عشرة يقع التمييز يوما وهو استنباط لطيف لفظي
( 11 ) أي في تلك الأيام
( 12 ) أي من الاستحاضة
( 13 ) قوله : فلتترك الصلاة فيه دلالة على ترك الصلاة للحائض ولا قضاء عليها وهذا أمر إجماعي خلافا للخوارج ذكره ابن عبد البر
( 14 ) والصوم ونحوهما
( 15 ) أي تركت أيام الحيض التي كانت تعهد وراءها
( 16 ) قوله : ثم لتستثفر قال في النهاية : هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها هو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها
( 17 ) قوله : وبهذا نأخذ أي بوجوب الغسل مرة عند ذهاب الأيام المعهودة وقال قوم : يجب عليها أن تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا والمغرب والعشاء غسلا واحدا وللصبح غسلا واحدا وروي مثله عن علي وابن عباس وقال آخرون : تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت روي ذلك عن علي وقال قوم تغتسل من ظهر إلى ظهر ولكل وجهة هو موليها وقد بسط الكلام فيه ابن عبد البر في " التمهيد " وحمل أصحابنا الأخبار الواردة في الغسل لكل صلاة ونحو ذلك على الاستحباب بدليل الأخبار الدالة على كفاية الغسل الواحد
( 18 ) ما شاءت من الفرائض والنوافل

83 - أخبرنا مالك أخبرنا سمي ( 1 ) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع ( 2 ) بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه ( 3 ) إلى سعيد بن المسيب يسأله عن المستحاضة كيف تغتسل ؟ فقال سعيد : تغتسل من طهر إلى طهر ( 4 ) وتتوضأ لكل صلاة ( 5 ) فإن غلبها الدم استثفرت بثوب ( 6 )
قال محمد : تغتسل إذا مضت أيام أقرائها ( 7 ) ثم تتوضأ لكل صلاة ( 8 ) وتصلي حتى تأتيها أيام أقرائها فتدع ( 9 ) الصلاة فإذا مضت اغتسلت غسلا واحدا ثم توضأت لكل وقت صلاة وتصلي حتى يدخل الوقت الآخر ( 10 ) ما دامت ترى الدم ( 11 ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أبو عبد الله القرشي المخزومي المدني وثقه أحمد وأبو حاتم كذا في " الإسعاف "
( 2 ) الكناني المدني وثقه أحمد ويحيى وغيرهما كذا في " الإسعاف "
( 3 ) فيه جواز إرسال رسول للاستفتاء من العالم وقبول خبر الواحد
( 4 ) قوله : من طهر إلى طهر قال ابن سيد الناس : اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة وقال ابن العراقي : المروي إنما هو بالإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزوما بها وقال ابن عبد البر : قال مالك : ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا وقد وهم قال أبو عمر : ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه . وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام وقال الخطابي : ما أحسن ما قاله مالك لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولا لأحد وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم للتنظيف وقال ابن العراقي : قوله لا أعلمه قولا لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين كذا في " شرح الزرقاني "
( 5 ) قوله : لكل صلاة أي : لوقت كل صلاة فاللام للوقت كما في قوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } أي : وقت دلوكها
( 6 ) رواه أبو داود بلفظ : " استذفرت بثوب " فقيل : قلب الثاء ذالا وقيل معناه فلتستعمل طيبا
( 7 ) قوله : أقرائها بالفتح جمع قرء بالفتح ويجمع على قروء أيضا وهو من الأضداد يقع على الطهر وإليه ذهب الشافعي وأهل الحجاز في قوله تعالى : { ثلاثة قروء } وعلى الحيض وإليه ذهب أبو حنيفة وأهل العراق كذا في " النهاية " لابن الأثير الجزري والمراد هاهنا بأيام أقرائها أيام حيضها كما في حديث : " تدع الصلاة أيام أقرائها "
( 8 ) قوله : لكل صلاة أي : لوقت كل صلاة كما مر ويأتي ويصلي ما شاء من الفرائض والنوافل وبه قال الأوزاعي والليث وأحمد ذكره عن أحمد أبو الخطاب في " الهداية " وفي " مغني ابن قدامة " : تتوضأ لكل صلاة وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال ابن تيمية : هذه رواية عن أحمد وقال مالك : لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلس البول ونحوه وهو قول ربيعة وعكرمة وأيوب وإنما هو مستحب لكل صلاة عنده كذا ذكره العيني في " البناية " وقال ابن عبد البر في " الاستذكار " : ممن أوجب الوضوء لكل صلاة سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والليث والشافعي والأوزاعي . انتهى . وفيه مسامحة حيث سوى بين مذهبي ( في الأصل : " مذاهب " والظاهر : " مذهبي " ) أبي حنيفة والشافعي وليس كذلك كما عرفت . أما الذين قالوا بالوضوء لكل صلاة فاستدلوا بظاهر قوله صلى الله عليه و سلم : توضئي لكل صلاة وصلي " . أخرجه أبو داود في حديث فاطمة بنت أبي حبيش وهو معلق في صحيح البخاري ومخرج في سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبان وجامع الترمذي بألفاظ متقاربة وأخرج أبو يعلى والبيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة . وأما أصحابنا فاستندوا بقوله صلى الله عليه و سلم : " المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة " رواه أبو حنيفة . وذكر ابن قدامة في " المغني " في بعض ألفاظ حديث فاطمة : " وتوضئي لوقت كل صلاة " وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة كذا ذكره العيني وقالوا : الأول محتمل لاحتمال أن يراد بقوله : " لكل صلاة " وقت كل صلاة والثاني : محكم فأخذنا به وقواه الطحاوي بأن الحدث إما خروج خارج وإما خروج الوقت كما في مسح الخفين ولم نعهد الفراغ من الصلاة حدثا فرجحنا هذا الأمر المختلف فيه إلى الأمر المجمع عليه
( 9 ) أي : تترك
( 10 ) قوله : حتى يدخل الوقت الآخر ظاهره أن الناقض هو دخول الوقت الآخر فلو توضأت في وقت الصبح ينبغي أن تجوز به الصلاة إلى أن يدخل وقت الظهر لكن المذكور في كتب أصحابنا المعتمدة أن الناقض هو خروج الوقت فحسب عند أبي حنيفة ومحمد ودخوله فحسب عند زفر وأيهما كان عند أبي يوسف
( 11 ) أي : المتوالي فإذا ذهب ذلك عاد الحكم المقرر للكل

84 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال : ليس على المستحاضة ( 1 ) أن تغتسل إلا غسلا واحدا ( 2 ) ثم تتوضأ ( 3 ) بعد ذلك للصلاة
_________
( 1 ) أي : لا يجب عليها
( 2 ) عند القضاء : المدة التي كانت تحيض فيها
( 3 ) وجوبا عند الجمهور واستحبابا عند مالك

25 - ( باب المرأة ترى الصفرة والكدرة ( 1 ) ( 2 ) )
85 - أخبرنا مالك أخبرنا علقمة ( 3 ) ( 4 ) بن أبي علقمة عن أمه ( 5 ) مولاة عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت : كان النساء يبعثن ( 6 ) إلى عائشة بالدرجة ( 7 ) ( 8 ) فيها الكرسف ( 9 ) فيه الصفرة من الحيض فتقول : لا تعجلن ( 10 ) حتى ترين ( 11 ) القصة البيضاء . تريد ( 12 ) بذلك ( 13 ) الطهر من الحيض
قال محمد : وبهذا نأخذ لا تطهر المرأة ما دامت ترى حمرة أو صفرة أو كدرة ( 14 ) حتى ترى البياض ( 15 ) خالصا وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ( 16 )
_________
( 1 ) بضم الكاف : هي التي لونها كلون الماء الكدر قاله العيني
( 2 ) وفي نسخة : أو الكدرة
( 3 ) مات سنة بضع وثلاثين ومائة
( 4 ) المدني . وثقه أبو داود والنسائي وابن معين واسم أبيه هلال كذا في " الإسعاف "
( 5 ) اسمها مرجانة وثقها ابن حبان كذا في " الإسعاف "
( 6 ) قوله : كان النساء يبعثن ... إلخ في هذا الحديث من الفوائد :
جواز معاينة كرسف المرأة للمرأة يؤخذ ذلك من بعثهن الكرسف لرؤية عائشة
وأنه ينبغي للنساء الاستفتاء في أمورهن من أعلمهن
وجواز الحياء في مثل هذه الأمور من الرجال إذا لم يحتج إليه ولذلك بعثن الكرسف إلى عائشة لا إلى رجال الصحابة
وجواز وضع كرسف في ظرف
وعدم التعجيل في أداء العبادة قبل أوانه بحيث يفوت شرط من شروطه
وجواز التعليم بالإشارة حيث لم يخل بالمقصود
وغير ذلك مما لا يخفى على الماهر
( 7 ) قوله : بالدرجة بضم دال فسكون حقة تضع المرأة فيها طيبها ونحوه والحقة بالضم : وعاء من خشب وقال الشيخ ابن حجر في " فتح الباري " : الدرجة بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بضم فسكون قال ابن بطال : كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه ابن عبد البر في " الموطأ " بضم وسكون وقال : إنه تأنيث درج
( 8 ) المراد ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا
( 9 ) بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء مهملة هو القطن
( 10 ) بالتاء والياء خطابا وغيبة
( 11 ) قوله : ترين القصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة : الجص هي لغة حجاز . وفي الحديث : " الحائض لا تغتسل حتى ترى القصة البيضاء " أي : حتى تخرج القطنة التي تحشى ( في الأصل : " تجيء " والظاهر : " تحشى " ) كأنها جصة لا تخالطها صفرة يعني أفتت عائشة للمستفتيات ( في الأصل : " للمتنقبات " وهو تحريف ) عن وقت الطهارة عن الحيض بأنه لا بد من رؤيتهن القطنة شبيهة بالجصة كذا في " الكواكب الدراري " و " فتح الباري " وذكر العيني في " البناية " أن القصة هي الجصة شبهت عائشة الرطوبة الصافية بعد الحيض بالجص وقيل : القصة شيء يشبه الخيط الأبيض يخرج من قبل النساء في آخر أيامهن يكون علامة لطهرهن
( 12 ) أي : عائشة
( 13 ) أي : برؤية القصة البيضاء
( 14 ) قوله : أو كدرة خرجت قبل الدم أو بعده خلافا لأبي يوسف في كدرة خرجت قبل الدم وبه قال أبو ثور وابن المنذر حكاه العيني
( 15 ) قوله : حتى ترى البياض لقول عائشة حتى ترين القصة البيضاء فجعلت علامة الطهر البياض الخالص . فعلم أن ما سواه حيض ومثله لا يعرف إلا سماعا لأنه ليس مما يهتدي إليه العقل
وقد ذكر ها هنا ثلاثة ألوان وترك ثلاثة أخرى وهي الخضرة والسواد والتربية
والكل حيض إذا كانت في أيام الحيض عندنا . أما كون الصفرة حيضا فقد ثبت من أثر عائشة . وأما كون السواد حيضا فثبت من قوله صلى الله عليه و سلم لفاطمة : " إذا كانت دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة " . أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما . وأما الحمرة فهي أصل لون الدم ووقع في رواية العقيلي عن عائشة : " دم الحيض أحمر قاني ودم الاستحاضة كغسالة اللحم " ذكره العيني . وأما الخضرة فاختلفوا فيه والصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء يكون حيضا وكذا الكدرة والتربية . وعند أبي يوسف الكدرة ليس بحيض إلا بعد الدم
( 16 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة رأيت في " الاستذكار " : أما قول الشافعي والليث بن سعد فهو أن الصفرة والكدرة لا تعد حيضا وهو قول أبي حنيفة ومحمد . انتهى . وأظن أن كلمة " لا " من زيادة الناسخ

86 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 1 ) بن أبي بكر ( 2 ) عن عمته ( 3 ) عن ابنة ( 4 ) زيد بن ثابت : أنه ( 5 ) بلغها ( 6 ) أن ( 7 ) نساء كن يدعون ( 8 ) بالمصابيح ( 9 ) من جوف الليل فينظرن إلى الطهر ( 10 ) فكانت ( 11 ) تعيب ( 12 ) عليهن ( 13 ) وتقول ( 14 ) : ما كان النساء ( 15 ) يصنعن هذا
_________
( 1 ) وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن سعد مات سنة 135 هـ وقيل : سنة 136 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم
( 3 ) قوله : عن عمته قال ابن الحذاء : هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازا قلت : لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر الصحابي ففي روايتها عن بنت زيد بعد فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها ويحتمل أن يكون المراد عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم كذا في " الفتح "
( 4 ) قوله : عن ابنة زيد ذكروا أن لزيد من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن . ولم أر الرواية لواحدة إلا لأم كلثوم زوج سالم بن عبد الله بن عمر فكأنها هي المبهمة ها هنا وزعم بعض الشراح أنها أم سعد لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة . وليس في ذكره لها دليل على المدعى لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة كذا في " الفتح "
( 5 ) ضمير شأن
( 6 ) أي : عمة عبد الله أو ابنة زيد
( 7 ) فاعل لبلغ
( 8 ) أي : يطلبن
( 9 ) السرج
( 10 ) أي : إلى ما يدل على الطهر
( 11 ) ابنة زيد
( 12 ) قوله : تعيب . فإن قلت : لم عابت وفعلهن يدل على حرصهن بالطاعة قلت : لأن فعلهن يقتضي الحرج وهو مذموم لأن جوف الليل ليس إلا وقت الاستراحة كذا في " الكواكب الدراري "
( 13 ) قوله : عليهن يحتمل أن يكون العيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن أنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر
( 14 ) قوله : وتقول ما كان النساء ... إلخ تشير إلى أن ما يفعلن لو كان فيه خير لابتدرت إليه نساء الصحابة فإنهن كن ممن يتسارع إلى الخيرات فإذا لم يفعلن علم أنه لا خير فيه وليس في الدين حرج وإنما يجب النظر إلى الطهر إذا حانت الصلاة لا في جوف الليل
ويستنبط من الحديث جواز العيب على من ابتدع أمرا ليس له أصل وجواز الاستدلال بنفي شيء مع عموم البلوى في زمن الصحابة على عدم كونه خيرا والتنبيه على حسن الاقتداء بالسلف وجواز إسراج السرج بالليل
( 15 ) اللام للعهد أي : نساء الصحابة

26 - ( باب المرأة تغسل بعض أعضاء الرجل وهي حائض )

87 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان تغسل جواريه ( 1 ) رجليه ويعطينه الخمرة ( 2 ) وهن حيض ( 3 )
قال محمد : لا بأس ( 4 ) بذلك وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) جمع جارية بمعنى الأمة والبنت ( قوله كان يغسل جواريه رجليه : لعله كان لشغل أو ضعف أو لبيان الجواز إلا أنه يشكل عليه ما تقدم في الوضوء من القبلة أن ابن عمر كان يقول : جسها بيده من الملامسة ويحتمل أنه رضي الله عنه كان يفرق بين ملامسة الرجل المرأة وملامسة المرأة الرجل كما هو مقتضى ألفاظ الأثرين لكن لم أره عند أحد أو يقال : إنه يرى الملامسة الناقضة مقيدة بالشهوة كما هو مذهب بعضهم وإلا فبين عموم الأثرين تعارض كما لا يخفى . أوجز المسالك 1 / 308 )
( 2 ) قوله : الخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة منسوجة من سعف النخل مأخوذة من الخمر بمعنى التغطية لأنها تغطي جبهة المصلي من الأرض هذا حاصل ما في الضياء . وأغرب ابن بطال حيث قال : فإن كان كبيرا قدر الرجل أو أكبر يقال له حصير لا خمرة . انتهى . وغرابته لا تخفى كذا قال القاري
( 3 ) جمع الحائض حيض وحوائض
( 4 ) قوله : لا بأس بذلك لأن أعضاء الحائض طاهرة ولذلك لا يكره مضاجعتها ولا الاستمتاع بها بما فوق السرة ولا يكره وضع يدها في شيء من المائعات وغسلها رأس زوجها وترجيله وطبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع . وسؤرها وعرقها طاهران وكل هذا متفق عليه وقد نقل أبو جعفر محمد بن جرير الطبري إجماع المسلمين في ذلك كذا ذكره النووي في " شرح صحيح مسلم "

88 - أخبرنا مالك ( 1 ) أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كنت ( 2 ) أرجل ( 3 ) رأس ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا حائض ( 5 )
قال محمد : لا بأس بذلك وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والبخاري من طريق مالك
( 2 ) قوله : كنت : في ترجيل عائشة لرأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي حائض دليل على طهارة الحائض وأنه ليس موضع منها نجسا غير موضع الحيض وفي ترجيله صلى الله عليه و سلم لشعره وسواكه وأخذه من شاربه ونحو ذلك دليل على أنه ليس من السنة والشريعة ما خالف النظافة وحسن الهيئة في اللباس والزينة . ويدل على أن قوله صلى الله عليه و سلم : " البذاذة من الإيمان " أراد به طرح الشهرة في اللباس والإسراف فيه الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الآثار ولا تتضاد كذا في " الاستذكار "
( 3 ) بضم الهمزة وشدة الجيم : أمشط
( 4 ) قوله : رأس أي : شعر رأس فهو من مجاز الحذف ومن إطلاق المحل على الحال مجازا
( 5 ) قوله : وأنا حائض فيه تفسير لقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } لأن اعتزالهن يحتمل أن يكون بأن لا يجتمع معهن ولا يقربهن ويحتمل أن يكون اعتزال الوطئ خاصة فأتت السنة بما في الحديث أنه أراد به الجماع

27 - ( باب الرجل يغتسل أو يتوضأ بسؤر المرأة ( 1 ) )
89 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر أنه قال : لا بأس بأن يغتسل ( 2 ) الرجل بفضل وضوء المرأة ( 3 ) ما لم تكن ( 4 ) جنبا أو حائضا
قال محمد : لا بأس بفضل وضوء المرأة وغسلها وسؤرها وإن كانت جنبا أو حائضا ( 5 )
بلغنا أن النبي صلى الله عليه و سلم ( 6 ) كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد ليتنازعان ( 7 ) الغسل ( 8 ) جميعا فهو ( 9 ) فضل غسل المرأة الجنب وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ( 10 )
_________
( 1 ) قوله : بسؤر المرأة بضم السين وهمز العين اسم للبقية من سأر يسأر كفتح يفتح أفضل فضلة ذكره العيني
( 2 ) في نسخة : يتوضأ
( 3 ) أي : ما فضل من الماء بعدما توضأت المرأة منه
( 4 ) قوله : ما لم تكن جنبا أو حائضا يخالفه ما ورد عن عائشة : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد ونحن جنبان . وورد عنها : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد فيبادرني حتى أقول : دع لي دع لي ونحن جنبان . وعن أم سلمة : أنها كانت تغتسل ورسول الله صلى الله عليه و سلم من الجنابة . وعن ميمونة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اغتسل من فضل ماء اغتسلت به من الجنابة . وعن عائشة : كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه و سلم فيضع فاه على موضع في فيشرب . وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله فيضع فاه على موضع في . أخرجها مسلم وأصحاب السنن وغيرهم
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على طهارة سؤر الحائض والجنب وطهارة فضل وضوئهما وغسلهما . وقول الصحابي إذا خالف فعل النبي صلى الله عليه و سلم أو قوله فالحجة في المرفوع ويعذر بأنه لعله لم يبلغه ذلك أو ترجح عنده دليل آخر فلذلك أعرض أكثر العلماء في هذا الباب عن قول ابن عمر وأخذوا بالأحاديث المجوزة
( 5 ) قوله : وإن كانت جنبا أو حائضا قال العيني في " البناية " : ممن قال بطهارة سؤر الجنب الحسن البصري ومجاهد والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأحمد والشافعي وروي عن النخعي أنه كره فضل شرب الحائض وروى عن جابر أنه سئل عن سؤر الحائض هل يتوضأ منه للصلاة ؟ قال : لا ذكره ابن المنذر في " الإشراف " ( وفي الأصل : " الإشراق " وهو تحريف . ذكر فؤاد سزكين " كتاب الإشراف في اختلاف العلماء على مذاهب أهل العلم على مذاهب الأشراف " لابن المنذر . انظر : تاريخ التراث العربي 2 / 185 )
( 6 ) قوله : بلغنا ... إلخ يشير إلى أن تقليد الصحابي واجب وقوله حجة عندنا ما لم ينفه شيء من السنة وقد صرح به ابن الهمام في كتاب الجمعة من " فتح القدير " وها هنا قد نفى قول ابن عمر ورود سنة فالعبرة بالسنة لا به
( 7 ) فيبادرها فتقول : دع لي دع لي أخرجه مسلم وفي رواية الطحاوي : ابق لي ابق لي . وفي نسخة : يتنازعان
( 8 ) قوله : الغسل بفتح الغين فهو مصدر أي : يتبادران فيه ويجوز أن يكون بضم الغين أي : في مائها أو استعماله
( 9 ) في نسخة : فهذا
( 10 ) وهو قول الجمهور

28 - ( باب الوضوء بسؤر الهرة )

90 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق ( 1 ) بن عبد الله بن أبي طلحة ( 2 ) أن امرأته حميدة ( 3 ) ( 4 ) ابنة ( 5 ) عبيد بن رفاعة أخبرته عن خالتها ( 6 ) كبشة ( 7 ) ( 8 ) ابنة كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة ( 9 ) : أن أبا قتادة ( 10 ) أمرها فسكبت ( 11 ) له وضوءا ( 12 ) فجاءت هرة فشربت منه فأصغى ( 13 ) لها الإناء فشربت قالت كبشة : فرآني أنظر ( 14 ) إليه فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ( 15 ) ؟ قالت : قلت : نعم قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنها ليست بنجس ( 16 ) إنها من الطوافين ( 17 ) عليكم و ( 18 ) الطوافات ( 19 )
قال محمد : لا بأس ( 20 ) بأن يتوضأ بفضل سؤر الهرة وغيره أحب ( 20 ) إلينا منه وهو قول أبي حنيفة ( 21 ) رحمه الله
_________
( 1 ) وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين : ثقة حجة مات سنة 134 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) زيد بن سهل الأنصاري
( 3 ) الأنصارية الزرقية أم يحيى المدنية وثقها ابن حبان كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : حميدة بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال : بفتح الحاء وكسر الميم نبه عليه أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " وهو تحريف . ) قاله الزرقاني
( 5 ) قوله : ابنة عبيد بن رفاعة قال يحيى : بنت أبي عبيدة بن فروة وهو غلط منه وأما سائر رواة الموطأ فيقولون : بنت عبيد بن رفاعة إلا أن زيد بن الحباب قال فيه عن مالك : بنت عبيد بن رافع والصواب رفاعة بن رافع الأنصاري قاله ابن عبد البر
( 6 ) قوله : عن خالتها قال ابن مندة : حميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ومحلهما محل الجهالة ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه . ونقل الزيلعي عن تقي الدين بن دقيق العيد : أنه إذا لم يعرف لهما رواية فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت . انتهى . وقال العيني : لا نسلم ذلك فإن لحميدة حديثا آخر في تشميت العاطس رواه أبو داود ولها ثالث رواه أبو نعيم ورورى عنها إسحاق بن عبد الله وهو ثقة وأما كبشة فيقال : إنها صحابية فإن ثبت فلا يضر الجهل بها
( 7 ) وثقها ابن حبان
( 8 ) قوله : كبشة بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة الأنصارية
قال ابن حبان : لها صحبة . وتبعه ( في الأصل : " تبعها " وهو تحريف ) المستغفري قاله الزرقاني ( مثله في التقريب أيضا 2 / 612 ، وفيه 2 / 595 : " حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية مقبولة " . وفي تهذيب التهذيب 2 / 412 ، ذكرها ابن حبان في الثقات )
( 9 ) قوله : ابن أبي قتادة عبد الله بن أبي قتادة المدني الثقة التابعي المتوفى سنة 95 هـ . وقال ابن سعد : تزوجها ثابت بن أبي قتادة فولدت له . وفي رواية ابن المبارك عن مالك : وكانت امرأة أبي قتادة قال ابن عبد البر : وهو وهم منه وإنما هي امرأة ابنه قاله الزرقاني
( 10 ) قيل : اسمه الحارث وقيل : النعمان . وقيل : عمرو بن ربعي السلمي شهد أحدا وما بعدها مات سنة 94 هـ كذا في " الإسعاف "
( 11 ) قوله : فسكبت قال الرافعي : يقال سكب يسكب سكبا أي : صب فسكب سكوبا أي : انصب
( 12 ) الماء الذي يتوضأ به
( 13 ) بالغين المعجمة أي : أمال
( 14 ) انظر المنكر أو المتعجب
( 15 ) من حيث الصحبة لأن أباها صحابي مثله وسلمى من قبيلته
( 16 ) قوله : بنجس قرئ بكسر الجيم وقال المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس : بفتح الجيم من النجاسة كذا في " زهر الربى على المجتبى "
( 17 ) قوله : من الطوافين قال الخطابي : هذا يتأول على وجهين أحدهما أنه شبهها بخدم البيت ومن يطوف على أهله للخدمة ومعالجة المهنة والثاني : أن يكون شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة يريد أن الأجر في مؤاساتها كالأجر في مؤاساة من يطوف للحاجة كذا في " مرقاة الصعود "
( 18 ) قوله : والطوافات ورد في بعض الروايات أو الطوافات بكلمة " أو " . قال ابن ملك : هو للشك من الراوي وقال ابن حجر : ليست للشك لوروده بالواو في روايات أخر بل هي للتنويع كذا في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "
( 19 ) قوله : الطوافات الطوافون هم بنو آدم يدخل بعضهم على بعض بالتكرار والطوافات هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس مثل الغنم والبقر والإبل جعل النبي صلى الله عليه و سلم الهرة من القبيلتين لكثرة طوافها واختلاطها ( في الأصل : " طوافه واختلاطه " وهو تحريف ) كذا ذكره العيني في " البناية " وفي الحديث من الفوائد :
جواز استخدام زوجة ابنه
وإصغاء الإناء للهرة وغيرها من الحيوانات فإن في كل ذات كبد رطبة أجرا كما ورد به الخبر
وجواز إطلاق ما يطلق على المحارم على امرأة الإبن
ويستنبط من قوله صلى الله عليه و سلم : " فإنها من الطوافين " عدم نجاسة سؤر جميع سواكن البيوت لوجود هذه العلة فيها
( 20 ) قوله : لا بأس لأن سؤر الهرة ليس بنجس فلا بأس بشربه والوضوء منه وهو مذهب عباس وعلي وابن عباس وابن عمر وعائشة وأبي قتادة والحسن والحسين واختلف فيه عن أبي هريرة فروى عطاء عنه : أن الهر كالكلب يغسل منه الإناء سبعا وروى أبو صالح عنه : أن السنور من أهل البيت كذا ذكره ابن عبد البر وقال : لا نعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم روى عنه في الهر أنه لا يتوضأ بسؤره إلا أبا هريرة على اختلاف عنه . انتهى
قلت : قد علمت ما لم يعلمه فقد أخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " عن يزيد بن سنان نا أبو بكر الحنفي نا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أنه كان لا يتوضأ بفضل الكلب والهر وما سوى ذلك فليس به بأس . وأخرج أيضا عن ابن أبي داود نا الربيع بن يحيى نا شعبة عن واقد بن محمد عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا توضؤوا من سؤر الحمار ولا الكلب ولا السنور . وأما التابعون ومن بعدهم فاختلفوا فيه أيضا بعد اتفاقهم على أن سؤر الهرة ليس بنجس إلا ما يستفاد مما حكاه صاحب " رحمة الأمة في اختلاف الأئمة " عن الأوزاعي والثوري أن سؤر ما لا يؤكل لحمه نجس غير الآدمي فإنه يقتضي أن يكون سؤر الهرة نجسا عندهما . والأحاديث الواردة في ذلك تردهما ومن عداهما بعدما اتفقوا على الطهارة منهم : من كره سؤر الهرة وهو قول أبي حنيفة ومحمد وبه قال طاووس وابن سيرين وابن أبي ليلى ويحيى الأنصاري حكاه عنهم العيني وبه أخذ الطحاوي ( شرح معاني الآثار : 1 / 12 ) حيث روى عن إبراهيم بن مرزوق نا وهب بن جرير نا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن سعيد قال : إذا ولغ السنور في الإناء فاغسله مرتين أو ثلاثا . ثم روى عن محمد بن خزيمة نا حجاج نا حماد عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب في السنور يلغ في الإناء قال أحدهما : يغسله مرة وقال الآخر : يغسله مرتين . ثم روى عن سليمان بن سعيد نا الخصيب بن ناصح ( في الأصل : " الحصب بن نافع " وهو تحريف . وفي " تهذيب التهذيب " 3 / 143 : الخصيب بن ناصح الحارثي البصري ت 208 ) نا هشام عن قتادة قال : كان سعيد بن المسيب والحسن يقولان : اغسل الإناء ثلاثا ثلاثا يعني من سؤر الهرة . ثم روى عن روح العطار نا سعيد بن كثير بن عفير حدثني يحيى أنه سأل يحيى بن سعيد عما لا يتوضأ بفضله من الدواب فقال : الكلب والخنزير والهرة ثم قال بعد ما ذكر دليلا عقليا على الكراهة : فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة . انتهى . ومنهم من طهر من غير كراهة وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة والليث وغيره من أهل مصر والأوزاعي وغيره من أهل الشام والثوري ومن وافقه من أهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وعكرمة وإبراهيم وعطاء بن يسار والحسن في ما روى عنه الأشعث والثوري في ما روى عنه أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي كذا ذكره ابن عبد البر وبه قال أبو يوسف حكاه العيني والطحاوي وهو رواية عن محمد ذكره الزاهدي في " شرح مختصر القدوري " والطحاوي
( 21 ) قوله : أحب ظاهر كلامه أن الكراهة في سؤر الهرة تنزيهية وهو ظاهر كلامه في " كتاب الآثار " حيث روى عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم في السنور يشرب في الإناء قال : هي من أهل البيت لا بأس بشرب فضلها فسألته أيتطهر بفضلها للصلاة ؟ فقال : إن الله قد رخص الماء . ولم يأمره ولم ينهه ثم قال : قال أبو حنيفة : غيره أحب إلي منه وإن توضأ به أجزاه وإن شربه فلا بأس به وبقول أبي حنيفة نأخذ . انتهى
وبه صرح جمع من أصحابنا فقال الزاهدي في " المجتبى " : الأصح أن كراهة سؤره عندهما كراهة تنزيه وقال أبو يوسف لا يكره وعن محمد مثله . انتهى . وقال يوسف بن عمر الصوفي في " جامع المضمرات " نقلا عن الخلاصة : سؤر حشرات البيت كالحية والفأرة والسنور مكروه كراهة تنزيه وهو الأصح . انتهى
وفي " البناية " : اختلفوا في تعليل الكراهة فقال الطحاوي : كون كراهة سؤر الهرة لأجل أن لحمها حرام لأنها عدت من السباع وهو أقرب إلى التحريم وقال الكرخي : لأجل عدم تجانبها النجاسة وهو يدل على أن سؤرها مكروه كراهة تنزيه وهو الأصح والأقرب إلى موافقة الحديث . انتهى ملخصا . قلت : لقد صدق في قوله إنه أقرب إلى موافقة الحديث وأشار به إلى أن القول بعدم الكراهة أوفق بالأحاديث : منها حديث أبي قتادة الذي أخرجه مالك ومن طريقه أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح وأبو داود ولفظه : أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء ... الحديث . وابن ماجه ولفظ عن كبشة وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة : أنها صبت لأبي قتادة ماء يتوضأ به فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء فجعلت أنظر إليه فقال : يا ابنة أخي أتعجبين ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنها ليست بنجس هي من الطوافين أو الطوافات " . والنسائي والدارمي في سننه وابن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من صحيحه والحاكم والدارقطني والبيهقي والشافعي وأبو يعلى وابن خزيمة وابن منده في صحيحهما
ومنها ما أخرجه أبو داود من طريق داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة فوجدتها تصلي فأشارت إلى أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة وقالت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم " وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بفضلها وأخرجه الدارقطني وقال : تفرد به عبد الرحمن الدراوردي عن داود بن صالح بهذه الألفاظ
ومنها ما أخرجه الدارقطني من حديث حارثة وقال : إنه لا بأس به عن عمرة عن عائشة قالت : كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك . وكذلك أخرجه ابن ماجه وأخرجه الخطيب من وجه آخر وفيه سلمة بن المغيرة ضعيف قاله ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي وأخرجه الطحاوي عن عمرة عن عائشة : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من الإناء الواحد وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك
ومنها ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إنها ليست بنجس إنها كبعض أهل البيت " . أخرجه عن سليمان بن مشافع بن شيبة الحجبي قال : سمعت منصور بن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ورواه الدارقطني بلفظ : كبعض متاع البيت
ومنها ما أخرجه الطحاوي عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصغي الإناء للهر ويتوضأ بفضلها . وفي إسناده صالح بن حسان البصري المديني متروك قاله العيني . وأخرجه الدارقطني عن يعقوب بن إبراهيم عن عبد ربه بن سعيد عن أبيه عن عروة عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم تمر به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها وضعف عبد ربه . وعن محمد بن عمر الواقدي نا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصغي للهرة الإناء حتى تشرب منه ثم يتوضأ بفضلها . قال ابن الهمام في " فتح القدير " : ضعفه الدارقطني بالواقدي وقال ابن دقيق العيد في " الإمام " : جمع شيخنا أبو الفتح ( هو ابن سيد الناس في كتابه " عيون الأثر " 1 / 17 - 21 ، وقال الإمام ابن الهمام في " فتح القدير " 5 / 49 : الواقدي عندنا حسن الحديث . ولكن انتقد عليه المحدثون . " المغني " 2 / 619 ) ابن سيد الناس في أول كتابه " المغازي والسير " من ضعفه ومن وثقه ورجح توثيقه وذكر الأجوبة عما قيل فيه . انتهى
ومنها ما أخرجه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " من طريق محمد بن إسحاق عن صالح عن جابر كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصغي الإناء للسنور يلغ فيه ثم يتوضأ من فضله ومنها ما أخرجه الطبراني في ( معجمه الصغير ) نا عبد الله بن محمد بن الحسن الأصبهاني نا جعفر بن عنبسة الكوفي نا عمرو بن حفص المكي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أنس : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال : " يا أنس اسكب لي وضوءا " فسكبت له فلما أقبل أتى الإناء وقد أتى هر فولغ في الإناء فوقف له وقفة حتى شرب الهر ثم سألته فقال : " يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه "
( 22 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال ابن نصر ( في الأصل : " أبو نصر المروزي " وهو تحريف . وفي " سير أعلام النبلاء " : 14 / 33 : محمد بن نصر الحجاج المروزي أبو عبد الله ت 294 هـ ) المروزي : خالفه أصحابه فقالوا : لا بأس به . انتهى . قال ابن عبد البر : ليس كذلك وإنما خالفه من أصحابه أبو يوسف وأما محمد وزفر والحسن بن زياد وغيرهم فإنهم يقولون بقول أبي حنيفة ويحتجون لذلك بما يروون عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كرها الوضوء بسؤر الهر وهو قول ابن أبي ليلى ولا أعلم لمن كره سؤر السنور حجة أحسن من أنه لم يبلغه حديث قتادة أو لم يصح عنده . انتهى ملخصا
قلت : الكراهة التنزيهية بسبب غلبة اختلاطها النجاسة لا تنافي حديث أبي قتادة وغيره نعم يشكل الأمر على من اختار كراهة التحريم وأما كراهة التنزيه فأمر سهل

29 - ( باب الأذان والتثويب ( 1 ) )
91 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عطاء ( 2 ) بن يزيد الليثي عن أبي سعيد ( 3 ) الخدري ( 4 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا سمعتم ( 5 ) النداء ( 6 ) فقولوا ( 7 ) مثل ( 8 ) ما يقول المؤذن ( 9 )
قال مالك بلغنا ( 10 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه المؤذن يؤذنه ( 11 ) لصلاة الصبح فوجده نائما فقال المؤذن ( 12 ) : الصلاة خير من النوم فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح
_________
( 1 ) هو الإعلام بعد الإعلام
( 2 ) قوله : عطاء المدني من ثقات التابعين ورجال الجميع مات سنة خمس أو سبع ومائة واسم أبيه يزيد كذا في " الإسعاف " و " التقريب " وفي بعض النسخ : زيد
( 3 ) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري شهد ما بعد أحد ومات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل أربع وسبعين كذا في " جامع الأصول "
( 4 ) قوله : الخدري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة نسبة إلى خدرة وهو الأبجر بفتح الألف وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم ثم راء مهملة . ابن عوف بن الحارث بن الخزرج وبنو خدرة قبيلة من الأنصار الخزرجيين منسوبة إلى خدرة ومنهم أبو سعيد الخدري كذا في " أنساب " السمعاني
و " جامع الأصول "
( 5 ) قوله : إذا سمعتم ظاهره أنه لو لم يسمع لصمم أو بعد لا إجابة عليه وبه صرح النووي في " شرح المهذب "
( 6 ) أي : الأذان سمي به لأنه نداء ودعاء إلى الصلاة
( 7 ) قوله : فقولوا استدل به على وجوب إجابة المؤذن حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية والظاهرية وابن وهب واستدل الجمهور بحديث مسلم وغيره : أنه صلى الله عليه و سلم سمع مؤذنا فلما كبر قال : على الفطرة فلما تشهد قال : خرج من النار . فلما قال صلى الله عليه و سلم غير ما قال المؤذن علم أن الأمر للاستحباب . وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أنه قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة قاله الزرقاني
( 8 ) قوله : مثل ما يقول ظاهره أنه يقول مثله في جميع الكلمات لكن حديث عمر وحديث معاوية في البخاري وغيره دل على أنه يستثنى من ذلك ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) فيقول بدلهما : لا حول ولا قوة إلا بالله وهو المشهور عند الجمهور وقال ابن الهمام في " فتح القدير " : الحوقلة في الحيعلتين وإن خالفت ظاهر قوله : فقولوا مثل ما يقول المؤذن لكنه ورد فيه حديث مفسر كذلك عن عمر رواه مسلم . فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين وهو غير جار على قاعدتنا لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلا به لا يخصص بل يعارض فيجري فيه حكم المعارضة أو يقدم العام والحق هو الأول . انتهى
ثم قال : قد رأينا من مشائخ السلوك من يجمع بينهما ليعمل بالحديثين . انتهى
قلت : الجمع حسن عملا بالحديثين
وذكر بعض أصحابنا مكان حي على الفلاح ( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) ذكره في " المحيط " وغيره لكن لا أصل له في الأحاديث ولا أعلم من أين اخترعوه وقد نبه على ذلك المحدث عبد الحق الدهلوي في " شرح سفر السعادة "
( 9 ) قوله : المؤذن ادعى ابن وضاح أن هذا مدرج وأن الحديث انتهى بقوله : ما يقول . وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى كذا في " شرح الزرقاني "
( 10 ) قوله : بلغنا قال ابن عبد البر : لا أعلم أنه روي من وجه يحتج به وتعلم صحته وإنما فيه حديث هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل لا أعرفه ذكر ابن أبي شيبة : نا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل قال : جاء المؤذن يؤذن عمر لصلاة الصبح فقال : الصلاة خير من النوم فأعجب به عمر وقال للمؤذن : أقرها في أذانك . انتهى . ورده الزرقاني بأنه قد أخرجه الدارقطني في السنن من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر وأخرج أيضا عن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه : إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل : الصلاة خير من النوم . انتهى . قلت : وها هنا أخبار وآثار أخر تدل على صحة ما أمر به عمر من تقرير هذه الزيادة في الأذان فذكر ابن أبي شيبة : نا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عطاء كان أبو محذورة يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم ولأبي بكر وعمر وكان يقول في أذانه : الصلاة خير من النوم . قال : ونا حفص بن غياث عن طلحة عن سويد عن بلال وعن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة : أنهما كانا يثوبان في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم . قال : ونا وكيع عن سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد : أنه أرسل إلى مؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح فقل : الصلاة خير من النوم فإنه أذان بلال . وذكر ابن المبارك وعبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن بلالا أذن ذات ليلة ثم جاء يؤذن للنبي صلى الله عليه و سلم فنادى الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الصبح . وفي " شرح معاني الآثار " للطحاوي : كره قوم أن يقال في أذان الصبح الصلاة خير من النوم واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بتعليمه بلالا وخالفهم في ذلك آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين وكان من الحجة لهم أنه وإن لم يكن في تأذين عبد الله فقد علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا محذورة بعد ذلك وأمره أن يجعله في أذان الصبح : نا علي بن معبد نا روح بن عبادة نا ابن جريج أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة : أن النبي صلى الله عليه و سلم علمه في الأذان الأول من الصبح الصلاة خير من النوم . نا علي نا الهيثم بن خالد نا أبو بكرة بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع سمعت أبا محذورة قال : كنت غلاما صبيا فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم قل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . قال أبو جعفر : فلما علم رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا محذورة ذلك كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد ووجب استعمالها وقد استعمل ذلك أصحابه من بعده . نا ابن شيبة نا أبو نعيم نا سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال : كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . نا علي بن شيبة نا يحيى بن يحيى نا هيثم عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس قال : كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم . فهذا ابن عمر وأنس يخبران أن ذلك مما كان المؤذن يؤذن به في أذان الصبح فثبت بذلك ما ذكرناه . وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد . انتهى كلامه . وفي سنن النسائي عن أبي محذورة : كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم وكنت أقول في أذان الفجر : حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . وفي " معجم الطبراني " عن بلال أنه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما يؤذنه لصلاة الصبح فوجده راقدا فقال : الصلاة خير من النوم مرتين فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك . وروى ابن خزيمة والبيهقي عن ابن سيرين قال : من السنة أن يقول المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم ( قلت : إسناده صحيح . رواه الدارقطني 1 / 243 )
( 11 ) أي يخبره من الإيذان أو من التأذين
( 12 ) قوله : فقال المؤذن ... إلخ يستنبط من هذا الأثر أمور :
أحدها : جواز التثويب وهو الإعلام بعد الإعلام لأمراء المؤمنين وبه قال أبو يوسف واستبعده محمد لأن الناس سواسية في أمر الجماعة ويدفع استبعاده بما روي في الصحاح أن بلالا كان يؤذن الفجر ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم على باب الحجرة فيؤذنه بصلاة الصبح وكذا في غير صلاة الفجر . لكن قد يخدش ذلك بما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن مجاهد أن أبا محذورة قال : الصلاة الصلاة فقال عمر : ويحك أمجنون أنت ؟ أما كان في دعائك الذي دعوتنا ما نأتيك ؟ وقد حققت الأمر في هذه المسألة في رسالتي " التحقيق العجيب في التثويب "
وثانيها : جواز النوم بعد طلوع الصبح أحيانا
وثالثها : كون الصلاة خير من النوم في نداء الصبح
ورابعها : كون ذلك بأمر عمر . وقد يستشكل هذا بأن دخوله في نداء الصبح كان بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم لبلال وكان ذلك شائعا في أذان بلال وأذان أبي محذورة وغيرهما من المؤذنين في عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم كما هو مخرج في سنن ابن ماجه وجامع الترمذي وأبي داود ومعجم الطبراني ومعاني الآثار وغيرهما وقد فصلته في رسالتي المذكورة فما معنى جعله في نداء الصبح بأمر عمر ؟ وأجيب عنه بوجوه : أحدها : أنه من ضروب الموافقة ذكره الطيبي في " حواشي المشكاة : ورده علي القاري بأن هذا كان في زمان خلافة عمر ويبعد عدم وصوله إليه سابقا
وثانيها : أنه لعله بلغه ثم نسيه فأمره وفيه بعد أيضا
وثالثها : أن معنى أمره أن يجعلها في نداء الصبح أن يبقيها فيه ولا يجاوزها إلى غيره . قال ابن عبد البر : المعنى فيه عندي والله أعلم أنه قال : اجعل هذا في الصبح لا ها هنا كأنه كره أن يكون نداء الفجر عند باب الأمير كما أحدثه الأمراء وإنما حملني على هذا التأويل وإن كان الظاهر من الخبر خلافه لأن قول المؤذن الصلاة خير من النوم أشهر عند العلماء والعامة من أن يظن بعمر أنه جهل ما سن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر به مؤذنه بالمدينة بلالا وبمكة أبا محذورة

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10