كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

49 - ( باب الرجل يسلم ( 1 ) عليه وهو يصلي )
176 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر مر على رجل يصلي فسلم عليه ( 2 ) فرد ( 3 ) عليه السلام فرجع إليه ابن عمر فقال : إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم ( 4 ) وليشر ( 5 ) بيده
قال محمد : وبهذا نأخذ لا ينبغي للمصلي أن يرد السلام إذا سلم عليه وهو في الصلاة فإن فعل ( 6 ) فسدت صلاته ولا ينبغي ( 7 ) أن يسلم عليه وهو ( 8 ) يصلي وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) بصيغة المجهول
( 2 ) أي : سلم ابن عمر عليه ولعله لم يدر أنه يصلي
( 3 ) أي : كلاما
( 4 ) برد السلام لأنه مفسد قوله : فلا يتكلم فيه إشارة إلى أن السلام كلام لأن فيه خطابا ومواجهة بالغير والكلام في الصلاة منهي عنه وقد دلت عليه أحاديث مرفوعة أيضا فأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : كنا نقوم في الصلاة فنتكلم ويسار الرجل صاحبه ويخبره ويردون عليه إذا سلم حتى أتيت فسلمت فلم يردوا علي فاشتد ذلك علي فلما قضي النبي صلى الله عليه و سلم صلاته قال : أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين . وأخرج أيضا عنه : كنا نتكلم في الصلاة فسلمت على النبي صلى الله عليه و سلم فلم يرد علي فلما انصرفت قال : لقد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة ونزلت : { وقوموا لله قانتين } ( سورة البقرة : آية 238 ) . وأخرج أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان عودني أن يرد علي السلام في الصلاة فأتيته ذات يوم فسلمت فلم يرد علي وقال : إن الله يحدث في أمره ما شاء وإنه قد أحدث لكم أن لا يتكلم أحد إلا بذكر الله وما ينبغي من تسبيح وتمجيد { وقوموا لله قانتين } وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عنه : كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا : كنا نسلم عليك فترد علينا فقال : إن في الصلاة شغلا
( 5 ) قوله : وليشر بيده أي : بأصبعه لما أخرج أبو داود والترمذي عن صهيب : مررت برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إلي إشارة وأخرج البزار عن أبي سعيد أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في الصلاة فرد رسول الله صلى الله عليه و سلم إشارة فلما سلم قال له : إنا كنا نرد السلام في صلاتنا فنهينا عن ذلك وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني عن أنس : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشير في الصلاة
وبه أخذ الشافعي فاستحب الرد إشارة وعن أحمد كراهة الرد بالإشارة في الفرض دون النفل وعن مالك روايتان ذكره العيني . واختلف أصحابنا : فمنهم من كرهه ومنهم الطحاوي وحملوا الأحاديث على أن إشارته صلى الله عليه و سلم كان للنهي عن السلام لا لرده وهو حمل يحتاج إلى دليل مع مخالفته لظاهر بعض الأخبار ومنهم من قال لا بأس به ( جمع في بذل المجهود 5 / 207 بين الحديثين بأن الحديث الأول محمول على الأولوية وأما الثاني فعلى تعليم الجواز )
( 6 ) قوله : فعل وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء وكان ابن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا كذا ذكره العيني ولعل من أجازه لم يبلغه الأحاديث فإنها صريحة في أن السلام كلام ممنوع عنه
( 7 ) قوله : ولا ينبغي لأنه في شغل عن رده إنما السلام على من يمكنه الرد وأجازه بعضهم لحديث : كان الأنصار يدخلون ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ويسلمون فيرد عليهم إشارة بيده كذا في " الاستذكار "
( 8 ) قوله : وهو يصلي فإن سلم عليه هل يجب عليه الرد ؟ فذكر العيني وغيره أن عند أبي يوسف لا يرد في الحال ولا بعد الفراغ وعند أبي حنيفة يرده في نفسه وعند محمد يرد بعد السلام لما أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى عن ابن مسعود كنا نسلم بعضنا على بعض في الصلاة فمررت برسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت عليه فلم يرد علي فوقع في نفسي أنه نزل فيه شيء فلما قضى رسول الله صلاته قال : وعليك السلام . وأخرج الطحاوي عن جابر : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فبعثني في حاجة فانطلقت إليها ثم رجعت وهو يصلي على راحلته فسلمت عليه فلم يرد علي ورأيته يركع ويسجد فلما سلم رد

50 - ( باب الرجلان يصليان جماعة )

177 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه ( 1 ) قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة ( 2 ) فوجدته يسبح ( 3 ) فقمت ( 4 ) وراءه فقربني فجعلني بحذائه ( 5 ) عن يمينه فلما جاء يرفاء ( 6 ) تأخرت فصففنا وراءه ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : عن أبيه هو عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود ووثقه جماعة وهو من كبار التابعين مات بعد السبعين كذا في " التقريب " وغيره
( 2 ) وقت الحر
( 3 ) قوله : يسبح يطلق التسبيح على صلاة النافلة ويقال للذكر ولصلاة النافلة سبحة يقال : قضيت سبحتي وإنما خصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في التسبيح لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة : سبحة لأنها نافلة كالتسبيحات كذا في " النهاية " والمراد ههنا : نافلة الظهر إن كان الهاجر بمعنى ما بعد الزوال أو صلاة الضحى إن حمل على الحر
( 4 ) فيه جواز الإمامة في النافلة
( 5 ) بكسر الحاء وفتح الذال والمد أي : بمقابلته
( 6 ) قوله : يرفاء حاجب عمر أدرك الجاهلية وحج مع عمر في خلافة أبي بكر وله ذكر في " الصحيحين " في قصة منازعة علي والعباس في صدقة رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا قال الزرقاني
( 7 ) أي : خلف عمر

178 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أنه قام عن يسار ابن عمر في صلاته فجعلني عن يمينه ( 1 )
_________
( 1 ) أي : ابن عمر

179 - أخبرنا مالك حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ( 1 ) عن أنس بن مالك : أن جدته ( 2 ) دعت رسول الله صلى الله عليه و سلم لطعام فأكل ( 3 ) ثم قال : قوموا فلنصل بكم ( 4 ) . قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طوال ما لبس ( 5 ) فنضحته ( 6 ) بماء فقام ( 7 ) عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فصففت أنا واليتيم ( 8 ) وراءه والعجوز ( 9 ) وراءنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف ( 10 )
قال محمد : وبهذا كله نأخذ إذا صلى الرجل الواحد مع الإمام قام عن يمين الإمام وإذا صلى الاثنان قاما ( 11 ) خلفه وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) هو زيد بن سهل
( 2 ) قوله : أن جدته قال ابن عبد البر : إن جدته مليكة يقوله مالك والضمير في جدته عائد إلى إسحاق وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري وهي أم أنس بن مالك كانت تحت أبيه مالك بن النضر فولدت له أنس بن مالك والبراء بن مالك ثم خلف عليها أبو طلحة قال : وذكر عبد الرزاق هذا الحديث عن مالك عن إسحاق عن أنس أن جدته مليكة يعني جدة إسحاق وساق الحديث بمعنى ما في " الموطأ " . انتهى . وقال النووي : الصحيح أنها جدة إسحاق فتكون أم أنس لأن إسحاق ابن أخي أنس لأمه وقيل : إنها جدة أنس وهي بضم الميم وفتح اللام وهذا هو الصواب وعن الأصيلي : بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب مردود وقال الحافظ ابن حجر : الضمير في جدته يعود إلى إسحاق جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي وجزم ابن سعد وابن مندة بأنها جدة أنس وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في " النهاية " ومن تبعه وكلام عبد الغني في " العمدة " وهو ظاهر السياق ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدسي عن عبيد بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال : أرسلتني جدتي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة الحديث قال : ومقتضي من أعاد الضمير إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة ومستندهم في ذلك ما رواه ابن عيينة عن إسحاق عن أنس قال : صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه و سلم وأمي أم سليم خلفنا . هكذا أخرجه البخاري والقصة واحدة طولها مالك واختصرها سفيان قال : ويحتمل تعددها وقد ذكر ابن سعد في " الطبقات " أم أنس وهي أم سليم بنت ملحان وقال : هي الغميصا ويقال : الرميصا ويقال : اسمها سهلة ويقال أنيفا ويقال : رميثة ويقال : رميلة وأمها مليكة بنت مالك كذا في " التنوير " . ( ص 169 )
( 3 ) قوله : فأكل زاد فيه إبراهيم بن طحان وعبد الله بن عون عن مالك وأكلت منه ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قال : قم فتوضأ ومر العجوز فلتتوضأ ولأصل لكم
( 4 ) قال السهيلي : الأمر ها هنا بمعنى الخبر . قوله : فلنصل بكم قال الحافظ : أورد مالك هذا الحديث في ترجمة صلاة الضحى وتعقب بما رواه البخاري عن أنس أنه لم ير النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته . وأجاب صاحب " القبس " بأن مالكا نظر إلى الوقت الذي وقعت فيه تلك الواقعة وهو وقت صلاة الضحى
( 5 ) أي : استعمل . ولبس كل شيء بحبسه قال الرافعي : يريد فرش فإن ما فرش فقد لبسته الأرض
( 6 ) قوله : فنضحته ليلين لا لنجاسة قاله إسماعيل القاضي وقال غيره : النضح طهور لما شك فيه لتطييب النفس
( 7 ) قوله : فقام عليه فيه جواز الصلاة على الحصير وما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي على الحصير والله يقول : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } ( سورة الإسراء : الآية 8 ) . ؟ فقالت : إنه لم يكن ليصلي على الحصير . ففيه يزيد بن المقدام ضعيف وهو خبر شاذ مردود بما هو أقوى منه كحديث الباب ولما في البخاري عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه
( 8 ) بالرفع عطفا على الضمير المرفوع وبالنصب مفعول معه . قوله : واليتيم هو ضميرة بن أبي ضمرة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا سماه عبد الملك بن حبيب وجزم البخاري بأن اسم أبي ضمرة سعد الحميري ويقال : سعيد ونسبه ابن حبان ليثيا ويقال : اسمه روح ووهم من قال اسم اليتيم روح كأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه وكذا وهم من قال : اسمه سليم كما بينه في الفتح كذا في " شرح الزرقاني " ( 1 / 309 )
( 9 ) قال النووي : هي أم سليم وقال الحافظ : هي مليكة المذكورة
( 10 ) أي : إلى بيته أو من الصلاة
( 11 ) قوله : قاما ( لا خلاف في أن سنة النساء القيام خلف الرجال ولا يجوز لهن القيام معهم في الصف أوجز المسالك 3 / 141 ) خلفه : هذا هو مذهب أكثر العلماء وبه قال عمر وعلي وابن عمر وجابر والحسن وعطاء ومالك وأهل الحجاز الشام والشافعي وأصحابه وأكثر أهل الكوفة ومذهب ابن مسعود أنهم إذا كانوا ثلاثة قام الإمام وسطهم فإن كانوا أكثر من ذلك قدموا أحدهم وبه قال النخعي ونفر يسير من أهل الكوفة كذا في " الاعتبار " للحازمي . وفي " صحيح مسلم " أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود فقام بينهما وكذا أخرجه أبو داود والبيهقي ومحمد في كتاب " الآثار " والطحاوي وغيرهم وفي بعضها أنه قال : هكذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعل وأجاب الجمهور عنه بوجوه : منها أنه لم يبلغه حديث أنس وغيره الدال صريحا على تقدم الإمام على الاثنين وفيه بعد ومنها أنه فعل ما فعل لعذر أو لبيان الجواز لا لبيان أنه السنة ومنها أنه منسوخ بأحاديث أخر

51 - ( باب الصلاة في مرابض ( 1 ) الغنم ( 2 ) )
180 - أخبرنا مالك عن محمد ( 3 ) بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ( 4 ) عن حميد ( 5 ) بن مالك بن الخيثم عن أبي هريرة أنه قال : أحسن إلى غنمك وأطب مراحها ( 6 ) وصل ( 7 ) في ( 8 ) ناحيتها فإنها من دواب الجنة
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس بالصلاة في مراح ( 9 ) الغنم وإن كان فيه ( 10 ) أبوالها وبعرها ( 11 ) ما أكلت ( 12 ) لحمها فلا بأس ( 13 ) ببولها
_________
( 1 ) هي المواضع التي تربض فيها الغنم قوله : في مرابض من ربض في المكان يربض إذا لصق بها وأقام ملازما لها يقال : حتى تربض الوحش في كناسها كذا في " النهاية "
( 2 ) قوله : الغنم قال الجوهري : هو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث من الشأة وثبت في " صحيح البخاري " - سنن ابن ماجه - واللفظ له عن أبي هريرة مرفوعا : " ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم فقال أصحابه : وأنت يارسول الله ؟ قال : وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط كذا في " حياة الحيوان " لكمال الدين محمد بن موسى الدميري الشافعي
( 3 ) هو المدني وثقه ابن معين والنسائي ذكره السيوطي
( 4 ) قوله : الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة وذكر في " التقريب " في نسبته الديلي بكسر الدال بعدها ياء وهما نسبتان إلى قبيلة
( 5 ) قوله : عن حميد بن مالك بن الخيثم هكذا وجدنا العبارة في بعض النسخ وعليه شرح القاري وضبطه بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية ففتح المثلثة وضبطه ابن حجر في " التقريب " بصيغة التصغير حيث قال : حميد بن مالك بن خثيم بالمعجمة والمثلثة مصغرا ويقال مالك جده واسم أبيه عبد الله ثقة . انتهى . وذكر في " تهذيب التهذيب " في ضبطه اختلافا حيث قال في ترجمته : قال ابن سعد : كان قديما قليل الحديث وذكره ابن حبان في " الثقات " وجده ذكره البخاري في " التاريخ " فضبطه في الرواة عنه بلفظ الختم بضم المعجمة وفتح المثناة الخفيفة وضبطوه في رواية ابن القاسم في " الموطأ " كذلك لكن بالمثلثة " وضبطه مسلم كذلك لكن بتشديد المثناة وضبطوه في " الأحكام " لإسماعيل القاضي بتشديد المثلثة . انتهى ملخصا . وضبطه ابن الأثير في " النهاية " بمثل ما في " التقريب "
( 6 ) بضم الميم موضع تروح إليه الماشية أي : تأوي إليه ليلا كذا في " النهاية "
( 7 ) قوله : وصل في ناحيتها روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن البراء : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ توضؤوا منها وسئل عن لحوم الغنم فقال : لا توضؤوا منها وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل ؟ فقال : لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها مأوى الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ فقال : صلوا فيها فإنها مباركة . وروى النسائي وابن حبان من حديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الإبل خلقت من الشياطين كذا في " حياة الحيوان "
( 8 ) قوله : في ناحيتها روى يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا : " صلوا في مراح الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل " ( الحديث الصحيح : " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " يدل : بعمومه على جواز الصلاة في أعطان الإبل وغيرها بعد أن كانت طاهرة وهو مذهب جمهور العلماء وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو يوسف وأحمد وآخرون وكرهها الحسن البصري وإسحاق وأبو ثور وعن أحمد في رواية مشهورة عنه أنه إذا صلى في أعطان الإبل فصلاته فاسدة وهو مذهب أهل الظاهر . أوجز المسالك 3 / 281 ) ووردت هذه الرواية عن جماعة من الصحابة وأصح ما قيل في الفرق أن الإبل لا تكاد تهدأ ولا تقر بل تثور فربما تقطع الصلاة وجاء في الحديث : " إنها خلقت من جن "
( 9 ) بضم الميم موضع تروح إليه الماشية أي : تأوي إليه ليلا كذا في " النهاية " وقال الباجي : مراح الغنم مجتمعها من آخر النهار ذكره السيوطي وهما متقاربان قاله القاري
( 10 ) قوله : وإن كان فيه ... إلخ قال القاري : فيه أنه لا دلالة في الحديث على أنه يصلي فوق بولها وبعرها من غير سجادة ونحوها بل قول أبي هريرة صل في ناحية تأبى عن هذا المعنى وأيضا فلا يحصل الفرق حينئذ بين مرابض الغنم وأعطان الإبل والشارع فرق بينهما . انتهى . وقد يقال أيضا : لا وجه لذكر البعر فإنه نجس عند صاحب الكتاب أيضا فليتأمل
( 11 ) بسكون العين وفتحها هو للإبل والغنم والروث للفرس والحمار والخثي بالكسر للبقر ذكره العيني
( 12 ) بصيغة الخطاب . وفي نسخة : ما أكل لحمه فلا بأس ببوله
( 13 ) قوله : فلا بأس ببولها لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر العرينيين بشرب أبوال الإبل وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ( وبه قال الشافعي وعند مالك وأحمد ومحمد بول ما يؤكل لحمه طاهر . أوجز المسالك 3 / 282 ) بول ما يؤكل كبول ما لا يؤكل نجس وأما البعرة فاتفق الثلاثة على نجاستها إلا أنهما قالا : نجاسة خفيفة وقال أبو حنيفة : غليظة وزفر خفف في مأكول اللحم وغلظ في غير المأكول اللحم وتفضيله في كتب الفقه

52 - ( باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها )

181 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يتحرى ( 1 ) أحدكم فيصلي ( 2 ) عند ( 3 ) طلوع الشمس ولا عند غروبها
_________
( 1 ) قوله : لا يتحرى بلا ياء عند أكثر رواة " الموطأ " على أن لا ناهية وفي رواية التنيسي والنيسابوري بالياء على أن لا نافية قال الحافظ كذا وقع بلفظ الخبر وقال السهيلي : يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع أي : لا يكون إلا هذا وقال العراقي : يحتمل أن يكون نهيا والألف إشباع
( 2 ) بالنصب في جواب النفي أو النهي والمراد نفي التحري . والصلاة معا
( 3 ) قوله : عند ... إلخ قال الحافظ : اختلف في المراد به فقيل : هو تفسير لحديث الصحيحين عن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب . فلا تكره الصلاة بعدهما إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها وإلى هذا احتج بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر وذهب الأكثر إلى أنه نهي مستقل وكره الصلاة في الوقتين قصد أم لم يقصد

182 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله ( 1 ) الصنابحي ( 2 ) : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الشمس تطلع ومعها ( 3 ) قرن الشيطان فإذا ارتفعت زائلها ( ... ) ثم إذا استوت ( 4 ) قارنها ثم إذا زالت فارقها ثم إذا دنت ( 5 ) للغروب قارنها فإذا غربت فارقها قال : ونهى ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصلاة في تلك الساعات
_________
( ... ) هكذا في الأصل والأظهر : " فارقها " اتفقت عليه جميع نسخ الموطأ
( 1 ) قوله : عن عبد الله الصنابحي هكذا قال جمهور الرواة وقال مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع عن أبي عبد الله الصنابحي قال ابن عبد البر : هو الصواب وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ورواه زهير بن محمد عن زيد عن عطاء عن عبد الله الصنابحي قال : سمعت رسول الله وهو خطأ فإن الصنابحي لم يلقه قال الحافظ في " الإصابة " : ظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر فقد قال يحيى بن معين : عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون يشبه أن يكون له صحبة وقال ابن السكن : يقال : إنه له صحبة ورواية مطرف والطباع عن مالك شاذة ولم ينفرد به مالك بل تابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذا زهير بن محمد عند ابن مندة وكذا تابعه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب الأربعة عن زيد به وأخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن الحارث وابن مندة من طريق إسماعيل الصائغ عن مالك عن زيد به مصرحا بالسماع كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) بضم المهملة وفتح النون وكسر الباء نسبة إلى صنابح بطن من مراد ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : ومعها قرن الشيطان للعلماء في معنى الحديث قولان : أحدهما : أن هذا اللفظ على حقيقته وإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان وعلى رأس شيطان وبين قرني شيطان على ظاهر الحديث حقيقة لا مجازا وقال آخرون : معناه عندنا على المجاز واتساع الكلام وأنه أريد بقرن الشيطان ههنا أمة تعبد الشمس وتسجدها وتصلي حين طلوعها وغروبها تقصد بذلك الشمس من دون الله كذا في " آكام المرجان في أحكام الجان " وفي " الكاشف " ذكر فيه وجوها : أحدها أن الشيطان ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها ( في الأصل : " طلوعه " والصواب : " طلوعها " ) بين قرنيه أي " فوديه ( أي رأسه أي ناحيتيه أي كل واحد منهما فود . مجمع بحار الأنوار 4 / 181 ) فيكون مستقبلا لمن يسجد الشمس فيصير عبادتهم له فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان وثانيهما : أن يراد بقرنيه حزباه اللذان يبعثهما حينئذ لإغواء الناس وثالثها : أنه من باب التمثيل شبه الشيطان في ما سوله لعبدة الشمس بذوات القرون التي يعالج الأشياء ويدافعها بقرونها ورابعها : أن يراد بالقرن القوة والمختار هو الوجه الأول لمعاضدة الرواية . وصحح النووي حمله على الحقيقة ( انظر شرح مسلم 2 / 258 ، وتأويل مختلف الحديث ص 154 و 155 ، ومعالم السنن 1 / 130 و 131 ، وأوجز المسالك 4 / 186 )
( 4 ) على نصف النهار
( 5 ) قوله : ثم إذا دنت وقد وردت آثار مصرحة بغروبها على قرني الشيطان وأنها تريد عند الغروب السجود لله فيأتي الشيطان أن يصدها فتغرب بين قرنيه ويحرقه الله عز و جل
( 6 ) نهي تحريم في الطرفين وكراهة في الوسط عند الجمهور

183 - أخبرنا مالك أخبرني عبد الله بن دينار قال : كان عبد الله بن عمر يقول ( 1 ) : كان عمر بن الخطاب يقول : لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإن الشيطان يطلع قرناه من طلوعها ويغربان عند غروبها وكان يضرب ( 2 ) الناس عن ( 3 ) تلك الصلاة ( 4 )
قال محمد : وبهذا ( 5 ) كله نأخذ ويوم الجمعة وغيره عندنا في وذلك سواء ( 6 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) هكذا رواه موقوفا ومثله لا يقال رأيا فحكمه الرفع وقد رفعه ابنه عبد الله أخرجه البخاري ومسلم ( أخرجه البخاري ضمن حديث في : 59 - كتاب بدء الخلق 11 - باب صفة إبليس وجنوده ومسلم في : 6 - كتاب صلاة المسافرين 51 - باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها حديث 290 )
( 2 ) قال ابن عباس : كنت أضرب الناس مع عمر على الركعتين بعد العصر
( 3 ) في نسخة بدله : على
( 4 ) قوله : عن تلك الصلاة أي : لأجل تلك الصلاة روى عبد الرزاق عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه الحديث وفيه : فقال عمر : لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما . وروى عن تميم الداري نحوه وفيه لكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصلى فيها ومراده نهى التحريم فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر فإنه للتنزيه قال الزرقاني
( 5 ) قوله : وبهذا كله نأخذ أي : بالمنع عن الصلاة وقت الطلوع والغروب والاستواء أي صلاة كان نفلا كان أو فرضا أو صلاة جنازة لأن الحديث لم يخص شيئا إلا عصر يومه ( وإلا جنازة حضرت في هذه الأوقات الثلاثة وأما بعد الفجر والعصر لا يجوز فيهما النوافل . انظر الكوكب الدري 1 / 213 - 214 ) فإنه يجوز عند الغروب . وقال مالك والشافعي وغيرهما من علماء الحجاز : معنى هذه الاحاديث النهي عن النافلة دون الفريضة واختلف عن مالك في الصلاة عند الاستواء فروى عنه ابن القاسم أنه قال : لا أكره الصلاة إذا استوت الشمس لا في يوم جمعة ولا في غيره قال ابن عبد البر : ما أدري هذا وهو يوجب العمل بمراسيل الثقات ورجال حديث الصنابحي ثقات وأحسبه مال إلى حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال فكانوا يصلون وقت استواء الشمس ويوم الجمعة وغيره سواء لأن الفرق لم يصح عنده في نظر ولا أثر . انتهى . وذكر ابن عبد البر أيضا أنه ممن رخص الصلاة وقت الاستواء الحسن البصري وطاووس وهو رواية عن الأوزاعي وقال الشافعي وأبو يوسف : لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وحجتهم حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة
( 6 ) قوله : سواء لأن الاحاديث مطلقة والعلة المستفادة منها وهي اقتران قرن الشيطان مع الشمس عامة والأحاديث المفيدة لجواز التنفل يوم الجمعة وقت الاستواء لا تساوي أحاديث النهي من حيث السند

53 - ( باب الصلاة في شدة الحر )

184 - أخبرنا مالك أخبرني عبد الله ( 1 ) بن يزيد مولى الأسود ( 2 ) بن سفيان ( 3 ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد ( 4 ) بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان الحر فأبردوا ( 5 ) عن الصلاة ( 6 ) فإن ( 7 ) شدة الحر من فيح ( 8 ) جهنم . وذكر ( 9 ) أن النار ( 10 ) اشتكت ( 11 ) إلى ربها عز و جل فإذن لها في كل بنفسين ( 12 ) : نفس ( 13 ) في الشتاء ونفس في الصيف ( 14 )
قال محمد : وبهذا نأخذ نبرد لصلاة الظهر في الصيف ونصلي في الشتاء حين تزول الشمس وهو قول أبي حنيفة ( 15 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) المخزومي المقبر وثقه أحمد ويحيى مات سنة 148 هـ . كذا في " الإسعاف "
( 2 ) القرشي المخزومي ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد زوج أم سلمة رضي الله عنها ذكره ابن عبد البر وقال : في صحبته نظر وأشار في " الإصابة " إلى ترجيح أنه صحابي
( 3 ) هو ابن عبد الأسد بن هلال
( 4 ) العامري المدني وثقه النسائي وابن سعد وقال أبو حاتم : لا يسأل عن مثله كذا في " الإسعاف "
( 5 ) قوله : فأبردوا قال في " النهاية " : الإبراد انكسار الوهج والحر وهو من الإبراد : الدخول في البرد
( 6 ) أي : عن صلاة الظهر وبه صرح في حديث أبي سعيد عند البخاري وغيره بلفظ : " أبردوا بالظهر " وحمله بعضهم على عمومه فقال به أشهب في العصر وأحمد في العشاء في الصيف . قوله : عن الصلاة قال عياض : معناه بالصلاة كما جاء في رواية . وعن تجيء بمعنى الباء وقد تكون زائدة أي : أبردوا الصلاة والأول جزم به النووي والثاني جزم به ابن العربي في " القبس " . وقال القاضي : اختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وبين حديث خباب : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حر الرمضاء فلم يشكنا فقال بعضهم : الإبراد رخصة والتقديم أفضل وقال بعضهم : حديث خباب منسوخ وقال بعضهم : الإبراد مستحب وحديث خباب محمول على أنهم طالبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد وهذا هو الصحيح . انتهى . ومن الغريب تفسير بعضهم " أبردوا " أي : صلوا لوقتها الأول ردا إلى حديث خباب نقله عياض عن حكاية الهروي وتفسير آخر : " فلم يشكنا " أي : لم يحوجنا ردا إلى حديث الإبراد نقله ابن عبد البر عن ثعلب كذا في " التنوير "
( 7 ) تعليل مشروعية الإبراد
( 8 ) قوله : من فيح جهنم أي : وهجها ويروى من فوح جهنم وقال صاحب " العين " وغيره الفيح سطوع الحر في شدة القيظ
وأما قوله : اشتكت النار ... . إلخ فإن أهل العلم اختلفوا في معناه فحمله جماعة منهم على الحقيقة وقالوا : أنطقها الله الذي أنطق كل شيء وحمله جماعة منهم على المجاز والقول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصواب كذا في " الاستذكار "
( 9 ) قوله : وذكر أي : النبي صلى الله عليه و سلم فهو بالإسناد المذكور ووهم من جلعه موقوفا على أبي هريرة أو معلقا وقد أفرده أحمد في مسنده ومسلم من طريق آخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر
( 10 ) وفي مسلم : قالت النار : يارب أكل بعضي بعضا فأذن لي التنفس فأذن لها بنفسين
( 11 ) قوله : اشتكت حقيقة بلسان الحال كما رجحه من فحول الرجال ابن عبد البر وعياض والقرطبي وابن المنير والتوربشتي ولا مانع منه سوى ما يخطر للواهم من الخيال قاله الزرقاني
( 12 ) تثنية نفس بالفتح
( 13 ) قوله : نفس في الشتاء ... إلخ لمسلم زيادة فما ترون من شدة البرد فذلك من زمهريرها وما ترون من ششدة الحر فهو من سمومها . قال عياض : قيل : معناه إذا تنفست في الصيف قوى لهبها حر الشمس وإذا تنفست في الشتاء دفع حرها شدة البرد إلى الأرض . وقال ابن التين : فإن قيل كيف يجمع بين البرد والحر في النار ؟ فالجواب أن جهنم فيها زوايا فيها نار وزوايا فيها زمهرير وقال مغلطائي : لقائل أن يقول الذي خلق الملك من ثلج ونار قادر على جمع الضدين في محل واحد كذا في " التنوير "
( 14 ) بفتح الفاء
( 15 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال مالك في رواية عنه وأحمد وزاد الإبراد في العشاء في الصيف وقال الليث والشافعي ومن تبعهم : أول الوقت أولى في جميع الصلوات كذا ذكره ابن عبد البر وحجتهم في ذلك حديث خباب شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حر الرمضاء فلم يشكنا أي لم يزل شكوانا أخرجه مسلم وابن المنذر والطحاوي وابن ماجه والنسائي وغيرهم . وفي الباب أحاديث دالة على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي الظهر بالهاجرة أخرجها الطحاوي وغيره
ولنا حديث الإبراد رواه جماعة من الصحابة فأخرجه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث عمرو بن عقبة والبخاري من حديث أبي سعيد وأحمد وابن ماجه والطحاوي من حديث المغيرة وابن خزيمة من حديث عائشة وروى البزار من حديث ابن عباس والبخاري من حديث أنس إبراد النبي صلى الله عليه و سلم فعلا . وروى الطحاوي عن ابن عمر أن عمر قال لأبي محذورة بمكة : أنت بأرض حارة شديدة الحر فأبرد
والكلام في هذا البحث طويل فمنهم من أمال حديث الإبراد إلى حديث خباب ومنهم من عكس وكل منهما ليس بذلك ومال الطحاوي إلى نسخ التعجيل لما رواه عن المغيرة : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر بالهجير ثم قال : إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة . والقدر المحقق أن الترغيب إلى الإبراد ثابت قولا ومؤيد فعلا وأثرا والتعجيل ليس كذلك ( قال ابن قدامة في " المغني " 1 / 389 : ولا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر والغيم خلافا قال الترمذي : وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحابه صلى الله عليه و سلم ومن بعدهم وأما في شدة الحر فكلام الخرقي يقتضي استحباب الإبراد على كل حال وهو ظاهر كلام أحمد وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال القاضي : إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط : شدة الحر وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات فأما من صلاها في بيته أو مسجد في فناء بيته فالأفضل تعجيلها وهذا مذهب الشافعي رحمه الله . انتهى مختصرا من أوجز المسالك 1 / 185 )

54 - ( باب الرجل ينسى الصلاة أو تفوته عن وقتها )

185 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب ( 1 ) عن سعيد بن المسيب : أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قفل ( 3 ) من خيبر ( 4 ) أسرى ( 5 ) حتى إذا كان من آخر الليل عرس ( 6 ) وقال ( 7 ) لبلال : اكلأ ( 8 ) لنا الصبح فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وكلأ ( 9 ) بلال ما قدر ( 10 ) له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل ( 11 ) الفجر فغلبته عيناه ( 12 ) فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم ( 13 ) الشمس ففزع ( 14 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا بلال ( 15 ) فقال بلال يا رسول الله أخذ ( 16 ) بنفسي ( 17 ) الذي أخذ بنفسك قال ( 18 ) : اقتادوا ( 19 ) فبعثوا رواحلهم فاقتادوها ( 20 ) شيئا ( 21 ) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فأقام الصلاة ( 22 ) فصلى ( 23 ) بهم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة : من نسي ( 24 ) صلاة فليصلها إذا ذكرها ( 25 ) فإن الله ( 26 ) عز و جل يقول : { أقم الصلاة لذكري }
قال محمد : وبهذا نأخذ إلا ( 27 ) أن يذكرها ( 28 ) في الساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الصلاة فيها : حين ( 29 ) تطلع الشمس حتى ترتفع وتبيض ونصف النهار حتى تزول حين تحمر الشمس حتى تغيب إلا عصر يومه ( 30 ) فإنه يصليها وإن احمرت الشمس قبل أن تغرب وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) هو الزهري
( 2 ) قوله : أن رسول الله ... إلخ هذا حديث مرسل تبين وصله فأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة
( 3 ) القفول الرجوع من السفر قوله : حين قفل من خير في مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر وفي أبي داود من حديث ابن مسعود : أقبل النبي صلى الله عليه و سلم من الحديبية ليلا فقال : من يكلؤنا ؟ فقال بلال : أنا . وفي " الموطأ " عن زيد بن أسلم أن ذلك كان بطريق تبوك وللبيهقي في " الدلائل " نحوه من حديث عقبة ووقع في رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء وتعقبه ابن عبد البر بأنها غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه و سلم وهو كما قال
وقد اختلف العلماء هل كان نومهم عن الصبح مرة أو أكثر ؟ فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة وتعقبه عياض بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين وهو كما قال فإن في قصة أبي قتادة فيها أن أبا بكر وعمر كانا معه وأيضا فإن قصة عمران فيها أن أول من استيقظ أبو بكر . ولم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أيقظه عمر بالتكبير وفي قصة أبي قتادة : أن أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا في " فتح الباري " 1 / 379 ، وإلى تعدد القصة جنح العيني أيضا . عمدة القاري 2 / 180 )
( 4 ) وكانت غزوة خيبر سنة ست
( 5 ) يقال : سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا
( 6 ) التعريس : النزول آخر الليل
( 7 ) قوله : وقال لبلال هو ابن رباح المؤذن وأمه حمامة مولى أبي بكر رضي الله عنه شهد بدرا والمشاهد كلها مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وقيل : عشرين وله بضع وستون سنة كذا في " الإصابة " وغيره
( 8 ) أي : ارقب لنا واحفظ علينا وقت الصبح وأصل الكلأ : الحفظ والمنع والرعاية
( 9 ) وفي مسلم : فصلى بلال ما قدر له
( 10 ) بالبناء للمفعول أي ما يسره الله له
( 11 ) أي : مواجهة الجهة التي يطلع منها
( 12 ) زاد مسلم : وهو مستند إلى راحلته
( 13 ) قال عياض : أي أصابهم شعاعها
( 14 ) قوله : ففزع قال النووي : أي انتبه وقام وقال الأصيلي : فزع لأجل عدوهم خوفا أن يكون تبعهم وقال ابن عبد البر : يحتمل أن يكون تأسفا على ما فاتهم من وقت الصلاة . وفيه دليل على ان ذلك لم يكن من عادته منذ بعث قال : ولا معنى لقول الأصيلي . لأنه صلى الله عليه و سلم لم يتبعه عدو في انصرافه من خيبر ولا من حنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازي بل انصرف من كلا الغزوتين غانما ظافرا كذا في " التنوير "
( 15 ) وفي رواية ابن إسحاق ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ وفي نسخة : ما هذا
( 16 ) قوله : أخذ بنفسي ... إلخ قال ابن عبد البر : معناه قبض نفسي الذي قبض نفسك فالباء زائدة أي توفاها متوفيا به نفسك قال : وهذا قول من جعل النفس والروح واحدا لأنه قال في الحديث الآخر : إن الله قبض أرواحنا فنص على أن المقبوض هو الروح ومن قال : النفس غير الروح تأول قوله أخذ بنفسي أي : النوم الذي أخذ بنفسك . قال النووي : فإن قيل : كيف نام صلى الله عليه و سلم مع قوله : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي فجوابه من وجهين : أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحزن والألم وغيرهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره وإنما يدرك ذلك العين والعين نائمة والثاني : أنه كان له حالان : أحدهما : ينام فيه القلب والثاني : لا ينام وهو غالب أحواله كذا في " التنوير "
( 17 ) قال ابن رشيق : إن الله استولى بقدرته علي كما استولى عليك مع منزلتك قال : ويحتمل أن يكون المراد أن النوم غلبني كما غلبك
( 18 ) قوله : قال : اقتادوا قال القرطبي أخذ بهذا بعض العلماء فقال : من انتبه عن نوم في فائتة في سفر فليتحول عن موضعه وإن كان واديا فليخرج عنه وقيل : هو خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم
( 19 ) قوله : اقتادوا أي ارتحلوا زاد مسلم : فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان قال ابن رشيق : قد علله بذلك ولا يعلمه إلا هو قال عياض : هذا أظهر الأقوال في تعليله
( 20 ) قوله : فقتادوها شيئا اختلفوا في معنى اقتيادهم وخروجهم من ذلك الوادي فقال أهل الحجاز تشاءم بالموضع الذي نابهم فيه ما نابهم فقال : هذا واد فيه شيطان وذكر وكيع عن جعفر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه و سلم نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس فقال لأصحابه : تزحزحوا عن المكان الذي أصابتكم فيه الغفلة . وأما أهل العراق فزعموا أن ذلك كان لأنه انتبه حين طلوع الشمس ومن السنة أن لا يصلي عند طلوعها ولا عند غروبها كذا في " الاستذكار "
( 21 ) للطبراني من حديث عمران حتى كانت الشمس في كبد السماء
( 22 ) قوله : فأقام الصلاة لأحمد فأمر بلالا فأذن ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى ركعتين قبل الصبح وهو غير عجل ثم أمره فأقام الصلاة وقال عياض : أكثر رواة " الموطأ " في هذا الحديث اكتفوا على " أقام " وبعضهم قال : " فأذن أو أقام بالشك "
( 23 ) قوله : فصلى بهم الصبح زاد الطبراني من حديث عمران : فقلنا يا رسول الله أنعيدها من الغد لوقتها ؟ فقال نهانا الله عن الربا ويقبله منا ؟
( 24 ) زاد في رواية القعنبي : أو نام عنها . قوله : من نسي ... إلخ فإن قيل : فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قيل : خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط المأثم عنهما فأبان سقوط المأثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر بها يقضيها كل واحد إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في النائم والناسي ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض وإذا كان النائم والناسي وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها فالمتعمد أولى بأن لا يسقط عنه فرض الصلاة وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال : ليس على المتعمد في ترك الصلاة في وقتها بأن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس كذا في " الاستذكار "
( 25 ) قوله : إذا ذكر لأبي يعلى والطبراني من حديث أبي جحيفة ثم قال : إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ ومن نسي عن صلاة فليصلها إذا ذكرها كذا في " التنوير "
( 26 ) قوله : فإن الله ... إلخ قال عياض : فيه تنبيه على ثبوت هذا الحكم وأخذه من الآية التي تضمنت الأمر لموسى وأنه مما يلزمنا اتباعه . وقال غيره : استشكل وجه الأخذ بأن معنى لذكري إما لتذكرني فيها وإما لأذكرك على اختلاف القولين وعلى كل فلا يعطى ذلك قال ابن جرير : ولو كان المراد حين تذكرها لكان التنزيل فيه لذكرها وأصح ما أجيب به أن الحديث فيه تغييرمن الراوي وإنما هو للذكرى بلام التعريف وألف القصر كما في " سنن أبي داود " وفي مسلم زيادة : وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى فبان منه أن استدلاله صلى الله عليه و سلم إنما كان بهذه القراءة فإن معناه للتذكر أي لوقت التذكر كذا في " التنوير "
( 27 ) قوله : إلا أن يذكرها في الساعة ... إلخ يعني أن ظاهر قوله صلى الله عليه و سلم وإن كان مفيدا لجواز أداء الصلاة لمن نام أو نسي عند ذكره ولو كان عند الطلوع والغروب والاستواء لكن أحاديث النهي عن الصلاة فيها وهي مطلقة قد خصصته بما عدا ذلك فلا يجوز أداء الفائتة في هذه الساعات لأحاديث النهي هذا هو مذهب أصحابنا وذهب مالك والشافعي وغيرهم غلى أن أحاديث النهي مختصة بالنوافل التي لا سبب لها والتفصيل في هذا المقام أن ظاهر أحاديث النهي يقتضي العموم وظاهر حديث : " فليصلها إذا ذكرها " يقتضي عموم جواز قضاء الفائتة ( في الأصل : " جواز الفائتة " والظاهر هو : " جواز قضاء الفائتة " ) . مع أحاديث " أدرك الصلاة " فجمع بينها جماعة بأن حملوا أحاديث النهي على النوافل وغيرها على غيرها فأجازوا أداء الوقتيات والفوائت في هذه الأوقات وأصحابنا لما رأوا أن علة النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة عامة جعلوها عامة في النوافل والفوائت وغيرها وخصوا الذكر بالذكر في غير هذه الأوقات وجوزوا أداء عصر يومه وقت الغروب بحديث : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " لكن يشكل عليهم ورود : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها " وأجابوا عنه بأنه قد تعارض هذا الحديث وحديث النهي فأسقطناهما ورجعناه إلى القياس وهو يقتضي جواز أداء عصر يومه عند الغروب لأنه صار مؤدى كما وجب وعدم جواز صبح يومه في وقت الطلوع لأن وجوبه كامل فلا يتأدى بالناقص وزيادة تحقيقه في كتب الأصول لكن لا مناص عن ورود أن التساقط إنما يتعين عند تعذر الجمع وهو ههنا ممكن بوجوه عديدة لا تخفى للمتأمل
( 28 ) قوله : أن يذكر قد أيده جماعة من أصحابنا منهم العيني وغيره بما ورد في حديث التعريس أنه صلى الله عليه و سلم ارتحل من ذلك الموضع وصلى بعد ذلك ولم يكن ذلك إلا لأنه كان وقت الطلوع وفيه نظر : أما أولا فلأنه قد ورد تعليل الاقتياد صريحا بأنه موضع غفلة وموضع حضور الشيطان فلا يعدل عنه وأما ثانيا : فلأنه ورد في رواية مالك وغيره حتى ضربتهم الشمس وفي بعض روايات البخاري : لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس وذلك لا يمكن إلا بعد الطلوع بزمان وبعد ذهاب وقت الكراهة
( 29 ) بيان لتلك الساعات
( 30 ) احتراز عن عصر أمس لأن وجوبه كامل فلا يتأدى بالناقص

186 - أخبرنا مالك أخبرني زيد ( 1 ) بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر ( 2 ) بن سعيد وعن الأعرج ( 3 ) يحدثونه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ( 4 ) . ومن أدركها من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها
_________
( 1 ) العدوي المدني
( 2 ) المدني العابد ثقة من التابعين كذا قال الزرقاني وغيره
( 3 ) عبد الرحمن بن هرمز المدني
( 4 ) أي : تمت صلاته وإن وقعت ركعة عند الطلوع وبعده

55 - ( باب الصلاة في الليلة الممطرة ( 1 ) وفضل الجماعة )
187 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه نادى ( 2 ) بالصلاة في سفر في ليلة ذات برد وريح ثم قال ( 3 ) : ألا صلوا في الرحال ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ( 4 ) يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ( 5 ) : ألا صلوا ( 6 ) في الرحال
قال محمد : هذا ( 7 ) حسن وهذا ( 8 ) ( 9 ) رخصة والصلاة في الجماعة أفضل
_________
( 1 ) من الإمطار
( 2 ) قوله : نادى وكان مسافرا فأذن بمحل يقال له ضجنان بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم ونونين بينهما ألف جبل بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا وقد أخرجه البخاري من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع قال : أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان كذا قال الزرقاني
( 3 ) قوله : ثم قال أي : بعد فراغ الأذان ألا : حرف تنبيه صلوا في الرحال أي : البيوت والمنازل قال الطيبي : أي : الدور والمساكن رحل الرجل منزله ومسكنه كذا في " مرقاة المفاتيح " . وقال الرافعي : ليس في الحديث بيان أنه متى ينادي المنادي بهذه الكلمة في خلال الأذان أم بعده لكن الشافعي عرف في سائر الروايات أنه لا بأس بإدخالها في الأذان فإنه قال في " الأم " أحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من الأذان وإن قاله في أذانه فلا بأس
( 4 ) وفي البخاري : كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على أثره : ألا صلوا في الرحال في الليلة المطيرة والباردة في السفر وفي صحيح أبي عوانة : في ليلة باردة أو ذات مطر أو ريح
( 5 ) قوله : يقول من الفقه الرخصة في التخلف عن الجماعة في الليلة المطيرة والريح الشديدة وفي معنى ذلك كل عذر مانع وأمر مؤذ والسفر والحضر في ذلك سواء واستدل قوم ( في الأصل : " قومه " والظاهر : " قوم " ) على أن الكلام في الأذان جائز بهذا الحديث إذا كان مما لا بد منه وذكروا حديث الثقفي أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة مطيرة يقول إذا قال : حي على الفلاح قال : ألا صلوا في الرحال
واختلف أهل العلم فيه فروى عن مالك جماعة من أصحابه كراهته وقال : لم أعلم أحدا يقتدى به تكلم في أذانه وكره رد السلام في الأذان وكذلك لا يشمت عاطسا فإن فعل شيئا من ذلك وتكلم في أذانه فقد أساء ويبني على أذانه وقول الشافعي وأبي حنيفة والثوري في ذلك نحو قول مالك ورخصت طائفة الكلام في الأذان منهم الحسن وعروة وعطاء وقتادة وإليه ذهب أحمد بن حنبل كذا في " الاستذكار "
( 6 ) أمر إباحة
( 7 ) قوله : هذا حسن أي : الإعلام بقوله : ألا صلوا في الرحال خارج الأذان وأما في الأذان فظاهر كلام أصحابنا المنع منه لكن قد ثبت ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه منهم ابن عباس كما رواه أبو داود والبخاري وغيرهما وقد خلط من استنبط منه جواز الكلام في الأذان لأن هذه الزيادة قد ثبتت في الأذان في محلها فصارت كأنها من الأذان كزيادة الصلاة خير من النوم
( 8 ) وفي نسخة : هي
( 9 ) قوله : وهذا أي : ترك الجماعة في البرد والريح ونحو ذلك رخصة ( هي من الأعذار المبيحة لترك الجماعة عند الجمهور أوجز المسالك 2 / 33 ) للترفيه منا من صاحب الشرع واختيار العزيمة أفضل لورود كثير من الأحاديث بالتشديد في ترك الجماعة والترغيب البالغ إليها

188 - أخبرنا مالك حدثنا أبو النضر ( 1 ) عن بسر ( 2 ) بن سعيد عن زيد ( 3 ) بن ثابت قال ( 4 ) : إن أفضل ( 5 ) صلاتكم في بيوتكم ( 6 ) إلا صلاة الجماعة
قال محمد : وبهذا نأخذ وكل حسن ( 7 )
_________
( 1 ) هو سالم بن أبي أمية تابعي ثقة ذكره الزرقاني
( 2 ) المدني
( 3 ) هو أحد كتاب الوحي من الراسخين في العلم
( 4 ) قوله : قال قال ابن عبد البر : كذا هو في جميع الموطآت موقوف على زيد وهو مرفوع عنه من وجوه صحاح قلت : أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من طرق عن سالم أبي النضر عن بسر عن زيد مرفوعا به فيه قصة هي سبب الحديث كذا في " التنوير "
( 5 ) لبعدها عن الرياء أو لتحصل البركة في البيوت فتنزل بها الرحمة ويخرج عنها الشيطان
( 6 ) قوله : في بيوتكم ظاهره يشمل كل نفل لكنه محمول على ما لا يشرع له التجميع كالتراويح والعيدين وما لا يخص المسجد كالتحية
( 7 ) كأنه يشير إلى أنه لا بأس بأداء النوافل في المسجد أيضا إلا أن الأحسن المأخوذ به هو هذا

189 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فضل ( 1 ) صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده بسبع ( 2 ) وعشرين درجة
_________
( 1 ) قوله : فضل صلاة الجماعة قال الشيخ سراج الدين البلقيني ظهر لي شيء لم أسبق إليه لأن لفظ ابن عمر صلاة الجماعة . ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة : صلاة الرجل في الجماعة وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة وأدنى الأعداد التي تتحقق فيها الجماعة ثلاثة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فتحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهي سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك . وقال السيوطي في " التنوير " : قد أخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن ابن عباس قال : فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحدة خمس وعشرون درجة فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد فقال رجل : وإن كانوا عشرة ألاف ؟ قال : نعم وإن كانوا أربعين ألفا وأخرج عن كعب قال : على عدد من في المسجد وهذا يدل على أن التضعيف المذكور مرتب على أقل عدد تحصل به الجماعة وأنه يزيد بزيادة المصلين
( 2 ) قوله : بسبع وعشرين درجة قال الترمذي : عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال : سبعا وعشرين . قال الحافظ ابن حجر : وعنه أيضا رواية " خمس وعشرين " عند أبي عوانة في " مستخرجه " وهي شاذة وإن كان راويها ثقة وأما غيره فصح عن أبي هريرة وأبي سعيد في " الصحيح " وعن ابن مسعود عن أحمد وابن خزيمة وعن أبي عند ابن ماجه والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني . واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال : أربع أو خمس على الشك وسوى رواية أبي هريرة لأحمد قال فيها : سبع وعشرون . قال : واختلف في أي العددين أرجح ؟ فقيل : رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل : رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ قال : ووقع الاختلاف أيضا في مميز العدد ففي رواية " درجة " وفي أخرى " جزء " وفي أخرى " ضعفا " والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة . قال : ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى . انتهى . وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير وبأنه أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بالزيادة وبالفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع وبإيقاعها في المسجد أو في غيره

56 - ( باب قصر الصلاة في السفر )

190 - أخبرنا مالك أخبرني صالح ( 1 ) بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرضت الصلاة ( 2 ) ركعتين ( 3 ) ركعتين ( 4 ) في السفر والحضر فزيد ( 5 ) في صلاة الحضر ( 6 ) وأقرت ( 7 ) صلاة السفر
_________
( 1 ) هو المدني مولى غفار وثقه أحمد وابن معين مات بعد سنة 140 هـ كذا في " الإسعاف "
( 2 ) وللتنيسي : فرض الله الصلاة حين فرضها
( 3 ) قوله : ركعتين ركعتين لم تختلف الآثار ولا اختلف أهل العلم بالأثر والخبر أن الصلاة إنما فرضت بمكة حين أسري بالنبي صلى الله عليه و سلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء ثم أتاه جبريل من الغد فصلى به الصلوات لأوقاتها إلا أنهم اختلفوا في هيئاتها حين فرضت فروي عن عائشة أنها فرضت ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا وبذلك قال الشعبي والحسن البصري في رواية ميمون وروى ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وقال نافع بن جبير بن مطعم - وكان أحد علماء قريش بالنسب وأيام العرب والفقه وهو راويه عن ابن عباس وهو روى عنه حديث إمامة جبريل - : إن الصلاة فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب والصبح وكذلك قال الحسن البصري في رواية وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم من حديث أنس بن مالك القشيري ما يدل على ذلك وهو قوله : إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة والوضع لا يكون إلا من تمام قبله وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال : فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين كذا في " الاستذكار "
( 4 ) زاد أحمد في " مسنده " : إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا
( 5 ) بعد الهجرة . ففي البخاري عنها : فرضت الصلاة ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم فرضت أربعا
( 6 ) قوله : صلاة الحضر لابن خزيمة وابن حبان : فلما قدم المدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار
( 7 ) قوله : وأقرت احتج بظاهر هذا الحنفية وموافقوهم على أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة وأجاب مخالفوهم بأنه غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره . قال الحافظ : وفيه نظر لأنه مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وعلى تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة كذا في " شرح الزرقاني "

191 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا خرج إلى خيبر ( 1 ) قصر الصلاة
_________
( 1 ) وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلا

192 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان إذا خرج حاجا ( 1 ) أو معتمرا قصر ( 2 ) الصلاة بذي الحليفة ( 3 )
_________
( 1 ) أي : قاصدا الحج والعمرة من المدينة إلى مكة
( 2 ) قوله : قصر الصلاة بذي الحليفة قال ابن عبد البر : كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان رسول الله ينزلها ولما علم أنه عليه السلام قصر العصر بذي الحليفة حين خرج إلى حجة الوداع فعل مثله
( 3 ) قوله : بذي الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام وإسكان الياء ميقات أهل المدينة وهو على نحو ستة أميال من المدينة وقيل : سبعة كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي

193 - أخبرنا مالك أخبرني ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله : أن ابن عمر خرج إلى ريم ( 1 ) فقصر الصلاة في مسيره ( 2 ) ذلك
_________
( 1 ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم قوله : إلى ريم قال مالك : وذلك نحو من أربعة برد من المدينة ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلا من المدينة ورواه ابن عقيل عن ابن شهاب قال : هي ثلاثون ميلا فيحتمل أن ريم موضع متسع فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوله كذا قال الزرقاني
( 2 ) أي : سيره ذلك القدر

194 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أنه كان يسافر ( 1 ) مع ابن عمر البريد ( 2 ) فلا يقصر الصلاة
قال محمد : إذا خرج المسافر أتم الصلاة ( 3 ) إلا أن يريد مسيرة ثلاثة أيام كوامل ( 4 ) بسير الإبل ومشي الأقدام فإذا أراد ذلك قصر الصلاة حين يخرج من مصره ويجعل البيوت ( 5 ) خلف ظهره وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قال الباجي : سمى الخروج إلى البريد ونحوه سفرا مجازا أو اتساعا
( 2 ) قوله البريد : هو كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل وأصلها بريدة دم أي : محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت وخففت ثم سمي الرسول الذي يركب البريد بريدا والمسافة التي بين السكنين بريدا والسكنة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط وكان يرتب في كل سكنة بغال وبعد ما بين السكنين فرسخان وقيل أربعة ومنه الحديث : " لا تقتصر الصلاة في أقل من أربعة برد " وهي ستة عشر فرسخا والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع كذا في " نهاية ابن الأثير "
( 3 ) قوله : أتم الصلاة إلا أن يريد ... إلخ اختلفوا فيه : فقالت طائفة من أهل الظاهر يقصر في كل سفر ولو في ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } وروى مسلم وأبو داود عن أنس : كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة . وهو أصح ما ورد في ذلك وأصرحه . وروى سعيد بن منصور عن أبي سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سافر فرسخا يقصر فيه الصلاة . وحمله أكثر العلماء على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا مسافة السفر وذهب مالك إلى أن أقل مدة السفر التي يقصر فيها أربعة برود وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة وهي ستة عشر فرسخا أي : ثمانية وأربعون ميلا والمستند لهم حديث : " يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برود " . أخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني . وسنده متكلم فيه لكنه مؤيد بفعل ابن عمر وابن عباس كما أخرجه مالك والبيهقي وغيرهما أنهما كانا يقصران في أربعة برود . وذهب أصحابنا إلى التقدير بثلاثة أيام أخذا من حديث الصحيحين : " لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي رحم محرم " ومن حديث يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها " وأخرج محمد في كتاب " الآثار " عن سعد بن عبيد الله الطائي عن علي بن ربيعة قال : سألت ابن عمر إلى كم تقصر الصلاة ؟ قال : تعرف السويداء ؟ قلت : لا ولكني قد سمعت بها قال : هي ثلاث ليال فواصل فإذا خرجنا إليها قصرنا الصلاة
ولما كان السير مختلفا باختلاف السائر والمركب اعتبروا السير الوسط وهو سير الأبل ومشي الأقدام ولم يعتبروا سرعة القطع وبطؤه بغير ذلك وتفصيله في كتب الفقه
( 4 ) جمع كامل
( 5 ) قوله : ويجعل البيوت خلف ظهره هذا وقت جواز القصر ( المسافر إذا فارق بيوت بلده قصر في الطريق عندنا كما في عامة متون الحنفية وفيه خلاف يسير في عبارات المشائخ راجع له عمدة القاري 3 / 545 ، وفي " المغني " 2 / 259 لابن قدامة : ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته ويخلفها وراء ظهره قال : وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور ) لما روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق أن عليا خرج من البصرة فصلى أربعا وقال : إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين وهو بيت من قصب

57 - ( باب المسافر يدخل المصر أو غيره متى يتم الصلاة )

195 - أخبرنا مالك حدثنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال : أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع ( 1 ) مكثا ( 2 ) وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة
_________
( 1 ) من أجمع على الأمر عزم وصمم
( 2 ) إقامة لأن حكم السفر لم ينقطع ( قال المجد : المكث ثلاثا ويحرك : اللبث يعني يقصر المسافر ما لم يعزم على اللبث قال ابن عبد البر : لا أعلم خلافا فيمن سافر سفرا يقصر الصلاة أنه لا يلزمه أن يتم الصلاة في سفره إلا أن ينوي الإقامة في مكان من سفره ويجمع نيته على ذلك قال الترمذي : أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون . 1 هـ . أوجز المسالك 3 / 107 )

196 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه : أن عمر كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ( 1 ) ثم قال ( 2 ) يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ( 3 )
_________
( 1 ) قال الباجي : كان عمر لا يستوطن مكة لأن المهاجري ممنوع من استيطانها
( 2 ) قوله : ثم قال ... إلخ قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " ) : امتثل عمر فعل الرسول صلى الله عليه و سلم قال عمران بن حصين : شهدت مع رسول الله الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد : صلوا أربعا فإنا قوم سفر . انتهى
وهذا رواه الترمذي وفي إسناده ضعيف كذا قال الزرقاني . وقال القاري بعد ذكر حديث عمران : لعل وجه قصره عليه السلام أنه كان على قصد سفر مع أن من جملة هذه المدة أيام منى وعرفة ويشترط أن يكون نية الإقامة في بلدة واحدة . انتهى . أقول : فيه خطأ واضح فإن حديث عمران في فتح مكة وأيام منى إنما تكون في موسم الحج وكذا يوم عرفة ولم يكن هناك حج
( 3 ) بفتح فسكون جمع مسافر كركب وراكب

197 - أخبرنا مالك أخبرني نافع عن ابن عمر : أنه كان يقيم بمكة عشرا فيقصر الصلاة ( 1 ) إلا أن يشهد ( 2 ) الصلاة مع الناس فيصلي بصلاتهم ( 3 )
_________
( 1 ) لأنه لم ينو الإقامة
( 2 ) أي : يحضر صلاة الجماعة مع المقيم
( 3 ) أي : صلاة تامة

198 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة أنه سأل سالم بن عبد الله عن المسافر إذا كان لا يدري متى يخرج ( 1 ) يقول : أخرج اليوم ( 2 ) بل أخرج غدا بل الساعة فكان كذلك حتى يأتي عليه ليال كثيرة أيقصر ( 3 ) أم ما يصنع ؟ قال : يقصر ( 4 ) وإن تمادى ( 5 ) به ذلك شهرا
قال محمد : نرى قصر الصلاة إذا دخل المسافر مصرا ( 6 ) من الأمصار وإن ( 7 ) عزم على المقام إلا أن يعزم على المقام خمسة عشرة يوما فصاعدا فإذا عزم على ذلك أتم الصلاة
_________
( 1 ) أي : من بلد هو فيه
( 2 ) أي : يقصد الخروج اليوم فلا يتم له ويقصد الغد أو الساعة فلا يتيسر له
( 3 ) بهمزة الاستفهام
( 4 ) قوله : يقصر وإن تمادى به ذلك شهرا لأن من هو على عزم السفر لم يجمع بالإقامة وإن وقعت له ذلك مدة والاعتبار للأعمال بالنيات فيباح له القصر ولذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم يقصر عام الفتح إذا أقام على حرب هوازن مع أنه أقام سبعة عشر يوما كما أخرجه أبو داود وابن حبان من حديث ابن عباس أو تسعة عشر يوما كما أخرجه أحمد والبخاري من حديثه أو ثمانية عشر يوما كما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث عمران وأخرج البيهقي عنه قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشر يوما لا يصلي إلاركعتين يقول : يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر أو عشرين يوما كما أخرجه عبد بن حميد في " مسنده " من حديث ابن عباس وقال البيهقي : أصح الروايات في ذلك رواية تسع عشرة يوما وجمع بين الروايات السابقة باحتمال أن يكون في بعضها لم يعد يومي الدخول والخروج وهو رواية سبعة عشر وعدها في بعضها وهي رواية تسع عشرة وعد يوم الدخول دون الخروج وهي رواية ثمانية عشرة . قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " : هو جمع متين : وبقي رواية خمسة عشر شاذة لمخالفتها ورواية عشرين وهو صحيحة الأسناد إلا أنها شاذة ورواية ثمانية عشر ليست بصحيحة من حيث الإسناد . انتهى . وقد وردت بذلك آثار كثيرة فأخرج عبد الرزاق أن ابن عمر أقام بآذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وروي عن الحسن : كنا مع الحسن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين وروي أن أنس بن مالك أقام بالشام شهرين مع عبد الملك بن مروان يصلي ركعتين وفي الباب آثار أخر ذكرها الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية "
( 5 ) أي : استمر ذلك ولو إلى مدة كثيرة
( 6 ) قوله : مصرا وإن كان وطنه الأصلي إذا كان هجره ولذا لما دخل النبي صلى الله عليه و سلم بمكة عام الفتح وعام حجة الوداع قصر فإن لم يهجر أتم بمجرد دخوله
( 7 ) الواو وصلية

199 - أخبرنا مالك أخبرنا عطاء ( 1 ) الخراساني قال : قال سعيد بن المسيب : من أجمع ( 2 ) على إقامة أربعة أيام فليتم الصلاة ( 3 )
قال محمد : ولسنا نأخذ بهذا يقصر المسافر حتى يجمع على أقامة خمسة عشر يوما وهو قول ابن عمر ( 4 ) وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عطاء الخراساني هو عطاء بن أبي مسلم ميسرة وقيل : عبد الله الخراساني أبو عثمان مولى المهلب بن أبي صفرة على الأشهر وقيل : مولى لهذيل أصله من مدينة بلخ من خراسان وسكن الشام ولد سنة خمسين وكان فاضلا عالما بالقرآن عالما وثقه ابن معين ومات سنة خمس وثلاثين ومائة أدخله البخاري في الضعفاء لنقل القاسم بن عاصم ابن المسيب أنه كذبه ورده ابن عبد البر بأن مثل القاسم لا يجرح بروايته مثل عطاء أحد العلماء الفضلاء كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) أي : عزم ونوى
( 3 ) قال مالك : ذلك أحب مما سمعت إلي وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود وجماعة
( 4 ) قوله : وهو قول ابن عمر ... إلخ أما أثر ابن عمر فأخرجه المصنف في كتاب " الآثار " ( ص 39 ) عن أبي حنيفة نا موسى بن مسلم عم مجاهد عنه أنه قال : إذا كنت مسافرا فرطنت على نفسك على إقامة خمسة عشر يوما فأتم الصلاة فإن كنت لا تدري فاقصر . وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع نا عمر بن ذر عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة . وأما أثر سعيد بن المسيب فهر ما روى عن إبراهيم عن داود عنه أنه قال : إذا أقام المسافر خمس عشرة أتم الصلاة وما كان دون ذلك فليقصر ذكره العيني وعارض به ما روي عنه من التحديد بأربعة أيام وذكر صاحب الهداية أنه المأثور عن ابن عباس قال الزيلعي والعيني : أخرجه الطحاوي عنه . وعن ابن عمر قال : إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقوم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة وإن كنت لا تدري فاقصرها
ومما يدل على فساد التحديد بأربعة أيام ما أخرجه الأئمة الستة عن أنس قال : خرجنا من المدينة إلى مكة مع النبي صلى الله عليه و سلم وكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قلت : كم أقمتم بها ؟ قال : أقمنا بها عشرا ولا يقال : لعلهم عزموا على السفر في اليوم الأول أو في الثاني أو الثالث وهكذا واستمر بهم ذلك عشرا لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع فتعين أنهم نووا الإقامة أكثر من أربعة أيام لأجل قضاء النسك

200 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه ( 1 ) كان يصلي مع الإمام ( 2 ) أربعا ( 3 ) وإذا صلى لنفسه صلى ركعتين ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ إذا كان الإمام مقيما والرجل ( 5 ) مسافرا وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) في نسخة : أنه إذا صلى كان يصلي مع الإمام بمنى يصلي أربعا
( 2 ) لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإن اعتقد المأموم أن القصر أفضل ولكن فضيلة الجماعة آكد
( 3 ) قوله : أربعا ( قال ابن عبد البر في " الاستذكار " : اختلفوا في المسافر يصلي وراء مقيم فقال مالك وأصحابه : إذا لم يدرك معه ركعة تامة صلى ركعتين فإذا أدرك معه ركعة بسجدتيها صلى أربعا وذكر الطحاوي أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا قالوا : يصلي صلاة المقيم وإن أدركه في التشهد وهو قول الثوري والشافعي : أوجز المسالك 3 / 112 ) هذا هو السنة المأثورة كما أخرجه أحمد عن موسى بن سلمة قال : كنا مع ابن عباس بمكة فقلت : إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا صلينا ركعتين فقال : تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم
( 4 ) لأنه مسافر
( 5 ) أي : المقتدي به

58 - ( باب القراءة في الصلاة في السفر )

201 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر كان يقرأ في الصبح بالعشر السور من أول المفصل ( 1 ) يرددهن ( 2 ) في كل ركعة سورة
قال محمد : يقرأ ( 3 ) في الفجر في السفر { والسماء ذات البروج } { والسماء والطارق } ونحوهما ( 4 )
_________
( 1 ) وهي من أول سورة الحجرات على الأشهر
( 2 ) أي : يكررها
( 3 ) قوله : يقرأ ... إلى أخره يشير إلى دفع ما يتوهم من أثر ابن عمر أن السنة في السفر كالسنة في الحضر من قراءة طوال المفصل وهو من { الحجرات } إلى { والسماء ذات البروج } وليس كذلك فإن للسفر أثرا في التخفيف فينتقل الوظيفه فيه من الطوال إلى الأوساط وقد أخرج ابن أبي شيبة عن سويد قال : خرجنا حجاجا مع عمر فصلى بنا الفجر ب { ألم تر كيف } و { لإيلاف } وعن ابن ميمون صلى بنا عمر الفجر في السفر فقرأ : { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } . وعن الأعمش عن أبراهيم : كان أصحاب رسول الله يقرؤون في السفر بالسور القصار
( 4 ) قوله : ونحوهما بل إن قرأ أقصر من ذلك جاز لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الصبح بالمعوذتين أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وأحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر

59 - ( باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر )

202 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ( 1 ) عجل ( 2 ) به السير جمع ( 3 ) بين المغرب والعشاء
_________
( 1 ) قوله : إذا عجل به السير أورد البخاري في الباب ثلاثة أحاديث : حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد به السير وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا وحديث أنس وهو مطلق واستعمل البخاري الترجمة المطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق فكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا كان سيره مجدا أم لا . وهذا مما وقع الاخلاف فيه فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقال قوم : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة والمزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأجابوا عما ورد من الأحاديث في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة وقيل : يختص الجمع بمن يجد في السير قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك وقيل : يختص بالسائر دون النازل وهو قول ابن حبيب وقيل : يختص بمن له عذر حكي ذلك عن الأوزاعي وقيل : يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم كذا في " فتح الباري "
( 2 ) بفتح العين وكسر الجيم أسرع وحضر ونسبة الفعل إلى السير مجاز تعلق به من اشترط في الجمع الجد في السير ورده ابن عبد البر بأنه إنما حكى الحال التي رأى ولم يقل لا يجمع إلا أن يجد به
( 3 ) قوله : جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير ففي " الصحيح " من رواية الزهري عن سالم عن أبيه : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينهما . وبينه مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بعد أن يغيب الشفق . ولعبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع : فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل . والبخاري في " الجهاد " من طريق أسلم عنه : حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء . ولأبي داود عن عبد الله بن دينار عنه فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم

203 - أخبرنا مالك حدثنا نافع : أن ابن عمر ( 1 ) حين جمع بين المغرب والعشاء في السفر سار حتى غاب الشفق
_________
( 1 ) قوله : إن ابن عمر حين جمع . . إلخ أخرج البخاري في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر : كنت مع ابن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة فأفادت هذه الرواية تعيين السفر وقت انتهاء السير والجمع

204 - أخبرنا مالك أخبرنا داود بن الحصين أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره ( 1 ) قال : كان رسول الله يجمع ( 2 ) بين الظهر والعصر في سفر ( 3 ) إلى تبوك
قال محمد : وبهذا نأخذ . والجمع ( 4 ) بين الصلاتين أن تؤخر الأولى منهما فتصلى في آخر وقتها وتعجل الثانية فتصلى في أول وقتها
وقد بلغنا ( 5 ) عن ابن عمر أنه صلى المغرب حين أخر الصلاة قبل أن تغيب الشفق ( 6 ) خلاف ما روى مالك
_________
( 1 ) قوله : أخبره قال ... إلخ قال ابن عبد البر : هكذا رواه أصحاب مالك مرسلا إلا أبا مصعب في غير الموطأ ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن خالد ومطرفا والحنيني وإسماعيل بن داود المخراقي فإنهم قالوا : عن مالك عن داود عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا
( 2 ) جمع تقديم إن ارتحل بعد زوال الشمس وجمع تأخير إن ارتحل قبل الزوال على ما روى أبو داود وغيره عن معاذ
( 3 ) أي : في سفره في غزوة تبوك وهو اسم موضع على وزن شكور وهي آخر غزواته وقعت سنة تسع
( 4 ) قوله : والجمع بين الصلاتين ... إلخ هذا هو الجمع الصوري الذي حمل عليه أصحابنا الأحاديث الواردة في الجمع وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في " شرح معاني الآثار " لكن لا أدري ماذا يفعل بالروايات التي وردت صريحا بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت وهي مروية في صحيح البخاري وسنن أبي داود وصحيح مسلم وغيرها من الكتب المعتمدة على ما لا يخفى على من نظر فيها فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التمييز لهم فظنوا قرب خروج الوقت خروج الوقت فهذا أمر بعيد عن الصحابة الناصين على ذلك وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الإسناد فهو أبعد وأبعد مع إخراج الأئمة لها وشهادتهم بتصحيحها وإ عورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت والتقديم في أول الوقت فهو أعجب كان الجمع بينها بحملها على اختلاف الأحوال ممكن بل هو الظاهر وبالجملة فالأمر مشكل فتأمل لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
( 5 ) قوله : وقد بلغنا ... إلخ لما ورد على تأويل الجمع الصوري بأنه وإن تيسر في حديث ابن عمر والأعرج بحسب الظاهر لكنه لا يتيسر في أثر ابن عمر . أجاب عنه بأنه قد بلغنا أنه جمع قبل غروب الشفق فيكون جمعه أيضا جمعا صوريا ولقائل أن يقول : ما أخرجه مالك سنده أصح الأسانيد لا اشتباه في طريقه فيجمع بينه وبين هذا البلاغ باختلاف الأحوال ولا يقدح ثبوت أحدهما في ثبوت الآخر
( 6 ) قوله : قبل أن تغيب الشفق أخرج الطحاوي عن أسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر جد به السير فراح روحة لم ينزل إلا للظهر والعصر وأخر المغرب حتى صرخ سالم : الصلاة فصمت ابن عمر حتى إذا كان عند غيبوبة الشفق نزل فجمع بينهما ففي هذا الحديث أن نزوله للمغرب كان قبل أن يغيب الشفق فاحتمل أن يكون قول نافع بعدما غاب الشفق إنما أراد به قربه من غيبوبة الشفق لئلا يتضاد ما روي في ذلك ثم أخرج عن العطاف بن خالد عن نافع : أقبلنا مع ابن عمر حتى إذا كان ببعض الطريق استصرخ على زوجته بنت عبيد فراح مسرعا حتى غابت الشمس فنودي بالصلاة فلم ينزل حتى إذا كاد الشفق أن يغيب نزل فصلى المغرب وغاب الشفق فصلى العشاء وقال : هكذا كنا نفعل مع رسول الله إذا جد بنا السير

205 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا جمع الأمراء ( 1 ) بين المغرب والعشاء ( 2 ) جمع معهم في المطر
قال : لسنا نأخذ بهذا لا نجمع ( 3 ) بين الصلاتين في وقت واحد إلا الظهر والعصر ( 4 ) بعرفة والمغرب والعشاء بمزدلفة وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
قال محمد : بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه كتب في الآفاق ( 5 ) ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر . أخبرنا بذلك الثقات ( 6 ) عن العلاء بن الحارث ( 7 ) عن مكحول ( 8 )
_________
( 1 ) جمع أمير قال القاري : وكانوا هم الأئمة في الصدر الأول
( 2 ) قال القاري : أي حذرا من فوات الجماعة
( 3 ) قوله : لا نجمع ... إلخ استدل له أصحابنا منهم الطحاوي بأحاديث منها قوله صلى الله عليه و سلم : " ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر حتى يدخل وقت صلاة الأخرى " . أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي قتادة في قصة ليلة التعريس ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها - أي : قبل وقتها المعتاد - ومنها حديث : " من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " أخرجه الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا . وفي طريقه حسين بن قيس الرحبي . قال أحمد : متروك الحديث . وقال ابن معين وأبو زرعة : ضعيف وقال البخاري : أحاديثه منكرة جدا ولا يكتب حديثه وقال الدارقطني : متروك وقال أحمد في ما نقله ابن الجوزي : كذاب وفيه أقوال أخر بسطها ابن حجر في " تهذيب التهذيب " وقال : حديثه من جمع بين صلاتين الحديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ولا أصل له وقد صح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الظهر والعصر . انتهى . ومنها ما أخرجه الحاكم عن أبي العالية عن عمر قال : جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر قال : وأبو العالية لم يسمع عن عمر ثم أسند عن أبي قتادة أن عمر كتب إلى عامل له : ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا من عذر والفرار من الزحف ... الحديث قال : وأبو قتادة أدرك عمر فإذا انضم هذا إلى الأول صار قويا . وأجاب المجوزون للجمع عن حديث ابن عباس وأثر عمر أنه على تقدير صحتهما لا يضرنا فإنهما يدلان على المنع من الجمع من غير عذر والعذر قد يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذلك ونحن نقول به إلا أن هذا لا يتمشى في ما ذكره محمد ههنا من أثر عمر فإنه ليس فيه التقييد بالعذر وقالوا أيضا : من عرض له عذر يجوز له الجمع إذا أراد ذلك وأما إذا لم يكن له ذلك ولم يرد الجمع بل ترك الصلاة عمدا إلى أن دخل وقت الأخرى فهو إثم بلا ريب وبه يجتمع الأخبار والآثار . والكلام في هذا المقام طويل ليس هذا موضعه والقدر المحقق هو ثبوت الجمع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حالة السفر ولعذر فليتدبر
( 4 ) لورود جمع التقديم بعرفة وجمع التأخير بمزدلفة بالأحاديث الصحيحة
( 5 ) أي : أطراف مملكته
( 6 ) أي : الرواة العدول
( 7 ) قوله : عن العلاء ابن العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي أبو وهب أو أبو محمد الدمشقي روى عن مكحول والزهري وعمرو بن شعيب وعنه الاوزاعي وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وغيرهما . قال ابن معين وابن المديني وأبو داود : ثقة وقال أبو حاتم : كان من خيار أصحاب مكحول وقال دحيم : كان مقدما على أصحاب مكحول ثقة مات سنة 136 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "
( 8 ) قوله : عن مكحول هو أبو عبد الله الهذلي الفقيه الدمشقي كثير الإرسال عن عبادة وأبي وعائشة وكبار الصحابة قال أبو حاتم : ما رأيت أفقه من مكحول وقد كثر الثناء عليه وتوثيقة من النقاد كما بسطه في " تهذيب التهذيب " و " تذكرة الحفاظ " مات سنة 113 هـ وقيل غير ذلك

60 - ( باب الصلاة على الدابة في السفر )

206 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار ( 1 ) قال : قال عبد الله بن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ( 2 ) على راحلته ( 3 ) في السفر حيثما توجهت به قال ( 4 ) ( 5 ) : وكان عبد الله بن عمر يصنع ذلك
_________
( 1 ) قال ابن عبد البر : كذا رواه جمعة رواة " الموطأ " ورواه يحيى بن مسلمة بن قعنب عن مالك عن نافع عن ابن عمر . قال : والصواب ما في " الموطأ "
( 2 ) قوله : يصلي على راحلته قال الحافظ : قد أخذ بهذه الأحاديث فقهاء الأمصار إلا أن أحمد ( وذكر الباجي الشافعي مع أحمد بن حنبل في استقبال القبلة عن ابتداء التكبير والظاهر أنه وهم لأن الحافظ أعلم بمذهبه لم يذكر الاستحباب إلا عن أحمد وفي " الاستذكار " : هذا الأمر مجمع عليه لاخلاف فيه بين العلماء كلهم أنهم يجيزون التطوع للمسافر على دابته حيث توجهت به للقبلة وغيرها إلا أن منهم جماعة يستحبون أن يفتتح المصلي صلاته مستقبل القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت به راحلته وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور . اهـ . وقال ابن عابدين من الحنفية : لا يشترط استقبال القبلة في الابتداء انظر أوجز المسالك 3 / 123 ) وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة وقد أوجبه الشافعية حيث سهل . والحجة لذلك حديث الجارود عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث توجهت ركابه أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني . انتهى . وحكى ابن بطال الإجماع على أنه لا يجوز أن تصلى المكتوبة على الدابة ما عدا ماذكر في صلاة شدة الخوف واعلم أن الجمهور ذهبوا إلى جواز التنفل على الدابة في السفر الطويل والقصير أخذا بإطلاق الأحاديث في ذلك وخصه مالك بالسفر الطويل قال الطبري : لا أعلم أحدا وافقه على ذلك قال الحافظ : ولم يتفق على ذلك عنه . وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه و سلم ولم ينقل عنه أنه سافر سفرا قصيرا فصنع ذلك وقد ذهب أبو يوسف ومن وافقه في التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا وقال به من الشافعية الإصطخري كذا في " ضياء الساري بشرح صحيح البخاري "
( 3 ) ناقته التي تصلح لأن ترتحل
( 4 ) أي : ابن دينار
( 5 ) قوله : قال عقب الموقوف بالمرفوع مع أن الحجة قائمة بالمرفوع لبيان أن العمل استمر على ذلك كذا قال الزرقاني

207 - أخبرنا مالك أخبرني أبو بكر بن عمر ( 1 ) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر أن سعيدا ( 2 ) أخبره : أنه كان مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في سفر فكنت أسير معه وأتحدث معه حتى إذا خشيت أن يطلع الفجر تخلفت ( 3 ) فنزلت ( 4 ) فأوترت ( 5 ) ثم ركبت فلحقته ( 6 ) قال ابن عمر : أين كنت ؟ فقلت : يا أبا عبد الرحمن ( 7 ) نزلت فأوترت وخشيت ( 8 ) أن أصبح فقال : أليس ( 9 ) لك في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة ( 10 ) حسنة ؟ فقلت : بلى ( 11 ) والله قال : فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوتر ( 12 ) على البعير
_________
( 1 ) قوله : أبو بكر بن عمر بضم العين عند جميع رواة " الموطأ " ومنهم يحيى على الصواب وفتح العين وزيادة واو وهم قاله ابن عبد البر وقال : هو أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يوقف له على اسم القرشي العدوي المدني من الثقات ليس له في " الموطأ " ولا في الصحيحن سوى هذا الحديث الواحد كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : أن سعيدا بفتح السين ابن يسار بتحتية مخففة السين التابعي الثقة المدني مات سنة 117 هـ وقيل : قبله بسنة روى له الجماعة كذا في " شرح الزرقني "
( 3 ) أي : بقيت خلفه وتركت معيته
( 4 ) عن مركوبي
( 5 ) أي : صليت الوتر على الأرض
( 6 ) أي : أدركته
( 7 ) هو كنية لابن عمر
( 8 ) أي : خفت طلوع الفجر فيفوت الوتر
( 9 ) استفهام تحقيق
( 10 ) بكسر الهمزة وضمها : قدوة
( 11 ) فيه الحلف على الأمر الذي يراد تأكيده
( 12 ) قوله كان يوتر على البعير ( زاد في النسخة المطبوعة لموطأ الإمام مالك برواية محمد - بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف - حديث : أخبرنا مالك أخبرني عمرو بن يحيى عن سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر . قلت : قال الدارقطني وغيره : هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني إنما المعروف في صلاته صلى الله عليه و سلم على راحلته أو على البعير انظر صحيح مسلم 2 / 352 ) استدل به الشافعي ومالك وأبو يوسف وغيرهم على أن الوتر سنة وليس بواجب وإلا لم يجز على الدابة من غير عذر واحتجوا لأبي حنيفة في وجوب الوتر بأحاديث منها حديث : " إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر " أخرجه الترمذي وأبو داود والطبراني وأحمد والدارقطني وابن عدي من حديث خارجة بن زيد وإسحاق بن راهويه والطبراني من حديث عمرو بن العاص والطبراني من حديث ابن عباس والحاكم من حديث أبي بصرة الغفاري والدارقطني في " غرائب مالك " من حديث ابن عمر والطبراني في " مسند الشاميين " من حديث أبي سعيد الخدري بطرق يتقوى بعضها ببعض عل ما بسطه الزيلعي وغيره قالوا : من المعلوم أن المزيد يكون من جنس المزيد عليه فيكون الوتر كالمكتوبة التي فرضها الله تعالى لكن لما كان ثبوته بأخبار آحاد قلنا بوجوبه دون افتراضه ومنها ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي أيوب مرفوعا : " الوتر حق واجب على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر " . ورواه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم وقال : على شرطهما ومنها ما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه مرفوعا : " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " ومنها حديث : " أوتروا قبل أن تصبحوا " أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد ومنها ما أخرجه عبد الله بن أحمد عن أبيه بسنده أن معاذ بن جبل قدم الشام فوجد أهل الشام لا يوترون فقال لمعاوية : ما لي أرى أهل الشام لا يوترون ؟ فقال معاوية : وواجب ذلك عليهم ؟ فقال : نعم سمعت رسول الله يقول : زادني ربي صلاة وهي الوتر ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر

208 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد ( 1 ) قال : رأيت أنس ابن مالك في سفر يصلي ( 2 ) على حماره وهو متوجه الى غير القبلة يركع ويسجد إيماء برأسه من غير أن يضع وجهه على شيء ( 3 )
_________
( 1 ) الأنصاري
( 2 ) التطوع
( 3 ) زاد البخاري ومسلم عن ابن سيرين عن أنس : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعله لم أفعله

209 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يصل ( 1 ) مع صلاة الفريضة في السفر التطوع ( 2 ) قبلها ( 3 ) ولا بعدها إلامن جوف الليل ( 4 ) فانه كان يصلي نازلا على الأرض ( 5 ) وعلى بعيره أينما توجه به
قال محمد : لابأس أن يصلي المسافر على دابته تطوعا إيماء حيث كان وجهه ( 6 ) يجعل السجود ( 7 ) أخفض من الركوع فأما الوتر والمكتوبة فإنهما تصليان ( 8 ) على الأرض وبذلك جاءت الآثار
_________
( 1 ) قوله : لم يصلي ... إلخ اتفق العلماء على جواز النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليلهم الأحاديث العامة المطلقة في ندب الرواتب وحديث صلاته صلى الله عليه و سلم الضحى يوم فتح مكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة ولعل النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فإن النافل في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها . وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فهي خيرة المكلف فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير : إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها ولاشيء عليه كذا في " شرح صحيح مسلم " للنووي ( انظر المغني 2 / 141 ، وعمدة القاري 3 / 560 ، وفتح الباري 2 / 141 ) - رحمه الله تعالى -
( 2 ) أي : النوافل السنن وغيرها
( 3 ) قوله قبلها ولا بعدها وفي " صحيح مسلم " عن حفص بن عاصم : صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه فكانت منه التفاتة فرأى ناس قياما فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ قلت : يسبحون قال : لو كنت مسبحا لأتممت صلاتي صحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان كذلك ثم قرأ ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ( سورة الممتحنة : رقم الآية 6 ) . وأخرج البخاري عنه المرفوع فقط وجاءت آثار عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان ربما كان تنفل في السفر قال البراء : سافرت مع رسول الله ثمان عشرة سفرة فما رأيته يترك الركعتين قبل الظهر . رواه أبو داود والترمزي والمشهور عن جميع السلف جوازه ( قال النووي : اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها ابن عمر وآخرون واستحبهما الشافعي والجمهور انتهى
والمختار عند الحنفية أن يأتي المسافر بالسنن إن كان في حال أمن واستقرار وإلا إن كان في خوف وقرار أي : سير لا يأتي به انظر أوجز المسالك 3 / 115 ) وبه قال الإئمة الإربعة كذا قال الزرقاني . ( 4 ) قوله : الإ من جوف الليل اختلفوا في النافلة في السفر على ثلاثة أقوال أحدها : المنع مطلقا والثاني : الجواز مطلقا والثالث الفرق بين الرواتب فلا تصلى وبين النوافل المطلقة فتؤدى وهو مذهب ابن عمر كذا ذكره النووي وغيره وذكر الحافظ ابن حجر قولا رابعا : وهو الفرق بين الليل والنهار وعليه يدل ظاهر هذا الأثر الذي أخرجه محمد وقولا خامسا : وهو ترك الرواتب التي قبل المكتوبة وأداء ما بعدها وغيرها من النوافل المطلقة كالتهجد والضحى وغير ذلك
( 5 ) حيث كان يعرس
( 6 ) قوله : حيث كان وجهه لقوله تعالى : ( أينما تولوا فثم وجه الله ) ( سورة البقرة : رقم الإية 115 ) . قال ابن عمر : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ثم قرأ ابن عمر هذة الإية وقال : في هذا أنزلت أخرجه مسلم وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والترمزي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححه عنه قال : أنزلت ( أينما تولوا فثم وجه الله ) أن تصلي أينما توجهت بك ( في الإصل : " به " وهو خطأ . انظر مستدرك الحاكم 2 / 266 ) راحلتك في التطوع
( 7 ) أي : إيماءه
( 8 ) بصيغة المجهول

210 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حصين ( 1 ) قال : كان عبد الله بن عمر يصلي التطوع على راحلته أينما توجهت ( 2 ) به فإذا كانت ( 3 ) الفريضة أو الوتر نزل ( 4 ) فصلى
_________
( 1 ) بالتصغير
( 2 ) أي : إلى أي جهة توجهت به
( 3 ) قوله : فإذا كانت الفريضة أو الوتر . . إلخ قد اختلف عن ابن عمر فحكى مجاهد وحصين وغيرهما كما أخرجه المصنف أنه كان ينزل للوتر وكذا حكاه سعيد بن جبير أخرجه أحمد بإسناد صحيح . وحكى سعيد بن يسار أنه زجره عن نزوله على الأرض كما أخرجه مالك . فأخذ أصحابنا بالآثار الواردة في نزوله للوتر وشيدوه بالأحاديث المرفوعة في نزوله صلى الله عليه و سلم للوتر وقال المجوزون لأدائه على الدابة : إنه لا تعارض ههنا إذ يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم فعل الأمرين فأحيانا أدى الوتر على الدابة وأحيانا على الإرض فاقتدى بن ابن عمر فتارة فعل كما رواه مجاهد وحصين وتارة بخلافه . ويؤيده ما أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الإثار " عن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن نافع قال : كان ابن عمر يوتر على الراحلة وربما نزل فأوتر على الأرض وذكر الطحاوي بعد ما أخرج آثار الطرفين : الوجه في ذلك عندنا أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوتر على الراحلة قبل أن يحكم بالوتر ويغلظ أمره ثم أحكم بعد ولم يرخص في تركه . ثم أخرج حديث : " إن الله أمركم بصلاة هي خير من حمر النعم ما بين صلاة العشاء إلى الفجر الوتر الوتر " من حديث خارجة وأبي بصرة ثم قال : فيجوز أن يكون ما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من وتره على الراحلة كان منه قبل تأكيده إياه ثم نسخ ذلك ( " شرح معاني الآثار " باب الوتر على الراحلة 1 / 249 ، وأجاب ابن الهمام عن حديث الباب بأنه واقعة حال لا عموم لها فيجوز كون ذلك لعذر والإتفاق على أن الفرض يصلى على الدابة لعذر الطين والمطر ونحوه . شرح فتح القدير 1 / 371 ) . انتهى . وفيه نظر لا يخفى إذ لا سبيل إلى إثبات النسخ بالإحتمال ما لم يعلم ذلك بنص وارد في ذلك
( 4 ) على الأرض

211 - قال محمد : أخبرنا عمر ( 1 ) بن ذر الهمداني عن مجاهد : أن ابن عمر كان لا يزيد على المكتوبة في السفر على الركعتين لا يصلي قبلها ولا بعدها ويحيي ( 2 ) الليل على ظهر البعير أينما كان وجهه وينزل قبيل الفجر ( 3 ) فيوتر بالأرض فإذا أقام ليلة في منزل أحيى الليل ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : عمر بضم العين ابن ذر بفتح الذال المعجمة ونشديد الراء المهملة كذا ضبطه الفتني في " المغني " لا بكسر الذال المعجمة كما ذكره القاري ابن عبد الله بن زرارة بضم الزاء المعجمة الهمداني نسبة إلى همدان - بالفتح - قبيلة نزلت بالكوفة قال السمعاني : من أهل الكوفة يروي عن عطاء ومجاهد روى عنه وكيع وأهل العراق مات سنة 150 هـ قال ابن حبان : كان مرجئا . انتهى . وفي " التقريب " : عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني بالسكون المرهبي الكوفي أبو ذر ثقة رمي بالإرجاء
( 2 ) إحياء الليل : السهر فيه
( 3 ) لئلا يذهب وقت الوتر فيفوت
( 4 ) قوله : أحيى الليل ظاهر هذا الأثر أنه كان لا ينام الليل بل يحيي كله بالصلاة أو التلاوة أو الذكر أو غير ذلك وهو أمر مشهور عنه من طرق أخر أخرجها أبو نعيم في " حلية الأولياء " وغيره . وفيه رد على زعم أن إحياء الليل كله بدعة لأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد حققت الأمر في هذا البحث في رسالتي " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة "

212 - قال محمد أخبرنا محمد بن أبان ( 1 ) بن صالح عن حماد ( 2 ) بن أبي سليمان عن مجاهد قال : صحبت عبد الله بن عمر من مكة إلى المدينة فكان يصلي الصلاة كلها على بعيره نحو المدينة ( 3 ) ويومئ برأسه إيماء ويجعل ( 4 ) السجود أخفض من الركوع إلا المكتوبة والوتر فإنه كان ينزل ( 5 ) لهما فسألته عن ذلك فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله ( 6 ) حيث كان وجهه يومئ برأسه ويجعل ( 7 ) السجود أخفض من الركوع
_________
( 1 ) بفتح الألف والباء
( 2 ) في أربع نسخ : عن حماد عن أبي سليمان وهو غلظ والصحيح حماد بن أبي سليمان كما في كثير من النسخ الصحيحة
( 3 ) فوجهه كان على جهة مقابلة للكعبة
( 4 ) ليحصل ( في الأصل : " يحصل " ) التمييز بينهما
( 5 ) إلى الأرض
( 6 ) أي : يصلي على الدابة سوى المكتوبة والوتر
( 7 ) قوله : يجعل السجود أخفض ... إلخ هذا المرفوع يرد على ابن دقيق العيد في قوله : الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا والفقهاء قالوا : يكون السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه ( انظر فتح الباري 2 / 574 ) . انتهى . نقله الحافظ عن ابن حجر تحت ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن دينار قال : كان عبد الله بن عمر يصلي في السفر على راحلته أينما توجهت به يومئ . فظاهر قوله : والفقهاء إلى آخره يدل على أنه لم يجد نصا في ذلك مرفوعا ونص آخر وهو ما أخرجه الترمزي ( في باب الصلاة على الدابة حيثما توجهت 1 / 182 ) عن جابر وقال : حسن صحيح بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع

213 - قال محمد : أخبرنا اسماعيل بن عياش ( 1 ) حدثني هشام بن عروة عن أبيه ( 2 ) أنه كان يصلي على ظهر راحلته حيث توجهت ولا يضع ( 3 ) جبهته ولكن يشير للركوع والسجود برأسه فإذا نزل أوتر
_________
( 1 ) بتشديد الياء التحتية
( 2 ) هو عروة بن الزبير بن العوام
( 3 ) أي : على الراحلة

214 - قال محمد : أخبرنا خالد ( 1 ) بن عبد الله عن المغيرة ( 2 ) الضبي عن ابراهيم النخعي : أن ابن عمر كان يصلي على راحلته حيث كان وجهه تطوعا يومئ إيماء ويقرأ ( 3 ) السجدة فيومئ وينزل للمكتوبة والوتر
_________
( 1 ) قوله : خالد الظاهر أنه خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان أبو الهيثم الواسطي روى عن اسماعيل بن أبي خالد وحميد الطويل وسليمان التيمي وأبي اسحاق الشيباني وغيرهم وعنه وكيع وابن مهدي ويحيى القطان وغيرهم وثقه ابن سعد وأبو زرعة والنسائي وأبو حاتم والترمزي مات سنة 179 هـ كذا في " تهذيب الكمال " للمزي
( 2 ) قوله : المغيرة هو المغيرة بضم الميم وكسر الغين ابن مقسم - بكسر الميم - الضبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء نسبته إلى ضبة قبيلة مولاهم أبي هشام الكوفي الأعمى ثقة متقن إلا أنه كان يدلس روى عن النخعي والشعبي وأبي وائل وعنه جرير وشعبة وزائدة وغيرهم مات سنة 136 هـ على الصحيح كذا في " الكاشف " و " التقريب "
( 3 ) أي : يقرأ آية السجدة في الصلاة فيومئ بسجدة التلاوة

215 - قال محمد : أخبرنا الفضل ( 1 ) بن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال : كان أينما توجهت به راحلته صلى والتطوع فإذا أراد أن يوتر نزل ( 2 ) فأوتر
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا الفضل بن غزوان هكذا وجدنا في عدة نسخ صحيحة والذي في " تهذيب التهذيب " و " التقريب " و " الكاشف " الفضيل مصغرا ابن غزوان - بفتح الغين المعجمة وسكون الزاء المعجمة - ابن جرير الضبي مولاهم أبو الفضل الكوفي روى عن سالم ونافع وعكرمة وغيرهم وعنه ابنه محمد والثوري وابن المبارك ووكيع وغيرهم . ذكره ابن حبان في " الثقات " ووثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وغيرهم قتل بعد سنة 140 هـ
( 2 ) أي : من دابته

61 - ( باب الرجل يصلي فيذكر أن عليه صلاة فائتة )

216 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر أنه كان ( 1 ) يقول : من نسي صلاة من صلاته فلم يذكر ( 2 ) إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل ( 3 ) صلاته التي نسي ثم ليصل بعدها الصلاة ( 4 ) الأخرى
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 5 ) الإ في خصلة واحدة : إذا ذكرها وهو في صلاة في آخر وقتها يخاف أن بدأ بالإولى ( 6 ) أن يخرج وقت هذه الثانية ( 7 ) قبل أن يصليها فليبدأ ( 8 ) بهذه الثانية حتى يفرغ منها ثم يصلي الأولى بعد ذلك وهو قول أبي حنيفة وسعيد بن المسيب
_________
( 1 ) قوله : أنه كان يقول ... إلخ قال الزيلعي في " نصب الراية " : أخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ومن نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فسلم من صلاته فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد التي صلى مع الإمام " . قال الدارقطني : رفعه الترجماني ووهم في رفعه وزاد في كتاب " العلل " : والصحيح من قول ابن عمر هكذا رواه عبيد الله ومالك عن ابن عمر . انتهى . وقال البيهقي : قد اسنده أبو إبراهيم الترجماني . وروى يحيى ابن أيوب عن سعيد بن عبد الرحمن فوقفه وهو الصحيح . أما حديث مالك فهو في " الموطأ " وأما حديث يحيى بن أيوب فهو في " سنن الدارقطني " عنه نا سعيد بن عبد الرحمن موقوفا ورواه النسائي عن الترجماني مرفوعا وقال : رفعه غير محفوظ وأخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت يحيى بن معين عن الترجماني . فقال : لا بأس به . انتهى . وكذا قال أبو داود وأحمد : ليس به بأس ونقل ابن أبي حاتم في " علله " عن أبي زرعة أنه قال : رفعه خطأ والصحيح وقفه وقال عبد الحق : في " أحكامه " : رفعه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وقد وثقه النسائي وابن معين ( انظر " تهذيب التهذيب " 11 / 188 ) : وذكر شيخنا الذهبي في " ميزانه " عن جماعة توثيقه وقال ابن عدي في " الكامل " : لا أعلم عن عبيد الله رفعه غير سعيد بن عبد الرحمن وقد وثقه ابن معين وأرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة لكنه يهم فيرفع موقوفا ويرسل مسندا لاعن تعمد . انتهى . فقد اضطرب كلامهم ( قلت : لا يعتد بهذا الكلام ) فيه فمنهم من ينسب الوهم في رفعه لسعيد ومنهم من ينسبه للترجماني الراوي عن سعيد . وروى أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " من طريق ابن لهيعة عن حبيب وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب ونسي العصر فقال لأصحابه : هل رأيتموني صليت العصر ؟ قالوا : لا يا رسول الله ما صليتها . فأمر المؤذن فأذن ثم أقام فصلى العصر ونقض الأولى ثم صلى المغرب . وأعله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في " الإمام " بابن لهيعة فقط واستدل على وجوب الترتيب في الفائتة بحديث جابر أن عمر بن الخطاب يوم الخندق جعل يسب كفار قريش وقال : يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال رسول الله : فوالله ما صليتها : فنزلنا إلى بطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وتوضأنا فصلى العصر بعد ما غربت الشمس وصلى بعدها المغرب أخرجه البخاري ومسلم
( 2 ) أي : فلا يقطع فحذف جواب الشرط
( 3 ) وبه قال الأئمة الثلاثة فقال الشافعي : يعتد بصلاته مع الإمام ويقضي الذي ذكر كذا ذكره الزرقاني
( 4 ) التي صلاها مع الإمام
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ وهو قول النخعي والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري والليث وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد واسحاق وهو قول عبد الله بن عمر . وقال طاووس : الترتيب غير واجب . وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن القاسم وسحنون وهو مذهب الظاهرية . ومذهب مالك وجوب الترتيب لكن لا يسقط بالنسيان ولا بضيق الوقت ولا بكثرة الفوائت . كذا في " شرح الإرشاد " وفي " شرح المجمع الصحيح " : المعتمد عليه من مذهب مالك ( قال ابن العربي : قال الإمام مالك وأبو حنيفة : ومعنى قول أحمد واسحاق أن الترتيب فيهما واجب مع الذكر ساقط مع النسيان ما لم يتكرر فيكثر وقال الشافعي وأبو ثور : لا ترتيب فيها فإن ذكرها وهو في صلاة حاضرة فلا يخلو أن يكون وحده أو وراء إمام فإن كان وحده بطلت وصلى الفائتة وأعاد التي كان فيها وإن كان وراء إمام أتم معه ثم صلى التي نسي ثم أعاد التي صلى مع الإمام هذا هو مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد واسحاق وقال الشافعي : التي نسي خاصة . 1 هـ
قلت : الترتيب واجب عند الإمام أحمد كما قاله ابن قدامة في المغني 1 / 645 ، ولا يسقط عنده بالكثرة أيضا خلافا للحنفية والمالكية إذ قالوا بسقوطه بالكثرة . هامش الكوكب الدري 1 / 208 ) سقوط الترتيب بالنسيان كما نطقت به كتب مذهبه . وعند أحمد لو تذكر الثانية في الوقتية يتمها ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الوقتية وذكر بعض أصحابه أنها تكون نافلة وهذا يفيد وجوب الترتيب . واستدل صاحب " الهداية " وغيره لمذهبنا بما رواه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من نسي صلاة فلم يدركها إلا وهو مع الإمام فليتم صلاته فإذا فرغ فليعد الذي نسي ثم ليعد التي صلاها مع الإمام " . واستدل من يرى وجوب الترتيب ايضا بقوله عليه السلام : " لا صلاة لمن عليه صلاة " قال أبو بكر : هو باطل . وتأوله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة وقال ابن الجوزي : هذا نسمعه على ألسنة الناس وما عرفنا له أصلا كذا في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " للعيني - رحمه الله - ولابن الهمام في " فتح القدير " في هذا البحث تحقيقات نفيسة ملخصها ترجيح قول الشافعي وكون ما ذهب إليه أصحابنا وغيرهم من اشتراط أداء القضاء قبل الأداء لصحة الأداء عند سعة الوقت والتذكر مستلزما لإثبات شرط المقطوع به بظني المستلزم للزيادة بخبر الواحد على القاطع وهو خلاف ما تقرر في أصولهم . وقال ابن نجيم المصري صاحب " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " وغيره في كتابه " فتح الغفار بشرح المنار " : قول أصحابنا بأن الترتيب واجب يفوت الجواز بفوته مشكل جدا ولا دليل عليه وتمامه في " فتح القدير "
( 6 ) أي : بالفائتة
( 7 ) أي : الوقتية
( 8 ) لأن من ابتلي ببليتين يختار أهونهما

62 - ( باب الرجل يصلي ( 1 ) المكتوبة في بيته ثم يدرك الصلاة ( 2 ) )
217 - أخبرنا مالك حدثنا زيد ( 3 ) بن أسلم عن رجل من بني الديل ( 3 ) يقال له بسر ( 5 ) بن محجن عن أبيه ( 6 ) ( 7 ) : أنه ( 8 ) كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأذن ( 9 ) بالصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي والرجل ( 10 ) في مجلسه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما منعك أن تصلي مع الناس ( 11 ) ؟ ألست ( 12 ) رجلا مسلما ؟ قال : بلى ولكني قد كنت ( 13 ) صليت في أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا جئت ( 14 ) فصل مع الناس وإن ( 15 ) كنت قد صليت
_________
( 1 ) أي : منفردا ( في نسخة مفردا )
( 2 ) أي : في الجماعة
( 3 ) العدوي مولاهم المدني
( 4 ) قوله : الديل بكسر الدال وسكون الياء عند الكسائي وأبي عبيد ومحمد بن حبيب وغيرهم وقال الأصمعي وسيبويه والأخفش وغيرهم : الدئل بضم الدال وكسر الهمزة وهو ابن بكر بن عبد مناف بن كنان كذا قال الزرقاني
( 5 ) تابعي صدوق كذا في " التقريب "
( 6 ) قوله : عن أبيه محجن الديلي من بني الدئل بن بكر بن عبد مناف معدود في أهل المدينة روى عنه ابنه بسر بن محجن ويقال : بشر بن محجن . وقال أبو نعيم : الصواب بسر . وذكر الطحاوي عن أبي داود البرنسي عن أحمد بن صالح المصري قال : سألت جماعة من ولده من رهطه فما اختلف علي منهم اثنان أنه بشر ( في بعض النسخ : " بسر " وهو تحريف . انظر تهذيب التهذيب 1 / 489 ) كما قال الثوري قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " والصواب : " أبو عمر " ) : مالك يقول بسر والثوري يقول بشر والأكثر على ما قال مالك كذا في " الاستيعاب في أحوال الأصحاب " ( انظر أيضا أوجز المسالك 3 / 20 ) لابن عبد البر
( 7 ) محجن بن أبي محجن الديلي صحابي قليل الحديث قاله الزرقاني وضبطه القاري بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم
( 8 ) قوله : أنه كان ... إلخ هذا الحديث أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " والنسائي وابن خزيمة والحاكم كلهم من رواية مالك عن زيد به وأخرج الطبراني عن عبد الله بن سرجس مرفوعا : " إذا صلى أحد في بيته ثم دخل المسجد والقوم يصلون فليصل معهم وتكون له نافلة "
( 9 ) أي : أقيم
( 10 ) قوله : والرجل في مجلسه هذا الرجل هو محجن نفسه قد أبهم نفسه لما أخرجه الطحاوي من طريق ابن جريج عن زيد بن أسلم عن بشر بن محجن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رآه وقد أقيمت الصلاة قال : فجلست ولم أقم للصلاة فلما قضى صلاته قال لي : ألست مسلما ؟ قلت : بلى قال : ما منعك أن تصلي معنا ؟ فقلت : قد كنت صليت مع أهلي فقال : صل مع الناس وإن كنت قد صليت مع أهلك . وأخرج من طريق سليمان بن بلال عن زيد عن ابن محجن عن أبيه قال : صليت في بيتي الظهر والعصر وخرجت إلى المسجد ودخلت ورسول الله جالس وحوله أصحابه ثم أقيمت الصلاة ( أخرجه النسائي في كتاب الإمامة 53 باب إعادة الصلاة مع الجماعة . وأخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 244 )
( 11 ) الذين صلوا معي
( 12 ) قال الباجي : يحتمل الاستفهام ويحتمل التوبيخ وهو الأظهر
( 13 ) فيه أن من قال : صليت يوكل إلى قوله لقبوله عليه السلام منه قوله صليت قاله ابن عبد البر
( 14 ) إلى المسجد
( 15 ) وصلية

218 - أخبرنا مالك عن ( 1 ) نافع : أن ابن عمر ( 2 ) كان يقول : من صلى صلاة المغرب أوالصبح ثم أدركهما فلا ( 3 ) ( 4 ) يعيد لهما غير ما قد صلاهما
_________
( 1 ) في نسخة : أخبرنا
( 2 ) قوله : أن ابن عمر كان يقول ... إلخ عن ابن عمرقال : " إن كنت قد صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه غير صلاة الصبح والمغرب فإنهما لا يصليان مرتين رواه عبد الرزاق والعصر في حكم الصبح . وعن علي قال : إذا أعاد المغرب شفع بركعة . رواه ابن أبي شيبة وهو محمول على فرض وقوعه فإنه أولى من الإقتصار على الثلاث . وعن ابن عمر : أنه سئل عن الرجل يصلي الظهر في بيته . ثم يأتي المسجد والناس يصلون فيصلي معهم فأيتهما صلاته ؟ قال : الأولى منها صلاته . وعن علي في الذي يصلي وحده ثم يصلي في الجماعة ؟ قال صلاته الأولى رواه ابن أبي شيبة
وأما ما في سنن أبي داود والنسائي عن سليمان بن يسار قال : أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون قلت ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا تصلوا صلاة في يوم مرتين " فمحمول على أنه قد صلى تلك الصلاة جماعة لما روى في " الموطأ " عن نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن الذي يصلي في بيته ثم يدرك الصلاة مع الجماعة أيتهما يجعل صلاته ؟ فقال : ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء . وقال مالك : هذا من ابن عمر دليل على أنه إنما أراد إذا أدى كلتيهما على وجه الفرض أو اذا صلى في جماعة فلا يعيد . قال إبن الهمام : فيه نفي لقول الشافعية بإباحة الإعادة مطلقا وإن صلاها في جماعة . والله أعلم . كذا في " سند الأنام في شرح مسند الإمام " لعلي القاري
( 3 ) قوله : فلا يعيد لهما إلى هذا ذهب الأوزاعي والحسن والثوري ولا يرد النهي عن الصلاة بعد العصر لأن ابن عمر كان يحمله على أنه بعد الإصفرار وذهب أبو موسى والنعمان بن مقرن وطائفة إلى ما قال مالك : لا أرى بأسا أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعا فينافي أنه وتر صلاة النهار وقال الشافعي والمغيرة : تعاد الصلوات كلها بعموم حديث محجن وقال أبو حنيفة لا يعيد الصبح ولا العصر ولا المغرب كذا في " شرح الزرقاني "
( 4 ) للنهي عن الصلاة بعد الصبح ولأن النافلة لا تكون ( في الأصل : " لا يكون " وهو التحريف ) وترا

219 - أخبرنا مالك أخبرنا عفيف ( 1 ) بن عمرو ( 2 ) السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل ( 3 ) أبا أيوب الأنصاري فقال : إني أصلي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي ( 4 ) أفأصلي معه ؟ قال : نعم صل ( 5 ) معه ومن فعل ذلك فله ( 6 ) مثل سهم جمع أو ( 7 ) سهم جمع
قال محمد : وبهذا ( 8 ) نأحذ . ونأخذ بقول ( 9 ) ابن عمر أيضا أن لا نعيد ( 10 ) صلاة المغرب والصبح ( 11 ) لأن المغرب وتر ( 12 ) فلا ينبغي أن يصلي التطوع وترا ولا صلاة تطوع بعد الصبح وكذلك ( 13 ) العصر عندنا وهي بمنزلة المغرب والصبح وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) مقبول في الرواية كذا ذكره في " التقريب "
( 2 ) بفتح العين
( 3 ) قوله : أنه سأل أبا أيوب اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبه بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وتوفي بالقسطنطينية من أرض الروم سنة 50 هـ قيل : سنة 51 هـ في إمارة معاوية كذا في " الاستيعاب "
( 4 ) أي : تلك الصلاة
( 5 ) هذا الحديث موقوف له حكم الرفع وقد صرح برفعه بكير عن عفيف رواه أبو داود
( 6 ) قوله : فله مثل سهم جمع قال الباجي : قال ابن وهب : معناه له سهمان من الأجر وقال الأخفش الجمع : الجيش قال الله تعالى : ( سيهزم الجمع ) قال : وسهم الجمع هو السهم من الغنيمة . قال الباجي : ويحتمل عندي أن ثوابه مثل سهم الجماعة من الأجر ويحتمل أن يريد به مثل سهم من يبيت بمزدلفة في الحج لأن جمعا اسم مزدلفة حكاه سحنون عن مطرف ولم يعجبه كذا في " التنوير "
( 7 ) شك في الراوي
( 8 ) قوله : وبهذا كله نأخذ أي : إذا صلى الرجل في أهله ثم دخل المسجد فليصل به معهم فيكون له نافلة لما مر من الأخبار ولما أخرجه مسلم عن أبي ذر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة . وأخرج نحوه من حديث ابن مسعود . وفي الباب أحاديث كثيرة ويعارضها ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن ابن عمر مرفوعا : " لا تصلوا صلاة يوم مرتين " ودفعها بعضهم بأنه محمول على ما إذا صلى أولا في جماعة فلا يعيد مرة أخرى وفيه أنه أخرج الترمذي وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر فدخل رجل فقام يصلي الظهر فقال : ألا رجل يتصدق على هذا ؟ وفي رواية للبيهقي : أن الداخل هو علي فقام أبو بكر فصلى خلفه وكان صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم . فهذا صريح في جواز إعادة ( أي إعادة مع الإمام قال الباجي : اختلف الناس فيما يعاد من الصلوات مع الإمام . فقال مالك : تعاد الصلوات كلها إلا المغرب وقال الشافعي : تعاد كلها وقال أبو حنيفة : يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد غيرها كذا في الأوجز 3 / 19 . قال ابن رشد : الذي دخل المسجد وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين : إما صلى منفردا وإما أن يكون صلى في جماعة فإن صلى منفردا فقال قوم : يعيد كل الصلوات إلا المغرب وممن قال به مالك وأصحابه وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر وقال الأوزاعي إلا المغرب والصبح وقال أبو ثور : إلا العصر والفجر وقال الشافعي : يعيد كلها وأما إذا صلى جماعة قال ابن رشد : أكثر الفقهاء على أنه لا يعيد منهم مالك وأبو حنيفة وقال أحمد : يعيد . كذا في بداية المجتهد 1 / 152 و 153 ) الصلاة بالجماعة بعد أدائها بالجماعة فالأولى في دفع المعارضة أن يقال : معناه لا تصلوا على وجه الافتراض بأن تجعلوا كلتيهما فريضة بل الأولى فريضة والثانية نافلة ( أي إعادة مع الإمام قال الباجي : اختلف الناس فيما يعاد من الصلوات مع الإمام . فقال مالك : تعاد الصلوات كلها إلا المغرب وقال الشافعي : تعاد كلها وقال أبو حنيفة : يعيد الظهر والعشاء ولا يعيد غيرها كذا في الأوجز 3 / 19 . قال ابن رشد : الذي دخل المسجد وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين : إما صلى منفردا وإما أن يكون صلى في جماعة فإن صلى منفردا فقال قوم : يعيد كل الصلوات إلا المغرب وممن قال به مالك وأصحابه وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر وقال الأوزاعي إلا المغرب والصبح وقال أبو ثور : إلا العصر والفجر وقال الشافعي : يعيد كلها وأما إذا صلى جماعة قال ابن رشد : أكثر الفقهاء على أنه لا يعيد منه مالك وأبو حنيفة وقال أحمد : يعيد . كذا في بداية المجتهد 1 / 152 و 153 )
( 9 ) قوله : بقول ابن عمر ويشيده ما أخرجه الطحاوي عن ناعم مولى أم سلمة قال : كنت أدخل المسجد لصلاة المغرب فأرى رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم جلوسا في آخر المسجد والناس يصلون . قد صلوا في بيوتهم
( 10 ) قوله : لا نعيد فإن أعاد صلاة المغرب لأمر عرضه فليشفع بركعة كما أخرجه ابن أبي شيبة عن علي والطحاوي عن إبراهيم النخعي وبه صرح محمد في كتاب " الآثار "
( 11 ) قوله : والصبح يرد عليه ما أخرجه أبو داود والترمزي والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وصححه ابن السكن كلهم من طريق العلاء بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضي صلاته وانحرف إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال : علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا : يا رسول الله إنا كنا قد صلينا فر رحالنا قال : فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة . وأجيب عنه بأنه حديث ضعيف . إسناده مجهول قاله الشافعي قال البيهقي : لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر غير العلاء وفيه أن العلاء من رجال مسلم ثقة وجابر وثقه النسائي وغيره وقد تابع العلاء عن جابر عبد الملك بن عمير أخرجه ابن مندة في كتاب " المعرفة " كذا ذكره الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " . وقد يجاب بأن هذا الحديث لعله قبل حديث النهي عن التطوع بعد صلاة الصبح وفيه أن النسخ لا يثبت بمجرد الإحتمال فالأولى في أن يقال : قد عارض هذا الحديث حديث النهي فرجحنا حديث النهي لأن المحرم مقدم على المبيح احتياطا وفي المقام كلام ليس هذا موضعه
( 12 ) إذ لم يشرع لنا التطوع وترا وهذا التعليل أحسن من تعليل مالك بأنه إذا أعادها كانت شفعا قاله ابن عبد البر
( 13 ) لكراهة التطوع بعد صلاة العصر لما مر من الأحاديث

63 - ( باب الرجل تحضره الصلاة والطعام بأيهما ( 1 ) يبدأ )
220 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يقرب ( 2 ) إليه الطعام فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته فلا يعجل ( 3 ) عن طعامه حتى يقضي منه ( 4 ) حاجته
قال محمد : لا نرى بهذا بأسا ونحب ( 5 ) أن لا نتوخى تلك الساعة
_________
( 1 ) قوله : بأيهما يبدأ الحديث فيه مشهور بلفظ : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤا بالعشاء " ( انظر إلى مرقاة المصابيح 2 / 69 ، ثم إن لفظ " العشاء " بالفتح هو طعام العشي أيضا يشير إلى أن الصلاة هي صلاة المغرب عمدة القاري 2 / 727
قال القاضي - أي أبو الوليد الباجي - فالحق أن الأمر بالابتداء بالعشاء ليس على الإطلاق وإنما معناه إلى الطعام صائما كان أو غير صائم لكن طعامهم ما كان على مقدار طعامنا اليوم في الكثرة . بل على القصد والقناعة بما فيه البلغة فيبتدئ المحتاج بقدر ما يدفع طوقانه ويتفرغ قلبه للإقبال على صلاته . اهـ . ثم إن الأمر لندب عند الجمهور وللوجوب عند الظاهرية حتى إن من صلى والطعام حضر فصلاته باطلة كما في عمدة القاري 2 / 726 ) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس والشيخان عن ابن عمر وابن ماجة عن عائشة . و الحكمة في ذلك أن لا يكون الخاطر مشغولا به فالأكل المخلوط بالصلاة خير من الصلاة المخلوطة بالأكل هذا إذا كان الوقت واسعا والتوجه إلى الأكل شاغلا كذا في " سند الأنام شرح مسند الإمام أبي حنيفة " لعلي القاري
( 2 ) مجهول
( 3 ) قوله : فلا يعجل ... إلخ استدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله صلى الله عليه و سلم : " إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء " على تخصيص ذلك لمن لم يبدأ وأما من شرع فيه ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة لكن صنيع ابن عمر يبطل ذلك قال النووي : وهو الصواب وتعقبه بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ذلك لأنه قد يكون أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال كذا في " إرشاد الساري "
( 3 ) أي : يفرغ من أكله حسب قصده
( 4 ) أي : ينبغي أن لا يقصد تلك الساعة أي ساعة إقامة الصلاة بالشغل بالطعام بل يفرغ عنه قبل ذلك

64 - ( باب فضل العصر والصلاة بعد العصر )

221 - أخبرنا مالك أخبرني الزهري عن السائب بن يزيد : أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب ( 1 ) المنكدرة ( 2 ) بن عبد الله في الركعتين ( 3 ) بعد العصر
قال محمد : وبهذا نأخذ لاصلاة تطوع ( 4 ) بعد العصر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : يضرب المنكدر فيه ما كان عليه عمر من تفقد أمر من استرعاه الله وكذلك يلزم للأمراء والسلاطين
( 2 ) القرشي التيمي المدني مات سنة 80 هـ
( 3 ) قوله : في الركعتين بعد العصر مذهب مالك في ذلك هو مذهب عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة رووا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب . وحسبك بضرب عمر على ذلك بالدرة ولا يكون ذلك إلا عن بصيرة وكذلك ابن عباس روى الحديث في ذلك عن عمر وقال بظاهره وعمومه وقال الشافعي : إنما النهي بعد الصبح والعصر عن التطوع المبتدأ والنافلة وأما الصلاة المفروضة والمسنونة فلا وقال آخرون التطوع بعد العصر جائز لحديث عائشة : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين بعد العصر . وأما بعد الصبح فلا وهذا قول داود بن علي وقال آخرون : لا يصلى شيء من الصلوات بعد الصبح وبعد العصر إلا عصر يومه ( وتحرم عند الحنابل النوافل في هذه الأوقات الخمسة أي عند الطلوع والغروب والأستواء وبعد الفجر والعصر مطلقا سواء كانت ذات سبب أولا بمكة وغيرها إلا سنة الظهر في الجمع بين الصلاتين وإلا ركعتي الطواف ويجوز القضاء والنذر في هذه الأوقات كلها
وأما عند الشافعية فتجوز النوافل ذات السبب أيضا وغير ذات السبب أيضا بمكة فلا يجوز سنة الظهر في المجموعة والمراد بذات السبب ما تقدم سببه كتحية الوضوء وغيرها وأما ماله سبب متأخر كصلاة الإستخارة والإحرام فلا يجوز أيضا . وأما عند المالكية فمنع غير المكتوبة حتى صلاة الجنازة أيضا عند الطلوع والغروب وكرهه بعد الصبح والعصر إلا الجنازة وسجدة التلاوة قبل الإسفار والإصفرار . وأما عند الحنفية فلا تجوز الصلاة مطلقا في الأوقات الثلاث الأول إلا عصر يومه إلا جنازة حضرت فيها والوقتان الأخيران من الخمسة لا يجوز فيهما النوافل . الكوكب الدري 1 / 214 ) وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه كذا في " الإستذكار "
( 4 ) وأما الفائتة وعصر يومه فجائز أداؤه

222 - أخبرنا مالك أخبرني نافع عن ابن عمر قال ( 1 ) : الذي يفوته ( 2 ) العصر ( 3 ) كأنما وتر ( 4 ) أهله ( 5 ) وماله
_________
( 1 ) هكذا وجدته موقوفا في نسخ عديدة وفي " موطأ يحيى " هو مرفوع
( 2 ) قوله الذي يفوته قال السيوطي في " التنوير " اختلف في معنى الفوات في هذا الحديث فقيل هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار وقيل أن تفوت بغروب الشمس قال الحافظ مغلطاي : في " موطأ ابن وهب " قال مالك : تفسيره ذهاب الوقت وقال ابن حجر : قد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث من طريق ابن جريج عن نافع وزاد في آخره قلت لنافع : حتى تغيب الشمس ؟ قال : نعم قال : وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى وقد ورد مصرحا برفعه في ما أخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن حجاج عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : " من ترك العصر حتى تغيب الشمس من غير عذر فكأنما وتر أهله وماله " وقيل هو تفويتها إلى أن تصفر الشمس وقد ورد مفسرا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه : وفواتها أن تدخل الشمس صفرة أخرجه أبو داود قال الحافظ : لعله مبني على مذهبه في خروج وقت العصر وقالت طائفة المراد فواتها في الجماعة . وروي عن سالم أنه في من فاتته نسيانا ومشى عليه الترمذي وقال الداودي : إنما هو في العامد قال النووي : هو الأظهر
( 3 ) قوله : العصر اختلف في تخصيص صلاة العصر فقيل : نعم لزيادة فضلها ولأنها الوسطى ولأنها تأتي في وقت تعب الناس في مقاسات أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم ولاجتماع المتعاقبين فيها وهذا ما رجحه الرافعي في " شرح المسند " والنووي في " شرح مسلم "
( 4 ) قوله : وتر معناه عند أهل الفقه واللغة كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر ولذا قال : وتر ولم يقل مات كذا في " الإستذكار "
( 5 ) قوله : أهله وماله قال النووي : روي بنصب اللامين ورفعهما والنصب هو المشهور على أنه مفعول ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك . وأما على النصب فقال الخطابي وغيره : معناه نقص أهله وماله وسلبهم فبقي وترا بلا أهل ومال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله كذا في " التنوير "

65 - ( باب وقت الجمعة وما يستحب من الطيب والدهان ( 1 ) )
223 - أخبرنا مالك أخبرني عمي أبو سهيل ( 2 ) بن مالك عن أبيه قال : كنت أرى طنفسة ( 3 ) لعقيل ( 4 ) بن أبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد ( 5 ) الغربي ( 6 ) فإذا غشي ( 7 ) الطنفسة كلها ظل الجدار ( 8 ) خرج عمر بن الخطاب إلى الصلاة يوم الجمعة ثم نرجع فنقيل ( 9 ) قائلة الضحاء ( 10 )
_________
( 1 ) قوله والدهان بكسر الدال مصدر دهنه ككتاب لكتبه وفي نسخة : الدهن وهو بالفتح أيضا مصدر
( 2 ) اسمه نافع
( 3 ) قوله طنفسة بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء ( تنوير الحوالك 1 / 27 ) : البساط الذي له خمل رقيق . ذكره في " النهاية " كذا ذكره السيوطي
( 4 ) أخي علي وجعفر
( 5 ) النبوي
( 6 ) صفة جدار
( 7 ) قوله فإذا غشي . . إلخ قال في " فتح الباري " : هذا إسناد صحيح وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد الزوال وفهم بعضم عكس ذلك ولا يتجه ذلك إلا إذا حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد . والذي يظهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد وعلى ذلك كان عمر يتأخر بعد الزوال قليلا
( 8 ) قوله ظل الجدار روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن عمه عن أبيه فقال فيه : كان لعقيل طنفسة مما يلي الركن الغربي فإذا أدرك الظل الطنفسة خرج عمر يصلي الجمعة ثم نرجع فنقيل . وروى حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن مالك بن أبي عامر أن العباس كانت له طنفسة في أصل جدار المسجد عرضها ذراعان أو ثلاث وكان طول الجدار ست عشر ذراعا إلى ثمانية عشر فإذا نظر إلى الظل قد جاوز الطنفسة أذن المؤذن وإذا أذن المؤذن نظرنا إلى الطنفسة فإذا الظل قد تجاوزها
والمعنى في طرح الطنفسة لعقيل عند الجدار الغربي من المسجد أنه كان يجلس عليها ويجتمع عليه وأدخل مالك هذا الحديث دليلا على أن عمر لم يكن يصلي الجمعة إلا بعد الزوال ردا على من حكى عنه وعن أبو بكر أنهما كانا يصليان الجمعة قبل الزوال كذا في " الاستذكار "
( 9 ) قوله : فنقيل أي أنهم كانوا يقيلون في غير الجمعة قبل الزوال وقت القائلة ويوم الجمعة يشتغلون بالغسل وغيره فيقيلون بعد صلاتها القائلة التي يقيلونها في غير يومها قبل الصلاة
( 10 ) قوله : الضحاء قال البوني : بفتح الضاد والمد هو اشتدادا النهار فأما بالضم والقصر فعند طلوع الشمس مؤنث ( انظر شرح الزرقاني 1 / 25 )

224 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر كان لا يروح ( 1 ) إلى الجمعة إلا وهو ( 2 ) مدهن متطيب إلا أن يكون محرما ( 3 )
_________
( 1 ) أي : لا يذهب
( 2 ) قد مر ما يدل على استحباب ذلك في ( باب الإغتسال يوم الجمعة )
( 3 ) فإن المحرم ممنوع عنه

225 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن السائب ( 1 ) بن يزيد : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه زاد ( 2 ) النداء الثالث يوم الجمعة
قال محمد : وبهذا ( 3 ) كله نأخذ والنداء الثالث الذي زيد ( 4 ) هو النداء الأول ( 5 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : عن السائب بن يزيد . . إلخ نا أدم قال : نا ابن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة عند ابن خزيمة : كان ابتداء الأذان الذي ذكر الله في القرآن يوم الجمعة وعنده ايضا من طريق أخرى : كان الأذان على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة قال ابن خزيمة : يريد الأذان والإقامة أوله إذا جلس الإمام على المنبر في رواية لابن خزيمة : إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة وعند الطبراني كان يؤذن بلال على باب المسجد على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان - أي خليفة - وكثر الناس زاد النداء الثالث ولابن خزيمة : فأمر عثمان بالأذان الأول ولا منافاة بينهم لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا وباعتبار كونه مقدما يسمى أولا على الزوراء بفتح الزاء وسكون الواو بعدها راء مهملة ممدودة قال المصنف : الزوراء موضع بالسوق بالمدينة قال الحافظ : ما فسر به الزوراء هو المعتمد وجزم ابن بطال بأنه حجر كبير عند باب المسجد وفيه نظر لما عند ابن خزيمة وابن ماجة بلفظ : زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء كذا في " ضياء الساري شرح صحيح البخاري "
( 2 ) قوله : زاد . . إلخ الذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهي أن أول من أحدث الأذان الأول يوم الجمعة بمكة الحجاج وبالبصرة زياد وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الآن لا تأذين لهم للجمعة إلا مرة وورد ما يخالف الباب وهو أن عمر هو الذي زاد الأذان ففي تفسير جويبر عن مكحول عن معاذ : أن عمر أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس يوم الجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان على عهد رسول الله وأبي بكر وقال : نحن ابتدعناه لكثرة المسلمين وهذا منقطع بين مكحول ومعاذ ولا يثبت وقد تواردت الروايات على أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن يكون قاله على سبيل الإنكار ويحتمل أن يريد أنه لم يكن في عهد رسول الله وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة لكنها منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك كذا في " فتح الباري " ( 2 / 327 ، وعمدة القاري 2 / 291
ثم هذا الأذان الذي زاده عثمان رضي الله عنه وإن لم يكن في عهد النبوة لكن لا يقال إنه بدعة فإنه من مجتهدات الخليفة الراشد . قال العيني باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعا سكوتيا . ا هـ )
( 3 ) قوله : وبهذا أي : بما أفادته هذه الأحاديث المذكورة في الباب من خروج الإمام للجمعة بعد الزوال والتعجيل في أداء الجمعة واستعمال الدهن والطيب إلا لمانع وزيادة الأذان الأول وغير ذلك
( 4 ) في زمان عثمان
( 5 ) وأما الأذان الثاني وهو بين يدي الخطيب والنداء الثالث وهو الإقامة فهما مأثوران من زمن الرسول صلى الله عليه و سلم

66 - ( باب القراءة في صلاة الجمعة وما يستحب من الصمت ( 1 ) )
226 - أخبرنا مالك حدثنا ضمرة ( 2 ) بن سعيد ( 3 ) المازني ( 4 ) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ( 5 ) أن الضحاك ( 6 ) بن قيس سأل النعمان ( 7 ) بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه و سلم على إثر ( 8 ) سورة الجمعة ( 9 ) يوم الجمعة ؟ فقال : كان يقرأ ( هل أتاك حديث الغاشية )
_________
( 1 ) بالفتح بمعنى السكوت
( 1 ) قوله : ضمرة بن سعيد المازني عن أبي سعيد وأنس وعدة وعنه مالك وبن عيينة وثقوه كذا في " الكاشف " للذهبي
( 2 ) ابن أبي حنة
( 3 ) من بني مازن بن النجار
( 4 ) ابن مسعود
( 5 ) قوله : إن الضحاك هو الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن الفهري أبو أنيس الأمير المشهور صحابي قتل في وقعة مرج راهط سنة 64 هـ قاله الزرقاني وغيره
( 6 ) قوله : النعمان الأنصاري الخزرجي له ولأبيه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة 65 هـ قاله الزرقاني وغيره
( 7 ) قوله : على إثر سورة الجمعة قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " ) هذا يدل على أنه كان يفردها فلم يحتج إلى السؤال لعلمه به ويدل على أنه لو كان يقرأ معها شيئا واحدا لعلمه كما علم سورة الجمعة ولكنه كان مختلفا فسأل عن الأغلب وقد اختلف الآثار فيه والعلماء وهو من الاختلاف المباح الذي ورد به التخبير فروي أنه صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الجمعة والعيدين ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك ) ويروي أنه قرأ بسورة الجمعة : و ( إذا جاءك المنافقون ) واختار هذا الشافعي وهو قول أبو هريرة وعلي وذهب مالك إلى ما في ( الموطأ ) كذا في ( شرح الزرقاني )
( 8 ) التي كانوا يقرؤونها في الركعة الأولى

227 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن ثعلبة ( 1 ) بن أبي مالك : أنهم كانوا زمان ( 2 ) عمر بن الخطاب يصلون ( 3 ) يوم الجمعة حتى يخرج عمر فإذا خرج وجلس إلى المنبر وأذن المؤذن - قال ثعلبة - : جلسنا نتحدث ( 4 ) فإذا سكت المؤذن وقام عمر سكتنا فلم يتكلم أحد منا
_________
( 1 ) قوله : عن ثعلبة مختلف في صحبته قال ابن معين : له رؤية وقال ابن سعد : قدم أبوه أبو مالك واسمه عبد الله بن سام من اليمن وهو من كندة فتزوج امرأة من قريظة فعرف بهم كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) أي : في خلافته
( 3 ) أي : النوافل
( 4 ) أي بالعلم ونحوه لا بكلام الدنيا

228 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري قال : خروجه ( 1 ) ( 2 ) يقطع ( 3 ) الصلاة وكلامه ( 4 ) يقطع الكلام
_________
( 1 ) قوله : قال خروجه . . إلخ قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " ) : هذا يدل على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأي وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه خبر عن علم علمه لا عن رأي اجتهده وأنه عمل مستفيض في زمن عمر وغيره
( 2 ) أي : خروج الإمام
( 3 ) أي : يمنع الشروع فيها
( 4 ) قوله : وكلامه يقطع الكلام بهذا أخذ أبو يوسف ومحمد ومالك والجمهور قال أبو حنيفة : يجب الإنصات بخروج الإمام كذا في " المرقاة " . في " النهاية " و " البناية " وغيرهما : اختلف المشايخ على قوله : فقال بعضهم : يكره كلام الناس أما التسبح وغيره فلا يكره وقال بعضهم : يكره ذلك كله والأول أصح انتهى وفي " الكفاية " وغيره نقلا عن " العون " : المراد بالكلام المتنازع فيه هو إجابة الأذان فيكره عنده لا عندهما وأما غيره من الكلام فيكره إجماعا . انتهى . قلت : بهذا يظهر ضعف ما في " الدار المختار " نقلا عن ( النهر الفائق ) ينبغي أن لا يجيب بلسانه اتفاقا في الأذان بين يدي الخطيب وأن يجيب اتفاقا في الأذان الأول يوم الجمعة . انتهى . وجه الضعف أما أولا : فلأنه لا وجه لعدم الإجابة عندهم لأنه لا يكره عندهما الكلام الديني قبل الشروع في الخطبة بل لا يكره الكلام مطلقا عندهما قبله على ما نقله جماعة بخلاف ما ينقله صاحب ( العون ) وغيرهم وأما ثانيا : فلأنه لا وجه لعدم الإجابة على مذهبه أيضا على ما هو الأصح أنه لا يكره الكلام مطلقا بل الكلام الدنيوي وقد ثبت في صحيح البخاري أن معاوية رضي الله عنه أجاب الأذان وهو على المنبر وقال : يا أيها الناس إني سمعت رسول الله على هذا المجلس حين أذن المؤزن يقول مثل ما سمعتم مني مقالتي . فإذا ثبتت الإجابة عن صاحب الشرع وصاحبه فما معنى الكراهة

229 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو النضر ( 1 ) عن مالك ( 2 ) بن أبي عامر : أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته - قلما يدع ( 3 ) ذلك إذا خطب - : إذا ( 4 ) قام الإمام فاستمعوا وأنصتوا ( 5 ) ( 6 ) فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ( 7 ) مثل ما للسامع المنصت
_________
( 1 ) هو سالم بن أبي أمية المدني ثقة
( 2 ) جد الإمام مالك من ثقات التابعين
( 3 ) أي : يترك
( 4 ) هذا قوله
( 5 ) قوله : وأنصتوا اختلفوا في الكلام ( لا يجوز الكلام إذا كان الإمام يخطب عند أبي حنيفة ومالك وقريب منه مذهب أحمد وهو القول القديم للشافعي حكاه في ( شرح المهذب ) 4 / 525 ، عن أبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي وكذا في ( المغني ) 2 / 169 ، ويجوز عند الشافعي في الجديد ) حال الخطبة فذهب طائفة من العلماء إلى أنه مكروه وهو مذهب الثوري وداود والصحيح من قول الشافعي ورواية أحمد وحكي عن أبي حنيفة . وذهب الجمهور إلى أنه حرام وهو مذهب الأئمة الثلاثة والأوزاعي . وحكي عن النخعي والشعبي وبعض أنه لا يحرم إلاعند تلاوة الخطيب فيها قرآنا كذا في ( ضياء الساري )
( 6 ) وإن لم تسمعوا لنحو صمم أو بعد
( 7 ) أي : النصيب من الأجر

230 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد ( 1 ) عن الأعرج ( 2 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قلت ( 3 ) لصاحبك أنصت ( 4 ) فقد ( 5 ) لغوت ( 6 ) والإمام ( 7 ) يخطب
_________
( 1 ) بكسر الزاء عبد الله بن ذكوان
( 2 ) عبد الرحمن بن هرمز
( 3 ) قوله : إذا قلت لصاحبك المراد من تخاطبه صغيرا كان أو كبيرا قريبا أو بعيدا وخصه لكونه الغالب
( 4 ) قوله : أنصت بفتح الهمزة وكسر المهملة : أمر من الإنصات يقال : أنصت ونصت وانتصت . ثلاث لغات والأولى هي الأفصح قال ابن خزيمة : المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة فالظاهر أن المراد السكوت مطلقا قاله الحافظ
( 5 ) قوله : فقد لغوت اللغو : الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه . وقال نفطويه : السقط من القول وقال النضر بن شميل : معنى لغوت ضيعت من الأجر وقيل : بطلت فضيلة جمعتك ويؤيد الأخير ما في حديث أبي داود : ( من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا ) . قال ابن وهب أحد رواته : معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة ولأحمد : ( من قال : صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ) وله : ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول : أنصت ليس له جمعة ) . وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا جعل قوله أنصت من كونه أمرا بالمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى كذا في ( التوشيح شرح صحيح البخاري ) للسيوطي
( 6 ) قوله : لغوت ولمسلم : فقد لغيت قال أبو الزناد : هي لغة أبي هريرة وإنما هي فقد لغوت لكن قال النووي وتبعه الكرماني : ظاهر القرآن يقتضيها إذ قال : ( والغوا فيه ) وهي من لغي يلغى ولو كان يلغو لقال : الغو بضم الغين ( شرح الزرقاني 1 / 214 )
( 7 ) قوله : والإمام جملة حالية تفيد أن وجوب الإنصات من الشروع في الخطبة لا من خروج الإمام كما يقوله ابن عباس وابن عمر وأبو حنيفة قاله ابن عبد البر

231 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم : أن أباه القاسم بن محمد رأى في قميصه دما والإمام على المنبر يوم الجمعة فنزع ( 1 ) قميصه فوضعه ( 2 )
_________
( 1 ) فيه جواز فعل ما لا بد منه والإمام يخطب
( 2 ) أي : بين يديه أو بجنبه

67 - ( باب صلاة العيدين وأمر الخطبة )

232 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن أبي عبيد ( 1 ) مولى عبد الرحمن ( 2 ) ( 3 ) قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فصلى ( 4 ) ثم انصرف فخطب ( 5 ) فقال : إن هذين اليومين نهى ( 6 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صيامهما يوم ( 7 ) فطركم ( 8 ) من صيامكم والآخر يوم تأكلون من لحوم نسككم ( 9 ) قال ( 10 ) ثم شهدت العيد مع عثمان ( 11 ) بن عفان فصلى ثم انصرف ( 12 ) فخطب فقال ( 13 ) إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان ( 14 ) فمن أحب من أهل العالية ( 15 ) أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع ( 16 ) فليرجع ( 17 ) فقد أذنت ( 18 ) له فقال : ثم شهدت العيد مع علي وعثمان محصور ( 19 ) فصلى ثم انصرف فخطب
_________
( 1 ) اسمه سعد بن عبيد الزهري تابعي كبير من رجال الجميع كذا قال الزرقاني
( 2 ) صحابي وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف
( 3 ) ابن أزهر بن عوف الزهري المدني
( 4 ) زاد عبد الرزاق : قبل أن يخطب بلا أذان وإقامة
( 5 ) قوله : فخطب زاد عبد الرزاق : فقال : يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث فلا تأكلوا بعدها قال ابن عبد البر : أظن مالكا حذف هذا لأنه منسوخ
( 6 ) نهي تحريم
( 7 ) بالرفع إما على أنه خبر محذوف أي : أحدهما أو على البدل من يومان
( 8 ) قوله : يوم فطركم . . إلخ فائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهي الفصل من الصوم والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه
( 9 ) قوله : نسككم بضم السين ويجوز سكونها أي من أضحيتكم قال أبو عمر ( في الأصل : " أبو عمرو " ) : فيه أن الضحايا نسك وأن الأكل منها مستحب
( 10 ) أي : أبوعبيد
( 11 ) في زمان خلافته
( 12 ) ثم انصرف فخطب اختلف في أول من غير ذلك ففي مسلم عن طارق أن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان وروى ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري : أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي : صار يخطب قبل الصلاة . وهذه العلة غير العلة التي راعى مروان لأن عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة وأما مروان فراعى مصلحتهم في سماعهم الخطبة لكن قيل : إنهم في زمانه كانوا يتعمدون ترك سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه . وروي عن عمر مثل فعل عثمان قال عياض ومن تبعه : لا يصح عنه وفيه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينه عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام . وهذا إسناد صحيح فإن جمع بوقوع ذلك نادرا إلا فما في ( الصحيحين ) أصح كذا في ( شرح الزرقاني ) ( 1 / 362 . وانظر للتفصيل عمدة القاري 3 / 369 ، وفتح الباري 2 / 376 )
( 13 ) في خطبته
( 14 ) فيه تسمية الجمعة عيدا وقد ورد ذلك في أخبار مرفوعة
( 15 ) قوله : من أهل العالية هي القرى المجتمعة حول المدينة النبوية إلى جهة القبلة على ميل أو ميلين فأكثر من المسجد النبوي وقال القاضي عياض : العوالي من المدينة على أربعة أميال وقيل : ثلاثة وهذا حد أدناها وأعلاها ثمانية أميال . انتهى . ويرده أنه قال في منازل بني الحارث الخزرج : إنها بعوالي المدينة بينه وبين منزل النبي صلى الله عليه و سلم ميل وذكره ابن حزم أيضا والصحيح عن أدنى العوالي من المدينة على ميل أو ميلين وأقصاها عمارة على ثلاثة أو أربعة أميال وأقصاها مطلقا ثمانية أميال كما بسطه الشيخ نور الدين علي السمهودي مؤرخ المدينة في " وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى "
( 16 ) إلى بيته
( 17 ) قوله : فليرجع ( أخرجه البخاري 5 / 239 في باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها ) اقتدى فيه عثمان بالنبي صلى الله عليه و سلم فإنه لما اجتمع العيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وقال : من شاء أن يصلي فليصل . أخرجه النسائي وأبو داود عن زيد بن أرقم وهو محمول عندنا على أنه رخص لمن لا يجب عليه الجمعة من أهل القرى الذين كانوا يحضرون العيد ونسب بعضهم إلى أحمد ( قال في المغني 2 / 212 : وإن اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام ... وممن قال بسقوطه الشعبي والنخعي والأوزاعي ... وقال أكثر الفقهاء : تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى . اهـ ومذهب الشافعي السقوط عن أهل البوادي دون البلد كما في شرح المهذب وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن المكلف مخاطب بهما معا ولا ينوب أحدهما عن الآخر قال ابن عبد البر سقوط الجمعة مهجور وعن علي إن ذلك في أهل البادية ومن لاتجب عليه الجمعة معارف السنن 4 / 433 وانظر بذل الجهود 6 / 57 ) أنه أخذ بظاهر الحديث وقال بسقوط الجمعة في المصر وغيره وهو مفاد ما أخرجه أبو داود عن عطاء بن أبي رباح قال : صلى بنا ابن الزبير العيد في يوم جمعة في أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال : أصاب السنة
( 18 ) قوله : فقد أذنت له فيجوز إذا أذن الإمام وبه قال مالك في رواية علي وابن وهب ومطرف وابن الماجشون
( 19 ) في أيام فتنته سنة خمس وثلاثين

233 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب ( 1 ) : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة وذكر ( 2 ) أن أبا بكر وعمر كانا يصنعان ذلك
قال محمد : وبهذا كله نأخذ وإنما رخص عثمان في الجمعة لأهل العالية لأنهم ( 3 ) ليسوا من أهل المصر ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) هذا مرسل متصل من وجوه صحاح فأخرجه الشيخان من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ولهما عن جابر
( 2 ) قوله : وذكر الظاهر أن ضميره راجع إلى ابن شهاب لكن في " موطأ يحيى " ثم قول ابن شهاب إلى قوله : " قبل الخطبة " ثم قال مالك : بلغه أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك
( 3 ) قوله : لأنهم ليسوا من أهل المصر فلا يجب عليهم الجمعة لقول علي رضي الله عنه : ( لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ) رواه عبد الرزاق وروى ابن أبي شيبة عنه : ( ولا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة ) ونسبه أحمد القسطلاني في " إرشاد الساري شرح صحيح البخاري " إلى النبي صلى الله عليه و سلم وجعله مرفوعا من رواية عبد الرزاق
( 4 ) في نسخة : مصر

68 - ( باب صلاة التطوع قبل العيد أبو بعده )

234 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه ( 1 ) كان ( 2 ) لا يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها
_________
( 1 ) قوله : أنه كان لا يصلي لأنه كان أشد الناس اهتماما بالنبي صلى الله عليه و سلم قال الزرقاني وفي " الصحيحين " عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما . وفي ابن ماجه بسند حسن وصححه الحاكم عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى في منزله ركعتين قال ابن المنذر عن أحمد : الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها ولا بعدها وبالأول قال الحنفية وجماعة وبالثاني الحسن وجماعة وبالثالث أحمد وجماعة وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في المسجد روايتان فروي يتنفل قبلها وبعدها وروي بعدها لا قبلها وقال الشافعي : لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها قال الحافظ : كذا في " شرح مسلم " للنووي فإن حمل على المأموم وإلا فهو مخالف لقول الشافعي في " الأم " يجب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها ( بسط الشيخ مذاهب الأئمة في أوجز المسالك 3 / 362 . وانظر المغني 2 / 388 )
( 2 ) قوله : كان ذكر ابن قدامة نحوه عن ابن عباس وعلي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وعبد الله بن أوفى وجماعة من التابعين وقال الزهري : لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها : كذا ذكره ابن أمير حاج في " الحلبة " ( في الأصل : " الحلية " وهو تحريف )

235 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه ( 1 ) : أنه كان ( 2 ) يصلي قبل أن يغدو أربع ركعات
قال محمد : لا صلاة قبل صلاة العيد ( 3 ) فأما بعدها فإن شئت ( 4 ) صليت ( 5 ) وإن شئت لم تصل وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
( 2 ) وكذا روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة في المسجد
( 3 ) قوله : لا صلاة قبل صلاة العيد أقول : هذه العبارة تحتمل معنيين :
أحدهما : أنه لا ينبغي أن يصلي قبل العيد ولا خير فيه بل هو مكروه وبه صرح جمهور أصحابنا لا سيما المتأخرون منهم وعللوه بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يصل قبلها ولا بعدها كما أخرجه الأئمة الستة وأورد عليهم بأن مجرد عدم فعله صلى الله عليه و سلم لا يدل على الكراهة وأجابوا عنه بأنه لما لم يصل قبل ولا بعد مع شدة حرصه على الصلاة دل ذلك على أنه مكروه وإلا لفعله ولو مرة واحدة كيف فإنه صلى الله عليه و سلم قد كان يفعل ما نهى عنه نهي تنزيه لبيان الجواز لئلا تظن الأمة حرمته فكيف بالأمر المباح فإذا لم يفعله مرة أيضا دل ذلك على الكراهية ويرد عليه أن الكراهة أمر زائد لا يثبت إلا بدليل خاص يدل على النهي وأما مجرد عدم فعله صلى الله عليه و سلم فلا يدل إلا على أنه ليس للعيد سنة قبلها ولا بعدها لا على أنه مكروه وكونه حريصا على الصلاة لا يستلزم أن يفعل بنفسه كل فرد من أفرادها في كل وقت من أوقاتها بل كفى في ذلك قوله : " الصلاة خير موضوع " مع عدم إرشاد النهي . ونظيره ما ورد أنه صلى الله عليه و سلم كان لا يطعم شيئا يوم الأضحى إلى أن يضحي فيأكل من أضحيته ومع ذلك صرحوا بأن الأكل في ذلك اليوم قبل الغدو إلى المصلى ليس بمكروه إذ لا بد للكراهة من دليل خاص وإذ ليس فليس
وثانيهما : أن يكون معناه لا سنة قبل صلاة العيد قبل العيد خلاف الأولى لكونه مخالفا لفعل صاحب الشرع ويوافقه ما نقل صاحب " الذخيرة " عن أبي جعفر الأستروشني أن شيخنا أبا بكر الرازي كان يقول في معنى قول أصحابنا : وليس قبل العيدين صلاة مسنونة لا أنه مكروه . انتهى . وقال الحافظ ابن حجر : صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع إلا بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام . انتهى . وفي " الاستذكار " : أجمعوا على أنه صلى الله عليه و سلم لم يصل قبلها ولا بعدها فالناس كذلك والصلاة فعل خير فلا يمنع منها إلا بدليل لا معارض له
( 4 ) هذا التخيير يرد على من كره من المتأخرين الصلاة بعد العيد مطلقا في المسجد وفي البيت
( 5 ) قوله : صليت أي : في البيت لما ورد أنه عليه السلام صلى بعد العيد في بيته ركعتين أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد وحينئذ فحديث : " لم يصل قبلها ولا بعدها " محمول على أنه لم يصل بعدها في المصلى وإن حمل على العموم يحمل على اختلاف الأحوال . وذكر بعض أصحاب الكتب غير ( في الأصل : " الغير " وهو تحريف ) المعتبرة كصاحب " كنز العباد " وغيره في الصلاة بعد العيد حديثا عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من صلى أربع ركعات يوم الفطر ويوم الأضحى بعد ما صلى الإمام صلاة العيد يقرأ في الركعة الأولى { سبح اسم ربك الأعلى } فكأنما قرأ كل كتاب أنزله الله وفي الركعة الثانية { والشمس وضحاها } فله من الثواب مثل ما طلعت الشمس من مطلعها وفي الثالثة { والضحى } فله من الثواب كأنما أشبع جميع اليتامى وأرواهم وأدهنهم وألبسهم ثيابا نظيفا وفي الركعة الرابعة { قل هو الله أحد } غفر الله له ذنوبه خمسين سنة مقبلة وخمسين سنة مدبرة . وهذا الحديث يشهد القلب بعباراته الركيكة بأنه موضوع لا يحل لأحد أن ينسبه إلى النبي صلى الله عليه و سلم بمجرد ذكر هؤلاء الذين لا مهارة لهم في الحديث . وقال ابن حجر المكي في رسالته " الإيضاح والبيان لما جاء في ليلة نصف شعبان " : في سنده جماعة لا يعرفون بل من لا يحل ذكره في الكتب كما قاله ابن حبان بل ترجى السيوطي فيه أنه الذي وضعه . انتهى . وقال الشوكاني في " الفوائد المجموعة " : هو موضوع

69 - ( باب القراءة في صلاة العيدين )

236 - أخبرنا مالك حدثنا ضمرة بن سعيد المازني ( 1 ) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد ( 2 ) الليثي : ماذا كان ( 3 ) يقرأ به رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأضحى والفطر ؟ قال : كان ( 4 ) يقرأ بقاف ( 5 ) والقرآن المجيد ( 6 ) واقتربت الساعة وانشق القمر ( 7 )
_________
( 1 ) نسبة إلى بني مازن بكسر الزاء
( 2 ) قوله : أبا واقد الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة بن خزيمة بن إلياس بن مضر اختلف في اسمه فقيل : الحارث بن عوف وقيل : الحارث بن مالك بن أسيد بن جابر بن عتودة بن عبد مناة بن سجع بن عامر بن ليث قيل : إنه شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان قديم الإسلام وقيل : إنه من مسلمة الفتح . والأول أصح مات بمكة سنة ثمان وستين كذا في " الاستيعاب "
( 3 ) قوله : ماذا كان ... إلخ قال الباجي : يحتمل أن يسأله على معنى الاختبار أو نسي فأراد أن يتذكر وقال النووي : قالوا : يحتمل أنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك أو نحو ذلك قالوا : ويبعد أن عمر لم يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات وقربه منه
( 4 ) كان يقرأ ... إلخ قال ابن عبد البر : معلوم أنه صلى الله عليه و سلم كان يقرأ يوم العيد بسور شتى وليس في ذلك عند الفقهاء شيء لا يتعدى وكلهم يستحب ما روى أكثرهم . وجمهورهم : { سبح اسم } و { هل أتاك }
( 5 ) قوله : بقاف في الباب عن النعمان بن بشير عند مسلم لكن ذكر { سبح } و { هل أتاك } وعن ابن عباس عند البزار لكن ذكر بـ { عم يتساءلون } و { والشمس وضحاها } كذا في " التلخيص الحبير " ( في الأصل : " تلخيص الحبير " وهو خطأ ) لابن حجر رحمه الله
( 6 ) في الركعة الأولى
( 7 ) في الثانية قال العلماء : حكمة ذلك ما اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والقرون الماضية وهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث

70 - ( باب التكبير في العيدين ( 1 ) )
237 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع قال : شهدت ( 2 ) الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر ( 3 ) في الأولى سبع تكبيرات ( 4 ) قبل القراءة وفي الآخرة ( 5 ) بخمس تكبيرات قبل القراءة
قال محمد : قد اختلف ( 6 ) الناس في التكبير في العيدين فما أخذت به فهو حسن ( 7 ) وأفضل ذلك عندنا ما روي عن ابن مسعود أنه كان يكبر في كل عيد ( 8 ) تسعا : خمسا ( 9 ) وأربعا ( 10 ) فيهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع ويوالي بين القراءتين ويؤخر ( 11 ) ها ( 12 ) في الأولى ويقدمها في الثانية وهو قول أبي حنيفة
_________
( 1 ) أي في صلاة العيدين
( 2 ) أي : حضرت صلاتهما مقتديا به
( 3 ) قوله : فكبر قال مالك : هو الأمر عندنا وبه قال الشافعي : إلا أن مالكا عد في الأولى تكبيرة الإحرام وقال الشافعي سواها والفقهاء على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة القيام قاله ابن عبد البر
( 4 ) هذا لا يكون رأيا إلا توقيفا يجب التسليم له
( 5 ) في نسخة : الأخيرة
( 6 ) قوله : قد اختلف الناس لاختلاف الأخبار الواردة في ذلك على ما بسطه الزيلعي والعيني وابن حجر وغيرهم فأخرج أبو داود وابن ماجه عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكبر في العيدين في الأولى بسبع تكبيرات وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع . وفي سنده عبد الله بن لهيعة متكلم فيه وفي سنده اضطراب ذكره الدارقطني في " علله " وذكر الترمذي في " علله الكبرى " أن البخاري ضعف ( في نسخة : " ضعيف " وهو تحريف ) هذا الحديث . وأخرج أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : " التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية والقراءة بعدهما كتيهما " . وفي سنده عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ضعفه ابن معين ونقل الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال : صحيح . وأخرج الترمذي وحسنه وقال : هو أحسن شيء روي في الباب عن كثير بن عبد الله بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كبر في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة وفيه كثير بن عبد الله متكلم فيه وأخرج ابن ماجه عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد عن سعد عن عمار عن سعد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الأخرى خمسا قبل القراءة . وكذا أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر وهو الموافق لما أخرجه مالك عن أبي هريرة من فعله . وأخرج أبو داود عن مكحول قال : أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة : كيف كان رسول الله يكبر في الأضحى والفطر ؟ فقال أبو موسى : كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز فقال حذيفة : صدق . وفيه عبد الرحمن بن ثوبان متكلم فيه
هذا اختلاف الأخبار المرفوع ( انظر نصب الراية 3 / 217 و 218 ) . وأما الآثار فأخرج عبد الرزاق عن علقمة والأسود أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعا : أربعا قبل قراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع وأخرج أيضا عنهما أن ابن مسعود كان جالسا وعنده حذيفة وأبو موسى فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في العيد فقال حذيفة سئل الأشعري فقال : سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا فسأله فقال ابن مسعود : كان يكبر أربعا ثم يكبر فيركع فيقوم إلى الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة . وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق : كان ابن مسعود يعلمنا التكبير تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الآخرة ويوالي بين القراءتين وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن الحارث : شهدت ابن عباس كبر في العيد بالبصرة تسع تكبيرات ووالى بين القراءتين وشهدت المغيرة فعل ذلك . وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أن ابن عباس كبر في عيد ثلاث عشرة سبعا في الأولى وستا في الأخرى بتكبيرة الركوع كلهن قبل القراءة . وأخرج أيضا عن عمار أن ابن عباس كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الأخرى بتكبيرة الركوع . وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن عبد الله بن الحارث : صلى ابن عباس بالبصرة صلاة عيد فكبر تسع تكبيرات : خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة ووالى بين القراءتين . وهذا الاختلاف الوارد في المرفوع والآثار كله اختلاف في مباح كما أشار إليه محمد بقوله : فما أخذت به فهو حسن فلا يجوز لأحد أن يعنف فيه على خلاف ما يراه واختلاف الأئمة في ذلك إنما هو اختلاف في الراجح كما أشار إليه محمد بقوله : وأفضل ذلك ... إلخ فإن اختار أحد غير ما روي عن ابن مسعود فلا بأس به أيضا ( انظر بسط المذاهب وأدلتها في أوجز المسالك 3 / 355 )
( 7 ) قوله : فهو حسن ونظيره اختلافهم في تكبيرات صلاة الجنازة لاختلاف الأخبار والآثار في ذلك فما أخذت به فهو حسن
( 8 ) أي : في مجموع الركعتين
( 9 ) في الركعة الأولى واحدة منها تكبيرة الافتتاح وواحدة تكبيرة الركوع والثلاث زوائد
( 10 ) في الركعة الثانية واحدة منهن تكبيرة الركوع والثلاث زوائد
( 11 ) بيان للموالاة
( 12 ) أي : القراءة عن التكبيرات في الركعة الأولى

71 - ( باب قيام شهر ( 1 ) رمضان وما فيه من الفضل )
238 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى ( 2 ) في المسجد ( 3 ) فصلى بصلاته ناس ثم كثروا من القابلة ( 4 ) ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة ( 5 ) فكثروا فلم يخرج ( 6 ) إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أصبح ( 7 ) قال : قد رأيت الذي ( 8 ) قد صنعتم ( 9 ) البارحة ( 10 ) فلم يمنعني ( 11 ) أن أخرج إليكم إلا أني خشيت أن يفرض ( 12 ) ( 13 ) عليكم وذلك في رمضان
_________
( 1 ) قوله : شهر رمضان ويسمى التراويح جمع ترويحة لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين
( 1 ) قوله : صلى ... إلخ قال ابن عبد البر : تفسيره هذه الليالي التي صلى فيها بما رواه النعمان بن بشير قال : قمنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قمنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح . أخرجه النسائي . وأما عدد ما صلى ففي حديث ضعيف أنه صلى عشرين ركعة والوتر أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس ( أخرجه عبد بن حميد في مسنده رقم الحديث 653 ، قال في مجمع الزوائد 3 / 172 : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه أبو شيبة إبراهيم وهو ضعيف ) وأخرج ابن حبان في صحيحه ( انظر نصب الراية 1 / 293 ) من حديث جابر : أنه صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر وهذا أصح كذا في " التنوير "
( 2 ) قوله : في المسجد في رواية عمرة عن عائشة عند البخاري : صلى في حجرته وليس المراد بها بيته بل الحصير التي كان يحتجر بها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلي فيه وقد جاء ذلك مبنيا من طريق سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة رواه البخاري في اللباس
( 3 ) أي : في الليلة المستقبلة
( 4 ) قوله : أو الرابعة بالشك في رواية مالك ولمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الليلة الثانية فصلوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة فصلوا بصلاته فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله
( 5 ) قوله : فلم يخرج إليهم وفي رواية أحمد عن ابن جريج عن ابن شهاب : حتى سمعت ناسا منهم يقولون : الصلاة وفي رواية سفيان بن حسين فقالوا : ما شأنه ؟ وفي حديث زيد : ففقدوا صوته وظنوا أنه قد تأخر فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج وفي لفظ عن زيد : فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب . رواهما البخاري
( 6 ) في رواية للبخاري : فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم
( 7 ) في نسخة : ما
( 8 ) من حرصكم الصلاة معي
( 9 ) أي : الليلة الماضية
( 10 ) قوله : فلم يمنعني ... إلخ ظاهره أنه كان يحب أن يصلي بالناس في ليالي رمضان على الدوام ولم يمنعه إلا خشية أن يفرض عليهم فاستفيدت منه المواظبة الحكمية وإن لم توجد المواظبة الحقيقية ومدار السنية المواظبة مطلقا فيكون قيام رمضان سنة مؤكدة ( اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا والراجح عند الأئمة الأربعة كونها سنة مؤكدة لمواظبة الخلفاء الراشدين للرجال والنساء إجماعا . وذكر في " الاختيار " أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر فقال : التراويح سنة مؤكدة لم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم . أوجز المسالك 2 / 293 ) . وعليه جمهور أصحابنا وجمهور العلماء . وأما ما نقله بعض أصحابنا أن التراويح مستحب فهو مخالف للدراية والرواية وبهذا بعينه يثبت استنان الجماعة في التراويح واستنان التراويح في جميع الليالي خلافا لما قاله بعض الفقهاء : إن السنة هو التراويح بقدر ختم القرآن وبعده يبقى مستحبا وقد حققت كل ذلك مع ما له وما عليه بتحقيق أنيق في رسالتي " تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار "
( 11 ) قوله : أن يفرض عليكم قال الباجي : قال القاضي أبو بكر : يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه إن واصل هذه الصلاة معهم فرضها عليهم ويحتمل أنه ظن أن ذلك سيفرض عليهم لما جرت عادته بأن ما داوم عليه على وجه الاجتماع من القرب فرض على أمته ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليه وجوبها
( 12 ) صلاة الليل فتعجزوا عنها كما في رواية يونس عند مسلم

239 - أخبرنا مالك حدثنا سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان ؟ قالت : ما كان ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى ( 2 ) عشرة ركعة ( 3 ) يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن ( 4 ) وطولهن ثم يصلي أربعا ( 5 ) فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا ( 6 ) قالت : فقلت : يا رسول الله أتنام ( 7 ) قبل أن توتر ؟ فقال : يا عائشة عيناي تنامان ( 8 ) ولا ينام قلبي ( 9 )
_________
( 1 ) قوله : ما كان يزيد ... إلخ هذا بحسب الغالب وإلا فقد ثبت عنها أنها قالت : كان يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عشرة ركعة من الليل ثم صلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين ثم قبض حين قبض وهو يصلي تسع ركعات . أخرجه أبو داود . وثبت عنها : أنه صلى الله عليه و سلم كان يصلى ثلاث عشرة ركعة أخرجه مالك . وثبت من حديث زيد بن خالد وابن عباس أيضا ثلاث عشرة . فمن ظن أخذا من حديث عائشة المذكور ههنا أن الزيادة على إحدى عشرة بدعة فقد ابتدع أمرا ليس من الدين وقد فصلته في رسالتي " تحفة الأخيار "
( 2 ) قوله : إحدى عشر ركعة روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبغوي والبيهقي والطبراني عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي بعشرين ركعة والوتر في رمضان . وفي سنده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة جد ابن أبي شيبة صاحب المصنف وهو مقدوح فيه وقد ذكرت كلام الأئمة عليه في " تحفة الأخيار " . وقال جماعة من العلماء - منهم الزيلعي وابن الهمام والسيوطي والزرقاني - : إن هذا الحديث مع ضعفه معارض بحديث عائشة الصحيح في عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فيقبل الصحيح ويطرح غيره وفيه نظر : إذ لا شك في صحة حديث عائشة وضعف حديث ابن عباس لكن الأخذ بالراجح وترك المرجوح إنما يتعين إذا تعارضا تعارضا لا يمكن الجمع وههنا الجمع ممكن بأن يحمل حديث عائشة على أنه إخبار عن حاله الغالب كما صرح به الباجي في " شرح الموطأ " وغيره ويحمل حديث ابن عباس على أنه كان ذلك أحيانا ( قلت : قد يعمل بالضعيف لتقويته بالتعامل وغيره يؤيد حديث ابن عباس عمل الفاروق فقد تلقته الأمة بالقبول واستقر أمر التراويح في السنة الثانية من خلافته كما في طبقات ابن سعد 3 / 202 )
( 3 ) أي : غير ركعتي الفجر كما في رواية القاسم عنها
( 4 ) أي : إنهن في نهاية من الحسن والطول مستغنيات بظهور ذلك عن السؤال
( 5 ) قوله : ثم يصلي أربعا وأما ما سبق من أنه كان يصلي مثنى مثنى ثم واحدة فمحمول على وقت آخر فالأمران جائزان كذا في " إرشاد الساري "
( 6 ) قوله : ثم يصلي ثلاثا قال الزرقاني : يوتر منها بواحدة كما في حديثه فوق هذا الحديث : كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة . انتهى . أقول : كأنه رام الجمع بين هذا الحديث الدال على أنه صلى الوتر ثلاثا وبين حديثها السابق في ( باب صلاة الليل ) الذي يدل بظاهره على أن الوتر واحدة وليس بذلك أما أولا : فلأن للخصم أن يقول : معنى ( يوتر بواحدة ) يجعل الشفع بضم الواحدة وترا فلا يتعين طريق الجمع في ما ذكره وأما ثانيا : فلأن الجمع بالحمل على اختلاف الأحوال ممكن بل هذا هو الصحيح كيف وقد ثبت من حديثها صريحا أنه صلى الله عليه و سلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر كما ذكرنا في باب صلاة الليل وإني لفي غاية العجب من الفقهاء حيث يجهدون فيما اختلف فيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم باختلاف الأحوال في إبداء تأويلات ركيكة ليؤول كل الروايات إلى ما ذهبوا إليه وأنى يتيسر لهم ذلك ؟
( 7 ) قوله : أتنام قبل أن توتر بهمزة الاستفهام لأنها لم تعرف النوم قبل الوتر لأن أباها كان لا ينام حتى يوتر وكان يوتر أول الليل قال ابن عبد البر : في الحديث تقديم وتأخير ومعناه : أنه كان ينام قبل صلاته . وهذا يدل على أنه كان يقوم ثم ينام ثم يقوم ثم ينام ثم يقوم فيوتر
( 8 ) لأن القلب إذا قويت حياته لا ينام إذا نام البدن ولا يكون ذلك إلا للأنبياء كما قال عليه السلام : إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا
( 9 ) قوله : ولا ينام لا يعارضه نومه في الوادي لأن رؤية الفجر متعلق بالعين لا بالقلب كذا حققه الشراح وفي المقام تفصيل مظانه الكتب المبسوطة

240 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرغب الناس في قيام ( 2 ) رمضان من غير أن يأمر ( 3 ) بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيمانا ( 4 ) واحتسابا غفر له ما تقدم ( 5 ) من ذنبه
قال ابن شهاب : فتوفي ( 6 ) النبي صلى الله عليه و سلم والأمر ( 7 ) على ذلك ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر وصدرا ( 8 ) من خلافة عمر على ذلك
_________
( 1 ) قوله : أن ... إلخ قال السيوطي : ليحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ... إلخ قال ابن عبد البر : اختلفت الرواة عن مالك فرواه يحيى بن يحيى هكذا متصلا وتابعه ابن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم ومعن بن زائدة ورواه القعنبي وأبو مصعب ومطرف وابن وهب وأكثر رواة الموطأ عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة مرسلا لم يذكروا أبا هريرة
( 2 ) أي : صلاة التراويح قاله النووي : وقال غيره : بل مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل
( 3 ) قوله : يأمر قال النووي : معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب ثم فسره بقوله : فيقول : إلخ وهذه الصنيعة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب
( 4 ) قال النووي : معناه تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلته وأن يريد به وجه الله ولا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك
( 5 ) قوله : ما تقدم من ذنبه قال النووي : المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر وقال بعضهم : يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادفه صغيرة وقال ابن حجر : ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر وأخرج ابن عبد البر من طريق حامد بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ( أخرجه البخاري في : 31 - كتاب صلاة التراويح 1 - باب فضل من قام رمضان ومسلم في : 6 - كتاب صلاة المسافرين 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح رقم الحديث 174 ) كذا في " التنوير "
( 6 ) قال الباجي : هذا مرسل أرسله الزهري
( 7 ) قوله : والأمر على ذلك قال الباجي : معناه أن حال الناس على ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه و سلم من ترك الناس والندب إلى القيام وأن لا يجتمعوا فيه على إمام يصلي بهم خشية أن يفرض عليهم ويصح أن لا يكونوا يصلون إلا في بيوتهم أو يصلي الواحد منهم في المسجد ويصح أن يكونوا لم يجمعوا على إمام واحد ولكنهم كانوا يصلون أوزاعا متفرقين
( 8 ) أي : في أوائل خلافته

241 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد ( 1 ) القاري ( 2 ) : أنه خرج ( 3 ) مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع ( 4 ) متفرقون يصلي الرجل ( 5 ) فيصلي بصلاته الرهط ( 6 ) فقال عمر : والله إني لأظنني لو جمعت هؤلاء على قارئ ( 7 ) واحد لكان أمثل ( 8 ) ثم عزم فجمعهم ( 9 ) على أبي بن كعب ( 10 ) ( 11 ) قال : ثم خرجت معه ( 12 ) ليلة أخرى والناس يصلون ( 13 ) بصلاة ( 14 ) قارئهم ( 15 ) فقال : نعمت ( 16 ) البدعة ( 17 ) هذه والتي ( 18 ) ينامون عنها أفضل ( 19 ) من التي يقومون فيها . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون ( 20 ) أوله
قال محمد : وبهذا كله نأخذ لا بأس بالصلاة في شهر رمضان أن يصلي الناس تطوعا ( 21 ) بإمام لأن المسلمين قد أجمعوا على ذلك ( 22 ) ورأوه حسنا ( 23 )
وقد روي ( 24 ) عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ما رآه ( 25 ) المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح
_________
( 1 ) بالتنوين بلا إضافة
( 2 ) بشد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة
( 3 ) في المسجد النبوي
( 4 ) أي : جماعات متفوقون
( 5 ) بيان لما مأجمله أولا
( 6 ) ما بين الثلاثة إلى العشرة
( 7 ) لأنه أنشط لكثير من المصلين ولما في الاختلاف من افتراق الكلمة
( 8 ) قوله : لكان أمثل قال ابن التين وغيره : استنبط عمر من تقرير النبي صلى الله عليه و سلم من صلى ما هو في تلك الليالي وإن كان كره لهم ذلك فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم فلما مات النبي صلى الله عليه و سلم حصل الأمن من ذلك ورأى عمر ذلك لما في الاختلاف من افتراق الكلمة
( 9 ) في سنة أربع عشرة من الهجرة
( 10 ) قوله : على أبي بن كعب كأنه اختاره عملا بحديث يؤم القوم أقرؤهم وقد قال عمر : أقرؤنا أبي ذكره ابن عبد البر وابن حجر وتبعهما من جاء بعدهما وقد استخرجت لذلك أصلا آخر لطيفا وهو أنه قد علم أن أبيا كان يصلي بالناس في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحب عمر أن يجمع الناس به وذلك لما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال : ما هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي وهم يصلون بصلاته فقال : أصابوا ونعم ما صنعوا . وقال ابن حجر ( انظر فتح الباري 4 / 252 ، وبذل المجهود 7 / 159 ، وحديث مسلم بن خالد مؤيد بروايات عديدة كما في الأوجز 2 / 291 . وهذا الحديث صريح في أن الصلاة بجماعة كانت شائعة في زمانه صلى الله عليه و سلم وليس المراد من جمع عمر الناس على أبي إلا مثل جمع عثمان على القرآن ) : فيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف والمحفوظ أن عمر هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب . انتهى . وفيه نظر فإن مسلم بن خالد وإن ضعفه ابن معين في رواية وأبو داود لكن وثقه ابن معين في رواية ابن حبان وأما كون عمر أول من جمع الناس على أبي كما هو المعروف فهو لا ينافي ذلك لأن صلاة أبي مع الناس في زمن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن من اهتمامه ولم يكن من أمره والاهتمام به والإجماع على إمام واحد إنما كان في زمن عمر فهو أول من فعل ذلك وقد حققت المرام في " تحفة الأخيار "
ثم جمع الناس على أبي في عهد عمر إنما كان للرجال وأما النساء فكان إمام آخر كما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عروة أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بالرجال وكان تميم الداري يصلي بالنساء وفي رواية محمد بن نصر في " كتاب قيام الليل " في ذكر إمام النساء سليمان بن أبي حثمة قال ابن حجر : لعل ذلك كان في وقتين . انتهى . وعلى هذا يحمل اختلاف ما رواه مالك عن السائب أن عمر أمر أبي بن كعب وتميما أن يكون بإحدى عشرة ركعة مع ما رواه هو والبيهقي أن عمر جمع الناس على ثلاث وعشرين ركعة مع الوتر فيحمل ذلك على أن الاقتصار على الأول كان في البداء ثم استقر الأمر على عشرين ذكره ابن عبد البر
( 11 ) أي : جعله إماما لهم
( 12 ) أي : مع عمر
( 13 ) قوله : يصلون ... إلخ هو صريح في أن عمر لم يكن يصلي معهم لأنه كان يرى أن الصلاة في بيته ولا سيما في آخر الليل أفضل كذا في " التنوير "
( 14 ) قوله : بصلاة فيه دليل على أن عمر لم يكن يصلي معه وكذا ورد في رواية الطحاوي وغيره عن ابن عمر وجماعة من التابعين أنهم كانوا لا يصلون مع الإمام بل في بيوتهم فدل ذلك على أن الجماعة في التراويح سنة على الكفاية ( قال النووي في شرح مسلم 3 / 39 : اختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفردا في بيته أم في جماعة في المسجد ؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم : الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية : الأفضل فرادى في البيت . اهـ
ولا يذهب عليك أن اختيار الموالك أفضلية البيت مقيد بعدم تعطل المساجد كما صرح به في " مختصر خليل " )
( 15 ) أي : إمامهم المذكور
( 16 ) قوله : نعمت البدعة يريد صلاة التراويح فإنه في حيز المدح وفيه تحريض على الجماعة المندوب إليها وإن كانت لم تكن في عهد أبي بكر فقد صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما قطعها إشفاقا من أن تفرض على أمته وكان عمر ممن نبه عليها وسنها على الدوام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كذا في " الكاشف عن حقائق السنن " للطيبي
( 17 ) قوله : البدعة فيه إشارة إلى أنها ليست ببدعة شرعية حتى تكون ضلالة بل بدعة لغوية وهي حسنة وقد حققت الأمر في ذلك في رسالتي " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة "
( 18 ) أي : الصلاة التي
( 19 ) قال ابن حجر : هذا التصريح بأن الصلاة آخر الليل أفضل
( 20 ) قوله : يقومون أي : في الابتداء ثم جعله عمر في آخر الليل لقول ابن عباس : دعاني عمر أتغدى معه في رمضان يعني السحور فسمع هيعة الناس حين انصرفوا فقال عمر : أما إن الذي بقي من الليل أحب مما مضى كذا ذكره الزرقاني
( 21 ) قوله : تطوعا إطلاق التطوع على التراويح باعتبار أنها زائدة على الفرائض وبهذا المعنى يطلق التطوع على جميع السنن فلا ينافي ذلك كونه سنة مؤكدة كما صرح به الجمهور من أصحابنا وغيرهم أخذا من المواظبة النبوية الحكمية ومن المواظبة الحقيقية من الصحابة ومن المواظبة التشريعية من الخلفاء
( 22 ) قوله : على ذلك أي : على صلاتهم بإمامهم في ليالي رمضان في زمان الخلفاء عمر وعثمان وعلي فمن بعدهم إلى يومنا هذا
( 23 ) قوله : ورأوه حسنا كما يدل عليه قول عمر : نعمت البدعة قال ابن تيمية في " منهاج السنة " : إنما سماه بدعة لأن ما فعل ابتداء بدعة في اللغة وليس ذلك بدعة شرعية فإن البدعة الشرعية التي هي ضلالة ما فعل بغير دليل شرعي كاستحباب ما لم يحبه الله وإيجاب ما لم يوجبه الله وتحريم ما لم يحرمه الله . انتهى . وبه يندفع ما يقال : إن قول عمر نعمت البدعة مخالف لحديث " كل بدعة ضلالة " بأن المراد بالبدعة في الكلية البدعة الشرعية وتوصيف الحسن للبدعة اللغوية ولم يرو عن أحد من الصحابة في زمان الخلفاء فمن بعدهم الإنكار على ذلك بل قد وافقوا عمر في كونه حسنا وباشروا به وأمروا واهتموا به فأخرج ابن أبي شيبة في " المصنف " عن وكيع عن هشام عن أبي بكر بن أبي مليكة أن عائشة أعتقت غلاما لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف وعلقه البخاري في " باب إمامة العبد " بلفظ : وكانت عائشة يؤمها ذكوان من المصحف . وأخرج محمد في كتاب " الآثار " عن إبراهيم النخعي أن عائشة تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسطا وأخرج البيهقي عن السائب : كانوا يقومون على عهد عمر في شهر رمضان بعشرين ركعة وأخرج عن عروة أن عمر أول من جمع الناس على قيام رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة زاد ابن سعد : فلما كان عثمان جمع الرجال والنساء على إمام واحد سليمان بن أبي حثمة . وأخرج البيهقي عن شبرمة - وكان من أصحاب علي - أنه كان يؤمهم في رمضان فيصلي خمس ترويحات . وأخرج أيضا أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بعشرين ركعة وعلى عهد عثمان وعلي مثله وأخرج أيضا عن عرفجة : كان علي يأمر الناس بقيام رمضان . ويجعل للرجال إماما وللنساء إماما قال عرفجة : فكنت أنا إمام النساء . وعن أبي عبد الرحمن السلمي : أن عليا دعا القراء في رمضان فأمر رجلا بأن يصلي بالناس عشرين ركعة وكان علي يوتر بهم . وروي عن علي أنه قال : نور الله قبر عمر كما نور علينا مساجدنا ذكره ابن تيمية . وفي الباب آثار كثيرة
فإن قلت : قد روى الطحاوي وغيره تخلف ابن عمر وعروة وجماعة من التابعين عن صلاة الجماعة في ليالي رمضان فكيف يصح قول محمد : لأن المسلمين أجمعوا على ذلك ؟ قلت : تخلفهم لأنهم كانوا يرون الصلاة في البيوت أو في آخر الليل أفضل لكن لم ينقل عن أحد منهم أنهم أنكروا على اجتماعهم على إمام واحد في المسجد ورأوه قبيحا فإن لم يثبت الإجماع على المباشرة فلا مناص عن ثبوت الإجماع على كونه حسنا وهو مراد محمد فإن ضمير قوله : ( على ذلك ) يرجع إلى ما ذكره بقوله لا بأس إلى آخره فليس غرضه الإجماع على المباشرة بل الإجماع على أنه لا بأس بذلك وعلى أنه حسن وبالجملة المواظبة التشريعية ثابتة من الصحابة فمن بعدهم على حسن أداء التراويح عشرين ركعة بالجماعة ( قال الكساني : إن عمر رضي الله عنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان على أبي بن كعب فصلى بهم كل ليلة عشرين ركعة ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا منهم على ذلك . اهـ . وفي المغني 1 / 803 : وهذا كالإجماع ) أما روايات التراويح في عهد عمر على وجوه : منها إحدى عشر ركعة وثلاث وعشرون ركعة في الموطأ قال ابن عبد البر : روى غير مالك في هذا الحديث إحدى وعشرون وهو الصحيح ويقول : إن الأغلب أن قوله إحدى عشر وهم رجحه الشيخ في أوجز المسالم 2 / 301 ولكن نسب الوهم إلى محمد بن يوسف لأن نسبة الوهم إلى الإمام مالك أبعد من النسبة إليه وإن لم يثبت الإجماع الفعلي من جميعهم فافهم فإنه من سوانح الوقت
( 24 ) قوله : وقد روي ... إلى آخره أقول : هذا صريح في أن " ما رآه المؤمنون حسنا " الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ولم يزل الفقهاء والأصوليون من أصحابنا وغيرهم يذكرونه مرفوعا وكلمات جماعة من المحدثين شهدت بأنه ليس بمرفوع بل هو قول ابن مسعود بل نص بعضهم على أنه لم يوجد مرفوعا من طريق أصلا وكنت قد ملت إليه في رسالتي " تحفة الأخيار " ففي " المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة " ( المقاصد الحسنة ص 367 ، وأخرجه البزار في كشف الأستار 1 / 80 ) لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي : حديث : " ما رآه المسلمون حسنا " أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود من قوله وكذا أخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في " حلية الأولياء " في ترجمة ابن مسعود بل هو عند البيهقي في " الاعتقاد " من وجه آخر عن ابن مسعود انتهى . كلامه من نسخة مقروءة عليه وعليها خطه في مواضع وفي نسخة أخرى للمقاصد : حديث : " ما رآه المسلمون " أخرجه ( سقط من الأصل : " أخرجه " ) أحمد في كتاب " السنة " - ووهم من عزاه للمسند - من حديث أبي وائل عن ابن مسعود قال : إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمدا صلى الله عليه و سلم فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه " فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " وكذا أخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم في ترجمة ابن مسعود من " الحلية " بل هو عند البيهقي في " الاعتقاد " من وجه آخر عن ابن مسعود . انتهى . وفي " الأشباه والنظائر " للزين بن نجيم المصري عند ذكر القاعدة السادسة من النوع الأول من الفن الأول وهي أن العادة محكمة أصلها : قوله عليه السلام " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " قال العلائي : لم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول ابن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في " مسنده " انتهى
وفي " حواشي الأشباه " للسيد أحمد الحموي عند قوله : ( أخرجه أحمد في " مسنده " ) قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " : حديث ما رآه المسلمون حسنا رواه أحمد في كتاب " السنة " - ووهم من عزاه للمسند - من حديث أبي وائل عن ابن مسعود وهو موقوف حسن . انتهى . فكأن العلائي تبع من وهم في نسبه إلى " المسند " انتهى . ثم منحني الله تعالى باشتراء قطعة من " مسند الإمام أحمد " فإذا فيه في مسند عبد الله بن مسعود قال أحمد : نا أبو بكر نا عاصم عن زر ابن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله عز و جل نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه و سلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ انتهى . فعلمت أن نسبة الوهم إلى من نسبه إلى " مسند أحمد " كما صدر عن السخاوي وغيره وهم لعله صدر من عدم مراجعة " مسند أحمد " أو يكون ذلك لاختلاف النسخ ( قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 177 و 178 : أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون ) ثم بحثت عن رفع هذا الخبر ظنا مني أنه لا بد أن يكون في كتاب من الكتب طريق له مرفوعا وإن كان مقدوحا وإلا فيستبعد أن ينسبه الجم الغفير من المفسرين والفقهاء والأصوليون إلى النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجود طريق مرفوع له فإن منهم المحدثين الذين بحثوا عن الإسناد وكشفوا الغطاء عن وجه المراد فيستبعد منهم وقوع ذلك وإن لم يستبعد ممن لا يعد من المحدثين ذلك لعدم مهارته في ما هنالك فبعد كثرة التتبع اطلعت على سند مرفوع له في " كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " لابن الجوزي لكن لا سالما من القدح بل مجروحا بغاية الجرح وهذه عبارته في ( باب فضل الصحابة ) من كتاب الفضائل : أخبرنا القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أنا محمد بن إسماعيل بن عمر البجلي قال : أنا يوسف بن عمر قال : قرئ على أحمد بن أبي زهير البخاري وأنا أسمع قيل له : حدثكم علي بن إسماعيل ؟ قال : أنا أبو معاذ رجاء بن معبد قال : نا سليمان بن عمرو النخعي وأنا أسمع قال : حدثنا أبان بن أبي عياش وحميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد قلبا أتقى من أصحابي فذلك أخيارهم فجعلهم أصحابا فما استحسنوا فهو عند الله حسن وما استقبحوا فهو عند الله قبيح قال المؤلف - أي ابن الجوزي - : تفرد به النخعي قال أحمد بن حنبل : كان يضع الحديث وقال المؤلف أيضا : قلت : هذا الحديث إنما يعرف من كلام ابن مسعود . انتهت . فعلمت أن هذا هو وجه انتسابهم قول " ما رآه المسلمون حسنا " إلى النبي صلى الله عليه و سلم لكن لا يخفى ما في الطريق المرفوع من وقوع سليمان بن عمرو النخعي وهو كذاب على ما نقله ابن الجوزي ونقل برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي في رسالته " الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث " عن ابن عدي أنه قال : أجمعوا على أن سليمان بن عمرو النخعي يضع الحديث وعن ابن حبان : كان رجلا صالحا في الظاهر إلا أنه كان يضع الحديث وضعا وكان قدريا وعن الحاكم : لست أشك في وضعه للحديث . انتهى
( 25 ) قوله : ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن إلى آخره اعلم أنه قد جرت عادة كثير من المتفقهين بأنهم يستدلون بهذا الحديث على حسن ما حدث بعد القرون الثلاثة من أنواع العبادات وأصناف الطاعات ظنا منهم أنه قد استحسنها جماعة من العلماء والصلحاء وما كان كذلك فهو حسن عند الله لهذا الحديث . ويرد عليهم من وجهين : أحدهما : أنه حديث موقوف على ابن مسعود فلا حجة فيه ويجاب عنهم بأنه إن ثبت رفع هذا الحديث على ما ذكره جمع منهم محمد فذاك وإلا فلا يضر المقصود لأن قول الصحابي : في ما لا يعقل له حكم الرفع على ما هو مصرح في أصول الحديث فهذا القول وإن كان قول ابن مسعود لكن لما كان مما لا يدرك بالرأي والاجتهاد صار مرفوعا حكما فيصح الاستدلال به وثانيهما : أنه لا يخلو إما أن يكون اللام الداخلة على المسلمين في هذا الحديث للجنس أو للعهد أو للاستغراق ولا رابع أما الأول فباطل لأنه حينئذ تبطل الجمعية ويلزم أن يكون ما رآه مسلم واحد أيضا وإن خالفه الجمهور حسنا عند الله ولم يقل به أحد وأيضا يلزم منه أن يكون ما أحدثته الفرق الضالة من البدعات والمنهيات أيضا حسنا لصدق رؤية مسلم حسنا وهو باطل بالإجماع وأيضا يخالف حينئذ قوله صلى الله عليه و سلم : " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة " وقوله صلى الله عليه و سلم : " من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين " وقوله صلى الله عليه و سلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وقوله صلى الله عليه و سلم : " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أنه ليس كل ما حدث بعد النبي صلى الله عليه و سلم وليس كل ما أحدثه مسلم من أمته حسنا وإذا بطل أن يكون اللام للجنس تعين أن يكون للعهد أو للاستغراق أما على الأول : فالمعهود إما المسلمون الكاملون كأهل الاجتهاد كما قال علي القاري في " المرقاة " : المراد بالمسلمين زبدتهم وعمدتهم وهم العلماء بالكتاب والسنة الأتقياء عن الشبهة والحرام . انتهى . وإما الصحابة وهو الأظهر بل لا يميل القلب الصادق إلى سواه لكونه بعض حديث من حديث طويل مشتمل على توصيف الصحابة والأصل في اللام هو العهد الخارجي ويؤيده دخول الفاء على قوله : " ما رآه المسلمون " على ما هو أصل الرواية وإن اشتهر بحذفها على لسان الأمة فإذن لا يدل الحديث إلا على حسن ما استحسنه الصحابة أو ما استحسنه الكاملون من أهل الاجتهاد لا على ما استحسنه غيرهم من العلماء الذين حدثوا بعد القرون الثلاثة ولا حظ لهم من الاجتهاد وما لم يدخل ذلك في أصل شرعي وأما على الثاني : فإما أن يكون للاستغراق الحقيقي فلا يدل إلا على حسن ما استحسنه جميع المسلمين لا على حسن ما وقع الاختلاف فيه وإما أن يكون للاستغراق العرفي وهو استغراق المسلمين الكاملين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين وبعد اللتيا واللتي أقول : كلام محمد - رحمه الله تعالى - ههنا صاف من الكدورات لأنه إنما استدل بهذا الحديث على حسن قيام رمضان بالجماعة وهو أمر استحسنه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والعلماء الكاملون وما استحسنه هؤلاء فهو عند الله حسن بلا ريب وما استقبحه هؤلاء فهو عند الله قبيح بلا ريب وبالجملة فهذا الحديث نعم الدليل على حسن ما استحسنه الصحابة وغيرهم من المجتهدين وقبح ما استقبحوه وأما ما استحسنه غيرهم من العلماء فالمرجع فيه إلى القرون الثلاثة أو إلى دخوله في أصل من الأصول الشرعية فما لم يوجد في القرون الثلاثة ولم يستحسنه أهل الاجتهاد ولم يوجد له دليل صريح أو ما يدخل فيه من الأصول الشرعية فهو ضلالة بلا ريب وإن استحسنه مستحسن فافهم

72 - ( باب القنوت في الفجر )

242 - أخبرنا مالك عن نافع قال : كان ( 1 ) ابن عمر لا يقنت ( 2 ) في الصبح
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : كان ابن عمر لا يقنت في الفجر هكذا روي عنه بروايات متعددة وعن جماعة من الصحابة فمنهم من لم يختلف عنه ومنهم من روي عنه القنوت والترك كلاهما فأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر . وأخرج عن علي أنه لما قنت في الفجر أنكر عليه الناس ذلك فلما سلم قال : إنما استنصرنا على عدونا . وأخرج أيضا عن ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وابن عمر أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر . وأخرج محمد في " الآثار " عن الأسود بن يزيد أنه صحب عمر سنين في السفر والحضر فلم يره قانتا في الفجر حتى فارقه . وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس قال : القنوت في الصبح بدعة . وأخرج الحازمي في كتاب " الاعتبار " عن ابن مسعود قال : لم يقنت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا شهرا لم يقنت قبله ولا بعده . وأخرج عن ابن عمر أنه قال : رأيت قيامكم عند فراغ القارئ والله إنه لبدعة ما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم غير شهر واحد ثم تركه . وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " أن عليا وأبا موسى كانا يقنتان في الفجر . وأخرج أيضا عن إبراهيم : كان عبد الله لا يقنت في الفجر وأول من قنت فيها علي كانوا يرون أنه إنما فعل ذلك لأنه كان محاربا . وأخرج عن ابن عباس أنه قنت في الفجر قبل الركعة وأخرج أن ابن عمر وابن عباس كانا لا يقنتان في الصبح . وأخرج عن ابن مسعود أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة إلا الوتر فإنه كان يقنت فيهما قبل الركعة . وأخرج عن ابن الزبير أنه كان لا يقنت في الصبح . وأخرج عن عمر أنه كان يقنت ومن طريق آخر أنه كان لا يقنت ومن طريق أنه إذا كان محاربا قنت وإلا لا . وذكر الحازمي أن ممن روي عنه القنوت عمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبو موسى وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عباس وأبو هريرة والبراء وأنس وسهل بن سعد وغيرهم ( في الأصل : " غيره " والصواب : " غيرهم " )
ولاختلاف الصحابة في ذلك وقع الاختلاف بين التابعين والأئمة المجتهدين فمن ذهب إلى القنوت في الفجر سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأبان بن عثمان وقتادة وطاووس وعبيد بن عمير وعبيدة السلماني وعروة بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه والثوري في رواية وغيرهم كذا ذكره الحازمي وذهب نفر من الأئمة منهم إبراهيم والثوري في رواية وأبو حنيفة ( إن الحنفية والحنابلة متفقون في دوام قنوت الوتر دون الفجر وقنوت اللعن عندهم مخصوص بالنوازل يكون في رمضان أو في غيره . انظر أوجز المسالك 2 / 308 ) وأصحابه إلى أن لا قنوت في شيء من الصلوات إلا في الوتر وإلا ( في الأصل : " إلا " والصواب : " وإلا " ) في نازلة فإنه حينئذ يشرع القنوت في الفجر . وأما الأخبار المرفوعة في ذلك فمختلفة اختلافا فاحشا فورد أنه صلى الله عليه و سلم كان يقنت في الصلوات كلها وورد أنه كان يقنت في الفجر والمغرب وورد أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وورد أنه لم يقنت إلا شهرا يدعو على قوم من الكفار ثم تركه وورد الاختلاف أيضا في القنوت قبل الركوع أو بعده وورد في بعض الروايات أنه كان لا يقنت إلا أن يدعو لقوم أو على قوم . ولا نزاع بين الأئمة في مشروعية القنوت ولا في مشروعيته للنازلة إنما النزاع في بقاء مشروعيته لغير النازلة فأصحابنا يقولون : القنوت كان حين كان ثم ترك وغيرنا يقولون لم يزل ذلك في الصبح وإنما ترك في باقي الصلوات والكلام في المقام طويل من الجوانب إبراما وجرحا وإيرادا ودفعا مظانه الكتب المبسوطة كـ " الاستذكار " و " شرح معاني الآثار " و " تخريج أحاديث الهداية " وغير ذلك
( 2 ) بل روي عنه أنه بدعة

73 - ( باب فضل صلاة الفجر في الجماعة وأمر ركعتي الفجر )

243 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي بكر ( 1 ) بن سليمان بن أبي حثمة : أن عمر بن الخطاب فقد سليمان ( 2 ) بن أبي حثمة ( 3 ) في صلاة الصبح وأن عمر غدا ( 4 ) إلى السوق وكان منزل ( 5 ) سليمان بين السوق والمسجد فمر عمر على أم سليمان الشفاء ( 6 ) ( 7 ) فقال : لم أر ( 8 ) سليمان في الصبح فقالت : بات يصلي ( 9 ) فغلبته ( 10 ) عيناه فقال عمر : لأن أشهد ( 11 ) صلاة الصبح أحب إلي ( 12 ) من أن أقوم الليلة
_________
( 1 ) قوله : أبي بكر ثقة عارف بالنسب لا يعرف اسمه واسم أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي المدني كذا في " التقريب "
( 2 ) قوله : سليمان قال ابن حبان : له صحبة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) بفتح المهملة وإسكان المثلثة
( 4 ) أي : ذهب بالغدوة أي : الصبح
( 5 ) ولذا استعمله على السوق لقربه منه
( 6 ) بكسر الشين
( 7 ) قوله : الشفاء هي بنت عبد الله بن عبد شمس بن خالد القرشية العدوية من المبايعات قال أحمد بن صالح : اسمها ليلى وغلب عليها الشفاء كذا في " الاستيعاب "
( 8 ) فيه تفقد الإمام رعيته في شهود الخير
( 9 ) أي : النوافل بالليل
( 10 ) أي نام
( 11 ) أي : أحضر مع الجماعة
( 12 ) لما في ذلك من الفضل الكبير

244 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر أخبره عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا سكت ( 1 ) المؤذن من صلاة الصبح ( 2 ) وبدأ ( 3 ) الصبح ( 4 ) ركع ركعتين ( 5 ) خفيفتين ( 6 ) قبل أن تقام الصلاة
قال محمد : وبهذا نأخذ الركعتان قبل صلاة الفجر يخففان ( 7 ) ( 8 )
_________
( 1 ) يستنبط منه أن لا يصلي عند الأذان بل يشتغل في الجواب
( 2 ) والجملة حالية
( 3 ) أي : ظهر
( 4 ) هذه الجملة إنما زيدت لئلا يتوهم أنه كان يصلي ركعتي الفجر بعد الأذان الأول الذي يؤذن به قبل طلوع الفجر
( 5 ) قوله : ركعتين في رواية عمرة عن عائشة : ثم يصلي إذا سمع النداء أي ركعتين خفيفتين حتى إني لأقول هل قرأ بأم الكتاب أم لا ؟
( 6 ) قوله : خفيفتين اختلف في حكمة تخفيفهما فقيل : ليبادر إلى صلاة الصبح وقيل : ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما كان يصنع في صلاة الليل
( 7 ) في نسخة : مخففتان
( 8 ) قوله : يخففان بأن يقرأ فيهما : { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } كما أخرجه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأهما فيهما ولأبي داود : { قل آمنا بالله وما أنزل إلينا } في الركعة الأولى وفي الثانية { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول }

245 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أنه رأى رجلا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع ( 1 ) فقال ابن عمر : ما شأنه ( 2 ) ؟ فقال نافع : فقلت : يفصل بين صلاته قال ابن عمر : وأي فصل ( 3 ) ( 4 ) أفضل من السلام
قال محمد : وبقول ابن عمر ( 5 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : ثم اضطجع ... إلخ لا شبهة في ثبوت الاضطباع عن النبي صلى الله عليه و سلم قولا وفعلا بعد ركعتي الفجر أو قبلهما بعد صلاة الليل وثبوت الترك عنه ( الصواب هو الجمع بين الحديثين معا وأحسن الجمع ما نقله شيخنا عن والده - نور الله مرقده وبرد مضجعه - أن النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان يفرغ من قيام الليل قبل طلوع الفجر يضطجع إلى أن يأتيه المؤذن بصلاة الفجر فيقوم فيصلي ركعتي الفجر ويغدو إلى الصلاة وإذا فرغ من قيام الليل عند طلوع الفجر فيصلي ركعتي الفجر أيضا لما قد حان وقته ويضطجع بعد ذلك . أوجز المسالك 2 / 329 ) أما ثبوته فعلا بعد ركعتي الفجر ففي حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن أخرجه البخاري وغيره . وأما ثبوته قبلهما ففي حديثها من رواية مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وقد مر في ( باب صلاة الليل ) . وأما ثبوته قولا ففي حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح . وأما ثبوت الترك ففي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى سنة الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم وقد اختلف العلماء في ذلك على ستة أقوال على ما ذكره العيني في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " . الأول أنه سنة وهو مذهب الشافعي وأصحابه والثاني : أنه مستحب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس وأبي هريرة ومحمد بن سيرين وعروة وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد والثالث : واجب لا بد منه وهو قول ابن حزم والرابع : بدعة وبه قال عبد الله بن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه فروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة والحمار إذا سلم فقد فصل . وروى أيضا أن ابن عمر نهى عنه وأخبر أنها بدعة وممن كره ذلك من التابعين الأسود وإبراهيم النخعي وقال : هي ضجعة الشيطان . أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وحكاه عياض عن مالك وجمهور العلماء والخامس : أنه خلاف الأولى عن الحسن أنه كان لا يعجبه والسادس أنه ليس مقصودا لذاته وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر والفريضة إما باضطجاع أو حديث أو غير ذلك وهو محكي عن الشافعي . انتهى كلام العيني ملخصا
قلت : ظاهر الأحاديث القولية والفعلية تقتضي مشروعية الضجعة بعد ركعتي الفجر فلا أقل من أن يكون مستحبا إن لم يكن سنة وأما حمل ابن حزم الأمر للوجوب فيبطله ثبوت الترك وأما إنكار ابن مسعود وابن عمر فإما أن يحمل على أنه لم يبلغهما الحديث وهو غير مستبعد فإن النبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يصلي ركعتي الفجر ويضطجع بعدهما في بيته وابن مسعود وابن عمر لم يكونا يحضرانه في ذلك الوقت وعائشة أعلم بحاله في ذلك الوقت وقد أخبرت بوقوعه وإما أن يحمل على أنهما بلغهما الحديث لكن حملاه على الاستراحة لا على التشريع أو حملاه على كونه في البيت خاصا لا في المسجد أو نحو ذلك والله أعلم . وفي " شرح القاري " قال ابن حجر المكي في " شرح الشمائل " : روى الشيخان أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك ولأمره صلى الله عليه و سلم كما رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به خلافا لمن نازع وهو صريح في ندبها لمن في المسجد وغيره خلافا لمن خص ندبها بالبيت وقول ابن عمر إنها بدعة وقول النخعي إنها ضجعة الشيطان وإنكار ابن مسعود لها فهو لأنه لم يبلغهم ذلك . وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها وإنها لا تصح الصلاة بدونها . انتهى . ولا يخفى بعد عدم البلوغ إلى هؤلاء الأكابر الذين بلغوا المبلغ الأعلى لا سيما ابن مسعود الملازم له في السفر والحضر وابن عمر المتفحص عن أحواله صلى الله عليه و سلم فالصواب حمل إنكارهم على العلة السابقة من الفصل وعلى فعله في المسجد بين أهل الفضل
( 2 ) أي : لم فعل ذلك
( 3 ) قوله : فصل وذلك لأن السلام إنما ورد للفصل وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام وهذا لا ينافي ما سبق من أنه عليه السلام كان يضطجع في آخر التهجد تارة وتارة بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة كذا قال علي القاري
( 4 ) فيه إشارة إلى أنه لا حاجة إلى الضجعة للفصل بل هو حاصل بالسلام وليس فيه إنكار الضجعة مطلقا
( 5 ) أي : لا يحتاج إلى الاضطجاع للفصل

74 - ( باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف )

246 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ( 1 ) عن ابن عباس عن أمه أم الفضل ( 2 ) : أنها سمعته ( 3 ) يقرا { والمرسلات } فقالت : يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ( 4 ) ( 5 ) ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب
_________
( 1 ) ابن عتبة بن مسعود
( 2 ) هي لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين وزوج العباس بن عبد المطلب يقال : إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة كذا في " الاستيعاب "
( 3 ) أي : عبد الله بن عباس
( 4 ) استدل به على ابتداء وقت المغرب وعلى جواز القراءة فيها بغير قصار المفصل
( 5 ) زاد البخاري : ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله

247 - أخبرنا مالك حدثني الزهري عن محمد ( 1 ) بن جبير بن مطعم عن أبيه ( 2 ) قال : سمعت ( 3 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ ( 4 ) بالطور ( 5 ) في المغرب ( 6 )
قال محمد : العامة على أن القراءة ( 7 ) تخفف في صلاة المغرب يقرأ فيها بقصار ( 8 ) المفصل . ونرى ( 9 ) ( 10 ) أن هذا ( 11 ) كان شيئا فترك أو لعله ( 12 ) كان يقرأ بعض السورة ثم يركع
_________
( 1 ) هو أبو سعيد القرشي النوفلي ثقة من رجال الجميع مات على رأس المائة كذا ذكره الزرقاني وغيره
( 2 ) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف صحابي أسلم عام الفتح مات سنة ثمان أو تسع وخمسين كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : سمعت وللبخاري في " الجهاد " من طريق معمر عن الزهري : وكان جاء في أسارى بدر . ولابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري في فداء أهل بدر . وزاد الإسماعيلي من طريق معمر : وهو يومئذ مشرك . وللطبراني من طريق أسامة بن زيد نحوه . وزاد : فأخذني من قراءته الكرب وللبخاري في المغازي : وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي كذا ذكره الزرقاني
( 4 ) وفي البخاري من رواية ابن يوسف عن مالك ( قرأ ) بلفظ الماضي
( 5 ) قوله : بالطور أي : بسورة الطور وقال ابن الجوزي : يحتمل أن يكون الباء بمعنى من استدل له الطحاوي لما رواه من طريق هشيم عن الزهري فسمعته يقول : { إن عذاب ربك لواقع } قال : فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هو هذه الآية خاصة قال الحافظ : وليس في السياق ما يقتضي قوله خاصة بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها
( 6 ) وأما رواية العتمة فضعيفة لأنها من رواية ابن لهيعة عن يزيد كما قال ابن عبد البر
( 7 ) قوله : على أن القراءة ... إلخ لما أخرجه الطحاوي عن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل . وأخرج عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل . وأخرج أبو داود عن عروة : أنه كان يقرأ في المغرب نحو { والعاديات } . وفي الباب آثار شهيرة ويستأنس له بما ورد بروايات جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلون المغرب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ينصرفون والرجل يرى موضع نبله وهذا لا يكون إلا عند قراءة القصار
( 8 ) وهي من { لم يكن } إلى الآخر ومن { الحجرات } إلى { والسماء ذات البروج } طواله ومنه إلى { لم يكن } أوساطه هذا على الأشهر وقيل غير ذلك
( 9 ) أي : نعتقد
( 10 ) قوله : ونرى ... إلخ لما ورد على العامة أنهم كيف استحبوا القصار في المغرب مع ثبوت طوال المفصل بل أطول منها عن النبي صلى الله عليه و سلم فأجابوا عنه بثلاثة : ذكره المصنف منها اثنين وترك الثالث
الأول : أن تطويل القراءة لعله كان أولا ثم نسخ ذلك وترك بما ورد في قراءة المفصل
والثاني : أنه لعله فرق السورة الطويلة في ركعتين ولم يقرأها بتمامها في ركعة واحدة فصار قدر ما قرأ في ركعة بقدر القصار
والثالث : أن هذا بحسب اختلاف الأحوال : قرأ بالطوال لتعليم الجواز والتنبيه على أن وقت المغرب ممتد وعلى أن قراءة القصار فيه ليس بأمر حتمي . وأقول الجوابان الأولان مخدوشان أما الأول : فلأن مبناه على احتمال النسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال ولأن كونه متروكا إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ وهو ليس بثابت ولأن حديث أم الفضل صريح في أنها آخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم هو سورة المرسلات في المغرب فدل ذلك على أنه صلى الله عليه و سلم قرأ بالمرسلات في المغرب في يوم قبل يومه الذي توفي فيه ولم يصل المغرب بعده وقد ورد التصريح بذلك في " سنن النسائي " فحينئذ إن سلك مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار لا العكس . وأما الثاني : فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل ولأنه قد ورد صريحا في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جبير بن مطعم سمع الطور بتمامه قرأه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المغرب فلا يفيد حينئذ ليت ولعل ولأنه قد ورد في حديث عائشة في " سنن النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ بسورة الأعراف في المغرب فرقها في ركعتين ومن المعلوم أن نصف الأعراف لا يبلغ مبلغ القصار فلا يفيد التفريق لإثبات القصار فإذن الجواب الصواب هو الثالث ( يعني لبيان الجواز ولكنه يختلف بالوقت والقوم والإمام . انظر أوجز المسالك 2 / 66 )
( 11 ) أي : القراءة بالمغرب بالطوال
( 12 ) أي : النبي صلى الله عليه و سلم

248 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا صلى أحدكم ( 1 ) للناس فليخفف ( 2 ) فإن ( 3 ) ( 4 ) فيهم السقيم ( 5 ) والضعيف ( 6 ) والكبير ( 7 ) ( 8 ) وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ( 9 ) ( 10 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : صلى إماما
( 2 ) أي : مع التمام
( 3 ) تعليل للتخفيف
( 4 ) قوله : فإن فيهم ... إلخ مقتضاه أنه متى لم يكن فيه متصف بالصفات المذكورة لم يضر التطويل لكن قال ابن عبد البر : ينبغي لكل إمام إن يخفف لأمره صلى الله عليه و سلم وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض وحاجة وحدث وغيره وقال اليعمري : الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا
( 5 ) من مرض
( 6 ) خلقة
( 7 ) سنا
( 8 ) قوله : والكبير زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد " والصغير " والطبراني و " الحامل والمرضع " وعند الطبراني من حديث عدي بن حاتم و " عابر السبيل " كذا في " إرشاد الساري "
( 9 ) ولمسلم : فليصل كيف شاء أي : مخففا أو مطولا
( 10 ) قوله : ما شاء أقول : يستنبط منه بعمومه أنه لو قرأ أحد القرآن بتمامه في صلاته أو في ركعته جاز كما مر حكاية ذلك عن عثمان وغيره وذلك لأنه صلى الله عليه و سلم أجاز للمنفرد التطويل في الأركان إلى ما شاء ولم يقيده بأمر . نعم هو مقيد بعدم حصول الملال ودوام النشاط وعدم الإخلال بغيره من الأمور الشرعية على ما ورد في الأحاديث الأخر وقد أوضحت المسأله في رسالتي : " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة "

75 - ( باب صلاة المغرب وتر صلاة النهار )

249 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : صلاة المغرب ( 1 ) وتر صلاة النهار ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وينبغي ( 3 ) لمن جعل المغرب وتر صلاة النهار كما قال ابن عمر أن يكون وتر صلاة الليل مثلها لا يفصل بينهما بتسليم كما لا يفصل في المغرب بتسليم ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : قال صلاة المغرب ... إلخ رواه ابن أبي شيبة مرفوعا من حديث ابن عمر بلفظ ( صلاة المغرب وتر النهار فأوتروا صلاة الليل ) قال العراقي : سنده صحيح ورواه الدارقطني عن ابن مسعود مرفوعا وسنده ضعيف وقال البيهقي : الصحيح وقفه على ابن مسعود كذا ذكره الزرقاني
( 2 ) أضيفت إليه لوقوعها عقبه فهي نهاية حكما
( 3 ) قوله : وينبغي لمن جعل ... إلخ هذا استدلال من المؤلف على مذهبه من أن الوتر ثلاث لا يفصل بينهن بتسليم بأن ابن عمر حكم على صلاة المغرب بأنه وتر صلاة النهار وغرضه منه تشبيه وتر الليل بصلاة المغرب التي هي وتر النهار وقد أوضح ذلك ما أخرجه الطحاوي عن عقبة بن مسلم قال : سألت ابن عمر عن الوتر ؟ فقال : أتعرف وتر النهار ؟ فقلت : نعم صلاة المغرب فقال : صدقت وأحسنت . فمقتضى هذا التشبيه ( قال ابن رشد : فإن لأبي حنيفة أن يقول : إنه إذا شبه شيء بشيء وجعل حكمهما واحدا كان المشبه به أحرى أن يكون بتلك الصفة فلما شبهت المغرب بوتر الليل وكانت ثلاثا وجب أن يكون وتر الليل ثلاثا . انظر الأوجز 1 / 370 ) أن يكون وتر الليل ثلاث ركعات بتسليم واحد كصلاة المغرب هذا وأقول : فيه نظر فإن المعروف من فعل ابن عمر أنه كان يصلي الوتر ثلاث ركعات ويفصل بالسلام على رأس الركعتين كما مر معنا ذكره في ( باب صلاة الليل ) . وأخرجه المؤلف أيضا من طريق مالك في ( باب السلام في الوتر ) في ما سيأتي فذلك دليل على أنه لم يرد بقوله : ( صلاة المغرب وتر صلاة النهار ) تشبيه وتر الليل بوتر النهار في جملة الأحكام بل في التثليث فقط لا في عدم الفصل بين السلام فلو استدل المؤلف به على التثليث فقط مع قطع النظر عن الفصل بسلام لكان أبهى وأحسن
( 4 ) على رأس الركعتين

76 - ( باب الوتر )

250 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن أبي مرة ( 1 ) أنه سأل أبا هريرة : كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوتر ؟ قال ( 2 ) : فسكت ( 3 ) ثم سأله فسكت ثم سأله فقال : إن شئت أخبرتك كيف أصنع أنا قال : أخبرني قال : إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ( 4 ) ثم أنام ( 5 ) فإن قمت من الليل صليت مثنى مثنى فإن أصبحت أصبحت ( 6 ) على وتر
_________
( 1 ) اسمه يزيد المدني ثقة كذا قال الزرقاني
( 2 ) أي : أبو مرة
( 3 ) قوله : فسكت لعله لما رأى أن تفصيل كيفيات وتره صلى الله عليه و سلم لا يقتضيه المقام أن يأتي به على وجه التمام كذا قال القاري
( 4 ) قوله : خمس ركعات ظاهره أنه بتحريمة واحدة اقتداء بما روي أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل كذلك أحيانا وحمله القاري على الركعتين سنة العشاء وثلاث ركعات الوتر
( 5 ) يفيد جواز الوتر قبل النوم لمن لم يتعود الانتباه في الليل ولم يثق به
( 6 ) لأني قد أديته أول الليل

251 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان ذات ليلة ( 1 ) بمكة والسماء متغيمة ( 2 ) فخشي الصبح ( 3 ) فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى عليه ( 4 ) ليلا فشفع ( 5 ) بسجدة ثم صلى سجدتين سجدتين فلما خشي الصبح أوتر ( 6 ) بواحدة
قال محمد : وبقول أبي هريرة نأخذ لا نرى أن يشفع ( 7 ) إلى الوتر بعد الفراغ من صلاة الوتر ولكنه يصلى بعد وتره ما أحب ( 8 ) ولا ينقض ( 9 ) وتره وهو قول أبي حنيفة ( 10 ) - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : في ليلة من الليالي ولفظ ذات مقحمة
( 2 ) أي : محيط بها السحاب
( 3 ) أي : طلوعه فيفوت وتره
( 4 ) في نسخة : أن عليه
( 5 ) قوله : فشفع بسجدة قال الباجي : يحتمل أنه لم يسلم من الواحدة فشفعها بأخرى على رأي من قال : لا يحتاج في نية أول الصلاة إلى اعتبار عدد الركعات ولا اعتبار وتر وشفع ويحتمل أنه سلم
( 6 ) قوله : أوتر بواحدة روي مثله عن علي وعثمان وابن مسعود وأسامة وعروة ومكحول وعمرو بن ميمون واختلف فيه عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وهذه مسألة يعرفها أهل العلم بمسألة نقض الوتر ( ذهب بعض السلف إلى نقض الوتر واعلم أن من أوتر من الليل ثم قام للتهجد فالجمهور على أنه يصلي التهجد ولا يعيد الوتر ولا ينقضه وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المبارك وبه قال إبراهيم النخعي وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمار وسعد بن أبي وقاص وعائذ بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وعلقمة وطاووس وأبي مجلز كما ذكره ابن قدامة في " المغني " 1 / 799 ) وخالف في ذلك جماعة : منهم أبو بكر كان يوتر قبل أن ينام ثم إن قام صلى ولم يعد الوتر وروي مثله عن عمار وعائشة وكانت تقول : أوتران في ليلة ؟ إنكارا لذلك قاله ابن عبد البر
( 7 ) بأن يضم إلى الوتر ركعة ليصير شفعا فينقض وتره كما كان فعله ابن عمر
( 8 ) قوله : ما أحب هذا صريح في جواز الشفع بعد الوتر أخذا من فعل أبي هريرة وابن عمر وهو المروي عن أبي بكر أنه قال : أما أنا فأنام على وتر فإن استيقظت صليت شفعا حتى الصباح وفي " صحيح مسلم " عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح وحمله النووي على بيان الجواز وأنه كان يفعله أحيانا مستدلا بأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع رواية خلائق من الصحابة شاهدة بأن آخر صلاته صلى الله عليه و سلم كان الوتر وفي " الصحيحين " أحاديث بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا منها حديث : " اجعلوا آخر صلاتكم وترا " فكيف يظن به صلى الله عليه و سلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه كان يداوم على الركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر الليل وإنما معناه هو بيان الجواز انتهى كلامه ( انظر شرح مسلم للنووي 2 / 392 باب صلاة الليل والوتر ) . وأما الركعتان بعد الوتر فأنكرهما مالك وقال لا أصليهما ولم يثبت فيهما شيء عن أبي حنيفة والشافعي وقال أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله وذكر النووي الجواز فقط لأجل ورودهما في الحديث وقال ابن القيم الصواب أن يقال إن هاتيت الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ( انظر فتح الملهم 2 / 294 ) ثم قال : وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين جالسا فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين ذلك . انتهى
( 9 ) قوله : لا ينقض لقوله صلى الله عليه و سلم : " لا وتران في ليلة " أخرجه النسائي وابن خزيمة وغيرهما قال ابن حجر : إسناده حسن
( 10 ) قوله : أبي حنيفة وقد وافقه في عدم نقض الوتر مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وعلقمة وأبو مجلز وطاووس والنخعي قاله ابن عبد البر

77 - ( باب الوتر على الدابة )

252 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو بكر بن عمر عن سعيد بن يسار : أن النبي صلى الله عليه و سلم أوتر على راحلته
قال محمد : قد جاء هذا الحديث وجاء ( 1 ) غيره فأحب ( 2 ) إلينا أن يصلي على راحلته تطوعا ( 3 ) ما بدا له فإذا بلغ الوتر نزل فأوتر على الأرض وهو قول عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر ( 4 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : وجاء غيره وهو أنه صلى الله عليه و سلم كان ينزل للوتر كما مر في ( باب الصلاة على الدابة في السفر )
( 2 ) قوله : فأحب إلينا ... إلخ كأنه يشير إلى أن الروايات لما اختلفت في النزول للوتر وعدم نزوله فالاحتياط هو اختيار النزول وفي هذه العبارة إشارة إلى أنه لا سبيل إلى رد رواية عدم النزول وهجرانه بالكلية ودعوى عدم ثبوت ذلك وإنما اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا
( 3 ) من النوافل والسنن
( 4 ) قوله : وعبد الله بن عمر أقول : نسبة ذلك إلى ابن عمر مما يتكلم فيه فإنه قد ورد عنه النزول وعدم النزول كلاهما بل ورد عنه الزجر على من نزل للوتر والاهتداء بأن الاقتداء الكامل بالنبي صلى الله عليه و سلم هو في عدم النزول كما مر ذكر ذلك في ( باب الصلاة على الدابة ) فالظاهر أن مذهبه جواز النزول وترجيح عدم النزول
( 5 ) أي : أهل الكوفة

78 - ( باب تأخير الوتر )

253 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم ( 1 ) : أنه سمع عبد الله ( 2 ) بن عامر بن ربيعة يقول : إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة أو بعد الفجر . يشك عبد الرحمن أي ذلك ( 3 ) قال ( 4 )
_________
( 1 ) ابن محمد بن أبي بكر
( 2 ) هو أبو محمد المدني الصحابي مات سنة خمس وثمانين كذا في " الإسعاف " وقد مر نبذ من حاله
( 3 ) وإن اتحد المعنى
( 4 ) أي : عبد الله بن عامر

254 - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن أنه سمع أباه ( 1 ) يقول : إني لأوتر بعد الفجر
_________
( 1 ) هو القاسم بن محمد

255 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن ابن مسعود ( 1 ) أنه كان يقول : ما أبالي لو أقيمت ( 2 ) الصبح ( 3 ) وأنا أوتر
_________
( 1 ) قوله : عن ابن مسعود المراد به حيث أطلق هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار علماء الصحابة أمره عمر على الكوفة ومات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة كذا في " التقريب " وقد مر نبذ من ترجمته فيما مر
( 2 ) لأنه وقت ضروري له
( 3 ) في نسخة : الصلاة

256 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الكريم ( 1 ) بن أبي المخارق ( 2 ) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه رقد ( 3 ) ثم استيقظ فقال لخادمه : انظر ماذا صنع ( 4 ) الناس وقد ذهب ( 5 ) بصره فذهب ( 6 ) ثم رجع فقال : قد انصرف الناس من الصبح فقام ابن عباس فأوتر ثم صلى الصبح ( 7 )
_________
( 1 ) قوله : عبد الكريم بن أبي المخارق ( المخارق : بضم الميم واسم أبيه قيس ولعبد الكريم زيادة في أول قيام الليل عند البخاري وله ذكر في مقدمة مسلم وروى له النسائي قليلا وروى عنه ابن ماجه في تفسيره وأبو داود في مراسيله والترمذي في حديث " البول قائما " . ومتى أخرج له البخاري تعليقا ومسلم متابعة يكون غير مطروح والطعن فيه إنما هو من قبل حفظه وقد ذكر صاحب " تنسيق النظام بشرح مسند الإمام أبي حنيفة " وجوه الاحتجاج به وبلغها سبعة وعشرين وجها انظر ( مقدمة تنسيق النظام ص 65 - 70 ) ) يسمى عبد الكريم اثنان أحدهما ثقة متفق عليه أخرج له البخاري ومسلم وهو ابن مالك الجزري وكنيته أبو سعد والآخر ابن أبي المخارق وكنيته أبو أمية وهو متروك كذا في " القول المسدد في الذب عن مسند أحمد " للحافظ ابن حجر العسقلاني وقال في " التمهيد " : هو ضعيف باتفاق أهل الحديث وكان مؤدب كتاب حسن السمت غر مالكا منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه مات سنة ست أو سبع وعشرين ومائة وقال السيوطي في " مرقاة الصعود " : لا يصح على ما انفرد به عبد الكريم بن أبي المخارق الحكم بالوضع لأنه روى عنه مالك وقد علم من عادته أنه لا يروي إلا عن ثقة عنده وإن كان غيره قد اطلع على ما يقتضي جرحه . انتهى . واسم أبي المخارق - بضم الميم وكسر الراء - قيس وقيل : طارق
( 2 ) اسمه قيس وقيل : طارق
( 3 ) أي : نام
( 4 ) أي : هل فرغوا من صلاة الصبح أم لا ؟
( 5 ) أي : صار أعمى ولذا لم يحضر الجماعة
( 6 ) أي : الخادم
( 7 ) فيه أن الوتر يصلى بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح

257 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد : أن عبادة ( 1 ) بن الصامت كان يؤم يوما فخرج يوما للصبح فأقام المؤذن الصلاة فأسكته حتى أوتر ( 2 ) ثم صلى بهم
قال محمد : أحب إلينا أن يوتر قبل أن يطلع الفجر ( 3 ) ولا يؤخره إلى طلوع الفجر فإن طلع قبل أن يوتر فليوتر ولا يتعمد ( 4 ) ذلك وهو قول
أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : عبادة بالضم هو أبو الوليد الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبتين وشهد بدرا وأحدا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها ومات بالشام في خلافة معاوية كذا في " الإصابة " وغيره
( 2 ) كأنه تذكر بعد خروجه وأراد الترتيب
( 3 ) لحديث : فصلوها - أي الوتر - ما بين العشاء وطلوع الفجر . أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم
( 4 ) قوله : ولا يتعمد وآثار الصحابة الذين أوتروا بعد الطلوع محمولة على أنهم لم يتعمدوا ذلك بل فاتهم ذلك لوجه من الوجوه فأدوه بعد طلوع الفجر

79 - ( باب السلام في الوتر ( 1 ) )
258 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان ( 2 ) يسلم في الوتر بين الركعتين والركعة حتى يأمر ( 3 ) ببعض حاجته
قال محمد : ولسنا نأخذ بهذا ولكنا ( 4 ) نأخذ بقول عبد الله ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ولا نرى ( 5 ) أن يسلم بينهما
_________
( 1 ) أي : في أثنائه
( 2 ) قوله : كان هذا الأثر وغير ذلك من الآثار التي ذكرناها في ما سبق يضعف ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن قال أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وفي سنده عمرو بن عبيد متكلم فيه ذكره الزيلعي ( نصب الراية 2 / 122 )
( 3 ) قوله : حتى يأمر ببعض حاجته ظاهره أنه كان يصلي الوتر موصولا فإن عرضت له حاجة فصلى ثم بنى على مضى وهذا دفع لقول من قال : لا يصح الوتر إلا مفصولا وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال : صلى ابن عمر ركعتين ثم قال : يا غلام ارحل لنا ثم قام فأوتر بركعة وروى الطحاوي عن سالم عن أبيه أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة وأخبر ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعله وإسناده قوي ولم يعتذر الطحاوي عنه إلا باحتمال أن المراد بقوله تسليمة أي : التسليم في التشهد ولا يخفى بعده كذا في " فتح الباري " ( 3 / 26 ) وفي دعواه أن ظاهره وصله وأن رواية سعيد أصرح في ذلك وقفه بل ظاهر رواية مالك أنه كان عادته فصله لإتيانه بكان وحرف المضارعة وحتى الغائية نعم لو عبر بحين بدل حتى لكان ذلك ظاهرا وأما رواية سعيد فمحتملة كذا قاله الزرقاني
( 4 ) قوله : ولكنا نأخذ بقول عبد الله قال التقي الشمني في " شرح النقاية " : مذهبنا قوي من حيث النظر لأن الوتر لا يخلو إما أن يكون فرضا أو سنة فإن كان فرضا فالفرض ليس إلا ركعتين أو ثلاثا أو أربعا وكلهم أجمعوا على أن الوتر لا يكون اثنين ولا أربعا فثبت أنه ثلاث وإن كان سنة فلا توجد سنة إلا ولها مثل في الفرض والفرض لم يوجد فيه الوتر إلا المغرب وهو ثلاث . وذكر صاحب " التمهيد " عن جماعة من الصحابة روى عنهم الوتر منهم بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن منهم عمر وعلي وابن مسعود وزيد وأبي وأنس . انتهى . وذكر البخاري عن القاسم قال : رأينا أناسا منذ أدركنا يوترون بثلاث وإن كلا لواسع وأرجو أن لا يكون بشيء منه بأس
( 5 ) قوله : ولا نرى أن يسلم بينهما قد يؤيد ذلك بحديث أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " عن عبد الله بن محمد بن يوسف نا أحمد بن محمد بن إسماعيل نا أبي نا الحسن بن سليمان نا عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن نا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها . ويجاب عنه بوجوه : أحدها : أن في سنده عثمان وهو متكلم فيه ( قال ابن التركماني : لم يتكلم عليه أحد بشيء فيما علمنا غير العقيلي وكلامه ضعيف . وقد أخرج له الحاكم في " المستدرك " . الجوهر التقي 3 / 27 ) فقد ذكر ابن القطان في كتاب " الوهم والإيهام " : هذا الحديث من جهة ابن عبد البر وقال : الغالب على حديث عثمان بن محمد بن ربيعة الوهم والثاني : أنه معارض بما أخرجه الطحاوي من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله المخزومي أن رجلا سأل ابن عمر عن الوتر فأمره بثلاث يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة فقال الرجل : إني أخاف أن يقول الناس هي البتيراء فقال ابن عمر : هذه سنة الله ورسوله فهذا يدل على أن الوتر بركعة بعد ركعتين قد وجد من النبي صلى الله عليه و سلم والثالث : أنه معارض بحديث : " فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فيفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر " . رواه أبو داود وغيره وقد مر في ( باب الصلاة على الدابة ) والرابع : أن البتيراء فسره ابن عمر بعدم إتمام الركوع والسجود كما أخرجه البيهقي في " المعرفة " بسنده عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مولى لسعد بن أبي وقاص قال : سألت عبد الله بن عمر عن وتر الليل ؟ فقال : يا بني هل تعرف وتر النهار ؟ قلت : نعم هو المغرب قال : صدقت ووتر الليل واحدة بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن الناس يقولون هي البتيراء فقال : يا بني ليست تلك البتيراء إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة يتم ركوعها وسجودها وقيامها ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعا ولا سجودا ولا قياما فتلك البتيراء ( انظر : السنن الكبرى 3 / 26 ، قال ابن التركماني في سنده ابن إسحاق وسلمة بن الفضل متكلم فيهما فتأويل ابن عمر ليس بأولى من تفسير البتيراء الذي رواه أبو سعيد مرفوعا وعرفه الناس قاطبة . فافهم )

259 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة حدثنا أبو جعفر ( 1 ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ثلاث عشرة ركعة ثماني ( 2 ) ركعات تطوعا وثلاث ركعات ( 3 ) الوتر وركعتي الفجر ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : حدثنا أبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهو المعروف بالباقر سمي به لأنه تبقر في العلوم أي توسع وتبحر سمع أباه زين العابدين وجابر بن عبد الله وروى عنه ابنه جعفر الصادق وغيره ولد سنة 56 هـ ومات بالمدينة سنة 117 هـ ( انظر ترجمته في تقريب التهذيب 2 / 192 ) كذا ذكره القاري في " سند الأنام شرح مسند الإمام " وقال : هذا الحديث رواه الشيخان وأبو داود عن عائشة : كان صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر . انتهى
( 2 ) هو مقدار تهجد
( 3 ) ظاهر هذا وما بعده هو عدم الفصل بالسلام ولذلك استدل به المؤلف على مدعاه
( 4 ) أي : سنة الفجر

260 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ما أحب ( 1 ) أني تركت الوتر بثلاث ( 2 ) وإن ( 3 ) لي حمر النعم
_________
( 1 ) قوله : ما أحب يعني لو أعطاني أحد نعما حمرا بدل ترك الوتر ثلاث ركعات لم أحب أن أتركه
( 2 ) قوله : بثلاث ظاهره أنه ثلاث موصولة وهو المروي عن فعله صريحا ذكرناه سابقا وأخرج الحاكم ( المستدرك 1 / 304 ) أنه قيل للحسن : إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر فقال : كان عمر أفقه منه وكان ينهض في الثالثة بالتكبير
( 3 ) قوله : وإن لي حمر النعم الحمر بضم فسكون جمع أحمر والنعم بفتحتين بمعنى الأنعام والدواب والمراد بها الإبل والحمر منها أحسن أنواعها ذكره السيوطي

261 - قال محمد : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ( 1 ) قال : قال عبد الله بن مسعود : الوتر ثلاث كثلاث ( 2 ) المغرب
_________
( 1 ) قوله : عن أبي عبيدة بضم العين هو ابن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له غيره ويقال : اسمه عامر كوفي ثقة من كبار التابعين روى عن أبيه وعنه أبو إسحاق السبيعي وعمرو بن مرة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه مات بعد سنة 180 هـ كذا في " التقريب " و " جامع الأصول "
( 2 ) التشبيه الكامل إنما يكون إذا لم يكن فصل بين السلام وهو المراد

262 - قال محمد : حدثنا أبو معاوية ( 1 ) المكفوف عن الأعمش ( 2 ) عن مالك ( 3 ) بن الحارث عن عبد الرحمن ( 4 ) بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال : الوتر ثلاث كصلاة المغرب
_________
( 1 ) قوله : أبو معاوية المكفوف أي : الممنوع عنه البصر يعني الأعمى وهو محمد بن خازم الضرير الكوفي عمي وهو صغير ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره روى عن الأعمش وسفيان وعنه أحمد وإسحاق وابن معين مات سنة 195 هـ كذا في " التقريب " ( 2 / 157 ) و " الكاشف "
( 2 ) قوله : عن الأعمش : بالفتح من العمش بفتحتين وهو عبارة عن ضعف البصر وكونه بحيث يجري منه الدمع لمرض والمشهور به سليمان بن مهران - بالكسر - الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي أصله من طبرستان وولد بالكوفة وروى عن أنس ولم يثبت له منه سماع وابن أبي أوفى وأبي وائل وقيس بن أبي حازم والشعبي والنخعي وغيرهم وعنه أبو إسحاق السبيعي وشعبة والسفيانان وغيرهم قال ابن معين : ثقة والنسائي : ثقة ثبت وابن عمار : ليس في المحدثين أثبت من الأعمش ومنصور ثبت أيضا إلا أن الأعمش أعرف منه بالمسند مات سنة 147 هـ وقيل سنة 146 هـ وترجمته مطولة في " تهذيب التهذيب "
( 3 ) قوله : عن مالك بن الحارث قال الذهبي في " الكاشف " مالك بن الحارث السلمي عن أبي سعيد الخدري وعلقمة النخعي وعنه منصور والأعمش ثقة مات سنة 194 هـ . انتهى
( 4 ) قوله : عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي نسبة إلى نخع بفتحتين قبيلة أبو بكر الكوفي روى عن أخيه الأسود بن يزيد وعمه علقمة بن قيس وعن حذيفة وابن مسعود وأبي موسى وعائشة وغيرهم وعنه ابنه محمد وإبراهيم النخعي وأبو إسحاق السبيعي ومنصور وغيرهم قال ابن سعد وابن معين والعجلي والدارقطني : ثقة مات سنة 73 هـ وقيل سنة 83 هـ كذا في " تهذيب التهذيب "

263 - قال محمد : أخبرنا إسماعيل ( 1 ) بن إبراهيم عن ليث ( 2 ) عن عطاء ( 3 ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : الوتر كصلاة المغرب
_________
( 1 ) قوله : إسماعيل بن إبراهيم ذكر في " تهذيب التهذيب " و " الميزان " كثيرا بهذا الاسم والنسب بعضهم ثقات وبعضهم ضعفاء . والظاهر أن المذكور ههنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي والنخعي الكوفي ضعفه البخاري والنسائي وقال أبو حاتم : ليس بقوي يكتب حديثه روى عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما وعنه ابن نمير ووكيع وطلق بن غنام وأبو على الحنفي وغيرهم فليحرر هذا المقام
( 2 ) قوله : عن ليث هو ليث بن أبي سليم بالضم قال الحافظ عبد العظيم المنذري في آخر كتاب " الترغيب والترهيب " : فيه خلاف وقد حدث عنه الناس وضعفه يحيى والنسائي وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره وقال الدارقطني : كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد فحسب ووثقه ابن معين في رواية . انتهى . وقد بسطت في ترجمته في رسالتي في بحث الزيارة النبوية " الكلام المبرور في رد القول المنصور ورد المذهب المأثور " المسمى بـ " السعي المشكور " حين ظن بعض أفاضل عصرنا أن ضعفه بلغ إلى أن لا يحتج به
( 3 ) هو ابن أبي رباح المكي أو ابن يسار المدني وقد وجد في بعض النسخ كذلك عطاء بن يسار

264 - قال محمد : أخبرنا يعقوب ( 1 ) بن إبراهيم حدثنا حصين ( 2 ) بن إبراهيم عن ابن مسعود قال ( 3 ) : ما أجزأت ( 4 ) ركعة واحدة قط
_________
( 1 ) القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة
( 2 ) قوله : حصين بن إبراهيم كذا في النسخ الحاضرة ولم أقف على حاله في " تهذيب التهذيب " و " تقريب التهذيب " و " الكاشف " و " جامع الأصول " و " ميزان الاعتدال " وغيرهما . وقد مرت سابقا في ( بحث رفع اليدين ) رواية عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم عن حصين بن عبد الرحمن ومر هناك أنه من أعالي شيوخه فلعله هو والذي في كتاب " الحجج " حصين عن إبراهيم فيتعين أن الحصين هو السابق وإبراهيم هو النخعي
( 3 ) لما سمع سعدا أنه أوتر بركعة كما ذكرنا سابقا
( 4 ) قوله : ما أجزأت ( نصب الراية 1 / 278 ، قلت : ومثله لا يقال بالرأي فهو مرفوع حكما ) فيه إشارة إلى التنفل بركعة واحدة باطل وبه صرح أصحابنا

265 - قال محمد : أخبرنا سلام بن سليم الحنفي عن أبي حمزة ( 1 ) عن إبراهيم النخعي عن علقمة ( 2 ) قال : أخبرنا عبد الله بن مسعود : أهون ( 3 ) ما يكون الوتر ثلاث ركعات
_________
( 1 ) قوله : عن أبي حمزة ذكر في " تهذيب التهذيب " و " الكاشف " وغيرهما كثيرا من الكوفيين يكنى بأبي حمزة بعضهم ثقات وبعضهم ضعفاء ولم أدر أن المذكور ههنا من هو منهم فليحرر
( 2 ) ابن قيس النخعي
( 3 ) أي : أدنى ما يكون ثلاث ركعات فلا يجوز الأدنى منه

266 - قال محمد : أخبرنا سعيد ( 1 ) بن أبي عروبة عن قتادة ( 2 ) عن زرارة ( 3 ) بن أبي أوفى عن سعيد ( 4 ) بن هشام عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يسلم ( 5 ) في ركعتي الوتر
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة بفتح العين وضم الراء وسكون الواو - اسمه مهران بالكسر - العدوي مولى بني عدي بن يشكر أبو النضر البصري قال ابن معين والنسائي وأبو زرعة : ثقة وقال ابن أبي خيثمة : أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي وقال أبو داود الطيالسي : كان أحفظ أصحاب قتادة وقال أبو حاتم : هو قبل أن يختلط ثقة وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال مات سنة 155 هـ وبقي في اختلاطه خمس سنين كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عن قتادة هو ابن دعامة - بكسر الدال المهملة وخفة العين المهملة - كما ضبطه الفتني في " المغني " ابن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه المفسر ولد أكمه وحدث عن أنس رضي الله عنه وعبد الله بن سرجس رضي الله عنه وسعيد بن المسيب وغيرهم وعنه مسعر وأبو عوانة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم قال ابن سيرين : كان أحفظ الناس وقال أحمد : عالم بالتفسير وباختلاف العلماء ووصفه بالحفظ والفقه وأطنب في ذكره وكان من أجلة الثقات عالما بالعربية واللغة وأيام العرب والأنساب مات بواسط بالطاعون سنة 118 هـ وقيل : سنة 117 هـ كذا في " تذكرة الحفاظ " للذهبي وله ترجمة طويلة مشتملة على ثناء الناس عليه في " تهذيب التهذيب " وغيره
( 3 ) قوله : عن زرارة بضم الزاء المعجمة وفتح الرائين المهملتين بينهما ألف كما ذكر في " المغني " ابن أبي أوفى هكذا في بعض النسخ وفي كثير من النسخ المصححة ابن أوفى وكذا ذكره في " التهذيب " وغيره أنه زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب البصري وثقه النسائي والعجلي وابن حبان وغيرهم مات سنة 93 هـ على ما ذكره ابن سعد وقيل غير ذلك
( 4 ) قوله : عن سعيد بن هشام هكذا وجدنا في النسخ الحاضرة والذي في " تهذيب الكمال " و " تهذيبه " و " تقريبه " و " تذهيبه " و " الكاشف " و " جامع الأصول " وكتاب " الثقات " لابن حبان أن اسمه سعد - بدون الياء - بن هشام بن عامر الأنصاري المدني ابن عم أنس روى عن أبيه وعائشة وابن عباس وسمرة وأنس وغيرهم وعنه زرارة والحسن البصري وثقه النسائي وابن سعد استشهد بمكران - بضم الميم - بلدة بالهند وكذا هو في كتاب " الحجج "
( 5 ) قوله : كان لا يسلم في ركعتي الوتر هذا صريح في إثبات المقصود وقد أخرجه النسائي والحاكم ( سنن النسائي 1 / 248 ، والمستدرك 1 / 204 ) أيضا وصححه الحاكم وفيه رد على من أبطل الوتر بالثلاث أخذا مما روى الدارقطني - وقال : رواته ثقات - عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا توتروا بثلاث وأوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " ومن المعلوم أن حديث عائشة في عدم السلام في الركعتين مرجح على حديث أبي هريرة بوجوه لا تخفى على ماهر الفن مع أن حديث أبي هريرة معارض بحديث : " ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل " المخرج في السنن وهو من أسباب الترجيح هذا وقد يستدل على عدم الفصل بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بفاتحة الكتاب و { سبح اسم ربك الأعلى } وفي الثانية بـ { قل يا أيها الكافرون } وفي الثالثة بـ { قل هو الله أحد } والمعوذتين أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح على شرط الشيخين والطحاوي وغيرهم فإن ظاهره أن الثالثة متصلة لا منفصلة وإلا لقالت : وفي ركعة الوتر أو في الركعة المفردة أو نحو ذلك . وروى الطحاوي بنحوه من حديث ابن عباس وعلي وعمران بن حصين لكن وقع في طريق الدارقطني بلفظ : كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بـ { سبح اسم ربك الأعلى } و { قل يا أيها الكافرون } ويقرأ في الوتر بـ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس }

80 - ( باب ( 1 ) سجود ( 2 ) القرآن )
267 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة : أن أبا هريرة قرأ بهم ( 3 ) { إذا السماء انشقت } فسجد فيها فلما انصرف حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سجد فيها ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - وكان مالك ( 5 ) بن أنس لا يرى ( 6 ) فيها سجدة
_________
( 1 ) قوله : باب سجود القرآن ( شرح الزرقاني 2 / 20 ، وبسط الكلام في ذلك في أوجز المسالك 4 / 139 ) هي أربع عشرة سجدات معروفة عند أبي حنيفة والشافعي غير أنه عد الشافعي منها السجدة الثانية من سورة الحج دون سجدة ( ص ) وقال أبو حنيفة بالعكس هذا هو المشهور وقال الترمذي رأى بعض أهل العلم أن يسجد في ( ص ) وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . انتهى . فعلى هذا يكون عند الشافعي وأحمد خمس عشرة سجدة وهو رواية عن مالك كذا في " المحلى بحل أسرار الموطأ " للشيخ سلام الله ( هو الشيخ العالم المحدث سلام الله بن شيخ الإسلام بن فخر الدين الدهلوي أحد كبار العلماء توفي سنة 1129 هـ أو 1133 هـ . انظر نزهة الخواطر : 7 / 205 ) رحمه الله تعالى
( 2 ) هو سنة أو فضيلة قولان مشهوران عند مالك وعند الشافعية سنة مؤكدة وقال الحنفية : واجب
( 3 ) قال الباجي : الأظهر أنه كان يصلي وجاء ذلك مفسرا في حديث أبي رافع : صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ : { إذا السماء انشقت }
( 4 ) قوله : سجد فيها وبهذا قال الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة ورواه ابن وهب عن مالك وروى ابن القاسم والجمهور عنه أنه لا سجود لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة : لما سجد : لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها فدل هذا على أن الناس تركوه وجرى العمل بتركه . ورده ابن عبد البر بما حاصله أي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى والخلفاء بعده ( انظر شرح الزرقاني 2 / 20 ، وبسط الكلام في ذلك في أوجز المسالك 4 / 139 )
( 5 ) قوله : مالك وسلفه في ذلك ابن عمر وابن عباس فإنهما قالا : ليس في المفصل سجدة أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه "
( 6 ) قوله : لا يرى فيها سجدة أي : في سورة { انشقت } بل لا في المفصل مطلقا كما صرح به حيث قال : الأمر عندنا أن عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وبه قال الشافعي في القديم ثم رجع عنه ذكره البيهقي وحجتهم حديث زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه و سلم " والنجم " فلم يسجد فيها أخرجه الشيخان وغيرهما . وأجاب الجمهور عنه بأنه لعله تركه في بعض الأحيان لبيان الجواز فإن سجود التلاوة ليس بواجب كما يشهد به قول عمر : من سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه . وقول ابن عمر : إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء أخرجهما البخاري وغيره . هذا على قول من قال باستحباب السجود أو سنيته وأما على رأي من قال بالوجوب كأصحابنا الحنفية فيجاب عن حديث زيد بأن وجوب السجدة ليس حتما في الفور فلعله أخره النبي صلى الله عليه و سلم ولم يسجد في الفور لبيان ذلك وليس في الحديث بيان أنه لم يسجد بعد ذلك أيضا وقد ثبت سجود النبي صلى الله عليه و سلم في سورة النجم من حديث ابن مسعود عند البخاري وأبي داود والنسائي ومن حديث ابن عباس عند البخاري والترمذي . ومن حديث أبي هريرة عند البزار والدارقطني بإسناد رجاله ثقات وثبت السجود في سورة " انشقت " من حديث أبي هريرة عند مالك والبخاري وأبي داود والنسائي وغيرهم . ومن حجة المالكية حديث أم الدرداء قالت : سجدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من المفصل أخرجه ابن ماجه وفي سنده متكلم فيه مع أن الإثبات مقدم على النفي ومن حجتهم حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة وإسناده ليس بقوي ( انظر فتح الباري 2 / 555 ، 556 ) مع ثبوت أن أبا هريرة سجد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سورة { انشقت } وهو أسلم سنة سبع من الهجرة

268 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة : أن عمر بن الخطاب قرأ بهم ( 1 ) النجم فسجد فيها ثم قام فقرأ ( 2 ) سورة أخرى ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله - وكان مالك بن أنس لا يرى فيها سجدة
_________
( 1 ) أي : في الصلاة
( 2 ) ليقع ركوعه عقب قراءة كما هو شأن الركوع
( 3 ) روى الطبراني بسند صحيح عن عمر أنه قرأ النجم فسجد فيها ثم قام فقرأ { إذا زلزلت }

269 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن رجل من أهل مصر : أن عمر قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين وقال : إن هذه السورة فضلت بسجدتين ( 1 )
_________
( 1 ) قوله : بسجدتين أولاهما عند قوله تعالى : { إن الله يفعل ما يشاء } وهي متفق عليها والثانية : عند قوله : { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون }

270 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه ( 1 ) رآه سجد في سورة الحج سجدتين
قال محمد ( 2 ) : روي هذا عن عن عمر وابن عمر ( 3 ) وكان ( 4 ) ابن عباس لا يرى في سورة الحج إلا سجدة واحدة ( 5 ) : الأولى وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : أنه هذا مقدم على ما أخرجه الطحاوي عن سويد قال : سئل
نافع : هل كان ابن عمر يسجد في الحج سجدتين ؟ فقال : مات ابن عمر ولم يقرأها ولكن كان يسجد في النجم وفي { اقرأ باسم ربك }
( 2 ) به قال الشافعي وأحمد ورواه ابن وهب عن مالك ولم يقل به مالك في المشهور عنه ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : عن عمر وابن عمر وكذا رواه الطحاوي عن أبي الدرداء وأبي موسى وأبي موسى الأشعري أنهما سجدا في الحج سجدتين . وروى الحاكم على ما ذكره الزيلعي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي موسى وأبي الدرداء أنهم سجدوا سجدتين . ويؤيده من المرفوع ما أخرجه أبو دواد والترمذي عن عقبة قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج بسجدتين ؟ قال : نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما وكذا رواه أحمد والحاكم وفي سنده ضعف ذكره الترمذي وأشار إليه الحاكم وأخرج أبو دواد عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقرأه خمس عشرة سجدة وفي سنده ضعيف وهو عبد الله بن منين ( انظر نصب الراية 1 / 306 ، وقال في بذل المجهود 7 / 201 : وفي سورة الحج سجدتان إحداهما متفق عليها والثانية اختلف فيها فالحنفية أنكروها والشافعية أثبتوها )
( 4 ) قوله : وكان ابن عباس لا يرى ... إلخ كما أخرجه الطحاوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في سجود الحج إن الأولى عزيمة والأخرى تعليم قال الطحاوي : فبقول : ابن عباس نأخذ . انتهى . لكن قد مر أن الحاكم ذكره في من سجد فيها سجدتين والحق في هذا الباب هو ما ذهب إليه عمر رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه
( 5 ) قوله : واحدة روى ابن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وابن عباس أنهم سجدوا فيه سجدتين وله عن ابن عباس أنه قال : في الحج سجدة وعن ابن المسيب والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير مثل ذلك كذا في " المحلى "

81 - ( باب المار بين يدي المصلي )

271 - أخبرنا مالك حدثنا سالم أبو النضر ( 1 ) مولى عمر ( 2 ) : أن بسر ( 3 ) بن سعيد أخبره أن زيد بن خالد الجهني أرسله ( 4 ) ( 5 ) إلى أبي جهيم ( 6 ) الأنصاري يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في المار بين يدي المصلي ( 7 ) ؟ قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا ( 8 ) عليه ( 9 ) في ذلك لكان ( 10 ) أن يقف ( 11 ) أربعين ( 12 ) خيرا ( 13 ) ( 14 ) له من أن يمر بين يديه قال ( 15 ) : لا أدري قال ( 16 ) أربعين يوما أو أربعين شهرا ( 17 ) أو أربعين سنة
_________
( 1 ) هو سالم بن أبي أمية
( 2 ) أي : عمر بن عبيد التيمي
( 3 ) قوله : أن بسر بن سعيد هكذا في بعض النسخ بسر - بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة - وفي بعض النسخ منها نسخة الشيخ الدهلوي : بشر بن سعيد واختاره القاري حيث ضبطه بكسر الباء وسكون الشين المعجمة والصحيح هو الأول وهو المذكور في كتب الرجال وشروح مؤطأ يحيى وشروح صحيح البخاري وغيرها
( 4 ) أي : بسرا
( 5 ) قوله : أرسله ... إلخ قال الحافظ : هكذا روي عن مالك لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد وأن المرسل إليه أبو جهيم وهو بضم الجيم - مصغرا - واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري الصحابي وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجه وغيرهما وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر فقال : عن بسر قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله قال ابن عبد البر : هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا أخرجه ابن أبي خيثمة عن أبيه عن ابن عيينة ثم قال ابن أي خيثمة سئل عنه يحيى بن معين فقال : هو خطأ كذا في " التنوير "
( 6 ) قوله : إلى أبي جهيم هو عبد الله بن جهيم الأنصاري روى عنه بسر بن سعيد مولى الحضرميين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في المار بين يدي المصلي رواه مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر عن أبي جهيم ولم يسمه وهو أشهر بكنيته ويقال : هو ابن أخت أبي بن كعب ولست أقف على نسبه في الأنصار كذا في " الاستيعاب في أحوال الأصحاب " لابن عبد البر رحمه الله
( 7 ) قوله : بين يدي المصلي أي : أمامه بالقرب واختلف في ضبط ذلك فقيل : إذا مر بينه وبين مقدار سجوده وقيل بينه وبينه ثلاثة أذرع وقيل بينه وبينه قدر رمية بحجر
( 8 ) قوله : ماذا عليه زاد الكشميهني من رواة البخاري من الإثم وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره والحديث في " المؤطأ " بدونها وقال ابن عبد البر : لم يختلف رواة " الموطأ " على مالك في شيء منه وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا لكن في مصنف ابن أبي شيبة : يعني من الإثم فيحتمل أن تكون ذكرت حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ وقد عزاها المحب الطبري في " الأحكام " للبخاري وأطلق فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إيهامه أنها في الصحيحين كذا في " الفتح "
( 9 ) أي : من الإثم بسبب مروره بين يديه سد مسد المفعولين ليعلم وقد علق عمله بالاستفهام
( 10 ) قوله : لكان ... إلخ جواب ( لو ) ليس هذا المذكور بل التقدير لو يعلم ماذا عليه لوقف أربعين ولو وقف أربعين لكان خيرا
( 11 ) أي : وقوفه
( 12 ) قوله : أربعين قال الطحاوي في " مشكل الآثار " : إن المراد أربعين سنة واستدل بحديث أبي هريرة مرفوعا : لو يعلم الذي بين يدي أخيه معترضا وهو يناجي ربه لكان أن يقف مكانه مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها ثم قال : هذا الحديث متأخر عن حديث أبي جهيم لأن فيه زيادة الوعيد وذلك لا يكون إلا بعد ما أوعدهم بالتخفيف كذا نقله ابن مالك وقال الشيخ ابن حجر : ظاهر السياق أنه عين المعدود . لكن الراوي تردد فيه . وما رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة : ( لكان أن يقف مائة عام ) مشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لا لخصوص عدد معين وقال الكرماني : تخصيص الأربعين بالذكر لكون كمال طور الإنسان بأربعين كالنطفة والمضغة والعلقة وكذا بلوغ الأشد ويحتمل غير ذلك كذا في " مرقاة المفاتيح " . هذا العدد له اعتبار في الشرع كالثلاث والسبع وقد أفردت في أعداد السبع جزءا وفي أعداد الأربعين آخر كذا قال السيوطي في " التنوير "
( 13 ) قوله : خيرا له وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة : لكان أن يقف مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها
( 14 ) بالنصب وعند الترمذي بالرفع على أنه الاسم
( 15 ) أي : أبو النضر
( 16 ) أي : بسر بن سعيد
( 17 ) وللبزار من طريق أحمد بن عبدة عن ابن عيينة عن أبي النضر لكان أن يقف أربعين خريفا

272 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عبد الرحمن ( 1 ) بن أبي سعيد ( 2 ) الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان أحدكم يصلي ( 3 ) فلا يدع ( 4 ) ( 5 ) أحدا يمر بين يديه فإن أبى ( 6 ) فليقاتله ( 7 ) فإنما ( 8 ) هو شيطان ( 9 )
_________
( 1 ) ثقة روى له مسلم والأربعة مات سنة 112 هـ كذا قال الزرقاني
( 2 ) هو سعد بن مالك الأنصاري
( 3 ) زاد الشيخان : إلى شيء يستره
( 4 ) أي : لا يترك
( 5 ) قوله : فلا يدع لابن أبي شيبة عن ابن مسعود : إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته
( 6 ) أي : امتنع
( 7 ) قوله : فليقاتله أي : فليدفعه بالقهر ولا يجوز قتله كذا قال بعض علمائنا وقال ابن حجر : فإن أبى إلا بقتله فليقاتله وإن أفضى إلى قتاله إياه ومن ثم جاء في رواية فإن أبى فليقتله قال ابن مالك : فإن قتله عملا بظاهر الحديث ففي العمد القصاص وفي الخطأ الدية . وفيه دليل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة وقال القاضي عياض : فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل يجب الدية أو يكون هدرا فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك : نقله الطيبي كذا في " المرقاة " وقال الزرقاني : أطلق جماعة من الشافعية أن له قتاله حقيقة واستبعده في " القبس " وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة وقال الباجي : يحتمل أن يريد فليلعنه كما قال " قتل الخراصون " ويحتمل أن يريد يؤاخذه على ذلك بعد تمام صلاته ويوبخه
( 8 ) قوله : فإنما هو شيطان أي فعله فعل شيطان أو المراد شيطان الإنس وفي رواية الإسماعيلي : فإن معه الشيطان
( 9 ) استنبط منه ابن أبي جمرة بأن المراد بقوله : فليقاتله المدافعة لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتسمية ونحوها

273 - أخبرنا مالك حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن كعب ( 1 ) أنه قال : لو كان يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه في ذلك كان ( 2 ) أن يخسف به خيرا له ( 3 )
قال محمد : يكره ( 4 ) أن يمر الرجل بين يدي المصلي فإن أراد أن يمر بين يديه فليدارأ ( 5 ) ما استطاع ولا يقاتله فإن قاتله ( 6 ) كان ما يدخل عليه ( 7 ) في صلاته من قتاله ( 8 ) إياه ( 9 ) أشد عليه من ممر هذا ( 10 ) بين يديه ( 11 ) ولا نعلم أحدا روى قتاله إلا ما روي عن أبي سعيد الخدري وليست العامة ( 12 ) عليها ( 13 ) ولكنها على ما ( 14 ) وصفت لك ( 15 ) وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) قوله : كعب هو كعب بن قانع الحميري المعروف بكعب الأحبار من مسلمة أهل الكتاب قال معاوية : إنه أصدق هؤلاء الذي يحدثون عن الكتاب مات سنة 32 هـ بحمص كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قال الطيبي : المذكور ليس جوابا للو بل هو دال على ما هو جوابها والتقدير لتمنى الخسف
( 3 ) قوله : خيرا له لأن عذاب الدنيا بالخسف أسهل من عذاب الإثم وهذا يحتمل أن يكون من الكتب السالفة لأن كعبا من أهل الكتاب فظاهر هذا كالحديث قبله يدل على منع المرور مطلقا ولو لم يجد مسلكا سواه
( 4 ) أي : كراهة تحريم
( 5 ) في نسخة : فليدرأ أي : ليدفع بالإشارة أو بالتسبيح أو نحو ذلك
( 6 ) قوله : فإن قاتله ... إلخ يعني أنه ينبغي للمصلي أن يدفع المار فإن لم يندفع يدفع بأشد من المرة الأولى ولا يقتله ولا يقاتله فإنه إن قاتل وقتل فسدت صلاته لارتكاب العمل الكثير فصار ما دخل على المصلي من ارتكاب قتاله أشد من مرور المار بين يديه فإن مروره بين يديه لا يفسد صلاته وإنما يوجب إثم المار والنقص في صلاته فإذا اختار دفعه بالقتال فسدت صلاته فيلزم عليه اختيار الأعلى لدفع الأدنى وهو منهي عنه بالأصول الشرعية والمراد بقوله صلى الله عليه و سلم : " فليقاتله " هو المبالغة في المدافعة لا القتال الحقيقي المفسد للصلاة وهذا هو قول عامة العلماء خلافا لبعض الشافعية
( 7 ) أي : على المصلي
( 8 ) أي : المصلي
( 9 ) أي : المار
( 10 ) أي : المار
( 11 ) أي : المصلي
( 12 ) أي : عامة الفقهاء
( 13 ) أي : على ظاهرها
( 14 ) وهو أن يدفعه ما استطاع
( 15 ) في نسخة : ذلك

274 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر
أنه قال ( 1 ) : لا يقطع الصلاة شيء
قال محمد : وبه ( 2 ) نأخذ لا يقطع الصلاة شيء من مار بين يدي المصلي وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : إنه قال ... . إلخ أخرجه الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا وسنده ضعيف . وجاء مثله مرفوعا من حديث أبي سعيد عند أبي داود ومن حديث أنس وأبي أمامة عند الدارقطني وعن جابر عند الطبراني وأخرج الطحاوي عن على وعمار : ( لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرؤوا ما استطعتم ) وعن علي : ( لا يقطع صلاة المسلم كلب ولا حمار ولا امرأة ولا ما سوى ذلك من الدواب ) وعن حذيفة أنه قال : ( لا يقطع صلاتك شيء ) وعن عثمان نحوه وأخرج سعيد بن منصور عن على وعثمان مثله ويعارضها حديث أبي ذر مرفوعا : " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الكلب الأسود والحمار والمرأة " . رواه مسلم وله أيضا عن أبي هريرة مرفوعا : " تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعا : " إذا صلى أحدكم إلى غير السترة فإنه يقطع صلاته الحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة "
واختلف العلماء في هذا الباب فجماعة قالوا بظاهر ما ورد في القطع ونقل عن أحمد أنه قال : يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي النفس من المرأة والحمار شيء . والجمهور على أنه لا يقطع الصلاة شيء وأجابوا عن معارضه بوجوه : أحدها وهو مسلك الطحاوي ومن تبعه أنه منسوخ لأن ابن عمر من رواته وقد حكم بعدم قطع شيء وثانيها : وهو مسلك الشافعي والجمهور على أن أحاديث القطع مؤولة بشغل القلب وقطع الخشوع لإفساد أصل الصلاة وثالثها : مسلك أبي داود وغيره أنه إذا تنازع الخبران يعمل بما عمل به الصحابة وقد ذهب أكثرهم ههنا إلى عدم القطع فليكن هو الراجح ( وتأول الجمهور ما ورد في ذلك بالنسخ أو بقطع الخشوع والحديث موقوف وأخرجه الدارقطني وأبو داود مرفوعا بإسناد ضعيف . انظر شرح الزرقاني 1 / 316 ) والكلام طويل مبسوط في موضعه
( 2 ) وفي نسخة : وبهذا

82 - ( باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله )

275 - أخبرنا مالك حدثنا عامر ( 1 ) بن عبد الله بن الزبير عن عمرو ( 2 ) بن سليم الزرقي ( 3 ) عن أبي قتادة السلمي ( 4 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا ( 5 ) دخل ( 6 ) أحدكم المسجد فليصل ( 7 ) ركعتين ( 8 ) قبل أن يجلس ( 9 )
قال محمد : هذا تطوع وهو حسن وليس بواجب ( 10 )
_________
( 1 ) هو أبو الحارث المدني وثقه النسائي ويحيى وأبو حاتم وأحمد . كذا في " الإسعاف "
( 2 ) هو ثقة من كبار التابعين مات سنة 104 هـ يقال له رؤية كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) قوله : الزرقي - بضم الزاء المعجمة وفتح الراء المهملة - نسبة إلى بني زريق بن عبد حارثة بطن من الأنصار ذكره السمعاني
( 4 ) قوله : السلمي قال القاري : بضم فسكون . انتهى . وهو خطأ فإن السمعاني ذكر أولا السلمي بفتح السين وسكون اللام وقال : إنه نسبة إلى الجد وذكر المنتسبين بها ثم ذكر السلمي بالضم وفتح اللام نسبة إلى سليم قبيلة من العرب وذكر المنتسبين بها ثم ذكر السلمي بفتح السين واللام وقال : نسبة إلى بني سلمة حي من الأنصار وهذه النسبة وردت على خلاف القياس كما في سفر سفري ونمر نمري وأصحاب الحديث يكسرون اللام ومنهم أبو قتادة الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري . انتهى
( 5 ) قوله : إذا دخل ... إلخ قد ورد الحديث على سبب وهو أن أبا قتادة دخل المسجد فوجد النبي صلى الله عليه و سلم جالسا بين أصحابه فجلس معهم فقال له : ما منعك أن تركع ؟ قال : رأيتك جالسا والناس جلوس فقال : إذا دخل أحدكم ... الحديث رواه مسلم
( 6 ) خص منه إذا دخل والإمام يصلي الفرض أو شرع في الإقامة
( 7 ) هو أمر ندب بالإجماع سوى أهل الظاهر فقالوا بالوجوب
( 8 ) هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق
( 9 ) قوله : قبل أن يجلس فإن جلس لم يشرع له التدارك كذا قال جماعة وفيه نظر لما رواه ابن حبان عن أبي ذر أنه دخل المسجد فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أركعت ركعتين ؟ قال : لا قال : قم فاركعهما . ترجم عليه ابن حبان في صحيحه : ( تحية المسجد لا تفوت بالجلوس ) ومثله في قصة سليك وقال المحب الطبري : يحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر للندب كذا ذكره الزرقاني
( 10 ) قوله : وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فأمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة كذا ذكره الطحاوي . وقال زيد بن أسلم : كان الصحابة يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون وقال : رأيت ابن عمر يفعله وكذا سالم ابنه وكان القاسم بن محمد يدخل المسجد فيجلس ولا يصلي ذكره الزرقاني والكلام بعد موضع نظر

83 - ( باب الانفتال ( 1 ) في الصلاة )
276 - أخبرنا مالك أخبرني يحيى ( 2 ) بن سعيد عن محمد ( 3 ) بن يحيى بن حبان أنه سمعه يحدث عن واسع ( 4 ) بن حبان ( 5 ) قال : كنت أصلي في المسجد
وعبد الله بن عمر مسند ( 6 ) ظهره إلى القبلة فلما قضيت ( 7 ) صلاتي انصرفت إليه من قبل ( 8 ) شقي الأيسر فقال : ما منعك أن تنصرف على يمينك ؟ قلت : رأيتك وانصرفت إليك ( 9 ) قال عبد الله : فإنك قد أصبت فإن قائلا ( 10 ) يقول : انصرف ( 11 ) على يمينك فإذا كنت ( 12 ) تصلي انصرف حيث أحببت على يمينك أو يسارك ويقول ( 13 ) ناس ( 14 ) : إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل ( 15 ) القبلة ولا بيت المقدس ( 16 ) قال عبد الله ( 17 ) : لقد رقيت ( 18 ) على ظهر بيت ( 19 ) لنا ( 20 ) فرأيت ( 21 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم على حاجته ( 22 ) مستقبل ( 23 ) بيت المقدس
قال محمد : وبقول عبد الله بن عمر نأخذ ينصرف الرجل إذا سلم على أي شقه ( 24 ) أحب ولا بأس أن يستقبل بالخلاء من الغائط والبول بيت المقدس ( 25 ) إنما يكره ( 26 ) أن يستقبل ( 27 ) بذلك القبلة وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي الانصراف يمينا وشمالا
( 2 ) الثلاثة في هذا الإسناد تابعيون لكن قيل : إن لواسع رؤية كذا قال السيوطي
( 3 ) الأنصاري المدني وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم مات بالمدينة
سنة 121 هـ كذا في " الإسعاف "
( 4 ) وثقه أبو زرعة كذا في " الإسعاف "
( 5 ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء هو ابن منقذ بن عمرو الأنصاري
( 6 ) فيه جواز الاستناد إلى الكعبة لكن لا ينبغي لأحد أن يصلي مواجها غيره
( 7 ) أتممت
( 8 ) بكسر ففتح بمعنى جهة
( 9 ) وكان ابن عمر على شماله
( 10 ) قوله : فإن قائلا يقول ... إلخ كأنه يرد على من ألزم الانصراف عن اليمين مع ثبوت الانصراف في كلا الجانبين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ففيه أن من أصر على مندوب والتزمه التزاما هجر ما عداه يأثم وقد ثبت الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في جانب اليمين واليسار من حديث ابن مسعود فإنه قال : " لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله كثيرا ينصرف عن يساره . وروى مسلم عن أنس قال : أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينصرف عن يمينه . وجمع النووي بينهما بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل تارة بهذا وتارة بهذا فأخبر كل ما اعتقده أنه الأكثر . وجمع ابن حجر بوجه آخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن الحجرة النبوية كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ونحوه . وبالجملة الانصراف في كلا الجهتين ثابت فإلزام اليمين إلزام بما لم يلزمه الشرع نعم الجمهور استحبوا الانصراف إلى اليمين لكونه أفضل وبه صرح كثير من أصحابنا
( 11 ) أي : وجوبا
( 12 ) هو قول ابن عمر ردا على القائل
( 13 ) قوله : ويقول يشير بذلك إلى من كان يقول بعموم النهي في المصر والصحراء وهو مروي عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي
( 14 ) قوله : ويقول ناس ... إلخ فيه دليل على أن الصحابة كانوا يختلفون في معاني السنن فكان كل واحد منهم يستعمل ما سمع على عمومه فمن ههنا وقع بينهم الاختلاف كذا في " الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري " للكرماني
( 15 ) قوله : فلا تستقبل القبلة . . إلخ اختلفوا فيه على أقوال فمنهم من قال : يجوز استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول في المصر دون الصحراء وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية والثاني : لا يجوز مطلقا وهو مذهب الحنفية أخذا من حديث أبي أيوب المروي في " سنن أبي داود " وغيره والثالث : جوازهما مطلقا والرابع : عدم جواز الاستقبال مطلقا وجواز الاستدبار مطلقا كذا ذكره حسين بن الأهدل في رسالته " عدة المنسوخ من الحديث " وذكر الحازمي أن ممن كره الاستقبال والاستدبار مطلقا مجاهد وسفيان الثوري وإبراهيم النخعي وممن رخص مطلقا عروة بن الزبير وحكي عن ربيعة بن عبد الرحمن وحكي عن ابن المنذر الإباحة مطلقا لتعارض الأخبار
( 16 ) قوله : المقدس يقال : بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال ويقال : بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة لغتان مشهورتان كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي رحمه الله
( 17 ) أراد واسع التأكيد بإعادة قوله : قال عبد الله
( 18 ) أي : صعدت
( 19 ) قوله : بيت لنا وفي رواية : على ظهر بيتنا وفي رواية : على ظهر بيت حفصة أي : أخته كما صرح به في رواية مسلم ولابن خزيمة : دخلت على حفصة فصعدت ظهر البيت . وطريق الجمع أن إضافة البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته كذا في " الفتح "
( 20 ) وفي رواية البخاري ومسلم : على ظهر بيت أختي زاد البيهقي : فحانت مني التفاتة
( 21 ) قوله : فرأيت وفي رواية ابن خزيمة فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو على خلائه وفي رواية له : فرأيته يقضي حاجته وللحكيم الترمذي بسند صحيح فرأيته في كنف . وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا : يحتمل أن يكون رآه في الفضاء ولم يقصد ابن عمر الإشراف في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له فحانت منه التفاتة نعم لما اتفقت رؤيته في تلك الحالة من غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي
( 22 ) قوله : على حاجته أخذ أبو حنيفة بظاهر حديث : " لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول " فحرم ذلك في الصحراء والبنيان وخص آخرون بالصحراء لحديث ابن عمر قال القاضي أبو بكر بن العربي : المختار هو الأول لأنا إذا نظرنا إلى المعاني فالحرمة للقبلة فلا يختلف في البنيان والصحراء وإن نظرنا إلى الآثار فحديث أبي أيوب " لا تستقبلوا " الحديث عام وحديث ابن عمر لا يعارضه لأربعة أوجه : أحدها أنه قول : وهذا فعل ولا معارضة بين القول والفعل والثاني : أن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكايات الأحوال معرضة الأعذار والأسباب والأقوال لا تحتمل ذلك والثالث : أن هذا القول شرع منه وفعله عادة والشرع مقدم على العادة والرابع : أن هذا الفعل لو كان شرعا لما ستر به . انتهى . وفي الآخيرين نظر لأن فعله شرع والتستر عند قضاء الحاجة مطلوب بالإجماع وقد اختلف العلماء في علة النهي على قولين : أحدهما : أن في الصحراء خلقا من الملائكة والجن فيستقبلهم لفرجه والثاني : أن العلة إكرام القبلة قال ابن العربي : هذا التعليل أولى ورجحه النووي أيضا كذا في " زهر الربى على المجتبى " للسيوطي
( 23 ) قال أحمد : حديث ابن عمر ناسخ لنهي استقبال بيت المقدس
( 24 ) أي : على جنبه الأيمن أو الأيسر
( 25 ) قوله : بيت المقدس وأما ما أخرجه أبو داود من حديث معقل بن أبي معقل ( في الأصل : " معقل بن الأسدي " هو معقل بن أبي معقل الأسدي كما في بذل المجهود : 1 / 27 ) الأسدي قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستقبل القبلتين بغائط أو بول فقال الخطابي في شرح سنن أي داود : يحتمل أن يكون ذلك لمعنى الاحترام لبيت المقدس إذ كان قبلة لنا ويحتمل أن يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة لأن من استقبل بيت المقدس بالمدينة فقد استدبر الكعبة . انتهى . وقال أبو إسحاق : إنما نهى عن استقباله بيت المقدس حين كان قبلة ثم نهى عن استقبال القبلة حين صار قبلة فجمعهما الراوي ظنا منه على أن النهي مستمر ونقل الماوردي عن بعض المتقدمين أن المراد بالنهي لأهل المدينة فقط كذا في " مرقاة الصعود "
( 26 ) قوله : إنما يكره لما أخرجه الستة عن أبي أيوب مرفوعا : لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها . وأخرج الجماعة إلا البخاري عن سلمان : نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول . وأخرج أبو داود ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعا : إذا جلس أحدكم إلى حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها . وأخرج الدارقطني عن طاووس مرسلا مرفوعا : إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله ولا يستقبلها ولا يستدبرها . وأخرج أبو جعفر الطبري في " تهذيب الآثار " عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده مرفوعا : من جلس يبول قبالة القبلة فذكر فتحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له
وبهذه الأحاديث أخذ أصحابنا إطلاق كراهة الاستقبال سواء كان في البنيان أو الصحراء ورجحوها لكونها قولية ولكونها ناهية على خبر يدل على الترخص في ذلك فعلا وهو ما أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستقبل القبلة فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها في البول
( 27 ) قوله : أن يستقبل وأما الاستدبار ففي رواية عن أبي حنيفة لا يكره وفي رواية عنه يكره وهو الأصح عند صاحب " الهداية " وغيره لورود النهي عنه كالاستقبال ( انظر عمدة القاري 1 / 829 ، وفتح الباري 1 / 173 ، والمحلى لابن حزم 1 / 194 )

84 - ( باب صلاة المغمى عليه )

277 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه أغمي عليه ثم أفاق فلم يقض ( 1 ) الصلاة ( 2 )
قال محمد : وبهذا ( 3 ) نأخذ إذا أغمي عليه أكثر من يوم وليلة وأما إذا أغمي عليه يوما وليلة أو أقل قضى ( 4 ) صلاته ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : فلم يقض قال مالك : ذلك في ما نرى والله أعلم أن الوقت قد ذهب فأما من أفاق في الوقت فهو يصلي وجوبا إذ ما به السقوط ما به الإدراك
( 2 ) أي : الفائتة حال الإغماء
( 3 ) قوله : وبهذا نأخذ وفيه خلاف الشافعي ومالك فإنهما قالا بسقوط الصلاة بالإغماء إلا إذا أفاق في الوقت قلت أو كثرت لحديث عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة ؟ فقال : لا لشيء من ذلك قضاء إلا أن يفيق في وقت صلاة فإنه يصليه . وفي سنده الحكم بن عبد الله ضعيف جدا حتى قال أحمد : أحاديثه موضوعة ذكره الزيلعي
( 4 ) قوله : قضى صلاته لما روى في كتاب " الآثار " : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن عمر أنه قال : في الذي يغمى عليه يوما وليلة يقضي . وعلى هذا فما أخرجه مالك محمول على ما أفاق بعد اليوم والليلة
( 5 ) لأنه لا حرج في ذلك

278 - بلغنا ( 1 ) عن عمار بن ياسر : أنه أغمي عليه أربع صلوات ثم أفاق فقضاها ( 2 ) أخبرنا بذلك أبو معشر ( 3 ) المديني عن بعض أصحابه ( 4 )
_________
( 1 ) قوله : بلغنا أسنده الدارقطني عن يزيد مولى عمار بن ياسر أن عمار بن ياسر أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأفاق نصف الليل فقضاهن ومن طريقه رواه البيهقي وقال : قال الشافعي : هذا ليس بثابت ولو ثبت فمحمول على الاستحباب قال البيهقي : وعلته أن يزيد مولى عمار مجهول والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي كان يحيى بن معين يضعفه
( 2 ) في نسخة : فقضى
( 3 ) قوله : أبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي بكسر السين وسكون النون مولى بني هاشم مشهور بكنيته ويقال : اسمه عبد الرحمن بن الوليد بن هلال فيه ضعف قال الترمذي : تكلم فيه بعض من قبل حفظه وقال أحمد : صدوق لا يقيم الإسناد وقال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه كذا في " الكاشف " و " التقريب " و " قانون الموضوعات "
( 4 ) أي أصحاب عمار

85 - ( باب صلاة المريض )

279 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر قال : إذا لم يستطع المريض السجود ( 1 ) أومى برأسه
قال محمد : وبهذا نأخذ ولا ينبغي ( 2 ) له ( 3 ) أن يسجد على عود ولا شيء ( 4 ) يرفع ( 5 ) إليه ويجعل سجوده ( 6 ) أخفض من ركوعه وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) بسبب وجع الرأس ونحو ذلك
( 2 ) قوله : ولا ينبغي له أن يسجد على عود ... إلخ لما أخرجه البزار والبيهقي في " المعرفة " عن أبي بكر الحنفي عن سفيان الثوري نا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به وقال : صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك . ورواه أبو يعلى أيضا بطريق آخر من حديث جابر والطبراني من حديث ابن عمر . وروى أيضا من حديثه مرفوعا : " من استطاع منكم أن يسجد فليسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه وليكن ركوعه وسجوده يومئ برأسه " . وذكر شراح " الهداية " أنه يكره السجود على شيء مرفوع إليه فإن فعل ذلك أجزأه لما روى الحسن عن أمه قالت : رأيت أم سلمة تسجد على وسادة من أدم من رمد بها أخرجه البيهقي وعن ابن عباس أنه رخص في السجود على الوسادة ذكره البيهقي وذكر ابن أبي شيبة عن أنس أنه كان يسجد على مرفقه
( 3 ) بل هو مكروه كما في الأصل
( 4 ) أي : وعلى شيء آخر كوسادة ونحوها
( 5 ) بصيغة المجهول أو المعلوم
( 6 ) أي : إيماء السجود

86 - ( باب النخامة ( 1 ) في المسجد وما يكره من ذلك )
280 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى بصاقا ( 2 ) في قبلة ( 3 ) المسجد فحكه ( 4 ) ( 5 ) ثم أقبل ( 6 ) على الناس فقال : إذا كان ( 7 ) أحدكم يصلي فلا ( 8 ) يبصق ( 9 ) قبل وجهه فإن الله ( 10 ) تعالى قبل ( 11 ) وجهه إذا صلى
قال محمد : ينبغي له أن لا يبصق تلقاء ( 12 ) وجهه ولا عن يمينه ( 13 ) وليبصق تحت رجله اليسرى ( 14 )
_________
( 1 ) قوله : النخامة يقال : تنخم وتنخع رمى بالنخامة والنخاعة بضم أولها ما يخرج من الخيشوم والحلقوم . البصاق من الفم والمخاط من الأنف والنخامة من الأنف
( 2 ) قوله : بصاقا بصاد مهملة وفي لغة بالزاء المعجمة وأخرى بالسين . وضعفت والباء مضمومة في الثلاث : هو ما يسيل من الفم كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) أي : في حائط من جهة قبلة المسجد
( 4 ) قوله : فحكه في رواية أيوب عن نافع ثم نزل فحكه بيده وفيه إشعار بأنه رآه حال الخطبة وبه صرح به في رواية الإسماعيلي : زاد ( وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به ) زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب : ( فلذلك صنع الزعفران في المساجد ) كذا ذكره الزرقاني
( 5 ) أي : أزاله بيده
( 6 ) بوجهه الكريم
( 7 ) قوله : إذا كان ... . إلى آخره قال الباجي : خص بذلك حال الصلاة لفضيلة تلك الحال ولأنه حينئذ يكون مستقبل القبلة
( 8 ) بالجزم على النهي
( 9 ) أي : مطلقا لا في جدار المسجد ولا في غيره
( 10 ) قال ابن عبد البر : هو كلام على التعظيم لشأن القبلة . قوله : فإن الله تعالى قد نزع به المعتزلة القائلون بأن الله في كل مكان وهو جهل واضح . وهذا التعليل يدل على حرمة البزاق في القبلة سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلي وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان عن حذيفة مرفوعا : " من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه " ولابن خزيمة عن ابن عمر مرفوعا : " يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه " كذا ذكره الزرقاني
( 11 ) بكسر القاف وفتح الباء أي قدام وجهه قوله : قبل وجهه هذا على التشبيه أي كأن الله في مقابل وجهه وقال النووي : معناه فإن الله قبل الجهة التي عظمها وقيل : معناه فإن قبلة الله قبل وجهه أو ثوابه أو نحو ذلك
( 12 ) أي : طرف وجهه لأنه جهة الكعبة
( 13 ) لشرف الملك
( 14 ) أو عن يساره إن لم يكن هناك رجل بذلك وردت الأخبار والسنن قوله : وليبصق أي إذا كان تحت رجله شيء من ثيابه وإلا فيكره فوق أرض المسجد وكذا فوق حصيره

87 - ( باب الجنب والحائض ( 1 ) يعرقان في ثوب )
281 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يعرق ( 2 ) في الثوب ( 3 ) وهو جنب ثم يصلي فيه
قال محمد : وبهذا نأخذ لا بأس به ما لم يصب ( 4 ) الثوب من المني ( 5 ) ( 6 ) شيء وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) حكى النووي الاتفاق على طهارة سؤر الحائض وعرقها
( 2 ) بفتح الياء والراء
( 3 ) الذي هو لابسه وفي معنى الجنب الحائض والنفساء
( 4 ) قوله : ما لم يصب لما أخرجه الطحاوي وغيره عن معاوية أنه سأل أم حبيبة : هل كان النبي يصلي في الثوب الذي يضاجعك فيه ؟ قالت : نعم إذا لم يصبه أذى
( 5 ) ونحوه من النجاسات
( 6 ) فإنه نجس وأما العرق فليس بنجس ( قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر ثبت ذلك عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الفقهاء كذا في " الأوجز " عن " المغني " وبسط الكلام على ذلك العيني فارجع إليه لو شئت وقال ابن قدامة : سؤر الآدمي طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن النخعي أنه كره سؤر الحائض . انظر الكوكب الدري 1 / 156 )

88 - ( باب بدأ ( 1 ) أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس )
282 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 2 ) بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : بينما الناس في صلاة ( 3 ) الصبح إذ أتاه ( 4 ) رجل ( 5 ) فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أنزل عليه الليلة ( 6 ) قرآن ( 7 ) وقد أمر ( 8 ) أن يستقبل القبلة فاستقبلوها ( 9 ) وكانت وجوههم إلى الشام ( 10 ) فاستداروا ( 11 ) إلى الكعبة
قال محمد : وبهذا نأخذ فيمن أخطأ القبلة حتى صلى ركعة أو ركعتين ( 12 ) ثم علم أنه يصلي إلى غير القبلة فلينحرف ( 13 ) إلى القبلة فيصلي ما بقي ويعتد ( 14 ) بما مضى وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) بالفتح أي ابتداؤه
( 2 ) قوله : عبد الله قال ابن عبد البر : كذا رواه جماعة الرواة إلا عبد العزيز بن يحيى فإنه رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر والصحيح ما في " الموطأ " ( شرح الزرقاني 1 / 395 )
( 3 ) قوله : في صلاة الصبح قال الحافظ ( فتح الباري 1 / 506 ، ولامع الدراري 1 / 585 ) : هذا لا يخالف حديث البراء في " الصحيحين " أنهم كانوا في صلاة العصر لأن الخبر وصل وقت صلاة العصر إلى من هو داخل المدينة وهو بنو حارثة وذلك في حديث البراء والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر كما رواه ابن مندة وغيره وقيل : عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء ورجح أبو عمر الأول وقيل عباد بن نصر الأنصاري والمحفوظ عباد بن بشر ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر
( 4 ) ولمسلم في صلاة الغداة ( أخرجه مسلم في باب تحويل القبلة من
القدس إلى الكعبة رقم الحديث 14 )
( 5 ) قوله : رجل ذكر السعد مسعود بن عمر التفتازاني أنه ابن عمر وأنس حيث قال في " التلويح حاشية التوضيح " عند قول صدر الشريعة : وأما إخبار الصبي والمعتوه فلا يقبل منه في الديانات أصلا ... إلى آخره فإن قيل أن ابن عمر أخبر أهل قباء بتحويل القبلة فاستداروا كهيآتهم وكان صبيا قلنا : لو سلم كونه صبيا فقد روي أنه أخبرهم بذلك أنس فيحتمل أنهما جاءا جميعا فأخبراهم . انتهى . قلت : لم أقف لهاتين الروايتين على سند ولم أطلع له ما يدل عليه من كلمات المحدثين فإنه لم يذكر أحد منهم أن المخبر بذلك ابن عمر وأنس بل ذكر بعضهم عباد بن بشر وبعضهم عباد بن نهيك حكاهما السيوطي في " تنوير الحوالك " ( 1 / 201 ) جزم بالأول القسطلاني في " إرشاد الساري " وذكر الحافظ ابن حجر وكفاك به اطلاعا أن مخبر أهل قباء لم يسم وإن كان ابن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر فإن كان ما نقله محفوظا فيحتمل أن عبادا أتى بني حارثة أولا في العصر ثم توجه إلى أهل قباء وقت الصبح فأعلمهم بالفجر ومما يدل على تعددهما ما روى مسلم عن أنس أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر . انتهى ( فتح الباري 1 / 506 )
( 6 ) قوله : الليلة قال الباجي : أضاف النزول إلى الليل على ما بلغه ولعله لم يعلم بنزوله قبل ذلك أو لعله صلى الله عليه و سلم أمر باستقبال الكعبة بالوحي ثم أنزل عليه القرآن من الليلة
( 7 ) بالتنكير لإرادة البعضية والمراد قوله تعالى : { قد نرى تقلب . . } الآيات
( 8 ) قوله : وقد أمر وقع في رواية البخاري أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم متوجها إلى الكعبة العصر وعند ابن سعد : حولت القبلة في صلاة الظهر أو العصر على التردد . والتحقيق أن أول صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن البراء بن معرور الظهر وأول صلاة صلاها في المسجد النبوي العصر كذا في " فتح الباري "
( 9 ) قوله : فاستقبلوها بفتح الموحدة على رواية الأكثر أي : فتحول أهل قباء إلى جهة الكعبة ويحتمل أن فاعله النبي صلى الله عليه و سلم ومن معه وضمير وجوههم له أو لأهل قباء وفي رواية : فاستقبلوها بكسر الموحدة - أمر - ويأتي في ضمير وجوههم الاحتمالان وعوده إلى أهل قباء أظهر ويرجح رواية الكسر رواية البخاري في " التفسير " بلفظ : وقد أمر أن يستقبل القبلة ألا فاستقبلوها فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن ما بعده أمر لا خبر قال الزرقاني ( 1 / 396 )
( 10 ) أي : بيت المقدس
( 11 ) قوله : فاستداروا وقع بيان كيفية التحويل في حديث تويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم قالت فيه : فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين إلى المسجد الحرام . وتصويره أن الإمام تحول من مكانه إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل القبلة استدبر بيت المقدس وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإمام تحولت الأرض وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أنه وقع قبل تحريم العمل الكثير ويحتمل أنه اغتفر للمصلحة أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفترقة وفي الحديث دليل على أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع أن الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض لا يلزمه وفيه قبول خبر الواحد ( والأوجه أن الخبر كان محتفا بالقرائن أفادت القطع عندهم وهي انتظاره صلى الله عليه و سلم من قبل ذلك فقد ورد أنه يدعو وينظر إلى السماء . أوجز المسالك 4 / 96 ) كذا في " شرح الزرقاني "
( 12 ) أي : بعد ما تحرى فإنه لو صلى بغير تحر لم يجز كذا قالوا ( قال الباجي في المنتقى 1 / 340 : ظاهر الحديث يدل على أنهم بنوا على ما تقدم من صلاتهم ولو شرع أحد بصلاته إلى غير القبلة وهو يظنها إلى القبلة ثم تبين له فإن كان منحرفا انحرافا يسيرا رجع إلى القبلة وبنى وإن كان منحرفا عنها انحرافا كثيرا استأنف الصلاة والفرق بينه وبين أهل قباء أنهم افتتحوا الصلاة إلى ما شرع لهم من القبلة فلما طرأ النسخ في نفس العبادة لم يجز إفساد ما تقدم منها على الصحة . اهـ وفي الأوجز 4 / 96 لا تفصيل عند الحنفية وتصح صلاته بكل حال ومذهب الشافعية الإعادة مطلقا لمن اجتهد في القبلة فأخطأ كما في الفتح وغيره )
( 13 ) كأهل قباء إذا علموا أنهم يصلون إلى غير القبلة
( 14 ) أي : لا يحتاج إلى استئناف الصلاة حتى يجوز أن تقع أربع ركعات في أربع جهات

89 - ( باب الرجل يصلي بالقوم ( 1 ) وهو جنب أو على غير وضوء )
283 - أخبرنا مالك حدثنا إسماعيل بن أبي الحكيم أن سليمان بن يسار أخبره : أن عمر بن الخطاب صلى ( 2 ) الصبح ثم ركب ( 3 ) إلى الجرف ( 4 ) ثم بعد ما طلعت الشمس رأى في ثوبه احتلاما ( 5 ) فقال : لقد احتلمت وما شعرت ( 6 ) ولقد سلط علي الاحتلام منذ ( 7 ) وليت أمر الناس ثم غسل ( 8 ) ما رأى في ثوبه ونضحه ( 9 ) ثم اغتسل ثم قام ( 10 ) فصلى الصبح بعد ما طلعت الشمس
قال محمد : وبهذا نأخذ ونرى ( 11 ) أن من علم ( 12 ) ذلك ممن صلى خلف عمر فعليه أن يعيد الصلاة كما أعادها عمر لأن الإمام ( 13 ) إذا فسدت صلاته فسدت صلاة من خلفه وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : وهو يظن أنه على طهارة
( 2 ) صرح أن صلاته كانت بالناس
( 3 ) قوله : ثم ركب إلى الجرف فيه أن الإمام من ولي شيئا من أمور المسلمين له أن يتعاهد ضيعته وأمور دنياه
( 4 ) بضم الجيم والراء وفاء قال الرافعي : على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام
( 5 ) أي : أثره وهو المني
( 6 ) بفتحتين أي : علمت
( 7 ) قوله : منذ وليت أمر الناس قال الباجي : يحتمل أن يريد أن ذلك كان وقتا لابتلائه لمعنى من المعاني لم يذكره ووقته بما ذكر من ولايته ويحتمل أن شغله بأمر الناس واهتمامه بهم صرفه عن الاشتغال بالنساء فكثر عليه الاحتلام كذا في " التنوير " ( 1 / 68 ، وانظر المنتقى 1 / 101 ، وأوجز المسالك 1 / 295 )
( 8 ) قوله : ثم غسل في غسل عمر الاحتلام من ثوبه دليل على نجاسة المني لأنه لم يكن ليشتغل مع شغل السفر بغسل شيء طاهر . ولم يختلف العلماء في ما عدا المني من كل ما يخرج من الذكر أنه نجس وفي إجماعهم على ذلك ما يدل على نجاسة المني المختلف فيه ولو لم يكن له علة جامعة إلا خروجه مع البول والمذي والودي مخرجا واحدا لكفى وأما الرواية المرفوعة فيه : فروى عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار عن عائشة : كنت أغسله من ثوب رسول الله ( أخرجه البخاري 1 / 55 ) . وروى همام والأسود عنها قالت : كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم ( سنن ابن ماجه 1 / 99 ) . وحديث همام والأسود أثبت من جهة الإسناد . وأما اختلاف السلف والخلف في نجاسة المني فروي عن عمر وابن مسعود وجابر بن سمرة : أنهم غسلوه وأمروا بغسله . ومثله عن ابن عمر وعائشة على اختلاف عنهما وقال مالك : غسل الاحتلام واجب ولا يجزئ عنده وعند أصحابه في المني وفي سائر النجاسات إلا الغسل بالماء ولا يجزئ فيه الفرك . وأما أبو حنيفة وأصحابه فالمني عندهم نجس ويجري فيه الفرك على أصلهم في النجاسة وقال الحسن بن حي : تعاد الصلاة من المني في الجسد وإن قل ولا تعاد من المني في الثوب وكان يفتي مع ذلك بفركه عن الثوب . وقال الشافعي : المني طاهر ويفركه إن كان يابسا وإن لم يفركه فلا بأس به . وعند أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود : طاهر كقول الشافعي ويستحبون غسله رطبا وفركه يابسا وهو قول ابن عباس وسعد كذا في " الاستذكار " ( 1 / 359 . وذهب الشافعي وأحمد في أصح قوليه وإسحاق إلى أن المني طاهر وإنما يغسل الثوب منه لأجل النظافة لا للنجاسة وروي ذلك عن علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وذهب أبو حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي إلى أنه نجس غير أن أبا حنيفة يقول بإجزاء الفرك ولا يجزئ عندهما إلا الغسل كحكم سائر النجاسات . هذا ملخص ما في " شرح المهذب " 2 / 554 )
( 9 ) أي : رش ما لم ير فيه أذى لأنه شك هل أصابه المني أم لا ؟ ومن شك في ذلك وجب نضحه تطييبا للنفس . قوله : ونضحه لا خلاف بين العلماء في أن النضح في حديث عمر هذا معناه الرش وهو عند أهل العلم طهارة لما شك فيه كأنهم جعلوه رافعا للوسوسة ندب بعضهم إلى ذلك وأباه بعضهم وقال : لا يزيده النضح إلا شرا كذا قال ابن عبد البر ( الاستذكار 1 / 360 )
( 10 ) قوله : قام فيه دليل على ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن من رأى في ثوبه أثر احتلام ولم يتذكر المنام وقد صلى فيه قبل ذلك يحمله على آخر نومة نامها ويعيد ما صلى بينه وبين آخر نومته وهو من فروع الحادث يضاف إلى أقرب الأوقات
( 11 ) قوله : ونرى ... إلى آخره فيه خلاف بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين فقال مالك وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي : لا إعادة على من صلى خلف من نسي الجنابة وصلى ثم تذكر إنما الإعادة على الإمام فقط وروي ذلك عن عمر فإنه لما صلى الصبح بجماعة ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما أعاد صلاته ولم يأمرهم بالإعادة . وروى ابن أبي شيبة عن الحارث عن علي في الجنب يصلي بالقوم قال : يعيد ولا يعيدون . وروى أحمد عن عثمان صلى بالناس الفجر فلما ارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة فقال : كبرت والله كبرت فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا . وبه قال أحمد حكاه الأثرم وإسحاق وأبو ثور وأبو داود والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وقال أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان : إنه يجب عليهم الإعادة أيضا وروى عبد الرزاق بسند منقطع عن علي رضي الله عنه مثله كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستذكار " ( 1 / 362 . وفي أوجز المسالك 1 / 299 : واختلف العلماء فيمن صلى خلف جنب أو محدث وهو ناس فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة فقال الأئمة الثلاثة : إن صلاة الإمام باطلة وصلاتهم صحيحة وروي عن علي أنهم يعيدون وبه قال ابن سيرين والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه كذا في " المغني " )
( 12 ) وأما من لم يعلم فلا عليه شيء لأن التكليف بحسب الوسع
( 13 ) قوله : لأن الإمام ... . إلى آخره تعليل لطيف على مدعاه بأن الإمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة المؤتم لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به والإمام ضامن لصلاة المقتدي كما ورد به الحديث فصلاة المقتدي مشمولة في صلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لها بصحتها وفسادها بفسادها فإذا صلى الإمام جنبا لم تصح صلاته لفوات الشرط وهي متضمنة لصلاة المؤتم فتفسد صلاته أيضا فإذا علم ذلك يلزم عليه الإعادة ويتفرع عليه أنه يلزم الإمام إذا وقع ذلك أن يعلمهم به ليعيدوا صلاتهم ولو لم يعلمهم لا إثم عليهم وهذا التقرير واضح قوي إلا أن يدل دليل أقوى منه على خلافه

90 - ( باب الرجل ( 1 ) يركع دون ( 2 ) الصف أو يقرأ ( 3 ) في ركوعه )
284 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي أمامة ( 4 ) بن سهل بن حنيف ( 5 ) أنه قال : دخل ( 6 ) زيد بن ثابت فوجد الناس ركوعا ( 7 ) فركع ( 8 ) ثم دب ( 9 ) حتى وصل الصف
قال محمد : هذا يجزئ ( 10 ) وأحب ( 11 ) إلينا أن لا يركع حتى يصل إلى الصف وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي : ما حكمه ؟
( 2 ) أي : قبل بلوغه إلى الصف
( 3 ) أي : يقرأ القرآن في ركوعه وسجوده
( 4 ) قوله : أبي أمامة معدود في الصحابة لأن له رؤية ولم يسمع اسمه أسعد وقيل سعد مات سنة 100 هـ وأبوه سهل بن حنيف صحابي شهير من أهل بدر كذا ذكره الزرقاني
( 5 ) بضم المهملة وفتح النون
( 6 ) أي : في المسجد
( 7 ) أي : راكعين
( 8 ) قوله : فركع ثم دب قال مالك : بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يدب راكعا قال ابن عبد البر : لا أعلم لهما مخالفا إلا أبا هريرة فقال : لا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف قال وقاله رسول الله صلى الله عليه و سلم واستحبه الشافعي قال : فإن فعل فلا شيء عليه وأجاز مالك والليث للرجل وحده أن يركع ويمشي إلى الصف إذا كان قريبا وكرهه أبو حنيفة والثوري للواحد ( وقال أحمد وإسحاق : من صلى خلف صف منفردا فصلاته باطلة . انظر أوجز المسالك 3 / 217 )
( 9 ) قوله : ثم دب دب يدب يدرج في المشي رويدا ولا يسرع كذا في " مجمع البحار "
( 10 ) أي : يكفي ولا يفسد الصلاة لأن العمل قليل قوله : يجزئ أي : يكفي في الأداء لكن بشرط أن لا تقع ثلاث خطوات متوالية في ركن من أركان الصلاة كذا ذكره بعضهم . وفي الخلاصة : إذا مشى في صلاة إن كان قدر صف واحد لا تفسد وإن كان قدر صفين بدفعة يفسد ولو مشى إلى صف ثم وقف ثم إلى صف آخر لا تفسد وفي " الظهيرية " المختار أنه إذا كثر تفسد كذا قال على القاري
( 11 ) لينال زيادة الثواب بكثرة الخطا وطول الانتظار والاشتراك في الجماعة

285 - قال محمد حدثنا ( 1 ) المبارك ( 2 ) بن فضالة عن الحسن : أن أبا بكرة ( 3 ) رضي الله عنه ركع ( 4 ) دون ( 5 ) الصف ثم مشى ( 6 ) حتى وصل الصف فلما قضى صلاته ذكر ( 7 ) ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له صلى الله عليه و سلم : زادك الله حرصا ( 8 ) ولا تعد ( 9 )
قال محمد : هكذا نقول : وهو يجزئ وأحب إلينا أن لا يفعل ( 10 )
_________
( 1 ) وفي نسخة : عن
( 2 ) قوله : المبارك . هو المبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة - أبو فضالة مولى آل الخطاب العدوي البصري صدوق يدلس قال أبو زرعة : إذا قال حدثنا فهو ثقة روى عن الحسن البصري وبكر المزني وعنه ابن المبارك وغيره مات سنة 166 هـ على الصحيح كذا في " التقريب " و " الكاشف "
( 3 ) هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود وأحمد والنسائي . قوله : أن أبا بكرة : بسكون الكاف نفيع بن الحارث الثقفي - بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء - كذا في " جامع الأصول " لابن الأثير الجزري وفي " الاستيعاب " اسمه نفيع بن مسروح وقيل : نفيع بن الحارث بن كلدة كان نزل يوم الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم في غلمان من غلمان الطائف فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد عد من مواليه توفي بالبصرة سنة إحدى وقيل : اثنتين وخمسين
( 4 ) ليدرك الركعة
( 5 ) أي : قبل أن يصل إليه
( 6 ) أي : بخطوتين أو أكثر غير متوالية
( 7 ) على البناء للمفعول وقيل للمعلوم
( 8 ) على الطاعة والمبادرة إلى العبادة ( دعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحرص على العبادة لأنه محمود ولكن بحيث يوافق الشرع فإن الحرص على العبادة بوجه لا يوافق الشرع مذموم ولهذا قال : ولا تعد . بذل المجهود 4 / 351 )
( 9 ) قوله : ولا تعد بفتح التاء وضم العين من العود أي : لا تفعل مثل ما فعلته ثانيا وروي : لا تعد - بسكون العين وضم الدال - من العدو أي : لا تسرع في المشي إلى الصلاة وقيل : بضم التاء وكسر العين من الإعادة أي : لا تعد الصلاة التي صليتها قال القاضي : ذهب الجمهور إلى أن الانفراد خلف الصف مكروه وقال النخعي وحماد بن أبي ليلى ووكيع وأحمد : مبطل . والحديث حجة عليهم فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر أبا بكرة بالإعادة ومعنى لا تعد : لا تفعل ثانيا مثل ما فعلت إن جعل نهيا عن اقتدائه منفردا وركوعه قبل أن يصل إلى الصف ولا يدل على فساد الصلاة ويحتمل أن يكون عائدا إلى المشي في الصلاة فإن الخطوة والخطوتين وإن لم تفسد الصلاة لكن الأولى التحرز عنها كذا في " المرقاة " ( 3 / 76 ، وقال القاري : " قد أبعد من قال : ولا تعد بضم التاء وكسر العين من الإعادة أي : لا تعد وأبعد منه من قال إنه بإسكان العين وضم الدال من العدو أي : لا تسرع وكلاهما لا يأتي به رواية )
( 10 ) قوله : أن لا يفعل وما روي عن زيد وابن مسعود أنهما كانا يفعلان ذلك فإما أنه لم يبلغهما الخبر الدال على النهي عن ذلك صريحا أو حملاه على نهي إرشاد أو نحو ذلك

286 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع ( 1 ) مولى ابن عمر عن إبراهيم ( 2 ) بن عبد الله بن حنين ( 3 ) عن عبد الله ( 4 ) بن حنين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لبس ( 5 ) القسي وعن لبس ( 6 ) المعصفر ( 7 ) وعن تختم الذهب وعن قراءة ( 8 ) القرآن في الركوع ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ تكره القراءة في الركوع والسجود وهو قول ( 10 )
أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) في الإسناد ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهو من اللطائف ( شرح الزرقاني 1 / 166 )
( 2 ) الهاشمي مولاهم المدني التابعي قال ابن سعد : ثقة كثير الحديث روى له الجميع مات بعد المائة كذا ذكره الزرقاني
( 3 ) مصغرا
( 4 ) التابعي الثقة المتوفى في إمارة يزيد روى له الجماعة كذا ذكره الزرقاني
( 5 ) قوله : عن لبس القسي قال الباجي ( 1 / 149 ) : بفتح القاف وتشديد السين قال : فسره ابن وهب بأنها ثياب مضلعة يريد مخططة بالحرير وكانت تعمل بالقس وهو موضع بمصر يلي الفرما وفي " النهاية " : هي ثياب من كتان مخلوط بالحرير يؤتى بها من مصر نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس يقال لها القس بفتح القاف وبعض أهل الحديث يكسرها وقيل : أصل القسي القزي هو ضرب من الإبريسم أبدل الزاء سينا كذا في " التنوير " ( 1 / 101 )
( 6 ) قوله : وعن لبس المعصفر أجازه قوم من أهل العلم وكرهه ( والنهي للتنزيه على المشهور وكره مالك الثوب المعصفر للرجال في غير الإحرام . أوجز المسالك 1 / 74 ) آخرون ولا حجة عندي لمن أباحه مع ما جاء من نهيه صلى الله عليه و سلم عن ذلك كذا قال ابن عبد البر
( 7 ) عصفر - بضم أول وضم فاء - : كل كاجيره كه بهندي آنرا كسنبه كويندوجامه كه برنك آن سرخ كرده شود آنرا معصفر كويند ( بالفارسية ) ( غياث اللغات )
( 8 ) قوله : وعن قراءة : إلى آخره قال الخطابي : لما كان الركوع والسجود وهما في غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهي عن القراءة فيهما
( 9 ) رواه معمر عن ابن شهاب عن إبراهيم بن حنين فزاد : والسجود
( 10 ) بل قول الكل لا خلاف فيه ( قال ابن رشد في " بداية المجتهد " اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث علي . قال الطبري : وهو حديث صحيح به أخذ فقهاء الأمصار وسار قوم من التابعين إلى جواز ذلك وهو مذهب البخاري لأنه لم يصح الحديث عنده . اهـ مختصرا . ثم هي كراهة تنزيه عند أكثر العلماء . أوجز المسالك 1 / 75 ) ذكره ابن عبد البر

91 - ( باب الرجل يصلي ( 1 ) وهو يحمل الشيء )
287 - أخبرنا مالك أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة السلمي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي ( 2 ) وهو حامل ( 3 ) أمامة ( 4 ) بنت ( 5 ) زينب ( 6 ) بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأبي العاص ( 7 ) بن الربيع فإذا ( 8 ) سجد وضعها وإذا ( 9 ) قام حملها
_________
( 1 ) جملة حالية
( 2 ) قوله : كان يصلي أخرج الطبراني في " الكبير " عن عمرو بن سليم الزرقي قال : إن الصلاة التي صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حامل أمامة صلاة الصبح كذا في " مرقاة الصعود "
( 3 ) لأحمد : على رقبته
( 4 ) قوله : أمامة هي أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى
بن عبد شمس بن مناف وأمها زينب بنت رسول الله ولدت على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وكان يحبها وكان ربما حملها على عنقه في الصلاة وتزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة فلما قتل علي تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له يحيى وهلكت عنده وقيل : لم تلد لا لعلي ولا للمغيرة وليس لزينب عقب كذا في " الاستيعاب "
( 5 ) الإضافة : بمعنى اللام فأظهر في المعطوف وهو قوله ولأبي العاص ما هو مقدر في المعطوف عليه
( 6 ) قوله : زينب كانت أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلمت وهاجرت حين أبى زوجها أن يسلم وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة ثمان من الهجرة كذا في " الاستيعاب "
( 7 ) قوله : ولأبي العاص بن الربيع اختلف في اسمه فقيل لقيط وقيل : مهشم وقيل : هشيم وقيل : مهيشم والأكثر على الأول أسلم ورد رسول الله زينب إليه مات سنة 12 هـ كذا في " الاستيعاب "
( 8 ) ولمسلم : إذا ركع وضعها . قوله : فإذا سجد وضعها ... إلى آخره اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة واستبعده المأزري والقرطبي وعياض لما في مسلم : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه . ولأبي داود : بينا نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة على عاتقه فقام في مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهي في مكانها وقال النووي : ادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه من الخصائص وبعضهم أنه لضرورة وكلها دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت وإنما فعله رسول الله صلى عليه وسلم لبيان الجواز ( في " التوشيح " للسيوطي : اختلف في هذا الحديث فقيل : إنه من الخصائص وقيل : منسوخ وقيل : خاص بالضرورة وقيل : محمول على قلة العمل وهو الأصح أوجز المسالك 3 / 289 ) كذا في " شرح الزرقاني "
( 9 ) في نسخة : فإذا

92 - ( باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة (
1 ) )
288 - أخبرنا مالك أخبرني أبو النضر ( 2 ) مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها أخبرته ( 3 ) قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ورجلاي في القبلة ( 4 ) ( 5 ) فإذا سجد غمزني ( 6 ) فقبضت رجلي ( 7 ) وإذا قام بسطتها ( 8 ) والبيوت ( 9 ) يومئذ ليس فيها مصابيح
قال محمد : لا بأس ( 10 ) بأن يصلي الرجل والمرأة نائمة أو قائمة أو قاعدة بين يديه أو إلى جنبه أو تصلي إذا كانت ( 11 ) تصلي في غير صلاته إنما يكره أن تصلي إلى جنبه أو بين يديه وهما ( 12 ) في صلاة واحدة ( 13 ) أو يصليان مع إمام واحد فإن كانت ( 14 ) كذلك فسدت ( 15 ) صلاته وهو ( 16 ) قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) وفي نسخة أو قاعدة والمراد بالرجل المصلي وفي نسخة : زيادة يصلي وهو صفة الرجل أو حال منه وقعت معترضة
( 2 ) اسمه سالم بن أبي أمية
( 3 ) أي : أبا سلمة
( 4 ) أي : في مكان سجوده
( 5 ) أي : في جهتها
( 6 ) أي : طعن بإصبعه في لأقبض رجلي من قبلته . قوله . غمزني قال النووي : استدل به من يقول لمس النساء لا ينقض الوضوء والجمهور حملوه على أنه غمزها فوق حائل وهذا هو الظاهر من حال النائم . وقال الزرقاني : فيه دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة لا سيما النبي صلى الله عليه و سلم واحتمال الحائل والخصوصية بعيد فإن الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم
( 7 ) بشد الياء مثنى
( 8 ) قوله : بسطتها ( هكذا في الأصل والصحيح : " بسطتهما " . انظر فتح الباري 1 / 492 ) بالتثنية عند أكثر رواة البخاري ولبعض رواته رجلي ولبعضهم بسطتها بالإفراد فيهما
( 9 ) قوله : والبيوت ... إلى آخره قال النووي : أرادت به الاعتذار تقول لو كانت فيها مصابيح لقبضت رجلي عند إرادته السجود ولم أحوجه إلى غمزي . وقال ابن عبد البر : قولها يومئذ تريد حينئذ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين والوقت كما يعبر به عن النهار كذا في " التنوير " والظاهر أنه بيان لعادتهم في تلك الأوقات أنهم لم يكونوا معتادين بالمصابيح في تمام الليل إلا عند الضرورة
( 10 ) المعنى أن محاذاتها لا تضر إذا لم تكن معه في صلاة مشتركة
تحريما وأداء
( 11 ) بأن لم يكونا مشتركين تحريما وأداء
( 12 ) أي : المرأة والرجل
( 13 ) أي : هي مقتدية به
( 14 ) أي : محاذاتها
( 15 ) قوله : فسدت صلاته لقول ابن مسعود : أخروهن من حيث أخرهن الله أخرجه الطبراني وعبد الرزاق . أفاد ذلك افتراض قيام الرجل أمام المرأة فإذا قام جنبها أو خلفها وهما مشتركان في الصلاة فسدت صلاته لأنه ترك ما فرض عليه إذ هو المأمور بالتأخير كذا قالوا وفي المقام أبحاث وشرائط مذكورة في كتب الفقه
( 16 ) وفيه خلاف الشافعي وغيره وهو الاستحسان

93 - ( باب ( 1 ) صلاة الخوف ( 2 ) )
289 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم ( 3 ) الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم سجدة ( 4 ) وتكون طائفة منهم بينه ( 5 ) وبين العدو ولم يصلوا ( 6 ) فإذا صلى الذين معه سجدة استأخروا ( 7 ) مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ( 8 ) ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ( 9 ) سجدة ثم ينصرف ( 10 ) الإمام ( 11 ) وقد صلى ( 12 ) سجدتين ثم يقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون ( 13 ) لأنفسهم ( 14 ) سجدة ( 15 ) سجدة بعد انصراف الإمام فيكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا سجدتين . فإن كان خوفا هو أشد ( 16 ) من ذلك صلوا رجالا قياما ( 17 ) على أقدامهم أو ركبانا ( 18 ) مستقبلي القبلة ( 19 ) وغير مستقبليها . قال نافع ( 20 ) : ولا أرى ( 21 ) عبد الله بن عمر ( 22 ) إلا حدثه ( 23 ) عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 24 ) وهو قول ( 25 ) أبي حنيفة - رحمه الله - وكان مالك بن أنس لا يأخذ ( 26 ) به
_________
( 1 ) قوله : باب صلاة الخوف أي صفتها من حيث إنه يحتمل في الصلاة ما لا يحتمل في غيره ومنعها ابن الماجشون في الحضر تعلقا بمفهوم قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } وأجازها الباقون وقال أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه وصاحبه الحسن بن زياد اللؤلؤي وإبراهيم بن علية والمزني : لا تصلى بعد النبي صلى الله عليه و سلم لمفهوم قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم } . واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعلها بعده وبقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " فمنطوقه مقدم على ذلك المفهوم وقال ابن العربي وغيره : شرط كونه فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده أي بين لهم بفعلك لأنه أوضح من القول ثم الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم كذا في " شرح الزرقاني " ( 1 / 369 . وفي أوجز المسالك 4 / 5 - 12 ههنا ثمانية أبحاث لطيفة لا بد لطالب الحديث من النظر فيها )
( 2 ) قوله : صلاة الخوف قيل : إنها شرعت في غزوة ذات الرقاع وهي سنة خمس من الهجرة وقيل في غزوة بني النضير كذا في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي
( 3 ) حيث لا يبلغهم سهام العدو
( 4 ) أي ركعة
( 5 ) أي الإمام ومن معه
( 6 ) لحرسهم العدو
( 7 ) فيكونون في وجه العدو
( 8 ) بل يستمرون في الصلاة
( 9 ) أي الإمام
( 10 ) من صلاته بالتسليم
( 11 ) أي بعد التشهد والسلام
( 12 ) هذا في الصبح مطلقا وكذا في الرباعية في السفر وأما في المغرب فيصلي مع الأولى ركعتين ومع الثانية ركعة
( 13 ) قوله : فيصلون لأنفسهم ... إلى آخره قال الحافظ : لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا لزم ضياع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود : ثم سلم فقام هؤلاء - أي الطائفة الثانية - فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا . ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا . وظاهره أن الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الأولى بعدها . واختار هذه الصفة أشهب والأوزاعي وأخذ بما في حديث ابن عمر الحنفية ورجحها ابن عبد البر لقوة إسنادها ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل صلاة إمامه كذا في " شرح الزرقاني " ( 1 / 371 )
( 14 ) أي وحدهم
( 15 ) أي ركعة ركعة
( 16 ) من كثرة العدو
( 17 ) تفسير لقوله : رجالا
( 18 ) على دوابهم
( 19 ) أي عند القدرة على استقبالها وبه قال الجمهور لكن قال المالكية لا يصنعون ذلك حتى يخشوا فوات الوقت
( 20 ) قوله : قال نافع ولا أرى ... إلى آخره قال ابن عبد البر : هكذا روى مالك هذا الحديث عن نافع على الشك في رفعه ورواه عن نافع جماعة ولم يشكوا في رفعه منهم ابن أبي ذئب وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى وكذا رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر مرفوعا ورواه خالد بن معدان عن ابن عمر مرفوعا
( 21 ) أي لا أظن
( 22 ) أي فهو موقوف في حكم مرفوع
( 23 ) في نسخة : يحدثه
( 24 ) لقوة إسناده
( 25 ) قوله : وهو قول اتفقوا على أن جميع الصفات المروية عن النبي صلى الله عليه و سلم في صلاة الخوف معتد بها وإنما الخلاف بينهم في الترجيح كذا في " مرقاة المفاتيح "
( 26 ) قوله : لا يأخذ به بل كان يأخذ بما أخرجه هو والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن سهل بن أبي حثمة : أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم ركعة باقية ثم يسلمون وينصرفون فيكونون وجاه العدو والإمام قائم ثم يقبل الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم الركعة الباقية ثم يسلمون فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون وبه قال الشافعي وأحمد وداود مع تجويزهم الصفة التي في حديث ابن عمر ذكره الزرقاني . وكان مالك يقول أولا بما رواه يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف وهو نحو الحديث السابق إلا أن فيه النبي صلى الله عليه و سلم ثبت جالسا حتى أتمت الطائفة الثانية ثم سلم بهم ثم رجع مالك إلى الحديث السابق ذكره ابن عبد البر . وقد رويت في كيفية صلاة الخوف أخبار مرفوعة وآثار موقوفة على صفات مختلفة حتى ذكر بعضهم أنه ورد ستة عشر نوعا وأخذ بكل جماعة من العلماء وذكر ابن تيمية في " منهاج السنة " وغيره أن الاختلاف الوارد فيه ليس اختلاف تضاد بل اختلاف سعة وتخيير ( مما ينبغي أن يعلم أن أحدا من أصحاب الكتب المتداولة بأيدينا لم يعتن بتفصيل صور صلاة الخوف المروية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير أبي داود فإنه فصل في " سننه " إحدى عشرة صورة بحسب الظاهر وهي تبلغ أكثر منها بإبداء بعض الاحتمالات في بعض الروايات . وهي كلها مقبولة عند كافة العلماء بحسب جوازها وإنما اختلفوا فيما بينهم فيما هي أولى منها وأفضل إلا صورتين فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - يؤولهما على تقدير ثبوتهما عنه صلى الله عليه و سلم أو يحملهما على اختصاصهما به صلى الله عليه و سلم ... إلخ . بذل المجهود 6 / 326 )

94 - ( باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة ( 1 ) )
290 - أخبرنا مالك حدثنا أبو حازم ( 2 ) عن سهل ( 3 ) بن سعد الساعدي ( 4 ) قال : كان الناس ( 5 ) يؤمرون ( 6 ) أن يضع أحدهم يده اليمنى على ذراعه ( 7 ) اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم : ولا أعلم إلا أنه ( 8 ) ينمي ذلك ( 9 )
قال محمد : ينبغي للمصلي إذا قام في صلاته أن يضع ( 10 ) باطن كفه اليمنى
على رسغه ( 11 ) اليسرى تحت السرة ( 12 ) ويرمي ( 13 ) ببصره إلى موضع سجوده وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله -
_________
( 1 ) أي في كل قيام ذكر مسنون وقال محمد : في حال القراءة فقط
( 2 ) قوله : أبو حازم هو سلمة بن دينار الأعرج الزاهد كان ثقة كثير الحديث وكان يقص في مسجد المدينة مات بعد سنة 140 ، كذا في " الإسعاف "
( 3 ) آخر من مات من الصحابة بالمدينة مات سنة 88 ، وقيل : سنة 91 ، كذا في " الإسعاف "
( 4 ) قوله : الساعدي بكسر العين نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج قبيلة من الأنصار ذكره السيوطي في " لب اللباب في تحرير الأنساب "
( 5 ) أي الصحابة
( 6 ) أي من جهة النبي صلى الله عليه و سلم أو من جهة الخلفاء قوله : يؤمرون قال الحافظ : هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم النبي صلى الله عليه و سلم
( 7 ) قوله : على ذراعه أبهم موضعه من الذراع . وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي : " ثم وضع صلى الله عليه و سلم يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ من الساعد " وصححه ابن خزيمة وغيره وأصله في مسلم والرسغ بضم الراء وسكون السين ثم غين معجمة : هو المفصل بين الساعد والكف
( 8 ) أي سهلا
( 9 ) قوله : ينمي ذلك بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم . وحكى في " المطالع " أن القعنبي رواه بضم أوله من أنمى وهو غلط ورد بأن الزجاج وابن دريد وغيرهما حكوا : نميت الحديث وأنميته ومن اصطلاح أهل الحديث : إذا قال الراوي : ينمي فمراده يرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن لم يقيده . واعترض الداني في " أطراف الموطأ " فقال : هذا معلول لأنه ظن من أبي حازم ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلم إلى آخره لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي : كنا نؤمر - هكذا - يصرف إليه كذا ذكره الزرقاني
( 10 ) قوله : أن يضع به قال الشافعي وأحمد والجمهور ولم يأت عن النبي صلى الله عليه و سلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في " الموطأ " ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره . وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه كذا ذكره ابن عبد البر وذكر غيره أنه لم يرو الإرسال عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا من طريق صحيح ولا من طريق ضعيف نعم ورد في بعض الروايات : أنه كان يكبر ثم يرسل وهو محمول على أنه كان يرسل إرسالا خفيفا ثم يضع كما هو مذهب بعض العلماء ( جمع الإمام الشافعي رضي الله عنه بين روايات الإرسال والوضع فاختار الإرسال الخفيف بعد التحريمة ثم الوضع . انظر أوجز المسالك 3 / 173 ) . وعليه يحمل ما أخرجه ابن أبي شيبة أن ابن الزبير كان إذا صلى أرسل يديه
( 11 ) قوله : على رسغه اليسرى قد اختلفت الأخبار في كيفية الوضع ففي بعضها ورد الوضع وفي بعضها ورد الأخذ وفي بعضها الوضع على الكف اليسرى ورسغه وساعده . واختلف فيه مشايخنا فقيل بالوضع على الكف اليسرى وقيل على ذراعه الأيسر والأصح الوضع على المفصل ذكره العيني وذكر أيضا أن عند أبي يوسف يضع اليمنى على رسغ اليسرى وعند محمد يكون الرسغ وسط الكف واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بأن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ وقيل هذا خارج من المذهب والأحاديث والحق أن الأمر فيه واسع محمول على اختلاف الأحوال
( 12 ) قوله : تحت السرة لما أخرج أبو داود عن علي أنه قال : السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة وأخرج أيضا هذه الكيفية من فعل علي وأبي هريرة وثبت عند ابن خزيمة وغيره من حديث وائل الوضع على الصدر وبه قال الشافعي وغيره
( 13 ) أي يطالع

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10