كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي

( كتاب النكاح ( 1 ) )
1 - ( باب الرجل تكون عنده نسوة ( 2 ) كيف يقسم بينهن )
523 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن أبي بكر ( 3 ) عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن أبيه ( 4 ) ( 5 ) : أن النبي صلى الله عليه و سلم حين بنى ( 6 ) بأم سلمة ( 7 ) قال لها حين ( 8 ) أصبحت ( 9 ) عنده ( 10 ) : ليس بك ( 11 ) على أهلك ( 12 ) هوان ( 13 ) إن شئت سبعت عندك وسبعت ( 14 ) عندهن ( 15 ) وإن شئت ثلثت ( 16 ) عندك ودرت ( 17 ) قالت ( 18 ) : ثلث
قال محمد : وبهذا نأخذ ينبغي أن سبع عندها ( 19 ) أن يسبع عندهن ( 18 ) لا يزيد لها عليهن شيئا وإن ثلث عندها أن يثلث ( 19 ) عندهن وهو قول ( 20 ) أبو حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : كتاب النكاح هو في اللغة حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقيل : مشترك بينهما وفي الشرع حقيقة في العقد الموضوع قاله علي القاري وقد وردت أحاديث كثيرة ناطقة بفضله والترغيب إليه وطرق بعضها وإن كانت مما تكلم في رواتها فلا يضر في إثبات المقصود ( لا خلاف أن النكاح فرض حالة التوقان حتى إن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لا يمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر والنفقة ولم يتزوج يأثم واختلف فيما إذا لم تتق نفسه فقال نفاة القياس مثل داود بن علي الأصبهاني وغيره من أصحاب الظواهر : فرض عين بمنزلة الصوم والصلاة وغيرهما وقال الشافعي : مباح كالبيع والشراء واختلف أصحابنا فيه فقال بعضهم : إنه مندوب ومستحب وإليه ذهب الكرخي وقال بعضهم : فرض كفاية بمنزلة الجهاد وقال بعضهم : واجب ... إلخ . بذل المجهود 10 / 4 ، نقلا عن " البدائع " ) . فأخرج ابن ماجه من حديث عائشة مرفوعا : النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم وجاء له وفي سنده عيسى بن ميمون ضعيف وفي الصحيحين من حديث أنس في ضمن حديث : ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج فمن رغب عن سنتي فليس مني وعن أنس مرفوعا : حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة رواه النسائي وأسناده حسن وقد اشتهر على الألسنة بزيادة ثلاث وهكذا ذكره الغزالي في " الإحياء " ولم يوجد في شيء من طرقه المسندة كذا قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي "
( 2 ) قوله : نسوة المراد بهن الزوجات لأن السراري وأمهات الأولاد لا حق لهن في القسمة كذا قال القاري
( 3 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني
( 4 ) أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني
( 5 ) قوله : عن أبيه أن النبي ... إلى آخره قال ابن عبد البر : هذا حديث ظاهره الانقطاع وهو متصل مسند صحيح قد سمعه أبو بكر من أم سلمة كما صرح به عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه كذا في " تنوير الحوالك "
( 6 ) أي زفت إليه ودخل عليها
( 7 ) هند بنت أبي أمية المخزومية
( 8 ) قوله : حين أصبحت عنده وفي رواية لمسلم : دخل عليها فإذا أراد أن يخرج أخذت بثوبه فقال لها ليس بك ... إلى آخره وفي رواية الحاكم في " المستدرك " : أنها أخذت بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها فقال لها إن شئت . وهذا يشعر بتقديم التماس أم سلمة لذلك فخيرها ( في الأصل : " خيره " وهو خطأ ) النبي صلى الله عليه و سلم بين التسبيع والتثليث
( 9 ) أي دخلت في الصباح
( 10 ) أي في بيته
( 11 ) يا أم سلمة
( 12 ) قوله : على أهلك يريد به نفسه صلى الله عليه و سلم . يقول ليس علي بك احتقار وإذلال بالنسبة إلى باقي الأزواج فلا أفعل فعلا يكون فيه هوانك بل الأمر بيدك إن شئت سبعت عندك وإن شئت ثلثت
( 13 ) قوله : هوان قال النووي : معناه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شيء بل تأخذينه كاملا وقال الأبي : قيل : المراد بالأهل قبيلتها لأن الإعراض عن المرأة وعدم المبالاة بها يدل على عدم المبالاة بأهلها فالباء على الأول متعلقة بهوان وعلى الثاني للسببية أي لا يلحق أهلك بسببك هوان كذا قال الزرقاني
( 14 ) أي أقمت عندك سبعا
( 15 ) أي عند بقية الزوجات
( 16 ) أي أقمت ثلاثا
( 17 ) قوله : ودرت ظاهره أن الثلاث حق للجديدة الثيبة فإن معنى درت الدوران المعتاد وهو القسم يوما يوما فكأنه قال لأم سلمة : وكانت ثيبة إن شئت سبعت عندك فأسبع عند بقية الأزواج للتسوية إذ لا حق لك في السبعة وأن شئت ثلثت عندك فتوفي حقك ثم درت على بقية النساء يوما يوما بالسوية وفهم منه جواز تخيير الثيب بين الثلاث بلا قضاء والسبع مع القضاء وإليه ذهب الجمهور والشافعي وأحمد كما ذكره النووي وغيره وقال مالك وأصحابه : لا تخير بل للبكر الجديدة سبع وللثيب ثلاث يرون التخيير والقضاء قال ابن عبد البر : هذا أي حديث أم سلمة تركه مالك وأصحابه للحديث الذي رواه مالك عن أنس . انتهى . وأشار به إلى ما في صحيح البخاري عن أنس أنه قال : السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا وفيه أيضا عنه : من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم . وأخرج ابن ماجه والدارمي وابن خزيمة والإسماعيلي والدارقطني والبيهقي وابن حبان هذا الحديث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : سبع للبكر وثلاث للثيب . واعتذر أصحاب مالك عن حديث أم سلمة الدال صريحا على التخيير بأن مالكا رأى ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم لأنه خص في النكاح بخصائص فاحتمال الخصوصية منع من الأخذ به وفيه ضعف ظاهر لأن مجرد الاحتمال لا يمنع الاستدلال وقال أصحابنا الحنفية : لا فرق بين الجديدة والقديمة ولا بين البكر والثيبة بل يجب القسم على السوية بينهن يوما يوما لإطلاق قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل } ( سورة النساء : الآية 129 ) وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } ( سورة النساء : الآية 3 ) وإطلاق ما روى أصحاب السنن الأربعة عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم ويعدل ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب أي زيادة المحبة . فظاهره أن ماعداه داخل تحت ملكه فتجب السوية فيه ولما روى أصحاب السنن وأحمد والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل . فظاهر هذه النصوص يقتضي التسوية من غير فصل فإن سبع عند الجديدة سبع عند غيرها وإن ثلث عندها ثلث عند غيرها ولا حق لها في الزيادة بكرا كانت أم ثيبا كذا قرره ابن الهمام وغيره . وعلى هذا حملوا حديث أم سلمة وقالوا : معنى درت : الدوران عند البقية بالثلاث ليحصل المساواة إلا أنه خلاف الظاهر وخلاف ما أخرجه النسائي والدارقطني بطريق فيه الواقدي : أنه قال لأم سلمة : إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي
( 18 ) قوله : قالت : ثلاث قال القاضي عياض : اختارت التثليث مع أخذها بثوبه حرصا على طول إقامته عندها لأنها رأت أنه إذا سبع لها وسبع لغيرها لم يقرب رجوعه إليها
( 19 ) أي الجديدة
( 20 ) أي القديمة
( 21 ) قوله : أن يثلث عندهن لعله مبني على حمل الدور المذكور في الحديث على الدور بالتثليث وقد عرفت ما فيه ولذا قال القاري في شرحه تحت هذا القول : فيه أن ظاهر الحديث السابق أن بعد التثليث هو الدور ولا يفهم منه التثليث عندهن إلا من دليل خارج يحتاج إلى بيانه . انتهى
( 22 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال علي القاري في " المرقاة شرح المشكاة " : عندنا لا فرق بين القديمة والجديدة لإطلاق قوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } وقوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } ( سورة النساء : الآية 129 ) . وخبر الواحد لا ينسخ الكتاب . انتهى . فأشار إلى بناء الكلام على مسألة أصولية وهي عدم جواز نسخ إطلاق الكتاب القطعي بخبر الآحاد الظني ففي ما نحن فيه لما ثبت بإطلاق الكتاب وجوب عموم المساواة ومنع الميل إلى إحدى الزوجات مطلقا أفاد ذلك وجوب المساواة في القديمة والجديدة أيضا والبكر والثيب أيضا فإن فرق بينهما بحديث أنس أو أم سلمة وغيرها يلزم إبطال إطلاق الكتاب بالخبر الظني وأشار في شرحه لهذا الكتاب إلى الإيراد على هذا المسلك حيث قال بعد ذكر استناد علمائنا بآية : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا } وغيره فيه أنه إذا كان التخصيص وقع شرعا يكون عدلا فلا منافاة ولا معارضة أصلا . انتهى

2 - ( باب أدنى ( 1 ) ما يتزوج الرجل عليه المرأة )
524 - أخبرنا مالك حدثنا حميد ( 2 ) الطويل عن أنس بن مالك : أن عبد الرحمن بن ( 3 ) عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم وعليه ( 4 ) أثر صفرة فأخبره ( 5 ) أنه تزوج امرأة من الأنصار قال : كم ( 6 ) سقت إليها ؟ قال : وزن ( 7 ) نواة من ذهب قال : أولم ( 8 ) ولو ( 9 ) بشاة
قال محمد : وبهذا ( 10 ) نأخذ . أدنى المهر عشرة دراهم ما تقطع فيه اليد . وهو قول ( 11 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي أقل مهرها
( 2 ) قوله : حميد الطويل هو حميد بضم الحاء بن أبي حميد أبو عبيدة البصري الطويل روى عن أنس والحسن وعكرمة وعنه مالك وشعبة والحمادان والسفيانان وخلق وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة ثلاث وأربعين ومائة كذا في " الإسعاف "
( 3 ) أحد العشرة المبشرة بالجنة المتوفى سنة 32 هـ
( 4 ) قوله : وعليه أثر صفرة ( وفي رواية وضر من صفرة بفتح الواو والضاد المعجمة آخره راء هو في الأصل الأثر وفي أخرى ردغ وردع بمهملات مفتوح الأول ساكن الثاني هو أثر الزعفران
والمراد بالصفرة صفرة خلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره قاله الحافظ . انظر الأوجز 9 / 438 ) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس وهذا أولى ما فسر به وفي رواية : به ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء كذا قال الزرقاني
( 5 ) قوله : فأخبره أي فسأله رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : ما هذا ؟ فأخبره . كذا ورد في رواية وفيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم فإنه كان نهي عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يضمخ به وإنما تعلق به من العروس . وهذه المرأة التي أخبر أنه تزوجها لم تسم في الروايات إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر - بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء مهملة - اسمه أنس بن رافع الأنصاري وأنها ولدت له القاسم وعبد الله كذا قال الحافظ ابن حجر
( 6 ) قوله : كم سقت إليها بضم السين من السوق أي كم أرسلت من المهر مطلقا أو المعجل كذا قال القاري . وقال الزرقاني : فيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر ( قال ابن رشد : اتفقوا على أنه لا حد لأكثره واختلفوا في أقله فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المدينة من التابعين لا حد لأقله وكل ما جاز أن يكون ثمنا وقيمة لشيء جاز أن يكون صداقا وقال طائفة بوجوب تحديد أقله والمشهور من ذلك مذهبان : أحدهما : مذهب مالك لا بد من ربع دينار أو ثلاثة دراهم ومذهب أبي حنيفة لا بد من عشرة وقيل خمسة وقيل أربعون ... إلخ . انظر بداية المجتهد 2 / 20 )
( 7 ) قوله : وزن نواة من ذهب قال الخطابي والأكثرون : هي خمسة دراهم من ذهب فالنواة اسم المقدار المعروف عندهم وقال أحمد بن حنبل : النواة ثلاثة دراهم وثلث وقيل : المراد : نواة التمر أي وزنها من ذهب والأول أظهر وأصح وقال بعض المالكية : النواة بالمدينة ربع دينار كذا في " شرح الزرقاني " وفيه أيضا قال عياض : قيل : زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم
( 8 ) زاد في رواية : قال : فبارك الله لك أولم ولو بشاة . قوله : أولم أمر ندب عند الجمهور وقيل للوجوب ووقته على الأشهر بعد الدخول كما يستنبط من هذا الحديث أيضا
( 9 ) هو للتقليل
( 10 ) قوله : وبهذا نأخذ أدنى المهر ... إلى آخره لعله حمل النواة على هذا المقدار وقد ورد بالتقدير بهذا المقدار آثار أخر أكثرها مما تكلم فيها فأخرج الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن داود الأزدي عن الشعبي عن علي قال : لا تقطع الأيدي في أقل من عشرة دراهم ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم قال ابن الجوزي في " التحقيق " : قال ابن حبان : داود ضعيف والشعبي لم يسمع عليا . وأخرجه الدارقطني أيضا عن جويبر - وهو ضعيف - عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي ومن طريق آخر عن الضحاك بسند فيه محمد بن مروان أبو جعفر لا يكاد يعرف . وأخرج الدارقطني والبيهقي عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا : لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم قال الدارقطني : ابن عبيد متروك الحديث وأسند البيهقي عن أحمد أنه قال : أحاديث مبشر موضوعة ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن ميسرة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي يعلى رواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " كذا ذكره الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " والكلام في هذا الحديث نقضا وإبراما كثير والإنصاف أن هذا الحديث بعد ثبوته لا يدل على التقدير بحيث لا يصح دونه وفي الأحاديث كثرة دالة على إطلاق المهر وعدم التقدير بالعشرة وظواهر الآيات تؤيده وقد أجاب عنها أصحابنا بحملها على المعجل ( يحتمل أن يكون معجلا في المهر لا أصل المهر على ما جرت العادة بتعجيل شيء من المهر قبل الدخول . ويحتمل أن يكون ذلك كله في حال جواز النكاح بغير مهر على ما قيل : إن النكاح كان جائزا بغير مهر إلى أن نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الشغار . بذل المجهود 10 / 131 ) فافهم ولا تعجل بالقبول فإنه يرد عليهم نسخ إطلاق الكتاب وتقييده بأخبار الآحاد وهو خلاف أصولهم
( 11 ) قوله : قول وعند مالك أدناه ربع دينار وعند النخعي أربعون دينارا وعند الشافعي ما جاز كونه ثمنا جاز كونه مهرا كذا ذكره ابن الهمام

3 - ( باب لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها في النكاح )

525 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد ( 1 ) عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يجمع ( 2 ) الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو ( 3 ) قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بكسر الزاء وخفة النون عبد الله بن ذكوان
( 2 ) أي في نكاح أو ملك يمين فإن نكحهما معا بطل نكاحهما وإن مرتبا بطل نكاح الثانية . قوله : لا يجمع ... إلى آخره الحديث مبسوط في سنن أبي داود والترمذي بلفظ : لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها ولا تنكح الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى . والحكمة في تحريم مثل هذا هو الاحتراز عن قطع الرحم بين الأقارب فإن الضرتين تتحاسدان وينجر البغض إلى أقرب الناس والحسد بين الأقارب أشنع وقد اعتبر النبي صلى الله عليه و سلم هذا الأمر في تحريم الجمع بين بنته وبنت غيره حيث حرم على علي رضي الله عنه نكاح بنت أي جهل على فاطمة كذا في " حجة الله البالغة "
( 3 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة وبه قال جمهور العلماء وشذ طائفة من الخوارج حيث جوزت الجمع بين المرأة وعمتها وغير ذلك سوى الجمع بين الأختين زعما منهم أن الله حرم الجمع بين الأختين بقوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } ( سورة النساء الآية 23 ) ثم قال : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ( سورة النساء الآية 24 ) فدل ذلك على جواز الجمع بين غيرهما وأخبار الآحاد لا تخصص القرآن ولا تنسخه وبالغ بعض السلف حيث منع من الجمع بين بنتي العم وبنتي الخالة ونحو ذلك أيضا والجمهور على خلافه كذا قال الزرقاني وغيره

526 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب ينهى أن تنكح المرأة على خالتها أو على عمتها وأن ( 1 ) يطأ الرجل وليدة ( 2 ) في بطنها جنين لغيره ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) لئلا يسقي بمائة زرع غيره سواء كان من حلال أو حرام كذا قال القاري . قوله : وأن يطأ ورد : لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم عن أبي سعيد قاله الزرقاني . وفيه إشارة إلى جواز نكاح حبلى من غيره وبه قال جمهور علمائنا بجواز نكاح حبلى من زنا لكن يحرم وطؤها ما لم تضع هذا إذا نكح غير الزاني وإن نكح الزاني يجوز له وطؤها أيضا لكونه ساقيا بمائه زرع نفسه
( 2 ) أي جارية أو أمة
( 3 ) أي لغير الواطئ

4 - ( باب الرجل يخطب على خطبة ( 1 ) أخيه ( 2 ) )
527 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ( 3 ) عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يخطب ( 4 ) أحدكم على خطبة أخيه ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله
_________
( 1 ) بكسر الخاء : التماس النكاح
( 2 ) قوله : أخيه التعبير به ليوافق عنوان الخبر والتعبير به في الخبر للتحريض على كمال التودد وقطع صور المنافرة أو لأن كل المسلمين إخوة إسلاما
( 3 ) قوله : حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة بن منقذ بضم الميم وكسر القاف آخره ذال معجمة كما ضبطه الحافظ عبد الغني في " مشتبه النسبة " وابن ماكولا في " الإكمال " وغيرهما لا بكسر الحاء المهملة كما ظنه القاري
( 4 ) قوله : لا يخطب ( قال الجمهور : هذا النهي للتحريم وقال الخطابي : هذا النهي للتأديب وليس نهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء . قال الحافظ : هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع . انظر : بذل المجهود 10 / 75 ) برفع الباء خبر بمعنى النهي وهو أبلغ من صريح النهي قال عياض وغيره : المنع إنما هو بعد الركون وإلا فلا لحديث فاطمة بنت قيس حين أخبرت أنه خطبها ثلاثة فلم ينكر دخول بعضهم على بعض وقال الخطابي : في قوله " أخيه " دليل على أن الأول مسلم فإن كان يهوديا أو نصرانيا لم يمنع الخطبة على خطبته وبه قال الأوزاعي والجمهور على خلافه ( ذهب الجمهور إلى إلحاق الذمي بالمسلم في ذلك وقال ابن قدامة : إن كان الخاطب الأول ذميا لم تحرم الخطبة نص عليه أحمد إذ قال : إنما هو للمسلمين ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام على سومهم لم يكن داخلا في ذلك . المغني 6 / 608 ) . وقالوا : إن ذكر الأخ جرى على الغالب أو للإشارة إلى قطع التنافر
( 5 ) أي إذا توافقوا وأما إذا أبى أهلها فلا بأس كذا قال القاري

5 - ( باب الثيب أحق بنفسها من وليها )

528 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ( 1 ) ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء ابنة خذام : أن ( 2 ) أباها زوجها ( 3 ) وهي ( 4 ) ثيب فكرهت ذلك ( 5 ) فجاءت رسول الله صلى فرد ( 6 ) نكاحه
قال محمد : لا ينبغي أن تنكح الثيب ولا البكر إذا بلغت ( 7 ) إلا بإذنهما فأما إذن البكر فصمتها ( 8 ) وأما إذن الثيب فرضاها بلسانها زوجها والدها أو غيره ( 9 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عن عبد الرحمن هو أبو محمد المدني ذكره ابن حبان في ثقات التابعين يقال : ولد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم ومات سنة 93 هـ وأخوه مجمع على وزن اسم فاعل من التجميع تابعي كبير مات سنة 60 ، وأبوهما يزيد بن جارية الأنصاري الأوسي ذكره ابن سعد في الصحابة كذا قال الزرقاني . وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " : يزيد بن حارثة اليربوعي ابن عامر بن مجمع بن العطاف هو أبو مجمع وعبد الرحمن شهد خطبة الوداع
( 2 ) قوله : أن أباها هو خذام بالمعجمة المكسورة والدال المهملة كما في " الفتح " و " التقريب " وقال بعضهم : بالذال المعجمة ابن وديعة ويقال ابن خالد من أفاضل الصحابة كذا قال الزرقاني
( 3 ) قوله زوجها لما تأيمت من أويس بن قتاده الأنصاري حين قتل يوم أحد كما رواه عبد الرزاق عن معمر بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن محمد مرسلا وأخرجه الواقدي عن خنساء نفسها وسماه بعضهم أنسا وقيل اسمه أسير وإنه مات ببدر
( 4 ) قوله : وهي ثيب قال ابن عبد البر في " الاستيعاب " خنساء بنت خذام ابن وديعة الأنصاري من الأوس أنكحها أبوها وهي كارهة فرد رسول الله صلى الله عليه و سلم نكاحها . واختلفت الأحاديث في حالها في ذلك الوقت ففي نقل مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع عنها أنها كانت ثيبا وذكر ابن المبارك عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزيد بن وديعة عن خنساء أنها كانت يومئذ بكرا والصحيح نقل مالك في ذلك ( قال الشيخ في " بذل المجهود " 10 / 112 بعد ما حكى اختلاف الروايات في كونها بكرا أم ثيبا : لا معارضة بينهما حتى يحتاج إلى الترجيح فيحتمل أن يكون وقع لها هذه القصة مرتين مرة وقعت لها حال كونها بكرا ثم وقعت حال كونها ثيبا وهذا أهون من أن يرد الحديث الصحيح بهذا العذر مع أن القائل بكونها ثيبا هو عبد الرحمن ومجمع ابنا يزيد والقائلة بكونها بكرا هي خنساء نفسها فلا يرجح قولهما بمقابلة قولها ) وروى محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء قال : وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عوف فخطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وارتفع شأنها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمره أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة
( 5 ) قوله : ذلك أي ذلك النكاح أو ذلك الرجل الذي زوجها منه أبوها قال ابن حجر : ولم يعرف اسمه نعم عند الواقدي أنه من مزينة وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف
( 6 ) قوله : فرد نكاحه أي وجعل أمره إليها كما في رواية عبد الرزاق عن أبي بكر بن محمد وله عن نافع بن جبير : فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : إن أبي زوجني وأنا كارهة وقد ملكت أمري قال : فلا نكاح له انكحي من شئت فرد نكاحه . ونكحت أبا لبابة الأنصاري . قال ابن عبد البر : هذا الحديث مجمع على صحته وعلى القول به لأن من قال لا نكاح إلا بولي . قال : لا يزوج الثيب وليها إلا بإذنها ومن قال : ليس للولي مع الثيب أمر فهو أولى بالعمل بهذا الحديث . واختلف في بطلانه لو رضيت فقال الشافعي وأحمد ببطلانه وقال أبو حنيفة لها أن تجيز فيجوز ولا تجيز فيبطل . انتهى ملخصا . وأما حديث النسائي عن جابر أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه و سلم ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه زوجها من غير كفؤ كذا في شرح الزرقاني
( 7 ) في نسخة : بلغتنا . وإذا لم تبلغ يجوز نكاح وليها بغير إذنها إلا أن لها خيار الفسخ عند البلوغ إذا كان الناكح غير الأب والجد
( 8 ) أي سكوتها . قوله : صمتها قال القاري : لما أخرجه الجماعة إلا البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا : الأيم أحق بنفسها من وليها . والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها والأيم الثيب التي لا زوج لها إذا كانت بالغة عاقلة
( 9 ) من أوليائها حقيقة أو حكما

6 - ( باب الرجل يكون عنده أكثر ( 1 ) من أربع نسوة فيريد ( 2 ) أن يتزوج
)
529 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب ( 3 ) قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل ( 4 ) من ثقيف ( 5 ) - وكان عنده عشر نسوة ( 6 ) - حين ( 7 ) أسلم الثقفي فقال له : أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 8 ) . يختار منهن أربعا أيتهن شاء ويفارق ( 9 ) ما بقي وأما أبو حنيفة فقال : نكاح الأربعة الأول جائز ونكاح من بقي منهن باطل وهو قول إبراهيم النخعي
_________
( 1 ) قوله : أكثر من أربع نسوة الأولى أن يحذف الأكثر ليطابق العنوان ما في الباب من الأخبار فإن الخبر الأول دال على نهي التزوج على أكثر من أربع نسوة والثاني : على منع التزوج على أربع نسوة ولأن منع التزوج بعد الأربعة يستلزم المنع منه بعد أكثرها من غير عكس
( 2 ) قوله : فيريد أن يتزوج أي لواحدة بعد الأربعة فكان حق العبارة أن يقول : ويريد بالواو عطفا على " يكون " لا أن يفرع على كون أكثر من الأربع عنده والظاهر أنه من النساخ كذا في شرح القاري وفيه نظر غير خفي
( 3 ) هو الزهري فالحديث مرسل وهو حجة
( 4 ) قوله : قال لرجل من ثقيف قال ابن عبد البر في " شرح الموطأ " هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ وأكثر رواة ابن شهاب رواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي حين أسلم فذكره ووصله معمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر ويقولون إنه من خطأ معمر مما حدث به بالعراق كذا في " شرح الزرقاني " . وفيه أيضا قد رواه الترمذي وابن ماجه من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه وقال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : هذا غير محفوظ والصحيح ما روى شعيب وغيره عن الزهري قال : حدثت عن عثمان بن محمد بن أبي سويد الثقفي فذكره
( 5 ) قبيلة كبيرة من أهل الطائف والحجاز
( 6 ) أي فأسلمن معه قاله الزرقاني
( 7 ) ظرف لقال . قوله : حين أسلم الثقفي وهو غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك أحد وجوه ثقيف ومقدمهم أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وتوفي في آخر خلافة عمر رضي الله عنه ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب "
( 8 ) وبه قال مالك والشافعي وأحمد كما في " رحمة الأمة "
( 9 ) قوله : ويفارق ما بقي قال القاري : لعل مأخذها قوله " وفارق سائرهن " حيث لم يقل طلقهن لكن يشكل بأن عقود الجاهلية قبل الدخول في الأحكام الإسلامية صحيحة ( والظاهر أن كلمة " صحيحة " سقطت في الأصل ) والظاهر أن التعبير بالمفارقة بناء على فسخ الزيادة بالآية الناسخة لجوازها قبل ذلك وهي قوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ( سورة النساء : الآية 3 ) فإن سورة النساء مدنية بالإجماع فالقول بأن نكاح من بقي منهن باطل موقوف على دليل صح في السماع . نعم بعد ظهور الحكم لو تزوج شخص زيادة على الأربع فلا خلاف في بطلان الزائد وصحة الأقل ( قال الموفق : إن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك إمساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك اختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجن في عقد واحد أو في عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نص عليه أحمد وبه قال الحسن ومالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل . المغني 6 / 620 ) . وفي " البذل " عن الشوكاني : ذهبت العترة وأبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام . انظر الأوجز 10 / 227 ، وبذل المجهود 10 / 380 )

530 - أخبرنا مالك حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الوليد ( 1 ) سأل القاسم وعروة ( 2 ) وكانت عنده أربع نسوة فأراد أن يبت ( 3 ) واحدة ويتزوج أخرى فقال : نعم فارق امرأتك ثلاثا وتزوج . فقال القاسم في مجالس مختلفة
قال محمد : لا يعجبنا ( 4 ) أن يتزوج خامسة وإن بت ( 5 ) طلاق إحداهن حتى تنقضي عدتها . لا يعجبنا أن يكون ماؤه في رحم خمس ( 6 ) نسوة حرائر . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا رحمهم الله
_________
( 1 ) أي ابن عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية
( 2 ) حين قدم المدينة
( 3 ) قوله : أن يبت بفتح الياء وكسر الباء الموحدة وتشديد الفوقية أي يطلقها بالبتة ويقطعها عن الرجل ويتزوج أخرى أي في عدة الأولى فقالا - أي كلاهما - : نعم فارق امرأتك بالثلاث أي طلقها ثلاثا وتزوج بواحدة وأطلق عروه الثلاث . فقال القاسم في مجالس متفرقة ليكون على وفق السنة . وفي " موطأ يحيى " : مالك عن ربيعة أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة ويتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تقضي عدتها ولو طلقها واحدة أو اثنين لم يتزوج حتى تنقضي عدتها كذا ذكر القاري
( 4 ) أي لا يحل عندنا . بل ينتظر إلى أن تنقضي عدتها وهذا عدة الرجل كما بسطه الفقهاء
( 5 ) أي بيتوتة صغرى أو كبرى
( 6 ) كما أنه لا يحل له إلا أربع حقيقة أو حكما

7 - ( باب ما يوجب الصداق ( 1 ) )
531 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن زيد بن ثابت قال : إذا دخل الرجل بامرأته وأرخيت الستور ( 2 ) فقد وجب ( 3 ) الصداق
قال محمد : وبهذا ( 4 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا . وقال مالك بن أنس : إن طلقها بعد ذلك ( 5 ) لم يكن لها إلا نصف المهر ( 6 ) إلا أن يطول مكثها ( 7 ) ويتلذذ ( 8 ) منها فيجب الصداق
_________
( 1 ) بفتح أوله وكسره من المرأة كذا قال القاري
( 2 ) كناية عن الخلوة الصحيحة وإن لم يكن هناك إرخاء ستور حقيقة
( 3 ) أي كل المهر المسمى أو مهر المثل
( 4 ) قوله : وبهذا نأخذ قال ابن المنذر : وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن جابر ومعاذ وقول الشافعي في القديم وقال في الجديد : يجب على الزوج إذا طلق بعد الخلوة نصف المسمى وأحمد موافق لأبي حنيفة ويؤيد مذهبنا قوله تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ( سورة النساء : الآية 21 ) أي وصل من غير فصل إذ حقيقة الإفضاء الدخول في الفضاء وهو مكان الخلاء كذا في شرح القاري وذكر السيوطي في " الدر المنثور " : أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن الأخنس بن قيس أن عمر وعليا قالا : إذا أرخى سترا أو أغلق بابا فلها الصداق كاملا وعليها العدة . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن زرارة بن أوفى قال : قضاء الخلفاء الراشدين أن ( في الأصل " أنه " وهو تحريف ) من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق . وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من كشف امرأته فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق . وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت قال : إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق . وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوجها الرجل قال : إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق ( بنفس الخلوة عند الجمهور وبادعاء المرأة عند المالكية . انظر أوجز المسالك 9 / 314 )
( 5 ) أي بعد الخلوة الصحيحة
( 6 ) لعدم الجماع
( 7 ) أي مع الرجل
( 8 ) بلمسها وتقبيلها

8 - ( باب نكاح الشغار ( 1 ) )
532 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى ( 2 ) عن الشغار . والشغار أن ينكح الرجل ابنته على أن ينكحه الآخر ابنته ( 3 ) ليس بينهما صداق
قال محمد : وبهذا ( 4 ) نأخذ . لا يكون الصداق نكاح امرأة ( 5 ) فإذا تزوجها ( 6 ) على أن يكون صداقها أن يزوجه ( 7 ) ابنته فالنكاح جائز ولها صداق مثلها من نسائها ولا وكس ( 8 ) ولا شطط ( 9 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بكسر الشين المعجمة . قوله : نكاح الشغار هو مأخوذ من قولهم : شغر البلد عن السلطان إذا خلا عنه سمي به لخلوه عن الصداق أو بعض شرائطه وقال ثعلب : من قولهم شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأن كلا من الوليين يقول للآخر لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك كذا قال الزرقاني
( 2 ) قوله : نهى عن الشغار ( ذكر شيخنا في أوجز المسالك 9 / 347 في هذا الحديث عدة مباحث فارجع إليه ) هذا حديث متفق عليه من حديث نافع عن ابن عمر وفي رواية لهما عن عبيد الله بن عمر قلت لنافع : ما الشغار ؟ قال : أن ينكح ابنة الرجل وتنكحه ابنتك بغير صداق وينكح أخت الرجل وتنكحه أختك بغير صداق . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : نهي عن الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه صاحبه بنته . وفي الباب عن جابر رواه مسلم وعن أنس رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن معاوية رواه أبو داود . وقال الشافعي في حديث ابن عمر : لا أدري تفسير الشغار من النبي صلى الله عليه و سلم أو من ابن عمر أو من نافع أو مالك . انتهى . وقال الخطيب " المدرج " : هو من قول مالك بينه وفصله القعنبي وابن مهدي ومحرز بن عون عنه . انتهى . ورواية البخاري ومسلم من طريق عبيد الله صريح في أنه من نافع ولذا قال القرطبي في " شرح صحيح مسلم " : إن التفسير في حديث ابن عمر جاء عن نافع وعن مالك وأما حديث أبي هريرة فهو على الاحتمال والظاهر أنه من كلام النبي صلى الله عليه و سلم كذا ذكره الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث الرافعي " ثم قال : في الطبراني من حديث أبي بن كعب مرفوعا : لا شغار في الإسلام قالوا : يا رسول الله وما الشغار ؟ قال : نكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما . وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام
( 3 ) أو أخته أو غيرها ممن له ولاية عليها
( 4 ) قوله : وبهذا نأخذ قال عياض : لا خلاف في النهي ( أجمع العلماء على أنه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا ؟ وعند الشافعي يقتضي إبطاله وحكاه الخطابي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وقال مالك : يفسخ قبل الدخول وبعده وفي رواية عنه قبله لا بعده وقال جماعة : يصح بمهر المثل وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله . كذا في بذل المجهود 10 / 65 ) عن الشغار ابتداء فإن وقع أمضاه الكوفيون والليث والزهري وعطاء بصداق المثل وأبطله مالك والشافعي كذا في " شرح الزرقاني " وفي " شرح القاري " : لا يفسد النكاح ويفسد الشرط عند أبي حنيفة والشافعي وعن مالك وأحمد روايتان
( 5 ) قوله : لا يكون الصداق نكاح امرأة كذا في الأصل والظاهر أنه وهم ويمكن حمله على القلب . هذا كلام القاري ولا يخفى وهنه فإن مؤدى هذه العبارة وقلبها واحد
( 6 ) أي امرأة بولاية وليها
( 7 ) أي يزوج هذا المتزوج بنته أو أخته مثلا بذلك الولي الذي تزوج هو ببنته
( 8 ) بفتح وسكون أي لا نقص
( 9 ) أي لا زيادة

9 - ( باب نكاح ( 1 ) السر )
533 - أخبرنا مالك عن أبي الزبير ( 2 ) : أن عمر ( 3 ) أتي ( 4 ) برجل في نكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال عمر : هذا نكاح السر ( 5 ) ولا نجيزه ولو كنت ( 6 ) تقدمت فيه لرجمت
قال محمد : وبهذا نأخذ لأن النكاح لا يجوز ( 7 ) في أقل من شاهدين وإنما شهد على هذا الذي رده عمر رجل وامرأة فهذا نكاح السر لأن الشهادة لم تكمل ( 8 ) ولو كملت الشهادة برجلين أو رجل ( 9 ) وامرأتين كان نكاحا جائزا وإن كان سرا ( 10 ) وإنما يفسد ( 11 ) نكاح السر أن يكون بغير شهود فأما إذا كملت فيه الشهادة فهو نكاح العلانية وإن كانوا أسروه ( 12 )
_________
( 1 ) قوله : نكاح السر قال القاري : أي تزويج الخفية . وهو أن يعقد بغير حضور نصاب الشهادة وشرائطه
( 2 ) قوله : عن أبي الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي روى عن جابر وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة وعنه مالك وأبو حنيفة وشعبة والسفيانان وثقه ابن المديني وابن معين والنسائي مات سنة 128 هـ كذا في " الإسعاف "
( 3 ) ابن الخطاب أحد الخلفاء الأربعة
( 4 ) بصيغة المجهول
( 5 ) أي لا بد في النكاح من الإعلان ولو بحضور شاهدين
( 6 ) قوله : ولو كنت تقدمت بفتح التاء والقاف والدال أي سبقت غيري وفي رواية ابن وضاح بضم التاء والقاف وكسر الدال على بناء المفعول أي سبقني غيري كذا قال الزرقاني . والظاهر أن معناه لو تقدمت في هذا الأمر بالمنع وسبقت بإقامة الحجة على عدم جوازه وشهرت ذلك ثم فعلت بعد الاطلاع عليه لرجمت أي أقمت عليك تعزيرا وعقوبة ( والأوجه ما في " المحلى " إذ قال : تقدمت ورجمت بزنة المتكلم المعلوم فيهما . يعني لو أعلمت الناس أنه لا يحل نكاح إلا بشاهد وامرأتين حتى تعرفوا لرجمت فيه بعد تقدمي من فعله . انظر الأوجز 9 / 356 )
( 7 ) قوله : لا يجوز في أقل من شاهدين لورود كثير من الأخبار في ذلك والكلام في رواة أكثرها لا يضر لحصول القوة للمجموع فأخرج ابن حبان في " صحيحه " من حديث عائشة مرفوعا : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل . وأخرج الترمذي عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا - وقال : الموقوف أصح - : البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة . وفي الباب من حديث أبي هريرة وعلي وأنس وجابر وابن مسعود وابن عمر وعمران بن حصين ذكرها الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " مع ما لها وما عليها
( 8 ) أي لم تتم
( 9 ) قوله : أو رجل وامرأتين فيه خلاف الأئمة الثلاثة حيث قالوا : لا دخل للنساء في النكاح وإنما يصح بشهادة عدلين رجلين إلا أن مالكا أجاز العقد بدون شهادة ثم يشهدان قبل الدخول وقال : نكاح السر ما أوصى بكتمه . وعند غيره لا يجوز ما لم يشهد عليه كذا قال الزرقاني
( 10 ) أي خفيا وليس الشرط الإعلان في المجالس والمجامع
( 11 ) في نسخة : يفسر
( 12 ) أي أهل العقد

534 - قال محمد : أخبرنا محمد بن أبان ( 1 ) عن حماد ( 2 ) عن إبراهيم ( 3 ) أن عمر بن الخطاب أجاز شهادة رجل وامرأتين في النكاح والفرقة ( 4 ) . قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) بفتح الموحدة وخفة الباء
( 2 ) ابن أبي سليمان لا ابن أبي سلمة كما ظنه القاري
( 3 ) النخعي
( 4 ) أي في الفسخ

10 - ( باب الرجل يجمع بين المرأة وابنتها وبين المرأة وأختها في ملك
اليمين )

535 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن عبيد الله ( 1 ) بن عبد الله بن عتبة ( 2 ) عن أبيه ( 3 ) : أن عمر سئل عن المرأة وابنتها مما ملكت اليمين أتوطأ ( 4 ) إحداهما بعد الأخرى ؟ قال : لا أحب ( 5 ) أن أجيزهما جميعا ونهاه ( 6 )
_________
( 1 ) بضم العين
( 2 ) بضم الأولى وسكون الثانية ابن مسعود
( 3 ) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود
( 4 ) بهمزة الاستفهام بيان للسؤال . وفي بعض نسخ " موطأ " يحيى بدون الهمزة
( 5 ) قوله : لا أحب أن أجيزهما مأخوذ من الإجازة أي لا أحب أن أجيز الجمع بينهما وطيا . وفي " الموطأ " برواية يحيى : ما أحب أن أخبرهما جميعا . قال الزرقاني بفتح الهمزة وإسكان الخاء المعجمة وضم الباء الموحدة أي أطأهما يقال للحراث : خبير ومنه المخابرة . انتهى
( 6 ) قوله : ونهاه ( نهي تحريم باتفاق العلماء إلا ما روي عن ابن عباس . كذا في الأوجز 9 / 375 ) أي نهى عمر السائل عن الجمع بينهما والمعنى أنه لا يطأ واحدة ما لم يحرم الأخرى بعتقها أو بعتق بعضها أو بتمليك بعضها أو جميعها كذا قال القاري

536 - أخبرنا مالك عن الزهري عن قبيصة ( 1 ) بن ذؤيب : أن رجلا ( 2 ) سأل عثمان ( 3 ) عن الأختين مما ملكت اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال : أحلتهما ( 4 ) آية وحرمتهما آية ( 5 ) ما كنت ( 6 ) لأصنع ذلك ثم خرج ( 7 ) فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عن ذلك ؟ فقال : لو كان ( 8 ) لي من الأمر شيء ثم أتيت بأحد فعل ذلك جعلته نكالا . قال ابن شهاب ( 9 ) : أراه ( 10 ) عليا رضي الله تعالى عنه
قال محمد : وبهذا ( 11 ) كله نأخذ لا ينبغي ( 12 ) أن يجمع بين المرأة وبين ابنتها ولا بين المرأة وأختها في ملك اليمين . قال عمار بن ياسر ( 13 ) : ما حرم الله تعالى من الحرائر شيئا إلا وقد حرم من الإماء مثله إلا أن يجمعهن رجل . يعني ( 14 ) بذلك أنه يجمع ما شاء ( 15 ) من الإماء ولا يحل له فوق أربع حرائر . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : قبيصة بن ذؤيب هو قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي المدني ولد عام الفتح وروى عن عثمان وابن عوف وحذيفة وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة . قال الزهري : كان من علماء هذه الأمة مات بالشام سنة 87 ، كذا في " الإسعاف "
( 2 ) ابن عفان أحد الخلفاء الأربعة
( 3 ) والجمع بملكة اليمين
( 4 ) قوله : أحلتهما آية قال ابن حبيب : يريد قوله : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ( سورة النساء : الآية 24 ) حيث عم ولم يخص أختين ولا غيرهما وقيل قوله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون ... إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم } ( سورة المؤمنون : الآية 5 - 6 ) . وقال ابن عبد البر : يريد تحليل الوطء بملك اليمين في غير آية كذا في " شرح الزرقاني "
( 5 ) يعني قوله تعالى : { وأن تجمعوا بين الأختين } لكونه عاما من النكاح والجمع بملك اليمين
( 6 ) قوله : ما كنت لأصنع ذلك أخبره برأيه بعد ما ذكر التعارض بين الآيتين كأنه يشير إلى تقديم الحظر على الإباحة أو إلى أن اشتراك العلة يقتضي كون الحكم في ما نحن فيه مثل الحكم في النكاح فكما لا يجوز الجمع نكاحا لا يجوز وطيا بملك اليمين
( 7 ) قوله : ثم خرج أي ذلك السائل فلقي عليا فسأله عن ذلك لما أن جواب عثمان رضي الله عنه لم يكن شافيا لعدم جزمه بذلك
( 8 ) قوله : لو كان لي من الأمر أي الحكومة والخلافة أي لو كانت لي حكومة على الناس بالعقوبة ثم جئت بأحد فعل ذلك أي الجمع بين الأختين بملك اليمين واطلعت على ذلك جعلته أي فعله ذلك نكالا - بالفتح - أي باعث عقوبة وعذاب يعني لأجريت عليه عقوبة زاجرة عن مثل ذلك . قال ابن عبد البر : لم يقل حددته حد الزناء لأن المأول ليس بزان إجماعا وإن أخطأ إلا ما لا يعذر بجهله وهذا شبهة قوية وهي شبهة عثمان وغيره
( 9 ) الزهري شيخ مالك
( 10 ) قوله : أراه عليا أي أظن ذلك الصحابي القائل له علي بن أبي طالب وكنى عنه قبيصة لصحبته عبد الملك بن مروان وبنو أمية تستثقل سماع ذكر علي لا سيما ما خالف فيه عثمان كذا في " شرح الزرقاني " وقال القاري : لا يبعد أن يكون الرجل هو ابن مسعود فإنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين المملوكتين في الوطئ فكرهه
( 11 ) وبه قال الجمهور
( 12 ) أي لا يحل لأحد
( 13 ) قوله : قال عمار بن ياسر أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة كذا قال السيوطي في " الدر المنثور " وذكر فيه آثارا أخر منها قول إياس بن عامر : سألت عليا أن لي أختين مما ملكت يميني اتخذت إحداهما سرية وولدت لي أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع ؟ قال : تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى ثم قال : إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب أخرجه ابن عبد البر في " الاستذكار " . ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن علي وسئل عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما ( في الأصل : " أحدهما " ) ثم أراد أن يطأ الأخرى ؟ قال : لا حتى يخرجها عن ملكه . وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه فقيل له : يقول الله : { إلا ما ملكت أيمانكم } فقال : وبعيرك مما ملكت يمينك . وأخرج ابن المنذر والبيهقي عنه قال : يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عمر نحو ذلك
( 13 ) بيان لمراد عمار من قوله : إلا أن يجمعهن
( 14 ) من غير اعتبار عدد ولو تجاوز عن الألف

11 - ( باب الرجل ينكح المرأة ولا يصل إليها لعلة ( 1 ) بالمرأة أو
بالرجل )
537 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : من تزوج امرأة فلم ( 2 ) يستطع أن يمسها فإنه يضرب له أجل سنة فإن مسها وإلا فرق بينما
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله إن مضت سنة ولم يمسها خيرت ( 3 ) فإن ( 4 ) اختارته فهي زوجته ولا خيار لها بعد ذلك أبدا . وإن اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة وإن قال ( 5 ) إني قد مسستها ( 6 ) السنة إن كانت ثيبا ( 7 ) فالقول قوله ( 8 ) مع يمينه وإن كانت بكرا نظر إليها النساء ( 9 ) فإن قلن هي بكر خيرت بعد ما ( 10 ) تحلف بالله ما مسها وإن قلن هي ثيب فالقول قوله مع يمينه لقد مسستها ( 11 ) وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) علة الرجل : كالعنة وعلة المرأة كالرتق ( الرتق أن يكون الفرج مسدودا يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه . المغني 6 / 651 ) والمشتركة كالجنون كذا قال القاري
( 2 ) قوله : فلم يستطع أن يمسها أي يجامعها لمانع به بأن يكون عنينا فإنه يضرب له أي يعين له أجل سنة أي قمرية على الأصح أما إذا كان مجبوبا فإنه يفرق بطلبها إذ لا فائدة في تأجيله فإن مسها أي جامعها ولو مرة فبها وإلا فرق بينهما أي القاضي إن طلبته وتبين بطلقة . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرفع إليه فإن استطاعها وإلا فخيرها فإن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت . وروي أيضا عن علي وابن مسعود والمغيرة بن شعبة أن العنين يؤجل سنة كذا في " شرح القاري "
( 3 ) بين الافتراق والإقامة معه ( فإن اختارت الفسخ لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه فإما أن يفسخ وإما أن يرده إليها فتفسخ هي في قول عامة القائلين به ولا يفسخ حتى تختار الفسخ وتطلبه لأنه لحقها فلا تجبر على استيفائه كالفسخ بالإعسار فإذا فسخ فهو فسخ وليس بطلاق . وهذا قول الشافعي . وقال أبو حنيفة ومالك والثوري : يفرق الحاكم بينهما وتكون تطليقة لأنه فرقة لعدم الوطء فكانت طلاقا كفرقة المولى . المغني 6 / 669 . وفي " المحلى " تبين بطلقة بائنة عند أبي حنيفة ولها كل المهر إن خلا بها ونصفه إن لم يخل بها وقال الشافعي وأحمد : فسخ لا يجب المهر ولا المتعة ويجب العدة . كذا في الأوجز 10 / 222 )
( 4 ) قوله : فإن اختارته فهي زوجته أي إن اختارته بعد ظهور عنته فهي زوجته من غير طلاق ولا فسخ لأنها أسقطت حقها ولا يعود الساقط وإن اختارت نفسها وطلبت التفريق فهو طلاق بائن . به وردت الآثار فروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قضى عمر في العنين أن يؤجل سنة قال معمر : وبلغني أن التأجيل من يوم تخاصمه . وكذا رواه الدارقطني وفي رواية ابن أبي شيبة عن سعيد عن عمر أنه أجل العنين سنة وقال : إن أتاها وإلا فرقوا بينهما ولها الصداق كاملا . وروى محمد في كتاب " الآثار " عن أبي حنيفة عن إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عن عمر أن امرأة أتته فأخبرته أن زوجها لا يصل إليها فأجله حولا فلما انقضى حول ولم يصل إليها خيرها فاختارت نفسها ففرق بينهما عمر وجعلها تطليقة بائنة . وفي الباب آثار عن علي وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والحسن والشعبي والنخعي وغيرهم ذكرها الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية "
( 5 ) أي الزوج بعد مضي السنة
( 6 ) أي جامعها في أثناء السنة
( 7 ) أي قبل هذا النزاع
( 8 ) أي الزوج
( 9 ) أي العارفات بهذه الأحوال
( 10 ) لعل هذا اليمين استظهار قاله القاري
( 11 ) بكسر السين الأولى

538 - أخبرنا مالك أخبرنا مجبر ( 1 ) عن سعيد بن المسيب أنه قال : أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضر ( 2 ) فإنها تخير إن شاءت قرت ( 3 ) وإن شاءت فارقت
قال محمد : إذا كان ( 4 ) أمرا لا يحتمل خيرت فإن شاءت قرت وإن شاءت فارقت وإلا لا خيار لها إلا في العنين والمجبوب
_________
( 1 ) على وزن اسم المفعول من التفعيل ( مجبر لقب اسمه عبد الرحمن بن عبد الرحمن الأصغر ابن عمر بن الخطاب وابنه عبد الرحمن هو شيخ مالك . تعجيل المنفعة ص 393 )
( 2 ) أي ضرر آخر كالجذام والبرص وغير ذلك
( 3 ) أي بقيت عنده
( 4 ) قوله : إذا كان أمرا لا يحتمل أي لا يمكنها المقام معه إلا بضررها فحينئذ تخير وإن كان أمرا يحتمل فلا خيار لها إلا في العنين وهو من لا يصل إلى النساء مع وجود الآله أو يصل إلى الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون بعض وذلك لمرض أو ضعف بكبر سنه أو في خلقته أو لسحر وكذا المجبوب والمراد به الخصي سواء كان مسلولا سلت منه خصيتاه أو موجودا فهو كالعنين في التأجيل لأن الوطء منه متوقع بخلاف المجبوب غير المتوقع منه الوطء فإنه لا فائدة في تأجيله . وبالجملة إذا كان بالزوج جنون أو برص أو جذام فلا خيار لها عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : لها الخيار دفعا للضرر عنها كذا قال علي القاري وغيره ( بسط ابن قدامة هذه المسألة في " المغني " 6 / 651 ، فارجع إليه )

12 - ( باب البكر تستأمر ( 1 ) في نفسها )
539 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله ( 2 ) بن الفضل ( 3 ) عن نافع بن جبير ( 4 ) عن ابن عباس : أن ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الأيم ( 6 ) أحق ( 7 ) بنفسها من وليها والبكر ( 8 ) تستأمر في نفسها وإذنها صماتها ( 9 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وذات الأب وغير الأب في ذلك سواء
_________
( 1 ) أي تستأذن إذا كانت عاقلة بالغة
( 2 ) قوله : عبد الله قال الزرقاني : ثقة من رجال الجميع تابعي صغير من طبقة الزهري قال السيوطي : وثقة النسائي وأبو حاتم وابن معين
( 3 ) ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
( 4 ) ابن مطعم
( 5 ) قوله : أن ... إلى آخره أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وأحمد والشافعي كلهم من طريق مالك تابعه زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بلفظ : الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها . وربما قال : صمتها إقرارها رواه مسلم . وقال ابن عبد البر : هذا حديث رفيع رواه عن مالك جماعة من الأجلة كشعبة والسفيانين ويحيى القطان قيل : ورواه أبو حنيفة ولا يصح
( 6 ) قوله : الأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة كل امرأة لا زوج لها صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا حكاه الحربي وغيره . واختلفوا في المراد به ههنا فقال الكوفيون وزفر والشعبي والزهري : المراد ههنا هو المعنى اللغوي ثيبا كان أو بكرا بالغة فعقدها على نفسها جائز وليس الولي من أركان العقد . وتعقب بأنه لو كان كذلك لما كان لفصل الأيم من البكر معنى وقال علماء الحجاز وكافة الفقهاء : المراد منه الثيب المتوفى عنها أو المطلقة لرواية أخرى بلفظ : " الثيب " مكان " الأيم " كذا في " شرح الزرقاني " وغيره
( 7 ) قوله : أحق بنفسها لفظة أحق للمشاركة أي أن لها في نفسها حقا ولوليها وحقها آكد من حقه كذا قال النووي وقال عياض : يحتمل أن المراد أحق في كل شيء من عقد وغيره ويحتمل أنها أحق بالرضى أن لا تزوج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر . وفي " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي : احتج الشافعي وأحمد بما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس مرفوعا : الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وجه الدليل أنه قسم النساء قسمين ثم خص الثيب بأنها أحق من وليها فلو أن البكر كالثيب في ترجيح حقها على حق الولي لم يكن لإفراد الثيب معنى فإن قالوا : قد رواه مسلم أيضا بلفظ " الأيم " وهو من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا قلنا : المراد به الثيب وقال في " التنقيح " : لا دلالة فيه على أن البكر ليست أحق بنفسها إلا من جهة المفهوم والحنفية لا يقولون به وعلى تقدير القول به كما هو الصحيح لا حجة فيه على إجبار كل بكر لأنه قد خالفه منطوق وهو قوله " البكر تستأذن " والاستيذان مناف للإجبار وإنما وقع التفريق في الحديث بين الثيب والبكر لأن الثيب يخطب إلى نفسها والبكر يخطب وليها فيستأذنها
( 8 ) أي البالغة
( 9 ) بالضم أي سكوتها

540 - أخبرنا مالك أخبرنا قيس ( 1 ) بن الربيع الأسدي ( 2 ) عن عبد الكريم ( 3 ) الجزري ( 4 ) عن سعيد بن المسيب ( 5 ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تستأذن الأبكار في أنفسهن ذوات الأب وغير الأب
قال محمد : فبهذا ( 6 ) نأخذ
_________
( 1 ) قوله : قيس هو ثقة وثقه شعبة وسفيان وعن ابن عيينة ما رأيت بالكوفة أجود حديثا منه وضعفه وكيع وغيره قال ابن عون : عامة رواياته مستقيمة والقول فيه ما قاله شعبة وأنه لا بأس به مات سنة 107 ، وقيل : غير ذلك كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) نسبة إلى أسد بفتحتين : قبيلة
( 3 ) قوله : عن عبد الكريم الجزري هو عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد الحراني أحد الأثبات وثقه الأئمة قال ابن معين : ثقة ثبت وقال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث . مات سنة 127 ، وهو غير عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري وهو مختلف فيه وقد يشتبه أحدهما بثانيهما كذا في " مقدمة فتح الباري " للحافظ ابن حجر وغيره
( 4 ) قوله : الجزري بفتح الجيم وفتح الزاء المعجمة نسبة إلى جزيرة ابن عمر موضع عمره رجل معروف بابن عمر وليس هو بعبد الله بن عمر الصحابي وإليها ينسب ابن الأثير الجزري مؤلف " النهاية في غريب الحديث " و " جامع الأصول " واسمه مبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم وأخوه نصر الله المعروف أيضا بابن الأثير الجزري المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر " وأخوه الآخر المعروف أيضا بابن الأثير الجزري مؤلف " أسد الغابة في أخبار الصحابة " و " الكامل في التاريخ " و " مختصر أنساب السمعاني " وإليها ينسب مؤلف " الحصن الحصين " شمس الدين محمد بن محمد الجزري وقد بسطت في تراجم هؤلاء في " التعليقات السنية على الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
وقال السيوطي في " لب الألباب في تحرير الأنساب " : الجزري نسبة إلى عدة بلاد : الموصل وسنجار وحران والرها والرقة ورأس عين وآمد وديار بكر وجزيرة ابن عمر . انتهى . وفي " جامع الأصول " : هو نسبة إلى الجزيرة وهي البلاد التي بين الفرات ودجلة وبها ديار بكر وربيعة
( 5 ) هذا مرسل
( 6 ) قوله : فبهذا نأخذ حاصل مذهب أصحابنا أن تزويج البكر البالغة العاقلة لا يجوز بدون رضاها وفي غير البالغة يجوز وعند الشافعي يجوز للأب والجد تزويج البكر بغير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة وفي الثيبة لا يجوز بدون رضاها وبه قال مالك في الأب . وهو أشهر الروايتين عن أحمد في الجد وقال في رواية أخرى : ليس للجد ولاية الإجبار كذا قال القاري

13 - ( باب النكاح بغير ( 1 ) ولي )
541 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 2 ) رجل عن سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب : لا يصلح لامرأة أن تنكح ( 3 ) إلا بإذن وليها ( 4 ) أو ذي الرأي ( 5 ) من أهلها أو السلطان
قال محمد : لا نكاح ( 6 ) إلا بولي ( 7 ) فإن ( 8 ) تشاجرت ( 9 ) هي والولي فالسلطان ولي من لا ولي ( 10 ) له . فأما ( 11 ) أبو حنيفة فقال : إذا وضعت ( 12 ) نفسها في كفاءة ولم تقصر في نفسها في صداق ( 13 ) فالنكاح جائز ومن حجته قول عمر في هذا الحديث : أو ذي الرأي من أهلها . إنه ليس بولي وقد أجاز ( 14 ) نكاحه ( 15 ) لأنه إنما أراد أن لا تقصر ( 16 ) بنفسها فإذا فعلت هي ذلك جاز ( 17 )
_________
( 1 ) قوله : بغير ولي هو العصبة على ترتيبهم بشرط حرية وتكليف ثم الأم ثم ذو الرحم الأقرب فالأقرب ثم مولى الموالاة ثم القاضي كذا قال القاري
( 2 ) في موطأ مالك برواية يحيى : مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال ... إلخ
( 3 ) بصيغة المجهول قال القاري : ويمكن المعلوم
( 4 ) أي الأقرب
( 5 ) أي ذي التدبير والعقل الصائب من أهلها ولو كان أبعد
( 6 ) قوله : لا نكاح إلا بولي ... إلى آخره لحديث عائشة مرفوعا : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وأبو عوانة والطحاوي والحاكم وابن حبان وحديث أبي موسى مرفوعا : لا نكاح إلا بولي أخرجه أحمد وابن ماجه وأبوداود والترمذي وابن حبان والحاكم . وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وزينب أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وعلي وابن عباس . وقد جمع الدمياطي طرقه في جزء كذا في " التلخيص الحبير "
( 7 ) أي ولو المرأة بالغة
( 8 ) في نسخة : وإن
( 9 ) أي تنازعت المرأة وليها بأن رضيت بنكاح لم يرض به وليها
( 10 ) أي حقيقة وحكما كما في صورة المشاجرة
( 11 ) قوله : فأما أبو حنيفة ... إلى آخره أخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " حديث عائشة بأسانيده من طريق ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا : أيما امرأة نكحت ... الحديث ومن طريق الحجاج بن أرطأة عن الزهري وابن لهيعة عن عبيد الله بن جعفر عن الزهري ثم قال : فذهب إلى هذا قوم فقالوا : لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها وممن قال به أبو يوسف ومحمد وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا : للمرأة أن تزوج نفسها ممن شاءت وليس لوليها أن يعترض عليها في ذلك إذا وضعت نفسها حيث كان ينبغي لها أن تضعها ثم ذكر في حجتهم ما أخرج عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن : المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم قال : أمثلي يصنع به هذا ( هكذا في الأصل وفي " شرح معاني الآثار " 2 / 5 : زاد بعد " هذا " : ويفتات عليه . ( أي إذا تفرد برأيه ) ؟ فكلمت عائشة المنذر وقالت : ذلك بيد عبد الرحمن فقال عبد الرحمن : ما كنت أرد أمرا قضيته فقررت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقا ثم علل حديث عائشة السابق وطرق حديث لا نكاح إلا بولي وأطال الكلام في ذلك بما أكثره مدفوع وقال في آخر الباب : وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا المرأة قبل بلوغها يجوز أمر والديها على بضعها ومالها فإذا بلغت فكل قد أجمع على أن ما كان من العقد إليه في مالها قد عاد إليها فكذلك العقد على بضعها يخرج من يده وهذا هو قول أبي حنيفة إلا أنه كان يقول : إن زوجت المرأة نفسها من غير كفؤ فلوليها فسخ ذلك وكذلك إن قصرت في مهرها بأن تزوجت بدون مهر مثلها فلوليها أن يخاصم . وقد كان أبو يوسف يقول : إن بضع المرأة إليها وإنه ليس للولي أن يعترض عليها في نقصان ما تزوجت عليه عن مهر مثلها ثم رجع إلى قول محمد . إنه لا نكاح إلا بولي
( 12 ) أي نكحت من كفؤ
( 13 ) أي من مهر مثلها
( 14 ) أي عمر
( 15 ) أي تزويج ذي الرأي
( 16 ) من اعتبار الكفاءة وتمام المهر
( 17 ) لحصول المقصود

14 - ( باب الرجل يتزوج المرأة ولا يفرض ( 1 ) لها صداقا )
542 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن بنتا لعبيد الله ( 2 ) بن عمر - وأمها ( 3 ) ابنة زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر - فمات ( 4 ) ولم يسم ( 5 ) لها صداقا فقامت أمها ( 6 ) تطلب ( 7 ) صداقها ؟ فقال ابن عمر : ليس لها صداق ولو كان ( 8 ) لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها . وأبت أن تقبل ذلك ( 9 ) فجعلوا بينهم زيد بن ثابت ( 10 ) فقضى ( 11 ) أن لا صداق لها ولها الميراث
قال محمد : ولسنا ( 12 ) نأخذ بهذا ( 13 )
_________
( 1 ) أي لا يقدر المهر ولا يسميه عند العقد
( 2 ) قوله : لعبيد الله هو أخو عبد الله بن عمر بن الخطاب ولد في العهد النبوي وقتل بصفين مع معاوية سنة 37 ، وزيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب أسلم قبله واستشهد قبله قاله الزرقاني
( 3 ) الجملة حالية معترضة
( 4 ) وفي رواية يحيى عن مالك : ولم يدخل بها
( 5 ) أي عند النكاح
( 6 ) وهي ابنة زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب
( 7 ) أي وكالة عن بنتها عن أبي زوجها
( 8 ) أي لو كانت مستحقة لصداق شرعا لأعطيته
( 9 ) أي قول ابن عمر
( 10 ) أي جعلوا زيدا حكما لفصل هذه القضية
( 11 ) قوله : فقضى أن لا صداق لها ( والمرجح عند المالكية أن لا صداق لها ولها الميراث واجب في مال المتوفى ولهم قول آخر : إنه يجب الصداق بالموت قال الزرقاني في شرحه 4 / 129 : وهو قول شاذ عندنا وقال الموفق : لو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان لها مهر نسائها أما الميراث فلا خلاف فيه فإن الله تبارك وتعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فورث به لدخوله في عموم النص وأما الصداق فإنه يكمل لها مهر نسائها في الصحيح من المذاهب وإليه ذهب ابن مسعود وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وإسحاق وروي عن علي وابن عباس وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والأوزاعي : لا مهر لها وقال أبو حنيفة : كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى : لا يكمل وينتصف وللشافعي قولان كالروايتين . المعني 6 / 721 ) هكذا أخرجه الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي أيضا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب أنه قال في المتوفى عنها زوجها ( في الأصل : " زوجة " وهو تحريف ) ولم يفرض لها صداقا : إن لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها قال : ولا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله . ويخالفه ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا : إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات فقال : ما سئلت عن شيء منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد من هذه فأتوا غيري فاختلفوا إليه فيها شهرا ثم قالوا له في آخر ذلك : من نسأل إذا لم نسألك وأنت آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا البلد ولا نجد غيرك ؟ فقال : سأقول فيها بجهد رأيي فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له وإن كان خطأ فمني والله ورسوله بريئان أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشرا قال : وذلك بسمع من ناس من أشجع فقاموا منهم معقل بن سنان فقالوا : نشهد أنك قضيت بمثل الذي قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم في امرأة منا يقال لها : بروع بنت واشق قال : ما رئي عبد الله فرح بشيء ما فرح يومئذ إلا بإسلامه ثم قال : اللهم إن كان صوابا فمنك وحدك لا شريك لك . كذا أورده السيوطي في " الدر المنثور "
( 12 ) قوله : ولسنا نأخذ بهذا لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلافه ولا حجة بعد قول الرسول بقول غيره وكل أحد يؤخد من قوله ويترك إلا قول الرسول صلى الله عليه و سلم وقال محيي السنة البغوي في " معالم التنزيل " عند قوله تعالى : { لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } ( سورة البقرة : الآية 236 ) : من حكم الآية أن من تزوج امرأة بالغة برضاها على غير مهر يصح النكاح وللمرأة مطالبة بأن يفرض لها صداقا فإن دخل بها قبل الفرض فلها مهر مثلها وإن طلقها قبل الفرض والدخول فلها المتعة وإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فاختلف أهل العلم في أنها هل تستحق المهر أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أن لا مهر لها وهو قول علي وزيد وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كما لو طلقها قبل الدخول والفرض . وذهب قوم إلى أن لها المهر لأن الموت كالدخول في تقرير المسمى فكذلك في تقرير مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى وهو قول الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بما روي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت . قال الشافعي : فإن ثبت حديث بروع فلا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه و سلم وإن لم يثبت فلا مهر لها . انتهى . وقال علي القاري في " سند الأنام شرح مسند الإمام " : قال شيخنا رئيس المفسرين في زمانه الشيخ عطية السلمي المكي الشافعي : فقد ثبت حديثها أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وأحمد والحاكم وصححه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق . ولم يتفرد به معقل بن سنان بل قال هو وجماعة من أشجع لابن مسعود : نشهد أنك قضيت بما قضى به رسول الله . وهو أحد قولي الشافعي قاله قياسا ولو ثبت عنده الحديث لما خالف فيه وهو المرجح عند النووي والقول الثاني رجحه الرافعي
( 13 ) أي بحكومة زيد بعدم الصداق وأما كون الميراث لها فمجمع عليه

543 - أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي : أن رجلا تزوج امرأة ولم يفرض ( 1 ) لها صداقا فمات قبل أن يدخل بها فقال عبد الله بن مسعود : لها صداق مثلها من نسائها لا وكس ( 2 ) ولا شطط فلما قضى قال فإن ( 3 ) يكن صوابا فمن الله ( 4 ) وإن يكن خطأ فمني ( 5 ) ومن الشيطان والله ورسوله بريئان فقال رجل ( 6 ) من جلسائه : ( 7 ) بلغنا ( 8 ) أنه معقل ( 9 ) بن سنان الأشجعي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيت - والذي يحلف به ( 10 ) - بقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم في بروع ( 11 ) بنت واشق الأشجعية قال ( 12 ) : ففرح عبد الله فرحة ( 13 ) ما فرح قبلها مثلها لموافقة قوله قول رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال مسروق ابن الأجدع : لا يكون ( 14 ) ميراث حتى يكون قبله صداق
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بكسر الراء أي لم يقدر
( 2 ) أي لا نقصان ولا زيادة
( 3 ) قوله : فإن يكن فيه إشارة إلى أن المجتهد يخطئ ويصيب وأن الخطألا ينسب إلى الله تعالى تأدبا
( 4 ) أي من توفيقه
( 5 ) أي من نفسي ومن وسوسة الشيطان
( 6 ) قوله : فقال رجل من جلسائه ... إلى آخره قال الرافعي من علماء الشافعية في " شرح الوجيز " : في راوي هذا الحديث اضطراب قيل عن معقل بن سنان وقيل عن رجل من بني أشجع أو ناس من أشجع وقيل : غير ذلك وصححه بعض أصحاب الحديث وقالوا : إن الاختلاف في اسم راويه لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول . انتهى . قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديثه " : هذا الذي ذكره الأصل فيه ما ذكره الشافعي في " الأم " قال : قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم بأبي هو وأمي أنه قضى في بروع بنت واشق وقد نكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى بمهر نسائها وقضى لها بالميراث فإن كان ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه و سلم وإن كثر ولا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له ولم أحفظ عنه من وجه يثبت مثله مرة يقال عن معقل بن سنان ومرة عن معقل بن يسار ومرة عن بعض أشجع لا يسمى وقال البيهقي : قد سمي فيه معقل بن سنان هو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما يدل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك . وقال ابن أبي حاتم : قال أبو زرعة : الذي قال معقل بن سنان أصح وروى الحاكم في " المستدرك " قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم يقول : سمعت الحسن بن سفيان يقول : سمعت حرملة بن يحيى قال : سمعت الشافعي يقول : إن صح حديث بروع قلت به قال الحاكم : فقال شيخنا أبو عبد الله : لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت قد صح الحديث فقل به . انتهى . وفي " فتح القدير " : لنا أن سائلا سأل عبد الله بن مسعود في صورة موت الرجل فقال بعد شهر أقول فيه بنفسي فإن يك صوابا فمن الله ورسوله وإن يك خطأ فمن ابن أم عبد . وفي رواية ومن الشيطان والله ورسوله بريئان أرى لها مهر مثل نسائها لاوكس ولا شطط فقال رجل يقال له معقل بن سنان وأبو الجراح حامل راية الأشجعيين فقالا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في امرأة منا يقال لها برووع بنت واشق الأشجعية بمثل قضائك هذا فسر ابن مسعود سرورا لم يسر مثله قط بعد إسلامه . هكذا رواه أصحابنا وروى الترمذي والنسائي وأبوداود هذا الحديث بلفظ أخصر وهو أن ابن مسعود قال في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق : إن لها الصداق كاملا ولها الميراث وعليها العدة فقال : معقل بن سنان : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في بروع بنت واشق بمثله هذا اللفظ لأبي داود وله روايات أخر بألفاظ قال البيهقي : جميع روايات هذا الحديث وأسانيدها صحيحة والذي روي من رد علي ( أما الذي روي عن علي رضي الله عنه فلم يصح ولو صح ما أثر فيه لأن الرواة قد ذكروا عن عمر رضي الله عنه أنه رد حديث فاطمة بنت قيس وهو مشهور . والحديث مذكور في " مسند أبي حنيفة " وبسط في هامشه تخريجه وقال : رواه الحاكم من وجه صححه على شرط مسلم ومن وجه على شرط الشيخين ورواه ابن حبان في صحيحه وحكى الزرقاني عن الإمام مالك بعد ذكر هذا الحديث قال مالك : ليس عليه العمل . أوجز المسالك 9 / 305 ) رضي الله عنه فلمذهب تفرد به وهو تحليف الرواي إلا أبا بكر الصديق ولم ير هذا الرجل ليحلفه لكنه لم يصح عنه ذلك وممن أنكر ثبوته عنه الحافظ المنذري . انتهى
( 7 ) أي من شركاء مجلس ابن مسعود
( 8 ) هذا كلام محمد بيان للرجل المبهم
( 9 ) قوله : إنه معقل بكسر القاف وفتح الميم بن سنان بكسر السين وبروع بكسر الموحدة على المشهور وقيل بفتحها وبسكون الراء وفتح الواو بعدها عين مهملة وقال بعض اللغويين : كسر الباء خطأ وقيل : رواه المحدثون بالكسر ولا سبيل إلى دفع الرواية وأسماء الأعلام لا مجال للقياس فيها كذا في " شرح القاري " وفي " الاستيعاب " : بروع بنت واشق الأشجعية مات عنها زوجها هلال بن مرة الأشجعي ولم يفرض صداقا فقضى رسول الله بمثل صداق نسائها . روى حديثها أبو سنان معقل وجراح الأشجعيان وناس من أشجع وشهدوا بذلك عند ابن مسعود . وفيه أيضا : معقل بن سنان الأشجعي يكنى أبا عبد الرحمن وقيل أبا زيد وقيل أبا سنان كان فاضلا نقيا شابا شهد فتح مكة ونزل الكوفة ثم أتى المدينة وقتل يوم الحرة
( 10 ) هو الرب تبارك وتعالى وهي جملة اعتراضية تأكيدية
( 11 ) قوله : بروع اسم زوج هلال بن مرة ذكره ابن مندة في " معرفة الصحابة " وهو في مسند أحمد أيضا ذكره ابن حجر في " التلخيص ( في الأصل " تلخيص " وهو خطأ ) الحبير "
( 12 ) أي ابراهيم النخعي
( 13 ) التنوين للتعظيم
( 14 ) قوله : لا يكون أي الميراث . يتفرع على الصداق المتفرع على النكاح حقيقة أو حكما والميراث متفق عليه فينبغي أن يكون الصداق كذلك كذا قال القاري

15 - ( باب المرأة تزوج في عدتها ( 1 ) )
544 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما حدثا : ( 2 ) أن ابنة ( 3 ) طلحة بن عبيد الله كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها ( 4 ) أبا سعيد بن منبه أو أبا الجلاس بن منية فضربها ( 5 ) عمر وضرب ( 6 ) زوجها بالمخفقة ( 7 ) ضربات ( 8 ) وفرق بينهما وقال عمر : أيما امرأة نكحت في عدتها - وإن كان زوجها الذي تزوجها ( 9 ) لم يدخل بها ( 10 ) - فرق بينهما واعتدت بقية عدتها من ( 11 ) الأول ثم كان ( 12 ) خاطبا من الخطاب وإن كان ( 13 ) قد دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الآخر ( 14 ) ثم لم ينكحها ( 15 ) أبدا . قال ( 16 ) سعيد بن المسيب : ولها مهرها ( 17 ) بما استحل من فرجها
قال محمد : بلغنا أن عمر بن الخطاب رجع عن هذا القول إلى قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه
_________
( 1 ) من زوج آخر
( 2 ) أي الزهري
( 3 ) قوله : أن ابنة طلحة بن عبيد الله هو أحد العشرة المبشرة كانت تحت رشيد الثقفي نسبة إلى ثقيف قبيلة كذا قال القاري في " شرحه " . وهو يفيد أن التي كانت تحت رشيد هي بنت طلحة بن عبيد الله وهكذا في نسخ متعددة من الكتاب وفي " موطأ يحيى " وشرحه للزرقاني : مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة بنت عبيد الله الأسدية لها إدراك . قال أبو عمر ( في الأصل أبو عمرو وهو تحريف ) : كذا وقع الأسدية في بعض نسخ " الموطأ " في رواية يحيى وهو خطأ وجهل ولا أعلم أحدا قاله وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله أحد العشرة التيمي كانت تحت رشيد - بضم الراء وفتح الشين - الثقفي الطائفي ثم المدني مخضرم فطلقها إلى آخره . ويوافقه ما في " استيعاب ابن عبد البر " في فصل الصحابيات : طليحة بنت عبيد الله التي كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها ذكر الليث عن ابن شهاب أنها ابنة عبيد الله . انتهى . فظهر أن الصواب في عبارة الكتاب أن طليحة ابنة عبيد الله كانت تحت رشيد الثقفي ... إلى آخره
( 4 ) قوله : في عدتها أي قبل انقضائها . أبا سعيد بن منبه بضم ميم وفتح نون وتشديد موحدة فهاء . أو أبا الجلاس كغراب ابن عمرو بن سويد صحابيان على ما في " القاموس " بن منية - بضم ميم وفتح نون وتحتية مشددة فتاء تأنيث - والشك من أحد الرواة كذا قال القاري
( 5 ) تعزيرا وتأديبا
( 6 ) قوله : وضرب لأنه ارتكب ما نهى الله عنه في كتابه حيث قال : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ( سورة البقرة : الآية 235 ) قال ابن عباس : أي لا تنكحوا حتى تنقضي العدة . أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد مثله نعم قد أجاز الله بالتعريض وإظهار قصد النكاح في أيام العدة بقوله : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم . علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن يقولوا قولا معروفا } ( سورة البقرة : الآية 235 ) قال القاسم : هو أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها إنك علي لكريمة وإني فيك راغب ونحو هذا أخرجه مالك والشافعي والبيهقي . وأخرج وكيع والفريابي وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : التعريض أن يقول : إني أريد التزوج وإني لأحب امرأة ذكره السيوطي
( 7 ) قوله : بالمخفقة بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الفاء والقاف هكذا ضبط بالقلم في نسخ قديمة قال الجوهري : هي الدرة التي يضرب بها وفي " القاموس " كمكنسة أي على وزنها قاله الزرقاني
( 8 ) أي مرات عديدة
( 9 ) هي في عدتها
( 10 ) أي لم يجامعها
( 11 ) قوله : من الأول أي العدة الباقية من عدة الزوج الأول وأما الزوج الثاني فلا عدة من تفريقه لأنه لم يدخل بها وغير المدخولة لا عدة لها
( 12 ) قوله : ثم كان خاطبا من الخطاب أي ثم كان الزوج الثاني الذي فرق بينه وبينها خاطبا من الخطاب إن شاء يخطب لها ويعقد عقدا جديدا . وفيه إشارة إلى أنه ليس أحق بها من غيره بل هو خاطب من الخطاب فتنكح من شاءت
( 13 ) أي الزوج الثاني
( 14 ) بكسر الخاء يعني المتأخر
( 15 ) قوله : ثم لم ينكحها أبدا لتأبد التحريم ( قال الباجي : فالمشهور من المذهب أن التحريم يتأبد وبه قال ابن حنبل وروى الشيخ أبو القاسم في تفريعه فيه روايتين : إحداهما أن تحريمه يتأبد على ما قدمناه والثانية : أنه زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد وله أن يتزوجها إذا انقضت عدتها وبه قال أبو حنيفة والشافعي . المنتقى 3 / 317 ) بالوطء في العدة زجرا له وتأديبا وسياسة في حقهما
( 16 ) في " موطأ يحيى " : قال مالك : قال سعيد بن المسيب ... إلى آخره
( 17 ) ولا مهر لها في صورة عدم الوطء

545 - أخبرنا ( 1 ) الحسن بن عمارة عن الحكم ( 2 ) بن عيينة عن مجاهد قال : رجع ( 3 ) عمر بن الخطاب في التي تتزوج ( 4 ) في عدتها إلى قول علي بن أبي طالب وذلك ( 5 ) أن عمر قال : إذا دخل ( 6 ) بها فرق بينهما ولم يجتمعا أبدا وأخذ ( 7 ) صداقها فجعل في بيت المال فقام علي كرم الله وجهه : لها صداقها بما استحل ( 8 ) من فرجها فإذا انقضت عدتها من الأول تزوجها ( 9 ) الآخر إن شاء . فرجع عمر إلى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا الحسن هو الحسن بن عمارة - بالضم - البجلي الكوفي أبو محمد قاضي بغداد روى عن الزهري والحكم بن عتيبة وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم وعنه السفيانان وجماعة وثقه عيسى بن يونس وقال : شيخ صالح لكن جرحه كثير : منهم النسائي وابن معين وابن المديني وأحمد وشعبة والدارقطني والساجي والجوزجاني وغيرهم بأنه متروك أو ساقط أو لا يحتج به أو منكر الحديث ونحو ذلك وقال النضر عن شعبة : أفادني الحسن بن عمارة عن الحكم أحاديث فلم يكن لها أصل مات سنة 153 ، كذا في " تهذيب التهذيب " وغيره
( 2 ) قوله : عن الحكم بن عيينة هكذا في النسخ الحاضرة والصحيح على ما في " مشتبه النسبة " و " تهذيب التهذيب " و " تقريبه " وغيرها أنه الحكم - بفتحتين - بن عتيبة - بضم العين وفتح التاء المثناة الفوقية وبعدها ياء تحتانية مثناة ثم باء موحدة - أبو محمد الكندي مولاهم الكوفي روى عن جمع من الصحابة والتابعين وثقه ابن عيينة وابن مهدي وأحمد ويحيى بن سعيد والعجلي وابن سعد وغيرهم وقال البخاري في " التاريخ الكبير " : قال القطان : قال شعبة : الحكم عن مجاهد كتاب إلا ما قال سمعت وقال ابن حبان في " الثقات " : كان يدلس مات سنة 113 أو 114 أو بعده بسنة
( 3 ) عن قوله السابق
( 4 ) بصيغة المجهول والمعروف
( 5 ) بيان للرجوع ( أخرج البيهقي في " سننه " بطرق عديدة رجوع عمر رضي الله عنه إلى قول علي رضي الله عنه . انظر الأوجز 9 / 361 )
( 6 ) الزوج الثاني
( 7 ) أي أخذ عمر صداقها وأدخله في بيت المال زجرا لحرمانها
( 8 ) أي استمتع ببضعها
( 9 ) قوله : تزوجها الآخر إن شاء ولا عدة ثانية بالنسبة إليه فإن أراد ثالث أن يتزوجها فلا يجوز حتى تخرج من عدة الثاني أيضا كذا قال القاري

546 - أخبرنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم ( 1 ) عن سليمان بن يسار عن عبد الله ( 2 ) بن أبي أمية : أن امرأة هلك ( 3 ) عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم تزوجت حين حلت ( 4 ) فمكثت ( 5 ) عند زوجها أربعة أشهر ونصفا ثم ولدت ولدا تاما ( 6 ) فجاء زوجها ( 7 ) إلى عمر بن الخطاب فدعا عمر نساء من نساء أهل الجاهلية قدماء ( 8 ) فسألهن عن ذلك فقالت المرأة منهن : أنا أخبرك ( 9 ) أما هذه المرأة هلك زوجها حين حملت فأهريقت الدماء ( 10 ) فحشف ( 11 ) ولدها في بطنها ( 12 ) فلما أصابها ( 13 ) زوجها الذي نكحته وأصاب الولد ( 14 ) الماء ( 15 ) تحرك الولد في بطنها وكبر فصدقها عمر بذلك وفرق بينهما ( 16 ) وقال عمر : أما ( 17 ) إنه لم يبلغني عنهما إلا خيرا ( 18 ) وألحق ( 19 ) الولد بالأول
قال محمد : وبهذا نأخذ الولد ولد الأول لأنها جاءت به عند الآخر ( 20 ) لأقل من ستة أشهر فلا تلد المرأة ولدا تاما لأقل من ( 21 ) ستة أشهر فهو ابن الأول ويفرق بينهما ( 22 ) وبين الآخر ولها المهر بما استحل من فرجها : الأقل مما سمي ( 23 ) لها ومن مهر مثلها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) ابن الحارث التيمي
( 2 ) لم أقف على تعينه وحاله إلى الآن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( هو عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية انتسب إلى جده فأسلم مع ابيه هذا هو المرجح عند شيخنا انظر الأوجز 12 / 198 )
( 3 ) أي مات
( 4 ) أي خرجت من العدة
( 5 ) أي أقامت ولبثت عند الثاني
( 6 ) أي غير ناقص الخلقة
( 7 ) مستفتيا عما في الباب
( 8 ) أي نساء عارفات عاقلات
( 9 ) أي بحقيقة الواقعة
( 10 ) أي دماء الحيض أو غيره
( 11 ) أي يبس لعدم وصول غذائه وهو الدم
( 12 ) فلم يتحرك ولم يتبين حملها
( 13 ) أي وطيها
( 14 ) مفعول مقدم
( 15 ) أي المني
( 16 ) لوقوع العقد في أثناء العدة لأن عدة الحامل وضع الحمل
( 17 ) بالتخفيف حرف تنبيه
( 18 ) أي صلاح وديانة ولو بلغني شر لأقمت التعزيز
( 19 ) أي أثبت نسبه من الزوج الأول
( 20 ) بفتح الخاء والكسر
( 21 ) فإن أقل مدة الحمل ستة أشهر بالنص
( 22 ) سواء دخل بها أو لم يدخل
( 23 ) إن سمي شيء وإلا فمهر المثل

16 - ( باب العزل ( 1 ) )
547 - أخبرنا مالك أخبرنا سالم ( 2 ) أبو النضر ( 3 ) عن عامر ( 4 ) بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه ( 5 ) كان يعزل
_________
( 1 ) هو أن يجامع ولا ينزل في داخل الفرج بل يخرج الذكر قبل الإنزال . قوله : باب العزل قد اختلف فيه فأباحه جابر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وابن مسعود ومنعه ابن عمر وقال : لو علمت أن أحدا من ولدي يعزل لنكلته وقال : ضرب عمر على العزل بعض بنيه وعند سعيد بن منصور عن ابن المسيب : أن عمر وعثمان كانا ينكران العزل وقال أبو أمامة : ما كنت أرى مسلما يفعله وعند أبي عوانة أن عليا كان يكرهه ونقل ابن عبد البر وابن هبيرة الإجماع على أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا والمعول عليه عند الحنفية أن حقها إنما هو في الوطئة الواحدة بعد العقد يستقر بها المهر . واختلفوا في علة النهي عن العزل فقيل : لتفويت حق المرأة وقيل لمعاندة القدر ويشهد للأول ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عمر مرفوعا : نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها وفي إسناده ابن لهيعة متكلم فيه ويشهد للثاني ما أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن أنس جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأل عن العزل فقال : لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وليخلقن الله نفسا هو خالقها . وأخرج مسلم عن جابر : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن لي جارية وهي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال : اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها . وفي الباب أخبار كثيرة كذا في " شرح مسند الإمام الأعظم " ( انظر " تنسيق النظام في مسند الإمام " للشيخ المحدث محمد حسن السنبهلي ص 134 ) لبعض المتبحرين وفيه أيضا قال الحافظ ابن حجر : ينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولى ومن قال بالجواز يمكنه أن يقول في هذه أيضا بالجواز ويمكنه أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط بعد السبب . انتهى . وقال ابن الهمام في " فتح القدير " : يباح الإسقاط ما لم يتخلق وفي " الخانية " : لا أقول : إنه يباح الإسقاط مطلقا فإن المحرم إذا كسر بيض الصيد يكون ضامنا لأنه أصل الصيد فإذا كان هناك مع الجزاء إثم فلا أقل أن يلحقها إثم ههنا إذا أسقطت من غير عذر . انتهى . وقال في " البحر " : ينبغي الاعتماد عليه لأن له أصلا صحيحا يقاس عليه والظاهر أن هذه المسألة لم تنقل عن أبي حنيفة صريحا لذا يعبرون بقالوا . انتهى . قال الحافظ ابن حجر : يلحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله فقد أفتى بعض المتأخرين من الشافعية بالمنع وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقا
( 2 ) ابن أبي أمية
( 3 ) مولى عمر بن عبيد الله القرشي
( 4 ) قوله : عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص الزهري المدني وثقه ابن حبان مات سنة 96 هـ ويقال سنة 103 ، كذا في " إسعاف المبطأ "
( 5 ) لأنه كان ممن يرى الرخصة فيه قاله الزرقاني . وقال القاري : عن نسائه أو إمائه والثاني هو الظاهر

548 - أخبرنا مالك أخبرنا سالم أبو النضر عن عبد الرحمن ( 1 ) بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري عن أم ولد أبي أيوب : أن أبا أيوب كان يعزل
_________
( 1 ) قوله : عن عبد الرحمن بن أفلح هكذا وجدنا في نسخ عديدة وكذا في نسخة شرح القاري وفي موطأ مالك برواية يحيى عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن ابن أبي أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري عن أم ولد لأبي أيوب ... إلخ . وقال شارحه الزرقاني : هو عمر - بضم العين - بن كثير بن أفلح المدني ثقة . انتهى . ويوافقه قول ابن حجر في " تقريب التهذيب " : عمر بن كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب ثقة . انتهى . وقال السيوطي في " الإسعاف " : عمر بن كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب عن ابن عمر وكعب ونافع وجماعة وعنه ابن عون ويحيى الأنصاري وغيرهما وثقه النسائي . انتهى

549 - أخبرنا مالك أخبرنا ضمرة بن سعيد المازني عن الحجاج ( 1 ) بن عمرو بن غزية : أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فجاءه ( 2 ) ابن قهد رجل من أهل اليمن فقال : يا أبا سعيد ( 3 ) إن عندي جواري ليس نسائي اللاتي ( 4 ) كن بأعجب إلي منهن وليس كلهن ( 5 ) يعجبني أن تحمل مني أفأعزل ( 6 ) ؟ قال : قال : أفته ( 7 ) يا حجاج قال : قلت : غفر الله لك إنما نجلس ( 8 ) إليك لنتعلم منك قال . أفته قال : قلت ( 9 ) : هو حرثك ( 10 ) إن شئت عطشته وإن شئت سقيته قال : وقد كنت أسمع ( 11 ) ذلك من زيد فقال زيد : صدق ( 12 )
قال محمد : وبهذا ( 13 ) نأخذ لا نرى بالعزل بأسا عن الأمة ( 14 ) وأما الحرة فلا ينبغي أن يعزل عنها إلا بإذن ( 15 ) وإذا كانت الأمة زوجة الرجل فلا ينبغي أن يعزل عنها إلا بإذن مولاها . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : عن الحجاج بن عمرو ( ذكره بعضهم من التابعين وهو من رواة الأربعة . انظر : الأوجز 10 / 268 ) بفتح العين بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاء وتشديد التحتية الأنصاري المازني المدني شهد صفين مع علي رضي الله عنه كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) قوله : فجاءه ابن قهد بفتح القاف وسكون الهاء فدال مهملة على ما في " المغني " وقال : كذا جاء في " الموطأ " غير منسوب وقيل : بفاء إذلا يعرف بقاف إلا قيس بن قهد الصحابي رجل من أهل اليمن بدل عن ابن قهد فقال أي ابن قهد - لزيد : يا أبا سعيد إن عندي جواري جمع جارية أي إماء ليس نسائي اللاتي كن أي عندي قبلهن . بأعجب أي أحسن وأرغب إلي منهن وليس كلهن أي جميع نسائي أو إمائي - وهو الأظهر - يعجبني أن تحمل مني كذا في " شرح القاري " وفي " شرح الزرقاني " : ابن قهد بفتح القاف ضبطه ابن الحذاء وجوز أن يكون قيس بن قهد الصحابي قال في " التبصرة " : وفيه بعد ولعل وجهه قوله رجل من اليمن فإن قيسا الصحابي من الأنصار فيبعد أن يقال فيه ذالك وإن كان أصل الأنصار من اليمن
( 3 ) هو كنية زيد بن ثابت
( 4 ) قوله : اللاتي كن في نسخة " موطأ يحيى " : أكن قال الزرقاني في " شرحه " ( 3 / 229 ) : بضم الهمزة وكسر الكاف أي أضم إلي
( 5 ) لأني أحتاج إلى بيع بعضهن ونحو ذلك
( 6 ) بهمزة الاستفهام
( 7 ) لما رأى فيه من قابلية الفتوى
( 8 ) يريد أنك أعلم مني فأنت أحق بالإفتاء
( 9 ) أي للسائل
( 10 ) قوله : هو حرثك أي بضع إمائك موضع حرثك فيجوز لك أن تسقيه الماء أو تعزله عن الماء وكأنه أشار بإطلاق الحرث إلى أن جواز العزل مستنبط من الكتاب فإنه تعالى قال في باب وطء النساء { نساؤكم حرث كم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ( سورة البقرة : الآية 223 ) فسمى بضع المرأة حرثا ومن المعلوم أن الحرث يتخير فيه الإنسان بين أن يسقيه وأن لا يسقيه فكذلك بضع النساء وبل : قيل : إن نزول " أنى شئتم " أي كيف شئتم كان لبيان جواز العزل فأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والحاكم والضياء في " المختارة " عن زائدة بن عمير قال : سألت ابن عباس عن العزل فقال : إنكم أكثرتم فإن كان قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كما قال وإن لم يكن قال فيه شيئا فأنا أقول فيه : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تفعلوا وهذا أحد الأقوال الأربعة التي ذكرت في شأن نزول هذه الآية . وقد بسط السيوطي في " الدر المنثور " الكلام فيها
( 11 ) أي بهذا الحكم فأفتيت على وفقه
( 12 ) تصويبا لإفتاء تلميذه واطمئنانا لقلب سائله
( 13 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال أحمد ومالك في المسألتين وقال القاضي عياض : رأى بعض شيوخنا في زوجة الرجل المملوكة لغيره إذنها أيضا مع إذن سيده لحق الزوجية وقال الباجي : قيل : لا يعزل عنها إلا بإذنها أيضا . وعندي أن هذا صحيح فإن لها بالعقد حقا في الوطء . وذهب الشافعية إلى كراهة العزل مطلقا ولهم قول آخر أيضا
( 14 ) قوله : عن الأمة أي عن أمته فإنها مملوكة بجميع أجزائها وحقوقها وليس لها حق ورضاء معتبر شرعا وكثيرا ما يكره الرجل النسل من الإماء بخلاف الحرة فإن لها حقا معتبرا وكذا إذا كان الزوج أمة رجل فإن لمولاها حقا معتبرا فلا يجوز العزل إلا بالإذن . وقد ورد الفرق بين الحرة والأمة مرفوعا وموقوفا فأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال : تستأمر الحرة وتعزل عن الأمة وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس أنه نهى عن عزل الحرة إلا بإذنها . وروى ابن أبي شيبة عنه أنه كان يعزل عن أمته . وأخرج البيهقي عن ابن عمر أنه قال : تعزل الأمة وتستأذن الحرة . وعن عمر مثله . وأخرج ابن ماجه عن عمر مرفوعا نحوه كذا ذكره ابن حجر في " التلخيص الحبير " . وقال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بعد ما ذكر إباحة العزل عن الأمة لا عن الحرة إلا بإذنها وإن كانت لرجل زوجة مملوكة فأراد أن يعزل عنها فإن أبا حنيفة ومحمدا وأبا يوسف كانوا يقولون فيما حدثني به محمد بن العباس عن علي بن معبد عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة الإذن في ذلك إلى مولى الأمة وروي عن أبي يوسف فيما حدثني به ابن أبي عمر أن حدثني محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد أنه قال : الإذن في ذلك إلى الأمة قال ابن أبي عمران : هذا هو النظر على أصول ما بني عليه هذا الباب لأنها لو أباحت زوجها ترك جماعها كان ذلك في سعة ولم يكن لمولاها أن يأخذ زوجها به فكذا هذا
( 15 ) في نسخة : بإذنها

550 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال : ما بال رجال يعزلون عن ولائدهم ( 1 ) ؟ لا تأتيني وليدة فيعترف سيدها أنه قد ألم ( 2 ) بها إلا ألحقت به ( 3 ) ولدها فاعتزلوا ( 4 ) بعد أو اتركوا
قال محمد : إنما صنع ( 5 ) هذا ( 6 ) عمر رضي الله عنه على التهديد للناس أن يضيعوا ولائدهم وهم ( 7 ) يطؤونهن . قد بلغنا أن زيد بن ثابت وطئ جارية له فجاءت بولد فنفاه وأن عمر بن الخطاب وطئ جارية له فحملت فقال : اللهم لا تلحق بآل ( 8 ) عمر من ليس منهم فجاءت بغلام أسود فأقرت أنه من الراعي فانتفى ( 9 ) منه عمر . وكان أبو حنيفة يقول إذا حصنها ( 10 ) ولم يدعها تخرج ( 11 ) فجاءت بولد لم يسعه ( 12 ) فيما بينه ( 13 ) وبين ربه عز و جل ينتفي منه فبهذا نأخذ
_________
( 1 ) أي عن إمائهم جمع وليدة بمعنى الأمة
( 2 ) بتشديد الميم من الإلمام أي جامعها
( 3 ) أي نسبته إليه وحكمت بأنه منه وإن لم يعترف به
( 4 ) في نسخة : فاعزلوا
( 5 ) قوله : إنما صنع ... إلخ يعني لم يقصد به عمر حرمة العزل عن الأمة فإنه جائز عنده وعند غيره ولا أن كل ما تضعه الأمة الموطوءة من سيدها ملحق بسيدها وإن لم يدعه ولم يعترف به بل أراد به الزجر والتهديد كراهية أن يضيعوا ولائدهم بالعزل بدليل ما بلغ عن زيد بن ثابت أنه نفى ولد جارية موطوءة له من نفسه فإنه يدل على جواز النفي بعد الوطء وبدليل ما ثبت عن عمر نفسه نفي ولد جاريته الموطوءة
( 6 ) أي الحكم المذكور
( 7 ) جملة حالية
( 8 ) أي أولاده وأقاربه
( 9 ) أي تبرأ من أن يكون هو والدا له
( 10 ) أي حفظ المولى جاريته في بيته ولم يتركها تخرج
( 11 ) إلى محل يورث الشبهة
( 12 ) أي لم يجز
( 13 ) أي ديانة لا قضاء

551 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن صفية بنت أبي عبيد قالت : قال عمر بن الخطاب : ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يدعونهن ( 1 ) فيخرجن ( 2 ) ؟ والله لا تأتيني ( 3 ) وليدة فيعترف سيدها أن قد وطئها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد ( 4 ) أو أمسكوهن
_________
( 1 ) أي يتركونهن
( 2 ) من بيوتهن إلى مواضع الشبهة
( 3 ) هذا حكم تهديدي لئلا يتركوا تحصين إمائهم موطوءات
( 4 ) أي بعد هذا الحكم إن شئتم أرسلتم وإن شئتم أمسكتم

( كتاب الطلاق )

1 - ( باب ( 1 ) طلاق السنة )
552 - أخبرنا مالك حدثنا عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقرأ ( 2 ) : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل ( 3 ) عدتهن }
قال محمد : طلاق ( 4 ) السنة أن يطلقها لقبل عدتها طاهرا من غير جماع حين تطهر من حيضها قبل أن يجامعها ( 5 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب طلاق السنة أي الطلاق المسنون ويقال له الطلاق السني والمراد بالمسنون ههنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسها يثبت له ثوابا فمعنى المسنون ما ثبت على وجه لا يستوجب عقابا . نعم يثاب إذا وقعت له داعية إلى أن يطلقها عقيب الجماع أو حائضا أو ثلاث تطليقات فمنع نفسه إلى الطريق الآخر والواحدة لكن لا على الطلاق بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع . كذا أفاده ابن الهمام . وقال القاري : لا يبعد أن يقال : السنة جاءت في اللغة بمعنى الحكم والأمر فالمراد الطلاق الذي حكم الشارع وأمر أن يقع على وفقه أو السني على معناه الشرعي . والطلاق وإن كان مباحا في نفسه إلا أنه إذا أوقعه على هذا الوجه يكون مثابا
( 2 ) قوله : يقرأ أي بدل : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ( سورة الطلاق : الآية 1 ) وفي قراءة لرسول الله صلى الله عليه و سلم على ما أخرجه مسلم : { في قبل عدتهن } ( قال النووي : هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا تثبت قرآنا بالإجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا وعند محققي الأصوليين والله أعلم . شرح النووي على صحيح مسلم 3 / 667 ، كتاب الطلاق رقم الحديث 15 ) . فاستفاد منه أن الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة لكن المراد هو ومن آمن به وأن اللام في قوله : { لعدتهن } متعلق بمحذوف نحو مستقبلا والغرض منه أن يطلق في كل طهر مرة فإنه إذا طلق في طهر فقد استقبل العدة وفيه إشارة إلى أن العدة ثلاثة قروء بمعنى الحيض ومن قال : إنه الطهر قال معنى قوله : { لعدتهن } لوقت عدتهن أو لأول عدتهن
( 3 ) بضم القاف والباء وإسكان الباء أي استقبال عدتهن
( 4 ) قوله : طلاق السنة ... إلخ بيان لما أفادته قراءة ابن عمر ويؤيده ما أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يستحبون أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض . وأخرج الدارقطني من حديث معلى بن منصور عن شعيب أن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما هكذا أمرك الله يا ابن عمر السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء
( 5 ) لئلا يكون عليها حرج من إحصاء العدة فإنه إن طلق بعد الجماع يشتبه العدة بالقروء أو بوضع الحمل

553 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق ( 1 ) امرأته ( 2 ) وهي ( 3 ) حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأل عمر عن ذلك ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : مره ( 5 ) فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ( 6 ) ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها بعد وإن شاء طلقها قبل أن يمسها ( 7 ) فتلك ( 8 ) العدة التي أمر الله ( 9 ) أن تطلق لها النساء
قال محمد : وبهذا نأخذ
_________
( 1 ) تطليقة واحدة كما في رواية مسلم
( 2 ) قوله : امرأته هي آمنة - بمد الهمزة وكسر الميم - بنت غفار - بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء الراء - أو بنت عمار وفي مسند أحمد أن اسمها النوار فيمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوار كذا قال ابن حجر
( 3 ) جملة حالية معترضة
( 4 ) أي عن حكم طلاقه
( 5 ) قوله : مره فليراجعها ( قال الزرقاني : الأمر للوجوب عند مالك وجماعة وصححه صاحب " الهداية " : من الحنفية والمذهب عند الأئمة الثلاثة وفي " المحلى " : ندبا عند الشافعي وأحمد وبعض الحنفية ووجوبا عند مالك والبعض الآخر من الحنفية منهم صاحب " الهداية " ورجحه ابن الهمام قال : وهو ظاهر عبارة محمد بن الحسن في " المبسوط " . أوجز المسالك 10 / 174 ) أمر استحباب عند جمع من الحنفية قال العيني : وبه قال الشافعي وأحمد وقال صاحب " الهداية " : الأصح أن المراجعة واجب عملا بحقيقة الأمر ورفعا للمعصية بالقدر الممكن . وفي الأمر بالمراجعة إفادة لزوم الطلاق في حالة الحيض وإن كان معصية وإلا فلا معنى للرجعة وهو قول جمهور العلماء : إن الطلاق في حالة الحيض واقع ( وقال الموفق : إن طلقها للبدعة وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر وابن عبد البر : لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة وحكاه في " المحلى " عن الظاهرية منهم ابن حزم والخوارج والروافض واختاره ابن تيمية وابن القيم وقالوا : لا يقع طلاقه . أوجز المسالك 10 / 175 المغني 7 / 100 ) وإن كان خلاف السنة ومكروها . ولا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والجهل الذين قالوا : طلاق غير السنة غير واقع وروي ذلك عن بعض التابعين وهو قول شاذ لم يعرج عليه أحد من العلماء . وقد سئل ابن عمر رضي الله تعالى عنه أيعتد بتلك الطلقة ؟ قال : نعم كذا قال ابن عبد البر
( 6 ) قوله : ثم تحيض ثم تطهر ... إلى آخره هذا نص في أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي كان طلق فيها بل في الطهر التالي للحيضة الأخرى وهو قول محمد وأبي يوسف ورواية عن أبي حنيفة وبه قال الشافعي في المشهور عنه ومالك وأحمد وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها وهو رواية عن أبي حنيفة ( وهو وجه للشافعية أيضا . انظر بذل المجهود 10 / 248 ) وجه الأول : أن السنة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة كاملة والفاصل ههنا بعض الحيضة فتكمل بالثانية ووجه الثاني : أن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة فكأنه لم يطلقها في الحيض . وقد ورد الأمران في قصة طلاق ابن عمر في الكتب الستة كذا في " الهداية " وشرحها للعيني
( 7 ) أي يجامعها
( 8 ) قوله : فتلك العدة ... إلى آخره استدل الشافعية ومن وافقهم بهذا اللفظ على أن عدة المطلقة هو ثلاثة أطهار قالوا : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يطلقها في الطهر وجعله العدة ونهاه أن يطلق في الحيض وأخرجه من أن يكون عدة ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار وأجاب عنه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " بأنه ليس المراد ههنا بالعدة المصطلحة الثابتة بالكتاب التي هي ثلاثة قروء بل عدة طلاق النساء أي وقته وليس أن ما يكون عدة تطلق لها النساء يجب أن يكون العدة التي تعتد بها النساء وقد جاءت العدة لمعان وههنا حجة أخرى وهي أن عمر هو الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا القول ولم يكن هذا القول عنده دليلا على أن القرء في العدة هو الطهر فإن مذهبه أن القرء هو الحيض
( 9 ) أي بقوله فطلقوهن لعدتهن

2 - ( باب طلاق الحرة ( 1 ) تحت العبد )
554 - أخبرنا مالك حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب أن نفيعا ( 2 ) مكاتب أم سلمة ( 3 ) كانت تحته امرأة حرة فطلقها تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان : فقال : حرمت ( 4 ) عليك
_________
( 1 ) أي الحرة إذا كانت زوجة لعبد
( 2 ) بصيغة التصغير
( 3 ) زوجة النبي صلى الله عليه و سلم
( 4 ) أي حرمة مغلظة لا تحل حتى تنكح زوجا غيره

555 - أخبرنا مالك حدثنا أبو الزناد ( 1 ) عن سليمان بن يسار : أن نفيعا كان عبدا لأم سلمة أو مكاتبا ( 2 ) وكانت تحته امرأة حرة فطلقها تطليقتين فأمره أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يأتي عثمان فيسأله عن ذلك فلقيه عند الدرج ( 3 ) وهو آخذ بيد زيد بن ثابت فسأله ( 4 ) فابتدراه ( 5 ) جميعا فقالا : حرمت عليك حرمت عليك
_________
( 1 ) عبد الله بن ذكوان
( 2 ) شك من الراوي
( 3 ) بفتح الدال والراء والجيم موضع بالمدينة قاله الزرقاني وقال القاري : جمع درجة يريد درجة المسجد
( 4 ) في نسخة : فسألهما
( 5 ) أي استقبلاه بالجواب استعجالا

556 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاثة قروء ( 1 ) وعدة الأمة ( 2 ) حيضتان
قال محمد : قد اختلف ( 3 ) الناس في هذا فأما ما عليه فقهاؤنا فإنهم ( 4 ) يقولون : الطلاق بالنساء والعدة بهن لأن ( 5 ) الله عز و جل قال : { فطلقوهن لعدتهن } فإنما الطلاق للعدة فإذا كانت الحرة وزوجها عبد فعدتها ثلاثة قروء وطلاقها ثلاثة ( 6 ) تطليقات للعدة ( 7 ) كما قال الله تبارك وتعالى وإذا كان الحر تحته الأمة ( 8 ) فعدتها حيضتان وطلاقها للعدة تطليقتان كما قال الله عز و جل
_________
( 1 ) أي ثلاثة حيض
( 2 ) وإن كان زوجها حرا لأن العبرة في العدة للمرأة ( هذا مما لا خلاف فيه أوجز المسالك 10 / 208 )
( 3 ) قوله : وقد اختلف الناس في هذا أي في اعتبار عدد الطلاق هل هو بالرجال أم بالنساء ؟ قال السروجي في " شرح الهداية " : قال همام وقتادة ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وعكرمة ونافع وعبيدة السلماني ومسروق وحماد بن أبي سليمان والحسن بن حي والثوري والنخعي والشعبي : يطلق العبد الحرة ثلاثا وتعتد بثلاثة حيض ويطلق الحر الأمة ثنيتن وتعتد بحيضتين وعند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد : يطلق الحر الأمة ثلاثا وتعتد بحيضتين ويطلق العبد الحرة ثنتين وتعتد بثلاث حيض حرر ذلك الرافعي وصاحب الأنوار وابن حزم عنهم كذا في " البناية شرح الهداية " للعيني وفيها أيضا طلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وهو قول علي وابن مسعود رواه ابن حزم في " المحلى " وبه قال سفيان وأحمد وإسحاق وقال الشافعي : عدد الطلاق معتبر بحال الرجال والعدة بالنساء وبه قال مالك في " الموطأ "
( 4 ) قوله : فإنهم يقولون ... إلخ استدلوا بقوله صلى الله عليه و سلم : طلاق الأمة ثنتان وقرؤها حيضتان . وهو نص في الباب وقد روي من حديث عائشة وابن عمرو وابن عباس وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عنها قال أبو داود في رواية : هذا حديث مجهول وقال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر ومظاهر لا يعرف له غير هذا الحديث . ونقل الذهبي في " الميزان " : تضعيف مظاهر ( أجاب الشيخ في " البذل " 10 / 269 عن ضعف مظاهر فارجع إليه ) عن أبي عاصم النبيل ويحيى بن معين وأبي حاتم والبخاري ونقل توثيقه عن ابن حبان وقال الخطابي في " معالم السنن " : الحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ضعفوه . انتهى . وأخرج الحاكم في " المستدرك " هذا الحديث بهذا السند وصححه وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه في سننه عن عمر بن شبيب نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر مرفوعا نحوه ورواه البزار في مسنده والطبراني في معجمه والدارقطني . وقال : تفرد به عمر بن شبيب وهو ضعيف لا يحتج به ثم أخرجه موقوفا على ابن عمر من طريق سالم ونافع وقال : هو الصواب . وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم في " المستدرك " حيث قال بعد أن روى حديث عائشة المتقدم عن أبي عاصم بسنده قال أبو عاصم : فذكرته لمظاهر فقلت : حدثني كما حدثني به ابن جريج فحدثني مظاهر عن القاسم عن ابن عباس مرفوعا : طلاق الأمة ثنتان وقرؤها حيضتان قال الحاكم : ومظاهر شيخ من أهل البصرة لم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح . فإذا الحديث صحيح ولم يخرجاه ثم قال : وقد روي عن ابن عباس ما يعارض هذا . ثم أخرج عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس عن مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم أعتقت بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها ؟ قال : نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم . ومن أحاديث الباب ما أخرجه الدارقطني عن سلم بن سالم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين ثم اشتراها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره . وأعله الدارقطني بسلم وقال : كان ابن المبارك يكذبه وأخرج الشافعي ومن طريقه البيهقي والدارقطني عن عمر بن الخطاب قال : ينكح العبد امرأتين وتطلق الأمة تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين كذا في " نصب الراية " للزيلعي
( 5 ) قوله : لأن الله ... إلخ توضيحه أن الله تعالى قال : { فطلقوهن لعدتهن } فجعل الطلاق للعدة ومن المعلوم أن العدة معتبرة بالنساء اتفاقا فكذلك الطلاق فإن كانت المرأة حرة سواء كان زوجها عبدا أو حرا فعدتها ثلاثة قروء فيكون طلاقها أيضا ثلاثا لكل طهر طلاق وإن كانت أمة سواء كان زوجها حرا أو عبدا فعدتها حيضتان فكذلك الطلاق وهذا استنباط لطيف وتوجيه شريف
( 6 ) حسب عدد العدة
( 7 ) في كل قرء طلاق
( 8 ) في نسخة : أمة

557 - قال محمد : أخبرنا ( 1 ) إبراهيم بن يزيد المكي قال : سمعت عطاء بن أبي رباح يقول : قال علي بن أبي طالب : الطلاق ( 2 ) بالنساء والعدة بهن . وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا إبراهيم بن يزيد ( إبراهيم بن يزيد : هو الخوزي المكي مولى بني أمية قال فيه أحمد : " متروك الحديث " وقال ابن معين : ليس بثقة وليس بشيء وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم وابن نمير . الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( ص 146 ، المجلد الأول القسم الأول ) الأموي المكي مولى عمر بن عبد العزيز روى عن طاوس وعطاء وأبي الزبير وغيرهم وعنه وكيع وعبد الرزاق والثوري قال ابن معين : ليس بثقة وليس بشيء وقال أبو زرعة وأبو حاتم : منكر الحديث وقال البخاري : سكتوا عنه قال الدولابي : يعني تركوه وقال النسائي : متروك وقال ابن عدي : هو في عداد من يكتب حديثه وإن كان قد نسب إلى الضعف توفي سنة 151 ، كذا في " تهذيب الكمال "
( 2 ) أي عدده معتبر بهن

3 - ( باب ما يكره للمطلقة المبتوتة والمتوفى عنها من المبيت في غير
بيتها )

558 - أخبرنا مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان يقول : لا تبيت المبتوتة ( 1 ) ولا المتوفى عنها إلا في بيت زوجها
قال محمد : وبهذا ( 2 ) نأخذ . أما المتوفى عنها فإنها تخرج بالنهار في حوائجها ولا تبيت إلا في بيتها وأما المطلقة مبتوتة كانت أو غير مبتوتة ( 3 ) فلا تخرج ليلا ولا نهارا ما دامت في عدتها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي المطلقة بالطلاق البائن واحدا كان أو ثلاثا
( 2 ) قوله : وبهذا نأخذ أي بكون عدة المبتوتة وكذا المطلقة الرجعية والمتوفى عنها زوجها في بيت زوجها أما المطلقة مبتوتة كانت أو رجعية فلا يجوز لها الخروج ليلا ولا نهارا والمتوفى عنها تخرج نهارا . أما عدم جواز خروج المطلقة فلقوله تعالى : { ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ( سورة الطلاق : الآية 1 ) والفاحشة نفس الخروج قاله النخعي وقال ابن مسعود : هي الزنا فيخرجن لإقامة الحد وقال ابن عباس : هي نشوزها أو تكون بذية اللسان . وأما خروج المتوفى عنها نهارا فلأنه لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش ولا كذلك المطلقة لأن النفقة حاصلة لها من مال زوجها كذا في " الهداية " وشرحها " البناية " . وذكر في " البناية " أيضا أن ممن أوجب على المتوفى عنها البيتوتة في بيت زوجها عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وأم سلمة وابن المسيب والقاسم والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيدة . وجاء عن علي وعائشة وابن عباس وجابر أنها تعتد حيث شاءت وهو قول الحسن وعطاء والظاهرية . واستدل علي القاري على عدم خروجها بقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } ( سورة البقرة : الآية 240 ) فإنه دل على عدم خروجها من بيت زوجها ولما نسخ مدة الحول بأربعة أشهر وعشرا والوصية بقي عدم الخروج على حاله . وذكر الزرقاني أن الليث ومالكا وجماعة قالوا بجواز خروج المطلقة أيضا نهارا لحديث جابر عند مسلم : طلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها : فزجرها رجل أن تخرج ( قال ابن رسلان : في الحديث دليل لمالك والشافعي وأحمد أن المعتدة تخرج لقضاء الحاجة وإنما تلزم بالليل وسواء عند مالك رجعية كانت أو بائنة قال الشافعي في الرجعية : لا تخرج ليلا ولا نهارا وإنما تخرج نهارا المبتوتة وقال أبو حنيفة : ذلك في المتوفى عنها زوجها وأما المطلقة فلا تخرج ليلا ولا نهارا . انتهى . قال صاحب " الهداية " : لأن نفقتها على الزوج بخلاف المتوفى عنها إذ لا نفقة لها . انظر هامش بذل المجهود 11 / 56 ) . فأمرها النبي صلى الله عليه و سلم وقال : بلى جذي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا . ويجاب عنه بأنه واقعة حال لا عموم لها
( 3 ) هي المطلقة بالطلاق الرجعي

4 - ( باب الرجل ( 1 ) يأذن لعبده في التزويج هل يجوز طلاق المولى عليه ؟
)
559 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان ( 2 ) يقول : من أذن لعبده في أن ينكح ( 3 ) فإنه لا يجوز ( 4 ) لامرأته طلاق إلا أن يطلقها العبد فأما ( 5 ) أن يأخذ ( 6 ) الرجل أمة غلامه أو أمة وليدته ( 7 ) فلا جناح ( 8 ) عليه
قال محمد : وبهذا ( 9 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : الرجل المراد به الشخص رجلا كان أو امرأة وكذا المراد بالمولى المالك
( 2 ) قوله : أنه كان يقول من أذن ... إلخ في " موطأ يحيى " : كان يقول من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيده لابيد غيره من الطلاق شيء ... إلخ
( 3 ) أي يتزوج
( 4 ) أي لا يقع عليها طلاق
( 5 ) إشارة إلى الفرق بين أمة العبد وزوجته
( 6 ) أي يتصرف فيها بالخدمة أو الوطء
( 7 ) أي جاريته
( 8 ) أي فلا إثم عليه لأن له أخذ مال رقيقه بل ماله ماله
( 9 ) قوله : وبهذا نأخذ لما ورد : الطلاق بيد من أخذ الساق أخرجه الطبراني عن ابن عباس وروى ابن ماجه والدارقطني عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر فقال : أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده ( أمته ) ( في الأصل : " من أمة " هو تحريف . انظر ابن ماجه 2081 ) ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ الساق كذا قال القاري

560 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أن عبدا لبعض ( 1 ) ثقيف جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : إن سيدي أنكحني جاريته فلانة ( 2 ) - وكان عمر يعرف الجارية ( 3 ) - وهو ( 4 ) يطأها فأرسل عمر إلى الرجل ( 6 ) فقال ما فعلت جاريتك ( 7 ) ؟ قال : هي عندي قال : هل تطأها ؟ فأشار إلى بعض من كان عنده فقال : لا فقال عمر : أما والله لو اعترفت لجعلتك نكالا
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا ينبغي ( 8 ) إذا زوج الرجل جاريته عبده أن يطأها لأن الطلاق والفرقة ( 9 ) بيد العبد ( 10 ) إذا زوجه مولاه وليس لمولاه أن يفرق بينهما بعد أن زوجها فإن وطئها ( 11 ) يندم ( 12 ) إليه في ذلك فإن عاد أدبه الإمام على قدر ما يرى من الحبس والضرب ولا يبلغ ( 13 ) بذلك أربعين سوطا
_________
( 1 ) أي الرجل من قبيلة ثقيف
( 2 ) كأنه ذكرها باسمها أو عرفها بوصفها
( 3 ) جملة معترضة
( 4 ) أي والحال أن سيدي يطأ الجارية التي أنكحنيها ( في الأصل : " أنكحني بها " وهو خطأ )
( 5 ) أي أرسل رجلا إليه فطلبه بحضرته واستفسر منه
( 6 ) أي سيدها
( 7 ) قوله : ما فعلت جاريتك أي ما صنعت بها وما جرى لها قال الرجل : هي عندي أي في ملكي وتصرفي . وقال عمر : هل تطأها أي تجامعها سأله عنه ليظهر صدق مقالة عبده أو كذبه . فأشار إليه أي إلى ذلك الرجل لمنع الإقرار خوفا من ضرب السياط بعض من كان عنده أي بعض حاضري مجلس عمر وذلك لأن الستر في الحدود والتعزيرات وتلقين الإنكار أفضل فقال ذلك الرجل : لا فقال عمر : أما والله - أقسم للتأكيد - لو اعترفت أي أقررت عندي بوطئها بعد تزويجها لجعلتك نكالا أي لأقمت عليك عقوبة وتعزيرا
( 8 ) أي لا يحل ولا يجوز
( 9 ) أي الفسخ
( 10 ) احتراز عما إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فإن له حينئذ أن يفسخ ( به أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي وسائر فقهاء الحجاز والعراق . المنتقى 4 / 90 )
( 11 ) أي المولى بعد تزويجها بعبده
( 12 ) أي يوبخ عليه ويزجر
( 13 ) لأن التعزير يكون أقل من أقل الحدود

6 - ( باب المرأة تختلع ( 1 ) من زوجها بأكثر مما أعطاها أو أقل )
561 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن مولاة ( 2 ) لصفية ( 3 ) اختلعت من زوجها بكل شيء ( 4 ) لها . فلم ينكره ابن عمر
قال محمد : ما اختلعت به امرأة من زوجها فهو جائز في القضاء ( 5 ) وما تحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها وإن جاء ( 6 ) النشوز من قبلها . فأما إذا جاء النشوز من قبله ( 7 ) لم نحب ( 8 ) له أن يأخذ منها قليلا ولا كثيرا وإن أخذ ( 9 ) فهو جائز في القضاء وهو مكروه له ( 10 ) فيما بينه وبين الله تعالى . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) في نسخة : تخلع
( 2 ) أي أمة
( 3 ) هي بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر
( 4 ) قوله : بشيء هو الظاهر أنها أعطت كل ما كان في ملكها والظاهر أنه كان أكثر مما أخذته من زوجها ولما لم ينكر عليها ابن عمر دل على جوازه مما يستدل عليه بقوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) فإنه يدل بإطلاقه على جواز الاقتداء مطلقا ولو بكل المال فإن قلت : قوله تعالى ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) ( سورة النساء : الآية 20 ) يدل على عدم جواز أخذ شيء مما أعطاها ولو قليلا ومن ثم ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز الخلع قلت : هو محمول على الأخذ جبرا وبغير رضائها
( 5 ) أي في ظاهر الحكومة الشرعية
( 6 ) قوله : وإن جاء النشوز أي الخلاف والنزاع من قبل الزوجة وهذا رواية الأصل وفي " الجامع الصغير " : أن الفضل يطيب له لإطلاق قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) ووجه ما في الأصل ما روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن عطاء قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم تشكو زوجها فقال : أتردين عليه حديقته التي أصدقك ؟ قالت : نعم وزيادة قال : أما الزيادة فلا . وأخرج الدار قطني عن عطاء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها كذا في " شرح القاري "
( 7 ) أي الزوج
( 8 ) أي يكره له
( 9 ) برضاء الزوجة
( 10 ) لأن الفساد من قبله

6 - ( باب الخلع كم يكون من الطلاق )

562 - أخبرنا مالك أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان ( 1 ) مولى الأسلميين عن أم بكر الأسلمية ( 2 ) : أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ( 3 ) ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال : هي تطليقة إلا أن تكون سمت ( 4 ) شيئا فهو على ما سمت
قال محمد : وبهذا ( 5 ) نأخذ الخلع تطليقة بائنة إلا ( 6 ) سمى ثلاثا أو نواها فيكون ثلاثا
_________
( 1 ) قوله : عن جمهان بضم أوله مدني قديم مقبول قاله ابن حجر في " تقريب التهذيب " . وفي " تهذيب التهذيب " : جمهان أبو العلاء ويقال أبو يعلى مولى الأسلميين يعد في أهل المدينة روى عن عثمان وسعد وأبي هريرة وأم بكرة الأسلمية وعنه عروة وعمر بن نبيه ذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال علي بن المديني : هو جد أمي وكان من السبي في ما أرى . انتهى ملخصا . وضبط القاري جمهان بفتح الجيم فأخطأ
( 2 ) نسبة إلى قبيلة أسلم
( 3 ) بالتصغير
( 4 ) أي ذكرت شيئا
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ اختلفوا في أن الخلع تطليقة أم لا ؟ فقال أصحابنا : إنه تطليقة بائنة وهو قول عثمان وعلي وابن مسعود والحسن وابن المسيب وعطاء وشريح والشعبي وقبيسة بن ذئيب ومجاهد وأبي سلمة والنخعي والزهري والثوري والأوزاعي ومكحول وابن أبي نجيح وعروة ومالك والشافعي في الجديد وقالت الظاهرية : تطليقة رجعية وقال أحمد وإسحاق : فرقتة بغير طلاق وهو قول ابن عباس والشافعي في القديم كذا قال العيني في " شرح الهداية " ومما يشهد للأول ما أخرجه الدار قطني والبيهقي في سننهما من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الخلعة تطليقة بائنة . ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بعباد وأسند عن البخاري قال : تركوه وعن النسائي أنه متروك الحديث . وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " وابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب : أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الخلع تطليقة كذا أورده الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " : وفي الباب آثار كثيرة مبسوطة في " الدر المنثور " وغيره . والمسألة محققة بدلائلها في كتب الأصول
( 6 ) قوله : إلا أن يكون سمى ... إلخ يعني أن الخلع طلاق واحد بائن إلا أن يكون ذكر ثلاثا أو نوى بالخلع ثلاثا فهو على ما ذكر وعلى ما نوى

7 - ( باب الرجل يقول إذا نكحت ( 1 ) فلانة فهي طالق )
563 - أخبرنا مالك أخبرنا مجبر عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : إذا قال الرجل : إذا نكحت فلانة فهي طالق فهي طالق فهي كذلك إذا نكحها ( 2 ) وإذا كان طلقها ( 3 ) واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فهو كما قال ( 4 )
قال محمد : وبهذا ( 5 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي يعلق طلاق بنفس الملك أو بسببه كالتزوج
( 2 ) أي يقع الطلاق بمجرد عقدها
( 3 ) أي في تعليقه
( 4 ) أي يقع ما علق واحدا كان أو أكثر
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال طائفة من السلف فأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والأسود بن يزيد وأبي بكر بن عبد الرحمن وأبي بكر بن عمرو بن حزم والزهري ومكحول الشامي في رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق أو يوم أتزوجها فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق قالوا : هو كما قال . وقال الشافعي : لا يصح هذا التعليق ولا يقع به الطلاق لما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده معروفا : لا طلاق فيما لا يملك قال الترمذي : حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء في هذا الباب وأخرجه ابن ماجه عن المسور بن مخرمة مرفوعا : لا طلاق قبل النكاح ( هذا على نوعين : إما أن ينجز الطلاق وإما أن يعلقه بالنكاح فإن كان الأول فهو متفق على أنه لا يقع الطلاق فيه أصلا وإذا كان الثاني فهو الذي اختلف فيه الأئمة فالجمهور على أنه لا يقع الطلاق فيه وقال أبو حنيفة وأصحابه : يقع الطلاق . بذل المجهود 10 / 272 ، والبسط في الأوجز 10 / 59 ) وقال الحاكم في " المستدرك " : صح حديث " لا طلاق إلا بعد نكاح " من حديث ابن عمر وابن عباس وعائشة ومعاذ بن جبل وجابر . وأجاب عنه أصحابنا ومن وافقهم بحمله على التنجيز وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال في رجل قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل أمة أشتريها فهي حرة هو كما قال فقال له معمر : أوليس جاء لا طلاق قبل نكاح ولاعتق إلا بعد ملك ؟ قال : إنما ذلك أن يقول الرجل امرأة فلان طالق وعبد فلان حر نعم هناك حديثان صريحان موافقان لما اختاره الشافعي أحدهما : ما أخرجه الدار قطني عن ابن عمر أن النبي سئل عن رجل قال : يوم أتزوج فلانة فهي طالق ثلاثا فقال صلى الله عليه و سلم : لا طلاق فيما لا يملك . وثانيهما : ما أخرجه أيضا عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال لي عم لي : اعمل لي عملا حتى أزوجك بنتي ؟ فقلت : إن تزوجتها فهي طالق ثم بدا لي أن أتزوجها فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : تزوجها فإنه لا طلاق إلا بعد نكاح . فإن صح هذان الحديثان تم الكلام إذ لاحكم بعد حكم النبي عليه السلام لكن لا سبيل إلى ذلك ففي الإسناد الأول أبو خالد الواسطي عمر بن خالد قال فيه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين الدار قطني : كذاب وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة : يضع الحديث وفي الثاني علي بن قرين كذبه يحيى بن معين وغيره كذا حققته الزيلعي في " تخريج أحاديث الهداية " وقاسم بن قطلوبغا في " فتاواه "

564 - أخبرنا مالك عن سعيد ( 1 ) بن عمرو بن سليم الزرقي عن القاسم بن محمد : أن رجلا ( 2 ) سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إن قلت إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي قال : إن تزوجتها فلا تقربها حتى تكفر
قال محمد : وبهذا ( 3 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة يكون مظاهرا منها إذا تزوجها فلا ( 4 ) يقربها حتى يكفر ( 5 )
_________
( 1 ) قوله : عن سعيد بكسر العين بعدها ياء وقيل سعد بن عمرو - بالفتح - ابن سليم الزرقي بضم السين والنسبة بضم الزاء وفتح الراء وبالقاف الأنصاري وثقة بن معين وابن حبان مات سنة 134 هـ . قال ابن عبد البر : ليس له في " الموطأ " غير هذا الحديث كذا قال الزرقاني والقاري
( 2 ) قوله : أن رجلا في " موطأ يحيى " أنه أي سعيد سأل القاسم عن رجل طلق امرأته إن هو تزوجها ؟ فقال القاسم ( قال البيهقي : هذا منقطع فإن القاسم بن محمد لم يدرك عمر رضي الله عنه . أوجز المسالك 10 / 58 ) : إن رجلا ... إلخ
( 3 ) أي بوقوع الظهار المعلق كالطلاق المعلق
( 4 ) في نسخة : ولا
( 5 ) أي كفارة الظهار

8 - ( باب المرأة يطلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين فتتزوج زوجا ثم
يتزوجها الأول )

565 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه استفتى عمر بن الخطاب في رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين وتركها ( 1 ) حتى تحل ثم تنكح زوجا غيره فيموت ( 2 ) أو يطلقا فيتزوجها ( 3 ) زوجها الأول على كم هي ( 4 ) ؟ قال عمر : هي على ما بقي ( 5 ) من طلاقها
قال محمد : وبهذا ( 6 ) نأخذ . فأما أبو حنيفة فقال :
إذا عادت إلى الأول بعد ما دخل بها 7 ) الآخر عادت على طلاق جديد ثلاث تطليقات مستقبلات . وفي أصل ابن الصواف : وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم
_________
( 1 ) بأن خرجت من عدتها
( 2 ) أي بعد ما وطئها
( 3 ) بعد مضي عدة الثاني
( 4 ) هذا محل السؤال : أي المرأة على أي عدد من الطلاق عند الأول
( 5 ) أي على ما بقي من الثلاث بعد حط من سبق منه
( 6 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : يهدم الزوج الثاني ما مضى ويملك الأول ثلاث تطليقات بحل جديد كما في صورة التحليل بعد الثلاث . والمسألة مبسوطة في كتب الأصول . قال القاري : والدليل على ما روى محمد في كتاب " الآثار " عن أبي حنيفة عن حماد ابن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال : كنت جالسا عند عبد الله بن مسعود فجاء أعرابي فسأله عن رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها وتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم مات عنها أو طلقها ثم انقضت عدتها فأراد الأول أن يتزوجها على كم هي ؟ فالتفت إلى ابن عباس وقال : ما تقول في هذا ؟ فقال : يهدم الزوج الثاني الواحدة والثنتين والثلاث واسأل ابن عمر قال فلقيت ابن عمر فسألته فقال مثل ما قال ابن عباس
( 7 ) أي وطيها

9 - ( باب الرجل يجعل أمر امرأته بيدها أو غيرها )

566 - أخبرنا مالك أخبرنا سعيد ( 1 ) بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد ( 2 ) عن زيد بن ثابت : أنه كان جالسا عنده ( 3 ) فأتاه بعض ( 4 ) بني أبي عتيق وعيناه تدمعان ( 5 ) فال له : ما شأنك ؟ فقال : ملكت امرأتي أمرها بيدها ففارتني فقال له : ما حملك على ذلك ؟ قال : القدر ( 6 ) قال له زيد بن ثابت ارتجعها ( 7 ) إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك ( 8 ) بها
قال محمد : هذا عندنا ( 9 ) على ما نوى الزوج فإن نوى واحدة فواحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب وإن نوى ثلاثا فثلاث وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
وقال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : القضاء ما قضت
_________
( 1 ) هو من رجال الجميع ومن الثقات كذا قال الزرقاني
( 3 ) أحد الفقهاء السبعة من الثقات مات سنة 100 أو قبلها وهو عم سعيد قاله الزرقاني
( 3 ) أي عند والده زيد
( 4 ) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق المدني مقبول . روى له البخاري وغيره كما في موطأ يحيى وشرحه
( 5 ) بفتح الميم أي تسيلان دمعا من البكاء
( 6 ) أي قدر الله وقضاؤه
( 7 ) هذا بناء على مذهبه أنها واحد رجعية
( 8 ) أي أحق من غيرك ( قال مالك : لا آخذ بحديث زيد في التمليك ولكني أرى إذا ملك امرأته أن القضاء ما قضت إلا أن ينكر عليها فيحلف كما قال ابن عمر رضي الله عنهما ويحتمل قول مالك هذا أن يعلم أن يكون علم مذهب زيد أنها لا تكون إلا واحدة وإن أوقعت أكثر من ذلك على كل ويحتمل أيضا أن يكون مالك يريد بذلك أني لا أقول بظاهر اللفظ على الإطلاق كقوله : فارقتني والفراق عند مالك في بعض الروايات عنه يقتضي أكثر من الواحد والحديث يحتمل أن يكون ذكر فراقاعلى غير لفظ الفراق وأنها فارقته بطلقة واحدة ويحتمل أن يكون ملكها طلقة واحدة بالتصريح فلا يلزمه مازادت ولا يلزمه في ذلك يمين فلذلك قال له : ارتجعها فيكون ذلك موافقا لقول مالك وإنما كان جزعه على هذا فرقا من أن تكون واحدة بائنة وعلم من مخالفتها له أنها إذا ملكت نفسها لم تعد إليه . انظر المنتقى 4 / 20 )
( 9 ) قوله : هذا عندنا أي الطلاق عندنا على ما نوى الزوج به فإذا نوى واحدة فواحدة بائنة فلا يرجعها بل يكون خاطبا من الخطاب وينكحها نكاحا ثانيا وإن نوى ثلاثا فثلاث وهو قول أبي حنيفة . وقال مالك : يقع بالتفويض ثلاث لأن الثلاث أتم ما يكون من الاختيار . وقال الشافعي : يقع واحدة رجعية لأنها أدنى ما يكون من الاختيار وبه قال أحمد . وفي " الهداية " : أنه يقع طلقة رجعية اعتبارا لما أتت به من صريح الطلاق فقيل : هذا سهو وقيل : فيه روايتان إحداهما : يقع واحدة رجعية والأخرى بائنة وهذا أصح كما في " شرح الوقاية " وقال عثمان بن عفان وعلي : القضاء ما قضت أي الحكم ما نوت من رجعية أو بائنة واحدة أو ثلاثا لأن الأمر مفوض إليها ولعل هذا عند إطلاق زوجها فلا ينافي ما تقدم كذا في " شرح القاري "

567 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ( 1 ) عن عائشة رضي الله عنها : أنها خطبت ( 2 ) على ( 3 ) عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قريبة ( 4 ) بنت أبي أمية فزوجته ( 5 ) ثم إنهم ( 6 ) عتبوا ( 7 ) على ( 8 ) عبد الرحمن بن أبي بكر . وقالوا : ( 9 ) ما زوجنا إلا عائشة فأرسلت إلى عبد الرحمن فذكرت ( 10 ) له ذلك ( 11 ) فجعل عبد الرحمن أمر قريبة بيدها فاختارته . وقالت ( 12 ) : ما كنت لأختار عليك أحدا فقرت ( 13 ) تحته فلم يكن ذلك طلاقا
_________
( 1 ) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
( 2 ) من الخطبة بالكسر أي طلبت النكاح لأخيها عبد الرحمن
( 3 ) قوله : على عبد الرحمن هو شقيق عائشة : عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان أمهما أم رومان : أسلم في هدنة الحديبية وكان اسمه عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن وله فضائل حسنة ولا يعرف في الصحابة أربعة كلهم ابن الذي قبله صحبوا النبي وأسلموا إلا أبو قحافة وابن أبو بكر وابنه عبد الرحمن هذا وابنه أبو عتيق محمد وكان قد سكن المدينة وامتنع من بيعة يزيد حين طلبها معاوية وبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم فردها وقال : لا أبيع ديني بدنياي وخرج إلى مكة ومات فجأة في نومه بمكان اسمه " حبشي " على عشرة أميال من مكة . وحمل إليها فدفن في المعلى وكان ذلك سنة 53 وعليه الأكثر وقيل : سنة 55 ، وقيل : سنة 52 ، كذا في " أسد الغابة في معرفة الصحابة " لابن الأثير الجزري
( 4 ) قوله : قريبة بفتح القاف وكسر الراء وسكون التحتية بعدها باء موحدة فتاء تأنيث ويقال بالتصغير : هي بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية الصحابية أخت أم سلمة أم المؤمنين وكانت موصوفة بالجمال وقد من عبد الرحمن عبد الله وأم حكيم وحفصة ذكره ابن سعد كذا قال الزرقاني
( 5 ) قوله : فزوجته قال القاري : بصيغة المجهول أي زوجها أهلها إياه أو بالمعلوم أي فصارت عائشة سببا لتزويجها إياه . انتهى . وفي " موطأ يحيى " فزوجوه وهو أصغر
( 6 ) أي أولياء قريبة
( 7 ) أي غضبوا
( 8 ) لأمر فعله وكان في خلقه شدة
( 9 ) قوله : وقالوا : ما زوجنا إلا عائشة أي ما صار سبب تزويجنا إلا هي وما زوجناها إلا لأجل خطبة عائشة واعتمادا عليها
( 10 ) حضورا أو غيبة
( 11 ) أي عتبهم عليه وشكايتهم لها
( 12 ) قوله : وقالت في رواية ابن سعد بسند صحيح عن ابن أبي مليكه قال : تزوج عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة أخت أم سلمة وكان في خلقه شدة فقالت له يوما : أما والله لقد حذرتك قال : فأمرك بيدك فقالت : لا أختار على ابن الصديق أحدا فأقام عليها
( 13 ) أي استقرت ودامت تحت عبد الرحمن ولم يكن مجرد التخيير طلاقا

568 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : أنها زوجت ( 1 ) حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر المنذر بن الزبير وعبد الرحمن ( 2 ) غائب بالشام فلما قدم ( 3 ) عبد الرحمن قال : ومثلي ( 4 ) يصنع به هذا ويفتات عليه ببناته ؟ فكلمت ( 5 ) عائشة المنذر بن الزبير فقال : فإن ذلك ( 6 ) في يد عبد الرحمن فقال عبد الرحمن : ما لي ( 7 ) رغبة عنه ولكن مثلي ليس يفتات ( 8 ) عليه ببناته وما كنت لأرد أمرا قضيته ( 9 ) فقرت امرأته تحته ولم يكن ذلك طلاقا
_________
( 1 ) قوله : أنها زوجت حفصة هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق من ثقات التابعيات روى لها مسلم والثلاثة وزوجها المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي شقيق عبد الله بن الزبير ذكره ابن حبان في ثقات التابعين : ذكر الزبير بن بكار أن المنذر كان عند عبيد الله بن زياد لما امتنع عبد الله بن الزبير من بيعة يزيد بن معاوية فكتب يزيد إلى ابن زياد أن يوجه إليه المنذر فبلغه فهرب إلى مكة فقتل في الحصار الأول بعد وقعة الحرة سنة 64 ، كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) جملة معترضة حالية
( 3 ) أي من سفره
( 4 ) قوله : ومثلي يصنع هذا أي تزويج بناته بغير أمره ويقتات ( هكذا في الأصل والصواب يفتات بالفاء كما في الأوجز 10 / 41 قال صاحب مجمع البحار 4 / 180 . يقال : تفوت فلان على فلان في كذا وافتات عليه إذا تفرد برأيه دونه في التصرف فيه وعدي بعلى لتصرف معنى التغلب . يقال لكل من أحدث شيئا في أمرك دونك فقد افتات عليك فيه ) عليه أي يستبد برأيه وهو بصيغة المجهول من الإفتيات المأخوذ من الفوت قاله القاري
( 5 ) أي أخبرته بقول أخيها
( 6 ) أي أمرها بيد والدها
( 7 ) أي ليس لي إعراض عنه
( 8 ) أي لا يفعل شيء بدون أمره
( 9 ) بكسر التاء : خطاب لعائشة

569 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت ( 1 ) إلا أن ينكر عليها فيقول : لم أرد إلا تطليقة واحدة فيحلف على ذلك ويكون ( 2 ) أملك بها ( 3 ) في عدتها
_________
( 1 ) واحدا كان أو أكثر
( 2 ) في نسخة : فيكون
( 3 ) أي أحق بها من غيره

570 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال : إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه وقرت ( 1 ) عنده فليس ذلك بطلاق
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 2 ) . إذا اختارت زوجها فليس ذلك بطلاق وإن اختارت ( 3 ) نفسها فهو على ما نوى الزوج فإن نوى واحدة فهي واحدة ( 4 ) بائنة . وإن نوى ثلاثا فثلاث . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي ثبتت
( 2 ) قوله : وبهذا نأخذ ( إليه ذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء خلافا لبعض السلف . انظر الأوجز 10 / 39 ) إذا اختارت زوجها فليس ذلك بطلاق وقد ورد ذلك عن عائشة كما في الصحيحين قالت : خيرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخترناه فلم يقدره علينا شيئا وفي لفظ لهما : فلم يعد ذلك طلاقا
( 3 ) قوله : وإن اختارت نفسها أي في ذلك المجلس لما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود ومن طريقه أخرجه الطبراني في معجمه عنه قال : إذا ملكها أمرها فتفرقا قبل أن ينقضي شيء فلا أمر لها . وفيه انقطاع بين مجاهد وابن مسعود قاله البيهقي . وأخرج عبد الرزاق : أنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : إذا خير الرجل امرأته فلم تختر في مجلسها ذلك فلا خيار لها . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن جده عبد الله بن عمرو : أن عمر وعثمان قالا : أيما رجل ملك امرأته أمرها ثم افترقا من ذلك المجلس : فليس لها خيار وأمرها إلى زوجها . وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي شيبة ونحوه أخرجه عن مجاهد وجابر بن زيد والشعبي والنخعي وطاوس وعطاء . قال البيهقي : وقد تعلق بعض من يجعل لها الخيار ولو قامت من المجلس بحديث عائشة وهو في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك . وهذا غير ظاهر لأنه عليه السلام لم يخيرها في إيقاع الطلاق بنفسها وإنما خيرها على أنها إن اختارت نفسها أخذت لها طلاقا كذا في " تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي
( 4 ) قوله : فهي واحدة بائنة هذا قول أكثر أهل العلم والفقه من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم . وهو قول عمر وعبد الله بن مسعود فإنهما قالا : إن اختارت نفسها فواحدة بائنة . وروي عنهما أنهما قالا : واحدة يملك الرجعة وإن اختارت زوجها فلا شيء . وروي عن علي أنه قال : إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة . وقال زيد بن ثابت : إن اختارت زوجها فواحدة وإن اختارت نفسها فثلاث . ومذهب أحمد موافق لقول علي رضي الله عنه ويعارضه صريح حديث عائشة كذا في " جامع الترمذي " . وفيه أيضا اختلف أهل العلم في : أمرك بيدك فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود هي واحدة وهو قول غير واحد من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم وقال عثمان وزيد بن ثابت : القضاء ما قضت وقال ابن عمر : إذا جعل أمرها بيدها وطلقت نفسها ثلاثا وأنكر الزوج وقال : لم أجعل أمرها إلا في واحدة استحلف الزوج وكان القول قوله في يمينه . وذهب سفيان وأهل الكوفة إلى قول عمر وعبد الله وأما مالك فقال : القضاء ما قضت وهو قول أحمد وأما إسحاق فذهب إلى قول ابن عمر ( إن قالت : اخترت نفسي فواحدة رجعية عند الثلاثة وعند الحنفية واحدة بائنة هذا إذا لم تنو أكثر منها فإن نوت أكثر منها وقع ما نوت عند الثلاثة وعند الحنفية لا تقع إلا واحدة أو ثلاثة . فإن طلقت ثلاثا وقال الزوج : لم أجعل إليها إلا واحدة فالقضاء ما قضت عند أحمد وعند الثلاثة أنها تطليقة لا تقدر أكثر ما نوى الزوج . انظر " هامش بذل المجهود " 10 / 210 )

10 - ( باب الرجل يكون تحته ( 1 ) أمة فيطلقها ثم يشتريها )
571 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن أبي ( 2 ) عبد الرحمن عن زيد بن ثابت : أنه سئل عن رجل كانت تحته وليدة ( 3 ) فأبت ( 4 ) طلاقها ثم اشتراها أيحل ( 5 ) أن يمسها ؟ فقال : لا يحل له حتى تنكح زوجا غيره
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 6 ) . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي يكون زوجته أمة لرجل فيطلقها الزوج ثم يشتريها من مالكها
( 2 ) قوله : عن أبي عبد الرحمن فقال ابن عبد البر : اختلف في اسم أبي عبد الرحمن شيخ ابن شهاب . فقيل : سليمان بن يسار وهو بعيد لأنه أجل من أن يستر عنه اسمه ويكنى عنه وقيل : هو أبو الزناد وهو أبعد لأنه لم يرو عن زيد بن ثابت ولا رآه ولا روى عنه ابن شهاب وقيل : هو طاوس وهو أشيه بالصواب وإنما كتم اسمه مع جلالته لأن طاوسا كان يطعن على بني أمية . ويدعو عليهم في مجالسه وكان ابن شهاب يدخل عليهم ويقبل جوائزهم وقد سئل مرة في مجلس هشام أتروي عن طاوس ؟ فقال : للسائل لو رأيت طاوسا علمت أنه لا يكذب ولم يجبه بأنه يروي أو لا يروي . فهذا كله دليل على أن أبا عبد الرحمن في هذا الحديث هو طاوس . انتهى
( 3 ) أي جارية لغيره
( 4 ) قوله : فأبت طلاقها من البت بتشديد التاء يقال : بت الرجل طلاق زوجته وأبت إذا قطعها من الرجعة والمراد ههنا البينونة المغلظة كما يفيده الجواب
( 5 ) بهمزة الاستفهام
( 6 ) قوله : وبهذا نأخذ لعموم الآية وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور خلافا لبعض السلف أنها تحل لعموم ( وما ملكت أيمانكم ) قال ابن عبد البر : هذا خطأ لأنها لا تبيح الأمهات والأخوات والبنات فكذا سائر المحرمات

11 - ( باب الأمة تكون تحت العبد فتعتق )

572 - أخبرنا ملك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يقول في الأمة ( 1 ) تحت العبد فتعتق : إن الخيار لها ما لم يمسها ( 2 )
_________
( 1 ) أي أمة رجل تكون زوجة عبد الرجل
( 2 ) فإن بوطيها سقط الخيار لوجود الرضا بالقيام معه

573 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير : أن زبراء ( 1 ) مولاة لبني عدي بن كعب أخبرته أنها كانت تحت عبد وكانت أمة فاعتقت فأرسلت ( 2 ) إليها حفصة وقالت : إني مخبرتك خبرا وما أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك فإذا مشك فليس لك من أمرك شيئا قالت ( 3 ) : وفارقته
قال محمد : إذا علمت أن لها خيارا فأمرها ( 4 ) بيدها ما دامت في مجلسها ما لم تقم ( 5 ) منه أو تأخذ ( 6 ) في عمل آخر أو يمسها فإذا كان شيء من هذا بطل خيارها فأما إن مسها و ( 7 ) لم تعلم بالعتق أو علمت به ( 8 ) ولم تعلم أن لها الخيار فإن ذلك لا يبطل ( 9 ) خيارها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله عن زبراء بزاء مفتوحة ثم موحة ساكنة فراء مهملة فألف ممدودة كذا ضبطها ابن الأثير
( 2 ) قوله فأرسلت إليها أي أرسلت حفصة أم المؤمنين إليها رسولا واستدعتها فأتتها فقالت حفصة تعليما لها : إني مخبرتك خبرا بصيغة اسم الفاعل من الإخبار وما أحب أن تصنعي شيئا من المفارقة وغيرها وهو أن أمرك بيدك ولك خيار العتق ما لم يمسك زوجك فإن شئت تقري معهن وإن شئت تفارقيه فإن وطيك بطل خيارك
( 3 ) قوله : قالت وفارقته أي قالت زبراء : فارقت الزوج حين ما سمعت حكم الخيار من حفصة وفي " موطأ يحيى " قالت : فقلت : هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا . قال ابن عبد البر : لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك الحكم مخالفا من الصحابة وقد روي في قصة بريرة مرفوعا دليل واضح على أن ما ذهبا إليه وروى سعيد بن منصور عن ابن عباس لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يطلب إليها فقال صلى الله عليه و سلم لبريرة : زوجك وأبو ولدك فقالت أتأمرني ؟ فقال : إنما أنا شافع فقالت : فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها
( 4 ) قوله : فأمرها بيدها أي لها خيار العتق إن شاءت فارقت وإن شاءت أقامت سواء كان الزوج حرا أو عبد عند أصحابنا وعند الشافعي وغيره لا خيار لها إذا كان الزوج حرا وقد اختلفت الروايات ( اختلفت الروايات في زوجها حين عتقت هل كان حرا أو عبدا ؟ رجح الأئمة الثلاثة رواية كونه عبدا لكونها موافقة لأصلهم ورجحت الحنفية رواية كونه حرا . وفي البذل : قال الشيخ ابن القيم في الهدي : إن حدث عائشة رضي الله عنها رواه ثلاثة : السود وعروة والقاسم فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما أنه كان حرا والثانية أنه كان عبدا وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان إحدهما أنه كان حرا والثانية الشك . انتهى . قلت : الجزم قاض ولا ترجيح لإحدى روايتي عروة للتعارض فبقيت رواية الأسود سالمة ومعها رواية الجزم لابن القاسم . انظر هامش لامع الداري 9 / 270 . وبذل المجهود 10 / 362 ) في زوج بريرة حين خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم هل كان عبدا أو حرا . وبمثل قولنا قال الجماعة من أهل العلم فأخرج الطحاوي وابن أبي شيبة عن طاوس أنه قال : للأمة الخيار إذا أعتقت وإن كانت تحت قرشي . وفي رواية : لها الخيار تحت حر وعبد . وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : تخير حرا كان زوجها أو عبدا . وأخرج عن مجاهد قال : تخير ولو كانت تحت أمير المؤمنين
( 5 ) فإن القيام من المجلس والشروع في عمل آخر دليل الإعراض
( 6 ) أي تشرع
( 7 ) الواو حالية
( 8 ) أي بالعتق
( 9 ) أي المس وغيره حينئذ لا يبطله بل يبقي خيارها من حين العلم إلى المجلس

12 - ( باب ( 1 ) طلاق المريض )
574 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن طلحة ( 2 ) بن عبد الله بن عوف طلق امرأته ( 3 ) وهو مريض فورثها عثمان منه بعد ما ( 4 ) انقضت عدتها
_________
( 1 ) قوله باب طلاق المريض اختلف فيه على أقوال . الأول : أنه لا يقع طلاقه حكاه ابن حزم عن عثمان . الثاني : يقع وترثه بشرط قيام العدة . وهو قول عمر وابنه وابن مسعود وأبي بن كعب وعائشة وبه قال المغيرة والنخعي وابن سيرين وعروة والشعبي وشريح وربيعة بن عبد الرحمن وطاوس والأوزاعي وابن شبرمة والليث بن سعد والثوري وحماد بن أبي سليمان وأصحابنا . الثالث : ترثه ما لم تتزوج زوجا غيره وإن انقضت عدتها وهو قول ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق . والرابع : ترثه وإن تزوجت عشرة أزواج وبه قال مالك والليث في رواية عنه . الخامس : ترثه ويرثها وبه قال الحسن البصري . السادس : إن صح منه ومات من مرض آخر لا ترثه عندنا وقال الزهري والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق : ترثه إن مات قبل انقضاء عدتها منه . السابع : ترثه ويرثها إذا كان لها حمل أو قصد المضارة وهو قول عروة . الثامن : ترثه وتنقل عدتها إلى عدة الوفاة ما لم تنكح وبه قال الشعبي . التاسع : تعتد بأبعد الأجلين من ثلاث حيض وأربعة أشهر وعشرا وهو قول أبي حنيفة ومحمد . العاشر : ترثه قبل الدخول وعليها العدة وهو قول الحسن وإسحاق وأبي عبيد . الحادي عشر : لا ترثه أصلا لا قبل الدخول ولا بعده وهو قول الظاهرية وأبي ثور والجديد للشافعي وفي القديم عنده الزوج فار وفي الميراث ثلاثة أقوال : الأول مثل قولنا والثاني مثل قول أحمد والثالث مثل قول مالك ( قال الموفق : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا فبانت بانقضاء ؟ ؟ عدتها لم يتوارثا إجماعا . وإن كان الطلاق في المرض المخوف ثم مات من مرضه ذلك في عدتها ورثته ولم يرثها إن ماتت يروى ذلك عن أبي حنيفة ومالك وهو قول الشافعي القديم وقوله الجديد : لا ترث مبتوتة والمشهور عن أحمد أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج وروي عنه ما يدل على أنها لا ترث بعد العدة . انظر الأوجز 10 / 155 ) كذا ذكره العيني في " البناية شرح الهداية "
( 2 ) قوله عن طلحة هو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ثقة مكثر فقيه تابعي مات سنة 97 هـ . وعبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أحد العشرة المبشرة بالجنة مات سنة 32 هـ كذا قال السيوطي والزرقاني
( 3 ) قوله : طلق امرأته هي تماضر الكلبية بضم التاء فميم فألف فضاء معجمة فراء مهملة بنت الأصبغ الكلبية الصحابية وكان فيها سوء خلق وكانت على تطليقتين فلما مرض عبد الرحمن جرى بينه وبينها شيء فطلقها وهو آخر طلاقها كذا في " موطأ يحيى " وشرحه
( 4 ) قوله : بعد ما انقضت عدتها قال القاري : هذا بظاهره يوافق مذهب ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق أنها ترثه بعد العدة ما لم تتزوج بزوج آخر والتحقيق أنه ظرف لورثها فتوريثها كان بعد انقضاء عدتها

575 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن الفضل ( 1 ) عن الأعرج ( 2 ) عن عثمان بن عفان : أنه ورث ( 3 ) نساء ( 4 ) ابن مكمل منه كان طلق نساءه وهو مريض
قال محمد : يرثنه ما دمن في العدة فإذا انقضت العدة قبل أن يموت فلا ميراث لهن وكذلك ذكر هشيم ( 5 ) بن بشير عن المغيرة الضبي عن إبراهيم النخعي عن شريح ( 6 ) أن عمر بن الخطاب كتب إليه في رجل طلق امرأته ثلاثا و ( 7 ) هو مريض : أن ورثها ( 8 ) ما دامت في عدتها فإذا انقضت العدة فلا ميراث لها . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) ابن العباس بن عبد المطلب
( 2 ) عبد الرحمن بن هرمز
( 3 ) من التوريث
( 4 ) قوله : نساء بن مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم اسمه عبد الله بن مكمل بن عوف بن الحارث ذكره الطبري وعمرو بن شبة في الصحابة واستدركه ابن فتحون وقال : أكثر ما يأتي في الروايات ابن مكمل غير مسمى وسماه بعضهم عبد الرحمن وهو وهم إنما عبد الرحمن ابنه ونشاء ابن مكمل اللاتي طلقهن كن ثلاثا كما رواه عبد الرزاق كذا في " شرح الزرقاني "
( 5 ) قال في " التقريب " هشيم بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن ابي حازم الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الحنفي مات سنة 183
( 6 ) قوله : عن شريح مصغرا ابن الحارث بن قيس القاضي أبو أمية الكندي الكوفي ويقال : شريح بن شرحبيل من ثقات المخضرمين استقضاه عمر على الكوفة ثم علي فمن بعده استعفى من القضاء قبل موته بسنة زمن الحجاج وعاش مائة وعشرين سنة ومات سنة 78 وقيل سنة 80 ، وثقه ابن معين وغيره كذا في " تذكرة الحفاظ " للذهبي
( 7 ) الواو حالية
( 8 ) أمرمن التوريث أي كتب إليه بأن ورث مطلقة الفار ما دامت في العدة

13 - ( باب المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها وهي حامل )

576 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري أن ابن عمر سئل ( 1 ) عن امرأة ( 2 ) يتوفى عنها زوجها ؟ قال : إذا وضعت ( 3 ) فقد حلت ( 4 ) قال رجل من الأنصار ( 5 ) كان عنده ( 6 ) : إن عمر بن الخطاب قال : لو وضعت ما في بطنها وهو على سريره ( 7 ) لم يدفن بعد حلت
قال محمد : وبهذا ( 8 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : سئل ... إلخ كذا رواه الشافعي أيضا في " مسنده " من طريق مالك وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه " من معمر عن أيوب عن نافع به وروى هو وابن شيبة عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم قال : سمعت رجلا من الأنصار يحدث ابن عمر يقول : سمعت أباك لو وضعت المتوفى عنها زوجها وهو على السرير حلت كذا ذكره الزيلعي
( 2 ) أي عن عدتها
( 3 ) ولو قبل أربعة أشهر وعشرا
( 4 ) أي خرجت من العدة
( 5 ) نقوية لما أفتى به ابن عمر
( 6 ) أي في مجلس ابن عمر
( 7 ) أي الميت على نعشه لم يكفن ولم يدفن
( 8 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن المتوفى عنها زوجا والمطلقة الحاملة تنقضي عدتها بوضع الحمل وروي عن علي وابن عباس أن المتوفى عناه الحاملة تنتظر آخر الأجلين من وضع الحمل وأربعة أشهر وعشرا وقال عبد الله بن مسعود : أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأراد بالقصرى سورة الطلاق التي فيها : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ( سورة الطلاق : الآية 4 ) نزلت بعد قوله تعالى في سورة البقرة : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ( سورة البقرة : الآية 234 ) فحمل على النسخ . كذا قال البغوي في " معالم التنزيل " ومن مستندات الجمهور ما روي أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية مات عنها زوجها فوضعت الحمل بعد خمسة وعشرين يوما من موته فأفتاها النبي صلى الله عليه و سلم بانقضاء عدتها كما ورد في رواية البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم وهو نص في الباب ولعله لم يبلغ من خالف ذلك وقد قال ابن عبد البر وغيره : إن هذا مما أجمع عليه جمهور العلماء من السلف والخلف إلا ما روي عن علي من وجه منقطع أن عدتها آخر الأجلين ونحوه جاء عن ابن عباس . لكن جاء عنه أيضا أنه رجع إلى حديث أم سلمة في قصة سبيعة ويصححه أن أصحابه عكرمة وعطاء وطاوس وغيرهم على أن عدتها الوضع

577 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : إذا وضعت ما في بطنها ( 1 ) حلت
قال محمد : وبهذا نأخذ في الطلاق ( 2 ) والموت جميعا تنقضي عدتها بالولادة . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) ولو كان سقطا تم بعض خلقته ( قال مالك في " المدونة " : ما ألقته المرأة من مضغة أو علقة أو شيء يستقين أنه ولد فإنه تنقضي به العدة وتكون به الأمة أم ولد . المنتقى للباجي 4 / 133 )
( 2 ) قوله : في الطلاق والموت جميعا هذا الحكم في الطلاق متفق عليه وفي الموت فيه خلاف غير معتد به كما مر

14 - ( باب ( 1 ) الإيلاء )
578 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن سعيد بن المسيب قال : إذا آلى الرجل من امرأته ثم فاء ( 2 ) قبل أن تمضي أربعة أشهر فهي امرأته لم يذهب من طلاقها شيء فإن مضت الأربعة ( 3 ) الأشهر قبل أن يفيء ( 4 ) فهي تطليقة وهو أملك ( 5 ) بالرجعة ما لم تنقض عدتها . قال ( 6 ) : وكان مروان يقضي بذلك
_________
( 1 ) قوله : باب الإيلاء قال عياض في " الإكمال " : الإيلاء الحلف وأصله الامتناع من الشيء يقال آلى يولي إيلاء وفي عرف الفقهاء : الحلف على ترك وطء الزوجة أربعة أشهر أو أكثر فلو قال : لا أقربك ولم يقل : والله لم يكن موليا وقد فسر ابن عباس قوله تعالى : ( للذين يولون من نسائهم ) بالقسم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وعبد بن حميد وفي مصحف أبي بن كعب ( للذين يقيمون ) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " عن حماد . ثم عند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي في الجديد : إذا حلف على ترك قربان زوجته أربعة أشهر يكون موليا واشترط مالك أن يكون مضرا بها أو يكون حالة الغضب فإن كان للإصلاح لم يكن موليا ووافقه أحمد . وأخرج نحوه عبد الرزاق عن علي وكذلك أخرج الطبري عن ابن عباس وعلي والحسن . وحجة من أطلق بإطلاق قوله تعالى : ( للذين يولون ) الآية . واتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه لو حلف أن لا يتقرب أقل من أربعة أشهر لا يكون موليا وكذلك أخرجه الطبري وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس قال : كان إيلاء الجاهلية السنة فالسنتين فوقت الله لهم أربعة أشهر وعشرا فمن كان إيلاؤه أقل فليس بإيلاء وقال جماعة - منهم الحسن وابن ابي ليلى وعطاء - إنه إن حلف أن يطأها على يوم فصاعدا ثم لم يطأها إنه يكون مليا . ثم في الإيلاء الشرعي إن جامع زوجته في أربعة أشهر فليس عليه إلا كفارة يمين وإن مضت أربعة اشهر ولم يفء الجماع ولا بلسان طلقت طلقة بائنة عن الحنفية وبه قال ابن مسعود . أخرجه الطبري عنه وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر وعطاء وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي : طلقة رجعية . وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن المولي إذا لم يفء ومضت أربعة أشهر لا يقع بمضي هذه المدة طلاق بل يوقف حتى يفيء أو يطلق . . وكذلك أخرجه ابن ابي شيبة وعبد الرزاق والشافعي عن عثمان وابن أبي شيبة عن علي والبخاري عن ابن عمر ؟ وسعيد بن منصور عن عائشة وابن أبي شيبة عن أبي الدرداء كذا ذكره بعض الأعلام في " شرح مسند الإمام "
( 2 ) قوله : فاء أي رجع عن يمينه بأن جامع في أثناء أربعة أشهر وهي مدة الإيلاء للحرة أو شهرين وهي مدة الإيلاء للأمة
( 3 ) أي في الحرة
( 4 ) أي يرجع عن يمينه بالوطء أو ما قام مقامه
( 5 ) أي زوجها أحق بالرجعة في العدة
( 6 ) قوله : قال : وكان أي قال سعيد بن المسيب : كان مروان بن الحكم يحكم بكونها رجعية كذا قال القاري . وفي " موطأ يحيى " : مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كان يقولان في الرجل يولي من امرأته : إنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة ولزوجها الرجعة ما دامت في العدة . مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها . قال مالك : وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب . انتهى

579 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر قال : أيما رجل آلى من امرأته فإذا ( 1 ) مضت الأربعة الأشهر وقف ( 2 ) حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليها طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف
قال محمد : بلغنا ( 2 ) عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أنهم قالوا : إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر قبل أن يفيء فقد بانت بتطليقة بائنة وهو خاطب ( 3 ) من الخطاب وكانوا ( 4 ) لا يرون أن يوقف بعد الأربعة . وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : { للذين يؤلون من نسائهم تربص ( 5 ) أربعة أشهر فإن فاؤوا ( 6 ) فإن الله غفور رحيم وإن عزموا ( 7 ) الطلاق فإن الله سميع عليم } ( 8 ) قال : الفيء الجماع في الأربعة الأشهر وعزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر فإذا مضت بانت بتطليقة ولا يوقف بعدها . وكان ( 9 ) عبد الله بن عباس أعلم ( 10 ) بتفسير القرآن من غيره . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) في نسخة : فإنه إذا
( 2 ) بصيغة المجهول : أي أمسك ( أي يحبس عند الحاكم فإما يطلق وإما يفيء أي يرجع عن اليمين ويكفر عن يمينه فإن امتنع طلق القاضي وهو المشهور عن مالك وبه قال الشافعي وعن مالك رواية : لا يطلق القاضي عنه بل يجبر على الجماع أو الطلاق ويعزر على ذلك إن امتنع كذا حكاه النووي عن عياض . أوجز المسالك 10 / 47 )
( 3 ) قوله : بلغنا عن عمر ... إلخ هذا البلاغ أسنده عبد الرزاق وابن جرير وابن ابي حاتم والبيهقي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس قالوا : الإيلاء طلقة بائنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أحق بنفسها وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : عزيمة الطلاق انقاضء أربعة أشهر . وأخرج عبد بن حميد عن أيوب قال : قلت لابن جرير : أكان ابن عباس يقول في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ؟ قال : نعم . وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسععود قال : إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة اشهر فهي تطليقة بائنة وتعتد بعد ذلك ثلاث قروء ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره فإذا انقضت عدتها خطبها زوجها وغيره . وأخرج عبد بن حميد عن علي في الإيلاء : إذا مضت أربعة اشهر فقد بانت منه بتطليقة ولا يخطبها هو ولاغيره إلا بعد العدة كذا أورده السيوطي في " الدر المنثور " وفيه آثار أخر مبسوطة تدل على أن المسألة مختلف فيها من عهد الصحابة إلى من بعدهم
( 4 ) أي إن شاء خطبها ونكحها بالعقد الجديد كغيره من الخطاب
( 5 ) أي الأصحاب المذكورون
( 6 ) أي انتظار
( 7 ) قوله : فإن فاؤوا ( سورة البقرة : الآية 227 ) أي بالجماع كذا أخرجه عبد بن حميد بن علي وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس وابن المنذر عن ابن مسعود . وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن مسعود قال : إذا حال بينه وبينها مرض أوسفر أو حبس أو شيء يعذر به فإشهاده فيء
( 8 ) أي قصدوا
( 9 ) أعاده لطول الفصل وفصلا بين كلامه وكلام الله عز و جل
( 10 ) قوله : وكان أشار به إلى ترجيح تفسير ابن عباس وفتواه على فتوى من أفتى بالوقف أو بالتطليقة الرجعية
( 11 ) قوله : أعلم ببركة دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : اللهم علمه القرآن وفقهه في الدين . ومن ثم صار حبر المفسرين ورأس المتبحرين

15 - ( باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا قبل ( 1 ) أن يدخل بها )
580 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد ( 2 ) بن إياس بن بكير قال : طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له ( 3 ) أن ينكحها فجاء يستفتي قال ( 4 ) : فذهبت معه فسأل أبا هريرة وابن عباس فقالا : لا ينكحها ( 5 ) حتى تنكح زوجا غيره فقال : إنما كان طلاقي إياها ( 6 ) واحدة . قال ابن عباس : أرسلت ( 7 ) من يدك ما كان لك من فضل
قال محمد : وبهذا ( 8 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا لأنه ( 9 ) طلقها ثلاثا جميعا فوقعن عليها جميعا معا ولو فرقهن وقعت الأولى خاصة لأنها بانت بها قبل أن يتكلم ولا عدة ( 10 ) عليها فتقع عليها الثانية والثالثة ما دامت في العدة
_________
( 1 ) قوله : قبل أن يدخل بها اختلف فيه
فقال أصحابنا : يقع الثلاث وهو قول أبي هريرة وعلي وعمر وابن عباس وجمهور العلماء
وقال الحسن وعطاء وجابر بن زيد : يقع واحدة لأنها تبين بقوله أنت طالق
ولنا أن الثلاث صفة للطلاق الذي أوقعه والموصوف لا يوجد بدون صفته كذا قال القاري
( 2 ) تابعي . ثقة ووهم من ذكره من الصحابة قاله الزرقاني
( 3 ) أي ظهر له وخطر بباله أن ينكحها
( 4 ) أي ابن بكير
( 5 ) بصيغة الغيبة أو الخطاب
( 6 ) أي لأنها كانت غير مدخولة
( 7 ) قوله : أرسلت من يدك أي كان لك ذلك لو اقتصرت على الواحدة والثنتين فإذا أرسلت الثلاثة جملة واحدة ما بقي لك شيء
( 8 ) قوله : وبهذا نأخذ لظاهر القرآن ولما مر من فتوى أبي هريرة وابن عباس
( 9 ) قوله : لأنه طلقها ثلاثا جميعا أي مجموعا لا متفرقا والوقوع فرع الإيقاع فإذا أوقع الثلاث دفعة وقع ولو فرقهن بأن قال : أنت طالق وطالق وطالق أو بالتكرير من غير عطف وقعت الأولى خاصة لأن الواو لمطلق العطف وليس في آخر الكلام ما يغير أوله من شرط أو استثناء . وقال مالك والشافعي في القديم والأوزاعي والليث بن سعد يطلق ثلاثا كذا قال القاري
( 10 ) يعني إن كانت له العدة كما للمدخولة تقع عليها الثانية والثالثة وإذ ليست فليست

16 - ( باب المرأة يطلقها زوجها فتتزوج ( 1 ) رجلا فيطلق ( 2 ) قبل
الدخول )
581 - أخبرنا مالك أخبرنا المسور ( 3 ) بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير : أن رفاعة بن سموال طلق ( 4 ) امرأته تميمة بنت وهب في عهد ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فأعرض ( 6 ) عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ( 7 ) ولم يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي طلقها فذكر ذلك ( 8 ) لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنهاه عن تزويجها وقال : لا تحل لك حتى تذوق ( 9 ) العسيلة
قال محمد : وبهذا ( 10 ) نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا لأن الثاني لم يجامعها فلا يحل أن ترجع إلى الأول حتى يجامعها الثاني
_________
( 1 ) في نسخة : " فتزوج "
( 2 ) أي الزوج الآخر
( 3 ) قوله : المسور بكسر الميم وإسكان المهملة وفتح الواو ابن رفاعة بكسر الراء ابن أبي مالك القرظي - بضم القاف وفتح الراء نسبة إلى بني قريظة المدني تابعي صغير مقبول له في " الموطأ " مرفوعا هذا الحديث الواحد وليس له رواية في الكتب الستة وثقه ابن حبان مات سنة 138 هـ . عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بن باطيا القرظي المدني والزاء في الاسمين مفتوحة والباء مكسورة عند سائر رواة الموطأ عن مالك إلا ابن بكير فإنه روي عنه ضم الزاء في الأول وفتحها في الثاني وقال ابن عبد البر : الصحيح فيهما الفتح أي عن مالك وقال ابن حجر في " الإصابة " : هو بضم الزاء بخلاف جده فإنه بفتحها وكسر الموحدة . أن رفاعة بن سموال بكسر السين وإسكان الميم القرظي الصحابي كذا أرسله أكثر الرواة عن مالك ووصله ابن وهب عن مالك وتابعه ابن القاسم وعلي بن زيادة وإبراهيم بن طهمان وعبيد الله بن عبد الحميد كلهم عن مالك عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بفتح التاء وقيل : بضمها وقيل : اسمها أميمة وقيل : سحيمة وقيل : عائشة بنت وهب القرظية الصحابية ولا أعلم لها غير هذه القصة فنكحها عبد الرحمن بن الزبير كان صحابيا وأبوه الزبير قتل يهوديا في غزوة بني قريظة كذا قال السيوطي والزرقاني
( 4 ) أي ثلاث تطليقات كما في رواية الصحيحين وغيرهما
( 5 ) أي في زمانه
( 6 ) أي لم يقدر على مجامعتها لعنة
( 7 ) أي طلقها قبل الدخول
( 8 ) قوله : فذكر ذلك الظاهر أنه معروف أي ذكر رفاعة ذلك ويحتمل أن يكون مجهولا أي فذكره ذاكر . وفي رواية للبخاري أن المرأة هي التي ذكرت وقالت إنما معه مثل الهدبة وأخذت بهدبة جلبابها شبهته بذلك لصغر ذكره أو استرخائه
( 9 ) قوله : تذوق العسيلة هو تصغير العسلة والمراد به الجماع وأفاد به أن مجرد النكاح الثاني لا يحلل بل يشترط معه وطء الزوج الثاني . وقد روى هذا الحديث الذي فيه قصة العسيلة البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي والشافعي وابن سعد والبزار والطبراني وأبو داود وغيرهم بألفاظ متقاربة بسطها السيوطي في " الدر المنثور "
( 10 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم بل قيل لم يخالف فيه أحد إلا سعيد بن المسيب حيث حكم بكفاية النكاح الثاني للتحليل من غير وطء أخذا بظاهر القرآن والأحاديث الواردة في اشتراطه حجة عليه

17 - ( باب المرأة تسافر قبل انقضاء عدتها )

582 - أخبرنا مالك حدثنا حميد بن قيس المكي الأعرج عن عمرو ( 1 ) بن شعيب عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء ( 2 ) يمنعهن الحج ( 3 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا لا ينبغي لامرأة أن تسافر في عدتها حتى تنقضي من طلاق كانت ( 4 ) أو موت
_________
( 1 ) قوله : عن عمرو بن شعيب هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي وكثيرا ما يأتي في كتب الحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . قال ابن القطان : إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يحتج به وقال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين مات سنة 118 ، كذا في " إسعاف السيوطي "
( 2 ) هو طرف ذي الحليفة قريب المدينة
( 3 ) في نسخة : من الحج
( 4 ) العدة ( قال الموفق : المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا إلى غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وبه قال ابن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو عبيدة وأصحاب الرأي والثوري وإن خرجت ومات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة وإن تباعدت مضت في سفرها . وقال مالك : ترد ما لم تحرم والصحيح إن البعيدة لا ترد لأنه يضر بها وعليها مشقة ولا بد لها من سفر ويحد القريب بما لا تقصر فيه الصلاة وهذا قول أبي حنيفة إلا أنه لا يرى القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام فقال : إذا كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام فعليها الرجوع إليه وإن كان فوق ذلك لزمها المضي إلى مقصدها . وقال الشافعي : إن فارقت البنيان فلها الخيار بين الرجوع والتمام . انظر أوجز المسالك 10 / 252 )

18 - ( باب ( 1 ) المتعة )
583 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن عبد الله ( 2 ) والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب جدهما : أنه ( 3 ) قال لابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن متعة النساء يوم خيبر ( 4 ) وعن أكل ( 5 ) لحوم الحمر الإنسية
_________
( 1 ) قوله : باب المتعة قال القاري : صورة نكاح المتعة أن يقول بحضرة الشهود : متعت نفسك بكذا وكذا ويذكر مدة من الزمان وقدرا من المال وذلك لا يصح لما روى مسلم عن إياس بن سلمة بن الأكوع قال : رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها . قال البيهقي : وعام أوطاس وعام الفتح واحد لأنه بعده بيسير . قال النووي : إنها أبيحت مرتين وحرمت مرتين فكانت حلالا قبل خيبر وحرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس وحرمت بعد ذلك بعد ثلاثة أيام مؤبدا إلى يوم القيامة
( 2 ) قوله : عن عبد الله هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني وثقه العجلي وابن سعد والنسائي مات سنة 98 هـ وأخوه الحسن كان من أفاضل أهل البيت وأعلم الناس بالاختلاف وثقه العجلي وقال الدارقطني : صحيح الحديث مات سنة 95 هـ وقيل : 101 هـ وأبوهما محمد المعروف بابن الحنفية وهي خولة من بني اليمامة زوجة علي رضي الله عنه وثقه العجلي وغيره ومات سنة 73 كذا في " إسعاف السيوطي "
( 3 ) قوله : أنه قال لابن عباس في رواية عبيد الله عن ابن شهاب بإسناده عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال : مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله نهى عنها
( 4 ) قوله : يوم خيبر هكذا اتفق مالك وسائر أصحاب الزهري وروى عبد الوهاب الثقفي عن يحيى القطان عن مالك في هذا الحديث . فقال : حنين . أخرجه النسائي والدارقطني وقالا : وهم فيه القطان وزعم ابن عبد البر : أن ذكر يوم خيبر غلط وقال السهيلي : إنه شيء لا يعرفه أحد من أهل السير وقال ابن عيينة إن تاريخ خيبر في حديث علي : إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الإنسية قال البيهقي : يشبه أنه كما قال وتعقب هذا كله بأنه بعد اتفاق أصحاب الزهري عنه على ذلك لا ينبغي أن يقال نحو ذلك وهم حفاظ ولهذا قال القاضي عياض : تحريمها يوم خيبر صحيح لا شك فيه كذا في شرح الزرقاني
( 5 ) قوله : وعن أكل لحوم الحمر بضمتين جمع حمار والإنسية رواه الأكثر بفتح الهمزة والنون وقيل : بكسر الهمزة وهو احتراز عن الوحشية وقد كان أكل الحمر الأهلية جائزا ثم نسخ قال كمال الدين الدميري محمد بن عيسى في كتابه " حياة الحيوان " : يحرم أكله عند أكثر أهل العلم وإنما رويت الرخصة عن ابن عباس وقال أحمد : كره أكله ستة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وادعى ابن عبد البر الإجماع الآن على تحريمه ولو بلغ ابن عباس أحاديث النهي الصريحة الصحيحة في تحريمه لما صار إلى غيره

584 - أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير : أن خولة ( 1 ) بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت : إن ربيعة ( 2 ) بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر فزعا ( 3 ) يجر رداءه فقال : هذه المتعة لو كنت تقدمت ( 4 ) فيها لرجمت
قال محمد : المتعة مكروهة ( 5 ) فلا ينبغي فقد ( 6 ) نهى ( 7 ) عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جاء في غير حديث ولا اثنين وقول عمر : لو كنت تقدمت فيها لرجمت إنما نضعه ( 8 ) من عمر على التهديد ( 9 ) وهذا ( 10 ) قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) يقال لها أم شريك السلمية الصحابية زوجة عثمان بن مظعون ذكره السيوطي
( 2 ) أسلم يوم الفتح وشهد حجة الوداع ثم إن عمر غربه في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال : لا أغرب بعده أبدا ( وفي أوجز المسالك : لا أغرب بعده أحدا أبدا 4 / 307 ط . الهند ) كما ذكره ابن حجر في " الإصابة "
( 3 ) أي خائفا بالجملة
( 4 ) أي لو تقدمت فيها بالنهي والحكم العام ثم فعله أحد بعد ذلك لرجمته
( 5 ) قوله : مكروهة أي محرمة فإن عند محمد كل مكروه حرام
( 6 ) وفي نسخة : وقد
( 7 ) قوله : فقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما جاء في غير حديث ولا اثنين أي جاء نهيه في أحاديث كثيرة : فعن سبرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو قائم بين الركن والباب أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة أخرجه أحمد ومسلم . وعن مسلمة بن الأكوع : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى بعده . أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم . وأخرج البيهقي عن علي : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتعة وإنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث نسخ . وعن أبي ذر : إنما أحلت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أيام ثم نهى عنها أخرجه البيهقي . وأخرج الطبراني في الأوسط عن سالم بن عبد الله قال : قيل لعبد الله بن عمر : إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال : سبحان الله ؟ ما أظنه يفعل هذا قالوا : إنه يأمر به قال : وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتعة وما كنا مسافحين . وعن عمر أنه خطب حين استخلف فقال : إن رسول الله أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم نهى عنه أخرجه ابن المنذر والبيهقي . وفي الباب أخبار وآثار كثيرة مبسوطة في " الدر المنثور " وغيره ( انظر مجمع الزوائد للهيثمي 4 / 264 ) ويعلم من مجموعها أن المتعة أحلت مرات وحرمت مرات ثم دام التحريم من زمن فتح مكة
( 8 ) أي نحمله على أنه قال ذلك زجرا لا أنه يرجم فاعلها لأن الحدود تدرأ بالشبهات
( 9 ) ليرتدع الناس عن ذلك
( 10 ) قوله : وهذا قول أبي حنيفة وبه قال مالك والشافعي وأحمد والليث والأوزاعي وغيرهم من فقهاء الأمصار وما نقل في " الهداية " عن مالك أنه أجاز ذلك فهو سهو تعقبه عليه شراحها وقال الخطابي في " المعالم " : كان ذلك مباحا في صدر الإسلام ثم حرم ولم يبق فيه خلاف لأحد إلا بعض الروافض وكان ابن عباس يجوزه للمضطر ثم أمسك عنه كذا في " البناية " . ونسب ابن حزم إلى جابر وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وأبي سعيد الخدري وغيرهم الحكم بتحليلها وتعقب بأنه لم يصح عنهم ذلك والمشهور عن ابن عباس هو الحل لكن ثبت أنه رجع عنه والقول الفيصل أن من أفتى بحله لم تبلغه أحاديث النهي فهو معذور في ذلك ولا اعتداد بقول أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه و سلم وقصة إنكار علي وابن عمر وابن الزبير على ابن عباس مشهورة مروية في كتب الأئمة ( انظر المنتقى للباجي 3 / 334 ، وأوجز المسالك 9 / 401 )

19 - ( باب الرجل تكون عند امرأتان فيؤثر ( 1 ) إحداهما على الأخرى )
585 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن رافع ( 2 ) بن خديج ( 3 ) : أنه تزوج ابنة ( 4 ) محمد بن سلمة فكانت تحته فتزوج عليها امرأة شابة فآثر ( 5 ) الشابة عليها فناشدته ( 6 ) الطلاق فطلقها واحدة ثم أمهلها ( 7 ) حتى إذا كادت ( 8 ) تحل ارتجعها ثم عاد فآثر ( 9 ) الشابة فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم أمهلها حتى كادت أن تحل ارتجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فقال : ما شئت ( 10 ) إنما بقيت واحدة فإن شئت استقررت ( 11 ) على ما ترين من الأثرة ( 12 ) وإن شئت طلقتك قالت : بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك ولم ير رافع أن عليه في ذلك إثما حين رضيت أن تستقر على الأثرة
قال محمد : لا بأس بذلك إذا رضيت به المرأة ولها أن ترجع ( 13 ) عنه إذا بدا لها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) من الإيثار بمعنى الاختيار أي يفضلها ويحبها
( 2 ) صحابي مشهور شهد أحدا وما بعدها مات في أول سنة 74 ، ذكره السيوطي
( 3 ) بفتح الخاء
( 4 ) قوله : ابنة محمد بن سلمة كذا في نسختين ولعله محمد بن مسلمة كما في نسختين وهو معدود في الصحابة مات سنة 46 أو سنة 47 أو غير ذلك ذكره في " أسد الغابة "
( 5 ) أي اختار ( آثر : بالمد والفتح اختار ومال بنفسه إليها وذكر الباجي : أن الإيثار على أربعة أضرب :
أحدها : الإيثار بمعنى المحبة لأحدهما فهذا لا يملك أحد دفعه ولا الامتناع عنه
والثاني : إيثار إحداهما في سعة الإنفاق والكسوة وسعة المسكن ولكن ذلك بحسب ما تستحقه كل واحدة منهما نفقة مثلها ومؤونة مثلها ومسكن مثلها على قدر شرفها وجمالها وشبابها وسماحتها فهذا الإيثار واجب ليس للأخرى الاعتراض فيه ولا للزوج الامتناع منه ولو امتنع لحكم به عليه
الثالث : من الإيثار أن يعطي كل واحدة منهما من النفقة والكسوة ما يجب لها ثم يؤثر إحداهما بأن يكسوها الخز والحرير والحلي ففي " العتبية " من رواية ابن القاسم عن مالك أن ذلك له فهذا الضرب من الإيثار ليس لمن وفيت حقها أن تمنع الزيادة لضرتها ولا يجبر عليه الزوج وإنما له فعله إذا شاء
الرابع : أن يؤثر إحداهما بنفسه مثل أن يبيت عند إحداهما أكثر ويجامعها ويجلس عندها في يوم الأخرى أو ينقص إحداهما من نفقة مثلها ويزيد الأخرى أو يجري عليها ما يجب لها فهذا الضرب من الإيثار لا يحل للزوج فعله إلا بإذن المؤثر لها فإن فعله كان لها الاعتراض فيه والاستعداء عليه . انظر المنتقى 3 / 353 ، والأوجز 9 / 460 ) الشابة في الاستمتاع
( 6 ) أي طلبته منه بالمبالغة
( 7 ) أي تركها منتظرا قرب العدة
( 8 ) أي قاربت أن تخرج من العدة
( 9 ) بيان للعود
( 10 ) أي أنت مخيرة في أمرك
( 11 ) أي أقمت عندنا على ما ترينه من اختياري للشابة
( 12 ) بفتح الهمزة والثاء وبالكسر والسكون : بمعنى الاختيار
( 13 ) أي عن الرضاء إلى طلب حقها إذا ظهر له ذلك

20 - ( باب ( 1 ) اللعان )
586 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 2 ) نافع عن ابن عمر : أن رجلا ( 3 ) لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتفى ( 4 ) من ولدها ففرق ( 5 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما وألحق ( 6 ) الولد بالمرأة
قال محمد : وبهذا نأخذ . إذا نفى الرجل ولد امرأته ولاعن فرق بينهما ولزم الولد ( 7 ) أمه . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى
_________
( 1 ) قوله : باب اللعان بالكسر من اللعن وهو الطرد والإبعاد وفي الشرع عبارة عن كلمات معروفة حجة للمضطر إلى قذف زوجته بالزنا . سمي به لاشتماله على اللعن . واختير هذا اللفظ على لفظ الشهادة والغضب مع اشتماله ( في الأصل : " اشتمالها " وهو خطأ ) عليهما أيضا لأن اللعن واقع في جانب الرجل والغضب في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى وأقدم واللعن بالنسبة إلى الشهادة لفظ زاجر فاختص به
( 2 ) قوله : أخبرنا نافع هكذا أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن من طريق مالك وتابعه عبيد الله بن عمر عن نافع في الصحيحين وغيرهما وتابعه في شيخه نافع سعيد بن جبير عن ابن عمر عند الشيخين وغيرهما بنحوه كذا قال الزرقاني
( 3 ) قوله : أن رجلا هو عويمر العجلاني وزوجته خولة بنت قيس العجلانية كما ذكره الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " وقد وقع اللعان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم من صحابيين : أحدهما عويمر بن أبيض - وقيل ابن الحارث - الأنصاري العجلاني رمى زوجته بشريك بن سحماء فتلاعنا وكان ذلك سنة تسع من الهجرة . وثانيهما : بلال بن أمية بن عامر الأنصاري وخبرهما مروي في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما
( 4 ) أي أنكر الرجل انتساب الولد إليه
( 5 ) قوله : ففرق قال القاري : فيه تنبيه على أن التفرقة بينهما لا تكون إلا بتفريق القاضي والحاكم وقال زفر : تقع الفرقة بنفس تلاعنهما وهو المشهور من مذهب مالك والمروي عن أحمد ( وقال الشافعي : تقع الفرقة بلعان الزوج . الكوكب الدري 2 / 275 )
( 6 ) قوله : وألحق الولد بالمرأة أي في النسب والوراثة فيرث ولد الملاعنة منها وترث منه ولا وراثة بين الملاعن وبينه وبه قال جمهور العلماء . وفي حديث مكحول قال : جعل النبي صلى الله عليه و سلم ميراث ولد الملاعنة لأمه ولورثتها من بعده وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن واصلة مرفوعا : تحرز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت فيه
( 7 ) فيكون نسبه منها لا منه

21 - ( باب متعة ( 1 ) الطلاق )
587 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر قال : لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمس فحسبها ( 2 ) نصف ما فرض لها
قال محمد : وبهذا نأخذ ( 3 ) . وليست ( 4 ) المتعة التي يجبر عليها صاحبها إلا متعة واحدة هي متعة الذي يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ولم يفرض ( 5 ) لها فهذه لها المتعة واجبة يؤخذ بها في القضاء وأدنى ( 6 ) المتعة لباسها في بيتها : الدرع ( 7 ) والملحفة والخمار . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله
_________
( 1 ) هي ما تعطى المرأة عند الطلاق تتمتع بها حالا
( 2 ) أي كافيها نصف مهرها
( 3 ) أي بل هي مستحبة جبرا لإيحاش المرأة بالطلاق
( 4 ) قوله : وليست المتعة ... إلى آخره المطلقة لا يخلو إما أن تكون مدخولة أو غير مدخولة وعلى كل تقدير لا يخلو من أن يكون المهر مسمى في العقد أو لم يكن مسمى فإن كانت غير مدخولة والمهر غير مسمى وجبت المتعة عندنا لقوله تعالى : { ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فرضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } ( سورة البقرة : الآية 236 ) . فإن ظاهر الأمر للوجوب وبه قال ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي في رواية وعنه أنه يجب نصف مهر المثل . وقال مالك والليث وابن أبي ليلى : ليست بواجبة بل مستحبة . وإن كانت غير مدخولة والمهر مسمى فلا متعة لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ( سورة البقرة : الآية 237 ) وفي الصورتين الباقيتين تستحب المتعة . وعند الشافعي تجب المتعة لكل مطلقة إلا لغير المدخولة والمهر غير مسمى وقال مالك : إنها مستحبة في الجميع كذا في " البناية " وغيرها
( 5 ) أي لم يعين لها مهرا عند العقد
( 6 ) قوله : وأدنى المتعة ( قال الموفق : إن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه لأصحاب الشافعي والوجه الآخر قالوا : معتبرة بحال الزوجة ... ثم اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها خادم هذا إذا كان موسرا وإن كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك
قال الثوري : والأوزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا : درع وخمار وملحفة والرواية الثانية يرجع إلى تقدير الحاكم وهو أحد قولي الشافعي انظر أوجز المسالك 10 / 161 ) التقدير بثلاثة أثواب مروي عن عائشة وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي وهي درع وملحفة وخمار فالدرع بالكسر هو القميص والخمار ما تغطي به رأسها والملحفة - بكسر الميم - الملاءة تلتحف به المرأة وقال في " المغني " : أعلاها خادم يروى ذلك عن ابن عباس وأدناها كسوة تجوز فيها الصلاة فإن كان فقيرا يمتعها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه كذا في " البناية "
( 7 ) بيراهن زن ( بالفارسية )

22 - ( باب ما يكره للمرأة من الزينة في العدة )

588 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن صفية ( 1 ) بنت أبي عبيد اشتكت عينيها وهي حاد ( 2 ) على عبد الله ( 3 ) بعد وفاته فلم تكتحل حتى كادت عيناها أن ترمصا ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا ينبغي أن تكتحل بكحل الزينة ولا تدهن ( 5 ) ولا تتطيب فأما ( 6 ) الذرور ونحوه فلا بأس به لأن هذا ليس بزينة . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) زوجة عبد الله بن عمر رضي الله عنه
( 2 ) قوله : وهي حاد ( حاد : بغير هاء لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر كطالق وحائض . شرح الزرقاني 3 / 235 ) يقال حد يحد حدادا وحداد المرأة ترك الزينة بعد وفاة زوجها
( 3 ) قوله : على عبد الله قال الزرقاني : لا منافاة بينه وبين ما في الصحيحين أن ابن عمر رجع من الحج فقيل له : إن صفية في السياق فأسرع السير وجمع جمع تأخير وكان ذلك في إمارة ابن الزبير لأنها عوفيت ثم مات زوجها في حياتها كما ههنا
( 4 ) قوله : أن ترمصا بفتح الميم وبصاد مهملة من الرمص وهو الوسخ الذي يجمد في موق العين
( 5 ) لأن الدهن لا يخلو عن نوع طيب
( 6 ) قوله : فأما الذرور بضم الذال المعجمة هو ما يذر في العين ونحوه للدواء فلا بأس به قاله القاري

589 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن حفصة أو عائشة أو عنهما ( 1 ) جميعا : أن ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج
قال محمد : وبهذا نأخذ . ينبغي ( 3 ) للمرأة أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ولا تتطيب ( 4 ) ولا تدهن لزينة ولا تكتحل لزينة حتى تنقضي عدتها وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أو عنهما عند يحيى : عن حفصة وعائشة وكذا لأبي مصعب ولابن بكير والقعنبي وآخرين عن عائشة أو حفصة على الشك كذا في " التنوير "
( 2 ) قوله : أن رسول الله قال لا يحل لامرأة ... إلخ هذا الحديث روي من رواية جماعة . فأخرج الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية مرفوعا : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار . وأخرج الجماعة إلا ابن ماجه عن أم حبيبة أنه لما توفي أبوها أبو سفيان دعت بالطيب ثم مست بعارضيها ثم قالت : والله ما لي بالطيب حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد ... الحديث وأخرجه مسلم من حديث حفصة وعائشة وزينب كما بسطه الزيلعي وغيره
( 3 ) قوله : ينبغي أي يجب فإن الإحداد على المعتدة سواء كانت مطلقة مبتوتة بالطلاق الواحد البائن أو الثلاث وكذا المختلعة فإن الخلع طلاق بائن أو كانت توفي عنها زوجها . ووافقنا في الثانية الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال الشعبي والحسن والحكم بن عيينة بعدم الوجوب ووافقنا في الأولى الشافعي ( قال الحافظ : الأصح عند الشافعية أن لا إحداد على المطلقة أما الرجعية فالإحداد عليها إجماعا وإنما الاختلاف في البائن فقال الجمهور : لا إحداد عليها وقالت الحنفية : عليها الإحداد وبه قال بعض الشافعية والمالكية والمطلقة قبل الدخول لا إحداد عليها اتفاقا . انظر فتح الباري 9 / 486 ) في رواية وأحمد في رواية وخالفا في رواية أخرى كذا ذكره العيني في " البناية "
( 4 ) بيان لما ينبغي في الحداد

23 - ( باب ( 1 ) المرأة تنتقل من منزلها قبل انقضاء عدتها من موت أو
طلاق )
590 - أخبرنا مالك أخبرني ( 2 ) يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى ( 3 ) بن سعيد بن العاص طلق بنت ( 4 ) عبد الرحمن ( 5 ) بن الحكم البتة فانتقلها ( 6 ) عبد الرحمن فأرسلت عائشة ( 7 ) إلى مروان ( 8 ) وهو أمير المدينة : اتق الله واردد المرأة إلى بيتها ( 9 ) فقال مروان في حديث سليمان : إن عبد الرحمن ( 10 ) غلبني ( 11 ) وقال في حديث القاسم : أوما بلغك ( 12 ) شأن فاطمة بنت قيس ؟ قالت عائشة : لا يضرك ( 13 ) أن لا تذكر حديث فاطمة قال مروان : إن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر
قال محمد : وبهذا ( 14 ) نأخذ . لا ينبغي للمرأة أن تنتقل من منزلها الذي طلقها فيه زوجها طلاقا بائنا ( 15 ) أو غيره أو مات عنها فيه حتى تنقضي عدتها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : باب المرأة ... إلخ اختلف العلماء في هذا الباب فذهب عمر بن الخطاب من الصحابة وآخرون وبه قال أصحابنا للمطلقة المبتوتة النفقة والسكنى في العدة وإن لم تكن حاملا أما النفقة للحامل فلقوله تعالى : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ( سورة الطلاق : الآية 6 ) . وأما غير الحامل فالسكنى لقوله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } ( سورة الطلاق : الآية 6 ) والنفقة لأنها محبوسة عليه وقال ابن عباس وأحمد : لا نفقة لها ولا سكنى وحجتهم حديث فاطمة بنت قيس . وقال مالك والشافعي وغيرهما : يجب السكنى للآية دون النفقة لحديث فاطمة . وأما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها بالإجماع والأصح وجوب السكنى وأما المطلقة الرجعية فيجب لها النفقة والسكنى ( انظر : أوجز المسالك 10 / 184 ) كذا ذكره النووي في " شرح صحيح مسلم "
( 2 ) في نسخة : أخبرنا
( 3 ) قال الزرقاني : تابعي ثقة مات في حدود سنة 80 هـ
( 4 ) قال ابن حجر في " مقدمة الفتح " : أظنها عمرة
( 5 ) هو أخو مروان بن الحكم بن العاص
( 6 ) أي نقلها أبوها إلى مكانه
( 7 ) أم المؤمنين
( 8 ) وهو عم المرأة المطلقة
( 9 ) أي لتعتد فيه
( 10 ) هذا مقول قول مروان في رواية سليمان بن يسار
( 11 ) أي لم أقدر على منعها
( 12 ) هذا قول مروان في رواية القاسم قوله : أوما بلغك شأن فاطمة ؟ هي بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس كانت من المهاجرات وزوجها أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن المغيرة القرشي المخزومي قيل : اسمه عبد المجيد وقيل : أحمد وقيل : اسمه كنيته وكان خرج مع علي بن أبي طالب لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن فبعث من هناك بتطليقة لفاطمة وكانت آخر تطليقاته ثم خطبها معاوية وأبو جهم وحذيفة فاستشارت النبي صلى الله عليه و سلم فأشار عليها بأسامة بن زيد فتزوجت به كذا ذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " . وأشار مروان بشأن فاطمة إلى ما روي عنها أنها قالت : طلقني زوجي ثلاثا فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة وأمرني أن أعتد في بيت ابن مكتوم أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني وغيرهم مطولا ومختصرا . فإن خبرها هذا يدل على أن السكنى والنفقة ليستا بواجبتين إلا للمطلقة الرجعية لا للمطلقة البائنة بل ورد صريحا في بعض طرق حديثها عند الطبراني : فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : اسمعي يا بنت قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة لها ولا سكنى . وهذه الزيادة إن ثبتت كانت أيضا في الباب لكنها لم تثبت كما بسطه الزيلعي وغيره
( 13 ) قوله : لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة لأنه لا حجة فيه لأنه كان لعلة . وفي البخاري : عابت عائشة على فاطمة بنت قيس أشد العيب وقالت : إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه و سلم في الانتقال . ولأبي داود عن سليمان بن يسار : إنما كان ذلك من سوء الخلق فقال مروان لعائشة : إن كان بك الشر أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر فحسبك أي يكفيك في جواز انتقال عمرة ما بين هذين أي عمرة ويحيى بن سعيد من الشر المجوز للانتقال كذا في " شرح الزرقاني "
( 14 ) قوله : وبهذا نأخذ وبه قال جمع من الصحابة وروي ذلك مرفوعا أيضا بسند ضعيف . فعن ابن مسعود وعمر قالا : المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة أخرجه الطبراني في معجمه عن علي بن عبد العزيز نا حجاج نا أبو عوانة عن سليمان عن إبراهيم عنهما . وعن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة أخرجه الدارقطني في " سننه " عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر . قال عبد الحق في " أحكامه " : حرب لا يحتج به ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه والأشبه وقفه على جابر . وأخرج الترمذي عن عمر ( وقد أنكر عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ينكر عليه منكر . بذلك المجهود 11 / 33 ) أنه كان يجعل لها النفقة والسكنى كذا في " نصب الراية " وقد مر بعض ما يتعلق بهذا المبحث سابقا
( 15 ) واحدا كان أو أكثر

591 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابنة ( 1 ) سعيد بن زيد بن نفيل طلقت البتة فانتقلت ( 2 ) فأنكر ذلك عليها ابن عمر
_________
( 1 ) قوله : أن ابنة سعيد هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - بضم النون - العدوي أحد العشرة المبشرة وكانت تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي لقبه المطرف بسكون الطاء وفتح الراء كذا في الزرقاني
( 2 ) من بيت طلقت فيه

592 - أخبرنا مالك أخبرنا سعد ( 1 ) بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة أن الفريعة ( 2 ) بنت مالك بن سنان ( 3 ) وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرته ( 4 ) : أنها أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ( 5 ) فإن زوجي خرج في طلب أعبد ( 6 ) له أبقوا ( 7 ) حتى إذا كان بطرف ( 8 ) القدوم ( 9 ) أدركهم فقتلوه فقالت : ( 10 ) فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأذن لي أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة ( 11 ) فقال : نعم . فخرجت ( 12 ) حتى إذا كنت بالحجرة دعاني أو ( 13 ) أمر من دعاني فدعيت ( 14 ) له فقال : كيف قلت ؟ فرددت ( 15 ) عليه القصة التي ذكرت له فقال : امكثي ( 16 ) في بيتك حتى ( 17 ) يبلغ الكتاب ( 18 ) أجله قالت : فاعتددت ( 19 ) فيه أربعة أشهر وعشرا قالت : فلما كان أمر عثمان ( 20 ) أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته بذلك فاتبعه وقضى به ( 21 )
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا سعد قال السيوطي في " الإسعاف " : وسعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة القضاعي المدني حليف الأنصار وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما ومات بعد سنة 140 ، وعمتها زينب بنت كعب زوجة أبي سعيد الخدري وثقها ابن حبان . انتهى . وفي " موطأ يحيى " مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته ... إلخ قال ابن عبد البر : عند أكثر الرواة سعد بسكون العين وهو الأشهر وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة قال الترمذي حسن صحيح وأحمد وإسحاق بن راهوية وأبو داود الطيالسي والشافعي وأبو يعلى وأخرجه الحاكم من طريق سعد بن إسحاق المذكور ومن طريق إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب وقال : هذا الحديث صحيح الإسناد من الوجهين جميعا ولم يخرجاه وقال محمد بن يحيى الذهلي : هو حديث صحيح محفوظ وهما اثنان سعد بن إسحاق وهو أشهرهما وإسحاق بن سعد وقد : روى عنهما جميعا يحيى بن سعيد الأنصاري فارتفعت عنهما الجهالة . انتهى . كذا في " نصب الراية " . وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " أعله عبد الحق في أحكامه تبعا لابن حزم بجهالة حال زينب وبأن سعد بن إسحاق غير مشهور بالعدالة وتعقبه ابن القطان بأن سعدا وثقه النسائي وابن حبان وزينب وثقها الترمذي قلت : وذكرها ابن فتحون وابن الأثير في الصحابة . وقد روى عن زينب غير سعد ففي مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب وكانت تحت أبي سعيد عن أبي سعيد حديث في فضل علي رضي الله عنه . انتهى
( 2 ) بضم الفاء وفتح الراء سماها بعض الرواة عند النسائي الفارعة وعند الطحاوي الفرعة
قوله : أن الفريعة قال ابن عبد البر في " الاستيعاب " : فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري يقال لها الفارعة شهدت بيعة الرضوان وأمها حبيبة بنت عبد الله بن سلول روت حديثها زينب بنت كعب بن عجرة في سكنى المتوفى عنها زوجها استعمله أكثر فقهاء الأمصار
( 3 ) بكسر السين
( 4 ) قوله : أخبرته كذا في عدة نسخ من هذا الكتاب قال القاري : أي أخاها . انتهى . وليس بظاهر فإن هذه القصة روتها زينب عن الفريعة لا عن أبي سعيد والظاهر ما في " الموطأ " ليحيى : أخبرتها أي زينب
( 5 ) بالضم قبيلة
( 6 ) بفتح الهمزة فسكون فضم : جمع العبد
( 7 ) بفتح الموحدة أي هربوا
( 8 ) بطريق
( 9 ) قال ابن الأثير : بالفتح والتشديد : موضع على ستة أميال من المدينة
( 10 ) الفريعة
( 11 ) أي ولا في نفقة
( 12 ) أي بعد قوله عليه السلام : نعم
( 13 ) شك من الفريعة
( 14 ) أي نوديت وطلبت عنده
( 15 ) أي أعدت عليه ما قلته سابقا
( 16 ) أي اسكني
( 17 ) قوله : حتى يبلغ الكتاب أجله أي حتى تنقضي العدة وهو اقتباس عن قوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ( سورة البقرة : الآية 235 ) ونظائر الاقتباس في الأخبار كثيرة ولا عبرة لقول من كرهه كما بسطه السيوطي في الإتقان في علوم القرآن
( 18 ) يعني المكتوبة أي العدة
( 19 ) قوله : فاعتددت ... إلخ قال البغوي : من قال بوجوب السكنى قال : إن أمره صلى الله عليه و سلم لفريعة أولى بالرجوع إلى أهلها صار منسوخا بقوله آخرا : امكثي في بيتك ومن لم يوجب السكنى قال : أمرها بالمكث استحبابا لا وجوبا . انتهى . ولا يخفى أن سياق القصة يقتضي أن الأمر للوجوب . وأما ما أخرجه الدارقطني عن محبوب عن أبي مالك النخعي عن عطاء عن علي أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت فقال الدارقطني فيه : لم يسنده غير أبي مالك وهو ضعيف وقال ابن القطان : ومحبوب بن محرر أيضا ضعيف وعطاء مخلط وأبو مالك أضعفهم ذكره الزيلعي
( 20 ) أي زمان خلافته
( 21 ) أي حكم به عثمان

593 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن ابن المسيب : أنه سئل عن المرأة يطلقها زوجها وهي في بيت بكراء على من الكراء ( 1 ) ؟ قال : على زوجها قالوا : فإن لم يكن عند زوجها ؟ قال : فعليها ( 2 ) قالوا : فإن لم يكن عندها ؟ قال : فعلى الأمير ( 3 )
_________
( 1 ) أي على من يجب عليه كراء البيت
( 2 ) أي فعلى المرأة
( 3 ) أي من بيت المال

594 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن ابن عمر طلق امرأته في مسكن حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم وكان طريقه ( 1 ) في حجرتها فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار ( 2 ) البيوت إلى المسجد كراهة أن يستأذن عليها ( 3 ) حتى راجعها ( 4 )
قال محمد : وبهذا نأخذ لا ينبغي ( 5 ) للمرأة أن تنتقل من منزلها الذي طلقها فيه زوجها إن كان الطلاق بائنا أو غير بائن أو مات عنها فيه حتى تنقضي عدتها . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي طريق ابن عمر إلى المسجد كان من حجرة حفصة
( 2 ) بالفتح جمع دبر - بضمتين - أي من خلف البيت
( 3 ) فيه الموافقة للباب فإنه يدل على أن المطلقة اعتدت في بيت حفصة
( 4 ) دل هذا على أن طلاقه كان رجعيا
( 5 ) قوله : لا ينبغي للمرأة ... إلخ وأما حديث فاطمة بنت قيس أنه طلقها زوجها ثلاثا فلم يفرض لها رسول الله صلى الله عليه و سلم النفقة والسكنى فقد أنكر عليها ذلك الخبر جمع من الصحابة فلم يبق مما يعتمد عليه حق الاعتماد . وقال بعضهم : إن ذلك كان لعذر وسبب خاص كان بفاطمة لا عام فأخرج أبو مسلم عن أبي إسحاق قال : حدث الشعبي بحديث فاطمة فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به فقال : ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر : لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أنها حفظت أم نسيت وزاد الترمذي فيه : وكان عمر يجعل لها النفقة والسكنى وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت : ما لفاطمة خير أن تذكر هذا يعني قوله لا سكنى ولا نفقة وفي لفظ البخاري : قالت : ما لفاطمة ألا تتقي الله ؟ وفي لفظ : أن عروة بن الزبير قال : ألم تسمعي من قول فاطمة ؟ فقالت عائشة : ليس لها خير وعند النسائي من طريق ميمون ابن مهران قال : قدمت المدينة فقلت لسعيد بن المسيب : إن فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها ؟ فقال : إنها كانت لسنة . ولأبي داود من طريق سليمان بن يسار : أن ذلك كان لسوء الخلق . وله أيضا عن هشام عن أبيه : أن فاطمة عابت عليها عائشة أشد العيب وقالت : إنها كانت في مكان وحش فخيف عليها ناحيتها . فلذلك رخص لها النبي صلى الله عليه و سلم . وأما قول ابن حزم : إن الراوي أبو الزناد عن هشام ضعيف جدا فقد تعقب فيه بأن من طعن فيه لم يذكر ما يدل على ترك روايته وقد جزم يحيى بن معين بأنه أثبت الناس في هشام بن عروة . وقد رد عليها زوجها أسامة بن زيد أيضا وهو الذي تزوجت به باستشارة رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا في " شرح مسند الإمام " و " فتح الباري " وغيرهما

24 - ( باب عدة أم ( 1 ) الولد )
595 - أخبرنا مالك حدثنا نافع عن ابن عمر : أنه كان يقول : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة ( 2 )
_________
( 1 ) هي الجارية التي ولدت من سيدها فإنها بعد وفاة سيدها تصير حرة
( 2 ) قوله : حيضة أي واحدة وبه قال الشافعي ومالك إلا أنها إذا لم تحض فشهر عند الشافعي وأشهر عند مالك وبه قال أحمد . وقال أصحابنا : عدتها عدة حرة وبه قال علي وابن سيرين وعطاء أخرجه الحاكم كذا قال القاري . ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد قال : سمعت القاسم وذكر له أن عبد الملك بن مروان فرق بين نساء ورجالهن ( أي ماتوا عنهن فعتقن لذلك . كذا في " الأوجز " : 10 / 257 ) - كن أمهات أولاد نكحن بعد حيضة أو حيضتين - حتى تعتدن أربعة أشهر وعشرا فقال : سبحان الله إن الله يقول في كتابه : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } ( سورة البقرة : الآية 240 ) أتراهن من الأزواج ( فكيف يعتدون عدة الأزواج قال الباجي : وقول القاسم : يقول الله في كتاب ... إلخ . إنما يصح أن يحتج به على من يوجب ذلك من الآية ويتعلق بعمومها فيصح من القاسم أن يمنعه من ذلك ويقول : إن اسم الأزواج لا يتناول أمهات الأولاد وإنما يتناول الزوجات . وأما من لم يتعلق بذلك فلا يصح أن يحتج عليه بما قال القاسم لجواز أن يثبت هذا الحكم لهن من غير الآية بقياس أو غير ذلك من أنواع الأدلة ويحتمل أن يكون القاسم يتعلق بدليل الخطاب من الآية . المنتقى 4 / 140 ) . ويؤيد الثاني ما أخرجه ابن أبي شيبة نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن العاص أمر أم ولد أعتقت أن تعتد بثلاث حيض وكتب إلى عمر فكتب إليه بحسن رأيه . وأخرج أيضا عن علي وعبد الله قالا : ثلاث حيض إذا مات عنها يعني أم الولد . وروى ابن حبان في صحيحه عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا . وأخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال : على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهمها كذا ذكره الزيلعي

596 - أخبرنا مالك أخبرني ( 1 ) الحسن بن عمارة ( 2 ) عن الحكم بن عيينة ( 3 ) عن يحيى ( 4 ) بن الجزار عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : عدة أم الولد ثلاث حيض
_________
( 1 ) في نسخة : أخبرنا
( 2 ) بضم العين وتخفيف الميم
( 3 ) هكذا في النسخ والصحيح : عتيبة
( 4 ) قوله : عن يحيى بن الجزار بفتح الجيم وتشديد الزاي المعجمعة بعد الألف وراء مهملة قال في " التقريب " و " الكاشف " : يحيى بن الجزار العرني - بضم المهملة وفتح الراء ثم نون - الكوفي قيل اسم أبيه زبان - بزاي وموحدة - روى عن علي وعائشة وعنه الحكم والحسن العرني ثقة صدوق رمي بالغلو في التشيع

597 - أخبرنا مالك عن ثور ( 1 ) بن يزيد عن رجاء ( 2 ) بن حيوة أن عمرو بن العاص سئل عن عدة أم الولد ؟ فقال : لا تلبسوا ( 3 ) علينا في ديننا إن تك ( 4 ) أمة فإن عدتها عدة حرة ( 5 )
قال محمد : وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عن ثور بن يزيد بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو ابن زياد الكلاعي ويقال الرجبي أبو خالد الحمصي روى عن مكحول ورجاء بن حيوة وعطاء وعكرمة وغيرهم . وعنه السفيانان ومالك وغيرهم وثقه ابن سعد وأحمد ابن صالح ودحيم ويحيى بن سعيد ووكيع وغيرهم مات سنة 55 ، كذا في " تهذيب التهذيب "
( 2 ) قوله : عن رجاء بالفتح قال في " التقريب " : رجاء بن حيوة - بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو - الكندي الفلسطيني ثقة فقيه مات سنة 112
( 3 ) أي لا تخلطوا علينا أمر شرعنا
( 4 ) أي في ابتداء حالها
( 5 ) لأنها صارت حرة بعد موت سيدها

25 - ( باب الخلية والبرية وما يشبه ( 1 ) الطلاق )
598 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : الخلية ( 2 ) والبرية ( 3 ) ثلاث ( 4 ) تطليقات كل واحدة منهما
_________
( 1 ) قوله : وما يشبه الطلاق أي من نحو بتة وبتلة وحرام وغيرها من كنايات الطلاق التي لا يقع الطلاق فيها إلا بالنية وقد اختلف فيها فقال الشافعي في الجديد : إن لفظ الطلاق والفراق والسراح صريح لورود ذلك في القرآن وما سواه كناية وقال في القديم عنه : إن الصريح هو لفظ الطلاق وما يؤدي معناه وما سواه كناية وقد رجح جماعة من الشافعية هذا القول وهو قول الحنفية كذا في " فتح الباري "
( 2 ) بفتح الخاء وكسر اللام وتشديد الياء
( 3 ) بفتح الباء وكسر الراء وتشديد الياء التحتانية
( 4 ) قوله : ثلاث تطليقات قال القاري : هذا محمول على ما إذا نوى الثلاث فأما إذا لم ينو شيئا أو نوى واحدة أو اثنتين يقع واحدة بائنة وقال مالك والشافعي وأحمد : يقع بها رجعي إن لم ينو الثلاث . والمسألة مختلفة بين الصحابة فقال عمر وابن مسعود : الواقع رجعي وقال علي وزيد بن ثابت : الواقع بها بائن . انتهى . وفي " موطأ يحيى " ( 2 / 29 . ( يدين ) ببناء المجهول من التديين أي يوكله إلى دينه ويصدق ديانة فيما بينه وبين الله . ( أحلف ) من الإفعال ( لا يخلي ) بضم التحتانية وسكون الخاء وكسر اللام . بضم أولها مضارع من الإخلاء ( لا يبينها ولا يبرئها ) بضم أولها مضارع من الإبانة والإبراء . كما في الأوجز 10 / 28 ) : قال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة : إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها ويدين في التي لم يدخل بها واحدة أراد أم ثلاثا فإن قال : واحدة أحلف على ذلك وكان خاطبا من الخطاب لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبرئها إلا ثلاث تطليقات والتي لم يدخل بها تخليها وتبرئها الواحدة ( فاعل للكل . والمعنى أن هذه الألفاظ تدل على قطع الوصلة والعصمة بينهما وقطع العصمة لا يتفق في المدخول بها إلا بالثلاث لأن قبلها يقدر الزوج على رجعتها متى شاء فهي باقية على عصمتها فلم تخل عنه ولم تبن ولم تبرأ منه . وغير المدخول بها تبين بواحدة . فإن ادعى ذلك وحلف عليه يصدق قوله لأن اللفظ يحتملها لتحقق البينونة حينئذ أيضا . أوجز المسالك 10 / 28 ) . قال مالك : وهذا أحسن ما سمعت في ذلك

599 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال : كان رجل تحته وليدة ( 1 ) فقال لأهلها : شأنكم ( 2 ) بها ؟ قال القاسم : فرأى ( 3 ) الناس ( 4 ) أنها تطليقة
قال محمد : إذا نوى الرجل بالخلية ( 5 ) وبالبرية ثلاث تطليقات فهي ثلاث تطليقات وإذا أراد بها واحدة فهي واحدة بائن دخل بامرأته أو لم يدخل . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي جارية
( 2 ) قوله : شأنكم بها أي الزموها واملكوها شأنها وهو بمعنى قول الرجل لأهله : الحقي بأهلك
( 3 ) في نسخة : ورأى
( 4 ) أي فقهاء ذلك العصر
( 5 ) قوله : بالخلية والبرية وكذا بقوله : أنت بائن وبتة وبتلة وحرام والحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا ملك لي عليك وفارقتك وأمرك بيدك وأنت حرة وتقنعي وتخمري واخرجي وقومي وابتغي الأزواج إلى غير ذلك من ألفاظ الكنايات فإن نوى بها واحدة فواحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى ثنتين فواحدة أيضا . وقال زفر ومالك والشافعي : يقع ما نوى وقال أحمد : هو عندي ثلاث كذا في " الهداية " و " البناية "

26 - ( باب الرجل يولد له فيغلب عليه ( 1 ) الشبه ( 2 ) )
600 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أن ( 3 ) رجلا من أهل البادية أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود ( 4 ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل لك من إبل ؟ قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر ( 5 ) قال : فهل فيها من أوراق ( 6 ) ؟ قال : نعم قال : ( 7 ) فبما ( 8 ) كان ذلك ؟ قال : أراه ( 9 ) نزعه عرق يا رسول الله قال : فلعل ابنك ( 10 ) نزعه عرق
قال محمد : لا ينبغي للرجل ( 11 ) أن ينتفي ( 12 ) من ولده بهذا ونحوه
_________
( 1 ) أي على الولد
( 2 ) بفتحتين أي مشابهة غيره
( 3 ) قوله : أن رجلا من أهل البادية قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " : هو ضمضم بن قتادة رواه عبد الغني في " المبهمات " وابن فتحون من طريقه وأبو موسى في " الذيل " . ولم أعرف اسم امرأته لكن في الرواية الأخرى أنها امرأة من بني عجل وفي الحديث : أن نسوة من بني عجل تقدمن فأخبرن أنه كان لها جدة سوداء
( 4 ) أي لونه أسود مخالف للون أبويه زاد في رواية الشيخين : وإني أنكرته ( قال الحافظ ابن حجر : زاد في رواية يونس : وإني أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه وإلا لكان تصريحا بالنفي لا تعريضا . انظر بذل المجهود 10 / 419 )
( 5 ) قوله : حمر بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر أي هي على لون الحمرة
( 6 ) قوله : من أورق أي آدم كذا في " المغرب " يعني أسمر اللون وقيل : هو ما يكون فيه بياض إلى السواد ولونه يشبه الرماد
( 7 ) قوله : قال فبما كان ذلك وفي نسخة قال : فأنى له ذلك ؟ وفي رواية الصحيحين : فأنى ترى ذلك جاءها ؟ أي من أين جاءها هذا اللون وأبواها ليسا بهذا اللون
( 8 ) أي فلم كان هذا لونه أبويه خلافه
( 9 ) قوله : قال أراه أي أظنه نزعه عرق - بكسر العين وسكون الراء - أي قلعها وأخرجها من ألوان فحلها ولقاحها عرق ويقال : الأصل يقال فلان له عرق في الكرم والمعنى أن ورقها إنما جاء لأنه كان في أصوله البعيدة ما كان بهذا اللون فاختلط لونه كذا في " شرح المشكاة " للقاري
( 10 ) قوله : فلعل ابنك ( قال الشوكاني : وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفا له في اللون وقد حكى القرطبي وابن رشد الإجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا : إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا . بذل المجهود 10 / 418 ) أفاد الحديث عدم جواز نفي الولد بمجرد الوهم والخيال من دون دليل قوي وفيه إثبات القياس والاعتبار وضرب الأمثال
( 11 ) هذا متفق عليه
( 12 ) في نسخة : ينفي

27 - ( باب المرأة تسلم قبل زوجها )

601 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن أم حكيم ( 1 ) بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح ( 2 ) وخرج ( 3 ) عكرمة هاربا من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت ( 4 ) أم حكيم حتى قدمت فدعته إلى الإسلام فأسلم فقدم على النبي صلى الله عليه و سلم فلما رآه النبي صلى الله عليه و سلم وثب ( 5 ) إليه فرحا ( 6 ) وما عليه رداؤه حتى بايعه ( 7 )
قال محمد : إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر في دار الإسلام لم يفرق بينهما حتى يعرض على الزوج الإسلام فإن أسلم فهي امرأته ( 8 ) وإن أبى ( 9 ) أن يسلم فرق بينهما وكانت فرقتهما تطليقة بائنة . وهو قول ( 10 ) أبي حنيفة وإبراهيم النخعي
_________
( 1 ) قوله : أم حكيم قال ابن عبد البر في " الاستيعاب " : أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومي زوجة عكرمة ذكر الواقدي : نا عبد الحميد بن جعفر نا أبي قال : كانت أم حكيم تحت عكرمة فقتل عنها بأجنادين فاعتدت وتزوجت بعده خالد بن سعيد بن العاص . وعكرمة بكسر العين وإسكان الكاف ابن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي وهو ابن عمها
( 2 ) أي فتح مكة
( 3 ) قوله : وخرج عكرمة في رواية ابن مردويه والدارقطني والحاكم عن سعيد بن أبي وقاص : أن عكرمة لما ركب البحر أصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني شيئا فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فلا ينجيني في البر غيره اللهم إن لك عهدا علي إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ( في الأصل : يده في يدي وهو تحريف ) . وفي رواية البيهقي : أن امرأته قالت : يا رسول الله قد ذهب عكرمة إلى اليمن وخاف أن تقتله فآمنه فقال : هو آمن فخرجت في طلبه فأدركته وركب سفينة وجاءت أم حكيم تقول : يا ابن عم جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس وخير الناس لا تهلك نفسك إني قد استأمنت لك رسول الله فرجع معها وجعل يطلب جماعها فأبت وقالت : أنا مسلمة وأنت كافر فلما وافى مكة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : يأتيكم عكرمة مؤمنا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي
( 4 ) من مكة بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 5 ) أي قام إليه بسرعة
( 6 ) بكسر الراء : صفة مشبهة أو بفتح الراء : مصدر
( 7 ) وقال له مرحبا بالراكب المهاجر
( 8 ) أي باقية على ما كانت
( 9 ) أي امتنع بعد العرض
( 10 ) قوله : وهو قول أبي حنيفة قال في " الهداية " و " البناية " : إذا أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض القاضي عليه الإسلام فإذا أسلم فهي امرأته وإن أبى عن الإسلام فرق بينهما وكان ذلك طلاقا عند محمد وأبي حنيفة لا فسخا لأنه فات الإمساك بالمعروف من جانبه فتعين التسريح بإحسان فإن طلق وإلا فالقاضي نائب منابه . وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام فإذا أسلمت فهي امرأته وإذا أبت فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة طلاقا وقال أبو يوسف لا يكون طلاقا في الوجهين ( قد بسط الكلام على ذلك في الأوجز 9 / 415 . وذكر فيه عدة مسائل في هذا الباب وفاقية وخلافية . فارجع إليه )

28 - ( باب انقضاء الحيض )

602 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : انتقلت ( 1 ) حفصة ( 2 ) بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت ( 3 ) في الدم من الحيضة الثالثة فذكرت ( 4 ) ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت : صدق عروة ( 5 ) وقد جادلها ( 6 ) فيه ناس وقالوا : إن الله عز و جل يقول : { ثلاثة قروء } فقالت : صدقتم ( 7 ) وتدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار ( 8 )
_________
( 1 ) في " موطأ يحيى " : أنها حفصة أي عائشة نقلت حفصة من بيت العدة
( 2 ) زوجة المنذر بن العوام
( 3 ) أي شرعت
( 4 ) هذا قول ابن شهاب كذا صرح به في " موطأ يحيى "
( 5 ) أي فيما روى
( 6 ) أي نازع عائشة
( 7 ) أي في قراءتكم القرآن
( 8 ) قوله : إنما الأقراء الأطهار هو جمع قرء وكذلك القروء وهو بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأشهرهما الفتح وهو الذي اقتصر عليه أكثر أهل اللغة . واتفقوا على أنه من الأضداد مشترك بين الحيض والطهر ولهذا وقع الاختلاف بين الصحابة في تفسير القروء وكذا ذكره النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " واختلاف الصحابة فيه على قولين فمنهم من اختار أن القرء في الآية محمول على الطهر فتمضي العدة بمضي ثلاثة أطهار وإن لم تنقض الحيضة الثالثة منهم عائشة قالت : إنما الأقراء الأطهار أخرجه عنها مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي ومنهم ابن عمر وزيد بن ثابت كما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي وابن جرير . وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن زيد قال : إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن عائشة قالت : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن عمر قال العيني . وبه قال الشافعي ومالك وقال أحمد : كنت أقول بالأطهار ثم رجعت إلى قول الأكابر ( قال القاضي : الصحيح عن أحمد أن الأقراء : الحيض وإليه ذهب أصحابنا ورجع عن قوله بالأطهار . انظر المغني 7 / 453 ) . انتهى . وذهب جمع من الصحابة إلى أن القرء هو الحيض وقد بسط السيوطي رواياتهم في " الدر المنثور " من ذلك ما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علقمة أن رجلا طلق امرأته ثم تركها حتى إذا مضت حيضتان وأتاها الثالثة وقد قعدت في مغتسلها لتغتسل فأتاها زوجها وقال : قد راجعتك ثلاثا فأتيا عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود : ما تقول فيها ؟ قال : أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الثالثة ويحل لها الصلاة فقال عمر : وأنا أرى ذلك . وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال : أرسل عثمان بن عفان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة فقال أبي : إني أرى أنه أحق بها ما لم تغتسل . وأخرج البيهقي من طريق الحسن عن عمر بن عبد الله وأبي موسى قالا : هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة . قال العيني : وبه قال الخلفاء الأربعة والعبادلة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وعبادة بن الصامت وأبو موسى الأشعري ومعبد الجهني وهو قول طاوس وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير والحسن بن حي وشريك القاضي والحسن البصري والثوري والأوزاعي وابن شبرمة وربيعة وأبي عبيدة ومجاهد ومقاتل وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وإسحاق وأحمد وأصحاب الظاهر . انتهى

603 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه كان يقول مثل ذلك ( 1 )
_________
( 1 ) أي كقول عمرة وعائشة

604 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن رجلا من أهل الشام يقال له ( 1 ) الأحوص طلق امرأته ( 2 ) ثم مات حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقالت : أنا وارثته ( 3 ) وقال بنوه : لا ترثينه ( 4 ) فاختصموا إلى معاوية بن أبي سفيان فسأل معاوية فضالة ( 5 ) بن عبيد وناسا ( 6 ) من أهل الشام فلم يجد عندهم علما فيه فكتب إلى ( 7 ) زيد بن ثابت فكتب إليه زيد بن ثابت أنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فإنها لا ترثه ولا يرثها وقد برأت منه وبرئ منها ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : يقال له الأحوص بالحاء المهملة والصاد المهملة ابن عبد بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذكر ابن الكلبي والبلاذري : أنه كان عاملا لمعاوية على البحرين . ومقتضاه أن يكون له صحبة وإنه عمر لأن أباه مات كافرا ومن ولده منصور بن عبد الله بن الأحوص له ذكر بالشام في أيام بني مروان وكان ابنه عبد الله عاملا أيضا لمعاوية . وفي رواية ابن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار أن الأحوص بن فلان أو فلان بن الأحوص قال ابن الحذاء : الأقوى أن القصة للأحوص بن عبد ويحتمل أن يكون لولده عبد الله ولم يسم في رواية الزهري قاله في " الإصابة " . وهذا الاحتمال لا يجري في رواية " الموطأ " فإن فيه تصريحا باسم الأحوص كذا في " شرح الزرقاني "
( 2 ) طلقة أو طلقتين كما في رواية ابن أبي شيبة
( 3 ) أي لأنه مات وأنا في العدة
( 4 ) أي لأنك خرجت من العدة وفي نسخة لا ترثه
( 5 ) قوله : فضالة بالفتح ابن عبيد - بالضم - من الصحابة الأنصار شهد أحدا وما بعدها ثم انتقل إلى الشام وسكن بها وكان قاضيا لمعاوية ومات بدمشق سنة 53 ، كذا في " الاستيعاب "
( 6 ) أي وعلماء آخرين
( 7 ) أي إلى المدينة
( 8 ) أي انقطعت العلاقة بينهما

605 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر مثل ذلك
قال محمد : انقضاء العدة عندنا ( 1 ) الطهارة من الدم من الحيضة الثالثة إذا اغتسلت منها
_________
( 1 ) قوله : عندنا قد عرفت أن المسألة مختلف فيها من عهد الصحابة إلى من بعدهم لكن ما اختاره أصحابنا من أن المراد بالقرء في قوله تعالى : { ثلاثة قروء } الحيض وأن انقضاء العمدة بالاغتسال من الحيضة الثالثة مرجح لوجوه منها : أنه موافق لحديث طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان . كما مر ذكره في " باب الحرة تكون تحت العبد " فإنه يدل على أن المراد بالقرء الواقع في عدة المطلقات الحرة الحيض وإلا لكانت عدة الأمة طهرين لا حيضتين فإن عدة الأمة نصف عدة الحرة ولما لم يكن التجزي للحيضة جعلت حيضتين يدل عليه قول عمر : لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضا ونصفا فعلت أخرجه عبد الرزاق والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي في " كتاب المعرفة " ومنها : أن الله تعالى بعد ما عمم المطلقات بقوله في سورة البقرة : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ( سورة البقرة : الآية 228 ) قال في سورة الطلاق : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } ( سورة الطلاق : الآية 4 ) فذكر فيه مقدار عدة الآيسة وأشار بذكر المحيض إلى أن المراد بالقروء في الآية السابقة هو الحيض ( لأن المعهود في لسان الشرع القرء بمعنى الحيض ولم يعهد في لسانه استعماله بمعنى الطهر في موضع فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه . انظر المغني 7 / 453 ) ومنها : أن الطلاق السني هو الطلاق في الطهر فإن كان المراد بالقرء الطهر فإن احتسب الطهر الذي وقع فيه الطلاق كان المجموع أقل من ثلاثة قروء وإن لم يحتسب كان أزيد منها وهو خلاف قوله تعالى : { ثلاثة قروء } بخلاف ما إذا حمل القرء على الحيض فإنه حينئذ لا يبطل مؤدى الثلاثة في الطلاق السني . وفي المقام أبحاث طويلة عريضة مذكورة في بحث الخاص من كتب الأصول . ومنها : أنه مذهب الخلفاء الأربعة والعبادلة وأكابر الصحابة فكان أولى بالقبول بالنسبة إلى قول أصاغر الصحابة

606 - أخبرنا أبو حنيفة عن حماد ( 1 ) عن إبراهيم : أن رجلا امرأته تطليقة ( 2 ) يملك الرجعة ثم تركها حتى انقطع دمها من الحيضة الثالثة ودخلت مغتسلها ( 3 ) وأدنت ( 4 ) ماءها فأتاها ( 5 ) فقال لها : قد راجعتك فسألت ( 6 ) عمر بن الخطاب عن ذلك وعنده عبد الله بن مسعود فقال عمر : قل فيها برأيك ( 7 ) فقال : أراه ( 8 ) يا أمير المؤمنين أحق برجعتها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة فقال : عمر رضي الله عنه : وأنا أرى ذلك ثم قال عمر لعبد الله بن مسعود : كنيف ( 9 ) ملئ علما
_________
( 1 ) ابن أبي سليمان
( 2 ) أي طلاقا رجعيا
( 3 ) على المفعول : أي مكان غسلها
( 4 ) أي قربت إليها ماءها لتغتسل
( 5 ) زوجها
( 6 ) تلك المرأة
( 7 ) لعدم التصريح الصريح بذلك في الكتاب
( 8 ) أي أظنه
( 9 ) قوله : كنيف ملئ علما قال القاري : الكنف بكسر القاف وسكون النون وعاء آلات الراعي . والكنيف - كزبير - لقب به ابن مسعود تشبيها له بوعاء الراعي والتصغير للمدح والتعظيم على ما في " المغرب " و " المصباح " ولا يبعد أن يكون للتشبيه فإن ابن مسعود كان قصيرا جدا والمعنى بأنه كان صغيرا في المبنى إلا أنه كبير في المعنى

607 - أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو ( 1 ) أحق بها حتى تغتسل من حيضتها الثالثة
_________
( 1 ) أي الزوج أحق بالمرأة للرجعة

608 - أخبرنا عيسى ( 1 ) بن أبي عيسى الخياط المديني ( 2 ) عن الشعبي عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم قالوا : الرجل أحق بامرأته حتى تغتسل من حيضتها الثالثة . قال عيسى : وسمعت سعيد بن المسيب يقول : الرجل أحق بامرأته حتى تغتسل من حيضتها الثالثة
قال محمد : وبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عيسى بن أبي عيسى الخياط قال الذهبي في " الكاشف " : عيسى بن أبي عيسى الخياط روى عن أبيه والشعبي وعدة وعنه وكيع وابن أبي فديك وعدة ضعفوه وهو كوفي سكن المدينة وكان خياطا وحناطا يبيع ( في الأصل : " يباع " وهو خطأ ) الحنطة مات سنة 151 . انتهى . وفي " التقريب " : عيسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري أبو موسى المديني أصله من الكوفة واسم أبيه ميسرة ويقال فيه الخياط بالمعجمة والتحتانية وبالموحدة وبالمهملة والنون وكان قد عالج الصنائع الثلاثة ( هو كان كوفيا انتقل إلى المدينة كان خياطا ثم ترك ذلك وصار حناطا ثم ترك ذلك وصار يبيع الخبط متروك الحديث . انظر تهذيب التهذيب 8 / 224 ) متروك من السادسة مات سنة إحدى وخمسين وقيل قبل ذلك
( 2 ) قوله : المديني هو والمدني كلاهما نسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم والقياس حذف الياء ومن أثبتها فهو على الأصل وروى أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب " الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط " بإسناده إلى البخاري أنه قال : المديني بالياء هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها والمدني الذي تحول عنها وكان منها كذا ذكره النووي في " شرح صحيح مسلم "

29 - ( باب المرأة يطلقها زوجها طلاقا يملك الرجعة ( 1 ) فتحيض حيضة أو
حيضتين ثم ترتفع حيضتها )
609 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن ( 2 ) محمد بن يحيى بن حبان : أنه ( 3 ) كان ( 4 ) عند جده امرأتان هاشمية ( 5 ) وأنصارية ( 6 ) فطلق الأنصارية و ( 7 ) هي ترضع ( 8 ) وكانت لا تحيض ( 9 ) وهي ترضع فمر بها قريب من سنة ثم هلك ( 10 ) زوجها حبان عند رأس السنة أو قريب من ذلك لم تحض فقالت : أنا أرثه ما لم أحض ( 11 ) فاختصموا ( 12 ) إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان ( 13 ) فقال : هذا عمل ابن عمك ( 14 ) هو أشار ( 15 ) علينا بذلك يعني ( 16 ) علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
_________
( 1 ) أي طلا قا رجعيا
( 2 ) قوله : عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة هو مدني ثقة فقيه قال : كانت عند جدي حبان بن منقذ بذال معجمة الأنصاري المازني الصحابي كذا قال الزرقاني
( 3 ) ضمير الشان
( 4 ) قوله : أنه كان عند جده ... إلخ هذا الأثر في هذا الباب غير موافق لما عنون به الباب فإن المقصود في الباب ذكر حكم من ارتفع حيضها بعد حيضة أو حيضتين وفي هذه القصة زوجة حبان لم تكن آيسة ولا كان ارتفع حيضها بعد حيضة أو حيضتين فإنها إن كانت آيسة فقد مضت عدتها بعد ثلاثة أشهر من وقت الطلاق فكيف يمكن أن يحكم بتوريثها من حبان وكان موته عند رأس السنة من وقت الطلاق بل كانت هي مرضعة عند الطلاق والمرضعة لا تحيض فعدتها كانت بالحيض فما لم تحض لم تخرج من العدة فلذلك ورثها عثمان . ويوضحه ما أخرجه الشافعي عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن رجلا من الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان فقلت له : إن المرأة تريد أن ترث فقال لأهله : احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان : ما تريان ؟ فقالا : نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللاتي ( في الأصل : " التي " وهو تحريف ) قد يئسن من المحيض وليست من الأبكار اللاتي ( في الأصل : " التي " وهو تحريف ) لم يبلغن المحيض ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير فرجع حبان إلى أهله وأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفي حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته كذا أورده السيوطي في " الدر المنثور " . ويمكن أن يقال المقصود في الباب ذكر حكم من تأخر أو ارتفع حيضها مطلقا آيسة كانت أو غير آيسة وما ذكره في عنوان الباب ليس قيدا احترازيا
( 5 ) أي من قبيلة بني هاشم
( 6 ) أي من قبيلة الأنصار
( 7 ) الواو حالية
( 8 ) حال آخر
( 9 ) أي لأجل الرضاع
( 10 ) أي مات
( 11 ) لأنها لم تبلغ من الإياس فما دام لم تحض لم تنقض العدة ( قال الباجي : وذلك أن ارتفاع حيض المطلقة يكون لسبب معروف أو غير معروف فأما ما كان بسبب معروف كالرضاع والمرض فإنها تؤخر للرضاع فإنها لا تعتد إلا بالأقراء طال الوقت أو قصر وقد احتج القاضي أبو محمد في ذلك بالإجماع . المنتقى 4 / 87 )
( 12 ) أي ورثة حبان معها
( 13 ) في حكمه بالتوريث
( 14 ) خطاب إلى الهاشمية
( 15 ) أي أشار علينا بهذا الحكم ابن عمك علي ولست أنا بمتفرد ومستقل في هذا الرأي
( 16 ) أي يريد عثمان بابن عمها عليا

610 - أخبرنا مالك أخبرنا يزيد بن عبد الله بن قسيط ( 1 ) ويحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال ( 2 ) عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت ( 3 ) حيضتها فإنها تنتظر ( 4 ) تسعة أشهر ( 5 ) فإن استبان بها حمل فذلك ( 6 ) وإلا اعتدت ( 7 ) بعد التسعة ثلا ثة أشهر ثم حلت ( 8 )
_________
( 1 ) مصغرا
( 2 ) قوله : قال عمر رضي الله عنه ... إلخ في " موطأ يحيى " وشرحه قال مالك : الأمر عندنا في المطلقة التي ترفع حيضتها أنها تنتظر تسعة أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت ثلاثة أشهر بعد التسعة فإن حاضت قبل أن تستكمل الأشهر الثلاثة استقبلت الحيض لأنها صارت من ذوات القروء فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض حيضة ثانية اعتدت ثلاثة أشهر فإن حاضت الثانية قبل أن تستكمل أشهر الثلاثة استكملت عدة الحيض وحلت فإن لم تحض استكملت ثلاثة أشهر . ولزوجها عليها في ذلك أي مدة الانتظار والاستقبال الرجعة قبل أن تحل لبقاء عدتها إلا أن يكون قد بت طلاقها . انتهى . وفيه خلاف لأصحابنا كما بينه المصنف بإيراد روايتين من غير طريق مالك
( 3 ) بصيغة المجهول
( 4 ) لإتيان الحيضة
( 5 ) لأنه غالب وضع الحمل
( 6 ) أي فلا تحل إلا بوضع الحمل
( 7 ) لما أنه علم حينئذ أنها آيسة
( 8 ) أي خرجت من العدة ( قال الباجي : التي تحيض في عدتها ثم ترفعها حيضتها تنتظر تسعة أشهر وهو قول عامة أصحابنا على الإطلاق غير ابن نافع فإنه قال : إن كانت ممن تحيض فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر خمس سنين أقصى أمد الحمل وإن كانت يائسة من المحيض اعتدت بالسنة تسعة أشهر ثم ثلاثة أقراء قال سحنون : وأصحابنا لا يفرقون بينهما وما قاله الجمهور أولى لأن التسعة أشهر هي أمد الحمل المعتاد ثم قال : والمعتدة من الطلاق على ضربين : حائض وغير حائض وأما الحائض فهي التي قد رأت الحيض ولو مرة في عمرها ثم لم تبلغ سنة الإياس منها . فهذه إذا طلقت فحكمها أن تعتد بالأقراء فإن لم تر حيضا انتظرت تسعة أشهر وهذا مذهب عمر رضي الله عنه وبه قال ابن عباس والحسن البصري وقال أبو حنيفة والشافعي : تنتظر الحيض أبدا والدليل على ما نقوله أن هذا إجماع الصحابة لأنه روي عن عمر - رضي الله عنه - وابن عباس وليس في الصحابة مخالف . المنتقى للباجي 4 / 108 . وبقول مالك قال أحمد وقال الشافعي في الجديد : تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس فتعتد حينئذ بثلاثة أشهر ومذهب أبي حنيفة في ذلك موافق لجديد قول الشافعي . انظر الأوجز 10 / 208 )

611 - قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد ( 1 ) عن إتراهيم ( 2 ) : أن علقمة بن قيس طلق امرأته طلاقا يملك الرجعة فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها عنها ثمانية ( 3 ) عشر شهرا ثم ماتت ( 4 ) فسأل علقمة عبد الله بن مسعود عن ذلك فقال : هذه امرأة حبس ( 5 ) الله عليك ميراثها فكله
_________
( 1 ) ابن أبي سليمان
( 2 ) ابن يزيد النخعي
( 3 ) قوله : ثمانية عشر شهرا أخرجه البيهقي أيضا عن علقمة بسند صحيح وقال فيه : سبعة عشر شهرا أو ثمانية ذكره ابن حجر في " التلخيص "
( 4 ) أي المرأة قبل أن تكمل العدة بالحيضة
( 5 ) أي أوقفه لك بتطويل العدة

612 - أخبرنا عيسى بن أبي عيسى الخياط عن الشعبي ( 1 ) : أن علقمة بن قيس سأل ابن عمر ( 2 ) عن ذلك ( 3 ) فأمره بأكل ( 4 ) ميراثها
قال محمد : فهذا ( 5 ) أكثر ( 6 ) من تسعة أشهر وثلاثة أشهر بعدها فبهذا ( 7 ) نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا لأن ( 8 ) العدة في كتاب الله عز و جل على أربعة أوجه لا خامس لها ( 9 ) : للحامل ( 10 ) حتى تضع والتي لم ( 11 ) تبلغ الحيضة ثلاثة أشهر والتي ( 12 ) قد يئست من المحيض ثلاثة أشهر والتي تحيض ثلاث حيض فهذا الذي ذكرتم ( 13 ) ليس بعدة الحائض ولاغيرها
_________
( 1 ) اسمه عامر
( 2 ) في بعض النسخ : ابن معمر
( 3 ) أي عن حكم ما تقدم
( 4 ) في نسخة : بأكله
( 5 ) أي العدد المذكور في قصة علقمة
( 6 ) قوله : أكثر يشير به إلى معارضة فتوى عمر بفتوى ابن مسعود وابن عمر فإن عمر أفتى في مثل ذلك بأنها تنتظر تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر وابن مسعود أفتى بعدم انقضاء العدة وإن مضت ثمانية عشر شهرا من وقت الطلاق ما لم تحض وذلك لأنها ليست بآيسة بل ارتفع حيضها بالرضاع أو غيره فلا تخرج من العدة ما لم تحض
( 7 ) أي بقول ابن مسعود
( 8 ) قوله : لأن العدة ... إلخ توجيه لترجيح فتوى ابن مسعود وحاصله أن العدة المذكورة في كتاب الله على أربعة أوجه لأربعة أقسام أحدها : العدة للحامل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها وهي وضع الحمل في قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ( سورة الطلاق : الآية 4 ) وثانيها : العدة للآيسة التي أيست لكبرها فارتفع حيضها . ثالثها : العدة للصغيرة التي لم تبلغ مبلغ الحيض وهي ثلاثة قروء في قوله تعالى : { والائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعد تهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } ( سورة الطلاق : الآية : 4 ) . ورابعها : العدة للمطلقة التي تحيض وهي ثلاثة قروء في قوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ( سورة البقرة : الآية 228 ) . وهذه كلها للمطلقة . ووجه خامس : وهو عدة المتوفى عنها زوجها غير الحامل في قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } ( سورة البقرة : الآية 240 ) . وهذا الذي أفتى به عمر في المطلقة التي ارتفع حيضها بعد حيضة أو حيضتين من الانتظار إلى تسعة أشهر ثم الاعتداد ثلاثة أشهر ليس بعدة الحائض ولا غيرها فالقول ما قال ابن مسعود ( قال البيهقي : رجع الشافعي في " الجديد " إلى قول ابن مسعود رضي الله عنه وحمل كلام عمر على كلام عبد الله فقال : قد يحتمل قول عمر رضي الله عنه أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود - رضي الله عنه - وذلك وجه عندنا . انظر : أوجز المسالك 10 / 208 )
( 9 ) في نسخة : لهن
( 10 ) قوله : للحامل حتى تضع سواء كانت مطالقة أو متوفى عنها زوجها
( 11 ) قوله : التي لم تبلغ الحيضة إما لصغرها أو لبلوغها بالسن فإنها إذا بلغت بالسن بخمس عشرة سنة فعدتها أيضا بالشهور
( 12 ) قوله : والتي قد يئست أي لكبرها . واختلف في سن الإياس فقال محمد في الروميات خمس وخمسون سنة وفي المولدات ستون سنة وعن أبي حنيفة من خمس وخمسين إلى ستين وقال الزعفراني : خمسون سنة وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك وقيل : سبعون سنة وقيل غير مقدر بشيء بل هو مختلف بحسب اختلاف البلاد والأوقات كذا في " البناية "
( 13 ) من الاعتداد ثلاثة أشهر بعد انتظار تسعة أشهر

30 - ( باب عدة المستحاضة ( 1 ) )
613 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب : أن سعيد بن المسيب قال : عدة المستحاضة سنة ( 2 )
قال محمد : المعروف عندنا أن عدتها على أقرائها ( 3 ) التي كانت تجلس فيما مضى وكذلك قال إبراهيم النخعي وغيره من الفقهاء وبه نأخذ . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا ألا ترى ( 4 ) أنها تترك الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس لأنها فيهن حائض ؟ فكذلك تعتد بهن فإذا مضت ثلاثة قروء منهن ( 5 ) بانت إن كان ذلك أقل من سنة أو أكثر
_________
( 1 ) قوله : المستحاضة التي ترى الدم أكثر من أكثر الحيض أو أكثر من النفاس أو أقل من أقل الحيض
( 2 ) قوله : سنة به قال مالك في رواية وفي أخرى أنه إن لم تميز بين الدمين فسنة . وإن ميزت فبالأقراء ذكره الزرقاني ( 3 / 212 )
( 3 ) قوله : أقرائها بالفتح أي أيام حيضها التي كانت اعتادت الحيض فيها قبل أن تبتلى بالاستحاضة ( قال الموفق : في عدة المستحاضة لا تخلو إما أن يكون لها حيض محكوم به بعادة أو تمييز أولا تكون ؟ فإن كان لها حيض محكوم به بذلك فحكمها فيه حكم غير المستحاضة إذا مرت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها قال أحمد : المستحاضة تعتد أيام أقرائها التي كانت تعرف وإن علمت أن لها في كل شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر وإن شكت في شيء تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية لا تعرف لها وقتا ولا تمييزا فعن أحمد فيها روايتان إحداهما : أن عدتها ثلاثة شهور والرواية الثانية : تعتد سنة لا تدري ما رفعها وهو قول مالك وإسحاق . 1 هـ . انظر المغني 7 / 467 )
( 4 ) تأييد لكون العدة بالأيام المعتادة
( 5 ) أي من تلك الأيام

31 - ( باب الرضاع ( 1 ) )
614 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول : لا رضاعة إلا لمن أرضع ( 2 ) في الصغر ( 3 )
_________
( 1 ) قوله : باب الرضاع بفتح الراء وكسرها لغة وقال القاضي عياض : الرضاع والرضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما وأنكر الأصمعي الكسر في الرضاعة وهو مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص وهو يفيد التحريم قليلا كان أو كثيرا إذا حصل في مدة الرضاع كذا روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء ومكحول والزهري وقتادة وعمرو بن دينار والحكم وحماد والأوزاعي والثوري وابن المبارك والليث بن سعد ومجاهد والشعبي والنخعي وقال ابن المنذر : هو قول أكثر الفقهاء وقال النووي : هو قول جمهور العلماء وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية وقال الشافعي : لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات وبه قال أحمد في رواية وإسحاق وعن أحمد ثلاث ومدة الرضاع ثلاثون شهرا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : سنتان وبه قال الشافعي وأحمد وقال : زفر ثلاث سنين ( بسط في البذل 10 / 42 في تقدير المدة التي يقتضي الرضاع فيه التحريم تسعة مذاهب للعلماء فارجع إليه لو شئت التفصيل ) كذا في " البناية "
( 2 ) بصيغة المجهول
( 3 ) أي لا يثبت الرضاعة في الكبر حكمها

615 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر ( 1 ) عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عندها وإنها سمعت رجلا يستأذن في بيت حفصة قالت عائشة : فقلت ( 2 ) : يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك ( 3 ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أراه ( 4 ) فلانا لعم ( 5 ) لحفصة من الرضاعة قالت ( 6 ) عائشة : يا رسول الله لو كان عمي فلان من الرضاعة حيا دخل علي ؟ قال ( 7 ) : نعم ( 8 )
_________
( 1 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم
( 2 ) كأنها استبعدت استئذان الأجنبي في بيت حفصة فأخبرت مريدة الاطلاع على حقيقة الأمر
( 3 ) الذي فيه حفصة
( 4 ) أي أظنه
( 5 ) قوله : لعم لحفصة تفسير لفلانا وكان النبي صلى الله عليه و سلم سماه أو ذكره بما تعرفه ولم تذكر عائشة اسمه ولا ما يعرف به في روايتها وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( فتح الباري 9 / 141 ) و " مقدمته " : لم أقف على اسم عم حفصة المذكور في هذه الرواية وكذا على اسم عم عائشة المذكور في قوله : لو كان عمي فلانا حيا ووهم من فسره بأخي أبي القعيس والد عائشة من الرضاعة فإن أفلح وإن كان عمها من الرضاعة لكنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فامتنعت فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تأذن له والمذكور ههنا عمها أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة ويحتمل أنها ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن
( 6 ) كأنها أرادت استكشاف أن هذا الحكم خاص بعم حفصة أم عام
( 7 ) قوله : قال : نعم زاد في " موطأ يحيى " بعده : إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك . وفي رواية للبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة وأحمد ومسلم والنسائي والبخاري عن ابن عباس يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ذكره القاري
( 8 ) أي كان يجوز أن يدخل عليك ( في رواية يحيى زيادة : " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " فإذا أرضعت المرأة رضيعا يحرم على الرضيع وعلى أولاده من أقارب المرضعة كل من يحرم على ولدها من النسب ولا تحرم المرضعة على أبي الرضيع ولا على أخيه ولا يحرم عليك أم أختك من الرضاع إذا لم تكن أمك ولا زوجة أبيك . ويتصور هذا في الرضاع ولا يتصور في النسب . أوجز المسالك 10 / 296 )

616 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن ( 1 ) سليمان بن يسار عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ( 2 )
_________
( 1 ) قوله : عن سليمان في " موطأ يحيى " : عن سليمان بن يسار وعن عروة بن الزبير عن عائشة قال ابن عبد البر : هذا خطأ من يحيى : أي زيادة الواو ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه والحديث محفوظ في " الموطأ " وغيره عن سليمان عن عروة عن عائشة
( 2 ) أي مثل ما يحرم من النسب

617 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ( 1 ) عن عائشة أنه كان يدخل عليها ( 2 ) من أرضعته أخواتها وبنات أخيها ولا يدخل عليها من أرضعته نساء ( 3 ) إخواتها
_________
( 1 ) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
( 2 ) أي في بيتها من غير حجاب
( 3 ) قوله : نساء إخوتها لأن المرضع إنما هو المرأة دون الرجل فلا يحرم عند جماعة كابن عمر وجابر وجماعة من التابعين وداود وابن ( في الأصل : داود بن علية سقط الواو بين داود وبين ابن ) علية كما حكاه ابن عبد البر وقال : حجتهم أن عائشة كانت تفتي بخلاف ما روي من قصة أفلح وهو ما روى مالك وغيره أن عمها أفلح أخا أبي القعيس والدها من الرضاعة جاء يستأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب فأبت عائشة أن تأذن له فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تأذن له فقلت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال : تربت يمينك يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب . ومن المعلوم أن العبرة عند قوم برأي الصحابي إذا خالف مرويه . قال ابن عبد البر : ولا حجة لهم في ذلك لأن لها أن تأذن لمن شاءت من محارمها وتحجب ممن شاءت ولكن لم يعلم أنها حجبت عمن ذكر إلا بخبر واحد كما علمنا المرفوع بخبر واحد فوجب علينا العمل بالسنة إذ لا يضر من خالفها . انتهى . وقد نسب المازري إلى عائشة القول بأن لبن الفحل لا يحرم . واستبعده بعضهم مع مشافهة النبي صلى الله عليه و سلم إياها في حديث أفلح بأنه يحرم وقيل : الإسناد إليها صحيح وكثيرا ما يخالف الصحابي مرويه لدليل قام عنده فيحتمل أنها فهمت أن ترخيصه لها في أفلح لا يقتضي تعميم الحكم في كل ذكر كذا في شرح الزرقاني ( انظر شرح الزرقاني 3 / 242 والأوجز 10 / 304 ) . وبه يظهر خطأ القاري حيث كتب تحت قوله نساء إخواتها أي إذا كان لبنهن من غير إخواتها

618 - أخبرنا مالك أخبرني الزهري عن عمرو ( 1 ) بن الشريد : أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان ( 2 ) فأرضعت إحداهما غلاما والأخرى جارية فسئل هل يتزوج الغلام الجارية ؟ قال : لا اللقاح ( 3 ) واحد
_________
( 1 ) قوله : عن عمرو بفتح العين بن الشريد - بفتح المعجمة - الثقفي الطائفي من ثقات التابعين قاله الزرقاني وغيره
( 2 ) وفي رواية : جاريتان
( 3 ) قوله : اللقاح واحد بفتح اللام أي ماء الفحل يعني أن سبب العلوق واحد كذا قال ابن الأثير في " النهاية " وفيه إخبار بأن لبن الفحل يحرم وبه قال جمهور الصحابة ومن بعدهم وبه قال أبو حنيفة وتابعوه والأوزاعي وابن جريج ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم . وحجتهم حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس وحكي خلافه عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة ونقله ابن بطال عن عائشة وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وإياس بن معاوية وغيرهم ولا يخفى على ذوي العقول أن القول ما قال الرسول صلى الله عليه و سلم والبحث مبسوط في شرح " مسند الإمام " ( هو كتاب " تنسيق النظام في مسند الإمام " للعلامة محمد حسن السنبهلي ص 142 ) لبعض الأعلام

619 - أخبرنا مالك ( 1 ) أخبرنا إبراهيم ( 2 ) بن عقبة ( 3 ) : أنه سأل سعيد بن المسيب عن الرضاعة ؟ فقال : ما كان في الحولين ( 4 ) وإن ( 5 ) كانت مصة ( 6 ) واحدة فهي تحرم ( 7 ) وما كان بعد الحولين فإنما ( 8 ) طعام يأكله
_________
( 1 ) وفي بعض النسخ : أخبرنا مالك أخبرنا الزهري عن إبراهيم بن عقبة
( 2 ) قال في " الإسعاف " : وثقه أحمد ويحيى والنسائي
( 3 ) بضم العين المدني
( 4 ) هو مدة الرضاع
( 5 ) في نسخة : ولو
( 6 ) أي وإن كانت قطرة واحدة دخلت في جوف الطفل بمصة واحدة وقوله : مصة في نسخة : قطرة المصة بفتح الميم وتشديد الصاد
( 7 ) من التحريم
( 8 ) قوله : فإنما هو طعام يأكله أي هو في حكم الغذاء لا يحرم شيئا ولا يثبت حكم الرضاعة فلا يكون رضاعة الكبير مفيدة بشيء ويؤيده من الأخبار حديث : " لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم " . أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود وأخرجه البيهقي من وجه آخر . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال : سئل ابن عمرو وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ : { والوالدات يرضعن أولادهن ... } ( سورة البقرة : الآية 233 ) ولا نرى رضاعا يحرم بعد الحولين شيئا . وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال : سمعت ابن عباس يقول : لا رضاع إلا في هذين الحولين وأخرج الترمذي وصححه عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام . وأخرج ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا : لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين وأخرج الطياليسي والبيهقي عن جابر مرفوعا : لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام . وأخرجه الطبراني في معجمه وعبد الرزاق عن علي مرفوعا مثله كذا ذكره الزيلعي والسيوطي . [ لا يتم : بسكون التاء . يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام ]

620 - أخبرنا مالك أخبرنا إبراهيم بن عقبة : أنه سأل عن عروة بن الزبير فقال له مثل ( 1 ) ما قال سعيد بن المسيب
_________
( 1 ) من أن ما كان في الحولين يحرم وما لا فلا

621 - أخبرنا مالك أخبرنا ثور ( 1 ) بن زيد : أن ابن عباس كان يقول : ما كان في الحولين وإن كانت مصة واحدة فهي تحرم
_________
( 1 ) قوله : ثور بن زيد الديلي مولاهم المدني وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي مات سنة 135 ، كذا في " الإسعاف "

622 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع مولى عبد الله بن عمر أن سالم بن عبد الله أخبره : أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أرسلت ( 1 ) به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم ( 2 ) بنت أبي بكر فقالت : أرضعيه عشر ( 3 ) رضعات حتى يدخل علي فأرضعتني أم كلثوم بنت أبي بكر ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعني غير ثلاث مرار ( 4 ) فلم أكن أدخل ( 5 ) على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم ( 6 ) لي عشر رضعات
_________
( 1 ) قوله : أرسلت به أي أرسلت بسالم بن عبد الله بن عمر والحال أنه كان يرضع بصيغة المجهول أي كان صغيرا يرضع إلى أختها لترضعه فيكون لها محرما فيدخل عليها بعد البلوغ أيضا
( 2 ) قوله : أم كلثوم بضم الكاف تابعية مات أبوها أبو بكر رضي الله عنه وهي حمل فوضعت بعد وفاته وقد أرسلت حديثا فذكرها بسببه ابن منده وابن السكن في الصحابة فوهما كذا قال الزرقاني
( 3 ) قوله : عشر رضعات قال السيوطي في " التنوير " ( 2 / 43 ) : هذه خصوصية لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم خاصة دون سائر النساء قال عبد الرزاق في " مصنفه " عن معمر أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال : كان لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم رضعات معلومات وليس لسائر النساء رضعات معلومات ثم ذكر حديث عائشة هذا وحديث حفصة الذي بعده وحينئذ فلا يحتاج إلى تأويل الباجي . وقوله : لعله لم يظهر لعائشة نسخ العشر بالخمس إلا بعد هذه القصة . انتهى . قال الزرقاني : وبه يرد إشارة ابن عبد البر إلى شذوذ رواية نافع هذه بأن أصحاب عائشة الذين هم أعلم بها من نافع وهم عروة والقاسم وعمرة رووا عنها خمس رضعات فوهم من روى عنها عشر رضعات لأنه صح عنها أن الخمس نسخن العشر ومحال أن تعمل بالمنسوخ كذا قال وهذا سهو لأن نافعا قال : إن سالما أخبره عن عائشة وكل منهما ثقة حجة حافظ وقد أمكن الجمع بأنها خصوصية للزوجات الشريفة كما قاله طاوس
( 4 ) في نسخة : مرات
( 5 ) أي من غير حجاب
( 6 ) حتى أكون محرما لها

623 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن صفية ( 1 ) ابنة أبي عبيد : أنها أخبرته أن حفصة أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى فاطمة بنت عمر ( 2 ) ترضعه عشر رضعات ليدخل ( 3 ) عليها ففعلت ( 4 ) فكان يدخل ( 5 ) عليها وهو ( 6 ) يوم أرضعته صغير يرضع ( 7 )
_________
( 1 ) زوجة مولاه ابن عمر
( 2 ) ابن الخطاب
( 3 ) أي إذا بلغ
( 4 ) أي أرضعته فاطمة عشر رضعات
( 5 ) أي على حفصة بعد بلوغه
( 6 ) أي كان عاصم حين أرضعته فاطمة صغيرا يرضع
( 7 ) معروف من الرضاعة أو مجهول من الإرضاع

624 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت ( 1 ) : كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهن مما يقرأ من القرآن
_________
( 1 ) قوله : قالت كان ... إلخ أي كان سابقا في القرآن هذه الآية : { عشر رضعات معلومات يحرمن } بضم الياء وتشديد الراء المكسورة متلوة ثم نسخن تلك العشرة بخمس معلومات ونزلت خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وآية الخمس تتلى في القرآن يعني أن العشر نسخت بخمس وتأخر نسخ الخمس حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم . وبعض الناس لم يبلغه نسخه فصار يتلوه قرآنا فالعشر على قولها منسوخة التلاوة والحكم والخمس منسوخة التلاوة فقط كآية الرجم قال ابن عبد البر : به تمسك الشافعي في قوله : لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات تصل إلى الجوف . وأجيب عنه بأنه لم يثبت قرآنا وهي قد أضافته إلى القرآن واختلف العمل عنها فليس بسنة ولا قرآن وقال المازري : لا حجة فيه لأنه لم يثبت إلا من طريقها والقرآن لا يثبت بالآحاد ولهذا لم يأخذ به الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كذا في " شرح الزرقاني " . وذكر ابن الهمام وغيره ما حاصله : أنه لا يخلو إما أن يقال بنسخ الخمس أيضا أولا ؟ على الثاني يلزم ذهاب شيء من القرآن لم يثبته الصحابة ولا يثبت بقول عائشة وحدها كونه من القرآن وعلى الأول فلما ثبت نسخ التلاوة فبقاء حكمه يحتاج إلى دليل وإلا فالأصل أن النسخ الأول ( في الأصل نسخ الدال والظاهر ما أثبتناه ) يرفعه . وأما ثبوت رجم الزاني مع كون آية منسوخة التلاوة فبإجماع الصحابة وههنا لا إجماع من الصحابة بل كثير من الصحابة أفتوا بالتحريم بمصة واحدة ويؤيده إطلاق قوله تعالى : { وأمهاتكم الاتي أرضعنكم } ( سورة النساء : الآية 23 )

625 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار قال : جاء رجل ( 1 ) إلى عبد الله بن عمر وأنا معه ( 2 ) عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال عبد الله بن عمر : جاء ( 3 ) رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : كانت لي وليدة ( 4 ) فكنت أصيبها ( 5 ) فعمدت ( 6 ) امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها ( 7 ) فقالت امرأتي : دونك ( 8 ) : والله قد أرضعتها قال عمر رضي الله عنه : أوجعها ( 9 ) وائت جاريتك ( 10 ) فإنما الرضاعة رضاعة الصغير ( 11 )
_________
( 1 ) قال الزرقاني : لم يسم ( قال الباجي : هو أبو عبس عبد الرحمن بن جبير الأنصاري سأل ابن عمر عن رضاعة الكبير فأخبره ابن عمر بما عنده في ذلك عن أبيه قلت : أبو عيسى رجل من أكابر الصحابة شهد بدرا وما بعدها توفي سنة 24 هـ عن سبعين سنة كما في " التقريب " ولم يذكروا ابن عمر رضي الله عنه في مشايخه وفسر الزرقاني 3 / 246 حكاية عن أبي عمر الرجل السائل عن عمر بذلك . أوجز المسالك 10 / 314 )
( 2 ) قوله : وأنا معه أي مع عبد الله بن عمر عند دار القضاء بالمدينة وهي دار كانت لعمر بن الخطاب فلما استشهد كان عليه دين فبيعت لقضاء دينه فسميت دار القضاء قاله ابن الصلاح كذا قاله القاري )
( 3 ) قوله : جاء رجل قال ابن عبد البر : الرجل هو أبو عبس بن جبير الأنصاري ثم الحارثي البدري
( 4 ) أي أمة
( 5 ) أي أجامعها
( 6 ) أي توجهت امرأتي إليها وقصدت أن تحرم علي فأرضعتها
( 7 ) أي على امرأتي أو على الأمة
( 8 ) أي خذ حذرك منها فإنها حرمت عليك
( 9 ) أي أدب امرأتك
( 10 ) أي يحل لك أن تجامع الجارية
( 11 ) يعني رضاعة الكبير لا تحرم

626 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب وسئل عن رضاعة الكبير ؟ فقال : أخبرني ( 1 ) عروة بن الزبير أن ( 2 ) أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم شهد بدرا ( 3 ) وكان تبنى ( 4 ) سالما ( 5 ) الذي يقال له مولى أبي حذيفة كما كان تبنى ( 6 ) رسول الله زيد ( 7 ) بن حارثة فأنكح أبو حذيفة سالما وهو ( 8 ) يرى ( 9 ) أنه ابنه أنكحه ( 10 ) ابنة ( 11 ) أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي من المهاجرات الأول ( 12 ) وهي يومئذ من أفضل ( 13 ) أيامى قريش فلما أنزل الله تعالى في زيد ما أنزل : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } ( 14 ) رد كل أحد تبني إلى أبيه فإن لم يكن يعلم أبوه رد إلى مواليه ( 15 ) . فجاءت سهلة ( 16 ) بنت سهيل ( 17 ) امرأة أبي حذيفة وهي ( 18 ) من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا ( 19 ) فقالت : كنا نرى ( 20 ) سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل ( 21 ) وليس لنا إلا بيت واحد فما ترى ( 22 ) في شأنه ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : فيما بلغنا ( 23 ) أرضعيه ( 24 ) خمس رضعات فتحرم ( 25 ) بلبنك أو بلبنها وكانت تراه ( 26 ) ابنا من الرضاعة فأخذت ( 27 ) بذلك ( 28 ) عائشة ( 29 ) فيمن ( 30 ) تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أم كلثوم ( 31 ) وبنات أخيها ( 32 ) يرضعن من أحببن ( 33 ) أن يدخل عليها وأبى ( 34 ) سائر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يدخل عليهم بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لعائشة : والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة ( 35 ) لها في رضاعة سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد . فعلى ( 36 ) هذا كان رأي أزواج النبي صلى الله عليه و سلم في رضاعة الكبير
_________
( 1 ) قوله : أخبرني عروة قال ابن عبد البر : هذا حديث يدخل في المسند أي الموصول للقاء عروة عائشة وسائر أزواجه صلى الله عليه و سلم وللقائه سهلة بنت سهيل وقد وصله جماعة منهم معمر وعقيل ويونس وابن جرير عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بمعناه ورواه عثمان بن عمر وعبد الرزاق كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ( قال الحافظ بعد ما بسط الكلام على طرق الرواية : لكنه عند أكثر الرواة عن مالك مرسل . انظر : أوجز المسالك 10 / 308 )
( 2 ) قوله : أن أبا حذيفة هو أبو حذيفة بضم الحاء ابن عتبة بضم العين ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي اسمه هاشم وقيل : هشم بضم الهاء كان من فضلاء الصحابة هاجر الهجرتين وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية والمشاهد كلها وقتل يوم اليمامة شهيدا في عهد ابي بكر رضي الله عنه . وزوجته سهلة بفتح السين بنت سهل بن عمرو القرشية العامرية ولدت لأبي حذيفة محمد بن أبي حذيفة وولدت لشماخ بن سعيد بكير بن شماخ وولدت لعبد الرحمن بن عوف سالم بن عبد الرحمن كذا في " الاستيعاب "
( 3 ) أي حضر غزوة بدر وغيرها
( 4 ) أي جعله متبنى
( 5 ) قوله : سالما قال البخاري : كان مولى امرأة من الأنصار قال ابن حبان : يقال لها ليلى ويقال ثبيتة بضم الثاء وفتح الباء وسكون الياء بنت يعار بفتح التحتية ابن زيد بن عبيد وكانت امرأة أبي حذيفة بن عتبة وبهذا جزم ابن سعد وقيل : اسمها سلمى وقال ابن شاهين : سمعت ابن أبي داود يقول : هو سالم بن معقل مولى فاطمة بنت يعار الأنصارية أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة فتبناه أي اتخذه ابنا وكان مع أبي حذيفة في معركة اليمامة وكان معه لواء المهاجرين وقاتل إلى أن صرع فقال : ما فعل أبو حذيفة ؟ فقيل : قتل فقال : فأضجعوني بجنبه ( في الأصل بجنبي وهو تحريف ) فمات فأرسل عمر ميراثه إلى معتقته ثبيتة فقالت : إنما أعتقته سائبة . فجعله في بيت المال رواه ابن المبارك كذا في شرح الزرقاني ( 3 / 244 )
( 6 ) أي أخذ ابنا
( 7 ) قوله : زيد بن حارثة هو أبو أسامة زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبد العزى القرشي نسبا الهاشمي ولاء مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم وحبه وأبو حبه كان أمه خرجت به تزور قومها فأغارت عليهم بنو القين فأخذوا زيدا وقدموا به سوق عكاظ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فوهبته للنبي صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثمان سنين فأعتقه وتبناه قال ابن عمر رضي الله عنهما : ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل قوله تعالى : { ادعوهم لآبائهم } ( سورة الأحزاب : الآية 5 ) وهاجر إلى المدينة وشهد بدرا والخندق والحديبية وغيرها ولم يذكر الله في القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وغيره من الأنبياء إلا زيدا بقوله : { فلما قضى زيد منها وطرا } ( سورة الأحزاب : الآية 37 ) الآية استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي
( 8 ) قوله : وهو يرى أنه ابنه لأنه كان التبني في الجاهلية وأوائل الإسلام أمرا معتبرا وكان من تبنى رجلا دعاه الناس إليه وورث ميراثه إلى أن نزل قوله تعالى : { ادعوهم } أي المتبنين لآبائهم لا لمن تبناه { هو } أي دعاؤهم إلى آباءهم { أقسط } أي أعدل { عند الله فإن لم تعلموا آباءهم } أي آباءهم الذين هم من مائهم { فإخوانكم } أي فهم إخوانكم في الدين . نزل ذلك في زيد بن حارثة متبنى رسول الله صلى الله عليه و سلم فعند ذلك رد كل أحد تبني إلى أبيه ولم ينسب إلى من تبناه ولا حكم بوراثته منه بل من أبيه
( 9 ) أي أبو حذيفة يظن أن سالما المتبنى ابنه
( 10 ) أعاده لوقوع الفصل
( 11 ) قوله : ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وفي رواية يونس وشعيب عن الزهري : هند بنت الوليد والصواب فاطمة قاله ابن عبد البر
( 12 ) بضم الألف وخفة الواو المفتوحة
( 13 ) قوله : من أفضل أيامي قريش جمع أيم هو من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا
( 14 ) بيان لما أنزل
( 15 ) أي نسب إلى مواليه
( 16 ) بفتح السين وسكون الهاء
( 17 ) بصيغة التصغير
( 18 ) فهي قرشية عامرية وأبوها صحابي شهير
( 19 ) هذا قول الزهري
( 20 ) أي نظن أنه ولد للتبني
( 21 ) قوله : وأنا فضل بضم الفاء وسكون الضاد قال الباجي : أي مكشوفة الرأس والصدر وقيل : عليها ثوب واحد لا إزار عليها وقيل : متوشحة بثوب على عاتقها خالفت بين طرفيها قال ابن عبد البر : أصحها الثاني
( 22 ) قوله : فما ترى في شأنه ؟ وفي رواية لمسلم عن القاسم عن عائشة قالت : إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه وله من وجه آخر قالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوه وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا
( 23 ) هذا قول الزهري
( 24 ) قوله : أرضعيه خمس رضعات في رواية يحيى بن سعيد عن ابن شهاب : عشر رضعات والصواب رواية مالك قاله ابن عبد البر . وفي رواية لمسلم : قالت : كيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال : قد علمت أنه رجل كبير . قال النووي في " شرح صحيح مسلم " : قال القاضي عياض : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها وهذا حسن ويحتمل أنه عفا عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر . انتهى . وفي رواية ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال : كانت سهلة تحلب في مسعط قدر رضعة فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رأسها رخصة من رسول الله صلى الله عليه و سلم لسهلة
( 25 ) قوله : فتحرم قال القاري : بتشديد الراء المفتوحة أي فصار حراما بلبنك أي بسبب رضاعك والخطاب للمرأة أو بلبنها شك من الراوي وهو إما التفات في المبنى أو نقل بالمعنى . انتهى . ولا يخفى ما في ضبطه والظاهر أن تحرم صيغة الحاضر خطابا إلى سهلة أي فتحرمه عليك بلبنك هذا إذا كان من التفعيل ويمكن أن يكون ثلاثيا ويمكن أن يكون على صيغة المجهول وفي " موطأ يحيى " فيحرم بلبنها
( 26 ) أي كانت سهلة تظن سالما ابنا لها من الرضاعة بعد ما أرضعته
( 27 ) أي استدلت به وعملت بحسبه
( 28 ) أي بحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه القصة
( 29 ) قوله : عائشة قال النووي في " شرح صحيح مسلم " : قالت عائشة وداود الظاهري : يثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما يثبت برضاع الطفل لهذا الحديث وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن : إنه لا يثبت الرضاع إلا برضاع من دون سنتين إلا أبا حنيفة فقال : سنتين ونصف وقال زفر : ثلاث سنين وعن مالك رواية سنتين وأيام واحتج الجمهور بقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } ( سورة البقرة : الآية 233 ) وبالحديث الذي ذكره مسلم : إنما الرضاعة من المجاعة وبأحاديث مشهورة وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم . انتهى . وذكر ابن عبد البر وغيره أن بقول عائشة قال عطاء والليث . وقال أبو بكر ابن العربي : لعمر الله إنه لقوي كيف ولو كان ذلك خاصا بسالم لقال لها : ولا يكون لأحد بعدك كما قال لأبي بردة في الجذعة . وفيه ما لا يخفى على صاحب الفطنة
( 30 ) قوله : فيمن تحب ظاهر الرواية شاهدة بأن عائشة أخذت به في باب الحجاب وظنت أن رضاعة الكبير أيضا تحل رفع الحجاب مطلقا لا خاصا بسهلة وسالم وقيل إنها ظنت بتحريم رضاعة الكبير مطلقا
( 31 ) ابنة أبي بكر الصديق
( 32 ) عبد الرحمن بن أبي بكر
( 33 ) في نسخة : أحببت
( 34 ) قوله : وأبى أي امتنعت بقية أزواج النبي صلى الله عليه و سلم عن أن يدخل عليهن بالرضاعة في الكبر وجعلن هذا الحكم خاصا بسهلة وسالم وفي رواية لمسلم عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين عن أمها أنها كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه و سلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ( انظر : صحيح مسلم باب حكم رضاعة الكبير 3 / 635 )
( 35 ) وقد كان لرسول الله أن يخص من شاء بما شاء من الأحكام
( 36 ) قوله : فعلى هذا أي على عدم اعتبار رضاعة الكبير كان رأي أمهات المؤمنين غير عائشة ويوافقهم ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه فقلت : يا رسول الله : إنه أخي من الرضاعة فقال : انظرن إخواتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة . وفي الباب أخبار أخر قد مر نبذ منها

627 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن ( 1 ) سعيد عن سعيد بن المسيب : أنه سمعه يقول : لا رضاعة إلا في المهد ( 2 ) ولا رضاعة إلا ما أنبت ( 3 ) اللحم والدم
قال محمد : لا يحرم ( 4 ) الرضاع إلا ما كان في الحولين فما كان فيها من الرضاع وإن كان ( 5 ) مصة واحدة فهي تحرم كما قال عبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا لأن الله عز و جل قال : { والوالدات يرضعن ( 6 ) أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } ( 7 ) فتمام الرضاعة الحولان فلا رضاعة بعد تمامهما تحرم ( 8 ) شيئا . وكان أبو حنيفة رحمه الله يحتاط ( 9 ) بستة أشهر بعد الحولين فيقول : يحرم ( 10 ) ما كان في الحولين وبعدهما إلى تمام ستة أشهر وذلك ( 11 ) ثلاثون شهرا ولا يحرم ما كان بعد ذلك . ونحن ( 12 ) لا نرى ( 13 ) أنه ( 14 ) يحرم ونرى ( 15 ) أنه لا يحرم ما كان بعد الحولين . وأما لبن الفحل ( 16 ) فإنا نراه يحرم ونرى أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فالأخ ( 17 ) من الرضاعة من الأب تحرم عليه أخته من الرضاعة من الأب وإن كانت الأمان ( 18 ) مختلفتين إذا كان لبنهما من رجل واحد كما قال ابن عباس : اللقاح واحد . فبهذا نأخذ . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) قوله : يحيى بن سعيد هكذا في بعض النسخ وهو الصحيح الموافق لما في " موطأ يحيى " وفي بعضها : مالك أخبرنا سعيد بن المسيب أنه سمعه ... إلخ وهو غلط واضح فإن مالكا لم يدرك ابن المسيب . وكذا ما في بعضها : مالك أخبرنا يحيى بن سعيد بن المسيب أنه سمعه ... إلخ
( 2 ) أي في حالة الصغر أي حين يكون الطفل في المهد
( 3 ) وهو رضاعة الصغير ما لم يتغذ
( 4 ) بصيغة المعروف الغائب من التحريم
( 5 ) قوله : وإن كان مصة واحدة وأما حديث عائشة مرفوعا : لا تحرم المصة ولا المصتان أخرجه ابن حبان ومسلم وغيرهما فهو إما متروك بإطلاق الكتاب وهو قوله تعالى : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } أو منسوخ . وعن ابن عباس أنه قال : كان ذلك . فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم حكاه عنه أبو بكر الرازي ومثله روي عن ابن مسعود وقال ابن بطال : أحاديث عائشة في هذا الباب مضطربة فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله تعالى كذا في " البناية "
( 6 ) خبر بمعنى الأمر أي ليرضعن
( 7 ) مفهومه ما ذكره تعالى بعده : { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } ( سورة البقرة : الآية 233 )
( 8 ) قوله : تحرم شيئا وعليه يتفرع أن الزوج لو مص ثدي زوجته ودخل في حلقه لبنها لا تحرم عليه إذا كان كبيرا بذلك أفتى ابن مسعود ورجع إليه أبو موسى الأشعري بعد ما أفتى خلافه كما رواه مالك في " الموطأ " ليحيى
( 9 ) قوله : يحتاط فيه إشارة إلى أنه حكم مبني على الاحتياط وليس أمرا ثابتا بالنص ولا يخفى أنه لا احتياط بعد ورود النصوص بالحولين مع أن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما دليلا قولهما
( 10 ) أي يحرم الرضاع في مدة حولين ونصف حول
( 11 ) أي مجموعة
( 12 ) يعني به نفسه وأبا يوسف وغيرهما من العلماء
( 13 ) قوله : لا نرى ... إلخ هذا هو الأصح المفتى به وقول أبي حنيفة وإن ذكروا في توجيهه أمورا فلا يخلو عن شيء قال ابن الهمام في " فتح القدير " : لهما قوله تعالى : { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } ومدة الحمل أدناه ستة أشهر فبقي للفصال حولان وقال صلى الله عليه و سلم : لا رضاع بعد حولين رواه الدارقطني عن ابن عباس يرفعه . وأظهر الأدلة لهما قوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فجعل التمام بهما ولا مزيد على التمام بهما ولا مزيد على التمام . ولأبي حنيفة هذه الآية ووجهه أنه تعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكانت لكل منهما بكمالها إلا أنه قام المنقص في أحدهما يعني في مدة الحمل وهو قول عائشة : الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل ومثله لا يقال إلا سماعا فبقي مدة الفصال على ظاهره غير أن هذا يستلزم كون لفظ ثلاثين مستعملا في إطلاق واحد في مدلول ثلاثين وفي أربعة وعشرين وهو الجمع بين الحقيقي والمجازي ويمكن أن يستدل له بقوله تعالى : { والوالدت يرضعن أولادهن } بناء على أن المراد من الوالدات المطلقات بقرينة { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ( سورة البقرة : الآية 233 ) فإن الفائدة في جعلها نفقتها من حيث كونها ظئرا أوجه : منها في اعتباره إيجاب النفقة للزوجة لأن ذلك معلوم بالضرورة قبل البعثة واللام في { لمن أراد } متعلق بيرضعن أي يرضعن للآباء الذين أرادوا تمام الرضاعة وعليهم كسوتهن ورزقهن بالمعروف أجرة لهن والحاصل حينئد يرضعن حولين كاملين لمن أراد من الآباء أن يتم الرضاعة بالأجرة هذا لا يقتصي أن انتهاء مدة الرضاعة بالحولين بل مدة استحقاق الأجرة بالإرضاع ثم يدل على بقائها في الجملة قوله تعالى : { فإن أرادا فصالا } عطفا بالفاء على يرضعن حولين فعلق الفصال بعد الحولين على تراضيهما وقد يقال : أين الدليل على انتهائها بستة أشهر بعد الحولين ؟ وما ذكر في وجه زيادتها لا يفيد سوى أنه إذا أريد الفطام يحتاج إليها ليتعود فيها غير اللبن قليلا قليلا لتعذر نقله دفعة وأما أنه يجب ذلك بعد الحولين ويكون من تمام مدة التحريم شرعا فلا ولا شك أن الشرع لم يحرم إطعامه من غير اللبن قبل الحولين ليلزم منها زيادة مدة التعود عليهما فجاز أن يعود مع اللبن غيره قبل الحولين بحيث قد استقرت العادة مع انقضائهما فكان الأصح قولهما وهو مختار الطحاوي . وقول زفر من ثلاث سنين على هذا أولى بالبطلان وهوظاهر وحينئذ فقوله تعالى : { فإن أرادا فصالا } المراد به قبل الحولين . انتهى . ملخصا
( 14 ) أي ما كان بعد الحولين
( 15 ) تكرير تأكيدي
( 16 ) أي الرجل وهو زوج المرضعة الذي لبنها منه
( 17 ) تصوير للبن الفحل
( 18 ) أي أم الأخ وأم الأخت

( كتاب الضحايا ( 1 ) وما يجزئ منها )
628 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع : أن عبد الله بن عمر كان يقول في الضحايا والبدن ( 2 ) الثني فما فوقه
_________
( 1 ) قوله : الضحايا هي جمع ضحية كهدية وهدايا وأما الأضاحي فهو جمع أضحية وهي ما يذبح في يوم من أيام النحر على وجه التقرب كذا قال القاري
( 2 ) قوله : والبدن بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة محركة بمعنى الإبل والبقر عندنا فهو تخصيص بعد تعميم والثني - ككريم - من الإبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة ومن البقر ما له سنتان وطعن في الثالثة ومن الغنم ما له سنة وطعن في الثانية كذا قال القاري

629 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر : أنه كان ينهى ( 1 ) عما لم تسن ( 2 ) من الضحايا والبدن وعن التي ( 3 ) نقص من خلقها
_________
( 1 ) وهو في " موطأ يحيى " : كان يتقي
( 2 ) قوله : عما لم تسن قال القاري : بضم التاء وكسر السين وتشديد النون يقال أسن الإنسان وغيره إذا كبر وقال الأزهري : ليس معنى إسنان البقر وغيره كبرهما بل معناه طلوع الأسنان وفي " شرح الزرقاني " : روي لم تسن بكسر السين من السن لأن معروف مذهب ابن عمر أنه لا يضحى إلا بثني المعز والضأن ( قال الزرقاني : لا يجوز عنده الجذع من الضأن وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور . شرح الزرقاني 3 / 72
قال الموفق : ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي . المغني 6 / 622 ) والإبل والبقر وروي بفتح السين قال ابن قتيبة وهي التي لم تنبت أسنانها
( 3 ) أي عن التي نقص من خلقتها نقصانا يوجب نقصان القيمة وتأذي البهيمة

630 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر : أنه ضحى ( 1 ) مرة بالمدينة فأمرني أن أشتري له كبشا فحيلا ( 2 ) أقرن ( 3 ) ثم أذبحه له ( 4 ) يوم الأضحى في مصلى ( 5 ) الناس ففعلت ( 6 ) ثم حمل إليه فحلق رأسه حين ذبح كبشه وكان ( 7 ) مريضا لم يشهد العيد مع الناس قال نافع : وكان عبد الله بن عمر يقول : ليس حلاق ( 8 ) الرأس بواجب على من ضحى إذا لم يحج وقد فعله ( 9 ) عبد الله بن عمر
قال محمد : وبهذا كله نأخذ إلا في خصلة ( 10 ) واحدة الجذع ( 11 ) من الضأن إذا كان ( 12 ) عظيما أجزأ في الهدي ( 14 ) والأضحية بذلك ( 15 ) جاءت الآثار : الخصي ( 16 ) من الأضحية يجزئ مما يجزئ منه الفحل . وأما الحلاق فنقول فيه بقول عبد الله بن عمر : إنه ليس بواجب على من لم يحج ( 17 ) في يوم النحر . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) بتشديد الحاء أي أراد أن يضحي
( 2 ) قوله : فحيلا أي ذكرا لا أنثى وفي زيادة ياء النسبة إشارة إلى تحقيق ذكورته وقيل : يحتمل أن يراد به لا خصيا وقيل : أي قويا عظيم الجثة
( 3 ) أي ذا قرن
( 4 ) معطوف على اشترى أي أذبح لابن عمر في مصلى العيد
( 5 ) قوله : في مصلى الناس اتباعا لما ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينحر بالمصلى بعد صلاة العيد
( 6 ) قوله : ففعلت أي فعلت ما أمرت من الشراء والذبح في المصلى ثم حمل الكبش المذبوح إلى ابن عمر فحلق ابن عمر رأسه حين حمل إليه والظرفية في قوله حين الذبح مجازية للقرب ويحتمل أن تكون حقيقة والتجوز في التعقب الحاصل بثم
( 7 ) قوله : وكان أي ابن عمر مريضا في تلك الأيام ولذا لم يشهد صلاة العيد ولم يذبح الأضحية بيده مع أنه الأفضل بل أمر نافعا به
( 8 ) بكسر أوله أي حلق شعر الرأس
( 9 ) وقد فعله : مقولة نافع . قوله : وقد فعله والظاهر أن حلقه وقع اتفاقا أو أراد به التشبه بالحاج استحبابا فلا ينافي نفيه إيجابا كذا قال القاري والأظهر أن يقال : إنه صدر اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم من أراد أن يضحي ورأى الهلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي أخرجه مسلم وغيره فلعل ابن عمر لم يأخذ شعره وأظفاره حتى ضحى فحلق شعره وأخذ أظفاره وفي الحديث إشارة إلى استحباب التشبه بالصالحين ( في " البذل " عن الشوكاني : ذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه : مكروه كراهة تنزيه ومذهب الحنفية في ذلك ما في " شرح المنية " . وما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي ... الحديث محمول على الندب دون الوجوب بالإجماع فنفي الوجوب لا ينافي الاستحباب فيكون مستحبا إلا أن يستلزم الزيادة وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الأربعين فإنه لا يباح ترك قلم الأظفار ونحوه فوق الأربعين . انتهى . أوجز المسالك 9 / 239 )
( 10 ) أي في صفة واحدة
( 11 ) قوله : الجذع من الضأن هو ذوات الصوف من الغنم التي له ألية كما في " منح الغفار " وغيره والجذع بفتح الجيم والذال المعجمة عند أهل اللغة من الشاة ما تمت له سنة وطعنت في الثانية ومن البقر ابن سنة ومن الإبل ابن أربع سنين وفي اصطلاح الفقهاء الجذع من الضأن ماتمت له ستة اشهر وهو المرجح عند الحنفية وقال بعضهم : ما تمت سبعة أشهر وقيل ستة أو سبعة والتقييد بالضأن لأن الجذع من الإبل والبقر والغنم لا يجزئ بل لا يجزئ منها إلا الثني كذا في " الهداية " و " البناية " وغيرهما
( 12 ) قوله : إذا كان عظيما أي عظيم الجثة بحيث لو خلط بالثنايا أشتبه على الناظر من بعيد كذا فسره صاحب " الهداية " وغيره
( 13 ) أي في هدي الحاج وأضحية يوم الأضحى
( 14 ) قوله : بذلك أي بإجزاء الجذع من الضأن أضحيته . وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن هلال مرفوعا : نعمت الأضحية الجذع من الضأن أضحيته . وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا : نعمت الأضحية الجذع من الضأن . وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن مجاشع مرفوعا : أن الجذع يوفي مما يوفي عنه الثني . وفي صحيح مسلم عن جابر : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن . وبهذه الآثار وغيرها قال الجمهور بجواز الجذع من الضأن لا من غيره وحملوا التقييد المذكور في رواية مسلم على الأفضل والمعنى : يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن وجوزوا الجذع من الضأن مع وجود غيره وحكى ابن المنذر وغيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزئ مطلقا من الضأن كان أو من غيره وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف كذا في " شرح مسند الإمام " لبعض الأعلام
( 15 ) قوله : والخصي أي مقطوع الخصيتين يجزئ مما يجزئ منه الفحل أي غير المقطوع لما قد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم ذبح بكبشين موجوأين أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم
( 16 ) وأما الحاج فيجب عليه الحلق والقصر

631 - أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يضحي عما في بطن المرأة
قال محمد : وبهذا نأخذ لا يضحى ( 1 ) عما في بطن المرأة
_________
( 1 ) قوله : لا يضحي أي لا يجب عليه أن يضحي عما في حمل المرأة لأنه لم يخرج إلى الآن إلى دار الأحكام وأما بعد خروجه من بطن الزوجة فقد اختلف أصحابنا وغيرهم فيه فمنهم من قال : يجب الأضحية عن نفسه وعن أولاده الصغار ومنهم من قال : لا يجب إلا عن نفسه . والمسألة مبسوطة في كتب الفقه

1 - ( باب ما يكره من الضحايا )

632 - أخبرنا مالك أخبرنا عمرو ( 1 ) بن الحارث أن عبيد ( 2 ) بن فيروز أخبره أن البراء ( 3 ) بن عازب سأل ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم : ماذا ( 5 ) يتقى من الضحايا ؟ فأشار ( 6 ) بيده وقال : أربع ( 7 ) - وكان البراء بن عازب يشير بيده ويقول : يدي أقصر ( 8 ) من يده - وهي العرجاء ( 9 ) البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها العجفاء التي لا تنقي
قال محمد : وبهذا نأخذ . فأما العرجاء فإذا مشت ( 10 ) على رجلها فهي تجزئ ( 11 ) وإن كانت لا تمشي لم تجزئ وأما العوراء فإن كان بقي من البصر الأكثر ( 12 ) من نصف البصر أجزأت وإن ذهب النصف فصاعدا لم تجزئ وأما المريضة التي فسدت ( 13 ) لمرضها والعجفاء التي لا تنقى فإنهما لا يجزئان
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا عمرو هو ابن الحارث بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري وثقه ابن معين والنسائي وغير واحد مات سنة 148 ، وقيل 149 ، كذا في " الإسعاف "
( 2 ) قوله : أن عبيد بن فيروز ضبطه القاري بفتح الفاء وسكون الياء وضم الراء وسكون الواو في آخره زاء وذكر السيوطي أن عبيد بن فيروز أبو الضحاك الكوفي وثقه النسائي وأبو حاتم وقال ابن عبد البر : لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث وإنما رواه عمرو عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد فسقط لمالك ذكر سليمان ولا يعرف الحديث إلا له ولم يروه غيره عن عبيد ولا يعرف عبيد إلا بهذا الحديث وروى عن سليمان جماعة منهم شعبة والليث عن عمرو
( 3 ) قوله : أن البراء هو بفتح الباء وتخفيف الراء المفتوحة وبالمدين عازب بكسر الزاء المعجمة ابن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي . أول مشاهده الخندق نزل الكوفة ومات بها في أيام مصعب بن الزبير سنة 72 ، كذا في " جامع الأصول "
( 4 ) هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة وأحمد والحاكم أيضا من طريق عبيد
( 5 ) قوله : ماذا يتقى أي يجتنب قال الباجي : دل هذا على أن للضحايا صفات يتقى بعضها ولو لم يعلم أنها يتقى منها شيء لسئل هل يتقى من الضحايا شيء ؟
( 6 ) في رواية أشار بأصبعه وقال البراء : أصبعي أقصر من أصبع رسول الله صلى الله عليه و سلم - وهو يشير بأصبعه - ويقول : لا يجوز من الضحايا أربع أورده ابن عبد البر
( 7 ) أي يتقى أربع ( قال الزرقاني : وفي رواية قال : لا يجوز من الضحايا أربع . شرح الزرقاني 3 / 71 والأوجز 9 / 227 )
( 8 ) أي حقيقة أو فضلا وشرفا
( 9 ) قوله : العرجاء بفتح العين وسكون الراء البين ظلعها بفتح الظاء وسكون اللام أي عرجها والعوراء التي ذهبت إحدى عينيه - ويلحق به العمياء بدلالة النص - البين عورها أي الظاهر فإن كان به مانع حقير لا يمنع الإبصار فلا بأس به والمريضة البين مرضها أي التي يتبين أثر المرض عليها وهو شامل لكل مرض وقال الشافعي : المراد به الجرباء قال العيني : هذا تقييد للمطلق وتخصيص للعموم والعجفاء بفتح العين مؤنث أعجف بمعنى الضعيفة التي لا تنقي - بضم التاء وكسر القاف - أي التي لا نقي لها وهو بكسر النون وسكون القاف ... إلخ وقيل : الشحم كذا قال الزرقاني والعيني
( 10 ) أي إلى المرعى أو المذبح
( 11 ) قوله : فهي تجزئ لما يدل عليه قوله عليه السلام البين ظلعها وفيه أن ظهور العرج لا يتوقف على أن تصل إلى حد عدم المشي بل مع المشي إذا لم تقدر على اللحوق بنفسها مع أبناء جنسها فهي عرجاء بين عرجها
( 12 ) فإن للأكثر حكم الكل
( 13 ) أي تغيرت

2 - ( باب لحوم الأضاحي )

633 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر ( 1 ) عن عبد الله ( 2 ) بن واقد أن عبد الله بن عمر أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ( 3 ) . قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك ( 4 ) لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت : صدق ( 5 ) سمعت ( 6 ) عائشة أم المؤمنين تقول : دف ( 7 ) ناس من أهل البادية حضرة الأضحى ( 8 ) في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ادخروا ( 9 ) الثلث وتصدقوا ( 10 ) بما بقي فلما كان ( 11 ) بعد ذلك قيل ( 12 ) : يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون في ضحاياهم يجملون ( 13 ) منها الودك ( 14 ) ويتخذون منها ( 15 ) الأسقية ( 16 ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : وما ذاك ( 17 ) ؟ - كما ( 18 ) قال - قالوا : نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنما نهيتكم من أجل ( 19 ) الدافة التي كانت دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا ( 20 ) وادخروا
_________
( 1 ) ابن محمد بن عمرو بن حزم
( 2 ) هو عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر العمري المدني وثقه ابن حبان مات سنة 119 ، قاله السيوطي
( 3 ) قوله : بعد ثلاث اختلف في أول الثلاثة التي كان الادخار فيها جائزا فقيل : أولها يوم النحر فمن ضحى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة وقيل : أولها يوم يضحي فلو ضحى من آخر أيام النحر جاز له أن يمسك ثلاثا بعدها وحكى البيهقي عن الشافعي قال : كان النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث للتنزيه وهو كالأمر في قوله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } ( سورة الحج : الآية 36 ) قال المهلب : هو الصحيح لما أخرجه البخاري عن عائشة قالت : كنا نملح الضحية فنقدم به على النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فقال : لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعم منه كذا في " شرح المسند " ( تنسيق النظام ص 198 )
( 4 ) أي حديث ابن عمر
( 5 ) أي ابن عمر فيما أخبر به أو عبد الله بن واقد في ما نقله
( 6 ) قوله : سمعت عائشة كأنها أشارت إلى أن خبر النهي الذي رواه عبد الله بن واقد عن جده وإن كان صادقا لكنه منسوخ بدليل خبر عائشة قال الحازمي في " كتاب الناسخ والمنسوخ " بعد ما أخرج أحاديث النهي عن أكل لحم الأضحية فوق ثلاث من طريق ابن عمر وعلي غيرهما : ممن ذهب إلى هذه الأخبار علي بن أبي طالب وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وخالفهم في ذلك جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ورأوا جواز ذلك وتمسكوا في ذلك بأخبار تدل على نسخ ذلك . انتهى . ثم ذكر أخبارا تدل على النسخ من طريق جابر وأبي بريدة وعائشة ونقل عن الشافعي أنه قال : حديث علي عن النبي صلى الله عليه و سلم في النهي وحديث عبد الله بن واقد متفقان وفيهما دلالتان أن عليا سمع النهي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن النهي بلغ عبد الله بن واقد ودلالة أن الرخصة من النبي صلى الله عليه و سلم لم يبلغ عليا ولا عبد الله ولو بلغتهما ما حدثا بالنهي والنهي منسوخ
( 7 ) قوله : دف بتشديد الفاء وفتح الدال أي جاء قال أهل اللغة : الدافة قوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد ( ودافة الأعراب من يرد منهم المصر والمراد ههنا ضعفاء الأعراب للمواساة . وفي " موطأ يحيى " زيادة : يعني بالدافة قوما مساكين قدموا المدينة - تفسير من بعض الرواة - انظر الزرقاني 3 / 76 والأوجز 9 / 250 ) كذا قال ابن حجر
( 8 ) أي في وقت الأضحى
( 9 ) بتشديد الدال المهملة أي احبسوا اللحوم إلى ثلاث ليال وتصدقوا بما بقي بعد ذلك
( 10 ) قوله : وتصدقوا بما بقي فيه إشارة إلى أن النهي عن الأكل فوق ثلاث كان خاصا بصاحب الأضحية فأما من أهدي له أو تصدق عليه فلا وقد جاء في حديث الزبير عند أحمد وغيره : قلت : يا نبي الله أرأيت قد نهي المسلمون أن يأكلوا لحم نسكهم فوق ثلاث فكيف نصنع بما أهدي إلينا ؟ قال : أما ما أهدي إليكم فشأنكم
( 11 ) قوله : فلما كان بعد ذلك أي في العام الذي بعد عام النهي كما ورد في حديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وورد عند أحمد وغيره ما يدل على أن حكم النسخ صدر أيضا في حجة الوداع ولعله إنما خطب به هناك ليشيع حكم النسخ ولا يبقى فيه ريب
( 12 ) قوله : قيل الظاهر أنهم أرادوا توسيع الأمر فذكروا له ذلك وقيل : إنهم فهموا أن النهي كان بسبب خاص وهو الدافة وترددوا في أنه هل اختص الحكم به أم صار عاما ؟ فذكروا للنبي صلى الله عليه و سلم ما ذكروا ففتح النبي صلى الله عليه و سلم بالرخصة
( 13 ) بالضم وبالجيم : أي يذيبون
( 14 ) بفتحتين : الشحم
( 15 ) أي من جلودها
( 16 ) جمع سقاء أي القربة
( 17 ) أي : ما الذي منعهم من ذلك ؟
( 18 ) شك من الراوي
( 19 ) أي من أجل الجماعة التي جاءت إليكم لتوسعوا عليهم
( 20 ) الأمر للاستحباب

634 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أنه أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث . ثم قال بعد ( 1 ) ذلك : كلوا وتزودوا وادخروا ( 2 )
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بالادخار بعد ثلاث والتزود وقد رخص ( 3 ) في ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أن كان نهى عنه فقوله الآخر ( 4 ) ناسخ للأول فلا بأس بالادخار والتزود من ذلك . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) أي بعد النهي في العام الآخر
( 2 ) بتشديد الدال المهملة . والأمر فيه وكذا في التزود للإباحة
( 3 ) فهو من قبيل نسخ السنة بالسنة
( 4 ) أي المتأخر

635 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي أن جابر بن عبد الله أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان ينهى ( 1 ) عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد ذلك : كلوا وادخروا وتصدقوا
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بأن يأكل ( 2 ) الرجل من أضحيته ويدخر ويتصدق ( 3 ) وما نحب له أن يتصدق بأقل من الثلث وإن تصدق بأقل من ذلك جاز ( 4 )
_________
( 1 ) في نسخة : نهى
( 2 ) بل يستحب له ذلك كما فعله النبي صلى الله صلى الله عليه و سلم
( 3 ) لقوله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } ( سورة الحج : الآية 36 )
( 4 ) وكذا لو لم يتصدق بشي

3 - ( باب الرجل يذبح أضحيته قبل أن يغدو ( 1 ) يوم الأضحى )
636 - أخبرنا مالك أخبرني يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم : أن عويمر ( 2 ) بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ( 3 ) ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأمره أن يعود بأضحية ( 4 ) أخرى
قال محمد : وبهذا ( 5 ) نأخذ . إذا كان الرجل في مصر يصلى ( 6 ) العيد فيه فذبح قبل أن يصلي الإمام فإنما ( 7 ) هي شاة لحم ولا يجزئ من الأضحية ومن لم يكن في مصر وكان في بادية ( 8 ) أو نحوها من القرى النائية ( 9 ) عن المصر فإذا ذبح حين يطلع الفجر ( 10 ) وحين تطلع الشمس أجزأه . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
_________
( 1 ) أي قبل أن يذهب صباحا إلى المصلى
( 2 ) قوله : عويمر هو عويمر - بضم العين وكسر الميم مصغرا - ابن أشقر - بفتح الألف وسكون الشين المعجمة بعدها قاف - بن عوف الأنصاري وقيل : ابن أشقر بن عدي بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني شهد بدرا وروى عنه عباد بن تميم المازني مرسلا كذا قال ابن الأثير في " جامع الأصول " وقال ابن عبد البر في " شرح الموطأ " : لم يختلف عن مالك في هذا الحديث وظاهره الانقطاع لأن عبادا لم يدرك ذلك الوقت ولذا زعم ابن معين أنه مرسل لكن سماع عباد بن تميم ممكن وقد صرح به في رواية عبد العزيز الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن عباد أن عويمر بن أشقر أخبره
( 3 ) قوله : أنه ذكر ذلك الظاهر أنه معروف والضميران يعودان إلى عويمر أي أن عويمرا ذكر ذبحه قبل الصلاة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأمره أن يذبح بأخرى وذهب القاري إلى أنه مجهول والضمير للشأن
( 4 ) قوله : بأضحية أخرى وقع في رواية ابن ماجه وابن حبان أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن عويمرا أن يضحي بجذع من المعز وهو محمول على الخصوصية أو على كونه منسوخا بدليل ما في قصة أبي بردة المروية في الصحاح أن النبي عليه السلام أجاز له بجذعة وقال : لن يجزئ عن أحد بعدك ( وقد ورد التخصيص لعقبة بن عامر أيضا فوفق بينهما باحتمال صدورهما في وقت واحد أو أن خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني قيل : ذكر بعضهم أن الذين ثبت لهم رخصة أربعة أو خمسة لكن ليس التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة بن نيار في الصحيحين وعقبة بن عامر . تنسيق النظام ص 198 . وبسط الشيخ الكلام في الأوجز 9 / 242 ، فارجع إليه
( 5 ) قوله : وبهذا نأخذ قال شارح المسند : في الحديث أن الأضحية إنما تذبح بعد فراغ الإمام من صلاة العيد سواء ذبح أو لم يذبح وسواء كان قبل الخطبة أو بعدها لكن بعدها أحب وإن أخروا صلاة العيد لعذر إلى الغد جاز أن يضحي بعد مضي وقت الصلاة وهذه المراعاة إنما هي يوم النحر خاصة وفي الثاني والثالث يجوز الذبح قبل الصلاة وهذا كله لأهل الأمصار . وأما أهل القرى فيجوز لهم بعد طلوع فجر يوم النحر ولو قبل طلوع الشمس وهذا كله مذهب أبي حنيفة وأصحابه وقال مالك : وقت ذبح الأضحية إنما يدخل بعد الخطبة والصلاة وذبح الإمام وقال الشافعي : إذا مضى من يوم النحر بعد طلوع الشمس مقدار ما يصلى فيه صلاة العيد والخطبتين بعدها ويستوي في ذلك عنده أهل المصر والبوادي
( 6 ) بصيغة المجهول صفة للمصر
( 7 ) قوله : فإنما هي شاة لحم أي : شاة ذبحت لأكل اللحم لا لتقرب النحر يشير إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم أخرجه أبو داود وغيره
( 8 ) أي صحراء
( 9 ) في نسخة : الغائبة أي البعيدة
( 10 ) أي فجر يوم النحر الصادق

4 - ( باب ما يجزئ من الضحايا عن أكثر من واحد )

637 - أخبرنا مالك أخبرنا عمارة ( 1 ) بن صياد أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا أيوب ( 2 ) صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبره قال : كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه ( 3 ) وعن أهل بيته ثم تباهى ( 4 ) الناس بعد ذلك فصارت مباهاة ( 5 )
قال محمد : كان ( 6 ) الرجل يكون محتاجا فيذبح الشاة الواحدة يضحي بها عن نفسه فيأكل ويطعم أهله فأما شاة واحدة تذبح عن اثنين أو ثلاثة أضحية ( 7 ) فهذا لا يجزئ ولا يجوز شاة إلا عن الواحد . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : عمارة بضم العين وفتح الميم هو عمارة بن عبد الله بن صياد بفتح الصاد وتشديد الياء الأنصاري أبو أيوب المدني وقد ينسب إلى جده صياد وأبوه هو الذي قيل عنه إنه الدجال وثقه ابن معين والنسائي مات بعد سنة 130 ، كذا في " إسعاف السيوطي "
( 2 ) خالد بن زيد الأنصاري
( 3 ) أي عن نفسه
( 4 ) أي تفاخر
( 5 ) أي ثم صارت الأضحية مفاخرة يتفاخرون بها ويذبحون لكل نفس واحدة فأكثر
( 6 ) قوله : كان الرجل ... إلخ لما كان أثر أبي أيوب دالا على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته أوله إلى أنه محمول على ما إذا كان الرجل محتاجا إلى اللحم أو فقيرا لا يجب عليه الأضحية فيذبح الشاة الواحدة عن نفسه ويطعم اللحم أهل بيته أو يشركهم في الثواب فذلك جائز فأما الاشتراك في الشاة الواحدة في الأضحية الواجبة فلا فإن الاشتراك خلاف القياس وإنما جوز في البقر والإبل لورود النص من طرق متكثرة أنهم اشتركوا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في البقرة والإبل ولا نص في الشاة فيبقى على الأصل وأما ما أخرجه الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن سعيد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه و سلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد إليه وهو صغير فمسح رأسه ودعا له قال : كان رسول الله يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله قال الحاكم : صحيح الإسناد فلا يدل على وقوعه عن الجماعة بل معناه أنه كان يضحي ويجعل ثوابها هبة لأهل بيته وهذا كما ورد أنه ضحى كبشا عن أمته . وبهذه الأخبار ذهب مالك وأحمد والليث والأوزاعي إلى جواز الشاة عن أكثر من واحد كذا ذكره العيني في " البناية شرح الهداية "
( 7 ) أي في الأضحية الواجبة

638 - أخبرنا مالك أخبرنا أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله قال : نحرنا ( 1 ) مع ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديبية ( 3 ) البدنة ( 4 ) عن سبعة والبقرة عن سبعة
قال محمد : وبهذا نأخذ . البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة ( 5 ) في الأضحية والهدي ( 6 ) متفرقين ( 7 ) كانوا أو مجتمعين من أهل بيت ( 8 ) واحد أو غيره . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله
_________
( 1 ) أي ذبحنا
( 2 ) أي حين حصروا بها ورفضوا إحرام العمرة هناك وذبحوا الهدايا
( 3 ) قوله : بالحديبية بضم الحاء وفتح الدال المهملة وتخفيف الياء كذا قال الشافعي وأهل اللغة وبعض أهل الحديث وقال أكثر المحدثين : بتشديد الياء وهما وجهان مشهوران قال صاحب " مطالع الأنوار " : هي قرية ليست بكبير وسميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة على نحو مرحلة من مكة وكان الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة بيعة الرضوان يوم الحديبية ألفا وأربع مائة وقيل : ألفا وخمس مائة وقيل غير ذلك كذا في " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي
( 4 ) قوله : البدنة بفتح الباء والدال يجمع على بدن - بضم الدال وسكونها - هي من البقر والإبل سميت بذلك لعظم أبدانها ذكره الدميري في " حياة الحيوان " وقال النووي في " التهذيب " : حيث أطلقت في كتب الحديث والفقه فالمراد بها البعير ذكرا كان أو أنثى وأكثر أهل اللغة أطلقوه على الإبل والبقر
( 5 ) قوله : عن سبعة وكذا عن ستة وثلاثة وخمسة بالطريق الأولى ولا يجوز عن ثمان لحديث جابر في قصة الحديبية أخرجه الجماعة إلا البخاري وفي لفظ لمسلم : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة وفي رواية لأبي داود : قال النبي صلى الله عليه و سلم : البقر عن سبعة والجزور عن سبعة وأما ما أخرجه الحاكم عن جابر : نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة البدنة عن عشرة وأخرج الترمذي - وقال : حسن غريب - والنسائي عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة وفي الجزور عشرة محمول على الاشتراك في القيمة لا في التضحية على أن البيهقي قال : حديث جابر في اشتراكهم في الجزور سبعة أصح كذا ذكره ابن حجر في " تخريج أحاديث الهداية " والعيني في " البناية "
( 6 ) قوله : والهدي أي هدي الحاج المحصر وغيره لحديث جابر فإنه نص فيه والأضحية بمعناه
( 7 ) أي سواء كان السبعة متفرقين من الأجانب أو مجتمعين
( 8 ) قوله : من أهل بيت واحد أو غيره أي من بيوت متعددة وفيه إشارة إلى الرد على ما حكاه بعض أصحابنا عن مالك أنه جوز اشتراك أهل بيت واحد وإن زادوا على السبعة ولم يجز اشتراك أهل بيتين وإن كانوا أقل . والذي يفهم من " موطأ يحيى " وشرحه أنه يجوز الاشتراك في البقر والإبل والغنم في الأجر بأن يذبحه أحد منهم ويشركهم في الأجر وفي هدي التطوع لا في الأضحية الواجبة والهدي الواجب وحمل حديث جابر على الاشتراك في الأجر فإن المحصر بعدو لا يجب عليه عنده هدي فكان الهدي الذي نحروه تطوعا لكن لا يخفى على ناظر كتب الحديث أن صريح بعض الأحاديث ترده

5 - ( باب الذبائح )

639 - أخبرنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : أن رجلا ( 1 ) كان يرعى لقحة ( 2 ) له بأحد ( 3 ) فجاءها ( 4 ) الموت فذكاها ( 5 ) بشظاظ ( 6 ) فسأل ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكلها فقال : لا بأس بها كلوها ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : أن رجلا أي من الأنصار من بني حارثة كما في " موطأ يحيى " قال ابن عبد البر : هو مرسل عند جميع رواة " الموطأ " ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري أن رجلا ...
( 2 ) بكسر اللام وفتحها : ناقة ذات لبن كذا ذكره السيوطي في " التنوير "
( 3 ) بضمتين : جبل عظيم بقرب المدينة
( 4 ) أي قرب موتها وجاءت مقدماته
( 5 ) بتشديد الكاف : أي ذبحها
( 6 ) قوله : شظاظ بكسر الشين المعجمة وإعجام الظائين : العود المحدد الطرف . وفسر في بعض طرق الحديث بالوتد كذا في " التنوير "
( 7 ) في رواية : فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله فأمره بأكلها
( 8 ) أمر إباحة : إشارة إلى إباحة أكل ما ذبح المحدد

640 - أخبرنا مالك أخبرنا ( 1 ) نافع عن رجل من الأنصار أن معاذ بن سعد ( 2 ) أو سعد بن معاذ أخبره : أن جارية ( 3 ) لكعب بن مالك كانت ترعى غنما له بسلع ( 4 ) فأصيبت ( 5 ) منها شاة فأدركتها ( 6 ) ثم ذبحتها بحجر فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال : لا بأس بها كلوها ( 7 )
قال محمد : وبهذا نأخذ كل شيء أفرى ( 8 ) الأوداج وأنهر الدم فذبحت به فلا بأس بذلك إلا السن والظفر والعظم فإنه مكروه أن تذبح ( 9 ) بشيء منه . وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا نافع أي مولى ابن عمر عن رجل من الأنصار إلخ روى البخاري هذا الحديث عن المقدمي عن معمر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع أنه سمع ابن كعب بن مالك يخبر ابن عمر أن أباه أخبره أن جارية لهم كانت ترعى غنما بسلع فأبصرت بشاة موتا فكسرت حجرا فذبحتها فقال كعب لأهله : لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه و سلم فأسأله فأتاه أو بعث إليه من سأله فأمره بأكلها . ثم روى من طريق جويرية عن نافع عن رجل من بني سلمة أخبر عبد الله بن عمر أن جارية لكعب بن مالك ترعى غنما ... الحديث . وابن كعب المذكور في الرواية الأولى هو عبد الله بن كعب جزم به المزي في " الأطراف " ورجح الحافظ ابن حجر أنه عبد الرحمن بن كعب وقال الدارقطني : رواه الليث عن نافع سمع رجلا من الأنصار يخبر عبد الله وقيل فيه عن نافع عن ابن عمر ولا يصح والاختلاف فيه كثير وقد اختلف فيه على نافع وأصحابه قال الحافظ في " مقدمة فتح الباري " : هو كما قال
( 2 ) قال الزرقاني : كذا وقع الشك . وذكر معاذ بن سعد بن مندة وأبو نعيم في الصحابة قاله في " الإصابة "
( 3 ) قال ابن حجر في " مقدمة الفتح " : لا يعرف اسمها
( 4 ) بفتح السين وسكون اللام : جبل بالمدينة
( 5 ) أي جاءته مقدمات الموت
( 6 ) الجارية
( 7 ) يستنبط من الحديث جواز ذبيحة المرأة بلا كراهة
( 8 ) قوله : أفرى الأوداج الإفراء القطع والأوداج جمع ودج - بفتحتين - وهي عروق تحيط بالحلق والإنهار الإسالة كذا ذكره العيني وفي هذا التعبير إشارة إلى ما ورد : " أنهر الدم بما شئت " متفق عليه من حديث عدي وفي رواية لهما من حديث رافع : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا . وفي رواية ابن أبي شيبة عن رافع : كل ما أفرى الأوداج إلا سنا أو ظفرا
( 9 ) بصيغة المجهول أو المعروف المخاطب

641 - أخبرنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : ما ذبح ( 1 ) به إذا بضع ( 2 ) فلا بأس به إذا اضطررت ( 3 ) إليه
قال محمد : وبهذا نأخذ . لا بأس بذلك كله على ما فسرت ( 4 ) لك وإن ذبح بسن أو ظفر منزوعين ( 5 ) فأفرى الأوداج وأنهر الدم أكل ( 6 ) أيضا . وذلك ( 7 ) مكروه فإن كانا منزوعين ( 8 ) فإنما ( 9 ) قتلها قتلا ( 10 ) فهي ميتة لا تؤكل . وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
_________
( 1 ) بصيغة المجهول
( 2 ) قوله : إذا بضع بفتح الباء وتشديد الضاد وتخفيفها أي قطع
( 3 ) قوله : إذا اضطررت ( قال صاحب " المحلى " : بأن لم تجد السكين خرج مخرج الغالب لأن الإنسان لا يعدل من المدية ونحوها إلى القضيب إلا إذا لم يجدها . انتهى . انظر : الأوجز 9 / 136 ) إليه بصيغة المجهول المخاطب . الظاهر أنه محمول على ذكاة الاضطرار فإن ذكاة الاختيار هو قطع الأوداج وذكاة الضرورة جرح في البدن أينما كان وهو لا يحل عند القدرة على ذكاة الاختيار بل بحالة عدم القدرة عليه فمعنى قوله ما ذبح به ... إلخ : أن ما يذبح به إذا قطع موضعا من مواضع الحيوان فلا بأس به إذا اضطر إليه وإن لم يضطر إليه لا يجوز ذلك . وحمله الزرقاني على أن معنى البضع قطع الحلقوم والودجين وأن قوله إذا اضطرت إليه متعلق بتعميم مستفاد من كلمة " ما " أي ما ذبح به إذا قطع الأوداج وإن كان غير حديد فلا بأس به إذا اضطررت إليه وإلا فالمستحب الحديد المشحوذ لحديث وليحد شفرته
( 4 ) أي بينت سابقا
( 5 ) أي مقلوعين عن موضعهما
( 6 ) قوله : أكل أيضا لعموم الأحاديث التي مر ذكرها . ولأن كلا من السن والظفر وكذا القرن والعظم آلة جارحة تخرج الدم فيحصل ما هو المقصود . وذكر العيني أن حلة أكل ما ذبح بالسن وغيره مذهب مالك ( قال ابن رشد في البداية 2 / 484 : أجمع العلماء على أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج من حديد أو صخر أو غيرهما أن التذكية به جائزة واختلفوا في ثلاثة : في السن والظفر والعظم ولاخلاف في المذهب أن الذكاة بالعظم جائزة إذا أنهر الدم واختلف في السن والظفر على الأقاويل الثلاثة أعني بالمنع مطلقا وبالفرق بين الانفصال والاتصال وبالكراهة لا المنع ) أيضا . وقال الشافعي وأحمد : المذبوح به ميتة لحديث رافع بن خديج مرفوعا : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا سأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم . وأما الظفر فمدى الحبشة " أخرجه الأئمة الستة وهو محمول عندنا على غير المنزوع فإن الحبشة كانوا يفعلون كذلك إظهارا للجلادة
( 7 ) قوله : ذلك أي ذلك الفعل يعني الذبح بالسن والظفر مكروه أما السن فلأنه عظم وهو زاد إخواننا من الجن فيجب الاحتزار عن تنجيسه ولهذا منع عن الاستنجاء به وذلك متصور في الذبح وأما الظفر فلأن فيه تشبها بالحبشة
( 8 ) بل قائمين في موضعهما
( 9 ) قوله : فإنما قتلها قتلا قال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " : قد روي في هذا عن ابن عباس ما قد حدثنا به سليمان بن شعيب نا الحصيب بن ناصح نا أبو الأشعث عن أبي العطاردي قال : خرجنا حجاجا فصاد رجل من القوم أرنبا فذبحها بظفره فأكلوها ولم آكل معهم فلما قدمنا المدينة سألت ابن عباس فقال : لعلك أكلت معهم ؟ فقلت : لا . قال : أصبت إنما قتلها خنقا . أفلا يرى أن ابن عباس قد بين في حديثه هذا المعنى الذي حرم به أكل ما ذبح بالظفر أنه الخنق لأن ما ذبح به فإنما ذبح بكف فهو مخنوق فدل ذلك على أنه إنما نهي عن الذبح بالظفر المركب في الكف لا المنزوع وكذلك ما نهي عنه مع ذلك من الذبح بالسن فإنما هو على السن المركبة في الفم لأن ذلك يكون عضا فإما السن المنزوعة فلا . وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
( 10 ) أي هو ليس بذبح شرعي

6 - ( باب الصيد وما يكره أكله من السباع ( 1 ) وغيرها )
642 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني ( 2 ) عن أبي ثعلبة ( 3 ) الخشني : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع
_________
( 1 ) جمع سبع بضم الباء وإسكانها : الحيوان المفترس ذكره الدميري
( 2 ) بفتح الخاء نسبة إلى خولان قبيلة بالشام اسمه عائذ الله ذكره السمعاني
( 3 ) قوله : عن أبي ثعلبة هو جرهم وقيل : جرثوم بن ناشب وقيل ابن ناشم وقيل : اسمه عمرو بن جرثوم وقيل : غير ذلك كان ممن بايع تحت الشجرة وأرسله رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قومه فأسلموا ونزل الشام ومات في زمن معاوية وقيل : في زمن عبد الملك سنة 75 ، كذا في " الاستيعاب " . ونسبته إلى خشين بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة قبيلة من قضاعة ذكره السمعاني

643 - أخبرنا مالك حدثنا إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة ( 1 ) بن سفيان الحضرمي ( 2 ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : أكل كل ذي ناب من السباع حرام
قال محمد : وبهذا نأخذ . يكره ( 3 ) أكل كل ذي ناب ( 4 ) من السباع وكل ذي مخلب من الطير ويكره من الطير أيضا ( 5 ) ما يأكل الجيف ( 6 ) مما له مخلب أو ليس له مخلب . وهو قول ( 7 ) أبي حنيفة والعامة من فقهائنا وإبراهيم النخعي
_________
( 1 ) بفتح العين ثقة وثقة النسائي والعجلي كذا في " الإسعاف "
( 2 ) بفتح الحاء وسكون الضاد نسبة إلى حضرموت من بلاد اليمن ذكره السماني
( 3 ) أي يحرم
( 4 ) قوله : أكل كل ذي ناب هو الذي يفترس بأنيابه ويعدو كالأسد والذئب والفهد وغير ذلك وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وعن بعض أصحاب مالك مباح وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير لعموم قوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } ( سورة الأنعام : الأية 145 ) وكذا لا يجوز ذو مخلب من الطير - بكسر الميم - هو للطائر كالظفر للإنسان كالصقر والشاهين والعقاب وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وقال مالك والليث والأوزاعي : لا يحرم من الطير شيء وقد ورد النهي عن أكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير من حديث ابن عباس أخرجه مسلم وأبو داود والبزار وخالد بن الوليد أخرجه أبو داود وعلي بن أبي طالب أخرجه أحمد في مسنده وجابر أخرجه الكرخي في " مختصره " . وورد من حديث أبي ثعلبة عند الأئمة الستة وأبي هريرة عند مسلم وغيره : النهي عن ذي ناب من السباع وهذه الروايات حجة على من حكم بخلافها وألحق أصحابنا بسباع البهائم سباع الطير كذا في " البناية " للعيني
( 5 ) لدخوله في قوله تعالى : { ويحرم الخبائث } ( سورة الأعراف : الآية 157 )
( 6 ) الجيف بكسر الجيم وفتح الياء جمع جيفة
( 7 ) قوله : وهو قول أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنهم يعني الصحابة كانوا يكرهون ما يأكل الجيف . وعن مجاهد أنه سئل عنه فعافه ذكره ابن حجر في " التلخيص "

7 - ( باب أكل الضب ( 1 ) )
644 - أخبرنا مالك أخبرنا ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد ( 2 ) بن الوليد بن المغيرة : أنه ( 3 ) دخل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت ميمونة ( 4 ) زوج النبي صلى الله عليه و سلم فأتي بضب محنوذ ( 5 ) فأهوى ( 6 ) إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم يده فقال بعض النسوة اللاتي كن في بيت ميمونة : أخبروا ( 7 ) رسول الله صلى الله عليه و سلم بما يريد أن يأكل منه فقلن ( 8 ) : هو ضب فرفع ( 9 ) يده فقلت ( 10 ) : أحرام ( 11 ) هو ؟ قال : لا ( 12 ) ولكنه لم يكن بأرض ( 13 ) قومي فأجدني أعافه ( 14 ) . قال ( 15 ) : فاجتررته ( 16 ) فأكلت ورسول ( 17 ) الله صلى الله عليه و سلم ينظر
_________
( 1 ) بفتح الضاد وتشديد الباء : حيوان معروف بري يقال له سوسمار كوه باللغة الأردية
( 2 ) قوله : خالد هو ابن خالة ابن عباس أبو سفيان المخزومي أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح وشهد غزوة مؤتة مات بحمص سنة 21 ، وقيل : بالمدينة كذا في " الإسعاف "
( 3 ) قال ابن عبد البر : كذا قال يحيى وجماعة من رواة " الموطأ " . وقال ابن بكير عن ابن عباس وخالد : أنهما دخلا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 4 ) هي خالة ابن عباس وخالد
( 5 ) بالذال المعجمة أي مشوي
( 6 ) أي أمال إليه يده للتناول للأكل
( 7 ) أي سموا له ليعرف حله وحرمته
( 8 ) قوله : فقلن منهن ميمونة كما عند الطبراني وبقية النساء لم يسمين كذا ذكره ابن حجر وغيره
( 9 ) معرضا عن أكله
( 10 ) هذا قول خالد
( 11 ) أي أأعرضت عن أكله لحرمته ؟
( 12 ) أي ليس بحرام
( 13 ) أي مكة وأطرافها
( 14 ) بفتح الهمزة أي أجد نفسي أكرهه
( 15 ) أي خالد
( 16 ) أي جررته إلى نفسي
( 17 ) الواو حالية والغرض منه بيان تقريره عليه السلام على أكله الدال على حله فإنه لو كان حراما لمنعه عن أكله

645 - أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال : نادى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله كيف ترى ( 1 ) في أكل الضب ؟ قال : لست ( 2 ) بآكله ولامحرمه
قال محمد : قد جاء ( 3 ) في أكله اختلاف فأما نحن فلا نرى أن يؤكل
_________
( 1 ) أي ما حكمه ؟
( 2 ) أي لا أحرمه ولكن لا آكله لا لتحريمه بل لما مر
( 3 ) قوله : قد جاء في أكله اختلاف أي وردت في جواز أكله وعدمه أحاديث مختلفة فإن حديث ابن عمر وكذا حديث خالد المذكورين سابقا يدلان على الحل من غير كراهة وحديث عائشة وعلي المذكورين لاحقا يدلان على النهي والكراهة وإذا تعارضت الأخبار في الحل وعدمه رجحت أخبار عدمه ( قد جمع الشيخ في بذل المجهود 16 / 121 بين هذه الروايات المتعارضة وقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أباحه أولا ولكن ترك أكله تقذرا واعتذر بأنه لم يكن في أرض قومي فأجدني أعافه ثم تردد فيه باحتمال كونه من الممسوخات فلم يأمر فيه بشيء ولم ينه عنه فكان في حكم الإباحة الأصلية ثم بعد ذلك نهى عنه فصار حراما وهذا الوجه أولى لأن فيه تغليب الحظر على الإباحة ) احتياطا
قال بعض الأعلام في " شرح مسند الإمام " ( أي : تنسيق النظام ص 192 ) : أخرج أبو داود عن عبد الرحمن ابن شبل : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن أكل لحم الضب . وفي إسناده إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن عتبة عن أبي راشد عنه قال الحافظ : وحديث ( في الأصل هكذا . والظاهر أحاديث ) ابن عياش عن الشاميين مقبولة وهؤلاء ثقات شاميون ولا يلتفت إلى قول الخطابي : ليس بإسناده بذلك وبهذا تمسك أبو حنيفة وأصحابه وقالوا بامتناع أكل الضب وقد وردت أحاديث في أكل الضب بعضها تشتمل على النهي لعلة المسخ وبعضها على أن النبي عليه السلام لم يأكل منه ولم ينه عنه فمن الأول : ما أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني بإسناد رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن حسنة : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فأسفر فنزلنا منزلا أرضا كثيرة الضباب فأصبنا ضبا وذبحنا فبينما القدر يغلي إذ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن أمة من بني إسرائيل فقدت وإني أخاف أن تكون هي فاكفؤوها فكفأناها وفي رواية : وإنا جياع
ومن الثاني : ما أخرجه مسلم عن أبي سعيد أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني في غائط مضبة ( قال الحافظ : مضبة - بضم أوله وكسر المعجمة - أي كثيرة الضباب . فتح الباري 9 / 663 ) وإنه عام طعام أهلي فلم يجبه فقلنا : عاوده فعاوده فلم يجبه ثلاثا ثم ناداه في الثالثة وقال : يا أعرابي إن الله لعن على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون على الأرض فلا أدري لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهى عنها . وعند أبي داود والنسائي من حديث ثابت بن وديعة نحو ذلك . فلما كانت الأحاديث في الضب كما ترى اختلف العلماء في أكله فمنهم من حرمه حكاه عياض عن قوم ومنهم من كرهه وهو رأي أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ونقله ابن المنذر عن علي ومنهم من قال بإباحة أكله وهو قول الجمهور . وقالوا في الأحاديث التي ورد النهي فيها لعلة المسخ ليس فيها ما يدل على الجزم بأن الضب ممسوخ وإنما توقف في ذلك وهذا لا يكون إلا قبل أن يعلم الله نبيه أن الممسوخ لا ينسل وبهذا أجاب الطحاوي ثم أخرج عن ابن مسعود : سئل رسول الله عن القرود والخنازير وهي مما مسخ . قال : إن الله لا يهللك قوما فيجعل لهم نسلا فلما علم أن الممسوخ لا نسل له وكان صلى الله عليه و سلم يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته دل على الإباحة وتكون الكراهة تنزيهية في حق من يتقذره ورجح الطحاوي إباحة أكله ونقل الشيخ بيري زاده في " شرح الموطأ " لمحمد عن العيني أنه قال : الأصح أن الكراهة عند أصحابنا تنزيهية لا تحريمية للأحاديث الصحيحة أنه ليس بحرام ( قال الحافظ : والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه وجنح بعضهم إلى التحريم ويبدو أن الطحاوي أيضا فهم عن محمد أن الكراهية فيه للتحريم . انظر فتح الباري 9 / 666 )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10